شرح ألفية ابن مالك للحازمي

أحمد بن عمر الحازمي

1

عناصر الدرس * شرح مقدمة الناظم * التعريف بالناظم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَه إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. مستعدون أو ... المشوار طويل؟ ولا نريد نركض حتى لا نتعب، لا يفهم البعض أن الدورة معناها بسرعة بسرعة لا! الدرس كما هو إن شاء الله، لكن هو زيادة وقت وإطالة بحسب ما يسمح به الوقت، ما دام ثلاثة أوقات فما يحتاج إلى شرح يشرح كما هو، وما هو قابل للاختصار يختصر، وما فيه شحذ للأذهان حينئذٍ يذكر على جهة الفائدة، وهذه الأذهان فأمر معقول قريب من الذهن، وأما الأمور البعيدة والشذوذات والتكلفات هذه الأصل البعد عنها، سواء كان في النحو أو في غيرها، لكن ثمة أمور وخاصة بعلل النحو لها مردها في فهم العربية، وما أتقنها طالب هي التي ما يتعلق بالنحو وما يتعلق بالصرف إلا ويتأكد ويترجح، ويكاد أن يجزم بأن اللغة توقيفية على أصح قولي أو أقوال أهل العلم الأصوليين وأهل اللغة: توقيفٌ اللغاتُ عند الأكثرِ ... ومنهم ابن فورك والأشعري توقيف اللغات: اللغات توقيفية، كلها توقيفية سواء كانت العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، أو غيرها كلها توقيف، بمعنى: أن الله عز وجل علمها آدم عليه السلام: ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا)) [البقرة:31]. واللغة الرب لها قد وضعها هذه العلل تفيد ماذا؟ تفيد التأكيد على هذا القول، وهذا حق، من مارس علل النحو والصرف ونظر في ما تكلم به أهل البيان يجد أن هذه اللغة محكمة، لها أول ولها آخر ولها ظاهر ولها باطن، ولها أصول مطردة، هذه الأصول المطردة بعضها قد ينكشف بشاذ لا يكاد يذكر ولا ينطق في لسان العرب. لكن يقولون: الأصول المهجورة هذه تكشف الأصول المطردة، قاعدة عن الصرفيين: الأصول المهجورة الشاذة: فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا يكرم هذا الأصل، لما قال الشاعر: فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا. لأن أصله: أكرم، هذا الأصل، فعل ماضي، فتدخل عليه ياء وهمزة ونون وتاء فاعل، حرف المضارعة، فالأصل: أأكرم: (أُو أَ) الهمزة الأولى همزة مضارع .. المتكلم، أأكرم هذا الأصل، كما تقول: ضرب .. أضرب أضرب يدخل على الثلاثي، أكرم رباعي .. فالأصل: أأكرم، لكن نحن نقول: أكرم ونكرم ويكرم. هذا الحكم مطرد أو لا؟ مطرد في كل رباعي مفتتح بهمزة الاستفهام، تحذف هذه الهمزة من باب التخفيف؛ لئلا يجتمع عندنا مثلان أأكرم، هذا فيه ثقل، ثم حذفت مع الياء والتاء والنون طرداً للباب، هذا نقول: فإنه أهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا: أصل مهجور، هو الأصل، أليس كذلك؟ لكنه مهجور، كشف لنا أصلاً مطرداً وهو: يُكرمُ، ونُكرِمُ، وتُكرمُ، وأُكرم.

هذا يدل على أن اللغة محكمة، ينطق الله عز وجل بعض أرباب اللسان الفصيح العربي بكلمة تكشف للنحاة والصرفيين كثير من الأصول عندهم، ولذلك يفرحون بمثل هذه الشذوذات؛ لأنها تفسر لهم بعض الأحكام المطردة عندهم. فأقول: ما سنجري عليه إن شاء الله تعالى لا يفهم أنه دورة، نمشي عقارب الساعة تطاردنا هيا هيا؟! لا، رويداً رويداً، سنمشي قليلاً قليلاً، ومن حيث الشرح .. فك العبارات، والنظر في كلام الناظم رحمه الله تعالى، وكما ذكرنا ما يحتاج إلى إعراب أعربناه، وما لا يحتاج تركناه إحالة عليك أنت .. أنت الذي تقرأ، وأنت الذي تفهم، وأنت الذي تحفظ، وأنت الذي تراجع لست أنا، أنا حفظت وذاكرت وبقي ما بقي، وضاع ما ضاع، والله المستعان. لكن أنت الذي الآن تؤصل نفسك فتذاكر وتحفظ وتعرب لا بد من الإعراب، ولذلك لو حاول بعضكم أن يجعل ولو بالمذاكرة أن يجعل تمرين الطلاب للأزهري .. خالد الأزهري محلاً للمذاكرة والمدارسة، أظنه ما يخرج من هذه الألفية إلا وقد أتقن أصول النحو كلها عن بكرة أبيها. وأكاد أجزم ومن يتحدى فليفعل، يجلس مع صاحبه فيفتح الكتاب ثم يعرب كلمةً كلمة، وجرى خالد الأزهري في تمرين الطلاب على أنه قد يذكر بعض الفوائد، وهذه مفيدة جداً، يعني: الإعراب قد يكون محيي الدين يعرب، لكنه قد لا يؤصلك، بمعنى: أنه لا يذكر قاعدة إلا على جهة اليسير جداً، يذكر أن هذا مخالف لأصل كذا، وأن هذا لو أعرب بدل .. البدل من بدل ممنوع عند الجماهير من النحاة، هذا قليل. لكن الأزهري يكثر من هذه التعليلات، إذاً: كما ذكرت أنه لا بد من تشمير الليلة ونستعين الله عز وجل ونطلبه العون، وأن يبارك بالوقت، وفي الفهم والحفظ، فالكتاب طويل والوقت قصير، ولا نقول: عقارب الساعة تطاردنا! طيب: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: قال الناظم المصنف الإمام محمد بن مالك رحمه الله تعالى .. جمال الدين بن عبد الله بن مالك الطائي نسباً، الشافعي مذهباً، الجيّاني منشئاً، الأندلسي إقليماً، الدمشقي داراً ووفاًة، قال رحمه الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ: قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ ... وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاَ واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ ... أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ فَائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ قال رحمه الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ: بدأ نظمه بالبسملة، وهذه .. أو ذكر البسملة في الشعر إذا كان علماً ومشتملاً على الآداب الشرعية متفق على حله وإباحته، فهو جائز بالإجماع، وهذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، وإنما وقع النزاع فيما إذا كان الشعر محرماً أو مكروهاً أو مباحاً.

والصحيح: أنه إذا كان محرماً أو مكروهاً فحكمه حكم الشعر، بمعنى: أنه يكره مع المكروه ويحرم مع المحرم. وأما المباح فالأصل الإباحة، حينئذٍ نقول: المسألة فيها تفصيل: هل يجوز أن يفتتح الشعر بالبسملة؟ نقول: ما كان من العلم والآداب الشرعية فهو متفق على حله وإباحته، وأما ما ورد عن الشعبي من المنع والزهري، حيث قال رحمه الله: مضت السنة ألا يكتب أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم، هذا محمول على الشعر الذي يكون محرماً أو مكروهاً أو فيه نوع غزل ونحو ذلك. فأما هذه المنظومات فهذه جرى أهل العلم على أنها مما يندب أن تفتتح بالبسملة، ولكن الأولى ألا تجعل نظماً .. ألا تدخل في النظم، كما قال الشاطبي: بدأت ببسم الله في النظم أولاً .. قالوا: هذا خلاف الأولى، وبعضهم صرح بأنه مكروه، وأما جعلها مستقلًة تكتب في وسط السطر فهذا أمر مندوب فيما إذا كان من العلوم الشرعية. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الكلام في البسملة يطول ذكره، وقد مضى معنا كثير من ذلك، الأحكام المتعلقة بها، وأهم ما يذكر: أنه افتتح بالبسملة أو افتتح نظمه بالبسملة اقتداًء بالكتاب العزيز، حيث بدأ الله تعالى القرآن كتاب بقوله: ((بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) إلى آخر السورة [الفاتحة: 1 - 2]. وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فأقول: فعل النبي، ولا أقول: السنة قولية لضعفها، وأما حديث: {كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر ـ أو قال ـ: أجذم} أو نحو ذلك، نقول: هذا الحديث لا تثبت به الحجة، فهو ضعيف، والضعيف لا يحتج به لا في الأحكام ولا في فضائل الأعمال. والحجة فيه: السنة الفعلية، حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكتب إلى عماله، أو يكتب إلى الملوك والرسائل، ونحو ذلك بالبسملة، فجاء في صحيح البخاري: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ، من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم} فدل على أن هذا من الأمور المستحبة فعلها، إذا كتب كتاباً أو درس أو علم أو تكلم بكلام مهم يلتفت إليه أن يأتي بالبسملة: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ. والبسملة هذا اللفظ، هكذا: البسملةُ، هذا مصدر مولد، مصدرٌ مولد أو نقول: من قبيل .. ليس مصدراً مولداً، بل هو مصدر قياسي، مصدر قياسي لبسمل يبسمل بسملة، بسملة: هذا مصدر قياسي؛ لأن فعلل يأتي في اللغة مصدره قياساً على: فعللة .. دحرج يدحرج دحرجةً، دحرج: هذا فعل ماضي، يدحرج: هذا المضارع، دحرجةً: هذا القياس. بسمل يبسملُ بسملًة، نقول: بسملةً: هذا مصدر قياسي، مصدر قياسي للفعل الماضي الرباعي: بسمل. ويرد السؤال في: بسمل هذا منحوت، بمعنى: أنه اختصر من كلمات، كما يقال: حولق .. حوقل، هذا اختصار لـ: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهلل .. هيلل، لـ: لا إله إلا الله، وسمعل: السلام عليكم، نقول: هذا كله يعتبر من النحت.

وهذا النحت على قسمين في لسان العرب، منه ما هو قياسي، ومنه ما هو سماعي، وهل: بسمل هذا، من السماعي أو القياس؟ فيه خلاف والصواب أنه من السماعي، يعني: مسموع وليس بمولد، كا: الفذلكة، والبلكفة، والكذلكة، هذه كلها من قبيل النحت، لكنها مولدة، يعني: مصنوعة صنعها المتأخرون، لم ينطق بها من يحتج بلسانه. وأما: بسمل، الصواب أنه سمع .. لقد بَسْملَتْ ليلَى غَداةَ لَقِيتُها ... فيا حَبَّذا ذَاك الحديثُ المُبَسْمَلُ لقد بسملت ليلى، هكذا قال ابن أبي ربيعة، فدل على أنه قياسي وليس بسماعي. وبسمل: من حيث الإفراد .. مفرداتها، ومن حيث المعاني، قلنا: ذكرنا شيئاً مما سبق، لكن نقول: بسم الله: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف الأصح أنه يقدر فعلاً مؤخراً خاصاً، فعلاً: لأن الأصل في العمل للأفعال، ولأن الشرع جاء بذلك مصرحاً به: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)) [العلق:1] اقرأ باسم، باسم: جار ومجرود متعلق بقوله: اقرأ، وجاء في النص: حديث {باسمك ربي وضعت جنبي} وضعت .. باسمك: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: وضعت، وهو فعل، فدل على أن الأصل في متعلق البسملة أن يكون فعلاً، خاصاً: لأنه أدل على المقام؛ لأن من بسمل لشيء لا بد وأنه يضمر في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، هذا أولى من أن يقدر فعلاً عاماً أو اسماً عاماً؛ لأنه إذا قال: بسم الله أؤلف .. بسم الله أشرب .. أنام .. آكل .. بسم الله إلى آخره نقول هذا: أدل على المراد من الفعل العام. أما: بسم الله أبدأ، أو ابتدائي، أبدأ ماذا؟ هذا لفظ عام لا يفهم منه الحدث الخاص، حينئذٍ إذا أضمر في نفسه حدثاً خاصاً، نقول: قدر في نفسه ونوى في نفسه ما جعل البسملة مبدأً له، وهذا أصح من حيث المعنى. ثالثاً: مؤخراً لماذا؟ لفائدتين: أولاً: الاهتمام باسم الله تعالى، ألا يتقدم عليه شيء، بسم الله أؤلف .. أنظم. والفائدة الثانية: إفادة القصر والحصر، والقصر والحصر إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى. باسم الله لا باسم غيره، أستعين: الباء هنا للاستعانة، أو للمصاحبة على وجه التبرك. باسم الله لا باسم غيره: مثل قوله: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5] إياك نعبد: نعبدك، هذا الأصل، فأريد الحصر والقصر فانفصل الضمير فقدم، فصار المعنى: لا نعبد إلا إياك، وإياك نستعين: لا نستعين إلا بك، فتقديم ما حقه التأخير يفيد القصر والحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عدى. لهذه الأمور الثلاثة نقدره على الأصح فعل لا اسم .. مؤخر لا مقدم، خاص لا عام، لهذه العلل التي ذكرناها. وأما قوله تعالى: ((اقْرَأْ بِاسْمِ)) [العلق:1] هذا جاء مقدماً هنا، أليس كذلك؟ نحن نحتج بالآية على أن المتعلق يكون فعلاً، وهنا جاء مقدماً في الآية. نقول: هنا المراد الاهتمام بالقراءة لأن لها شأن يختص به المقام، فإذا قدم المعمول أو المتعلق .. إذا قدم المتعلق لفائدة ترجى من التقديم لا بأس، وأما الأصل فالتأخير، وَقَدْ يُفيدُ فِي الجَمِيعِ الاِهتِمَامْ ... تَقديرُ مَا عُلِّقَ بِاسْمِ اللهِ بِهْ تَقدِيمُهُ فِي سُورِةِ اقْرأْ فَهُنَا ... بِهِ وَمِنْ ثَمَّ الصَّوابُ فِي المقَامْ مُؤَخَّراً فَإِنْ يَرِدْ بِسَبَبِهْ

كَان القِراءةُ الأَهمَّ المُعْتَنَى إذاً: لما كانت القراءة هي أهم وهو المراد من إرسال الوحي، أنزال جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ بدأ بالفعل، باسم: عرفنا أنه جار ومجرود متعلق بمحذوف، وهذا المحذوف فعل، وهو مؤخر وخاص. بِاسْمِ: اسم هذا له معنىً لغوي، وله معنىً اصطلاحي، والمعنى الاصطلاحي سيأتينا، والمراد به من حيث اللغة: ما دل على مسماه، كل ما دل على مسمى فهو اسم، فيشمل الأفعال الاصطلاحية والحروف الاصطلاحية عند النحاة، فلذلك قوله عز وجل: ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ)) [البقرة:31] الأسماء ليست هذه الأسماء الاصطلاحية، وإنما الأسماء اللغوية، الشاملة للأفعال الاصطلاحية والحروف الاصطلاحية، فقام وجاء وضرب ويضرب واضرب، هذه كلها أسماء لأنها دلت على مسماها، كذلك: إلى ومن وثم وهل وبل، هذه كلها أسماء، وإنما باعتبار خاص عند النحاة جعلت مقابلة للأسماء وقسيماً لها. إذاً، باسم: نقول: الاسم هنا المراد به ما دل على مسماه، وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه، وهو مشتق على الصحيح، وأصله: الإله، الإله فِعال بمعنى: مفعول، ولذلك نقول: آلله .. لا إله إلا الله: لا إله: لا معبود بحق إلا الله، فنفسر الإله بمعنى: معبود. إله: هو أصل لفظ الجلالة: الله، هو أصله ولذلك نقول: هو مشتق، لماذا هو مشتق؟ لأنه دل على صفة، وأسماء الله عز وجل كلها دالة على صفات، ولذلك قال سبحانه: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)) [الأعراف:180] أي: البالغة في الحسن غايتها، بهذه الآية نرد على من قال بأن الله جامد ولا يدل على صفة، نقول: هذا المعنى فاسد، أو هذا القول باطل، لماذا؟ لأن الله تعالى عمَّ فقال: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)) [الأعراف:180] الأسماء: جمع دخلت عليه أل، يفيد العموم، إذاً: الله علم أم لا؟ نقول: علم، إذاً: دخل أو لا؟ دخل، يصدق عليه أن له الغاية في إثبات المعنى .. معنى الكمال له: ((وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)) [الأعراف:180] أي: التي بلغت في الحسن غايتها. وهذا إنما مرده إلى اللفظ أو إلى المعنى؟ إلى المعنى لا شك، أما اللفظ في نفسه فلا يوصف بذلك، وإنما الذي يوصف هو المعنى، فقول من يقول بأنه جامد، يدل على ذات فحسب، نقول: هذا قول فاسد. وقوله سبحانه: ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ)) [الأنعام:3] في السماوات: جار ومجرور متعلق بقوله: الله، ولا يتعلق الجار والمجرور إلا بمشتق أو ما فيه رائحة الاشتقاق، يعني: بفعل أو ما فيه رائحة الفعل. وهذه الآية يفسرها قوله تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] فدل على أن الله المراد به الإله، حذفت الهمزة تخفيفاً، ثم اجتمع عندنا مثلان: اللام الساكنة الأولى، والثانية متحركة فوجب الإدغام فقيل: الله، ثم فخم بعد الضم وبعد الفتح تفخيماً: وفخِّمِ اللاَّمَ منِ اسمِ اللهِ ... عَن فتحٍ او ضَمٍّ كَعبدُ اللهِ وبعد الكسر ترقق هذا مذهب الجمهور، أن ثم تفصيلاً، فقيل: ترقق مطلقاً، وقيل: تفخم مطلقاً، والصواب: التفصيل: أن اللام هذه تفخم بعد الضم وبعد الفتح، وأما بعد الكسر فترقق، قال ابن الجزري:

وفخم اللام من اسم الله عن فتح عن .. بمعنى: بعد، عن فتح أو ضم كعبد الله. إذاً: أصل الله: الإله، معناه كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. حاصل أن الذي ينبغي أن يعلم: أن لفظ الجلالة: الله، علم مشتق على الصحيح، بل ابن القيم رحمه الله تعالى أنكر صحة نسبة قول بالجمود لسيبويه، قال: بل سيبويه يرى أنه مشتق، وأن أصحابه أو بعضهم قد غلطوا عليه. الله: أي المعبود. الرحمن الرحيم .. باسم: قلنا: اسم هذا مضاف ولفظ الله الجلالة مضاف إليه، وهنا الإضافة من إضافة الاسم إلى المسمى، حينئذٍ تكون بيانية، فتفيد العموم، باسم: باسم الله، أي: بكل اسم هو لله عز وجل، فحينئذٍ فيه نوع تعلق قلب بالله عز وجل، وهو أن الباء هذه للاستعانة، أو المصاحبة على وجه التبرك، حينئذٍ إذا استحضر في قلبه أنه مستعين بكل اسم هو لله عز وجل زاده يقيناً وتعلقاً بربه. الرحمن الرحيم: اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، إلا أن الرحمن أكثر مبالغةً من الرحيم؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، رحمن: على خمسة أحرف، ورحيم: على أربعة أحرف، وزيادة المبنى حروف مادة جوهر الكلمة تدل على زيادة المعنى غالباً، احترازاً من حذرٍ وحاذر. الرحمن الرحيم، الرحمن: من جهة المعنى عام، ومن جهة اللفظ والإطلاق خاص، والرحيم: من جهة اللفظ عام، ومن جهة المعنى خاص، فبينهما عموم وخصوص. الرحمن: عام المعنى، من حيث إن الرحمة تشمل الكافر والمؤمن، بل حتى البهائم، ومن حيث اللفظ لا يجوز إطلاقه إلا على الله عز وجل، فهو خاص بالرب جل وعلا، والرحيم: هذا من حيث المعنى خاص بالمؤمنين: ((وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً)) [الأحزاب:43] قدم ما حقه التأخير فأفاد القصر والحصر، أي: بالمؤمنين لا بغيرهم، فدل على أن رحيم: لا يتعلق برحمة الكافرين، بخلاف الرحمن. أما من حيث اللفظ فهذا عام، قل: جاء زيد الرحيم، جاء: فعل ماضي، وزيد: فاعل، والرحيم: نعت، إذاً: وصف به المخلوق، فليس خاصاً من حيث اللفظ، فالاشتراك في اللفظ لا في المعنى، الاشتراك في اللفظ، هذا يتعلق بقاعدة الأسماء والصفات: أن اللفظ إذا كان مطابقاً للفظ أطلق على الرب جلا وعلا حينئذٍ الاشتراك في القدر المشترك من حيث الجنس، وأما من حيث اللفظ فاللفظ هو هو، وأما من حيث المعنى، حينئذٍ إذا أطلق دون إضافة إلى الرب جل وعلا أو إضافة إلى المخلوق حينئذٍ اشتركا في الجنس، أو القدر المشترك، ثم إذا أضيف إلى الرب انفصل المعنى، وإذا أضيف إلى المخلوق انفصل المعنى، كما قرره ابن تيمية في التدمُرية. إذاً: بسم الله الرحمن الرحيم، باسم الله الرحمن: رحمن من حيث السنة المتبعة، تجر: رحمنِ، على أنه نعت للفظ الجلالة، وأعربه بعضهم: بدل، بناءً على أن الرحمن هل هو علم أو كالعلم؟ مسألة خلافية عند النحاة، جاء استعمال الرحمن مستقلاً أضيفت إليه الأوصاف، فقال: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طه:5] إذاً: هذا صار علماً، ((الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ)) [الرحمن: 4 - 2] صار علماً.

ثم جاء بلفظ الرحمن في ظاهره صفةً لغيره: بسم اللهِ الرحمنِ، هل هو علم؟ فحينئذٍ لا يجوز أن ينعت به، سيأتي معنا في القاعدة: أن من المعارف ما ما تنعت .. هي تنعت، لكن لا ينعت بها، كالعلم، فالعلم تقول: جاء زيد الكريم، زيد: علم فاعل، الكريم: نعته، إذاً: نعت، لكن هل يصح أن تقول: جاء الكريم زيد، وتجعل زيد نعتاً للكريم؟ لا، لا يجوز هذا عند النحاة، حينئذٍ إذا كان علماً كيف نقول هنا: الله: مضاف إليه، والرحمن: هذا نعتٌ وهو علمٌ؟ فحينئذٍ أشكل على بعضهم فقالوا: إذاً هو ليس بعلم، بل هو كالعلم؛ لأنه وقع نعتاً لغيره. والصحيح أن يقال: إن أعلام الرب جل وعلا أعلام وأوصاف، جمعت بين أمرين، بخلاف أعلام المخلوقين، فإذا قيل: صالح، لا يلزم منه أن يكون اللفظ دالاً على مسماه، وأن يكون المسمى الذي هو الشخص ذاته متصفاً بمعنى الصلاح، هذا ليس في حق البشر إلا النبي صلى الله عليه وسلم مختلف فيه، هل أعلامه مشتقة دالة على معان اتصفت بها الذات أم لا؟ أما الرب جل وعلا فهذا محل وفاق عند أهل السنة، أن أعلام الرب جلا وعلا: أعلام وأوصاف، فمن حيث هي أعلام حينئذٍ نقول: لا ينعت بها، ومن حيث هي أوصاف صح النعت بها، فإذا وقعت نعتاً كما في الجزء الذي معنا: باسم الله ِالرحمنِ، هذه نعت، كيف صح أن يقع الرحمن نعت وهو علم لله عز وجل؟ والقاعدة: أن الأعلام لا ينعت بها؟ نقول: لم ينعت به من حيث إنه علم، وإنما نعت به من حيث إنه وصف، والشيء إذا كان له اعتباران يجوز إعمال أحد الاعتبارين دون نظرٍ للآخر، الشيء إذا كان له عدة اعتبارات اعتباران فأكثر حينئذٍ يجوز أن يراعى أحد هذه الاعتبارات بغض النظر أو قطع النظر عن الاعتبار الآخر. فالرحمن هنا: إذا أورد بأنه علم فكيف نعت به؟ نقول: لا ينعت بالأعلام مطلقاً في أعلام المخلوقين؛ لأنها لا تتضمن أوصافاً، وأما أعلام الرب جل وعلا فهي أعلام وأوصاف، فمن حيث إنه علم لا ينعت به، ومن حيث إنه وصف يصح النعت به وهنا كذلك، فالرحمن هنا: نعت، بعضهم يعربه: بدل، ولا يصح عنده أن يعربه نعتاً بناًء على هذا الخلاف، فليس الرحمن عنده علم، وإنما هو بدل، يعربه: بدل. نقول: هذا ليس بصواب، فلا تعارض بين العلمية والوصفية في حق الله عز وجل. لا تعارض بين العلمية والوصفية في حق الرب جلا وعلا. الرحيم: هذا نعت بعد نعت، يعني: جُرَّ الرحمن وجُرَّ الرحيم، وهذه سنة متبعة، ويجوز فيه تسعة أوجه قل ما شئت إلا حالتين: إذا رفعت أو نصبت الأول الرحمن حينئذٍ لا يجوز لك جر الرحيم: إن ينصب الرحمن أو يرتفعا ... فالجر في الرحيم قطعاً مُنعا الرحمنُ .. الرحمنَ، الرحيمُ .. الرحيمَ يجوز، إن رفعته فهو خبر لمبتدأ محذوف، وإن نصبته فهو مفعول به لفعل محذوف تقديره: أمدح، وهذا واجب الحذف كما سيأتي في باب النعت. إذاً: بسم الله الرحمنِ الرحيمِ .. بسم الله الرحمنُ الرحيمُ .. بسم الله الرحمنَ الرحيمَ .. بسم الله الرحمنِ الرحيمُ .. بسم الله الرحمنِ الرحيمَ .. يجوز، لكن وجهان لا يجوز، وهو: ما هو؟ إذا رفع الرحمن أو نصب حينئذٍ لا يصح جر الرحيم: إن ينصب الرحمن أو يرتفعا ... فالجر في الرحيم قطعاً مُنعا

لأنه إذا قطع عن التبعية لما قبله لا يصح الرجعة بعدها، أنت قطعت فكيف ترجع؟ إذا قلت: بسم الله الرحمنُ: خبر المبتدأ المحذوف، ثم تقول: الرحيمِ على أنه نعت للفظ الجلالة، قالوا: هذا فيه نكارة؛ فلذلك منعوه، ولعدم السماع هذا الأصل .. الأصل فيه الاحتجاج في اللغة السماع وعدمه، فما سمع على جهة الطرد والعموم حينئذٍ صح أن يجعل قاعدة، وما سمع مخالفاً لهذه القواعد المطردة حينئذٍ يحكم عليه بأنه شاذ عند البصريين، ويجعل جوازاً عند الكوفيين، وما لم يسمع حينئذٍ يرد أو ترد مسألة: هل تثبت اللغة بالقياس أو لا؟ فمنهم من منع ومنهم من جوز. قال رحمه الله تعالى: قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ ... أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ قَالَ: هذا فعل ماضي .. فعل ماضي من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى: فهو مضارع، لماذا؟ لأن العرب جرت أنها قد تستعمل الماضي بمعنى المستقبل، والمستقبل هذا شأن وحق الفعل المضارع: ((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ)) [النحل:1] أتى: فعل ماضي، وأمر: هذا فاعل، ((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ)) [النحل:1] قيام الساعة، هل أتت؟ الجواب: لا، لماذا استعمل هنا الماضي موضع المضارع؟ أولاً: ما الدليل من هذه الآية على أنه استعمل الماضي موقع أوموضع المضارع، قوله تعالى: ((فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)) [النحل:1] أتى: فعل ماضي، هذا الأصل، والفعل الماضي يدل على حدث وقع وانقطع في الزمن الذي مضى، حينئذٍ قوله: ((فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)) [النحل:1] لشيء مضى أو لشيء مستقبل؟ الثاني، فدل على أن أتى هذا فعل ماضٍ لفظاً، مضارع أو مستقبل معنى. ولذلك سيأتي أن الفعل الماضي ثلاثة أنواع: 1 - ماٍضٍ لفظاً ومعنىً، مثل: قام زيد أمس، قام: فعل ماضي، في اللفظ والمعنى؟ نقول: نعم، في اللفظ والمعنى، ما الذي أكد لنا أن المعنى هنا مراد به الماضي؟ قوله: أمس، هذا مقطوع به، قد يستعمل الفعل الماضي فيكون لفظاً ماضياً، ومن حيث المعنى مستقبلاً، وهو الذي معنا الآن، قال: أي: يقول، أو سيقول، ومنه: ((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ)) [النحل:1] .. ((فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ)) [النمل:87] .. ((وَنُفِخَ فِي الصُّورِ)) [الكهف:99] نفخ في الصور؟ ما نفخ بعد. إذاً: عبر بالماضي هنا مراداً به الاستقبال: ومنه ماض عن مضارع وضع ... لكونه محققاً نحو فزع الفائدة أنه إذا عبر بالماضي عن المستقبل: النفس لا تؤمن بالمستقبل كإيمانها بما وقع وحدث، أليس كذلك؟ بلى، لا تؤمن ولا تصدق ولا تجزم بحدث سيقع، إذا قال لك: أعطيتك درهماً، هل هو مثل: سأعطيك درهماً؟ سأعطيك بالمستقبل، قد يكون بالكلام ولا يكون فعلاً بالفعل، حينئذٍ ليس ثم اتصال بين المستقبل والماضي، إذا أريد تحقق وقوع المستقبل كأنه مشاهد وقد وقع وحصل حينئذٍ يعبر عن ذلك المعنى بالفعل الماضي: ((فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ)) [النمل:87] ففزع ونفخ، لماذا عُبِّرَ في هذه الآيات بالفعل الماضي؟ نقول: من أجل أن يكون الإيمان بها يقيناً كأنه مدرك بالحس المشاهد، فلا يكون عندك ارتياب وتردد فيما سيقع من هذه الغيبيات كأنه مشاهد وقد وقع وانقضى وانتهى، هذا أخذناه من أين؟ من اللغة العربية.

إذاً: تعين كما ذكرنا اليوم أن أشد وأمكن ما يعين على فهم القرآن هو التمعن والتمكن من لسان العرب: ومنه ماض عن مضارع وضع ... لكونه محققاً نحو فزع ((فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ)) [النمل:87]. إذاً: قَالَ: المراد به هنا: ماضٍ لفظاً، والمراد به الاستقبال، فوضع الماضي في موضع المستقبل وارد في كلام العرب على سبيل المجاز سواء عبرت عنه: مجاز، أو قلت: حقيقة ونحو ذلك، إذا كنت لا ترى المجاز الأمر واسع، لكن الأسلوب موجود في لسان العرب، وهو إطلاق الماضي مراداً به المستقبل، سميته مجازاً أو لا، نقول: النتيجة واحدة. على سبيل المجاز، وقرينة هذا المجاز هنا تقدم الخطبة على المقصود، بدليل: قوله: وأستعين الله .. قال محمد في الماضي انتهى قال، انتهى قوله كله، لكنه قال: وأستعين الله، أستعين: هذا فعل مضارع يدل على أن الاستعانة تكون لما سيستقبل لا لشيء مضى وانقطع، فأوقع الماضي موقع المستقبل تنزيلاً لمقوله منزلة ما حصل، كما ذكرناه سابقاً: إما لحصول مقوله ذهناً، أو لتحقق حصوله خارجاً عنده، يعني: في قوة الموجود، إما لكونه موجوداً بالفعل، وإما لكونه في قوة الموجود. قَالَ محُمدٌ: هذا اسم الناظم رحمه الله تعالى، وهو علم منقول، لكنه ليس له معنىً، لما أطلق عليه، وهو مخلوق وليس بنبي، حينئذٍ نقول: المعنى غير مراد هنا؛ لأن أعلام البشر ليست لها معاني .. لا تدل على معنى، قد يقال: محمد ومحمود وعبدالله وهو عبد للهوى، ويقال: صالح ونحو ذلك، وفائز وليس بفائز بل هو خاسر، نقول: هذه ألفاظ لها معاني، معانيها التي اشتقت منها في لسان العرب هل هي موجودة في المسمى؟ الجواب: لا، لا نجزم بهذا، قد يكون وقد لا يكون. أما النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ابن القيم رحمه الله تعالى يرجح أنها تدل على معاني في الموصوف، ونقل أنه قول الجمهور. قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ: هو ابن مالك، يعني: الإمام العلامة أبو عبدِالله جمال الدين بن عبد الله بن مالك، رحمه الله تعالى. هُوَ ابْنُ مَالِكِ، هو: هذا ضمير فصل للمفرد مبني على الضم في محل رفع مبتدأ، وابن: هذا خبره، وهو مضاف، ومالك مضاف إليه. هل ابن نعت في الأصل لمحمد ثم قطعه، أم أنها جملة معترضة ابتداءً؟ قال محمد هو ابن مالك، هذا محل خلاف بين الشراح، هل قوله: هو ابن مالك: جملة معترضة ابتداءً أم أن الأصل: قال محمد ابن مالك، ثم قطعه؟ لأن الإتباع كما ذكرناه في البسملة: بسم الله الرحمن: هذا إتباع، أليس كذلك؟ إتباع نعت له، والنعت يأخذ حكم المنعوت. بِسْمِ اللهِ الرَّحمنُ .. قطعناه، لم يصر نعتاً لما قبله، فحينئذٍ نقول: الرحمنُ، هذا خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو الرحمن، هذه الجملة ليست متصلة بما قبلها من حيث الإعراب في الظاهر، حينئذٍ نقول: قطع النعت، فإذا قيل: أتبع النعت بمعنى: أنه حكم عليه بحكم المنعوت جره أو نصبه أو رفعه، وإذا قطعه حينئذٍ نقول: فصله، هل قوله: ابن، في الأصل نعتاً لمحمد ثم فصله؟ هذا محل النزاع؛ لأنه إذا قيل بأنه نعت له ثم قطعه يرد إشكال، وهو أنه لا يجوز القطع إلا إذا كان المنعوت معلوماً دون النعت حقيقةً أو ادعاءً كما سيأتي معنا.

يعني: إذا قال: قال محمد بن مالك، يجوز القطع بشرط: إذا أطلق محمد يعرف المراد منه، من هو المراد، من هو محمد؟ إذا عرف حقيقةً أو ادعاءً حينئذٍ نقول: يجوز القطع، وإذا لم يكن كذلك، لم يعرف محمد مبهم، هذا اسم مشترك، قد يدل على الناظم وقد يدل على غيره فهو مشترك، إذا لم يفهم منه الاسم الدال على مسماه حينئذٍ لا يجوز القطع. ثم يبقى إشكال آخر: إذا قيل بأنه قطع، قوله: هو ابن مالك، هل القطع هنا من أجل المدح أو الذم أو البيان والإيضاح؟ من حيث المعنى: هل المراد بالقطع هنا المدح أو الذم أو البيان؟ إن كان المدح أو الذم وجب حذف العامل في النعت الذي قطعه، ابنُ: يجب حذف العامل فيه وهو: هو، وهو قد ذكره هنا، هذا محل إشكال. أجيب بأن الوجوب إنما يكون إذا كان الفعل أَمدَحُ أو أَذُمُّ، وأما إذا كان مبتدئاً فحينئذٍ صار المعنى للإيضاح فقط، وإذا كان كذلك جاز ذكره وجاز حذفه، وهنا قد ذكره، أجيب بهذا عن هذا الاعتراض، وقد يسلم وقد لا يسلم. وأما القول بأنه يعلم محمد من المراد به بعد قطع النعت، فهذا محل إشكال، ولذلك الأولى أن نقول: هو ابن مالك: جملة معترضة، لا محل لها من الإعراب، ولا نقول أنه نعت مقطوع عما قبله؛ لأنه إذا كان نعتاً مقطوعاً عما قبله حينئذٍ لا بد أن يكون المنعوت معلوماً حقيقةً أو ادعاءً، وإذا قيل: قال محمد، من محمد هذا؟ لو تركه هكذا ما عرفنا من الناظم، إذاً: لم يعلم إذا قطع النعت، وهذا محل إشكال ولا جواب عنه، إلا ما أجاب به الصبان: بأنه معلوم ادعاءً، وهذا فيه نوع تكلف. وأما الثاني: وهو أنه إذا قطع النعت وجب حذف عامله، وهنا قطع ابن كان مرفوعاً على أنه نعت لمحمد، ثم رفع على أنه خبر للمبتدأ، والرفع ليس هو عين الرفع، الضمة هذه ليست هي عين الضمة التي تكون في قولنا: قال محمد بن مالك .. الضمة هذه أحدثها ... ما الذي أحدثها ما هو العامل؟ قال على الصحيح وليست التبعية، كما سيأتي. إذاً: قَالَ محمدٌ ابنُ .. هذه الضمة أحدثها قال، إذا فصلته وقطعته، قلت: قال محمدٌ هو ابنُ .. ابنُ الضمة هذه أحدثها: هو، الذي هو المبتدأ، قالوا: وجب حذف العامل مطلقاً سواء كان للمدح أو للذم أو للإيضاح، وهذا قول مو ... ... وقيل: بل يجب الحذف إذا كان العامل مدحاً أو ذماً، وإذا لم يكن كذلك جاز ذكره وجاز حذفه، والذي معنا من باب الإيضاح لا من باب المدح والذم. قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ: هو ابن مالك: ابن هذا خبر لمبتدأ .. لقوله هو وهو مضاف، ومالك: مضاف إليه، وهذه جملة معترضة على الصحيح، ولا نقول: نعتاً مقطوعاً أو مفصولاً، بل هي جملة معترضة بين قال ومقوله، لا محل لها من الإعراب. وفائدة الاعتراض بها كما قال الصبان: تمييز المصنف عن غيره ممن شاركه في اسمه، فليست من قطع النعت؛ لأن القطع إنما يجوز إذا تعين المنعوت بدونه .. بدون النعت، إذا حذفته عرف المراد. قَال محُمَّدٌ: ليس عندنا إلا محمد واحد، حينئذٍ علم أو لا؟ علم، قال محمد وهو ناظم، وعندنا محمد آخر وهو الجاهل، إذا قال: قال محمد علم أو لا؟ علم، لكن إذا كان ثمَ كثر من أهل العلم من اسمه محمد، وكلهم ينظمون، وكلهم من أهل العربية، حينئذٍ قال: قال محمد، لا يعرف.

إذاً: ليست هذه الجملة؛ لأنها وقع فيها نزاع كبير .. ليست هذه الجملة من قطع النعت؛ لأن القطع إنما يجوز إذا تعين المنعوت بدونه .. بدون النعت، ولوجوب حذف المبتدأ في القطع بالرفع على قول، وإذا سلم أنها من قطع النعت، نقول: يكفي في جوازه تعين المنعوت ادعاءً كما هنا، هذا إجابة الصبان وفيها نوع ضعف. وأما وجوب حذف عامل النعت المقطوع فمحله إذا كان النعت لمدح أو ذم أو ترحم، وأما إذا كان للبيان والإيضاح كما هو معنا فلا يجب حذف العامل، وهذا قد يكون له وجه كبير، وأما الأول ففيه نوع تكلف. قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، ماذا قال؟ أحمد الله ربي خير .. إذاً: قال: هذه تنصب جملةً أو مفرداً في معنى الجملة، قال: أحمد ربي .. قال: وما تصرف منه، قال: يقول يقول قولاً والقول وقائل ومقول، هذه تنصب جملةً، يعني: مبتدأ وخبر بمحل نصب، وفعل وفاعل أو نائبه في محل نصب، وقد يورد لفظ واحد مفرد، لكن معناه: جملة أو جمل. قلت قصيدةً: قصيدة: هذا مفعول به لقال، لماذا نقول: قصيدًة مفرد، ونحن نقول: القول وما تصرف منه لا ينصب إلا جملةً؟ نقول: هذا في معنى الجملة؛ لأن القصيدة مسماها ليست كلمة واحدة .. قلت شعراً .. قلت كلمةً، على المعنى اللغوي، حينئذٍ نقول: هذه الألفاظ مفردة من حيث اللفظ، ولكن من حيث المعنى معناها: جمل أو جملة. أَحْمَدُ رَبِّي: هذه الجملة نقول: مقول لقال، فهي في محل نصب. أحمدُ: هذا فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمه ظاهرة في آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنا، أي: المتكلم. أَحْمَدُ رَبِّي، رب: هذا مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهي مناسبة الياء، رب: مضاف، والياء: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اجتمع في هذه الجملة: أحمد ربي الله .. أحمد ربي: اجتمع فيها أنواع الإعراب الثلاثة، 1 - الظاهر في أحمد 2 - ورب تقديري 3 - والياء المحلي. اجتمع فيها ثلاثة أمثلة: أحمد ربي .. أحمد: هذا إعراب ظاهر؛ لأنه تلفظ به، وربي: نقول: هذا منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. إذاً: المانع هو الحرف الأخير .. المانع منه هو الحرف الأخير وليس جوهر الكلمة، بدليل أنك تقول: أحمد رباً، هنا نصب أو لا؟ إذا قطع عن الإضافة رجع إلى أصله، والياء، نقول: ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه، هذه الكسرة المقدرة هنا منع من ظهورها جوهر الكلمة، وليس الحرف الأخير. إذاً: اجتمع في هذه الجملة ثلاث أنواع للإعراب: الظاهر والتقديري والمحلي، الظاهر: واضح كاسمه ظاهر، والتقديري: يكون محل ظهور الإعراب هو المانع الذي الحرف الأخير، مثل: الفتى والقاضي، وكذلك المضاف إلى ياء المتكلم. وأما المبني: فاللفظ كله الجوهر غير قابل للإعراب: إذا قالت حذامي فصدقوها أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ، أحمد: أي: أثني عليه الثناء الجميل اللائق بجلال عظمته وجزيل نعمته، التي هذا النظم من آثارها تعظيماً له وشكراً له سبحانه وتعالى لبعض ما يجب علينا له. أحمد ربي، الحمد عند أهل اللغة وغيرهم له معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي:

أما المعنى اللغوي: فهو الثناء بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التبجيل والتعظيم، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا. وفي الاصطلاح عندهم، الحمد: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً على الحامد أو غيره، وهذا التعريف فيه نظر؛ لأنهم قيدوا الحمد في مقابلة الإنعام فحسب، فيحمد الله تعالى على هذا التعريف في مقابلة إحسانه، فالصفات المتعدية التي لها تعلق وارتباط بالخلق يحمد عليها، وأما الصفات الذاتية كالحياة والكبرياء فهذه لكونها غير متعدية بالخلق هذه لا يحمد عليها، ولذلك قالوا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً! فإن لم يكن منعماً كاتصافه باستوائه على عرشه لا يحمد على هذه الصفة؛ لأن هذه الصفة غير متعدية للخلق، وهذا ضعيف. ولذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: الحمد: هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، محاسن: هذا يشمل الصفات الذاتية اللازمة والصفات الفعلية، سواء كانت متعلقة بالخلق على جهة الإكرام والجود والإحسان، أم لم تكن كذلك، وهذا عام وهو أولى بالترجيح. أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ: هنا نطق بالجملة الفعلية، وهل هي مراداً من حيث المعنى أم لا؟ نقول: فرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية المضارعية، والجملة الماضوية من حيث الدلالة على التجدد والاستمرار، فالجملة الفعلية المضارعية تدل على الاستمرار التجددي، بمعنى: أن هذا الشيء الذي علق بالفعل المضارع مطلوب استمراره وحصوله ووجوده مرة بعد أخرى، ولذلك اختار المصنف هنا رحمه الله هذه الجملة: أحمد ربي، لماذا؟ لأن الرب بمعنى: المربي، وإذا كان مربياً فآلاؤه ونعماؤه لا تزال تتجدد وقتاً بعد وقت، فناسب هذه الآلاء أن يأتي بصيغة تدل على التجدد والحصول مرة بعد أخرى. وأما الماضوية فهذه لا تدل على هذا المعنى .. لا تدل على الاستمرار أصلاً، ولا تدل على التجدد بمعنى: حصول الشيء مرةً بعد أخرى، وإنما تدل على التجدد بمعنى: الحصول بعد العدم، قام زيد: لم يكن قام ثم قام أليس كذلك؟ لكن هل هذا القيام مستمر وقت بعد وقت وحال بعد حال؟ الجواب: لا. الجملة الاسمية تدل على الاستمرار، لكن لا تدل على التجدد الذي هو بمعنى حصول الشيء مرةً بعد أخرى، وكلا المعنيين ثابت بغلبة الاستعمال على الصحيح عند النحاة، ولذلك جاء حديث: {إن الحمد لله نحمده} لو كان اللفظ الثاني: نحمده، بمعنى: قوله إن الحمد لكان حشواً، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون في كلامه ما هو حشو، لكن نصرف الجملة الأولى: إن الحمد، يعني: هذا الحمد مستمر، ولذلك علق بلفظ الجلالة الجامع للمعاني والصفات العليا. إن الحمد لله نحمده .. نعلق هذا الوصف أو الحمد بماذا؟ بآلائه ونعمائه؛ لأنها قابلة للتجدد. أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ: ربي الله، الله ما إعرابه؟ نقول: هذا بدل أو عطف بيان، وكل ما جاز إعرابه بدلاً جاز إعرابه عطف بيان إلا ما استثني كما سيأتي.

خير مالك: خير أيضاً نصب على أنه بدل، قيل: إنه بدل، لكنه ضعيف؛ لأن البدل في المشتق قليل جداً، بل حكى ابن هشام رحمه الله تعالى امتناعه، أنه يمتنع أن يعرب المشتق بدلاً؛ لأن خير هذا: أفعل التفضيل، أصله: أخير .. أفعل، كأكرم وأعلم، لكن لكثرة الاستعمال حذفت هذه الهمزة التي هي همزة أفعل: وغالباً أغناهم خير وشر ... عن قولهم أخير منه وأشر فالأصل: أخير وأشر، أليس كذلك؟ هذا هو الأصل، أفعل التفضيل، وحذفت الهمزة .. همزة أفعل التفضيل هنا في هاتين الكلمتين لكثرة الاستعمال. أحمد ربي الله خير مالك، خير مالك: ربي: المراد به المربي، فهو حينئذٍ يكون مشتقاً، وخير مالك: خير: بمعنى أفضل؛ لأن الخيرية هنا ثابتة من حيث الذات ومن حيث الوصف، فهو خير مالك جل وعلا. ابْنُ مَالِكِ: مالك الأول: هذا علم، ومالك الثاني: وصف، فإذا كتب مالك الذي هو العلم بالألف: مالك، حينئذٍ وقع الجناس التام اللفظي الخطي، وإن لم تكتب حينئذٍ وقع الجناس التام اللفظي لا الخطي .. إذا كتبت الألف في الأول فبين اللفظين جناس تام لفظي؛ لأنه ينطق به، مالك مالك، سواء كتبت الألف أم لا، فهذا جناس تام لفظي. وإذا كتبت الألف في الأول الذي هو العلم، حينئذٍ نقول: هذا جناس تام لفظي خطي، وإذا لم تكتب فهو جناس تام لفظي لا خطي. مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى ... وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا مُصَلِّياً: هذا حال من فاعل أحمد، والأصل في الحال أنها مقارنة، وإذا كان كذلك حينئذٍ يلزم أن يحمدَ ويصلي في وقت واحد بآلة واحدة وهذا متعذر، يعني يقول: الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد في وقت واحد، في ثواني واحدة يمكن أو لا؟ لا يمكن، لا يمكن أن يكون مصلياً حال مقارنة لفاعل أحمد، لماذا؟ لأنه إذا قال: أحمد ربي، يعني: سيحمد بلسانه، فمورد الحمد هو اللسان، والصلاة موردها اللسان، إذاً: اتفقا في مورد واحد في وقت واحد، وهذا متعذر، ولذلك أولت إلى أنها حال مقدرة. والحال المقدرة: هي التي يتأخر مضمونها عن مضمون عاملها، وقيل: بل مقارنة على الأصل، ومقارنة كل شيء بحسبه، فمقارنة لفظ للفظ وقوعه عقبه، رجعنا إلى الأصل وهو أنها حال مقارنة، هذا الأصل في الحال: أنها مقارنة، مقارنة للفاعل والعامل من حيث الفعل ومن حيث الوقت، هذا هو الأصل فيها، لكن هل مقارنة كل شيء لشيء لا بد وأن تكون معه في الوقت والآلات نفسها؟ الجواب: لا. ولذلك في الفاء التي تفيد التعقيب هناك: تزوج زيد فولد له، فتدل على التعقيب، بمعنى: أنه تزوج فولد مباشرة، كتب الكتاب ولد العشاء له ولد، كذلك الفاء تدل على التعقيب، تعقيب الشيء بمعنى: وقوعه عقبه مباشرة هذا الأصل، لكن نقول: مقارنة كل شيء لشيء بحسبه، ووقوع الشيء بعد الشيء أيضاً بحسبه، فإذا تزوج فولد له لا بد أن يكون بين الزواج وبين الولادة ما يكون به الحمل والوطء، الوطء والحمل، ثم بعد ذلك تحصل الولادة، وأما مباشرةً فلا.

إذاً: التعقيب هنا تعقيب كل شيء بحسبه، كذلك المقارنة هنا في الحال مقارنة كل شيء بحسبه، فحينئذٍ مقارنة لفظ للفظ وقوعه عقبه، إذاً: مُصَلِّياً، نقول: هذا حال من فاعل أحمد، وهي حال مقارنة على الأصل فإن امتنع حمله على مقارنة بحسب كل شيء بحسبه نقول: نؤولها إلى أنها حال مقدرة، وإذا كانت كذلك فهي التي يتأخر مضمونها عن مضمون عاملها. مُصَلِّياً: ما المراد بالصلاة هنا؟ أي: طالباً من الله صلاته، والصلاة عند الجمهور بمعنى: الرحمة، صلاة الله تعالى على الخلق العباد بمعنى: رحمتهم، وصلاة الملائكة بمعنى: الاستغفار، وصلاة الآدميين بمعنى: الدعاء، هذا المشهور عند الجمهور، ولكن ابن القيم رحمه الله تعالى يأبى ذلك فيفسر الصلاة بمعنى: الثناء، صلاة الله تعالى على عبده: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. مُصَلِّياً: هذا مفرد، والصلاة إما تكون جملةً إنشائية من حيث المعنى، خبرية من حيث اللفظ، وهذا المفرد لا يمكن أن يوصف بكونه خبرياً أو إنشائياً؛ لأن الوصف بالخبر والإنشاء إنما يكون للكلام، الذي هو المركب من مسند ومسند إليه، وهنا مصلياً: هذا مفرد، لكننا نقول: هو مفرد في قوة الجملة. مُصَلِّياً: أي طالباً من الله صلاته، أي: رحمته، أو ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى. عَلَى النَّبيِّ: جار ومجرور متعلق بقوله: مصلياً، وهذه رواية المشارق على النبي، ورواية المغارب: على الرسول كما هو موجود في بعض النسخ، على النبي: النبي: هو إنسان أوحي إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه على المشهور عند الجمهور، فإن أمر به، يعني: بالتبليغ، فهو رسول، فكل رسول نبي ولا عكس، وقيل: النبي من أرسل إلى قوم موافقين، وإن كان بإيحاء كتاب جديد، والرسول: من أرسل إلى قوم مخالفين، يعني: محاربين مضادين منكرين لدعوته، هذا قول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. والنَّبيِّ: مشتق من النبوة أو من النبه، كلاهما معنيان صحيحان. عَلَى النَّبيِّ يعني: إذا قيل بأنه مشتق من النبأ، والنبأ: قيل مرادف للخبر، وقيل: بأنه الخبر العظيم، والثاني مردود بقوله تعالى: ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)) [النبأ: 1 - 2] فوصفه، فلو كان دالاً عليه لما صح الوصف، وإذا كان من النبأ فحينئذٍ النبي فعيل، نبييءُ وقعت الهمزة متطرفة، فقلبت ياًء ثم أدغمت الياء في الياء، فالأصل: فعيل .. نبيئٌ، نبيئٌ: نبيئ: هذا إما أن يأتي بمعنى اسم الفاعل وإما أن يأتي بمعنى اسم المفعول، فإما أن يكون مُنبِئاً أو مُنَبَئاً وكلاهما ثابتان في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مُخبِرٌ عن الله عز وجل للخلق، وهو مُخبَرٌ عن لله عز وجل بواسطة جبريل عليه السلام. وإما أن يكون مأخوذاً من النبوة، وهي: الرفعة، وأيضاً هذا المعنى صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوع الرتبة لكونه سيد البشر، وبإحياء الرب جل وعلا إليه، يعني: بإنزال الوحي، فإذا كان كذلك حينئذٍ فعيل من النبوة، إما أن يكون بمعنى فاعل وإما أن يكون بمعنى مفعول، فإذا كان بمعنى: فاعل فهو رافع رتبة من اتبعه، وإذا كان بمعنى مفعول فهو مرفوع الرتبة لكونه منبأ عن الرب جل وعلا.

المصطفى أي: المختار، وأصل الطاء هنا منقلبة عن تاء، المصطفى، أصلها: مستفى، وقعت التاء بعد الطاء وبعد من أحرف الإطباق فوجب قلبها طاء، كما هو الشأن في المصطلح. إذاً: مصلياً على النبي المصطفى: مصطفى مفتعل من الصفوة وهو: الخلوص من الكدر، قلبت تاؤه طاءً لمجاورة الصاد؛ لأنها من حروف الإطباق الأربعة: الصاد والضاد والطاء والظاء، فإذا وقعت التاء بعد أحدها وجب قلبها طاءً كما هو مقرر في فن الصرف. ولامه مبدلة عن واو، مصطفَوٌ هذا الأصل .. مصطفَوٌ تحركت الواو وفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً. مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى: هنا صلى ولم يسلم، بناًء على القول الراجح أنه لا يكره إفراد أحدهما عن الآخر، بل يجوز أن يصلي في مجلس ثم يسلم في مجلس آخر ولو طالت المدة، وأما قوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56] فهذا لا يدل على وجوب القران بينهما، أو ندبية القران بينهما، بل الامتثال يحصل بما إذا جمع بينهما في وقت واحد، وبما إذا فرق بينهما، ودلالة الاقتران عند جماهير الأصوليين تعتبر ضعيفة، والصواب عدم كراهة إفراد الصلاة عن السلام، ولا السلام عن الصلاة، فلا يرد اعتراضاً على المصنفين بأنه صلى ولم يسلم، أو سلم ولم يصل، نقول: الصواب أنه لا يكره، نعم تمام الامتثال يحصل بالجمع بينهما ولو افترقا في المجلس؛ لأن قوله: صلوا وسلموا، نقول: هذا فيه عطف، والعطف يقتضي أن يجمع بينهما، هذا الأصل؛ لأنها لمطلق الجمع، ثم لمطلق الجمع لا يدل على أنها في مجلس واحد، بل هو يشمل ما كان في مجلس واحد وما كان في مجلسين ولو طالت المدة. فزيد من الناس إذا صلى في مجلس وسلم في مجلس آخر نقول: هذا امتثل قوله تعالى: ((صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56]. مُصَلِّياً عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى: والمراد هنا المختار من الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: {إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم} فهو مختار عليه الصلاة والسلام. وآلِهِ: يعني: وعلى آله، مصلياً على النبي: هذا حق النبي صلى الله عليه وسلم، وآله، أي: مصلياً على آله، امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: {قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد} إذاً: هذا مأمور به نصاً، بخلاف الصحب هذا من باب القياس، وأما الصلاة على الآل فهذا يعتبر امتثالاً للنص، لكن لا على جهة الاستقلال، وإنما على جهة التبعية. وآله، يعني: وعلى آله، آله: أصل آل: أهل أو أول، هذا مختلف فيه بين سيبويه والكسائي، فسيبويه يرى أن آل أصله: أهل، قلبت الهاء همزةً، ثم قلبت الهمزة ألفاً، قيل: آل، بدليل تصغيره على أهيل، هذا مذهب سيبويه، ومذهب الكسائي: أن آل أصله: أول، تحركت الواو وانفتح ما قبلها وقلبت ألفاً، أول كجمل، تحركت الواو وفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، وعلى كلٍ هذا أو ذاك فكل منهما له شاهد في لسان العرب.

وآلِهِ: المراد بالآل: أقاربه المؤمنين من بني هاشم والمطلب، هكذا قيل وهكذا يفسر في كثير من هذه المواضع، والصواب أنه في مقام الدعاء يعمم، فيقال: وآله، أي: أتباعه على دينه، وخاصةً إذا لم يذكر الصحب، وهنا لم يذكر الصحب، يعني: الصحابة، والأصل اقترانهم بالآل. مُصَلِّياً: على النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه، ولكن ذكر الصحبِ إما أن يكون نصاً وإما أن يكون ضمناً، فإذا كان نصاً فلا إشكال فيه، فيكون من باب عطف الخاص على العام، إذا أريد بالآل أتباعه على دينه، وإذا أريد بهم أقاربه من بني هاشم والمطلب حينئذٍ صار من عطف الخاص على الخاص، وأما إذا لم يذكر الصحب حينئذٍ يعمم الآل فيقال: المراد به أتباعه على دينه، فمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو داخل فيه. ويطلق الآل مراد به الأتباع: ((أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ)) [غافر:46] ليس المراد أقاربه، وإنما المراد أتباعه، فدل على أن الآل يطلق ويراد به الأتباع، قالوا: ولا يضاف إلا إلى ذي شرف بخلاف أهل، أما آل فرعون فإن له شرفاً باعتبار الدنيا، والصحيح جواز إضافته للضمير، وجاء في الحديث: {اللهم صلي على محمد وآله} إذاً: أضافه إلى الضمير، وهذا هو الصواب أنه يجوز إضافته إلى الضمير. وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا: مستكملين: هذا جمع لمستكمل، ومستكمل هذا اسم فاعل، استكمل يستكمل فهو مستكمل، السين والتاء إذا قيل: مستكمل أومستكملين السين والتاء لهما احتمالان: 1 - إما أن يكونا للطلب. 2 - وإما أن يكونا زائدين. فإذا كانا كذلك حينئذٍ يفسر إذا كان المراد به الطلب، أي: الطالبين للكمال، وإذا كانت زائدة حينئذٍ، أي: الكاملين، والكمال يكون في .... إذاً: السين والتاء للطلب أو زائدتان، وعلى كل فالمُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا: إما مفرد إذا كان بفتح الشين فهو مفرد، فالمعنى على زيادتهما: الكاملين في الشرف، إذا كانت زائدة، لأنه ليس فيهِ ثمة طلب فالسين تكون زائدة، فالمعنى على زيادتهما: الكاملين في الشرف، وعلى أنهما للطلب، أي: الطالبين كمال الشرف، فالسين لها تأثير من جهة المعنى. وإما أن يكون الشرفا ليس بفتح الشين وإنما بضم الشين، فيكون جمعاً: شُرفاء بالهمز ولكن قصره لضرورة النظم، مثلما يقال: ظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، وشريف وشرفاء، حينئذٍ بالضم يكون جمعاً، فمفعول المستكملين محذوف، أي: الكاملين كل المجد أو الطالبين كمال المجد، إذاً: إذا كان بالفتح فالشرفا يكون مفعولاً للمستكملين وهذا هو أصح مرجح عند أرباب الشروح، أن يكون الشرفا بالفتح فتح الشين، وهو مفرد وهو مفعول به للمستكملين والألف هذه تكون للإطلاق، وأما الشرفاء فحينئذٍ لا بد من تقدير مفعول به للمستكملين، ويكون الشرفاء هذا نعت لآله. وآله: هذا منعوت، المستكملين: هذا نعت أول، الشرفاء: هذا نعت ثاٍن، الشرفاء بالكسر على الأصل؛ لأنه دخلت عليه أل فردته إلى أصله: وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالا يَنْصَرِفْ ... مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ

وإذا كان المستكملين الشرفاء، جعلنا الشرفاء هذا نعتاً لآل، والمفعول به للمستكملين محذوف تقديره: المستكملين كل المجد، المستكملين باتباعه الشرف، المراد بالشرف: العلو والألف للإطلاق. ثم قال: وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ أَسْتعِينُ: السين هذه للطلب، يعني: أطلب العون عون الله تعالى والعون أو طلب العون المراد به: المعاونة والمظاهرة، بأن يعينه الله عز وجل، وأن يسدده، وأن يمكنه، وأن يزيل العوائق والعلائق عن إتمام هذا النظم. وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: أستعين في ألفية، استعان وما تصرف منها في لسان العرب يتعدى بعلى: ((وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)) [يوسف:18] .. ((وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ)) [الفرقان:4] أو بالباء: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) [البقرة:45] بالصبر، أليس كذلك؟ تعدى بماذا؟ بالباء، هنا تعدى بفي .. فالظاهر أن في بمعنى: على، حينئذٍ صار الحرف نائباً مناب حرفٍ آخر، وهذا مذهب مجوز عند بعضهم، فالظاهر أن: في، بمعنى: على، فإن الاستعانة وما تصرف منها إنما جاءت متعدية بعلى أو بفي، وهذا مذهب الكوفيين، فإنهم يضمنون الحرف لا يرون تضمين الفعل، بل يرون تضمين الحرف، فعندهم إما أن يقال: أستعين مضمن معنى فعل آخر، وإما أن نجعل في مضمناً معنى حرف آخر، إما هذا وإما هذا، أيهما أخف؟ عند الكوفيين تضمين الحرف أخف، ولذلك المذهب المرجح عندهم هو هذا، أنه يضمن الحرف. أو يجعل أستعين مضمناً معنى فعل يتعدى بفي، وهو أستخير الله في ألفية، إذاً: أستعين الله مستخيراً في ألفية، يعني: في نظم أرجوزة ألفية، فإما أن يضمن الحرف وإما أن يضمن الفعل، الأول مذهب الكوفيين، والثاني مذهب البصريين، وأستعين الله، أي: أطلب العون مستخيراً، ورد الثاني في هذا الموضع بأن الاستخارة إنما تكون للمتردد قبل الشروع في الفعل. والناظم هنا يقول: قال محمد هو ابن مالك، ثم يقول: وأستعين الله، هل أستخير، لا يتأتى هذا لا يتأتى أن يكون المراد هنا، أستعين مضمناً معنى أستخير، وإن كان مذهب البصريين هو تضمين الفعل، فهو أولى عندهم من تضمين الحرف؛ لأن التضمين أكثر فائدة، ولذلك هنا نقدره: أستعين مستخيراً، زاد معنى الاستخارة، والأولى أن يجعل: في، بمعنى: على، أستعين الله على ألفية. وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: الاستعانة إنما تكون على الفعل، والألفية هذه ألفاظ، فهل يستعين الله تعالى على نفس الألفاظ، أم يستعين الله على فعل يفعله هو بنفسه؟ لا شك أنه الثاني، ولذلك قدر الشراح: وأستعين الله في نظم قصيدة أو أرجوزة على قولين، وأستعين الله في نظم أرجوزة فنقدر نظم؛ لأن الأفعال إنما تكون على الفعل، وأرجوزة: للإشارة إلى موصوف الألفية قبل العلمية، وإلى أنها كلها من الرجز، ولا نقدر قصيدة؛ لأن القصيدة ما بني على حرف واحد بخلاف الأرجوزة فإنها من بحر الرجز: مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ ... هذا الشطر الأول. مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ ... هذا الشطر الثاني.

وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: أي: في نظم أرجوزة ألفية، أي: عدة أبياتها ألفٌ، بناءً على أنها من قبيل الرجز الكامل، والرجز الكامل: أن يكون كل بيت فيه ستة تفعيلات، مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ هذا شطر، والشطر الآخر: مستفعلٌ مستفعلٌ مستفعلٌ، هذا كله بيت واحد، لذا قيل بأنه من كامل الرجز. وألفية يحتمل ماذا؟ أنها ألفان، والنون حذفت للإضافة أو النسبة، بناءً على أنها من مشطور الرجز، فحينئذٍ إذا كان من مشطور .. الشطر: النصف، مشطور الرجز فيحسب كل ثلاثة تفعيلات أنها بيت كامل. قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ ... أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ هذا يحتمل أنه بيت، ويحتمل أنه بيتان، إذا جعلته من كامل الرجز حينئذٍ هو بيت واحد؛ لأنه اشتمل الشطر الأول على ثلاث تفعيلات والثاني صار مكملاً له على ثلاث تفعيلات فهذه ست. ويحتمل أن الأول: قال محمد هو ابن مالك، بيت كامل بناءً على أن مشطور الرجز يتألف من ثلاث تفعيلات، أحمد ربي الله خير مالك: هذا يعتبر بيتاً مستقلاً، حينئذٍ إذا حفظتها قل: حفظت ألفين، وقبل الحفظ قل: أحفظ ألفاً حتى تخفف عن نفسك، وأما بعد الحفظ فقل ما شئت، يعني: توسع في العبارة. نقف على هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

2

عناصر الدرس * تتمة شرح المقدمة * التعريف بابن معطي وألفيته. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س- هذا يقول: ذكرتم الفعل الماضي ثلاثة أقسام، فما هي؟ ج- لا ماضٍ لفظاً ومعنى، ماضٍ لفظاً ومعنى .. قام زيد أمس، وماضٍ لفظاً لا معنى: ((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ)) [النحل:1] هذا في اللفظ لا في المعنى، وماضٍ معنىً لا لفظاً: لم يضرب زيد عمرواً .. لم يضرب، متى؟ في الماضي، هذا من حيث المعنى ماضٍ، ومن حيث اللفظ ليس بماضٍ بل هو مضارع، وهذا سيأتينا عند قوله: وفعل أمر ومضي بنيا س: شرح الأشموني مع حاشية الصبان الذي عندي هو طبعة مكتبة الصفا فما .... ؟ ج- ليس في طبعة محققة معنا، لكن دار الفكر ودار الكتب العلمية، هذا من الضروري الذي لا بد منه، فتأخذ هذه الطبعة وتلك، لكن الذي طالعتها دار الفكر جيدة لا بأس بها. ما معنى: فذلك؟ * قد شبَّهوه بخَلقه فتَخوَّنوا ... شُنَع الوَرى فَتسَتّروا بالبَلْفَكَة بلا كيف هذا مولد، منحوت لكنه مولد، ومثله: فذلك، فذلك فذلك أقول: هذا مولد أيضاً، والكذلك، يعني: قول المصنف: وكذلك فعل مضارع منصوب مثلاً، قوله كذلك: نقول كذلك المصنف، لماذا كذلك؟ هذا يأتينا معنا في ابن عقيل، ابن عقيل يكذلك فيما إذا عطف على المتفق عليه بمختلف فيه، وسيأتي مثال يغلط به بعض الطلاب بل بعض المشايخ، وأما البلكفا هذه بلا كيف، قد يكون في .. مثل قلقل، قال قلت، قال البخاري قلت: كذا مثلاً شرح بالقنقلة، فإن قيل قلت فنقل، يعني: قال، فإن قيل قلت، إلى آخر ما يذكرونه. الملف (2) بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ: عرفنا أستعين أصلها: سعون .. هذه الياء منقلبة عن واو؛ لأنها مأخوذة من العون، فدل على أن هذه الواو ليست أصلية، بل هي منقلبة، حينئذٍ أقول: أصلها: سعون .. سعوِ .. سعوِ .. استثقلت الكسرة على الواو فنقلت، إحلال بالنقل إلى ما قبلها، ثم سكنت الواو فكسر ما قبلها وجب قلبها ياءً، قيل: أستعين. وَأَسْتعِينُ اللهَ: والسين هذه للطلب، أو معطوف على جملة أحمد، يعني: في محل نصب، بعدما ما تعرب مفردات، تقول: والجملة، وأستعين الله في ألفية: في محل نصب عطفاً على جملة أحمد ربي الله خير مالك، هذا على الصحيح أن الجمل كلها معطوفات على الجملة الأولى، وأن مقول القول هو: أحمد ربي الله، وليس كل الألفية هي مقول القول، وهذا قال به بعضهم. قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، ماذا قال؟ أحمد إلى آخر كلمة في الألفية في محل نصب مفعول به لقال، والصواب: أن كل جملة مستقلة، إلا إذا علم أن ابن مالك رحمه الله قالها في مجلس واحد، إذا قال في مجلسٍ واحد: قال محمد هو ابن مالك، ثم نظمها كلها عن بكرة أبيها في مجلس واحد صح هذا القول، وأما إذا جزأها حينئذٍ نقول: لا، الصواب: أن الجملة الأولى في محل نصب، مقول القول، ثم بعد ذلك تكون الجمل معطوفات على ذلك المحل.

وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ، أي: في نظم قصيدة، أو إن شئت قل: أرجوزة وهذا أجود وأحسن وهو الذي قدره السيوطي في البهجة. مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ: مقاصد: هذا مبتدأ وهو مضاف، والنحو مضاف إليه، ومحوية: خبر المبتدأ، وقيل مقاصد: هذا اسم كتاب جمعته هذه الألفية، ونفاه السيوطي رحمه الله تعالى في النكت على الألفية. ومَقَاصِدُ النَّحْوِ: أي: معظم النحو وجل مهماته، والقصد في الشيء عدم الإفراط فيه، إذاً: المراد بمقاصد النحو نقول: جل المهمات وأغراضه التي ينبغي أن يعتني بها طالب العلم في التأصيل، هو يذكر الأصول، وما يتفرع عن الأصول هذا قد يذكره وقد لا يذكره، وإنما يرجع فيه إلى ... أو الشروح، إذاً مقاصد النحو، أي: أغراضه وجل مهماته كما قال في آخر الألفية: نَظْماً عَلَى جُلِّ المُهِمَّاتِ اشْتَمَلْ ومحوية: أي: محوزة، اسم مفعول، مقاصد النحو بها: يعني: فيها، فالباء هنا بمعنى: في، يعني: محوية، أي: مجموعة فيها .. في هذه الألفية، هذا يعتبر من ظرفية المدلول في الدال، لماذا؟ لأن الألفية اسم للألفاظ المخصوصة .. الدالة على المعاني المخصوصة، هذه المعاني هي المقاصد، إذاً: الألفاظ كأنها كأس، والمقاصد كأنها ماء في الكأس، أيهما ظرف وأيهما مظروف؟ لا شك أن الألفية ظرف والمقاصد تكون مظروفاً. إذاً: بها محوية، أي: مجموعة ومحوزة فيها، أي: في هذه الألفية من ظرفية المدلول في الدال؛ لأن الألفية اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة، والمقاصد هي تلك المعاني. بها محوية: قلنا: بها يتعلق بمحوية، وإذا كان كذلك محوية اسم مفعول، ووقع ماذا؟ ووقع خبراً عن المبتدأ حينئذٍ هل يصح أن يتقدم معموله الخبري على الخبر؟ هذا سيأتي في الفعل، فيه نزاع، وفي الاسم فيه نزاع، يأتي معنا في موضعه، وبها يتعلق به، والباء بمعنى: في، ويحتمل أن تكون للسببية، ويراد بمقاصد النحو: جميعه، أي: جميع مسائل النحو مجموعة بسببها، أي: تفهم إذا فهمت، والأول هو المشهور، أن بها با بمعنى: في. ومحوية: خبر لم يطابق، ومقاصد جمع، قلنا: هذا مبتدأ ومحوية: هذا خبر، والأصل التطابق بين المبتدأ والخبر إفراداً وتثنيةً وجمعاً، وهنا محوية: مفرد، ومقاصد جمع، هل حصل التطابق؟ الجواب: لا، نقول: لم يطابق محوية الخبر .. الذي هو الخبر لم يطابق المبتدأ لأنه في مثل هذا التركيب يجوز الأمران، بل هذا هو الأفصح، أن يكون مفرداً، لكون مقاصد جمع كثرة لما لا يعقل، والأفصح فيه الإفراد، إذا كان المبتدأ جمع كثرة لما لا يعقل فالخبر يجوز فيه الوجهان: أن يطابق، وأن يلزم الإفراد .. أن يطابق مقاصد النحو بها محويات، هذا يجوز، وطابق المبتدأ؛ لأن المبتدأ جمع والخبر جمع كذلك. ولما كان المبتدأ جمع كثرة مقاصد مفاعل لما لا يعقل حينئذٍ جاز أن يلزم الإفراد، ولا يطابق المبتدأ، بل هذا هو الأفصح في لسان العرب، لكون مقاصد جمع كثرة لما لا يعقل، والأفصح فيه الإفراد: وجمع كثرة لما لا يعقل وما سواه الأفصح المطابقة ... الأفصح الإفراد فيه يافل نحو هبات وافرات لائقة

هذا سيأتي بهبات وافرة، وأفرد الناظم لفظ: وافرة في قوله: بهبات وافرة؛ لأنه يجوز الأمران، أو لتأويل هبات بمعنى: جماعة، جماعة الهبات، فيكون جارياً على الأفصح، على كل وافق هنا وخالف هناك، وافق هنا لفظاً ومعنىً، فقال: مقاصد النحو بها محوية، جاء على الأفصح، هناك قال: بهبات وافرة خالف، والأفصح أن يقول: وافرات، ولكن نؤول له، نقول: هبات، أي: جماعة الهبات، حينئذٍ أولنا الجمع في معنى المفرد. مقاصد النحو: النحو المراد به .. النحو في لسان العرب يأتي بمعنىً لغوي ويأتي بمعنىً اصطلاحي، واستوعب بعضهم النحو وأورده في أربعة عشر معنىً، والمشهور منها ستة معانٍ، مجموعة في قول الناظم: قصد ومثل جهة مقدار ... قسم وبعض قاله الأخيار قصد ومثل جهة مقدار، وقدم القصد لأنه هو الأكثر وهو الغالب في استعمال هذا اللفظ، قسم وبعض قاله الأخيار، تقول: نحوت نحوك أي: قصدت جهتك مثلاً، ونحوت المدينة، أي: قصدتها فجاء النحو هنا بمعنى القصد، وزيد نحو عمرو يعني: مثله، فجاء النحو بمعنى المثل، ومررت برجل نحوك، أي: مثلك، وتقول: صليت نحو الكعبة أي: جهتها، فالنحو هنا بمعنى: الجهة، ولزيد نحو ألف .. ألف ريال مثلاً، يعني: مقدار ألف ريال. وهذا على أربعة أنحاء، أي: أقسام، وجاء نحو القوم، يعني: بعضهم، وأكلت نحو السمكة، أي: بعضها، وأظهر معانيه وأكثرها تداولاً هو القصد، هذا من جهة المعنى اللغوي، وهذا الذي عناه الكثير بأن النحو الاصطلاحي له مرد إلى المعنى اللغوي، إذ كل معنىً اصطلاحي ولا بد أن يكون له ارتباط بالمعنى اللغوي، والعلاقة بينهما إما العموم والخصوص المطلق، أو الوجهين. وأما النحو في الاصطلاح فثم اصطلاح للقدماء المتقدمين، وثم اصطلاح خاص للمتأخرين بلفظ النحو، عندنا علمان: صرف ونحو، والنظر في الكلمة كلمة عربية، إما أن ينظر فيها قبل التركيب أو بعد التركيب في الجملة، إن نظر إليها قبل التركيب في جوهر الكلمة في ذاتها، كما مر معنا: المصطفى، أصله: مصتفى، قلبت التاء طاءً، هذه قاعدة. قلنا: إذا جاء تاء الافتعال بعد حرف من أحرف الإطباق وجب قلب التاء طاءً، هذه قاعدة صرفية، النظر فيها هنا هل هو نظر إلى الإسناد، يعني: كون هذه الكلمة مسنداً أو مسنداً إليها، كونها مبتدئاً أو خبراً أو فاعلاً أو نحو ذلك نقول: لا، وإنما نظروا إلى جوهر الكلمة .. إلى ذاتها قبل تركيبها، وكذلك قوله: مصطفون .. مصطفون الواو هذه تحركت وفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، قال محمد: قال أصله: قول فهو أجوف واوي، بدليل القول ويقول، فدل على أن هذه الألف منقلبة عن واو، أصلها: قول، تحركت الواو وانفتح ما قبلها.

هذا البحث هو بحث صرفي، أم نحوي؟ وينظر للكلمة باعتبار آخر، باعتبار أحوال أواخرها من حيث ما يعتريها من صفات تتعلق بها من حيث الرفع أو النصب أو الخفض أو الجزم، وهذا إنما يكون بعد تركيبها، بعد إسنادها إلى غيرها حينئذٍ ننظر إلى الكلمة قال قول، ثم نقول: قال زيد .. قول قال، في نفسه لا يرفع .. لوحده قال هكذا قبل تركيبه وإسناده نقول: لا يرفع فاعله، بل هو ليس فعلاً كما سيأتي بل هو اسم، كما ذكرناه (وعلم آدم الأسماء)، فهو اسم، قال: اسم على قال محمد، محمد هذا فاعل، رفعه قال، قال أصله: قول، نقول: قال هنا ليس بفعل بل هو اسم، وسيأتي معنى قوله: ومسند. النظر في الكلمة إما أن يكون قبل الإسناد أو بعده، هل علم النحو مختص بواحد من هذين النظرين، أو أنه يشمل النوعين؟ هذا يختلف باختلاف الأزمان، كان المتقدمون يطلقون لفظ النحو على النوعين معاً، فيشمل ماذا؟ علم الصرف المتعلق بجوهر الكلمة، وما يعتريها من إبدال أو إدغام أو حذف أو نحو ذلك، كل ما يتعلق بجوهر الكلمة دون نظر إلى إسنادها، فهذا صرف عند المتأخرين، لكنه نحو عند المتقدمين. وأما النظر في الكلمة بعد تركيبها وإسنادها إلى غيرها، أو إسناد غيرها إليها كقال محمد، وزيد قائم، ومات عمرو، نقول: هذه جمل اسمية وجمل فعلية، هذا النظر في آخر الكلمة من حيث الإعراب والبناء هو محل نظر النحاة، ولكن هل يسوَّى بينه وبين النظر في جوهر الكلمة من حيث الاسم لا من حيث الأصول والقواعد، وإلا القواعد متباينة ومختلفة لكن هل يسمى النظران أو الاعتباران اسماً واحداً يجمع النوعين؟ هذا ما ذهب إليه المتقدمون وجرى ابن مالك رحمه الله على هذا، ولذلك قال: مقاصد النحو، ثم نجده نظم نحواً من ثلاثمائة بيت في الصرف، فدل على ماذا؟ على أنه توسع في هذا المصطلح فضم الصرف إلى مفهوم لفظ النحو، وأما المتأخرون ففصلوا من باب التحقيق .. فصلوا بين العلمين، وجعلوا النظر في جوهر الكلمة من حيث الإعلال والإبدال والإدغام والحذف وكلما يتعلق بها، سموه علماً مستقلاً بالصرف أو التصريف ووضعوا له منظومات ونثراً وشروح وحواشي إلى آخره. وجعلوا النحو الذي يتعلق بأحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً باسم النحو على جهة الخصوص، إذاً: المزج عند المتقدمين والفصل عند المتأخرين، فحينئذٍ نقول: النحو في الاصطلاح ثم اصطلاح للقدماء واصطلاح للمتأخرين، واصطلاح القدماء المراد بالنحو عندهم: ما يرادف علم العربية، إذا أطلق علم العربية عند المتأخرين يشمل اثني عشر نوعاً، وإذا أطلق عند المتقدمين فالمراد به النحو والصرف معاً، فصار النحو مرادفاً لعلم العربية، وصار النحو شاملاً لنوعين من الفنون وهما ما يتعلق بأواخر الكلم إعراباً وبناءً وما يتعلق بذات الكلمة أو بجوهر الكلمة، فصار المراد بالنحو عندهم ما يرادف علم العربية، أي: ما يشمل النحو والصرف فقط، لتخصيص غلبة الاستعمال علم العربية بهما، يعني: الاستعمال غلب في تخصيص علم العربية بهذين الفنين فحسب فقط.

أما عند المتأخرين فيشمل اثني عشر فناً، لكن أهم علوم العربية فلا ينزع اثني عشر فناً: النحو والصرف والبلاغة، وإذا أخذ شيئاً من العروض من أجل أن يحسن قراءته وهذا شيء جيد، فحينئذٍ نقول: العلم: علم النحو الشامل للصرف يعرف بأنه: علم بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً، هذا الذي عنها ابن رحمه الله تعالى بقوله: مقاصد النحو، فهو علم بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً، إفراداً: كالإعلال والإدغام والحذف والإبدال، وهذا هو فن الصرف والتصريف، أو تركيباً كحركات الإعراب والبناء وهذا هو فن النحو عند المتأخرين. فقوله: إفراداً: لا ينظر في هذه الكلمة بعد التركيب من مسند ومسند إليه، يعني: ليس النظر هنا في كونه مبتدأً أو فاعلاً أو نائب فاعل أو خبراً لا، لا ينظر إليه، وإنما ينظر إلى جوهر الكلمة قبل تركيبها، وأما الكلمة قبل التركيب فهذه في الأصل لا توصف بكونها مبنية ولا معربة، يعني: زيد لوحدها لا تقل: زيد هكذا إلا من باب التعليم، وإلا تقول: زيد بالإسكان؛ لأن زيدٌ معناه: أنك أعربتها؛ لأن هذه الضمة ضمة إعراب، فإذا كان كذلك أين العامل؟ ليس لها عامل، أنت لم تركبها بعد .. لم تسندها إلى غيرها، فإذا قلت: زيٌد أخطأت، وإنما تقول: زيد؛ لأن الكلمة قبل تركيبها على الصحيح فيها ثلاثة أقوال: قيل معربة، وقيل مبنية، وقيل لا معربة ولا مبنية، وهذا رأي ابن مالك وهو أرجح، أنها لا توصف بإعراب ولا بناء. وأما بعد التركيب حينئذٍ ينظر إليها من جهة الإسناد وعدمه. وأما في اصطلاح المتأخرين: فالنحو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً أفردنا إفراداً هذا صار علماً مستقلاً وهذا أجود للطالب وأسهل أن يدرس الصرف على جهة الخصوص، ثم يدرس بعد ذلك النحو على جهة الخصوص، إذاً علم بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً هذا من جهة شموله لفن الصرف أو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً هذا على جهة خصوص النحو مع إخراج فن الصرف وهذا هو النحو عند المتأخرين. علم بأصول: المراد بالأصول هنا: القواعد العامة التي يقعدها النحاة كقولهم: الفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب، والمضاف إليه دائماً مجرور، والمضاف بحسب العوامل، والمبتدأ لا يكون إلا اسماً ولا يكون إلا مرفوعاً، والخبر يكون مفرداً ويكون جملةً وأحكام الضمائر والمعارف ونحو ذلك كل أبواب النحو وما يستخلص من قواعد نتيجة البحث في ذلك الباب يسمى: قاعدة، ويسمى: أصلاً ويسمى: ضابطاً ويسمى: أساساً، فهذه كلها مترادفة من حيث الاصطلاح وإن كانت متباينة من حيث المعاني اللغوية. علم بأصول: ما المراد بالعلم؟ إما أن يفسر بمعنى: الإدراك، وإما أن يفسر بمعنى: الملكة وهي هيئة راسخة في النفس تكون نتيجة عن المطالعة وضبط ودربة العلم ونحو ذلك، وإما أن يفسر بالمسائل التي هي فروع القواعد ثلاثة أقوال في تفسير العلم ولكن هنا لا يمكن تفسيره بالقواعد؛ لأننا فسرنا الأصول بماذا؟ بالقواعد كيف قواعد بقواعد؟ وإنما يفسر بالإدراك والإدراك: هو المعنى اللغوي لمعنى العلم: العلم إدراك المعاني مطلقاً ... وحصره في طرفين حققا

فالعلم المراد به: إدراك المعنى، والمراد بالإدراك: هو وصول النفس إلى المعنى بتمامه، فإن لم يكن كذلك فهو شعور لا إدراك، وهذا المعنى قد يكون معنىً مفرداً، وقد يكون معنىً مركباً، المعنى المفرد: هو مدلول اللفظ المفرد: زيد هذا لفظ مفرد، مدلوله شيء مفرد وهو: الذات المشخصة: زيد قائم هذا مركب مدلوله ثبوت قيام زيد، إدراك الأول يسمى: تصوراً وإدراك الثاني يسمى: تصديقاً، ففرق بين العلمين علم التصور وعلم التصديق: إدراكٌ مفردٌ تصوراً عُلِم العلم إدراك المعاني مطلقا سموهما: التصديق والتصورا ودَرْكُ نسبةٍ بتصديقٍ وُسِم وحصره في طرفين حققا ............................. إذاً: هذان علمان، قوله: علم، أي: إدراك بأصول، الأصول المراد بها هنا: القواعد العامة التي يستنبطها النحاة من كلام العرب بواسطة التتبع فحينئذٍ إذا قعدوا قاعدة كالفاعل مرفوع نقول: علمك بهذه القاعدة: الفاعل مرفوع، تستطيع بواسطتها أن تعرف جزئيات تلك القاعدة؛ لأن القاعدة ما هي: قضية كلية يتعرف بها أحكام الجزئيات موضوعها والكلام في هذا يطول وقد سبق معنا مفصلاً في شرح الملحق ولا بد من الإحالة. حينئذٍ نقول قضية التي هي: الفاعل مرفوع هذه قضية كلية، بأن الفاعل: هذا مبتدأ محكوم عليه، مرفوع: هذا محمول وهو خبر، الفاعل يشمل ماذا؟ يشمل زيد وعمرو وخالد من قولك: جاء زيدٌ ومات عمرٌ وسافر خالد هذه كلها آحاد هل هي داخلة تحت قولنا: الفاعل؟ نقول: نعم، داخلة تحت قولنا: الفاعل. ما الذي يدلنا على أن هذا اللفظ: زيد من قولك: جاء زيد فاعل؟ بتطبيق الحدود: الاسم المرفوع المذكور قبله فعل أو الاسم المؤول بالصريح المذكور قبله فعل إلى آخره، أو أسند إليه فعل صريح أو مؤول بالصريح مقدم عليه بالأصالة قائماً منه أو واقع عليه، حينئذٍ نقول: هذا الحد بالنظر فيه والتفكر وتنزيله على زيد تحكم بأنه فاعل. هنا فائدة الحدود حدود يذكرها النحاة ويفصلون فيها من أجل أن تحكم على اللفظ؛ لأنه يأتيك: جاء زيد، ضربت عمرواً وخالداً إلى آخره تقول: خالد من هذا اللفظ أو هذا التركيب هل هو فاعل أو تمييز أو حال؟ يلتبس، حينئذٍ الذي يضبط لك هذا عن ذاك هو الحد، فمعرفة الحد بتفاصيله وجزئياته وإدخاله وإخراجه يعينك على الحكم على الشيء بكونه فاعلاً، ثم إذا حكمت عليه بكونه فاعلاً يستلزم ماذا؟ يستلزم الحكم الإعرابي وهو: أنه مرفوع. ولذلك يركب قياس من الشكل الأول فيقال: زيد، من: جاء زيد فاعل، هذه مقدمة صغرى، وكل فاعل مرفوع فالنتيجة: زيد مرفوع؛ لأنه فاعل مع التعليل، هذه قد يقول قائل: كلفة فيها هذه أنت مبرمج عليها، أليس كذلك؟ فتحكم على الشيء بكونه فاعلاً أولاً تتصور أنه فاعل، وهذا التصور لو لم تستحضر فيه الحد إلا أن مدلول الحد هو الذي وقع في نفسك صار أمراً جبلياً لا يحتاج إلى تكلف وطلب للمعلومات.

فحينئذٍ تحكم على زيد من قولك: جاء زيد بأنه فاعل والذي دلك على هذه المقدمة الصغرى هو الحد ثم ما حكم الفاعل هل هو مرفوع أو منصوب أو مجرور؟ وكل فاعل مرفوع، هذه قضية كلية يشمل زيداً وغيره، من أين أخذنا هذه القاعدة، ما دليلها؟ استقراء كلام العرب، نظر في الكتاب وفي السنة، وفيما ورد من فصحاء العرب حينئذٍ أثبتنا بالاستقراء والتتبع أن كل فاعل مرفوع. ينتج لنا نتيجة مسلم بها وهي: أن زيد من قولك: جاء زيد فاعل مرفوع، إذاً علم بأصول بقاعدة الفاعل مرفوع ينتج لنا العلم بآحادها وأفرادها، النتيجة نقول: علم بأصول أي: بهذه القواعد ينتج لنا ماذا؟ العلم بمفردات هذه القواعد، هذه القواعد إنما تبحث في كتب النحو وأنت الذي تستخلصها يعني: تحفظها وتفهمها، ثم تطبقها على تلك الجزئيات. إذاً: يطلق العلم على القواعد المعلومة التي من شأنها أن تعلم لما علم بالفعل؛ لأن النحو له حقيقة في نفسه سواء علم أو لم يعلم، وإطلاق العلم على القواعد المعلومة بالفعل حقيقة عرفية كإطلاقه على الملكة أي الكيفية الراسخة في النفس التي يقتدر بها على استحضار ما كانت علمته واستحصال ما لم تعلمه، وأما إطلاقه على الإدراك فحقيقة لغة وعرفاً هذا هو الصواب في العلم: أنه يطلق ويراد به الإدراك، ثم استعماله في الملكة أو استعماله في القواعد هذا ليس على أصل المعنى اللغوي. وأما إطلاقه على فروع القواعد أي: المسائل الجزئية المستخرجة منها بجعل قاعدة كبرى لصغرى سهلة الحصول: هكذا زيد من قام زيد فاعل وكل فاعل مرفوع فزيد من قام زيد مرفوع، هذا فيه تجوز عند الحكماء ويعتبر من المجاز لكنه معمول به. بأصول: المراد بالأصل: الأصل الاصطلاحي، وهو المراد في القاعدة والقانون والضابط والأساس، وهي قضية كلية يتعرف بها على أحكام الجزئيات موضوعها، فقاعدة الفاعل مرفوع مثلاً: لها جزئيات، وجزئياتها: كل اسم صدق عليه حد الفاعل، أولاً الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا فهم الحدود ونزلها على الآحاد والمفردات حينئذٍ صح له أن يسمي الفاعل: فاعلاً، والمفعول به، مفعول، والمضاف، والتمييز، والحال إلى آخره. ولذلك قد يخلط الطالب بعض المسائل في التمييز والحال أو في المضاف والمضاف إليه، خاصة إذا كان في باب المبنيات، ليس له مرد في ضبط هذه المسائل إلا الرجوع إلى الحدود أنفسها، فيضبطها على الوجه الصحيح ويستحضرها حينئذٍ يصح له الاستدلال على إثبات هذا الآحاد أو هذا الفرد بأنه فاعل أو مفعول. ومن هنا تأتي صعوبة النحو عند الطلاب؛ لأنه إذا أراد أن يعرب لا بد أن يستحضر كل هذا الحدود، وأن يكون مستحضراً لشروط كل باب واستثناءات كل باب، فإذا أراد أن يعرب وجهاً صحيحاً لا اعتراض عليه لا بد وأن يستحضر النحو كله من أوله إلى آخره. ولذلك تقول: قال محمد هو ابن مالك انظر! قال هذا يتعلق في بحث الأفعال الفعل الماضي، قال محمد: هذا له ارتباط بالأعلام، هو: بالضمائر، ابن مالك: مضاف ومضاف إليه، أحمد ربي الله خير: إعراب تقدير بالظاهر إلى آخره، لا بد أن يستحضر الحدود كلها.

ولما كان ثم قصور في حفظ التعاريف واستحضارها صار النحو ماذا؟ كأنه طلاسم وإذا أعرب ولو كان حافظاً لبعض الأبواب أو بعض المنظومات إذا لم تكن عنده مستقرة استقرار تام يعني: يمليها عن ظهر قلب ويفهم معناها إن لم يكن كذلك حينئذٍ يخلط في الإعراب. ولذلك بعضهم يعرب ويأتي بالعجائب وهو يحفظ الألفية لماذا؟ لأنه حفظها هكذا ظاهراً ولم يمارس هذه الأصول وهذه القواعد التي نضمها ابن مالك: مقاصد النحو بها محوية، مقاصد يعني: جل ومهمات النحو نضمها لك ابن مالك رحمه الله تعالى. ولذلك لا يكاد أن يفوته شيء من الأصول المطردة يعني: ثم ما هو أصل مطرد تحتاجه كثير في حياتك في الكلام وفهم كلام الناس في الخطابة إن كنت خطيب، أو في التفسير ونحو ذلك، الأمور التي قد تستعين ببعض الكتب مما يزيد على شروحات الألفية إنما يكون في النوادر أو في الشذوذات، أو في توجيه بعض الأقوال، يمر عليك قول ينسب للفراء ما وجه استدلاله أو ما وجه القول هذا؟ لا بد وأن تبحث في الحواشي ونحو ذلك، ولو قلت: هذا اللفظ من حيث هو ينظر إليه، هل هو مسلم به أو لا؟ دليله ليس من شأنك أنت. إن كان هذا مستدل له بدليل وهو واضح بين فاقبله ولا ترده، وإن لم يكن كذلك فلا تتعب نفسك إن لم يكن من الأصول المطردة. إذاً: مقاصد النحو، ما المراد بمقاصد النحو؟ نقول: أغراضه وجل مهماته، ما المراد بكلمة: النحو هنا في عبارة ابن مالك رحمه الله؟ ما يشمل الفنين .. ما يرادف علم العربية/ وعلم العربية يستعمل في فنين فقط لا ثالث لهما وهما: النحو عند المتأخرين والصرف أو التصريف. موضوع علم النحو: الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء، هذا من اصطلاح المتأخرين وهو العمدة. والثمرة: فهم الكتاب والسنة وإقامة اللسانين. وفضله: الوسائل لها أحكام المقاصد، فإذا كان يستعان بهذا النحو على فهم الكتاب والسنة فما كان منه واجب كان تعلم النحو واجب، وما كان عيناً فهو عين، وما كان مستحباً فهو مستحب. والنسبة بينه وبين العلوم الأخرى التباين، والواضع هو أبو الأسود الدؤلي بأمر أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، ولذلك قسم له الأشياء فقال: اسماً وفعلاً وحرفاً كما سيأتي قال له: انح لهم نحواً، فسمي النحو لتسمية علي رضي الله تعالى عنه. الاستمداد: من كتاب الله، وهذا متفق عليه، والسنن على الصحيح، هل يستدل بالحديث بإثبات قاعدة أو لا؟ هذا فيه خلاف، أكثر النحاة على المنع، بناءً على جواز الرواية بالمعنى، والصواب أنه يحتج به في إثبات الأحكام أو القواعد العامة في لغة العرب. والثالث: كلام فصيح العرب بالتتبع والاستقراء. اسمه: علم النحو من إضافة العام للخاص، والنحو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول أي: المنحو وهذا يعتبر من إطلاق المصدر نحا ينحوا نحواً مصدر، أطلقه وأراد به ماذا؟ اسم المفعول، لكن هل هو خاص بهذا الفن: علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم، أقول: هل هو خاص به أم أنه عام؟ كل علم منحو أم لا؟ كل علم منحو، يعني: مقصود، أنت تقصد علم الفقه وتقصد علم التفسير، إذاً هو مقصود.

والفقه في اللغة: الفهم، الفقه هو: الفهم، كل علم مفقوه يعني: مفهوم فليس خاصاً بالفقه الاصطلاحي عند المتأخرين حينئذٍ يكون من إطلاق العام وإرادة الخاص أو صار حقيقةً عرفيةً في اصطلاح القوم الذين اصطلحوا على هذا الاصطلاح، ولذلك الاصطلاح هذا يعرف بأنه: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه. فإذا كان النحاة اصطلحوا على أن الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله حينئذٍ عند أهل اللغة الفاعل كل من أوجد الحدث أو الفعل فهو أعم؛ لأن: زيد قائم، زيد هذا فاعل زيد قائم فاعل أم لا؟ فاعل نعم؛ لأنه هو الذي أحدث القيام فهو فاعلٌ لغة لكنه ليس فاعلاً اصطلاحاً، فكل فاعل اصطلاحاً فهو فاعل لغة من غير عكس. إذاً: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه. ومسائله: القواعد التي تبحث فيها كالفاعل مرفوع ونحو ذلك. وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ تُقَرِّبُ الأقْصى .. تقرب، يعني: هذه الألفية للأفهام، الأقصى، يعني: الأبعد، وهل أفعل التفضيل على بابه أم لا؟ هل الألفية هذه إذا قربت للأفهام الأقصى الأبعد، هل يلزم منه أن تقرب البعيد، أم قد يفوته؟ قيل: يلزم، فحينئذٍ لا تكون أفعل التفضيل على بابها، بل تقرب الأقصى الأبعد والبعيد من باب أولى وأحرى. وقيل: لا، لا يلزم من تقريب الأبعد تقريب البعيد؛ لأنه قد يعتني بالمعاني الدقيقة، فيفوته ما هو قريب من ذلك، وهذا أمر ملاحظ، حينئذٍ نحمل أقصى هنا على غير باب أفعل التفضيل، ونقول: تقرب هذه الألفية للأفهام .. فهم الطلبة الأقصى، يعني: الأبعد والبعيد فيشمل النوعين، لا من باب التلازم. لو جعلناه من باب التلازم لقلنا: أفعل هنا على بابه، ولكن نقول: لا، ليس على بابه بل هو يشمل الأبعد والبعيد، أي: تقرب البعيد للأفهام أو الأبعد من المعاني. بلفظ موجز: يعني: مع لفظ موجز، فالباء هنا بمعنى مع، أو للسببية يحتمل هذا ويحتمل ذاك، وكلاهما عليهما الشراح، يعني: بعضهم فسره بمعنى: مع. مع لَفْظٍ مُوجَزِ: بسبب لفظ موجز، لا إشكال في هذا، فلفظ الباء بمعنى: مع، أي: تفعل ذلك مع وجازة اللفظ، أي: اختصاره، والأشموني مشى على هذا، أنها بمعنى: مع، ولم يجعلها سببية؛ لأن المعهود سبباً للتقريب، البسط لا الإيجاز، إذا أراد أن يفهم غيره حينئذٍ يختصر له الكلام اختصاراً أو يسهب؟ يفصل تفصيلاً أم أنه يختصر الكلام اختصاراً؟ إذا أريد الفهم على جهة البسط يفهم كل المسألة من أولها وآخرها، فحينئذٍ لا بد من البسط، فكيف يقول رحمه الله: تقرب الأقصى البعيد للأفهام، أفهام الطلبة بلفظ موجز، يعني: مع الاختصار، لذلك عدل الأشموني عن تفسير الباء هنا بكونها للسببية إلى كونها، بمعنى: مع. ولذلك قال: ولم تجعل للسببية؛ لأن المعهود عند الناس وعند أهل العلم سبباً للتقريب البسط لا الإيجاز، ويصح كونها للسببية على الصواب فيكون فيه غاية المدح للمصنف، حيث اتصف بالقدرة على توضيح المعاني بالألفاظ الوجيزة التي من شأنها تبعيده، التي من شأنها: من شأن الألفاظ الوجيزة تبعيد المعاني الدقيقة، لكن لقدرة المصنف وبلاغته استطاع أن يعكس الأمر.

تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ، يعني: مع لفظ موجز، والموجز المراد به هنا الاختصار، فالإيجاز هو تقليل الكلام – الألفاظ_ مع كثرة المعنى، وهذه صفة سائدة في المختصرات عند أهل العلم، ولذلك عم بها النفع لمن اشتغل بها، لفظ قليل، ولكن تحته من المعاني الكثيرة الكثيرة الكثيرة، ولذلك في الفقه تظهر هذه المزية أكثر وأكثر؛ لأنه يأتي بالمنطوق والمفهوم، يذكر الحكم بالمنطوق وعكسه المفهوم، يكون مخالفاً للحكم وهو مراده .. هو مراده. ولذلك قد يستدرك على بعضهم بماذا؟ بأنه أطلق المفهوم والأصل تخصيصه، الأصل أنه لا يعم، حينئذٍ يورد عليهم من هذه الحيثية، لماذا؟ لأن المفاهيم المنطوقات، والمفاهيم في المتون سواء كانت نثرية أو منظومات مرادة عند أرباب التصنيف، وما جاءت الاعتراضات والنقد والتنقيح إلا من أجل هذا، وما اختصرت إلا من أجل تسهيل العلم، لا من أجل تعقيد العلم، والبعض يظن أن هذه المختصرات لها نوع إضلال لبعض الطلاب هكذا يعبر البعض، ويقول الزاد هذا أضل الطلاب، لماذا؟ لأنه كلام بدون دليل هذا أولاً، ثم فيه من تعجيز الكلام وربط الكلام بحيث يوصل إلى عدم الفهم من قراءة اللفظ بنفسه وهذا ليس بصحيح، الزاد كغيره من المتون، إنما يوجد فيه بعض الألفاظ التي تحتاج إلى تصحيح، لكن في الجملة نقول: هو واضح وبين. إذاً: تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ: يعني: مع لفظ موجز، أو بسبب لفظ موجز، وهذا إذا أردنا به مدحة ابن مالك رحمه الله تعالى. وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ: يعني: توسع البذل، ما المراد بالبذل هنا؟ العطاء. بِوَعْدٍ مُنْجَزِ: يعني: مع وعد منجز، أو بسبب وعد منجز، يعني: تفسر الباء هنا كما فسرت في قوله: بلفظ موجز، إما أن تكون للمعية، وإما أن تكون للسببية، وتبسط البذل، يعني: توسع هذه الألفية لوجازتها العطاء الكثير للطالب .. طالب العلم؛ لأن اللفظ الواحد والجملة الواحدة يدخل تحتها جمهور من المسائل، إما بالمنطوق وإما بالمفهوم كما ذكرناه، وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ، يعني: مُوُفَاً أو مُوَفَّاً سريعاً في أسرع وقت، وهذه كانت طريقة المتقدمين، أنه إذا درس متناً متوسطاً فما فوق نبغ، بخلاف الآن المعاصرين يدرس ويدرس ويدرس وهو مبتدئ الأوائل لا كان الطالب يتخرج في سبع سنين إلى عشر سنين فإذا به يخلف شيخه، ويراجع الدرس للطلاب، والآن لا، يجلس يدرس ويدرس ويدرس وهو مبتدئ، لماذا؟ لعدم العناية بهذه المنظومات وبهذه المختصرات، فهي مفتاح .. هي لطالب العلم مفتاح، انتبه، يعني: لا يلج العلم بدون أن يكون له مختصر محفوظ، كما ذكرنا اليوم عن النووي رحمه الله تعالى، ويحفظ في كل فن مختصراً. الأئمة كلهم عن بكرة أبيهم من أولهم إلى آخرهم لا بد وأنه قد سار على هذا المنهاج، وأما أن يريد أن يصل العلم دون متون ودون مختصرات وأن يأتي هكذا من رأسه ويقرأ المطولات، ويجرد ويختصر ويكتب إلى آخره دون أن يسير بهذا السير الذي أصله أهل العلم فلن يصل، هيهات هيهات. وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ: هذا إشارة إلى ما تمنحه لقارئها من كثرة الفوائد، وهو كذلك، من درس الألفية وضبط معها بعض الشروح حينئذٍ حصل الكثير والكثير.

وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ: تقتضي: يعني: تطلب، القضاء هنا بمعنى الطلب، أو بمعنى الحكم، قد يأتي القضاء بمعنى الحكم وبمعنى الطلب، تقتضي، أي: هذه الألفية، يعني: تطلب من الله، هكذا قدره بعضهم، أو من قارئها، أو منهما معاً، إما من الله تطلب الرضا، وإما من قارئها طالب العلم، أو مقرئها، أو منهما معاً، يعني: من الله تعالى ومن قارئها، وإسناد الطلب إليها مجاز عقلي، كيف تطلب هي من الله؟! هي ألفاظ ترفع يديها وتدعو الله عز وجل، نقول: لا، هذا إسناد عقلي، يعني: مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب، إذ الطالب في الحقيقة ناظمها، هو ناظمها وهو الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى. وتقتضي رضاً، أي: محضاً، رضاً بكسر الراء، وهو سماعي، كضم سين: سخط، وسكون خائه، والقياس الفتح؛ لأنه من باب فرح يفرح، وتقتضي، أي: هذه الألفية، رضاً محضاً. بغير سخط، يعني: لا يشوبه شيء من السخط، سواء كان من الله تعالى إذا كان الطلب من الله، أو كان من القارئ، فلن يسخط عليه أبداً، ولذلك قل أن يوجد نقد لابن مالك رحمه الله تعالى إلا في موضعين اثنين لا يكاد الجواب عنهما أن يتم: وكلمة بها كلام قد يعم ... يأتينا غداً إن شاء الله ولذلك قال السيوطي: هذا من أمراضه التي لا دواء لها، يعني: لا يمكن الإجابة عنها، وجرت عادتهم أنهم في المصنفات المختصرات أنها مجلة ومحترمة ومعظمة، يعني: لا يكثر النقد إليها، لأنه إذا انتقدت وورد فيها الانتقادات العشر والمائة والألف سقطت هيبتها، إذاً: نحن نريد أن نحفظ المتن من أجل ماذا؟ أن نضبط العلم، ونمدحها من أجل أنها تجمع لنا العلم الذي صنف فيه هذا الكتاب، فإذا انتقدناها ما تركنا فيها شاردة ولا واردة ما بقي لها حرمة. فلذلك من عادتهم أنهم ولو من باب التكلف أن يجيبوا عن أي اعتراض، وهذه سنة متبعة عند المؤلفين، ولا بأس بها، لكن لا يصل إلى حد التكلف الذي يكون بعيداً، إن أجيب بإجابات مقبولة واعتذارات قريبة لا بأس بها، وأما التنطع وتنزيه المصنف عن أن يقع في خلط هذا فيه تكلف. ولذلك شراح الألفية على ثلاثة أنحاء: متعصبون لابن مالك رحمه الله، وبعضهم يحط من شأنه، وبعضهم معتدل كابن عقيل رحمه الله تعالى. وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ، يعني: رضاً تام لا يشوبه شيء من السخط، وهذا علامة الإتقان أنه قد أتقن هذا النظم على الجادة. فائققةٍ .. فائقةً .. فائقةٌ: يجوز فيه الأوجه الثلاثة، فائقةً: هذا على أنه حال من فاعل تقتضي، تقتضي: هذا فعل مضارع، مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هي يعود إلى الألفية. تقتضي هذه الألفية ماذا؟ وتقتضي رضاً بغير سخط حالة كونها فائقةً ألفية ابن معطي، فائقةٍ بالجر، وأستعين الله في ألفية فائقةٍ: على أنه صفة لألفية، فائقةٌ: وهي فائقةٌ، على أنه خبر لمبتدأ محذوف. فائقة: أي: عالية في الشرف، يعني: فاقت ألفية ابن معطي، وكان قبل تأليف الإمام مالك رحمه الله تعالى ألفيته هي التي لها الراية، وهي التي يحفظها طلاب العلم، ولكن لما ألف هذه قضت على تلك، كالزاد مع المقنع، كان الأصل هو المقنع لابن قدامة رحمه الله تعالى، فلما ألف الحجاوي الزاد حينئذٍ لم يترك له شاردة.

أي: عالية في الشرف، وإنما فاقتها؛ لأنها من بحر واحد، من الرجز كلها من أولها إلى آخرها، بخلاف ألفية ابن معطي فإنها من بحرين السريع والرجز، وهذا يشوش على الطالب. كذلك هذه الألفية أكثر أحكاماً من ألفية ابن معطي، وهذه جرت عادة أهل العلم أنهم في مثل الألفيات أو المختصرات أنهم يقارنون ما كتبوه بما سبق، ولذلك السيوطي هناك يقول: وهذه ألفية تحكي الدرر فائقةً ألفية العراقي ... منظومة ضمنتها علم الأثر في الجمع والإيجاز واتساقِ نفس الكلام؛ لأن العراقي هو سابق وهو متأخر، والقاعدة عند أرباب المختصرات إذا أراد الطالب أن يميز بين مختصرين أو نظمين أيهما أجود ولا يقع في نزاع؟ أن الثاني المتأخر إذا كان أهلاً للتصنيف فالاشتغال بكتابه أولى، المتأخر إذا كان أهلاً للتصنيف، وبلغ الغاية في الفن الذي نظم أو كتب، فالاشتغال بكتابه أولى. ولذلك ابن معطي هنا مع وجود ألفيته وهي مطبوعة ومشروحة .. مع ذلك تركت واشتغل بألفية ابن مالك، وهو متأخر بعده، وجمع في هذه الألفية ما تركه ابن معطي؛ لأن الناقد بصير، وهو قبل أن ينظم لا بد أنه نظر في من سبقه، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا بد وأنه يستدرك ما قد فوته الأول، ولذلك ألفية السيوطي مرجحة على ألفية العراقي، لماذا؟ أولاً: لأنه متأخر، ولأنه أهل للتصنيف ولو كان في هذا الفن، ثم أن العراقي أسبق منه وإن شرحت ألفيته من جهته هو أو من جهة السخاوي، نقول: هذان الشرحان لا يتعلقان بالنظم نفسه؛ لأن الترجيح إما أن يكون لذات الشخص، وإما أن يكون لذات النظم، وإما أن يكون لما كتب على النظم أو المتن نفسه، حينئذٍ إذا نظر إلى الشخص هوالشخص .. نحن نقول: لا نريد أن نحفظ العراقي نفسه ولا السيوطي، وإنما نريد ما ألفه العراقي وما ألفه السيوطي. إذاً: ننظر بتجريد المتنين عن أصحابهما، فننظر في المتن نفسه هل هو فائق بالفعل ألفية العراقي أو لا؟ ثم ما كتب على ألفية العراقي نقول: يمكن تجريده وجعله على ألفية السيوطي، أليس كذلك؟ السخاوي رحمه الله تعالى شرحه إما أنه يتعلق بلفظ بالمتن، وإما أنه لفائدة وحكم ومسألة بالمصطلح، الثاني هذا يمكن جعله على ألفية السيوطي، وأما الأول فلا علاقة لنا به، لماذا؟ لأن كل تركيب يحتاج إلى حل يختص به. على كل، قال هنا: فائقةً ألفية ابن معطي، حينئذٍ رجحت ألفية ابن مالك رحمه الله تعالى لهذين النظرين: أن ألفيته من بحر الرجز، كلها من أولها إلى آخرها، وأما ألفية ابن معطي فإنها اشتملت على بحرين السريع والرجز، كذلك هذه أكثر فائدة، يعني: أشمل من جهة الأحكام النحوية من ألفية ابن معطي.

فائقةً ألفية ابن معطي، ألفية: بالنصب .. أيش اعرابه؟ مفعول به لفائقة؛ لأن فائقة هذا اسم فاعل، واسم الفاعل يعمل عمل فعله، وابن معطي: هو الشيخ زين الدين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي، نسبةً إلى زواوى وهي قبيلة كبيرة كانت تسكن بظاهر بجايا من أعمال أفريقيا الشمالية، الفقيه الحنفي، ولد في سنة أربع وستين وخمسمائة، وأقرأ العربية مدةً بمصر ودمشق، وروى عن القاسم بن عساكر وغيره، وهو أجل تلامذة الجزولي، وكان من المتفردين بعلم العربية، وهو صاحب الألفية المشهورة وغيره من الكتب الممتعة، وقد طبعت ألفيته في أوروبا والعلماء لهم عليها عدة شروح، لكنها دون ألفية ابن مالك رحمه الله تعالى. وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاَ ... مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا وهْو: بإسكان الهاء للوزن، يعني: ابن معطي، بسبق علي .. يعني: بسبب سبقه علي، حائز، أي: جامع تفضيلاً علي، هذا فيه ماذا؟ فيه أشبه ما يكون كالاستدراك لما سبق، يعني: لا يظن الظان أنه إذا رجح ألفيته على ألفية ابن معطي سقط ابن معطي؟ لا، بل هو له فضله وله مكانته في كونه سابقاً في التأليف والإفادة، قد أفاد أمم وحفظوا ألفيته، ومع ذلك له الفضل عند الله تعالى. وهو، أي: ابن معطي، بسبق: الباء للسببية، أي: بسبب سبقه إياي، بسبق، أي: بسبق علي في الزمن والإفادة، وفي تقديم المعمول: بسبق حائز تفضيلاً .. تقديم المعمول إشارة إلى أنه لم يحز الفضل على المصنف إلا بالسبق، والجار والمجرور مرتبط بكل من حائز ومستوجب، وهو بسبق حائز أي: جامع. تفضيلاً، أي: علي، أي: فضلاً، والمراد بالتفضيل .. التفضيل هنا: مصدر فضل يفضل تفضيلاً، والمراد به فضلاً، من إطلاق المسبب على السبب، أو هو مصدر مبني للمفعول. إذاً: بسبق حائز جامع تفضيلاً علي، فهو مفضل علي بسبب ماذا؟ بسبب سبقه علي في الزمن والإفادة، وهذا ثابت شرعاً وعرفاً. مستوجب، أي: مستحق، ويحتمل أن السين والتاء للتصيير، أي: مصير الثناء واجباً علي .. مستوجب علي أيضاً، فكل هذه تقدر بجار ومجرور محذوف، وهو بسبق علي، حائز تفضيلاً علي، مستوجب: أي: مستحق علي. ثنائي الجميلا .. مستوجب ثنائي، وايش إعراب ثنائي؟ مفعول به لمستوجب، والسين هذه مستوجب .. للطلب، يعني: طالب مستحق، مستوجب علي .. ثنائي، الثناء: مختص بالخير عند الجمهور، وعند ابن عبد السلام يعمه والشر، فيقال: أثنى عليه شراً: {مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، ومروا بجنازة فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت} قال ابن عبد السلام: إذاً أثنوا عليها خيراً وأثنوا عليها شراً، وهؤلاء صحابة وهم حجة في لسان العرب، إذاً: الثناء لا يختص بالخير، بل يعم الشر. مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلا: عليه لانتفاعي بما ألفه واقتدائي به، ولما يستحقه السلف من ثناء الخلف، والجميل: إما صفة لازمة أو مخصصة أو معمول للثناء، أي: ثنائي الثناء الجميل، أو ثنائي بالجميل، إذاً: أشار في هذا البيت إلى أن ابن معطي رحمه الله تعالى وإن فضلت ألفية ابن مالك عليه إلا أن له الفضل في السبق والإفادة. واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ ... لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ

والله يقضي: هذا سؤال، خبرية لفظاً إنشائية معنىً، يعني: اللهم اقض لي، والله يقضي: خبرية أريد بها الدعاء، أي: اللهم اقض بذلك، والله يقضي، يعني: يحكم. بهبات: جمع هبة، وهي العطية، أي: عطايا، وهنا وصف هبات وهو جمع بوافر، وهو مفرد لما ذكرناه سابقاً، هذا على خلاف الأصح، لكن لا بد من التأويل، لتأوله بالجماعة، وإن كان الأفصح: وافرات؛ لأن هبات جمع قلة، والأفصح في جمع القلة مما لا يعقل وفي جمع العاقل مطلقاً المطابقة، والأفصح في جمع الكثرة مما لا يعقل الإفراد الأفصح فيه الإفراد. والله يقضي بهبات، يعني: بعطايا من فضلة جل وعلا وافرة، أي: زائدة، وقيل: تامة، من وفر الشيء، يعني: من وفر اللازم لا المتعدد، بهباتٍ وافرةْ: هذا الأصل، وقف على السكون من أجل الوزن. لي وله، لي: بدأ بنفسه لحديث: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه} رواه أبو داود، وجاء عن نوح: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ)) [نوح:28] وعن موسى: ((قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي)) [الأعراف:151] وله، يعني: لابن معطي. في درجات الآخرة: مضاف ومضاف إليه، لي وله في درجات: هذه كلها متعلقة بيقضي، أو صفات لهبات، هبات لي .. هبات له .. هبات في درجات الآخرة، ولكن بعضهم جعل في درجات الآخرة أنه متعلق بمحذوف صفة لهبات، ولا يصح أن يتعلق بيقضي، لماذا؟ لأن المعنى: والله يقضي في درجات الآخرة، درجات الآخرة ليست محلاً للحكم والقضاء أليس كذلك؟ وحينئذٍ لا يصح تعليق في درجات الآخرة بيقضي، وإنما يتعين أن يكون متعلقاً بمحذوف صفة لهبات. واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ ... لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ درجات: قال في الصحاح: هي طبقات من المراتب، يعني: مراتبها علية، وقال أبو عبيد: الدرج إلى أعلى والدرك إلى أسفل، والمراد: مراتب السعادة في الدار الآخرة، ولفظ الجملة خبر ومعناها: الطلب. هذا ما يتعلق باختصار بمقدمة المصنف رحمه الله تعالى. ونقف على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سؤال: هل صحيح أن ابن مالك رحمه الله تعالى نظم الألفية للمبتدئين؟ - الألفية تعتبر من كتب المتوسطين في علم النحو، ولذلك يجعلها البعض بعد الآجرومية، يعني: يدرس الآجرومية شرح جيد ثم بعد ذلك لا بأس أن يأخذ الألفية، ثم بعد الألفية يأخذ: جمع الجوامع للسيوطي إذا أراد الانتهاء؛ لأن جمع الجوامع سار فيه على نهج تاج الدين السبكي في جمع الجوامع في الأصول. تاج الدين السبكي في الأصول جمع كتابه: جمع الجوامع من زهاء مائة مصنف، والسيوطي سار بسيره فجمع كتابه من مائة مصنف، فدل على أنه قد حوى علماً جماً، وشرحه في: همع الهوام، وهذا الكتاب لو اعتكف عليه الطالب بعد الألفية الكل في الكل في النحو. نعم صحيح تناطح سيبويه والفراء والخليل، لو اعتكف عليه وفهم الفهم الصحيح حينئذٍ تكون سيبويه زمانك، وهم يقتطفون منه كثير الأشموني والصبان وغيرهم، يأخذون منه الكثير؛ لأن فيه أقوال قد لا توجد في غيره؛ لأن المتتبع للمصنفات لا بد وأن يقف على أقوال قد لا تكون مشهورة، وهو يأتي بالمشهور وغيره.

س: يقول خالد الأزهري في تمرين الطلاب عند: بسم الله الرحمن الرحيم يلزم على الأول أن يعمل المصدر محذوفاً، ما هو الأول؟ ثم يقول: عمل المصدر لما فيه من راحة الفعل لا بالحمل على الفعل. - نعم، مصدر مما يتعلق به الجار والمجرور، ثم إذا قلنا: هو متعلق للجار والمجرور أو الظرف، هل هو بالقياس والحمل على الفعل، أو لما فيه هو من رائحة الفعل؟ لا شك أنه الثاني؛ لأن المصدر مدلوله الحدث، إذا قيل الضرب من ضرب .. ضرب هذا مؤلف من جزئين، الضرب والزمن، حينئذٍ قيل: الضرب مصدر، مسمى المصدر هو الضرب، فهو اسم للفظ، هل هذا يعمل .. الضرب هل يعمل قياساً على الفعل، أو لما فيه من رائحة الفعل؟ لا شك أنه رائحة الفعل؛ لأنه أحد جزئي الفعل، وثم جزء ثالث سيأتي معنا إن شاء الله. - وماذا يقصد باللام المقدرة قبل لفظ الجلالة في البسملة بسم الله .. - نعم، هل الله هنا مجرور بلفظ اسم، أو بالإضافة، أو باللام المقدرة، ثلاثة أقوال: إذا قيل: بسم الله، اسم هذا مجرور بالباء، والعامل فيه حرف الجر، إذاً: تقول: الباء حرف جر، واسم: اسم مجرور بالباء، وجره كسرة، ما الذي أحدث هذه الكسرة؟ الباء، إذاً: هو عامل الكسر .. هو عامل الجر. طيب! باسم اللهِ، الكسرة هذه ما الذي أحدثها؟ فيها ثلاثة أقوال: قيل: اسم، هو اللفظ عينه، وهو المضاف وهو المرجح وعليه الجمهور لا الجمهور على أنها معنوية. وقيل: الإضافة، مثل التبعية، كونه أضيف إليه. وقيل: ثم حرف مقدر، أصل التركيب: باسم للله، ثم حذفت اللام وهي الجارة للفظ الجلالة وبقي عملها، وهذا ضعيف جداً؛ لأن حرف الجر لا يعمل محذوفاً ولا منوياً، هذا هو الأصل. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...

3

عناصر الدرس * شرح الترجمة * شرح حد الكلام * خلاف الشراح في قوله: (كاستقم) إلخ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ سؤال: هذا يقول: ما المراد بقول ابن مالك: وتبسط البذل بوعد منجز؟ - تبسط، قلنا: توسع، الوسع: العطاء، والبذل: هو العطاء، بوعد منجز، يعني: مع وعد، وهذا الوعد منجز، قد يخلف الوعد وقد ينجزه وهو قد وفى بما ذكره، يعني: من باب مدح الألفية فحسب. - هذا يحكي قصة ..... لكن لا أدري ما صحتها، هل صحيح أن ابن مالك رحمه الله عندما وصل إلى قوله: وَتَقْتَضي رِضاً بِغَيرِ سُخْطِ ... فَائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي قال بعدها: فائقة له بألف بيت، ثم لم يستطع إكمال هذا البيت فنام فرآى في المنام ابن معطي يكمله إلى آخره .. - ما أدري هذه القصة وصحتها. - هذا يريد كلمات قبل الدرس. - هذا ما يمكن. - ما اسم كتاب الشوكاني رحمه الله الذي نقلتم منه درس أمس؟ - هذا أدب الطلب الذي كتب عليه: كيف تصبح عالماً؟ أي طالب عنده سؤال يكتبه فيما يتعلق بالدرس، أما خارج الدرس فلا. - لماذا كان الأولى في المتعلق: لي وله، وفي درجات الآخرة .. لي وله في درجات الآخرة، أن نقول: إنه متعلق أن .. متعلقه محذوف. - لا، قلنا: يقضي، والله يقضي لي وله، وأما في درجات الآخرة، هذا محل إشكال لو جعلناه متعلقاً بيقضي، وإنما الأولى أن يكون متعلقاً بمحذوف صفة لهبات. نقاش غير واضح ............. - ما هو تعريف الملكة؟ ذكرناه بالأمس. - ............... يستحضر بها المعلومات يعني التي تعلمها، أو يستحصل بها ما لم يكن، يعني: ما لم يعلمه، وهذه الهيئة أو الملكة إنما تكون بالدربة، يعني: بالممارسة ممارسة العلم، وهذا قد يكون في النحو وقد يكون في الفقه، وقد يكون في سائر العلوم. - هل تقولون بالمجاز؟ - في المسألة خلاف بين أهل العلم، من قال بالمجاز مع إثبات الصفات هذا الخلاف معه لفظي لا بأس به المسألة اصطلاحية، وإذا نظر الإنسان في أدلة القائلين بالمجاز والمانعين بالمجاز لا يكاد أن يذهب إلا إلى القول بالمجاز، القول بالمجاز موجود، ووجوده أو الالتزام به لا يلزم به أن يقول بما قال به المؤولة من تحريف النصوص، وأما تحريف النصوص فهم يقولون بأن المجاز لا يعدل إليه إلا عند تعذر الحقيقة، ولا يلزم أن يكون قائلاً ببدعة ... لا، وعده من الطواغيت، هذا باعتبار أنه يستند إليه في التحريف وتأويل النصوص. - ما الفرق بين الحال المقارن والحال ..... - ستأتي أنواع الحال كلها في باب الحال، فلا تستعجل. ولذلك الرد على المجازيين أو على المؤولة والمحرفة، بأن إنكار المجاز يبطل مذهبهم هذا ضعيف، يعني: إذا أردت .. أن البعض يظن من طلاب العلم ظاهرية أنه إذا أبطل المجاز أبطل حجة المعتزلي أو الأشعري وكلهم هؤلاء أبطلها من أصل .. لا ليس صحيحاً، لماذا؟ لأنه هو قال بالمجاز فرعاً لا أصلاً، اعتقد أن ظاهر النصوص المماثلة هذا أولاً، ثم لما اعتقد هذا مع تنزيه عدل إلى أن الظاهر غير مراد، حينئذٍ أوله وحرفه إلى القول بالمجاز. - المعلوم أن هو ضمير فصل لا محل له من الإعراب فكيف أعرب هو في قول ابن مالك: هو ابن مالك، مبتدأً، كيف أعرب؟

هو مبتدأ ليس كل ما جاء هو حينئذٍ يكون ضميراً فاصلاً لا محل له من الإعراب، لا تلازم، ليس بينهما تلازم حينئذٍ قد يكون مبتدئاً، وقد يكون ضمير فصل لا محل له من الإعراب، ولذلك له شروط: أنه لا يكون إلا بين متلازمين كالمبتدأ والخبر ونحو ذلك. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: الكلام وما يتألف منه، ثم قال: كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ هذا أول باب افتتح به المصنف رحمه الله تعالى هذه الألفية، وجرت عادة مؤلفيه أن يبوبوا ويفصلوا ويكتبوا الكتب بناءً على حكمة عندهم، والحكمة من التبويب جرت عادة المصنفين أن يفصلوا تآليفهم بالأبواب لأمور منها: أولاً: أن تكون كل مسألة مجموعة تتبع نظائرها في باب مستقل، بحيث إذا أراد الطالب مراجعة مسألة طالع بابها فقط فيسهل عليه الأمر، يعني: من حيث جمع النظير إلى نظيره، فإذا أراد مسألة تتعلق بأحكام الاستنجاء والاستجمار حينئذٍ رجع إلى باب الاستنجاء والاستجمار، ولا يرجع إلى باب الإجارة، لماذا؟ لأن كل شيء يقرن بنظيره، فما كان متعلقاً بالاستنجاء والاستجمار يرجع إلى محله. ومنها: إذا ختم الطالب باباً حصل له النشاط للآخر، يعني: فيه نوع تقويم وزيادة همة للطالب، فإذا ختم باباً حصل له النشاط للآخر، فالمسافر يفرح بقطع كل مسافة إذا كانت الطريق مقدرةً، كان ذلك أبعث له على السفر، ولذلك قيل، كما قال الزمخشري وغيره: كان القرآن سوراً؛ لأنه إذا انتهى من سورة حينئذٍ ينشط للأخرى. الكلام وما يتألف منه، عرفنا أن هذا الباب قدمه لما ذكرنا. ثانياً: لماذا بدأ المصنف رحمه الله تعالى بباب الكلام؟ وقد بدأ غيره بالحديث عن الكلمة، كما صنع ابن هشام في: قطر الندى وغيره، وإن كان الكثير من النحاة إذا كتبوا إنما يبدؤون بباب بالكلام؛ لأن الكلام هو المقصود بالذات، والحديث عن الكلمة إنما يفصل وينظر فيها من أجل أن يصل إلى الكلام، فالكلام مركب من مسند ومسند إليه، مبتدأ وخبر وفعل وفاعل، حينئذٍ النظر إلى الفعل وحده، والنظر إلى الفاعل وحده، والمبتدأ وحده، والخبر وحده، من أجل ماذا؟ من أجل أن يوصلنا ذلك إلى إقامة الكلام على الوجه الصحيح. إذاً: المقصود هو الكلام، هو المقصود بالذات؛ ولأنه يقع به التفاهم والتخاطب، فالنتيجة حينئذٍ من أجل أن يفهم كلام غيره، وخاصة إذا كان الوحيين، وكذلك ليصلح كلامه هو، من أجل أن يوصل المعاني التي تكون في نفسه بلفظ صحيح واضح بين، فإذا خلط في كلامه حينئذٍ يكون ثم خلط في إيصال المعاني إلى الغير. وقيل: هو محط الفائدة، فالكلام هو محط الفائدة .. هو النتيجة، وهو الذي يقع به التفاهم والتخاطب، بخلاف الكلمة. وإنما صدر بها بعض النحاة نظراً لاعتبارين أو أمرين:

الأول: كما سبق أن موضوع علم النحو هو الكلمات العربية من حيث الإعراب والبناء، إذاً: موضوع فن النحو هو الكلمات العربية، فأول ما يبدأ به من الأبواب والحديث ما هو الأنسب؟ أن يكون الموضوع هو الذي يتحدث عنه أولاً. ثانياً: نظر الآخر أن الكلمة جزء، والكلام كل، يعني: مركب من أجزاء، وأجزاؤه عبارة عن كلمات، ومعرفة الجزء مقدمة على معرفة الكل طبعاً فقدم وضعاً، ليوافق الوضع الطبع، كما هو الشأن عند أرباب الكلام وغيرهم. وقدم الأول عند الوضع ... لأنه مقدم بالطبع يعني: إدراك المفردات مقدم على إدراك المركبات، هذا بطبيعة النفس .. طبيعة النفس لا تدرك الكليات إلا إذا أدركت الجزئيات، والعلم بالجزئيات وسيلة إلى العلم بالكليات، فلذلك قدم بعضهم الكلام على الكلمة. الكلام وما يتألف منه: .. الكلام لوحده نقول: هذا مفرد، كلام مفرد، ثم حصلت الفائدة، والمراد بحصول الفائدة هنا الفائدة التامة التي هي الفائدة الكلامية، وهذه تستلزم التركيب، يعني: لا تحصل الفائدة الكلامية التي يحسن سكوت المتكلم عليها بحيث لا ينتظر السامع إلى شيء آخر انتظاراً تاماً إلا إذا كان ثمة تركيب من مسند ومسند إليه، من مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل. هنا قوله: الكلام وما يتألف منه، الكلام بالرفع، هذا إذا قيل بأنه مبتدأ على أنه مسند إليه حينئذٍ ينتظر الطالب أو السامع أو القارئ المسند الذي هو الحكم، وإذا نظر فإذا به تأتي إليه الواو، ومن القاعدة عند النحاة كما ذكر ابن هشام في المغني وغيره: أن المبتدأ إذا حكم عليه الطالب بأنه مبتدأ ثم أراد أن يبحث عن خبره، فإذا جاءت الواو فليقف ولا يبحث ما بعدها عن الخبر، لماذا؟ لأن الواو عاطفة فاصلة، يعطف بها بعدها عما قبلها، ولا يمكن أن يوجد خبر بعد واو عن مبتدأ قبلها، كما أنه لا يمكن أن يوجد فاعل بعد واو معطوفاً على فعله هذا ممتنع، فإذا كان كذلك حينئذٍ إذا طبقنا هذه القاعدة: الكلام مبتدأ، وقد حصلت به الفائدة، وما و .. إذاً: جاءت الواو لا يمكن أن يكون ما بعدها خبراً عما قبلها، حينئذٍ نقول: لا بد من محذوف نقدره، فصار التقدير واجباً؛ لأن الذي عندنا كلمة واحدة، ومن المعلوم أن الكلام لا يكون كلمةً واحدة، لا بد أن يكون مركباً من مسند ومسند إليه، مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل .. جملة فعلية أو جملة اسمية، والكلام لوحده هكذا لا يمكن أن يكون كلاماً، يعني: لفظ الكلام، إذاً: لا بد من التقدير، فصار التقدير واجباً. وأكثر شراح الألفية على تقدير: هذا باب شرح الكلام، وشرح ما يتألف الكلام منه .. هذا باب شرح الكلام: الكلام في الرابعة جاءت، هذا مبتدأ، وباب: خبره، وباب: مضاف وشرح: مضاف إليه، وشرح: مضاف، والكلام: مضاف إليه .. الكلام في الأصل مجرور بالكسرة على أنه مضاف إليه، حذف المبتدأ هذا فأقيم مقامه باب الذي هو المضاف إليه.

حذف المبتدأ، ثم صار باب شرح الكلام، باب: هذا الخبر، حذف الخبر باب، وأقيم مقامه المضاف إليه وهو شرح، فارتفع ارتفاعه شرحُ الكلامِ، ثم حذف هذا الذي أقيم مقام الخبر شرحُ بالرفع، حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار: الكلام، إذاً: بعد حذفين، حينئذٍ لا بد من تقدير مبتدءٍ محذوف على حذف مضافين من الخبر، باب شرح الكلام، وهذا فيه نوع تكلف، ولو قيل: هذا باب الكلام، ثم جعل الشرح مقدراً أو البيان على أنه بيان لمعنى، لا بيان لإعرابه. وفرق بين أن يقدر الشيء من أجل تصحيح المعنى، أو من أجل تصحيح الإعراب، فرق بينهما، ولذلك دائماً نقول في الشروح: باب العام .. باب مضاف، والعام مضاف إليه، أي: باب بيان العام، ولا يحتاج أن نقول: حذف الباب وأضيف إليه كذا وإلى آخره، نقول: هذا كله لا داعي له. وإنما يقدر المضاف من باب التبيين والإيضاح، حينئذٍ صار هذا التقدير تقدير معنى لا تقدير إعراب، والفرق بينهما: أن تقدير المعنى إنما يكون من أجل إيضاح التركيب فحسب، ولا دخل له في الإعراب، وأما تقدير الإعراب حينئذٍ لا بد وأن يكون له أصل في الإعراب، فالأولى أن يقال: باب الكلام، هذا باب الكلام، ثم نقول: هذا باب، أي: باب بيان وإيضاح حقيقة الكلام وشرح الكلام. الكلام، إذا حذفنا المضافات التي ذكرناها حينئذٍ نقول: هو خبر لمبتدأ محذوف، على حذف مضافين، باب وشرح، والأصح أن يقال: على حذف مضاف واحد، ولا نحتاج إلى كلمة شرح إلا من جهة إيضاح المعنى. ويصح أن يكون الكلام مبتدأً خبره محذوفاً، الكلام وما يتألف منه هذا محله، وهذان الوجهان المرجح منهما الوجه الأول، وهو: أن يكون الكلام خبراً لمبتدأ محذوف، ويجوز النصب الكلامَ وما يتألف منه، يعني: اقرأ باب الكلام، ثم حذف باب وأقيم مقامه الكلام. ويجوز عند الكوفيين، بابِ الكلامِ بالجر على حذف حرف الجر مع إبقاء عمله. على كلٍ: أرجحها أن يكون الكلام خبراً لمبتدءٍ محذوف، وهذا أولى؛ لأن القاعدة عند النحاة: أنه إذا دار الأمر مع جواز حذف الخبر أو المبتدأ فالأولى أن يجعل المحذوف مبتدأً ولا يجعل خبراً؛ لأن الخبر إنما جيء به من أجل الفائدة: وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ .... ! والأصل في المبتدأ أن يكون معلوماً، وإذا كان كذلك فحينئذٍ حذف المعلوم أولى من حذف المجهول، الأصل في المبتدأ أن يكون معرفةً: وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ ... مَا لَمْ تُفِدْ هذا الأصل .. والأصل في الخبر أن يكون مجهولاً .. الأصل في المبتدأ أن يكون معلوماً، والأصل في الخبر أن يكون مجهولاً؛ لأنه حكم، حينئذٍ إذا جاز حذف أحد الطرفين فالأولى أن يرجح حذف المبتدأ؛ لأنه معلوم بينك وبين المخاطب، وإنما جيء بالخبر من أجل إفادة الحكم الذي تضمنه ذلك الخبر. إذاً: إعراب الترجمة الكلام وما يتألف منه الأصل هذا باب شرح الكلام وشرح ما يتألف الكلام منه، اختصر للوضوح، يعني: اختصره المصنف للوضوح. فالناظم ترجم في هذه الترجمة لشيئين: فشرح أولاً الكلام بتعريفه: كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ

والكلم التي يتألف منها ثانياً بذكر أسمائها وعلاماتها فالشرح مختلف، يعني: الشرح الأول مختلف عن الشرح الثاني؛ لأنه ترجم لشيئين: تعريف الكلام، قال: وما يتألف الكلام منه، وهو الاسم والفعل والحرف، فعددها قال: وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ. ثم بين مزية كل واحد منها بعلامتها: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ، ثم قال: بتاء فعلت، وآتت، هذا تمييز لها بعلاماتها، إذاً: ترجم لشيئين، وقدم الكلام؛ لأنه أصل، وثنى بما يتألف منه الكلام؛ لأنه جزء له، حينئذٍ ترجم لشيئين وعرف الكلام أولاً، ثم أتبعه بالثاني وهو الذي يتألف منه الكلام. وللإشارة إلى اختلاف الشرحين صرح بعضهم بقوله: وشرحِ ما يتألف الكلام منه، كما صنع الكثير، السيوطي في شرحه والمكودي والأشموني وغيرهم، ونقول: الأولى عدم ذكر كلمة شرح من جهة الإعراب، وإنما تذكر من جهة البيان والإيضاح، فهو تقدير معنى لا تقدير إعراب. والكلام خبر لمبتدأ محذوف، الأصل: هذا باب الكلام، هاء: حرف تنبيه، وذا: اسم إشارة مبتدأ، والإشارة إلى ما في الذهن من المعاني سواء قلنا: إن ما في داخل الترجمة وضع قبل الترجمة أو بعدها، وباب: خبره، والكلام بالجر مضاف إليه، ثم حذف هذا المبتدأ وحذف الخبر الذي هو باب مضاف وأقيم المضاف إليه الذي هو الكلام مقامه فارتفع ارتفاعه، وهذا أظهر وأشهر من جعل الكلام مبتدأً وخبره محذوف، ومن جعل الكلام بالنصب مفعولاً بمحذوف، وهذا كما ذكرنا أن غيره هو الأولى. الكلام وما يتألف منه .. الكلام وما يتألف منه، يعني: وما يتألف الكلام منه، هنا أعاد الضمير بالتذكير منه، والأصل أن يقول: منها، يعني: يجوز الوجهان، أن يقول: منه، وأن يقول: منها، لماذا؟ لأن ما هذه اسم موصول يقع على الأشياء التي يتألف الكلام منها، وهذه الأشياء التي يتألف الكلام منها ثلاثة: اسم وفعل وحرف، فحينئذٍ هي من جهة المعنى مؤنث؛ لأنها جمع أشياء- جمع - ومن جهة اللفظ مذكر، وإذا عاد الضمير على الموصول وهو في اللفظ مذكر وفي المعنى مؤنث جاز الوجهان: أن يذكر اعتباراً باللفظ، وأن يؤنث اعتباراً بالمعنى، فيجوز: وما يتألف الكلام منها، يعني: من هذه الأشياء الثلاثة، وما يتألف الكلام منه، يعني: من هذه الأشياء الثلاثة، هذا جائز وذاك جائز. قال: وما يتألف منها، مراعاة لما وقعت عليه: ما، يعني: المعنى المؤنث، والذي وقعت عليه ما الأشياء الثلاثة: الاسم والفعل والحرف، قال: وما يتألف، ولم يقل: ما يتركب؛ لأن ثم فرق بين التركيب والتأليف، التركيب: وضع شيءٍ على شيءٍ مطلقاً، سواء كان على جهة الثبوت أو لا، وسواء كان بينهما مناسبة أو لا. إذا كان وضع شيءٍ على شيءٍ على جهة الثبوت فهذا يسمى: بناءً، ولذلك يقال: كل بناء تركيب ولا عكس، العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق، وإذا كان وضع شيءٍ على شيءٍ على وجه المناسبة بينهما فهو تأليف، ولذلك التأليف أخص من التركيب، فكل تأليف تركيب ولا عكس.

هنا قال: وما يتألف منه، ولم يقل: وما يتركب؛ لأن التأليف أخص، إذ هو تركيب وزيادة، تركيب: وضع شيءٍ على شيءٍ، وزيادة، ما هي هذه الزيادة؟ الألفة والتناسب بين الجزأين، فحينئذٍ عبر بالتأليف ولم يعبر التركيب، مع أن أكثر النحاة في تعريف الكلام يقول: اللفظ المركب، مراعاة إلى وضع الشيء على الشيء مطلقاً، سواء كان بينهما ألفة أم لا. وابن مالك هنا راعى الألفة بين الجزأين. إذ هو تركيب وزيادة، وهي: وقوع الألفة بين الجزأين، والمراد بالألفة: الارتباط بين الكلمتين بإسناد إحداهما إلى الأخرى، ارتباط وتعلق ونسبة بين الجزأين .. بين المسند والمسند إليه، أو إضافتها إليها، أو وصفها بها أو نحو ذلك، بخلاف ضمها إليها بدون مناسبة. الحجر مأكول! طار الجدار! مات السقف! بينهما مناسبة أو لا؟ ليس بينهما مناسبة؛ لأن الموت لا يصدر عن الجماد، لا يوصف به إلا من صح أن لا ينفى مثلاً الشيء عن الشيء إلا إذا صح وصفه به، حينئذٍ إذا قيل: طار الجدار! نقول: الجدار لا يطير، مات الجدار! الحجر مأكول! نقول: هذه كلها ليس بينها ألفة. وقال بعضهم: هما بمعنىً واحد، يعني: التركيب والتأليف، والمشهور التفريق بينهما. الكلام وما يتألف منه، يعني: وما يتألف الكلام منه، عرفنا لماذا عبر المصنف بالتأليف إذ هو مقصود عنده، فليس الشرط في الكلام أن يكون مركباً فحسب، بل لا بد أن يكون بين الجزأين المسند والمسند إليه مناسبة وارتباط وتعلق بينهما، وأما ما لم يكن كذلك فحينئذٍ هل هو كلام أم لا؟ ينبني على اشتراط التركيب أو التأليف في حد الكلام، وابن مالك أشار إلى التأليف. الكلام بفتح الكاف، له معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي، ونقول بفتح الكاف؛ لأن الكلام مثلث الكاف، يقال: الكُلام، والكِلام، أما الكُلام: فهو اسم للأرض الصعبة، هذه أرض كُلام فهو مفرد، ويقال: الكِلام بالكسر، وهو جمع وليس مفرداً، جمع كَلمٍ: وهو الجرح، فالكِلام الجراحات، زيد به كِلام، أي: جراحات. قال ابن يعيش في شرح المفصل: وسمي الكلام كلاماً؛ لأنه يكلم القلب، يعني: يجرحه. جِراحاتُ السِّنانِ لَها التِئامٌ ... ... ولا يَلْتامُ ما جَرَحَ اللِّسانُ فالكلام يجرح، أليس كذلك؟ فحينئذٍ سمي الكلام كلاماً لكونه .. إذاً: كِلام: هذا جمع وليس مفرداً، جمع لأي شيء؟ لكَلْمٍ، أصله: كَلَمَ يكْلُمُ كَلْماً، من باب نصر: نصر ينصر نصراً، كلم يكلم كلماً، هذا ليس مراداً معنا، إنما الذي يكون معنا هو الكلام بفتح الكاف، وهو لغةً: القول وما كان مكتفياً بنفسه، وهو مركب من شيئين: القول وما كان مكتفياً بنفسه .. المراد بالقول: اللفظ الدال على معنى، أو التلفظ قليلاً كان أو كثيراً، يعني: شيء يلفظ من الفم، صوتٌ معه حروف، هذا يسمى قولاً، وبالمعنى الأخص: القول هو اللفظ الدال على معنى، احترازاً عن القول الذي لا يدل على معنى، إذا عممنا القول وجعلناه مراداً للفظ كما هو قول لبعضهم.

فحينئذٍ اللفظ الدال على المعنى هذا احترز به عن اللفظ الذي لا يدل على معنى وهو المهمل، لكن هل هو المراد هنا أم لا؟ هذا محل النزاع، فالقول إما أن يفسر بالمعنى الأخص الذي سيأتي في قول المصنف: والقول عم، وهو اللفظ الدال على معنى، أو يفسر بالمعنى الأعم الذي هو التلفظ قليلاً كان أو كثيراً، فكل شيء يتلفظ به سواء كان مهملاً أو مستعملاً فهو قول، حينئذٍ يطلق على المهمل أنه كلام لغةً، لماذا؟ لكونه صوتاً مشتملاً على بعض الحروف الهجائية. ولذلك نعرف اللفظ: بأنه الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء، مهملاً كان أو مستعملاً، فاللفظ جنس دخل تحته شيئان: اللفظ المهمل .. مهمل مأخوذ من الإهمال وهو الترك، وهو الذي لم تضعه العرب، واللفظ المستعمل: وهو الذي وضعته العرب، كزيد والأول المهمل كديز أو رفعج .. ديز مقلوب زيد، العرب وضعت ماذا؟ وضعت زيداً علماً على الذات المشخصة، يعني: نطقت بزيد مراداً به معنىً خاصاً وهو الذات المشخصة المشاهدة في الخارج، هل وضعت: ديز مقلوب زيد؟ لا، لم تنطق بهذا. نقول: هذا مهمل، يعني: تركته العرب فلم تضعه، كذلك: رفعج .. وضعت جعفر علماً على ذات مشخصة، ولم تضع مقلوب جعفر وهو رفعج، فصار متروكاً مهملاً، هل هذا مرادف للقول أم لا؟ هذا مختلف فيه سيأتي أن ترجيح المصنف بأن القول أخص من مطلق اللفظ، فكل قول لفظ ولا عكس. إذاً: القول المراد به هنا في حد الكلام اللغوي هو التلفظ قليلاً كان أو كثيراً، وما كان مكتفياً بنفسه هذا عطف مغاير، بأن الإفادة والمعنى التي يستفيدها الناظر أو السامع إما أن تكون بلفظ أو لا، الفائدة التي تستفيدها أنت إما أن تستفيدها مع لفظ، وإما أن تكون بدون لفظ، كالإشارة والكتاب ةونحوها، حينئذٍ ما كانت الاستفادة بلفظ هذا خصه بقوله: القول؛ لأنه لا بد أن يكون ملفوظاً، إما مرادف للفظ وإما أخص. وما كان، وما، يعني: شيء، هذا الشيء ليس بلفظ، وما شيء كان هذا الشيء مكتفياً اكتفى بنفسه بذاته في إفادة المعنى دون ضميمة لفظ إليه، وهذا ما يسمى بالدوال الأربعة، كالكتابة والخط والإشارة والرمز، وزاد بعضهم: لسان الحال، هي ليست محصورة في الأربع وإنما اشتهر منها الأربع فعلق الحكم بها، وإلا وهي أكثر من ذلك. فحينئذٍ كل ما أفاد ولم يكن لفظاً، نقول: هذا كلام لغةً لا اصطلاحاً، فلو أشار إليه أفاد أم لا؟ أفاد، هل هو لفظ؟ الجواب: لا، هل هو كلام لغةً؟ الجواب: نعم، وسيأتي أنهم اتفقوا على أنه مجاز على الإشارة. كذلك الكتابة: لو كتب قام زيد فقرأ .. قام زيد، استفاد معنى، نقول: هذا المعنى الذي استفاده لم يستفده من لفظ مسموع يلج آذانه، وإنما من شيء مقروء، والكتابة ليست لفظاً، فحينئذٍ استفاد معنىً من هذه النقوش، هو ثبوت قيام زيد ولم تكن الكتابة لفظاً فحينئذٍ صار مبايناً للأول، القول وما كان مكتفياً بنفسه.

فأفادت الكتابة معنىً دون ضميمة لفظ إليها .... النُّصُب .. ما هي النُّصُب؟ الشيء الذي ينصب علامةً على شيء آخر، كالمحراب، تدخل المسجد فترى المحراب تعرف أن هذه جهة القبلة، من الذي أخبرك؟ المحراب، هو الذي أخبرك، كيف أخبرك، نطق؟ نطق بلسان حاله لا بلسان مقاله، ليس له لسان، حينئذٍ نقول: المحراب أفاد فائدة واستفدت منه حكماً ومعنىً، هذا المعنى هو تحديد جهة القبلة. إذاً: شيء اكتفى بنفسه في إفادة المعنى، كجهة القبلة، ولم يكن ثم لفظ معه. يقال: النُّصُب بضمتين، والنُّصْبُ والنَّصْبُ ثلاث لغات، وكذلك العقد، وهذه طريقة كانت عند العرب، يعقد بالأصابع لإثبات عدد معين، إذا عقدت عرف أن المراد بالعدد هو كذا. والرمز، قيل: الرمز هو الإشارة بالحاجب ونحوه، هذا قد يفيد معنىً، وهذا المعنى استفيد من نفس إشارة الحاجب، هل هو لفظ؟ الجواب: لا، إذا: قوله: القول وما كان مكتفياً بنفسه، أفاد أمرين: أن الكلام لغةً على أحد وجهين: إما أن يكون لفظاً، وإما أن يكون شيئاً ليس بلفظ ولكنه مفيد، حينئذٍ نأخذ قاعدة: وهي أن الفائدة لا تستلزم اللفظ، بل قد تكون الفائدة مأخوذة من غير لفظ، كالإشارة وما ذكرناه. يطلق الكلام لغةً: على الخط والإشارة وما يفهم من حال الشيء، وهو ما يسمى: بلسان الحال، وإطلاقه على هذه الثلاثة مجاز، هكذا قال السيوطي في: همع الهوامع، أن إطلاقه على الكتابة مجاز، وكذلك إطلاقه على الإشارة مجاز، وما يفهم من حال الشيء، كذلك لسان الحال إطلاق الكلام عليه مجاز. ويطلق الكلام على التكليم الذي هو المصدر، يعني: يطلق على الحدث نفسه، وهو التكلم، فيطلق الكلام مراداً به التكلم، قالوا: قَالُوا كلاَمُكَ هِنْداً وَهْيَ مُصْغِيَةٌ ... يَشْفِيكَ قُلْتَ صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كانَاَ كلاَمُكَ هِنْداً، يعني: تكليمك هنداً، كلمها يحصل لك الصحة، لماذا؟ لأنه مرض بحبها، فإذا كلمها وحصل له تكليم منه لها حينئذٍ حصل العلاج، قالوا: كلامك هنداً، إذاً: يطلق على الحدث، وهذا لا بأس به. ويطلق عند كثير من المتأخرين على ما في النفس من المعاني التي يعبر عنها، وهذا وإن ذكره الكثير إلا أنه لا دليل عليه، لا من اللغة ولا من الشرع، فحينئذٍ يفسر الكلام بالمعنى القائم بالنفس، ولذلك حرفوا صفة الكلام الثابتة لله عز وجل بأنها معنىً قائم .. معنىً قديم قائم بذاته جل وعلا، وإذا أطلق الكلام في الشرع وهو صفة لله عز وجل فسر بهذا المعنى: المعنى القائم بالنفس، وهذا باطل لا دليل عليه. بل بإجماع أهل اللغة أن مسمى الكلام والقول إذا أطلقا، يعني: دون قرينة .. دون قيد، إذا أطلق لفظ الكلام وأطلق لفظ القول انصرفا إلى المعنى واللفظ جميعاً، كلفظ الإنسان ينصرف إلى الجسد والروح، فلا نقول: المراد بالإنسان هو الجسد دون الروح، ولا المراد بالإنسان هو الروح دون الجسد، بل متى ما أطلق لفظ الإنسان انصرف إلى الشيئين معاً، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر من حيث الإطلاق إلا بقرينة.

ولذلك جاء القيد في قوله تعالى: ((وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ)) [المجادلة:8] في أنفسهم، وهذا يرد عليهم، إذ لو كان القول الأصل فيه أنه يطلق على المعنى القائم في النفس ما الداعي إلى قوله: في أنفسهم؟ لو قال: وَيَقُولُونَ .... لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ، حينئذٍ نقول: لو قالوا: ويقولون دون قيد انصرف إلى المعنى النفسي، لماذا قيده وقال: في أنفسهم؟ هذا دل على أنه لو أطلق لانصرف إلى اللفظ والمعنى معاً، ولا يصح إطلاقه على حديث النفس إلا بقيد. إذاً: قولهم: أن الكلام يطلق على المعنى دون اللفظ، وإطلاقه عليه حقيقة، هذا قول باطل وليس عليه دليل. ويطلق على اللفظ المركب أفاد أم لم يفد، فيشمل حينئذٍ الكَلِم، والكَلِم قسمان: كلم مفيد، وكلم غير مفيد، حينئذٍ يطلق عليه أنه كلام، وهل هو حقيقة فيهما، أو في الأول فقط، أو الثاني فقط؟ ثلاثة مذاهب للنحاة، يعني: إطلاق لفظ الكلام على المعنى القائم بالنفس، وإطلاق الكلام على المركب أفاد أم لا؟ هل هو حقيقة فيهما، أم في الأول دون الثاني، أم في الثاني دون الأول؟ هذه ثلاثة مذاهب للنحاة. والصحيح أنه لا يطلق الكلام على المعنى القائم بالنفس البتة، إلا بقرينة، فإن وجدت قرينة فحينئذٍ لا بأس، وإلا فنرجع إلى الأصل؛ لأن الأصل حمل الكلام على حقيقته، فإن امتنع حمل الكلام على حقيقته، إن قلنا بالمجاز حينئذٍ نصرفه إلى المجاز. ويطلق على الكلمة الواحدة، فيقال: زيد كلام، لكنه من جهة اللغة لا من جهة الاصطلاح. إذاً: هذا معنى الكلام في لغة العرب: أنه القول وما كان مكتفياً بنفسه. قال في حده من جهة الاصطلاح: كلامنا لفظ مفيد كاستقم. قال ابن مالك: كلامنا، قيد بالإضافة فنسب الكلام إلى نفسه هو ومن معه؛ لأن: نا، الدالة على الفاعلين قد يراد بها المتحدث ومن معه .. إذا كان معظماً نفسه حينئذٍ صار من معه ادعاءً، وإن كان يريد أن هذا مذهب النحاة فحينئذٍ قد عبر بنا الدالة على نسبة الحكم إلى النحاة أجمعين. فقوله: كلامنا، هل فيه احتراز عن كلام غيره، أم لا؟ هذا محتمل، لماذا؟ لأننا قررنا البارحة: أن المصنف رحمه الله تعالى قال: وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ ... مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ إذاً: ماذا سينظم لنا؟ سينظم لنا ما يتعلق بمقاصد النحو، فلو قال: الكلام لفظ مفيد، هل ينصرف الكلام هنا إلى غير الكلام عند النحاة؟ لا، إذاً: كلامنا نقول هنا: ليست الإضافة للاحتراز عن كلام غير النحاة؛ لأن النحاة لهم كلام، والأصوليين لهم كلام، والفقهاء لهم كلام، والمناطقة لهم كلام، كل له كلام، وكلهم يحده بحد ينفصل به عن غيره، ولذلك قيل: الكلام عند الفقهاء كل ما أبطل الصلاة من حرف مفهم كقي وعي أو حرفين مطلقاً وإن لم يفهما. هذا الكلام عند الفقهاء، يعني: لا يشترط في إبطال الصلاة على هذا الحد أن يقول: قام زيد، وزيد قائم، يا فلان تعال إلى ... حتى تبطل الصلاة، لو قال: قي، يعني: أمر من الوقاية، عي: أمر من الوعاية، حينئذٍ أقول: هذا الكلام يعتبر كلاماً عند الفقهاء فتبطل به الصلاة، ما دام أنه مؤلف من حرف مفهم أو حرفين مطلقاً وإن لم يفهما أبطل الصلاة.

مع كونه إذا كان مؤلفاً من حرفين وإن لم يفهما لا يسمى كلاماً عند النحاة، لو عكس لم قال: مل ولم ينوي به معنىً حينئذٍ أقول: هذا ليس بكلام عند النحاة؛ لأنه مؤلف من حرفين، وإذا كان مؤلفاً من حرفين ليس عندنا إسناد، وليس عندنا مسنداً، ولا مسنداً إليه حينئذٍ انتفى عنه وصف الكلام عند النحاة. وأما الكلام عند الأصوليين فهو اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته: لفظ منزل على محمد ... لأجل الاعجاز وللتعبد هذا خاص بالقرآن، إذاً: الكلام عند الأصوليين، ولذلك يقولون: الكتاب .. يبدءون بأول الأدلة، ومراد به القرآن، هذا عند الأصوليين. بقي الكلام عند أهل الكلام: وهو عبارة عن المعنى القديم القائم بنفسه بذاته جل وعلا، وهذا قلنا أنه باطل. إذاً: قوله: كلامنا، هل هو احتراز عن كلام الأصوليين، وكلام الفقهاء، وكلام المتكلمين والمناطقة؟ نقول: لا، ليس للاحتراز، أتى بالإضافة وإن كان مستغناً عنها بكون التأليف في النحو كما صرح به في الخطبة: مقاصد النحو .. للإشارة إلى اختلاف الاصطلاحات لغةً واصطلاحاً، يعني: أهل اللغة لهم كلام، هو إمام يتكلم بلسان العرب، إذاً: عندنا دائرة وهي: من يتكلم في اللغة، وهؤلاء أهل لغة ونحاة .. لما قال: مقاصد النحو .. قد يتكلم متكلم من أهل اللغة فيعرف الكلام في فن اللغة وليس في فن النحو، حينئذٍ يكون الاحتراز هنا ليس عن فن مغاير كل المغايرة لعلم اللغة، وإنما لذكر أن الكلام له معنىً في أصل اللغة، ثم جعل له حقيقةً عرفية عند النحاة. فالاحتراز هنا ليس عن مطلق الكلام في سائر الفنون، وإنما عن دائرة وإن كانت ضيقة في فن اللغة على جهة العموم. للإشارة إلى اختلاف الاصطلاحات لغةً واصطلاحاً، والكلام الآن في الاصطلاحي لا في اللغوي، وفيه إشارة إلى أن المصنف من مجتهدي النحاة، كلامنا .. أتى بـ: نا، الدالة على التعظيم، وهذا قد يستخدمه الكبير. إذاً: كلامنا معاشر النحويين لفظ مفيد، يعني: ما اشتمل على جزأين .. على أمرين اثنين، إن وجدا حكمنا عليه بأنه كلام عند النحاة، فإن انتفى واحد منهما انتفت حقيقة الكلام عند النحاة، فضلاً عن انتفاء الركنين أو الجزأين، وهما: اللفظ والإفادة، فما كان لفظاً مفيداً فهو كلام عند النحاة، وما كان لفظاً غير مفيد بالفائدة المرادة عند النحاة فليس بكلام اصطلاحاً، وما كان مفيداً فائدة تامة ولم يكن لفظاً، حينئذٍ ليس بكلام عند النحاة. وهل يكون مفيداً فائدة تامةً وليس بلفظ؟ نعم، يمكن قلنا: الإشارة، معناها: قم هذه، أو اجلس، نقول: هذه استفاد منها معنىً تام، يعني: فائدة تامة، لكنها ليست بلفظ، حينئذٍ لا بد من اجتماع الأمرين، الأول: اللفظ والثاني: الإفادة. قوله: لفظ، هذا مصدر: لفظ يلفظ لفظاً، لكنه من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول؛ لأن اللفظ هو التلفظ .. هو فعل الفاعل، كما أن التكلم هو فعل الفاعل متكلم، والأثر الذي يكون بالمصدر هو المراد حده هنا، وهو الكيفيات الحاصلة من فعل الفاعل.

لفظ، أي: ملفوظ، وهذا عند من يثبت المجاز يعتبره مجازاً، من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، ولما كان حقيقةً عرفيةً عندهم اغتفر دخول المجاز في مثل هذه الحدود وإلا الأصل فيه المنع. اللفظ له معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي. أما المعنى اللغوي: فهو يأتي بمعنى الطرح والرمي مطلقاً سواء كان من الفم أو من غيره، من الفم مثل: أكلت التمرة ولفظت نواها، هذا بفهمه، ومن غير الفهم: لفظت الرحى الدقيق، يعني: رمته وطرحته، إذاً: الطرح والرمي هو معنى اللفظ، سواء كان من الفم أو من غيره. وأما في الاصطلاح: فالمشهور تعريفه أنه صوت مشتمل على بعض الحروف الهجائية، التي أولها الألف وآخرها الياء مهملاً كان أو مستعملاً، فالصوت المراد به هنا: المصوت، يعني: ليس المراد به المعنى المصدري، فصوت يستعمل مصدراً: لصات يصوت فيكون معناه: فعل الشخص الصائت، ويستعمل بمعنى: الكيفية المسموعة الحاصلة من المصدر، وهو المراد .. يعني: أثر المصدر، أثر المصدر. عندنا تكلم وكلام، وعندنا تلفظ وملفوظ، التلفظ: هو حركة الفم، وهذا يدرك بالبصر، لا يدرك بالسمع، والذي يدرك بالسمع هو الكلام، والذي يدرك بالبصر هو فعل الكلام، يعني: المصنع الذي يخرج الكلام، هو الذي يدرك بالبصر، وأما الذي يدرك بالسمع هذا أثر المصدر، هنا المراد به الصوت ليس هو الكيفية التي تكون بإخراج الصوت، هذا فعل الصائت وليس هو المراد، وإنما المراد الشيء المصوت الذي يلج الأذن. إذاً: يستعمل مصدراً ويستعمل بمعنى الكيفية المسموعة الحاصلة من المصدر وهو المراد هنا، والصوت عرض مسموع، والأحسن أن يقال: صفة مسموعة، فكل ما يسمع هو صوت، الصوت: كل ما يسمع، والسمع: هو إدراك المسموعات. ثم الصوت قد يكون خارجاً من الفم وقد لا يكون، ما لم يكن خارجاً من الفم ليس داخلاً معنا، لو ضرب على اللوح مثلاً يسمعه هذا صوت، مدرك بالسمع، لكنه ليس خارجاً من الفم، وما كان خارجاً من الفم إما أن يكون معه حرف أو لا، صحيح! يمكن خروج الصوت من الفم وليس معه حرف؟! نعم، يصفر .. الصفير هذا نقول: ليس .. هو صوت ولكن ليس معه حرف، هذا النوع يسمى بالصوت الساذج الذي ليس معه حرف. هنا قال: الصوت، فهو جنس، له عموم يشمل الصوت الذي معه حرف والصوت الذي ليس معه حرف، وهو الصوت الساذج، فلو فرك أسنانه خرج صوت من فمه، هذا صوت لكنه ليس معه حرف. هنا قال: المشتمل على بعض الحروف: احترازاً عن الصوت الذي لم يشتمل على شيء من الحروف، حينئذٍ خرج هذا النوع، المشتمل على بعض الحروف، يعني: لا على كلها. الحروف الهجائية: نسبةً إلى الهجاء وهو والتقطيع؛ لأن الهجاء به يعرف تركيب الكلم، زيد مم تتألف هذه الكلمة؟ نقول: زه يه ده! الزاي: اسم مسماه: زه، والياء، اسم مسماه: يه، حرف نفسه تنطق به مع هاء الكست، الدال هكذا الدال هذا اسم ليس بحرف بدليل دخول أل عليه، وتقول: هذه دالٌ بالتنوين، والتنوين من علامات الأسماء إذاً: ليس بحرف، كيف تقول: إنه حرف، نقول: لا، دال والدال هذا اسم، مسماه: ده، المنطوق به في زيد.

إذاً: الهجاء هو التقطيع .. تقطيع الكلمة من أجل معرفة أجزائها التي تألفت منها وهي الحروف، على بعض لا على كل، الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء، مهملاً كان أو مستعملاً، مهملاً كان أو مستعملاً، يعني: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية قد يكون مهملاً، والمهمل اسم مفعول من: أهمل، أو: يهمل، أَهْمَلَ أو أُهمِلَ يُهْمَلُ، أيهما المراد؟ أُهمِلَ يُهْمَلُ فهو مُهْمَل، حينئذٍ نقول: المهمل: هو الذي لم تضعه العرب، يعني كما قلنا: ديز مقلوب زيد. والمستعمل: الذي استعملته العرب كزيد وجعفر وسماء وأرض وجبال ورياح ونحو ذلك، إذاً: اللفظ جنس تحته قسمان: مهمل، ومستعمل، وحقيقة اللفظ: هو الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء، ثم ذكر النوعين لأقسام اللفظ وهو المهمل والمستعمل. حينئذٍ يرد إشكال: وهو أننا أخذنا اللفظ جنساً في حد الكلام، وقلنا: ما تخلف عنه اللفظ، هذا الشرط وهذا القيد لا يسمى كلاماً .. ليس بكلام، يرد معنا: قم، هذا كلام أو لا؟ كلام لا شك؛ لوجود الفائدة التامة، والفائدة التامة تستلزم التركيب، وإذا كان كذلك: اسكن وقم، هل هذا مركب أو لا؟ من فعل وفاعل، أين الفعل؟ قم، أين الفاعل؟ مستتر، هل هو ملفوظ به؟ .. تخلف عنه اللفظ؟ تخلف عنه اللفظ، في الظاهر أنه تخلف عنه اللفظ، قالوا: لا بد من إدخاله في الحد. فنقول: المراد بالصوت هنا مطلق الصوت، فيشمل نوعين: الصوت المصوت بالفعل حقيقة والإيجاد والنطق به. والصوت المصوت بالقوة، ليشمل الضمائر المستترة واجبة الاستتار؛ لأنها ليست ملفوظاً بها، ولكن العرب أرادتها معنىً وقصدتها قصداً بدليل ماذا؟ بدليل ثلاثة أمور: أولاً: الإسناد إليها، أسندت إليها، اسكن: هذا طلب السكون، قم: هذا طلب القيام، هو فعل وحدث، هل يتصور وجود حدث بدون محدث؟ الجواب: لا، إذاً: هو مقصود من جهة المعنى. ثانياً: أكدته، اسكن أنت: أنت: هذا إعرابه توكيد، توكيد لأي شيء، لشيء عدم أو لشيء موجود؟ الثاني ولا شك، إذ العدم لا يؤكد؛ لأنه ليس بشيء، فإذا كان ليس بشيء لا يمكن أن يكون قوله: أنت تأكيد له؛ لأنه عدم محض، لكن لما كان له وجود حينئذٍ صح تأكيده. الثالث: العطف عليه، اسكن أنت وزوجك، الواو: حرف عطف، وزوجك: معطوف على الضمير المستتر، وليس على أنت، أنت: توكيد، وزوجك: هذا بالرفع، عطف على الضمير المستتر، ثم هو مرفوع، وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه، فحكمه الرفع، إذاً قوله: الصوت يشمل النوعين، فيكون اللفظ له أفراد محققة موجودة منطوق بها، وله أفراد مقدرة، وهذا المقدر المراد به الذي لا يمكن النطق به .. يتعذر أن ينطق به، وإنما استعارت العرب له أنت ونحوه من أجل تقريب المعنى والتدريب فقط، وليس المراد أنه مصور له من كل وجه، واضح هذا؟

فاسكن أنت، نقول: أنت هذا تأكيد، وإذا قيل في الإعراب، اسكن: فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، كيف تقديره أنت وهو واجب الاستتار؟ نقول: هذا من باب التقريب والتدريب فحسب، وليس المراد أنه قد برز بعد أن كان مستتراً واجب الاستتار، إذاً اللفظ له أفراد محققة وله أفراد مقدرة، والمراد بالأفراد المقدرة هنا الضمائر المستترة واجبة الاستتار. وما حذف للعلم به، نقول: هذا داخل في المحققة، يجوز حذف المبتدأ أليس كذلك؟ يجوز حذف المبتدأ، إذا علم، ويجوز حذف الخبر إذا علم، ويجوز حذف الفعل إذا علم، حينئذٍ إذا حُذِفت هذه المذكورات من المبتدأ والخبر والفعل، نقول: عدم ذكرها هل يجعلها من الأفراد المحققة أو المقدرة؟ المحققة، حينئذٍ المحققة تحتها فردان: محقق منطوق به بالفعل، ومحقق غير منطوق به، لكنه منطوق به بالقوة. لفظ مفيد: عرفنا معنى اللفظ وأنه جنس يشمل نوعين، وهو المهمل والمستعمل، قوله: مفيد، هذا فصل أخرج به غير المفيد من اللفظ؛ لأن اللفظ يشمل نوعين: مهمل ومستعمل، أخرج المهمل بقوله: مفيد، ثم المستعمل على نوعين: مفرد ومركب. ابن مالك رحمه الله تعالى جرى على اختيار حد الكلام بالمختصر، لفظ مفيد، والتعريف الأولى أن يقال: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالموضع، هذا تعريف ابن آجروم، وهو أخذه من تعريف ابن معطي في الفصول الخمسون، وهذا أولى من الذي ذكره ابن مالك رحمه الله تعالى، ولذلك فهمه فيه نوع صعوبة، الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالموضع، الاحترازات منه واضحة بينة، ولكن لما أدخل المفيد في الحد ثم جعل الوضع الذي هو المقصود داخلاً في المفيد على قوله، وأدخل المركب داخلاً في المفيد حينئذٍ صعب الاحترازات، فلا بد أن يقال: لفظ، هذا يشمل أمرين: مهمل ومستعمل، ثم المستعمل هذا يشمل أمرين: مفرداً وهو الكلمة، ومركباً. المفرد: خرج بقوله مفيد؛ لأن المفيد المراد به ما أفاد فائدةً يحسن السكوت عليها من المتكلم كما سيأتي، فحينئذٍ نقول: هل المفرد لوحده .. الكلمة: زيد، وإلى، وقال، هل هذه لوحدها تفيد فائدةً يحسن السكوت عليها من المتكلم؟ الجواب: لا، إذاً خرجت بقوله: مفيد. ماذا بقي؟ بقي معنا المركب، والمركب أنواع: منه مركب إضافي كعبد الله، ومنه مركب مزجي بعلبك، وحضرموت، ومنه مركب توصيفي تقييدي كالإنسان حيوان ناطق مثلاً، ومنه مركب إسنادي. قولنا، مفيد: أخرج المركب الإضافي؛ لأنه غير مفيد فائدة تامة، وقولنا مفيد: أخرج المركب التوصيفي؛ لأنه غير مفيد فائدة تامة، وأخرج كذلك المركب المزجي كبعلبك فإنه غير مفيد فائدة تامة، بقي ماذا؟ المركب الإسنادي، المركب الإسنادي هذا نسبة إلى الإسناد، والإسناد: هو نسبة حكم إلى اسم إيجاباً أو سلباً، نسبة حكم إلى اسم، يعني: إضافة .. إضافة حكم إلى اسم، والمراد به هنا في باب النحو: نسبة حكم الذي هو الفعل أو الخبر إلى اسم، المراد به المبتدأ أو الفاعل إيجاباً إثباتاً أو نفياً، زيد قائم .. قام زيد، هذا فيه إثبات معنى القيام ومضمون الخبر الذي هو القيام لزيد، ومثله: قام زيد، هذا نسميه ماذا؟ نسميه إسناداً.

المركب الإسنادي على ثلاثة أنواع: مركب إسنادي مسمىً به كتأبط شراً، وشاب قرناها، هذا في الأصل قبل جعله علماً هو مركب من فعل وفاعل، تأبط: هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، وشراً: مفعول به، هذا قبل جعله علماً، ثم لما جعل علماً حينئذٍ خرج عن أصله وهو الإفادة فائدة تامة، وصارت فائدته جزئية. النوع الثاني: مركب إسنادي مقصود لذاته، بمعنى: أنه ركب من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر، وأريد به الدلالة التامة الظاهرة من لفظه، قام زيد هذا أريد به ماذا؟ أريد به إثبات القيام لزيد في الزمن الماضي، زيد قائم، فيه إثبات القيام لزيد دون تقييد بزمن، نقول: هذا مركب إسنادي مقصود لذاته. النوع الثالث: مركب إسنادي مقصود لغيره، يعني: لم يقصد لذاته وإنما جعل متمماً لغيره في إفادة المعنى، وهذا سبعة أنواع: جملة الخبر، وجملة الصفة، وجملة الصلة، وجملة الحال، وجملة الجواب .. جواب الشرط، وجملة الشرط، وجملة القسم، هذه سبعة بالتتبع والاستقراء يراد بها: إفادة الجملة التي جعلت جزءاً منها تقول: زيد قام أبوه، زيد: مبتدأ، وقام أبوه: فعل وفعال، هل هو مركب إسنادي؟ نقول: نعم مركب إسنادي، هل مقصود لذاته في إفادة الخبر، أو أنه مقصود لغيره بمعنى: أنه متمم لجملة جعل جزء جملة؟ الثاني، هل هذا يسمى كلاماً في اصطلاح النحاة؟ الجواب: لا، هل المركب الإسنادي المسمى به يسمى كلاماً في اصطلاح النحاة؟ الجواب: لا. إذاً: ماذا بقي معنا؟ المركب الإسنادي المقصود لذاته، فحينئذٍ قوله: مفيد، ماذا أخرج؟ أخرج المهمل، وأخرج المفرد، وأخرج المركب الإضافي والمركب المزجي والتوصيفي، والإسنادي المسمى به، والإسنادي المقصود لغيره، هذه كم؟ سبعة، أخرجها بقوله: مفيد، ومفيد أصل وزنه: مُفْيِدْ يعني: على وزن مُفْعِلْ، أكرم يكرم فهو مكرم، فهو اسم فاعل، من أفاد الرباعي، أصله: مفيد، يعني: بكسر الياء، استثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى ما قبله فصار: مُفِيد، ومفيد قلنا: من أفاد الرباعي، مأخوذ من الفيد وهو: استحداث المال والخير، والمراد به هنا: مصطلح خاص عن النحاة وهو إذا أطلقت الإفادة فالمراد بها الفائدة التي يحسن السكوت عليها من المتكلم، وقيل: من السامع، وقيل: منهما، والأول أصح أنه من المتكلم، لماذا؟

قالوا: لأن الكلام صفة له، هذا حق هو الذي يتكلم، ثم إذا سكت وحصلت الفائدة لا يسكت السامع وإنما يسكت المتكلم، هو الذي أدرى بما يقول، فكما أن الكلام صفة له فكذلك السكوت يكون صفةً له، هذه الفائدة إذا أطلقت عند النحاة انصرفت إلى هذا المعنى، فإذا قيل: لفظ مفيد، معناه: مفيد فائدةً تامة بحيث يحسن السكوت عليها من المتكلم، لا يصير السامع منتظراً لشيء آخر انتظاراً تاماً، بمعنى: أنه يوجد التركيب الإسنادي الفعل مع فاعله والمبتدأ مع خبره، إذا وجد الفعل مع الفاعل والمبتدأ مع الخبر حينئذٍ وجد أصل الكلام، وما زاد على ذلك من الفضلات والمفعولات والأحوال والتمييز هذا ليس داخلاً في حد الكلام من حيث الوجود، ولذلك قيل: انتظاراً تاماً احترازاً عن الانتظار الناقص ليشمل الفعل المتعدي إذا ذكر فاعله ولم يذكر مفعوله، لو قال: قام زيٌد، قام: فعل ماضي، وزيٌد: فاعله، إذاً إذا قلت: قام زيد، وسكت أنت فهمت من هذا ماذا؟ أن قام فعل ماضي وهو لازم لا يتعدى إلى مفعول وزيد هو المتصف بالقيام، وأن هذا القيام وقع في الزمن الماضي. وإذا قلت: ضرب زيدٌ، هذا فعل متعد، فإذا قلت: ضرب زيدٌ علمت أن الضرب قد وقع من زيد، وأنه فاعل الضرب، وأن هذا الضرب قد وقع في الزمن الماضي، لكن وقع على من؟ هل هناك انتظار أم لا؟ هناك انتظار لكنه انتظار ناقص، هل عدم ذكر المفعول به يكون نقضاً لأصل الكلام؟ لا. الفائدة التامة حصلت بقولنا: ضرب زيٌد حصلت أو لا؟ نقول: نعم حصلت؛ لأن الفائدة التامة المراد بها وجود المسند والمسند إليه بقطع النظر عن المتعلقات، فلو كان هذا الفعل يتعلق به ظرف زمان أو ظرف مكان أو جار ومجرور، حينئذٍ نقول: هذه لا أثر لها في الحكم على اللفظ وعلى التركيب بأنه مفيد فائدةً تامة، بل هو مفيد فائدة تامة، ولو كان منتظراً المتكلم أو السامع لشيء آخر، هل له أثر؟ نقول: ليس له أثر، إذاً: المراد بالمركب الإسنادي هنا: المركب الإسنادي المقصود لذاته، وهذا إنما يحصل بماذا؟ بوجود المسند والمسند إليه، بقطع النظر عن المتعلقات التي تتعلق بالمسند أو بالمسند إليه. إن وجد الفعل مع فاعله ووجد المبتدأ مع خبره، حينئذٍ نقول: وجدت الفائدة التامة، لفظ مفيد، هل يشترط في الكلام أن يكون مركباً؟ قلنا: يشترط باتفاق النحاة، لماذا لم ينص عليه الناظم هنا كما نص عليه غيره؟ قالوا: نحن اشترطنا الفائدة التامة، وهذه الفائدة التامة يتعذر وجودها دون تركيب، إذاً: هذا القيد وهذا الشرط الذي هو التركيب موجود في الحد ضمناً، وقيل: استلزاماً، وإذا كان استلزاماً حينئذٍ اعترض عليه بأن دلالة الالتزام مهجورة في الحدود والتعاريف، ودلالة الالتزام هي دلالة اللفظ على مسماه، أو على خارج عن مسماه لازم له لزوماً ذهنياً؛ لأن المفيد المراد به ما أفاد فائدةً، وهذا لا يلزم منه أن يكون التركيب داخلاً في مسماه بل هو شيء خارج عنه.

إن منعنا دلالة الالتزام حينئذٍ توجه النقد إلى هذا الحد بعدم ذكر التركيب، ولذلك نقول: الأولى ألا يُدل على شيء في الحدود بدلالة التزام، لماذا؟ لأن دلالة الالتزام مهجورة في الحدود، والحدود إنما جيء بها من أجل إيضاح الماهية؟ يعني: الماهية التي سئل عنها وأراد الشارح أو المعرف أو الذي يحل .. إذا أراد أن يشرح الماهية حينئذٍ لا بد أن يذكر أركانها التي يتألف منها، وهنا يتألف من التركيب كما أنه يتألف من اللفظ ومن الإفادة، فلا بد أن يذكر وينص التركيب عليه لفظاً، ولا يكفي أن يحيل عليه بدلالة الالتزام، ولذلك الأولى ما ذكرناه سابقاً أن يقال بالبسط لا بالاختصار، الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع. قوله: بالوضع، لم يذكره ابن مالك رحمه الله تعالى، قيل: المفيد يستلزمه، لماذا؟ قالوا: لأنه لا يحسن السكوت من المتكلم على كلام إلا إذا كان قاصداً له، وهذا إذا فسرنا الوضع بمعنى القصد كما سيأتي وهو ضعيف، والصواب: أن يفسر الوضع في الحدود حد الكلام بالوضع العربي، يعني: أن يكون منطوقاً بلفظ عربي، احترازاً عن غيره من اللغات الأجنبية، فإن تكلم بلغة ليست عربية فليس بكلام عند النحاة، وإذا اشترطنا القصد حينئذٍ دخل معنا كلام البربر وغيره، وخرج عنا يعني: عن الحد، كلام الساهي والنائم والمجنون ومن جرى على لسانه ما لا يقصده، فهؤلاء هل إذا تكلموا بلفظ مفيد: قام قائم من نومه، وقال لزيد علي ألف، هل هو كلام أم لا؟ هو نائم .. ! نقول: إذا اشترطنا القصد ليس بكلام؛ لأنه لم يقصد .. لم يقصد الذي قاله، إن لم نشترط القصد حينئذٍ قلنا هذا لفظ مفيد مركب وهو بالوضع العربي، وعليه على الصحيح أنه لا يشترط القصد وإنما المراد أن يكون موضوعاً بالوضع العربي، يعني: باللسان العربي .. تكون الكلمات عربية، يصير كلام النائم كلاماً أو لا؟ ما نطق به النائم يصير كلاماً على الصحيح. بعضهم نفى أن يكون كلاماً، لماذا؟ قال: لأنه إذا قال لزوجته وهو نائم: أنت طالق تطلق أو لا؟ لا تطلق، فيه خلاف؟ ليس فيه خلاف، هل عدم طلاق زوجته لكون كلامه أو ما نطق به ليس كلاماً عربياً أو لشيء خارج عنه؟ لشيء خارج عنه، وهو أن النائم رفع عنه قلم التكليف، فحينئذٍ الخلاف لا ارتباط له بالأحكام الشرعية، نحن نتكلم في اللغات ولا نتكلم في الشرعيات، فإذا ثبت أنه كلام عربي حينئذٍ انتفاء ترتيب الأحكام الشرعية عليه ليس لكونه ليس كلاماً، وإنما لأمر خارج عنه، ولذلك جاء الحديث: {رفع القلم عن ثلاثة} وذكر منهم: عن النائم حتى يستيقظ. إذاً: لفظ مفيد، هذا حد الكلام عند المصنف، لم يذكر التركيب ولم يذكر القصد، لماذا؟ قيل: لأن التركيب داخل في قوله: المفيد ضمناً بدلالة التضمن، وهذا ضعيف جداً، وقيل: لأنه دل عليه بدلالة الالتزام وهي ضعيفة أيضاً، وكذلك القصد، قيل: المراد بالمفيد أن يكون مقصوداً، يعني: يقصده بقلبه ينويه، فحينئٍذ المفيد دل عليه، والصواب: أنه لا يدل عليه، بل المراد بالمفيد: ما أفاد فائدةً يحسن السكوت عليها.

كاستقم: هل هذا مثال أو تتميم للحد؟ محل خلاف عند الشراح؛ لأنه ترك التركيب، فقال بعضهم: نص عليه بقوله: كاستقم، استقم: هذا مركب من فعل وفاعل، إذاً: لم يترك المركب بل دل عليه بقوله: كاستقم، وقال بعضهم: لا، بل المراد بقوله: كاستقم: أن يكون الكلام موضوعاً، أي: مقصوداً كقصد المتكلم لقوله: استقم، حينئذٍ اشترط شرط القصد، ما المراد ب: كاستقم، هل المراد به اشتراط التركيب، أم اشتراط القصد؟ هذا محل نزاع بين الشراح. أو يكون المراد بقوله: كاستقم: تمثيلاً فقط وليس متمماً للحد، كونه تمثيلاً لا إشكال فيه، كونه تمثيلاً للكلام المفيد لا إشكال فيه، ولكن هل مع التمثيل زيادة إتمام للحد أو لا؟ هذا محل نزاع، ابنه .. الشارح قال: تمم الحد بقوله: كاستقم، وأراد به القصد .. أراد به الوضع الذي هو التركيب. والسيوطي رحمه الله قال: بل المراد به اشتراط القصد، وأولى القولين أن يقال: بأنه متمم للحد، وهل اشترط به القصد أم التركيب؟ الظاهر والله أعلم أنه أراد به التركيب؛ لأن قوله: كاستقم، هذا لفظ مؤلف .. هذا كلام مؤلف من لفظين، الأول قوله: استقم، والثاني: الضمير المستتر وجوباً فيه، فحينئذٍ تركب من كلمتين، ولذلك قال: وما يتألف منه، أراد أن يشير إلى أن الكلام يتألف من كلمتين، أقل ما يتألف منه الكلام اسم وفعل، أو اسمين .. أقل ما يتألف منه الكلام إما اسم واسم، مبتدأ وخبر، أو: اسم وفعل، فعل وفاعله أو نائب الفاعل. قوله: كاستقم أشار إلى هذا المعنى، حينئذٍ يكون المراد به أنه مركب، وليس المراد به أنه مقصود، وإن كان ابن مالك يشترط ذلك فيما سيأتي: ... كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ نقف على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

4

عناصر الدرس * شرح مختصر لحد الكلام مع بعض الإضافات. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: الكلام وما يتألف منه: كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ أراد أن يبين في هذا الباب أمرين اثنين، عنون لهما بقوله: الكلام وما يتألف منه، الكلام: عرفنا حقيقته في لغة العرب: أنه القول وما كان مكتفياً بنفسه، والكلام الاصطلاحي عرفه بقوله: لفظ مفيد. وما يتألف منه: الضمير في يتألف: فاعل يعود إلى الكلام، والأصل فيه أنه يعود إلى أقرب مذكور، ولذلك يقال فيه: أنه جرى على غير ما هو له، وسيأتي أن مذهب البصريين وجوب الإبراز: وأبرزنه مطلقاً حيث تلا .. وأما عند الكوفيين: إن أمن اللبس حينئذٍ جاز عدم الإبراز، وإلا فالأصل أنه موافق للبصريين. وما يتألف: وما: اسم موصول بمعنى: الذي يصدق على الأشياء .. التي يتألف، والمراد بالأشياء هنا: الاسم والفعل والحرف، لأن الكلام لا يخرج عند التركيب عن هذه الثلاثة الأمور، وهي أقسام للكلمة. منه: الضمير هنا يعود إلى: ما، وقلنا: لفظ ما: مذكر، ومعناها مؤنث، فيجوز فيه الأمران، نقول: وما يتألف منه .. وما يتألف منها. كَلامُنَا: قلنا: بالإضافة هنا أراد ماذا؟ أراد أن يبين أن الكلام له حقيقتان: حقيقة لغوية، وحقيقة اصطلاحية، ولذلك قال ابن عقيل: وإنما قال المصنف: كلامنا، ليعلم أن التعريف إنما هو للكلام في اصطلاح النحويين لا في اصطلاح اللغويين، وهو في اللغة: اسم لكل ما يتكلم به مفيداً كان أو غير مفيد، وهذا يؤكد ما ذكرناه اليوم من أن الإضافة هنا ليست للاحتراز عند كلام الصرفيين أو كلام المناطقة والأصوليين، أو نحو ذلك، وإنما المراد التمييز عن اصطلاح اللغويين باصطلاح النحاة، فبينهما فرق كما ذكرنا. كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ، يعني: ما اشتمل على أمرين: كونه لفظاً، وكونه مفيداً. واللفظ كما ذكرنا: جنس هنا اشتمل على أمرين: المهمل، والمستعمل، وأخرج به الدوال الأربع وما كان من جنسها، فحينئذٍ اشتمل أخرج وأدخل، وهذا شأن الجنس: أنه يدخل ويخرج. ثم تأتي الفصول بعد ذلك، فصل أو فصلان يخرج به من الجنس ما قد دخل فيه وليس داخلاً في المحدود، حينئذٍ هل المهمل داخل في حد الكلام؟ الجواب: لا، احتجنا إلى إخراجه بقوله: مفيد، وهل المفرد المستعمل .. هل هو داخل في حد الكلام ويصدق عليه أنه كلام؟ الجواب: لا، إذاً: نحتاج إلى إخراجه، فقال: مفيد.

وبعض المركبات كذلك لا يصدق عليها أنها كلام، كالمركب الإضافي، والمركب المزجي، والتوصيفي، والإسنادي المسمى به، والإسنادي المقصود لغيره، فبقي معنا شيء واحد، هذه كلها خرجت بقوله: مفيد؛ لأنها وإن أفادت إلا أن إفادتها قاصرة، والذي يشترط في حد الكلام: أن يكون مفيداً فائدة تامة، وهذه الفائدة التامة إنما تكون بالتركيب، يعني: تستلزم التركيب، حينئذٍ إذا قيل: غلام زيد، وزيد .. وإن قام زيد .. والإنسان حيوان ناطق، ونحو ذلك، هل هذه مفيدة أم لا؟ نقول: نعم، مفيدة .. في نفسها مفيدة، زيد مفيد؛ لأنه علم، وأفاد الدلالة على ذات مشخصة مشاهدة في الخارج، إذاً: فيه فائدة، لكن هذه الفائدة فائدة جزئية ناقصة، بمعنى: أنها دون الفائدة المشترطة في حد الكلام. وكذلك قولنا: غلام زيد، هذا مركب إضافي، وأفاد .. أفاد نسبة الغلام لزيد، غلام لزيد، حينئذٍ نقول: هذا فيه فائدة، لكن هذه الفائدة ليست تامة وإنما هي قاصرة، وقل كذلك في سائر الأنواع التي خرجت بقوله: مفيد. حينئذٍ نقول: النحاة لهم حقيقة عرفية أو اصطلاح خاص في إطلاق لفظ المفيد، فإنما يعنون به: الفائدة التامة التي يحسن السكوت عليها من قبل المتكلم، بحيث لا يصير السامع منتظراً لشيء آخر انتظاراً تاماً، هذا مراد النحاة، فكل ما كان قاصراً عن هذه الفائدة ففائدته جزئية وناقصة، وهذه الفائدة التامة قد يعبر عنها بعض أرباب الحواشي بالفائدة الكلامية، حينئذٍ عندنا لفظان: فائدة تامة، وفائدة كلامية، معناهما واحد. وأما الفائدة الجزئية، والفائدة الناقصة، والفائدة التركيبية، هذه دون الفائدة التامة، الفائدة التركيبية قد تجتمع مع التامة، وقد تكون أعم .. قد تكون معها وقد تكون أعم، إن قام زيد قمت .. نقول: هذا كلم وكلام؛ لأنه مؤلف من أكثر من ثلاث كلمات، وهو مفيد فائدة تامة، إذاً: هو كلم وكلام، هل هو مفيد فائدة تامة؟ نعم، يحسن السكوت عليها؟ نعم، إن قام زيد وسكت .. إن: حرف شرط يفيد التعليق، إن قام زيد .. قام زيد: فعل وفاعل، وهل جملة: قام زيد، مفيدة فائدةً تامة؟ الجواب: لا؛ لأنها وإن كانت مركباً إسنادياً إلا أنه مقصود لغيره. بمعنى: أن هذه الفائدة .. لأنك تقول: قام زيد، هكذا ابتداءً، كلام أو لا؟ كلام، أفاد فائدة تامة أو لا؟ أفاد فائدة تامة، استقلالاً دون جعله جزء جملة هو مفيد فائدة تامة، لكن لما وضع في ضمن هذه الجملة الشرطية حينئذٍ نقصت الفائدة ونقصت الدلالة، فصار مكملاً لغيره ولا يستقل بالفائدة التي اشترطها النحاة. حينئذٍ قام زيد، هل هو مفيد؟ نعم، مفيد لا شك، وفائدته في هذا التركيب تامة أم ناقصة؟ في هذا التركيب: إن قام زيد .. فائدته تامة أم ناقصة؟ ناقصة لماذا؟ لأنه جعل متمماً لغيره، وشرط الفائدة أن تكون مستقلةً بذاتها، فإن جعلت الجملة مكملةً لغيرها كجملة الشرط أو الجواب أو الخبر أو الصلة أو الحال أو القسم نقصت دلالتها، وصارت فائدتها فائدة ناقصة ليست بفائدة تامة.

حينئذٍ إذا قيل: فائدة تركيبية: إن قام زيد قمت، فائدة تركيبية أو لا؟ فائدة تركيبية، إن قام زيد .. وسكت، فائدة جزئية، وفائدة ناقصة، وفائدة تركيبية؟ تركيبية نعم، إذاً: التركيبية هذه لا تكون في المفردات، وإنما تكون في المركبات، ثم المركبات قد تكون كلماً وكلاماً فتجتمع مع التامة، وقد تكون كلماً دون الكلام، يعني: غير مفيد، فيصدق عليه أنه مفيد فائدة تركيبية لا تامة، إذاً: كل فائدة تامة تركيبية ولا عكس، لماذا؟ لأن التركيبية هي الفائدة التي أخذت من الإسناد، وهذا قولنا: إن قام زيد، فيه إسناد ولا شك، وهو مفيد، وهذه الفائدة أخذت من التركيب؛ لأن قام فعل وأسند إلى الفاعل ثم علق فهو مفيد، إن: بذاتها حرف والحرف ما دل على معنىً في غيره، وهنا قد دل على معنىً في غيره وهو التعليق، إن: حرف شرط، وقام: لوحده أفاد فائدةً وهو دلالته على ثبوت القيام في الزمن الماضي، وزيد: كذلك دل وأفاد فائدةً جزئية ناقصة، وهي دلالته على الذات المشخصة، قام زيد: إسناد الفعل والحدث إلى زيد، هذا أيضاً دلالة أخرى لكون قام حدث، والحدث يستلزم محدثاً، فلا بد له من محدث. كون هذا الحدث لم يقع، وقع أو لم يقع؟ إن قام زيدٌ، إن: هذه تصرف الفعل الماضي من دلالته في المعنى والزمن على الماضي إلى المستقبل، فهو ماضٍ لفظاً لا معنىً، فحينئذٍ هذه كلها فوائد استفدناها من هذا التركيب، لكن هل فائدة تامة؟ الجواب: لا، لما قال: لفظ مفيد، قلنا: أخرج المهمل وأخرج المفرد وأخرج بعض الكلم الذي هو غير مفيد، لماذا؟ لأنه وإن أفاد فائدةً جزئية ناقصة تركيبية إلا أنه لفقد الفائدة التامة نقصت دلالته ونزل عن حد الكلام، إذاً: التام نقول: هذا يستلزم .. أو الفائدة التامة تستلزم التركيب، والتركيب قد يكون أعم من التامة لصدقه على: إن قام زيد، ولانفراد التامة بقوله: إن قام زيد قمت، هنا اجتمعا وانفردا، التركيبية بماذا؟ إن قام زيد، دون قمت، إذاً: يجتمعان بينهما العموم والخصوص المطلق. نحتاج إلى مادتين: مادة الاجتماع، ومادة الافتراق .. مادة الاجتماع: إن قام زيد قمت، اجتمع فيه الفائدة التامة والتركيبية، ومادة الافتراق: افتراق الأعم عن الأخص، والأخص لا يفترق عن الأعم، والأعم هنا الفائدة التركيبية، فنحتاج إلى مثال، وهو: إن قام زيد، ونقف على هذا، قمت حينئذٍ صارت الفائدة فائدة تامة. فقوله: مفيد هنا، أراد به الإشارة إلى المعنى الذي ذكرناه سابقاً. ترك قيدين لم يذكرهما ابن مالك رحمه الله تعالى، وهما التركيب والقصد، أما التركيب: فهذا لا شك في اشتراطه .. لا بد من اشتراطه؛ لأن الكلام لا يكون إلا بإسناد، والإسناد نسبة حكم إلى اسم إيجاباً أو سلباً فحينئذٍ يقتضي مسنداً، ومسنداً إليه، فالمسند إليه لا يكون إلا اسماً، والمسند قد يكون فعلاً وقد يكون اسماً، ولا يكون الحرف مسنداً ولا مسنداً إليه، هذا الإسناد يقتضي ماذا؟ مسنداً ومسنداً إليه، إذاً: لا بد من اشتراط التركيب، وأقل ما يتألف منه الكلام اسمان أو اسم وفعل كا ركبوا كما قال ذاك.

فحينئذٍ هل ترك المصنف هذين القيدين أم أنه ضمن ما ذكره من حد الكلام اشتراط هذين الشرطين؟ هذا محل نزاع كما ذكرناه اليوم، فقوله: كاستقم، هل هو متمم للحد أم أنه مجرد مثال؟ هذا محل نزاع، والأصح أنه متمم للحد، ثم هل أراد به اشتراط التركيب أو القصد؟ قولان للشراح: منهم من جعل قوله: كاستقم، المراد به اشتراط التركيب، قال: كلامنا لفظ مفيد، يعني: فائدةً تركيبية كفائدة استقم، أو: كلامنا لفظ مفيد، وكونه مقصوداً .. موضوعاً .. مقصوداً كما قصد قوله: استقم، حينئذٍ تكون الكاف للتمثيل، والثاني هذا مشى عليه السيوطي رحمه الله في شرحه على الألفية. وهنا ذكر محيي الدين في قوله: وكأنه قال كلام النحاة هو اللفظ الموصوف بوصفين أحدهما الإفادة والثاني التركيب المماثل لتركيب استقم، حينئذٍ جعله قيداً ثالثاً، والذي أراد به بهذا القيد هو اشتراط التركيب، وهذا إلى هنا لا إشكال فيه، وأما جعله أن المراد به القصد فنقول: الأصح أنه لا يشترط في الكلام أن يكون مقصوداً، لماذا؟ لأن القصد ما هو؟ إرادة المتكلم إفادة السامع، فإذا اشترطنا في الكلام أن يكون مقصوداً حينئذٍ خرج كلام النائم والساهي والمجنون ومن جرى على لسانه ما لا يقصده، هذه كلها خرجت، لماذا؟ لأنهم وإن نطقوا ولا نقول: تكلموا على هذا .. لأنهم وإن نطقوا بمسند ومسند إليه بلفظ مفيد، لو قال: استقم .. لو قال: أنتِ طالق، كالمجنون ونحوه فحينئذٍ هذا الكلام يعتبر مركباً .. لفظاً مفيداً مركباً، وهو مفيد فائدةً تامة، لكن لفقد القصد حينئذٍ هل يشترط في الكلام أن يكون مقصوداً؟ نقول: الصواب أنه لا يشترط. لأنه يلزم من ذلك أن يكون الكلام الواحد موصوفاً بكونه كلاماً وغير كلام، لا هذا ليس في هذا الموضع، وإنما هذا في تجديد الفائدة، نقول: لا يشترط القصد، لماذا؟ لأن اللفظ هنا هو الذي ينصب عليه حكم النحاة .. بحث النحاة وأهل اللغة إنما يكون في اللفظ، وأما كونه مقصوداً أو غير مقصود هذا خارج عن اللفظ ودلالته، وليس بحث النحاة في المقاصد، بل هذا مبحث الفقهاء وغيرهم، وإنما يبحثون في مجرد ما ينطلق ويلفظ به اللسان، فما كان موافقاً للفظ العربي الصحيح، فحينئذٍ يعتبر كلاماً، وما لم يكن حينئذٍ لا يعتبر كلاماً. فيخرج باشتراط القصد كلام النائم ومن عطف عليه، ويدخل معنا كلام البربر والترك ونحو ذلك من اللغات الأجنبية، فعلى اشترط القصد نقول: هذا يسمى في لغة العرب كلاماً أو لا؟ يسمى كلاماً، والصواب إخراجه؛ لأنه يشرط في الكلام أن يكون موضوعاً بالوضع العربي، فثم أربعة شروط لا بد من توفرها في صحة صدق الكلام على اللفظ:

أن يكون ملفوظاً .. أن يكون مفيداً .. أن يكون مركباً .. أن يكون موضوعاً بالوضع العربي، والصواب: أنه لا يشترط فيه القصد ولا تجدد الفائدة، إذاً قوله: لفظ مفيد كاستقم، وهذا هو الذي جرى عليه هنا في الألفية بأنه عبر باللفظ، وفي الكافية التي هي أصل للألفية عبر بالقول، فخرج باللفظ: الخمس الدوال أو الدوال الأربع المذكورة سابقاً، وخرج بالمفيد: الكلمة وبعض المركبات وهو الذي لا يفيد، يعني: لا يفيد فائدةً تامة، وهو الذي أشار إليه ابن عقيل ببعض الكلم، والمراد بالمفيد: ما يفهم معنىً يحسن السكوت عليه، والمراد بالسكوت ترك الكلام مع القدرة عليه، هذا المراد بالسكوت .. ترك الكلام مع القدرة عليه، فإن ترك الكلام لا مع القدرة فهو أخرس .. ترك الكلام مع القدرة عليه، نقول: هذا سكوت، وأما تركه لا مع القدرة عليه: هذا خرس. وهل المراد سكوت المتكلم أو السامع أو هما؟ أقوال: أرجحها الأول، يعني: المراد سكوت المتكلم؛ لأنه خلاف التكلم، فكما أن التكلم صفة المتكلم كذلك السكوت صفته أيضاً، والمراد بحسن السكوت عليه ألا يكون محتاجاً في إفادته للسامع كاحتياج المحكوم عليه إلى المحكوم به أو عكسه، فلا يضره احتياجه إلى المتعلقات من المفاعيل ونحوهما. وهذا ما ذكرناه من اشتراط التركيب بأن المراد به وجود المسند والمسند إليه بقطع النظر عن الظروف والمتعلقات، وهذا المراد به على جهة التخصيص إدخال الفعل المتعدي الذي لم يذكر مفعوله، ضرب زيد .. قام زيد، هذا فعل لازم، وزيد فاعله، الكلام تام انتهى، قام: هذا لا يحتاج إلى ما يتمم معناه، قام زيد .. ضرب زيد، عمرواً كالأول، ضرب زيد، أين المضروب؟ لم يذكر، هل احتاج: ضرب إلى شيء يبين معناه؟ نقول: نعم؛ لأن ضرب فعل متعدٍ، يعني: يتعدى من الفاعل إلى المفعول به، فحينئذٍ لا بد من محل يقع عليه ذلك الحدث، فقولنا: ضرب، ضرب فاعل ومفعول، لا بد من شيء يقع عليه الضرب، فلما قال: ضرب زيد احتجنا إلى إيضاح محل هذا الضرب، فهو محتاج إلى المفعول به، لكن عدم ذكره هل يخرجه عن كونه كلاماً؟ الجواب: لا، بل هو كلام لوجود المسند والمسند إليه، فالمسند: ضرب، والمسند إليه: زيد، فحينئذٍ تم الكلام. فمتى ما وردت الجملة الاسمية بطرفيها المبتدأ والخبر، والجملة الفعلية، الفعل وفاعله أو نائبه، حينئذٍ تم الكلام ووجدت الفائدة التامة، لكن يبقى إشكال في ماذا؟ في الفضلات التي قد لا يصح أو يفسد الكلام بدونها، هل هي داخلة في مسمى الكلام أو لا؟ هذا محل بحث ونظر، لو قال .. ـ وهو عنده زوجات ـ، قال: نسائي طوالق إلا هنداً، نسائي طوالق: مبتدأ وخبر، تم الكلام أو لا؟ تم الكلام، لو قال: نسائي طوالق وسكتنا .. الكل، إلا هنداً، يغير المعنى أو لا؟ يغير المعنى من أصله، هذه الفضلات ذكر الصبان أنها داخلة في مسمى الكلام، يعني: يستثنى في الاحتياج والافتقار إلى المفعولات ونحوها إن كان يفسد الكلام بحذفها فهي داخلة في مسمى الكلام، وإن لم يفسد الكلام بحذفها فحينئذٍ ليست داخلةً في الكلام، وهي ثلاثة أقوال، هذا الثالث الذي رجحه الصبان في حاشيته.

وهل يشترط إفادة المخاطب شيئاً يجهله، يعني: هل يشترط بقوله: المفيد، أن يكون مفيداً فائدةً متجددة، جديدة؟ لو قلت: السماء فوقنا والأرض تحتنا، وأنا أمامكم، وأنتم أمامي، هذا فيه جديد؟! هل يسمى كلاماً؟ هذا محل نزاع بين النحاة، بعضهم يشترط ذلك: أنه لا بد من تجدد الفائدة، يعني: أخبرك بشيء لا تعلمه، فإن أخبرتك بشيء تعلمه حينئذٍ لا يسمى كلاماً، فخرج أكثر كلامنا، لو اشترطنا تجدد الفائدة، هل يشترط إفادة المخاطب شيئاً يجهله؟ قولان: الأول: نعم، وجزم به ابن مالك، فلا يسمى نحو: السماء فوق الأرض، والنار حارة، وتكلم الرجل كلاماً، هل فيه فائدة جديدة؟ ما فيه فائدة لا بد أن تفصل ما هو هذا الكلام، حينئذٍ لعدم وجود فائدة من هذا الكلام جديدة على ذهن السامع، قال: لا يسمى كلاماً. والثاني: لا، يعني: لا يشترط وصححه أبو حيان، رد على ابن مالك، قال: وإلا كان الشيء الواحد كلاماً وغير كلام إذا خوطب به من يجهله فاستفاد مضمونه ثم خوطب به ثانياً، يعني: قلت لك: الفاعل مرفوع، كلام جديد .. يعتبر كلام، قلت بعدها: الفاعل مرفوع، إذاً: صار الأول كلاماً والثاني ليس بكلام، بل في محل واحد يتكلم المتكلم، هذا يعرف أن الفاعل مرفوع، أقول: الفاعل مرفوع، هذا يعلم وهذا لا يعلم، نفس الكلام: الفاعل مرفوع، يعتبر كلاماً؟ ليس بكلام، كلاماً باعتبار زيد لأنه يجهله، وليس بكلام باعتبار عمرو؛ لأنه يعلمه. إذاً: صار اللفظ الواحد .. التركيب الواحد كلاماً وليس بكلام، ونظرُ النحاة كما قلنا للفظ والمعنى فحسب، وأما المقاصد فهذه ليست محل بحث للنحاة، قال الصبان هنا: فالمراد بإفادة اللفظ فائدةً يحسن السكوت عليها دلالته على النسبة الإيجابية أو السلبية، النسبة التي هي الارتباط والتعلق بين الموضوع والمحمول، أو المسند والمسند إليه هي المرادة بالإفادة، سواء كانت حاصلةً عند السامع أو لا .. قصد بها المتكلم الكلام أو لا .. طابق كلامه الواقع أو لا، لا ينظر إلى شيء خارج عن النسبة الإيجابية أو السلبية البتة، وإنما ينظر إلى عين التركيب فحسب، فعل وفاعل .. مبتدأ وخبر، ما عدى ذلك لا يلتفت إليه عند النحاة. وإلا لو كان الأمر كذلك لقلنا، أيضاً نقيده: إن لم يطابق الواقع لا يسمى كلاماً، فإن طابق الواقع يسمى كلاماً، أليس كذلك؟ نقول: هذا ليس بوارد، لماذا؟ لأن مطابقة الواقع وعدم مطابقة الواقع شيء خارج عن مجرد اللفظ والمعنى، وكذلك القصد مثله، أمر خارج عن مجرد اللفظ والمعنى .. عن مجرد التركيب، فإذا ورد التركيب من المسند والمسند إليه تم الكلام ولا ننظر إلى شيء آخر عن القصد. وهل يشترط في الكلام .. - الكلام فيما سبق في القصد والفائدة الجديدة- وهل يشترط في الكلام القصد، وهو إرادة المتكلم إفادة السامع؟ لا بد أن يريد أن يفيد المتكلم السامع، فإن انتفى ذلك القصد حينئذٍ لا يسمى كلاماً، هذا فيه قولان أيضاً للنحاة:

الأول: نعم، وجزم به ابن مالك فلا يسمى ما ينطق به النائم كلاماً كما ذكرنا، وعلى هذا يزاد في الحد مقصود، وهل أراده ابن مالك هنا في هذا الحد الذي ذكره في الألفية؟ قيل: نعم أراده، إما بتضمين أو استلزام المفيد للقصد، وإما بجعلك استقم متمماً للحد والمراد به القصد، يعني: له وجهان، في إدخال هذا الشرط في كلام ابن مالك رحمه الله تعالى، قيل: لفظ مفيد ولا يكون مفيداً إلا إذا حسن السكوت، ومتى يحسن السكوت؟ إذا قصده المتكلم، إذاً: صار مقصوداً، وقيل: لا، المفيد لا يدل عليه، وإنما يجعل متعلق كاستقم، شرطاً لاشتراط القصد في حد الكلام، وقلنا: هذا فيه تكلف، وعلى هذا يزاد في الحد مقصود، والثاني لا، يعني: لا يشترط القصد، وصححه أبو حيان؛ لأن المراد بالكلام النسبة الإيجابية أو السلبية فحسب، ولا نظر للنحاة فيما عدا ذلك البتة، فكل ما كان خارجاً عن اللفظ والمعنى ليس بمقصود، ولا علاقة له في صحة الكلام وعدمه، بل النظر إلى الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر. وهل يشترط فيه اتحاد الناطق؟ قولان: اتحاد الناطق، يعني: المتكلم واحد، أنا أقول: زيد، هذا يقول: قائم، أنت تسمعه، هل هذا كلام أم لا؟ هذا فيه خلاف: إن اشترطنا اتحاد الناطق المتكلم أن يكون واحداً، المسند والمسند إليه صدرا من متكلم واحد حينئذٍ لا يسمى كلاماً، فإن لم تشترط حينئذٍ يسمى كلاماً .. إذا لم نشترط اتحاد الناطق يسمى كلاماً، هل يشترط فيه اتحاد الناطق؟ قولان: الأول: نعم، يشترط ذلك، فلو اصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلاً والآخر فاعلاً، اصطلحا، أنا أقول: قام، وأنت تقول: زيد، أو مسند مبتدأ، مثلاً يقول: زوجتي، الثاني يقول: طالق، حينئذٍ تقع مشكلة، فلو اصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فاعل والآخر فعل أو مبتدأ والآخر خبر لم يسم ذلك كلاماً؛ لأن الكلام عمل واحد، فلا يكون عامله إلا واحداً. وعلى هذا يزاد في الحد: من ناطق واحد. والثاني: لا يشترط، وصححه ابن مالك وأبو حيان، كما أن اتحاد الكاتب لا يعتبر في كون الخط خطاً، والصحيح في هذه المسألة أنه لا يتصور فيه افتراق الناطق البتة، هذا غير متصور، ولذلك قال ابن أم قاسم في شرحه على الألفية: صدور الكلام من ناطقين لا يتصور .. صدور الكلام من متكلمين ناطقين لا وجود له؛ لأن كل واحد منهما إنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالاً على نطق الآخر بالأخرى، فهي مقدرة في كلامه، يعني: لو قلت: أنا أقول الفاعل، أو الفعل، وأنت تقول: الفاعل، إذا قلت: قام، أنا نويت الكلمة الثانية، وأنت إذا قلت: زيد، فقد نويت الكلمة الأولى وهي: قام، إذاً: لا يتصور وجوده من واحد. وعليه لو اشترط اتحاد الناطق، قيل: يشترط أو لا يشترط، لو قال أحدهم: زوجتي، وقال الثاني: طالق، تطلق أو لا؟ هذا كما ذكرناه في النائم، والمجنون إذا قال: زوجتي طالق، لا تطلق، لماذا؟ لعدم وجود القصد، لكن القصد اعتباره هنا من جهة الشرع لا من جهة اللغة، كذلك في هذا المثال الذي ذكرناه. فقول الناظم رحمه الله تعالى: كاستقم، هنا .. كلامنا لفظ مفيد كاستقم:

ذكرنا أنه اختلف فيه: هل هو تمثيل فقط أو تتميم للحد أيضاً؟ قال الأشموني هنا: يجوز في قوله: كاستقم، أن يكون تمثيلاً وهو الظاهر، يعني: أنه مثال فقط، ليس تتميماً للحد، لماذا؟ قال: وإنما كان ظاهره التمثيل فقط؛ لأن الناظم اقتصر في شرح الكافية على ذلك في حد الكلام، والألفية خلاصة الكافية، فلما أنه لم يشترط القصد في الكلام عندما عرف الكلام في الكافية وهي أصلها .. أصل الألفية، لما اختصرها يبقى على الأصل: أنه لم يشترطه، فإذا كان ثم ما يوهم الاشتراط حينئذٍ رجعنا إلى الأصل، وهذ طريقة الأشموني في أول الكتاب إلى آخره: أنه إذا أشكل شيء في الألفية رجع إلى الكافية؛ لأنها أصلها. لكن لا، قد يقال: بأنه قد يخالف، ولذلك ذكرنا أنه في حد الكلام هنا اختار اللفظ، وهناك اختار القول، وثم فرق بين الاختيارين، قد يكون رجع أو صحح أو نحو ذلك، إن ثبت أنه انتهى من الكافية ثم مباشرةً اختصرها قد يقال بما ذهب إليه الأشموني، وأما إذا جلس وقتاً وزمن وفاصل حينئذٍ قد يكون رجع عن بعض أقواله وصحح ما قد يميل إليه في الكافية. هنا لم يذكر التركيب والقصد نظراً إلى أن الإفادة تستلزمهما؛ لأن المفيد الفائدة المذكورة لا يكون إلا مركباً كما ذكرناه، ولا ترد الأعداد المسرودة لما تقدم من أن المراد بالإفادة الدلالة على النسبة الإيجابية والسلبية، وحسن السكوت .. سكوت المتكلم يستدعي أن يكون قاصداً لما تكلم به، لكنه في التسهيل صرح بهما، يعني: بالتركيب والقصد، وهذا أولى على من اشترطه؛ لأن الحدود لا تتم بدلالة الالتزام. ولذلك جعل ابن الناظم قوله: كاستقم، تتميماً للحد، أي: من جهة الدلالة به على أمرين يتضمنهما معتبرين في الكلام، أي: وتمثيلاً أيضاً من جهة الإيضاح به للمحدود لا تمثيلاً فقط، وعلى كونه تتميماً للحد كاستقم، ما إعرابه؟ إذا قيل: كونه تتميماً للحد، أو مجرد تمثيل على قول ابن الناظم، حينئذٍ: كاستقم جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وذلك كاستقم. وأما إذا جعل تتميماً للحد حينئذٍ لا بد من متعلق يتعلق به، يجعل إما صفةً للفظ أو لمفيد، والثاني محل نزاع، يعني: لا بد أن يجعل متمماً للحد، فنقول: كلامنا لفظ، كلامنا: مبتدأ، ولفظ: خبر، مفيد: نعت للفظ، كاستقم: على أنه تتميم للحد تقول: جار ومجرور، متعلق بمحذوف صفة، إما للفظ أو لمفيد، وجعله للفظ أولى، ولذلك هناك في البسط يقدمون التركيب على المفيد، فيقولون: الكلام هو اللفظ المركب المفيد، وهذا أجود، لماذا؟ لأنه بالمفيد أخرج بعض المركب الذي هو ليس بالمفيد، أو أخرج المهمل من المركبات إن سلم بوجود مهمل في المركبات؛ لأن اللفظ المفرد كما سبق معنا: أن اللفظ يكون مهملاً ويكون مستعملاً، مهمل ومثلنا له بـ: ديز، هذا موجود قطعاً في المفردات، وهل هو موجود في المركبات؟ محل نزاع بين أهل اللغة، هل هو موجود أم لا؟ إن سلمنا بوجوده حينئذٍ نحتاج إلى إخراجه، إن لم نسلم بوجوده فحينئذٍ لا نحتاج إلى إخراجه، والشيخ الأمين رحمه الله في نثر الورود قال بوجوده ومثل له بكلام الهذيان. إذاً: وعلى كونه تتميماً للحد كاستقم: ظرف مستقل، نعت ثان للفظ.

كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ واحده: كلمة، هذه الجملة من ابن مالك رحمه الله تعالى أتعبت الشراح، وستتعبون معي إن شاء الله تعالى. واسم وفعل ثم حرف الكلم .. واحده: كلمة، الآن: الكلم ظاهره ماذا؟ هل المراد به الكلم الاصطلاحي الذي هو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر، أفاد أم لان، الكلم الاصطلاحي: ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر، فيشترط فيه العدد، ولا تشترط فيه الإفادة فحينئذٍ: قام زيد، كلم؟ لا، كلام؟ نعم، قام زيد مؤلف من كلمتين، إن قام زيد قمت، كلام؟ نعم، كلم؟ نعم، إن قام زيد، كلم؟ لا كلام، إذاً: الكلم الاصطلاحي ما تركب من ثلاث كلمات، فا النظر فيه يكون للعدد دون الإفادة، فـ: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] نقول: هذا كلم وكلام، قام زيد: كلام وليس بكلم، إن قام زيد قمت: كلام وكلم، إن قام زيد، نقول: هذا كلم وليس بكلام، عرفنا هذا الكلم الاصطلاحي. وقد يراد بالكلم: اسم جنس جمعي، يعني: جمع، مثل رجل ورجال، لكن نوعه: أنه اسم جنس جمعي، وهو الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء، فالمفرد كلمة، والجمع أو اسم الجنس الجمعي له، وليس جمعاً خلافاً للجرجاني، اسم الجنس الجمعي: كلم بإسقاط التاء، فُرِّقَ بينه وبين واحده بالتاء، التاء موجودة في المفرد وساقطة في الجمع، مثل: شجر وشجرة، بقرة وبقر، بقر: هذا جمع، اسم جنس جمعي، وبقرة بالتاء: هذا المفرد. هل هذا فيه معنىً اصطلاحي؟ لا، ليس معنى اصطلاحي، عرفتم الفرق بين النوعين؟ هل مراد ابن مالك رحمه الله تعالى هنا بقوله: وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ، هل المراد به الكلم الاصطلاحي، أم المراد به جمع: كلمة .. نقول: جمع، من باب التقريب؟ قيل وقيل، يعني: قيل بأن المراد به الكلم الاصطلاحي، وقيل: المراد به ليس الكلم الاصطلاحي، بل هو اسم جنس جمعي للكلمة، ولذلك قال: واحده: كلمة. قيل المراد الاصطلاحي، فحينئذٍ الكلم: مبتدأ مؤخر مرفوع، ورفعه، هه؟ ضمة، أين هي؟ مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الروي أو الوقف، في الكلام تقول: وقف، هنا تقول: الروي. واسم: هذا خبر مقدم، اسم وما عطف عليه خبر مقدم؛ لأن الأمر إذا دار بين نكرة ومعرفة فحينئذٍ الأصل جعل المعرفة مبتدأً والنكرة خبر، وهنا دار إما أن نجعل اسم معرفة، ونؤول له .... إما أن نجعل الاسم مبتدأ ونقدر له صفة، وهذا فيه تكلف، وإما أن نجعل الاسم هنا وهو نكرة خبراً مقدماً وهو الأصل في الخبر أن يكون نكرة، ونجعل الكلم لكونه معرفةً .. نجعله مبتدأً. إذاً: على القول بأن الكلم المراد به الكلم الاصطلاحي حينئذٍ نقول: الكلم مبتدأ مؤخر واسم وما عطف عليه خبر مقدم، فأورد عليه حينئذٍ أن الكلم في الاصطلاح ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر، هذا الكلم في الاصطلاح، أليس كذلك؟ إذا قلنا: الكلم -الكلم الاصطلاحي- .. ينقسم إلى: اسم وفعل وحرف، نقول: القسمة .. قسمة الشيء إلى أشياء لها طريقان لا ثالث لهما: إما أنه من تقسيم الكلي إلى جزئياته. وإما أنه من تقسيم الكل إلى أجزائه.

وكل منهما لا يصح هنا البتة، لماذا؟ قال: وتقسيم الناظم لا يصح أن يكون من تقسيم الكلي إلى جزئياته؛ لأن علامته .. علامة صحة هذا التقسيم، صحة إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من جزئياته كانقسام الإعراب إلى رفع ونصب وخفض وجزم، وحينئذٍ تنظر إلى الاسم المقسوم. الإعراب أربعة أنواع: رفع ونصب وخفض وجزم، إذا أردت أن تعرف وتتأكد أن هذا من تقسيم الكلي بالياء، إلى جزئياته تأتي إلى القسم، وهو؟ الرفع والنصب تجعله مبتدأً، وتأتي إلى المقسوم وهو الإعراب فتجعله خبراً إن صح الكلام فهو من تقسيم الكلي إلى جزئياته، إن لم يصح فهو من النوع الثاني. هنا إذا قيل: الرفع إعراب، صحيح أو لا؟ صحيح .. النصب إعراب .. الخفض إعراب .. الجزم إعراب، صح أو لا؟ صح، الكلمة: اسم وفعل وحرف، أين الاسم المقسوم؟ كلمة، أين الأقسام؟ اسم وفعل وحرف. الاسم كلمة، صحيح؟ .. الفعل كلمة .. الحرف كلمة، هذا من تقسيم الكلي إلى جزئياته. هنا هل يصح أن يقال: .. الاسم كلم .. الحرف كلم .. الفعل .. كلم؟ لا يصح .. لا يصح ذلك، فإذا لم يصح حينئذٍ ننظر في القسمة الثانية. هنا قال: فالرفع وحده يقال له: إعراب، والنصب كذلك وهكذا، وكانقسام الحيوان إلى إنسان وفرس، الحيوان اسم جنس هذا يصدق على ماذا .. لفظ: الحيوان؟ على كل ما فيه حياة .. حيوان فعلان، يصدق على الإنسان، فيقال: الإنسان حيوان، ويصدق على الفرس، فيقال: الفرس حيوان، والجراد حيوان، وهلم جرا، نقول: هذا التقسيم من تقسيم الكلي إلى جزئياته، وهنا لا يصح إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من الثلاثة، فلا يقال: الاسم كلم، والفعل كلم، والحرف كلم. كما قال ابن آجروم: .. هناك ابن آجروم قال: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع وأقسامه، أي: الكلام: ثلاثة: اسم وفعل وحرف، قال: وهذا لا يصح أن يكون من تقسيم الكلي إلى جزئياته، لماذا؟ لأنه لا يصح أن يقال الاسم كلام، والفعل كلام، والحرف كلام، الاسم مفرد، والكلام يشترط فيه أن يكون مركباً، فكيف يخبر عن المفرد بالمركب؟! إذاً: لا يصح أن يكون من باب تقسيم الكلي إلى جزئياته. هذا الذي هو الطريق الأول: إذا قلنا: الكلم المراد به المعنى الاصطلاحي، ثم قسمناه إلى اسم وفعل وحرف، نقول: هذا التقسيم من أي النوعين؟ نظرنا فإذا به لا يصح أن يكون من تقسم الكلي إلى جزئياته، حينئذٍ هل يصح أن يكون من باب تقسيم الكل إلى أجزائه؟ ولا يصح أن يكون من تقسيم الكلي إلى أجزائه؛ لأن علامته عدم صحة إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من أجزائه، بل لا يصح إطلاقه إلا إذا اجتمعت أجزاؤه التي تركب منها، وهنا لا يصح، لماذا؟ لأننا نقول: تقسيم الكل إلى أجزائه لا بد أن يصدق اسم المقسوم على كل الأجزاء مجتمعة، يعني: الكلم: اسم وفعل وحرف، هو الكلم، اسم وفعل وحرف الكلم؛ لأنه أتى بواو العطف المقتضية للجمع.

فحينئذٍ يقتضي هذا أنه لا يسمى كلماً اصطلاحياً إلا إذا اشتمل على فعل واسم وحرف، لا بد أن يوجد فيه هذه الأنواع الثلاثة، فإن نقص منها واحد لا يسمى كلماً اصطلاحياً وهذا حق أو باطل؟ باطل، واللازم باطل؛ لأنه يقتضي أنه لا يقال له: كلم، إلا إذا اجتمعت الثلاثة نحو: قد قام زيد .. ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] وأما إذا اجتمع اثنان منها نحو: قام غلام زيد، هذا اجتمع منها اثنان، قام: فعل، غلام زيد: اسمان، أين الحرف؟ غير موجود، هل هو كلم اصطلاحي؟ نعم، قام غلام زيد .. ترددتم لماذا؟ قام غلام زيد: مركب هذا من كلمتين: غلام زيد كلمتان، تحسب الثنتين، وأما: قام، فهي كلمة، إذاً: ثلاثة ألفاظ، فحينئذٍ هو كلم اصطلاحاً، لكن على هذا التقسيم .. إذا جعلناه من تقسيم الكل إلى أجزائه لا يكون كلمة، لماذا؟ لعدم وجود الحرف، أو واحد نحو أبو زيدٍ قائمٌ، هذه كلم أو لا؟ كلم، أين الفعل؟ لا فعل .. أين الحرف؟ لا حرف، الثلاث الكلمات كلها من النوع الأول وهو الاسم. إذا قلنا: من تقسيم الكل إلى أجزائه خرج النوع الأول: قام غلام زيد، وخرج الثاني، أبو زيدٍ قائمٌ، فلا يقال له: كلم، وليس الأمر كذلك، فبان بهذا بطلان القسمة من حيث هي، إذاً: التقسيم باطل على النوعين، إذا جعلنا ماذا؟ إذا جعلنا الكلم بالمعنى الاصطلاحي وهو مبتدأ، واسم وفعل وحرف: هذا خبره، لا يصح أن يكون من باب القسمة أنه تقسيم الكلي إلى جزئياته، ولا الكل إلى أجزائه لوجود اللازم الباطل. حينئذٍ ماذا نصنع؟ أجاب المكودي بجواب، لكنه فاسد، أقبح مما .. يعني: أورد عليه أقبح مما أورد على ابن مالك رحمه الله تعالى، قال: بأن قوله: اسم وفعل وحرف، من أجل أن يحصل التطابق ويصح التقسيم، قال: هذا من إطلاق المفرد وإرادة الجمع، أي: الكلم: أسماء وأفعال وحروف، وهذا فاسد، لماذا؟ لأن الواو إن كانت على بابها فحينئذٍ أقل الجمع في الأسماء ثلاثة، وأقل الجمع في الأفعال ثلاثة: ستة، وأقل الجمع في الحروف ثلاثة: هذه تسعة، لا يصدق عليه أنه كلم إلا إذا كان مؤلفاً من تسع كلمات، وهذا باطل. وإن كانت الواو بمعنى: أو، حينئذٍ الكلم إما أسماء فقط، أو أفعال فقط، أو حروف فقط، فإذا وجد من الاسم والفعل والحرف كما هو الشأن في: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] هذا لا يسمى كلماً، وهذا فاسد، كما يقول العامة: أراد أن يكحلها أعماها! يعني: أراد أن يجيب على الاعتراض ويرفع الإشكال فوقع في إشكال أقبح مما أورد على الناظم. ويرد على هذا الجواب ما هو أقبح مما ورد على عبارة الناظم؛ وذلك إما أن تبقى الواو في قوله: والأفعال والحروف على بابها، فيفهم منه أن الكلم لا يطلق إلا على ما تركب من تسع كلمات فأكثر؛ لأن أقل الجمع ثلاثة، وهذا باطل .. أقل الجمع في الأسماء ثلاثة، وفي الأفعال وفي الحروف كذلك، وهذا باطل. وإما أن تجعل الواو بمعنى: أو، فيفهم منه: أن الكلم لا يكون إلا من الأسماء وحدها، أو من الأفعال وحدها، أو من الحروف وحدها، وأما من اثنين أو من ثلاثة منها فلا يكون وهذا باطل أيضاً، فبان عدم صحة هذا الجواب.

إذاً: القول بكون الكلم مبتدأ والمراد به: الكلم الاصطلاحي، واسم وفعل: هذا خبر مقدم، هذا لا يصح البتة، بهذا التعبير وبهذا الإعراب لا يصح. ابن هشام رحمه الله ساهم في دفع الإشكال ورفعه بتوجيه إعراب آخر له وجهه، وهو مسلم وصحيح في نفسه، إلا أنه بعيد عن عبارة المصنف رحمه الله تعالى، وقيل: يرتفع الإشكال بجعل الكلم في النظم مبتدأً أول .. واسم وفعل ثم حرف، الكلمُ: مبتدأ أول، واحده: مبتدأ ثان، كلمة: خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول. إذاً: فصل الجملة عن سابقها، واسم وفعل ثم حرف: مستقل، الكلم واحده: كلمة، صحيح أو لا؟ الكلم من حيث اللفظ واحده: كلمة، وهي: اسم وفعل وحرف، فجعل الاسم خبراً لمبتدأ محذوف، فحينئذٍ استطاع بهذا الإعراب أن يجعل التقسيم .. تقسيم الاسم والفعل والحرف أقساماً للكلمة، فردها إلى أصلها، فقال: الكلم: هذا مبتدأ أول، واحده: كلمة، هذا جملة اسمية خبر المبتدأ الأول، وهي: اسم .. الضمير يعود إلى الكلمة، إذاً اسم: هذا خبر المبتدأ محذوف تقديره هي. وقيل: يرتفع الإشكال بجعل الكلم في النظم مبتدأً أول، وواحده: مبتدأ ثان، وكلمة: خبر عن الثاني، والثاني وخبره خبر عن الأول، ويكون: اسم وفعل خبراً لمبتدأ محذوف تقديره: وهي، أي: الكلمة اسم. وهذا جيد أولى من ذاك: أسماء وأفعال وحروف، هذا التخريج صحيح أم لا؟ صحيح، لأن المعنى صحيح أو لا؟ المعنى صحيح، الكلم واحده: كلمة، وهي اسم وفعل وحرف، رده إلى المشهور عند النحاة، فيكون قوله: واسم إلى آخره: تقسيماً للكلمة لا للكلم فانفصلت الجملة. فيكون من باب تقسيم الكلي إلى جزئياته، أو الكل إلى أجزائه؟ كلي، أو الكل؟ من الكلي، لماذا؟ لصحة الإخبار: إن صح إخبار بمقسم فذا أو لم يصحا فهو كل قد قسم ... تقسيم كلي بجزئي خذا بغير ياء أي لأجزا قد علم إذاً: إن صح الإخبار حينئذٍ فهو من تقسيم الكلي إلى جزئياته، إن صح إخبار بمقسم فذا أو لم يصحا فهو كل قد قسم ... تقسيم كلي بجزئي خذا بغير ياء أي لأجزا قد علم يعني: لا تقل كلي: بالياء، بل هو كل. فحينئذٍ إذا لم يصح الإخبار باسم المقسوم عن كل قسم على حده، فهو تقسيم كل إلى أجزائه، وهذا الجواب ظاهر في نفسه لكنه بعيد من كلام الناظم رحمه الله تعالى. والقول الثاني: .. القول الأول ما هو؟ أن الكلم: المراد به الكلم الاصطلاحي، وفيه توجيهان من حيث الإعراب: هه! واضحة أو نعيد؟ القول الأول: أن المراد بالكلم: الكلم الاصطلاحي، وهو: ما تركب من ثلاثة كلمات فأكثر، وهذا فيه إعرابان، يعني: في كلام الناظم: إما أن يكون مبتدأً وما قبله خبر، وهذا فاسد، وإما أن يكون مبتدأً أول وواحده كلمة: خبر عنه، واسم وفعل: هذا خبر لمبتدأ محذوف، وهي: فيكون تقسيماً للكلمة لا للكلم، وهذا له اعتباره وله وجهه لكنه بعيد من كلام الناظم.

القول الثاني: أن المراد بالكلم ليس المراد به الكلم الاصطلاحي، والقول الثاني -وهو الأحق .. الصواب-: أن الكلم: مبتدأ، خبره: ما قبله، وأنه ليس المراد به معناه الاصطلاحي، ليس المراد به المعنى الاصطلاحي وهو: ما تركب من كلمتين .. من ثلاث كلمات فأكثر، بل المراد به: الكلمات: اسم جنس جمعي، يعني: المراد به المعنى اللغوي، وليس المراد به المعنى الاصطلاحي، بل المراد به الكلمات، أي: أشخاصها، فإنها وإن كثرت لا تخرج عن هذه الثلاثة، لا تخرج عن .. خالد وعمرو، وقام وضرب، إلى آخره، مهما عددت من الأفعال والأسماء والحروف لا تخرج عن هذه الأنواع الثلاثة، أي: الكلم: الذي يتألف منه الكلام ينقسم باعتبار واحده إلى ثلاثة أنواع .. الكلم: الذي يتألف منه الكلام .. على هذا التقدير .. التفسير بأنه: ليس المراد به الكلم الاصطلاحي، نقول: الكلم الذي يتألف منه الكلام ينقسم باعتبار واحده، على هذا التقدير؛ لأنه قال: واحده كلمة، أشار إلى أن واحد الكلم: كلمة. والذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف هو الكلم، إذاً: الكلم الذي يتألف منه الكلام ينقسم باعتبار واحده إلى ثلاثة أنواع: نوع الاسم، ونوع الفعل ونوع الحرف، فهو من تقسيم الكلي إلى جزئياته. فالمراد بالكلم في كلام الناظم: الكلمات، أي: الأنواع الثلاثة للكلمة، فالمراد به حينئذٍ: المعنى الجنسي للكلمة، لا المعنى المصطلح عليه؛ لأن المعنى الجنسي: الذي هو قول مفرد مستقل أو منوي معه .. لأن المعنى الجنسي هو الذي يصح الحكم بالاسم والفعل والحرف عليه، ولقوله: واحده كلمة، هذا دليل على أنه أراد بالكلم: المعنى اللغوي لا الاصطلاحي؛ لأن الكلم المصطلح عليه يتألف من أجزاء، فلو كان مراده الكلم الاصطلاحي لقال: وجزؤه كلمة .. هذا أنسب؛ لأن: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)) [المؤمنون:1] قد: جزء، وأفلح: جزء، والمؤمنون: جزء، ولذلك نقول: الكل والأجزاء، والكلي والجزئيات، فالجزء حينئذٍ لا يعبر عنه بالواحد؛ لأن الواحد قد يفهم استقلالاً دون غيره، وأما الجزء فلا ينفك عن غيره على الأصل. فحينئذٍ لقوله: واحده كلمة، وإلا لقال: جزؤه كلمة أو نحوه؛ ولأن المقام يقتضي بيان أقسام الكلمة، هذا هو الأصل، وجرت عادة النحاة أنهم في هذا المقام يقسمون الكلمة ولا يقسمون الكلم المصطلح عليه .. ولأن المقام يقتضي بيان أقسام الكلمة لا أجزاء الكلم المصطلح؛ لأن الباب معقود للكلام وما يتألف منه، وهو الكلم الثلاث التي هي أقسام الكلمة، ولذلك قال: الكلام وما يتألف منه، يعني: وما يتألف الكلام منه، أي: والأشياء التي يتألف الكلام منه، وهذا المراد به ماذا؟ الاسم والفعل والحرف، فدل على أن مراده هنا بيان الكلام لا الكلم. وحشر الكلم هنا المصطلح عليه هذا من باب الاجتهاد والنظر.

إذاً: وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ، منحصرة في ثلاثة أقسام .. الكلمة منحصرة في ثلاثة أنواع: الاسم والفعل والحرف، ويستفاد الحصر في تقديم الناظم الخبر، فيكون فيه الرد على من زاد رابعاً وسماه: خالفةً، وهو اسم الفعل كما سيأتي، حينئذٍ: أل، في قوله: الكلم على هذا المعنى تكون للعهد، تكون عهدية؛ لأنها قال في الترجمة ماذا؟ وما يتألف منه، ثم قال: الكلم، يعني: والمعهود الذي يتألف منه الكلام، فدل على أن هذه الأشياء التي عنون لها في الترجمة هي التي أراد بيانها في هذا الشطر: واسم وفعل ثم حرف الكلم. أل: للعهد، والمعهود: ما صدق عليه لفظ: ما، وهو الأشياء التي يتألف منها الكلام. وأل، في الكلم على هذا القول الأخير بالعهد: والمعهود ما وقعت عليه: ما، في الترجمة، فيصير تقدير الكلمات الثلاثة المؤلف منها الكلام: اسم وفعل وحرف، والصبان له توجيه يجمع بين القولين، يقول: يمكن اعتبار الكلم أنه مراداً به المعنى الاصطلاحي، ويمكن أن يحمل على المعنى اللغوني، يعني: باعتبارين، وهذا ما يسمى بالاستخدام عند البيانيين. وخرجه الصبان على أن تجعل الكلم في كلام الناظم بمعنى: الكلمات، على ما ذكرناه، ويبقى قوله: واحده: كلمة، قال: الضمير هنا رجع إلى الكلم لا باعتبار الكلمات، وإنما باعتبار الكلم المصطلح عليه، وهذا فيه تكلف، بل الصواب: أن الضمير هنا يعود إلى الكلم، وهو اسم جنس جمعي، ويجوز فيها .. _في إعادة الضمير وجهان-، كما قال ابن معطي: واحدها كلمة .. أنث، وهنا ذكر، ويجوز فيه الوجهان: التأنيث والتذكير كما سيأتي معنا. خرجه على ماذا؟ قال: أن تجعل الكلم في كلام الناظم بمعنى الكلمات، وترجع الضمير في: واحده، إلى الكلم بمعنى: الكلم الاصطلاحي على الاستخدام لا بمعنى الكلمات، وإلا لأنث الضمير، فيصير المعنى: واسم وفعل ثم حرف الكلمات، أي: الأنواع الثلاثة للكلمة، وواحد الكلم الاصطلاحي: كلمة، وهذا فيه تكلف، بل الصواب أن: واحده، يعود إلى اللفظ باعتبار المعنى اللغوي، وهذا لا مانع منه، ويجوز في عود الضمير على الجمع تذكيراً وتأنيثاً. هنا سيأتي معنا في قوله: أنها اسم جنس جمعي. إذاً قوله: واسم وفعل ثم حرف الكلم، إذاً: الكلمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف، ولا يخرج عن هذه القسمة لفظ رابع، أي: لا يزيد عليها لفظ رابع، ودليل التقسيم والحصر في الثلاثة، أمران: دليل نقلي: وهو ما أثر عن علي رضي الله تعالى عنه لما شكا إليه أبو الأسود الدؤلي العُجْمَ، يعني: الناس اعوجت ألسنتهم، فقال له علي بن أبي طالب: انح لهم نحواً، ولذلك سمي: نحواً، انح لهم نحواً واقسم الكلام ثلاثة أشياء: اسماً وفعلاً وحرفاً جاء لمعنى ... هكذا أورده السيوطي في: الأشباه والنظائر، والله أعلم ثابت عنه أم لا؟ حينئذٍ هذا دليل نقلي .. صح عن صحابي: أن الكلمة تنقسم إلى ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف.

وكذلك دليل عقلي: وهو ماذا؟ وهو النظر الصحيح: أن الكلمة إما أن تصلح ركناً للإسناد أو لا، وسبق أن الإسناد المراد به: المسند والمسند إليه، هذه عبارات المسند والمسند إليه .. المحكوم والمحكوم عليه، والمبتدأ والخبر، وأيضاً الموضوع والمحمول، هذه أربعة ألفاظ .. أربعة أقسام، ومصدقها واحد، ولكن الاختلاف باختلاف الفنون. زيد قائم، زيد: مبتدأ عند النحاة .. محكوم عليه عند الأصوليين .. موضوع عند المناطقة .. مسند إليه عند البيانيين. قائمٌ: خبر عند النحاة .. محكوم به عند الأصوليين .. محمول عند المناطقة .. مسند عند البيانيين. هذه أربعة أقسام .. نقف على هذا، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأصحابه أجمعين ...

5

عناصر الدرس * بيان انواع الكلمة ,حدالكلمة. والكلم. * حد القول وعلامته مع الكلمة ,والكلم * فائدة: بعض الحدود المهمة في باب الكلام. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: ......................................... واحِدُهُ كَلِمَةٌ ........ ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ ................................ عرفنا توجيه مراد المصنف رحمه الله تعالى، وأن هذا التقسيم إنما هو تقسيم للكلمة، وليس للكلم الاصطلاحي، فالاسم والفعل والحرف أقسام للكلمة، وهي محصورة في هذا التقسيم الثلاثي ولا رابع عليها، ومن زاد: الخالفة، فهو مردود عليه بإجماع النحاة. ويدل على ذلك التقديم: واسم وفعل ثم حرف الكلم، قلنا: الكلم: هذا مبتدأ مؤخر، والمراد به الكلمات، واسم: هذا خبر مقدم؛ لأنه إذا اجتمع نكرة ومعرفة حينئذٍ تجعل المعرفة مبتدأً والنكرة خبراً على الأصل في المبتدأ والخبر. وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ .. واسم: قدم الاسم هنا لشرفه على الفعل والحرف، يعني: على أخويه وقسيميه، لماذا؟ قالوا أولاً: فالاسم مشتق من السمو وهو: العلو، اسم: أصله مأخوذ من السمو والعلو .. وهو العلو على مذهب البصريين، ومأخوذ من: السمة، وهي العلامة على مذهب الكوفيين، أصله على مذهب البصريين: سِمْوٌ .. أو سُمْوٌ، فِعل أو فُعل، وجرى له ما جرى إلى أن صار اسماً، فوزنه حينئذٍ على مذهب البصريين: افعٌ! لأن المحذوف هو الواو، سِمو .. سُمو، أين الواو؟ نحن نقول: اسم، ليس عندنا واو، حينئذٍ نقول: حذفت اعتباطاً لغير علة تصريفية فصار وزنه ماذا؟ افع. وأما على مذهب الكوفيين فالمحذوف منه هو الفاء، فوزنه: اعْلٌ، ففرق بينهما، وهذا مبين في غير هذا الشرح. إذاً: الاسم مشتق من السمو، ولذلك قدمه على على قسيميه .. على على قسيميه الفعل والحرف. وأهم من ذلك أن يقال: الاسم يوجد منه الكلام برمته، يعني: من نوعه، تحصل الفائدة الكلامية من نوعه: زيد قائمٌ، فحينئذٍ صار ماذا؟ صار الاسم مسنداً ومسنداً إليه، مخبراً به ومخبراً عنه، فارتفع عن قسيميه الفعل والحرف لهذه الميزة، وهو كونه يقع مسنداً ومسنداً إليه، محكوماً عليه ومحكوماً به، مخبراً عنه ومخبراً به، زيد قائٌم: زيد: هذا اسم وهو مبتدأ، وهو محكوم عليه، وقائمٌ هذا خبره، وهو مسند .. فحينئذٍ صار الاسم مسنداً ومسنداً إليه .. محكوم عليه ومحكوم به. وأما الفعل ثنى به؛ لأنه ليس له من جزئي الكلام إلا كونه مسنداً فحسب، ولا يقع البتة، إذا قصد معناه لا يقع مسنداً إليه البتة، لماذا؟ لأن الإسناد الذي هو كونه مسنداً إليه، هذه من علامات الأسماء، لا يسند إلا إلى الأسماء، حينئذٍ صار الفعل مسنداً ولا يمكن أن يتركب الكلام من فعلين كما تركب من اسمين، لماذا؟ لأن الكلام لا بد فيه من مسند إليه، وإذا كان الفعل لا يقع مسنداً إليه حينئذٍ تعذر اجتماع فعلين في كلام واحد، يعني: يحصل منه الكلام.

وتعليل ذلك عند النحاة: أن الفعل في المعنى صفة، الأفعال كلها بأنواعها: الماضي والمضارع والأمر في المعنى صفات، والصفات تقتضي موصوفاً، حينئذٍ إذا قلت: جاء قام .. كما قلت: زيد قائم أسندت هذا إلى ذاك، قلت: جاء قام، جاء مسنداً إليه، وقام مسند، جاء: هذا يدل على وقوع حدث وهو المجيء، وقام كذلك يدل على حدث وهو وقوع القيام، من الذي قام بالمجيء، ومن الذي قام بالقيام؟ أين الموصوف؟ هل هو موجود في اللفظ؟ الجواب: لا. إذا تجرد الكلام بفعلين حينئذٍ امتنع وجود الموصوف، ولذلك ثنى به. ثُمَّ حَرْفٌ: ثلث بالحرف؛ لأنه يقع طرفاً، لا مسنداً ولا مسنداً إليه، والحرف سيأتي: أنه ما دل على معنىً في غيره فقط، فحينئذٍ كونه لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه صار خارجاً عن أصل الكلام، لماذا؟ لأن الكلام محصور في المسند والمسند إليه. وإذا كان الحرف لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه، حينئذٍ امتنع أن يكون جزءً من الكلام، ولذلك سمي الحرف حرفاً؛ لأنه يقع طرفاً. وأما قوله: ثُمَّ، وهذا في باب التقسيم عند بعضهم، بمعنى: الواو، كأنه قال: اسم وفعل وحرف، إذ لا معنى للتراخي بين الأقسام؛ لأن ثم تفيد ماذا؟ تفيد التراخي، هو: لا شك أن رتبته أدنى من رتبة الفعل، ولو أريد هذا المعنى لقيل: اسم ثم فعل ثم حرف، أليس كذلك؟ لأن الاسم أعلى درجةً، ثم أدنى منه الفعل؛ لكونه يقع مسنداً لا مسنداً إليه، ثم الحرف، لو أريد الترتيب من حيث الشرف لجيء بثم بعد الاسم، وعطف الفعل على الاسم بثم لإثبات التراخي. ويكفي في الإشعار بانحطاط درجة الحرف عن قسيميه ترتيب الناظم لها في الذكر على حسب ترتيبها في الشرف وقوعه طرفاً، يعني: لا نحتاج أن تكون ثم على بابه؛ لأن كلاً من هذه الأقسام باعتبار الكلمة مرتبة واحدة، متحدة، الاسم قسم للكلمة، والفعل قسم للكلمة، والحرف قسم للكلمة، إذاً: كل منها قسم للكلمة، هل من هذه الحيثية فيه ترتيب؟ لا، وإنما الترتيب متى يكون؟ إذا نظر إلى ذات الاسم، وإلى ذات الفعل، وإلى ذات الحرف، فحينئذٍ بالنظر إلى الانقسام نقول: ثم بمعنى: الواو، وبالنظر إلى ذواتها: الاسم من حيث هو لا بكونه قسماً للكلمة وقسيماً للحرف، حينئذٍ نقول بالتساوي. وقيل الأولى إبقاء ثم على حالها، يعني: لا نقول: إنها بمعنى الواو، وهذا جرى عليه الأكثرون: إذا جاءت ثم في هذا الموضع، قالوا: ثم بمعنى الواو؛ لأنه لا فرق بينها من حيث كونها قسماً للكلمة، وقيل: الأولى إبقاء ثم على حالها، وجعلها للتراخي الرتبي بين الأقسام من حيث ذواتها لا من حيث الانقسام، يعني: تبقى على المعنى الذي وضعت له في لسان العرب، والمراد به: التراخي الرتبي، يعني: رتبة الحرف بعد رتبة الفعل. فحينئذٍ هذا بالنظر إلى ماذا .. إلى ذات الحرف أو إلى كونه قسماً؟ بالنظر إلى الحرف ذاته، أو من حيث كونه قسماً للكلمة؟ من حيث ذاته، وعليه نقول: كان الأولى أن يقول: اسم ثم فعل ثم حرف، والأولى أن تجعل هنا ثم بمعنى: الواو، ولا ينظر إلى ذواتها؛ لأن المقصود هنا التقسيم فحسب. وقيل: الأولى إبقاء ثم على حالها وجعلها للتراخي الرتبي بين الأقسام من حيث ذواتها، لا من حيث الانقسام، يعني: له نظران.

وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ قلنا: هذا الصحيح أنه اسم جنس جمعي، اسم جنس على المختار لدلالته وضعاً على الماهية من حيث هي .. من حيث هي، يعني: لا بالنظر إلى الأفراد في الخارج، قد ينظر إلى الشيء ذهناً وهو المراد به الحقيقة الكلية الموجودة في الذهن .. وقد ينظر إليها باعتبار أفرادها في الخارج، وقد ينظر إليها لا باعتبار أفرادها في الخارج، وهذا قد يأتي معنا في النكرة. وقيل: بل هو جمع، ورد: بأن الغالب تذكيره والغالب على الجمع تأنيثه، يعني: الكلم هذا ليس باسم جنس، بل هو جمع، كرجال ومسلمون، رد هذا القول، وهو قول الجرجاني وغيره، لماذا؟ لأن الغالب في الكلم تذكيره، ولذلك قال ابن مالك: واحده كلمة، والغالب في الجمع تأنيثه .. الغالب في الجمع إذا أعيد الضمير إليه .. الغالب فيه التأنيث. وقيل: اسم جمع، ورد: بأن له واحداً من لفظه، والغالب على اسم الجمع خلافه، الغالب على اسم الجمع: ألا يكون له واحد من لفظه، وهذا له واحد من لفظه، فدل على أنه ليس باسم جمع. إذاً: ثلاثة أقوال في لفظ: الكلم، هل هو اسم جنس، أو جمع، أو اسم جمع؟ ثلاثة أقوال، والصحيح أنه اسم جنس، والقائلون بأنه اسم جنس اختلفوا، هل هو اسم جنس جمعي، أو اسم جنس إفرادي والصواب الأول: أنه اسم جنس جمعي، لا إفرادي. والمختار: أنه اسم جنس جمعي، والجمعي هذا صفة لاسم لا ..... فاسم جنس جمعيٌ أو جمعيٍ؟ فيه قولان: اسم جنس جمعيٌ: هذا نعت لاسم، اسم جنسٍ جمعيٍ: هذا نعت للمضاف إليه، والصواب: الأول أنه نعت لاسم لا الجنس على الصواب وذلك لأنه لا يقال إلا على ثلاث كلمات فأكثر سواء اتحد نوعها أو لم يتحد، أفادت أم لم تفد، وقيل: لا يقال على الكلم يعني .. لا يقال إلا على ما فوق العشرة، والصواب الذي عليه الجماهير أنه من ثلاثة فأكثر، فما دون الثلاثة لا يطلق عليه أنه كلم ولو أفاد بل هو كلام. وعلى المختار يجوز في ضميره، يعني: الكلم نفسه لا اسم الجنس الجمعي، نظر هنا باعتبارين: نظر إلى الكلم نفسه، ونظر إلى اسم الجنس الجمعي. الكلم يجوز في ضميره العائد عليه التأنيث ملاحظةً للجمعية والتذكير على الأصل وهو الأكثر. إذاً: قول ابن مالك: واحده، على الأصل أو لا؟ على الأصل، فلا نحتاج إلى قول الصبان أنه من باب الاستخدام، كلم: المراد به الكلمات، ثم قال: واحده، إذاً: واحد الكلم الاصطلاحي كلمة، بل الصواب أنه عائد على الكلم باعتبار كونه اسماً جنسياً جمعياً، اسم جنس جميعاً باعتبار كونا اسم جنس جمعياً، هذا هو الأصح. ملاحظةً للجمعية: هذا إذا أنث، والتذكير على الأصل وهو الأكثر، وجاء في القرآن: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)) [فاطر:10] إليه يصعد، ما قال: تصعد، ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ)) [فاطر:10] وهذا فاعل، ولو كان مؤنثاً لقال: تصعد بالتاء، لكن لما قال: يصعد، دلى على ماذا؟ على أنه مذكر، يعني: راعى فيه جانب التذكير. ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)) [المائدة:41] مذكر أو مؤنث؟ مذكر، لو كان مؤنث لقال: مواضعها، أحسنت لقال: مواضعها.

وأما اسم الجنس الجمعي، يعني: لا بالنظر إلى الكلم، وإنما اسم الجنس الجمعي من حيث هو باعتبار مرجع الضمير فيه ثلاثة أحوال: فمنه ما يجب تذكيره ولا يجوز تأنيثه: كغنم. وما يجب تأنيث ضميره، ولا يجوز تذكيره: كبط. وما يجوز في ضميره الأمران كبقر وكلم، هذا اسم الجنس من حيث هو، لا بالنظر إلى الكلم، قلنا: الكلم اسم جنس جمعي، أليس كذلك؟ بلى، يجوز في ضميره أمران، هل هذا الحكم مطرد في جميع اسم الجنس؟ لا، وإنما فيه تفصيل: بعضه يجب تذكيره، وبعضه يجب تأنيثه، وبعضه فيه الأمران، ومرده إلى لسان العرب، يعني: كيف تعرف أن هذا مما يجب تذكيره، وهذا مما يجب تأنيثه، وهذا مما يجوز فيه الأمران؟ بالرجوع إلى القاموس ولسان العرب ونحو ذلك. وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ .. ثم حرف الكلم: عرفنا أن الكلم المراد به: اسم جنس جمعي، لا اسم جنس إفرادي، واسم الجنس الجمعي حقيقته هو الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالباً، بأن تكون التاء في المفرد لا في الجمع كلمة .. كلم، التاء موجودة في المفرد، شجرة .. شجر، بقرة .. بقر، إلى آخره. نقول: وجود التاء في المفرد وتسقط في الجمع، هو عينه اللفظ: كلمة .. تحذف التاء، صار: كلم، بقر: هذا جمع اسم جنس جمعي، واحده: بقرة، لا فرق بينهما إلا التاء، هل التاء مطلقاً تكون فرقاً بينه؟ لذلك قلنا: غالباً، قد يكون العكس، التاء في الجمع لا في المفرد، مثل: كمئٍ وكمئةٍ .. كمئٍ: هذا مفرد، وكمئةٍ: هذا جمع، عكس بقرة وبقر، وقد يكون الفرق بينهما بالياء: زنج وزنجي، روم ورومي. حينئذٍ الغالب فيه أن يفرق بينه وبين واحده بالتاء، هذا اسم الجنس الجمعي. وأما اسم الجنس الإفرادي: فهو ما يصدق على القليل والكثير، يعني: يدل على الماهية بقطع النظر عن إفادة القلة أو الكثرة، الماهية من حيث هي: ماء، تقول: هذا ماء، وتنظر إلى البحر فتقول: هذا ماؤه، أليس كذلك؟ إذاً: اللفظ صدق على القليل والكثير، هذا تراب، أليس كذلك؟ هذا زيت، يصدق على القليل والكثير، النقطة تقول: هذه زيت وهي نقطة، وتأتي إلى الجردن وتقول: هذا زيت، يصدق على القليل والكثير. هذا ضابط اسم الجنس الإفرادي: ما دل على الماهية لا بقيد قلة أو كثرة كماء وتراب. واحِدُهُ كَلِمَةٌ: عرفنا أن المراد هنا بواحده: المراد به لفظ الكلم، وأن المراد بالكلم: اسم الجنس الجمعي، وهنا ذكَّر على الأصل، فلا نحتاج نقول: لماذا ابن مالك رحمه الله تعالى، لم يقل كما قال ابن معطي: واحدها كلمة؟ جرى على الأصل أو لا؟ جرى على الأصل. واحِدُهُ كَلِمَةٌ: والكلمة: فعِلة، وفيها ثلاث لغات كما سيأتي لها معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي. أما معناها في لسان العرب، الذي إذا أطلق عند العرب انصرف إليه المراد به: الجمل المفيدة، والمفيدة: هذا قيد لبيان الواقع لا للاحتراز، فحينئذٍ إذا كانت الجملة واحدةً أو متعددة صح إطلاق الكلمة عليها، على الجمل المفيدة، يعني: قد تأتي إلى سورة، وتقول: هذه جملة .. هذه كلمة، وهي جمل، وقد تأتي إلى جملة واحدة: قام زيد، أو زيد قائم، فتقول: هذه كلمة.

إذاً: الكلمة لغةً: هي الجمل المفيدة، قال تعالى: ((وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا)) [التوبة:40] كلمة الله، وهي: لا إله إلا الله، هذه جملة اسمية، ((تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ)) [آل عمران:64] هذه جملة فعلية، ألا نعبد: هي الكلمة، ((تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ)) [آل عمران:64] ما هي هذه الكلمة: ((أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ)) [آل عمران:64] إذاً: أطلقت الكلمة على الجملة الفعلية، وهناك: كلمة الله هي العليا، أطلقت على الجملة الاسمية. ((كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا)) [المؤمنون:100] هذا إشارة إلى قوله: ((رَبِّ ارْجِعُونِ)) [المؤمنون:99] .... هذه جمل ليست بجملة واحدة، إذاً: هذان المثالان يصدقان على الكلمة، إذا أطلقت على الجملة المفيدة أو على الجمل المفيدة، وجاء في الصحيحين: {الكلمة الطيبة صدقة} سبحان الله ونحو ذلك، {وأفضل كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل} وهذا نصف بيت، وأطلق عليه أنه كلمة. وهذا الإطلاق، قلنا: هذا معنىً لغوي، وهو الأصل في وضعها في لسان العرب، كما تقول: بيت، هذا موضوع وضعاً شخصياً والواضع له العرب، حينئذٍ إذا أطلق لفظ البيت انصرف إلى المعنى المخصوص، كزيد: إذا أطلق لفظ زيد انصرف إلى المعنى الذي وضع له. كلمة: لَفْظٌ، لها معنىً في لسان العرب، إذا أطلق انصرف إليه، ما هو هذا المعنى؟ الجمل المفيدة، إذاً: مصدقها معنىً أو لفظ؟ مصدق الكلمة، يعني: ما تقع عليه الكلمة، معنىً أو لفظ؟ لفظ؛ لأن إذا قلت: زيد، اسم، مسماه .. هذا الشخص مثلاً، هذا مسمى، الاسم والمسمى، زيد: اسم، مسماه: الشخص الذي تراه، كلمة: هذه اسم، مسماها: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله المراد به لفظه، ألا نبعد إلا الله، المراد به لفظه، ألا كل شيء ما خلا باطل: المراد به لفظه. إذاً: فمصدق لفظ كلمة: لفظ، وهذا لا مانع منه كما سيأتي معنا. وهذا الإطلاق لمعنى الكلمة منكر في اصطلاح النحاة، يعني: إذا أطلقه أحد منهم شنعوا عليه، وأنكروا عليه، لماذا؟ لأنه قد استعمل لفظاً يشارك لفظاً عندهم له حقيقة عرفية، والكلمة عند النحاة المراد بها قول مفرد كما سيأتي، وهو حقيقة عرفية خاصة، يعني: ليس هو المعنى الذي وضع له في لسان العرب، فحينئذٍ إذا أطلق لفظ الكلمة مراداً به الجملة، أو الجمل المفيدة صار فيه تلبيس، فإذا فعله فاعل منهم أنكر عليه. وهذا الإطلاق منكر في اصطلاح النحويين، ولذلك لا يتعرض لذكره في كتبهم بوجه من الوجوه، كما قال ابن مالك في شرح التسهيل، هو نص على هذا رحمه الله، قال: لا يجوز أن يطلق لفظ الكلمة عند النحاة مراداً به الجملة المفيدة، ولكنه خالف هنا في الألفية وقال: وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ:

هو قال: ينكر عليه، وهل ننكر عليه؟ نعم، ننكر عليه، ولذلك قال السيوطي: هذا الشطر من أمراضها التي لا دواء لها، يعني: بعض الأمور التي يمكن أن يكون فيها نوع زلل أو خلل يعتذر له، وأما هذا لا يوجد، ما في طريقة .. لأنه هو بنفسه، يعني: نحاربه أو نرد قوله بقوله، وهذا من أعظم الردود: أنه ينص على شيء في موضع، ويرى أنه منكر باتفاق النحاة، يعني: ينقل اتفاق، ثم هو يستعمله، هذه مصيبة، فقوله: وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ: نقول: هذا ينكر عليه، لماذا؟ لأن هذا المصطلح غير مستعمل عند النحاة، والكلمة إذا أطلقت عند النحاة لها معنىً خاص .. حقيقة عرفية، كالعام عند الأصوليين والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ لها معان خاصة إذا أطلق اللفظ انصرف إليه، وهذا مثلها، إذاً: إطلاق هذا اللفظ بهذا المعنى الجمل المفيدة في كتب النحاة منكر، فإذا فعله فاعل حينئذٍ نقول: قد أخطأ، وإن كان هو الأصل في استعمال لغة العرب، وهو الحقيقة، واستعماله في القول المفرد، إن قلنا: حقيقة عرفية لا إشكال، بل لو عبر بعضهم بمجاز كما هم يقولون، نقول: هو الأصل، لماذا؟ لأنهم يقولون: استعمال لفظ الكلمة في الجمل المفيدة مجاز .. مجاز مرسل، علاقته الجزئية والكلية، يعني: أطلق الجزء مراداً به الكل: ((يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ)) [البقرة:19] أصابعهم! كل الأصبع أم الأنامل؟ الأنامل جزء من الأصبع، فأطلق الكل مراداً به الجزء، هنا العكس: أطلق الجزء مراداً به الكل، فإذا قيل: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... كلمة، نقول: ألا: كلمة .. كل: كلمة .. شيء: كلمة .. خلا: كلمة .. لفظ الجلالة: كلمة، كلمات، فأطلق .. أخذ هذا الجزء أطلق على الكل، إذاً: هو حقيقة أو مجاز؟ عندهم .. عند النحاة يعتبر مجازاً، مجازاً مهملاً .. مجازاً مرسلاً .. مهملاً علاقته الجزئية والكلية، وقد ذكره هنا في الألفية، فقد قيل: إنه من أمراضها التي لا دواء لها. والكلمة اصطلاحاً عند النحاة: قول مفرد، أو اللفظ الدال على معنىً مفرد، هذا أو ذاك، والمشهور كما قال ابن هشام وغيره: قول مفرد، القول: هو اللفظ الدال على معنىً، ويشمل المفرد والمركب؛ لأن القول هذا خاص بالمستعمل، سبق معنا أن اللفظ: مهمل ومستعمل، والمستعمل هو الذي يسمى قولاً، ما العلاقة بين القول واللفظ؟ أيهما أعم؟ اللفظ أعم؛ لأنه يشمل المهمل والمستعمل، مدلوله شيئان، والقول مدلوله شيء واحد. فكل قول لفظ ولا عكس، لماذا؟ لأن اللفظ أعم، والقول خاص بالمستعمل، قول، قلنا: يشمل المفرد ويشمل المركب؛ لأن المستعمل قسمان: مفرد كزيد، ومركب كقام زيد، الكلمة: قول مفرد، مفرد أخرج المركب، ما المراد بالمفرد؟ ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، هذا مشهور في كتب النحاة وهو غلط. المفرد: ما دل جزؤه على جزء معناه، عفواً! العكس: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، زيد، ما معناه؟ ذات مشخصة، زه: جزء من زيد، هل دل على شيء مما دل عليه زيد؟ لا، إذاً: هذا ماذا نسميه؟ نسميه مفرداً، هذا عند المناطقة، وتبعهم كثير من النحاة، وهذا من تداخل الاصطلاحات، من خلط اصطلاح باصطلاح، وسيأتي ما الذي ينبني عليه.

إذاً: الكلمة اصطلاحاً: قول مفرد، فخرج بالقول: غيره من الدوال كالخط والإشارة، وبالمفرد: وهو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه المركب، فيصد على زيد، زاد بعضهم: قول مفرد مستقل، يعني: لا تسمى الكلمة كلمة إلا إذا كانت مستقلة، يعني: تنفصل لوحدها، وأما إذا كانت لا توجد لوحدها إلا مع غيرها فليست بكلمة، يضرب .. نضرب .. تضرب .. أضرب، كم كلمة؟ .. نضرب هذه أمثلة، نضرب كم كلمة؟ فيه قولان .. نضرب، هذه النون حرف من أحرف المضارعة، أنيت .. أضرب، إذاً: الهمزة هذه والنون ويضرب وتضرب، هذه الأحرف تسمى أحرف مضارعة، هل هي حرف مبنى أو حرف معنى؟ ما الفرق بينهما؟ حرف المبنى هو جزء الكلمة، وحرف المعنى هو كلمة بذاتها، هل يضرب وأضرب هذه الأحرف حروف معاني أو مباني؟ معاني. إذاً: هو كلمة، هذا هو الأصل؛ لأنه قسيم للاسم والفعل، الاسم والفعل والحرف هذه أقسام للكلمة، ما حقيقة الحرف؟ ما دل على معنى في غيره، إذاً: يضرب .. أضرب دلت على معنى في غيرها، فهي حرف معنى، وليست حرف مبنى، وإذا أطلق الحرف في هذا المقام انصرف إلى حرف المعنى، ولا يدخل معنا حرف المبنى، ولذلك لن يقيده ابن مالك، قال: واسم وفعل ثم حرف، ولم يقل: حرف جاء لمعنى، أو حرف معنى، احترازاً عن حرف المبنى، هذا كثير، نقول: هذا ليس بوارد، بل التقييد في مثل هذه التراكيب لبيان الواقع لا للاحتراز. إذاً: أضرب، هذا الحرف الهمزة نقول: هذا حرف معنى، ثم الفعل بعده فهما كلمتان، هل يضرب ونضرب النون والهمزة توجد لوحدها مستقلة دون فعل مضارع، لا توجد، هل هي كلمة؟ من اشترط الاستقلال قال: ليست بكلمة، فحينئذٍ لا بد من إخراجها، فنقول: قول مفرد مستقل احترازاً عن أحرف المضارعة، واحترازاً عن تاء التأنيث، عائش .. عائشة، نقول: هذه التاء تدل على التأنيث، أليس كذلك؟ هل هي حرف مبنى أو حرف معنى؟ حرف معنى، عائشة: كم كلمة؟ نقول: كلمتان في الأصل، قرشي، يعني: منسوب إلى قريش، هذه الياء حرف مبنى أو حرف معنى؟ حرف معنى، هل هي كلمة مستقلة أم لا؟ بناءً على الخلاف الواقع. وبالمستقل الذي اشترطه بعضهم، وذهب إليه السيوطي في جمع الجوامع خرج به أبعاض الكلمات الدالة على معنىً كحروف المضارعة، وياء النسب، وتاء التأنيث، وألف ضرب، فليست بكلمات لعدم استقلالها، ومن أسقط هذا القيد وهو الأصح، وهو الذي ذهب إليه الرضي وغيره، ذهب إلى أن هذه الأحرف مع ما هي فيه صارت كالكلمة الواحدة، يعني: امتزجت، لشدة امتزاج المعنى صارت كالكلمة الواحدة، وهذا هو الظاهر.

فحينئذٍ يقال فيها: إنها كلمة، لكنها في هذا المقام لعدم استقلالها، لماذا لم تستقل؟ نقول: لامتزاجها بمدخولها، ما الدليل على أنها امتزجت بمدخولها؟ تخطي العامل لها: ((لَمْ يَلِدْ)) [الإخلاص:3] .. لم اضرب .. لو قيل: أضرب، الهمزة هذه كلمة، وهي: مراعاة، يعني: ننظر إليها، ولها استقلال، فحينئذٍ: لمْ- أَ- .. دخل الحرف على الحرف، وهذا خلل، هل يدخل الحرف على الحرف؟ الجواب: لا، دخول الحرف علامة على الاسمية، لم أضرب، ملحظ آخر: لم، هذه تجزم، فلو جوزنا جدلاً دخول الحرف على الحرف، حينئذٍ أين ظهر أثر لم؟ في آخر: أضربْ –الباء-، لو كانت: لم داخلةً على الهمزة لظهر أثرها فيها وعليها، ولكن لما ظهر في آخر الكلمة: أضرب، دل على أن الهمزة جزء من الفعل لا ينفك عنه البتة، إذاً: تخطي العامل لهذه الأحرف أحرف المضارعة دليل على أن هذه الكلمة التي هي حرف المضارعة امتزجت بالفعل حتى صارت جزءً منه. وهذا ما ذهب إليه الرضي، قال: من أنها مع ما هي فيه كلمتان في الأصل، صارتا واحدةً لشدة الامتزاج فجعل الإعراب على آخره كالمركب المزجي، إذاً: الأصح إسقاط لفظ: مستقم. ولم يزد، أو نزد: دال بالوضع كما قال بعضهم: اللفظ الدال بالوضع، لماذا احتاج الدال بالوضع؟ لأنه أخذ اللفظ جنساً في حد الكلمة، وإذا أخذنا القول جنساً في حد الكلمة لا نحتاج إلى هذا الفصل؛ لأنه خرج بالجنس، فقولنا: قول، حينئذٍ اختص بماذا؟ بالموضوع الذي هو المستعمل، وإذا قيل: هي لفظ، الكلمة لفظ نحتاج إلى ماذا؟ إلى إخراج المهمل، فلا بد من فصل، فحينئذٍ صار لفظ القول جنساً قريباً في الحد، وصار اللفظ اللفظي جنساً بعيداً، واستعمال الأجناس القريبة هو المعتمد عند أرباب الفنون والحدود، دون أن يجعل اللفظ البعيد هو المأخوذ جنساً في حد الكلمة أو في حد اللفظ. ولم نزد دالاً بالوضع مخرجاً المهمل؛ لأن من أخذ اللفظ جنساً في الحد احتاج إلى هذا القيد، ومن أخذ القول جنساً أسقط هذا القيد؛ لأن القول موضوع لمعنى، وما قيل: من أن ذكر اللفظ أولى عند بعضهم وهو أولى .. أن ذكر اللفظ أولى لإطلاق القول على غيره، كالرأي هذا ممنوع عند بعضهم، كابن هشام وغيره، ولذلك ذهب في القطر إلى أن استعمال الأجناس البعيدة مع إمكان القريبة معيب عند أهل النظر، والصواب أنه ليس معيب، وإنما هو ترك للأولى. كالرأي ممنوع لعدم تبادره إلى الأذهان إذ هو مجاز .. استعمال القول مراداً به الرأي والاعتقاد، هذا قول الشافعي، يعني: رأي الشافعي، هذا اعتقاد .. هذا قول أهل السنة والجماعة، يعني: اعتقاد أهل السنة والجماعة، إذاً: استعمل لفظ القول في الرأي والاعتقاد، فحينئذٍ أخذه جنساً في حد الكلمة أو الكلام نقول: هذا لفظ مشترك، وإذا كان كذلك فاللفظ المشترك ممنوع في الحدود، وفي الحد جعلنا الإفراد صفة القول، وجعله ابن الحاجب وأبو حيان صفة المعنى، حيث قالوا: وضع لمعنىً مفرد.

قلنا: لا .. قول مفرد، مفرد هنا وصف لأي شيء؟ للقول، وذهب أبو حيان، كذلك ابن الحاج، وهو الذي ذكره ابن عقيل: أنه لفظ وضع لمعنىً مفرد، مفرد صفة لأي شيء؟ للمعنى، وأيهما أولى بالوصف: القول الذي هو اللفظ، أو المعنى بالإفراد؟ كل منهما على الصحيح يوصف بالإفراد والتركيب، اللفظ قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً، وكذلك المعنى قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً، إلا أن وصف اللفظ بالإفراد والتركيب أولى؛ لأن المعنى تبع له. حيث قال: وضع لمعنىً مفرد؛ لأنه كما قال الرضي وغيره: صفته في الحقيقة وإنما يكون صفةً للمعنى بتبعية اللفظ، ولسلامته من الاعتراض بنحو الخبر، فإنه كلمة ومعناه مركب، يعني: لا يشترط في مدلول الكلمة أن يكون المعنى مفرداً، بل قد يكون مدلول الكلمة معنىً مركباً، إذا قلت: الكلام ينقسم إلى قسمين خبر وإنشاء، قد يكون مدلول اللفظ معنىً، وقد يكون مدلول اللفظ لفظاً كما ذكرناه قبل قليل، حينئذٍ إذا قلت: قام زيد، هذا خبر، خبر هذا المفرد أو لا، خبر .. كلمة: خبر مفرد أو لا؟ قولوا: مفرد، مدلوله مفرد أو مركب؟ مركب؛ لأن قام زيد هو مدلول لفظ الخبر، فدل على أن معنى الكلمة أو ما يصدق عليه الكلمة قد يكون مفرداً وقد يكون مركباً، فإذا أخذنا المفرد وصفاً للمعنى، حينئذٍ خرج المعنى المركب. وضرب، كلمة أو لا؟ كلمة، مدلوله مفرد أو مركب، الفعل يدل على أي شيء؟ على شيئين: حدث وزمن، إذاً: معناه مركب أو لا؟ معناه مركب. ولسلامته من الاعتراض بنحو الخبر فإنه كلمة، ومعناه مركب، وهو زيد قائم مثلاً، ونحو ضرب فإنه كلمة، ومعناه مركب من الحدث والزمان، إذاً: واحده: كلمة، نقول: المراد بالكلمة هنا: القول المفرد، وسبق أن تعريف المفرد عن النحاة: هو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، وهذا غلط، لا نقول: خلاف الأولى، ولا نقول: قابل للتأويل، نقول: هذا غلط ليس بصواب، كيف غلط وابن هشام في كتبه كلها يقول: المفرد ما لا يدل جزؤه على جزء معناه؟! نقول: تسليمهم بهذا التعريف لزم منه محذور، وهو المركب الإضافي علماً، عبد الله مركب إضافي، أليس كذلك؟ إذا أريد به الوصف تقول: هذا عبد الله، يعني: يعبد الله تعالى، هذا لا إشكال فيه عندهم أنه مركب، لكن لما نقل وجعل علماً صار مسماه شيئاً واحداً، فمدلول عبد الله علم المدلول زيد، مدلول زيد نفسه ذات مشخصة، كما قلنا هناك: زيد لا يدل جزؤه على جزء معناه: زه .. يه .. ده، لا يدل واحد من هذه الأجزاء على جزء المعنى الذي دل عليه اللفظ كله، وهو زيد. عبد الله صار مثله، لا يدل جزؤه على جزء معناه، فعبد لا يدل شيء البتة، ولفظ الجلالة لا يدل على شيء البتة، فعبد هذه كالزاي من زيد مثلها، هذا مسلم عند المناطقة أو لا؟ مسلم عند المناطقة، لكن عند النحاة غير مسلم، بل عبد الله علماً، نقول: هذا مركب.

ولذلك سيأتينا أن العلم منه مركب إضافي، فحينئذٍ إذا كان مركباً إضافياً وهو علم باعتبار أصله، مركب إضافي وبعد العلمية، هل خرج عن كونه مركباً إضافياً أم لا؟ الصواب: لا، لم يخرج عن أصله، بل هو مركب، عبد الله وصفاً، وعبد الله علماً مركب إضافي، إذا قلنا: المفرد هو ما لا يدل جزؤه على جزء معناه شمل عند المناطقة نوعين: زيد وعبد الله فهو مفرد، لأنه لا يدل جزؤه على جزء معناه، وإذا قلنا: عبد الله مركب إضافي، وسلمنا بهذا في باب النحو حينئذٍ إيراد تعريف المناطقة يترتب عليه تناقض، ولذلك نعدل عنه إلى تعريف المفرد بأنه الكلمة الواحدة، والملفوظ مرة واحدة، أو اللفظ الواحد، هذا أجود ما يعرف به المفرد. وقد بين ذلك ياسين الحمصي في حاشيته على مجيب النداء، وكذلك ابن اللحام في مختصر أصول الفقه، والفتوحي في شرح الكوب، نصوا على أن المفرد بهذا الحد خطأ، وهو من خلط اصطلاح باصطلاح كما قال البيجوري في شرح العمريطي لنظم الأجرومية، إذاً: هذا القول ليس من كيسي، بل أنا متابع لغيري، فنقول: هذا الحد غلط، ماذا أجابوا عن: عبد الله علماً؟ قال السيوطي: وهو مشى على هذا القول: أن تعريف المفرد ما ذكرناه، وكذلك الأشموني، قالوا: قول مفرد شمل الحد الكلمة تحقيقاً كزيد، وتقديراً كأحد جزئي العلم المضاف كعبد الله، فجعلوا الكلمة نوعين: كلمة تحقيقاً كزيد، وكلمة تقديراً، ما المراد بالكلمة تقديراً هنا؟ قالوا: أحد جزئي العلم المضاف، عبد: هذا كلمة، لكنه ليس حقيقةً، لماذا ليس حقيقةً؟ لأنه لا يدل جزؤه على جزء معناه، أولاً: عبد الله مفرد لا يدل جزؤه على جزء معناه، لما كان هذا مركباً إضافياً، والإضافة تقتضي مضافاً ومضافاً إليه، كم كلمة؟ كلمتين، كيف نقول: هو كلمة، ثم هو مؤلف من كلمتين؟ تناقض أو لا؟ تناقض، انفكوا عن هذا التناقض قالوا: عبد الله، كله كلمة تحقيقاً، ثم عبد كلمة تقديراً ولفظ الجلالة كلمة تقديراً، وهذا فاسد، لماذا؟ لأنه لو جعل عبد الله كله كلمةً واحدة .. كلمة واحدة تحقيقاً كزيد، نقول: زيد، جاء زيد، ورأيت زيداً، ومررت بزيد، أين ظهر الإعراب؟ أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة، إذاً محل الإعراب آخر الكلمة، أليس كذلك؟ فزيد: جاء زيد، زيد نقول: هذا معرب، وهو فاعل، ورفعه ضمة ظاهرة في آخره وهو ضم الدال ، واضح الكلام أو هذه أسرار؟ هي من أسرار النحو، لكنها ليست عليكم، إذاً: جاء زيد، زيد، نقول: هذا فاعل، ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، لو قلت: جاء عبد الله، جاء: فعل ماض، وعبد الله: لو قلنا: إنه كلمة تحقيقاً كزيد، أين يظهر الإعراب؟ على الهاء، جاء عبد الله، هذا الأصل، هل يسلمون بهذا؟ لا يسلمون، كيف يكون كلمةً تحقيقاً ثم يظهر الإعراب في أثناء الكلمة، جاء عبد الله .. رأيت عبد الله .. مررت بعبد الله، كيف يكون كلمةً تحقيقاً ثم يظهر الإعراب في أثناءه، ولذلك هذا باطل.

الذي أوردهم هذا المورد هو التقليد، لا إشكال في هذا، أقول: تقليد، أخذوا الاصطلاح كما هو مشهور عند النحاة، المفرد: ما لا يدل جزؤه على جزء معناه، أقول: هذا المفرد عند المناطقة، وليس هو المفرد عند النحاة، قد تتفق الألفاظ وتختلف المعاني والاصطلاحات، بل عند النحاة المفرد له عدة معان، المفرد له معنى في باب الإعراب، وله معنى في باب الخبر، وله معنى في باب: لا، نافية للجنس. حينئذٍ أقول: اللفظ واحد وله عدة اصطلاحات، فحينئذٍ المفرد عند المناطقة، لا يلزم باتفاق اللفظ مع المفرد عند النحاة أن يكون المعنى واحداً، ولهذا المنطق دخل في بعض الفنون فأفسدها، ومن هذا في علم النحو، إذاً: قوله: وشمل الحد الكلمة تحقيقاً كزيد، وتقديراً كأحد جزئي العلم المضاف كعبد الله، فإن كلاً منها كلمة تقديراً، إذ لا تتأتى الإضافة إلا في كلمتين، وإن كان مجموعهما كلمةً تحقيقاً لعدم دلالة جزئه على جزء معناه، وهذا فاسد وتناقض واضح بين يجب رده. والصحيح أن المفرد هو الكلمة الواحدة، أو إن شئت قل: اللفظ الواحد، أو الملفوظ مرةً واحدة، زاد بعضهم: قول مفرد، أو منوي معه، لماذا؟ لما ذكرناه في حقيقة اللفظ، قم؟ مؤلف من كلمتين، قم: هذه كلمة، والمسند إليه الضمير المستتر كلمة، كيف هو كلمة وليس بقول؟ لا بد من إدخاله، فنزيد: أو منوي معه، يعني: مع اللفظ، احترازاً من الكلمات التي تكون منويةً لا مع اللفظ، هنا الضمائر المستترة منوية، لكنها لا بد أن تكون مجاورةً للفظ، وأما إذا نوى في نفسه كلمة هكذا، نقول: هذا لا اعتبار له ولا يسمى كلمةً. وشمل المنوي المستكن وجوباً وجوازاً وخرج معه ما نواه الإنسان في نفسه من الكلمات المفردة، فإنه لا يسمى كلمةً في اصطلاحهم؛ لأنه لم ينو مع اللفظ، ومنع ابن الخباز تسمية الضمير المستكن اسماً، قال: لأنه لا يسمى كلمة، وهذا يذكره بعض الأصوليين، وهو مشى عليه صاحب الورقات، أنه يتألف الكلام: من حرف وفعل، أليس كذلك؟ ما قام، عنده قال: هذا يتألف من حرف وفعل، بناءً على أنَّ الضمير المستكن ليس بكلمة وليس بصواب، بل الصحيح أنه كلمة؛ لأن العرب أسندت إليها، فدل على أنها مقصودة، وكذلك عطفت عليها، فدل على أنها موجودة، وأكدتها فدل على أنه أيضاً موجودة، ولو كانت عدماً ليست بشيء لما صحت هذه الثلاثة كلها. إذاً: قوله: ما قام، هذا مؤلف من فعل وحرف واسم كذلك، أما أنه يتألف من حرف وفعل، نقول: هذا فاسد، وهذا قول الشلوب واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمّ ... وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمّ هنا قال: واحِدُهُ كَلِمَةٌ، كلمـ على وزن: فعل، ثم قال: وكلمة، سكن اللام، هل هو ضرورة من أجل الوزن، أم لغة؟ ضرورة، أو الثاني؟ نعم، إذاً، كَلِمة: هذا لغة، وكِلْمة: هذا لغة، بقي ماذا؟ كَلْمَة، إذاً: فيها ثلاث لغات، كَلِمة كنبقة، يجمع على: كلِمٍ، الذي ذكرناه، واحده كلمة، واحد ماذا؟ واحد الكلم كنبق، وكِلْمة كسدرة، جمعها: كِلْم، كسدر، بقي: كَلْمة كتمرة، يجمع على تمر .. كلم مثلها، فهذه ثلاث لغات.

وفي الكلمة ثلاث لغات: كَلِمة على وزن نَبِقة، وتجمع على كَلِم كنَبِق، وكِلْمة على وزن سِدْرة، وتجمع على كِلْم كسدر، وكَلْمة على وزن تمرة، وتجمع على كَلْم كتمر، وهذه اللغات في كل ما كان على وزن فعل: ككبد وكَتِف .. كَتْف .. كِتْف .. هذه لغات، كَبِد كَبْد كِبْد، كبدة هذا ثابت ليس فيه إشكال! فإن كان وسطه حرف حلق جاز فيه لغة رابعة، وهي إتباع فائه لعينه في الكسر، اسماً كان نحو فَخِذ فَخْذ فِخْذ وفِخِذ، إتباع الفاء للعين، وكذلك: شَهِد شَهْد شِهْد شِهِد بالكسر إتباعاً لحركة العين. والقَوْلُ عَمْ: عم ما ذكر .. عم: هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر، حينئذٍ يكون الخبر جملةً فعلية، ويحتمل أن يكون: عم، أصله: أعم، والقول أعم، يعني: مما ذكر، حينئذٍ حذفت همزته تخفيفاً لكثرة الاستعمال مثل: خير وشر، ويحتمل أنه اسم فاعل: عام، والقول عام، وحذفت ألفه لضرورة الوزن، والصواب: أنه يحمل على أنه فعل؛ لأن القول بأن خير وشر هذا غلبة فيها، وأما عم فلا، فحينئذٍ أقول: عم، المراد به فعل ماضي هذا هو الصواب. والقَوْلُ عَمْ، والقَوْلُ، أي: المقول، المقول، يعني: الذي هو أثر المصدر، المراد بالقول كما سبق معنا: هو اللفظ الدال على معنى، اللفظ: هذا جنس يشمل المستعمل والمهمل، المستعمل هو القول، فلما أخذنا اللفظ جنساً في حد القول احتجنا إلى فصل واحد لنخرج المهمل، فاللفظ: هذا عام، الدال على معنىً، والمعنى: هو ما يقصد من اللفظ، والدال هنا المراد به: بالوضع الشخصي أو النوعي، يعني: يشمل الوضع بنوعيه، الوضع نوعان: وضع شخصي ووضع نوعي. الوضع الشخصي: هو جعل اللفظ دليلاً على المعنى، وهذا خاص بالمفردات، يعني: كلمة زيد وسماء وأرض، كل المفردات هذه واضعها وضع هذه الألفاظ بإزاء معانٍ خاصة، ألفاظ خاصة دالة على معانٍ خاصة، هذا نسميه ماذا؟ وضعاً شخصياً، لتعلقه بأشخاص الألفاظ بعينه نفسه، بزيد نفس زيد، هذا شخص من أشخاص الألفاظ، حينئذٍ نقول: جعل اللفظ دليلاً على المعنى، فالمعنى مدلول عليه، واللفظ دليل عليه، فاللفظ دليل، والمعنى مدلول عليه، تخصيص هذا الدليل بهذا المدلول نقول: هذا وضع شخصي. وأما الوضع النوعي: فالمراد به القواعد العامة في لسان العرب، إذا أردت الإخبار بجملة فعلية حينئذٍ تأتي بالفعل أولاً، ثم تأتي بالفاعل ثانياً، من الذي وضع هذا بأن قدم الفعل على الفاعل؟ الواضع، لكن وضعه لهذه المسائل وضعاً نوعياً أو وضعاً آحادياً بأن نطق بكل فعل مع فاعله، أم أنه وضع قاعدةً إذا أردت أن تخبر بفعل فحينئذٍ قدم الفعل على الفاعل، ولا يصح تقديم الفاعل على الفعل، نقول: هذه قاعدة كلية، هل هي موضوعة وضعاً نوعياً، أم أنها أمر مستنبط من جهة العقل، فدليله العقل؟ نقول: لا، هي موضوعة.

وكذلك إذا أردت ماذا؟ إذا أردت الإضافة حينئذٍ عندك مضاف ومضاف إليه، تقول: غلام زيد، غلام: بدون تنوين، سلب تنوينه وأضيف إليه زيد، وانتقل التنوين من الأول إلى الثاني لتنزيله منزلة الجزء منه، فحينئذٍ نقول: هذا التركيب بهذا السياق: غلام زيد، تقديم المضاف على المضاف إليه من غير عكس، هذا موضوع أم لا؟ موضوع، إذا أردت أن تركب تركيباً إضافياً فابدأ بالمضاف، ثم تأتي بالمضاف إليه، نقول: هذه قاعدة عامة وهي أصل من أصول النحاة، هذه موضوعة، لكنها ليست وضعاً شخصياً، بمعنى: أن الواضع لم ينطق بكل المركبات الإضافية، بل وضع لك قاعدة ثم أنت تؤلف ما شئت من تلك المركبات. كون المضاف إليه مجروراً دائماً والثاني يجرر، وكون المضاف بحسب العوامل، إن دخل عليه ما يقتضي الرفع رفعه، أو النصب نصبه، أو الجر جره، نقول: هذه قاعدة وأصل. إذاً: إن تعلق الوضع بالقواعد العامة فهو وضع نوعي، إذاً: قوله في تعريف القول: أنه اللفظ الدال، هل المراد هنا الدلالة شخصية فيختص بالمفردات، أو هو أعم فيشمل النوعي فهي تدخل فيه المركبات؟ الثاني؛ لأنه قال والقَوْلُ عَمْ، يعني: عم الكلام والكلمة. هو ذكر عندنا كم شيء؟ كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ هذه كم؟ كلام، وكلم اثنان. وَكِلْمَةٌ، واحده: كَلِمة، هذه ثلاثة أشياء، القول عم الكلام، وعم الكلم، هذا على القول بجعله كلماً اصطلاحياً، وعم الكلمة، فالقول أعم من هذه الثلاثة، بقي شيء واحد ذكره ولا يصح إدخاله؟ اللفظ أحسنت؛ لأنه قال: كلامنا لفظ، هل القول عم ما ذكر كله ويدخل فيه أو تحته اللفظ أم نستثني اللفظ؟ لا بد من استثناء اللفظ، لماذا؟ لأنه تقرر عندنا أن القول أخص من اللفظ مطلقاً، فبينهما العموم والخصوص المطلق. إذاً: ذكر ابن مالك حد الكلام، ثم أخذ في حد الكلام جنساً اللفظ، ثم ذكر الكلم وفسره بعضهم بالكلم الاصطلاحي، ثم ذكر الكلمة، هذه أربعة أشياء. المراد بقوله: والقَوْلُ عَمْ، أي: عم ما ذكر مما يكون القول جنساً له، يعني: شاملاً له، وأما ما كان القول نوعاً منه، وهو المستعمل، وهو فرد من أفراد اللفظ، حينئذٍ لا يدخل تحته. واحده كلمة والقول عم، عرفنا القول: بأنه اللفظ الدال على معنىً، والقَوْلُ عَمْ، أي: عم الكلام والكلم والكلمة عموماً مطلقاً، فكل كلام قول ولا عكس، وكل كلم قول ولا عكس، وكل كلمة قول ولا عكس، إذاً: بينهما عموم وخصوص مطلق، والعموم والخصوص المطلق نحتاج فيه إلى مادتين اثنتين: مادة الاجتماع، ومادة الافتراق، القول أعم من الكلمة، نأخذ هذه السهلة، ما مادة الاجتماع؟ اعطوني مثال لمادة الاجتماع، نعم شيء نقول: هذا قول وكلمة، مثل ماذا؟ زيد، زيد نقول: هذا كلمة؛ لأنه قول مفرد، وهو قول لأنه لفظ دال بالوضع على معنى، ودال بالوضع، قلنا: يشمل الوضع النوعي والوضع الشخصي، فدخل فيه زيد، إذاً: اجتمعا في زيد. أعطني مثالاً يكون كلمةً لا قولاً؟ لا يمكن .. لا يتصور، لماذا؟ لأن القول أعم من الكلمة، ولا يتصور أن يوجد الأخص دون الأعم، هذا باطل لا وجود له.

أعطني مثالاً يصدق عليه أنه قول لا كلمة؟ قام زيد، هذا قول وليس بكلمة، إذاً: هذه العلاقة بين الكلمة والقول. العلاقة بين الكلام والقول، العموم والخصوص المطلق نحتاج إلى مادتين: مادة الاجتماع، ومادة الافتراق، مثال لمادة الاجتماع، يعني: ما يصدق عليه أنه قول وكلام في وقت واحد، قام زيد: هذا كلام؛ لأنه لفظ مفيد مركب بالوضع، وهو قول؛ لأنه لفظ دال على معنى إذ اجتمعا في: قام زيد. أعطني كلاماً ليس بقول؟ لا وجود له؛ لأن الكلام أخص من القول، حينئذٍ لا يمكن أن ينفرد عن الأعم، لا يمكن هذا بعيد. مثال يكون قولاً لا كلاماً؟ إن قام زيد، هذا قول وليس بكلام. العلاقة بين الكلم والقول: العموم والخصوص المطلق، مادة الاجتماع: إن قام زيد قمت، هذا كلام مفيد .. لفظ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ، هذا كلم؛ لأنه تركب من ثلاث كلمات فأكثر، هل هو قول؟ نعم، طيب! أعطني مثالاً يكون كلماً لا قولاً؟ لا يمكن، العكس: إن قام زيد، هذا كلم وليس بقول، هل هذا صحيح؟ ما العلاقة بين الكلم والقول؟ العموم والخصوص، ما الدليل .. ؟ .... لا، إذا قيل ما الدليل عند الشناقطة هو القول عم، هذا دليل! لأن ابن مالك هنا يقرر قواعد، فإذا قيل لك: ما الدليل؟ تقول: والقول عم، هذا الدليل؛ لأن القول عم، يعني: أعم من الكلم، إذاً: الكلم أخص من القول، هذا الدليل، طيب. عندنا مادتان: مادة اجتماع، ومادة افتراق، ما الذي يفترق هنا؟ الأعم يفترق عن الأخص، الأخص هو الكلم، والقول أعم منه، حينئذٍ إذا قلت: إن قام زيد قمت، هذا كلم وقول، غلام زيد: هذا قول وليس بكلم، إذاً: القول عم، إذاً: صح أن يقال بأن القول أعم من الكلمة، وأعم من الكلم، وأعم من الكلام، ما العلاقة بين الكلمة والكلام؟ العموم والخصوص المطلق .. راسبين! كيف عموم وخصوص مطلق؟! كلمة مفرد .. قول مفرد، والكلام يشترط فيه أن يكون مركباً، هل يجتمعان؟ ما يجتمعان، القول المفرد هذا مباين للقول المركب، فحينئذٍ العلاقة بين الكلمة والكلام التباين، التباين التخالف، يعني: ليس بينهما ارتباط، ما يصدق عليه كلمة زيد، والذي يصدق عليه أنه كلام: قام زيد، هذا مركب وذاك مفرد، إذاً: العلاقة بين الكلمة والكلام التباين، والعلاقة بين الكلمة والكلم؟ التباين أيضاً، العلاقة بين الكلام والكلم؟ العموم والخصوص الوجهي، وهذا مغاير للعموم والخصوص المطلق؛ لأنه يحتاج إلى ثلاث مواد: مادة اجتماع، ومادتي افتراق، افتراق الأعم عن الأخص، وافتراق الأخص عن الأعم، هيا أعطوني، مادة الاجتماع؟ ضرب زيد عمراً، اجتمعا، هذا كلم وكلام، كلم؛ لأنه ثلاث كلمات وصاعداً، وكلام؛ لأنه مركب مفيد. كلم لا كلام؟ إن قام زيد، هذا كلم وليس بكلام، لماذا؟ لأن الكلام يشترط فيه الإفادة هذا مركب: إن قام زيد مركب .. لفظ مركب، لكن يشترط فيه الإفادة وهنا انتفت، هل انتفت الإفادة مطلقاً؟ لا، إنما انتفت الإفادة التامة، وأما الجزئية والناقصة والتركيبية فهي موجودة، هذا كلم ليس بكلام. كلام ليس بكلم؟ قام زيد، هذا كلام ليس بكلم، هذا كلام: قام زيد؛ لأنه مركب من كلمتين، ويشترط في الكلم أن يكون ثلاثةً فصاعداً.

والقَوْلُ عَمْ، أي: عم الكلام والكلم والكلمة عموماً مطلقاً، فكل كلام أو كلم أو كلمة قول ولا عكس. وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ هذه يقال فيها: أنها جملة كبرى، كِلْمة على وزن: سِدْرة، ما إعرابه؟ مبتدأ، ولا يجوز الابتداء بالنكرة، وكِلْمة هذ نكرة أو معرفة؟ كلمة من حيث هي، الكلمة .. كلمة، الكلمة هذه معرفة لدخول: أل، وكلمة، هذا نكرة، لكن هنا قصد لفظها، والشيء إذا قصد لفظه صار علماً، وإذا صار علماً، العلم معرفة، فحينئذٍ قوله: كِلْمة، هذا معرفة وليس بنكرة؛ لأنه معرف بالعلمية، لأنه لا يشترط أن يكون التعريف بأل دائماً، بل قد يكون ضميراً .. قد يكون معرفةً .. قد يكون علماً، قد يكون اسم إشارة، نقول: هذا معرفة وليس فيه: أل، إذاً: لا يشترط في المعرف أن يكون دائماً بأل، فإذا قيل: كلمة، نقول: هنا جعل علماً، وسيأتي هذا التفصيل فيما بعد. إذاً: كِلْمة، هذا مبتدأ، أكملوا .. وكلمة بها كلام قد يؤم، يعني: قد يقصد، أما الشيء: ((آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:2] يعني: قاصدين. وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ، يعني: قد يقصد، قد يقصد بالكلمة الكلام، وهذا شرحناه فيما سبق، لكن الإعراب، وكلمة، نقول: هذا مبتدأ أول، وهو معرفة، بها: جار ومجرور متعلق بقوله: يؤم. وكلام: هذا مبتدأ ثانٍ، وهنا لا يحتاج إلى مسوغ؛ لأنه مفيد بنفسه، قد: حرف تحقيق، يفيد التقليل، يؤم، يعني: يقصد، فعل وفاعل والجملة خبر عن المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدأ الأول، هذه تسمى جملة كبرى، إذا وقع الخبر جملةً فحينئذٍ الجملة كلها تسمى: جملة كبرى، وجملة الخبر بعينها تسمى صغرى، وهنا كبرى باعتبار ماذا؟ كلمة بها كلام قد يؤم، هذه كبرى، قد يؤم صغرى، كلام قد يؤم لها اعتباران: كبرى وصغرى، كونها وقعت خبراً للمبتدأ الأول فهي صغرى، كون الخبر فيها جملةً فهي كبرى. وقوله: قد يؤم، قد: هذه للتقليل، ومراده التقليل النسبي، أي: استعمال الكلمة في الجمل قليل بالنسبة إلى استعمالها في المفرد، لا قليل في نفسه، فإنه كثير، فهنا النسبة اعتبارية، لكن هذا إذا قلنا الأصل في إطلاق لفظ الكلمة: أن المراد به الجمل أو الجملة المفيدة حينئذٍ نقول: الأصل في إطلاق اللفظ ما جاء به لسان العرب، وما استعمل حقيقة عرفيةً فحينئذٍ يجعل خاصاً بطائفة معينة؛ لأن هذا هو الأصل في الاصطلاح: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى أطلق انصرف إليه، وهذا قول مفرد لم يلفظ به العرب .. لم يطلق العربي الفصيح لفظ كلمة على: زيد، ليس عندهم ولا مثال واحد، أن عربياً يستشهد بكلامه أطلق على لفظ زيد: أنه كلمة، فحينئذٍ صار ماذا؟ صار اصطلاحاً خاصاً بأهل النحو. حينئذٍ لا ينبغي المقارنة بينه وبين الإطلاق الأصلي، بل يقال: الأصل الحقيقة اللغوية: أنه يطلق على الجملة أو الجمل المفيدة، وأما استعمالهم في القول المخصوص، فهذا اصطلاح خاص بالنحاة: كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ... واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ ... وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

- ما هو التعريف المختار للمفرد ......... ؟ - كلها، كلمة واحدة، أهم شيء أن يكون ملفوظاً مرةً واحدة، وأما ما ذكره النحاة فهو فاسد .... تركنا أشياء اختصاراً موجودة في الملحة خاصة باب الكلام ...

6

عناصر الدرس * حد العلامة وصفاتها * بيان العلامة الأولى للإسم (الجر) إلخ * بيان العلامة الثانية للإسم (التنوين) الخ * فائدة: أنواع التنوين وما يختص بالإسم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ أسئلة: - هذا يقول: قلتم: إن قام زيد، ليس بكلم؛ لعدم اشتماله على ثلاث كلمات، مع أنه ... به ثلاث .. - إن قام زيد: هذا كلم، قد يكون سبق لسان مني، القول بأنه ليس بكلم. - أرجو إعادة ما ذكرته عن قياس: عم، على خير وشر. - قلنا: أصلها: أعم عند بعضهم، يعني: أفعل تفضيل حذف منه الألف، كما أن الأصل في: خير: أخير، حذفت منه الألف لكثرة الاستعمال. - هذا يقول: ذكرتم ثلاثة أسباب لتقدير الفعل في البسملة، حبذا لو أعدتموها جزاكم الله خيراً. - ما أذكر شيء .. ثلاثة أسباب لتقدير الفعل في البسملة، ترجع إلى الشريط. - قلت: مفيد، مأخوذ من الفيد، فما معناه؟ - قلنا: استحداث الخير والمال، هذا ذكره العشماوي في الحاشية على الآجرومية. - ما هو الكتاب الذي شرحه السيوطي على ألفية ابن مالك؟ - البهجة المرضية، مطبوع، وعليه حاشية. - بالنسبة للكلم على قول ابن هشام: مبتدأ أول، ما وجه بعده مع أنه سائغ؟ - نعم، هو سائغ قلنا: جيد في نفسه، لكن إذا نظرنا إلى كلام الناظم ومراده ليس بجيد، يعني: الإعراب، قد يكون تعرب اللفظ بقطع النظر عن السابق واللاحق، قد يكون جائز وهذا كثير، لكن باعتبار المعنى والمراد والسياق والسباق حينئذٍ لا بد من تعيين معنىً، أو من تعيين إعراب يساعد على المعنى، وذكرنا أنه عنون، قال: الكلام وما يتألف منه، والأشياء التي يتألف الكلام منها .. اسم وفعل وحرف، وهذه أقسام للكلمة لا للكلم. - القسم السابع من المركب الإسنادي المقصود لغيره، ما هو مع ضرب مثال على كل أحد هذه السبعة؟ - كم؟ سبعة، جملة الصفة، وجملة الصلة، وجملة الخبر، وجملة الحال، وجملة الشرط، وجملة الجواب، وجملة القسم، إذا عرفت مثال واحد، تقيس عليه الباقي، وهو: أن جملة الخبر في نفسها: زيد قام أبوه، إذا قلت: قام أبوه ابتداءً، قلنا: هذا كلام ولا إشكال، لكن لما جعلته جزء جملة حينئذٍ نقول: صار متمماً لغيره، فنقص عن دلالته، إذاً: ليس مقصوداً لذاته كما إذا قلت ابتداءً: قام زيد، وإنما هو مقصود لغيره: جاء الذي قام أبوه، نفس الكلام، مررت برجل يضحك، يضحك أيضاً صفة لرجل، مررت بزيد يضحك، حال من السابق، إن قام زيد قمت، قام زيد: جملة الشرط، قمت: جملة الجواب، كل واحدة هذه استقلالاً قبل جعلها شرطاً أو جواب شرط هي مفيدة فائدة تامة، فلما جعلت ضمن جملة حينئذٍ نقصت دلالتها وصارت متممة لغيرها. ((وَالْعَصْرِ)) [العصر:1] يعني: أقسم بالعصر، لو قال إنسان: والله ثم لم يأت بما بعده، حينئذٍ نقول: هذا .. أو: أحلف بالله. - ذكرت أن اشتغال علماء النحو باللفظ والمعنى دون المقاصد، وأشكل عليهم الفرق بين المعنى والمقصد. - لا، المعنى المراد به ما يفهم من اللفظ، أو ما يقصد من اللفظ، وأما المقاصد التي تنفى التي هي الإرادات، حينئذٍ أقول: هذا مرده إلى أرباب الفقه ونحو ذلك، وأما النحاة فلا بحث لهم في ذلك. - هل يعد تعريف ابن مالك فيه خلل؟

- نعم، كل من عرف الكلام: بأنه لفظ مفيد، لا بد وأن فيه ثم خلل؛ لأنه أراد أن يعرف على طريقة المناطقة والحكماء، حينئذٍ لا بد من الإيضاح؛ ولذلك يسمى التعريف والحد: قولاً شارحاً، يعني: قولاً شارحاً وموضحاً ومبيناً لأجزاء الماهية أركانها، فلا بد أن يأتي بالأركان نصاً، فيقال: الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، هذه كلها أركان، لا بد من وجودها كاملةً، لفظ مركب مفيد بالوضع، إن تخلف واحد منها تخلفت الماهية .. ماهية الكلام. إذاً: لا بد من النطق به، فإذا اختصر حينئذٍ نقول: دلالة الالتزام التي ادعها من ادعاها، هذه مهجورة في التعاريف، حينئذٍ لا يلتفت إليها، وخاصةً يؤكد هذا المعنى أن التعاريف إنما يعرف بها الاصطلاحات، يعني: معنى الكلام .. معنى الكلم .. الكلمة، والعام والخاص، المطلق .. الصلاة .. الزكاة، ونحو ذلك، نقول: هذه يسأل عنها من يجهلها، ولذلك يقال: ما العام .. ما المطلق بـ ما الاستفهامية؟ حينئذٍ إذا قيل: ما العام؟ فالسائل الأصل فيه أنه جاهل، وإذا عرف شيء إنما يعرف لمن يجهل لا لمن يعلم، أليس كذلك؟ نقول: ما الصلاة؟ نقول: أقوال .. إلى آخره، ما العام؟ لفظ مستغرق إلى آخره، ما الكلام؟ لفظ مفيد مركب بالوضع إلى آخره، حينئذٍ نقول: هذه التعاريف إنما تكون لمن يجهل، فإذا كان كذلك حينئذٍ لا بد من التصريح، والإحالة على خارج، هذا ينافي أصل السؤال عن الحد، فالطالب إذا قال: ما معنى الكلام؟ نقول: لفظ مفيد، هل يفهم أن المفيد يستلزم التركيب؟ لا، ما يفهم هذا؛ لأن هذا يحتاج إلى بسط، ويحتاج إلى معرفة عامة بعلم النحو، ثم بعد ذلك يستقر عنده أن الإفادة التامة تستلزم التركيب. وقد نص الغزالي في: فن المنطق: على أن دلالة الالتزام مهجورة في الحدود، وأيده كذلك الصبان في حاشيته. - ما المراد بقولهم في التفريق بين الكلم والكلام يجتمعان في المصدق؟ - في المصدق يعني، ما هو المصدق؟ يعني: ما يقع عليه .. ما يقع عليه اللفظ، فإذا قيل: قام زيد: كلام، هل هو كلم؟ لا، ما مصدق لفظ الكلام الذي انفرد عن الكلم، ما مصدقه يصدق على أي شيء .. يقع على أي شيء .. ينزل على أي شيء؟ كلام انفرد عن الكلم، أنا أسأل: كلام انفرد عن الكلم يصدق هذا اللفظ على أي شيء؟ قام زيد، فقام زيد وقع عليه هذا اللفظ، ما يصدق عليه أنه كلم وليس بكلام، إن قام زيد. فالمصدق هو: الأفراد والآحاد التي يسميها المناطقة: المصادق، أو المصدقات الذي صدق، هذا أصله، ولها تفصيل ذكرناه في شرح المنطق. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: سبق قول الناظم رحمه الله تعالى: كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ... واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ ... وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ

ذكرنا: أن القول عَمْ، بمعنى: أنه أعم مما ذكر، أو أنه عام، وحذفت الألف منه للضرورة، يعني: اسم فاعل، وكلا القول فيهما ضعف، والأولى أن يجعل على ظاهره فيقال: عم: فعل ماضي، حينئذٍ عم ماذا؟ عم الكلام والكلمة والكلم، دون اللفظ، فكل ما صدق عليه .. ... صدق، فكل ما صدق عليه أنه كلام فهو قول، وكل ما صدق عليه أنه كلم فهو قول، وكل ما صدق عليه أنه كلمة فهو قول، إذاً: هو أعم الجميع، يشمل كل ما ذكر بقدر مشترك بينها، لكن حينئذٍ نقول: العلاقة بين ما ذكر والقول العموم والخصوص المطلق؛ نعم العموم والخصوص المطلق؛ لأن القول هذا عام عموماً مطلقاً أعم من الكلام والكلم والكلمة. قلنا لا بد من مادتين: مادة الاجتماع ومادة الافتراق، مادة الاجتماع سهلة، تأتي بكل ما يدل على أنه كلمة أو كلم أو كلام، لكن مادة الافتراق وهي افتراق الأعم عن الأخص، يعني: ما يصدق عليه أنه قول، ولا يصدق عليه أنه كلمة، ولا كلام ولا كلم، هذا يصدق على المركبات الإضافية: غلام زيد، هذا مركب إضافي، مركب من: غلام: وهو مضاف، وزيد: مضاف إليه، هل هو كلمة؟ فيه تفصيل: على قول الأشموني والسيوطي هناك يعتبر كلمةً تحقيقاً، قلنا: هذا ضعيف، الصواب: أنه ليس بكلمة؛ لأنه مركب من كلمتين، وهو مضاف ومضاف إليه، هل هو كلام؟ الجواب: لا، لماذا؟ هل: غلام زيد كلام؟ الجواب: لا، لماذا؟ لا يفيد فائدة تامة، هذا صحيح، الجواب هذا صحيح من وجه، لكن هناك ما هو أقرب منه؟ نعم، انتفى الإسناد، لا بد في الكلام أن يكون مركباً، والمراد بالتركيب أن يكون مركباً تركيباً إسنادياً، لا بد من مسند ومسند إليه، أين المسند والمسند إليه؟ هذا لفظ واحد، غلام زيد .. جاء غلام زيد، صار مركباً، هذا أبو غلام زيد، صار مركباً، أما غلام زيد هكذا، وحيوان ناطق، وأحد عشر مركب عددي، وبعلبك، وحضرموت، نقول: هذه مركبات يصدق عليها أنها قول وليست بكلام لانتفاء التركيب، وهو الإسناد، وليست كلم من باب أولى وأحرى، وليست بكلمة كما ذكرناه، إذاً: ماذا يصدق عليها؟ أنها قول، فلا بد من مثال يصدق عليه أنه قول، ولا يصدق عليه بقية المذكورات، وهذا معنى العموم والخصوص المطلق، لا بد من مادتين، يعني: مثالين .. مصدقين .. مادة اجتماع ومادة افتراق. وقوله: واحِدُهُ كَلِمَةٌ، قلنا: وكِلْمة: إسكان اللام هنا لا نقول: إنه ضرورة، لماذا؟ لأنه لغة، سبق معي في قوله: وهو بسبق، وهو: هذا الأصل، وفيه لغة بالتخفيف: وهْو، حينئذٍ إذا جاء في النظم ما يوافق لغته، ولو كان ضرورة، قد لا يستطيع أن يأتي: وكِلْمة، وكَلِمة، ينكسر معه الوزن، لكنه لجأ إلى لغة أخرى معتبرة وهي فصيحة، حينئذٍ لا يقال: إنه من باب الضرورة، ولو كان بالفعل أنه من باب الضرورة، لماذا؟ لحمل اللفظ على شيء صحيح؛ لأن الضرورة هذه خروج عن القياس .. خروج عن فصيح.

ولذلك قلنا: عم .. عام، هذا خلاف الفصيح، لماذا؟ لأن حذف الألف الأصل بقاؤها، ولا تحذف من أجل الوزن، فحينئذٍ إذا كان ضرورة نقول: هذا قبيح، قد تكون الضرورة قبيحة وقد لا تكون، إذاً: كَلِمة وكِلْمة وهُو وهْو، نقول: هذا كله من باب اللغات، ولا نقول: إنه من باب الضرورات، وإن كان بالفعل ضرورةً ألجأت الناظم إلى ذلك. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ ... وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ لما قسم لك الكلمة إلى ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف، شرع في ذكر العلامات التي يتميز بها كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة، كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة يحتاج إلى ما يميزه عن غيره؛ لأن ثم قدراً مشتركاً بين هذه الثلاث، ما هو القدر المشترك بين هذه الثلاث؟ نقول: كونها قول مفرد، حد الكلمة موجود في الاسم، وحد الكلمة موجود في الفعل، وحد الكلمة موجود في الحرف، ولذلك وجود الحد في الأصل يكون ذهنياً، يعني: قول مفرد، إذا قيل: ما الكلمة؟ نقول: قول مفرد، قول مفرد: هو حد الكلمة .. حقيقة الكلمة .. ماهية الكلمة، أين يوجد، أين وجوده؟ وجود ذهني بحت، شيء خارج الذهن، هل له وجود، قول مفرد؟ هل له وجود هكذا؟ لا وجود له، أين يوجد؟ يوجد في ضمن أفراده، زيد: قول مفرد، قام: قول مفرد، إلى: قول مفرد، لماذا؟ لأن الحقائق الكلية هذه لا يمكن أن توجد دفعةً واحدة في الخارج، لا يمكن؛ لأن الأسماء لا حصر لها، والأفعال لا حصر لها، والحروف كذلك لا حصر لها، حينئذٍ إن وجدت في الخارج، نقول: إما أن توجد في ضمن أفرادها وآحادها ومصدقاتها، وإما ألا توجد كذلك، إذا جوزنا الثاني معناه: يوجد شيء يقال له: قول مفرد وليس باسم ولا فعل ولا حرف، وهذا لا وجود له .. ممتنع. وإنما توجد الحقائق الذهنية في ضمن أفرادها، حينئذٍ لا بد من تمييز هذه الأنواع الثلاثة إما بالحقيقة، وإما بالعلامة، يعني: إذا أردنا أن نميز الاسم عن قسيميه الفعل والحرف، ونميز الفعل عن قسيميه الاسم والحرف، ونميز الحرف عن قسيميه الاسم الفعل، إما أن ننظر إلى حقيقة كل نوع من هذه الأنواع، وهذا إنما يكون بالحدود والتعاريف، وإما أن ينظر إليها بالعلامات، والمصنف هنا رحمه الله ذكر العلامات ولم يذكر الحد، مع كونه ذكر حد الكلام وعرفه. وسيأتي هنا كأنه يعرف بالمثال، والتعريف بالمثال هذا سائغ عند بعضهم: مُبْتَدَأ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ هذا تعريف أو لا؟ تعريف، تعريف بالحقيقة أو بالمثال؟ بالمثال، إذاً: يصح أن يعرف الاسم، فيقال: الاسم كزيد، وفرس، والفعل كقام ويقوم وقم، والحرف كهل وفي ولم، يصح أو لا؟ يصح، لماذا؟ لأن الاسم حينئذٍ وجد أو وجدت حقيقته في ضمن الفرد المذكور المقرون معه، لكن هل هو وجود كلي، أم جزئي؟ لا شك أنه وجود جزئي؛ لأنه إذا أراد أن يُعرِّف بالمثال على وجه الكلية حينئذٍ يقول: الاسم كزيد وعمرو وخالد وبيت وقلم .. يعد الأسماء كلها، حتى يحصر كل ما ذكر ثم يعرف به الاسم.

وكذلك الفعل: كقام ويقوم وقم وضرب ويضرب إلى آخره، فيحتاج أن يأتي بالقاموس كله من أجل أن يعرف الاسم أو الفعل تعريفاً بالمثال على جهة الاستقصاء، وإنما يذكرون مثالاً فحسب. فالناظم هنا عرف الاسم بالعلامات: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ وَمُسْنَدٍ: حصل تمييز للاسم بهذه المذكورات، والعلامات: جمع علامة وهي لغةً: الأمارة، الأمارة على الشيء، واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده وجود المعلَّم، ولا يلزم من عدمه عدم المعلَّم، ولذلك: العلامة تطرد ولا تنعكس، بخلاف الحد. ما يلزم من وجوده وجود المعلَّم، عندنا معلِّم ومعلَّم، الرجل .. الـ رجل، أين المعلِّم؟ أل، أين المعلَّم؟ كلمة: رجل، يلزم من وجود المعلِّم وجود المعلَّم، واضح؟ يلزم .. لا بد من وجود المعلِّم: أل، إذا وجدت: أل، لا بد أن يوجد المعلَّم، ما هو المعلَّم؟ رجل، نستدل بأل على كون رجل اسماً. إذاً: ثبوت اسمية رجل لا بد أن تكون ثابتةً بعد: َأَلْ. وهل يلزم من انتفاء المعلِّم انتفاء المعلَّم؟ لا، لا يلزم، لو قيل: رجل، جاءت: َأَلْ؟ ما جاءت: َأَلْ، هل انتفت: أل؟ نقول: انتفت: أل، هل انتفاء: أل، يستلزم انتفاء الاسمية لـ: رجل؟ لا يلزم، لماذا؟ لأنها لا تنعكس، لا يلزم من عدمها عدم المعلم، بل يلزم من وجودها وجود المعلم، ولذلك العلامة قاصرة، ليست كالحد. الحد يشترط فيه: أن يكون مطرداً منعكساً بخلاف العلامة، ولكن العلامة أظهر وأوضح، وأقرب للذهن من الحد، ولذلك يعدل عنه كثير من النحاة .. يعدلون عن الحدود إلى العلامات، لسهولتها، ثم النطق بها يكفي في وجودها؛ لأنها من قبيل الملفوظ في الغالب، قد تكون علامة معنوية، لكن الغالب أنها ملفوظة، وأما الحقائق الذهنية فهذه في تصورها عسر. إذاً: العلامة: ما يلزم من وجوده وجود المعلم، ولا يلزم من عدمه عدم المعلم، فيجب اطرادها، أي: وجود المعلم عند وجودها، ولا يجب انعكاسها، أي: انتفاؤه عند انتفائها، كلما وجدت: أل، لا بد أن يكون بعدها اسم، فإن لم يكن كذلك لا يصح جعل: أل علامةً على الاسمية، كلما وجدت: أل، لا بد أن يكون بعدها اسم، هل يتصور أن يكون بعدها فعل؟ لا .. هل يتصور أن يكون بعدها حرف؟ لا. إذا وجد بعدها فعل حينئذٍ نرجع إلى العلامة فننقضها، ونقول: ليست بعلامة، ولذلك: أل المعرفة باتفاق أنها علامة، وأل الموصولة مختلف فيها، لماذا؟ لأنه سمع: ما أنت بالحكم الترضى ترضى: هذا فعل مضارع مغير الصيغة وقع بعد: َأَلْ، صحيح؟ وقع بعد: أل، هل نقول: أل هذه، علامة على الاسمية في قولنا: الضارب؟ هل نقول: هي علامة على الاسمية في قولنا: الضارب والمضروب؟ لأن أل هذه موصولة ليست معرفة، هي اسم، وفي الرجل: حرف، فحينئذٍ وجود: أل، مع الفاعل .. اسم الفاعل: الضارب والمضروب، هل يدل على اسمية ما بعدها؟ هذا ينظر فيه باعتبار دخولها على الفعل: إن كان دخولها على الفعل: الترضى، دخولاً فصيحاً حينئذٍ صار نقضاً لكون الموصولة علامةً على الاسمية، وإن لم يكن كذلك بأن كان شاذاً أو ضرورةً، حينئذٍ بقيت الموصولية على أصلها في كونها علامةً على الاسمية.

إذاً نقول: العلامة يلزم من وجودها وجود المعلَّم، أن تكون مطردة، ولا يشترط فيها الانعكاس، بمعنى: أنها إذا انتفت لا بد أن ينتفي المعلَّم، فإن وجد غير المعلَّم ورائها رجعنا إلى العلامة بالنقض، بخلاف التعريف فإنه يجب اطراده وانعكاسه حداً كان أو رسماً، إلا عند من جوز التعريف بالأعم أو الأخص، وهذا عند المتقدمين. وبدأ هنا بالاسم لشرفه؛ لأنه يقع محكوماً عليه وبه؛ ولأنه لا غنى لكلام عنه، ولذلك قدمه في الذكر وقدمه في الشرح، ذكر الاسم أولاً، ثم الفعل، ثم الحرف بالترتيب، ثم لما جاء يسرد العلامات بدأ بالأول، ثم بالثاني، ثم بالثالث، هذا ماذا يسمى عند أهل البيان؟ لف ونشر مرتب، بمعنى: أنه إذا أراد أن يشرح يرجع إلى الأول حتى ينتهي منه، ثم يرجع إلى الثاني حتى ينتهي منه، ثم إلى الثالث، ولو بدأ بالمتأخر عكس، هذا جائز أيضاً، ويسمى: لفاً ونشراً مشوش؛ لأنه يشوش الذهن، وله فوائد بلاغية: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)) [آل عمران:106] يوم تبيض وتسود، ثم لما أراد أن يفصل قال: ((فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ)) [آل عمران:106] هنا رجع بالعكس. ((لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)) [الحشر:20] بدأ بالثاني. بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ: هذه كلها مجرورات، ومسند: كذلك مجرور. لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ، تمييز يعني: انفصال، عن قسيميه، فحينئذٍ تمييز يكون بمعنى ماذا؟ بمعنى: التميز؛ لن التمييز هذا فعل الفاعل، كالتلفظ والتكليم، حينئذٍ لا يحصل به إفادة المعنى، فالتمييز هنا بمعنى: التميز، من إطلاق المصدر على الحاصل به؛ لأنه الثابت للاسم، لا التمييز الذي هو فعل الفاعل، دائماً إذا جاء المصدر فالأصل فيه أنه حدث، وهذا الحدث منسوب إلى فاعله، فحينئذٍ قد يراد بالمصدر فعل الفاعل، وقد يراد به الأثر .. قد يراد به فعل الفاعل، وقد يراد به أثر ذلك المصدر. إذا أطلق المصدر ولم تكن ثم قرينة على أنه أراد الأثر حمل على فعل الفاعل، وإن لم يكن كذلك حينئذٍ لا بد من تأويله، فيقال: من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، كما قلنا: لفظ، يعني: ملفوظ، أولناه لا بد؛ لأن اللفظ هو التلفظ، التلفظ كونك تنطق بالحرف، وتخرجه من مخارجه مرتباً زيد، فعلك أنت، النطق بكلمة: زيد، هذا هو التلفظ، وهذا هو المصدر. وهل الكلام هو التلفظ أو أثر التلفظ؟ أثره، حينئذٍ يكون من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، وهذا يسمى مجازاً مرسلاً عند البيانيين، إذاً: تمييز حصل للاسم، هذا البيت فيه عدة أوجه للإعراب: فيقال: تَمْيِيزٌ: هذا مبتدأ، وجملة حصل بعده: صفة له؛ لأن الجمل بعد النكرات صفات، فجملة: حصل، هذه صفة له، وقوله: للاسم: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. تَمْيِيزٌ حَصَلْ لِلاِسْمِ، تمييز: هذا مبتدأ، حصل: الجملة صفته، للاسم: هذا خبر، بالجر: هذا متعلق بحصل.

وقدم معمول الصفة وهو بالجر على الموصوف تمييز للضرورة؛ لأنه يتمنع، كما يأتي في موضعه، وسهلها كونه جاراً ومجروراً، والمعنى عليه .. على هذا الإعراب: التمييز الحاصل بالجر كائن للاسم، التمييز الحاصل بالجر وما عطف عليه كائن للاسم، ويجوز أن يكون الخبر: الجملة، تمييز مبتدأ، وجملة حصل: هذه خبره، يعني: ليست صفة، وإنما هي خبر له. وللاسم متعلق بتمييز، وبالجر: متعلق بحصل، هذا وجه والأول أولى. ويجوز أن يكون الخبر بالجر، والجملة صفة لتمييز، وللاسم: متعلق بحصل، لكن أولى الإعرابات: أن يجعل تمييز: مبتدأ، وحصل: صفته، وللاسم: هذا خبر وبالجر متعلق بحصل. هذه خمس علامات بدأها بالجر، وهل تقديم الجار والمجرور، هنا على المبتدأ والخبر؛ لأن الجملة تمت: للاسم تمييز حصل، الجملة تمت، قدم ما حقه التأخير، حصل بالجر، بالجر حصل، وعندنا قاعدة: أنه إذا قدم ما حقه التأخير قد يفيد الحصر، وهو: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه. وهو ذكر خمس أو ست علامات؛ لأن بالجر هذا يشمل حرف الجر والكسرة، حينئذٍ إما أن نعده وإما أن نجعله ضمناً، فحينئذٍ هل علامات الاسم مقصورة ومحصورة في هذه الست أو الخمس؟ الجواب: لا، إذاً: لماذا قدم الجار والمجرور على عامله؟ نقول: للاهتمام فحسب، ليس ثم قصر، وليس ثم حصر. بالجَرِّ: هذا جار ومجرور متعلق بحصل، والجر المشهور أنها عبارة البصريين، والكوفيون يعبرون بالخفض، ما المراد بالجر أو الخفض؟ نقول: المراد به الكسرة التي يحدثها عامل الجر، الكسرة .. هل كل كسرة تكون علامةً على الاسمية؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنك تقرأ: ((قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً)) [المزمل:2] قم: لو كان مبتدئاً ظاهرياً لا يميز، لقال: قم: الميم مكسورة، هذا كسرة قد دخلت على: قم، إذاً: هو اسم، لماذا؟ لوجود الكسرة. ونقول: هذه الكسرة ليست علامةً على الاسمية، لماذا؟ لأن هذه الكسرة لم تكن مقتضًى لعامل، يعني: لم يقتضيها عامل، يحدث الجر أو يحدث الكسر في آخر الكلمة؛ لأن الكسرة قد تكون أثراً لعامل وقد لا تكون، وسيأتينا معنى العامل ونحوه، فحينئذٍ إذا لم تكن أثراً لعامل لا تصلح أن تكون علامةً على الاسمية، ولذلك نقيد في الحد، نقول: الجر الذي يكون علامةً على اسمية الكلمة، ويختص الاسم به ولا يدخل غيره هي أو هو الكسرة التي يحدثها عامل الجر، احترازاً عن كسرة لا يحدثها عامل الجر. لو قال: أمس الدابر، كسرة هذه؟ هل هي علامة على الاسمية؟ ليست علامةً على الاسمية، لماذا؟ لأنها مثل: قم، كسرة للتخلص من التقاء الساكنين، وهو مبني، وبني على الحركة؛ لأن له أصلاً في الإعراب، ولماذا كانت الحركة كسرة هنا؟ نقول: للأصل للتخلص من التقاء الساكنين. حينئذٍ: أمْ .. سِ، السين: الأصل أنها تكون ساكنة: وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا ولكن امتنع تلو ساكن لساكن، فحرك على الأصل للتخلص من التقاء الساكنين، إذاً: أمس الشاهد: أن الكسرة هذه ليست كسرة محدثة عن عامل جر، فحينئذٍ ينتفي كونها علامةً على اسمية الكلمة، إذاً: الكسرة التي يحدثها عامل الجر، ما هو عامل الجر؟ على الصحيح إما أن يكون حرفاً وإما أن يكون مضافاً، ولا ثالث لهما على المرجح.

وأما الإضافة والتبعية والتوهم فكلها ضعيفة، كما يأتي في مواضعها، فحينئذٍ نقول: الصواب أنه خاص بالجر، مررت بزيد: حرف الجر، مررت بزيد، مررت: فعل وفاعل، والباء: حرف جر، وزيد: اسم مجرور بالباء، وجره كسرة ظاهرة على آخره، ما الذي أحدث هذه الكسرة؟ الباء، لماذا؟ لكونه عامل للجر. جاء غلام زيد، غلام: فاعل مرفوع، وهو مضاف، وزيد: مضاف إليه، مجرور والثاني اجرر، ما العامل في زيد؟ فيه ثلاثة أقوال: أصحها أنه المضاف نفسه: غلام، هو الذي أحدث الكسرة في زيد لا الإضافة ولا اللام المقدرة المنوية، وهذان مذهبان ضعيفان كما يأتي في محله، قوله: بالجر، هل يشمل حرف الجر والكسرة .. هل يشمل العلامتين أم أنه خاص في واحد منهما؟ يشمل أو لا؟ يحتمل؟ وجه الاحتمال؟ بالجر الكسرة، قلنا: التي يحدثها عامل الجرِّ، إذاً: أدخلنا عامل الجر النوعين في الحد أو لا؟ أدخلناه. إذاً قوله: بالجَرِّ، يشمل النوعين معاً، لكن هل يغني التنصيص على الجر مراداً به الكسرة عن التنصيص على حرف الجر أو لا؟ هذا محل خلاف، لماذا؟ لأن العلامات إنما تذكر للمبتدي كما يقال، وإذا كان كذلك حينئذٍ قد يدخل حرف الجر ولا يظهر أثره، مررت بزيد واضحة عند الصغير والكبير، لكن: مررت بذا، ذا: اسم إشارة لمفرد، اسم إشارة لمفرد مذكر، هل يظهر عليه أثر الحرف .. حرف الجر؟ الجواب: لا، حينئذٍ لو قال لمبتدئ أو سأل مبتدئ: مررت بذا، ما علامة اسمية ذا؟ الظاهر أنه حرف الجر، أين الكسرة؟ غير موجودة، مررت بالفتى وغلامي والقاضي، مررت بالفتى وبغلامي وبالقاضي، حروف الجر الداخلة على هذه الألفاظ الثلاثة أثرها غير ظاهر .. غير منطوق به، بل هو مقدر في الثلاث. فحينئذٍ هل يغني التنصيص على الكسرة عن دخول حرف الجر؟ الظاهر أنه في مقام التعليم لا، لا بد أن يقال لهذه الكسرة: إما أن تكون حادثةً بحرف جر، فدخول حرف الجر حينئذٍ ولو لم يظهر أثره نطقاً هو علامة بحد ذاته، والكسرة إذا كانت ظاهرة حينئذٍ هي علامة بحد ذاتها، فهما علامتان مختلفتان؛ لأن المقام مقام تعليم للمبتدئ، هذا الأصل فيه، فحينئذٍ يقال: يعرف الاسم بالكسرة، ويعرف الاسم بدخول حروف الجر، ولذلك ابن آجروم عدها علامتين، أليس كذلك؟ يعرف بالخفض، ثم قال: وبحروف الجر، فهما علامتان مختلفتان، وهذا أظهر. قولنا: الكسرة وما ناب عنها، هل يدخل فيه الفتحة التي تكون في الممنوع من الصرف، والياء التي تكون في الأسماء الستة، والمثنى، وجمع المذكر السالم، نحن قلنا: الجر هو الكسرة التي يحدثها عامل الجر، بعضهم قال: الكسرة وما ناب عنها، وكلا التعريفين صحيح، إلا أن الأول الكسرة التي يحدثها عامل الجر، نقول: هذا من باب تمييز الاسم عن أخويه الفعل والحرف، وأما ما ناب عن الكسرة فهو فرع، ولا يلزم من التمييز بالأصل أن يكون الفرع مثله، والفرع هنا محصور في شيئين: الفتحة والياء.

لو قيل للمبتدئ: الاسم يعرف بالفتحة، فكلما وجد فتحةً حينئذٍ قال: هذا اسم، ضرب: هذا اسم؛ لأن ضرب هذا مفتوح عليه فتحة، أليس كذلك؟ وكلما وجد الياء قال: هذا اسم؛ لأن الياء تنوب عن الكسرة، تضربين: ما هذه الياء؟ قد يظن أنها علامة اسمية، ولذلك نفى بعضهم أن يكون التمييز بالاسم حاصل بالفرع عن الكسرة، بل يكون التمييز بالكسرة. ففي هذا المقام نخصص الجر علامةً على الاسمية بالكسرة فحسب، وإذا جئنا في مقام الإعراب .. باب الإعراب كما سيأتي معنا الرفع والنصب والخفض، نقول: الخفض هناك الكسرة وما ناب عنها، هل هذا تناقض؟ لا، ليس بتناقض لماذا؟ لأن اللفظ الواحد قد يراد به معنىً في موضع ومعنىً آخر في موضع آخر، كالمفرد الذي ذكرناه بالأمس، فحينئذٍ نقول: في هذا المقام نخصص العلامة بالكسرة فحسب، ونقيدها من أجل ألا يلتبس أو تلتبس بغيرها بالتي يحدثها عامل الجر. وهناك في بيان أنواع الإعراب نقول: الكسرة وما ناب عنها؛ لأن ما ينوب عن الكسرة الفتحة والياء، وهذا لا يحصل به التمييز؛ لأن الذي يختص به الاسم هو الكسرة، فحينئذٍ لما دخلت الكسرة وهي مقتضىً لعامل يقتضي الجر صح أن تجعل علامةً عليه، وأما الياء والفتحة فليس كذلك. والصبان هنا في هذا الموضع رد على من يقول: بأن الجر مخصص به بالكسر دون ما ينوب عنه، وكلامه كله ضعيف في هذا المحل، يعني: لا يسلم له، بل الصواب: التفريق بين المصطلحين، فحينئذٍ نقول: ثم أمران لا بد من التنبيه عليهما في هذا الموضع لكثرة الخلل فيه: الأول: أن يقال بالجر علامتان، هذا الأصح. الكسرة علامة مستقلة، على اسمية الكلمة، ثم دخول حرف الجر كذلك علامة مستقلة، فهما علامتان مختلفتان، فلا يلتبس عليك لما ذكرناه، والعلة في هذا: أن العلامات لا تشرح للمتمكن في فن النحو، الذي يميز الاسم عن الفعل عن الحرف هذا لا يحتاج أن ينبه على مثل هذه المسائل، الذي يلتبس عليه هذه الألفاظ حينئذٍ لا بد من ضبط الأصول، هذا أولاً. ثانياً: يفسر الجر هنا الذي هو الكسرة، بالأصل لا بالفرع، يعني: بأصل الجر وهو الكسرة فحسب، لا بالفرع الذي هو الفتحة والياء، لماذا؟ لوجود الفتحة والياء في غير الاسم، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يصلح أن يكون علامةً، وقد سبق معنا قبل قليل: أن أل الموصولة إذا جوزنا دخولها على الفعل المضارع لا يصح أن نجعلها علامة على اسمية الكلمة؛ لأن شأن العلامة أن تختص بمدخولها فلا تدخل على غيره، والفتحة والياء ليست خاصة في اللفظ. إذاً: بالجَرِّ، نقول: يشمل اثنين، هنا قال ابن عقيل: فمنها الجر وهو يشمل الجر بالحرف والإضافة والتبعية، وهذه على هذا التفصيل فيه ضعف، بل الصواب أنه يختص بماذا؟ بالمضاف وبحرف الجر فقط.

نحو: مررت بغلام زيد الفاضل، مررت: فعل وفاعل، بغلام زيد .. بغلام زيد: غلام هذا مجرور بالباء، وجره كسرة في آخره، الباء حرف جر عامل جر، أحدث الكسرة في غلام، هذا لا إشكال فيه، إذاً: غلام، نقول: اسم، لماذا هو اسم؟ لدخول حرف الجر عليه، ولوجود الكسرة فيه، فاجتمع فيه علامتان، وهذه الكسرة أحدثها عامل الجر وهو الباء، غلام: مضاف، وزيد: مضاف إليه مجرور بالكسرة، والثاني اجرر، ما الذي أحدث هذه الكسرة؟ على ما ذكره المصنف الإضافة، وهذا قول ضعيف؛ لأنها معنوي .. عامل معنوي، والأصل في العوامل أن يحال على اللفظ، ولا يحال على المعنى إلا عند الضرورة. إذاً: زيدٍ، نقول: الصواب أنه مجرور بغلام، بنفس اللفظ، الفاضلِ: هذا نعت لمن؟ لزيد .. غلام، يحتمل هذا أو ذاك، بغلامِ زيدٍ الفاضلِ: إذا جعلناه نعتاً لغلام وهو الظاهر، حينئذٍ ما الذي أحدث الكسرة في الفاضل؟ على قول ابن عقيل: التبعية، وهي كونه تابعاً للفظ زيد أو غلام، كونه تابعاً .. كونك أتبعت هذا اللفظ بما سبق، هذا يسمى التبعية، والصواب: أن العامل في المتبوع هو العامل في التابع، ما هو العامل في المتبوع؟ الباء، إذا جعلناه نعتاً لغلام، فالعامل في المتبوع هو الباء، هو عينه العامل في التابع، هذا هو الصوب. فجر بما جر به متبوعه، وليس بالتبعية؛ لأنه متى ما أمكن أن يعلق العمل بلفظ فهو أولى ومقدم كما سيأتي معنا موضحاً، فالغلام: مجرور بالحرف، وزيد: مجرور بالإضافة، والصواب أنه: بالمضاف، والفاضل: مجرور بالتبعية، وهو أشمل من قول غيره بحرف الجر، يعني: بعضهم يعبر في علامات الاسم حرف الجر ولا يذكر الجر، وبعضهم يذكر الجر ولا يذكر حرف الجر، أيهما أعم؟ قال: وهو أعم، هذا اللفظ الجر أعم، لماذا؟ لأنه يشمل حرف الجر؛ لأن هذا لا يتناول الجر بالإضافة ولا الجر بالتبعية. فإذا قلنا: بالجر، دخل فيه حرف الجر، ودخل فيه التبعية، ودخل فيه الإضافة، وإذا قلنا بحرف الجر لا يدخل فيه الجر بالإضافة ولا بالتبعية، والصواب: أن نقول: أن حرف الجر هذا علامةٌ مستقلة والكسرة علامةٌ مستقلة، والتعبير بلفظ يجمعهما فيه قصور. إذاً: بالجر نقول: هذا من علامة الأسماء، ومراد المصنف أنه شامل لحرف الجر والصواب: أنهما علامتان، دخول حرف الجر على بعض الأفعال، هل يعتبر ناقضاً لكونها علامة؟ قلنا: من شرط العلامة أن تختص بمدخولها، ما هي .. والله ما هي بنعم الولد .. ما هي بنعم، نعم: فعل، ودخل عليه الباء حرف الجر، هل نقول: أن الباء ليست علامةً على الاسمية، أو نؤول مدخول الباء هنا بما يوافق الأصل؟ الثاني، وهذه قاعدة في الشرعيات، وفي النحويات، وفي الصرفيات، وفي البيانيات، وهي: أن الشيء المطرد العام لا يعترض عليه بالصور والأمثلة.

إذا عندنا قاعدة عامة وثبت من كلام العرب .. استقراء كلام العرب أن حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء، فإذا جاء مثال بيت أو بيتان أو عشرة إلى عشرين، نقول: هذا لا ينقض القاعدة؛ لأنه ثبت بآلاف الأبيات أن حرف الجر لا يدخل إلا على الأسماء، فإذا وجد ما هو ظاهره أن الحرف دخل على فعل لا يشتبه علينا، نقول: هذا مشتبه .. هذا محتمل، ولا نرجع إلى الأصل بالنقض، بل نؤول هذا، ونقول: والله ما هي بنعم الولد، ما هي بنعم، أن الباء هنا ليست داخلةً على نعم وهو فعل، بل داخلة على اسم محذوف، تقديره: والله ما هي بولد مقول فيه: نعم الولد، فحذفت الصفة وموصوفها، وهو مقول: بولد، الباء دخلت على اسم، إذاً: اطردت القاعدة أو لا؟ اطردت القاعدة، بولدٍ: ولدٍ هذا اسم، مقولٍ: هذا صفة له، ومقول: هذا اسم مفعول، مقول فيه نعم الولد، فحذفت الصفة مع الموصوف، ولدٍ مقولٍ فيه، وأقيم معمول الصفة مقامه، فصارت: بنعم الولد، إذاً: الباء هنا ليست داخلةً على الفعل بل داخلة على اسم محذوف. ومثله: نعم السير على بئس العيرِ، نعم السير على عيرٍ مقول فيه: نعم العير، لا بد أن نؤول. ومذهب الكوفيين أو بعض الكوفيين احتجاجاً بهذه الأمثلة ونحوها على أن: نعم وبئس، اسمان ضعيف لما ذكرناه، لماذا؟ لأنه إذا قيل بأن الحرف كلما دخل على لفظ حكمنا عليه بأنه اسم، نقول: نام، فعل باتفاق البصريين والكوفيين، وقد سمع: والله ما لَيْلِي بنَامَ صاحبُهْ ... ولا مخالطِ اللّيَان جانِبُهْ والله ما لَيْلِي بنَامَ، هل نقول: نام، هذا اسم وليس بفعل؟ لا، لماذا؟ لأن الحرف هنا، نقول: أمكن تأويله للإجماع القطعي بين البصريين والكوفيين، أن نام فعل وليس باسم، إذاً: لا بد من تأويل هذا البيت باتفاق، بليل مقول فيه نام صاحبه، لا بد أن نقدر، وإذا قيل: عدم التقدير .. أولى من التقدير، هذه ليست على اطرادها، بل قد يكون التقدير أولى من عدم التقدير. إذاً: بالجر، نقول: هذا علامة اسمية مدخوله، مطلقاً؟ مطلقاً، فإما أن يكون الاسم صريحاً مراتبِ زيدٍ، وإما أن يكون الاسم مؤولاً بالصريح، مثل: بنعم، وبئس .. بنام إلى آخره، فهذا نقول: مؤول بالصريح. بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ، هل المراد بدخول الكسرة أو حرف الجر أن يكون دخولاً بالفعل أو بالقوة، هل يشترط في صدق هذه العلامة أن تدخل بالفعل على مدخولها، أم يكفي أنها قابلة لها؟ الصحيح: أنه في جميع العلامات .. علامات الاسم والفعل أنه يكفي مجرد القبول فحسب، ولا يشترط فيه أنه يدخل بالفعل، يعني: تقول: زيد، زيد هل هو قابل لحرف الجر أو لا؟ هل لا بد أن تثبت اسميته وتقول: مررت بزيد، تدخل عليه حرف جر وتظهر الكسرة؟ قل: لا، مجرد القبول الذي يكون تصوره في الذهن يكفي ولا يشترط فيه الإدخال بالفعل. إذاً: يكفي صحة قبول اللفظ لحرف الجر أو الكسرة في الصدق عليه بأنه اسم. إذاً: عرفنا أن الجر هو الكسرة التي يحدثها عامل الجر، هذا على القول بأن الإعراب لفظي كما سيأتي في موضعه.

ِ وَالْتَّنْوِينِ ِ: أي: مسمى التنوين، لأن التنوين اللفظ نفسه ليس علامة على الاسمية، بل مسماه، زيدٌ .. زيدٌ أنت لا تنطق بلفظ التنوين، أليس كذلك؟ وإنما تنطق بمسمى التنوين، والذي يجعل علامةً على الاسمية هو مسمى التنوين وليس نفس اللفظ، التنوين: مصدر في الأصل: مصدر نونت، أي: أدخلت نون ينون تنويناً، هذا الأصل .. فعل يفعل تفعيلاً .. خرج يخرج تخريجاً، فالتنوين مصدر لمضعف العين. مصدر نونت، ومعناه: أدخلت نوناً، يعني: أدخلت اللفظ نوناً، هذا هو الأصل، إذا قلت: نونت الكلمة، يعني: أدخلتها نوناً، ألحقت بآخرها نوناً، إذاً: هل المراد به فعل الفاعل، أو الأثر؟ إذا قيل: أدخلت الكلمة نوناً، هل هو فعل الفاعل أو الأثر؟ أدخلت الكلمة نوناً، فعل الفاعل أو الأثر؟ أجيبوا .. نونت أدخلت الكلمة نوناً، هذا فعلي أنا، والمراد هنا أثر التنوين، أثر التنوين، فالتنوين هو فعل الفاعل، نونت، يعني: أدخلت الكلمة نوناً، هذا في الأصل، أدخلت نوناً، وبعضهم يطلقه على معنى: صوت، هذا مشهور عند المتأخرين، فحينئذٍ نقل إلى النون المدخلة مطلقاً، يعني: اللفظ هذا الأصل فيه أنه فعل الفاعل، ثم نقل فجعل علماً للنون المدخلة نفسها، تقول: زيد، فعلي أنا كوني ألحقت بآخر زيد نوناً يسمى تنويناً، والنون نفسها ليست هي التنوين في الأصل، ولكن نقل بغلبة الاستعمال ذلك اللفظ الذي يدل على فعل الفاعل، فجعل علماً على نفس النون، زيدٌ .. جاء زيدٌ .. زيدٌ، تنطق بماذا؟ بنون، هذه النون نسميها ماذا؟ تنويناً، التنوين في الأصل ليس اسماً لهذه النون، وإنما لفعلي أنا الذي أدخلت هذا اللفظ نوناً. سميت النون: تنويناً من باب غلبة الاستعمال فحسب، واضح؟ وإلا فالأصل هو مصدر، أطلق على أثره، نقل إلى النون المدخلة مطلقاً، ثم غلب حتى صار اسماً للنون المذكورة، والعلم بالغلبة كما سيأتي: ما وضع لمعنى كلي ثم غلب استعماله في بعض جزئياته، أيُّ نون أدخلها صرت: منوناً، لو قلت: منتصر .. انتصر .. انطلق، أنا نونت الكلمة؛ لأني أدخلتها نوناً أي نون، لكنه صار ماذا؟ صار علماً بالغلبة لبعض أنواع النون المدخلة، إذا قلت: انتصر، نونت أو لا؟ .. نونت ذكرت نوناً في هذا اللفظ، منطلق .. منكسر .. انطلق زيدٌ، زيدٌ: النون هذه جزء، وانتصر: النون هذه جزء، ومنتصر وانطلق: هذه النون جزء، لكن جعل العلم الذي هو التنوين لبعض الجزئيات وهو النون الملحقة بالاسم على جهة الخصوص، وهذا يسمى علماً بالغلبة. والنون التي غلب استعمال التنوين فيها فرد من مطلق النون المدخلة، لا من إدخال النون إذ هي مباينة له، هذا في الأصل، المعنى اللغوي، إذاً: هو علم بالغلبة على بعض أنواع النون المدخلة، والأصل فيه أنه مصدر لفعل الفاعل، ثم نقل وجعل علماً لهذه النون المدخلة التي جعلت علماً على اسمية الكلمة.

وأما في الاصطلاح: فالتنوين نون تثبت لفظاً لا خطاً، هذا أخصر ما يقال في التنوين: نون تثبت لفظاً لا خطاً، وهذا لا يتصور وجود هذا الحد إلا في التنوين الذي يجعل علامةً على الاسمية، نون لا بد أن تكون ساكنة بالاستقراء، ولا بد أن تكون زائدة بالاستقراء، وتثبت لفظاً لا خطاً، حينئذٍ كل ما ثبت من أنواع النون في الخط وهو زائد ولو كانت ساكنةً، نقول: هذا ليس بتنوين، فحينئذٍ خرج تنوين الترنم والغالي كما سيتأتي. وأما المشهور، وهذا عرَّف به السيوطي في جمع الجوامع، عرَّف التنوين بهذا، وكذلك في شرح الألفية، والمشهور أن التنوين هو نون زائدة ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد هذا هو المشهور، ولفظ زائد لا بد من إسقاطه وإن اشتهر ذكره، لأننا نقول: تلحق، والإلحاق إنما يكون بشيء زائد وهو دال على الزيادة بالمطابقة، إذاً: لا نحتاج إلى لفظ زائدة، نون ساكنة، نون: هذا جنس، دخل فيه جميع أنواع التنوين الأربعة التي سيذكرها، والغالي، والترنم، وما زيد إلى العشرة، نون: هذا جنس، ساكنة، قيل: أخرج النون من ضيفنٍ ورعشنٍ، ضيفنٍ: هذا فيه نونان، الأولى: هذه نون متحركة ليست بساكنة، والثانية: تنوين، ضيفن .. تكتبها هكذا: ضيفن وتضع تحتها كسرة، ضيفن: النون الأولى هذه ملحقة زائدة؛ لإلحاق ضيف: وهو الطفيلي الذي يأتي بغير دعوة، ضيف: من أجل تسويته وإلحاق بجعفر .. جعفر، ضيف .. ضيفنٍ .. جعفرٍ. إذاً: أُلحِْق به، فالنون الأولى زائدة ولا شك، ولكنها متحركة، هل هي تنوين؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن التنوين لا بد أن يكون نوناً زائدةً ساكنة، وهذه متحركة، وأما النون الثانية في ضيفن، فهي تنوين. ورعشنٍ كذلك مثل ضيف، مرتعش .. كثير ارتعاش، رعشنٍ: النون الأولى هذه زائدة، وليست بتنوين لأنها متحركة، والتنوين لا يكون تنويناً علامةً على الاسمية إلا إذا كان ساكناً، وأما الثانية: فهي تنوين. نون ساكنة تلحق الآخر: خرج به ما يلحق الأول والأثناء، كمنتصر .. منـ: هذه نون، هل هي زائدة؟ الجواب: لا، هل هي ساكنة؟ الجواب: نعم، هل هي ملحقة بالآخر؟ الجواب: لا، هل هي تنوين؟ الجواب: لا، انطلق: هذه نون زائدة؛ لأن وزنه: انفعل، فليست عيناً ولا فاءً ولا لاماً، إنـ: نقول: نون زائدة ساكنة، هل هي تنوين؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنها ليست ملحقة بالآخر. نون ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً: هذا من باب الاختصار نقول: أخرج به نوعين من أنواع التنوين، يعني: ما يسمى تنويناً وإن كان مجازاً، يسمى: تنويناً مجازاً، وهو تنوين الغالي، وتنوين الترنم كما سيأتي. إذاً: التنوين اصطلاحاً: نون ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد، لغير توكيد: هذا أخرج ماذا؟ نون: ((لَنَسْفَعاً)) [العلق:15] فإنها زائدة لكنها لتوكيد، قد تكتب بالنون، وقد تكتب ببدل عنها وهي الألف.

نون ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد، قوله: لفظاً هذا بيان للواقع لا للاحتراز، وقوله: لا خطاً، أي: لأن الكتابة مبنية على الابتداء والوقف، وهو يسقط وقفاً رفعاً وجراً، يسقط وقفاً، يعني: التنوين في حالة الوقف يسقط، فيقال: جاء زيد .. مررت بزيد، في حالة الرفع والجر، فحينئذٍ في حالة النصب هل يسقط أو لا؟ رأيت زيدا، في الكتابة .. نقول: في الكتابة التنوين في حالة النصب يبدل ألفاً: وَقِفْ عَلَى المَنْصُوبِ مِنْهُ بِالأَلِفْ ... كَمِثْلِ مَا تَكْتُبُهُ لاَ يَخْتَلِفْ فتقول: رأيت زيداً .. جاء زيد .. مررت بزيد، هذا على اللغة الفصحى المشهورة، وأما لغة ربيعة فبينهما التسوية: رأيت زيد .. جاء زيد .. مررت بزيد، إذاً: إذا قيل تثبت النون لفظاً لا خطاً حينئذٍ في المرفوع واضح أنها لا تثبت، وفي المجرور واضح أنها لا تثبت، وأما في المنصوب فالظاهر أنها ثبتت، لماذا؟ لأنك تقول: رأيت زيدا، الألف هذه بدل عن النون .. عن التنوين، فحينئذٍ هل المنفي في الحد بأنها تثبت لفظاً لا خطاً .. هل المنفي أصل النون بأن تكتب نون هكذا، أو ما يشمل بدل النون وهو الألف؟ قولان في التفسير، والمشهور: أن النفي هنا مسلط على النون أصالةً، لا على عوض النون وهو الألف؛ لأن الألف هذه صورة للألف المنقلبة عن النون، هذه حقيقتها، أنت تنطق وتكتب، والكتابة .. المرسومات هذه تكون باعتبار ماذا؟ باعتبار النطق، إذا قلت: رأيت زيداً، في نطقك أنت قلبت الألف نوناً، لما كتبتها أنت كتبت صورة الألف لا النون، فلسفة! كتبت ماذا؟ كتبت صورة الألف لا النون، وهذا حق، أنت تكتب ما تنطق به، وأنت نطقت بالألف بدلاً عن النون، فحينئذٍ كتبت صورة الألف ولم تكتب النون أو ما هو بدل عنها، وهذا جواب جيد، وقيل: المراد نفي النون أصالةً وفرعاً، يعني: عوض النون مطلقاً، حينئذٍ يرد: رأيت زيداً، قالوا: هذا قليل، هذا قليل باعتبار ماذا؟ باعتبار المرفوع والمجرور؛ لأن الكلمة إما مرفوعة وإما مجرورة وإما منصوبة، النصب الثلث، والرفع والجر ثلثان، أيهما قليل وأيهما كثير؟ ... الثلث كثير .. ، لا يأتي هنا، فحينئذٍ نقول: النصب باعتبار الرفع والجر قليل، وما كان قليلاً لا يعترض به على الأصل، والصواب، أن يقال في التعليل الأول: أن المنفي هو أصالةً وفرعاً، وأن الألف المكتوبة هذه ليست بدلاً عن النون، وإنما كتبت الألف التي نطق بها بدلاً عن النون، لا خطاً، أي: لأن الكتابة مبنية على الابتداء والوقف، وهو يسقط وقفاً رفعاً وجراً، ولما ثبت عوضه وهو الألف في الوقف نصباً كتبت الألف، والمراد باللحوق خطاً المنفي لحوقها بنفسها لا أو عوضها، هذا قوله، والصواب ما ذكرناه حتى يرد أن المنون المنصوب في الدرج لا يصدق عليه لفظاً لا خطاً؛ لأن عوضها وهو الألف لاحق خطاً. وقوله: لغيرِ توكيد: مستدركاً لخروج نون: ((لَنَسْفَعاً)) [العلق:15] حينئذٍ بقوله: لا خطاً، وهذا على خلاف سيأتي بيانه، كذلك خرج، أو مخرج للنون اللاحقة للقوافي المطلقة التي آخرها حرف مد، عوضاً عن مدة الإطلاق في لغة تميم وقيس، ويسمى تنوين الترنم على حذف مضاف، أي: قطع الترنم؛ لأن الترنم مد الصوت بمدة تجانس الروي، ومنه:

أقِلِّى اللَّوْمَ عَاذِلَ وَالعِتَابَنْ ... وَقُوِلى إن أَصَبْتِ لَقَدْ أصَابَنْ هذا نون ساكنة لحقت الآخر، أقلي اللوم عاذل يا عاذلة، هذا مرخم على لغة من ينتظر، أقلي اللوم عاذل، والعتابن: النون الساكنة هذه هل هي تنوين أو لا؟ نقول: ليست بتنوين، لماذا؟ لأن التنوين الذي يكون علامةً على الاسمية لا يثبت خطاً، يعني: لا يكتب نوناً، وهذه قد كتبت نوناً، العتابن تكتبها بنون مفتوحة، حينئذٍ ثبت لفظاً، وثبت خطاً، والتنوين الذي يجعل علامةً على الاسمية لا يثبت خطاً. يدل على هذا ماذا؟ أن التنوين الذي يكون علامةً على الاسمية لا يجامع أل، وهنا قيل: العتابن، لا يقال: الرجلن، أليس كذلك؟ لا يجتمع التنوين مع أل، فلما ثبت خطاً وجامع أل عرفنا أنه ليس التنوين الذي يكون علامةً على الاسمية، وإن سمي تنوين فهو مجاز لا حقيقةً، والأصل: العتابا: أصاب: فعل ماضي، ودخل عليه هذا التنوين، إذاً نقول: هذا ليس علامةً على اسمية الكلمة؛ لأن التنوين من خواص الأسماء، وأصاب: هذا فعل ماضي فدخلت عليه، حينئذٍ نقول: هذا النوع من أنواع التنوين ليس علامةً على الاسمية. أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ... لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِنْ وكأن قدن: وكأن قدي هذا الأصل مداً، عوض عنها التنوين للترنم التغني، حينئذٍ نقول: قدن: هذا حرف ودخل عليه التنوين، كيف دخل عليه التنوين وهو من خواص الأسماء؟ نقول: هذا التنوين ليس من خواص الأسماء؛ لأنه دخل على الاسم المحلى بأل: العتابن، ودخل على الفعل: أصابن، وكذلك دخل على الحرف: قدن، إذاً: هذا يسقط من الحد، ومخرج للنون اللاحقة للقوافي المقيدة، وهي التي رويها ساكن غير مد، ومنه: قَالَتْ بَنَاتُ الْعَمِّ يَا سَلمْى وَإنْنْ ... كَانَ فَقَيِراً مُعْدِماً قَالَتْ وإنْنْ إن: هذا آخره حرف صحيح ليس كالأول: العتابا .. قدي .. حرف مد، هنا: إن، النون هذه حرف صحيح ساكن، إنن: نُوِّنَ الحرف، فدل على ماذا؟ على أن هذا الحرف اسم أو على أن هذا التنوين ليس من خواص الأسماء الثانية، وهذا يسمى: تنوين الغالي .. -ويسمى التنوين الغالي-، زاده الأخفش، وسماه بذلك لأن الغلو هو الزيادة، وهو زيادة على الوزن، وذهب ابن الحاجب إلى أنه إنما سمي: غالياً، لقلته من الغلاء، فهاتان النونان زيدتا في الوقف، كنون ضيفنٍ في الوصل والوقف، وليستا من أنواع التنوين حقيقةً، لثبوتهما مع أل، العتابن، وفي الفعل قد أصابن، والحرف قدن وإن .. إنن، وفي الخط والوقف، وحذفهما في الوصل، حينئذٍ إذا سمي تنويناً نقول: هذا مجازٍ، وليس بحقيقةٍ. وقيد: لغير توكيد، فصل أخرج به نون التوكيد الثابتة في اللفظ دون الخط نحو: ((لَنَسْفَعاً)) [العلق:15] لنسفعاً: هذه النون ثابتة في اللفظ دون الخط، لكن على تفصيل عند النحاة بين كتابتها نوناً كما هي، أو ألف بدل النون، لغير توكيد: هل أخرج نون التوكيد الخفيفة أو لا؟ على تفصيل في كيفية كتابة هذه النون، نحو: ((لَنَسْفَعاً)) [العلق:15] وهي نون التوكيد الخفيفة التي قبلها فتحة، وهذا سيأتي بحث له مستقل.

على مذهب الكوفيين مِن رسمها ألفاً لا نوناً، على مذهب الكوفيين: ((لَنَسْفَعاً)) [العلق:15] يكتب التنوين ألفاً ولا يكتب نوناً، أما على مذهب البصريين من كتابتها نوناً فهي خارجة بقيدِ: لا خطاً، لا خطاً: هذا أخرج نون التوكيد الخفيفة على مذهب البصريين، لماذا؟ لأنها تثبت خطاً: ((لَنَسْفَعاً)) مثل: لن تكتب. وأما على مذهب الكوفيين تكتب ألفاً، فحينئذٍ الإخراج يكون بقوله: لغير توكيد، وإخراج النون الخفيفة على مذهب البصريين يكون بقوله: لا خطاً، ففرق بين المذهبين. وهذا التعريف: نون ساكنة تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد يصدق على أربعة أنواع كما ذكرها الشارح هنا، وهي المشهورة عند الإطلاق في كونها من خواص الأسماء، أربعة أنواع: تنوين التمكين، وتنوين التنكير، وتنوين المقابلة، وتنوين العوض، هذه أربعة تعتبر من خواص الأسماء، فحينئذٍ قول الناظم: بالجر والتنوين: هل يختص بهذه الأربعة، أم يشمل تنوين الترنم والغالي؟ أطلق المصنف، هل نعترض عليه أو لا؟ هنا نسألكم، هل نعترض على المصنف أو لا؟ ابن عقيل اعترض، قال: ظاهر كلام المصنف أنه يشمل النوعين الغالي والترنم وليس كذلك، فنقول: قوله: وليس كذلك ليس كذلك، لماذا؟ لأن التنوين إذا أطلق انصرف إلى المعنى الحقيقي له، فإذا كان كذلك عرفنا أن التنوين الذي يكون من خواص الأسماء لا يدخل الفعل ولا يدخل الحرف، وقد وجدنا هذين النوعين يدخلان الفعل والحرف: أصابن .. العتابن، مع أل إنن .. قدن. إذاً: لا يمكن أن يكون مراد المصنف تنوين الترنم والغالي، فهو خارج، وعليه تكون: أل، في قوله: التنوين للعهد الذهني، وهي التي عهد مصحوبها ذهناً، وهذا واضح بين. إذاً: أربعة أنواع: النوع الأول: تنوين التمكين، ويقال له: تنوين الأمكنية، أو التمكن، أو الصرف، أربعة أسماء .. له أربعة أسماء لقوته ولأصالته كثرت أسماؤه، كما هو الشأن عند العرب، تنوين التمكين ويقال: تنوين التمكن والأمكنية والصرف، أربعة أسماء من إضافة الدال إلى المدلول، يعني: نوع الإضافة هنا من إضافة الدال إلى المدلول، أين الدال؟ تنوين، كلمة: تنوين، أين المدلول؟ التمكن أو الصرف. تنوين التمكن: مضاف ومضاف إليه، مثل: غلام زيد، نقول: دال ومدلول، التنوين هذا إذا وجد دل على معنىً، والمعنى هذا مدلول عليه بالتنوين، ما هو هذا المعنى؟ التمكن، هذا المعنى التمكن، ما حقيقة هذا التمكن، من أي شيء؟ قالوا: من باب الإعراض، يعني: إذا وجد هذا التنوين دل على أن مدخوله قد تمكن –قوي- في باب الإعراب، فسروا هذا التمكن بقولهم: بحيث: -الباء للتصوير- .. لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف. الاسم بحسب الشبه وعدمه ثلاثة أنواع: اسم أشبه الحرف، يعني: ليس بخالص وإنما وقع فيه مشابهة للحرف، وقاعدة العرب: أن الشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه، قاعدة مطردة، الشيء إذا أشبه الشيء .. -شيئاً آخر- أخذ حكمه، والحرف مبني: وَكُلُّ حَرْفٍ مُسْتَحِقٌ لِلْبِنَا .. حينئذٍ لما أشبه بعضُ الاسم الحرفَ ليس مطلق المشابهة، ولكن سيأتي تفصيله: وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي

شبه من الحروف مدني، ثم وجود الشبه محصورة أيضاً: كالشبه الوضعي، والمعنوي، والافتقاري، والنيابة، فهي أربعة إذا وجد الاسم مشابهاً للحرف شبهاً قوياً، في واحد من هذه الوجوه الأربعة أخذ حكمه وخرج عن باب الإعراب بالكلية ومع السلامة، لماذا؟ لأنه وقع فيه نوع من أنواع ووجوه الشبه، فحينئذٍ نقول له: مع السلامة لماذا؟ لأنه خرج عن باب الإعراب، فليس معرباً، والأصل في الاسم ماذا؟ أن يكون معرباً، وإذا وقع الشبه خرج من أصله، هذا يُعَنْوَنُ له بباب المبنيات عند النحاة، المبنيات تعم الفعل والحرف والاسم، والأصل في الفعل البناء، والأصل في الحرف البناء، والأصل في الاسم الإعراب، فإذا وجد فيه نوع من أنواع الشبه التي سيأتي ذكرها حينئذٍ صار الاسم مبنياً، هذا النوع الأول. النوع الثاني: اسم أشبه الفعل، الأول: أشبه الحرف، والثاني أشبه الفعل، وجه الشبه هنا لماذا؟ لأننا قررنا أن الكلمة قول مفرد، هذا جنس أليس كذلك؟ جنس يدخل تحته الاسم والفعل والحرف، صارت جيران مع بعض، وصار ثم اقتراب، وصار ثم قدر مشترك وجنس، حينئذٍ لا بد وأن يتأثر بعض الأسماء بجاره، وهو الفعل أو الحرف، فلما أشبه الاسم الحرف أخذ حكمه، ولما أشبه الاسم الفعل في واحد من العلل التسعة التي يذكرونها في باب الممنوع من الصرف أخذ حكمه، ليس مطلق المشابهة، لا .. لا بد من وجهٍ للشبه، ما هو؟ يعلم بالاستقراء ويأتي في موضعه: اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَة فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ إذا وجد في الاسم علتان إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، أو علة واحدة تقوم مقام العلتين، نقول: هذا الاسم قد أشبه الفعل، والقاعدة: أن العرب إذا أشبه الشيء الشيء أخذ حكمه، ما هو الحكم الذي يمكن أن ينتقل من الفعل إلى الاسم؟ قالوا: الرفع والنصب قدر مشترك بينهما .. الرفع والنصب قدر مشترك بين الاسم والفعل، الفعل يرفع وينصب، أليس كذلك؟ والاسم يرفع وينصب، لكن الاسم يدخله الجر والتنوين، تنوين الصرف، والفعل لا يدخله الكسر ولا التنوين. إذاً: من أحكام الفعل: أنه لا ينون ولا يجر بالكسرة، فإذا أشبه الاسم الفعل أخذ حكمه فيمنع من الصرف والجر، وهذا ما يسمى بباب الممنوع من الصرف، إذاً: بابان: اسم أشبه الحرف فهو مبني، اسم أشبه الفعل فهو ممنوع من الصرف. النوع الثالث: الاسم الخالص الذي برئ من مشابهة الحرف، ومن مشابهة الفعل، قالوا: هذا أعلى الدرجات، الآن من حيث القوة أي هذه الأنواع الثلاثة أقوى؟ الخامس، الذي لم يشبه الحرف ولا الفعل، هذا أعلى الدرجات .. أقوى الأسماء، ثم الذي أشبه الفعل، لماذا؟ لأنه لم يخرج عن الإعراب، باقٍ على أصله، ثم الثالث الذي خرج عن أصله إلى البناء، هذه ثلاث مراتب بالقوة. الاسم لما خلص من مشابهة الحرف ومشابهة الفعل، قالوا: لا بد من تكريمه وإعطائه شيئاً يتميز به عن غيره، فوُسِم بتنوين يسمى: بتنوين التمكين، يدل على أن هذا الاسم قد تمكن من باب الإعراب بحيث لم يشبه الحرف فيبنى ولا الفعل فيمنع من الصرف، واضح؟

هذا المراد به تنوين التمكين، أي: أنه تمكن في باب الاسمية، بحيث لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف؛ لأن القسمة ثلاثية لا رابع لها، وهذا أعلاها، وهذا أولاها بهذا الوسام، فقيل: تنوين التمكين يلحق هذا النوع من الأسماء للدلالة على هذا المعنى، إذاً: التنوين، هل هو حرف أم اسم أم فعل، التنوين نفسه؟ حرف، هل هو حرف مبنى أو حرف معنى؟ حرف معنى. إذاً: مثل: لم، لم: تدل على النفي، كذلك التنوين له معنى، إذا دخل الاسم الخالص دل على معنىً فيه، فإذا رأيت زيداً .. زيدٌ .. زيدٍ، عرفت أن هذا الاسم قوي، لم يشبه الفعل ولم يشبه الحرف، واضح هذا؟ هذا يسمى تنوين التمكين، وهو اللاحق للاسم المعرب المنصرف، اللاحق: الذي يلحق الاسم المعرب المنصرف، المعرب لا المبني، احترازاً من تنوين التنكير، المنصرف: هذا احترازاً من تنوين العوض عن الحرف كما سيأتي: جواٍر وغواٍش، يستثنى من هذا النوع: الجمع المؤنث السالم، يعني: ماعدا ما جمع بألف وتاء؛ لأنه اسم معرب منصرف، وتنوينه ليس تنوين تمكين، وصرف وأمكنية، بل تنوين مقابلة كما سيأتي. ويستثنى المحلى بـ: أل، الرجل لا يدخله تنوين الصرف مع أن رجلٌ .. هكذا لو قلنا: رجلٌ، هذا التنوين تنوين تمكين أو لا؟ تنوين تمكين؛ لأن رجل هذا ليس ممنوعاً من الصرف، وليس مبنياً فدل على أن هذا التنوين تنوين تمكين، لما دخلت عليه: أل، سلبته التنوين، إذاً: هذا النوع قد لا يدخل بعض الأسماء المعربة المنصرفة المتمكنة في باب الإعراب لعارض، ومنه: أل، وكذلك المضاف، غلامٌ: هذا ليس مبنياً ولا ممنوعاً من الصرف، والأصل أن يقال فيه: غلامٌ بالتنوين .. تنوين التمكن، لكن لما أضيف حينئذٍ وجب حذف التنوين منه. وكذلك العلم الموصوف بابن، زيدٌ، قلنا: هذا تنوينه تنوين صرف وتمكين، لكن لما وصف، لو قيل: جاء زيد بن عمر، زيد بن .. وصف بابن، حينئذٍ لزم منه حذف التنوين من زيد. إذاً: هو اللاحق للاسم المعرب المنصرف، سمي بذلك؛ لأنه لحق الاسم ليدل على شدة تمكنه في باب الاسمية، أي: أنه لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصرف، والتمكين بمعنى: التمكن أيضاً، أو يقال فيه: تمكين الواضع الاسم في باب الاسمية، مثاله: كزيد هكذا يقولون: كزيد ورجل وقاض، والنحاة عندهم قاعدة: أنهم يذكرون الأحكام بالأمثلة، فيمثل وأنت تستنبط الحكم النحوي من هذا المثال، إذا قيل: كزيد، معناه: أن تنوين التصريف، أو الصرف أو التمكين يدخل الأعلام، ورجلٍ يدخل النكرات. إذاً: رجل تنوينه تنوين صرف وتنوين تمكين، وليس تنوين تنكير كما قل بعضهم؛ لأن تنوين التنكير هذا خاص ببعض المبنيات، ورجل ليس مبنياً، مثاله: كزيد، وكرجل وقاض، فهذا التنوين يدخل المعرفة والنكرة، وقيل: تنوين المنكر كرجل، تنوين تنكير، ورد بأنه لو كان كذلك لزال بزوال التنكير حيث سمي به واللازم باطل. فإن قيل: زال تنوين التنكير وخلَفه تنوين التمكين قلنا: هذا تعسف، وجوز بعضهم كون تنوين المنكر بالتمكين لكون الاسم منصرفاً، وللتنكير لكونه موضوعاً لشيء لا بعين، وهذه كلها تكلف، والصواب: أن رجل النكرة تنوينه يعتبر تنوين تمكين، فلا فرق بين تنوين زيد ولا تنوين رجل، هذا هو الصواب.

وقاضٍ: ماذا نستفيد؟ قاضٍ ما نوعه؟ اسم منقوص، يعني: آخره ياء ساكنة لازمة قبلها كسرة، تنوينه هل هو تنوين تمكين أو عوض عن حرف؟ قولان: والصحيح أنه تنوين تمكين، وأن الياء إنما حذفت تخلصاً من التقاء الساكنين، أصل قاضٍ: جاء قاضيٌ هذا الأصل، سكنت الآية دفعاً لثقل الضمة، فقال: جاء قاضي .. لما نون: ونَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا ... في رفعهِ وجرّهِ خُصُوصَا لما نون فالياء ساكنة، والنون التي هي التنوين، قلنا: نون ساكنة فالتقى ساكنان، الياء والنون، الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يحرك الأول بالكسر على الأصح، هذا الأصل، أليس كذلك: ((قُمِ اللَّيْلَ)) [المزمل:2] حركناه بالكسر ولم نحذف الميم، لكن هنا يتعذر تحريكه، لماذا؟ لأننا أسقطنا حركة الإعراب الأصلية التي هي الضمة، فحينئذٍ لما أسقطنا حركة الإعراب الأصلية فمن بابٍ أولى وأحرى ألا نحركه بحركة عارضة، لو أردنا أن نحركه بكسرة، فنقول: الأولى أن نأتي بالضمة؛ لأن الضمة أسقطناها، لماذا؟ دفعاً للثقل، فالياء ثقيلة لا يظهر عليها لا ضمة ولا كسرة، فتثقل الضمة وتثقل الكسرة نطقاً في الياء أو على الياء، فحينئذٍ لما أسقطنا الضمة دفعاً للثقل وهي أصلية، حركة إعراب، فمن بابٍ أولى وأحرى ألا نحركه بكسرة عارضة ليست بأصلية، فإذا أسقطنا الحركة الأصلية فمن بابٍ أولى أن نسقط الحركة الفرعية، فننتقل إلى الطريق الثاني في التخلص في التقاء الساكنين: تعذر الأول وهو تخلص الأول، ننتقل إلى الثاني: وهو حذف حرف العلة، وهذا يشترط في جواز حذفه أمران: الأول: أن يكن حرف علة، لا يكون صحيحاً. الثاني: أن يبقى دليلاً يدل عليه ككسرة على الياء، وضمة على الواو، وفتحة على الألف، وهذه موجودة في قاضي، الياء حرف علة وما قبله مكسور، فقلت: قاضٍ، إذاً: النون هذه نقول: تنوين تمكين، وليس تنوين عوض عن حرف، لماذا؟ لأن الحرف إنما حذف هنا لعلة صرفية، وهي: التخلص من التقاء الساكنين، والقاعدة عند الصرفيين: أن المحذوف لعلة صرفية كالثابت، ويدل على ذلك أن التنوين يجامع الياء في حالة النصب: رأيت قاضياً، لماذا لم تحذف الياء؟ لأنها محركة، حذفنا الياء في قاضٍ، جاء قاضٍ، ومررت بقاضٍ لوجود التعارض، التقى عندنا ساكنان، الياء والتنوين: قاضيَ تحركت الياء بالفتحة، هل عندنا التقاء ساكنين؟ الجواب: لا، إذاً: لانتفاء العلة لم تحذف الياء، هذا يدل على ماذا؟ على أن الياء المحذوفة في قاضٍ رفعاً وجراً إنما هو للتخلص من التقاء الساكنين، فلما لم يوجد ساكنان في –قاضياً-، في حالة النصب بقيت الياء على أصلها، فلما بقيت الياء على أصلها ونونت الكلمة دل على أن هذا التنوين ليس عوضاً عن الحرف؛ لأنه ليس محذوفاً. ثم: قاضٍ، ليس مبنياً ولا مشابهاً للفعل بأن يكون ممنوعاً من الصرف، فرجع إلى الأصل في الاسم: الأصل في الاسم ألا يشبه الحرف ولا الفعل، فحينئذٍ رجعناه إلى أصله. إذاً: تنوين قاضٍ تنوين تمكين لا عوض عن الياء المحذوفة بدليل ثبوت التنوين مع الياء في حالة النصب.

النوع الثاني من أنواع التنوين المشهورة الأربعة: تنوين التنكير، أيضاً هذا من إضافة الدال إلى المدلول، تنوين يدل على تنكير مدخوله، فإذا رأيت التنوين تحكم على أن هذه الكلمة نكرة، وضابطه: أنه اللاحق لبعض المبنيات في حالة تنكيره ليدل على التنكير، لاحق لبعض المبنيات، إذاً: لا لكل، إذاً: فرق بين تنون التمكين، وتنوين التنكير، ... وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي. تنوين الصرف: هذا لاحق للمعربات، وتنوين التنكير هذا لاحق لبعض المبنيات، هل يلتبسان؟ الجواب: لا، لا يلتبس هذا بذاك؛ لأن مدخول تنوين التمكين معرب، ومدخول تنوين التنكير مبني، لكن ليس كل المبنيات بل بعضها. فرقاً بين معرفتها ونكرتها، يعني: فائدة هذا التنوين إذا دخل المبني ليفرق بين المعرفة والنكرة، وهو يدخل بابين اثنين لا ثالث لهما: أولاً: اسم الفعل: كصه ومه، والثاني: العلم المختوم بويه: كسيبويه، وخالويه، إلا أنه في العلم المختوم بويه يعتبر قياسياً يقاس عليه، وفي اسم الفعل يعتبر سماعاً، يعني: يسمع ولا يقاس عليه، تقول: جاء سيبويهِ، وسيبويهٍ، أولاً: سيبويه هذا مبني، قد ينون فيقال: سيبويهٍ، وقد يسلب التنوين فيقال: سيبويهِ، متى تنون ومتى تحذف؟ إذا أردت أن سيبويه نكرة ليس بعلم .. ليس بشخص معين، معرفة فحينئذٍ تنكر .. فحينئذٍ تسلبه التنوين، تقول: رأيت سيبويهِ، بدون تنوين، هذا إذا أردت أن تعرِّفه، بأنه شخص معرفة، تسلب منه التنوين، فإذا أردت سيبويه المعروف النحوي، تقول: قال سيبويهِ بدون تنوين؛ لأنه معرفة، وإذا أردت به نكرة فتقول: سيبويهٍ، بالتنكير. عنوان هذا التنوين: تنوين التنكير، يعني: تنوين دال على تنكير مدخوله، فهو نكرة، فإن لفظت بالتنوين في هذا اللفظ فاحكم عليه بأنه نكرة، ولذلك صح وصفه بقول: جاء سيبويهِ، أو رأيت سيبويهِ، وسيبويهٍ آخر، وصفته بماذا؟ بآخر وهو نكرة، لماذا؟ لأن سيبويهٍ بالتنوين نكرة في المعنى، وأما سيبوبهِ بدون تنوين فهو معرفة. صه وصهٍ، صهْ: اسم فعل بمعنى: اسكت، لو قلت: صهْ صهٍ، فرق بينهما، أين النكرة؟ صهٍ، أين المعرفة؟ صه، إذا كانت المعرفة صهْ فحينئذٍ كان المأمور به سكوتاً معيناً لا مطلق السكوت، يتكلم في حديث معين، أنت لا تريد أن تسمع هذا الكلام، فتقول له: صهْ بدون تنوين، هذا إذا كان يفهم هو، صهْ بدون تنوين، يعني: اسكت عن هذا الكلام الحديث المعين، ولك أن تتكلم في غيره، مفتوح لك، وأما إذا قلت: صهٍ، يعني: اسكت عن هذا الحديث الذي تتكلم فيه وعن غيره، عموم أو لا؟ فيه عموم، إذاً: إذا قال: صهٍ فهذا أمر بسكوتٍ مُنَكَّر فيشمل الحديث الذي يتكلم فيه وغيره، وإذا قلت: صْه، فحينئذٍ صار أمراً بسكوت عن حديث معين، ولك أن تتحدث في غيره. تقول: سيبويهِ، بغير تنوين إذا أردت معيناً؛ لأنه اسم مبني مختوم بويه، وسلب منه التنوين، فهذا دل على أنه معرفة معين، وإيهِ بغير تنوين إذا استزدت مخاطبك من حديث معين: زدني، فإذا أردت غير معين نكرة، قلت: سيبويهٍ، وإيهٍ بالتنوين.

وهذا لا يلتبس، بعض الطلاب يقول: يلتبس، لا ما يلتبس، لماذا؟ لأنك ترجع إلى العنوان: تنوين التنكير من إضافة الدال إلى المدلول، حينئذٍ تنوين يدل على تنكير مدخوله، فإذا وجدت التنوين نطقت به: إيهٍ فهو نكرة .. إيه فهو معرفة، سيبويهٍ نكرة، سيبويهِ فهو معرفة، فإذا أردت غير معين قلت: سيبويهٍ وإيهٍ بالتنوين، وهذا التنوين يدخل بابين: العلم المختوم بويه قياساً، واسم الفعل سماعاً. والثالث: تنوين التعويض، ويسمى: تنوين العوض، بإضافة بيانية، يعني: تنوين هو العوض؛ لأن بين المتضايفين عموماً وجهياً، أي: تنوين هو عوض، وهو ثلاثة أنواع: الأول: عوض عن حرف، يعني: يحذف الحرف ويؤتى بالتنوين بدله، ليس كقاضٍ، هناك حذف حرف وهو الياء لكن التنوين ليس عوضاً عنه، وقد قيل به لكنه ضعيف؛ لما ذكرناه. عوض عن حرف، وذلك التنوين، نحو: جوارٍ وغواشٍ، جوارٍ وغواشٍ، هذا صيغة منتهى الجموع وهو ممنوع من الصرف، يعني: معتل اللام من صيغة منتهى الجموع ينون، لكن التنوين هنا عوض عن حرف، وهو الياء، هو لا يكون واوياً وإنما يكون يائياً، يعني: آخره ولامه ياء، ولا يكون واوياً، هذا التنوين في جوارٍ وغواشٍ، نقول: هذا التنوين عوض عن حرف. وفلسفة الحذف والتنوين ستأتينا في باب الممنوع من الصرف فلا نستعجل. لكن الشاهد هنا: أن جوارٍ وعواشٍ، نقول: التنوين هنا ليس تنوين صرف، لماذا؟ لأنه هو ممنوع من الصرف، وتنوين الصرف، قلنا: لا يدخل الممنوع من الصرف، أليس كذلك؟ كذلك ليس تنوين تنكير، لماذا؟ لأن تنوين التنكير محصور في بابين اثنين وهذا ليس منها، وهل هو تنوين مقابلة؟ لا؛ لأن تنوين المقابلة خاص بجمع المؤنث السالم، إذاً: ماذا بقي؟ نجعل له عنواناً وهو تنوين عوض عن حرف كما سيأتي بيانه في موضعه. عوضاً عن الياء المحذوفة في الرفع والجر، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وضابطه: أنه اللاحق لكل اسم ممنوع الصرف منقوص، يعني: معتل اللام ولا يوجد واوي في مثل هذا التركيب. النوع الثاني: عوض عن جملة، وهو التنوين اللاحق لإذ .. إذ: وَألْزَمُوا إِضَافَةً إِلَى الْجُمَلْ ... حَيْثُ وَإِذْ وَإَنْ يُنَوَّنْ يُحْتَمَلْ كما سيأتينا، فإذ ملازمة للإضافة إلى الجمل .. إلى الجملة، فحينئذٍ قد تحذف هذه الجملة، ويعوض عنها التنوين، فيقال: هذا التنوين عوض عن جملة، أو عن جمل، وهذا المشهور أنه لاحق لإذ، وحمل عليه إذا وأيٌّ، في نحو: يومئذٍ، وحينئذٍ، وقد مثل الشارح هنا بقوله: ((وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ)) [الواقعة:84] يعني: وأنتم حينئذ بلغت الروح الحلقوم تنظرون، لأنها قاعدة العرب الكبرى، السيوطي في الأشباه والنظائر يقول: أول قاعدة ينبغي أن يعتنى بها هي قاعدة الاختصار، دائماً العرب يختصرون: فإذا أمكن عدم إعادة ما سبق فالأولى حذفه عندهم إلا لقرينة: وأنتم حينئذٍ .. حينئذ بلغت الروح الحلقوم .. هو قال في الأول: ((فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ)) [الواقعة:83] ثم لما أريد إعادتها دفعاً للتكرار حذفت اختصاراً، وجيء بالتنوين بدلاً عنها، هذا عوض عن جملة، حينئذ بلغت الروح الحلقوم.

((إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)) [الزلزلة:1] هذه واحدة، ((وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا)) [الزلزلة:2] هذه ثانية، ((وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا)) [الزلزلة:3] ((يَوْمَئِذٍ)) [الزلزلة:4] حذفت ثلاث جمل، وجيء بالتنوين عوضاً عنها، ((يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ)) [الزلزلة:4] يومئذ زلزلت الأرض وما عطف عليه تحدث، حينئذٍ هذا التنوين يعتبر عوضاً عن جمل، وما ذكره الشارح مثالاً يعتبر عوضاً عن جملة واحدة، وهو اللاحق لإذ. فإنه عوض عن الجملة التي تضاف إذ إليها، فإن الأصل يومئذ كان كذا كما ذكرناه سابقاً، فحذفت الجملة جوازاً للاختصار، وهي القاعدة كبرى كما ذكرنا، وعوض عنها التنوين، وكسرت إذ لالتقاء الساكنين، كما كسرت صهٍ ومهٍ عند تنوينهما. ومثل: إذ: إذا، من أنها تحذف الجملة بعدها، ويعوض عنها التنوين: ((وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ)) [النساء:67] .. إذاً لأمسكت، وتقول لمن قال: غداً آتيك: إذاً أكرمك .. إذ أتيتني أكرمك، إذا .. هذا الأصل، إذا أتيتني أكرمك، إذاً أكرمك، حذف الجملة من باب الاختصار، إذاً: أكرمك بالرفع، أي: إذا أتيتني أكرمك فحذفت الجملة وعوض عنها التنوين، وحذفت الألف لالتقاء الساكنين، إذاً، أصلها: إذا، لما نونت صار: إذان، هذا الأصل، الألف والنون تنوين ساكنة، أليس كذلك؟ حرفان، الألف ليست قابلة للتحريك .. لا يمكن تحريكها، والنون ساكنة، إذاً: لا بد من حذف أحدهما، أيهما أولى بالحذف؟ القاعدة: أنه إذا دار الحذف بين حرف مبنى وحرف معنى، فحذف حرف المبنى مقدم؛ لأنه لو حذف حرف المعنى لما دل عليه شيء، وأما حذف حرف المبنى فهذا يدل عليه اللفظ باعتبار أصله. وحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وليست إذاً في هذه الأمثلة الناصبة للمضارع لأن تلك تختص به، وكذا عملت فيه، وهذه لا تختص به بل تدخل عليه وعلى الماضي وعلى الاسم .. ((وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ)) [النساء:67] .. ((إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ)) [الإسراء:100] إذاً أكرمك، هذه ليست خاصة بالفعل المضارع حتى نقول: هي الناصبة. والثالث .. النوع الثالث: عوض عن كلمة، وهذا خاص ببعض الكلمات التي التزمت الإضافة إلى المفرد، مثل: كل وبعض، كل: هذا لفظ مفرد، ملازم للإضافة إلى المفرد كذلك: ((وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ)) [الإسراء:13] هذا هو الأصل فيه، وكل إنسان .. كل: ملازم للإضافة للفظٍ مفرد: إنسان، ولا يضاف إلى الجملة كما سيأتي في محله، حينئذٍ قد يحذف هذا المفرد المضاف إليه، ويعوض عنه التنوين: ((قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)) [الإسراء:84] .. ((وَكُلّاً ضَرَبْنَا)) [الفرقان:39] .. ((وَكُلّاً تَبَّرْنَا)) [الفرقان:39] نقول: هذه كلها عوض عن مضاف إليه، وهو مفرد، وكذلك بعض ملازم للإضافة، ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) [البقرة:253]، والأصل: على بعضهم، لكن لكونه ذكر أولاً للاختصار حذف من الثاني: ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) [البقرة:253] الأصل أن يقول: على بعضهم، لكن حذف المضاف إليه وعوض عنه التنوين، وهذا التنوين نقول: عوض عن كلمة، وهو تنوين كل وبعض عوض عما يضافان إليه.

وقيل: تنوينهما تنوين تمكين؛ لأن مدخوله معرب منصرف، ومثلها: أيٌّ، وهل يمكن أن يكون التنوين الواحد له اعتباران؟ يكون باعتباٍر تمكين، وباعتبارٍ عوض عن مضاف إليه؟ هذا جوزه الرضي ومنعه الكثير؛ لأنه حرف معنىً دالاً على معنىً معين، وهو وضع شخصي، كما وضع لفظ بيت ومسجد للمعنى الخاص، كذلك تنوين التنكير وتنوين التمكين كل واحد منها وضع لمعنىً خاص، فحينئذٍ لا يستعمل في المعنى الآخر. الرابع: تنوين المقابلة، من إضافة المسبَّب إلى السبب، وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم، وهذا بعضهم أنكره من أصله؛ لأن جمع المؤنث السالم كما قلنا: معرب منصرف، لكن لما وجد بعض العلل التي لا يمكن إلحاق هذا التنوين بالتمكين ولا التنكير ولا العوض حينئذٍ أنشأ له النحاة اسماً خاصاً، وأفردوه بعنوان خاص، من باب طرد الأصول فحسب. تنوين المقابلة من إضافة المسبَّب إلى السبب، وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم، سمي بذلك؛ لأنه في مقابلة النون في جمع المذكر السالم في نحو: مسلمين، مسلمين .. مسلمون، هذا جمع مسلم، ومسلمٌ بالتنوين، هذا التنوين ما نوعه؟ تمكين .. تنوين تمكين، لما جُمِعَ جَمْعَ مذكر سالم سلب هذا التنوين .. سلب هذا التنوين تنوين التمكين، نقص أو لا؟ نقص، حصل له الخلل أو لا؟ حصل له خلل؛ لأنه كان بالتنوين دالاً على أنه متمكن في هذا الباب، فإذا سلب منه التنوين نزل درجة، وهذا طعن فيه، فلا بد من تعويضه، فقالوا: مسلمون: هذه النون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وقيل: للدلالة على كمال الاسم، والثاني أولى وسيأتي في محله: أنه دال على كمال الاسم دفعاً لتوهم إضافة، ونحو ذلك. إذاً: لما وجدوا أن هذه النون في تنوين نحو: مسلمٌ، عُوِّضَ عن التنوين هذه النون، قالوا: كذلك نقول: هندٌ، هذا التنوين ما نوعه؟ تنوين تمكين، فإذا جمعته بألف وتاء فقلت: هنداتٌ التنوين هذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الاسم قبل الجمع منون، هذا أولاً، ثم لما لم يمكن طرد هذا التنوين في كل الباب قالوا: لا بد من استنباط علة تدل على أن هذا التنوين في هندات له معنى، وليس ثم معنىً يمكن ارتباطه بهذا التنوين في هندات إلا أن يجعل في مقابلة النون في مسلمين، وهذا كما تسمع فيه نوع تكلف. إذاً: هذا التنوين في جمع المؤنث السالم سمي به لأنه في مقابلة النون في جمع المذكر السالم، وليس بتنوين الصرف، ليس بتنوين الصرف لثبوته فيما لا ينصرف منه، وهو ما سمي به مؤنث كأذرعات كما سيأتي: ((فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ)) [البقرة:198] عرفات: هذا ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، ومع ذلك نون، إذاً: ننفي أن يكون هذا التنوين تنوين صرف؛ لأن تنوين الصرف لا يجامع الممنوع من الصرف؛ لاجتماع مانعي الصرف فيه وهما العلمية والتأنيث، وتنوين الصرف لا يجامع العلتين، إذاً: انتفى النوع الأول، هل يمكن أن يكون: أذرعات وعرفات تنوين تنكير؟ لا، لا يمكن؛ لأن تنوين التنكير خاص ببعض المبنيات وهما: العلم المختوم بويه وهذا ليس منه، واسم الفعل وهذا ليس منه، إذاً: انتفى أن يكون تنوين تنكير.

ولا تنوين تنكير لثبوته مع المعربات، ولا تنوين عوض وهو ظاهر؛ لأن مسلمات لا يلزم الإضافة حتى نقول: حذف منه كلمة أو جملة أو حرف أو نحو ذلك، وقيل: إنه عوض عن الفتحة نصباً، عوض عن الفتحة نصباً، ليس عوضاً عن التنوين أو مقابلةً بالنون في جمع المذكر السالم، بل هو عوض عن الفتحة، لماذا؟ لأن جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة، إذاً: سلب الفتحة، وهي أصل في الإعراب بالنصب، فحينئذٍ نحتاج إلى تعويض. ورد هذا القول: بأنه قد عوض بالكسرة، لما سلبناه الفتحة ما تركناه هكذا، وإنما عوضناه بالكسرة، رد بأن الكسرة قد عوضت عنها، وبأنه لو كان عوضاً عن الفتحة لم يولد حالة الرفع والجر. إذاً: هذه أربعة أنواع للتنوين: تنوين تمكين، وتنوين تنكير، وتنوين مقابلة، وتنوين عوض، والرابع هذا ثلاثة أقسام: عوض عن حرف، وعوض عن كلمة، وعوض عن جملة أو جمل. هذه الأربعة باتفاق أنها من خواص الاسم، وأما الغالي والترنم باتفاق أنها ليست من خواص الاسم، بل تدخل على هذا وذاك، ما عدى هذه الأنواع الأربعة فهو قليل ونادر؛ لأن التنوين أوصلها بعضهم إلى عشرة: أَقْسَامُ تَنْوِينِهِم عَشْرٌ عَلَيْكَ بِهَا مَكِّن وعوِّض وَقَابِل وَالمُنْكَرَ زِدْ ... فَإِنَّ تَقْسِيمَهَا مِنْ خَيرِ مَا حُرِزا رَنِّمْ أو احْكِ اضطرِّرْ غالٍ وَمَا هُمِزا هذه عشرة، الغالي والترنم ليست من خواص الأسماء، وما عداها كلها من خواص الأسماء، لكن لندرتها كتنوين المهموز، حكا أبو زيدٍ .. هؤلاءٍ قومك، هذا قليل نادر، وحينئذٍ الذي يذكر في التقسيم في هذا الموضع هو ما اشتهر ذكره. إذاً: قوله: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ: المراد به مسمى التنوين، وأل: هذه للعهد الذهني، فيشمل الأنواع الأربعة المشهورة المذكورة في كتب النحاة، ولا يدخل فيه ما سمي تنويناً مجازاً. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...

7

عناصر الدرس * بيان العلامة الثالثة للإسم (النداء) إلخ * بيان العلامة الرابعة للإسم (أل) ـ * بيان العلامة الخامسة للإسم (الإسناد إليه) ـ * فائدة: ذكر بعض علامة الإسم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلا زال الحديث في ذكر العلامات التي تميز الاسم عن قسيميه الفعل والحرف، وذكرنا أن المصنف رحمه الله تعالى ذكر خمس علامات، وأن العلامات كما سيأتي ليست محصورةً في هذا المذكور بل هي أكثر، وقد أوصلها بعضهم إلى بضع وثلاثين علامةً، وبعضها مُسلَّم وبعضها غير مُسلَّم، لكن أكثرها من المُسَلَّمَات. بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ ... وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ عرفنا العلامة الأولى، وهي بالجر، وأنه متضمن لحرف الجر، وأن الأولى أن يعبر لكل منهما على حده، فهما علامتان مختلفتان، الجر الذي هو الكسرة التي يحدثها عامل الجر، وحرف الجر هذا يعتبر علامةً مستقلة، وهذا أولى خاصةً إلا إذا كان للمبتدئ، إذ بعض الكلمات قد لا يظهر فيها كسرة كالمبنيات، مررت بذا، حينئذٍ نقول: ذا هذا مبني، والذي دل على اسميته دخول حرف الجر، فلو عُلِّق بالكسرة، قلنا: المبني يكون في محل جر. فإذا كان المبتدئ قد يصعب عليه التمييز التقديري .. - الإعراب التقديري عن الظاهر-، فمن بابٍ أولى وأحرى أن يصعب عليه الإعراب المحلي؛ لأن فيه نوع صعوبة. إذاً: بالجر والتنوين: هذه العلامة الثانية، أي: من خواص الاسم الذي يميزه عن غيره -الفعل والحرف-، قبوله للتنوين، ولا نقول: لا بد من دخول التنوين، بل مجرد القبول .. صلاحية الكلمة لقبول هذه العلامة، نقول: هو اسم ولا يشترط فيه أن يدخل بالفعل، والشأن كذلك في حرف الجر، والكسرة نفسها. ومراد المصنف هنا بالتنوين: الأنواع الأربعة التي ذكرناها: تنوين التمكين، وتنوين التنكير، وتنوي المقابلة، وتنوين العوض بأنواعه الثلاث، هذه التي عناها المصنف، فأل في قوله: التنوين، مراد بها العهد، حينئذٍ لا ينصرف إلا على ما جعله النحاة علامةً على الاسمية، فلا يدخل فيه ما سمي تنويناً ولو مجازاً، كالتنوين الغالي، والترنم، هذان لا يختصان بالاسم، بل يدخلان الفعل والحرف: عتابن .. أصابن .. قدن .. إنن، نقول: هذه كلها دخلت على ما ليس باسم، فحينئذٍ لا يختص بالاسم. وما لا يختص لا يصلح أن يكون علامةً، أليس كذلك؟ لأن العلامة مطردة غير منعكسة، بمعنى: أنه يلزم من وجود العلامة وجود المعلَّم، من غير عكس، فلا يلزم من انتفاء العلامة انتفاء المعلَّم، وهذا مباين للحد؛ لأن الحد لا بد أن يكون مطرداً منعكساً، ولذلك الحد أضبط، ولكنه أصعب، والعلامة فيها نوع سعة، لكنها أسهل وأضبط؛ ولذلك يقدمها النحاة في الحدود هنا في معرفة الكلام وفي معرفة الاسم والفعل الحرف، مجرد أمثلة يستدل بها على نوعية هذا النوع، وهو الاسم أو الفعل أو الحرف. والتنوينِ: قلنا: المراد به مسمى التنوين، لأن لفظ التنوين اسم، مسماه: النون المذكورة، يعني: النون الساكنة التي تلحق الآخر لفظاً لا خطاً لغير توكيد، هذه النون نقول: مسمى، والتنوين: اسم، والذي يلحق الكلمة من أجل تمييزها عن غيرها هو مسمى التنوين وليس هو عين التنوين. العلامة الثالثة التي ذكرها: قوله: والندا، بكسر النون مع القصر، هذه العلامة الثالثة.

قال في المصباح: النداء: الدعاء، وكسر النون أكثر من ضمها، إذاً: يجوز الوجهان: كسر النون أكثر من ضمها، يجوز الضم ويجوز الكسر، إلا أن الكسر أكثر من الضم. والمد فيهما أكثر من القصر، يعني: فيما كسر أو ضم من النون المد أكثر من القصر، إذاً: يجوز فيه القصر، ويجوز فيه المد، ما المراد بالمد؟ النداء –همزة-، والقصر: الندا -دون همزة-، إذاً: كم لغة صارت معنا؟ أربع لغات: نِدا .. نُدا .. نِداءٌ .. نُداءٌ، الندا بالكسر أكثر من الضم فيهما، يعني: النِدا والنِداءُ أكثر من النُدا والنُداء، والمد فيهما أكثر من القصر، النِداءُ أكثر من الندا، والنُداءُ أكثر من الندا، هذه أربع لغات. إذاً قوله: والندا، هل قَصَرَ هنا من أجل الوزن أو لغة؟ لغة، هذه قاعدة مطردة، والنِدا نقول بالقصر، حينئذٍ قصره، هل هو لغة أم من أجل الوزن؟ نقول: من أجل اللغة، يعني: كل ما جاز فيه وجهان وهما لغتان فحينئذٍ حمله على إحدى اللغات أولى من حمله على الضرورة. فعلم أن لغاته أربع، وأن القصر في عبارة الناظم ليس للضرورة بل على لغة، لكن المكسور الممدود مصدر قياسي وغيره سماعي .. نِداء فِعال، هذا مصدر قياسي، وغيره سماعي، وقيل: المضموم اسم لا مصدر، النُدا والنُداء –نُداء- فعال، قيل: هذا سماعي لا قياسي، قيل: هذا اسم لا مصدر. والندا المراد به كما ذكرنا: الدعاء، وهل هو مطلق الدعاء، أم دعاء خاص؟ نقول: المراد به دعاء خاص؛ لأنه مصطلح خاص بالنحاة، حينئذٍ لا بد من حقيقة عرفية تختص بهذا الفن وأهل الفن، وهو أي: الندا: الدعاء بياء أو إحدى أخواتها، هذا سيأتي باب خاص به. وياءُ النداء، هي أم الباب هي الأصل، ولذلك ينادى بها مذكورة ملفوظاً بها ومحذوفة: وحَذفُ يَا يجوزُ في النّدَاءِ ... كَقَولِهم ربِّ استجِبْ دُعائي ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا)) [آل عمران:8] ربنا، يعني: يا ربنا، أين يا؟ نقول: حذفت، وهذا كثير في القرآن، إذاً: الدعاء بيا أو إحدى أخواتها، أي: طلب إقبال مدخول الأداة بها، طلب؛ لأن الدعاء هو الطلب، إقبال مدخول الأداة بها، يا زيد .. يا: حرف ندا، زيد: هذا مطلوب إقباله بيا، أليس كذلك؟ هو منادى. حينئذٍ من خواص الاسم أن تكون الكلمة مناداةً، بمعنى: أنه قد سبقها حرف من أحرف الندا، وقصد به أن يكون منادى، ونقيد بهذا لماذا؟ لأنه قد توجد ياء الندا، ولا يليها الاسم، بل يليها الحرف ويليها الفعل، حينئذٍ كما ذكرنا اليوم: أن العلامة إذا وجد بعدها ما ليس من خاصتها بطلت، كأل الموصولة، إذا قلنا: هي من خواص الأسماء حينئذٍ كيف دخلت على الفعل: ما أنت بالحكم الترضا؟ هذا إبطال لتخصيصها بالاسم، فنقض كونها علامة. هنا يا، إذا قلنا: يا، مطلق وجود يا، علامةً على الاسمية حينئذٍ يا ربتما .. يا رب كاسية .. ((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)) [يس:26] .. ((يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)) [الأنعام:27] ((ألا يا اسجدوا)) .. تلا يا: حرف ((يَا لَيْتَ قَوْمِي)) [يس:26] ليت: حرف بالإجماع، وقد وقع بعد يا النداء، حينئذٍ إذا كانت العلامة كلما وجد حرف الندا يا وجد ما بعده اسم، حينئذٍ حكمنا على ليت: بأنها اسم.

يا رُبَّ كاسيةٍ .. يا رُبَّ، رُبَّ: حرف بالإجماع، وقد وقعت بعد يا الندائية، ألا يا اسجدوا في قراءة الكسائي وهو فعل أمر، حينئذٍ وقع الفعل بعد يا، حينئذٍ لا بد من توجيه هذا الدخول .. دخول يا على الحرف وعلى الفعل، فلنا أحد وجهين: إما أن نقول: إن يا في مثل هذه التراكيب ليست حرف نداء، بل هي حرف تنبيه، وحرف التنبيه لا يختص بالاسم، بل يدخل على الحرف وعلى الاسم: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ)) [يونس:62] ألا إن: دخل على جملة مصدرة بإن، إذاً: لا يختص بالاسم، فدخل حرف التنبيه على رُبَّ، ودخل على ليت، ودخل على الفعل، ولا إشكال. الجواب الثاني: أن يقال: يا، نعم هي حرف نداء، ولكن المنادى محذوف، ((يَا لَيْتَ قَوْمِي)) [يس:26] يا قومي، يا هؤلاء ليت قومي، هؤلاء: هو المنادى وهو محذوف وهو اسم، إذاً: قاعدة مطردة، ألا يا هؤلاء اسجدوا، إذاً: جعل المنادى محذوف، وأيهما أولى؟ هل نقول: ياء حرف تنبيه، أو المنادى محذوف؟ يحتمل هذا وذاك، إلا أنه يشكل على القول الثاني وهو جعل المنادى محذوفاً أنه قد يجلس المرء وحده، ويقول: لا ليتني فعلت كذا، فحينئذٍ كيف يقول: يا ليتني، أين التقدير .. أين المنادى؟ ليس عندنا منادى أصلاً، هو لوحده ويخاطب نفسه، يعاتب نفسه .. يا ليتني فعلت كذا، حينئذٍ يتعين أن تكون يا هنا حرف تنبيه، ولا يصح أن يكون ما بعدها منادى محذوف. وحينئذٍ هل لا بد من الترجيح من أحدهما، أو ننظر إلى السياق ونُجَوِّزُ الأمرين؟ الثاني أرجح، بعضهم أبطل أن تكون ياء حرف تنبيه .. أن يكون المنادى محذوف، بعضهم أبطل التوجيه الثاني من النحاة، بأن يكون المنادى محذوفاً؛ لأنه قد يقع لمن لا ينادي إلا نفسه، يا ليتني فعلت كذا، نقول: هذا نعم يسلم، لكنه ليس بمطرد على جهة الإطلاق، فمتى ما وجدت قرينة تعين أن تكون يا حرف تنبيه، حينئذٍ توجه القول به، وإن لم يكن كذلك حينئذٍ جوز الأمران، قد تكون يا حرف تنبيه، وقد يكون المنادى محذوفاً بعد يا وهي على بابها، إذاً: لا يعترض بهذه الأمثلة على أن النداء ليس من خواص الأسماء، بل هو من خواص الأسماء، فحينئذٍ نقول: الاسم يتميز عن قسيميه الفعل والحرف بكون الكلمة مناداة وقعت بعد حرف نداء، فإن وجد بعده حرف أو فعل لا بد من التخريج .. لا بد من التخريج. والندا: إذاً عرفنا أنها من خواص الأسماء، وأما نحو: ((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)) [يس:26] ويا رب كاسية .. رُبَّ: حرف بالإجماع، ألا يا اسجدوا .. يا اسجدوا هكذا بالوقف، في قراءة الكسائي لتخلف الدعاء عن يا فإنها لمجرد التنبيه، وحرف التنبيه لا يختص بالاسم وهذا واضح. أو أنها للنداء والمنادى محذوف تقديره: يا هؤلاء في الآيتين، يا هؤلاء .. ليت قومي .. ألا يا هؤلاء اسجدوا، وهو مقيس في الأمر كالآية، وفي الدعاء كقوله: ألا يا اسلمي .. اسلمي: هذا فعل أمر: أَلاَ يا اسْلَمي يا دارَ مَيَّ عَلى الْبِلى:

أي: يا هذه اسلمي، إذاً: المقصود من هذا أنه إذا وجد حرف الندا داخلاً على غير اسم لا بد من التأويل وتخريج هذا المثال على ما يوافق أحد الوجهين ولا نرجح بينهما؛ لأن يا حرف تنبيه، وألا حرف تنبيه، وكل منهما لا يختص بالاسم، بل يدخل على الحرف والفعل. وحذف المنادى جائز كما يأتي في محله. بالجر والتنوين والندا وأل .. الندا: من علامات الأسماء، وله وجه آخر وإن لم يكن ظاهراً، وهو أن المنادى في الأصل مفعول به، والمفعول به من خواص الأسماء، من علامات الأسماء أن يقع مفعولاً به، فإذا وقعت الكلمة مفعولاً به، حكمت عليها بأنها اسم، لماذا؟ لأن الفعل لا يقع مفعولاً به، والحرف لا يقع مفعولاً به، فإذا قلت: ضرب زيد عمرواً، فعمرواً نقول: هذه الكلمة اسم، ووجه كونها اسماً دخول التنوين، وكونه علماً، وكونه مفعولاً به، فنجعل المفعولية من علامة الأسماء، وهذا الذي معنا يا زيد، زيد نقول: هذا اسم بدليل دخول يا الندا فهو منادى، ثم هو مفعول به في الأصل؛ لأن أصل: يا زيد، أدعو زيداً أو أنادي زيداً، وزيداً هذا مفعول به. إذاً: يا زيد، فرع أم أصل؟ فرع، ولذلك رد على من قال: إن الاسم يتركب، أو إن الكلام يتركب من حرف واسم، يا زيد، حصلت الفائدة التامة أو لا؟ حصلت الفائدة التامة الكلامية، إذاً حصلت الفائدة الكلامية من قولنا: يا زيد، هل نحكم على يا زيد أنه كلام مركب؟ نعم، أين المسند والمسند إليه؟ ليس عندنا مسند ومسند إليه، ليس ثم إسناد باعتبار اللفظ نفسه، يا زيد .. يا: حرف، والحرف لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه، وزيد: هذا أصله مفعول به، والمفعول به ليس مسنداً ولا مسنداً إليه، إذاً: ليس في الكلام التركيب –إسناد-، هل ننفي عنه كونه كلاماً وهو يقع في فصيح الكلام؟ الجواب: أن الكلام لا يتركب من اسم وحرف، وما وجد في النداء خاصةً إنما حكم عليه بأنه كلام باعتبار الأصل، وهو أنه جملة فعلية: أدعو زيداً، والذي يدل على هذا: أن قولنا: يا زيد، زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب، والنصب الذي هو محل زيد قطعاً على القول الصحيح أن يا لا دخل لها فيه، يعني: لم تحدث يا النصب، يا لا تعمل، أليس كذلك؟ يا غير عاملة لا النصب ولا غيره. إذاً: من أين جاء محل النصب؟ نحن نقول: في محل نصب، هكذا نعربه، من أين جاء؟ هل من: يا؟ لا، إذاً: باعتبار الأصل هو مفعول به، إذاً: رائحة المفعولية باقية أم زالت؟ باقية، إذاً: يا زيد له جهتان: من جهة إثبات كونه اسماً، كونه منادى، وكونه مفعولاً به في الأصل، فالتركيب حينئذٍ باعتبار أصله جملة فعلية، فرد على من زعم أن الكلام يتركب من حرف واسم أن: يا زيد، فرع لا أصل، والاعتبار في التقعيد والتأصيل هو بالأصول لا بالفروع. إذاً: الحاصل أن يا زيد، نقول: هذا علم زيد اسم، بدليل دخول يا عليه، ثم هو مفعول به في الأصل، وهذا الأصل لم يهجر بالكلية لم يترك، لم يجعل نسياً منسياً بدليل ماذا؟ بقاء محل زيد على النصب وهو الأصل فيه.

والندا وأل .. هذه العلامة الرابعة .. العلامة الرابعة: أل، والمراد لفظ أل؛ لأن الحرف إذا قصد لفظه حينئذٍ صار علماً، والفعل إذا قصد لفظه صار علماً، كما سيأتي، وأل: المراد لفظ أل، فهو حينئذٍ اسم، وإذا كان اسماً فهمزته همزة قطع؛ لأنه ليس من الأسماء المستثناه، سيأتي عشرة أسماء مستثناه وهمزتها همزة وصل، هنا: أل، نقول: هذا اسم، وليست حرف تعريف، حرف التعريف هذا شيء آخر. أل: اسم، مسماه: أل -التي في الرجل-، سيأتي معنا في الإسناد اللفظي، فهمزتها همزة قطع، وهذا التعبير هو الأجود، وقد يقال: الألف واللام، والخلاف في التعبير عن أل المعرفة، هل يقال: أل، أو الألف واللام، هذا الخلاف مبني على خلاف آخر، وهو: ما هو المعرف؟ نحن نقول: أل، معرفة، رجل نكرة، دخلت عليه: أل، فقيل: الرجل، رجل اكتسب التعريف من أل، ما الذي أثر في رجل وأحدث فيه التعريف؟ هل هو: أل برمتها .. هل هو اللام فقط .. هل هو الهمزة فقط .. هل إذا قلنا: أل، تكون همزة قطع، أم همزة وصل؟ أربعة أقوال: والصحيح منها قول الخليل: أن أل برمتها معرفة، ولذلك ابن مالك قال: أل: حرف تعريفٍ أو اللام فقط .. لما قدم أل، ثم قال: أو اللام، عرفنا أنه رجح الأول، وهو: أن أل برمتها يعني: جميعها تكون حرف تعريف، فهي المُعَرِّفَة، والهمزة فيها همزة قطع، كيف همزة قطع، ونحن نقول: مات الرجل؟ ولا نقول: مات ألرجل .. نقطع الكلام؟ قال الخليل: الهمزة همزة قطع لكنها سُهِّلَت لكثرة الاستعمال، يعني: صارت همزة وصل، إذاً لا إشكال، هذا قول الخليل، وحينئذٍ إذا أردنا أن نعبر عنها لا نعبر إلا بلفظ واحد لا يحتمل غيره وهو أل، كبل وهل، ما كان على حرفين يحكى باسمه، فيقال: هل، ولا يقال: الهاء واللام، بل ولا يقال: الباء واللام، سوف، نقول: سوف، ولا يقال: السين والواو والفاء، بخلاف: سيقول، السين هنا نقول: السين حكيناه بماذا؟ باسمه لا بمسماه، ما هو المسمى؟ سَهْ .. سيقول سَ سَ، هذا مسمى، اسمه: السين، أليس كذلك؟ قلنا: زَهْ .. يَهْ .. دَهْ، هذا تقطيع لكلمة: زيد، الاسم زه .. الاسم الزاي، بدليل دخول: أل، نحن نقول: أل من خواص الأسماء، إذاً: الزاي نقول: هذا اسم، مسماه: زه في لفظ زيد، والياء نقول: هذا اسم، مسماه: يه، في لفظ زيد، والدال كذلك اسم مسماه: ده، في لفظ زيد، إذاً: ما كان على حرف يحكى باسمه، يلفظ باسمه .. وما كان على حرفين حينئذٍ يؤتى بالمسمى، وفرق بين الاسم والمسمى. إذاً: على قول الخليل: أل برمتها، حرف تعريف، الهمزة واللام، حينئذٍ نقول: أل، ولا يصح على هذا القول، أن نقول: الألف اللام، فهو باطل.

القول الثاني: قول سيبويه منسوب لسيبويه، وهو أن أل برمتها حرف تعريف إلا أنه افترق عن قول الخليل -شيخه- أن الهمزة همزة وصل معتد بها في الوضع؛ لأن الحرف الزائد قد يزاد وضعاً، يعني: في وضع الواضع، كهمزة الوصل في فعل الأمر، اجلس، وزنه: افعل، هذا فعل أمر، الهمزة زائدة أو أصلية؟ زائدة قطعاً ليست أصلية، همزة وصل، من الذي زادها: بالاستعمال، أو بوضع الواضع؟ بوضع الواضع، إذاً: الزائد قد يكون بوضع الواضع وهو الأصل، وقد يكون شيء طرأ عليه، هنا: أل، قال سيبويه: برمتها مُعَرِّفَة، والهمزة هذه همزة وصل معتد بها في الوضع. على هذا القول الأقيس أن نقول: أل، كالقول الأول، ويجوز أن نقول: الألف واللام، كما عبر به ابن آجروم، بناءً أو نظراً إلى كون الهمزة زائدةً، بهذا الاعتبار نقول: الألف واللام، يجوز فيه وجهان بخلاف القول الأول. القول الثالث: أن المُعَرِّف هو اللام فقط: وقال قوم إنها اللام فقط .. وهذا قول الأخفش وهو اختيار الجمهور _جمهور النحاة-، أن المُعَرِّف هو: اللام فقط، وأن هذه الهمزة همزة وصل زائدة، لا في الوضع، كما هو مذهب سيبويه، لا بد من أن نفرق بين هذا وذاك، لماذا جيء بهذه الهمزة؟ قالوا: الأصل أن تقول لرجل، اللام ساكنة في أصل الوضع، أليس كذلك؟ الْرَّجُل .. الْرَّجُل، ألْ .. اللام ساكنة، حينئذٍ إذا أردت أن تبتدئ بها وقد أدخلتها على كلمة .. على اسم هل يمكن النطق والابتداء بساكن؟ الجواب: لا، والحركات ثلاثة: إما كسر وإما فتح وإما ضم، إذا أردنا أن نحركها، فإذا حركناها من أجل التمكن من الابتداء بالساكن .. بالكسرة التبست بلام الجر لِزَيْدٍ .. لِزَيْدٍ .. لِرَجُلٌ، إذا قرأت ووجدت الكسر يحتمل أنه جار ومجرور ففيه التباس. لو قيل: لَرجلٌ بالفتح، التبست بلام الابتداء، إذاً: لا يمكن تحريكها لا بالكسر ولا بالفتح، أما الكسر فلالتباسها بلام الجر لأنها مكسورة، ولا الفتح؛ لأن لام الابتداء مفتوحة، بقي ماذا؟ الضم .. لُرَجُلٌ، هذا فيه ثقل، قالوا: هذا لا نظير له حرف واحد مبني وهو ثقيل، حرف معنى، ثم يحرك بالضم، قالوا: هذا لا نظير له، وأما: قمتُ وضربتُ فهذا اسم وليس بحرف والكلام في الحرف، ماذا نصنع؟ قالوا: اجتلبنا همزة الوصل للتمكن من الابتداء بالساكن، والهمزة ساكنة واللام ساكنة فالتقى ساكنان فحركت الهمزة على الأصل بالكسر للتخلص من القتاء الساكنين. إذاً: على هذا القول نقول: أل، أو: الألف واللام؟ الألف واللام، هذا قول ثالث في المسألة، وهو قول الأخفش وعليه اختيار الأكثر. بقي قول المُبَرِّد، وهو قول أشبه ما يكون بالشاذ، وهو: أن الهمزة هي المعرفة، ولئلا يلتبس اللفظ بالاستفهام جيء باللام زائدةً فرقاً بين همزة التعريف وهمزة الاستفهام، وهذا شاذ لم يعول عليه. إذاً: الأقوال أربعة: اثنان ثنائيان، واثنان أحاديان، اثنان من القولين من العلماء الخليل وسيبويه، قالوا: بأن المعرف ثنائيان، يعني: حرفان، وإن اختلفا في نوعية الهمزة، واثنان، يعني: من الأقوال أو من العلماء أحاديان، وهو الأخفش، قال: بأن المعرف هو اللام، والمبرد، قال: بأن المعرف هو الهمزة، وَآلةُ التَّعريفِ أَلْ فمَن يُرِدْ

وَقَالَ قومٌ إِنَّها اللاَّمُ فقطْ ... تَعرِيفَ كَبْدٍ مُبهَمٍ قالَ الكَبِدْ إِذْ ألِفُ الوَصلِ مَتى تُدرَجْ سَقَطْ هذان قولان مشهوران، إذاً: قوله: أل، نقول: همزته همزة قطع، وهذا التعبير هو الأجود على القول بأن حرف التعريف ثنائي الوضع، وهمزته قطع وصلت لكثرة الاستعمال، والأقيس على القول بأنه ثنائي وهمزته وصل وهو قول سيبويه منسوب إليه، معتد بها في الوضع، ويجوز على الثاني على قول سيبويه التعبير بالألف واللام نظراً إلى زيادة الهمزة، وأما على القول بأن المعرف اللام وحدها، فاللائق بالتعبير نقول: الألف واللام، وكذلك على قول المُبَرِّد. قوله: أل، وهذه من خواص الأسماء، المراد بها: أل مطلقاً؛ لأن أل تأتي معرفةً، وتأتي زائدةً، وتأتي موصولةً، بهذه الأنواع الثلاثة، وسيعقد المصنف لها باباً خاصاً. أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أَو اللاَّمُ فَقَطْ ... فَنَمَطٌ عَرَّفْتَ قُلْ فِيهِ النَّمَطْ نمط، النمط .. رجل الرجل، حصل التعريف به أو لا؟ حصل به التعريف، أل: هنا معرفةً، أو زائدةً، أو موصولةً، مطلقاً تعتبر من علامات الأسماء، أما المعرفة فهذا محل إجماع، وأما الزائدة فهذه هل هي معرِّفة أم لا؟ الصحيح أنها في الأصل معرفة، حينئذٍ تلحق بالأولى، وأما الموصولة فهذه محل نزاع .. محل نزاع بين النحاة، أل: مطلقاً معرِّفةً كالفرس والرجل. كالفرس –فرس- هذا لا يعقل دخلت عليه أل فعرفته، الفرس، ورجل: هذا يعقل دخلت أل فقيل: الرجل، إذاً: أل المعرفة تعرف من يعقل وما لا يعقل. أو زائدةً: كالعباس، وطبت النفس، كما سيأتي في محله .. العباس عباس هذا علم، والأعلام لا تعرف، فإذا دخلت عليها أل فهي زائدة قطعاً، وإن كانت تدل على معنىً وهو لمح الصفة، لكنها من حيث التعريف وعدمه هي زائدة، ومن حيث دلالته على معنىً أو لا؟ هذه مسألة أخرى، هذه مسألة أخرى سيأتي في موضعها، إذاً: العباس والحارث، حارث هذا علم، كزيد وعمرو، دخلت عليه: أل، فدخول: أل، هنا هل هي معرفة أثرت التعريف أم لا؟ هل أثرت شيء؟ لم تؤثر، لماذا؟ لأنه علم قبل دخول أل، فهو معرفة، فدخول أل هنا كخروجها، لكن لها معنىً باعتبار آخر. وكذلك: الحارث، وطبت النفس: أصلها: طبت نفساً، ونفساً ما إعرابه؟ تمييز، والتمييز عند البصريين واجب التنكير، فإذا دخلت أل على الأعلام أو على واجب التنكير حكمنا عليها بأنها زائدة، وطبت النفس: هذه أل لم تفد تعريفاً؛ لأنها لم تؤثر، وشرط أل التي تؤثر التعريف، أو وشرط أل المعرفة أن تكون مؤثرةً للتعريف في الكلمة، يعني: في مدخولها، فإن لم تؤثر فيه فحينئذٍ ليست بمعرفة، ولذلك سيأتي قول ابن مالك: نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا هذا شرط، إذا لم تؤثر حينئذٍ لا يكون معرفةً، وطبت النفس: هذا نكرة، وأل هذه تعتبر زائدة، أو موصولة، وهذه محل خلاف، موصولة اسمية، أل المعرفة وأل الزائدة حرفية، حرف باتفاق، وأما أل الموصولة فهذه محل نزاع، والصحيح أنها اسم وليست بحرف، والدليل؟

الدليل على أنها حرف ذكره السيوطي رحمه الله في جمع الجوامع، قولنا: قد أفلح المتقي ربه، المتقي، يعني: الذي اتقى ربه، المتقي .. متقي: هذا اسم فاعل دخلت: عليه أل، فعملت .. متقي هو، أليس كذلك؟ المتقي هو، الضمير هنا يعود على من؟ قد أفلح نأخذها من البداية .. قد: حرف، أفلح: هذا فعل ماضي يطلب فاعلاً، أين الفاعل؟ المتقي، إذاً: المتقي هذا فاعل أفلح، والمتقي هذا يرفع وينصب، يرفع فاعلاً وينصب مفعولاً به، أين الفاعل هنا؟ ضمير مستتر، تقديره: هو، ضمير يعود على أي شيء؟ على أل في المتقي، وعود الضمير على الكلمة يدل على اسميتها. ربه: هذا مفعول به وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، أين مرجع الضمير؟ أل أيضاً، إذاً: عود الضمير على أل في المتقي نقول: هذا يدل على اسميتها، وهذا واضح بَيِّن، لأن متقي: هذا وصف، وَصِفَةٌ صَريِحَةٌ صِلَةُ أَلْ، أل: الموصولة لا يليها إلا اسم فاعل، أو اسم مفعول، وعلى خلاف في الصفة المشبهة، وسيأتي في محله. إذاً: الموصولة اسم وليست بحرف، فقوله: أل، هذا يشمل النوعين، يصير لفظاً مشتركاً في الدلالة على الاسمية وعلى الحرفية، لكن الحرفية باعتبار المسمى؛ لأننا قررنا: أن أل هنا في هذا النظم .. (والندا وأل)، أنه يعتبر اسماً، إذاً: الموصولة نقول: اسمية. وإذا دخلت على النكرة حينئذٍ نقول: صار علماً، متقي .. متقي، دخلت عليه: أل، صار معرفةً .. ليس صار معرفةً، دل على أن مدخولها يعتبر اسماً، لأن أل الموصولة خاصة بالأسماء، أو موصولة على قول الجمهور باختصاصها بالاسم، وأن دخولها على الفعل ضرورة، إذا سمع من كلام العرب إدخال أل الموصولة على الفعل، إن جعل لغةً ولو لم يكن فصيحاً، حينئذٍ نرجع إلى العلامة بالنقض والإبطال، وهذا رأي ابن مالك رحمه الله تعالى. ولذلك لا يقصد بها هنا: أل الموصولة؛ لأنه قال في باب الموصول: وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ ... وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ يعني: قل دخولها على معرب الأفعال وهو الفعل المضارع، إذاً: قليل، وإذا عبر عن الشيء بأنه قليل دل على أنه جائز الاستعمال، وإن لم يكن فصيحاً، فالقلة قد تنافي الفصاحة، لكنها لا تنافي الجواز فيجوز استعماله مطلقاً نثراً وشعراً، والصحيح أن يقال: بأن دخول أل على الفعل المضارع لا يجوز إلا شعراً، وحينئذٍ إما أن يقال: بأنه ضرورة كما قال ابن هشام في الأوضح، أو يقال: بأنه شاذ كما قال الأشموني في شرح الألفية. وعلى القولين: ضرورة أو شاذ، لا يجوز استعماله في النثر البتة، فقوله: ما أنت بالحكم الترضى، نقول: هذا شاذ أو ضرورة، وعليه لا يجوز استعماله في سعة الكلام. وأما أل الاستفهامية التي يقال فيها: بأنها من خواص الفعل الماضي: أل فعلت كذا؟ يعني: هل فعلت كذا؟ هذه هل يشملها قوله: أل؟ نقول: لا يشملها، لماذا؟ لأن هذه أل الاستفهامية نادرة، وإذا كان الشيء نادراً نقول: النادر لا حكم له، إذاً: لا يعترض على المصنف بأن أل الاستفهامية ليست من خواص الأسماء، بل هي من خواص الفعل الماضي، أل فعلت كذا، يعني: هل فعلت كذا؟ لا يرد على الناظم بهذا الاعتراض.

فجوابه: أن أل الاستفهامية نادرة، والنادر لا حكم له، وإنما لم يستثنها لندرتها والنادر كالعدم. وأل ومسندٍ: .. هذه العلامة الخامسة: ومسند، هل المراد به هنا مصدر ميمي، أو يبقى على ظاهره؟ مصدر ميمي، بمعنى: اسم المفعول، فيفسر بالإسناد ثم بالإسناد إليه، ثم قد حذف إلى ووصل الضمير بالإسناد، على الحذف والإيصال، حذف حرف الجر ثم وصل به الضمير فاستكنا، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، فسره بعضهم على ظاهره. ومسند: المسند هل هو من علامات الأسماء؟ قلنا: عندنا مسند ومسند إليه، الاسم يقع مسنداً إليه ومسنداً، والفعل مسنداً لا مسنداً إليه، إذاً: اشترك الفعل والاسم في كون كل منهما يقع مسنداً، وافترق الاسم عن الفعل في كونه يقع مسنداً إليه، واضح؟ فحينئذٍ الذي اختص به الاسم هو كونه مسنداً إليه، وأما المسند فهذا يشترك فيه الاسم والفعل، زيد قائم .. زيد قام .. قام زيد، زيد قائٌم: زيد مبتدأ وهو مسند إليه، قائٌم: هذا خبر وهو مسند، يعني: في معنى الإخبار، أخبرت عن زيد بكونه قائماً، زيد قام، زيد: مبتدأ، وقام: فعل، وفاعله ضمير مستتر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، حينئذٍ صار مسنداً، وهو جملة، لكن أحسن المثال أن يقال: قام زيد، هذا أجود؛ لأن قام هنا فعل فقط، وزيد: هذا فاعل، والفاعل: مسند إليه، والفعل هنا في هذا التركيب يعتبر مسنداً. إذاً، قوله: ومسندٍ، لو أبقيناه على ظاهره ومسندٍ، أي: إسنادٍ إليه، هذا على التأويل، ومسندٍ، يعني: بأن يصحب الكلمة مسند من اسم أو فعل، إذا اصطحب الكلمة مسند من اسم أو فعل دل على أن تلك الكلمة اسم، لماذا؟ لأنه يتعين أن تكون مسنداً إليه، بدلالة الالتزام. إذا وجد المسند وصح الكلام حينئذٍ لا بد من وجود المسند إليه، -ومسند- من علامات الكلمة وجود مسندٍ معها، من علامات الاسمية وجود مسندٍ معها، سواء كان فعلاً أو جملةً أو اسماً، فحينئذٍ نقول: دلالة اللفظ على علامة الاسمية بدلالة الالتزام، وأما كثير من الشراح فأولوا كما قال المصنف هنا ابن عقيل: مسند، هذا مصدر ميمي، استعمله بمعنى: الإسناد إليه على الحذف والإيصال، وهذا جائز وهذا جائز، وإبقاء اللفظ على ظاهره أولى، وخاصةً إذا كان المعنى لا يفسد. حمل الشارح لفظ مسند في النظم على إسنادٍ، فقال: ومسندٍ، إي: مسندٍ إليه، فأقام اسم المفعول مقام المصدر وحذف صلته اعتماداً على التوقيف، يعني: على المعلِّم، ولا حاجة إلى هذا التكلف، هكذا قال الأشموني، فإنَّ تَرْكَهُ على ظاهره كافٍ، أي: من علامات الاسم: أن يوجد معها مسند، فتكون هي مسنداً إليها ولا يسند إلا إلى الاسم، وهذا واضح بين وليس فيه تكلف. وأما مسند مراداً به الإسناد إليه، نقول: هذا فيه نوع تكلف، والمراد بالإسناد إليه الإخبار عنه والحديث عنه، فكل كلمة أخبر عنها بخبر أو حكم عليها بحكم فهي اسم، سواء أريد به الإسناد المعنوي أو الإسناد اللفظي.

الإسناد المعنوي: هو الإخبار عن مسمى المبتدأ، والإخبار اللفظي من باب التوضيح والاختصار: هو الإخبار والحكم على الاسم دون المسمى، مثال: قام زيد، زيد: مسند إليه، زيد قائم، زيد: مسند إليه، قام قائمٌ، زيد عندنا فيه أمران .. ملحظان .. اعتباران: زيد الاسم، ومسمى زيد وهو الذات، أنت اسمك: زيد، أنت ذات .. تتحرك وتمشي وتجلس وتنام وتأكل وتشرب، هذا مسمى زيد، وزيد: هذا اسم، إذا قلت: قام زيد، وزيد قائمٌ، من الذي اتصف بالقيام؟ هل هو اسم زيد .. لفظ زيد، أو مسماه؟ مسماه، إذاً: أريد معنى المسند إليه، أريد بالإخبار بالقيام معنى المسند إليه. لو قلت مثلاً: زيد اسم ثلاثي، زيد: مبتدأ، واسم: هذا خبر، أو: زيد ثلاثي، ثلاثي: هذا خبر، هل المراد الذات أنها ثلاثية الحروف، أو المراد به الاسم؟ المراد به الاسم، حينئذٍ صار الإسناد لفظياً لا معنوياً؛ لأن الحكم بكونه ثلاثياً هذا حكم ومسند المراد به اللفظ دون المسمى، إذاً: المحكوم عليه .. قاعدة: المحكوم عليه قد يراد بالحكم أن ينصب على المسمى، وقد يراد بالحكم أن ينصب على اللفظ، الأول: يسمى الإسناد المعنوي، والثاني: يسمى الإسناد اللفظي .. الأول متفق عليه أنه من علامات الأسماء والثاني مختلف فيه. فإذا قيل: زيد ثلاثي، نقول: زيد: المراد به الاسم وليس المراد به المسمى، وثلاثي: هذا خبر على الاسم اللفظي لا على المسمى، ومنه تخريج ضرب: فعل ماضي، ومن: حرف جر، إذا قلت: ضرب: فعل ماضي، هذا مركب أو لا؟ أولاً: حصلت الفائدة التامة أو لا؟ حصلت الفائدة التامة .. حصلت الفائدة الكلامية؛ لأن الأصل في الكلام إذا تكلم متكلم ويعقل ما يتكلم به أنه جار على قواعد العرب، فلا بد من تنزيله على قواعد العرب، حينئذٍ كل كلام يعرب، لا بد من إعرابه، فإذا لم يمكن إعرابه فليس بكلام، هذيان، واضح؟ كل كلام لا بد من إعرابه، فإذا قيل: ضرب زيد عمرواً .. زيد، ضرب: فعل ماضي، وزيد: فاعل، وعمرواً: مفعول به، ضرب: فعل ماضي، حينئذٍ ما المراد بضرب في هذا التركيب؟ هل هو اللفظ فقط أو مسماه؟ مسماه، ما هو المسمى؟ المسمى: الفعل في الاستعمال .. في التركيب، ضرب زيد عمرواً، الفعل يراد به ماذا؟ يراد الإخبار به عن حدث وقع في زمن مضى، وأن هذا الحدث قد وقع من فاعل، وإذا كان متعدياً وقع على مفعول به، إذا أريد به هذا المعنى حينئذٍ لا بد من استعماله في تركيب صحيح، لكن في قولنا: ضرب: فعل ماضي، هل أريد به الإخبار عن وقوع حدث في زمن قد مضى؟ الجواب: لا، وإنما المراد هذا اللفظ كما قلنا: زيد ثلاثي، نقول: المراد هذا اللفظ، وضرب: فعل ماضي المراد به هذا اللفظ، فحينئذٍ صار علماً .. صار اسماً، لماذا؟ لأننا أخبرنا عنه بكونه فعلاً ماضياً، ولا يخبر إلا عن الأسماء، لأنه لا يكون مسنداً إليه إلا الاسم، وهنا ضرب: مسند إليه، كيف يكون مسنداً إليه وهو اسم، ثم نقول: فعل ماضي؟

نقول: فعل ماضي لا باعتبار هذا التركيب، ليس في هذا السياق، ضرب: فعل ماضي، في قولنا: ضرب زيد عمرواً، وأما في هذا التركيب ضرب: فعل ماضي، فليس بفعل بل هو اسم، بدليل: الإخبار عنه بقولنا: فعل ماضي .. بدليل: أنه لا يدل على حدث ولا على زمن محصل، ليس فيه حدث، ولذلك لا يرفع فاعلاً، أين فاعله؟ وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإنْ ظَهَرْ ضرب: أين الفاعل؟ ليس فيه فاعل، بل لا يطلب فاعلاً، بل هو مجرد لفظ فهو علم شخصي مسماه: ضرب في قولك: ضرب زيد عمرواً، فلسفة لا بد منها، ومثلها: من: حرف جر، كذلك تقول: مرفوع .. ضرب زيد عمرواً، زيد: فاعل مرفوع بضرب، دخل عليه حرف الجر، فدل على أنه اسم، من: حرف جر مثلها، من في هذا التركيب علم، اسم؛ لأنه أسند إليها ولا يسند إلا إلى الأسماء، فدل على أن: من، في هذا التركيب تعتبر علماً. فإذا قصد اللفظ بقطع النظر عن كونه اسماً أو فعلاً أو حرفاً فهو علم، هذه نتيجة؛ لأننا قلنا: قد يقصد بالخبر المعنى أو اللفظ، إذا قصدنا اللفظ مطلقاً سواء كان اسماً أو فعلاً أو حرفاً فهو علم، ولذلك صح أن يقال: إياك واللو، لو: هذه حرف دخلت عليها أل، وأل من خواص الأسماء، كيف دخلت أل على لو، وهي حرف؟ نقول: قصد لفظها، وهي حرف في قولك: لو أني فعلت كذا لكان كذا، هنا حرف، وأما في قوله: إياك واللوَّ، فهي اسم، ولذلك صح دخول أل عليها. لو أن لوَّاً بالتنوين، والتنوين من خواص الأسماء، كيف دخل على لو؟ قصد لفظه. إذاً: القاعدة يا إخوان، تفهمون: إذا قصد بالمسند .. بالمحكوم عليه .. إذا أخبرت عن شيء، إما أن يقصد معناه أو يقصد لفظه، إن قصد معناه فلا بد أن يكون اسماً، وهو إسناد معنوي، وإذا قصد لفظه فحينئذٍ يستوي الاسم والفعل والحرف وكلها تسمى أسماء. زيد ثلاثي: إسناد لفظي، زيد: واضح لا إشكال فيه، ضرب: فعل ماضي، نقول: ضرب هنا علم .. علم شخصي، وهو اسم بدليل الإخبار عنه بقولنا: فعل ماضٍ، من: حرف جر، من: في هذا التركيب تعتبر اسماً فهي علم شخصي، مسماه: من، في قولك: خرجت من الدار، من: في هذا التركيب: من الدار، نقول: هي حرف، وأما في قولنا، من: حرف جر فهي اسم، واضح هذا؟ بقي مسألة واحدة: ضرب فعل ماضي، كيف نعربه؟ زيد: ثلاثي واضح الإعراب، أما ضرب: فعل ماضي، نقول: ضرب لنا فيه وجهان: إما الإعراب، وإما الحكاية، ضرب تبقيه كما هو، فتقول: ضرب: مبتدأ مرفوع بالابتداء، هل إعرابه محلي أو تقديري؟ لا، تقديري ليس محلياً؛ لأنه ليس مبنياً، بل هو معرب، لكن تعربه على الحكاية، بمعنى: أنك تحكيه كما هو، فتقول: ضرب، لأنه فعل ماضي في الأصل مسماه: فعل ماضي. والفعل الماضي في مثل هذا النوع يكون مبنياً على الفتح، فتقول: ضرب: مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، وفعل: هذا خبره. وجه آخر: أن تعربه منوناً، فتقول: ضرَبٌ، مثل: زيدٌ، يجوز فيه هذا الوجه، ضرَبٌ: هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء إلى آخره، إذاً: إما أن تحكيه كما هو وتقدر الإعراب، وإما أن تعربه رفعاً وبالتنوين؛ لأنه صار منصرفاً، والتنوين هذا تنوين تمكين، حينئذٍ نقول: فيه وجهان:

من: حرف جر، من: مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الحكاية؛ لأنه محكي، ويجوز: مِنٌ، كقولنا: ضربٌ، منٌ بالرفع والتنوين، هذا متى؟ إذا كان من على حرفين، وثانيهما صحيح، وأما إذا كان الثاني حرف علة، فحينئذٍ جاز فيه التضعيف، فيقال: في .. فيٌ، بالتضعيف، لو .. لوٌ بالتضعيف، لماذا؟ لكون ثانيه حرف لين، يعني: حرفاً من حروف العلة، هذه ثلاثة أوجه في ماذا؟ هذان وجهان في الفعل وفي الحرف، وأما إذا كان ثانيه حرف لين جاز لك أن تقول: لوٌ وتقول: لوٌّ بالتضعيف، في .. فيٌّ بالحركة والتنوين، هذان وجهان في إعراب هذا التصريف. أما زيد ثلاثي، فهو على أصله، زيد: اسم ثلاثي، نقول: هذا على أصله، على: حرف جر، على نقول: مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، لماذا؟ لأن على هنا كالفتى، والفتى هذا لا تظهر فيه حركة الإعراب. إذاً: العلامة الخامسة: ومسندٍ، أي: محكومٍ به من اسم أو فعل أو جملة، نحو: أنت قائمٌ، قائمُ: هذا مسند، دل على اسمية: أنت، هكذا؟ قائم، نقول: هذا مسند دل على اسمية: أنت، لماذا؟ لأن المسند في كلام صحيح يستلزم مسنداً إليه، بدلالة الالتزام، كذلك: قمت، أين المسند؟ قام، والتاء: مسند إليه، في الأول قلنا ماذا؟ أنت قائمٌ، المسند إليه تقدم، وقمت: المسند إليه تأخر، قائمٌ المسند اسم، قمت: المسند فعل. زيد أبوه قائمٌ، زيد هل هو اسم أو فعل أو حرف؟ نقول: هو اسم، بدليل ماذا؟ أبوه قائم، هذه الجملة خبر، وهي مسند ولا يسند إلا إلى الأسماء. طيب! يرد علينا إشكال، تسمع بالمُعيدي خيرٌ من أن تراه، خير: هذا مسند، أليس كذلك؟ خير: خبر أو لا؟ خبر ماذا بكم؟ تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، خيرٌ مثل: ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] ((وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [النساء:25] إذاً نقول: خير: هذا خبر، هذا خبر مسند، كل مسند يستلزم مسنداً إليه، طيب! تسمع، هذا إشكال فعل أو اسم؟ فعل، كيف نقول: المسند دليل على المسند إليه وهو الاسم؟ على القاعدة الأصل، قلنا: إذا تقرر عندنا صحة علامة حينئذٍ لا يعترض عليها بالفروع والصور والأمثلة، قاعدة في الشريعة كلها، حتى في باب المعتقد: إذا أصل أهل العلم .. أهل السنة والجماعة اتفقوا على أصل نصوا عليه صراحةً حينئذٍ إذا مر بك حديث، مرت بك آية، قد يفهم منها شيء يعارض ذاك الأصل، ما تأتي وتشكك في الأصل، لا، وعندنا القاعدة هنا: رد المتشابه إلى المحكم، وهذا كذلك يقال في الفقه ويقال هنا في النحو. إذا قعد قاعدة .. قعدت قاعدة، وكانت أدلتها ثابتة من كلام العرب، حينئذٍ إذا وجد مثال أو مثالان أو أربعة أو خمسة، يخالف ظاهرها تلك القاعدة، لزاماً نوؤل هذا المثال، لا نقول: يشكل علينا ونشتغل به لا، مباشرة تقول: هذا أصل متفق عليه عند أهل العلم، سواء كان في النحو أو في غيره، وهذا المثال قد يعارض في الظاهر، إذاً هو الذي يقبل التأويل لا ذاك الأصل.

إذاً: لا يسند إلا إلى الاسم، هذه قاعدة، إذا جاءنا مثل هذا التركيب لا بد من تأويله، فحينئذٍ نقول: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، فتسمع هذا منسبك مع أن المحذوفة بمصدر، أي سماعك، أين: أن؟ محذوفة، وإذا حذفت: أن ارتفع الفعل، الأصل أن تسمع، وإذا قلت أن تسمع حينئذٍ صار سماعك؛ لأن: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، والمصدر اسم، إذاً: صح الإخبار أو لا؟ صح الإخبار، وقد جاء في أفصح الكلام، أي: ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] خير: هذا خبر، وهو مسند، أين المسند إليه؟ نقول: موجود، أين هو؟ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، صومكم أو صيامكم خير لكم. ((وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [النساء:25] صبركم خير لكم، أن تسمع بالمعيدي، حذفت: أن، فارتفع الفعل: تسمع، فحينئذٍ لا بد من القول بأن: تسمع هنا في قوة المصدر، وإن حذفت أن، فحينئذٍ نقول: الإخبار هنا بقولنا: خير في المثل عن مصدر، والمصدر لا يكون إلا اسماً، من علامات الأسماء كونه مصدراً. إذاً: تسمع منسبك مع أن المحذوفة بمصدر، والأصل: أن تسمع، أي: سماعك، فحذفت أن ورفع المثل، وحذف أن مع رفع الفعل ليس قياسياً، وإن كان مخالفاً للقياس، وحسَّن حذفها وجودها في أن تراه، تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، لما وجدت أن في الطرف الأخير سوغ حذفها من أولها، روي هذا المثل بوجه آخر: أن تسمع على الأصل .. أن تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، فيه إشكال؟ لا إشكال فيه، وروي بالنصب على إضمار أن: تسمعَ بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، وهذا يقوي الوجه الأول، تسمع بالنصب، يعني: ضُمِّن أو قدِّر أن ووجد أثرها بعد حذفها، وهذا شاذ سيأتي في باب النواصب أنه شاذ. لكنه لما روي بهذا وذا وذاك، حينئذٍ بمجموع هذه الأمثلة نقول: يتقوى القول بأن: خيرٌ: خبر عن اسم، سواء قلنا سماعك أو لا، لا بد من تأويل تسمع باسمه على أي وجه كان. وروي بالنصب على إضمار أن؛ لأن المضمر في قوة المذكور بخلاف المحذوف، لكن نصبه على إضمارها في مثل ذلك شاذ كما سيأتي في بابه. وهذا المثل للرجل الذي له صيت في الناس لكنه محتقر المنظر، وأما قولهم: زعموا: مطية الكذب، هذا مثل ضرب زيد، ضرب: فعل ماضي، زعموا مطية الكذب، مطية: خبر، وهو مسند، أين المسند إليه؟ زعموا، زعموا: هذه جملة فعل وفاعل، هل هي مسند إليه؟ نعم، مسند إليه، لماذا؟ قصد لفظها. لا حول ولا قولة إلا بالله: كنز من كنوز الجنة، كنز، فكنز: هذا خبر مسند، إذاً: أين المسند إليه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ...

8

عناصر الدرس * أمثلة في الإسناد إلى الجمل * علامات الفعل مطلقاَ * علامة الحرف * علامة المضارع -الماضي -الأمر -اسم الفعل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ أسئلة: - هذا يقول: لماذا أسقطت كلمة: زائدة من حد التنوين؟ - قلنا: نون ساكنة زائدة، هذا مشهور، قلنا: هذا نسقطه لماذا؟ إذا قلت: تلحق، الإلحاق كله، هذا باب الصرف، الإلحاق كله من الزوائد، إذاً: لا يحتاج، والإلحاق يدل على الزيادة بالمطابقة، ليس بالاستلزام ولا بالتضمن حتى نقول: هذا قيد لا بد منه. - هل كل نون التوكيد الخفيفة ما قبلها مفتوح دائماً؟ - نعم، هذا الأصل، وسيأتي في باب التوكيد. - ما الفرق بين قولك: سماعي، وقياسي؟ - سماعي، يعني: موقوف على السماع، لا يجوز القياس عليه، وأما القياسي فلا. - هل يقاس جزء ونصف على بعض وكل؟ - هذا قيل النصف نصفه، لكن الظاهر لا؛ لأنه ليس ملازم لنظام، نقول: هذا الرغيف نصف. - لماذا لم تحذف الألف في: فتىً ومثنىً؟! - فتىً واضح، في .. فيٌّ، قلنا: هذا جائز ليس بواجب، يجوز إبقاؤه كما هو ويجوز أن تضعفه، فلا إشكال، مسندٌ اسم مفعول، وقيل: مصدر ميمي، ليس مطلقاً، قد يستويان، يكون اللفظ واحد والمعنى مختلف. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: إذاً: العلامة الخامسة، هو قوله: ومسندٍ، إن أبقيناها على ظاهرها، أي: ومسندٍ، أي: محكوم به يكون مع الكلمة، إن وجد معها سواء كان اسماً أو فعلاً حينئذٍ حكمنا على تلك الكلمة التي صاحبها المسند بأنها اسم. هل يصح إبقاء اللفظ على ظاهره، ويجعل كونه مسنداً من علامات الأسماء؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن المسند ليس من خواص الأسماء، بل يشاركه الفعل، ولذلك نقول: الاسم يكون مسنداً ومسنداً إليه، يعني: محكوماً عليه ومحكوماً به، وأما الفعل يكون مسنداً ولا يكون مسنداً إليه، إذاً: الفعل شارك الاسم في كونه مسنداً، وانفصل الاسم عن الفعل في كونه يقع مسنداً إليه، والعلامة إنما تكون مما اختص بالشيء ولا يدخل على غيره، فما شارك لا يصح أن يكون علامةٍ؛ لأنه لا يميز أحد النوعين عن الآخر، بخلاف المسند إليه، نقول: هذا يختص به الاسم فقط دون الفعل والحرف، فإذا صارت الكلمة مسنداً إليها حكمنا عليها بأنها ماذا؟ بأنها اسمٌ وعرفنا أن الإسناد يكون لفظياً ويكون معنوياً، وقفنا عند قوله: زعموا: مطية الكذب .. لا حول ولا قوة إلا بالله: كنز من كنوز الجنة، لا إله إلا اله كلمة التوحيد، أي: هذا اللفظ زعموا: مطية الكذب، لماذا نقدر؟ لأن مطية: هذا خبر محكوم به، ولا يحكم إلا على الاسم، إذاً: زعموا اسم، لا بد أن نقول: زعموا اسم، لكن قصد لفظه دون معناه، وإذا أخبر عن الشيء مقصود به لفظه دون معناه صار علماً، وإذا صار علماً صار اسماً، حينئذٍ كيف نعرب زعموا؟ زعموا كلها هكذا تقول: زعموا مبتدأ، ولا تقل: زعم: فعل ماضي، والواو فاعل، لا خطأ هذا، هذا غلط، لماذا؟ لأنك لو أعربت بهذه الصورة حينئذٍ نظرت إلى المعنى، ونحن هنا حكمنا على اللفظ وجعلنا المعنى نسياً منسياً.

فإذا جئت تعرب، تقول: زعموا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، التي هي الواو، الواو كدال زيد، الواو هنا زعموا كدال زيد؛ لأنه صار المقصود بهذه الجملة هذا اللفظ زعموا، حينئذٍ تقول: مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الحكاية. لا حول ولا قوة إلا بالله: كنز، كنز: هذا مسند، والمسند إذا وجد مع كلمة دل على أنه اسم، إذاً: لا حول ولا قوة إلا بالله اسم، بدليل وجود المسند، كيف نعربه؟ لا تقل: لا: نافية للجنس، وحول: اسمها، هذا غلط، لماذا؟ لأنك لو أعربت بهذه الصورة نظرت إلى المعنى، والمفترض هنا نسيان المعنى، والحكم على اللفظ، فتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله على الحكاية مبتدأ، كلها مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، هذا الإعراب صحيح، وإن جرى بعضهم على أنه يفصل فهو غلط، هذا يقول موجود الآن في كتب المدارس، نقول: هذا غلط .. هذا سهو، لعله دكتور لم يعِ. فحينئذٍ نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا اللفظ كنز من كنوز الجنة، فهو كزيد .. مثل زيد، ومثلها: زعموا مطية الكذب، وأما قولهم: زعموا مطية الكذب فعلى إرادة اللفظ، مثل: من حرف جر، وضرب: فعل ماضي، فكل من: زعموا، ومن، وضرب اسم للفظ فهو علم شخصي للفظ الواقع في غير هذا التركيب من التراكيب المستعمل فيها اللفظ في معناه، فهو مبتدأ وما بعده خبر، وهذا الإسناد يسمى إسناداً لفظياً، وهل هو علامة من علامات الأسماء؟ نقول: نعم، علامة من علامات الأسماء. بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ ... وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ إذاً: التمييز الحاصل للاسم أو الكائن بالاسم بالجر وما عطف عليه، وإنما ميزت هذه العلامات الخمسة الاسم؛ لأنها خواص له، أما الأول الذي هو الجر، فلأن المجرور مخبر عنه في المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم، مررت بزيد .. بزيد، زيد ممرور به، أخبرت عنه في المعنى، ولا يخبر إلا عن الاسم، فدل على أن المجرور بحرف الجر يكون مخبراً عنه في المعنى، إذاً: الجر، فلأن المجرور مخبر عنه في المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم، فزيد في قولك: مررت بزيد، أو جاء غلام زيد مخبر عنه في المعنى عن الأول بأنه ممرور به، وعن الثاني بأن له غلاماً، جاء غلام زيدٍ، زيد: نقول: هذا مجرور، لماذا هو مجرور؟ لأنه مضاف إليه، هل هو من علامات الأسماء؟ نقول: نعم، من علامات الأسماء، لماذا؟ لأنه لحقته الكسرة، أخبرنا عنه، عن زيد بأن له غلاماً، أليس كذلك، فصار زيد من قولك: غلام زيد مُخْبَراً عنه، ولا يخبر إلا عن الاسم، إذاً: عرفنا النوع الأول. وبعضهم سمى حروف الجر بهذا الاسم، قالوا: لأنها تجر معاني الأفعال إلى الأسماء، فيما إذا لم يتعد بنفسه، وهذا أيضاً المعنى معنى صحيح، وأما التنوين، يعني: صار من خواص الأسماء، فلأن معانيه الأربعة لا تتأتى إلا في الاسم، أربعة: التمكين، والتنكير، والعوض، والمقابلة، هذه لا يمكن أن تتصور إلا في الاسم، ولا يمكن أن تتصور إلا في .. لا تتصور في الفعل ولا في الحرف، ولذلك قلنا: التنوين حرف معنى، إذاً: له معنىً من المعاني.

أما الدلالة على أمكنية الاسم وكونه متمكناً في باب الإعراب هذا واضح. والدلالة على تنكيره كذلك واضح؛ لأن وصف التنكير من خواص الأسماء. وأما كونه في جمع المؤنث السالم مقابلاً لنون جمع المذكر السالم فلأن الفعل والحرف لا يجمعان جمع مذكر ولا جمع مؤنث حتى يتصور فيهما ذلك التنوين وهو تنوين المقابلة. وأما كونه عوضاً؛ فلأن العوضية إن كانت عن جملة فالفعل والحرف لا يعقبهما جملة، وهذا واضح. أو عن مضاف إليه فالمضاف لا يكون إلا اسماً، من علامات الاسمية كونه مضافاً، ومن علامات الاسمية كونه مضافاً إليه. أو عن حرف فالحرف المعوض عنه إنما هو آخر الاسم الممنوع من الصرف، كما قلنا في جوارٍ وغواشٍ، وهذا خاص بالأسماء. إذاً: الأنواع الأربعة صارت من خواص الأسماء؛ لأن هذه المعاني التي دلت عليها هذه الأنواع من أنواع التنوين لا يتصور وجودها إلا في الاسم، وأما النداء من خواص الاسم، فلأن المنادى مفعول به، والمفعول به لا يكون إلا اسماً. وأما: أل، فلأن أصل معناها التعريف، وهو لا يكون إلا للاسم؛ لأن وضع الفعل على التنكير والإبهام ويبقى على أصله، فلا يطلب زوال تنكيره بخلاف الاسم فيطلب زوال تنكيره، ولا يقبل ذلك إلا الاسم، والحرف غير مستقل. وأما المسند فهو من خوص الأسماء، لماذا؟ فلأن المسند إليه لا يكون إلا اسماً، لكن ينبه إلى أن الإسناد إليه، هذه علامة، هل كل اسم يكون مسنداً إليه .. يشترط فيه أن يكون مسنداً إليه؟ أقول: لا، لا يشترط ذلك، بل بعضها يكون مسنداً ومسنداً إليه، وهذا هو الأكثر: أن يقع مسنداً ومسنداً إليه، هذا هو الأكثر في استعمال الأسماء، وبعضها لا يقع إلا مسنداً فقط لا يأتي مسنداً إليه، وهو اسم، مثل أسماء الأفعال: هيهات العقيق .. هيهات: هذا ليس بفعل، نقول: هذا اسم فعل وهو مسند، والعقيق: فاعل مسند إليه، هل يقع اسم الفعل مسنداً إليه؟ الجواب: لا، إلا في قولنا: هيهات: اسم فعل، حينئذٍ قصد لفظه، وأما إذا قصد معناه فلا، هذا يقع مسنداً ولا يقع مسنداً إليه. عكسه: يقع مسنداً إليه ولا يقع مسنداً، وهو الضمير المتصل، قمت .. ضربت .. أنا مسلم، قمت، التاء هنا ضمير متصل، أليس كذلك؟ مسند إليه، هل يقع مسنداً .. هل تأتي التاء خبراً؟ لا تأتي، إذاً: الضمائر المتصلة هذه لا تكون إلا مسنداً إليها، أنا مسلم، أنا: مبتدأ، أخبر عنه بقولنا: مسلم، حينئذٍ نقول: هل يأتي: أنا خبر؟ الجواب: لا، لا يقع إلا مسنداً إليه. النوع الرابع: لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه، مثلوا له بقط وعوضُ ونحوها، فهذه لا تقع لا مسنداً ولا مسنداً إليه، إذاً: الاسم باعتبار كونه مسنداً أو مسنداً إليه أربعة أقسام: ما يقع مسنداً ومسنداً إليه وهو الغالب والأكثر في الأسماء. ما يقع مسنداً لا مسنداً إليه وهو أسماء الأفعال فحسب. ما يقع مسنداً إليه لا مسنداً وهو ضمائر الرفع المتصلة. ما لا يقع لا هذا ولا ذاك، ومثل له بقط وعوض، وحيث. إذاً: قوله: ومسند، نقول: هذه العلامة الخامسة للاسم تمييز حصل، وعرفنا الاشتراط لماذا وقع في هذه العلامات الخمسة.

هنا ذكرنا فيما سبق قول ابن عقيل: وظاهر كلام المصنف أن التنوين كله من خواص الأسماء وليس كذلك، قلنا: هذا فيه نظر، فمعنى البيت، قال ابن عقيل: حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف بالجر، على هذا التقدير ابن عقيل جعل الجملة فعلية لا اسمية، ونحن قلنا: تمييز حصل، للاسم، تمييز: هذا مبتدأ، وجملة حصل صفة للتمييز، وللاسم جار ومجرور متعلق بماذا؟ بمحذوف خبر مقدم لتمييز، وبالجر: هذا جار ومجرور متعلق بحصل، هنا قوله: حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف بالجر، كأنه قال: حصل، هذه هو أول الجملة، وليس هو تمييز، ولا إشكال، الإعرابات كلها إذا كان المعنى صحيح فلا إشكال. ولذلك ما أكثر ما يجوز في الألفية من الإعرابات، لكن قد يكون بعضها أولى من بعض، وإذا قلنا: تمييز، التمييز الحاصل للاسم .. كائن للاسم بالجر هذا أولى، لماذا؟ لأننا نريد أن نحكم على الشيء المميز، ولذلك قلنا: تمييز ليس المراد به المصدر؛ لأن التمييز فعل الفاعل، وإنما هو من إطلاق المصدر وإرادة أثره، فحينئذٍ المراد هنا: هل نحكم على الشيء بكونه مميزاً أو مجرد حصوله، ما المراد؟ الأول التمييز، زيد أخوك .. أخوك زيد، كل منهما يجوز أن يكون معرباً بأنه مبتدأ وخبر، زيد أخوك، زيد: مبتدأ، أخوك: خبر، ويجوز عكسه خلافاً لابن مالك كما سيأتي، إذا قلت: زيد أخوك، أخوك زيد، إذا أردت أن ترجح أحد الإعرابين عن الآخر، أيهما المعلوم عندك أو عند المخاطب؟ هذا يختلف، إذا تعرف أنه زيد ولا يعرف أنه أخوه فتقدم زيد؛ لأنه هو المبتدأ، يعرف الاسم ولا يعرف الوصف، حينئذٍ تقول: زيد الذي تعرفه أخوك، وإذا عكست: أخوك عنده أخ، ولا يعرف أنه زيد، فتقول: أخوك زيد، يصح أو لا يصح؟ يصح، إذاً: المعنى له دور في ترجيح أي الإعرابين يكون، ولذلك تجد في التفاسير كلها ما من كلمة في الغالب إلا ويجوز ويجوز ويجوز، إذا نظرت إلى ترجيح أو إلى القواعد النحوية كلها جائزة، بعضها يكون فاسد باطل إلى آخره، ما في إشكال لكنه قليل؛ لأن أكثرهم نحاة، حينئذٍ إذا أعربوا الكلمة الواحدة بعدة أوجه، إذا جئت وأنت تنظر حينئذٍ كيف ترجح؟ تنظر إلى السياق .. سياق الكلام من أوله إلى آخره، وإن كان ثم قصة تنظر إليها من أولها إلى آخرها، وإن كان ثم أحكام شرعية سردت من أولها إلى آخرها، بالنظر إلى المعنى هو الذي يرجح، أي التعريفين، أو أي الإعرابين أو الأكثر أرجح من غيره، أما مجرد يجوز ويجوز نكون ظاهرية هكذا، نقول: هذا فيه نوع فساد، لماذا؟ لأنك قد تحمل اللفظ معنىً غير مراد، بمجرد الجواز، يجوز كذا ويجوز .. لأنه إذا طبقنا القواعد على الألفاظ حينئذٍ جاز ما قد يناقض المعنى من أصله. إذاً نقول: قول ابن عقيل هنا حصل للاسم تمييز مراده به أنه جملة فعلية، هذه خمسة علامات للاسم.

وقلنا: تقديم الجار والمجرور لا يفيد الحصر، بل المراد به الاهتمام، وثم علامات أخرى وصلها بعضهم إلى ثلاثٍ وثلاثين علامةً، منها: حروف النصب النواسخ، هذه من علامات الاسم: إن زيداً، إن: نقول هذه من علامات الاسمية، لولا –الامتناعية-، إمَّا -التي للتفصيل- هذه من علامات الأسماء، ياءُ النسب: قرشي .. هذه لا تلحق إلا الأسماء، قرشي .. لا تلحق إلا الأسماء. الألف المقصورة: حبلى .. الممدودة: صحراء، التصغير: لا تصغر إلا الأسماء، أما الفعل والحرف لا يصغر، إلا إذا قصد لفظه، كونه فاعلاً علامة للاسمية، ولذلك إذا جاء جملةً حينئذٍ أُوِّلَ بمفرد: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ)) [الحديد:16] ألم يأن: هذا فعل، أين فاعله؟ خشوع .. أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، إذاً: كونه فاعلاً يعتبر علامةً للاسمية، كونه مفعولاً به وقد سبق، كونه منعوتاً لا نعتاً .. كونه منعوتاً لا تنعت إلا الأسماء، كونه مذكراً .. كونه مؤنثاً .. كونه مضافاً .. كونه مضافاً إليه، وإذا جاء المضاف إليه جملةً وجب تأويله بمفرد: ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)) [المائدة:119] نقول: هذا لا بد من تأويله. ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي ... وَنُونِ أقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِي لما انتهى من القسم الأول والنوع الأول وهو ما يميز الاسم عن قسيميه الفعل والحرف انتقل إلى النوع الثاني، وثنى به لأنه يأتي أحد جزئي الكلام، يعني: هو ركن، وإذا كان ركناً حينئذٍ له أهمية ومنزلة؛ لأنه قد يزول الكلام بزواله. بتا فعلتَ وأتَتْ .. بتا فعلتَ: هذا جار ومجرور، وأتت: معطوف عليه، ويا افعلي: هذا معطوف عليه، ونونِ أقبلن: معطوف عليه، معطوف على أي شيء؟ ونونِ: هذا بالكسر، معطوف على أي شيء؟ على ياء افعلي، أو على تاء فعلتَ؟ الأول؛ لأن القاعدة أن ما جاء بالمعطوفات بحرف العطف الواو حينئذٍ العطف على الأول، يكون مرده إلى الأول، وكذلك: أو، وأما ثم والفاء فهذه على حسب ما قبلها. فِعْلٌ يَنْجَلِي: فعل: هذا مبتدأ، ينجلي: صفته، يعني: يظهر بتا فعلت، فعل: نقول: هذا مبتدأ وهو نكرة، كيف جاز الابتداء بالنكرة؟ ينجلي: هذا خبر، هل نقول: صفة؟ فعل: هذا مبتدأ، ينجلي: يعني: يظهر بتا فعلت، بتا فعلت: جار ومجرور متعلق بقوله: ينجلي، وينجلي: هذا خبر فعل، كيف جاز الابتداء بالنكرة وهو فعل؟ نقول: قصد لفظه، هذا قول، فصار معرفةً، أو يقال: بتقديم –بتا-؛ لأن النكرة إذا أفادت أي فائدة .. مالم تفد أي فائدة، حينئذٍ نقول: هل استقام الكلام بتاء فعلت فعل ينجلي؟ واضح الكلام.

إذاً: حصلت الفائدة بتقديم الجار والمجرور وإن كان متعلقاً بالخبر، وهذا لا يجوز عندهم لكن للضرورة ولكونه جاراً ومجروراً، فِعل: بكسر الفاء وإسكان العين، الفعل بكسر الفاء: اسم لكلمة مخصوصة، يعني: اسم مسماه لفظ، زيد، قلنا: هذا مسماه الذات، والفعل مسماه: قام يقوم قم، هذا مسمى، وفعل اسمه، كما نقول: زيد مسمى واسمه اسم، اسم: هذا لفظه، مسماه: زيد وعمرو، قام: مسمى، اسمه: فعل، إذاً: الفعل بكسر الفاء وإسكان العين، اسم لكلمة مخصوصة، احترازاً من الفعل بفتح الفاء فهو من الأحداث مصدر، هذا عند النحاة، مصدر فَعَلَ. لكن المكسور في اللغة فِعْل، بمعنى اسم المفعول، يعني: يأتي بمعنى اسم المفعول كما ذكره في الكشاف: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ)) [الأنبياء:73] يعني: مفعولات الخيرات، وكون مكسور الفاء اسماً لما ذكر، ومفتوح الفاء مصدراً له بحسب الاصطلاح، وأما في اللغة فهم مصدران، إذاً: فعل، يأتي المصدر منه فِعْلٌ وفَعْلٌ. وأما عند النحاة فلا، فرقوا بينهما مجرد اصطلاح، فالفعل اسم لكلمة مخصوصة، ما مصدره؟ قالوا: الفَعْلُ، وهذا مجرد اصطلاح، فِعْلٌ يَنْجَلِي يعني: يظهر ويتضح ويتميز عن أخويه بأربع علامات ذكرها متوالية، قال: بتا فعلتَ، يعني: بتا، تا .. هذه قالوا: يتعين القصر هنا للوزن، وإن كان لغةً فيه .. يتعين القصر هنا للوزن، وإن كان في نحو الباء والتاء والثاء المد والقصر، الباء: با وباءٌ .. تا وتاءٌ .. ثا وثاءٌ، يجوز فيه المد والقصر، ولكن هنا يتعين فنقول: لغة فيه، ولا نقول إلا من أجل بيان أنه لا بد منه للوزن. بتا فعلت: بتا، أي: الفاعل، لماذا؟ لأن تا مضاف، وفعلت: مضاف إليه، وهو جملة في الأصل، لكنه قصد لفظه، فلما قصد لفظه صار علماً، فعندنا مضاف ومضاف إليه، بتا فعلت، يعني: بتا الفاعل، سواء كانت مضمومةً نحو فَعَلْتُ، أو مفتوحةً نحو فَعَلْتَ، أو مكسورةً نحو فَعَلْتِ، وهنا بماذا نضبطها، بتا فعلْتَ، أو فعلْتُ، أو فعلْتِ؟ يجوز الأوجه الثلاثة، ولكن قيل: الرواية بالفتح، بتا فعلتَ، وروي في روايةٍ مختلف في تصحيحها: بتا فعلْتُ على أنها بالضم. على كل هذا أو ذاك قل ما شئت؛ لأنه ليس بكلامٍ وحي، حينئذٍ أقول: بتا فعلْتَ .. بتا فعلتُ .. بتا فعلْتِ، يجوز الأوجه الثلاثة وإن كان المشهور أنه بالفتح. إذاً: بتا، أي: بتا الفاعل، متكلماً نحو فعلتُ بالضم، أو مخاطباً نحو: تباركتَ يا الله، فعلتَ، أو مخاطبةٍ نحو: قمتِ يا هند بكسرها، فحينئذٍ مراد الناظم هنا لو قلنا بأحد الأوجه بتا فعلتُ، هل المراد به خصوص التاء المضمومة أو المراد به ما هو أعم؟ أعم؛ لأن ثم فرقاً بين المخاطب والمتكلم، والمخاطبة، فحينئذٍ إذا قيد اللفظ بحركة معينة ولا بد من تقييده نقول: بتا فعلتُ المضمومة على جهة الخصوص أو المراد به العموم؟ الثاني: المراد به العموم. إذاً: ليس مراد الناظم بقوله: بتا فعلتَ خصوص التاء سواء كانت مضمومة أو مفتوحة على الوجهين، بل التاء تاء الفاعل مطلقاً، سواء كانت مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة من ذكر الملزوم وإرادة اللازم على طريق الكناية أو المجاز المرسل، يعني: مجاز.

ومثل ذلك يقال في قوله: وَيَا افْعَلِي وَنُونِ أقْبِلَنَّ، ويا افعلي: الياء هذه المراد به ياء الفاعل، وافعلي، افعلي: هذا فعل أمر، هل ياء الفاعل خاصة بفعل الأمر؟ لا، تضربين هذه ياء الفاعل، افعلي: هذه ياء الفاعل، إذاً كونه أضاف يا إلى افعلي، هل هو لخصوص افعلي أو المراد به الأعم من ذلك فيشمل المضارع؟ الثاني، حينئذٍ يكون فيه مجاز. وَنُونِ أقْبِلَنَّ .. أقبلن، نون: هذا مضاف، وأقبلن: مضاف إليه، إذاً النون التي في أقبلن وهو فعل أمر هل هي خاصة به أم تدخل على المضارع؟ تدخل على المضارع، إذاً: لم يقصد الناظم بقوله: تا فعلت خصوص تاء الفاعل المفتوحة أو المضمومة على حسب النطق، ولم يقصد يا افعلي: خصوص الفعل فعل الأمر، ولم يقصد بقوله: نون أقبلن خصوص فعل الأمر، بل الحكم عام، ثم المراد بتاء الفاعل هنا .. المراد بتاء الفاعل التاء الدالة بالمطابقة على من وجد منه الفعل أو قام به أو نفي عنه، لماذا؟ لأنك تقول: ضربتُ، هذا إسناد الضرب إلى من أحدث الفعل، أنا أوقعت الضرب على غيري متعدي، ضربتُ، متُّ الحدث أين؟ قام بي أو أقمته على غيري؟ قام بي، إذاً: يشمل الاثنين النوعين، سواء كان متعدياً إلى الغير ضربتُ، أو كان قائماً به؛ لأن الفاعل سواء كان قائماً به أو واقعاً عليه، ويبقى ماذا؟ يبقى ما ضربت زيداً، ما: حرف نفي، وضربتُ فعل وفاعل، فُعِل الضرب أو لا؟ لم يفعل، كيف نقول: تاء الفاعل، أين الفعل؟ نقول: هذا سيأتينا في بابه، أن المراد به مجرد اصطلاح فحسب، وإلا الفاعل هو من أوجد الفعل، هذا في لغة العرب .. من أوجد الفعل .. من أوجد الحدث، فحينئذٍ إذا قال: ما ضربت زيداً، كيف هنا نقول: التاء فاعل، وليس عندنا حدث أصالةً؟ نقول: هذا من باب الاصطلاح كما سيأتي في محله. إذَاً: تاء الفاعل المراد بها التاء الدالة بالمطابقة على من وجد منه الفعل، أو قام به، أو نفي عنه، وذلك كضربت، ومت، وما ضربت، وما مت، فليس المراد الفاعل الاصطلاحي كما سيأتي للزوم القصور عليه، بخروج التاء اللاحقة لكان وأخواتها، لو قيل: المراد بتا فعلت هنا، هل المراد به الفاعل الاصطلاحي؟ نقول: لو قلنا بهذا لخرجت التاء التي أسند إليها كان، كنت قائماً .. كنت، نقول: هذه تاء الفاعل أو لا؟ نعم، تاء الفاعل، هل المراد بالفاعل هنا الذي أوجد الفعل؟ الجواب: لا، ليس المراد به الفاعل الاصطلاحي؛ لأن التاء هنا لا تعرب فاعلاً، بل هي اسم كان، ويعرب مجازاً على أنه فاعل. إذاً: ليس المراد الفاعل الاصطلاحي للزوم القصور عليه بخروج التاء اللاحقة لكان وأخواتها، ولزوم الدور حيث عرف الفعل هنا بقبول تاء الفاعل، وعرف الفاعل في بابه بأنه المسند إليه فعله، وهذا سيأتي في موضعه، وهل المراد به الفاعل اللغوي؟ من هو الفاعل اللغوي؟

كل من أحدث الحدث، إذاً: ليس المراد به الفاعل اللغوي ولا الفاعل الاصطلاحي؛ لأن الفاعل اللغوي لا يشمل نحو: ما ضربت زيداً؛ لأنه ليس بفاعل وإنما هو اصطلاحي، وكذلك: مت، وضربت، وما مت، وما ضربت، نقول: هذه داخلة في الحد، لا بد أن يشمل من أحدث .. أوقع الحدث، أو قام به الحدث، أو نفي عنه الحدث .. وهذا لا يتصور في الفاعل الاصطلاحي ولا الفاعل اللغوي، إذاً: لا بد من التفسير ولذلك قلنا: أنه مجاز إما من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم .. من ذكر الملزوم وإرادة اللازم، على طريق الكناية أو المجاز المرسل، فحينئذٍ ماذا نقول هنا بتا فعلت؟ هل نقول: الفاعل الاصطلاحي أو الفاعل اللغوي، أو لا هذا ولا ذاك؟ نقول: لا هذا ولا ذاك، وإنما ذكر الأخص الذي هو الفاعل من باب إطلاق اللفظ الذي لا بد منه؛ لأنه لو لم يعبر بهذا اللفظ ماذا يعبر؟ ليس عندنا إلا فاعل اصطلاحي أو فاعل لغوي، لكن من حيث الاتصال وعدمه ما يصدق عليه تاء الفاعل أعم من الفاعل الاصطلاحي وأعم من الفاعل اللغوي، ولذلك: كنت قائماً، التاء هذه تاء الفاعل، مع أنها لا تسمى فاعلاً عند النحاة، وليس فاعلاً اصطلاحياً. ما ضربتُ زيداً، التاء: هذا ليست بفاعل لغوي، مع أنها فاعل اصطلاحي، إذاً: بتا فعلتُ، المراد بالتاء هناك الدالة بالمطابقة على من وجد منه الفعل أو قام به أو نفي عنه، بهذا نفسرها ولا نقف مع اللفظ؛ لأننا لو وقفنا مع اللفظ فأدخلنا وأخرجنا فحينئذٍ خرجت بعض الألفاظ ودخل ما لا يراد. ولا يرد التاء في نحو: ما قام إلا أنت، أنتَ بفتح التاء، هل هي مثل تا فعلتَ؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنها لم تدل بالمطابقة، وقد عرفنا أن التاء المراد بها ما دل بالمطابقة على من أحدث أو قام به، أو نفي عنه الفعل، وهنا: ما قام إلا أنت نقول: ليست دالة بالمطابقة على نفس الفاعل، بل الدال عليه: أن، على مذهب البصريين، أن الضمير هو: أن، وتاء التاء هذه مفتوحة حرف خطاب. بقي الإشكال في ماذا؟ أن هذه تا فعلت هذه تدخل ليس .. ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ)) [الغاشية:22] وبها استدل على فعليتها خلافاً لمن أنكره: ((لَيْسُوا سَوَاءً)) [آل عمران:113] إذاً: هي فعل، لست .. ليس هذه هل تدل على حدث؟ لا، وإنما تدل على نفيٍ فحسب، ولذلك ذهب بعضهم أنها حرف بمنزلة ما النافية، لأنه لا يفهم منها حدث، إذا كان لا يفهم منها حدث كيف نقول: ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ)) [الغاشية:22] والتاء هذه تاء الخطاب فهي تاء الفاعل؟ ليس عندنا حدث أصلاً. بقي الإشكال في دخول التاء اللاحقة لليس، حتى ينهض الرد على من زعم حرفيتها بلحاق تاء الفاعل، إذ لا يصدق عليها أنها تاء من وجد منه الفعل أو قام به أو نفي عنه، لعدم دلالة ليس على الحدث، وهذا وارد. وحينئذٍ نقول: هي تاء من نفي عنه الخبر، في هذا التركيب: ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)) [الغاشية:22] لست، هذه التاء، نقول: تاء من نفي عنه الخبر، ولا نعبر عنها بأنها تاء الفاعل إلا من باب التعميم فحسب، وأما عند التحقيق فنقول: هنا ليس عندنا حدث، بل هي تاء من نفي عنه الخبر، اللهم إلا أن يراد بالفعل ما يشمل مدلول الخبر، وهذا يرجع إلى المصطلح.

وأما دخول اللاحقة لعسى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ)، نقول: عسى فعل الصحيح، لماذا؟ لاتصال تاء الفاعل بها، إذ هي تاء من قام به الرجاء أو انتفى عنه، إذاً: بتا فعلت، المراد هنا بتاء المطابقة الدالة بالمطابقة على من وجد منه الفعل .. الحدث، أو قام به أو نفي عنه، ليعم كل ما ذكرناه، وليس المراد به الفاعل الاصطلاحي ولا الفاعل اللغوي، بتا فعلت، وهذه تدخل على ماذا، تاء الفاعل تتصل بماذا، بأي أنواع الفعل؟ الماضي، وهل تدخل على الفعل المضارع؟ الجواب: لا، من خواص الفعل الماضي دخول أو قبول تاء الفاعل به .. اتصالها به، لماذا؟ لأنها بالسماع .. سماع ما نقل عن العرب لم ينقل أنها دخلت على المضارع ولا على الأمر، واضح؟ أما الأمر؛ فلأن الفاعل لا يكون إلا مستتراً، هذا واضح، وأما المضارع؛ فلأن الفعل المضارع إذا أسند إلى .. تتصل به، المضارع تتصل به؟ نقول: لا، لا تتصل به، لماذا؟ .. لا، هذا في تاء التأنيث الساكنة، يأتي معنا. بتا فعلت .. إذاً: تاء الفاعل خاصة بالفعل الماضي، والتعليل السابق فيما بعده. وأتت .. يعني: عطف على ماذا؟ بتا فعلتَ، وبتاء أتتْ، قلنا: تا فعلتَ: مضاف ومضاف إليه، حينئذٍ أتت هذا قصد لفظه، هل هو معطوف على تاء أو معطوف على المضاف إليه .. هل هو معطوف على المضاف أو على المضاف إليه؟ يحتمل هذا ويحتمل ذاك، حينئذٍ إذا عطفناه على المضاف صار لا بد من التقدير بتا فعلت، وبتا أتت، وإذا عطفناه إلى المضاف إليه حينئذٍ بتا صار مشتركاً بين التائين: تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة. إذاً قوله: وأتت، عطف على تا فعلت، بتقدير مضاف، أي: وتاء أتت، أو على فعلت .. على جعل التاء في قوله: بتا، من استعمال المشترك في معنييه، وهذا جائز. بتا فعلتَ: مضاف ومضاف إليه، وأتتْ: هذا إما أن يكون معطوفاً على المضاف وهو تا، وإما أن يكون معطوفاً على المضاف إليه، إن عطف على المضاف .. على تاء حينئذٍ لا بد من التقدير، يعني: وتاء أتت، مثل الأول، وإن عطف على المضاف إليه حينئذٍ بتا: يكون لفظاً مشتركاً بين التائين. إذاً: وأتتْ: المراد به تاء التأنيث الساكنة، تاء التأنيث من إضافة الدال إلى المدلول، مثل تنوين التمكين، من إضافة الدال إلى المدلول؛ لأنه حرف معنى، تاء التأنيث حرف معنى، إذاً: تاء التأنيث: حرف دال على تأنيث .. تأنيث ماذا؟ تأنيث الفاعل، هذا على المشهور، ضربت هندٌ عمرواً، ضربت هندٌ، ضربت: التاء هذه تاء التأنيث الساكنة اتصلت بالفعل الماضي، لماذا اتصلت به؟ للدلالة على تأنيث الفاعل، وهو: هند، ضَرَبَت هند. ضُرِبَت هندٌ، ما إعراب هند؟ نائب فاعل، هل هو فاعل؟ لا، إذاً: أنث الفعل هنا واتصلت به تاء التأنيث للدلالة على تأنيث نائب الفاعل. ((وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)) [التحريم:12] كانت .. هي مريم، التاء هذه تاء التأنيث الساكنة، اتصلت بالفعل كان للدلالة على ماذا؟ على تأنيث الفاعل؟ لا، على تأنيث نائب الفاعل؟ لا، على تأنيث اسمها، ولذلك نقول: الأولى أن يقال: تاء التأنيث الدالة على تأنيث المسند إليه، ليعم الفاعل ونائب الفاعل واسم كان، وأما إذا خصصناها بالفاعل حينئذٍ خرج نائب الفاعل، وخرج اسم كان.

إذاً: المراد بها تاء التأنيث الساكنة، وهذه الساكنة صفة لتاء، لا للتأنيث، أصالةً، يعني: في أصل وضعها هي ساكنة، وهذا محل وفاق: أن تاء التأنيث تعتبر ساكنةً وهي حرف .. حرف معنى، وضع للدلالة على ما ذكرناه. قامت هندٌ، قام: فعل ماضي، والتاء، نقول: حرف تأنيث دال على تأنيث الفاعل، مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وهندٌ: فاعل، وقال بعضهم: بل تاء التأنيث اسم، وهذا خرق للإجماع، وما بعده بدل عنه، وهو باطل، لماذا؟ لأن المبدل منه: يجوز إسقاطه ويستغنى عنه بالبدل، وهنا لو أسقطناه؟ الإعراب على هذا القول، قامت هندٌ، قام: فعل ماضي، والتاء: ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، وهندٌ: بدل منه، إذاً التاء: مبدل منه، من علامات صحة البدل إسقاط المبدل منه وإقامة البدل مقامه، هل يصح هنا؟ لا يصح: قام هندٌ، إذاً: هذا القول فاسد من أصله، لا يلتفت إليه. تاء التأنيث الساكنة أصالةً، نحو: أتت هندٌ، وقولنا: تاء التأنيث، أي: تأنيث الفاعل تأنيثاً معنوياً، والأحسن المسند إليه، فلا يرد حينئذٍ تاء: رُبَّةَ وثُمَّةَ لماذا؟ لأن التاء هنا في رب؛ لأن رب حرف وثم حرف، وقد اتصلت به تاء تأنيث ساكنة، هل نقول: رب وثم أفعال؟ نقول: لا، لماذا؟ لأن التاء هنا لتأنيث اللفظ، لا لتأنيث المعنى، والتي تعتبر علامة على الفعلية هي تاء التأنيث المعنوي، ففرق بينهما. فإن روعي المعنى فهي علامة على الفعلية، وإن روعي اللفظ، فحينئذٍ ليست علامةً على الفعلية بل دخلت الحرف، إذاً: ورُبَّةَ سائل، تحركت التاء هنا لغة، وقول الشاعر أيضاً: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئيمِ يَسُبُّني ... فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لا يَعنيني فثُمَّةَ ورُبَّةَ على لغة من سكنهما حينئذٍ نقول: التاء هنا لتأنيث اللفظ لا لتأنيث المعنى، وقولنا: الساكنة، تاء التأنيث الساكنة، نقول: هذا القيد للإخراج .. احترزنا به عن المتحركة في المثالين السابقين، ورُبَّةَ .. ثُمَّةَ هذه متحركة ولا إشكال فيها. أصالةً: نقول: هذا قيد لهذا القيد، لكن للإدخال، والاحتراز بالساكنة عن المتحركة، وبالأصالة عن الحركة العارضة، أما المتحركة: فإن كانت حركتها حركة إعراب فهي خاصة بالاسم، نحو: مسلمة، نقول: هذه تاء التأنيث متحركة أصالةً .. متحركة أصالةً بحركة إعراب، حينئذٍ هذه من خواص الأسماء، ونلحقها بما ذكرناه سابقاً، هذا متى؟ إذا كانت تاء التأنيث متحركةً أصالةً. فإن كان حركتها حركة بناء حينئذٍ تدخل .. هل تختص بالفعل؟ إذا كان حركتها حركة بناء: لا حول ولا قوة، قوة: هذا مؤنث أو لا؟ مؤنث، وهو مختوم بالتاء، والتاء هنا محركة لكن حركتها حركة بناء، حينئذٍ نقول: هذه الحركة حركة بناء، وليست حركة إعراب، فإذا كان كذلك فليست من خواص الاسم، بل تدخل الحرف كما في المثال الذي ذكرناه رُبَّةَ، على لغة من فتح.

وإذا كانت حركتها حركة بنية فحينئذٍ تدخل على الفعل، هندٌ تقوم، التاء هذه تاء التأنيث، وهي محركة بالفتح، وحركتها هذه حركة بنية، الحرف الأول والثاني والثالث أو الرابع ما قبل الأخير أي حركة له يسمى حركة بنية، يعني: حركة وزن وصيغة، زيد .. زَ .. زَ. الزا مفتوح، الفتحة هذه نسميها حركة إعراب أو حركة بناء؟ لا هذه ولا تلك، وإنما نسميها حركة بنية. وكذلك: زيدٌ، الدال هذه مضمومة، حركتها حركة .. زيدٌ، جاء زيدٌ، الحركة هذه حركة إعراب. طيب! قالت حذامي، الحركة هنا حركة بناء، ففرق بين الحركات الثلاث. وإنما سكن التاء الفعلي للفرق بين تائه وتاء الاسم، ولم يعكس لئلا ينظم ثقل الحركة إلى ثقل الفعل، هذا تعليل، قيل: مسلمةٌ .. فاطمةُ تحركت، وهنا قلنا: قامت، لماذا سكنت؟ قالوا: الفعل ثقيل والحركة ثقيلة، والاسم خفيف والحركة ثقيلة، فأعطي الخفيف الثقيل، أعطي الخفيف الذي هو الاسم الثقل الذي هو الحركة، وأعطي الثقيل الذي هو الفعل الخفيف الذي هو السكون، سلوكاً مسلك التعادل والتناسب، والله أعلم. والحركة العارضة نحو: ((قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ)) [يوسف:51] إذاً: نشترط في هذه التاء الساكنة أن تكون علامةً، إذا كانت ساكنةً أصالةً، فإن تحركت على جهة العرب، نقول: هل يخرجها على كونها علامةٍ أو لا؟ الجواب: لا، نحو ماذا؟ نحو: ((قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ)) [يوسف:51] قالت: هذا الأصل أنها ساكنة، ام .. التقى ساكنان، التاء والميم، والهمزة هذه تسقط في درج الكلام، ماذا نصنع؟ نحرك التاء بالكسر على الأصل بالتخلص من التقاء الساكنين .. ((قَالَتِ امْرَأَةُ)) [يوسف:51] وهذا واضح بكسر التاء لالتقاء الساكنين. وقالت امةٌ .. أمةٌ، ألقيت الحركة على التاء وحذفت، يعني: أريد التخلص من هذه الهمزة فألقيت حركتها على التاء، فقيل: قالت امةٌ، إذاً: هذه الحركة على التاء حركة عارضة، ولذلك إذا جئت تعرب: قالتُ .. قال: فعل ماضي، والتاء حرف تأنيث مبني على السكون المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة النقل. وإذا قلت: قالتِ امرأة .. قال: فعل ماضي، والتاء: حرف تأنيث مبني على السكون، أين السكون؟ مقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، والأصل هو السكون. وقالتا .. ((قَالَتَا أَتَيْنَا)) [فصلت:11] هنا حركت بماذا؟ بالفتح، والألف هذه فاعل، لماذا حركت؟ للتخلص من التقاء الساكنين؛ لأن الألف ساكنة والتاء ساكنة، لماذا كان خصوص الحركة الفتحة؟ لأن الألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً، لا مضموماً ولا مكسوراً.

إذاً: في هذه الأنواع الثلاثة، قالتِ امرأة .. قالتُ امة .. قالتا، نقول: هنا الأصل في التاء أنها ساكنة، وحركت عرضاً، ما الدليل على أن هذه الحركة لا تأثير لها في كون الأصل في التاء السكون، نقول: رمتا، (الهندان رمتا)، رمى: إذا اتصلت به تاء التأنيث، قلت: رمت هندٌ، رمت .. راء ثم ميم، ثم تاء، رمت، والأصل: رمى مثل: فتى، لما أريد اتصال التاء به التقى ساكنان: الألف والتاء، لا يمكن تحريك الأول، ولا يمكن حذف الثاني؛ لأنه حرف معنى، حينئذٍ حذفنا الألف، أليس كذلك؟ فقيل: رمت .. رمت، على وزن: فعت، اللام محذوفة .. رمت هندٌ. رمتا .. لما اتصلت الألف بالفعل الذي ألحقت به التاء حينئذٍ تحركت التاء لمناسبة الألف، أليس كذلك؟ حركت التاء لمناسبة الألف، لو كانت هذه الحركة معتبرة، نقول: هذه الحركة غير معتبرة، بل الأصل هو السكون، وهذه الحركة عرضاً، إذ لو كانت أصالةً، لرجعت الألف، لأننا نقول: رمتا .. رمت: حذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين، طيب! ورمتا، ليس عندنا ساكنان، في اللفظ ليس عندنا ساكنان، فلو كانت هذه الحركة معتبرة لرجعت الألف، فدل على أن التحرك هنا بالفتح إنما هو لمناسبة ماذا؟ الألف، ولا حذف إلا بحركة أصلية كما سيأتي في محله. أما تاء التأنيث المتحركة أصالةً فلا تختص بالفعل، بل إن كانت حركتها إعراباً اختصت بالاسم نحو فاطمة وقائمة، وإن كانت غير إعراب فلا تختص بالفعل، بل تكون في الاسم نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه كما سبق حركة بناء. وفي الفعل نحو هندٌ تقوم، نعم هو هذا الشاهد الذي أردناه .. هندٌ تقوم، التاء هذه تاء تأنيث، وحركت بماذا؟ بالفتح، هل حركتها حركة بناء أو بنية؟ نقول: بنية، لماذا؟ لأنها في أصل الكلمة، لما دخلت على المضارع وامتزجت به قلنا: صار كالحرف منه، كأنه جزء من الفعل المضارع، وإذا كان كذلك فهو كحركة الزاي من زيد، إذاً: هندٌ تقوم نقول: هذه حركة بنية. وفي الحرف نحو رُبَّةَ وثُمَّةَ على لغة تحريك تائيهما، وهما ولاةَ ولعلَّة على لغة من ألحق: لعلَّ تاء ساكنة، وليس من الحروف ما أنث بالتاء إلا هذه الأربعة فقط، لاةَ ولعلَّة .. لاتَ، أصلها: ولاةَ سيأتي في محله، لاةَ .. لا وزيدت عليها التاء، لعل .. لعلَّة، ورُبَّة وثُمَّة، فقط التي أنثت من الحروف، وما عداها فعلى الأصل. وبهاتين العلامتين .. إذاً: عندنا علامتان: بتا فعلت، المراد بها تاء الفاعل على جهة العموم الذي ذكرناه، وأتت: أي: تاء التأنيث الساكنة أصالةً، وكلا العلامتين علامة على الفعلية، فعلية الفعل الماضي، ولا تدخل على المضارع ولا على الأمر. وبهاتين العلامتين وهما تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة رُدَّ على من زعم من البصريين كالفارسي حرفية ليس قياساً على ما النافية، ليس، هل هي حرف أو فعل أو اسم؟ لم يكن ثم قول بأنها اسم، انتهينا بالإجماع .. بقي هل هي فعل أم حرف؟ عند الفارسي ونحوه أنها حرف، لماذا؟ لأنها لا تدل على حدث .. ليس فيها حدث، وإنما هي لمجرد النفي، مثل ما النافية، وما النافية حرف باتفاق.

حينئذٍ ليس مثلها، هذا نازعها شيء من جهة المعنى، فحينئذٍ لما ثبتت لها آثار الفعلية وهو كونها ترفع وتنصب، وهذا الأصل في الفعلية، ثانياً: كونها تتصل بها وهو الشاهد معنا .. كونها تتصل بها تاء الفاعل، حكمنا عليها بأنها فعل: ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)) [الغاشية:22] لست .. نقول: لست .. ليس، هذا الأصل فيها، ليس: هذه فعل بدليل ماذا؟ بدليل اتصال تاء الفاعل بها، وتاء الفاعل لا تتصل إلا بالفعل. وأجاب الفارسي: بأن لحاق التاء لليس لشبهها بالفعل في كونه على ثلاثة أحرف، وبمعنى ما كان، ورافعاً وناصباً، لكن هذا التعليل ضعيف، لماذا؟ لأنه من جهة الاجتهاد وجهة المعنى، وهنا اتصال التاء باللفظ من جهة اللفظ، فهو منطوق به، وخاصةً مجيئه في أفصح الكلام: ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)) [الغاشية:22] .. ((لَيْسُوا سَوَاءً)) [آل عمران:113] فهي فعل اتصل به الواو، وليس: صار مسنداً، وعلى من زعم من الكوفيين حرفية عسى، قياساً على لعلَّ، وبالثانية رد على من زعم من الكوفيين كالفراء اسمية: نعم، وبئس. إذاً: ليس، وعسى، ونعم، وبئس: أفعال على الصحيح، بدليل اتصال إحدى التائين المذكورتين تاء التأنيث أو تاء الفاعل بها، وهذا يكفي في ثبوت فعليتها، وما قيل من التعليل أنها حرف رجاء ونحو ذلك فهذا كله مردود؛ لأنه من جهة المعنى، ولأنه اجتهاد، ولأن ما اتصل بها من الألفاظ مقدم على المعاني، هذا هو الأصل في هذا، فاشترك التاءان في لحاق ليس وعسى .. لست .. ليست اتصل بها التاءات، ليس وعسى، عست هندٌ مفلحةً. ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ)) [محمد:22] تاء الفاعل، تاء الفاعل إذا كان المخاطب واحد، تقول: صليت .. هل صليت، أليس كذلك؟ تفتح التاء، نحن نقول: المخاطب تكون التاء مفتوحة بتا فعلت للمخاطب، ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ)) [محمد:22] التاء مضمومة هنا ما السر؟ لأن الميم الدالة على الجمع يناسبها ما قبلها أن يكون مضموماً، إذاً: إذا كان المخاطب بها جمع حينئذٍ ضمت، فهل عسيتم .. هل صليتم .. هل صمتم .. هل زكيتم؟ إلى آخره، نقول: التاء هنا تكون مضمومة. وأما في المخاطب المفرد، هل صليتَ .. هل صمتَ .. هل زكيتَ؟ تكون بالفتح، هذا تنبيه، إذاً: اشترك التاءان في لحاق ليس وعسى، وانفردت الساكنة .. تاء التأنيث الساكنة بنعم وبئس، ولا تتصل بها تاء الفاعل، أليس كذلك؟ نعمت المرأة هندٌ .. بئست المرأة دعدٌ. وانفرد التاء الفاعل بتبارك على قولٍ، تبارك .. تباركت يا الله، وهل تتصل به تاء التأنيث الساكنة؟ هذا محل النزاع، والظاهر أنها تتصل؛ لأنه يقال: تباركت أسماء الله، وقيل: تبارك تقبل التائين، تقول: تباركت يا الله، وتباركت أسماء الله. بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي .. أتت: هذه نقول التاء: تاء التأنيث الساكنة، وكذلك تاء الفاعل، تتصل بكل فعل ماضٍ إلا أربعة أنواع، لا تقبل إحدى التائين البتة: الأول: أفعال التعجب، ما أحسن زيداً .. ما أحسن عمرواً .. ما أحسن هنداً يبقى على الأصل، أفعال التعجب لا تقبل لا تاء الفاعل ولا تاء التأنيث. ثانياً: حبذا في المدح، لا يقبل تاء التأنيث ولا تاء الفاعل.

الثالث: أفعال الاستثناء، خلا وعدا وحاشا، جاء القوم ما عدا زيداً .. ما عدا هنداً .. لا يقبل التأنيث. الرابع: كفى، في قولهم: كفى بهندٍ، لا تقل: كفت بهندٍ؛ لأن الباء هذه زائدة، وهندٍ ما إعرابه؟ كيف نعربه؟ كفى: فعل ماضي، بهندٍ: الباء حرف جر زائد، وهندٍ: فاعل مرفوع، صحيح؟ فاعل مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وهذا واقع في القرآن فلا تنكروه: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3] خالقٍ: هذا مبتدأ دخلت عليه من الزائدة، حينئذٍ، خالقٍ: مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] بشيرٍ: فاعل مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، أليس كذلك؟ ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ)) [النساء:64] رسولٍ: مفعول به، ومن: هذه زائدة .. صلة، يعني: توكيد، قل: هذا أو ذاك فلا بأس، القول بالزيادة في القرآن إذا فهم المعنى لا بأس بها. بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي .. ويا افعلي: بقصر ياء للوزن، يعني: ياء المخاطبة، ويشترك في لحاقها الأمر والمضارع، إذاً: ليست خاصة بـ: فعلي الذي هو الأمر، بل هي مشتركة بين فعل الأمر: اركعي، اركعي، نقول: هذا فعل أمر، واتصلت به ياء المخاطبة. أنتي تقومين، الياء هذه ياء .. ما نوعها؟ ياء المخاطبة، ولا نقول: ياء الضمير. ويشترك في لحاقها الأمر والمضارع نحو: قومي يا هند، وأنتي يا هند تقومين، فهي مشتركة بخلاف تا فعلت وأتت، ولم يقل: ياء الضمير، أو ياء المتكلم للحوقهما الاسم والفعل والحرف، مر بي أخي فأكرمني، مر بي: هذه ياء المتكلم، دخل عليها حرف الجر، إذاً: ليست من خواص الاسم .. ليست من خواص الفعل، مر بي: اسم مجرور بالباء، أخي: أضيف إلى الاسم، فأكرمني: هذه ياء المتكلم في الثلاث، ياء المتكلم: مر بي أخي فأكرمني، مثال واحد يشمل الجميع. إذاً: ياء المتكلم ليست خاصةً بالفعل ولا بالاسم ولا بالحرف، بل يدخل عليها الحرف وتضاف وكذلك تنصب، فأكرمني: هنا اتصلت به ياء المتكلم، وبهذه العلامة رد على من قال بأن هاتِ: بكسر التاء، وتعالي: بفتح اللام اسما .. فعلي أمر، فهات بمعنى: ناول، وتعالي بمعنى: أقبل أو تعال، هذه الأفعال هاتي وتعالَ هل هما اسما فعْلِ أمر، أو فعْلُ أمر؟ الصواب الثاني، بدليل ماذا؟ تقول: هاتي يا هند، وتعالي يا هند، قبل الياء على الصحيح، والصحيح أنهما فعلا أمر مبنيان على حذف حرف العلة إن خوطب بهما مذكر، وعلى حذف النون إن خوطب بهما مؤنث، فقوله: ويا افعلي، أي: لا خصوص للاحقة للأمر وإن أوهمته العبارة، بل لا بد من التعميم كما ذكرناه سابقاً. يا افعلي: ياء مضاف، وافعلي: مضاف إليه، هل المضاف إليه قيد في المضاف، هل هو قيد، يعني: ياء افعلي متصلة بفعل الأمر احترازاً عن غيره، أم أنه لبيان الواقع؟ لبيان الواقع، لماذا؟ لأن هذه الياء ليست خاصة بفعل الأمر بل بتدخل الفعل المضارع.

ونونِ أقبلنَّ .. ونونِ بالجر، عطفاً على تاء، يعني: بنون أقبلن، يعني: ونون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة نحو: أقبلن، أقبلنَّ: هذا فعل أمر اتصلت به نون التوكيد الثقيلة، هل اتصال نون التوكيد الثقيلة خاص بفعل الأمر؟ الجواب: لا، وإن أوهمته عبارة المصنف، بل هو عام، لا خصوص هذا الفعل، لماذا؟ لأنه يدخل الفعل المضارع: ((لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ)) [يوسف:32] ونحو: ((لَنَسْفَعاً)) [العلق:15] وقد اجتمعا في قوله: ((لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً)) [يوسف:32]. وأما لحاقها اسم الفاعل في قوله: أَشَاهِرُنَّ بَعْدَنَا السُّيُوفَا وقوله: أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُوْدَا ، فهذا شاذ لا يعول عليه، يعني: يحفظ ولا يقاس عليه، وسهَّلَه مشابهته للمضارع لفظاً ومعنىً. إذاً: هذه أربع علامات للفعل، لكن المصنف هنا قال: فعل ينجلي، بهذه المسائل، بهذه العلامات، هل أراد خصوص فعل، أم أطلقها مشتركة ثم فصل بعد ذلك؟ الثاني، ولذلك نقول: فعل هنا: المراد به المصدقات، بقطع النظر عن كونه مضارعاً أو ماضياً أو أمراً، فعل: قلنا: هذا اسم، أليس كذلك؟ اسم لكلمة مخصوصة يصدق على أي شيء؟ على الأفعال الماضية والأفعال المضارعة والأمر، هل هنا عين نوعاً واحداً من هذه الأنواع؟ الجواب: لا، لأنه سيأتي: فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ ... وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ ... فأجمل أولاً ثم فصل ثانياً. فِعْلٌ يَنْجَلِي: .. يعني: يظهر بما ذكرناه، قال السيوطي في جمع الجوامع: جميع ما ذكره الناس من علامات الفعل بضع عشرة علامة، وهي: تاء الفاعل أولاً، ثانياً: ياؤه، ثالثاً: تاء التأنيث الساكنة، رابعاً: قد، خامساً: السين، سادساً: سوف، سابعاً: لو، ثامناً: النواصب لن .. يعني: لن وأخواتها، تاسعاً: الجوازم، عاشراً: أحرف المضارعة، على الصحيح وإن أنكرها ابن هشام، الحادي عشر: نونا التوكيد، ثاني عشر: اتصاله بضمير الرفع البارز، ثالث عشر: لزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية، سيأتي: وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ، ثالث عشر: لزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية، رابع عشر: تغيير صيغته لاختلاف الزمان. هذه أربع عشرة علامة، أكثر ما قيل في ما يميز الفعل عن قسيميه الاسم والحرف هو وجود واحد من هذه العلامات، لكن لا يشترط أن توجد بالفعل ولا يشترط أن يقبل الفعل كل العلامات، بل قد يقبلها بعضها والبعض لا يقبله كما ذكرناه في الاسم. فمعنى البيت: ينجلي الفعل بتاء الفاعل، وتاء التأنيث الساكنة، وياء الفاعلة، ونون التوكيد، حينئذٍ جعل البيت .. قال: ينجلي، جملة فعلية أو اسمة؟ فعلية، لو أردناه جملة اسمية، نقول: الفعل ينجلي بتاء الفاعل، على الإعراب الذي ذكرناه، وهو لم يجعله على الإعراب المشهور. ينجلي الفعل، يعني: يظهر وينكشف ويتميز عن قسيميه الاسم والحرف بتاء الفاعل، وما عطف عليه. سِوَاهُمَا الْحَرْفُ .. سوى ماذا؟ سوى الاسم والفعل، لكن هذا غلط، لماذا؟ لأن سواهما، الحرف .. سوى الاسم والفعل هذا معلوم؛ لأنه قال:

وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ .. علم من هذا التركيب أن الحرف سوى الاسم والفعل، صحيح؟ إذاً: سواهما الحرف .. يعني: سوى الاسم والفعل بهذا التقدير نقول فيه نظر، ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه لا فائدة فيه، وإنما يكون تكراراً مع ما سبق؛ لأن سوى الاسم والفعل معلوم من قوله: واسم وفعل ثم حرف، ولا شك أن الاسم سوى الفعل، وأن الفعل سوى الاسم، يعني: غيره؛ لأن سوى بمعنى: غير، وكذلك الحرف سوى الاسم والفعل. لكن المراد هنا سواهما الحرف، أي: سوى قابلي العلامات، لا بد من التقدير، سوى قابلي العلامات التسع المذكورة؛ لأنه ذكر خمساً للاسم وأربعاً للفعل فهي تسعة، ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل –الحرف-، هذا مراد المصنف، هو يريد أن يبين ماذا؟ هل أراد أن يبين أن الحرف قسم للاسم والفعل، أم ما يميز لنا الحرف عن غيره؟ الثاني، وإذا فسرنا سواهما: سوى الفعل والاسم حينئذٍ رجعنا إلى الأصل، وهذا نقول: فاسد؛ لأن تميز الحرف عن الاسم والفعل بذاته هذا معلوم مما سبق، وإنما المراد هنا: ذكر علامة تميزه عن غيره. فقال: علامة الحرف عدمية، هذا مراده، سوى، يعني: غير، قابلي علامات الاسم والفعل التسع المذكورة فهو الحرف، فما مر بك من لفظ ولا تدري هل هو اسم أو فعل أو حرف أدخل عليه علامات الاسم، فإن قبلها أو قبل واحداً منها فاحكم باسميته، فإن لم يقبل شيئاً من علامات الأسماء تأتي إلى المرتبة الثانية: تدخل عليه شيئاً من علامات الفعل، فإن لم يقبل شيئاً من علامات الفعل فاحكم عليه بأنه حرف، لماذا؟ لأن القسمة ثلاثية حصر لا رابع لها، إذا انتفى كونه اسماً وانتفى كونه فعلاً تعين الثالث، وهو أنه حرف، ولذلك نقول هنا: العلامة عدمية، لكنها ليست عدماً مطلقاً بل عدماً مقيداً، يعني: ما لم يقبل علامة الاسم ولا علامة الفعل. العدم المطلق لو أحلناه على شيء مجهول غير معروف، قلنا: لا يقبل علامةً، علامة ماذا؟ هذا عدم مطلق، لا يصح أن يكون علامةً على الحرف؛ لأن الحرف موجود، والعدم كاسمه عدم ليس بشيء، فكيف يجعل العدم الذي ليس بشيء علامةً على وجود الحرف؟ نقول: هذا في العدم المطلق، أما في العدم المقيد بانتفاء علامات الاسم أو علامات الفعل فهو وارد ولا إشكال فيه. ولذلك قال الحريري هناك: والحرفُ ما ليستْ لهُ عَلامَهْ ... فَقِسْ على قَولي تَكُنْ عَلامَهْ الحرف ما ليست له علامة وجودية، لا بد من التقدير، ليس المراد ما ليس له علامة؟ لا، له علامة لكنها علامة عدمية مقيدة، واضح هذا؟ إذاً: سواهما الحرف .. سواهما، أي: سوى قابلي العلامات التسع المذكورة الحرف، ما إعراب سواهما الحرف؟ مبتدأ وخبر، سوى: معرفة أو نكرة، والحرف: معرفة أو نكرة؟ سواهما على قولكم معرفة، والحرف معرفة، وحينئذٍ يجوز الوجهان. إذا كان كل منهما معرفة، نقول: يجوز الوجهان، لكن الأولى أن يجعل الحرف مبتدءاً، وسواهما: خبراً مقدماً؛ لأن الذي تحدث عنه ويتكلم عنه هو الحرف، فإذا كان كذلك فهو المحكوم عليه، وهو أولى.

فإن قيل: ابن مالك رحمه الله يرى أن سوى، بمعنى: غير، وأن غير لا تتعرف بالإضافة، فحينئذٍ كيف نجعل: سواهما معرفةً ونجوز الوجهين؟ عرفتم الإشكال، سوى .. سواهما، قلنا: هذه نكرة مضافة إلى الضمير فاكتسبت التعريف، هذا الظاهر، ولكن سوى كغير، وغير لا تتعرف بالإضافة، هل سواهما معرفة هنا أو لا؟ معرفة، ليس بمعرفة .. القاعدة صحيحة، لكن يستثنى في المضاف الذي تضاف إليه غير ولا يكون معرفاً لها ألا تقع بين ضدين، فإن وقعت بين ضدين فحينئذٍ اكتسبت التعريف. الحركة غير السكون، الحركة: هذا مبتدأ، وغير: خبر، وهو مضاف والسكون مضافاً إليه، السكون مضاف إليه معرفة أو لا؟ معرفة، وغير: نكرة، هل اكتسبت النكرة المضاف هنا غير التعريف من المضاف إليه أم لا؟ اكتسبته، لماذا؟ لأنها وقعت بين ضدين، أما لو قيل: زيد غير عمروٍ، اكتسبت التعريف؟ لا؛ لأنها ليست بين ضدين، فغير عمرو، غير: مضاف، وعمروٍ: مضاف إليه وهو معرفة علم، لكن غير ما زالت نكرة لم تكتسب التعريف، هذا سيأتي في محله. هنا: سواهما، سوى هل أضيف إلى ما هو ضد للاسم والفعل؟ سواهما، يعني: سوى الفعل والاسم، يعني: سوى قابلي علامات الاسم والفعل، إذا كان التقسيم محصوراً في ثلاثة أنواع فحينئذٍ صارت القسمة مقابلة: اسم وفعل يقابلها الحرف، مثل الحركة والسكون، فإذا كان كذلك حينئذٍ صح أن يقال: بأن سوى هنا اكتسبت التعريف من الضمير، وهذا هو الظاهر. إذاً: سواهما الحرف، قال: كهل، سواهما، أي: أي سوى قابلي العلامات التسع المذكورة الحرف، وسواهما: خبر مقدم، والحرف مبتدأ مؤخر؛ لأنه المحدث عنه فهو المبتدأ، وقلنا: التسع المذكورة لماذا؟ لأننا لو عممنا في العلامات وجعلناها شاملةً للعلامات التي لم تذكر هنا لكان في الكلام إحالة على مجهول، يعني: لماذا نقول: التسع، سوى قابلي العلامات التسع؟ لأننا لو قلنا: سوى قابلي علامات الأسماء والفعل، قلنا: الأسماء علاماتها أكثر من ثلاثين، وهذه أكثر من الأربعة التي ذكرها المصنف، ففيها إحالة على مجهول، لكن نقول: هذه الإحالة مغتفرة هنا؛ لأنها إحالة على المُوَقِّفْ، يعني: المعلِّم، كما ذكرناها، فإن قيل: من الأسماء ما لا يقبل شيئاً من هذه التسع كقط وعوضُ، قلنا: هذا ليس بمطرد، يعني: العلامة هنا ليست بمطردة قد يقبل بعضها علامات ولا يقبل الآخر، بل قد لا يقبل علامةً البتة، حينئذٍ إذا لم يقبل علامةً البتة رجعنا إلى الحد. بعض الأسماء قد لا يقبل شيئاً من العلامات، هل عدم قبوله لشيء من العلامات ينفي اسميته؟ نقول: لا، لماذا؟ لأن عندنا شيئين يميز الاسم عن الفعل والحرف، أولاً: الحد فنطبق الحد، فإن دل اللفظ على معنىً غير مقترن بزمان صدق عليه أنه اسم، ولو لم يقبل شيئاً من العلامات، كذلك القول في الفعل.

سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ وَفي وَلَمْ كهل، يعني: وذلك كهل، قسم لنا الحرف إلى ثلاثة أقسام؛ لأن الحرف الذي هو حرف معنى، إما أن يكون مشتركاً بين الاسم والفعل، يعني: يدخل على الاسم، ويدخل على الفعل، مثل له بهل .. كهل: ((فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ)) [الأنبياء:80] جملة اسمية، ((هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ)) [المائدة:112] جملة فعلية، إذاً: هل: مشتركة بين الاسم والفعل، تدخل على الاسم وتدخل على الفعل. وفي .. هذا إشارة إلى الحرف المختص، والمختص قسمان: مختص بالاسم كـ: في، ومختص بالفعل كـ: لم، إذاً: هذا التعداد هو مقصود لبيان هذه الأنواع الثلاثة، أن الحرف ثلاثة أنوع على جهة التفصيل: حرف مشترك وحرف مختص بالاسم كـ: في، وحرف مختص بالفعل، ثم كل من هذه الثلاث إما مهمل وإما عامل فالنتيجة ستة. حرف مشترك عامل. حرف مشترك غير عامل –مهمل-. حرف مختص عامل. وحرف مختص بالاسم غير عامل، مختص بالاسم عامل. حرف مختص بالفعل وهو مهمل غير عامل. وحرف مختص بالفعل وهو عامل. هذه كلها ستة، ولذلك أشار إليها بقوله: كهل وفي ولم .. كهل: الكاف هذه حرف، وهل: حرف، وسبق أن الحرف لا يدخل إلا على الاسم، حرف كاف، كيف دخل على: هل؟ قصد لفظه، إذاً: صار علماً .. صار اسماً، هل هنا اسم، فالكاف: حرف جر، وهل، نقول: اسم مجرور بالكاف، قصد لفظه، مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الحكاية، وهنا قد أتى به ساكنة. سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ وَفي وَلَمْ ... فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ الأفعال ثلاثة: إما مضارع، وإما ماضٍ، وإما أمر، وهذا التقسيم باعتبار الزمن لا باعتبار شيء آخر، فالأفعال باعتبار أنواعها لا باعتبار صيغها إذ هي لا تنحصر ثلاثة، أي: الأفعال من حيث الزمن لا بالنظر إلى غيره؛ لأن الأفعال باعتبار التجرد وعدمه تنقسم إلى قسمين، وباعتبار التمام والنقصان تنقسم إلى قسمين، إذاً: لها اعتبارات مختلفة، ولكن باعتبار الزمن تنقسم إلى ثلاثة، ودليله التتبع والاستقراء. فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ: فِعْلٌ هذا مبتدأ، ومضارع: هذا نعته صفة له، يلي، يعني: يتبع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، كيشم: هذا مثاله، وذلك كيشم .. فهو خبر لمبتدأ محذوف، فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ بمعنى: أن المضارع يتميز عن أخويه الماضي والأمر بقبوله للم، ولم: هذه حرف نفي وجزم وقلب، كيشم، يعني: مثل هذا الفعل يشم .. يشَم: بفتح الشين مضارع شمِمْتْ الطيب بالكسر من باب علم يعلم، شممت يشم، وهذه اللغة الفصحى، وجاء أيضاً من باب ينصر ينصر، حكاهما الفراء وابن الأعرابي. هل هذا المثال لفعل مضارع دخلت عليه: لم، أم لا؟ قالوا: هذا تأخير من تقديم، والأصل: فِعْلٌ مُضَارِعٌ كَيَشَمْ يَلِي لَمْ

إن وليه حينئذٍ حكمنا عليه بأنه فعل مضارع، وأما في هذا التركيب؛ لأنه لو أراد الفعل المضارع الجزم عليه بأنه فعل مضارع، قال: كلم يشم، فأدخل عليه لم، لكن نقول: هذا تأخير من تقديم، فعل: مبتدأ، ومضارع: نعته، وخبره: الجملة يلي، وقوله: كيشم مثال للمضارع قبل دخول لم، لا للمضارع بعد دخول لم، لماذا؟ لأنه متأخر من تقديم، والأصل: فعل مضارع كيشم يلي لم، لا مثال للمضارع المقترن بلم، إذ لو كان كذلك لقال: كلم يشم، وهذا واضح بين. إذاً: فعل مضارع يختص بلم، وهذه لم كما قلنا: حرف نفي وجزم وقلب، نفي: لأنها تنفي الحدث، لم يضرب زيدٌ عمرواً، لم يضرب نفت الحدث وقوعه، وجزم: لأنها تعمل الجزم في الفعل المضارع، وقلب: لأنها قلبت الزمن من الحال إلى الماضي، ولذلك سبق أن: لم يضرب: هذا ماضٍ من جهة المعنى، لا من جهة اللفظ، أما في اللفظ فهو مضارع. فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ وهل يتميز الفعل المضارع بغير لم؟ الجواب: نعم، ولذلك ابن هشام رحمه الله في قطر الندى جعل هذه علامةً تبعاً لابن مالك، وابن مالك هنا ميز الفعل المضارع عن الماضي والأمر بلم، ولم يجعله متميزاً عنهما بحروف أنيت، والصحيح أن تمييز الفعل المضارع بحروف أنيت أولى من تمييزه بلم، على خلاف ما قرره ابن هشام هناك رحمه الله تعالى. وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ ... بِالنُّونِ فِعْلَ الأمْرِ إِنْ أمْرٌ فُهِمْ هذا داخل في الأبيات السابقة؛ لأنه عمم أولاً قال: بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي ... وَنُونِ أقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِي فِعْلٌ سواء كان ماضياً أو مضارعاً أو أمراً، أراد أن يفصل لنا كل فعل، ما الذي يدخل عليه من تلك العلامات، فبدأ بالمضارع، وقدمه على الماضي والأمر لشرفه بالإعراب كما سيأتينا في قوله: وَأَعْرَبُوْا مُضَارِعَاً، ولم سمي الفعل مضارعاً، وما وجه إعرابهم؟ ثم ثنى بالفعل الماضي للاتفاق على أنه مبني بين الكوفيين والبصريين، وثلث بفعل الأمر لوجود الاختلاف بين الطائفتين، يعني: الكوفيين والبصريين. وَمَاضِيَ الأفْعَالِ .. الإضافة هنا على معنى: من التبعيضية، يعني: الماضي من الأفعال؛ لأن الأفعال ماضي وغيرها، فحينئذٍ لا بد من التقدير، وماضي الأفعال، يعني: الماضي من الأفعال، إذ ليس كل الأفعال فعل ماضي، وماضي بالنصب على أنه مفعول به لقوله: مز. مِز: هذا فعل أمر، من ماز يميزه، يقال: مزته فامتاز وميزته فتميز، يعني: يكون مخففاً ويكون مثقلاً، مز، أي: علم وميز وافصل ماضي الأفعال: الماضي من الأفعال، بالتاء، أي تاء؟ تاء فعلتَ وتاء أتتْ، إذاً: أل هذه ماذا نسميها؟ أل: عهدية، والمعهود التاءان؛ لأن الشيء إذا كان نكرةً وأعيد معرفةً فهو عين الأولى، وهو قال: تاء فعلت، وتاء أتت، نكرة؛ لأن تاء نكرة، وفعلت هذا نكرة، فحينئذٍ هل قوله: بالتاء يحمل على أن التاء هنا للعهد، يعني: عهد تاء الفاعل دون تاء التأنيث، أو تاء التأنيث دون تاء الفاعل .. هل المعهود أحد التائين أم الثنتان؟ الثنتان، لماذا؟ لأن الفعل الماضي يختص بتاء الفاعل، ويختص بتاء أتت.

فحينئذٍ إذا قيل: أل للعهد لا يلزم منه الاكتفاء بأحد التائين دون الأخرى، بل المراد بالعهد هنا جنس التاء الصادقة بتاء الفاعل، وتاء التأنيث، إذاً: أل للعهد الذكري، والمعهود التاء المتقدمة بنوعيها، أي: تاء فعلتَ وتاء أتت، فالمعهود حينئذٍ أمران: تاء الفاعل وتاء التأنيث. مِز ماضي الأفعال بالتاء، وسم فعل الأمر بالنون، أي نون؟ ونون أقبلن، التي هي نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، سم يعني: علِّم، فعل الأمر بنون التوكيد الثقيلة .. اجعله علامةً عليه، متى؟ قيده: إن أمر فهم، يعني: إن فهم أمر فهم، من باب قوله: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6]. إنْ أَمَرٌ .. إن: حرف شرط، وحرف الشرط لا يليه إلا الفعل، أين الفعل هنا؟ نقول: محذوف وجوباً، يفسره الفعل المذكور بعده، ولذلك نقول: من باب: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6] والأصل: وإن استجارك أحد من المشركين، فحينئذٍ هذا الفعل المحذوف وجوباً هنا لوجود المفسر، نقول: فسره هذا اللفظ، هذا مثله: وإن .. إن أمر فهم، ما المراد بالأمر هنا؟ هل المراد به الأمر الاصطلاحي، أو الأمر اللغوي؟ الثاني، والمراد بالأمر اللغوي هو الطلب، يعني: إن أمر فهم: إن طلبٌ فُهِم من اللفظ بصيغته، لا بد من هذا التقييد، إن أمر فهم، يعني: إن طلب فهم من اللفظ بصيغته، فالعلامة حينئذٍ مركبة من شيئين: قبوله نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، مع دلالته على الطلب. بصيغته: احترازاً مما لو قبل النون ودل على الطلب بواسطة، مثل ماذا؟ ((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ)) [الطلاق:7] لينفق: نقول: لينفق، هذا طلب أو لا؟ طلب لا شك، لكنه هل هو بالصيغة أو بواسطة؟ الثاني، وهي دخول لام الأمر على الفعل؛ لأن أصله: ينفق، ليس فيه طلب، لما دخلت عليه اللام لام الأمر أفاد الطلب. إذاً: لا يكون أمراً اصطلاحياً إلا إذا دل اللفظ عليه بذاته بصيغته، فإن كان بواسطة فحينئذٍ يمتنع كونه فعلاً، يعني: فعل أمر. وسِمْ بالنون، قلنا: أل هذه للعهد الذكري، أي: قبولها، بالنون المذكورة سابقاً، أي: نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، إن أمر فهم من اللفظ، أي: من صيغته، فلا يرد المضارع المقرون بلام الأمر؛ لأن انفهام الطلب ليس من صيغة المضارع بل من اللام. ثم قال: واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ ... فِيهِ هُوَ اسْمٌ نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ في الأفعال السابقة: كل ما دل على معنى الفعل الماضي ولم يقبل علامته فهو اسم فعل ماضي، وكل ما دل على معنى المضارع ولم يقبل علامته فهو اسم فعل مضارع، وكل ما دل على الأمر الطلب ولم يقبل علامته فهو اسم فعل أمر، إذاً: ثلاثة أشياء: اسم فعل ماضي، واسم فعل أمر، واسم فعل مضارع. الناظم هنا لم يذكر إلا نوعاً واحداً، لماذا؟ لكثرته، ترك اسم الفعل المضارع، وترك اسم الفعل الماضي، كهيهات، وشتان، لماذا؟ لقلته، أما اسم فعل الأمر فهو كثير ولذلك ذكره: واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ ... فِيهِ هُوَ اسْمٌ نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ

قلنا: ذكر في هذا البيت ما يتعلق باسم فعل الأمر دون أخويه، لماذا؟ لكثرته، وأما اسم فعل الماضي والمضارع، فهذا لقلته لم يعرج عليه الناظم، وسيأتي باب خاص باسم الفعل، وستأتي أحكامه المتعلقة به هناك، وهنا المراد التنبيه على اسم فعل الأمر، والأمر، ما المراد به الأمر الاصطلاحي أو اللغوي؟ والأمر إن لم يك للنون محل .. يعني: لا يقبل نون التوكيد، إذاً: انتفت عنه العلامة، دل من جهة المعنى على ماذا؟ على ما يدل عليه الأمر الاصطلاحي، وهو الطلب، إن أمر فهم: وجد هذا القيد، صه، نقول: وجد فيه القيد وهو الدلالة على ماذا؟ على الطلب، اسكت، لكن هل يقبل نون التوكيد؟ الجواب: لا، إذا دل على معنى الفعل ولم يقبل علامته فحينئذٍ نقول: هو اسم وليس بفعل. والأمر، يعني: الأمر اللغوي، أي: الطلب، لكن لا بد هنا من التقدير؛ لأن الأمر معنى من المعاني، وهو قال في الخبر عنه: هو اسم، وهذا حكم على اللفظ، الأمر يعني: الطلب، الأمر: مبتدأ، إن لم يك للنون محل: جملة معترضة الشرط، هو اسم، الجملة من المبتدأ والخبر خبر عن المبتدأ. الأمر: هو اسم، المخبر عنه معنى، وهو الطلب، والخبر لفظ، ليس بينهما تطابق، لا بد من التقدير في الأول، فنقول: دال الأمر، يعني: ما يدل على الأمر، وهو اللفظ، صه: هذا دال على الطلب، فحينئذٍ صح التطابق بين المبتدأ والخبر. والأمر، أي: اللفظ الدال على الطلب بنفسه، فخرج لام الأمر؛ لأن دلالة الحرف بغيره، وفي كلام المصنف هنا: والأمر حذف مضاف، أي: دال الأمر، وأن المراد بالأمر: الأمر اللغوي لا الاصطلاحي فلا منافاة بين المبتدأ والخبر. إن لم يك، وأصلها: يكن، حذفت النون هنا تخفيفاً: وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ سيأتينا إن شاء الله في محله، للنون، يعني: السابقة نون التوكيد الثقيلة والخفيفة، محل: يعني: حلول فيه، فهو مصدر ميمي، إن لم يك للنون محل، يعني: حلول وقبول للكلمة مع دلالته على الطلب، فيه: يعني: في نفس اللفظ، هو اسم، لم يقل: هو اسم فعل أمر، بل قال: هو اسم، لماذا؟ لأنه قد يكون مصدراً، ضرباً زيداً (فَصَبْراً فيِ مَجَالِ المَوْتِ صَبْراً)، يعني: اصبروا، صبراً: هذا مصدر دل على الطلب أو لا؟ صبراً .. ضرباً زيداً .. ((فَضَرْبَ الرِّقَابِ)) [محمد:4] نقول: هذا معناه: اضربوا، صبراً معناه: اصبروا، إذاً: دل على الطلب، ولم يقبل النون، هو مصدر، وليس باسم فعل أمر، ولذلك أطلقه ولم يقيده وإنما مثَّل باسم فعل الأمر كمثال فحسب. نحو صه، بمعنى: اسكت، هذا دال على الطلب ولا يقبل نون التوكيد الثقيلة ولا الخفيفة، فحينئذٍ نقول: هو اسم فعل أمر؛ لأنه دل على معنى فعل الأمر ولم يقبل علامته. وحيهل، حيهلا .. حيهلل ثلاث لغات، فحينئذٍ نقول: حيهل، بمعنى: أقبل أو عجل أو قدم، هنا دل على معنى فعل الأمر، وهو الطلب، المعنى اللغوي، لكنه لم يقبل علامته من حيث قبول النون، فنقول: هو اسم فعل أمر.

كلا، بمعنى: انته، دل على الطلب أو لا؟ دل على الطلب، هل يقبل هذا الحرف نون التوكيد؟ نقول: لا؛ لأنه من علامة الأفعال، فحينئذٍ قوله: هو اسم هذا يشمل المصدر ويشمل اسم فعل الأمر، مثَّل للثاني وترك الأول لشهرته. واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ .. يعني: حلول، فيه فهو مصدر ميمي، فيه هو اسم .. يعني ليس بفعل أمر، بل هو اسم، نحو صه وحيهل، نحو، يعني: مثل، وذلك نحو .. والمثال قد يكون بجزء من اللفظ كله، فإذا قيل: هو اسم، الاسم يصدق على اسم فعل الأمر، والاسم يصدق على المصدر فحينئذٍ التمثيل بنوع لا يلزم منه انتفاء النوع الثاني، بل هو اسم، إما مصدر نحو: فنذلاً زريق المال، أي: انبذ وإما اسم فعل نحو: صه، فإن معناه: اسكت، وحيهل، ومعناه: أقبل أو قدِّم أو عجِّل، الأمر مبتدأ وقوله: هو اسم خبره وجواب الشرط محذوف دل عليه المذكور، ولذلك قال هنا: فصه وحيهل، اسمان وإن دلا على الأمر، لعدم قبولهما نون التوكيد، فلا تقول: صهَّنَّ، ولا حيهلنَّ .. لا تقبلهم. لكن ابن هشام رحمه الله في أوضح المسالك انتقد المصنف في التمثيل بصه وحيهل، قال: الأولى أن يمثل بنزال ودراك، لماذا؟ لأن صه وحيهل علمت اسميتهما بقوله: بالجر والتنوين، صحيح؟ بالجر والتنوين، قلنا: مراد المصنف أربعة أنواع منها: تنوين تنكير وهو الداخل لنحو صه، وحيهلاً، إذاً: من ذاك الموضع علم أن صه اسم وليس بفعل، وأن حيهل اسم وليس بفعل، إذاً: هنا قوله: نحو صه وحيهل، يعتبر تكراراً أو لا؟ يعتبر تكراراً، فلذلك قال: لو مثَّل بنزال ودراك، قال: فإن قبلت الكلمة النون ولم تدل على الأمر فهي فعل مضارع نحو: ((لَيُسْجَنَنَّ)) [يوسف:32] والعكس كذلك، اسم فعل أمر كنزال ودراك، بمعنى: إنزل وأدرك، قال ابن هشام: وهذا أولى من التمثيل بصه وحيهل، فإن إسميتهما معلومة مما تقدم، لكونههما يقبلان التنوين. وسيأتي مزيد البحث عن أسماء الأفعال في محله. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

9

عناصر الدرس * شرح عنوان الناظم * هل الإعراب لفظي او معنوي؟ * علة بناء الإسم عند الناظم * مايدخله الإعراب. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ - هذا يقول: لماذا التنوين في جمع المؤنث السالم لا يصح أن يكون تمكيناً؟ - ذكرناه أنه وجد في عرفاتٍ، ونحوها، عرفات هذا ممنوع من الصرف، وأذرعاتٍ كذلك ممنوع من الصرف. - ومسألة الإعراب على الحكاية هل يصح فيه التأويل مثل: لا إله إلا الله -هي كلمة الإخلاص-، وللفظ: لا إله يعرب كما هو على .. - ذكرناه بالأمس أنه قصد لفظه: لا إله إلا الله، أي: هذا اللفظ أخبر عنه بكلمة الإخلاص، وأما إذا قيل: لا إله إلا الله هي كلمة الإخلاص، فلا إله: هذا مبتدأ أول، وهي مبتدأ ثاني، وكلمة الإخلاص: خبر ثاني، والجملة خبر الأول. - ذكرتم عند الكلام على أن الضمائر المتصلة لا تكون إلا مسنداً إليه، أنَّ -أنا- لا يكون إلا مسنداً إليه. - هذا هو الظاهر، هل يأتي خبر؟ ائت بمثال .. - هذا مسند إليه. - نعم، القائم: هذا اسم فاعل محلى بأل، وأنا نجعله إما توكيداً وإما أنه فاعل، هذا مسند إليه، هل يأتي المسند خبر؟ ما أعرف أنه يأتي مسنداً، إنما يكون مسنداً للعهد. - الذي قام أنا؟ هذا ركيك، ما أظن .. لو أردنا على المثال يكون صحيح يستقيم عليه التأصيل؛ لأن هذه الأمور استقرائية، الحكم على كون اللفظ يقع مسنداً ومسنداً إليه هذا بحسب الاستقراء، يعني: ينظر في لسان العرب، ما لا يقع إلا مسنداً، قلنا: أسماء الأفعال، إذاً: هل يقاس عليها غيرها؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن المسألة سماعية، حينئذٍ نقتفي ما أثر، هذا الأصل. - لماذا أصبح كلمة بها كلام وقد يؤم لا يقبل، أرجو الإفادة، أم أن الذي لا يقبل هو الشطر الثاني من البيت الأول؟ - لا، هو كلمة بها كلام وقد يؤم، قلنا: هذا كما قال السيوطي: من أمراضها التي لا دواء لها، لماذا؟ لأن هذا المصطلح كما نص ابن مالك نفسه منكر في كتب النحاة، فلا يستعمل في هذا المعنى، يعني: لا ينص، ولذلك إذا استعمل عندهم يعتبر مجازاً مهملاً. - أسماء الاستفهام، ألا يقال فيها كما قيل في أسماء الأفعال، من كونها مسنداً لا مسنداً إليه؟ - تقع مسنداً إليه، هذا هو الأصل، لذلك باب القياس فيما يسند ويسند إليه ممتنع، إنما هو سماعي، فما حفظ من كونه لا يقع إلا مسنداً أو لا يقع إلا مسنداً إليه، أو لا يقع مسنداً ولا مسنداً إليه، هذا بابه القياس، فإن لم يكن من هذه الألفاظ المحفوظة حينئذٍ يصير من النوع الأول وهو الأصل والأكثر أنه يسند ويسند إليه. - هذا يقول: لو قلنا أن الحرف يتميز بكونه غير قابل للعلامات السابقة في الاسم والفعل، يرد على هذا كون الحرف بذاته من علامات الاسم والفعل فكأننا قدرنا وأضرمنا هذا المعنى (الحرف يتميز بعدم قبول الحرف)، فيلزم الدور، فما الجواب؟ - سواهما الحرف، يعني: سوى قابلي علامات الاسم الفعل الحرف، إذاً: ميزنا وعلمنا وعرفنا الحرف بعدم قبوله للحرف، نقول: لا، الجهة منفكة؛ لأن الحرف كما ذكرنا في الكلم هناك: ............................. واحِدُهُ كَلِمَةٌ ..... ... وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ ...........................

هناك قال الصبان: يجوز عود الضمير عليه باعتبار كونه اصطلاحياً، ويجعل وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ، على أن المراد به المعنى اللغوي، هذا يسمى ماذا؟ يسمى استخداماً، وذكرنا أن الشيء قد يكون له اعتباران: فيعتبر من جهة ولا يعتبر من الجهة الأخرى، فلو نظرنا إليه من الجهتين لصح أن يكون نقضاً، وهنا الحرف من حيث كونه حرف، نحن نريد أن نثبت أن هذا حرف أولاً، ثم نجعله علامةً، إذاً، أمران: حرف في نفسه، ثم إذا أثبتنا حرفيته حينئذٍ نقول: هي يكون علامةً أو لا، فالنظر يكون من جهة نفي العلامة، لتمييز الحرف نفسه. - هذا يقول: المكودي قال: المراد أسماء وأفعال وحروف أراد حل الإشكال الوارد إذا فسرنا الكلم بالمعنى الاصطلاحي، مع أنه رحمه الله لم يفسر الكلم بهذا، وهذا نص عبارته: أي: واحد الكلم. - لا، هو فسر الكلم بالمعنى الاصطلاحي، وهذا الذي قرره ابن حمدون في حاشيته. - هذا يقول: إذا كانت صيغة استفعل، تدل على الطلب أو المبالغة، فما معنى قول الناظم .. النظم المقصود لسين الاستفعال إلى آخره، هل هي معاني أخرى أم كلها داخلة في المعنى؟ - لا، هي معاني مثل ما يقال: من: تفيد الابتداء وتفيد لبيان الجنس وللتبعيض إلى آخره، كذلك السين مثلها، ثم قد يختلفون في بعض المعاني، هذا يزيد وهذا ينقص، بعضهم يختصر، يجعلها في معنىً واحد وما عداه فهو مجاز، وبعضهم يعدد، فالمسألة اجتهادية؛ لأن استنباط المعنى هذا راجع إلى النظر، ثم هل يستدل عليه بشيء مما ورد من لسان العرب؟ هنا يأتي المحك. - لماذا رجحنا كون الباء للمصاحبة في قول ابن مالك: تقرب الأقصى بلفظ موجز .. وما الذي يترتب من اختلاف المعنى بين القولين؟ - تقرب الأقصى، يعني: تقرب هذه الألفية للأفهام .. أفهام الطلبة الأقصى، يعني: المعنى الأبعد، بلفظ موجز: الشيء الطبيعي أن الموجز .. اللفظ المختصر اختصار .. قلة الكلام، هذه تؤدي إلى البسط أو إلى التضييق؟ الثاني، هذا الظاهر، فكيف هو يجمع بين الأمرين؟ تقرب الأقصى .. الشيء البعيد، بلفظ موجز، هذا متى؟ إذا جعلنا الباء سببية، بسبب اللفظ الموجز تقرب الأقصى، هذا في ظاهره لا ما يقبل، ولذلك نقول: تقرب الأقصى بلفظ موجز، يعني: مع لفظ موجز، اجتمعا مع .. لكن هل كون الإيجاز سبباً لتقريب الأقصى؟ هنا الذي ينفى .. إلا إذا أريد الثناء على الناظم نفسه. - إذا أريد بالكلم: اسم جنس جمعي، جاز تأنيث ضميره وتذكيره هذا ظاهر، ولكنه إذا أريد به المعنى الاصطلاحي المعروف عندهم فما وجه جواز التأنيث والتذكير في الضمير؟ - أنت لماذا تنفي؟ الأصل بقاء ما كان على ما كان، يعني: إذا قيل: الكلم اسم جنس جمعي، يجوز فيه الوجهان، إذا جعل اصطلاحاً لمعنىً حينئذٍ نقول: هذا المعنى يتعلق باللفظ أو بالمعنى، المعنى الاصطلاحي الجديد الحادث، يتعلق بالمعنى أو باللفظ؟ بالمعنى، وأما اللفظ فهو كما هو، ولذلك نقول: كلمة من جهة اللفظ مؤنث، ومن جهة المعنى قول مفرد، هل نقول: وهو كلمةٌ، هل يصح؟ على حسب المرجع، إذا قلنا: الكلمة هي أو هو؟ هي، ولا يصح أن نقول: هو، فيكون المرجع الكلمة؛ لأن الكلمة مؤنث، فيبقى على حاله، ولو كان المعنى معنىً اصطلاحياً ثم هو مذكر في نفسه.

قول مفرد: هذا لفظ مذكر. - ما ذكرتموه من اعتراض على من قال: الكلم اسم وفعل وحرف، ومعنى الكلم بالمعنى الاصطلاحي يرد أيضاً على ابن آجروم حيث قال: الكلام وأقسامه: اسم وفعل وحرف، أليس كذلك؟ - قال: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع وأقسامه ثلاث: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فأقسامه، أي: أقسام الكلام، هذا من تقسم الكل إلى أجزائه، وليس من تقسيم الكلي إلى جزئياته. - يقول المناطقة: الجنس بالتعريف شأن الإدخال لا الإخراج، فلماذا أخرج النحاة باللفظ؟ - لا النحاة، ولا الأصوليون، ولا غيرهم من أرباب الفنون يسيرون عند التطبيق على ما اصطلحه المناطقة، بل هم المناطقة لا يسيرون على هذا، وإنما هو شيء نظري، فذكرهم للجنس أشبه ما يكون بشيء صوري فقط، ولذلك هل وجد حد تام أم لا؟ في الدنيا هل وجد حد تام أم لا؟ هم يختلفون، منهم من ينفي الحد الناقص يقول: موجود، أما الحد التام ففيه خلاف هل وجد أم لا؟ مع كونهم هم الذين أصلوا هذا الأصل، فهم لم يستطيعوا أن يأتوا بمصطلحاتهم على الحد التام، واختلفوا في هذا، فكيف بغيرهم؟! بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: تم الكلام على الباب الأول وهو ما يتعلق بالكلام وما يتألف منه، وقد ذكر تحته حد الكلام، ثم الكلمة، ثم أقسام الكلمة اسم وفعل وحرف، وقلنا: لم يقيد الحرف بكونه حرف معنى؛ لأنه إذا أطلق في مقام التقسيم هنا مقابلاً للاسم والفعل لا يشترك معه حرف المبنى فلا نحتاج إلى الاحتراز. وما قيل من أن قول ابن آجروم السابق: وأقسامه ثلاثة اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، أن قوله: جاء لمعنى، احترازاً عن حرف المبنى، هذا غلط، لماذا؟ لأن قوله: وأقسامه، أي: أقسام أجزائه التي هي الكلمة، والكلمة لا يدخل تحتها حرف المبنى، إذاً: من حيث التقسيم ابتداءً خرج حرف المبنى. ما هو حرف المبنى؟ ما كان جزءاً في الكلمة: زه .. يه .. ده، قلنا: زه هذا حرف مبنى، وأما إلى ومن وعن وفي وعلى، نقول: هذا حرف معنى؛ لأنه يدل على معنىً في غيره، فهو قسيم للاسم والفعل، وقسم من أقسام الكلمة، إذاً: لا يرد معنا ولذلك ابن مالك هنا أطلقه. ثم قال: والقَوْلُ عَمْ ... وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ .. ثم ميز كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة الاسم والفعل الحرف بعلامات، وجعل العلامات تعريفاً لها، يعني: اكتفى بالعلامة عن تعريفها بالحد الذي هو الجنس والفصل والإخراج والإدخال، لماذا؟ لصعوبته، وإنما يميز الاسم وهو منطوق به ملفوظ به يميز بشيء ملفوظ، وأما الحقائق التي هي معاني الحدود، فهذه وجودها وجود ذهني لا وجود لها في الخارج إلا في ضمن أفرادها كما سبق معنا، وذكر خمس علامات: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ ... وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ وقلنا: يكفي في الحكم على كون الكلمة اسماً قبولها لواحد من هذه العلامات ولا يشترط فيه أن يجتمع عليه علامتان فأكثر، بل متى ما وجدت فيه علامة واحدة أو قبوله لعلامة واحدة حينئذٍ صح الحكم على الكلمة بكونها اسماً، ثم ذكر علامات الفعل على جهة العموم، فقال رحمه الله:

بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ وَيَا افْعَلِي ... وَنُونِ أقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِي يعني: فعل ينجلي، يظهر ويتميز عن قسيميه الاسم والحرف بتا فعلت، يعني: تاء الفاعل، وليس المقصود هنا بالفاعل الاصطلاحي ولا الفاعل اللغوي من أجل التعميم، كنتُ قائماً، وأتت، يعني: تاء التأنيث الساكنة، ويا افعلي، يعني: ياء المؤنثة المخاطبة، ونون اقبلن: التي هي نون التوكيد الثقيلة والخفيفة. هذه أربع علامات، والأفعال ثلاثة .. الأفعال باستقراء كلام العرب من حيث الزمن إما ماٍض، وإما مضارع، وإما أمر، فالذي يختص بالماضي من هذه العلامات الأربع تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة، وهل يشترط في صحة العلامة أن تدخل على كل فعل؟ الجواب: لا، ولذلك قلنا: هاتان العلامتان تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة لا تدخل على فعل التعجب، وهو فعل ماضي ما أحسن زيداً، وحبذا، وخلا، وعدا، وحاشا بالاستثناء، وكفى بهندٍ، كفى: باتفاق أنها فعل ماضي، وهندٍ: هذا فاعله، والباء هذه زائدة، ومع ذلك هند فاعل وهي مؤنث تأنيثاً حقيقياً، وهو واجب التأنيث أو جائز التأنيث؟ الأول: واجب التأنيث، مع ذلك ما اتصلت به تاء التأنيث، لماذا؟ لأن هذه الأربعة الأنواع التزمت العرب تذكير فاعلها، فلذلك امتنع دخول تاء التأنيث على هذه المذكورات. كفى بهندٍ، يرد السؤال، نحن نقول: علامة الفعل الماضي قبوله لتاء التأنيث الساكنة، ومن المقرر في باب الفاعل أن الفاعل إذا كان مؤنثاً تأنيثاً حقيقاً، واتصل بعامله وجب التأنيث، وهذا المثال نقول فيه: كفى بهندٍ، لماذا لم نؤنث؟ نقول: هنا يستثنى من القواعد السابقة، وهو ما سمع من لسان العرب، فبعض الأفعال التزم العرب تذكير فاعلها، حينئذٍ لو أسندت إلى مؤنث حينئذٍ تبقى على أصلها، إذاً: بتا فعلت وأتت، نقول: هاتان العلامتان من خواص الفعل الماضي، وتاء التأنيث الساكنة هذه لا تدخل على فعل الأمر ولا على الفعل المضارع. وَيَا افْعَلِي، يعني: التي تدل على المخاطبة المؤنثة، وهذه العلامة مشتركة بين الأمر والمضارع. وَنُونِ أقْبِلَنَّ: كذلك مشتركة بين الأمر والمضارع، إذاً: هل ذكر في هذا البيت علامةً للمضارع؟ هل ذكر في هذا البيت علامةً للفعل المضارع؟ نقول: نعم، إذاً: لماذا قال: فعل مضارع يلي لم؟ ليست خاصة به، لما كان قوله: وَيَا افْعَلِي وَنُونِ أقْبِلَنَّ، مشتركاً بين الأمر والمضارع احتجنا إلى علامة تميز المضارع، يعني: لا تدخل إلا على الفعل المضارع، ولا تدخل على غيره، ولذلك قال: ِفعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ. سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ وَفي وَلَمْ .. قلنا: ذكر وعدد الأمثلة للدلالة على أن الحرف قسمان، مشترك يدخل على الفعل الاسم، ثم هذا نوعان: منه عامل، ومنه غير عامل، سيأتي في موضعه يبين. وَفي وَلَمْ .. هذا مختص، ومنه ما هو مختص بالاسم كفي، ومنه ما هو مختص بالفعل كلم. ثم قال: وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ .. يعني مز: ميز ماضي الأفعال بالتاء المذكورة، وهو النوعان المذكوران: بتا فعلت وأتت. وَسِمْ بِالنُّونِ فِعْلَ الأمْرِ إِنْ أمْرٌ فُهِمْ .. يعني: فعل الأمر علامته مركبة من شيئين:

أولاً: إن أمر فهم، يعني: إن دل بلفظه على الأمر اللغوي، والمراد بالأمر اللغوي: الطلب، لكن بصيغته، نزيد: بصيغته، يعني: بذاته .. بنفسه، دون ضميمة شيء زائد عليه يدل على الطلب احترازاً عن الفعل المضارع المقرون بلام الأمر؛ لأنه يدل على الطلب لكن بواسطة لام الأمر: ((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ)) [الطلاق:7] ينفق: هذا فعل مضارع، هل يدل على الطلب؟ الجواب: لا، لما دخلت عليه لام الأمر دل على الطلب، هذا أولاً. ثانياً: قبوله نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة أو ياء المؤنثة المخاطبة، هذه أو تلك، فحينئذٍ إن وجد إحدى العلامتين دون الأخرى، إن وجد الطلب دون قبوله لنون التوكيد الثقيلة .. إن وجد الطلب دون قبوله للعلامة الثانية، نقول: هذا اسم فعل أمر، أو مصدراً أو حرفاً .. كلا، بمعنى: انتهي، هذا يدل على الطلب، لكنه لا يقبل شيئاً مما ذكر فهو حرف. لذلك قال هنا: واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ ... فِيهِ هُوَ اسْمٌ .. واَلأَمْرُ، يعني: اللفظ الدال على الطلب بنفسه، فخرج لام الأمر؛ لأن دلالة الحرف بغيره. إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ .. يعني: حلول فيه، وهو مصدر ميمي، محل فيه، يعني: في اللفظ نفسه الذي دل على الطلب هُوَ اسْمٌ: لم يقيده بكونه اسم فعل أمر، وإنما ذكر مثالاً، لماذا؟ لأن ليس كل ما دل على الطلب ولم يقبل النون يكون اسم فعل أمر، بل قد يكون مصدراً، مثل: ضرباً زيداً .. فصبراً في مجال الموت صبراً. هُوَ اسْمٌ نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ .. ذكرنا أن ابن هشام رحمه الله اعترض على هذا المثال بكونه قد دل عليه بقوله: بالجر والتنوين هناك، والأولى أن يمثل بنزال ودراك. ثم قال رحمه الله تعالى: المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ. أي: هذا باب المعرب والمبني، إعرابه كما سبق بيانه، ولا نحتاج أن نقول كما قال صاحب الأوضح: هذا باب شرح المعرب والمبني، فكلمة شرح الأصل إسقاطها من كل تقدير في إعراب مثل هذا التركيب، هذا الأصل، يقال: باب العام، يعني: باب بيان العام، والتقدير لكلمة بيان تقدير معنى لا تقدير إعراب، وأما هناك فلا، باب شرح الكلام وما يتألف، أي: وشرح ما يتألف منه الكلام، أما أن نطرد هذا التقدير في كل باب يأتي معنا إلى آخر الألفية؟ فالجواب: لا، ولذلك انتقده ابن هشام في: أوضح المسالك. المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ .. أي: هذا باب المعرب والمبني، المعرب: هذا اسم مفعول .. فهو مشتق، والمبني: كذلك مشتق، فحينئذٍ العلم بالمشتق موقوف على معرفة المشتق منه، نحن نريد أن نحكم على أن الاسم أو الفعل يكون معرباً أو يكون مبنياً، إذاً: ما هو الإعراب أولاً، وما هو البناء أولاً، حتى نحكم على المحل بأنه قد حل فيه ذاك الأمر؟ إذ الأعراب حل، والمعرب محل، أليس كذلك؟ عندما نقول: الاسم زيد هذا معرب، الإعراب دخله، إذاً: زيد محل والأعراب حآلٌ، ومعرفة الحآلّ مقدمة على معرفة المحل.

حينئذٍ أقول: الإعراب له معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي، وهو في الأصل مصدر أعرب يعرب إعراباً من باب أكرم يكرم إكراماً، وفي اللغة: مشترك لمعاني أشهرها الإبانة، يقال: أعرب الرجل عن حاجته أبان عنها، ومنه حديث: والثيب تعرب عن نفسها، يعني: تبين عما في نفسها، والمعنى على هذا إذا قلنا: الإعراب الذي هو المعنى الاصطلاح مأخوذ من الإعراب في اللغة، بمعنى: الإبانة، يكون المعنى: أن الإعراب يبين معنى الكلمة، كما يبين الإنسان عما في نفسه، وهذا أولى المعاني أن يقال: الإعراب بمعنى الإبانة هو المقصود في الإعراب عند النحاة؛ لأن الإعراب هو الذي يبين المعنى. إذا أعربت الفاعل وميزته عن المفعول والمجرور والتمييز كلاً بعلامته وما دخل عليه من العوامل، حينئذٍ بين الكلام الذي أريد، هذا هو الأصل، ويرد الإعراب في اللغة بمعنى التحسين، أعربت الشيء: حسنته، والتغيير: عربت المعدة، وعربها الله: غيرها، وإزالة الفساد، أعربت الشيء: أزلت عربه، أي: فساده. ويتعين أن يكون الأول الذي بمعنى الإبانة أن يتعدى بعن، والباقي بالهمزة. إذاً: للإعراب في لسان العرب عدة معانٍ، أشهرها الإبانة، وهو المقصود هنا في الإعراب الاصطلاحي. أما الإعراب في اصطلاح النحاة، فهذا فيه مذهبان عند البصريين والكوفيين، والمسألة خلافية ولا ينبني عليها كبير فائدة. هل الإعراب لفظي أو معنوي؟ اختار البصريون أنه لفظي، واختار الكوفيون أنه معنوي، والمراد بكونه لفظياً أو معنوياً، هل الضمة نفسها هي الإعراب، أم هي دليل الإعراب؟ هذا محل نزاع، وينبني عليه من جهة المسائل، أو لا ينبني عليه من جهة المسائل شيء، يعني: لا يفرع عليه مسائل، وإنما إذا جاء يعرب الطالب، فيقول: جاء فعل ماضي، وزيد فاعل مرفوع، إن كان الإعراب لفظياً يقول: ورفعه ضمة، وإن كان الإعراب معنوياً، يقول: وعلامة رفعه الضمة، رفعه ضمة، إذاً: الإعراب هو عين الضمة، مرفوع وعلامة رفعه .. الذي دلنا على أنه مرفوع الضمة، إذاً: فرق بينهما في التعبير. وأصح القولين اختصاراً نقول: أن الإعراب لفظي، والضمة هي عين الإعراب، والفتحة هي عين الإعراب، وأما القول بأنه معنوي فمرادهم به أن انتقال الكلمة من حال إلى حال هو الإعراب، والذي دلنا عليه هو الحركة، كيف الانتقال؟ تقول: زيد، قلنا: هذا موقوف، يعني: لا معرب ولا مبني، إذا سلطت عليه عامل، قلت: جاء زيد، إذاً: انتقل من وقف إلى رفع على الفاعلية، ما الذي دلنا على هذا الانتقال؟ الضمة، ثم تقول: رأيت زيداً انتقل من كونه فاعلاً إلى كونه مفعولاً به مرئي، حينئذٍ انتقل حصل انتقال، ما الذي دلنا على هذا؟ وجود الفتحة.

الإعراب: هو الانتقال، وهذا أمر معنوي، والذي دلنا على وجوده هو الفتحة، مررت بزيد، حصل انتقال من النصب إلى الجر، فحينئذٍ نقول: الانتقال هو الإعراب، والذي دلنا على أنه انتقل من حالة النصب إلى حالة الجر هو الكسرة، وهذا تكلف وتعسف، والصحيح أن يقال بأنه لفظي؛ لأن الأصل في الكلام العربي أنه متعلق باللفظ، ولذلك نقول: الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، فحينئذٍ إذا كان الإعراب يميز المعاني الفاعل عن المفعول .. عن المضاف .. عن المضاف إليه إلى آخره، إذا كان هذا وظيفة الإعراب أن يميز حينئذٍ الأصل أن يكون ماذا؟ أن يكون شيئاً ظاهراً أو معنوياً ثم يحتاج إلى دليل؟ نقول: جعلها أمراً ظاهرياً هذا هو الأولى وهو الأليق، وهو الأحكم، ولذلك مذهب البصريين: أن الإعراب لفظي، فحينئذٍ نفس الضمة هي إعراب، ونفس الفتحة هي إعراب، ونفس الكسرة هي إعراب، ونفس السكون هو إعراب. بخلاف مذهب الكوفيين فالإعراب الرفع شيء ودليله الضمة، والنصب شيء ودليله الفتحة، إلى آخره، وإذا أردنا أن نُعَرِّفَهُ على أنه لفظي نقول: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة أو ما نُزِّلَ منزلته، هذا هو التعريف المشهور عند البصريين: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة، إن وقفت إلى هنا لا بأس، وإن زدت: أو ما نزل منزلته، أو ما هو كالآخر، أيضاً هذا لا بأس، ما المراد بالأثر؟ المراد بالأثر الحركة أو الحرف أو السكون أو الحذف، أثر لأننا نقول الإعراب شيء ينطق، وما الذي ينطق هنا؟ ضمة حركة أو فتحة أو كسرة، أو حرف: زيد أبوك .. المسلمون قائمون .. نطقنا بالنون، ونطقنا هناك بالواو المسلمون. إذاً: الإعراب نفسه حرف، أو سكون: لم يضرب .. لم يلد، هنا نطقنا بالسكون وإن كان هو عدم، أو حذف: لم يقوما، هذا الأثر مركب من أربعة أشياء، إذاً: إما أن يكون حركة، وإما أن يكون حرفاً، وإما أن يكون سكوناً، وإما أن يكون حذفاً، ثم كل منها .. من هذه الأربعة إما أن يكون ظاهراً أو مقدراً، يعني: ظاهراً يلفظ به وينطق به، وإما أن يكون مقدراً، ولذلك الإعراب قسمان: إعراب ظاهر: وهو ما يظهر وينطق به، وإعراب تقديري، وهذا سيأتي بحثه عند قوله: وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا ... كالْمُصْطَفى .. قوله ظاهر: المراد به موجود، ليس المراد أنه يلفظ به؛ لأن السكون والحذف لا يلفظ بهما، أليس كذلك؟ لم يضرب: عدم .. لم يقوما: حذفت النون، لم تنطق بحذف وإنما سكت، فحينئذٍ نقول: قوله: ظاهر، أي: موجود؛ لأن السكون والحذف غير ملفوظ بهما، وإن تعلقا بملفوظ من أجل إدخال السكون والحذف، أو مقدر، أي: معلوم مفروض الوجود، جاء الفتى، نقول: الفتى: فاعل، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، أين الضمة؟ موجودة أو معدومة؟ معدومة.

إذاً: التقدير نقول: هو عدم في الأصل، ولكنه منوي في القلب، إذاً: المراد بالمقدر أنه معدوم مفروض الوجود، يعني: مقدر في القلب وجوده، فتنوي الضمة، ورأيت الفتى: تنوي الفتحة، ومررت بالفتى، تنوي: الكسرة، حينئذٍ مرد التقدير إلى النية، ولذلك ذكر السيوطي أن حديث: {إنما الأعمال بالنيات} في -منتهى الآمال- أنه يشمل أيضاً مسائل من فن النحو، ولأنه باعتبار النية، رأيت الفتى، قد لا يكون مراداً، لكن عند الأصوليين قاعدة، وهي: أن غير المقصود، هل هو داخل تحت لفظ العموم أو لا؟ ما لا يطرأ على ذهن المتكلم، هل هو داخل في لفظ العموم أو لا؟ هذه بسطناها، قلنا: لا، الصواب أنه داخل، فحينئذٍ لا بأس أن يستدل بهذا الحديث على مثل هذه المسائل، وخاصةً إذا تعلق بها حكم شرعي. إذاً: أثر ظاهر أو مقدر، أي: معدوم مفروض الوجود يجلبه العامل، يعني: يطلبه العامل ويقتضيه؛ لأن العامل إذا كان يقتضي مرفوعاً على الفاعلية، حينئذٍ إذا سلط على اسم صلح أن يكون فاعلاً رفعه، جاء، نقول: هذا عامل فعل، وهو ماذا؟ يقتضي فاعلاً، يعني: يطلب فاعلاً؛ لأنه حدث، وكل حدث لا بد له من فاعل، إذاً: إذا دخل على زيد نقول: جاء، هذا يطلب فاعلاً، فإذا ركب معه لفظ زيد رفعه على أنه فاعل له، هذا معنى: يجلبه، يعني: يطلبه ويقتضيه، يقتضي هذا الأثر الحركة، أو الحرف أو السكون أو الحذف، لماذا؟ من أجل أن يتمم معناه، إذ العامل إنما يعمل من أجل أن يكمل معناه، فجاء لوحده دون أن يرفع فاعلاً لا معنى له. وضربت زيداً: ضربت تعدى إلى الفاعل، وورد الكلام، رفع، إذاً: تمم معناه، ثم الكمال إنما يحصل بنصبه للمفعول، فلذلك يقتضي رفع فاعل ونصب مفعول لتمام المعنى؛ لأنه فعل متعدٍ بخلاف جاء. يجلبه العامل، أي: يطلبه ويقتضيه، وليس المراد أنه يحدثه بعد أن لم يكن، هذا إذا قيدناه بهذا المعنى ورد علينا إشكال في باب الأسماء الستة والمثنى وجمع المذكر السالم، هناك تقول: أبوك، لفظ، قبل التركيب لا إعراب ولا بناء، أبوك بالواو، ثم تقول: هذا أبوك، هذا: مبتدأ، وأبوك: خبر مرفوع ورفعه الواو، الواو مجودة قبل التركيب، وهي عينها بعد التركيب، هل العامل هذا الذي هو المبتدأ الذي اقتضى ماذا؟ اقتضى أبوك أن يرفعه على أنه خبر له، فرفعه بالفعل، ثم رفع بالواو؛ لأنه من الأسماء الستة، هل الواو وجدت بعد أن لم تكن؟ لا، هي موجودة قبل دخول العامل، إذاً: ماذا صنع العامل؟ أثبتها كما هي وجعلها علامة إعراب، يعني: قبل دخول المبتدأ أبوك، نقول: أبوك أصله: أبو وأضيف إلى الكاف، أصلها: أبٌ وأبٌ هذه محذوفة الواو، لما أضيف رجعت الواو أبوك، هذه الواو لها جهة واحدة فقط، وهي كونها لام الكلمة فقط.

هل هي علامة إعراب؟ أبوك لوحدها هي علامة إعراب، الواو؟ لا، لماذا؟ لعدم تسلط العامل عليها؛ لأن الكلمة كما سبق معنا مراراً: أنه قبل التركيب لا توصف بإعراب ولا بناء، إذاً: أبوك الواو هذه ليست علامة إعراب، بل هي لام الكلمة، إذا قلت: هذا أبوك، هذا: العامل المبتدأ هنا يقتضي رفع أبوك على أنه خبر له، إذاً لا بد من حرف يرفع به أبوك، هو الحرف الذي كان قبل الدخول زاده معنىً زيادةً على كونه لام الكلمة، جعله علامة إعراب فقط، صيره علامة إعراب مع وجوده هو هو نفسه، وإنما زاده معنى. يتضح أكثر أن نقول: المسلمان، مسلم إذا أدرت تثنيته قلت: مسلمان، الألف هذه ما نوعها؟ علامة تثنية، هل هي علامة رفع؟ لا قطعاً، إذاً: لها دلالة واحدة فقط من جهة واحدة، وهي أنها تدل على التثنية، فتقول: مسلمان: هذا تثنية مسلم، والذي دل على أنه تثنية مسلم وجود الألف، هل نقول: الألف هذه هي التي عناها ابن مالك بالألف ارفع المثنى؟ لا قطعاً، لماذا؟ لأنها لم يسلط عليها عامل، فإذا سلط عليها عامل قلت: جاء المسلمان صار الألف هذه لها جهتان: علامة تثنية، وعلامة رفع، دخول العامل ماذا صنع؟ هل أوجد حرفاً لم يكن، أم أنه زاده معنى؟ الثاني، ولذلك نقول: يجلبه العامل المراد به أنه يطلبه، ويقتضيه لا أنه يحدثه بعد أن لم يكن، ليدخل معنا أبوك، والمسلمان والمسلمون في حالة الرفع فحسب. هذا أبوك .. جاء المسلمان، المسلمون، الواو هذه قبل تسليط العامل حرف يدل على الجمعية فحسب وليس بحرف أعراب، فلما دخل عليه العامل: جاء المسلمون، قلنا: العالم هذا صير هذا الحرف مع دلالته على الجمعية جعله علامة إعراب، إذاً: لم يحدث شيئاً لم يكن قبل. يجلبه العامل، أي: يطلبه ويقتضيه لا يحدثه بعد أن لم يكن، فلا يرد حينئذٍ ما رفع بالواو رفعاً من الأسماء الستة أو المثنى أو جمع المذكر السالم، فهذه ترفع بالواو، وهذه الواو موجودة قبل تسليط العامل، وإنما العامل زادها معنىً على المعنى الذي دلت عليه أولاً، أما أبوك لا تدل على معنى، الواو قبل تسليط العامل لا تدل على معنى، لماذا؟ لأنها كالدال من زيد، وأما المسلمان –الألف- فهذه حرف معنى، تدل على تثنية ما دخلت عليه، وكذلك المسلمون: هذه الواو حرف معنى وهو دال على الجمعية. لما سلط عليهما العامل زاده مع دلالته على التثنية، زاده بكونه علامةً على الرفع، وهي التي عناها ابن مالك بقوله: بالألف ارفع المثنى، وكذلك يقال في الواو. يجلبه العامل: هذا يحترز به عن حركة لم يجلبها العامل، كحركة النقل والإتباع، والتخلص من الساكنين، فلا يكون إعراباً؛ لأن العامل لم يجلبها: ((قُمِ اللَّيْلَ)) [المزمل:2] نقول: هذا مبني لا يرد معنا، الحمدِ لله: على قراءة الإتباع، الحمْدِ: بالكسر، هل نقول: الكسرة هذه علامة إعراب؟ لا، لماذا؟ لأن الحركة التي تكون إعراباً لا بد وأن تكون مقتضاة لعامل، جلبها عامل، وهذه لم يجلبها عامل، ولا يوجد حركة يجلبها العامل إلا حركة الإعراب فقط، وأما ما عداها فليست مقتضاة لعامل حتى حركة البناء. ولذلك نقول من باب الضبط والتأصيل: الحركات كلها في لسان العرب لا تخرج عن سبعة أنواع، كلها لا تخرج عن سبعة أنواع:

إما حركة إعراب، وإما حركة بناء، وإما حركة نقل، وإما حركة إتباع، وإما حركة حكاية، وإما حركة تخلص من سكونين، وإما حركة بِنْيَة .. بِنْيَة، هذه سبعة، حركة إعراب وحركة بناء .. حركة نقل .. حركة حكاية .. حركة إتباع .. حركة بنية .. حركة تخلص من ساكنين. حركة الإعراب: هي التي يشترط فيها أن تكون أثر عامل، لا بد أن يكون لها ارتباط، وأما حركة النقل: هذا مثل ما ذكرناه بالأمس: (قالت امة) .. (فمن اوتي) .. فمن: هذا الأصل فيها السكون، أوتي بالهمز همزة القطع، مع ضمة أريد تخفيفه بإسقاط الهمزة فألقيت حركة الهمزة على ما قبلها ثم حذفت، فقيل: (فمن اوتي)، هل هذه الضمة أحدثها عامل؟ نقول: لا، لا علاقة لها بالعامل أصلاً، وإنما هي حركة نقل فحسب، مثلها: (قد افلح) .. قد: بالسكون، هذا الأصل، ولذلك إذا جئنا نعربه، نقول: قد: حرف تحقيق مبني على سكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة النقل، طرحت حركة الهمزة على ما قبلها وهو ساكن. حركة الإتباع: مثل ما ذكرناه: الحمْدِ لله، الحمْدِ نقول: هذه الحركة حركة إتباع للام لله، في الإعراب تقول: الحمْدِ مبتدأ مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الإتباع. حركة الحكاية: هذه لا بد أن تكون في مقابلة كلام، ضربت زيداً، من زيداً؟ يقول لك: ضربت زيداً، تقول له: من زيداً؟ من: مبتدأ، وزيداً: خبر مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، هل هذه الحركة أحدثها عامل، اسم أو فعل أو حرف؟ الجواب: لا. حركة التخلص من التقاء الساكنين: ((لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [البينة:1] لم يكُنِ .. يَكُن: هذا فعل مضارع مجزوم بلم، وجزمه سكون مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من الساكنين، هل هذه الكسرة يَكُنِ، هل اقتضاها عامل؟ الجواب: لا. حركة البِنْيَة: هذه شرحناها بالأمس، وهي ما كانت حركةً لأول حرف أو ثان مما هو دون الأخير .. قبل الأخير، زيد، نقول: الزاي: مفتوح، هذه الحركة تسمى حركة بنية، يعني: تتعلق بالوزن والهيئة، ولذلك نقول: الوزن والهيئة: هي الحركات والسكنات، تَضْرِب: الراء مكسورة نقول: هذه حركة بنية، التاء مفتوحة: هذه حركة بنية، السكون، نقول: هذا السكون بنية، لماذا؟ لأن السكون قد يكون سكون إعراب، وقد يكون سكون بناء، ولكن في مثل هذا نقول: سكون بنية. ماذا بقي؟ بقي حركة البناء: وهذه التي سيأتي حدها. إذاً: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة، هذا بيان لمحل وموضع ظهور هذا الأثر، أين يظهر؟ يظهر في آخر حرف، عليه أو بعده؟ هذا محل نزاع، هل هو قدر زائد على ماهية الكلمة، أم أنه مقارن لها؟ الأول أظهر. إذاً: في آخر الكلمة بيان لمحل الإعراب لا للاحتراز، يعني: لم يخرج به أوائل الكلمة، ولا أواسط الكلمة؛ لأنه ليس عندنا عامل له أثر في أول الكلمة، أو له أثر في آخر الكلمة، بل لا يوجد عامل إلا وهو يؤثر في آخر الكلمة، إذا كان الأمر كذلك حينئذٍ قوله: في آخر الكلمة، نقول: هذا لبيان الواقع لا للاحتراز.

ما المقصود بالكلمة هنا؟ الكلمة تكون اسماً وتكون فعلاً وتكون حرفاً، حينئذٍ قوله: الكلمة، هل عنى بها كل أفرادها الاسم والفعل والحرف؟ قطعاً لا، لماذا؟ لأن الحرف كله بجميع أنواعه مبني، ونحن نتكلم ونتحدث عن الإعراب، والإعراب نقيض البناء فلا يجتمعان، إذاً: سقط الحرف .. سقط الحرف برمته، ماذا بقي؟ الاسم والفعل، الأصل في الفعل البناء، ولذلك الماضي مبني، والأمر مبني، والمضارع معرب بشرطه: إن عري من نون توكيد، إذاً: ما الذي سقط من الفعل؟ الماضي والأمر وبعض المضارع، جميل. الأول الاسم، هل كله معرب؟ وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي، إذا قلنا: المراد بالكلمة هنا الاسم والفعل والحرف، سقط الحرف؛ لأنه مبني ولا دخل له في الإعراب، سقط بعض الفعل وهو الماضي والأمر وبعض المضارع، إذاً: بقي معنا المضارع المعرب، وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي، الذي يدخل معنا هنا هو المعرب، وأما المبني فهو ساقط، إذاً قوله: الكلمة، هذا كل أراد به الجزء، والمراد به نوعان من أنواع الكلمة: الأول: الاسم المتمكن، والثاني: الفعل المضارع الخالي من نوني التوكيد ونون الإناث، إذاً: في آخر الكلمة، المراد بالكلمة هنا: الاسم المتمكن، والاسم المتمكن هذا يقابل ماذا؟ يقابل الاسم غير المتمكن، وهو المبني، إذاً: أخرجنا المبني، الفعل المضارع: أخرجنا الماضي والأمر الخالي من نوني التوكيد والإناث .. أخرجنا الفعل المضارع المبني، وهو إذا اتصلت به إحدى النونين، أو نون الإناث، هذا على جهة العموم. وعلى جهة التفصيل، نقول: الاسم المتمكن يشمل ثمانية أمور: الاسم المفرد المنصرف .. الاسم المفرد غير المنصرف .. جمع التكسير المنصرف .. جمع التكسير غير المنصرف .. جمع المذكر السالم .. جمع المؤنث السالم .. المثنى .. الأسماء الستة، هذه كلها المرادة بالاسم المتمكن. إذاً: هذه الأنواع الثمانية هي التي يدخلها الإعراب، ما عداه لا محل للإعراب فيه، وهذا يضبط لك المسألة من أصلها، والفعل المضارع المراد به ثلاثة أنواع: فعل المضارع صحيح الآخر كيضرب، فعل المضارع معتل الآخر، وهو ما كانت لامه واواً أو ياءً أو ألفاً، كيخشى ويدعو ويرمي. الثالث: الأمثلة الخمسة، التي يعنون لها: بالأفعال الخمسة. نقول: هذه الثلاثة الأنواع هي التي يدخلها الإعراب، وما عداها فلا. إذاً: في آخر الكلمة: المراد بالكلمة هنا: أحد عشر نوعاً فحسب، ثمانية في الاسم المتمكن، وثلاثة في الفعل المضارع الخالي عن النونين، في آخر الكلمة قلنا: أو ما نزل منزلته، هذا فيه فائدة: إما أن نحذف القيد الثاني، ونجعل الآخر على نوعين: آخر حكمي، وحقيقي، والحقيقي: هو الذي لا حذف بعده كدال زيد، والحكمي: هو الذي حذف ما بعده اعتباطاً، يعني: لغير علة تصريفية، وصار نسياً منسياً، ثم جعلت عينه محلاً للإعراب، كأب، هذا أبٌ أليس كذلك؟ وهذا أخٌ، أبٌ: أصلها: أبوٌ على وزن: فعل، حينئذٍ الباء هذه عين الكلمة، والواو هي لام الكلمة، ومحل الإعراب أين؟ هو لام الكلمة هو الأصل، فلما حذفت اعتباطاً لغير علة تصريفية فقيل: أبٌ، حينئذٍ وزنه فعٌ، أين اللام التي هي محل الإعراب؟ حذفت.

إذا حذفت هل نقول: يسقط الإعراب؟ لا، نأتي ببدله .. بنائبه، فجعل ما قبل الأخير وهو عين الكلمة آخراً، لكنه هل هو آخر حقيقةً أو حكماً؟ حكماً، ومثله: أخٌ، ومثله يدٌ، ودمٌ، يدٌ: أصلها: يديٌ فعلٌ، حذفت الياء اعتباطاً، ثم جعلت الدال التي هي عين الكلمة محلاً للإعراب، وكذلك: دمٌ، الميم هذه هي عين الكلمة، أصلها: دميٌ أو دموٌ على الخلاف، هل اللام المحذوفة واو أو ياء؟ محل نزاع، والحاصل أن اللام محذوفة اعتباطاً، حينئذٍ هل نسقط الإعراب أم نأتي بنائب عنه يكون محلاً للإعراب، جعلنا عين الكلمة محلاً للإعراب. ولذلك نقول: في آخر الكلمة أو ما نزل منزلة الآخر، هو في الحقيقة ليس آخراً؛ لأنه عين الكلمة، والإعراب إنما يكون في لام الكلمة، لام الكلمة هي التي تكون محلاً للإعراب، وهنا أبٌ وأخٌ ودمٌ ويدٌ ظهر الإعراب على عين الكلمة لا على لامها، لكن هذا من باب الضرورة، وإلا الأصل أن الإعراب يكون آخر الكلمة. وبذلك رددنا على من جعل عبد الله كلها كلمةً تحقيقاً متضمنةً لكلمتين؛ لأن لو كانت كلمة واحدة تحقيقاً كزيد، لماذا يظهر الإعراب على الدال؟ بل الظاهر أنه يظهر على آخره، فلما ظهر على الدال وهو وسط فيه دل على أنه مؤلف من كلمتين وهو مضاف ومضاف إليه. إذاً: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة أو ما نزل منزلته، قولنا: العامل، هذا نحتاج إلى بيانه، ما المراد بالعامل عند النحاة؟ عرفه بعضهم: بأنه ما أثر في آخر الكلمة من فعل أو اسم أو حرف .. ما شيء أثر، يعني: جعل له أثراً، وهذا الأثر هو حركة أو حرف أو سكون أو حذف، أثر في آخر الكلمة، يعني: محلاً .. بيان محل الإعراب، من فعل أو حرف أو اسم قدِّم أو أخِّر، من: هذه بيانية، كأنه قال: فعل أو اسم أو حرف أثر في آخر الكلمة. حينئذٍ تقول: جاء زيد، جاء: هذا فعل أثر في آخر الكلمة .. كلمة: زيد فرفعها على أنها فاعل له، اسم، تقول: هذا زيد .. ذا: مبتدأ، وهو العامل في الخبر، حينئذٍ أثر الاسم في الاسم وهو زيد فرفعه على أنه خبر له، إن زيداً لقائم .. زيداً .. إن: هذا حرف، وهو عامل أثر في آخر الكلمة وهو زيداً فأحدث فيه النصب على أنه اسم لـ إنَّ، وأثر في آخر قائم على أنه خبر لها فأحدث فيها الرفع، إذاً إن: نصبت ورفعت، هي عامل؟ نعم، يصدق عليها الحد؟ يصدق عليها الحد، ما أثر في آخر الكلمة من فعل أو اسم أو حرف. إذاً: العامل يكون فعلاً ويكون اسماً ويكون حرفاً، هذا التعريف ذكره الفاكهي في موجبي النداء، لكنه ناقص يرد عليه .. غير جامع؛ لأن العامل نوعان: عامل لفظي، وعامل معنوي، وضابط العامل اللفظي: ما للسان فيه حظ، يعني: نطق ينطق به، والعامل المعنوي ضابطه: ما ليس للسان فيه حظ. العامل اللفظي: كجاء، والاسم ذا في المبتدأ الذي ذكرناه في المثال السابق وإن .. المبتدأ وإن وجاء الفعل، هذا عامل لفظي، قلنا: ضابطه ما للسان فيه حظ، يعني: نطق ينطق به، لو أراد أن يتكلم تكلم به. والعامل المعنوي: ما ليس للسان فيه حظ، وهذا على الصحيح محصور في نوعين اثنين لا ثالث لهما، وهما: الابتداء والتجرد، فالابتداء في باب المبتدأ عامل معنوي، ولذلك سيأتي:

ورفعوا مبتدءاً بالابتداء .. ما هو الابتداء؟ جعلك الاسم أولاً لتخبر عنه ثانياً، هذا أمر معنوي، فحينئذٍ تقول: زيد قائم .. زيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء .. ما تقدمه شيء، زيد نقول: مرفوع بالابتداء، تقدمه شيء ملفوظ؟ الجواب: لا، إذاً: هو أمر معنوي أثر، الابتداء .. الأمر المعنوي .. العامل المعنوي أثر في زيد فأحدث فيه الرفع. كذلك التجرد في باب فعل المضارع رفعاً، يقوم زيد، تقول يقوم: فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمة، هل توجد ضمة بدون مؤثر .. هذا أثر، هل يوجد أثر بدون مؤثر؟ لا، لا بد من مؤثر، أين المؤثر .. أين العامل؟ لا وجود له من حيث اللفظ، وإنما تجرده عن ناصب وجازم وهو شيء عدم، هو الذي أثر في آخر الفعل. فحينئذٍ إذا قلنا: تعريفه العامل: بأنه ما أثر في آخر الكلمة من اسم أو فعل أو حرف، هذا اختص بالعامل اللفظي ولم يشمل العامل المعنوي، والتعريف الآخر الذي يشمل النوعين، أن نقول: العامل ما أوجب .. ما شيء أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص، ما –يعني-: فعل أو اسم أو حرف أو ابتداء أو تجرد أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من رفع أو نصب أو خفض أو جزم، هذا التعريف يشمل النوعين: العامل اللفظي والعامل المعنوي. أما المعمول: فهو ما يظهر فيه الإعراب لفظاً أو تقديراً، ما يظهر فيه الإعراب، يعني: المحل الذي يكون قد حل الإعراب فيه، كزيد من قول: جاء زيد، فنقول: زيد هذا معمول، وجاء: عامل، والعمل هو الرفع نفسه، ما يحدثه العامل وتختلف بسببه أحوال آخر المعرب. إذاً: في مثل التركيب نقول: جاء زيد، هذا تضمن ثلاثة أشياء: عامل ومعمول وعمل، العامل: جاء، وزيد: معمول، والعمل: الرفع، إذاً: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة، أو ما نزل منزلاً، هذا المعرب. وأما المبني: فهو كذلك مشتق من البناء، وهو وضع شيء على شيء على جهة الثبوت والدوام، وهذا أخص من التركيب، إذاً: كل بناء تركيب ولا عكس، وضع شيء على شيء على جهة الثبوت والدوام، وأما في الاصطلاح فكذلك فيه نزاع: هل هو لفظي أو معنوي؟ وهذا النزاع لا ينبني عليه شيء، فمن رجح أن الإعراب لفظي لزمه أن يقول: بأن البناء لفظي، وأما العكس فلا، فحينئذٍ نقول الصواب: أن البناء لفظي، وحقيقته: ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل، إذاً: ليس هو أثراً لعامل من شبه الإعراب من حركة أو حرف أو سكون أو حذف. البناء والإعراب من حيث النطق والصورة متحدان، يعني: الضمة والفتحة والكسرة والسكون، وكذلك الحرف والحذف، النطق واحد .. تقول: اضربا، هذا مبني على حذف النون .. الزيدان لم يضربا: مجزوم بحذف النون، حينئذٍ في الصورة واحد .. النطق واحد، لكن لم يضربا حذفت النون لمقتضى العامل، وأما اضربا حذفت النون لا لمقتضى العامل، هذا الفرق بينهما.

وأما من حيث النطق والصورة فهما متحدان، وإن خولف بينهما من حيث الاصطلاح بأن يقال: الضم للبناء والضمة للإعراب هذا مجرد اصطلاح وقد يقع فيه تساهل كما سيأتي، فحينئذٍ ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل، إذاً: ليس أثراً لعامل، المبني من حيث اللفظ لا يتأثر بعامل البتة؛ لأنه إن بني على السكون فهو مبني دائماً، وإن بني على الحركة -الفتحة أو الكسرة أو الضم- فحينئذٍ هو مبني على هذه الحركات ولا يتغير البتة. إذاً: لا يحتاج إلى عامل يقتضي تغييره من حالة إلى حالة أخرى، من شبه الإعراب؛ لأنه في اللفظ يشبه الإعراب، من حركة أو حرف أو سكون أو حذف. وليس حكايةً أو إتباعاً أو نقلاً أو تخلصاً من سكونين، وهذا يدل على الحصر السابق الذي ذكرناه، حينئذٍ إذا جيء به .. حركة جيء بها لا لبيان مقتضى العامل، نقول: الحمْدِ لله كذلك هذه الكسرة جيء بها لا لبيان مقتضى العامل، يصدق عليها الحد أو لا؟ يصدق عليها، لكن أخرجناها بقولنا: وليس حكايةً، ثم وليس إتباعاً أو نقلاً أو تخلصاً من سكونين؛ لأن هذه الحركات كلها لا يقتضيها عامل البتة. إذاً كأنه قال -كما مضى معنا-: ما يقبل علامات الاسم فهو اسم، وما يقبل علامات الفعل فهو فعل، وما لا يقبل هذا ولا ذاك فهو حرف، فحينئذٍ إذا أردنا أن نفسر المبني، نقول: ما جيء بهما حركة أو حرف أو سكون .. جيء به ولفظ به لا لبيان مقتضى العامل، أخرج ماذا؟ حركة الإعراب؛ لأن حركة الإعراب جيء بها لبيان مقتضى العامل، أما ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل فنقول: هذا حركة بناء. ثم قد تلتبس بها حركة الإتباع، وحركة الحكاية وحركة النقل، وحركة التخلص من سكونين، فنصصنا على كل واحدة من أجل أن يتعين لنا حركة المبني. إذاً: المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ نقول: أراد المصنف هنا رحمه الله تعالى أن يبين لنا: أن الاسم والفعل والحرف –السابق- منه ما هو مبني ومنه ما هو معرب؛ لأن الكلمة: قول مفرد، وهي اسم أو فعل أو حرف، الاسم منه معرب ومبني، والفعل منه معرب ومبني، ثم حكم حكماً كلياً بأن الحرف كله .. وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا. إذاً: هذا الباب له علاقة بتفاصيل أحوال أنواع الكلمة؛ لأن الكلمة وأنواعها هي التي يتألف منها الكلام، فلا بد من عقد هذا الباب لبيان ما يمكن أن يعتري الاسم من كونه منصوباً أو مرفوعاً أو مبنياً أو معرباً إلى آخره، وكذلك الفعل، وكذلك الحرف. المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ: قدم المعرب لشرفه، وأخر المبني لأنه أدنى منه. وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي .. والاسم له حالان: قبل التركيب، وبعد التركيب، قبل التركيب، قلنا: هذا لا يوصف لا بإعراب ولا بناء، أليس كذلك؟ قبل التركيب مثل: زيد –لوحدها-، جاء –لوحدها-، إلى –لوحدها-، إلى نقول: ليست مبنية ولا معربة، كيف وكل حرف مستحق للبناء؟ لا نحكم عليها بأنها مبنية إلا بعد التركيب، إذا أدخلت في جملة فعلية أو اسمية حينئذٍ حكمنا عليها بأنها مبنية، وأما قبل ذلك نقول: لا معربة ولا مبنية. إذاً: الاسم قبل التركيب لا يوصف لا بإعراب ولا بناء، وهذا هو أصح الأقوال الثلاثة الواردة في المسألة.

وهنا لما قال: منه معرب ومبني، علمنا أن مراده الاسم بعد التركيب، ولذلك نقول نقدر: والاسم بعد التركيب نوعان: منه معرب، منه: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، ومعرب: مبتدأ مؤخر، أكثر المعربين على هذا، محيي الدين تجده مشى على هذا. منه: من –هنا- للتبعيض، أي: بعضه معرب، فـ:-من- إذا جعلناها للتبعيض على مذهب الزمخشري أنها اسم، وإذا كانت اسماً حينئذٍ الأليق بها أن تكون هنا مبتدءاً لا خبراً، إذا كانت –من-: للتبعيض، فحينئذٍ هل هي اسم أم حرف؟ الجمهور على أنها حرف، وعليه في هذا التركيب، نقول –منه-: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، ومعرب: مبتدأ مؤخر، وهل يصح أن يعكس مع هذا القول؟ لا يمكن، لماذا؟ لأن المبتدأ لا يكون جاراً ومجروراً متعلقاً بمحذوف، وحينئذٍ يتعين أن يكون قوله: (منه): خبراً مقدماً، و (معرب): مبتدءاً مؤخراً. وعلى رأي الزمخشري أن: (من) التبعيضية اسم، حينئذٍ نقول: (منه): هذا مبتدأ، فـ (من) اسم بمعنى بعض، مبتدأ، ومعرب خبره، وهذا أولى، بل قد يتعين لا بالعكس، لماذا؟ لأن المقصود تقسيم الاسم إليهما والحكم على الاسم بأن بعضه معرب وبعضه مبني، لا بيان أن كلاً منهما قسم من الاسم؛ لأن المعرب والمبني لم يُعلما بعد. الآن ماذا يريد ابن مالك رحمه الله؟ يريد أن يبين لنا أن قوله: وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ، أن الاسم بعضه معرب، وبعضه مبني، هذا أول شطر في هذا الباب، نحن لا نعلم أي هذه الأنواع الأسماء المعربة ولا المبنية، ولم نعلم ما وجه الشبه .. وجه شبه الاسم بالحرف حتى بني، فحينئذٍ أيهما أعرف: بعض أو معرب؟ بعض قطعاً، فمنه: معرب، يعني: فبعضه بعض الاسم هذا المحكوم عليه، الاسم الذي هو أحد أنواع الكلمة، بعضه: هذا معلوم عندي وعندك، معرب: أنا ما أدري ما هو معرب، إذاً: جيء بقوله: معرب لبيان الحكم، لا ليُحكم عليه بأنه اسم. فنقول: وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ .. الجمهور على أن (من) هذه حرف، فهي خبر مقدم، ومعرب: مبتدأ مؤخر، كأنه قال: المعرب بعض الاسم، نحن ما عرفنا ما هو المعرب حتى تحكم عليه أنه بعض الاسم، نحن نريد العكس: بعض الاسم معرب، ثم تشرح لي ما هو هذا المعرب من الأسماء، لذلك الأليق هنا أن يعرب –منه-: مبتدأ، ومعرب: خبره، لا بالعكس؛ لأنه قد يفسد المعنى. وهذا مثله، وهو الذي تكلم فيه الزمخشري: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ)) [البقرة:8] إذا كنا ظاهرية نقول: من الناس جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، من يقول: مبتدأ مؤخر مثل هذا الذي معنا، إذا جئنا للمعنى نقول: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا)) [البقرة:8] القائل آمنا بالله واليوم الآخر كائن من الناس، هل هو من الجمادات؟ هو من الناس قطعاً أجل ممن؟! هل استفدنا معنى جديد؟ نقول: لا، لكن لو حكمنا: بعض الناس يقول آمنا، هذا أليق أو الأول؟ لا شك أنه الثاني، فالمحكوم عليه: بعض الناس، وليس المحكوم عليه القائل: (آمنا) بأنه من الناس؛ لأنه معلوم من الناس من أين؟! إما جماد وإما بهائم وليس هذا المراد، بل المراد أن بعض الناس يقول كذا وما هم بمؤمنين.

وهنا كذلك بعض الاسم السابق ذكره معرب، وبعض الاسم مبني، فحينئذٍ نحتاج أن نعرف هذا البعض، ثم نحكم عليه بأنه معرب، والاسم بعد التركيب نوعان: منه، أي: بعضه، فمن: اسم بمعنى بعض مبتدأ، ومعرب: خبره لا بالعكس؛ لأن المقصود هنا تقسيم الاسم إليهما: إلى معرب ومبني، والحكم على الاسم بأن بعضه معرب وبعضه مبني، لا بيان أن كلاً منهما قسم من الاسم، يعني: المعرب والمبني قسم من الاسم لا، ولأن المعرب والمبني لم يعلما بعد، وحق المبتدأ أن يكون معلوماً عند السامع، فبعض الاسم معلوم ثم جاء الخبر وهو مجهول بكونه معرباً، ثم نحتاج أن نسرد ما هو هذا المعرب؟ وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ .. على الأصل فيه، ويسمى متمكناً، الأصل في الاسم أنه معرب هذا الأصل، والبناء فرع عنه كما سيأتي، وهذا النوع يسمى متمكناً، ثم هو نوعان: إن كان مصروفاً فهو متمكن أمكن، وإن لم يكن مصروفاً فهو متمكن غير أمكن. وَمَبْنِي .. ما المراد بمبني هنا؟ هل عطفه على معرب ليدل على أن الاسم منه معرب ومبني في آن واحد؟ لو عطفناه على معرب لاستفدنا هذا المعنى، لكنه باطل؛ لأن الإعراب والبناء ضدان لا يجتمعان في كلمة واحدة، من جهة واحدة .. لا يجتمعان في كلمة واحدة من جهة واحدة، أما من جهتين فيجتمعان، مثاله: إذا قَالَتْ حَذَامِ فصدِّقُوها قَالَتْ: فعل ماضي، والتاء حرف تأنيث، حَذَامِ: هذا مبني، هو فاعل مرفوع، كيف هو فاعل مرفوع وهو مبني؟ نقول: نعم يجتمعان، هو من حيث اللفظ مبني على الكسر في محل رفع فاعل، إذاً: من جهة اللفظ وتسليط العامل عليه لم يظهر له أثر، وإنما سلط العامل على محله فأثر، ولذلك لو وصف إذا قالت حذامي الصادقة، صح أو لا؟ صح، بل هو المتعين، لماذا؟ لأنه هنا يتبع باعتبار محله لا باعتبار لفظه؛ لأن ذاك مبني إلا ما يأتي في باب: لا. وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي، إذاً: ومبني المراد: ومنه مبني، أي: وبعضه الآخر مبني، فظاهر العبارة .. -عبارة المصنف- معرب ومبني، انصباب المعرب والمبني على شيء واحد، من أن المعرب والمبني معاً بعض وهذا غير مراد، فلذلك وجب علينا أن نقدر له مبتدءاً محذوف، أو خبراً محذوف .. خبراً محذوف على جعل من التبعيضية حرفاً، يعني: ومنه مبني .. منه: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، ومبني: هذا مبتدأ مؤخر على ما جرى عليه الشراح، وإذا جعلنا منه مبني، يعني: بعضه الآخر مبني، فحينئذٍ من التبعيضية صارت اسماً على قول الزمخشري وهو أولى، بل قد يتعين. إذاً: أراد بهذا الشطر أن يدل على أن الاسم قسمان: معرب ومبني، وهل بينهما واسطة؟ إذا قلنا بأنه لا يجتمع الإعراب والبناء معاً، إذاً: قد يرتفعان، فلا يكون الشيء معرباً ولا مبنياً، هل تثبت الواسطة أم لا؟ إذا قيل معرب خالص .. مبني خالص، هل عندنا ما هو معرب ومبني معاً؟ قلنا: هذا لا يتأتى، هل يرتفعان؟ نقول: هذه الكلمة لا معربة ولا مبنية، فيه خلاف:

الجماهير لا، على أنه لا يوجد كلمةً لا معربة ولا مبنية؛ لأن القسمة محصورة في اثنين لا ثالث لهما، وإن كان عبارة الناظم لا تدل على ذلك، لكن سيأتي تقريره، غلامي: قال بعض النحاة: هذا لا معرب ولا مبني، غلامي: هذا مضاف إلى ياء المتكلم، يعني: ليس ذات غلامي، وإنما المضاف إلى ياء المتكلم، المشهور أنه من الإعراب التقديري كما سيأتي. حينئذٍ نقول: غلامِ هذا ملازم للكسر، أليس كذلك؟ وما لازم حركةً واحدةً رفعاً ونصباً وجراً، جاء غلامِ .. رأيت غلامِ .. مررت غلامِ، هل هذا معرب؟ الأصل لا، نقول: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل، وقلنا: العامل ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من رفع أو نصب أو خفض أو جزم، حينئذٍ يتغير آخر الكلمة بتغير وتبادل واختلاف العوامل، إن ركب معه عامل يقتضي الرفع وجب رفعه، وإن ركب معه عامل يقتضي النصب وجب نصبه، يعني: المعمول، وكذلك مع الخفض. فحينئذٍ جاء غلامِ، ورأيت غلامِ، ومررت غلامِ، لم يتغير، إذاً: ليس معرباً، هذا شبهة عندهم، ليس معرباً، فحينئذٍ لعدم تغير الحركة بتغير العوامل نفينا كونه معرباً، ولماذا ليس مبنياً؟ قالوا: لأن المبني محصور في شبه الحرف، علة البناء محصورة في شبه الحرف، وغلامي لم يشبه الحرف حتى يبنى، الاسم لا يبنى إلا إذا أشبه الحرف، وغلامي لم يشبه الحرف، إذاً: ليس مبنياً، فصار المضاف إلى ياء المتكلم واسطةً بين المعرب والمبني، فيقال فيه: لا معرب ولا مبني. والجواب أن يقال: بأنه معرب، والمعرب نوعان: معرب إعراباً ظاهراً، ومعرب إعراباً تقديراً. وغلامي: لا شك أنه من الثاني، لماذا؟ لأن الكسرة المجلوبة لمناسبة الياء هنا، هل هي سابقة على العامل، أم تالية لاحقة؟ هذا ينبني عليه خلاف آخر، سابقة أم لاحقة؟ لو جئنا المسألة بالعقل هكذا: إذا أردت أن تضيف (غلام زيد)، هل أولاً تضيفه في نفسك فتقول: غلام زيد، ثم تسلط عليه العامل، أو تقول: جاء ثم تأتي بغلام زيد وتضيفه؟ أيهما أسبق: عملية الإضافة أم تسليط العامل؟ لا شك أن الإضافة أسبق، حينئذٍ لما وجدت الإضافة سابقةً على العامل حينئذٍ وجد لازم الإضافة إلى الياء، وهو أن يكون ما قبل الياء مكسوراً، إذاً: قلت غلامي، فهذه الكسرة لمناسبة الياء، فلما سلط عليه العامل: جاء غلامِ وجد أن الحرف قد اشتغل بحرف سابق على دخوله، فحينئذٍ إما أن يسقطه فتحل الضمة وإما أن يبقى، ويتعذر إسقاطه، لماذا؟ لأنه يمتنع وجود ياء قبلها ضمة، بل لا بد من كسرة، كما سيأتي في آخر الباب التالي. فحينئذٍ لما تعذر النطق بالضمة وإسقاط الكسرة التي هي لمناسبة الياء حينئذٍ جعل الإعراب تقديرياً، فقيل: جاء فعل ماضي، وغلامي: فاعل مرفوع بجاء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، فحينئذٍ العامل تسلط على غلامي بعده، فلا معارضة بينهما حتى نقول: هذه الكسرة ليست بحركة إعراب ولا حركة بناء، بل هي كسرة مناسبة، والعامل مسلط وله أثر في التقدير، كما هو الشأن في الفتى والقاضي، نقول: هذا مقدر والتقدير موجود في لسان العرب.

إذاً: حمله على ما له نظير أولى من حمله على ما لا نظير له، غلامي: قد ينظر فيه الإنسان يقول: نعم، صحيح هذا لا معرب ولا مبني، هل له نظير في لسان العرب؟ نقول: لا نظير له، فحينئذٍ كونه إعراباً تقديراً له نظير أو لا؟ إذا جعلنا إعرابه، -الإعراب تقديري- له نظير أو لا؟ له نظير قطعاً، وأشهرها الاسم المقصور المنقوص، إذاً: حمله على الإعراب التقديري وله نظير أولى من حمله على ما لا نظير له، ينبني على هذا الخلاف في كون المضاف إليه سابق للعامل أو بعده الكسرة في حالة الجر. بعض النحاة ماذا؟ قال –وهذا نزاع كبير-: جاء غلامي، قال: هذه الضمة مقدرة هنا، رأيت غلامي: كسابقه، أما مررت بغلامي: قال: هذه الكسرة هنا ظاهرة وليس بمقدرة، والجواب هو الجواب: أن الكسرة هنا كسرة المناسبة وهي سابقة على دخول العامل، إذاً: دخل العامل وقد وجد أمامه كسرة، فحينئذٍ وجب تقدير الحركة. إذاً: وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي .. نقول: ولا واسطة بينهما على الأصح، وعليه الجماهير .. لا واسطة بينهما على الأصح، وهو ظاهر عبارة المصنف، لكنه بقرينة، ليس من هذا الشطر، أما قوله: وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي، هذا قد يقال بأن منه ما ليس معرباً ولا مبني، لكن بقرينة قوله: وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا ... مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ كأَرْضٍ وَسُمَا فحينئذٍ قابل المبني هنا بالمعرب، فدل على أن القسمة عنده ثنائية لا ثالث لهما، فهذا التقسيم للحاصل بالقرينة، أما ظاهر العبارة فلا تقتضي حصراً ولا واسطةً على الصحيح. وأما (من) التبعيضية فإنها على حد قوله تعالى: ((فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)) [البقرة:253] ومنهم من لم يؤمن ولم يكفر، ومنهم من آمن وكفر، هكذا؟ ما يصح هذا، لماذا؟ لأن الإيمان والكفر نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، لا يمكن أن يكون مؤمناً كافراً في وقت واحد، ولا يمكن أن يكون لا مؤمناً ولا كافراً، هذا متعذر، إذاً: قوله هنا في من التبعيضية: ((فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)) [البقرة:253] ليس عندنا إلا قسمان، مع كون هذه الآية في ظاهرها مشابه لها قول المصنف -رحمه الله تعالى-، فليس إلا قسمان، فكذلك قول الناظم هنا: والاسم .. إلى آخره، والحاصل أن من التبعيضية إنما تقتضي بعضية مدخولها، وكل من المعرب والمبني على حدته مدخول لها لا مجموعهما، ومنه معرب ومبني كل منهما مدخول لها، يعني: لا بد أن نقدر في الثاني ما لفظ به في الأول: منه معرب ومنه مبني، لما عرفت من أن التقدير منه معرب ومنه مبني، فالذي تقتضيه العبارة أن كل بعض من الاسم وهو صحيح. لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي .. والاسم منه معرب، قدمه لأنه الأصل، الأصل في الأسماء أن تكون معربة، وسيأتي معنا لماذا؟ وكذلك يسمى متمكناً، ثم قال: ومبني إذاً: هو على خلاف الأصل، ويسمى غير متمكن، غير متمكن من باب الإعراب؛ لأنه خرج عن الإعراب بالكلية، ما علة البناء؟

إذا كان الأصل الإعراب والبناء فرع في الأسماء، حينئذٍ ما جاء على الأصل وهو معرب لا يسأل عنه، لا يسأل عما جاء على أصله، أليس كذلك، وما خرج عن أصله حينئذٍ يقال: لماذا خرج عنه؟ لا بد من علة، فالمبني من الأسماء، نظر النحاة إليه من جهتين: منهم من أوقفه على السماع فقال: هكذا نطقت العرب فلا نحتاج أن نتكلف ونتعسف ونقول: هذا بني لكذا وهذا بني لكذا، فالعلة في المبني السماع، وهذا قد قيل به وموجود، أن العلة في المبني السماع، إذاً لا نحتاج لقوله: لشبه من الحروف مدني، بل نقول: الاسم قسمان: معرب ومبني، والمعرب هو الأصل، وكيف نعرفه؟ ما نطقت به العرب معرباً، والمبني هذا فرع، ولماذا حكمنا على الإعراب بأنه أصل مع أننا ننفي التعليل، والمبني أنه فرع مع أننا ننفي التعليل؟ نقول: بالكثرة، وإذا قيل: الأصل الإعراب، يعني: الكثير الغالب الراجح في لسان العرب: هو إعراب المفردات .. الإعراب –الأسماء-، والمبني قليل فصار فرعاً، هل نحتاج إلى تعليل نقول: لماذا خرج المبني عن أصله، والغالب الكثير؟ لا نحتاج، نقول: العرب تكلمت بهذا واللغة قد وضعها الله عز وجل على هذا، فحينئذٍ لا نحتاج إلى تكلف، وهذا أسلم وأريح للبال. وأما جماهير النحاة فطلبوا علةً لا بد من النظر ولا بد من التعمق، فاستقرؤا كلام العرب فوجدوا ثم علة وهي مشهورة عند المحققين: أن علة بناء الأسماء محصورة في شبه الحرف فحسب، وهي التي عناها ابن مالك بقوله: لِشَبَهٍ، هذا جار ومجرور متعلق بكونه مبني، ومبني لماذا؟ لِشَبَهٍ، اللام للتعليل، أو يقال: لِشَبَهٍ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وذلك كائن لِشَبَهٍ، وهذا جائز ولا بأس به، لكن إذا أمكن وصل الكلام فهو أولى، يعني: التقديرات إذا أدت إلى فصل الكلام وجعله جملاً نقول: الأولى عدم ذلك مع جوازه؛ لأن تصيير الكلام جزءاً واحداً أولى من تقطيعه. إذاً: لشبه متعلق بقوله: مبني. لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي .. يعني: مقرب له لقوته، فيفهم أن بعض الشبه لا يؤثر، إذا أشبه الاسم الحرف نقول: هذا مبني، لماذا؟ لما ذكرناه بالأمس: أن قاعدة العرب إذا أشبه الشيء الشيء أخذ حكمه، وإذا أشبه الاسم الحرف، فحكم الحرف البناء، فحينئذٍ نسحب هذا الحكم من الحرف إلى الاسم، فنقول: الاسم مبني لماذا؟ لكونه أشبه الحرف، ما وجه الشبه؟ سيأتي بيانه، الآن في تقرير أن العلة محصورة في الشبه الحرفي، ثم هذا الشبه نوعان: شبه قريب، وشبه بعيد –ضعيف-، الذي يكون علةً للبناء -بناء الأسماء- هو الشبه القوي، ولذلك قال: مدني، قال ابن عقيل: والثاني المبني وهو ما أشبه الحروف، وهو المعني بقوله: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي، يعني: قريب، مدني: اسم فاعل فعله أدنى، تقول: أدنيت الشيء من الشيء إذا قربته منه، والياء هنا زائدة؛ لأنه اسم منقوص: ونَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا ... في رفعهِ وجرّهِ خُصُوصَا

حينئذٍ لا يجوز ذكر الياء يجب حذفها للتخلص من التقاء الساكنين، فمدني: الياء هذه للإشباع، لأن أصله مدنٍ كما تقول قاض، إذاً: مدني المراد به مقرب له لقوته، والاحتراز بذلك من الشبه الضعيف، وهو الذي عارضه شيء من خواص الأسماء، لشبه من الحروف مدني، قال ابن عقيل: أي لشبه مقرب من الحروف، فعلة البناء منحصرة عند المصنف -رحمه الله تعالى- في شبه الحرف. ثم نوع المصنف وجوه الشبه في البيتين الذين بعد هذا البيت، وهذا القول الذي اختاره ابن مالك قريب من مذهب أبي علي الفارسي حيث جعل البناء منحصراً في شبه الحرف أو ما تضمن معناه، وأريد أن أبين أنه ليس قريباً منه بل هو عينه .. هو نفسه، وإنما فصل بين نوع وبين الأنواع الأخرى؛ لأنه قال: في شبه الحرف، ثم هذا الشبه له وجوده، ثم عطف عليه: أو ما تضمن معناه، هذا نوع من أنواع الشبه، فحينئذٍ يكون من عطف الخاص على العام، فقول ابن مالك رحمه الله تعالى: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ، هو عين مذهب أبي علي الفارسي، وقول أبي علي الفارسي الذي اشتبه على ابن عقيل في شبه الحرف أو ما تضمن معناه، يعني: تضمن معنى الحرف، وهو المراد بقوله: والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وَفِي هُنَا .. هو عينه ليس قريباً منه. وقد نص سيبويه -رحمه الله- على أن علة البناء كلها ترجع إلى شبه الحرف، وممن ذكره ابن أبي الربيع، إذاً: علة بناء الاسم منحصرة عند المصنف في مشابهة الاسم الحرف شبهاً قوياً يقربه منه، وهذا هو مذهب أبي علي الفارسي ومذهب سيبويه، ولا تلتفت لكلام ابن عقيل هنا -رحمه الله-. والاحتراز بذلك من الشبه الضعيف، إذاً: الشبه نوعان: إذا أشبه الاسم الحرف هل كل شبه للاسم بالحرف يقتضي بنائه؟ الجواب: لا، هكذا .. هل كل شبه للاسم بالحرف يقتضي بناء الاسم؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الشبه نوعان: شبه قريب قوي يدنيه من الحرف، هذا الذي يقتضي بنائه، وهو الذي نص عليه المصنف. وشبه ضعيف، ما ضابط هذا الشبه الضعيف حتى تنضبط المسائل؟ قالوا: إذا عارضه شيء من خواص الأسماء، يعني: اجتمع فيه أمران: شبه بالحرف، ثم وجد فيه مع وجود الشبه وجد فيه ما هو من خواص الأسماء؛ لأنه إذا وجد فيه ما هو من خواص الأسماء أبعده عن الحرف، ونحن نقول: أشبه الحرف شبهاً قوياً، إذاً: ابتعد عن الاسم بعداً قوياً، وإذا وجد في الاسم الذي أشبه الحرف ما هو من خواص الاسم سحبه، كأنه تنازع في أمران: شبهه بالحرف .. يريد أن يقربه إلى الحرف فيبنى، وما اعتراه من خواص الأسماء رده إلى محله، فتنازعه أمران فغلب الأصل، وهو الإعراب لوجود ما هو من خواص الأسماء، غلب وجود الشبه، إذاً: ليس كل اسم أشبه الحرف اقتضى بنائه، بل لا بد من التفصيل: إن كان هذا الشبه قوياً بحيث لم يعارض هذا الاسم الذي أشبه الحرف شيء من خواص الأسماء حينئذٍ أخذ الحكم على التفصيل الآتي كالشبه الوضع.

فإن وجد ما يعارضه من خواص الأسماء حينئذٍ رده إلى أصله وهو الإعراب، والاحتراز بذلك من الشبه الضعيف، وهو الذي عارضه شيء من خواص الاسم، ولذلك تقديم قوله من الحروف على مدنٍ يفيد الحصر، نحن نقول: علة البناء عند المصنف منحصرة في شيء واحد، قال: لشبه مدني، ما إعراب مدني؟ صفة لشبهٍ .. لشبهٍ، قلنا: هذا متعلق بمبني وهذا أحسن، مدنٍ: قريب، شبهٍ: قريبٍ، من الحروف: فصل بين الموصوف وصفته لإفادة القصر والحصر، يعني: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، لا يوجد علة بناء للاسم إلا الشبه بالحرف. واحترز بقوله مدنٍ عن غير المدني وهو ما عارضه ما يقتضي الإعراب كأيٍّ في الاستفهام والشرط، فإنها أشبهت الحرف في المعنى، لكن عارضها لزومها الإضافة كما سيأتي بيانه. ثم شرع في بيان وجوه الشبه، فقال: كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

10

عناصر الدرس * الوجه الاول في شبه الإسم بالحرف. . (الوضعي) ـ * الوجه الثاني (المعنوي) ـ * الوجه الثالث (النيابي) ـ * الوجه الرابع (الإفتقاري) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ - هذا يقول: أجاب بعضهم عن اعتراض ابن هشام على الناظم بكونه قدم المعرب على الإعراب بأنه إجراء الإعراب على الكلمة. - ما ذكرنا شيء من هذا، .. هل اعترض ابن هشام على الناظم؟ .. ما ذكرت شيء، ذكرت .. ؟ نعم صه وحيهل، نعم هذا اعتراض صحيح، ليس باعتراض يعني بالمفهوم الأخص، لكن الأولى أن يمثل بشيء لا يدل عليه ما سبق، هذا المراد، الأولى عبر بالأولى والله أعلم، ونقلته هو الأولى أن يعبر بكذا، يمثل بكذا .. - جعل الإسناد أقوى علامات الاسم، - ماذا فيه؟ - إذا ورد السؤال: من الذي يشرح لنا الألفية، فقال: أنا، ألا يكون مسنداً؟ - الظاهر لا، أنا الذي أشرح الألفية .. - إذا تردد أن يكون المبتدأ أعرف .. إذا ورد لفظان معرفتان وأحدهما أعرف من الآخر. - حينئذٍ يجعل الأعرف مبتدءاً، وما دونه خبر، أنا الذي أشرح الألفية، الذي يشرح الألفية أنا، أنا: مبتدأ، والذي: هذا يعتبر خبراً، نعم ولذلك قال ابن هشام: وهذا أولى من التمثيل بـ (صه وحيهل)، أولى ليس باعتراض، من باب التوجيه فقط. - يقول: لماذا لا نقدر في قول المصنف كهل: اسم محذوف تقديره كقولك هل؟ - هو يجوز فيه وجهان: إذا أبقيناه على حاله أنه حرف، يعني: هل أنه حرف حينئذٍ الحرف لا يدخل على الحرف، ويقال: كقولك: هل، وهذا مثله: كتَسْعَدُ: ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذا يُجرَّدُ ... مِن نَاصِبٍ وَجَازمٍ كتَسْعَدُ تَسْعَدُ هذا فعل دخل عليه الكاف، لك وجهان: إما أن تقول: تسعد صار علماً، فدخلت الكاف على علم لا إشكال، وإما أن تقول: تسعد، هندٌ تسعد تقدر أنه خبر لمبتدأ، وحينئذٍ لا بد من التأويل كقول: دخلت الكاف على محذوف .. على قول مقدر، كقولك هندٌ تسعد. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على بنينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ: وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي أراد رحمه الله تعالى بهذا البيت أن يقرر لنا قاعدة، وأن الاسم الذي ذكر أولاً في تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل ثم حرف، أنه ينقسم إلى قسمين، وذلك بعد تركيبه في جملة مفيدة، إما معرب وإما مبني، والأصل فيه الإعراب والبناء فرع عنه، وما جاء عن الأصل لا يسأل عنه: لم جاء عن الأصل؟ وأما ما جاء على خلاف الأصل فحينئذٍ يقال: لم بني الاسم؟ فيقال: لعلة عند المصنف وهي شبه الحرف. وشبه الحرفُ قسْمَان: شبهٌ قويٌّّ مُدْنِي، وشَبَهٌ فيه نَوعُ ضعفٍ، هل كل شبه يعتبر موجباً للبناء؟ الجواب: لا، بل لا بد أن يكون الشبه قوياً فحينئذٍ إذا كان قوياً نقول: حصل وجه شبه في الاسم فألحق بالحرف فبني مثله، وأما إذا وجد شبه ضعيف ولكنه ضعيف، وضابطه أنه اعترض له ما هو من خواص الأسماء، يعني: لحقه ما هو من خواص الأسماء، فحينئذٍ نقول: هذا وجد فيه شبه بالحرف إلا أنه لوجود ما هو من خاصية الأسماء أبعده عن مشابهة الحرف، وهذا نقول: شبه نعم موجود وثابت، لكنه ضعيف.

هل هذا النوعُ يوجبُ البناءَ؟ الجواب: لا، ثم اعلم أن البناء الذي تحدث عنه هنا المراد به البناء الواجب، الاسم من حيث البناء وعدمه قسمان: بناءٌ واجبٌ ذاتي، أول ما وضع هكذا، هذا الذي يتحدثون عنه، وأما البناء العارض الذي يكون في حالة مبني، وفي حالة معرباً هذا سيأتي في باب الإضافة، سيأتي معنا في باب الإضافة، ذاك على جهة الجواز حينئذٍ لا يشترط فيه عند بعضهم ومنهم المصنف أن يكون لشبه الحرف، بل لأمر آخر، ما وجه الشبه، أو أوجه الشبه؟ نص المصنف على أربعة أو ثلاثة منها، قال: كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بلا ... والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وَفِي هُنَا تَأَثُّرٍ وَكافْتِقَارٍ أُصِّلا كالشَّبَهِ: الكاف هذه، هل هي تمثيلية أو استقصائية؟ إن كان ثم غير هذه الأسباب يعتبر سبباً موجباً للبناء فحينئذٍ صارت الكاف تمثيلية، يعني: ذكر لك أمثلةً لوجه الشبه وترك لك بعضاً، وإذا كان لا يوجد من أوجه الشبه إلا هذه المذكورة ولا يوجد غيرها فحينئذٍ نقول: هذه الكاف استقصائية، ولذلك تقول: أولو العزم من الرسل كموسى عليه السلام، الكاف هذه تمثيلية، وإذا قلت: خاتم الرسل كمحمد صلى الله عليه وسلم هذه استقصائية؛ لأنه لا يوجد غيره عليه الصلاة والسلام. وهنَا ظَاهِرُ كلامِ المصنفِ أنها تمثيليةٌ لا استقصائيةٌ؛ لأنه زاد نوعين في الكافية: الشبه اللفظي، والشبه الاستعمالي، سيأتي في موضعه، إذاً: الكاف هذه نقول: تمثيلية، كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ .. الشبه: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف. لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي: وذلك الشبه شبه الحرف كالشبه الوضعي، صار خبراً لمبتدأ محذوف، كالشبه الوضعي، هذا هو النوع الأول، والثاني: أشار له بالمعنوي، والثالث: إذا جعلناه عاماً، جعل تحته فرعين: نيابة عن الفعل: وَكافْتِقَارٍ أُصِّلاَ، وإذا جعلنا كل واحد مستقلاً فهي أربعة أنواع لوجه الشبه التي إذا وجدت في الاسم ألحقته بالحرف. كَالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ: الوضعي: هذا نسبةً إلى الوضع، وعرفنا الوضع لأن الياء هذه ياء النسبة، وَالْوَضْعُ هُوَ: جعل اللفظ دليلاً على المعنى، يعني: وضع ألفاظ بإزاء معاني متى ما أطلق اللفظ انصرف على ذلك المعنى المعين الخاص، وهذا يشمل الفعل والاسم والحرف، فالفعل موضوع بالوضع الشخصي، وكذلك الاسم موضوع بالوضع الشخصي، وكذلك الحرف موضوع بالوضع الشخصي، وسمي وضعاً شخصياً لتعلقه بالشخص، يعني: أشخاص الألفاظ نفسها، قام: وضعه الواضع ليدل على قيام وقع في زمن قد مضى وانقطع، يقوم: وضعه الواضع ليدل على معنى، هذا المعنى هو وقوع الحدث في الزمن الحال أو المستقبل على خلاف، قم: هذا وضعه الواضع ليدل على طلب حدث، يعني: إيجاد حدث في الزمن المستقبل، من الذي وضع هذا؟ قلنا الصحيح وهو قول الجمهور: الله عز وجل، الواضع لهذه الألفاظ في الوضع الشخصي، وكذلك النوعي المتعلق بالقواعد الكلية التي يجري عليها النحاة الصرفييِّون والبيانيِّون، نقول: مردها إلى الله عز وجل، فخالق اللغات كلها الله عز وجل.

الْوَضْعِيِّ: قلنا نسبة إلى الوضع، لكن هل المراد هنا الوضع من جهة المعنى، أو الوضع باعتبار اللفظ وعدد الحروف؟ الثاني، الثاني هو المراد، لماذا؟ لأن النحاة حكموا باستقراء كلام العرب: أن أصل وضع الحرف أن يكون على حرفٍ هجائيٍ أو حرفين، حرفٍ واحدٍ كـ: (لام الجرِّ)، وبائه، وهمزة الاستفهام. والأصل في وضع الاسم أقل ما يكون عليه ثلاثة أحرف: قلنا الأصل في وضع الحرف أن يكون على حرف واحد كـ:: (لام الجرِّ)، وبائه، وفاء العطف، وواو العطف، وهمزة الاستفهام، أو على حرفين: كـ (لن، ولم، ولا، وهل، وبل، وقد)، هذه الحروف أصل وضعها إما على حرف واحد هجائي، أو على حرفين، ولا يشترط أن يكون الثاني حرف لين على الصحيح. وأصل وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف وما زاد، لكن لا يقل عن ثلاثة أحرف. وأصل وضع الفعل أن يكون على ثلاثة أحرف، فحينئذٍ ما جاء من الأسماء على حرف أو حرفين، وكان الأصل أن يأتي وأن يوضع على ثلاثة أحرف، نقول: هنا في الوضع أشبه الاسم الحرف؛ لأن أصل وضع الحرف أن يكون على حرف واحد كباء الجر، أو حرفين كلن وهل، فإذا وجد في الأسماء ما هو على حرف أو حرفين، نقول: أشبه الاسم الحرف في وضعه، هذا يسمى الشبه الوضعي، إذاً: متعلقه ماذا؟ المعنى أو اللفظ فحسب؟ اللفظ، النظر هنا ليس إلى المعاني، وإنما النظر إلى اللفظ بعينه فقط، ولذلك أشار ابن عقيل لقوله: فالأول شبهه له في الوضع، يعني: شبه الاسم له .. للحرف في الوضع، كأن يكون الاسم، -ليس كأن يكون- أن يكون الاسم موضوعاً على صورة وضع الحروف، أن يكون الاسم موضوعاً في أصل وضعه على صورة وضع الحروف، ووضع الحروف أن يكون على حرف أو على حرفين، فإذا وجد في الأسماء ما هو على حرف أو حرفين حكمنا عليه بأنه مبني، لم بني خرج عن أصله؟ نقول: لكونه أشبه الحرف، في ماذا أشبه الحرف؟ في وضعه؛ لأنه نطق به وأول ما وجد على حرف أو حرفين. أن يكون الاسم موضوعاً على صورة وضع الحروف على حرف واحد، كالتاء في ضربت، التاء: حرف واحد تُ .. الأصل في وضع الحرف أن يكون على حرف واحد، والأصل في وضع ضمير المتكلم أن يكون على ثلاثة أحرف، هذا الأصل، حينئذٍ مجيئه على حرف واحد ضربت .. تُ .. تُ، التاء هذه نقول: هذا الاسم مبني، لماذا بنيت التاء هنا والأصل فيها الإعراب؟ لأنها أشبهت الحرف .. أشبهت الحرف في ماذا؟ في الوضع، صورة الاسم وافقت صورة الحرف. أو على حرفين، يعني: حرفي هجاء، كما هو الأصل في وضع الحروف، سواء كان ثاني الحرفين حرف لين أم لم يكن، يعني: لا يشترط فيه كما اشترط الشاطبي أن يكون الثاني حرف لين، الصواب أنه مطلقاً، وضع الحروف على حرفين نقول: هذا مطلقاً، سواء كان الثاني حرف لين كما ولا، أو لا كقد وهل وبل، الحرف الثاني هل: لا، ليس بحرف لين، وما: الألف هذه حرف لين، ولا: الألف حرف لين، هل يشترط في وضع الحرف في أصله أن يكون على حرفين هجائيين والثاني حرف لين لا يشترط؛ لأنه وجد هل ووجد قد، ووجد بل، حينئذٍ حمله على أن يكون ثانيه حرف لين هذا تحكم؛ لأن المسألة اجتهادية ونظر ليس فيها دليل، وإنما هو استنباط ليس فيه أقوال للعرب، وليس فيه قرآن، وليس فيه سنة بينت.

فحينئذٍ نقول: هذا مرده إلى الاجتهاد، فإذا فصل بين أمر مطرد، حينئذٍ نقول: هذا من قبيل التحكم، فإن كان ثانيه حرف لين من الحروف مثل: ما، ولا. ومن الأسماء التي أشبهت ما وضع على حرفين من الحروف: (نا) الدالة الفاعلين أو الدالة على المفعولين، هذه أو تلك، نقول: نا في أكرمنا .. نا، هذا اسم أو لا؟ اسم، ما الدليل؟ الإسناد إليه، أكرمنا، أسند إليه، مثل: جاء زيد أسند إلى زيد، حينئذٍ نقول: أكرمنا، هذا اسم، الأصل في الاسم أنه معرب، وهنا مبني، لم بني؟ لشبهه بالحرف، ما وجه الشبه؟ الشبه الوضعي، لماذا؟ لأن نا اسم والأصل فيه أن يكون على ثلاثة أحرف، لكنه وضع على صورة الحرف فأشبه الحرف، فحينئذٍ سحب حكمه البناء إلى الاسم فبني نا. أو على حرفين: حرفي هجا، كنا في أكرمنا، ولذلك أشار ابن مالك في قوله: كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا .. في اسمي .. اسمين هذا الأصل، أضيف إلى جملة جئتنا، أريد أو قصد لفظها، فاسمي مضاف وجئتنا مضاف إليه، قصد لفظه، حينئذٍ يكون الإعراب مقدراً منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الحكاية، فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا، يعني: في اسمي قولك جئتنا وهما التاء وناء؛ لأن جئت هذا فعل ليس باسم، جئت جاء هذا الأصل، حذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين، جئ: هذا فعل، تا نا: هذان اسمان، ليس عندنا اسمان في هذا التركيب إلا التاء ونا الدالة على مفعولين. جئتنا: التاء الدالة على الفاعل المخاطب، ونا: دالة على المفعول، كلاهما مبنيان مع كون الأصل فيهما الإعراب، لم بنيا؟ لشبه الحرف، ما وجه الشبه؟ الشبه الوضع، التاء أشبهت لام الجر، ونا أشبهت قد أو هل أو نحوها، أو إن شئت قل: ما ولا؛ لأن ثانيها حرف لين. إذاً: ما جاء من الأسماء على حرفين أو حرف، نقول: مبني، وهذا الشبه الوضعي خاص بباب واحد في الأصل المطرد، وهو باب المضمرات، فكل المضمرات مبنية، محل وفاق، المضرمات كلها مبنية، ما وجه الشبه في المضمرات؟ نقول: أشبه الحرف، أشبه الحرف في ماذا؟ في الوضع، طيب! كل المضمرات على حرف أو حرفين، أما عندنا: أنا، ونحن؟ هذه على ثلاثة حروف، لم بنيت والأصل فيها أنها أشبهت الاسم، والشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه، ولم يأخذ إعراب الاسم كما أخذ الاسم بناء الحرف، لم يحصل فيه العكس، أولاً نقول: بني نحن ونحوه مما زاد على حرفين، يعني: مما خرج عن أصل وضعه في الحروف بني طرداً للباب على وتيرة واحدة. هذه كلها علل عليلة، لكن نذكر ما يذكره النحاة، طرداً للباب على وتيرة واحدة، يعني: بني التاء لكونه أشبه الحرف في الوضع، هذا واضح سلمنا، بني: نا لكونه أشبه الحرف في الوضع سلمنا، لكن: نحن، وأنا، وأنت، ما وجه البناء؟ قالوا: طرداً للباب على وتيرة واحدة، لئلا يفصل أويجزئ، فنقول: التاء ونا مبنيان، ونحن معرب، حينئذٍ جعلنا الباب كله مبنياً، ولماذا لم يعرب؟ إذا قلنا: القاعدة العامة عند النحاة: أن الشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه، فالاسم إذا أشبه الحرف أخذ حكمه وهو البناء، وهنا: نحن أشبه زيد.

وأصل وضع الاسم على ثلاثة أحرف، فالحرف أشبه الاسم، لماذا لم يعرب؟ قالوا: لأن علة الإعراب في الأسماء توارد المعاني التركيبية عليه، وهذه ليست موجودة في الحروف؛ لأن الحروف ليس لها علاقة بالمعاني التركيبية في الأصل، بمعنى: أن المعاني العامة كالفاعلية والمفعولية والإضافة والإسناد إليه، وكونه مسنداً هذه معاني عامة تركيبية لا تظهر إلا بعد التركيب، هذه هل تتوارد على الحرف؟ لا، لا تتوارد على الحرف. إذاً: لم يعرب (نحن) ونحوه لعدم وجود علة إعراب الاسم، فحينئذٍ لم يوجد الشبه على وجه التمام، فلذلك بقي على أصل البناء طرداً للباب، أو على حرفين كنا في أكرمنا، وإلى ذلك أشار بقوله: في اسمي جئتنا، فالتاء في جئتنا اسم؛ لأنه فاعل، وهو مبني، انظر مقدمات هذه مرادة. قال: فالتاء في (جئتنا) اسم، لماذا حكمنا عليه بأنه اسم؟ قال: لأنه فاعل، هذا التعليل، وهو مبني، لماذا؟ لأنه أشبه الحرف في الوضع في كونه على حرف واحد، إذاً: أشبه الحرف الأحادي، نحو باء الجر ولامه، وواو العطف وفائه، ونا: اسم لأنها مفعول، والمفعول لا يكون إلا اسماً، وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع في كونه على حرفين، يعني: مثل من، وهل، وبل، وهذا الشبه قلنا: خاص بباب المضمرات. أبٌ .. أخٌ .. يدٌ .. دمٌ، هذه على حرفين، هل أشبهت الحرف في أصل الوضع؟ (أبٌ .. أخٌ .. حمٌ .. دمٌ .. يدٌ)، هذه على حرفين، هل هي مثل: نا، نقول: لا، لماذا؟ لأنها على حرفين في اللفظ فحسب، وأما في الحقيقة فهي على ثلاثة أحرف؛ لأن أخٌ أصلها: (أخوٌ، أبٌ .. أبوٌ، حمٌ .. حموٌ، يدٌ .. يديٌ، دمٌ .. دميٌ أو دموٌ)، كلها حذفت لاماتها اعتباطاً، يعني: من غير علة تصريفية. ولذلك الأولى أن يُعَبَّر فيقال: أن يكون الاسم موضوعاً على حرف أو حرفين حقيقةً، احترازاً عن نحو أبٍ ونحوه، أن يقال بأن يكون الاسم على صورة الحرف أو الحرفين حقيقةً، يعني: في أصل الوضع هكذا وضع، وأما إذا حذف منه اعتباطاً أو لغير ذلك فحينئذٍ نقول: هذا الحذف لا يخرج اللفظ عن أصله وضعه، فأب على ثلاثة أحرف على الأصل، وأخ على ثلاثة أحرف، ويد ودم كذلك، إذاً: هذا هو النوع الأول من أنواع الشبه: الشبه الوضعي نسبةً إلى الوضع، الأصل في وضع الحروف أن تكون على حرف أو حرفين، فإذا وجد في الاسم ما هو على حرف أو حرفين حقيقةً حينئذٍ قلنا: هو مبني، وهذا الباب خاص بباب المضمرات، عرفنا قوله: كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا، يعني: في اسمي قولك: جئتنا وهما التاء وناء، ثم أشار إلى النوع الثاني بقوله: والمَعْنَوِيِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا: هو يبين وجه الشبه، ثم يمثل له بالباب الذي اختص به؛ لأنها محصورة في ستة أبواب، محصورة هذه أوجه الشبه في ستة أبواب، الشبه الوضعي في المضمرات تأخذه من قوله: جئتنا، والمعنوي، يعني: وكالشبه المعنوي، هذا مقابل للأول، الأول الشبه الوضعي قلنا: هذا مختص بالوضع بالحروف باللفظ فحسب، هذا يقابله .. المرد يكون إلى المعنى.

والمَعْنَوِيِّ، يعني: وكالشبه المعنوي، ما المراد بالشبه المعنوي؟ أي: شبه الاسم له في المعنى، -أشبه الاسم الحرف في المعنى-، أن يكون الاسم قد تضمن معنىً من معاني الحروف، لا بمعنى أنه حل محلاً هو للحرف كتضمن الظرف لمعنى في، والتمييز لمعنى من، بل بمعنى أنه خلف حرفاً في معناه، أودي بهذا الاسم معنىً كان حقه أن يؤدى بالحرف، عندنا معاني، والتي هي معاني المصادر، الأصل بالاستقراء والتتبع وهذا مسلم، أن النفي هذا معنى من المعاني، الأصل فيما يؤدي هذا المعنى أن يكون حرفاً وهو ما أو لا، والأصل في الاستفهام وهو معنىً من المعاني أن يؤدى ويعبر عنه بحرف لا باسم هذا الأصل، وكذلك النفي، وكذلك التمني والترجي، والخطاب والتكلم، الأصل فيها أنها تؤدى بالحروف، وهذا باستقراء كلام العرب وهو مسلم. فالأصل في التمني: (ليت)، والأصل في الترجي: (لعل)، والأصل في النفي: (لا)، والأصل في الشرط: إن، أليس كذلك؟ فحينئذٍ هذه المعاني أديت بحروف، إذا أدي بالاسم معنىً حقه أن يؤدى بالحرف حينئذٍ نقول: تضمن الاسم معنى الحرف، أشبه الاسم الحرف في المعنى، فالأصل في التعبير عن الشرط أن يكون بحرف: إن، فإذا عبر بأين أو بمتى واستعمل مراداً به الشرط نقول: الأصل أن يعبر عن الشرط بلفظ: إن، فحينئذٍ إذا استعمل متى، أو أين، أو من في معنى الشرط حينئذٍ نقول: أدي بالاسم معنىً كان حقه أن يؤدى بالحرف، هذا المراد. إًذا: أن يؤدى به معنىً حقه أن يؤدى بالحرف لا بالاسم، لكن بقيت مشكلة، وهي أن هذه المعاني التي الأصل فيها أن تؤدى بالحرف، وأشبه الاسم الحرف في استعمال الاسم تأديةً لذلك المعنى بهذا الاسم، والأصل فيه أنه يستعمل بالحرف، بعض المعاني وضعت لها حروف، فحينئذٍ إذا أودي بالاسم معنىً كان حقه أن يؤدى بالحرف الذي وضع في لسان العرب لا إشكال فيه، ولكن بعض المعاني كالإشارة ليس له حرف موجود، ما نطقت العرب، قالوا: كان من حقه، يعني: من حق هذا المعنى على العرب أن يضعوا له حرفاً يؤدوا به هذا المعنى. فحينئذٍ إذا وجد في الأسماء ما استعمل استعمال الإشارة، نقول: أشبه حرفاً غير موجود، وهذا التعليل كما ترون عليل. والمَعْنَوِيِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا: في متى، يعني: في لفظ متى سواءً كانت استفهامية أو شرطية، فإذا قيل: متى تقم أقم، متى: نقول هذا اسم وضع على ثلاثة أحرف، أليس كذلك؟ الأصل فيه الإعراب ولكنه بني، لم بني، متى تقم أقم؟ نقول: لكونه أشبه الحرف، في ماذا أشبه الحرف؟ في المعنى؛ لأنه في هذا التركيب متى تقم أقم، هذا معنى الشرط، والأصل في هذا التركيب أن يقال: إن تقم أقم؛ لأن الشرط حقه أن يستعمل فهي إن، وهي حرف، فحينئذٍ استعمل متى في معنىً كان حقه أن يؤدى بإن الشرطية.

ولذلك يقال: أسماء الشرط تضمنت معنى إن الشرطية، هذا مرادهم .. تضمن معنى إن الشرطية، ومرادهم بهذا أنها استعملت استعمال إن الشرطية، فبنيت لهذه العلة، متى تأتي يا زيد .. متى: تأتي شرطية، وتأتي استفهامية، أزيد قائم، نقول: الأصل في الاستفهام أن يستعمل بالحرف وهو الهمزة، وهي أم الباب، فإذا استعمل اسم يؤدى به معنى الهمزة حينئذٍ نقول: هذا الاسم أشبه الحرف في المعنى؛ لأنه أودي به معنىً كان حقه أن يؤدى بالحرف وهو همزة الاستفهام. في النوعين متى الشرطية، ومتى الاستفهامية أشبهت حرفاً موجوداً، يعني: وضعته العرب، لذلك قال: في متى بنوعيها. وَفِي هُنَا: يعني: وذلك كما في (هُنَا) وهي اسم إشارة، (هُنَا): اسم إشارة، زيد هنا، يعني: في هذا المكان، أشير إلى هذا المكان لوجود زيد، هنا مبني أو معرب؟ نقول: مبني، لماذا؟ لأنه أشبه الحرف .. أشبه الحرف في أي شيء من أوجه الشبه؟ في الشبه المعنوي، أشبه الحرف في استعمال هذا الاسم استعمال الحرف، أودي به معنىً كان حقه أن يستعمل بالحرف، ما هو هذا المعنى؟ الإشارة، ما هو هذا الحرف الذي وضع له للإشارة؟ لا وجود له، أين هو؟ غير موجود ما مولد بعد، مثل الإمام المنتظر. فحينئذٍ نقول: هذا لفظ –هنا-: أشبه الحرف في المعنى، بني لتأدية هذا الاسم، يعني: استعماله في معنىً كان حقه أن يكون له حرف ولكن ما وضعت له العرب. يقول ابن عقيل: والثاني شبه الاسم له في المعنى، وهو قسمان: أحدهما: ما أشبه حرفاً موجوداً، والثاني: ما أشبه حرفاً غير موجود، فمثال الأول الذي مثل له المصنف، متى فإنها مبنية، لشبهها الحرف في المعنى، فإنا تستعمل للاستفهام، نحو: متى تقوم، وللشرط نحو: متى تقم أقم، وفي الحالتين هي مبنية؛ لأنها أشبهت الحرف، وهذا الحرف موجود؛ لأنها في الاستفهام كالهمزة، وفي الشرط كـ (إن). إذاً: يدخل معنا في باب الشبه المعنوي يدخل معنا بابان: وهما باب أسماء الشرط كلها، وباب أسماء الاستفهام كلها، ويستثنى منها أي: الشرطية، من الشرطيات، والاستفهامية: ((أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ)) [القصص:28] أيما: أعربت أو بنيت؟ هذه معربة أيما، مفعول به، أيما، نقول: هذه معربة. لم أعربت مع كون باب الاستفهام قد وجد فيه الشبه المعنوي؟ نقول: نعم، الشبه المعنوي موجود، لكنه ضعيف، وشرط بناء أي الشرطية أن تكون أشبهت الحرف شبهاً قوياً، لماذا ضعف الشبه في أي على جهة الخصوص دون متى وأين؟ لأنه عارضها ما هو من خواص الأسماء، وهو لزومها الإضافة؛ لأن الإضافة هذه من خواص الأسماء، فإذا وجد شبه الحرف ثم وجد لزومه للإضافة نقول: تعارض عندنا أمران: وجود الشبه، هذا الأصل فيه أنه يلحقه بالمبني، هذا الأصل فيه، ولزومها للإضافة الأصل فيه أنه قربها إلى الأسماء، أيهما يغلب؟ ما كان من خواص الأسماء؛ لأن الشبه عارض .. الشبه شيء عارض، وما كان من الخواص فالأصل أنه لازم له .. صفة لازمة حينئذٍ أعربت أي الشرطية واستثنيت من باب أسماء الشرط للزومها الإضافة، فالشبه موجود ولا زال، لكنه ضعيف.

لذلك قال: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي .. كذلك، أي: الاستفهامية ((فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ)) [الأنعام:81] مبتدأ وخبر، القول فيها كالقول في السابقة: أن الشبه موجود لكنه ضعف، وسبب الضعف هو ملازمتها للإضافة، وشرط إلحاق الاسم الذي أشبه الحرف بالحرف في البناء أن يكون شبهاً قوياً لا مطلق الشبه، وهنا ضعف لوجود خاصة الأسماء وهي الإضافة. ومثال الثاني، يعني: الحرف غير الموجود: هنا، وهي اسم إشارة، فإنها مبنية لتضمنها معنى الإشارة، وهذا المعنى لم تضع العرب له حرفاً، فحينئذٍ أشبهت حرفاً كان من حقهم أن يضعوه فما فعلوا، يعني: الواجب على العرب أن يضعوا هذا الحرف دالاً على الإشارة كما وضعوا إن الشرطية للشرط، وهمزة الاستفهام للاستفهام، كان الأصل أن يضعوا للإشارة حرفاً، لكنهم ما وضعوا؛ وذلك لأن الإشارة معنىً من المعاني فحقها أن يوضع لها حرف يدل عليها كما وضعوا للنفي: ما، وللنهي: لا، وللتمني: ليت، وللترجي: لعل، ونحو ذلك. إذاً: بنيت أسماء الإشارة لشبهها في المعنى حرفاً مُقدَّرَاً غَيرَ مَوجُودٍ. والمَعْنَوِيِّ، قلنا: هذا مثل له بمثالين في: متى وهنا، إلا أن المثال الأول يشمل حالتين .. بابين، باب الاستفهام وباب الشرط، وهنا: هذا باب أسماء الإشارة، إذاً المعنوي، يكون خاصاً بثلاثة أبواب: فكل اسم يستفهم به فهو مبني، إلا ما استثني، لم بني؟ لأنه أشبه الحرف شبهاً معنوياً، وكل اسم شرط بني إلا ما استثني حينئذٍ نقول: علة البناء كونه أشبه الحرف شبهاً معنوياً، وهذا الحرف في النوعين موجود نطقت به العرب، وكل اسم إشارة إلا ما استثني نقول: مبني، لماذا؟ لأنه أشبه الحرف شبهاً معنوياً وهذا الحرف ليس موجوداً. يستثنى من باب أسماء الإشارة: ذان وتان، هذا فيه خلاف سيأتينا تفصيله، هل هما معربان أم مبنيان؟ على قول من أعرب ذان وتان حينئذٍ يستثني هذين النوعين من باب أسماء الإشارة، لماذا؟ مع كونهما قد أودي بهما معنىً كان حقه أن يؤدى بالحرف، فالشبه موجود، إلا أنه عارضه ما هو من خصائص الأسماء، وهو مجيئهما على صورة المثنى، أو على حقيقة المثنى، على القولين. حينئذٍ نقول: ذان .. تان، معربان مع كون باب أسماء الإشارة من المبنيات، لماذا استثني هذا النوع؟ لأنه عارضه ما هو من خصائص الأسماء وهو التثنية، ولذلك جعلنا المثنى من علامات الأسماء، جعلنا المثنى من علامات الأسماء. ثم قال: وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلاَ ... تَأَثُّرٍ وَكافْتِقَارٍ أُصِّلاَ وَكَنيِابَةٍ، أي: وكشبه اسم .. وكشبه اسم بنيابة عن الفعل بحرف، فيكون على حذف مدخول الكاف، وكنيابة، أي: وكشبه اسم ذي نيابة، اسم ناب عن الفعل، فأشبه هذا الاسم النائب عن الفعل الحرف، في ماذا؟ في كونه يعمل في غيره، ولا يعمل فيه شيء، الحرف –الآن- تقول: مررت بزيدٍ، زيدٍ: هذا مجرور بالباء، كل حرف جر بل كل الحروف التي تعمل تعمل فيما بعدها، أليس كذلك؟ هل يعمل فيها شيء؟ لا، لا تكون فاعلاً ولا مفعولاً به، ولا مضافاً ولا مضافاً إليه ولا غيرها.

فحينئذٍ هو عامل ليس بمعمول، فإذا ناب عن الفعل اسم يعمل في غيره ولا يعمل فيه شيء نقول: أشبه الحرف في كونه عاملاً لا معمولاً، وهذا الباب خاص بباب أسماء الأفعال. إذاً: كل باب أسماء الأفعال مبنية، والبناء فيها لازم واجب؛ لأنها أشبهت الحرف، لماذا أشبهت الحرف؟ في كونها عاملةً لا معمولة، هيهات العقيق، (هيهات)، نقول: هذا اسم فعل ماضي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، العقيق: لا محل له من الإعراب، ما معنى الجملة؟ يعني: لا محل له من الفاعلية، ولا المفعولية، ولا كونه تمييزاً، ولا حالاً، ولا مضافاً، ولا مضافاً إليه، كل الأسماء التي تعرب في هذه المحال ابتداء وخبر وتمييز ونعت، اسم الفعل لا يأتي فيها أبداً، اسم الفعل لا يحل محل هذه المواضع. العقيق: فاعل، والعامل فيه: هيهات، إذاً: هيهات لا محل له من الإعراب، كما نقول: قام لا محل له من الإعراب، فحينئذٍ كونه يعمل في العقيق ولا يتسلط عليه عامل أشبه باء الجر، مررت بزيد، بزيد: الباء حرف جر عمل في زيد، هل ثم شيء يعمل في الباء؟ الجواب: لا، فهو عامل لا معمول. وَكَنيِابَةٍ، قلنا: لا بد من التقدير، أي: وكشبه اسم ذي نيابة عن الفعل بحرف فيكون على حذف مدخول الكاف، أو له وجه آخر، نقول: وكالشبه الاستعمالي، نقدر الشبه الاستعمالي؛ لأن الشبه الاستعمالي يعم النوعين، الذي هو بالنيابة والافتقار، أو وكالشبه الاستعمالي بأن يلزم طريقةً من طرائق الحروف كنيابةٍ إلى آخره، وكافتقار، فالشبه النيابي والافتقاري قسمان للشبه الاستعمالي. ولذلك لك أن تجعل هذه الوجوه ثلاثةً، ولك أن تجعلها أربعةً، إن قلت: الشبه هو: الأول: الشبه الوضعي، الثاني: الشبه المعنوي، الثالث: الشبه الاستعمالي، وتحته قسمان: شبه نيابي وشبه افتقاري، وهذا أجود، فالشبه النيابي والافتقاري قسمان للشبه الاستعمالي. وَكَنيِابَةٍ له، يعني: للاسم عن الفعل في العمل بلا تَأَثُّرٍ، يعني: بلا حصول تأثر، يعني: لا يتأثر بالعامل، وَكَنيِابَةٍ له، يعني: الاسم ينوب عن الفعل، وَكَنيِابَةٍ له، يعني: للاسم عن الفعل، الاسم نائب عن الفعل. بِلاَ تَأَثُّرٍ، ناب عنه في أي شيء؟ في العمل، بلا تأثر، لا هنا بمعنى: غير، ولا هذه بمعنى: غير، إذا كان كذلك حينئذٍ صار ما بعدها مزحلقاً حركتها إليها، فتأثر، نقول: هذا لا: مضاف، وتأثر: مضاف إليه مجرور وجره كسرة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية؛ لأن لا هذه اسم بمعنى: غير، ولا يظهر عليها الكسر، حينئذٍ زحلقت الكسرة إلى المضاف إليه. إذاً: بِلاَ تَأَثُّرٍ، يعني: لا يحصل فيه تأثر بالعوامل، وظاهر العبارة حينئذٍ على هذا أن العامل يدخل على أسماء الأفعال لكنها لا تؤثر فيه، صحيح؟ إذا قيل: وكنيابة له، يعني: الاسم ينوب عن الفعل في العمل بلا تأثر، يعني: لا يؤثر فيه العامل، هل يلزم منه ألا يدخل عليه عامل؟ لا، ظاهر العبارة أن العوامل تدخل على أسماء الأفعال، ولكنها لا تؤثر، والصواب: أن العوامل لا تتسلط على أسماء الأفعال اتفاقاً، فالعبارة موهمة لا بد من تصحيحها.

وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلاَ، يعني: بلا حصول تأثير فيه بالعوامل، قال ابن عقيل: والثالث شبهه له في النيابة، أنا أقرأ الشرح من أجل أن .. هذه صعبة تتعلق بالكتاب، شبهه له في النيابة، يعني: شبه الاسم للحرف، في النيابة عن الفعل، يعني: في العمل، وعدم التأثر بالعامل، كون الحرف يعمل ولا يعمل فيه الفعل، وذلك كأسماء الأفعال، هذا يسمى ماذا؟ يسمى الشبه الاستعمالي، وذلك موجود في أسماء الأفعال، فإنها تعمل نيابةً عن الأفعال ولا يدخل عليها عامل اتفاقاً، فالمراد بالتأثر وقوعه معمولاً، نحو ماذا؟ دراك زيداً، يعني: أدرك، دراك: هذا اسم فعل أمر، الدليل؟ نعم أحسنت، الدليل: واَلأَمْرُ إِنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ ... فِيهِ هُوَ اسْمٌ نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ لا بد تستشهد، فإذا قيل الدليل، يعني: ائت بنص، وليس عندنا قرآن هنا، عندنا ألفية ابن مالك وابن آجروم، فلا بد أن تأتي بالعبارة كما هي، فحينئذٍ أقول: دراك هذا اسم فعل أمر؛ لأنه دل على الطلب ولم يقبل النون، دراك زيداً، دراك: اسم فعل أمر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت كما في صه، وزيداً: مفعول به، فدراك، نقول: هذا مبني، وهو اسم، لما بني؟ لأنه أشبه الحرف، في ماذا أشبه الحرف؟ في الاستعمال؛ لأنه يعمل في غيره، فيرفع فاعلاً وينصب مفعولاً ولا يعمل فيه شيء، بل لا يدخل عليه عامل البتة، فدراك مبني لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره. هذه عبارة ابن عقيل أيضاً فيها نظر، لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره، لا ينفي أن يدخل عليه عامل، بل يدخل عليه عامل ولكن لا يعمل فيه، والصواب: أنه لا يدخل عليه عامل البتة، وما استشهد به من جواز دخول العامل على بعض أسماء الأفعال فهذه كلها فيما استشهد به الأشموني وغيره قصد بها لفظها، فخرجت عن أصلها، صارت علماً، كما أن الحرف كذلك، يعني: يعمل في غيره ولا يعمل فيه شيء. واحترز بقوله: بلا تأثر، لم نفى التأثر؟ قوله: بلا تأثر أولاً يفيد: أن العوامل تدخل عليه، ولكن لا تؤثر فيه، فعبارة يعمل ولا يعمل فيه، أولى من قوله بلا تأثر، واحترز بقوله: بلا تأثر، عما ناب عن الفعل وتأثر بالعوامل، وهذا يقصدون به المصدر الذي ناب مناب فعله: ((فَضَرْبَ الرِّقَابِ)) [محمد:4] ضرباً زيداً، فصبراً في مجال الموت صبراً، فصبراً: هذا ناب مناب اصبروا، حينئذٍ تأثر بذات العامل المحذوف الذي ناب عنه أو لا؟ تأثر، ولذلك نصب، صبراً، نقول: هذا منصوب والعامل فيه: اصبروا المحذوف الذي ناب عنه المصدر.

إذاً: المصدر ينوب عن الفعل، واسم الفعل ينوب عن الفعل، اشتركا في الإنابة، كل منهما ينوب عن الفعل، إلا أن أسماء الأفعال بنيت، والمصادر التي نابت عن الفعل لم تبنى، ما الفرق بينهما؟ أن أسماء الأفعال نابت مناب الفعل ولم تتأثر بعامل البتة، بل لا يجوز دخول عامل عليها، وأما المصادر التي نابت مناب الفعل فهي على أصلها في تسلط العوامل عليها، فثم فرق اشتركا في قدر وافترقا في قدر آخر، اشتركا في أن كلاً منهما ينوب مناب الفعل، وليست العلة هنا في الشبه المقتضي للبناء أن يكون مجرد إنابة فحسب، الإنابة هذا يسمى جزء علة، والعلة مركبة هنا، أليس كذلك؟ علة مركبة. إنابة بلا تأثر، فإذا ناب عن الفعل وتأثر لا نقول أنه مبني، هذا وجد فيه جزء العلة، والحكم مرتب على علة مركبة، وإذا رتب الحكم حتى في الشرعيات عند الأصوليين .. إذا رتب الحكم على علة مركبة فات الحكم بفوات العلة، أو بفوات جزء العلة، لا يوجد إلا عند تمام العلة. إذاً: بِلاَ تَأثُّرٍ احترز بانتفاء التأثر عن ماذا؟ عما ناب عن الفعل في العمل وهو متأثر بالعامل كالمصدر النائب عن فعله فإنه معرب على الأصل، المصدر النائب عن الفعل، فإنه معرب لعدم كمال مشابهته للحرف، نحو ماذا؟ ضرباً زيداً، ضرباً: هذا مفعول مطلق، منصوب لعامل محذوف وجوباً، اضرب ضرباً، فضرباً هذا ناب مناب اضرب، ضرباً زيداً، وزيداً: هذا .. مفعول لضرباً أو لضَربَ؟ للمصدر أو للفعل المحذوف؟ لماذا عمل المصدر هنا؟ منون .. ضرباً زيداً. إذاً: اضرب ضرباً زيداً، اضرب ضرباً، فضرباً: هذا منصوب بالفعل المحذوف الذي ناب عنه المصدر، هل تأثر بالفعل الذي ناب عنه أو لا؟ تأثر، ووجه التأثر هنا: أنه باق على النصب، إذ لو كان الفعل الذي ناب عنه صار نسياً منسياً، حينئذٍ لا بد من تغيير النصب إلى الرفع، لا بد من تغيير المثال: ضرباً زيداً، فإنه نائب مناب اضرب، وليس بمبني لتأثره بالعامل، فإنه منصوب بالفعل المحذوف، فالفعل المحذوف باقٍ تأثيره في المصدر. بخلاف (دراكِ) فإنه وإن كان نائباً عن أدرك فليس متأثراً بالعامل. إذاً: حاصل ما ذكره المصنف هنا أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء الأفعال اشتركا في قدر، يعني: في النيابة مناب الفعل، لكن المصدر متأثر بالعامل فأعرب لعدم مشابهته الحرف، ليس لعدم مشابهته الحرف، بل لعدم تمام مشابهته الحرف، هذا تعبير أدق، لعدم تمام مشابهته الحرف، وأسماء الأفعال غير متأثرة بالعوامل، فبنيت لمشابهتها الحرف في أنها نائبة عن الفعل وغير متأثرة به -هذا النوع الثالث-: وهو شبه الاسم الحرف في النيابة، وهذا شبه استعمالي يعني: بالنظر إلى الاستعمال، اسم أشبه الحرف في كونه يعمل فيما بعده ولا يتسلط عليه عامل، وهو خاص بباب أسماء الأفعال.

وَكافْتِقَارٍ أُصِّلا: هذا الباب السادس، من المبنيات بناءً واجباً، ستة أبواب في الأسماء، وكافتقار أصلا، يعني: وكافتقار، هذا معطوف على أي شيء؟ هذا معطوف على كنيابة إذا جعلناه نوعين تحت الشبه الاستعمالي، إذا جعلناه النوع الثاني تحت النوع الثالث من أنواع الشبه فهو معطوف كنيابة، وإن جعلناه رابعاً فهو معطوف على الأول كالشبه الوضعي؛ لأن ما جاء معطوفاً بالواو فحينئذٍ مرده إلى الأول، والظاهر أنه معطوف على قوله: كنيابةٍ؛ لأن هذين النوعين الشبه فيهما شبه استعمالي. وكافتقار له: إلى الجملة، أُصِّلا: أُصِّل، َأُصِّل-، هذا فعل ماضي مغير الصيغة، والألف هذه للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير يعود على الافتقار، يعني: افتقار مؤصل، إذاً: النوع الرابع أو الثالث: وكافتقار له إلى الجملة، يعني: افتقار الاسم إلى الجملة كافتقار الحرف إلى الجملة، فحينئذٍ نقول: هذا أشبه الاسمُ الحرفَ، بشرط أن يكون هذا الافتقار مؤصلاً، يعني: متأصلاً، بخلاف الافتقار العارض فلا تأثير له البتة. النوع الرابع، قال: شبه الحرف في الافتقار اللازم، يعني: شبه الاسم الحرف، في الافتقار اللازم، وهو أن يفتقر الاسم إلى الجملة افتقاراً مؤصلاً، أي: لازماً، لا يوجد هذا الاسم إلا مع الجملة، لا ينفك عنه البتة، مثل ماذا؟ الذي،-وهذا الباب خاص بالموصولات حتى تفهمونه من أوله-، الذي: جاء الذي .. الذي: هذا اسم موصول مبهم، والموصول عند النحاة ما افتقر إلى صلة وعائد .. صلة، هذه الصلة جملة أو شبه جملة، وشبه الجملة يكون متعلقاً بفعل أو نحوه فيكون جملةً: وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ .. إذاً: يوصل بجملة أو شبه جملة، هل يوجد الذي دون جملة الصلة، هل يوجد في كلام منفكاً عن الصلة، فيقال: جاء الذي .. مر الذي .. رأيت الذي؟ لا يمكن، فحينئذٍ افتقار الذي للجملة بعده افتقاراً مؤصلاً .. متأصلاً فيه، بمعنى: أنه لا ينفك عنه البتة، هذا المراد بالافتقار المؤصل، أن يفتقر الاسم إلى الجملة افتقاراً مؤصلاً، أي: لازماً كالحرف، وذلك كالأسماء الموصولة، نحو: الذي، فإنها مفتقرةٌ في سائر أحوالها إلى الصلة، فأشبهت الحرف في ملازمة الافتقار، الحرف يفتقر إلى ماذا؟ هل يوجد حرف بلا مدخول، مررت بـ .. جاء في .. مر عن .. يوجد؟ إذاً: الحرف مفتقر إلى ما بعده في ماذا؟ في إيضاح معناه؛ لأنه لا يتم له المعنى إلا في غيره، الحرف حقيقته ما دل على معنىً في غيره، إذاً: لا يمكن أن يوجد معنى الحرف ويستعمل في جملة اسمية أو فعلية إلا بما بعده، ولو يشترط أن يكون جملةً، هذا افتقار مؤصل أو لا؟ افتقار مؤصل، كما أن الذي لا يمكن أن يوجد هكذا مفرداً دون جملة الصلة، كذلك لا يوجد حرف من حروف المعاني إلا وبعده إما اسمٌ أو فعلٌ، فهذا افتقار، أشبه الاسم الحرف في الافتقار. هذا استعمال أو يرجع إلى الوضع، أو إلى المعنى، أو النيابة؟ هذا في الاستعمال، ولذلك الأولى أن نجعل أنواعُ الشبهِ ثلاثةٌُُ: استعمالِيٌّ ووضعِيٌّ ومعْنَوِيٌّ، ثم الاستعمالي هذا تحته نوعان: أسماء الأفعال بالنيابة عن الفعل والافتقار.

أما ما افتقر إلى مفرد كـ (سُبْحَان)، بعض الأسماء كما سيأتي في باب الإضافة يفتقر الإضافة إلى مفرد، كسبحان الله، هذا لا يوجد إلا وهو مضاف إلى مفرد، ومثلها: عند، عند: هذه ملازمة للإضافة إلى مفرد. أما ما افتقر إلى مفرد كـ (سُبْحَان) أو إلى جملةٍ لكن افتقاراً غير مؤصل، يعني: غير لازم، كافتقار المضاف في نحو: ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ)) [المائدة:119] يوم: مضاف، وينفع: الجملة في محل جر مضاف إليه، واضح؟ يوم: مضاف، وينفع: الجملة في محل جر مضاف إليه، المضاف مفتقر إلى المضاف إليه، صحيح؟ لا يوجد مضاف دون مضاف إليه، لكن هل هذا بخصوص اللقب وهو المضاف، أو مصدقه؟ يعني: عندنا مضاف مفتقر إلى مضاف إليه، (يَوْمُ يَنفَعُ) [المائدة:119]: هذا صورة من صور المضاف الذي يفتقر إلى المضاف إليه، هذا الافتقار في (يَوْمُ يَنفَعُ) [المائدة:119]، هل هو افتقار لازم، أم أنه غير لازم؟ الثاني، بدليل ماذا؟ أنه يمكن وجود لفظ يوم دون إضافة، هذا يوم مبارك .. ((فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ)) [المعارج:4] ((وَاتَّقُوا يَوْماً)) [البقرة:281] انفك عن الإضافة، فخلاف الذي، حينئذٍ يوم في هذا التركيب: (يَوْمُ يَنفَعُ)، هو مفتقر لا من حيث ذاته، وإنما من حيث كونه مضافاً؛ لأن المضاف يلزم منه مضاف إليه. إذاً: من حيث اللقب والعنوان هو مفتقر، ومن حيث آحاده ونفسه غير مفتقر، كافتقار المضاف في نحو: ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ)) إلى الجملة بعده، فلا يبنى، لا نقول: يوم هذا مبني هنا، لماذا؟ لأنه غير مفتقر افتقاراً مؤصلاً، وإن افتقر في هذا التركيب إلى ما بعده، لا لكونه لفظ يوم وإنما من جهة كونه مضافاً، لأن المضاف يستلزم مضافاً إليه. إلى الجملة بعده فلا يبنى؛ لأن الافتقار افتقار يوم إلى الجملة بعده ليس لذاته، وإنما هو لعارض كونه مضافاً إليها، والمضاف من حيث هو مضاف مفتقر إلى المضاف إليه، -أرجو أن يكون واضحاً- لأنه يقال: هذا يوم مبارك، فلم يفتقر إلى الجملة، ومثله النكرة الموصوفة، مررت برجل يضحك، أو تقول: هذا رجل يضحك، يضحك: هذه الجملة في محل رفع صفة لرجل، الصفة والموصوف بينهما تلازم كتلازم المضاف مع المضاف إليه، فحينئذٍ رجل: هذا مفتقر افتقاراً شديداً إلى يضحك، لكن هذا الافتقار من حيث كونه لفظ رجل، أو من حيث كونه موصوفاً منعوتاً؟ الثاني. فحينئذٍ قد يفتقر الشيء إلى غيره لا من حيث ذاته، وإنما لما يعرض له. ومثله النكرة الموصوفة بالجملة، فإنها مفتقرة إليها، لكن افتقاراً غير مؤصل؛ لأنه ليس لذات النكرة وإنما لعارض كونها موصوفةً بها، والموصوف من حيث هو موصوف مفتقر إلى صفته، وعند زوال عارض الموصوفية يزول الافتقار، وعند انفكاك المضاف إلى المضاف إليه يزول الافتقار. إذاً: وَكافْتِقَارٍ أُصِّلا: المراد به الافتقار المؤصل، يعني: لا يوجد هذا اللفظ أينما استعمل في كلام العرب وقُلِّب وبُدِّل إلا وهو مفتقر إلى ما بعده، وأما إذا كان مفرداً يضاف في تارةٍ .. -في مرةٍ- ثم ينفك عنه مرةً أخرى، حينئذٍ نقول: هذا ليس بمفتقر إلى المضاف إليه. إذاً: هذه أربعة أنواع: كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا

وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلاَ ... والمَعْنَوِيِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا تَأَثُّرٍ وَكَافْتِقَارٍ أُصِّلاَ هذه ستة أبواب: الأول: المضمرات، الثاني: أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وأسماء الإشارة، هذه كم؟ أربعة. وَكَنيِابَةٍ عَنِ الفِعْلِ: هذا الخامس وهو أسماء الأفعال، وكافتقار: المراد به الموصولات. نقف على هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

11

عناصر الدرس * الإسم المعرب وأقسامه بإعتبار آخره * الأصل في الأفعال البناء * شرط إعراب الفعل المضارع. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه ثلاثة أوجه من أوجه شبه الاسم بالحرف، قلنا: الشبه الوضعي، والشبه المعنوي، والشبه الاستعمالي، إذاً: حاصل البيتين: أن البناء الواجب يكون في ستة أبواب: المضمرات، وأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، وأسماء الإشارة، وأسماء الأفعال، والأسماء الموصولة، وبعض الظروف هذا يأتي في باب الإضافة، إلا ما استثني كما ذكرنا في أسماء الشرط: أي الشرطية، وأسماء الاستفهام: أي الاستفهامية، كذلك يستثنى من الأسماء الموصولة: اللذان واللتان، كما استثني هذان هاتان، لضعف الشبه بما عارضه من المجيء على صورة التثنية، وكذلك أي الموصولية لما عارض هذا اللفظ من لزوم الإضافة، إذاً بعض المستثنيات من هذه الأبواب معدودة، وما عدى الباب يعتبر أصلاً في البناء. هل يزاد على هذه الثلاثة أو الأربعة؟ زاد ابن مالك في شرح الكافية التي هي أصل لهذا النظم نوعين: الشبه الإهمالي، والشبه اللفظي، الشبه الإهمالي: أن يشبه الاسم الحرف في كونه لا عاملاً ولا معمولاً، ومثل له بأوائل السور: ((الم)) [البقرة:1] ((ق)) [ق:1] ((ص)) [ص:1] وهذا جارٍ على القول بأن مفاتح السور لا محل لها من الإعراب، هذا المثال فيه نظر، وكذلك جعل بعضهم من هذا النوع الأسماء قبل التركيب، وهذا أيضاً فيه نظر، وأسماء الهجاء المسرودة وهذا أيضاً فيه نظر، وأسماء العدد المسرودة وهذا أيضاً فيه نظر. على كل هذا الشبه الإهمالي في إثباته نظر. النوع الخامس أو السادس: الشبه اللفظي، وهذا وارد وهو ثابت، وهو أن يكون لفظ الاسم كلفظ حرف من حروف المعاني، قد تأتي حرفية وتأتي اسمية، الاسمية إذا بنيت على وجه حينئذٍ نقول: أشبهت الحرف، في ماذا؟ قالوا: في الشبه اللفظي، كون اللفظ واحداً، مع كوننا يمكن أن نقول: أشبهت الحرف قد في ماذا؟ الوضع، نعم أحسنت، الوضع؛ لأن قد الاسمية هذه جاءت على حرفين، وهذا هو الأصل في وضع الحروف، حينئذٍ نقول: هذا شبه وضعي، وقد يجتمع عدة أوجه من الشبه في لفظ واحد. لذلك المضمرات هنا قال محيي الدين: فإن فيها الشبه المعنوي إذ التكلم والخطاب والغيبة من المعاني التي تتأدى بالحروف، وفيها الشبه الافتقاري؛ لأن كل ضمير يفتقر افتقاراً متأصلاً إلى ما يفسره، وفيها الشبه الوضعي، فإن أغلب الضمائر وضع على حرف أو حرفين، وما زاد في وضعه على ذلك فمحمول عليه طرداً للباب على وتيرة واحدة. إذاً: وجد عدة أوجه للشبه، لكن المعتمد المغلَّب في جانب التعليم هو كونها وضعت على حرف أو حرفين. ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا ... مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ كأَرْضٍ وَسُمَا لما أنهى المبني من الأسماء شرع في بيان المعرب، -معرب الأسماء-، وهو قال في الترجمة: المعرب والمبني، ثم قال:

وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ: قدم ما قدمه في الترجمة، ثم لما أراد أن يعلل ويسرد، قال: وَمَبْنِي لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي: علل المبني، ثم ذكر أنواع المبني، قدم في الترجمة المعرب لشرفه، وفي التقسيم كذلك قدم المعرب لشرفه، ثم لما أراد أن يفصل المعربات كثيرة، والمبني يمكن حصره، ولذلك حصره في بيتين، وكل ما سيأتي مختص بالمعربات، حينئذٍ ما كان محصوراً الأولى أن يقدم في العرض على ما لم يكن محصوراً. حينئذٍ نقول: أوجه الشبه، هذه محصورة في ثلاثة أو أربعة، حينئذٍ قدمها لمناسبة سرعة الإنهاء من هذه الأسباب، ثم يشرع بعد ذلك في المعربات، إذاً: بدأ في التقسيم بالمعرب لشرفه، ثم بدأ بالتعليل للمبني، ثم ذكر أوجه الشبه، ثم بعد ذلك شرع في بيان معرب الأسماء. كذلك يقال: التعليل في جهة المبني وجودي، وهنا عدمي، والوجودي أشرف من العدمي، ولذلك قدم التعليل للمبني لهذه العلة. وفي التعليل بالمبني لكون علته وجودية، وعلة المعرب عدمية، والاهتمام بالوجودي أولى من العدمي، وأيضاً لأن أفراد معلول علة البناء محصورة بخلاف علة الإعراب، فقدم علة البناء ليبين أفراد مدلولها. إذاً: المحصور مقدم على غير المحصور. وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا ... مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ: هنا صرح الناظم بتعريف معرب الأسماء، مع كونه يمكن فهم هذا التعريف مما سبق؛ لأنه قال: وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي مفهومه: أن ما لا يشبه الحرف أو سلِم من شبه الحرف فهو معرب، إذاً: لماذا صرح هنا بما يفهم ضمناً في السابق؟ نقول: توطئةً لتقسيم المعرب إلى ما إعرابه ظاهراً وما إعرابه تقديراً، إذاً: صرح الناظم نقول: بتعريف معرب الأسماء مع انفهامه من تعريف المبني فيما سبق توطئةً لتقسيمه إلى ظاهر الإعراب ومقدره؛ لأنها قال: كأرض وسُما، زاد فائدةً، كأرض وسُماء، أرض: هذا إعرابه ظاهر، وسما: كهدى مقصور، هذا إعرابه مقدر. وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ: معرب هذا مضاف مبتدأ وهو مضاف والأسماء مضاف إليه، والإضافة على معنى: من، يعني: معرب من الأسماء؛ لأن الأسماء ليست كلها معربة، بل بعضها معرب، وبعضها الآخر مبني، إذاً: الإضافة على معنى: من، وضابطها موجود هنا وهو أن يكون بين المضاف والمضاف إليه عموم وخصوص من وجه، يعني: كل معرب في هذا الباب اسم، والكلام في معربات الأسماء،-ليس على الإطلاق-، وليس كل اسم يكون معرباً. وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ (مَا) .. هذه واقعة على اسم، اسم موصول بمعنى: الذي، خبر معرب، مفهومها ومصدقها: اسم قد سلما، الألف للإطلاق، من شبه الحرف: هذا تعريف للمعرب، إذاً: ما هو المعرب؟ هو الاسم الذي سلم من شبه الحرف، الشبه المذكور السابق، يعني: الشبه المدني من الحرف، وليس مطلق الشبه، لماذا؟ لأن: أي الشرطية، قلنا: هذه معربة، هل سلمت من شبه الحرف؟ لا، لم تسلم من شبه الحرف، وكذلك: اللذان واللتان، وأي الموصولة لم تسلم من شبه الحرف، ومع ذلك قلنا: معربة، كيف نقول: المعرب هو الذي سلم من شبه الحرف، ثم نقول: (أيٌّ)، لم يسلم من شبه الحرف؟!

إذاً: الذي عُلل هنا وأدخل في الحد الشبه المذكور السابق، فحينئذٍ ما قد سلما من شبه الحرف، الإضافة هنا في شبه الحرف للعهد الذكري، والمعهود هو شبه الحرف المتقدم، أي: المُدني على جهة الخصوص، سلم من الشبه القوي. إذاً: الاسم المعرب نوعان: اسم سلم مطلقاً من شبه الحرف، اسم معرب وهو قد أشبه الحرف، لكنه شبه ضعيف، فهو داخل في الحد، ولذلك نجعل من شبه الحرف هنا الإضافة للعهد الذكري، والمعهود هو الشبه المدني، فحينئذٍ لا يعترض على المصنف بأن أي الشرطية، أو اللذان واللتان ونحوهما مما وجد فيها الشبه، ولكن عارضه ما هو من خواص الأسماء فأعربت. فنقول: معرب الأسماء نوعان: نوع خلص من مشابهة الحرف مطلقاً، ونوع وجد فيه نوع شبه، لكنه ضعيف غير مدني، فهو داخل في الحد، والمنفي ما هو؟ هو الشبه المدني القوي القريب من الحرف، من شبه الحرف، إذاً: من الشبه المعهود السابق وهو المدني، أي: الذي لم يعارضه معارض من خواص الأسماء فيرده إلى أصله. وبجعل الإضافة عهدية دخلت: أي ونحوها من المعربات التي أشبهت الحرف شبهاً ضعيفاً، فلا يقال حينئذٍ: التعريف غير جامع بخروج أيٍّ ونحوها؛ لأن فيها شبهاً بالحرف. كأرضٍ وسُما، يعني: معرب الأسماء نوعان: نوع يظهر فيه إعرابه عليه على الحرف الأخير، وذلك فيما إذا كان صحيح الآخر، كأرض تقول: هذه أرضٌ، ورأيت أرضاً، واشتريت أرضاً، ومررت بأرضٍ، الإعراب ظاهر، وسُما كهدى، هذا كالفتى، جاء الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى، نقول: هذا الإعراب مقدر، وأعرابه تقديري لماذا؟ لأنه معتل الآخر، والمعتل هنا عند النحاة ما كانت لامه واواً أو ياءً أو ألفاً. والياءُ وَالواوُ جميعًا والألفْ ... ... هُنَّ حروفُ الاعتِلالِ المُكتَنِفْ حينئذٍ ما كانت لامه واواً أو ياءً أو ألفاً نحكم بأنه معتل وأن الإعراب مقدر عليه. كأرض وسُما: سُما هذا بالقصر لغة في الاسم، وهو فيه ثماني عشرة لغة، إذاً: هذا البيت تضمن فيه أمرين، أو ضمنه المصنف أمرين: أولاً تعريف معرب الأسماء، ثم قسمه إلى نوعين، لكن قوله: وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا ... مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ

هل هذه هي العلة فحسب، أم أنها جزء علة؟ نقول: هذا البيت تضمن تعليل الإعراب بسلامة الاسم من شبه الحرف؛ لأن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعِلِّية؛ لأنه قال: وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا: الذي سلم من شبه الحرف هو المعرب للإعراب، هو علة الإعراب، معرب: هذا اسم مفعول، حينئذٍ إذا علق الحكم وهو الحد هنا على مشتق، نقول: التعليق والحكم على المشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق، كما نقول: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا)) [المائدة:38] لأي شيء؟ للسرقة، فإذا وجدت السرقة بشرطها وجد الحكم وهو القطع، ما الذي دلنا على أن السرقة الحدث هو العلة؟ كونه عُلق الحكم وهو: فاقطعوا على مشتق، هنا عَلق التعريف وهو حكم في المعنى على لفظ، وهو معرب الأسماء، فدل على أنه علة في الإعراب، لكن هل هو جزء علة أو علة تامة؟ هذا محل نظر، ظاهر كلامه أنه علة تامة، والصواب: أنه جزء علة، فلا يرد أن الناظم لم يعلل إعراب الاسم، ولكن هنا العلة ناقصة، بخلافها في المبني فهي تامة، فلا يرد أن علة إعراب الاسم ليست السلامة فقط، بل توارد المعاني التركيبية المختلفة عليه مع السلامة. إذاً: أُعرب الاسم لماذا؟ الأصل أنه لا يسأل عنه .. الأصل أنه لا يسأل عن علة إعراب الاسم؛ لأنه جاء على الأصل، وما جاء على الأصل لا يبحث عنه ولا يسأل عنه، أليس كذلك؟ لا تقل: لم أعرب الاسم، لكن لما ألحق به الفعل المضارع، حينئذٍ بحث عن وجه الشبه بينهما، فاكتشفوا علة وعلقوا عليها الحكم، وهي توارد المعاني التركيبية المختلفة على الاسم، قالوا: الاسم يطلبه العامل على أن يكون فاعلاً أو مفعولاً به، أو مضافاً أو مضافاً إليه، أو حالاً أو تمييزاً، قالوا: هذه محآلٌّ قد يوجد الاسم فيه وهو واحد، وتختلف المعاني باختلاف العوامل المسلطة عليه، وهذا إنما يكون بعد التركيب؛ لأنه لا إعراب ولا بناء إلا بعد التركيب، فلا إشكال، زيد .. جاء زيدٌ، رأيت زيداً، مررت بزيدٍ، هذا زيدٌ، زيدٌ أخوك، أخوك زيدٌ، زيد واحد اللفظ واختلفت المعاني باختلاف العوامل المسلطة عليه. جاء زيدٌ ليس ضربت زيداً، هو نفسه مثلاً، الأول وصفته بالمجيء والثاني وصفته بأنه مضروب، وقد يكون ضارباً، ضرب زيدٌ عمرواً، فاختلف الحكم، إذاً: تواردت المعاني المختلفة التركيبية على لفظ واحد، ومثالهم المشهور عند النحاة: ما أحسن زيد، هكذا بالإسكان، ما أحسن زيد، قالوا: زيد هنا يحتمل أن يكون منصوباً ويحتمل أن يكون مجروراً ويحتمل أن يكون مرفوعاً، وباختلاف هذه الأحوال يختلف الحكم ويختلف الوصف والمعنى، فإذا قلت: ما أحسن زيداً، صارت (ما) هذه تعجبية، وزيداً مفعول به، وإذا قلت: ما أحسنُ زيدٍ صارت (ما) هذه استفهامية، وزيد: مستفهم عنه، وإذا قلت: ما أحسنً زيدٌ صارت نافية.

إذاً: زيد نفي تارةً وتعجب منه من حسنه تارةً، واستفهم عن جزئه أو أجزاءه تارةً أخرى، واللفظ واحد والمعاني تركيبية؛ لأنها لا توجد إلا بعد التركيب، ما الذي ميز: (ما) التعجبية، عن: ما النافية، عن: ما الاستفهامية؟ هذا بالاستلزام لا أقصد ما نفسها، لكن ما الذي دلنا على أن السياق هنا تعجب أو نفي أو استفهام هو الحركات التي تعاقبت على زيد، فلما قلت: ما أحسنْ زيداً عرفنا أن ما تعجبية وأحسنْ هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر وجوباً، وزيداً هذا مفعول به وهو متعجب من حسنه، ولما رفعته: ما أحسنَ زيدٌ عرفنا أنه منفي .. حسنه منفي، ولما جررته علمنا أنه مستفهم عنه، الذي دلنا على هذا هو الإعراب. إذاً: علة إعراب الاسم هو توارد وتعاقب المعاني التركيبية على صيغة واحدة لا يميز هذه المعاني ويفصلها عن بعضها إلا الإعراب، فولا الإعراب ما عرفنا أن هذه ما تعجبية ولا استفهامية. وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ .. إذاً: سلامته من الحرف جزء علة في إعرابه، وكذلك يضاف إليه توارد المعاني المختلفة عليه، فلا اعتراض على المصنف حينئذٍ: وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا ... مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ كأَرْضٍ وَسُمَا وينقسم المعرب أيضاً إلى متمكن أمكن، وهو المنصرف، وإلى متمكن غير أمكن، متمكن يعني: في باب الاسمية؛ لأن غير المتمكن هو الذي خرج بالكلية عن باب الاسمية وهو الذي أشبه الحرف، فيما سبق المضمرات وغيرها، أمكن .. ما المراد بمتمكن أمكن؟ أريد اللفظ، متمكن: عرفنا أنه معرب، أمكن: أمكن من غيره من المعربات في الاسمية، زيد: هذا ينون تنوين صرف، أحمد معرب أو لا؟ معرب، زيدٌ معرب، أيهما أمكن في باب الاسمية؟ زيد، لماذا؟ لأنه مصروف وأحمد غير منصرف. إذاً: متمكن في باب الإعراب والاسمية، أمكن من غيره؛ لأنه يقابله ماذا؟ متمكن غير أمكن، وهو الممنوع من الصرف، إذاً: ينقسم المعرب إلى متمكن أمكن .. متمكن في باب الاسمية، وأمكن من غيره في باب الاسمية أيضاً وهو المنصرف، كزيد وعمرو، وإلى متمكن غير أمكن وهو غير المنصرف، أي: الممنوع من الصرف كأحمد ومساجد ومصابيح. وغير المتمكن هو المبني، والمتمكن هو المعرب، وهو قسمان كما ذكرنا. ثم لما أنهى ما يتعلق بالاسم من جهة إعرابه وبناءه ثنى بالفعل: وَالفعل مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي كذلك، كما أن الاسم منه معرب ومبني، إلا أن الإعراب في باب الأسماء أصل، وفي باب الأفعال فرع، هذا مذهب البصريين، مذهب البصريين: أن الإعراب في باب الأسماء أصل، وفي باب الأفعال فرع، لماذا؟ لما ذكرناه سابقاً: أن الاسم قد تعتري وتعتوره معانٍ لا يميزها إلا الإعراب، بخلاف الفعل، فالأصل فيه ألا تعتوره معانٍ مختلفة، سواء كان الماضي أو الأمر، وأما المضارع فهذا بعضه معرب وبعضه مبني بشرطه كما سيأتي.

إذاً: لما فرغ المصنف من بيان المعرب والمبني من الأسماء شرع في بيان المعرب والمبني من الأفعال، ومذهب البصريين: أن الإعراب أصل في الأسماء، فرع في الأفعال، فالأصل في الفعل البناء عندهم، فإذا جاء الاسم معرباً لا يسأل عنه، وإذا جاء الفعل مبنياً حينئذٍ لا يسأل عنه؛ لأن الأصل في الأفعال البناء، كما أن الأصل في الحروف البناء. وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأسماء وفي الأفعال مطلقاً، لماذا؟ أصل في الأفعال وفي الأسماء، والأول هو الصحيح، الذي هو مذهب البصريين، لماذا قال الكوفيون أنه أصل فيهما؟ ليس عندهم من المبني من الأفعال إلا الفعل الماضي، وفعل الأمر عندهم معرب مجزوم بلام مقدرة، والفعل المضارع في غالب أحواله يعتبر معرباً حينئذٍ لوجود بعض المعاني التي تعتري الفعل المضارع كما سيأتي وهذا مسلم عند البصريين، قالوا: بكونه معرباً في الفعل كما أنه معرب في الأسماء، يعني: أصل في الأفعال كما أنه أصل في الأسماء، يعني: توارد المعاني يوجد في الأفعال ويوجد في الأسماء، فصار أصلاً فيهما وهذا منتقد. قال رحمه الله: وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً .. هذه ثلاثة أنواع، فِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً ... فعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ وَمَاضِيَ الأَفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ ... بِالنُّونِ فِعْلَ الأَمْرِ إِنْ أَمْرٌ فُهِمْ والترتيب هنا مخالف لما سبق، هنا قدم الأمر: وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا .. وهناك قدم الفعل المضارع: ِفعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ، لماذا قدم هناك الفعل المضارع؟ لأنه في مقام بيان العلامات وهو أشرف من غيره، ثم قال: وَمَاضِيَ الأفْعَالِ .. ثم قال: وَسِمْ بِالنُّونِ فِعْلَ، قدم ماذا؟ قدم الماضي على فعل الأمر، لماذا؟ لكون الماضي متفقاً على بنائه، وفعل الأمر مختلف فيه، وهنا قدم ماذا؟ قد فعل الأمر، ثم أتى بالماضي ثم أتى بالمضارع، عكس ما سبق على التوالي .. هناك قدم المضارع ثم الماضي ثم الأمر، هنا قدم الأمر ثم الماضي ثم المضارع، لماذا؟ قدم الأمر للاستدلال به أو للاستدلال بهذا التقديم على أن الراجح فيه أنه مبني، مع التنصيص على الحكم، كأنه يقول: أن بناء فعل الأمر كالمتفق عليه من جهة بنائه كما هو متفق عليه في الماضي. وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ .. سوَّى بينهما، إذاً: هما في درجة واحدة، ولذلك عند البصريين لا خلاف عند أكثرهم أن فعل الأمر كالفعل الماضي، وإنما نازع بعض الكوفيين في كونه معرباً لعلة تمسكوا بها. إذاً: وَفِعْلُ أَمْرٍ: قدمه هنا للدلالة على أن الراجح فيه أنه مبني، بل هو مساوٍ للماضي في البناء، ثم ثلَّث بالفعل المضارع؛ لأنه خرج عن أصله، وما جاء عن الأصل سواء كان ماضياً أو أمراً فهو أولى بالتقديم على ما خرج عن الأصل وهو الفعل المضارع، إذاً: ثلاثة أفعال:

وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ ومضيٌ يجوز الوجهان، وَمُضِيٍّ بُنِيَا .. هذا يحتمل أن الألف هذه ألف الفاعل .. ألف الاثنين، ويحتمل أنها ألف الإطلاق، على حسب توجيه وَمُضِيٍّ، وَمُضِيٍّ بجر مضيٍ وتقدير مضاف حذفه الناظم لمماثلته المعطوف عليه، وأبقى المضاف إليه بحاله، يعني: أصل التركيب: وفعل أمرٍ .. وفعل مضيٍ بنيا، هذا أصل التركيب، قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على حاله .. كحاله كما سيأتي، فحذف المضاف فعل مضيٍ وأبقى مضي على حاله. وقوله: بُنِيَا، الرافع لضمير التثنية خبر عن المذكور والمحذوف، فحينئذٍ أخبر بالمثنى عن مفرد أو عن مثنى؟ مثنى معنىً لا حقيقةً، بُنِيَا، لا بد من التطابق بين المبتدأ والخبر، وفعل أمر .. فعل: هذا مبتدأ، أين خبره؟ بني، أليس كذلك؟ هذه الألف ألف الاثنين، وفعل أمر واحد، كيف يخبر عنه بقوله: بنيا؟ نقول: أصل التركيب: وفعل أمرٍ .. وفعل مضيٍ بنيا، هذا لا إشكال فيه، يعني: صار بنيا الألف هذه عائدة على فعل أمر المذكور وفعل مضي المحذوف، فعادت على اثنين: على مذكور وعلى محذوف، فلما أبقى المضاف إليه كحاله كأن المضاف صار موجوداً؛ لأن أثره موجود، وإذا كان أثره موجود حينئذٍ فهو كالموجود. فقوله: بُنِيَا، هذا يعود الاثنين، فلا يلزم الإخبار عن المفرد بمتحمل ضمير التثنية، وهو بنيا، ويجوز رفع مضيٌ عطفاً على فعلُ، على أنه أقيم مقام المضاف عند حذفه، وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ .. أصله: وفعل مضيٍ حذف المضاف فعل ثم أقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعه، هذا وجهٌ، أو على أنه بمعنى ماضٍ، ومضيٍ بمعنى: ماضٍ، ولكنه تغيرت صيغته ولم يجعله مضافاً إليه، يعني: لم يكن ثم لفظ فعل موجوداً، بل مضي بمعنى: ماضي، وهذا فيه تكلف. ويحتمل أن ألف بني للإطلاق وأن ضميره يرجع إلى فعل أمر مراداً به الجنس، ضمن نوعيه فعل الأمر وفعل المضي، يعني: كما قلنا هناك بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ، يحتمل أن وأتت هذا معطوف على المضاف إليه، فحينئذٍ بتاء صار اسماً مشتركاً بين التائين، وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ، يحتمل أن مضي هذا معطوف على أمر، وحينئذٍ يصير فعل، هذا ليس خاصاً بالأمر بل صار جنساً مشتركاً يصدق على الأمر وعلى الماضي، وفعل أمر هذا من إضافة الدال إلى المدلول، يعني: فعل يدل على الأمر، والفعل الدال على الأمر، -أي أمر اصطلاحي أو لغوي-؟ إذا قيل: فعل الأمر المراد به الاصطلاحي؛ لأن هذا اسمه فعل الأمر من إضافة الدال إلى المدلول، فعل أمر يدل على الأمر الاصطلاحي بتوفر شرطه، يعني: وجود علامتيه. وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا: إذاً الحكم على الفعل فعل الأمر بأنه مبني، والحكم على الفعل فعل الماضي أنه مبني، يبنى على أي شيء؟ ما بين المصنف رحمه الله تعالى وجه البناء، بل حكم عليه أنه مبني، وأحال على المُوَقِّف، فحينئذٍ نقول: فعل الأمر هل هو معرب أو مبني؟ على الخلاف الموجود بين البصريين والكوفيين، هنا قال:

المبنيُّ من الأفعال ضربان: ما اختلف في بنائه والراجح أنه مبني، هذا نوع، وهذا خاص بفعل الأمر، نحو: اضرب، هذا مبني عند البصريين ومعرب عند الكوفيين، لماذا؟ قالوا: أصله مشتق ومقتطع من الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر هذا أصله، اضرب، أصله: لتضرب، مجزوم بلام الأمر ظاهرة، وأصله: لتضرب فحذفت اللام تخفيفاً، -دعوى الحذف والتخفيف هذه لا حدود لها-، لتضرب، هذا أصله، اضرب أصله لتضرب، فعل مضارع مقرون بلام الأمر فهو مجزوم، حذفت اللام تخفيفاً .. ثم صار تضرب، هذا الأمر .. تضرب، التبس بالفعل المضارع المرفوع في حال الوقف، يعني: إذا وقفت على تضرب .. لو وصلته، قلت: تضرب، وتضرب يا زيد، لما حصل لبس، وإنما التبس بالفعل المضارع في حال الرفع عند الوقف لا عند الوصل، فحينئذٍ ماذا صنعوا؟ حذفوا التاء من أجل الفرق بين المضارع في حال الرفع عند الوقف، وبين فعل الأمر، حذفت التاء، صارت الضاء هنا ساكنة، وحينئذٍ لا يمكن الابتداء بالساكن، فاجتلبت همزة الوصل للتمكن من الابتداء بالساكن، ثم التقى ساكنان ففصلت الهمزة على أصل بالكسر فقيل: اضرب. إذاً: اضرب، هذا ليس أصلاً بل هو فرع، من أين؟ من قوله: لتضرب، حذفت اللام تخفيفاً، ثم بعد ذلك اشتبه والتبس بالفعل المضارع المرفوع في حالة الرفع، فحذفت التاء دفعاً لهذا اللبس، ثم صار الحرف ساكناً فاجتلبت همزة الوصل فقيل: اضرب، يرد هذا المذهب: أن الحرف لا يعمل محذوفاً، وهذا سيأتي معنا في حروف الجر هناك، الحرف لا يعمل محذوفاً سواء كان حرف جر، أو كان حرف جزم، فحينئذٍ قولهم: اضرب يا زيد، اضرب: هذا فعل أمر مجزوم عند الكوفيين؛ مجزوم لأنه معرب، ما العامل فيه؟ قالوا: اللام، أين هي؟ محذوفة، وهل يعمل المحذوف في الموجود؟ نقول: لا، الصواب: لا، لا يعمل المحذوف في الموجود. لو كان فعلاً، جاء زيدٌ، من جاء؟ زيدٌ .. زيدٌ، هذا مرفوع فاعل، ما العامل فيه؟ جاء، أين هو؟ محذوف، لو قال لك قائل: من جاء؟ قلت: زيدٌ، زيد ما إعرابه؟ فاعل، والعامل فيه .. أين هو جاء ما في جاء هنا، محذوف؛ لأنه وقع في جواب سؤال، قلت لك: من جاء، أنت تجيب بماذا؟ زيد فقط، كلمة: زيد، والأصل: جاء زيدٌ، حذف جاء، وبقي الفاعل على حاله، فقلت: زيدٌ، زيدٌ إعرابه فاعل لفعل محذوف جوازاً، تقديره: جاء زيد، ما الذي جوز حذفه؟ كونه واقعاً في جواب سؤال وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، كيف جوزنا هنا أن يعمل الفعل في اللفظ المذكور وهو محذوف؟ نقول: لأنه أصل، الأصل في العمل للأفعال، ولذلك قدرنا في البسملة هناك الفعل؛ لأنه أصل في العمل.

فحينئذٍ يقوى على أن يعمل مذكوراً ومحذوفاً، ودائماً الأصول هكذا، الأصول تعمل محذوفةً ومذكورةً، أما الحرف فالأصل فيه ألا يعمل، الحرف وهو ملفوظ الأصل فيه ألا يعمل، فإذا عمل الحرف وهو ملفوظ به حينئذٍ جاء على خلاف الأصل، وما جاء على خلاف الأصل فهو ضعيف، فإعماله وهو ملفوظ به ضعيف، هذا الحرف، فإذا حذف كان من باب أولى وأولى أن يكون أضعف في العمل، فكيف يبقى تأثيره بعد حذفه؟ إذاً: القول بكون اضرب مجزوم بلام الأمر محذوفة، نقول: هذا قول ضعيف؛ لأن الحرف لا يعمل محذوفاً، بل هو وهو ملفوظ به ضعيف، فمن باب أولى ألا يعمل محذوفاً. إذاً: هذا ما اختلف فيه بين البصريين والكوفيين، وهو مبني عند البصريين على الأصل، هل يحتاج البصريون إلى إثبات بنائه إلى دليل؟ نقول: لا؛ لأنه ثبت أن البناء أصل في الفعل، فحينئذٍ ما جاء على الأصل لا يطالب بدليل، فإذا قال البصري: الفعل فعل الأمر مبني لا نقول له: ائت بالدليل؛ لأنه استدل بالأصل، يعني: واقع عنه حالاً. حينئذٍ من قال: خرج عن الأصل قيل له: ائت بالدليل؟ ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ)) [البقرة:111] فإن أثبته دليلاً صحيحاً قبل على العين والرأس، ويستثنى من الأصل، وإن لم يأت فحينئذٍ نستصحب الأصل، هذا هو الأصل فيه. إذا قلنا: أنه مبني على الصحيح على أي شيء يبنى؟ المشهور عند النحاة أن الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، هذا هو المشهور عند النحاة، فالأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، فإذا كان المضارع مجزوماً بالسكون حينئذٍ بني على السكون، وإذا كان مضارعه جزم بحذف حرف العلة حينئذٍ يبنى فعل الأمر على حذف حرف العلة، وإذا كان مضارعه يجزم بحذف النون بني فعل الأمر على حذف النون، الأمثلة نحتاجها أم لا؟ ما نحتاج أمثلة. لم يضرب: هذا فعل مضارع مجزوم بالسكون، اضرب: هذا فعل أمر مبني على السكون؛ لأن مضارعه يضرب إذا دخل عليه جازم جزم بالسكون، يغزو .. لم يغزُ .. لم يدعُ .. لم يرمِ .. لم يخشَ، نقول: هذه جزمت بحذف حرف العلة، أغز يا زيدُ، ارم يا عمرو .. اخش يا زيدُ، نقول: هذه كلها مبنية على حذف حرف العلة، ماذا بقي؟ المجزوم بحذف النون، لم يقوما .. لم يقوموا .. لم تقومي، إذاً نقول في فعل الأمر قوما: مبني على حذف النون، قوموا: مبني على حذف النون، قومي: مبني على حذف النون؛ لأن مضارعه يجزم بحذف النون، في هذه الأمثلة واضح بين: أن فعل الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، وهذه القاعدة في مثل هذا لا بأس بها: الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه. لكنها أورد عليها بعض الإيرادات من حيث ماذا؟ عدم الشمول؛ لأنها لا تشمل بعض الأشياء، ويدخل تحتها بعض ما كان الأصل أنه خارج عنها، يرد عليها: أمر جمع المؤنث صحيحاً كان أو معتلاً، إذا أمرت نسوة ماذا تقول؟ قمن، ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ)) [الأحزاب:33] مضارعه، ما هو مضارعه .. مجزوم؟ النسوة يقمن، قمن؟ مبني على السكون، هنا يقول: على ما يجزم به مضارعه! خص نوعاً من أنواع المضارع، فحينئذٍ لا يدخل تحته أمر المؤنث، صحيحاً كان أو معتلاً، لماذا؟ لأن مضارعه مبني وليس مجزوماً: النسوة يقمن، فحينئذٍ نقول: الأمر منه مبني على السكون، كما أن مضارعه مبني على السكون.

وقوله: الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، لا يدخل تحته هذا الصنف، إذاً: أمر جمع المؤنث صحيحاً كان أو معتلاً، فإنه مبني على السكون ومضارعه ليس مجزوماً فإنه مبني على السكون أيضاً، نحو: قمن، هذا أمر، وهو مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث، وتقول في المضارع: النسوة يقمن .. ارمين .. يرمين .. النسوة يرمين، هذا معتل اتصلت به نون الإناث، فهو مبني على السكون، النسوة يرمين، الأمر منه: ارمين .. أرمين، أليس كذلك؟ حينئذٍ بني على السكون كما أن أصله مبني على السكون. إذاً: اختصاص القاعدة بما جزم مضارعه أخرج المبني، فهذا الفرد ليس داخلاً تحت هذه القاعدة، فزيد على القاعدة لإخراج هذا النوع لو كان معرباً، الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه لو كان معرباً، الأصل أن نأتي بالقيد للإدخال أو للإخراج، للإخراج أو للإدخال؟، هنا نريد أن ندخل هذا النوع أم نخرجه؟ ندخله، وهم قالوا: لو كان معرباً إذاً: إذا كان مبنياً لا يأخذ الحكم، وهذا قيد فاسد، لكن أرادوا أن يجمعوا بين نظيرين، لماذا؟ قولهم: لو كان معرباً، أرادوا أن يجمعوا بين نظيرين؛ لأنهم قالوا: ما يجزم به مضارعه. إذاً: عينوا الفعل المضارع أنه مجزوم، فكيف يضم إليه النوع المبني؟! هذا متعذر، لكنهم خصوا القاعدة بالمعرب فحسب، حينئذٍ تكون القاعدة أغلبية فهي خاصةٌ بالفعل المضارع المعرب المجزوم، إذاً: إذا كان مبنياً هذه القاعدة لا تنطبق على المبنيات، فحينئذٍ يؤخذ حكم فعل الأمر الذي بني مضارعه من غير هذه القاعدة. كذلك يرد عليها بعد الزيادة أيضاً: الأمر الذي باشرته نون التوكيد، فإنه يبنى على الفتح صحيحاً كان أو معتلاً: ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] ليضربنَّ .. ليأكلنَّ، نقول: هذا فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، الأمر منه: انبذنَّ، اضربنَّ مبني على الفتح، مضارعه مبني على الفتح، وهذا مبني على الفتح: الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه لو كان معرباً، هل هذا النوع يمكن أن نأخذه من هذه القاعدة؟ الجواب: لا؛ لأنه مبني، -والكلام في المعرب-، لا تشمل هذه القاعدة الأمر الذي لا مضارع له، نحو: هاتِ، هذا اسم فعل، أو فعل أمر؟ الصحيح أنه فعل أمر، مجزوم على حذف حرف العلة، هاتي هذا هو الأصل، في الخطاب للمذكر .. -المفرد المذكر-، هاتِ: هذا فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والكسرة دليلة على المحذوف، مثل: ادع، واخش، وارم، هل له مضارع، هاتِ؟ ليس له مضارع، إذاً: كيف نأخذ من القاعدة حكم هذا النوع؟ لكن هذا يجاب عنه بأنه قليل، لا يعلم حكم الأمر الذي مضارعه ليس معرباً على تلك الزيادة. إذاً: هذا خلل في هذه القاعدة: الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، نقول: هذه قاعدةٌ أغلبية، ولا يصح أن يؤخذ منها أحكام أفراد فعل الأمر على جهة التفصيل، ولذلك نقول: أحوال فعل الأمر للمبني على أربعةٍ باستقراء كلام العرب:

الحالة الأولى: أنه يبنى على السكون، ظاهراً أو مقدراً، يعني: السكون قد يكون ظاهراً وقد يكون مقدراً، إذا كان صحيح الآخر غير معتل الآخر، ولم يتصل به ضمير تثنية، ولا ضمير جمع، ولا ضمير المؤنثة المخاطبة، يعني: ليس من الأمثلة الخمسة، اضرب يا زيد، نقول: هذا يبنى على السكون؛ لأنه فعل أمر صحيح الآخر، يعني: لامه ليست حرفاً من أحرف العلة الثلاثة، اضرب: الباء ليست واوً ولا ياءً ولا ألفاً، حينئذٍ يبنى على السكون، وهذا السكون هنا ظاهر: ((قُمِ اللَّيْلَ)) [المزمل:2] قمٍ، نقول: هذا فعل أمر أو لا؟ فعل أمر، مبني على السكون، لماذا بني على السكون؟ لأنه صحيح الآخر، يعني: لامه ليست واوً ولا ياءً ولا ألفاً، فحينئذٍ يبنى على السكون، وليس من الأمثلة الخمسة. وأين السكون؟ مقدر، ((قُمِ اللَّيْلَ)) [المزمل:2] قم: هذا فعل أمر مبني على السكون المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، وهذه الحركة ليست أصلية، والحركة العارضة كاسمها عارضة، لا اعتبار لها، إذ لو كان لها اعتبار لرجعت الواو التي حذفت للتخلص من التقاء الساكنين، قم: أصله قوم، واو ساكنة وميم ساكنة، التقى الساكنان حينئذٍ لا يحرك الأول بالكسر، لماذا؟ لأن الواو ثقيل، تعين الطريق الثاني وهو حذفه؛ لوجود الدليل عليه وهو ضمة قبله، قُم حينئذٍ لما حركت الميم وهي ساكنة في الأصل، ومن أجلها حذفت الواو .. لما حركت بحركة عارضة لم ترجع الواو، فدل على أنها ليست هي الأصل، وأن السكون الذي حذف من أجله الواو معتبر لكنه من جهة التقدير لا من جهة اللفظ. إذاً: يبنى على السكون ظاهراً أو مقدراً .. ظاهراً في نحو: اضرب يا زيد، ومقدراً في نحو: قم الليل، متى؟ إذا كان صحيح الآخر، ولم يكن من الأمثلة الخمسة، لم يتصل به ضمير تثنية، ولا ضمير جمع، ولا ضمير المؤنثة المخاطبة، أو اتصلت به نون الإناث، يعني: يبنى على السكون إذا اتصلت به نون الإناث: ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ)) [الأحزاب:33] أقمن ما إعرابه؟ .. لاتصاله بنون الإناث: ((وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ)) [الأحزاب:33] هذه كلها أفعال أمر، أطعن: هذا فعل أمر مبني على السكون، لماذا بني؟ أجيبوا .. لاتصاله بنون التوكيد .. بنون الإناث، أولاً: لماذا بني؟ نقول: لا يسأل عن الفعل المبني، لماذا بني؟ لأنه جاء عن الأصل، لم بني السكون هنا؟ لاتصاله بنون الإناث، ونون الإناث حرف أم اسم؟ ما الدليل؟ وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ. ومسندٍ: إذاً أسند إليها، فدل على أنها اسم فهي فاعل، إذاً: أقمن الصلاة .. أطعن الله، نقول: هذا فعل أمر اتصلت به نون الإناث فيبنى على السكون.

والمدغم بفك إدغامه عند اتصاله بالنون، امدُدْنَ .. مَدَّ هذا مشدد مدغم، إذا اتصل به نون الإناث فك الإدغام، فصار: امددن، وهذا فيه تفصيل طويل، اضرب يا رجل .. قم الليل .. مد .. اضربن يا هندات وارمين، مد، ما إعرابه، كيف يعرب مدَّ؟ مد الحبل يا زيد، أمر أو لا، مدَّ، أمر .. أولا هو أمر أو لا؟ أمر ما هو الدليل؟ دل على الطلب ويقبل ياء افعلي، مدي يا هند .. مد يا زيد .. مدي، إذاً: قبل يا الفاعلة، إعرابه كيف مُدَّ؟ فعل أمر مبني على السكون، أين السكون؟ مُدَّ: فعل أمر مبني على السكون المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين. كيف التقاء الساكنين وهو فتحة؟! يجوز أن يقال: مُدُوا .. مُدي .. مُدَّ، في التحريك: مدوا على الإتباع، والسكون مقدر، مُدَّ: للتخلص من التقاء الساكنين، لكنه طلباً للخفة؛ لأن الأصل الفعل أنه لا يدخله كسر، مُدِّي: هذا أضعفها بالكسر على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، ففيه ثلاث لغات: أشهرها وأحسنها: مُدَّ، ثم مُدُّوا، ثم مُدِّي، ومُدُّوا: الدال مضمومة هنا للإتباع التي ذكرها اليوم، حركة الإتباع، فتقول: مدوا فعل أمر مبني على سكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع، مدي: فعل أمر مبني على السكون المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين وهي الكسرة على الأصل، مَدَّ: نفسه لكنها فتحاً. إذاً: هذا الحالة الأولى: أنه يبنى على السكون ظاهراً أو مقدراً إذا كان صحيح الآخر، ولم يكن من الأفعال الخمسة. الثاني: يبنى على الفتح، فتح آخره إذا اتصلت به نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة: اضْرِبَنّ .. اضْرِبْنَ، اضْرِبَن .. اضْرِبَن، ليس اضْرِبْنَ، اضْرِبَن يا زيدُ: هذه نون التوكيد الخفيفة، اضرِبَ .. اضرِبَن .. اضرِب: هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، اضْرِبَنَّ، اضرب: تقول: هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. الثالث: يبنى على حذف حرف العلة، إذا كان آخره معتلاً، يعني: واو أو ياء أو ألف، يدعوا تقول: ادع، كما ذكرناه سابقاً، يخشى اخش، يرمي ارم، بشرط ألا يتصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة، أو ضمير المؤنثة المخاطبة، أو نون الإناث، أو نوني التوكيد، لا يتصل به هذا ولا ذاك؛ لأنه إذا اتصل به ضمير تثنية أو واو جماعة أو ضمير المؤنثة المخاطبة حينئذٍ بني على حذف النون وهو الحالة الرابعة: أنه يبنى على حذف النون، متى؟ إذا اتصل به ألف اثنين أو واو جماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة، اضرِبَانِِّ يا زيد .. هنا فعل أمر اتصل به نون التوكيد الثقيلة، فبني على حذف النون؛ لأن الألف هذه ألف تثنية، يعني: فاعل، مثل يضربان، هنا نقول: فعل الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه، الأفعال الخمسة أوالأمثلة الخمسة تجزم بحذف نونها، حينئذٍ إذا اتصل ألف الاثنين بفعل الأمر نقول: بني على حذف النون، اضربا .. اضربا، اضربوا، اضربي، نقول: هذا مبني على حذف النون، إذاً: قاعدة هنا أن الفعل فعل الأمر يبنى على واحد من أربعة: إما على السكون، وإما على الفتح، وإما على حذف حرف العلة، وإما على حذف النون.

وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا .. مضيٍ: هذا اتفق على بنائه وأنه مبني، والأصل فيه ماذا؟ الأصل فيه البناء، ومتى يبنى؟ نقول: يبنى على الفتح أو الضم أو السكون، وهو الذي ذهب إليه هنا من؟ ابن عقيل. ما اتفق على بنائه وهو الماضي، وهو مبني على الفتح نحو: ضرب، وانطلق، ما لم يتصل به واو جمع فيضم، أو ضمير رفع متحرك فيسكن، وهذا مذهب الجمهور: أن الفعل الماضي له ثلاثة أحوال: يبنى على الفتح ظاهراً أو مقدراً، ويبنى على الضم، ويبنى على السكون. يبنى على الفتح: إذا لم يتصل بآخره شيء، نحو: ضرب وعصى، ضرب: فعل ماضي، ضرب زيد: ضرب فعل ماضي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، لم بني؟ لا يسأل عنه؛ لأنه جاء على الأصل، لماذا بني على الفتح، أو لماذا حرك؟ نقول: لأنه أشبه المضارع كما سيأتي، لم كانت عين الحركة فتحة؟ طلباً للخفة. إذاً: هذه الحالة الأولى: أنه يبنى على الفتح، وذلك إذا لم يتصل به شيء، سواء كان هذا الفتح ظاهراً أو مقدراً، ظاهراً نحو: ضرب، ومقدراً، نحو: عصى .. ((وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ)) [طه:121]. أو اتصل به تاء التأنيث الساكنة، ضربت هندٌ، ضرب: فعل ماضي مبني على الفتح، واتصلت به تاء التأنيث الساكنة، إذاً: لم تخرجه عن الأصل، أو اتصلت به ألف الاثنين نحو: ضربا الزيدان .. الزيدان ضربا، ضربا: هذا فعل ماضي مبني على الفتح، والألف هذه ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، إذاً: اتصل الفعل الماضي بألف الاثنين وبقي على أصله، إذاً: الحالة الأولى يبنى على الفتح ظاهراً أو مقدراً سواء اتصلت به تاء التأنيث أو ألف الاثنين لا يخرجه عن أصله. الحال الثانية: أنه يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، هي التي عناها بقوله: ما لم يتصل به واو جمع فيضم، إذاً: يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، ضمير: هذا احترازاً من الاسم الظاهر: ضرب زيدٌ، فإنه يكون مبنياً على الفتح، ضمير رفع: احترازاً من ضمير نصب، نحو: أكرمنا، فهو مبني على الفتح على الأصل، وبالمتحرك احترازاً عن الساكن، ما عدى الواو: ضربنا، إذاً: ضمير رفع متحرك، خرج بالضمير الاسم الظاهر، وبالمتحرك الساكن، ما عدى الواو نحو: ضربا .. هذا ضمير ساكن الألف، أليس كذلك؟ يكون مبنياً معه على الفتح. يبنى على السكون إذا اتصل به ضمير رفع متحرك، إذا وجدت فيه هذه القيود الثلاثة حينئذٍ بني على السكون، مثل ماذا؟ التاء، ونا، ونون الإناث ثلاثة، ضربت .. قمت .. ضربنا .. النسوة، قمن، هذه كلها الثلاثة مبنية على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، واضح هذا؟ الحالة الثالثة: أنه يبنى على الضم، متى؟ إذا اتصل به ضمير جمع، وهو واو الجماعة، ضربوا .. قاموا، قالوا هذا مبني على الضم، لماذا؟ لأن الواو لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مضموماً، إذاً: هذا حال، هذا قول الجمهور: التفصيل في حال الفعل الماضي، يبنى على الفتح، ويبنى على السكون، ويبنى على الضم.

المذهب الثاني: أن يبنى على الفتح والسكون فقط لا على الضم، وهذا رجحه ابن هشام في: أوضح المسالك، يعني: نفس المذهب السابق إلا أنه أسقط البناء على الضم، وجعل الفتحة فيه مقدرة، قاموا: فعل ماضي مبني على الفتح المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة. إذاً، المذهب الثاني: أن الماضي يبنى على الفتح والسكون، ونحو ضربوا الفتح مقدر. المذهب الثالث: يبنى على الفتح في جميع الأحوال مطلقاً سواء اتصل به ضمير رفع متحرك أو اتصل به واو الجماعة أو لا، يبنى على الفتح مطلقاً، وهذا هو الأرجح والأصح. أما نحو: ضرَبْتُ، فنقول: هذا مبني على فتح مقدر؛ لأن هذا السكون عارض، الأصل: ضرَبَتٌ بتحرك الباء بالفتح على الأصل، ضرَبَ: فعل ماضي اتصل ضمير رفع، قيل: ضرَبَتُ، حينئذٍ من قاعدة العرب: أنه لا يوجد في كلمة واحدة، أربع متحركات متوالية، دفعاً لهذا التوالي سكن آخر الفعل، فحينئذٍ هذا السكون ليس سكون بناء، وإنما هو سكون عارض، فإذا علمت العلة من وجود هذا السكون رجعنا إلى الأصل في إعراب الفعل الماضي عند التجرد، يعني: قبل اتصال تاء الفاعل، فضرَبْتُ نقول: أصله ضرَبَتُ سكنت الباء دفعاً لتوالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، حينئذٍ بقي على أصله، فنقول: ضرب، فعل ماضي مبني على الفتح المقدر، منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون دفع توالي أربع متحركات، فيما هو كالكلمة الواحدة. وأما: قاموُا، فهذا واضح بين أن هذه الضمة إنما جيء بها لأجل مناسبة الواو؛ لأن الواو لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مضموماً، إذاً نقول: الفعل الماضي الصحيح أنه مبني على الفتح مطلقاً سواء اتصل به ضمير رفع متحرك، أو اتصل به واو الجماعة، وأما مذهب الجمهور فهذا فيه نظر. وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا ... وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ عَرِيَا هذا شروع في الفعل المضارع، أعربوا، من الذي أعرب، العرب أو النحاة؟ يحتمل ويحتمل؟ يحتمل أعربوا .. العرب أو النحاة، يحتمل هذا وذاك، وأعربوا، أي: العرب نطقوا بالمضارع معرباً، أو النحاة حكموا للفعل المضارع بالإعراب، واضح؟ يحتمل هذا ويحتمل ذاك. وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ عَرِيَا: وأعربوا، أي: العرب بمعنى: نطقوا به معرباً، أو النحاة بمعنى: حكموا بإعرابه، أعربوا مضارعاً، يعني: فعلاً مضارعاً على خلاف الأصل؛ لأن الأصل فيه أن يكون مبنياً، هذا الأصل في الفعل المضارع، ولكن لكونه أشبه الاسم أخذ حكمه، أشبه الاسم في وجه شبه سيأتي، لوجود هذا الشبه قالوا: أخذ حكم الاسم وهو الإعراب، ما وجه الشبه؟ فيه قولان: القول الأول وهو المرجح: أن الفعل المضارع تتوارد عليه معانٍ مختلفة، وهذه معانٍ تركيبية يعني: إنما توجد بعد تركيبه، لا يتميز وتتميز هذه المعاني المختلفة إلا بالإعراب، لما وجدت فيه علة إعراب الاسم وهي توارد المعاني المختلفة، حينئذٍ ألحق الفعل المضارع بالاسم فأخذ حكمه وهو الإعراب، قلنا: ما أحسنَ زيداً .. ما أحسنُ زيدٍ .. ما أحسنَ زيدٌ، هذه ثلاثة أحوال.

قال: ومثلها في المثل المشهور: لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن، قالوا: تشربَ .. تشربُ .. تشربِ، هذا يحتمل كم معنى؟ ثلاث، لا تأكل السمك، هذا واحد، لا: ناهية، وتأكل: هذا فعل مضارع مجزوم بلا، وجزمه سكون مقدر على آخره، هذا ثابت: لا تأكل السمك، هذا مفروغ منه، بقي: وتشربَ اللبن، وتشرب: هذا يجوز فيه من حيث الإعراب ثلاثة معاني، وتشربَ .. وتشربِ .. وتشربُ، أما: وتشربِ اللبنَ، فهذا عطفاً على مدخول لا الناهية، حينئذٍ يكون مجزوماً، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء ساكنين. المعنى على هذا: لا تأكل السمك، ولا تشرب اللبن، منهي عن هذا وذاك، سواء جمعت بينهما أو أفردت أحدهما عن الآخر، فأنت منهي عنه، هذا في حالة الجزم، وتشربِ، وتشربَ: على جعل الواو واو المعية، وتشربَ: فعل مضارع منصوب بأن مضمرةً وجوباً بعد الواو، المعنى على هذا: لا تأكل السمك مع شربك، إذاً: لا تجمع ولك أن تفرد، يعني: لا تأكل السمك مع شربك اللبن، فإن أكلت السمك وحده دون شرب للبن لا بأس، وإن عكست فلا بأس. لا تأكل السمك وتشربُ .. بالرفع، يعني: ولك شرب اللبن، الثاني مباح، لا تأكل السمك منهي عنه، وتشربُ، نقول: هذا على الإباحة، إذاً: هذه معانٍ مختلفة تركيبية على صيغة واحدة، الفعل واحد المثال واحد، ما الذي ميز هذه المعاني من حيث النهي والجمع والإفراد؟ هو الإعراب. إذاً: وجدت فيه علة إعراب الأسماء، فانتقل الحكم حكم الإعراب من الأسماء إلى الفعل، لكنه لم يجعل أصلاً فيه كما جعل أصلاً في الأسماء؛ لأن هذه المعاني يمكن تمييزها بغير الفعل، لا تأكلِ السمكَ، ولك شربُ .. حذفنا الفعل، لا تأكلِ السمكَ شارباً اللبن، جئنا بالحال نصاً، لا تأكلِ السمكَ ولا تشرب، جئنا بالحرف على أصله، لما أمكن أن نفر عن اللبس والاختلاف في فهم المعنى التصريح بالاسم أو بلا الناهية عن الإعراب، صار الإعراب فرعاً في الفعل المضارع دون ماذا؟ صار الإعراب فرعاً في الفعل المضارع ولم يكن أصلاً. إذاً: وأعربوا مضارعاً، لماذا أعرب الفعل المضارع مع كون الأصل فيه أنه مبني؟ نقول: لكونه أشبه الاسم، أشبه الاسم في ماذا؟ في توارد المعاني المختلفة عليه، هذه العلة هي الصحيحة وهي التي نكتفي بها. لكن إعرابه مطلقاً؟ قال: لا، إنْ عَرِيَا .. مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ .. نُونِ إنَاثٍ، يعني: كأنه قال لك: وأعربوا مضارعاً لا مطلقاً، بل إن عري من نون توكيد، وعري هنا، بمعنى: خلا، وعري من باب رضي، بمعنى: خلا، ويأتي من باب قعد بمعنى آخر، إن خلا الفعل المضارع من نون توكيد مباشرٍ ولو تقديراً. وإن عرى من نون إناث، إذاً: شرط إعراب الفعل المضارع أن يكون خالياً، يعني: لم يتصل به لا نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة المباشرة ولا نون الإناث، فإن لم يعرَ فحينئذٍ رجع إلى أصله وهو البناء، هذا مأخوذ من مفهوم المخالفة.

وأعربوا، هذا ليس على إطلاقه بل قيده بحرف الشرط: إن عري .. يعني: إن خلا من النونين، فإن لم يخل من النونين حينئذٍ الحكم وهو الإعراب منتف، لماذا؟ لأنه قيد الإعراب بشرط، وإذا كان كذلك وحينئذٍ يزول المشروط بزوال الشرط وهو الإعراب، فإن لم يتصل .. فإن اتصل به نون التوكيد ونون الإناث حينئذٍ رجع إلى أصله وهو البناء. وأعربوا مضارعاً .. على خلاف الأصل، وإلا مطلقاً، بل إن عري .. قلنا: عري بكسر الراء ماضي يعرى، كرضي يرضى، أي: خلا، وأما عرى يعروا كعلا يعلو فبمعنى: عرض، عَرِيَا .. مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ، ولو تقديراً كما سيأتي، وإن عري من نون إناث، يعني: نون موضوعة للإناث، وإن استعملت مجازاً في الذكور. ولذلك ابن مالك في هذه الألفية باستقراء أنه لا يعبر بنون النسوة، وإنما يقول: نون الإناث، لماذا؟ لأنها قد تستعمل في غير النسوة، النسوة عقلاء .. عاقلات، حينئذٍ إذا استعملت النون في غير النسوة ويقال: هي نون النسوة هذا محل إشكال، فإذا استعملت في غير نون النسوة حينئذٍ لا تسمى بهذه، لذلك نقول: لم يقل: نون النسوة لأنها تشمل العاقل ولغير العاقل، الناقة، أو النوق يسرحن، يسرحن: هذا فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث. إذاً: نون الإناث التعبير بها أولى من التعبير بنون النسوة، كَيَرُعْنَ مَنْ فُتِنْ، هذا مثال لأي شيء، للمعرب أو للمبني؟ يَرُعْنَ، كقولك: يَرُعْنَ .. يَرُعْنَ: هذا مضارع راع بمعنى: أفزع، يَرُعْنَ النسوة .. يَرُعْنَ: هذا فعل مضارع مبني، على السكون لاتصاله بنون الإناث، من فتن، ونون الإناث ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل، مَنْ فُتِنَ، يعني: مَنْ فُتِنَ بِهنَّ، وحينئذٍ هذا مثال للمبني لا للمعرب. إذاً: الفعل المضارع نقول: له حالان: حال إعراب، وحال بناء، حال إعرابه له ثلاثة أحوال: إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مجزوماً، وهذه كلها سيفرد لها المصنف أبواب .. المرفوع سيذكره في بيت، ثم يذكر باباً للمنصوبات أو الفعل المضارع المنصوب والنواصب، وكذلك الجوازم، وهنا ذكر المبني. ....................... مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ عَرِيَا نُونِ إنَاثٍ .............................. قال ابن عقيل هنا: والمعرب من الأفعال هو المضارع، ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الإناث، فهو شرط عدمي، يعني: عدم اتصال هذين اللفظين بالفعل المضارع هو المسوغ لإعرابه، فإن وجد هذا الشرط المنفي، يعني: من جهة الوجود حينئذٍ انتفى الإعراب ورجع إلى الأصل. مثال نون التوكيد المباشرة: هل تَضْرِبَنَّ .. تَضْرِبَنَّ: هذا فعل مضارع مبني على الفتح، لماذا بني، هل نسأل: لماذا بني؟ بل نسأل؛ لأن الفعل المضارع لما صار معرباً في أكثر أحواله صار الإعراب فيه كالأصل والبناء كالفرع، فإذا بني حينئذٍ نحتاج إلى سؤال: لم بني الفعل المضارع في هذا؟ سيأتينا، هل تَضْرِبَنَّ؟ إذا اتصلت نون التوكيد الثقيلة بالفعل المضارع وبني معها على الفتح، والفعل معها مبني على الفتح، ولا فرق في ذلك بين الخفيفة والثقيلة، فإن لم تتصل به لم يبنَ.

ابن عقيل هنا شرح ماذا؟ شرح المبني ولم يشرح المعرب، مع كونه نص ابن مالك على قوله: وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً؛ لأن إعرابه واضح بين لا يحتاج إلى تفصيل، فإعرابه إما أن يكون رفعاً وهذا إذا تجرد عن الناصب والجازم، وإما أن يكون نصباً وهذا يستلزم العلم بالمنصوبات، يعني: أدوات النصب، وإما أن يكون مجزوماً، وهذا يستلزم العلم بأدوات الجزم، وهذه إحالة على ما سيأتي، وإنما الذي يعنيه الناظم هنا: هو البناء فحسب، وأما الإعراب فسيأتي ذكره. إذاً: إذا اتصلت نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة بالفعل المضارع وكانت مباشرةً له حينئذٍ بني معها على الفتح، إن لم تتصل به، بمعنى أنها لم تباشره، ولذلك قيد ابن مالك هنا، قيد بماذا؟ من نون توكيدٍ مباشرٍ، بمعنى: أنها اتصلت بالفعل ولم يفصل بينهما فاصل، وهل يتصور أن تكون نون التوكيد الثقيلة مع الفعل المضارع وبينهما فاصل؟ نقول: نعم، هذا يتصور، فإن وجد الفاصل لفظاً أو تقديراً حينئذٍ رجع الفعل إلى أصله وهو الإعراب، إذاً: ليس كلما رأيت نون التوكيد الثقيلة بجوار الفعل المضارع فهو مبني، بل لا بد أن نعرف: هل هذه النون مباشرةً للفعل أم لا؟ فإن باشرته بمعنى: أنه لم يفصل بين الفعل والنون فاصل، فحينئذٍ هو مبني، فإن فصل بينهما فاصل فحينئذٍ نقول: هو معرب، فإن لم تتصل به لم يبن، وذلك كما إذا فصل بينه، يعني: بين الفعل وبين النون فاصل ملفوظ به كألف الاثنين. لو قلت: هل تضربانِّ؟ أصلها ماذا؟ انظروا إلى ابن عقيل: هذه لا ينطق بها، هل تضربان، هذا أكد فعل مضارع أسند إلى ألف الاثنين، فاعله ألف الاثنين، حينئذٍ هذه النون ليست متصلة .. ليست مباشرةً بالفعل المضارع، لماذا؟ لوجود الفاصل الملفوظ به وهو ألف الاثنين، فانتفى أن يركب بين نون التوكيد والفعل، لماذا؟ لأن العرب لا تركب ثلاثة أشياء، لأنه هناك اغتفر .. ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] لكون الفعل ركب مع نون التوكيد تركيب خمسة عشر؛ لأن العرب تركب بين شيئين، وأما ثلاثة أشياء فلا، فلذلك امتنع بناؤه. هل تضربانِّ، ما أصله؟ هل تضرباننن .. النون الأولى: نون الرفع، والنونان الأخريان نون التوكيد، هذه كم نون؟ ثلاث نونات، نون الرفع ونون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة عبارة عن نونين: الأولى الساكنة وهي المدغمة في الثانية المتحركة، إذاً: ثلاث نونات، العرب تكره توالي الأمثال، وإذا كانت زائدة هذا أعظم وأعظم.

فحينئذٍ دفعاً لكراهة توالي الأمثال حذفت نون الرفع، فصار ماذا؟ تضربانَ، بالفتح على الأصل، ثم كسرت نون التوكيد بعد ألف الاثنين تشبيهاً لها بنون المثنى مسلمان، إذاً: هل اتصلت النون هنا بالفعل؟ الجواب: لا، فإذا لم تتصل بالفعل حينئذٍ انتفى شرط بنائه؛ لأن شرط بناء الفعل المضارع مع نون التوكيد أن تكون مباشرة، بمعنى: أنه لا يفصل بينهما فاصل، وهنا قد فصل بينهما فاصل، وهو ألف الاثنين، إذاً أصله: هل تضربان .. تضربان، لا ينطق به، ثم بعد ذلك جاءت نون التوكيد، فاجتمعت ثلاث نونات، فحذفت الأولى وهي نون الرفع كراهة توالي الأمثال، أي: الممنوع وذلك إذا كانت كلها زائدة فصار هل تضربانِّ، ولم تحذف الألف مع كون الألف ساكنة، والنون الأولى ساكنة، التقى ساكنان هنا: الألف والنون، لم تحذف الألف لماذا؟ قالوا: لئلا يلتبس بفعل الواحد، لو حذفت الألف لقيل: هل تضرِبَنّ على الأصل، كسرت النون من أجل وجود الألف، فإذا حذفت رجعت إلى أصلها بالفتح، فحينئذٍ هل تضربن، هل هذا مثنى أو مفرد؟ هذا ملتبس، متى هذا؟ إذا حذفنا الألف، ولكن نبقيها دفعاً لهذا اللبس، إذا نحذف نون الرفع ولا نحذف نون التوكيد، لماذا؟ نقول: لم تحذف نون التوكيد لماذا؟ لفوات المقصود منها بحذفها، أليس كذلك؟ نون الرفع حرف معنى أو لا؟ حرف معنى لا شك؛ لأنه يدل على الفاعلية .. يدل على أنه مرفوع، ونون التوكيد كذلك حرف معنى. أيهما يتضرر الفعل بفواته: حذف نون الرفع، أو نون التوكيد؟ لو حذفت نون التوكيد لما صار الفعل مؤكداً .. لو عكسنا وحذفنا نون الرفع هل يتضرر الفعل؟ نقول: لا، بدليل أنه لم يسبقه ناصب ولا جازم، فدل على أن هذا الفعل مرفوع، نعلم من يقرأ: هل تضربان، يعرف أن هذا الفعل مرفوع، أين النون؟ محذوفة، هل وجد ناصب؟ لا، هل وجد جازم؟ لا، إذاً: حذفت دفعاً لتوالي، أو كراهة توالي الأمثال. إذاً: ولم تحذف نون التوكيد لفوات المقصود منها بحذفها، أي: لعدم ما يدل عليها، بخلاف نون الرفع فإنها وإن أتي بها لمعنىً مقصود لكن لا يفوت بحذفها، لوجود الدليل عليها وهو أن الفعل معرب لم يدخل عليه ناصبٌ ولا جازمٌ للعلم حينئذٍ بأن نون الرفع مقدرة. وكذلك يعرب الفعل المضارع إذا فصل بينه وبين نون التوكيد فاصل مقدر كواو الجمع، أو ياء المخاطبة.

إذاً: إذا أردنا الضابط في هذا نقول: إذا أسند الفعل إلى الواحد فالنون مباشرة، وإذا أسند إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو يا المخاطبة، فالنون نون التوكيد غير مباشرة، هذه خلاصة الأمر: إذا أسند إلى الواحد: ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] الفاعل واحد، حينئذٍ نقول: هذه النون مباشرة، فالفعل مبني معها على الفتح؛ لكونه مركباً تركيب خمسة عشر، وإذا فصل بينهما فاصل، ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة حكمنا عليه بأنه معرب لانتفاء شرط وهو كون هذه النون غير مباشرة، إذا فصل بينه وبين نون التوكيد فاصل واو الجمع، هل تَضرِبُنّ يا زيدون، هل تَضرِبِنّ يا هندُ؟ أصل: تَضرِبُنّ تَضرِبُونَنَّ .. تضربون ثم نون التوكيد، حذفت النون نون الرفع كراهة توالي الأمثال، تضربون النون، حذفت لكراهة توالي الأمثال، ماذا حصل؟ التقى ساكنان، الواو ساكنة والنون الأولى ساكنة، هل يمكن تحريك الأول؟ الجواب: لا، ماذا حصل؟ حذفت، ما المجوز لحذفه كونه حرف علة ووجود دليل يدل عليه، هل تضربُن الباء هذه مضمومة لمناسبة الواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، هل هذا الفعل مبني أو معرب؟ تضربُن اتصلت به نون التوكيد الثقيلة، هل هذا الفعل المضارع معرب أو مبني؟ نقول: معرب، لماذا أعرب، وقد اتصلت به نون التوكيد الثقيلة؟ نقول: شرط بنائه باتصال نون التوكيد أن تكون مباشرة، ألا يفصل بينها وبين الفعل فاصل، وقد فصل هنا، وإن كان فاصلاً مقدراً وهو الواو المحذوفة؛ لأن المحذوف لعلة تصريفية كالثابت، وهنا قد حذفت الواو لعلة تصريفية، وهي التخلص من التقاء الساكنين، هل تضربُنّ؟ نقول: هل حرف استفهام، تضربُنّ فعل مضارع مرفوع، بثبوت النون المحذوفة دفعاً لتوالي الأمثال، الفاعل ضمير مستتر تقديره .. هيا، أين الفاعل، تضربُنّ أين الفاعل .. أين الواو؟ إذاً: والفاعل هو الواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، أو تقول: والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، وحذف للتخلص من التقاء الساكنين، قدم هذا أو ذاك لا إشكال. إذاً نقول: الفاعل هنا ليس ضميراً مستتراً وإنما هو: لينبذنَّ، نقول: الفاعل أين هو؟ ضمير مستتر، وأما مع الواو فنقول: الواو هي الفاعل، هل تضرِبِنّ يا هند، يقال فيها ما قيل في السابق: تضربينن حذفت النون لدفع توالي الأمثال، ثم التقى ساكنان الياء النون الأولى فحذفت الياء، تضرِبِنّ وإعرابه كما سبق. وهذا هو المراد بقوله: ....................... مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ ... وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إنْ .............................. فإن لم تكن النون مباشرةً بأن فصل بينهما فاصل ألف اثنين، أو واو جماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة، حينئذٍ حكمنا عليه بأنه معرب على الأصل. وذهب الأخفش: إلى أنه مبني مع نون التوكيد مطلقاً، ونقل عن بعضهم أنه معرب مطلقاً، إذاً: فيه ثلاثة أقوال يأتينا إن شاء الله.

الثاني من حالتي بناء الفعل المضارع: أن يتصل به نون الإناث، ونون الإناث ليست هي كنون التوكيد، نون التوكيد حرف، ونون الإناث اسم فاعل، إذا اتصلت بالفعل المضارع حينئذٍ بني معها على السكون: ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ)) [البقرة:233] يرضعن: هذا فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث. إذاً قوله: وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً أراد به أن يبين أن الفعل المضارع معرب، لكن بشرط عدمي، وهو ألا تتصل به نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة بشرط أن تكون مباشرة، فإن لم تكن فهو معرب على الأصل، وألا تتصل به نون الإناث، فإن اتصلت به إحدى النونين فهو مبني، وسيأتي التفصيل فيه إن شاء الله تعالى. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

12

عناصر الدرس * الأصل في الحروف البناء * الأصل في البناء وفروعه (الأصل) ـ (القاب البناء) ـ * ألقاب الإعراب ومايختص به كل لقب * علامة الإعراب الأصلية. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ - هذا يقول: وجدت كتاب: موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب .. هل هو المقصود بتمرين الطلاب؟ هو؟ ها نجيب: موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب، هل هو تمرين الطلاب؟ هذه من كتب المبتدئين، يعني: لا بد أنها تكون معروفة، هو؟ - لا، موصل الطلاب هذا شرح قواعد الإعراب لابن هشام رحمه الله تعالى، ليس هو، لكنه مفيد جداً. - هذا يقول: ما الأصل في الفعل المضارع؛ لأنك ذكرت بالأمس ولم يجعل الإعراب أصلاً له لكونه يتميز بغير الإعراب، فصار الإعراب فرعاً، ثم ذكرت آخر الدرس لما صار المضارع في أكثر أحواله معرباً صار الإعراب أصلاً له. - كالأصل .. ليس أصلاً كالأصل، إن كنت قلتها فهو سبق، لكن بعضهم يصرح، الصبان صرح أنه صار أصلاً له، ولا بأس. - ذكرتم أن الحركات سبعة أنواع: الإعراب .. البناء .. البنية، ولم تذكروا حركة المناسبة. - نعم صحيح، حركة المناسبة داخلة. - ما مقصود المصنف -رحمه الله تعالى- بقوله: مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ؟ - احترازاً من نون التوكيد غير المباشرة، وهي التي فصل بينها وبين الفعل فاصل ظاهر أو مقدر، وهذا فيما إذا كان الفعل أسند إلى الواو أو إلى الألف، أو الياء. - إن كان واضع اللغة هو الله عز وجل، فهل يجوز أن نقول: إن الإشارة معنىً كان حقه أن يوضع له حرف فلم يوضع؟ - نعم، هذا الأولى تركه. - ما الأصل في الفعل المضارع: الإعراب أم البناء؟ - ما الأصل؟ الفعل المضارع ما الأصل فيه؟ البناء. - هل الياء في: مدني إشباع، أم هي لام الكلمة ثبتت لعدم وجود ما يستدعي حذفه؟ - لا، وجد ما يستدعي حذفه، مدنٍ مثل: قاضٍ، مدني هذا الأصل، نُوِّن: ونَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا، حينئذٍ وجب حذف الياء للتخلص من التقاء الساكنين، لكن الخلاف إذا حذف التنوين في الوقف، هل ترجع أو لا؟ سيأتينا هذا. - إذا كان الظرف متضمناً معنى في، والتمييز من، فلماذا لا يبنيان؟ - سيأتي معنى التضمن هناك. - هل يقال في أل: الألف واللام، أم الهمزة واللام؟ - ذكرناه. - نرجو أن يخصص أحد الدروس للمراجعة وطرح الأسئلة وإشكالات، وجزاكم الله خيراً. - الوقت الآن .. - يقول: لماذا لا نحمل كلام المصنف: وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ، أنه أراد بذلك أنه قد يقصد بالكلمة: الكلام لغةً. - هو أراد بهذا طيب، ماذا أراد؟ وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلاَمٌ قَدْ يُؤَمْ: أنه أراد بذلك قد يقصد بالكلمة الكلام لغةً، وهذا المراد. -حتى نداوي به هذا الجرح الذي لا دواء له .. - ما شاء الله تبارك الله .. - ضمير رفع متحرك، لماذا قلنا: احترزنا من متحرك عن واو الجماعة؟ - لا، عن الساكن ما عدا واو الجماعة، أليس كذلك؟ عن الساكن الذي هو ألف الاثنين؛ لأننا نقول: يتصل بالفعل الماضي ضمير رفع متحرك، حينئذٍ يبنى على السكون، طيب! ضمير رفع متحرك، إذا قلت: ضربا، الألف هذه فاعل، ساكن .. ضمير رفع نعم لكنه ساكن، الفعل يكون معه مبنياً على الفتح لا على السكون، وأما مع الواو نقول: هو مبني على الضم، إذاً: احترزنا بقول: متحرك عن ساكنٍ ما عدى الواو. - في المجزوم ونحوها، هل نقول مثلاً: في نحو لم يضرب مجزوم بالسكون، أم مجزوم بلم وجزمه السكون؟

- يتوسع في هذا، أصل الفعل المضارع مجزوم بلم، تبين العامل، وجزمه السكون، أو وعلامة جزمه السكون. - هل نقول في: اذهبن أنه مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث، أم لأنه الأصل في البناء السكون؟ - اذهبن، يعني: فعل أمر، هذا مبني على السكون؟ إذا اتصل به نون الإناث، هنا لا نعلل؛ لأنه جاء على الأصل. - كيف يكون السكون والحذف من الإعراب الظاهر لا المقدر، من أن كل منهما عدم فسكون، والعدم حركة، والحذف عدم حركة .. ؟ - لذا قلنا: الظاهر المراد به .. ما المقصود بالظاهر .. أثر ظاهر أو مقدر، أثر ظاهر، يعني: ملفوظ؟ لا، ما نفسره بملفوظ، وإنما نفسره بموجود؛ لأن السكون موجود، والحذف كذلك موجود. - كيف يكون العهد في التنوين مع أن المفترض أن السائل لا يعرف ما هو التنوين؟ - موقف. - هل يحذف التنوين من زيد بن حارثة، وكيف يلفظ هذا الاسم؟ - زيِدُ بنُ حارِثَة. - ما علامة اسمية: نزالِ ودراكِ؟ -نزالِ ودراكِ، ما علامة اسميتهما؟ - واَلأَمْرُ إنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلْ فِيهِ هُوَ اسْمٌ: نعم .. نعم هو هذا. - أعربتم الياء في: مدني، بأنها زائدة، لم لا يقال: هي لام الكلمة، وإنما لم تحذف لعدم وجود المقتضي الذي هو التقاء الساكنين، وذلك لأن التنوين تحذف عند .. - نعم، سيأتي هذا بحثه في المنقوص إذا وقف عليه. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: سبق معنا أن المصنف رحمه الله تعالى شرع في بيان ما يتعلق بالفعل من كونه مبنياً، وقسم الفعل إلى ثلاثة أقسام، فعلٌ ماضٍ، وفعلٌ أمر، وفعلٌ مضارع، وذكرنا أن الأصل في الأفعال هو البناء، والأصل في الأسماء الإعراب، ولما كانت الأقسام ثلاثية، ومنه ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه، المتفق عليه هو إعراب الفعل المضارع بشرطه، وبناء الفعل الماضي، وأما فعل الأمر فهو مختلف فيه مبني عند البصريين، ومعرب عند الكوفيين: وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا .. وأطلق البناء ولم يبينه، وعرفنا أن فعل الأمر له أربعة أحوال، وأن الفعل الماضي له فيه ثلاثة مذاهب من حيث البناء وتفصيل البناء، يعني: يبنى على أي شيء، ومذهب الجمهور أنه يبنى على الفتح إذا لم يتصل به شيء، وإذا اتصل به ضمير رفع متحرك بني على السكون، وإذا اتصل به ضمير الجمع أو واو الجماعة، بني على الضم، والصواب: أنه يبنى على الفتح مطلقاً، سواء اتصل به ما يقتضي سكونه، أو ما يقتضي بنائه؛ لأن كل من السكون والبناء على الضم عارض، وإذا كان كذلك حينئذٍ نرجع إلى الأصل، والصواب: أن يقال أن الفعل الماضي مبني على الفتح مطلقاً، حينئذٍ ضربت تقول: فعل ماضي مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون دفع توالي أربعٍ متحركاتٍ فيما هو كالكلمة الواحدة.

وعند ابن مالك رحمه الله تعالى: أن العلة غير هذه العلة، وهي: التمييز بين فاعل والمفعول في نا، نا الدالة على الفاعلين، ونا الدالة على المفعولين، أكرَمْنا .. أكرَمَنا، كل منهما في اللفظ واحد، لكن أكرَمْنا نا هذه فاعل في محل رفع فاعل، أكرَمَنا، نا هنا في محل نصب مفعول به، الذي يميز هذا عن ذاك هو السكون، وإلا الأصل: أكرَمَنا في الموضعين، هذا الأصل. حينئذٍ سُكِّنَ الفعل المتصل بنا الدالة على الفاعلين ليتميز أن هذا الفعل مسند إلى الفاعل، وأن الذي فيه الفتح أكرَمَنا مسند إلى الفاعل أيضاً، لكنه ضمير مستتر، أو تقول: زيدٌ أكرَمَنا، زيدٌ: مبتدأ، وأكرم: فعل ماضي، وفاعله ضمير مستتر، و (نا) هنا دالة على المفعولين، والضمير متصل في محل نصب مفعول به، وحملت النون والتاء على (نا) للمساواة في الرفع والاتصال، يعني: من باب القياس؛ لأن الذي يبنى معه الفعل الماضي على السكون ثلاثة: (تا) فاعل قمت، وقمنا (نا) الدالة على الفاعلين، و (نون) النسوة. نا: عرفنا أنها للتمييز، هي الأصل، والتاء قمت لم بني على السكون؟ ليس عندنا لبس، وكذلك النسوة قمن، ليس عندنا لبس، قال: من باب القياس، والعلة الجامعة هي المساواة في الرفع الاتصال، كل منها ضمائر متصلة، وكل منها ضمائر رفع، هذه العلة عند ابن مالك، وعلى هذا وذاك الأصل السماع، الأصل أنه مبني على السكون، وهذا هو الصحيح. وأما فعل الأمر فله أربعة أحوال ذكرناها بالأمس. ............................... ... مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... وَأَعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا ...................................... يعني: الفعل المضارع معرب، وهل الأصل فيه الإعراب؟ الجواب (لا): الأصل فيه من حيث إنه فعل البناء، ثم لما أشبه الاسم فيما ذكرنا بالأمس حينئذٍ انتقل الحكم من الاسم وهو الإعراب إلى الفعل المضارع، لكن بشرط ألا يتصل به إحدى النونين: نون التوكيد بنوعيها، ونون الإناث، فإن اتصلت به نون التوكيد بنوعيها، حينئذٍ ينظر فيها: هل هي مباشرة أو لا؟ فإن كانت مباشرة، حينئذٍ بني الفعل معها على الفتح، وإن لم تكن مباشرة حينئذٍ الفعل معرب على الأصل، وضابط الفرق بين النوعين مباشر وغير المباشر أن الفعل المسند إلى المفرد الواحد: ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] نقول: هذا مبني، والنون هنا مباشرة، ليس ثم فاصل بين النون نون التوكيد والفعل. وأما إذا أسند الفعل إلى ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المؤنثة المخاطبة، حينئذٍ نقول: ثم فاصل بين الفعل ونون التوكيد الثقيلة، ثم هذا الفاصل في الألف ملفوظ به: ((وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [يونس:89] وقد يكون محذوفاً، وقد يكون .. في الألف لا يكون إلا ملفوظاً، وأما في الواو والياء فقد يكون ملفوظاً به وقد يكون مقدراً، يعني: محذوفاً للتخلص من التقاء الساكنين، والمحذوف لعلة كالثابت حينئذٍ هو كأنه موجود، ومنه: ((لَتُبْلَوُنَّ)) [آل عمران:186] .. ((فَإِمَّا تَرَيِنَّ)) [مريم:26] هذا كله داخل في هذا، ولا يمكن شرحها إلا بالرؤى، يعني: لا بد أن تشرح بالكتابة، أما بالنطق فلا تفهم.

إذاً: يشترط في نون التوكيد أن تكون مباشرة، فإن لم تكن مباشرة حينئذٍ رجعنا إلى الأصل في الفعل المضارع، فهو معرب، وهذا على الصحيح وهو قول الجمهور، أما من قال بالبناء مطلقاً، أو قال بالإعراب مطلقاً، فقوله ضعيف. وَمِنْ نُونِ إنَاثٍ: لم يقيدها بالمباشرة، لماذا؟ لأنها لا تكون إلا مباشرة، نون الإناث لا تكون إلا مباشرة. إذاً: إذا عري الفعل المضارع عن هاتين النونين، قلنا: هو معرب، وسيعقد الناظم رحمه الله تعالى للنواصب والجوازم. ثم قال رحمه الله: وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ وَضَمّ ... وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا كَأَيْنَ أَمْسِ حَيْثُ وَالسَّاكِنُ كَمْ هذا هو النوع الثالث من أنواع الكلمة على الترتيب، قدمها بالأشرف الاسم، ذكر المعرب منه والمبني ووجَّه علة المبني، وذكر أوجه الشبه، ثم انتقل إلى النوع الثاني وهو الفعل، ثم لم يبق إلا الحرف. والحروف كلها مبنية، ولذلك قال: وَكُلُّ حَْرفٍ .. جاء بقاعدة كلية، وكل هذه من ألفاظ العموم، ولذلك هناك في قطر الندى قال: والحروف كلها مبنية، لم يستثن منها حرف البتة، لماذا؟ لأن الحروف لا يوجد فيها علة إعراب الاسم، ولا الفعل المضارع، وهو اعتوار المعاني المختلفة التركيبية عليها، إذاً: لا تفتقر إلى الإعراب. وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: الحرف مبني لما علل، ولذلك نقول: الأصل في الاسم الإعراب ولا يعلل هذا الأصل، ولكن لما نظر غيره في غيره الفعل والحرف احتجنا إلى التماس علة في الاسم المعرب من أجل أن نفهم لماذا كان الأصل في الفعل البناء، ولماذا كان الأصل في الحرف البناء، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا علل الأصل الاسم بالإعراب ووجدت علته حينئذٍ متى ما وجدت هذه العلة في الفعل فثم الحكم، ومتى ما وجدت في الحرف فثم الحكم. لما وجدت في بعض أنواع الفعل وهو الفعل المضارع حينئذٍ وجد الحكم وهو الإعراب، نظرنا في الحرف فإذا به لا يمكن أن تتوارد عليه المعاني؛ لأن الفعل يوجد مسنداً بل يكون مسنداً، حينئذٍ يمكن أن تتوارد عليه المعاني التركيبية، وهو أحد ركني الإسناد، وأما الحرف فلا يسند ولا يسند إليه، لا يخبر به ولا يخبر عنه. إذاً: لا يمكن أن تتوارد عليه فلا يمكن أن توجد فيه علة الإعراب في الاسم، فلا يمكن أن يكون معرباً، ولذلك قال: وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ .. أي: مستوجب للبناء، اعترض على الناظم في قوله: مستحق، قالوا: هذا فيه نوع إشكال؛ لأن الحرف أو الشيء قد يكون مستحقاً للشيء ولا يعطاه، حينئذٍ قوله وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا، لا يلزم منه أن يكون مبنياً، فالأسماء كلها مستحقة للإعراب ومع ذلك لم تعط كلها الإعراب، والأصل في الفعل أنه مستحق للبناء، ولم يعط كل أنواع الفعل البناء.

اعترض بأن هذا لا يفيد بناء الحروف بالفعل، إذ لا يلزم من الاستحقاق الحصول، لا يلزم من أن يكون مستحقاً للشيء أنه حاصل له، وجوابه: أن أل في البناء (لِلْبِنَا) للعهد الحضوري، أي: البناء الحاضر في الحرف، وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا، أي: البناء الحاضر، فهو مبني، ومع ذلك مستحق له، يعني: أفاد بهذه الجملة: أن الأصل في الحرف أن يكون مبنياً، لماذا؟ لأنه لو قال مبني .. لو قال الحرف مبني، نحن نقول: اسم الاستفهام مبني أيضاً، الفعل المضارع مبني .. الفعل الماضي مبني .. أسماء الشرط مبنية، هل التعبير بكونه مبنياً يدل على أنه مستحق للبناء؟ إذا قلنا الفعل الماضي مبني، وقلنا: أسماء الاستفهام وأسماء الشرط والمضمرات مبنية، هل ثم فرق بين البنائين؟ نعم، الخبر واحد مبني، ولكن في الفعل الماضي مبني مع كونه مستحقاً للبناء، يعني: الأصل فيه أنه مبني، وأسماء الشرط والمضمرات مبنية، لكن مع كونها ليست مستحقة في الأصل البناء. إذاً: القول بأن الشيء مبني لا يدل على أنه أصله، وعلى أنه مستحق لذلك الشيء، ولكن إذا قيل: بأن أل هنا للعهد الحضوري، أي: البناء الحاضر، فحينئذٍ أفادك بهذه الجملة حكمين: أن الحرف مبني، وأن هذا البناء أصل ومستحق له، لله دره مع أنهم انتقدوه في هذا البيت. حينئذٍ: وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا، أي بناء؟ البناء الذي هو عليه، إذاً: هو مبني، فأل هنا للعهد الحضوري، ثم أفادك أن هذا البناء الحرف مستحق له، بمعنى: أنه مبني والبناء أصل فيه، بخلاف المضمرات مبنية، والبناء ليس أصلاً فيها، فهمتم الاعتراض والجواب؟ نعم. إذاً: اعترض بأن هذا الكلام قوله: مستحق، لا يفيد بناء الحروف بالفعل، إذ لا يلزم من الاستحقاق الحصول، وجوابه .. لذلك ابن أم غازي غير البيت؛ لأنه ما فهم هذا الفهم، وجوابه: أن أل في البناء للعهد الحضوري، أي: البناء الحاضر في الحرف، فيفيد كلام الناظم بناء كل حرف، يفيد أنه مبني، واستحقاق بناءه الحاصل له، يعني أفادنا حكمين: أنه مبني، وأفادنا أن هذا البناء ليس بعارضٍ، كما هو الشأن في المضمرات، بل هو أصل فيه، فوافق أصله. ويجاب أيضاً: بأن حصول البناء للحرف، علم من قوله: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي، ومبني لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي، والمشبه أخذ حكم المشبه به، في ماذا؟ في البناء، إذاً: هذه الجملة: وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا، إن لم تدل على أن الحرف مبني وأفادنا هنا أنه مستحق؛ لأن الإشكال هنا هذه الجملة تدل على أن الحرف مستحق فحسب للبناء، ولا تدل على أنه مبني. نقول: فيما مضى في قوله: وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي يدل على أن الحرف مبني، إذاً: الحكم ببناء الحرف سابق .. العلم به سابق، وهنا بهذا الشطر دلنا على أن ذاك البناء الذي انتقل من الحرف إلى الاسم بناء أصلي وليس ببناء عارض، وهذا جواب جيد أيضاً، ولكن الجواب الأول أحسن.

فالقصد الآن بهذا البيت والشطر بيان استحقاق الحرف بنائه الحاصل له، ولإفادته أن البناء أصل فيه بخلاف مبني، لو قال: مبني، لم نستفد أنه أصل فيه، إذاً: وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ، أي: مستوجب للبناء، نأخذ من هذا: أن الحرف مبني .. كل الحروف مبنية، ثم البناء أصلي، وليس بطارئ كما هو الشأن في بعض الأسماء. قوله: (للبناء)، لماذا؟ لو أردنا أن نعلل نقول: للبناء هنا، وأقول: إذا أردنا أن نعلل لأن الأصل عدم التعليل، إذ ليس فيه مقتضى الإعراب الذي ذكرناه قبل قليل، ليس في الحرف مقتضى الإعراب، الذي هو ماذا؟ توارد المعاني التركيبية المختلفة على الصيغة الواحدة أو اللفظ الواحد الذي لا يميز هذا المعنى عن ذاك إلا الإعراب، هذا غير موجود في الحرف. حينئذٍ يرد الإشكال: أن الحرف فيه معاني، من للابتداء، وترد للتبعيض، وتأتي لبيان الجنس، هذه معاني أو لا؟ معاني مختلفة، هل تتوارد على اللفظ الواحد وهو من، حينئذٍ نحتاج إلى ما يميزها، هل تتوارد؟ يعني: يحتمل أن هذا اللفظ من يحتمل التبعيض، أو لبيان الجنس .. ؟ نقول: العلة التي هي علة إعراب الاسم، أن المعاني حاصلة بماذا؟ بالتركيب نفس التركيب، وأما الحرف هنا فالمعنى الذي يتوارد عليه معنىً إفرادي، ولذلك لا تأكل السمك وتشربِ اللبنَ، لمن ننظر إليه لوحده تشرب فقط، وإنما نظرنا إليه بعامله، هل هو معطوف على ما قبله أو لا، وهذا نتيجة للتركيب. وأما المعاني الإفرادية كالابتداء والتبعيض بمن فتعتور الحرف، لكن لا يميز بينها بالإعراب، وإنما تعرف بالسياق، يعني: لا يدل الضم أو الفتح أو الكسر أو السكون على المعنى، إذا أردت أن تعرف أن من هذه للتبعيض أو لبيان الجنس لا تنظر إلى حركتها، هذا قطعاً، وإنما تنظر إلى المعنى السابق واللاحق، ولذلك الحرف من حيث دلالته على المعنى، نقول: يدل على المعنى في غيره، ما المراد؟ يدل على معنىً في غيره، هل معناه: أنه لا يفهم منه المعنى البتة؟ نقول: لا، ليس هذا المراد، ولذلك نقول: الاسم والفعل والحرف، كل منها كلمة، والكلمة قول مفرد. إذاً: الاسم قول مفرد، والفعل قول مفرد، والحرف قول مفرد، هل الواضع وضع اللفظ وجرده عن المعنى؟ نقول: لا لم يجرده عن المعنى، بل دل على معنىً، لكن هذا المعنى لا يفهم بذاته لو أطلق اللفظ هكذا (من)، لا يفهم منه الابتداء أو التبعيض إلا بعد تركيبه، إذاً: كونه دل على معنىً في غيره مرادهم به أنه لا يدل على معنىً بذاته بنفسه بحيث يفهم منه المعنى بخلاف الاسم والفعل، إذا قلت: زيد، فهمت منه المعنى مباشرة، إذا قلت: قلم .. سماء .. أرض، اللفظ بنفسه إذا أطلق فهمت منه المعنى مباشرة. إذاً: دل على معنى دون افتقاره إلى ضميمة كلمة سابقة ولا لاحقة، إذا قلت: قام، فهمت منه معنىً وهو إخبار بوقوع حدث وهو القيام في زمن مضى وانقطع، إذا قلت: يقوم كذلك، قم تفهم من الكلمة لوحدها، هذا المعنى لا يفتقر إلى كلمة أخرى من أجل أن تفهم، بخلاف (من)، هذا لا يفهم منه التبعيض أو الابتداء أو لبيان الجنس، (من): هذه محتملة لهذه المعاني كلها، لكن متى يفهم منها الابتداء؟ لا بد أنك تركبها.

إذاً: افتقرت إلى كلمة سابقة التي هي المتعلَق، وكلمة لاحقة التي هي المتعلِق، ولذلك يشترطون أن يكون الحرف حرف الجر الأصلي أن يكون له متعلَق، لا بد منها .. لا بد للجر من التعلق. لا بد للجارِ من التعلق بفعل أو معناه نحو مرتقي لأن حروف الجر تعدي معاني الأفعال إلى الأسماء التي لا تتعدى بنفسها، إذاً: الحرف فيه معنى، لكن هذه المعاني إفرادية، ثم لا يفهم المعنى بإطلاق اللفظ هكذا فحسب، بل لا بد من أن يكون ثم ما يفسره من كلمة سابقة تسمى متعلَقاً عند النحاة بفتح اللام، وكلمة لاحقة بعده: مررت بزيدٍ، لا بد من: مر، وزيد، لا يطلق الحرف هكذا حتى يفهم، إذا قيل: بأن المراد بالباء هنا التعدية .. لو قيل: الباء مجرد الباء هكذا، لا يفهم منها التعدية ولا يفهم منها السببية ولا غيرها، ولكن لما قيل: مررت بزيد ظهر معناها، ولا يظهر معناها إلا بكلمة سابقة كمر، وزيد كلمة لاحقة. إذاً: لا يرد أن علة إعراب الاسم موجودة في الحرف، نقول: ذاك المعنى الموجود في الاسم معانٍ تركيبية، وهذه معانٍ إفرادية، فتفهم من التركيب ولا نحتاج فيها إلى الإعراب. وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا ... وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا إذاً: انتهى بقوله: وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا، من التقسيم الثلاثي، بين لنا الاسم أن منه معربٌ ومبني، والفعل كذلك، والحرف كله مبني. ثم يبنى على أي شيء، ما هي ألقاب البناء؟ هذا الذي أراد أن يبينه بقوله: وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا، والأصل، أي: الراجح فيه أو المستصحَب، وليس المراد به الغالب، إذ ليس غالب المبنيات ساكناً، الأصل قد يطلق ويراد به الغالب الأكثر، وقد يراد به الراجح فيه أو المستصحَب، قلنا لا يحمل على الغالب؛ لأنه ليس الغالب في المبنيات أن يكون مسكناً على الأصل، بل منه ما هو مكسور ومضموم. وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ: هنا عام يشمل الاسم والفعل والحرف، أنْ يُسَكَّنَا: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، والألف هذه للإطلاق، والأصل في المبني السكون، هذا التقدير، فأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، أنْ يُسَكَّنَا: سكَّن يُسكِّنُ تَسكيناً، هذا مصدر، هل المراد به عين المصدر، أو المراد أثره؟ الثاني، لماذا؟ لأن التسكين هو فعلك أنت، كونك تجعل الحرف الأخير عليه سكون، هذا فعلك، ولكن السكون أثر التسكين، سكنت الآخر فنطقت به ساكناً، حينئذٍ المراد به أثر المصدر. وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ اسماً كان أو فعلاً أو حرفاً أنْ يُسَكَّنَا، أي السكون، لماذا؟ قالوا: لخفته، وثقل الفعل، وثقل الحركة، والمبني ثقيل فلو حرك اجتمع فيه ثقيلان، المبني ثقيل؛ لأنه ملازم لحالة واحدة، والحركة ثقيلة والسكون خفيف، فأعطي الثقيل الذي هو المبني الخفيف، لماذا؟ سلوكاً مسلك التعادل والتناسب، هكذا يقال، سلوكاً مسلك التعادل؛ لأن لا يعطى الثقيل الثقيل، كما أنه لا يعطى الخفيف الخفيف، إنما يعطى الثقيل الخفيف، ويعطى الخفيف الثقيل، هذا الأصل فيه، هكذا يقولون.

وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا: إذا كان كذلك لا يفهم منه أنه لا يوجد مبني إلا وهو ساكن، بل منه ما خرج عن أصله، ولذلك قال: ومنه، أي: من المبني ما حرك لعارضٍ اقتضى تحريكه، منه، يعني: بعضه، إشارةً إلى عدم الانحصار فيما ذكره؛ لأن من المبني ما بني، قال: (وَمِنْهُ)، أي: بعضه وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ وَضَمْ، إذاً: الأصل فيه السكون، ثم منه ما حرك عن أصله للتخلص من التقاء الساكنين، إما بفتح وإما بكسر وإما بضم، فألقاب البناء على هذا تكون أربعة، هل هي محصورة في هذا النوع؟ الجواب: لا، ما الذي دلنا؟ قوله: ومنه .. من هنا للتبعيض، فدل على أن بعضه مبني على غير السكون، وذكر منه الفتح والكسر والضم؛ لأن من المبني ما بني على حرف فيا زيدان، أو على حذف .. حذف حرف: أغزُ، هذا مبني على ماذا؟ على حذف حرف العلة، والمبني فيه أصل أو فرع .. البناء فيه أغزُ، أصل أو فرع؟ .. لماذا تترددون؟ وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا: على الأصل، ولذلك قلنا: قدم فعل الأمر ليدل على أنه كأنه لا نزاع فيه، قدمه على المتفق عليه، فحينئذٍ أغز، نقول: هذا فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وهو لم يذكر الحذف، كذلك: يا زيدان، يا: حرف نداء، زيدان: منادى مبني على الألف في محل نصب. إذاً: قد يبنى على حرف، وقد يبنى على حذف، وقد يبنى على حركةٍ، وقد يبنى على سكون، لذلك قال: ومنه ذو فتح، أي: صحاب فتح، ذو هنا بمعنى: صاحب، وهو مبتدأ مؤخر، (ومنه) هذا خبر مقدم، ذو فتح، أي: صاحب فتح، قدمه على الكسر والضم؛ لأن الفتحة أخف الحركات. قدم الفتح على الكسر وقدم الكسر على الضم، هل هو مقصود الترتيب هنا؟ نقول: نعم؛ لأن الحركة وإن كان جنسها ثقيلاً من حيث هي إلا أنها عند التفصيل بعضها أثقل من بعض، فالكسر أثقل من الفتح، والضم أثقل من الكسر، إذا أردنا أن نبدأ من الأخف نقول: فتحٌ ثم كسرٌ ثم ضمٌ، وإذا أردنا العكس، نقول: الأثقل الضم، ثم الكسر، ثم الفتح، حينئذٍ صار الترتيب هنا مقصوداً للناظم، ولذلك بدأ بالفتح؛ لأنه أقرب إلى السكون؛ لأن السكون خفيف، قلنا: صار أصلاً في البناء لخفته. إذاً: إذا خرج عن أصله حينئذٍ أولى ما يبنى عليه ما هو أقرب الحركات إلى السكون، ثم الكسر، ثم الضم. وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ، يعني: ومنه وذُو كَسْرٍ، وَضَمْ، يعني: ومنه ذو ضم. كَأيْنَ أمْسِ حَيْثُ وَالسَّاكِنُ كَمْ: كَأيْنَ: الكاف هذه تمثيلية، وليست استقصائية، كقولك: أين زيد؟ أين هذه اسم استفهام، الأصل أنها معربة أو مبنية؟ معربة، لم بنيت؟ لشبهها بالحرف شبهاً قوياً، لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي، ما نوع الشبه؟ معنوي، ما وجهه؟ أين زيدٌ، أُدِّيَ بـ (أين) معنىً كان حقه أن يؤدَّى بالهمزة، هذا معنى الشبه المعنوي، الأصل فيه أن يبنى على السكون، لكنه بني على الفتح، لماذا؟ للتخلص من التقاء الساكنين، أي .. أيْ: ساكن الياء، أين. أمْسِ: مبني أو معرب؟ مبني، والأصل فيه الإعراب، لم بني؟ قلنا لم يذكر فيما سبق، فنحتاج إلى بيانه.

أمْسِ: هذا مختلف فيه، أمس عند الحجازيين بني لتضمنه معنى حرف التعريف؛ لأنه معرفة بغير أداة ظاهرة، بدليل وصفه بالمعرفة، تقول: أمس الدابرُ لا يعود، أمس: مبتدأ مرفوع بالابتداء، في محل رفع مبتدأ، الدابر: بالضم هذا نعته، لا يعود: الجملة خبر، انظر نعت بماذا؟ بالضم، الدابرُ؛ لأنه في محل رفع، فباعتبار المحل حينئذٍ نقول: اتجه أن نعرب الدابر بالرفع. إذاً: أمسِ، نقول: بني لتضمنه معنى حرف التعريف، والأصل فيه أن يسكن، وهنا حرك بالكسر، لم؟ للتخلص من التقاء الساكنين، وهناك أين، قلنا: بني على الفتح تخلصاً من التقاء الساكنين، لكنه رجع إلى ماذا؟ إلى الفتح دون الكسر طلباً للخفة، وهنا بقي على أصله؛ لأن أمس أخف من أين. حيثُ: هذا مبني على الضم، لم بني حيث؟ للشبه الافتقاري؛ لأنها ملازمة للإضافة مثل الذي وإذ وإذا، لم حرك؟ ليعلم أن له أصلاً في الإعراب، لم كانت الحركة ضمة؟ تمام ما شاء الله، جبراً لما فاته، يعني: فاته ماذا؟ الإعراب، فأعطي أقوى الحركات، جبراً لأنه صار فيه نقص، حيثُ: هذا على لغة الضم، وإلا فيه ثلاث لغات: حيثِ .. حيثَ .. حيثُ، على هذه اللغة نعلل بهذا، حينئذٍ نقول: التغير هنا والتبدل حيثِ .. حيثَ .. حيثُ هذا ليس من أجل العامل بل تبدل لغات. وَالسَّاكِنُ كَمْ، يعني: والساكن كثير، لا يحتاج إلى مثال، أو والساكن كم الاستفهامية أو الخبرية، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، وجعل كم هنا على أنها هي مثال أولى؛ لأنه إذا قيل: والساكن كم، يعني: كثير لا يحصر، حينئذٍ نقول: ما مَثَّلَ للساكن، أليس كذلك؟ لكن إذا قيل: والساكن، يعني: مثال الساكن، لفظ كم الاستفهامية أو الخبرية حينئذٍ صح، وبني كم للشبه الوضعي؛ لأنها وضعت على حرفين: كم، وهذا الأصل فيه أن يكون للحرف، أو لتضمن الاستفهامية معنى الهمزة، الاستفهامية بنيت لتضمنها معنى الهمزة، يعني: الشبه المعنوي .. الشبه المعنوي. والخبرية تضمنت معنى: رُبَّ التي للتكثير، كم مال؟ يعني كثير، حينئذٍ تضمنت معنى: رُبَّ، -رُبَّ التي للتكثير-، هذا أو ذاك على كلٍ هي مبنية. إذاً: أشار بهذا البيت إلى أن الحرف مبني، وأن بنائه على الأصل، ثم بين لنا أن الأصل في البناء أن يكون على السكون لخفته ولثقل المبني، ثم بين أن من ألقاب البناء الفتح والكسر والضم، فالبناء على السكون كما مَثَّل هنا يكون في الاسم والفعل والحرف، لكونه الأصل، ولكونه خفيف، يكون في الاسم والفعل والحرف، لماذا؟ لأنه الأصل، فحينئذٍ دخل الاسمَ، ودخل الفعلَ، ودخل الحرفَ، كم .. اضرب .. هل، كم: هذه مثال للاسم، اضرب: هذا مثال للفعل، وعلى قول الجمهور: قمتُ، أيضاً مثال للفعل، هل .. قد .. بل الحرف، فدخل الكل الكلمات الثلاث: الاسم والفعل والحرف، لكونه الأصل، وكذلك الفتح لكونه أخف الحركات وأقربها إلى السكون. وأما الضم والكسر فهذا يدخل الحرف ولا يدخل الفعل، يدخل الحرف مثل ماذا؟ منذ على لغة من جر بها، لا .. يدخل حرف الضم، مثال لماذا أنا ذكرت؟ الكسر والضم يدخلان الحرف، مثل ماذا؟ باء الجر: مررت بزيد، مبني على الكسر، هذا حرف مبني على الكسر، حرف مبني على الضم: (منذ)، في لغة من جَرَّ ِبها.

الضم هل يدخل الاسم؟ نعم حيثُ، الكسر هل يدخل الاسم؟ نعم، أمسِ، لكن الضم والكسر هل يدخلان الفعل؟ الجواب: لا؛ لأن الفعل ثقيل والكسر ثقيل ولا يجتمعان، فإذا لم يجتمع الكسر مع الفعل الذي هو أدنى من الضم فالضم من باب أولى، أليس كذلك؟ إذاً: الضم والكسر فيكونان في الاسم والحرف لا الفعل؛ لثقلهما وثقل الفعل، وأما نحو: ضربوا على ما ذكرناه أولاً، ضرَبُوا، نقول: هذه الحركة حركة مناسبة، والفتح مقدر، حينئذٍ ضرَبُوا: هذا مبني على الفتح، ليس مبنياً على الضم؛ لأن الضم لا يدخل الفعل، وأما نحو: رُدُّوا بضم الدال فمبني على سكون مقدر وضمته للإتباع كما ذكرناه أمس، ردَّ .. ردِّ .. ردُّ، فحينئذٍ كيف يقال: الفعل لا يدخله الضم وردُ هذا فعل أمر مبني على الضم؟! نقول: لا، ليس مبنياً على الضم بل هو مبني على السكون المقدر، والحركة هذه للإتباع، إتباع الدال حركة الفاء، رُدُ. كذلك اللغة الأخرى: رُدِّ، نقول: الكسر دخل الفعل، نقول: لا، لم يدخل الفعل؛ لأنه فعل أمر مبني على السكون المقدر، ونحو: عي وقي، عي: هذا فعل أمر من الوقاية، وقي: وقى يقي قي، قِه قي، نقول: هذا مبني على الكسر، لا، ليس مبنياً على الكسر، وإنما هو مبني على حذف حرف العلة، وقى يقي فحينئذٍ يحذف أوله حرف المضارعة، ثم يبنى على حذف آخره، فصار: عي قي قِه .. عِه بهاء السكت .. إذاً: ردِّ ورُدُّ، نقول: هذا ليس بمبني على الضم. وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وَذُو كَسْرٍ وَضَمْ ... وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا كَأيْنَ أمْسِ حَيْثُ وَالسَّاكِنُ كَمْ ثم قال: وَالْرَّفْعَ وَالنَّصْبَ اجْعَلَنْ إِعْرَاباً وَالاِسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ كَمَا ... لاِسْمٍ وَفِعْلٍ نَحْوُ لَنْ أَهَابَا قَدْ خُصِّصَ الْفِعْلُ بِأَنْ يَنْجَزِمَا هذا شروع من المصنف في ذكر ألقاب الإعراب وهي أربعة. الإعراب: أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة أو ما نُزِّلَ مُنَزَّلَتَه، حينئذٍ أثر ظاهر، قلنا: هذا الأثر إما حركة، وإما حرف، وإما سكون، وإما حذف واحد منها، فالإعراب صار جنساً، تحته أنواع أربعة: رفع وضم وكسر وجزم، أو الرفع والنصب والخفض والكسر، وهي أربعة. وعن المازني: أن الجزم ليس بإعراب، وإنما أعطي الفعل الجزم من أجل أن يكون ثلاثة أحوال، موافقةً للاسم؛ لأن الاسم إما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مجروراً وهذا محل وفاق، الفعل المضارع أشبه الاسم فأخذ حكمه في الإعراب، فحينئذٍ ليس له إلا الرفع والنصب، نقص واحد، قالوا: نكمل له بالجزم من أجل أن يتعادل مع الاسم، هكذا قيل! وهذه الأربعة منها ما هو مشترك بين الأسماء والأفعال، ومنها ما هو مختص بقبيل منها، حينئذٍ صارت ثلاثة، هي أربعة من حيث الأنواع، ومن حيث المحل هي ثلاثة، مشترك بين الأسماء والأفعال .. مختص بالأسماء .. مختص بالأفعال. وَالْرَّفْعَ: الرفع لغةً: العلو والارتفاع، وأما في الاصطلاح القول بأن الإعراب لفظي وهو الصحيح، نفس الضمة وما ناب عنها، هذا المراد بالرفع، الضمة نفسها، نقول: هي الإعراب .. هي الرفع، والرفعَ سواء كان ظاهراً أو مقدراً.

وَالنَّصْبَ: النصب في اللغة: الاستقامة والاستواء، وأما في الاصطلاح: فهو نفس الفتحة وما ناب عنها، نقول: هذا هو النصب. الْرَّفْعَ وَالنَّصْبَ: هنا قدم الرفع على النصب لماذا؟ لأن الرفعَ إعراب العمد: الفاعل والمبتدأ والخبر ونائب الفاعل، ولا يخلو كلامٌ من اسم مرفوع البتة، لا يخلوا كلام، أقل ما يتألف منه الكلام اسمان أو اسم وفعل، اسمان: مبتدأ وخبر، كلاهما مرفوعان، اسم وفعل، الاسم هنا إما فاعل وإما نائب فاعل، وهما مرفوعان. إذاً: لا يمكن أن يوجد كلام وليس فيه اسم مرفوع البتة، أليس كذلك؟ إذاً: قدم الرفع؛ لأنه إعراب العمد، يعني: المبتدأ والخبر والفاعل ونائب الفاعل، ثم عدم خلو أي كلام عن رفعٍ، لا يتصور وجود كلام لا يوجد فيه اسم مرفوع البتة. وَالْرَّفْعَ وَالنَّصْبَ: ثنَّى بالنصب؛ لأنه قد يكون معمولاً لفعل، والفعل هو الأصل في العمل، حينئذٍ صار أقوى من الخفض، الخفض هذا خاص بالأسماء، والنصب مشترك، والفعل إنما أعرب حملاً على الاسم، فأيهما أولى: أن يقدم ما هو خاصٌ بالاسم، أو ما هو مشترك مع غيره؟ الأولى: ما هو خاصٌ بالاسم؛ لأنه أشرف، لكن هنا لما كان ما اختص بالاسم عامله لا يكون إلا اسماً أو حرفاً وهو الجر، وعامل النصب قد يكون فعلاً: ضربت زيداً، زيداً: هذا منصوب بماذا؟ بضرب، وقلنا: الأصل في العمل الأفعال. فمن هذه الحيثية قدم النصب على الجر. ... وَالْرَّفْعَ وَالنَّصْبَ اجْعَلَنْ إِعْرَاباً ... لاِسْمٍ وَفِعْلٍ نَحْوُ لَنْ أَهَابَا اجْعَلَنْ الرفع، اجْعَلَنْ: هذا فعل أمر مبني على الفتح؟ اجعلن مبني على الفتح لا تتردد! مبني على الفتح لماذا؟ لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، اجعل: هذا يتعدى إلى مفعولين، أين مفعوله الأول؟ الرفع، والنصب مفعوله الثاني؟ لا، هذا معطوف عليه أحسنت، إعراباً: هذا هو المفعول الثاني؛ لأنه قال: اجعلن الرفع النصب إعراباً لاسم، لاسم: هذا متعلق بإعراباً. وهنا قدم معمول الفعل المؤكد بالنون، وهذا ممتنع عند الجماهير، معمول الفعل .. الفعل إذا أكد بالنون معمولاته كلها لا تتقدم عليه، وهنا قدم من أجل الوزن، ضرورة يعني. وَالْرَّفْعَ وَالنَّصْبَ اجْعَلَنْ إعْرَاباً ... لاِسْمٍ .. نحو: إن زيداً قائمٌ، (إن): حرف توكيد ونصب، وزيداً: اسم إن منصوب بها، وعلامة نصبه الفتحة، قائمٌ: هذا خبر إن مرفوعاً بها، إذاً: اجتمع في هذا المثال مثالان: الرفع والنصب للاسم، فالاسم مرفوع في هذا التركيب، وهو قائمٌ خبر إن، والاسم منصوب في هذا التركيب وهو اسم إن. وَفِعْلٍ: أطلق الفعل ومراده به المضارع، هل يرد اعتراض عليه بأنه يشمل الماضي والأمر؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنه يتكلم في مقام الإعراب، وسبق أنه نص على أن المضارع معرب، قال: وأعربوا مضارعاً، إذاً: لما أطلق هنا الفعل يجب أن يحمل على المضارع ولا يشركه غيره فيه. لاِسْمٍ وَفِعْلٍ مضارعٍ، نحو: يقوم، ولن أهابا، يقوم زيدٌ، يقوم: هذا فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، إذاً: فعل مضارع رفع بالضم على الأصل، نفس الضمة وما ناب عنها. ولن أهابا، لن: حرف نصب، وأهابا: الألف هذه للإطلاق، أهاب: هذا فعل مضارع منصوب بلن، ونصبه الفتحة الظاهرة على آخره.

والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ كَمَا: هذا شروع فيما اختص كل قبيل بنوع من أنواع الإعراب، اشتركا الاسم والفعل المضارع في الرفع والنصب، وانفرد الاسم بالجر، وانفرد الفعل بالجزم، إذ هي أربعة لا خامس لها: رفع ونصب وخفض وجزم، والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ، قوله بالجر: الباء هنا داخلة على المقصور كما هو الأكثر. والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ، يعني: الاسم مخصوص بالجر، هل هذا فيه معنىً زائد عن قوله فيما سبق بالجَرِّ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ؟ قلنا: العلامة لا تكون علامة إلا إذا اختصت بمدخولها، صحيح؟ يعني: ما كان علامةً للاسم لا يجوز دخوله على الفعل، صح؟ (أل) الموصولة قلنا فيها خلاف، هل هي من علامات الأسماء أو لا؟ قيل: من علامات الأسماء، قيل: لا، ما السبب في هذا الخلاف؟ دخولها على الفعل المضارع، من جَوَّز دخولها على الفعل المضارع منع اختصاص الاسم بها، لم يمنع دخولها على الاسم انتبه! وإنما منع اختصاص الاسم بها فحسب، لم يجعلها علامةً له. فحينئذٍ ما كان علامةً فهو خاص به، يلزم منه، وإلا فلا. قوله: بالجَرِّ –هناك- لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ، دل على أنه مخصوص، هل استفدنا من هذا الشطر شيء أم لا؟ نقول: نعم استفدنا، والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ، وقوله: سابقاً بالجر إلى آخره لبيان علامة الاسم، وهنا لبيان أنه نوع من أنواع الإعراب خاص بالاسم فلا تكرار، هناك قلنا: الشيء قد ينظر إليه باعتبارين هذه قاعدة، وخاصة عند النحاة يكثر عندهم مثل هذه الأمثلة، الشيء الواحد قد يكون له اعتباران، مثلاً الجر هو علامة وهو نوع من أنواع الإعراب، حينئذٍ قد نتحدث عنه من جهة كونه علامة، فنقول: بالجَرِّ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ، وقد نتكلم عنه من جهة أخرى، وهي كونه نوعاً من أنواع الإعراب، حينئذٍ نقول: والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ، إذاً: افترقا فلا تكرار. والاسم قد خصص بالجر، لماذا؟ قيل: لخفته؛ ولأن كل مجرور مخبر عنه في المعنى، ولا يخبر عن الأسماء، إذاً: لا يدخل الجر إلا الاسم، فلا يدخل الفعل؛ لأن المجرور مخبر عنه في المعنى، ولا يخبر إلا عن الاسم، بدليل: ومسندٍ للاسم تمييز حصل، وهذا دل على أن الإسناد أو الإخبار إنما هو من علامة الأسماء، وكل مجرور أو مضافٍ إليه فهو مخبر عنه في المعنى. إذاً: والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ، نقول: الباء هنا داخلة على المقصور كما هو الأكثر، وسبب التخصيص وعلته: خفة الاسم، والجر هذا ثقيل؛ لأنه حركة، ثم هو كسرة، والكسرة أثقل من الفتحة، فحينئذٍ مناسبةً أعطي البسيط الخفيف الكسرة، بِالْجَرِّ: فلا يوجد حينئذٍ في الفعل .. لا يمكن أن يكون الفعل مجروراً، لماذا؟ أحسن ما يعلل به نقول: امتناع دخول عامل الجر عليه، هذه واضحة بينة.

إذا قلت: الجر من خصائص الأسماء، ما الذي يعمل الجر في الاسم، ما العامل؟ الحرف والمضاف، يعني: حرف الجر هو الذي يعمل الجر، والمضاف هو الذي يعمل الجر، طيب! إذا جوزنا أن يكون الفعل مجروراً بالكسرة، ما الذي سيحدثه؟ حرف الجر ولا يدخل الفعل، المضاف والفعل لا يضاف، كيف نأتي بالجر؟ وقد امتنع عامله من الدخول على الفعل، إذاً: لا يدخل الجر الفعل لامتناع دخول عامله عليه، واضح هذا؟ إذاً: امتنع دخول عامل الجر على الفعل وهو حرف الجر لاختصاصه بالأسماء وكذلك الإضافة، المضاف لا يضاف إلا إلى الاسم، والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ، فلا يوجد في الفعل لامتناع دخول عامله عليه. كَمَا ** قَدْ خُصِّصَ الْفِعْلُ بِأنْ يَنْجَزِمَا .. كَمَا قَدْ خُصِّصَ، يعني: كتخصيص، الكاف هذه: للتشبيه، وقد تأتي الكاف لمجرد التنظير من غير اعتبار كون المشبه به أقوى كما هنا، أيهما حمل على الآخر هنا: الجزم على الجر، أو الجر على الجزم، في كونه مختصاً به؟ ذكرنا أن المازني هناك ينكر ماذا؟ الجزم، يقول: ليس بإعراب؛ لأنه عدم ليس بحركة، الإعراب حركة أو حرف نائب عنه .. عن الحركة، وأما الجزم والعدم هذا ليس بشيء، حينئذٍ ليس بإعراب، قالوا: أعطي الفعل الجزم من باب أن يتعادل مع الاسم المشبه به؛ لأنه أشبه الاسم في اعتوار المعاني فأعرب لأجل هذه العلة، الاسم يعرب بماذا؟ برفع أو نصب أو جر، إذا أشبهه قلنا: أخذ حكمه. إذاً: الفعل يرفع وينصب لا يمكن أن يجر لامتناع دخول العامل عليه، إذاً: صار هذا ثلاثة وهذا اثنين، قالوا: نكمل له القسمة ونعطيه الجزم، إذاً: أيهما أولى أن يُشّبَهَ بالآخر: الجزم بالجر، أو العكس؟ الجزم، يعني: الأصل أن يقال: والْفِعْلُ قَدْ خُصِّصَ بالجَزمِ كَمَا قَدْ خُصِّصَ الاسْمُ بأن يجر مثلاً، هذا الأصل، لكن المراد هنا بالكاف مجرد التنظير في التخصيص فحسب، يعني: خص الاسم بالجر، وخص الفعل بالجزم، بقطع النظر عن أيهما ألحق بالآخر، وأيهما أقوى في الشبه من الآخر، هذا المراد. ) والاسْمُ قَدْ خُصِّصَ بِالْجَرِّ كَمَا قَدْ خُصِّصَ .. إذاً: الكاف قد تأتي لمجرد التنظير من غير اعتبار كون المشبه به أقوى كما هنا: كَمَا قَدْ خُصِّصَ الْفِعْلُ: أي أنواع الفعل؟ المضارع؛ لأنه إذا أطلق الفعل عنا انصرف إلى المضارع. بِأنْ يَنْجَزِمَا، يعني: بجزمه، أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، مجرور بالباء، يعني: كأنه قال: كَمَا قَدْ خُصِّصَ الْفِعْلُ بالجَزمِ لكونه فيه كالعوض من الجر، فلا يجزم الاسم. إذا قلنا: لا يجزم الاسم وأردنا علةً، نقول كما قلنا في صاحبه: لامتناع دخول عامله عليه؛ لأن الجزم إنما يكون بأدوات الجزم، وهذه علامة للفعل المضارع، ِفعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ .. يَلِي لَمْ فقط، أم لم وأخواتها؟ ما المراد: لم فحسب، هذا ما نبهنا عليه: ِفعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمْ، ولمَّا، وإن الشرطية، وكل أدوات الشرط، فليس الحكم خاصاً بلم، فحينئذٍ أدوات الجزم خاصة بالفعل، فإذا كان كذلك لا يُتصور حصول الجزم في الاسم؛ لامتناع دخول عامل الجزم على الاسم، إذاً: خُصَّ الاسم بالجر، خُصَّ الفعل بالجزم، الجزم: عدم حركة، والجر: حركة.

قالوا: الاسم خفيف بسيط؛ لأنه يدل على شيء واحد، والفعل ثقيل؛ لأنه يدل على شيئين: حدث، وزمن، فأعطي الخفيف الذي هو الاسم الثقيل الذي هو الكسر، وأعطي الثقيل الذي هو الفعل الخفيف الذي هو السكون من باب التعادل والتناسب. إذاً: بهذه الأبيات أو هذين البيتين أشار إلى أن ألقاب الإعراب أربعة: رفع ونصب وجزم وخفض، وأن منها ما هو مشترك ومنها ما هو خاص. يبقى أن ننبه: أن أنواع البناء وأنواع الإعراب متحدان في الصورة كما ذكرنا، هناك قال: مِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ وَضَمْ وسكون .. وهنا قال: رفع ونصب .. والرفع هو نفس الضمة، والنصب هو نفس الفتحة، والجر هو نفس الكسرة وما ناب عنها، والجزم سكون وما ناب عنها، إذاً: اتفقا واتحدا في الصورة، صورتهما واحدة، وإن اتحدتا في الصورة مختلفتان في الحقيقة، لماذا؟ لأن السكون الذي يكون في المبني هل هو مجلوب لعامل أو لا؟ لا، والسكون الموجود في: ((لَمْ يَلِدْ)) [الإخلاص:3] هل هو مجلوب لعامل أم لا؟ مجلوب لعامل، إذاً: فرق بينهما، في الصورة متحدان، إذا قلت: إن حرف شرط مبني على السكون، ((لَمْ يَلِدْ)) [الإخلاص:3] السكون الذي على الدال في: ((لَمْ يَلِدْ)) [الإخلاص:3] في النطق هو عينه الذي على النون في: إن، لكن ما الفرق بينهما؟ يلد: السكون جلبه لم، وهنا غير مجلوب لشيء. إذاً: من حيث الحقيقة مختلفان، ومن حيث الصورة متفقان. ثم قال رحمه الله تعالى: فَارْفَعْ بِضَمٍّ وَانْصِبَنْ فَتْحاً وَجُرّ ... وَاجْزِمْ بِتَسْكِينٍ وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ ... كَسْراً كَذِكْرُ اللهِ عَبْدَهُ يَسُرّ يَنُوبُ نَحْوُ جَا أَخُو بَنِي نَمِرْ هذه الأنواع الأربعة لها علامات، المعرب .. الأصل في كل معرب أن إعرابه يكون بالحركات أو السكون هذا الأصل: أن يكون إعرابه بالحركات أو السكون، والأصل في كل معرب بالحركات إن كان مرفوعاً فرفعه يكون بالضمة، وإن كان منصوباً فنصبه يكون بالفتحة، وإن كان مخفوضاً أو مجروراً فجره يكون بالكسرة، وإذا كان مجزوماً فجزمه يكون بالسكون. إذاً: الإعراب له علامات .. علامات أصول، وعلامات فروع، هو أراد أن يبين لنا بهذين البيتين أن الأصول أربعة، وأن الفروع هذه باعتبار النائب وباعتبار المحل كما سيأتي. فَارْفَعْ بِضَمٍّ .. فارفع: الفاء هذه فاء الفصيحة، فصيحة: فعيلة، يعني مفصحة بمعنى اسم الفاعل مفصحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، إذا أردت معرفة علامات الأنواع السابقة الرفع والنصب، فأقول لك: فارفع بضم، الباء هذه تسمى باء التصوير، من تصوير النوع بصنفه، يعني: ارفع رفعاً مصوراً بضم، ما صورة هذا الرفع؟ على القول بأن الإعراب لفظي الرفع هو عين الضمة. إذا قلنا مثلاً: زيد يقوم .. يقوم زيد، إذا قلت: يقوم، هذا مرفوع، كيف أصور الرفع؟ أنطق بالضمة: يقومُ، فنطقك بالضمة هو عين الإعراب، إذاً: صورت هذا الرفع بماذا؟ بالتلفظ بالضمة، زيدٌ، إذا لفظت بالضمة حينئذٍ صورت الرفع، إذاً: النوع الأول وهو الرفع إيجاده وتحقيقه في محله من اسم أو فعل، يكون بنطقك بالضمة، فالضمة هي عين الإعراب، والإعراب الرفع هو عين الضمة، فهما متحدان.

فَارْفَعْ بِضَمٍّ، يعن: ارفع رفعاً مصوراً بضم، تصويرك لهذا الرفع إنما يكون بضم. هنا قال: بضمٍ، والأصل أن يقول: بالضمة، الضم: من ألقاب البناء، ومنه ذو ضمٍ .. فكيف جعل إعراباً أو علامة إعراب؟ يقال في الجواب: بأن عبارة المصنف هنا فيها مسامحة؛ لأن جرى عادة البصريين وهذا منسوب لهم وإن نسب إليهم غيره: أنهم يفرقون بين ضمٍ وضمٍ، فإذا كان المبنيُ مبنياً على الضم حذفوا منه التاء، وإذا كان المعرب معرباً بضم أضافوا إليه التاء، فيقولون: زيدٌ مرفوع ورفعه ضمةٌ بالتاء، وإذا كان مبنياً حيثُ، قالوا: مبني على الضم، فرقوا بينهما .. وهذا مجرد اصطلاح. وقيل: البصريون يطلقون ألقاب البناء على علامات الإعراب، يتوسعون .. يطلقون ألقاب البناء: الضم والكسر والفتح، على ألقاب الإعراب، يعني: يتوسعون في إطلاق كل منهما على الآخر، والمسألة مجرد اصطلاح فحسب، إن فُرِّق فهو أحسن، يعني: إن جعل للبناء الضم، وللإعراب الضمة فهذا أجود وأحسن؛ لأن ثم فرقاً بين المبني والمعرب. فَارْفَعْ بِضَمٍّ، نقول: لا منافاة بين جعل هذه الأشياء إعراباً وجعلها علامات إعراب؛ لأن القول بأن الضمة علامة إعراب، هذا يوافق القول بأن الإعراب معنوي وليس لفظي، إذا قلت: يقوم زيدٌ، زيدٌ: مرفوع ورفعه ضمة، هذا على القول بأن الإعراب لفظي، إذا قلت: مرفوع وعلامة رفعه .. علامة رفعه، حينئذٍ هذا نقول: هذا جرى على أنه معنوي، لكن جرت عادة البصريين القائلين: بأنه لفظي، أنهم يتوسعون في العبارة، فقد يُعَبِّرُون برَفْعُه .. برَفعِه، ورَفعُه ضمة، أو يقولون: وعلامة رَفْعِه ضمة، وهذا .. ثم جواب آخر: نقول: وجعلها علامات إعراب هي إعراب من حيث عموم كونها أثراً جلبها العامل، وعلامات من حيث الخصوص، يعني: هي علامة من حيث الخصوص، وهي إعراب لفظي من حيث كونها مجلوباً للعامل. يقوم زيدٌ، زيدٌ: هذه الضمة ننظر لها نظرين: من جهة كونها مجلوبةً للعامل، أي: جلبها فحينئذٍ هي عينه، ومن جهة خصوص التعبير عنها، لو قلنا: علامة الرفع الضمة، قالوا: لا بأس به، لكن هذا فيه نظر. فَارْفَعْ بِضَمٍّ: إذاً الرفع يكون بضم وما ناب عنه، وسواء كان هذا الضم ظاهراً أو مقدراً، والأمثلة واضحة. وانْصِبَنْ فَتْحاً: وانصبن فتحاً، يعني: بفتح، فتحاً هنا منصوب بنزع الخافض، إذاً: كأنه قال: وانصبن فتحاً، يعني: بفتح، وانصبن: مصوراً النصب بفتح، حينئذٍ تكون الباء التي نزعت تكون ماذا؟ تكون للتصوير، وَجُرّ كَسْراً .. فَارْفَعْ بِضَمٍّ وانْصِبَنْ فَتْحاً وَجُرّ .. هذا فعل أمر أنت .. كَسْراً: أيضاً منصوب بنزع الخافض، كأنه قال: وجر جراً مصوراً بكسر، فكسراً هذا منصوب بنزع الخافض. مثال ما ذكر: كَذِكْرُ اللهِ عَبْدَهُ يَسُرّ .. كَذِكْرُ: الكاف هذه حرف جر للتشبيه تجر ما بعدها، وذكر: بالرفع على أنه مبتدأ، حينئذٍ لا بد من التأويل، إما أن نقول: الكاف اسمية، مثل ذِكْرُ .. ومثل هذه تضاف إلى الجمل ولا إشكال فيها، وإما أن يقال: بأن الكاف على أصلها حرف جر، لكنها دخلت على محذوف، كقولك: ذكر، وهذا في جميع ما يمر بك في الأمثلة:

إذا دخلت .. أو دخل حرف الجر على جملة كتسعدوا ونحو ذلك حينئذٍ لك توجيهان: إما أن تجعل الكاف اسمية، وإما أن تجعلها حرفيةً ومدخولها محذوف؛ لأنه تقرر أن حرف الجر لا يدخل إلا على الأسماء. كَذِكْرُ اللهِ عَبْدَهُ يَسُرّ، ذكر: هذا مبتدأ مرفوع ورفعه ضمةٌ .. فَارْفَعْ بِضَمٍّ، وهو مضاف، ولفظ الجلالة مضاف إليه مجرور بكسرٍ .. وَجُرّ كَسْراً، عبده: هذا مفعول به لذكر المصدر؛ لأنه ينصب، أضيف هنا فنصب، عبده: هذا منصوب بذكر، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. وانْصِبَنْ فَتْحاً .. إذاً: مَثَّل للكل لكن لا على جهة الترتيب. يَسُرّ، يعني: .. هذا مثال لأي شيء؟ هذا للمضارع المرفوع، فكأنه مثل للاسم والفعل، والجملة في محل رفع المبتدأ ذِكْرُ واجْزِمْ بِتَسْكينٍ: هذا النوع الرابع من أنواع الإعراب، واجزم آخر الكلمة بتسكينٍ، نحو: لم يقم، وهذا خاص بالأسماء، بِتَسْكينٍ: هذا من إطلاق المصدر وإرادة الأثر وهو السكون، واجزم بتسكينٍ، يعني: بالسكون، كقولك أو نحو: لم يقم، لم: حرف نفي وجزم وقلب، ويقم: فعل مضارع مجزوم بلم وجزمه سكون آخره، إذاً: هذه أربعة أنواع للإعراب: النوع الأول: الرفع، وعلامته الأصلية الضمة، والثاني: النصب، وعلامته الأصلية الفتحة، والثالث: الجر، وعلامته الأصلية الكسرة، والرابع: الجزم، وعلامته الأصلية السكون، إذاً: أربع علامات أصلية، وثم فروع، قال: وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ يَنُوبُ: وغير ما ذكر من الإعراب بالحركات السابقة والسكون ينوب عنه، يعني: يكون نائباً عنه، في ماذا؟ في الإعراب، إن كان مرفوعاً بضمةٍ فما ناب عنه، ناب عنه في كونه مرفوعاً، وإذا ناب عنه في كونه منصوباً حينئذٍ ناب عنه في نفس الإعراب. واجْزِمْ بِتَسْكينٍ وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ .. من الحركات والسكون ينوب عنه، فينوب عن الضمة ثلاثة أشياء: الواو والألف والنون، وعن الفتحة: الألف الياء والكسرة وحذف النون، أربعة، وعن الكسرة أمران: الفتحة والياء، وعن السكون: حذف الحرف. فللرفع أربع علامات: علامةٌ أصلية وثلاثة فرعية، وللنصب خمس علامات: علامةٌ أصلية وأربع فرعية، وللجر ثلاث علامات: علامةٌ أصلية وثنتان فرعية، وللجزم علامتان، فهذه أربع عشرة علامة، منها أربعة أصول وعشرة فروع، فروع باعتبار الحال نفسه، وأما باعتبار المحل فهي سبعة أبواب، إن نظرنا إلى الذي ينوب .. النائب نفسه فهي عشرة، وإذا نظرنا إلى الأبواب فهي سبعة: خمسة في الأسماء واثنان في الأفعال، خمسة في الأسماء .. الأسماء الستة، والمثنى، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم في حالة النصب، والممنوع من الصرف في حالة الجر، هذه خمسة. واثنان في الأفعال: الفعل المضارع معتل الآخر، والأفعال الخمسة، والأحسن تقول: الأمثلة الخمسة. وَغَيْرُ مَا ذُكِرْ .. من الإعراب بالحركات والسكون ينوب عنه.

نَحْوُ جَا أخُو بَنِي نَمِرْ: جَا أخُو .. جاء هذا الأصل، جاء بالقصر، لغةً أو ضرورةً؟ نقول: لغة، جاء إذا كان مهموز هو وغيره، إذا تلاه همزة، يعني: مفتتح بالهمزة جاز حذف الهمزة الأولى، جاء أخو .. أصلها: جاء أخو، حينئذٍ يجوز التخفيف لغةً، فيقال: جا أخو بالقصر، حينئذٍ يكون من باب اللغة، لا من باب الضرورة، بقصر جا لا للضرورة، بل لكثرة حذف إحدى الهمزتين من كلمتين إذا اجتمعتا. أخُو بَنِي نَمِرْ .. جا: فعل ماضٍ مبني على الفتح فتح الهمزة المحذوفة تخفيفاً، جا أخو، أخو: فاعل مرفوع ورفعه الواو نيابة عن الضمة، هنا ناب، هذا مثال للضم في النيابة بالواو، وهو من الأسماء الستة، أخو: مضاف، وبني: مضاف إليه، مجرور بماذا؟ بالياء؛ لأنه من الأسماء الستة، لأنه ماذا؟ مثنى .. مجرور بالكسرة .. هل من قولٍ رابع؟ نعم محلق يا إخوان ملحق، الأصل في هذه المسائل تكون واضحة، دارس الألفية يختلف عن المبتدئ، أنت لست مبتدئ، الأصل هذه المسائل تكون واضحة، يعني: بَنِي أصلها: ابن، سيأتي معنا غداً في جمع المذكر السالم: أن جمعه بواو ونون يعتبر شاذ، يعني: من الملحق، إذاً: بني، نقول: ملحق بجمع المذكر السالم، مجرور وجره الياء نيابةً عن الكسرة، إذاً: هو ملحق بالجمع. نَمِرْ، نمر على وزن فعل، هذا يحتمل أنه ممنوع من الصرف إذا للعلمية والتأنيث -إذا جعل اسماً لقبيلة-، ومصروفاً إذا جعل اسم رجل، يحتمل هذا وذاك، نمرٍ .. نمرَ بالفتح، وكل منهما .. جَا أخُو بَنِي نَمِرْ، كل منهما .. نقول نمر، ما إعرابه هنا؟ نعم، أخو بني، نعم أصلها: بنين، حذفت النون للإضافة، إذاً: بني مضاف، ونمر مضاف إليه، إما أن يكون مجروراً السكرة على الأصل إذا جعل اسماً لرجل أبو القبيلة الأصل، وإما أن يكون مجروراً بالفتحة نيابةً عن الكسرة ممنوعاً من الصرف للعلمية والتأنيث. إذاً: جَا أخُو بَنِي نَمِرْ، أشار به إلى كون الواو نيابةً عن الضمة، والياء نيابةً عن الكسرة، والفتحة نيابةً عن الكسرة إذا جعلناه ممنوعاً من الصرف. ثم شرع في بيان الأسماء، أو الأبواب التي تنوب عن هذه الحروف فقال: وَارْفَعْ بَوَاوٍ وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ .. وهذا يأتينا المغرب إن شاء الله تعالى, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. - ما علة بناء من الشرطية؟ - أجيبوا .. من الشرطية .. - الشبه الوضعي .. الشبه المعنوي قولان .. والراجح؟ الأظهر عند النحاة أنه المعنوي، وإذا ألحق به الشبه الوضعي لا بأس. - هذا يقول: ما كان علامةً لأمر ما فهو خاص به، ألا يرد على هذا أن قد علامة للماضي وليست مختصة به، بل تدخل على المضارع؟ - هي ليست علامة مختصة، هي علامة مشتركة تدخل على الماضي وتدخل على المضارع. - قيل: أن البصريين يطلقون ألقاب البناء على .. هل على علامات الإعراب، أم على ألقاب البناء؟ - لا، يقال: أنواع الإعراب وألقاب الإعراب، لا بأس هذا بذاك. - والاسم قد خصص بالجر كما .. ما: اسم موصول .. - لا ليس في الظاهر اسم موصول، ما مصدرية كتخصيص الفعل، فهي مؤولة بمصدر. - ضربوا: على الصحيح أنه مبني على الفتح المقدر، وعلى مذهب الجمهور: مبني على الضم، هل هذا الإعراب صحيح؟

- نعم، هل نقول: هذا الإعراب صحيح؟ هو مبني، إذا قلنا: جاء فعل ماضي مبني، نحن نقول: أعرب .. الإعراب خاص بالمعربات، ثم تقول: جاء فعل ماضي مبني، إذا قلنا: أعرب جاء زيد، ماذا تقول؟ جاء فعل ماضي مبني على الفتح، الأصل أن تقول: زيدٌ مرفوع فاعل، وتترك جاء؛ لأن السؤال بماذا؟ عن الإعراب، أليس كذلك؟ نعم، الإعراب يطلق بمعنيين: معنىً خاص ومعنىً عام، المعنى العام: هو الذي يكون بإجراء وتنزل القواعد على الكلام العربي نفسه، فإن نزلت جاء على ما قعده النحاة يسمى إعراب، ليس هو الإعراب الذي يقابل البناء لا، واضح هذا. - ما الأفصح في لغة العرب إذا كان ما اسم موصول بمعنى الذي؟ فهل إذا قلنا: ما، اتفق على بنائه أفصح، أو نقول: الذي اتفق على بنائه؟ - ما أدري ماذا يقصد هذا؟! ما نفسها اتفق على بنائها، والذي أيضاً اتفق على بنائه، هذا شيء وهذا شيء، لكن: ما، تفسر من حيث المعنى، ومن وما وأل تساوي ما ذكر. - ما هي الجمل التي ليس لها محل من الإعراب، وما هي الجمل التي لها محل من الإعراب، وما هو الضابط في معرفتها؟ - هذا كتاب كامل اسمه: قواعد الإعراب، ونظمه الزواوي وشرحناه ترجع إليه، كتاب كامل سنة جلسنا فيه أظن، هذه سبعة وهذه سبعة. - لم أفهم قول الناظم: ذكر الله عبده يسر .. - ذكر: هذا مثال للمرفوع، ولفظ الجلالة هذا مثال للمجرور، وعبده: هذا مثال للمنصوب. والله أعلم وصلى الله وسلم ... !!!

13

عناصر الدرس * علامة الإعراب الفرعية (النيابة) ـ وأقسامها. * بيان الباب الأول من أبواب النيابة (الأسماء الستة) ـ * بيان عدد الأسماءالستة وعلامة إعرابها (حكمها) ـولغاتها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وقفنا عند قول الناظم: وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ .. إلى آخره هذا شروع منه في بيان أبواب النيابة، وقد ذكرنا أن الإعراب: جنس تحته أربعة أنواع: رفع ونصب وخفض وجزم، وأن لهذه الأنواع علامات، علامات أصول، وعلامات فروع، والفروع ينظر إليها نظران: إما باعتبار المحل وإما باعتبار الحال، الحال يعني: نفس الألف والواو والياء، واعتبار المحل نفس الكلمة التي تكون محلاً للنيابة، فباعتبار المحل النائب سبعة أبواب: خمسة في الأسماء، واثنان في الأفعال، وأما باعتبار النائب فعشرة: ثلاثة عن الضمة، وأربعة عن الفتحة، واثنان عن الكسرة، وواحد عن السكون. ثم اعلم أن النائب في الاسم إما حرف وإما حركة، قد ينوب حرف عن حركة كما هو الشأن في الأسماء الستة، الواو نابت عن الضمة، وقد تنوب حركة عن حركة، كما هو في جمع المؤنث السالم: نابت الكسرة عن الفتحة في حالة النصب، وكذلك الممنوع من الصرف نابت الفتحة عن الكسرة، إذاً: إما حرف وإما حركة، وفي الفعل إما حرف وإما حذف، حرْفٌ: مثل النون -ثبوت النون-، والحذْفُ: مثل حذف النون فهو نائب عنه. فنيابة الحرف عن الحركة في الاسم يكون في ثلاثة مواضع: الأسماء الستة، والمثنى، والجمع على حَدِّه، هذا ماذا؟ نقول: نيابة الحرف عن الحركة في الاسم يكون في ثلاثة مواضع: الأسماء الستة، والمثنى، والجمع على حَدِّه، فبدأ بالأسماء الستة، قدم الأسماء الستة على المثنى وعلى الجمع على حد المثنى؛ لأنها أسماء مفردة، أبوك .. أبٌ .. أخٌ .. حمٌ .. هنُ، هذه أسماء مفردة يعني: ليست مثناة ولا مجموعةً، والمفرد سابق المثنى، والجمع هو أسبق، أبٌ أبوان أبون، أيهما أسبق؟ المفرد، ثم المثنى ثم الجمع. إذاً: قدم المفرد لأنه أسبق، ولأن إعرابها على الأصل في الإعراب بالفرع من كل وجه، المثنى هو نائب للفعل، لكنه ينوب الألف عن الضمة، والياء عن الكسرة، وأما في حالة النصب فهذا لم ينب شيء عن شيء في الحقيقة، وإنما ناب حرفان عن ثلاث حركات، ولذلك نقول: يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء، الياء ليست هي عين الياء كما سيأتي، فحينئذٍ لم يستوف الثلاث، فالأصل في الإعراب بالحروف أن تكون الواو نائبة عن الضمة، والألف نائبة عن الفتحة، والياء نائبة عن الكسرة. ولذلك يقال: إن الإعراب بالحروف أقوى من الإعراب بالحركات، لماذا؟ لأن الواو عبارة عن ضمتين، والألف عبارة عن فتحتين إشباع، والياء عبارة عن كسرتين، فحينئذٍ ما استوفى هذه الحروف الثلاثة تمت النيابة فيه عن جميع الحركات، فالواو نائبة عن الضمة، والألف نائبة عن الفتحة، والياء نائبة عن الكسرة، وهذا لا يوجد لا في المثنى ولا في جمع المذكر السالم؛ لأنه في جمع المذكر السالم نابت الواو والياء فقط، وفي المثنى نابت الألف والياء، إذاً: لم يستوف، فلذلك قدم هذا الباب من هذين الجهتين: أولاً: لأنه مفرد، والمفرد سابق المثنى.

ثانياً: نقول: إعرابه قد استوفى الفرع من كل وجه، فنابت فيه الواو عن الضمة، والألف عن الفتحة، والياء عن الكسرة، إذاً: هذا هو الباب الأول وهذا سبب تقديم الناظم كغيره من النحاة. الأسماء الستة يقال فيها: الأسماء الستة المعتلة المضافة، الأسماء الستة هذا علم بالغلبة، وهو ما وضع لمعنىً كلي وغلب استعماله في بعض جزئياته، الأسماء الستة في الأصل أنه لفظ عام يصدق على أبٍ وأخٍ وحمٍ وهنِ وذو وفم، ويصدق على غيره، لو جمعت أسماء ستة قلت: بيت، وسماء، وأرض، وخالد، وعمرو، ومحمد، تقول: هذه أسماء ستة، أليس كذلك؟ إذاً هذا اللفظ يصدق على كل عدد من الأسماء هو ستة، لكن بالغلبة في الاستعمال غلب على بعض الأسماء دون غيرها، بحيث إذا أطلق انصرف إلى هذه الأسماء الستة دون غيرها، وهذا يسمى علماً بالغلبة، ويأتي في محله في باب العلم، كا لعبادلة مثلاً في الصحابة، والعشرة، إذا أطلق العبادلة كل أربعة تجمع عبد الله فهم عبادلة، لكن إذا أطلق في الصحابة العبادلة انصرف إلى عدد معين، لا ينطلق على غيرهم، وكذلك العشرة المبشرون بالجنة لا ينطلق على غريهم. قال رحمه الله: وَارْفَعْ بَوَاوٍ وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ ... وَاجْرُرْ بِيَاءٍ .. بيَّن أن الأسماء الستة ترفع بالواو نيابةً عن الضمة، وتنصب بالألف نيابةً عن الفتحة، وتجر بالياء نيابةً عن الكسرة، ولذلك قال: وَارْفَعْ، هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فهل المراد به أنه يجب رفع الأسماء الستة؟ الجواب: لا، ولو مع استيفاء الشروط؛ لأنه سمع مع استيفاء الشروط إعرابها بالحركات على الأصل، حينئذٍ ارفع، نقول: هذا ليس للوجوب بل هو مُجَوَزٌ مع وجود الشروط التي سيأتي ذكرها أن تُرفع بالواو أو أن تُرفع بالضمة على الأصل. وَارْفَعْ بَوَاوٍ، يعني: وارفع رفعاً مُصَوَّرَاً بمسمى واو، لا بد من التقدير؛ لأن الواو اسم مسماه هو عين الواو التي تكون في أبوك، حينئذٍ لا بد أن نقدر، نقول: ارفع رفعاً مُصَوَّرَاً بواو، الباء هذه للتصوير، يعني: صَوَّرَت عين الرفع؛ لأن الصحيح أن الإعراب لفظي، فإذا كان لفظياً حينئذٍ الواو هي الرفع والرفع هو الواو، هو عينه، إذ هو هي، فالحركة الضمة هي عين الرفع، والرفع هو عين الضمة، لذلك نقول: ارفع إذا أردت أن تدل على أن هذه الكلمة مرفوعة فانطق بالواو، إذاً الواو هي عين الرفع، والرفع هو عين الواو، لكن ليس الواو ذاتها، وإنما مسمى الواو: واو، أنت لا تقول: أبوواوك! إنما تقول: أبوك، إذاً: مسمى الواو هو الذي يكون علامةً للرفع، وليس عين الواو. وارفع رفعاً مصوراً بمسمى واو، سواء كانت هذه الواو ظاهرة أو مقدرة، قد تكون ظاهرةً، يعني: ملفوظاً بها، ((وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)) [القصص:23] أبونا: نطق بالواو.

وهل تقدر الواو في الأسماء الستة؟ نقول: نعم، وذلك فيما إذا أضيف أبو إلى محلاً بأل، جاء أبو العباس، أبو العباس، فما تقول: أبووا العباس .. أبو العباس التقى ساكنان الواو التي هي علامة إعراب واللام الساكنة، العباس حينئذٍ لا يمكن تحريك الأولى فحذفناها تخلصاً من التقاء الساكنين، (أبُ العباس)، تأتي بباء مضمومة ثم العباس، حينئذٍ نقول: جاء فعل ماضي، أبو العباس: أبو فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة محذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. إذاً: وَارْفَعْ بَوَاوٍ .. بمسمى واو ظاهرةً كانت كما في: ((وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)) [القصص:23] أو مقدرةً كما إذا أضيف أبو في حالة الرفع إلى محلاً بأل، كما في قولك: جاء أبو العباس. وانْصِبَنَّ: أكَّدَه لعله للوزن لا لكونه آكد من الرفع، وانصبن: نصباً مصوراً بمسمى الألف، أيضاً القول في الألف كالقول في الواو، الألف اسم، مسماه الألف التي تنطق بها: أباك، نقول: هذا مسمى، اسمه الألف، والذي يعرب به المسمى لا الاسم، وانْصِبَنَّ نَصْبَاً مُصَوَّرَاً، إذاً: الباء هذه للتصوير، بمسمى الألف في حالة النصب نيابةً عن الفتحة، كما نابت الواو عن الضمة، هنا نابت الألف عن الفتحة. كذلك ظاهرةً أو مقدرة، ظاهرة كما في قوله: ((إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [يوسف:8] ومقدرة فيما إذا أضيف إلى المحلى بأل، رأيت أبَ العباس، ليس فيه ألف، فتقول: رأيت فعل وفاعل، وأب العباس فاعل مرفوع ورفعه الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، فهي ألف مقدرة، يعني: غير ملفوظ بها. واجْرُرْ بِيَاءٍ: واجْرُر جرَّاً مُصَوَّرَاً بمسمى ياء، فالباء للتصوير، وكذلك الياء اسم مسماه الذي ينطق به في الحرف نفسه ارجعوا إلى أبي .. أبي .. أبيكم فالياء هذه هي مسمى الياء التي تنطق بها، هي علامة الإعراب. إذاً: واجْرُرْ جرَّاً مُصَوَّرَاً بِيَاءٍ نيابةً عن الكَسْرَة، فحينئذٍ نقول: كذلك بياء ظاهرةً أو مقدرة، ظاهرة: كما في الآية التي ذكرناها: ((ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ)) [يوسف:81] فإنها ملفوظ بها، ومقدرة كما إذا أضيف أبي إلى المحلى بأل، مثل ماذا؟ مررت بأبِ العباس، نفس المثال، في حالة الرفع والنصب والجر يكون مقدراً، مررت بأبِ العباس، لا تقل: بأبي العباس، بأبِ العباس، باء مكسورة ثم يأتي العباس، إذاً: مررت بـ الباء حرف جر، بأبِ العباس، أبي مضاف والعباس مضاف إليه، إذاً: هو اسم مجرور بالباء وجره الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين.

قال: ارْفَعْ وانْصِبَنَّ واجْرُرْ (ما): هذه كلها الأفعال طلبت ما على أنها مفعول به، ارفع بواو ما من الأسماء أصف، انصبن بالألف ما من الأسماء أصف، اجرر بياء ما من الأسماء أصف، هذا يسمى ماذا؟ يسمى تنازع، وسيأتي معنا التنازع باب خاص اسمه: باب التنازع، فحينئذٍ كل من هذه الأفعال الثلاثة قد طلب ما الاسم الموصول على أنه مفعول به له، حينئذٍ لا بد من الترجيح ما هو كلها تأخذ هذا المفعول، لا بد من واحدٍ، ونشبهه بالزوجة، المرأة لا يتنازع فيها رجلان، كذلك هذا نفسه وحينئذٍ نقول: أعملنا الأخير: اجرر بياء ما، ما: اسم موصول بمعنى الذي منصوب في محل نصب، والعامل فيه اجرر الأخير، ثم نضمر في الأول والثاني الذي هو ارفع وانصبن فإذا أضمرنا في، حينئذٍ حذفناه جائز الحذف، فأعملنا الأخير وأضمرنا في الأول والثاني ثم حذفناهما من باب الاختصار: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ .. إذاً: فأعملنا الأخير وأضمرنا فيما قبله ضميره وحذفناه لكونه فضلةً، وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ كما سيأتي في محله، ما إذاً: اسم موصول بمعنى الذي، ما، يصدق على ماذا؟ قال: من الأسماء، من: هذه بيانية، لأن اسم الموصول مبهم، يحتاج إلى مبيِّن مفسر، لا بد له من مبين ومفسر وشارح، ما أصف من الأسماء نعم، ما أصف .. ما: اسم موصول بمعنى الذي، أصف: هذه جملة الصلة، من الأسماء جار ومجرور متعلق بأصف. إذاً: هذا الباب خاص بالأسماء ولا يشرَكُه الأفعال، ولو كانت معربة، وأما الحروف فليست داخلةً معنا أصالةً: وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ ... وَاجْرُرْ بِيَاءٍ مَا مِنَ الأَسْمَا أَصِفْ ما أصفه لك من الأسماء، حينئذٍ سمى أهل العلم –النحاة- هذا الباب بباب الأسماء الستة، وهو لم يعنون بهذا، وإنما قال: ما من الأسماء أصف، ثم وصف ستة أسماء، فدل على أن الباب هو باب الأسماء الستة، بعضهم يزيد الستة المعتلة المضافة، معتلة: له وجهان: إما أنها سميت معتلة؛ لأن إعرابها بالواو والألف والياء، وهذه حروف العلة: والياءُ وَالواوُ جميعًا والألفْ ... هُنَّ حروفُ الاعتِلالِ المُكتَنِفْ هكذا قال الحريري في: الملحة، هذا وجه، حينئذٍ أقول: لا إشكال في كون هذه الأسماء كلها يطلق عليها أنها معتلة. وجه آخر في تسميتها معتلة: أن لاماتها حرف علة، أبٌ أصله: أَبَوٌ، الهمزة فاء الكلمة، والباء عين الكلمة، أين لامها؟ محذوفة، ما نوع الحذف؟ اعتباطي .. اعتباطاً، ما معنى: اعتباطاً؟ لغير علة تصريفية، يعني: بدون سبب، لا التقاء ساكنين ولا غيره، هذا يسمى حذفاً- عند الصرفيين- حذفاً اعتباطياً، إذاً: لام الكلمة، أبٌ لامها واوٌ وهو حرف علة، إذاً معتل، "أبَوٌ .. أخَوٌ .. حَمَوٌ .. هَنَوٌ"، -كلها- لاماتها محذوفة وهي حرف من حروف العلة، ذُو .. قيل: ذُوَيٍ، وقيل: ذُوَوٌ، إما لام وإما ياء على خلاف، وكلاهما حرف علة، ماذا بقي؟ فَمٌ، (فَمٌ) الأصل فيه أنه على وزن فَوْهٍِ فَعْلٍ، لامه حرف علة؟ ليس حرف علة، حينئذٍ تسميتها المعتلة باعتبار لاماتها يكون من باب التغليب، وأما تسميتها مضافة؛ لأنها لا تعمل هذا العمل إلا وهي مضافة، وأما ذو فهي ملازمة للإضافة.

إذاً: الأسماء الستة التي سيعُدُّها المصنف هي: " أبٌ .. وأخٌ .. وحمٌ .. وهنٌ .. وفُوهُ .. وذُو مالٍ"، فهذه كما نص عليه: ترفع بالواو كما في قوله تعالى: ((وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)) [القصص:23] وتنصب بالألف كما في قوله: ((إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [يوسف:8] وتجر بالياء نحو: ((ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ)) [يوسف:81] وهذا هو المشهور بأنها معربة بالحروف، وهو مذهب الزجاجي وقطرب والزيادي من البصريين، وهشام من الكوفيين. قال في شرح التسهيل: وهذا أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف، ما دام أن العرب غايرت بين حروف العلة الواو والياء والألف، والتغير والتبدل هو من سيمى الإعراب، حينئذٍ يفهم منه أنها قد جعلت هذه الحروف علامات إعراب، أو جعلتها إعراباً في نفسه. ومذهب سيبويه على المشهور والفارسي، ونسب إلى جمهور البصريين: أنها معربة بحركات مقدرة على الحروف وأُتبع فيها ما قبل الآخر للآخر، هذا مذهب سيبويه، هذا أبوك، أبوك، قال: هذا مبتدأ أبوك .. أبو خبر مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الواو، وأُتبع فيها ما قبل الآخر للآخر، ما هو آخر أبوك؟ الواو، أصلها قبل رجوع الواو؟ أبَوٌ، نحن لا نقول: أبَووك، نقول: أبوك، أليس كذلك؟ أو أبووك؟ فأبوك، نقول: هذا مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، أتبع فيها ما قبل الآخر للآخر، هنا واو، والواو لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مضموماً أحسن، إذاً: أصل أبوك، أصلها: أبووك، استثقلت الضمة على الواو فحذفت؛ لأن الأصل هي محل الإعراب فصار مقدراً. طيب! رأيت أباك، أباك: أصله أبَوَك .. رأيت أبَوَك، ظهرت الفتحة على الواو لخفتها، أليس كذلك؟ حينئذٍ تحركت الواو وانفتح ما قبلها وقلبت ألفاً صار أباك، إذاً ليس عندنا ألف هنا ناب عن فتحة فهو على الأصل، رأيت أبَوِكَ .. على الأصل؛ لأن أب محذوفة اللام واللام واو، حينئذٍ لا بد أن تكون موجودةً رفعاً ونصباً وجراً هذا الأصل. مررت بأَبَوِكَ، بفتح الباء وكسر الواو، استثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما قبلها بعد إسقاط حركتها صار، أبِوْ بكسر الباء وإسكان الواو، جاءت القاعدة الصرفية: سكنت الواو وانكسر ما قبلها فقلبت ياءً فصار أبيك، بأبيك، إذاً: ليس فيه إقامة حرف عن حرف، وهذا فيه تكلف، والأحسن أن يقال: أنها معربة بما تلفظ به العرب، وهذا يحتاج إلى إثبات، أن أصلها كذا ثم أتبع ما قبل الآخر للآخر. إذاً: في الأسماء الستة مذهبان على المشهور: مذهب إعرابها بالحركات المقدرة على الأصل؛ لأنه لا يعدل إلى الفرع إلا عند عدم تمكن الأصل، وهذه قاعدة: أنه متى ما أمكن أن يؤتى بالحركة الضمة أو الفتحة أو الكسرة فلا يعدل عنه إلى الفرع، ولذلك رجح ابن عقيل في الأسماء الستة والمثنى: أنها كلها معربة بحركات مقدرة، هذا خلاف المشهور. والمذهب الثاني: أنها بما نطقت به العرب، أبوك .. أباك .. أبيك، وقد وجد إنابة الحرف -حرف العلة- عن الحركة فلا مانع أن يجعل هذا الباب مما ناب فيه حرف عن حرف، إذاً نقول: هي معربةٌ، فهذه الأسماء الستة تعرب بالواو رفعاً، وبالألف نصباً، وبالياء جراً، فحينئذٍ نقول: هذا هو المذهب المرجح.

وهذا الإعراب متعين فيما ذكره المصنف الأول من ذاك ذو، متعين فيها، ليس فيها غير ذلك، ولذا بدأ به، فقال: من ذاك ذو، ثم ثنى بالفم، وهو كذلك متعين فيه، ثم ثلث بأبٍ وأخٍ وحمٍ وهنٍ، وهذا يجوز فيه الوجهان، وهذا غير متعين في الثلاثة التي تلي ذي والفم، وهي أبٌ وأخٌ وحمٌ، لكنه الأشهر والأحسن فيها، أي: أكثر استعمالاً. قال رحمه الله: مِنْ ذَاكَ ذُو إِنْ صُحْبَةً أَبَانَا ... وَالْفَمُ حَيْثُ الْمِيمُ مِنْهُ بَانَا مِنْ ذَاكَ، من: بعض، ذاك، أي: من الذي أصفه لك، ما من الأسماء أصف، ما هي هذه الأسماء التي ستصفها؟ قال: من ذاك .. من ذاك الموصوف، وهو ما يرجع على الأسماء، إشارة إلى: (ما)، (من ذاك) إشارة إلى: (ما)، و (ما) تصدق على الأسماء التي سيصفها لنا المصنف، فأبهم ثم فصل: مِنْ ذَاكَ ذُو، (ذو) ما إعرابها هنا؟ مبتدأ مؤخر، إعرابه مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الستة .. غلط ليس صحيح، هنا علم، متى تكون ذو مرفوعة بالواو؟ في المركبات المستعملة، هذا مثل من: حرف جر، ضرب: فعل ماضي مثله، زيد: ثلاثي، لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، نقول: هذا قصد لفظه فصار علماً، إذاً من ذاك: خبر مقدم، ذو: مبتدأ مؤخر مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره؛ لأنه معتل بالواو، إذاً: قصد لفظه، ذو تأتي طائية بمعنى الذي، فهي مبنية، وتأتي اسماً من الأسماء الستة ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء، أراد المصنف أن يحترز عن ذو الطائية، فقال: إنْ صُحْبَةً أَبَانَا. مَنْ ذَاكَ ذُو: ليس مطلقاً كل ذو، فيدخل فيه الطائية التي هي مبنية، وإنما الحكم خاص بذي التي تكون بمعنى: صاحب، إن أمكن تفسيرها بمعنى صاحب فعلى الأصل، فهي معربة وهي من الأسماء الستة، ولها ضابط سيأتي. مِنْ ذَاكَ ذُو، إذاً ذو هنا نقول: مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة؛ لأن إعرابها بالحروف إذا كانت مستعملةً في معناها وهي هنا المراد بها اللفظ. إنْ صُحْبَةً أَبَانَا: أظهر .. (أبانا) الألف هذه للإطلاق، إطلاق الروي، أبانا: فعل ماضي مثل قام، أبانا أطلق الألف للروي، إن صحبةً أبانا، إن: حرف شرط، والأصل فيه أنه لا يليه إلا الفعل، هذا الأصل قاعدة، إما مذكوراً وإما مقدراً، صحبةً أبانا، إن أبان صحبةً أبانا، حينئذٍ لا بد أن يجعل صحبةً هذا مفعولاً به لفعل محذوف تقديره أبانا، فسره العامل المذكور المتأخر، ولذلك الأصل أنه لا يجمع بين المفَسِّر والمفَسَّر إلا في مقام التعليم، فيقال: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6] إن أحد: هذا فاعل ليس مبتداً على الصحيح، فاعل ليس مبتداً حينئذٍ إذا كان فاعلاً لا بد له من فعل: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإنْ ظَهَر ... فَهْوَ وَإلاّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ

فحينئذٍ لا بد من فعل، هذا الفعل إما أن نقدره نحن من السياق، وإما أن نقدره بما لفظ بعده: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6] إذاً المراد: إن استجارك أحد .. –استجارك- الجمع بينهما غلط؛ لأنه يمنع أن يجمع بين المفَسِّر والمفَسَّر العِوَض والمُعَوَّض؛ لأننا حذفنا: وإن استجارك لدلالة استجارك الثاني عليه، حينئذٍ لا يجمع بينهما، وهذا خطأ قد يقع عند بعض النحاة الآن، إلا في مقام التعليم فيجمع بينهما للضرورة، فيقال التقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك، فيجمع بينهما ليبين أن استجارك الأول الذي وقع بعد إن مأخوذ من لفظ استجارك الثاني، فهو مشارك له في اللفظ والمعنى، لكنهما متغايران. فالأول يكون في محل جزم، والثاني يكون جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب، وإن استجارك، استجارك تقول: هذا فعل شرط في محل جزم، من المشركين استجارك الثانية تعربها كما هي، ثم تقول: الجملة لا محل لها من الإعراب جملة مفسرة، ففرق بينهما وإن اتحدتا في اللفظ. إنْ صُحْبَةً أَبَانَا: إن أبان صحبةً .. أبانا، إذاً لا بد من تقدير فعل بعد إن الشرطية، إن صحبةً أبانا، نقول: مفعول لمحذوف يفسره المذكور من باب الاشتغال، وسيأتي باب الاشتغال، لا مفعول مقدم لأبانا؛ لأن أداة الشرط لا يليها إلا فعل ظاهر أو مقدر، وقد يقال: إذا جعل صحبةً مفعولاً مقدماً لأبانا فقد ولي، إن الفعل الظاهر تقديراً، وهذا خلاف الأولى، فأعربه محيي الدين على هذا، لكن الأولى أن يجعل صحبةً مفعولاً به لفعل محذوف يفسره المذكور واجب الحذف. إنْ صُحْبَةً أَبَانَا: إذاً قلنا احترز بهذا عن ماذا؟ عن ذو الطائية، فذو الطائية هذه مبنيةٌ وليست معربةً، إذاً: قيد الناظم ذو هنا في هذا النظم بقوله: إنْ صُحْبَةً أَبَانَا، فهو شرط دفعاً لتوهم المبتدئ الذي لا يعرف أن ذو الطائية مبنية، فحينئذٍ يظن أنها داخلةٌ في قوله: ذو، وذو الطائية هذه موصولة، سيأتي ذكرها في باب الموصولات، فإنها لا تفهم صحبةً، بل هي بمعنى: (الذي)، فلا تكون مثل: (ذي) التي بمعنى: صحاب، بل تكون مبنيةً، يعني: في لغة طيّ -على الأشهر عند طيّ-، في لغة طي مبنية. وقد سمع إعرابها، إعراب ذي بمعنى: صاحب، لكنه على قلة، وعليه تكون الأسماء سبعةً لا ستةً، بعضهم قال: الأسماء السبعة، اعتباراً بذي الطائية في حالة إعرابها، ولذلك سمع: فَإِمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهُمْ ... ... فَحَسْبِيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا مِنْ ذُو: من حرف جر، وذو .. لو كانت هذه بمعنى صاحب حينئذٍ وجب جرها بالياء .. وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ واجْرُرْ بِيَاءٍ .. إذاً: وجب جره إذا قال: من ذي، ولكن سمع أيضاً: من ذي عندهم، فدل على أن بعضهم يعربها إعراب ذي التي بمعنى: صاحب، حينئذٍ هي من الأسماء الستة، فتكون الأسماء سبعة.

تقول: جاءني ذو قام، ورأيت ذو قام، ومررت بذو قام، هذه المبنية في لغة طيّ وهي الأكثر والأشهر، جاء ذو قام، جاء: فعل ماضي، ذو: فاعل مبني على السكون في محل رفع؛ لأنها من المبنيات، والمبنيات إعرابها إعراب محلي لا تقديري، رأيت ذو قام، ذو: في محل نصب مفعول به، مررت بذو قام، في محل جر بالباء، فحينئذٍ حالةً لزمت واحدة، وهذا هو الأصل في المبني أنه يلزم حالةً واحدة، ومنه البيت التي ذكرنها: فَحَسْبِيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا الفرق بين ذو الطائية والتي بمعنى: صاحب، ما الفرق بينهما، لا بد من ضابط حتى نعرف؟ نقول: الموصولة: لا تقع صفةً إلا لمعرفةٍ، يعني: لا يوصف بها إلا المعرفة؛ لأنها معرفة بالصلة، والتي بمعنى: صاحب: يوصف بها المعرفة ويوصف بها النكرة، التي بمعنى: صاحب يجوز أن يوصف بها المعرفة، ويوصف بها النكرة، وأما التي بمعنى: الذي، فيتعين أن يكون منعوتها معرفةً، لماذا؟ لأنها هي معرفة ملازمة .. هي من المعارف كما سيأتي الموصولات، من المعارف فإذا كانت معرفةً حينئذٍ لا يوصف بها النكرة، لا بد من التطابق بين النعت ومنعوته تعريفاً وتنكيراً، فإذا كانت ذو الطائية ملازمةً للتعريف لزم أن يكون منعوتها معرفةً. وأما ذو التي بمعنى: صاحب، فهذه يجوز فيها الوجهان: أن ينعت بها النكرة، وأن ينعت بها المعرفة، متى نصف بها المعرفة، ومتى نصف بها النكرة؟ بحسب المضاف إليه: إن أضيفت ذو إلى نكرة فحينئذٍ وصفت النكرة بها، جاء رجل ذو مالٍ، رجل: فاعل، وذو مال، ذو نقول: بمعنى صاحب صفة لرجل، مالٍ: نكرة، إذاً وصفت بها النكرة، جاء زيدٌ ذو المال، بأل، لماذا عرفناه بأل؟ يلزم أن نعرفه بأل، لا يصح أن نقول: جاء رجل ذو المال، غلط؛ لأن ذو المال .. ذو في أصلها بمعنى صاحب: وسيأتي: نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا ... أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا فذو في المعنى: بمعنى صاحب، وصاحب نكرة، حينئذٍ الأصل في ذو أنه نكرة، فإذا أضيفت إلى النكرة هل اكتسبت التعريف؟ لا لم تكتسب التعريف، حينئذٍ قولك: جاء زيد ذو مالٍ –غلط-؛ لأنه لم يتطابق الوصف مع موصوفه، فحينئذٍ يتعين أن يقال: جاء رجل ذو مال، وجاء زيد ذو المال بالتعريف، وجاء زيدٌ ذو أكرمته، هذه نقول: طائية، جاء زيد ذو أكرمته، ذو هذه نعت لزيد، جاء زيد ذو أكرمته، ذو هذه نعت لزيد، هل يصح جاء رجل ذو أكرمته؟ لا يصح؛ لأن رجل موصوف وهو نكرة وذو معرفة؛ لأنها موصولة، والشرط التطابق بين الموصوف وصفته وهنا انتفى. إذاً: هذا يُفَّرق بين ذي، التي بمعنى: صاحب، وذو الطائية. منْ ذَاكَ ذُو إنْ صُحْبَةً أَبَانَا .. يعني: أظهر صحبةً. ثم قال: وَالْفَمُ حَيْثُ الْمِيمُ مِنْهُ بَانَا: هذا هو الاسم الثاني، الأول: ذو، وبين شرطه: إن صحبةً أبانا، بقي له شرط واحد سيأتي في آخر الشرح.

وَالْفَمُ حَيْثُ الْمِيمُ مِنْهُ بَانَا: بانا: الألف للإطلاق، يعني: انفصل، فصل الميم من الفم، وذكر الفعل؛ لأن الميم مؤنثة لإرادة الحرف، ذكر الفعل بانا ولم يقل: بانت، يعني: انفصلت، مع كونه عاد إلى مؤنث مجازي، ميم .. هذه ميم، لكن قد ينظر إليه باعتبار كونه حرفاً فيجوز تذكيره، لذلك قال: بانا، ولم يقل: بانت، يعني: انفصلت الميم، لماذا؟ بالنظر إلى كون الميم حرفاً، والحرف مذكر فلذلك لم يؤنِّث، وبانا بمعنى: انفصل. قوله: حَيْثُ الْمِيمُ .. حيث: هنا استعمل حيث في الزمان على رأي الأخفش، أو في المكان الاعتباري أعني: التركيب، واعترض كلامه هنا: ميمُ، فصلت من الفم هذا فيه نوع إشكال؛ لأن إذا كان الحكم على الفم نفسه .. لفظ الفم، إذا كان الحكم على الفم نفسه يشترط في إعرابه بالواو والألف والياء أن تنقطع وتنفصل منه الميم، إذا انفصلت الميم صار فم، اقطع الميم: صار الفاء لوحده، وليس هو الفاء الذي يعرب، هذا محل إشكال، لا بد من توجيه كلام المصنف. واعترض كلامه بأنه يوهم أن الأصل فمٌ بالميم، هذا وجهٌ: أن الأصل بالميم، والأصل كما سبق أنه فَوهٌ، حذفت الهاء لام الكلمة اعتباطاً، ثم قلبت الواو ميماً، إذاً الميم ليست أصلية، وليست هي لام الكلمة وإنما هي عين الكلمة منقلبة عن واو، فإذا حذفت عين الكلمة ما بقي إلا فاء الكلمة، واعترض كلامه بأنه يوهم أن الأصل فم بالميم، فالذي ينبغي وفَوهٌ إن لم يبدل من واوه ميم، وقد يقال: لا نسلم أن الأصل الواو، هذا محل نظر، بل الصواب: أنه واو. وبأن الفم إذا فارقته الميم هو الفاء وحدها، ولا تعرب أصلاً، والمعرب هو فوك، وهو غير الفم بنقص الميم، وهذا واضح، الذي يعرب هو فوك، وليس هو الفم، إذاً: ما التوجيه؟ قالوا: هنا المراد بالفم العضو المخصوص، يعني: مسمى الفم. دال الفم: هو الذي يشترط فيه أن يكون منفصلاً عن الميم، وأجيب: بأن المراد بالفم العضو المخصوص لا اللفظي، ليس هذا اللفظ، وَالْفَمُ حَيْثُ الْمِيمُ مِنْهُ بَانَا، يعني: انفصل الميم ليس من لفظ الفم، وإنما من الأسماء التي تنطلق على هذا العضو، فالمرابد بالفم هنا: العضو المخصوص، الذي هو مسمى فوك، على تقدير مضاف، أي: ودال الفم حيث الميم من داله بانا، والدال يعم ما معه ميم وما ليس معه ميم. إذاً: والفم المراد به دال الفم، يعني: الذي يدل على العضو المخصوص، والذي يدل على العضو المخصوص فَوهٌ وفَمٌ، فيشترط في فوه أن تنفصل منه الميم وليس فيه ميم، فحينئذٍ هو الذي يكون معرباً بالحروف. إذاً: والفم، ليس المراد عين هذا اللفظ، بل هذا اسم للعضو المخصوص، فحينئذٍ نقول هنا على حذف مضاف، ودال الفم، ما هو الذي يدل على الفم؟ فوه وفم، ما معه ميم وما خلا من الميم، ما الذي يعرب بالحروف: هل هو فوه، أو فم؟ فوه، بشرط .. إذاً: فيه لغتان: فم وفوه، الذي يعرب بالحروف هو الذي خلا عن الميم، وليس هو لفظ الفم، ففرق بينهما:

وَالْفَمُ حَيْثُ الْمِيمُ مِنْهُ بَانَا .. إذاً: إذا اتصلت به الميم حينئذٍ أعرب بالحركات على الأصل، فإذا انفصلت منه الميم حينئذٍ نقول: هذا يعرب بالحروف نيابةً عن الحركات، يقال: هذا فوك، رأيت فاك، نظرت إلى فيك، هنا ليس فيه ميم، وأما الفم فهذه نقول: هذه معربة على الأصل بالحركات، وليست هي التي تعرب الحروف، فإن لم ينفصل الميم أعرب بالحركات، وفيه حينئذٍ عشر لغات: نقصه، وقصره، وتضعيفه، مثلَّث ثلاث في ثلاث بتسع، وبقي واحدة. نقصه، يعني: حذف اللام وجعل الإعراب على الميم، نقص يسمى فَمْ فَمْ، فَمٌ فَمٌ، فِمٌ .. فُمٌ، ثلاث لغات، فَمٌ بفتح الفاء، وفِمٌ بكسر الفاء، وفُمٌ بضم الفاء، هذا يسمى النقص، يعني: حذف اللام النقص اللغوي. وقصره، يعني: أن يكون كالفتى، فَمَى .. فِمَى .. فُمَى بثلاث لغات هذه ست. وتضعيفه، يعني: فَمٌّ تشديد الميم، إذاً هي لغة: فَمُّك، هذه لغة، كذلك بتثليث الفاء: فَمٌّ .. فِمٍّ .. فُمٌّ، مثلث الفاء فيهن. والعاشرة: إتباع فائه لميمه، أي: في حالة نقصه، قيل: وهذه اللغة أضعف اللغات: وفصحاهن فتح فائه منقوصاً فَمٌ .. فَمٌ: هي أفصح اللغات. وأضعفها هي التي فيها إتباع فائه لميمها .. يعني، تقول: هذا فَمٌ، الميم ما حركتها؟ خبر مرفوع رفعه ضمة، إذا تقول: هذا فُمٌ، تتبع الفاء حركة الميم في حالة الرفع، هذا فَمٌ فُمٌ، هذه لغة، إتباع الفاء لحركة الميم، في حالة النصب: رأيت فَماً على الأصل، نظرت إلى فِمٍ، إتباع الفاء لحركة الميم، هذه اللغة ضعيفة. وفَمٌ أصله: فوه حذفت الهاء وانقلبت الواو ميماً؛ لأنهما شفويتان حذراً من سقوطها وبقاء الاسم على حرف، وفَمٌ هذه تستعمل مضافةً وتستعمل مقطوعةً عن الإضافة، فإذا قطعت عن الإضافة فعلى الأصل: {لخُلوف فَمِ الصائم} استعملت مضافة، ومنه قول الشاعر: يُصْبِحُ ظَمآناً وَفِي الْبَحْرِ فَمُهْ هذه مضاف، وتستعمل كذلك مقطوعةً عن الإضافة: هندٌ أطيب الناس فماً .. ثم قال: ... أَبٌ أخٌ حَمٌ كَذَاكَ وَهَنُ وَفِي أَبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ ... والنَّقْصُ فِي هَذَا الأَخِيرِ أَحْسَنُ وَقَصْرُهَا مِنْ نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ أبٌ: هذا مبتدأ أليس كذلك؟ كيف جاء مبتدأ وهو نكرة؟ نقول: قصد لفظه وصار معرفةً، يعني: صار علماً، أبٌ: مبتدأٌ لأنه معرفةٌ؛ لأن المراد لفظه. أبٌ أخٌ حمٌ: على حذف حروف العطف، وهو جائز في الشعر اتفاقاً، ومختلف في النثر، هل يجوز حذف حرف العطف؟ نقول: جاء زيدٌ عمروٌ خالدٌ؟ في الشعر محل وفاق، وأما في النثر فهذا محل نزاع سيأتي في باب العطف.

أبٌ أخٌ حمٌ، يعني: أبٌ وأخٌ وحمٌ، أبٌ وأخٌ واضح، أبٌ أصلها: أبَوٌ، ومعروف الأب، أخٌ أصلها: أخَوٌ ومعروف الأخ، حمٌ أصلها: حمَوٌ والمراد به: أقارب الزوج، أباً كان أو أخاً أو غيرهما، ولذا أنث الضمير فيقال: حموها، هذا خطاب للمرأة، حينئذٍ حموها باعتبار زوجها فيؤنث، ويطلق على أقارب الزوجة العكس، حينئذٍ يقال: حموه باعتبار الزوج، إذاً: يجوز فيه الوجهان، لا يغلط إذا قيل: حموه كما في بعض الكتب، هذا غلط يقال؛ لأن الحمُو أقارب الزوج، فلا بد أن يقال: حموها، نقول: تغليطك غلط؛ لأنه يجوز فيه الوجهان، وإن كان الأشهر أنه أقارب الزوج، فيقال: حموها. ويطلق بقلة على أقارب الزوجة، فيقال: حموه، فيجوز الوجهان. كَذَاكَ، أي: مما أصف، مثل ذلك، أبٌ: هذا مبتدأ وما عطف عليه، كذاك، أي: مثل ذاك، فالكاف للتشبه، فهو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، كذاك، أي: مما أصفه، فترفع الباء .. نعم أبٌ أخٌ حمٌ كذاك، أي: مما يرفع بالواو نيابةً عن الضمة، وينصب بالألف نيابةً عن الفتحة، ويجر بالياء نيابةً عن الكسرة، كذاك، أي: مثل ذاك. وهَنُ: لِمَ لَمْ يقل: أبٌ أخٌ حمٌ وهن كذاك؟ أتى بـ (الكذلكة) قبل هنُ؟ للاختلاف؛ لأنه هو الآن يحكي لغة الإتمام، يعني: الإعراب بالحروف، الأسماء الستة فيها ثلاث لغات: الإتمام والنقص والقصر، وحديثنا الآن في ماذا؟ في لغة الإتمام، يعني: رد الواو وإعراب الاسم بالواو، هذا أبوك .. هذا أخوك .. هذا حموك، هنُ، هل يعرب هذا الإعراب لغة الإتمام؟ هذا محل نزاع، والصواب: أنه ثابت، لكنه على قلة، قليل جداً، ولذلك أنكره الفراء كما سيأتي. نظراً لهذا الاختلاف بل لقلته في لسان العرب حتى أنكره بعض النحاة كالفراء وغيره، صار مرتبته أدنى من أب وأخ وحمو، ولذلك أتى بـ (الكذلكة)، حينئذٍ وهنُ مبتدأ كذاك خبره مقدر، هنُ ماذا نعربه؟ مبتدأ، أين خبره؟ كذاك، أي: مثل ذاك، يعني: من الأسماء التي أصفها لك مما تعرب بالحروف نيابةً عن الحركات، أبٌ أخٌ حمٌ كذاك، وهن كذاك، أي: مثل ذو وفم وما عطف عليه. وأما هَنُ، قال في الشرح: فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات، أولاً: ما هو الهنُ؟ قال الجوهري: الهنُ كناية، يعني: ليس اسماً صريحاً على مسماه، بل هو كنياية، يكنى به عن ماذا؟ ومعناه: شيء، تقول: هذا هنُك، أي: شيئك، والمراد بالشيء هنا ليس مطلقاً أي شيء موجود، بل الشيء الذي يستقبح ذكره، كل ما استقبح ذكره بين الناس وصار معيباً يصح أن يطلق عليه: هنُ، إذاً: الهنُ الشيء الذي لا يستحب ذكره، أو بمعنى: شيء. قيل: أو الفرج خاصةً، الفرج خاصة يقال: هنُك، ولذلك جاء في الحديث: {من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضِّوه بهنِ أبيه ولا تكنوا}. وفي الأشموني، الهنُ: كلمة يكنى بها عن أسماء الأجناس، وقيل: عما يستقبح ذكره، أي: فرجاً كان أو غيره مطلقاً، كل ما يستقبح ذكره فيكنى عنه بالهنِ، وقيل: هو عن الفرج خاصة، والصحيح أنه يكنى به عن كل شيء يستقبح ذكره.

فالفصيح في الهنِ: أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون، هذا هو الفصيح، الفصيح الذي يوافق أكثر لسان العرب، وما سمع فيه: أن يعرب الهنُ كغدٍ، كذا قال ابن هشام في: قطر الندى، بالحركات الظاهرة على النون، ولا يكون في آخره حرف علة، يعني: إما أن ترده فتقول: هنوك، وإما أن تبقيه على المحذوف فتقول: هنُك، هنُ: الهاء والنون حرفان من الكلمة، الهاء هي فاء الكلمة، والنون هي عين الكلمة، حذفت اللام اعتباطاً، عند الإضافة القياس والأكثر استعمالاً ألا يُرَدَّ المحذوف. ولذلك هنا مع كثرته استعمالاً وهو الفصيح، كذلك وافق القياس؛ لأن يداً أصلها: يديٌ، ولذلك تقول: هذه يدك، ورأيت يدك، لا ترد المحذوف، إذاً: القاعدة والقياس: أن المحذوف اعتباطاً الأصل فيه ألا يرجع، بخلاف المحذوف لعلة، هذا الأصل فيه الرجوع، فحينئذٍ: هنُك، مثل يدك، فالأفصح فيه ألا ترجع الواو. ولذلك كان أكثر استعمال العرب على عدم إرجاع الواو فيقولون: هنُك .. هذا هنُ زيدٍ، بالإضافة ولم ترجع الواو، ورأيت هنَ زيدٍ، ومررت بهنِ زيدٍ، فحينئذٍ بقي على أصله من الحذف؛ لأنه إذا حذف اعتباطاً الحرف صار نسياً منسياً، يعني: كأن اللفظ قد وضع على حرفين، فإذا صار نسياً منسياً حينئذٍ لا ينبغي رده عند الإضافة، هذا هو الأصل المطرد والموافق للقياس، جاء الاستعمال الفصيح موافقاً للقاعدة، فجاء هنُ زيدٍ، ورأيت هنَ زيدٍ، ونظرت إلى هنِ زيدٍ. ولذلك قال في النظم: والنَّقْصُ فِي هذا الأَخِيرِ أَحْسَنُ، وهو الذي شرحناه، أي: النقص في هنِ أحسن من الإتمام، الإتمام: هو رد الواو، فبدلاً من أن يقول: هذا هنُ زيد، يقول: هذا هنو زيد، برد الواو فحينئذٍ يكون إعرابه بالواو نيابةً عن الضمة، فيقول: هذا هنُك .. هنُوك يجوز فيه الوجهان، وهنُك أكثر وأفصح من هنوك، ولذلك قال في الشرح: أي النقص في هنٍ أحسن من الإتمام، والإتمام جائزٌ لكنه قليل جداً، ولذلك لقلته أنكر الفراء جواز إتمامه، لكنه محجوج بحكاية سيبويه وغيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وهي مع كونها أكثر استعمالاً هي أفصح قياساً؛ لأن ما كان ناقصاً في الإفراد قبل الإضافة فحقه أن يبقى على نقصه في الإضافة كما في يدٍ، إذاً: مراد المصنف بقوله: وهنُ فصَله عما قبله ليدل على أن الإتمام وإن كان مسموعاً إلا أنه دون الفصيح، وأن الفصيح في هنٍ على جهة الخصوص هو الإتمام، ولذلك لا بد من التنبيه على هذا. وعيب من النحاة من سرد الأسماء الستة كلها دون أن ينبه على أن هناً دون بقية الأسماء، ولذلك قال ابن مالك: ومن لم ينبه على قلته فليس بمصيب، وإن حظي من الفضل بأوفر نصيب، وهو قد نبه هنا بفصله بـ (الكذلكة)، قال: أبٌ أخٌ حمٌ كذاك وهنُ كذاك، فدل على أنه عمل بما انتقد به غيره: والنَّقْصُ فِي هذا الأَخِيرِ أَحْسَنُ: والنقص، ما المراد بالنقص هنا؟ يعني: كونه منقوصاً، المنقوص عن النحاة له معنيان: منقوص لغوي، ومنقوص اصطلاحي، المنقوص اللغوي: مرادهم به: كل كلمة حذفت لامها اعتباطاً، يعني: باعتبار اللغة، حذفت لامها، بخلاف المنقوص الاصطلاحي، فهو المراد به: القاضي، كل اسم معرب آخره ياء لازمة ساكنة قبلها كسرة، هذا المراد به القاضي ونحوه، هذا سيأتي:

وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا ... كالْمُصْطَفى والمُرتْقَيِ مَكَارِمَا وأما النقص هنا فالمراد به ما حذفت لامه، الذي حذفت لامه يسمى منقوصاً لغةً، وهو صحيح؛ لأن أصله ثلاثي فنقص منه حرف فهو ناقص، إذاً: النقص في هذا الأخير وهو: (هنُ) أحسن من الإتمام. إذاً: هذا تصريح بما تضمنه قوله: وهنُ كذاك؛ لأنه فصل بينهما وقلنا: أراد ماذا؟ أراد أنه دونه في المرتبة، دون أبٍ وأخٍ وحمٍ في المرتبة، صرح بهذا المفهوم بقوله: والنقص، أي: -حذف- عدم إرجاع الواو في هنِ، في هذا الأخير وهو هنُ أحسن من الإتمام، وهو الإعراب بالأحرف الثلاثة، ولذلك أخره. أحسنُ: المراد به أكثر استعمالاً، ولا يقال فيه: إنه ليس بفصيح لا، لأنه ليس بنادر، بمعنى: أنه قليل السماع، لا سمع لكنه، باعتبار الإتمام أكثر، فأكثر استعمالاً هنُك من هنوك، وكلاهما منقول، وكلاهما مسموع، لكنه من باب فصيح وأفصح، كما يقال: صحيح وأصح، أليس كذلك؟ نقول: صحيح وأصح اشتركا في الصحة، هنا اشتركا في السماع، وكلاهما فصيح، إلا أن هنُك أفصح من هنُوك، لماذا؟ لأن العرب إذا استعملت شيئاً أكثر من غيره دل على أنه هو المقصود بالذات. والنَّقْصُ فِي هذا الأَخِيرِ وهو هنو أَحْسَنُ، يعني: من الإتمام. وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ .. وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ: تثنية تالي، ما هما اللذان تليا أب؟ أخٌ وحمٌ، إذاً: إشارة إلى ما سبق في البيت السابق، وفي أبٍ وأخٍ وحمٍ يندر، يعني: يقل، الضمير يعود إلى أي شيء؟ إلى النقص، سُمِع: بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِىٌّ في الْكَرَمْ ... وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ إن كان كريماً فهو كريم، بخيل بخيل، بأبه؟ -استنبطوا-، بأبه: الباء حرف جر، وأبه: قلنا أبٌ أصلها: أبَوٌ، هنا وجد الشرط شرط الإتمام، شرط الإتمام وهو الإضافة إلى الضمير، بأبه: لو أجراه على لغة الإتمام لقال: بأبيه، لكنه لم يرُد المحذوف اللام، وإنما أبقاه ناقصاً على ما هو عليه، وأظهر الكسر على الباء، فدل على أنه معرب بالحركات. بأبه اقتدى عدي في الكرم ومن يشابه أبه .. أبه: ما إعرابها؟ مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة، لو قال قائل: أبٌ هذا يعرب بماذا؟ بالواو؛ لأنه من الأسماء الستة، وهنا قد وجد الشرط تحققت الشروط، في هذا التركيب نقول: يجوز لك الوجهان: إما الإتمام وإما النقص، ولذلك قلنا: وارفع بواو .. ارفع هذه صيغة افعل، والأصل أن افعل يدل على الوجوب لغةً وشرعاً، الشرع لا شك فيه، وأما اللغة فالصحيح أنه يدل لغةً على الوجوب. وارفع، هل المراد به أنه إذا توفرت الشروط شروط الإتمام، وإعماله على أن يعرب بالحروف يجب أو يجوز؟ لا، يجوز ولا نقول: يجب، بدليل: وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ جاز النقص مع استيفاء الشروط، وهذه قرينة صارفة لقوله: افعل على الوجوب لا الندب والجواز، وارفع بواو، إذاً هذا جائز، وليس بواجب، بدليل: وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ، تجعله قرينة صارفة. بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِىٌّ في الْكَرَمْ ... وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ

بِأَبِهِ: هنا جره بالكسرة، مع إضافته إلى ضمير الغائب، وهذه لغة، ومن يشابه أبه: هنا نصبه بالفتحة، مع إضافته للضمير لاستيفائه للشرط، حينئذٍ بِأَبِهِ يجوز أن يقول: بأبيه، وبأبه في غير الشعر، ومن يشابه أباه .. ومن يشابه أبه، يجوز فيه الوجهان، لو قال قائل: هذا البيت قاله في الشعر، فيحتمل أنه ضرورة، يحتمل أنه بأبه، أي: بأبيه ولكنه قصره ضرورةً، ومن يشابه أبه، الأصل: أباه، قلنا: حكا أبو زيد: جاءني أخُك، أخُك رَدَّهُ؟ لم يرد المحذوف، والشيء إذا استعمل نثراً دل على أنه لغة، لو لم يرد حينئذٍ يتوجه الاعتراض بأنه يحتمل أنه من قبيل الضرورة، لكن حكا أبو زيدٍ: جاءني أخك، والفراء: هذا حمُك، ولم يقل: حموك، فدل على أنه لغةٌ لا ضرورة. إذاً: يجوز في أبٍ وأخٍ وحمٍ النقص، يندر لكنه قليل، قليل عن ماذا .. أقل من ماذا؟ من الإتمام، إذاً: أبٌ أخٌ حمٌ يجوز فيه لغتان .. إلى هنا يجوز فيه لغتان، الإتمام والإعراب بالحروف، أبوك أخوك حموك .. أباك أخاك حماك .. أبيك أخيك حميك، فحينئذٍ هذا هو الأصل، ويجوز النقص بألا ترجع الواو ويعرب بالحركات الظاهرة على آخره، كما قلنا في: بأبه، ومن يشابه أبه. أيهما أفصح وأكثر؟ الإتمام على العكس من الهنُ، ولذلك قال: والنَّقْصُ فِي هذا الأَخِيرِ أَحْسَنُ، يعني: أكثر استعمالاً، وأما: وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ، أي: قليل، وإذا قيل: يندر، ليس المراد به أنه ليس بفصيح، بل هو فصيح، كل ما ورد في لسان العرب ولم يكن ثم مانع من اعتباره فهو فصيح. وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ، أي: يقل النقص. وَقَصْرُهَا مِنْ نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ: هذه اللغة الثالثة في أب وتالييه، وَقَصْرُهَا الضمير يعود إلى أي شيء؟ إلى أقرب مذكور: وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ، يعني: أبٌ أخٌ حمٌ قصرها أشهر من نقصهن، ما المراد بالقصر هنا؟ المراد بالقصر أن تستعمل كالفتى، فتى: مقصور آخره آلف لازمة، حينئذٍ نقول: هذه لغة القصر، وهي أن تكون بالألف رفعاً ونصباً وجراً، هذا أباه وأخاه وحماها، ورأيت أباه وأخاه وحماها، ومررت بأباه وأخاه وحماها: إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَاتَاهَا إِنَّ أَبَاهَا: هذا يحتمل أنه منصوب بالألف، ويحتمل أنه على لغة القصر، وَأَبَا: هذا معطوف على اسم إن، كذلك يحتمل، الاستدلال ليس بالأول ولا بالثاني، وَأبَا: هذا معطوف على اسم إن فهو منصوب، أبا مضاف، وأَبَاهَا امضاف إليه، لو كان أجراه على لغة الإتمام لقال: وأبا أبيها، لكن أجراه على الألف، حينئذٍ عامله معاملة المقصور كالفتى. نرجح بهذا أن قوله: إنَّ أبَاهَا وَأبَا كذلك مقصور؛ لأنه يبعد أن يستعمل الشاعر في بيت واحد لغتين مختلفتين، والأصل في اللغات أنها لكل قبيلة لغتها الخاصة بها، وما يسمى بالتداخل كما في فضل يفضل غير، هذا كله من باب التكلف عند الصرفيين، وإلا الأصل فيه: أن كل صاحب لغةٍ فحينئذٍ يختص بقبيلة معينة، والتداخل هذا لا يلجأ إليه إلا عند عدم وجود عذر يعتذر به عن وجود الخلل.

إذاً: (إنَّ أبَاهَا وَأبَا أبَاهَا) .. أبَاهَا: المضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف، مع كونه مضافاً لغير ياء المتكلم، فدل على أن من العرب من يعرب الأسماء الستة مع استيفائها للشروط إعراب المقصور من فتىً ونحوه، وهي لغة القصر، وكذلك قولهم: سمع، يعني: وقد يقال بأنه شعر ضرورة، نقول: سمع قولهم للمرأة حماة، كلمة دراجة الآن، إذا قيل: حماة مثل فتاة، وإذا قيل: فتاة، العرب تفرق بين المذكر والمؤنث بالتاء، إذاً: فتى .. حمى، هذا الأصل صار مثل فتى. وكذلك القول للمرأة: حماةٌ، إذاً نقول: يستدل بقولنا: أباها وأبا أباها على ثبوت لغة القصر، وأن أباً ونحوه يلزم الألف ويعرب بالحركات المقدرة على آخره، منه يدل على ذلك قولهم للمرأة: حماة، فإذا قالوا ذلك للأنثى فإنهم يقولون للمذكر: حمى، بألف مقصورة، إذ لا فرق بين المذكر والمؤنث إلا تاء التأنيث، كما في فتى وفتاة، فتىً وفتاة لا فرق بينهما إلا بتاء التأنيث، كذلك حمى وحماة لا فرق بينهما إلا بتاء التأنيث. كذلك المثل المشهور: (مُكْرَهٌ أخَاكَ لا بَطَل)، هذا منه: (مُكْرَهٌ أخَاكَ لا بَطَل)، أخاك: هذا مبتدأ مؤخر، ومكره: هذا خبر مقدم ولا يجوز العكس، لماذا؟ لا يجوز أن يكون: مكره .. هذا مبتدأ؛ لأنه نكرة، وأخاك: هذا معرفة، وأما على مذهب الكوفيين فيجوز أن يكون مكرهٌ: هذا مبتدأ، وأخاك: هذا نائب فاعل سد مسد الخبر، لكن نقول: هذا ليس بصواب، بل الصحيح أن يكون أخاك: هذا مبتدأ مؤخر، ومكره: خبر مقدم، إذاً: لزم الألف. إذاً قوله: وَقَصْرُهَا، أي: أبٌ وأخٌ وحمٌ مِنْ نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ، يعني: أشهر من نقصهن، إذاً: يجوز في أب وتالييه ثلاث لغات: الإتمام وهذا الأشهر، ثم القصر وهذا أشهر لكنه دون الأول، ثم النقص وهذا أدناها: ثلاث لغات في أبٍ وتالييه، وهنُ فيه لغتان: الإتمام والنقص، وذو وفم، فيه لغةٌ واحدة. قوله: أَشْهَرُ .. وَقَصْرُهَا مِنْ نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ: يفيد أن النقص شهير؛ لأنه جاء بأفعل التفضيل، يفيد ماذا؟ أن النقص شهير، ولكن القصر أكثر أشهر، وهو كذلك، ولا ينافيه قوله: وَفِي أبٍ وَتَالِيَيْهِ يَنْدُرُ، أي: النقص؛ لأن الشهرة ضد الخفاء، فلا تنافي الندرة التي هي قلة الاستعمال، وأشهر: هذا أفعل تفضيل لكنه شاذ، أشهر، وإن جاء به الناظم على هذا، لكنه سيأتي في بابه أنه شاذٌ؛ لأنه إما من شُهِرَ المبني للمجهول ولا يصاغ منه أفعل التفضيل، وإما من أشْهرَ الزائد على الثلاثي، وهذا كذلك لا يصاغ منه أفعل التفضيل إلا بواسطة كما سيأتي في محله، إذاً: هذا التركيب شاذ. وَقَصْرُهَا مِنْ نَقْصِهِنَّ أَشْهَرُ، إذاً: ذكر ذو وفم، وليس فيهما إلا لغة واحدة وهي الإتمام، وهنُ فيها لغتان: الإتمام والنقص، والنقص أفصح وأكثر استعمالاً، ولذلك أنكر الفراء وغيره الإتمام، وهو محجوج بسماع سيبويه له، ثم أبٌ وأخ ٌوحمٌ فيه ثلاث لغات، على لغة النقص:

بأبه اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَم .. على هذه اللغة يقال في تثنية الأب أبان، أبٌ .. بأبه، إذا ثنيته على هذه اللغة عندهم، يقول: أبان وأخان وحمان، جعلوا الباء والخاء آخر الكلمة ولم يلتفتوا إلى اللام المحذوفة، وإن كانت التثنية ترد الأشياء إلى أصولها، أبٌ على لغة الإتمام إذا ثنيتها تقول: أبوان، القبيلة التي تتم إذا أرادوا تثنية أبٍ قالوا: أبوان وأخوان وحموان، ردوا الواو لأنها معتبرة عندهم، ولذلك لما أضيفت قيل: أبوك أعربوه بالواو، وأما هذه اللغة: بأبه، التي هي لغة النقص، هؤلاء جعلوا الحرف المحذوف نسياً منسياً، كأنه غير موجود أصالةً، فلما ثنوا لم يرجعوا الواو التي حذفت وهي من أصل الكلمة، ولذلك لم تراع، لا في جهة إعرابها .. إعراب الأسماء الستة، ولا في جهة التثنية، فيقال: أبان بأبه .. أخان بأخه. إذاً: حاصل ما ذكره المصنف أن في أبٍ وأخٍ وحمٍ ثلاث لغات أشهرها: أن تكون بالواو والألف، والواو هكذا يقول ابن عقيل، الإعراب بالأحرف الثلاثة، والثاني: أن تكون بالألف مطلقاً، والثالث: أن يحذف منها الحرف .. -الأحرف الثلاثة- وهذا نادر. وأن في (هنِ) لغتين: إحداهما النقص وهو الأشهر والأفصح، والثاني: الإتمام وهو قليل، وزاد في: التسهيل، في أبٍ التشديد: أبٍّ، أبٌّ بتشديد الباء، وفي أخٍ أخٌّ بتشديد الباء، إذاً: هذه كم لغة في أب؟ أربع لغات، الإتمام والنقص والقصرو التشديد، أبٌ أبُّك، هذا جائز. إذاً: فيه أربع لغات، وفي أخٍ التشديد، وفيه أخْوٌ بإسكان الخاء، فيكون فيه خمس لغات: الإتمام والنقص والقصر والتشديد أخٌّ، وأخْوٌ بإسكان الخاء، فيكون فيه خمس لغات. وفي حمٍ حَمْوٌ كقَرْوٍ حَمْوٍ، بفتح الحاء وإسكان الميم، وحَمْئٍ كقرئ بالهمز، وحَمَأٍ كخطأٍ، كم لغة؟ ست لغات: الإتمام والنقص والقصر وحَمْوٍ كقَرْوٍ وحَمْئٍ وحَمَأٍ، ست لغات، وهنٌ ذكر في التسهيل أنه قد يشدد، فيقال: هنٌّ كأبٍّ وأخٍّ، فحينئذٍ صار فيه كما لغة؟ صار فيه ثلاث لغات: الإتمام والنقص والتشديد. ثم شرع في بيان شروط هذه الأسماء الستة، وهذا لئلا ننقطع نتمه بعد الصلاة إن شاء الله تعالى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

14

عناصر الدرس * شروط إعراب الأسماء الستة إعراب لغة الإتمام * بيان الباب الثاني من أبواب النيابة (المثنى) ـ * حد وحكم المثنى -حكم الملحق بالمثنى -حكم ماقبل آخر المثنى. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ - ألا يمكن أن نقول: أن الناظم رحمه الله تعالى أكد النصب في الأسماء الستة بقوله: وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ. - قال: وَارْفَعْ بَوَاوٍ وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ واجْرُرْ، الأصل أنه لا يؤكد إلا .. خالي الذهن لا يؤكد له، أليس ... كذلك؟ فإن تخاطب خالي الذهن منِ ... حكم ومن تردد فلتغتنِ عن المؤكدات .. حينئذٍ لا يؤكد له، هنا لماذا أكد؟ لا بد من التماس، أنا عن نفسي ما وجدت له عذر. - هذا يقول: أنا .. يقال: للزومه في لغة الإتمام وفي لغة القصر، بخلاف الواو والياء، فإنهما يلزمان في لغة التمام. - لا هذا غلط، لماذا؟ لأنه في لغة الإتمام الألف هذه هي حرف الإعراب، وفي لغة القصر أين الألف؟ النقص، أين الألف؟ ومن يشابه أبه، ليس عندنا ألف، وفي لغة القصر حينئذٍ: إن أباها، الألف هذه ليست علامة الإعراب، وانْصِبَنَّ بِالأَلِفْ لا يصدق على قوله: إن أباها؛ لأن الحركة هنا مقدرة، وهذا التعليل عليل، ائت بغيره. - لماذا فهم من قول المؤلف: وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي الحصر، لماذا فهم الحصر ولم يفهم من قوله: ............................ وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وَذُوكَسْرٍ وَضَمّ ... وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا ................................ على حد قول الله: ((فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)) [البقرة:253]. - لأنه لم يثبت ما هو واسطة بين المبني والمعرب، يعني: لعلة خارجة، لما استقرأ النحاة كلام العرب، فوجدوا أنه إما معرب وإما مبني، ليس عندنا واسطة، وغلامي: هذا أثبت بعضهم أنه واسطة، وأجبنا عنه بما ذكرناه، حينئذٍ ما وجد إما مبني وإما معرب، إذا عبر المصنف فالأصل أنه يوافق غيره من النحاة أو يخالف، الأصل الموافقة، حينئذٍ لا بد أن نحمل كلامه على أنه حصر القسمة في الاثنين ولا زيادة عليه، أما: وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ وَضَمْ وجد البناء بالحرف، ووجد البناء بالحذف، هذا مقطوع به، حينئذٍ نفهم من هذا أن قوله: وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ ليس حصراً، لو جعلناه حصراً معناه: أنه لا يوجد عندنا بناء على الحرف: يا زيدانِ .. يا زيدون، نقول: هذا مبني على الألف مبني على الواو، نقول: أن ذاك الحصر صار نفياً له؛ لأن الحصر: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، حينئذٍ لا مبني إلا ساكن، أو على الفتح أو الضم أو الكسر. إذاً: لا يورد مبنياً على الألف، وهذا موافق أو مخالف؟ فالمسألة يعني: تتعلق بما علم من خارج. - ما علة كون الفعل الماضي مفتوحاً دائماً على ترجيحكم، مع أن بنائه بالضم والسكون أسهل؟ - قلنا: السكون هذا ليس أصلاً، هذا المعلل عندهم باتفاق أنه معلل، إما لكراهة توالي أربع متحركات ما هو كالكلمة الوحدة، وإما تمييزاً بين الفاعل والمفعول، يعني: حملاً على (نا)، على علة ابن مالك رحمه الله، حينئذٍ إذا صار الحكم معللاً عرف أن هذا السكون ليس بأصل، فإذا علم كذلك، حينئذٍ نرجع إلى الأصل، وهو أن الفعل الماضي قبل اتصاله بشيء مبنيٌ على الفتح، هذا يقين أو لا؟ يقين، إذاً: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فإذا أمكن تقديرهُ حينئذٍ لا نرجع إلى السكون، وكذلك الضم.

ولذلك يعللون حتى ابن عقيل هنا قال: الكسر والضم لا يدخلان الفعل، مع كونه قال فيما سبق: إن اتصل بواو جمعٍ ضُمَّ، هذا فيه نوع تعارض، والصواب أن الضم والكسر لا يدخلان الفعل؛ لأن الضمة ثقيل والفعل ثقيل، الفعل مركب من حدث وزمن، هذا فيه ثقل، بخلاف الاسم .. الاسم بسيط لأنه إما معنىً وإما ذات، ذات كزيد، مدلول زيد ذات مشخصة، ومدلول عِلم وفهم وعقل هذا نقول: هذا معنىً، حينئذٍ إما هذا وإما ذاك، أما الفعل لا فهو يدل على شيء مركب، مركب من حدثٍ وزمنٍ فهو ثقيل. وبعضهم زاد: أنه يستلزم فاعلاً، وهذا ما يؤدى بالحرف، يعني: النسبة، وهذا أيضاً يدل الفعل على الفاعل، وسيأتينا أنه يدل على الفاعل بدلالة الالتزام؛ لأن الحدث لا بد له من محدثٍ، وإذا بني الفعل ازداد ثِقلاً، إذا بني كذلك على الضم هذا زاده وزاده، على كلٍ كلها تعليلات. يقولون: والنكات لا تتزاحم، هكذا يقول المحشون، النكات لا تتزاحم، يعني: إذا ظهر لك الشيء أنه هو نكتة .. يعني: الفائدة من التعليل أو كذا، وإذا قال غيرك مخالفاً لك لا بأس، إلا ما ذهبت إليه من التعليل وإلا الناس كلهم على غلط، نقول: هذا إرهاب كما يقال! بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وقفنا عند قول المصنف رحمه الله تعالى: وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ أَنْ يُضَفْنَ لاَ ... لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ أراد أن يبين بهذا البيت أن الإعراب .. إعراب الأسماء الستة أو السبعة ليس مطلقاً، يعني: إعرابه بالواو نيابةً عن الضمة، أو بالألف نيابةً عن الفتحة، أو بالياء نيابةً عن الكسرة، وإنما بشروط لا بد من استيفائها، إن وجدت الشروط حينئذٍ يجوز لك الإتمام ويجوز لك غيره، فهذه الشروط التي سيذكرها مجوزة للإعراب بالحروف، وليست موجبةً، لكن إذا اختار الإتمام لا بد أن توجد هذه الشروط مجتمعة، أما إذا لم توجد حينئذٍ لا يصح أن يعرب بالواو. ((وَلَهُ أَخٌ)) [النساء:12] أخ: هذا لم يضف، حينئذٍ إذا لم يضف لا يمكن أن نعربه بالإتمام. إذاً: هذه الشروط التي سيذكرها شروط لجواز الإتمام، ليست موجبةً، بمعنى أنها إذا وجدت لا يلزم منه أن يعربه على لغة الإتمام، وإنما إذا أراد الإتمام لا بد أن يكون مستوفياً لهذه الشروط، ولذلك عبر بالشرط: وَشَرْطُ، الشرط: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته: ولاَزِم مِن انعِدَام شَرطِ كَسببٍ ................. ... عَدمُ مشرُوطٍ لَدى ذِي الضَّبطِ وَشَرْطُ ذَا، شرط: مبتدأ، وهو مضاف، وذا: اسم إشارة مضاف إليه، والإعراب هذا بدل أو عطف بيان من ذا. أنْ يُضَفْنَ، أن: حرف مصدر، يُضفنَ: هذا فعل مضارع منصوب بأن مغير الصيغة، ونائب الفاعل ما هو؟ النون هذه ماذا، نون الإناث أو نون النسوة؟ نون الإناث نعم، هذا مثال لما ذكرناه، لا تقل: نون النسوة، في هذا المقام غلط، الهندات يقمن، لا بأس تقول: نون الإناث ونون النسوة، أما هنا لا: النوق يسرحن. أنْ يُضَفْنَ: إذاً النون هذه نون الإناث، أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر عن المبتدأ.

وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ إضافتهنَّ، يعني: الأسماء السابقة، لا بد من الإضافة. شَرْطُ ذَا الإعْرَابِ: يعني بالأحرف الثلاث في الكلمات الست أن يضفن، لا بد من الإضافة، الإضافة سيأتي بيانها أنها نسبةٌ تقييدية، يعني: يقيد الأول، غلام زيدٍ، غلام هذا إذا أطلقته يحتمل أنه غلام زيد، يحتمل أنه غلام عمرو، يحتمل أنه غلام امرأة هند إلى آخره، فإذا قيدته أضفته حينئذٍ قيدته، ولذلك هذا نوع تقييد، غلام زيدٍ لا غلام غيره، أليس كذلك؟ بخلاف فيما قد يقيد بالنوع وقد يقيد بالشخص، غلام زيدٍ تقييد بالشخص، وغلام امرأةٍ هذا تقييد بالنوع، لماذا؟ لأنك خصصته بكونه غلام امرأة، يعني: ليس غلام رجلٍ، إذاً: خرج كل الرجال، ودخل بقوله: غلام امرأة كل امرأة، حينئذٍ هذا تقييد بالنوع، لا يلزم منه أن يكون غلام هندٍ أو فاطمة أو عائشة، قد يحتاج إلى دليل منفصل، وأما غلام امرأةٍ نقول: هذا تقييد بالنوع، سيأتي في محله. إذاً: لا بد من الإضافة: وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ أنْ يُضَفْنَ لا ... لِلْيَا، يضفنَ: أين الفاعل؟ نون الإناث، أضافَ يُضيفُ إضافةً، قال: يضفنَ إلى كل اسمٍ لا للياء، حذف المتعلَق، ثم عطف (لا): هذه حرف عطف، جاء زيدٌ لا عمروٌ، فقوله: أن يضفن لا للياء، نقول: معطوف، لا معطوف، معطوف على ماذا؟ على متعلَق يضفن المحذوف، والتقدير: أن يضفنَ لأي اسمٍ لا للياء، كل اسمٍ يجوز أن يضاف إلى هذه الأسماء الستة، ونستثني ذو؛ لأن له تفصيلاً خاصاً. أنْ يُضَفْنَ لا لِلْيَا: نقول: معطوف على لا للياء، معطوف على متعلَق يضفنَ المحذوف، والتقدير: أن يضفن لأي اسم لا للياء، وشرط ذا الإعراب أن يضفن لأي اسم لا للياء، أي ياء؟ ياء المتكلم، لم يقيدها ياء المتكلم بخلاف أخي، كما سيأتي، ولم يقيد الياء بياء المتكلم؛ لأن الإضافة لا تكون لياء المخاطبة أصلاً لاختصاصها بالفعل. وَيَا افْعَلِي: هل يحتمل أنها داخلة للياء هنا؟ لا ليست محتملة، لماذا؟ لأن تلك خاصة بالفعل بل هي من علاماته. إذاً: للياء المراد به ياء المتكلم، شرطها الإضافة. ثم الشرط الثاني: ألا تكون الإضافة إلى ياء المتكلم، إذاً: ذكر كم شرط؟ ذكر شرطين، سيأتي في الشرح. كَجَا أخُو أبِيكَ ذَا اعْتِلاَ: كَجَا أخُو (جاء أخو) هذا الأصل أنه مهموز، ولكن قلنا: إذا توالى همزتان حينئذٍ حذف الهمزة الأولى من جاء وهي لام الكلمة لغةٌ لا ضرورةً، كجا، يعني: كقولك: جاء، دخلت الكاف على محذوف، كقولك: جَا أخُو أبِيكَ، أخو .. جا: فعل ماضي مبني على الفتح .. على فتح الهمزة المحذوفة تخفيفاً، أخو: فاعل مرفوع بالواو، لماذا؟ لأنه من الأسماء الستة التي رفعها بالواو نيابةً عن الضمة، أخو: مضاف، وأبي: مضاف إليه، إذاً: وجدت الإضافة لا للياء، ولذلك أعرب أنه مرفوع بالواو، أخو أبيك، إذاً: أضيف، أخو: مضاف، وأبي: مضاف إليه مجرور بالياء نيابةً عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الستة. ووجد الشرط أيضاً: وهو إضافته إلى الكاف، أبي: مضاف مجرور بالياء نيابةً عن الكسرة؛ لأنه من الأسماء الستة، أبي: مضاف، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. إذاً وجد أمران: أخو مضاف، وأبي مضاف إليه، وأبي مضاف والكاف مضاف إليه.

ذَا اعْتِلاَلِ: ذا اعتلالِ، ذا: هذا منصوب على أنه حال، من المضاف لا من المضاف إليه لعدم شرطه، ذا، نقول: حالٌ من المضافِ الذي هو أخو، وهو مضاف، ذَا اعْتِلاَ: حينئذٍ لا يكون من المضاف إليه، لفقد شرطه كما سيأتي في محله، ذا: مضاف، واعتلا .. (اعتلا): مأخوذ من العلو، يعني: صاحب الاعتلاء صاحب العلو والمنزلة، اعتلا .. اعتلاءٌ: حذفت الهمزة للضرورة هنا، بخلاف: جا أخو حذفت لغةً. طيب! ذَا اعْتِلاَ: ذا، نقول: منصوب بالألف؛ لأنه بمعنى: صاحب. منْ ذَاكَ ذُو إنْ صُحْبَةً أَبَانَا: إذاً هو مضاف، واعتلا مضاف إليه، ذا: منصوب بالألف نيابةً عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الستة، وهنا وجد فيه شرط الإضافة لاسم اعتلا لا للياء. لِلْيَا كَجَا أخُو أبِيكَ ذَا اعْتِلاَ: هذا المثال حوى كون المضاف إليه ظاهراً ومضمراً ومعرفةً ونكرة، أين هي .. أين المضاف إليه؟ لأنه قال: أن يضفن لأي اسمٍ .. لكل اسمٍ، هذا يشمل ماذا؟ يشمل النكرة والمعرفة، ويشمل الظاهر والمضمر، لا للياء: استثنى من المضمر الياء، طيب في المثال هنا: جا أخو أبي: هذا اسم ظاهر مضاف إليه، الكاف: مضمر، اعتلا: نكرة وهو ظاهر، إذاً: ضمير وهو الكاف، ومعرفة وهو أبي؛ لأنه أضافه إلى الضمير فاكتسب التعريف، واعتلا: هذا نكرة، وجد فيه الأربعة الأنواع، واضحة عندكم؟ نقول: قوله للياء هنا أطلق: أن يضفن لكل اسم لا للياء، كل اسم: يشمل ماذا؟ أن يكون المضاف إليه نكرة، ومثل له باعتلا، أن يكون معرفةً ومثل له بأبيك، أليس كذلك؟ أبيك؛ لأنه اكتسب التعريف من الكاف، أن يكون ضميراً: وهو الكاف، أن يكون ظاهراً: وهو أبي. إذاً: فدخل أنواع المضاف إليه المغاير للياء، وغير الياء إما ظاهر وإما مضمر، والظاهر إما معرفة وإما نكرة وكلها موجودة في المثال، فلله دره. وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ أَنْ يُضَفْنَ لاَ ... لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ كم بقي من الشروط؟ بقي أن تكون مكبرة، وأن تكون مفردة، هل يمكن أخذها من المثال؟ نعم، يمكن ذلك؛ لأنه قال: أخو، وهذا مفرد ومكبر، وأبي: هذا مفرد ومكبر؛ لأن قاعدة ابن مالك رحمه الله في الألفية: أنه يعطي الحكم بالمثال، هذه قاعدة مطردة عنده رحمه الله: أنه يعطي الحكم الذي يريده بالمثال. أَبٌ أخٌ حَمٌ كَذَاكَ وَهَنُ، هنا لما مثل قال: كَجَا أخُو أبِيكَ حينئذٍ إذا أخذنا هذين الشرطين من المثال نقول: وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا للياء مع ما هن عليه من الإفراد من والتكبير، وهذا شرط دل عليه بالمثال، إذاً: ذكر الشروط الأربعة في هذا البيت.

إذاً نقول: ذكر النحويون .. -قال ابن عقيل-: ذكر النحويون لإعراب هذه الأسماء بالحروف شروطاً أربعة، هذه العامة التي تعم الكل، وثم شروط خاصة، وهي: ذو، أن تكون بمعنى صاحب، والفم حيث الميم منه بان، حينئذٍ لكل من هذين الاسمين شرط خاص به، ذو: أن تكون بمعنى صاحب، وأن تضاف إلى جنس ظاهر كما سيأتي، وفم: شرط لها أن تنفصل عن الميم مع بقية الشروط، فحينئذٍ لـ (ذي) كم شرط؟ ستة شروط، ولـ (فمٍ) خمسة شروط، وما عداها أربعة شروط، إذاً: هذه الأربعة عامة، وأما (لذي وفمٍ) فذو يشترط فيها شرطان عن الأربعة صارت ستة، وفمٌ يشرط فيها انفصال الميم، وهذا شرط خامس فهي خمسة في شأنها. إذاً: هذه الأربعة نقول: هذه شروط للجميع، مع بقية الشروط التي ذكرها في أول الباب، أحدها –أولها-: أن تكون مضافةً، واحترز بالإضافة عما إذا لم تضف، إذا لم تضف حينئذٍ صارت مفردة، النحاة يستعملون المفرد في مقابل المضاف، كما يستعملون المفرد في مقابل المضاف، كما يستعملون المفرد في مقابلة المثنى والجمع، كما سيأتي في باب المبتدأ: وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ. إذاً: المفرد هنا في هذا المقام ألا تضاف، فإن أضيفت جاءت على الشرط، فإن انفصلت عن الإضافة تخلف الشرط، وإذا تخلف الشرط تخلف الحكم وهو جواز الإتمام. أن تكون مضافة: واحترز بها عما إذا لم تضف فإنها تكون منقوصةً معربةً بالحركات الظاهرة، نقول: هذا أبٌ وله أخٌ، وله: هذا جار ومجرور خبر مقدم، أخٌ: مبتدأ مؤخر. ((إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً)) [يوسف:78] .. ((وَبَنَاتُ الأَخِ)) [النساء:23] هذه جاءت مفردة، يعني: غير مضافة فتعرب على الأصل بالحركات الظاهرة، هذا الأصل فيها. وكلها تفرد عن الإضافة إلا (ذو) .. فإنها ملازمة للإضافة، وعليه كما ذكر بعضهم أن هذا الشرط يعتبر لـ (ذو) من باب تحصيل الحاصل، وإذا أردنا أن نقول: من باب تحصيل الحاصل، فنقول: الشروط لـ (ذو) خمسة كما هو الشأن في (فمٍ). إذاً: كلها تفرد إلا (ذو) فإنها ملازمة للإضافة. أن تكون مضافةً، واحترز بذلك من ألا تضاف، سواء كان المضاف مذكوراً أو مقدراً، جاء في لسان العرب: (خَالَطَ مِنْ سَلْمىَ خَيَاشِيمَ وَفَا)، هذا محل إشكال عند النحاة، نحن اشترطنا الإضافة أن يكون مضافاً، أليس كذلك: أن يكون المضاف مذكوراً، طيب سمع: (خَالَطَ مِنْ سَلْمىَ خَيَاشِيمَ وَفَا)،، خالط: فعل ماضي، من سلمى: جار ومجرور متعلق بخالط، خياشيم: هذا مفعول به منصوب، وفا: الواو حرف عطف، وفا هذا معطوف على خياشيم، والمعطوف على المنصوب منصوب، حينئذٍ هنا أعربه بماذا؟ أعربه بالألف نيابةً عن الفتحة. فلو قلنا: شرط الإعراب الإتمام بالألف: أن تكون مضافة انتقض بهذا البيت، قالوا: لا، لا ينتقض، يمكن أن يؤول بأن تكون الإضافة هنا معنوية أو منوية، أن تكون منوية، والتقدير: خالط من سلمى خياشيمها وفاها، فهو مقدر، إذا كان كذلك حينئذٍ نعمم الشرط، فنقول: أن تكون مضافةً سواء كان المضاف إليه مذكوراً أو مقدراً من أجل إدخال هذا النص، وهذا كما ذكرته لكم سابقاً ومراراً: أن الشيء المطرد لا يعترض عليه بمثل هذه المشتبهات، فحينئذٍ لا بد من تأويلها.

إذاً: أن تكون مضافة، سواء كان المضاف مذكوراً في اللفظ وهو الغالب، أو مقدراً وهو قليل: (خَالَطَ مِنْ سَلْمىَ خَيَاشِيمَ وَفَا)،، أي: خياشيمها وفاها، فالمضاف إليه منوي الثبوت فهو كالمذكور صراحةً، ولذلك قال في الأوضح: وأما قوله: (خَالَطَ مِنْ سَلْمىَ خَيَاشِيمَ وَفَا)، شاذ أو الإضافة منوية، إما أنه شاذ، إما أنه شاذ، يعني: ليس على القياس ولا يقاس عليه، يسمع ولا يقاس عليه، خرج عن القواعد، وإما أن الإضافة منوية، هذا إذا أردنا التأويل .. إذا أردنا التأويل فنرده إلى الأصل. إذاً: الشرط الأول أن تكون مضافةً، وقلنا: هذا الشرط في: (ذو)، من باب تحصيل الحاصل أنها ملازمة للإضافة. الشرط الثاني: أن تضاف إلى غير ياء المتكلم، نحو: هذا أبو زيد، وأخوه وحموه، فإن لم يوجد هذا الشرط بأن أضيفت إلى ياء المتكلم حينئذٍ عومل معاملة غلامي، وغلامي: اسم مضاف إلى ياء المتكلم، وكل ما أضيف إلى ياء المتكلم فإعرابه يكون إعراباً تقديرياً، لماذا؟ لأن ياء المتكلم يلزم أن يكون ما قبلها مكسوراً، وهذا الذي اشتبه على بعضهم بأن جعل: غلامي، لا معرباً ولا مبنياً، والصواب: أنه معرب، وأن الإعراب تقديري؛ لأن التركيب الإضافي سابق على العامل، انتبه إلى هذه! سابق على العامل، حينئذٍ سبق التركيب أولاً ثم سلط العامل على المضاف إليه، فحينئذٍ الكسرة الموجودة قبل الياء سابقة، وجدت أولاً، وإذا وجدت أولاً حينئذٍ هي أولى بالمحل، فلا نحذفها ونأتي بما طرأ بعد التركيب. إذاً: إذا أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بحركات مقدرة كسائر الأسماء المضافة للياء، وكلها تضاف للياء إلا ذو كما سيأتي. تقول: هذا أبي، ومثله: ((وَأَخِي هَارُونُ)) [القصص:34] هذا أبي، ذا: مبتدأ، وأبي، نقول: أب خبره مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على آخره، الذي هو الباء منع من ظهروها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جار مضاف إليه، وكذلك: رأيت أبي، الفتحة مقدرة، ومررت بأبي: الكسرة مقدرة. ((إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ)) [ص:23] .. ((إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي)) [المائدة:25] هذا وارد في القرآن أضيفت إلى ياء المتكلم، ورجعت إلى الأصل: وهو إعرابها بالحركات. الثالث: أن تكون مكبرة، يعني: ألا تكون مصغرة، فإن صغرت حينئذٍ رجعت إلى الأصل، ما الدليل على الشرط الأول الثاني والثالث والرابع؟ نقول: الدليل هو السماع، ليس عندنا إلا السماع؛ لأن أب وما عطف عليه خرج عن الأصل، وهو الإعراب بالحركات، وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: ما خرج عن الأصل فالأصل أنه يبقى على ما سمع، فإذا سمع مكبراً معرباً بالحروف مضافاً إلى غير الياء، نقول: هذه شروط فيه، ولا ننفي بعض الشروط ونلحق به ما لم يتوفر فيه الشرط؛ لأنه يصير من باب الاجتهاد، وهل القياس جائز في اللغة أو لا؟ محل خلاف بينهم.

إذاً: أن تكون مكبرة، واحترز بذلك أن تكون مصغرة، حينئذٍ تعرب بالحركات الظاهرة، هذا أُبَيُّ زيدٍ، أُبَيُّ زيدٍ: خبر مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، أُبَيُّ مضاف وزيدٍ مضاف إليه، وذُوَيُّ مال، ورأيت أُبَيَّ زيدٍ، وذُوَيَّ مالٍ، ومررت بِأُبَيِّ زيدٍ، وذُوَيِّ مالٍ، كلها بالكسر الظاهر، أو بالفتحة لظاهرة أو بالضمة الظاهرة، هذا الشرط الثالث. الرابع: أن تكون مفردة، والإفراد هنا مقابل للمثنى والجمع، أن تكون مفردة .. أن ينطق بها مفرداً، يعني: لا مثنى ولا مجموعاً، أبوك أخوك حموك فوك هنوك، مدلولها واحد، فإن ثنيت حينئذٍ خرجت عن هذا الإعراب، وألحقت بالمثنى، يعني: أعربت إعراب المثنى، فيقال: أبوان وأخوان وحموان وهنوان وذوا مال، وفوا الزيدين، يعني: فما الزيدين، فحينئذٍ نقول: إذا ثنيت أعربت إعراب المثنى بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى ..... وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ، هذا إعراب المثنى. فإن كانت غير مثناة بل جمعت، حينئذٍ إن جمعت جمع تكسير ألحقت بجمع التكسير، وهو أنه يعرب بالحركات الظاهرة على آخره، هؤلاء آباء الزيدين، ورأيت آبائهم، ومررت بآبائهم، هذا إذا كانت مجموعةً جمع تكسير، فإن جمعت بواو ونون حينئذٍ صارت ملحقةً، هي شاذ كما سيأتي يعتبر شاذ، كل الملحقات بجمع المذكر السالم يعتبر شاذاً، وبعضه أشذُّ من بعض، ولذلك نص ابن مالك: وَأَرَضُونَ شَذَّ، مع كون الباب كله شاذ، إلا أن بعضه أشذ من بعض كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى. فحينئذٍ: إذا جمعت بواو ونون، نقول: ألحقت بجمع المذكر السالم فترفع بالواو، وتنصب وتجر بالياء، قال ابن هشام: لم يجمع منها جمع تصحيح إلا الأب والأخ والحم ثلاث، يعني: ليست كلها، لم يجمع جمع تصحيح بواو ونون كمسلمين إلا ثلاثة على ما أثبته ابن هشام، (الأب الأخ والحم)، أبونا أخونا حمونا، لا يصح أن يقال: هنونا، ولا فونا؛ لأنه لم يسمع على رأي ابن هشام رحمه الله تعالى. فظاهره سماع هذا الجمع في الحم، قال ابن مالك رحمه الله: ولو قيل في حم حمون لم يمتنع، لكن لا أعلم أنه سمع نفى ما أثبته ابن هشام رحمه الله تعالى، ابن هشام أثبت أنه سمع في حم: حمون، وابن مالك يقول: لا أعلم أنه سمع، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. قال أبو حيان: ينبغي أن يمتنع؛ لأن القياس يأباه؛ لأنه جوزه ابن مالك قياساً لا سماعاً، وابن هشام الظاهر أنه سمع، ظاهر عبارته؛ لأنه قال: لم يجمع منها جمع تصحيح، يعني: لم يجمع العرب جمع تصحيح إلا هذه الثلاثة: أب أخ حم، وابن مالك يقول: لا يمتنع قياساً لكني لا أعلم أنه سمع في الحم، قال أبو حيان وهو يتتبع ابن مالك رحمه الله: ينبغي أن يمنع؛ لأن القياس يأباه. وحكا بعضهم سماع هنون كذلك، يعني: نطقت العرب بهذا، وذوون، وعن ثعلب أنه يقال في فم: فون وفين، فون: يعني جمع بواو ونون، وفين بالكسر، قال أبو حيان: وهذا في غاية الغرابة، الذين جمعوا فون وفين.

على كلٍ: إن سمع فالأصل السماع، والقياس ممتنع، لماذا؟ لأن ما خرج عن القياس غيره عليه لا يقاس، خرج عن القياس ما هو؟ نقول: جمع هذه الأسماء الستة بواو ونون هذا شاذ، معنى شاذ: أنه خرج عن القياس، إذاً: إذا سمع في الثلاث، نقول: هذا شاذ خارج عن القياس، غيره الذي لم يسمع عليه لا يقاس، فالقياس ممتنع هنا، هذا واضح بين، وهذا يذكره الأصوليون. إذاً: ما سمع فيه بقينا على السماع، وما لا فلا. إذاً: أن تكون مفردةً، فحينئذٍ نقول: إذا ثنيت ألحقت بالمثنى، يعني: أعربت إعراب المثنى، وإذا جمع جمع تكسير، حينئذٍ ألحقت بجمع التكسير فأعربت إعراباً ظاهراً بالحركات الظاهرة، وإذا جمع أو سمع منها ما جمع بواو ونون فهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، وإعرابه يكون بإعراب جمع المذكر السالم. ابن عقيل يقول: ولم يذكر المصنف من هذه الأربعة سوى الشرطين الأولين؛ لأنه قال: وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ أنْ يُضَفْنَ لا لِلْيَا .. ذكر شرطين: الإضافة، وأن تكون الإضافة لغير ياء المتكلم، والصواب: أنه ذكر شرطين نصاً، وذكر شرطين ضمناً ودلالةً، للقاعدة: أن ابن مالك إذا أراد الحكم مثل له، أنه يعطي الأحكام بالأمثلة، بل قد يعرف: مُبْتَدَأ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ عرف المبتدأ والخبر بالمثال، وإن أكد الخبر كما سيأتي: وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ .. مع كونه نص عليه أولاً لكن بالمثال، وكما قال سيبويه: الاسم كزيد، والفعل كقام، والحرف كإلى، حينئذٍ نأخذ من هذا المثال الأحكام. ثم أشار إليهما بقوله: وَشَرْطُ ذَا الإعْرَابِ أنْ يُضَفْنَ لا لِلْيَا .. أي: شرط إعراب هذه الأسماء بالحروف: أن تضاف إلى غير ياء المتكلم، فعلم من هذا أنه لا بد من إضافتها، وأنه لا بد أن تكون إضافتها إلى غير ياء المتكلم، ويمكن أن يفهم الشرطان الأخران لا بل يفهم، لا نقول: يمكن أن يفهم، لا بل يفهم؛ لأنه بالاستقراء هو يريد هذا رحمه الله؛ وذلك أن الضمير في قوله: يضفن، راجع إلى الأسماء التي سبق ذكرها، والأولى أن يرجع إلى المثال، يعني: قوله هنا الاستدلال بكونه ذكرها مكبرةً، نقول: هو ذكرها مكبرةً ليست مضافةً وليست معربةً بواو ونون، أب أخ حم، هذه مكبرة، لكن بالمثال كجا أخو أبيك، هذا تطبيق، فهو أولى أن يجعل مصدراً للحكم من قوله: أبٌ أخٌ حمٌ كذاك وهنٌ. إذاً: الشرطان اللذان نص المصنف الشارح هنا أنه لم يذكرها ابن مالك، هو أراد أن يحشرها معها بالتضمين، بالدلالة أو الفهم، لكنه أخذها من قوله: أبٌ أخٌ، ولذلك قال: يمكن أن يفهم الشرطان الآخران من كلامه؛ وذلك أن الضمير في قوله: يضفن، راجع إلى الأسماء التي سبق ذكرها، وهو لم يذكرها إلا مفردةً مكبرة، لكن مفردةً مكبرةً غير مضافة، ولما ذكر المثال هو آكد لتطبيق الشروط كلها، فأخذ الحكم منه أولى.

ثم ما تضاف إليه (ذو) هذا ينبغي الوقوف معه، ذو: قلنا ملازمة للإضافة، ولا تضاف لياء المتكلم البتة، إذاً: ملازمة للإضافة، لا تستعمل إلا مضافةً، ولا تضاف إلى مضمرٍ، قال في القاموس: ذو كلمة صيغت ليتوصل بها إلى الوصف بالأجناس، (ذو): كلمة صيغت، يعني: وضعت في لسان العرب لفائدة، لماذا؟ ليتوصل بها، إذاً: ليست مقصودةً لذاتها، وإنما هي توصيلة، ووصلة لأي شيء؟ إلى الوصف بالأجناس، فالعرب أرادوا أن يصفوا بأسماء الأجناس، واسم الجنس: هو ما دل على معنىً كلي، سواء كان معرفاً بأل أو منكراً، المراد به ما يدل على الحقائق الذهنية يعني: الصورة التي تكون في الذهن كعلم ومال وجاه ونحو ذلك وفضل، نقول: هذه الألفاظ تدل على المعاني الكلية التي تعقل في الذهن، وهو أشبه ما يكون بالمصدر، فأسماء الأجناس مصادر، أو العكس: المصادر في الحقيقة اسم جنس. أرادوا أن يصفوا بأسماء الأجناس، يعني: أن ينعتوا الأسماء باسم الجنس، لكن هذا ممتنع، لا يقال: جاء محمد مالٌ! يمتنع أن يوصف بمال وهو اسم جنس محمد، ولا يقال: جاء محمد علمٌ .. ولا جاء محمد عدلٌ ولا فضلٌ، هذه كلها ممتنع، إذاً: نريد أن نجعل واسطة كلمة، نتمكن بها أن نصف بما امتنع وصفه مباشرةً ليوصف به، فلما امتنع أن يقال: جاء زيد عدلٌ أو فضلٌ، قالوا: نريد واسطةً، ولذلك قال هنا: (ذو): كلمة صيغت ليتوصل بها إلى الوصف بالأجناس، فلما أرادوا أن يصفوا بأسماء الأجناس، أي: يجعلوها صفات لم يتيسر لهم ذلك؛ لأن القاعدة: أن النعت لا يكون إلا بمشتق أو ما هو في قوة المشتق، وسيأتينا: وَانْعَتْ بِمُشْتَقَ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ .. لا بد أن يكون مشتقاً أو ما هو في قوة المشتق، وأسماء الأجناس جامدة ليست بمشتقة، نريد أن نعمم الفائدة فنصف الموصوفات بأسماء الأجناس، فلما تعذر أن نجعل أسماء الأجناس مباشرةً صفةً لموصوفاتها جئنا بهذه الواسطة، هذه وظيفة: (ذو)، يلزم من هذا حتى نقرر القاعدة: أن .. إذا كانت (ذو) واسطةً حينئذٍ ما وصف به مباشرةً .. جاز وصفه يمتنع إضافته إلى (ذو)، أليس كذلك؟ جاء زيد العالم، هذا مشتق، إذاً: لا يصح أن تضاف (ذو) إلى المشتق؛ لأن ذو إنما وضعت في لسان العرب من أجل أن يتوصل بما امتنع أن يوصف به مباشرةً ويلحق بالموصوف. إذاً: ما أمكن أن يأتي مباشرةً ممنوع أن يضاف إلى ذو وهو العلم، جاء رجل يضحك .. رجل: هذا فاعل، ويضحك: الجملة صفة، إذاً: نُعت بالجملة مباشرةً، أمكن أو لا؟ أمكن، إذاً: الجملة لما أمكن أن يوصف بها الموصوف مباشرةً، إذاً: لا يمتنع أن يوصف بالجمل، بل هي بعد النكرات صفات، وهي قاعدة مطردة. حينئذٍ لا يجوز أن تضاف (ذو) إلى الجمل؛ لأن (ذو) إنما صيغت في لسان العرب ليتوصل بها إلى أن ينعت بما بعدها ما قبلها مما امتنع دون (ذو) فما أمكن أن يوصف به مباشرةً كالعلم والجملة امتنع، هذا واحد. ثم ما امتنع أن يوصف به مباشرةً، سيأتينا في المعارف: أن منها ما ينعت وينعت به. وأن منها ما ينعت ولا ينعت به. وأن منها ينعت به ولا ينعت.

الضمير هل يصح أن يكون وصفاً؟ لا ينعت به ولا ينعت، الضمير لا يصح أن يوصف به، إذاً: لا يصح إضافة (ذو) إلى الضمير، وشذ قوله: إنما يَعْرِفُ ذا الفضل من الناس ذَوُوهُ .. هذا شاذ من وجهين: أولاً: جمع (ذو) جمع تصحيح، وهو شاذ، ثانياً: أضافه إلى الضمير، لماذا شذ إضافة (ذو) إلى الضمير؟ لأن الضمير دون واسطة (ذو) يمتنع لذاته أن يوصف به، حينئذٍ لا يجوز أن يضاف إلى (ذو). زيد: علم، هل يصح أن ينعت بالأعلام؟ جاء زيدٌ الفاضلُ، زيد: علم، الفاضل: نعته، لكن هل يصح أن ينعت بالعلم؟ جاء الفاضل زيدٌ، التركيب صحيح أو لا؟ جاء زيد الفاضل، هذا نعت، جاء الفاضل زيد، يصح أو لا .. التركيب صحيح أو لا؟ يصح، التركيب صحيح، لكن هل يصح أن نعرب زيد على أنه نعت للعالم، أو الفاضل؟ لا، لماذا؟ لأنه لا ينعت بالأعلام، لماذا لا ينعت بالأعلام؟ لأنه ليس مشتقاً ولا مؤولاً بالمشتق، هو جامد، ولذلك لما كانت أعلام الرب جل وعلا أوصافاً في المعنى صح أن ينعت بها، كما ذكرناه في البسملة، ولذلك الرحيم، بسم اللهِ الرحْمَنِ، نقول: هذا نعت للفظ الجلالة. كيف ينعت به، والقاعدة: أنه لا ينعت بالأعلام؟ وهذه مطردة حتى في أسماء الله عز وجل، لكن لما كانت أسماء الرب جل وعلا لها جهتان: هي أعلام وأوصاف، من حيث كونها علماً لا يجوز النعت بها، ومن حيث كونها وصفاً جاز النعت بها. وأما زيد: هذا جامد، لا يدل على معنى، الرحمن: يدل على أنه متصف بالرحمة، وأما زيد: هذا جامد، حينئذٍ لا يصح أن ينعت به. إذاً: لا يصح أن يضاف (ذو) إلى زيد، «أنا الله ذو بكةَ» .. قالوا: هذا نادر أو شاذ، ذو بكة، يعني: صاحب مكة، «أنا الله ذو بكة»، هذا علم، أضيفت (ذو) إليه، حينئذٍ نقول: هذا شاذ. إذاً الخلاصة: أن (ذو) لا تستعمل إلا مضافةً، هذا أولاً، ثانياً: لا تضاف إلى الضمير، ثالثاً: أن المضاف إليه يتعين أن يكون اسم جنسٍ ظاهرٍ غيرِ صفة، اسم جنس، يعني: لا يكون ضميراً، غيرَ صفةٍ: هذا احترازاً من المشتق، يعني: لا تضاف إلى المشتق، ولما عرفنا العلة من وضع (ذي) في لسان العرب، وأنها وُصْلَةٌ حينئذٍ امتنع إضافتها إلى أربعة أشياء، لا تضاف إليها البتة، وهي: العلم، والضمير، والجملة، والمشتق، إذاً: لا تضاف إلى هذه الأربعة الأشياء. وأما قول الشاعر: إنما يَعْرِفُ ذا الفضل من الناس ذَوُوهُ ... فهذا شاذ من وجهين، وأما قوله: اذْهَبْ بِذي تَسْلَمْ .. اذهب بذي أي: في وقت صاحب سلامة، تسلمُ: هذا جملة فعلية، بذي تسلم .. في ذي تسلم، يعني: في وقت صاحب، فذي: صفة لموصوف محذوف، اذهب بذي تسلم، يعني: في وقت صاحب سلامة، حينئذٍ أضيفت (ذو) إلى الجملة، نقول: هذا شاذ أو نادر. وإضافتها للعلم كذلك: أن الله ذو بكة، نقول: هذا شاذ ولا يقاس عليه. إذاً: لا تضاف (ذو) إلا إلى اسم جنس ظاهرٍ، يعني: لا مضمر، غير صفة.

اسم الجنس: ما وضع لمعنىً كلي، معرفاً كان أو منكراً، أي: للصورة الذهنية العامة، والصفة هنا التي نفيت -غير صفة-، المراد به المشتق؛ لأن المشتق يدل على ذات ومعنى، لا المعنى القائم بالموصوف؛ لأن العِلْم هو في نفسه صفة، إذا قيل: جاء زيدٌ ذو علم، أو: رأيت رجلاً ذا علم، علم نقول: صفة أو لا؟ هو صفة، تقوم بموصوفها؛ لأن العلم عرض لا يورد إلا في محل لا بد، فحينئذٍ ما الفرق بين عِلم وعالم؟ نقول: العالم هذا صفةٌ باعتبار اصطلاح النحاة أو الصرفيين ... يعني: لفظ مشتق دل على ذات متصفة بمعنىً وهو العلم. وأما لفظ علم من حيث هو، نقول: هذا صفة كذلك، لكنه ليس هو الصفة التي يعنيها النحاة، فإنما يعنون بالصفات المشتقات، وإذا أطلقوا الصفة انصرف إلى ذلك المعنى. وخرج باشتراط اسم الجنس: العلم والجملة، ولا يقال: أنت ذو محمد، أو ذو تقوم، وباشتراط الظاهر خرج الضمير الراجع إلى بعض الأجناس، فلا يقال: الفضل ذوه أنت، واشتراط غير الصفة: الصفة، فلا يقال: أنت ذو فاضل، إذاً: (ذو) صلةٌ للوصف، والضمير والعلم لا يوصف بهما، والمشتق غني عنها؛ بصلاحيته بنفسه للوصف وكذا الجملة، هذا ما يتعلق بـ: (ذي). وَشَرْطُ ذَا الإِعْرَابِ أَنْ يُضَفْنَ لاَ ... لِلْيَا كَجَا أَخُو أَبِيكَ ذَا اعْتِلاَ إذاً: أربعة شروط عامة، ويزاد عليها في: (ذي) أن تكون بمعنى: صاحب، وأن تضاف إلى اسم جنس ظاهر غير صفةٍ، ويشترط في: (الفم) أن يكون منفصلاً عن الميم، هذا ما يتعلق بالباب الأول من أبواب النيابة، وهو الأسماء الستة المعتلة المضافة: أنها ترفع بالواو نيابةً عن الضمة، وتنصب بالألف نيابةً عن الفتحة، وتجر بالياء نيابةً عن الكسرة. ثم قال رحمه الله تعالى: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى وَكِلاَ ... إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ هذا هو الباب الثاني: وهو باب المثنى. والمثنى: هذا اسم مفعول، ثُنّيَ يُثَنّى فهو مُثَنّى، ويطلق النحاة عبارتين: التثنية، والمثنى، وهذه يطلقها كثير ابن آجروم: التثنية، حينئذٍ يكون من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، أو: من إطلاق المصدر وإرادة أثره؛ لأن التثنية فعل الفاعل، كالتكليم والتلفظ، نقول: فعل الفاعل، يعني: المصدر مراداً به أثره. وحقيقتها عند النحاة، -التثنية-: جعل الاسم الواحد دليلاً على اثنين بزيادة في آخره، فعلك أنت كونك تأتي إلى زيد، وتأتي إلى زيد، وتجمع بينهما في لفظ واحد، وتلحقهما ألفاً ونوناً في حالة الرفع، وياءً ونواناً في حالتي النصب والجر، فعلك أنت، هذا يسمى: تثنيةً. والذي صار أثراً لهذه التثنية لاسم الزيدان هذا مُثَنّى، إذاً: المثنى يصدق على ماذا؟ يصدق على الألفاظ، والتثنية: هذا معنىً من المعاني، ففرق بينهما، المُثَنّى: الزيدان .. المسلمان هذا مُثَنّى، تقول: هذا مُثَنّى، إذاً: مسماه لفظ، وقد سبق معنا: أن اللفظ قد يكون مسماه لفظ الآخر، ومثله المثنى الذي ذكرناه. إذاً التثنية: هي جعل الاسم الواحد دليلاً على اثنين بزيادة في آخره، وأما المُثَنّى: فله معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي:

أما معناه اللغوي: فهو ما دل على اثنين، كل ما دل على اثنين فهو مثنى، زوج وشفع، والزيدان، واثنان، وكلا، وكلتا، كل هذه مُثَنّىً في لغة العرب، فهو عام يشمل هذا وذاك. وأما في اصطلاح النحاة: فهو أخص، إذ دائماً العلاقة بين المعاني اللغوية والمعاني الاصطلاحية لا التباين، ليست متباينة، بل هو المعنى نفسه في لسان العرب، ولكن خُصَّ ببعض أفراده، وهو ما يسمى: بالحقيقة العرفية، العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق: كل مُثَنّىً اصطلاحاً فهو مُثَنّىً لغةً من غير عكس. حقيقته عند النحاة: ما دل على اثنين بزيادة في آخره، صالح للتجريد وعطف مثله عليه، (ما) اسم موصول بمعنى: الذي، نفسره بماذا؟ اسم معرب لا نقل: لفظ، وحينئذٍ يدخل معنا الكلام والجملة والكَلِم؛ لأن اللفظ عام، لا نقل: كلمةٌ، فيدخل معنا الاسم والفعل والحرف، ولا نقل: اسم فيدخل معنا المبني؛ لأن الكلام الآن في ماذا؟ الكلام في المعربات، والعناوين معتبرة في الحدود والأحكام التي تذكر تحتها، ماذا نقول نحن؟ إذاً: (ما) هذه نقول: اسم معرب، إذاً: اسم موصول بمعنى: الذي، هو مبهم، بماذا يفسر؟ يفسر باسم معربٍ .. اسم لا فعلٍ ولا حرفٍ، معربٍ لا مبني، فالمبني هنا ليس بداخل. ما دل على اثنين: (ما) قلنا: اسم معرب فهو جنس، دخل فيه كل ما يدل على اثنين، لكن بشرط أن يكون اسماً معرباً. دل على اثنين: خرج به ما دل على واحد؛ لأن اسم معرب يشمل ما دل على اثنين، وما دل على واحد، وما دل على أكثر من اثنين، أليس كذلك؟ (ما) اسم معربٌ دخل فيه ما دل على اثنين، ودخل فيه ما دل على واحد، ودخل فيه ما دل على الجمع، إذاً: نحتاج أن نخرج ما دل على الواحد، وما دل على أكثر من اثنين، حينئذٍ قلنا: ما دل على اثنين. وللفائدة: الأفعال الداخلة في الحدود منزوعة الزمن (دل) متى؟ في الماضي مثل: قام زيد، نقول: لا، ليس هذا المراد، إنما (ما) يعني: اسم معرب ذو دلالة على اثنين؛ لأن الدلالة على اثنين لو كانت في الزمن الماضي الآن منتفية، وفي المستقبل منتفية، فارتفع المثنى من أصله؛ لأنه انقطع، كان في لسان العرب قديم، دل على اثنين، والآن لا يدل على اثنين، هذا إذا اعتبرنا الزمن في الأفعال الداخلة والحدود، قد نص بعضهم .. بعض المحشين على أن الأفعال الداخلة في الحدود منزوعة الزمن، وهذا قد يراد: ((وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [النساء:96] كان: فعل ماضي، كان متى؟ نقول: ماضي لفظاً ومعنىً، أو ماضٍ لفظاً لا معنىً؟ الثاني، ثم الثاني: هل هو يفسر بالحال أو بالإطلاق؟ يفسر بالإطلاق؛ لأن الله موصوف صفوة أزلية لا أول لها ولا آخر، فحينئذٍ نقول: هو موصوف بكونه غفوراً رحيماً، فـ (كان) هذه نعبر عنها بكونها منزوعة الزمن، دائماً القرآن كله من أوله إلى آخره، وكان وكان .. نقول: منزوعة الزمن.

وحينئذٍ في مثل هذا التركيب نقول: تدل على الاستمرار، وهذه مسألة أصولية هناك عندهم، هل (كان) من صيغ العموم أو لا؟ {كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث} (كان) هنا في الماضي، ثم الآن لم يقل: أو أنها تدل على الاستمرار؟ محل خلاف بين الأصوليين، والصحيح: أنها تدل في مثل هذه التراكيب على الاستمرار، مدة دخوله، كلما دخل إلى الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث الخبائث. إذاً: (كان) هنا في هذه التراكيب نقول: منزوعة الزمن، كذلك دل في الحد هنا منزوع الزمن. حينئذٍ (ما) اسم معرب ذو دلالة، إذاً: ما دل على اثنين خرج به ما دل على واحدٍ، وفيه زيادة المثنى، سكْرَاَن على وزن فَعْلَاَن، هذا مثل زيدان أو مسلمان، في اللفظ مثل زيدان، والألف والنون زائدة؛ لأن وزنه فعلان، سكران مدلوله واحد أو اثنان؟ واحد، إذاً: ما دل على اثنين أخرج ما كان في ظاهره زيادة المثنى ومدلوله واحد: عثمان .. فعلان، الألف والنون زائدة، حينئذٍ مدلوله واحد سواء كان من الأعلام أو من الأوصاف، فما دل على واحدٍ وفيه زيادة المثنى نقول: ليس بمثنى، كذلك: ما دل على أكثر من اثنين، ما دل على اثنين: أخرج ما دل على واحد، وأخرج ما دل على أكثر من اثنين، غلمان، أصلها: غلام، الألف والنون زائدة أو لا؟ زائدة، إذاً: فيه زيادةٌ كزيادة الألف والنون، لكن مدلولها أكثر من اثنين فليس بمثنى. وكذلك المثنى المسمى به، لو سمي شخص: الزيدان، يسمى: زيدان، أليس كذلك؟ فإذا سمي به بالمثنى زيدان مدلوله واحد أو أكثر؟ واحد، ما دل على اثنين أخرج ما سمي به من المثنى! قوله: بزيادة في آخره: هذا أخرج ما دل على اثنين لا بزيادةٍ، وإنما وضع في لسان العرب هكذا مثل ماذا؟ (زوج، وشفع) هذا دل على اثنين لكنه لا بزيادةٍ، والمثنى الذي معنا اصطلاحاً هو ما دل على اثنين بسبب زيادةٍ في آخره، وهذه الزيادة ألف ونون في حالة الرفع، وياء ونون في حالتي النصب والجر. إذاً: (بزيادة) الباء للسببية، وهو متعلق بقوله: دل، يعني الدلالة حاصلةٌ بأي شيء على الاثنين، بسبب زيادة ألف ونون إلى آخره، صالح للتجريد بزيادة في آخره، إذاً: خرج زوجٌ وشفع وكلا، كلا هذه دلت على اثنين وضعاً، والألف هذه أصلية؛ لأن أصل وضع الاسم على ثلاثة أحرف، ثم اختلفوا: هل هذه الألف منقلبة عن واو أو ياء على خلاف طويل، إذاً: (كلا) نقول: دل على اثنين وهو وضعاً ليس بزيادة في آخره. صالح للتجريد: التجريد من ماذا؟ من الزيادة التي بواسطتها دل على اثنين، خرج اثنان واثنتان، اثنان واثنتان فيهما زيادةٌ، لكن لا يقال: اثنٌ واثنةٌ بنقص الألف والنون، مع كون الألف والنون زائدتين، صالح للتجريد: خرج به ما لا يصلح للتجريد، يعني: نزع الزيادة.

وعطف مثله عليه: خرج ماذا؟ ما صلح للتجريد، لكن لا يعطف عليه مثله، وإنما مغاير له، مثل ماذا؟ قمران، قمر وقمر ليس عندنا قمر ثاني إلا مجازاً، أما حقيقةً ليس عندنا قمران ولا شمسان، فنقول: قمران، هذا ملحق بالمثنى وليس بمثنى؛ لأنه من باب التغليب، إذاً: هو دل على اثنين وبزيادة في آخره، وصالح للتجريد قمر، وعطف مغاير له عليه لا مثله، فحينئذٍ نقول: قمرٌ وشمسٌ، من باب التغليب، إذاً: عطف عليه مغاير له، والشرط في المثنى: أن يكون مغايراً للمعطوف عليه، وهذا ينطبق على الزيدان، زيدان، أصله: زيد وزيد، جاء زيد وزيد، هذا أصل التركيب. وقاعدة العرب الاختصار، وما وضع الضمير ولا المثنى ولا الجمع إلا من أجل الاختصار في لسان العرب، والسيوطي له كلام في هذه القاعدة جيد في: الأشباه والنظائر، وله أمثلة كثيرة جداً، الاختصار .. أصل الكلام تقول: جاء زيد وزيد، كلما رأيت اثنين جاء زيد وزيد، راح محمد ومحمد، لكن اختصاراً تقول: جاء محمدان، هذا اختصار، والجمع مثله إذا كانوا عشرة جاء زيد وزيد .. كلما تريد أن تذكر العشرة تقول: جاء زيد وزيد إلى آخره! لكن إذا اختصرت تقول: جاء الزيدون، هذا من باب الاختصار، وإلا الأصل أن يعطف كل واحد من آحاده على نظيره، ولكن القاعدة التي ذكرناها. إذاً: ينطبق على الزيدان: زيد وزيد، الزيدان: اسم معرب دل على اثنين بزيادةٍ في آخره، وهي الألف والنون وصالح للتجريد بأن يقال: زيد وعطف مثله عليه: زيد وزيد، وأما: زوج وشفع وكلا وكلتا واثنان واثنتان، وما سمي به منه، فهذا ليس بمثنى. وعلى جهة التأصيل والتقعيد نقول: ليس من المثنى ستة أمور: أولاً: ما يدل على مفرد كسكران وعثمان، هذا دل على مفرد. ثانياً: ما يدل على أكثر من اثنين، كالجمع واسم الجمع. ثالثاً: ما يدل على اثنين، ولكنهما مختلفان في لفظيهما مثل الأبوين، للأب والأم، هذا ليس بمثنى. أو مختلفان في حركات أحرفهما كالعمرين لعمر وعمرو، هذا لم يعطف عليه مثله، لا بد أن يكون ثم اتحاد في الحركات، أو مختلفان في المعنى دون الحروف كالعينين: عين باصرة وعين جاسوس، تقول: عندي عينان، هذا سيأتي معنا: أنه هل يثنى اللفظ المشترك أم لا؟ الجمهور على المنع، ومثله المجاز، عندك أسد حقيقي وأسد شجاع رجل، تقول: عندي أسدان، يصح أو لا يصح؟ الجمهور على المنع، لماذا؟ لأن أسد الذي هو مجاز على الرجل الشجاع مغاير في المعنى، على الأسد الذي هو الحيوان المفترس، إذاً: كالعينين، نقول: هذا ملحق بالمثنى. رابعاً: ما يدل على اثنين متفقين في المعنى والحروف وحركاتها، ولكن من طريق العطف بالواو لا من طريق الزيادة، تقول: أضاء نجمٌ ونجمٌ، لو قال قائل: جاء زيد وزيد، يمنع؟ كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ يصدق عليه؟ يصدق عليه، إذاً: لا يمنع، لكن إذا قال: جاء زيدٌ وزيدٌ، وأضاء نجمٌ ونجمٌ، هل نقول: نجمٌ ونجمٌ مثنى؟ الجواب: لا؛ لأنه عطف عليه مثله صراحةً، والأصل في الزيدان أن يعطف عليه ضمناً، يعني: هذا في قوة زيد وزيد، أخرج الصريح جاء زيد وزيد، فرق بين الضمن والصريح. خامساً: ما يدل على اثنين ولكن من طريق الوضع اللغوي، كالزوج وشفع وكلا.

سادساً: ما يدل على اثنين وفي آخره زيادةٌ ولكنها لا تغني عن العاطف والمعطوف، مثل كلتا واثنتان واثنتان، وليس من المثنى، بل هو ملحق بالمثنى. عرفنا المثنى حقيقته له شروط، وهي ثمانية: شرطُ المثنى أن يكون مُعَربا موافقًا فى اللفظ والمعنى، له ولم يكن كُلا ولا بعضا ولا ... ومفردًا، منكرًا، ما رُكبّا مماثلٌ، لم يُغنِ عنه غيرهُ مستغرقا في النفي نِلْتَ الأمَلا هذه ثمانية شروط، إن وجدنا وقتاً شرحناها، لكن المراد: أن المثنى ما دل على اثنين إلى آخر الحد، ما حكمه؟ قال: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى وَكِلا .. بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى، إلى هنا، فالمثنى قسمان: مثنىً حقيقي، ومثنىً حكمي ليس بحقيقي. المثنى الحقيقي: هو الذي صدق عليه الحد ووجدت فيه الشروط التي نظمها الناظم: شرط المثنى إلى آخره، هذا المثنى الحقيقي. والمثنى الحكمي هو الملحق بالمثنى، وهو أربعة ذكرها الناظم: كلا وكلتا واثنان واثنتان، ونزيد عليه خامساً: وهو المسمى به، فهي خمسة محصورة، وأما المثنى الحقيقي فهو ما وجد فيه الحد. قال: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى .. ارفع المثنى بالألف، وهنا قدم الجار والمجرور للحصر أو للاهتمام؟ الثاني، ليس ثم حصر، بالألف، يعني: بمسمى الألف، لماذا نقدر بمسمى الألف؟ لأن الألف نفسها اسم، ونحن نعرب المثنى بالحرف أو بالاسم؟ بالحرف، فنقول: ناب حرفٌ عن حركة، وهنا نابت الألف عن الضمة، بالألف، أي: بمسمى الألف، ارفع رفعاً مصوَّراً بمسمى الألف، فالباء للتصوير؛ لأن الألف هي عين الرفع، والرفع هو عين الألف، هذا على مذهب البصريين: أن الإعراب لفظي فهو عينه لا غيره، بمعنى: أنه يدل عليه، بل الصواب أنه عينه. بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى، أي: المثنى الحقيقي، ثم شرع في ذكر بعض ما حمل على المثنى، قال رجلان مثال لما سبق، بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى: قال رجلان، (قال) فعل ماضي، ورجلان: هذا مثنىً، ما الدليل على أنه مثنى؟ لأنه دل على اثنين بزيادة في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه، هذا أعلى ما يستدل به على إثبات أنه مثنى، إذاً مثنى رجلان مثنى، يرفع بالألف. (قال) فعل ماضي يطلب فاعلاً، والفاعل مرفوع، ورجلان وقع موقع الفاعل فهو مرفوع، ورفعه هنا بالألف، يعني: بمسمى الألف، ورجلان فاعل مرفوع بقال، ورفعه ألف نيابةً عن الضمة؛ لأنه مثنى، والنون عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد على المشهور ويأتي هذا بحثه. وَكِلا إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، وكلا: هذا شروع في ذكر الملحقات، الملحقات التي هي لم يصدق عليها حد المثنى، حينئذٍ نقول: هذا ملحق، نحن لما عرفنا المثنى، قلنا: ما دل على اثنين بزيادةٍ في آخره، قلنا: دل على اثنين: أدخل نحو (كلا)، أليس كذلك؟ أدخل (كلا)؛ لأنه في لسان العرب هو في اللفظ مفرد عند البصريين، (كلا) اسم مفرد يطلق على اثنين مذكرين، ضد: (كلتا) لكنه في نفسه اسم مفرد يطلق على المذكر، فإذا قلنا: ما دل على اثنين دخل فيه: (كلا) بزيادةٍ خرج، إذاً: خرج عن الحد، لا يصدق عليه أنه مثنى، وحينئذٍ كيف نعربه بالألف؟ نقول: هو ملحق .. هو ليس بمثنىً حقيقةً، وإنما هو ملحق، لماذا ألحق؟ سماعاً .. أحسنت

فحينئذٍ المثنى الحقيقي هذا من حيث الحد سماعي، ومن حيث الآحاد قياسي، يعني: أفراده -المثنى الحقيقي-، لذلك ما ذكر له أمثلة: بالألف ارفع المثنى كثير هذا، لك أن تولد ما تشاء من الكلمات؛ لأنه غير مقصور على السماع، وأما الملحق الذي لم يصدق عليه حد المثنى حينئذٍ نكتفي بالسماع. ولذلك نقول: هي خمسة، ولا يجوز نحواً أن تزيد عليه سادسة، إلا إذا سمع أو ما اختلف فيه، أما أن تولد ذهن من عندك هكذا، تقول: هذا ملحق بالمثنى لا، هذا ممنوع، لماذا؟ لأنه خارج عن القياس، وما خرج عن القياس غيره عليه لا يقاس. إذاً: (كلا) نقول: هذا ملحق بالمثنى، وهو اسم مفرد عند البصريين يطلق على اثنين مذكرين، وهو المثنى المعنوي، لكن هل يرفع بالألف مطلقاً؟ إذا قيل: و (كلا) هنا ما إعرابه؟ معطوف على المثنى، حينئذٍ يكون التقدير ماذا؟ ارفع المثنى بالألف، وارفع (كلا) بالألف كذلك، لكن قيده المصنف، ليس مطلقاً؛ لأن (كلا) له حالان: قد يضاف إلى الضمير، وقد يضاف إلى اسم ظاهر، هو ملازم للإضافة سيأتي معنا .. ملازم للإضافة سيأتي في باب الإضافة. إذا كان ملازماً للإضافة إلى المفرد: إما أن يكون هذا المفرد اسماً ظاهراً، وإما أن يكون ضميراً، المصنف قيد على اللغة المشهورة: أنه لا يلحق بالمثنى إلا في حالة واحدة على المشهور، وهي: أنه إذا أضيف إلى الضمير، ولذلك قال: (إذا) ظرف مستقبل لما يستقبل من الزمان مضمن معنى الشرط، إذاً: هذا شرط، كما قال هناك: إنْ صُحْبَةً أَبَانَا، هنا قال: إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، يعني: بهذا الشرط ارفع (كلا) بالألف، مفهومه .. مفهوم المخالفة: إذا لم يكن وُصل بمضمرٍ لا ترفعه بالألف، إذاً: هذا قيد للإدخال والإخراج، للإدخال بالمنطوق وللإخراج بالمفهوم؛ لأنه معتبر، إِذَا بِمُضَمَرٍ أخرج ماذا؟ أخرج الظاهر، أخرج الظاهر بالمنطوق أو بالمفهوم؟ بالمفهوم، إِذَا بِمُضَمَرٍ، بمضمر: هذا جار ومجرور متعلق بوُصِلاَ مقدرةً؛ لأن (إذا) مضمن معنى الشرط، والقاعدة عند جماهير النحاة: أن أدوات الشرط لا يليها إلا فعلٌ ظاهراً كان أو مقدراً. ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) [التكوير:1] إذا كورت الشمس كورت، الشمس: هنا جوز بعضهم أن تكون مبتدأ، وهو مذهب الفارسي، لكنه ضعيف كما سيأتي في محله. ولذلك يكاد يكون إجماع، بل حكي الإجماع بين البصريين الكوفيين: إن (إذا) في مثل هذه التراكيب لا يليها إلا فعلٌ، لكن البصريون؛ لأنهم يمنعون تقديم الفاعل على الفعل لم يأذنوا بأن يعرب (الشمس) في هذا التركيب فاعلاً، فحينئذٍ: إما أن يكون مبتدأ، وإما أن يكون فاعل، الفاعل ممتنع، والمبتدأ يمتنع؛ لأنك إذا كان كذلك حينئذٍ وليت (إذا) الشرطية جملة اسمية، وهذا ممتنع، فقدروا فعلاً: ((إِذَا الشَّمْسُ)) [التكوير:1] إذا كورت الشمس.

وأما على مذهب الكوفيين: هم وافقوا البصريين في أن (إذا) لا يليها إلا الفعل، لكن لقاعدتهم: أن الفاعل يجوز تقديمه على الفعل جوزوا أن يعرب (الشمس) هنا فاعلاً، ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) [التكوير:1] إذاً: الشمس على مذهب البصريين ما إعرابها؟ فاعل لفعل محذوف وجوباً تقديره: كُوِّرَ، لا ليس فاعلاً، نائب فاعل، كور الشيء: هذا مغير الصيغة، فحينئذٍ: كورت الشمس، نقول: الشمس نائب فاعل، والفعل العامل فيه محذوف وجوباً يفسره العامل المذكور ولا يجوز جمعهما، والمحذوف هذا في محل جزم فعل الشرط، وكورت: الجملة كما ذكرنا آنفاً لا محل لها من الإعراب مفسراً. أما عند الكوفيين: فالشمس هذا فاعل للفعل المذكور مقدم عليه، وهذا ضعيف كما سيأتي في محله. إذاً: إِذَا بِمُضَمَرٍ بِمُضمرِ، نقول: جار ومجرور متعلق بمحذوفٍ واجب الحذف، والأولى ألا يجعل متعلقاً بالمذكور، إِذَا بِمُضَمَرٍ، نقول: متعلق بوُصِلاَ مقدرةً لدلالة وصل المذكورة؛ لأن أداة الشرط لا يليها إلا فعل ظاهراً كان أو مقدراً، إذا بمضمر حال كونه مضافاً، مضافاً .. إعرابه: حال، حال من الضمير المستتر في وُصل العائد إلى (كلا) وهي حالٌ مؤسسة، يعني: كأنه قال: (إذا) و (كلا) إذا وصلا بمضمر حال كونه مضافاً، فمضافاً: حالٌ من الضمير المستتر في (وصل) المحذوف، وهو عائد على (كلا). بِمُضَمَرٍ مُضَافاً، أي: حال كونه .. حينئذٍ مضافاً: حالٌ من الضمير المستتر في (وصل) العائد إلى (كلا) مؤسسةً، احترز به عما إذا اتصلت بالضمير غير مضافةٍ إليه، نحو: زيدٌ وعمروٌ كلاهما الرجلين؛ لأن الاتصال يشمل القبل والبعد. على كلٍ: مضافاً له: الضمير يعود إلى .. -ليس عندنا ضمير لكنه من باب الإيضاح-، قلنا: التقدير نوعان: تقدير إعراب وتقدير بيان، قدرنا: إذا وُصِلا، هذا من أجل الإعراب، مضافاً له لا بد منه، والضمير هنا يعود إلى (كلا) يعني: لا بد أن يكون إذا بمضمرٍ مضاف وُصِلا، إذا وُصلا بمضمر مضافاً له، يعني: (لكلا) ووصل هذا مغير الصيغة، ونائبه يعود إلى كلا، والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة، الفعل ونائبه وصلا، نقول: هذا لا محل له من الإعراب؛ لأنها مفسرة، مفسرة لماذا؟ للفعل الذي أضمر بعد (إذا). إذاً: و (كلا) إذا بمضمر مضافاً وُصِلا، حينئذٍ نقول: جاز أن .. ماذا؟ إذا وُصِلت بالضمير جاز أن تلحق بالمثنى، ولذلك قال: و (كلا) أي: وارفع بالألف (كلا) إذا وُصلا بمضمرٍ كال كونه مضافاً إلى ذلك المضمر حملاً على المثنى الحقيقي، مضافاً له .. عفواً! أنا قلت: مضافاً له الضمير يعود إلى (كلا). الصواب: أنه يعود إلى الضمير. كِلْتَا كَذَاكَ، يعني: (كلتا) هذا مبتدأ، (كذاك) أي: مثل (كلا) إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، إذاً: (كلا) و (كلتا) ملحقان بالمثنى إذا أضيفا إلى ضمير، مفهومه: إذا لم يضافا إلى ضمير فحينئذٍ إعرابهما على الأصل، وهو بالحركات المقدرة، فـ (كلا) و (كلتا) نقول: ملحقان بالمثنى، متى؟ إذا أضيفا إلى مضمرٍ، جاءني كلاهما، ورأيت كليهما، ومررت بكليهما، وجاءتني كلتاهما، ورأيت كلتيهما، ومررت بكلتيهما، هنا أضيفا إلى الضمير فألحقا بالمثنى رفعاً ونصباً وجراً.

فإن أضيفا إلى ظاهر حينئذٍ أعربا بالحركات مقدرةً، كلا الرجلين، جاء كلا الرجلين، رأيت كلا الرجلين، مررت بكلا الرجلين، فحينئذٍ تكون الحركة مقدرة على الألف كالفتى، جاء كلا: فاعل، نعم! جاء كلا الرجلين، جاء: فعل ماضي، وكلا: فاعل، وهو مضاف والرجلين: مضاف إليه، نقول: فاعل مرفوع ورفعه ضمةٌ مقدرةٌ على آخره، منع من ظهورها التعذر؛ لأن الألف لا يمكن تحريكها، كلا: مضاف، والرجلين مضاف إليه، وقل فيما يأتي مثله. ومثله: جاءتني كلتاهما، كلتا: على الألف يقدر، كلتا المرأتين، كلتا المرأتين، حينئذٍ لم يضف إلى الضمير، كلتا المرأتين، لم يضف إلى الضمير، كلتا المرأتين: حينئذٍ يكون مقدراً على الألف، ولهذا قال المصنف: وَكِلا إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، ثم قال: اثْنَانِ واثْنَتَانِ كَابْنَيْنِ وَابْنَتَينِ يَجْرِيَانِ: وبعضهم في (كلا) و (كلتا) يعرب الصنفين النوعين إعراب المقصور مطلقاً، يعني: سواءً أضيف إلى الضمير أو إلى الاسم الظاهر، يعني: بنوعيه المضاف إلى الضمير، أو الاسم الظاهر يعربه بماذا؟ بالحركات المقدرة على آخره، فيقول: .. مثاله؟ جاء الزيدان كلاهما، ورأيت الزيدين كلاهما، ومررت بالزيدين كلاهما، يلزمها مطلقاً، والظاهر أن هذه لغة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، كثير ما يأتي بـ (كلا) مضاف إلى الضمير، ومع ذلك يلزمه الألف، وتجد الآن المحققين يقول: في جميع النسخ بإلزام الألف وهو خطأ، هكذا، يقول: في جميع النسخ التي أمامي كلها بإلزام الألف وهو خطأٌ. ما شاء الله تبارك الله! يا أخي ارفع السماعة واسأل! قد يكون ليس بحثه في النحو، لكن السؤال طيب، والتخطئة هكذا الهجوم هذا غلط، حينئذٍ نقول: هذه لغة، فإذا جاء في لسان عالم، وخاصةً كشيخ الإسلام رحمه الله حينئذٍ نحمله على هذا. إذاً: (كلا) و (كلتا) إذا أضيفتا إلى الضمير ألحقت بالمثنى. اثْنَانِ واثْنَتَانِ كَابْنَيْنِ وَابْنَتَينِ يَجْرِيَانِ: هذا اللفظ الثالث والرابع، هي أربعة ألفاظ ذكرها الناظم: (كلا) و (كلتا) وهذا بشرط (واثنان) (واثنتان) هذا بدون شرط، (اثنان) (واثنتان) هذا اسمان من الأسماء الدالة وضعاً على اثنين وليس بمثنيين حقيقةً؛ لأننا أخرجناهما بماذا، بأي قيد في الحد السابق؟ صالح للتجريد، إذاً: هو دل على اثنين بزيادةٍ، فيه زيادة في آخره، لكنه غير صالح للتجريد وعطف مثله عليه. اثْنَانِ واثْنَتَانِ: في لغة تميم ثنتان بدون همزة، ثنتان هو جائز، اثْنَانِ واثْنَتَانِ: هذا مثنى المعنى مفرد اللفظ، كابنين وابنتين، ابنين وابنتين: هذا ملحق أو حقيقي؟ حقيقي، إذاً: شبه الملحق بالحقيقي، قال بعضهم: لما لم يتزن له أن يقول: مثل المثنى أتى بمثالين منه، يعني: ليس المراد خصوص ابنين وابنتين لهما مزية، لا مراده أي مثنى، لكن اثنان واثنتان إعرابهما إعراب المثنى الحقيقي، ولذلك شبه بابنين وابنتين.

لما لم يتزن له أن يقول مثل المثنى أتى بمثالين منه، وأقام ذلك مقام قوله كالمثنى، وقال آخر: كان يمكنه أن يقول: مثل المثنى فيه يجريان، أي: في الرفع بالألف، كابنين وابنتين يجريان، يعني: مجرى المثنى الحقيقي في حكمه في أنه يرفع بالألف، كمجرى المثنى الحقيقي في الإعراب مطلقاً، يعني: سواء أفردا أم أضيفا؛ لأن اثنين واثنتين يستعملان مقطوعين عن الإضافة ويستعملان بالإضافة، تقول: جاء اثنان .. رأيت اثنين .. مررت باثنين، مقطوع عن الإضافة: ((حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ)) [المائدة:106] اثنان: مرفوع. كذلك إذا رُكبا: جاء اثنا عشر رجلاً .. رأيت اثني عشر رجلاً، حينئذٍ ركبت وأعربت إعراب المثنى، ((مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً)) [البقرة:60] أو أضيفا نحو: اثناكم واثنتاكم، هذا على خلاف: هل يجوز إضافتهما أم لا؟ إذاً: اثنان واثنتين كابنين وابنتين يجريان، يعني: كمجرى المثنى الحقيقي في إعرابه بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجراً مطلقاً بدون شرط أو قيد، سواء أضيفا أم قطعا عن الإضافة مطلقاً، فلا فرق بينهما. وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ إذاً: بين لنا الحكم الأول: أن المثنى يرفع بالألف، ثم بين أربعة ألفاظ ملحقةٌ بالمثنى، قلنا: بقي ماذا؟ بقي المسمى به، وهذا فيه لغتان، يعني: في إعرابه: أنه يعرب إعراب المثنى، قبل التسمية؛ لأن مدلوله صار فرداً واحداً: زيدان، هذا يصدق على اثنين، ثم نقلته .. جعلته علماً، صار مدلوله كمدلول زيد شخص واحد، إذاً: خرج بقوله: ما دل على اثنين، هذا ليس بمثنى؛ لأنه دل على واحد، إذاً: صار ملحقاً بالمثنى، فحينئذٍ فيه لغتان: أولاً: إعرابه قبل التسمية، وهذا وجه إلحاقه بالمثنى. الوجه الثاني: أنه يلزم الألف ويمنع الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، يعني: تقول: جاء الزيدان، هذا يلزم .. أنه يلزم الألف ويُمنَع الصرف للعلمية وزيادة .. يعني: بالحركات، يعرب بالحركات إعراب الممنوع من الصرف، جاء الزيدانُ، ورأيت الزيدانَ، مررت بالزيدانَ، فهو ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، إذاً: فيه مذهبان نؤكد: أولاً: أنه يعرب إعراب المثنى، جاء الزيدان .. رأيت الزيدين .. مرربت بالزيدين، مثلما تقول: جاء المسلمان .. رأيت المسلمين .. مررت بالمسلمين، هذا نقول: إعرابه ملحق بالمثنى. وجه آخر ليس داخلاً في الملحق بالمثنى: وهو أنه يعرب إعراب الممنوع من الصرف مع إلزامه الألف، الزيدان دائماً: رفعاً ونصباً وجراً، وتظهر الحركات على النون. ... ثم قال: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ

أراد أن يبين ما ينصب به المثنى، فبين أن الياء تقوم مقام الفتحة والكسرة: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا .. تخلف الياء، أي: تقوم مقامها .. مقام الألف، وتخلف الياء الألفَ، تخلف: فعل مضارع، والفاعل: الياء، والألف: مفعول به، إذاً: الياء تخلف الألف، يعني: ما معنى تخلف الألف؟ يعني: تقوم مقامها، في بيان مقتضى العامل لا في النوع الخاص بالألف وهو الرفع، والمراد: الخُلْفُ، ولو تقديراً ليدخل نحو: لبيك، ما لم يستعمل مرفوعاً كما سيأتي في الإضافة. إذاً: وَتَخْلُفُ أي: تقوم مقامها الْيَا أي: توجد في محلها، لا أنها نائبةٌ عنها، إذا خلفت الياء الألف المعنى قد يكون أنها نابت عنها لا، لا تنوب عنها، الياء هذه علامة نصبٍ، والألف علامة رفعٍ فلا ينوب ما جعل علامةً للنصب والجر عما جعل علامةً للرفع، إذاً: تخلف، أي: توجد في محلها، لا أنها نائبةٌ عنها. الْيَا: نقول: الياء فاعل تخلف، قصره للضرورة، الياء هذا الأصل، قصره للضرورة، والألف: مفعول به، (وجراً ونصباً): هذا بعضهم أعربه حال من المجرور بفي، يعني: مجرورةً ومنصوبةً. قال الصبان: وفيه أن مجيء المصدر حالاً وإن كان كثيراً مقصوراً على السماع لا يقاس عليه، فالأولى كونه منصوباً على الظرفية بتقدير حذف مضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، والأصل: وقت جرٍّ ونصبٍ كما في آتيك طلوع الشمس، يعني: وقت طلوع الشمس، إذاً: جراً ونصباً ليس حالاً، حالة كونها مجرورةً ومنصوبةً، بل نقول: في وقت جرٍ وفي وقت نصبٍ، متى تخلف الياء الألف جراً ونصباً؟ يعني: في وقت جرٍ ونصبٍ. فِي جَمِيعِهَا: الضمير يعود على ماذا هنا؟ على المثنى وما ألحق به، أي: في جميع الألفاظ المتقدم ذكرها، لكنه لم يذكر أفراداً للمثنى الحقيقي، وإنما ذكره جملةً، بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى هذا تحته عشرات مئات آلاف الأمثلة، ثم ذكر: كلا وكلتا واثنان واثنتان، أربعة، إذاً: ارجع الضمير على ما هو عام وهو المثنى، وعلى ما هو خاص وهو (كلا) وما عطف عليه. جَمِيعِهَا: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا، أي: جميع ما ذكر، سواء ذكره على وجه العموم في المثنى، أو على وجه الخصوص في الملحقات، جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ، يعني: هذه الياء تكون بعد فتحٍ، احترازاً من الياء التي تكون في جمع التصحيح؛ لأنها تكون بعد كسرٍ، فرق بين المسلمين والمسلمين. بَعْدَ فَتْحٍ، يعني: بعد إبقاء فتحٍ لما قبلها، لما قبل الياء، قَدْ أُلِفْ، يعني: قد صار مألوفاً، لماذا صار مألوفاً؟ هنا نعلل بالسماع، قَدْ أُلِفْ، يعني: كأنه قال: قد عُلِمَ أوُلْفَة هذه الفتحة بكونها قبل الياء، ولا يوجد مثنى ياءٌ يعني: في حالة الياء نصباً وجراً وما قبله يكون مكسورً البتة، بل لا بد أن يكون مفتوحاً، وأما الجمع هو الذي يأتي بالكسر. جراً ونصباً بعد إبقاء فتحٍ لما قبلها قد ألف، (قد ألف) قالوا: هذا في معنى التعليم، ذكره وإن كان يؤخذ الفتح من السكوت على ما قبل الألف الذي هو مفتوح؛ لأن التصريح أقوى في البيان، ولإفادة علة فتح ما قبل ياء المثنى وهي: أُلفَة الفتح مع الألف: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ

بَعْدَ فَتْحٍ، أي: بعد إبقاء الفتحٍ الذي كان قبل الألف؛ لأنه مما أُلِفَ: أن الألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً، فالعبرة هنا بالأصل، يعني: خلفت الياء الألف، ثم ما قبل الألف ما هو؟ فتحة، هل نغيرها أم نبقيها كما هي؟ قال: أبقها، لماذا؟ لأن ثم أُلفَةً بين الألف والفتحة، تبقى على ما هي عليه في حالتي الجر والنصب؛ لأن النصب والجر هو في المعنى خلفٌ عن الرفع. ولذلك الأصل أن يرفع الاسم، ثم يُنْتَقَل منه إلى النصب، ثم يُنْتَقَل منه إلى الجر، ولذلك: الأصل في الياء أنها تكون علامةً لأي شيء؟ للجر لا للنصب، وإنما هنا حمل النصب على الجر، سيأتي تعليله في جمع المذكر السالم، فحينئذٍ صار عندنا علامتان للمثنى، وهما الألف رفعاً والياء نصباً وجراً. لكن هل الياء في الجر والنصب متحدتان أم مختلفتان؟ نقول: مختلفتان، وإن جرى في النطق أنهما متحدان كما قلنا في الضم والضمة .. في البناء والإعراب، لماذا؟ لأنك تقول: رأيت المسلمين، ومررت بالمسلمين، رأيت المسلمين: هذه الياء نائبةٌ عن ماذا؟ عن الفتحة، وبالمسلمين: هذه الياء نائبةٌ عن الكسرة. مقتضي: العامل الذي يقتضي الياء التي نابت عن الكسرة هل هو عين المقتضي العامل الياء النائبة عن الفتحة؟ الجواب: لا، إذا اختلف العامل لزم من ذلك أن يتخلف التأثير، فالأثر الذي أحدثه عامل الجر لا يمكن أن يكون هو عين الأثر الذي أحدثه عامل النصب فافترقا. ولذلك نقول: الأصل في الياء أنها عبارة عن كسرتين، كما أن الأصل في الألف أنها تكون للنصب لا للرفع. وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ ... جَرّاً وَنَصْباً بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ قال الشارح هنا: وحاصل ما ذكره: أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، هذا هو المشهور، وصحح أنه معربٌ بحركات مقدرة، والصواب: أنه متى ما نقل تغيير وتبديل الحروف حروف العلة لاختلاف العوامل فتعليق الأثر بهذا الحرف أولى من التقدير؛ لأن العرب ما غيرت، جاء رجلان، ورأيت رجلين، ومررت برجلين، خاصةً مع الصحة وجواز إقامة الحرف عن الحركة، هذا أولى من التكلف. ومن العرب من يجعل المثنى والملحق به بالألف مطلقاً، يعني: فيه لغة أخرى، وهي: إلزامه الألف مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً، وتقدر عليه الحركات، وهذه اللغة أنكرها المبرد، قالوا: وهو محجوج بالسماع. والإعراب يكون بحركات مقدرة عليها، كالمقصور، وبعض من يلزمه الألف يعربه بحركات ظاهرةٍ على النون كالمفرد الصحيح، إذاً: فيه لغة ثالثة لكنها قليلة جداً، إذاً: المشهور أنه يعرب بالحروف، هناك من يلزمه الألف ويعربه بالحركات مقدرةً على الألف، وهناك من يلزمه الألف ويعربه بحركات ظاهرة على النون، فيقول: جاء الزيدانُ، ورأيت الزيدانَ، ومررت بالزيدانِ، وهي لغة قليلة جداً، لكن لا يجري الإنسان في كلامه إلا على الفصيح الذي سمع وكثر استعماله في لسان العرب. إذاً: هذا خلاصة المثنى: أنه ما دل على اثنين بزيادةٍ في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه، أنه يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، ألحق به خمس كلمات: كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان، والاسم المسمى به. بقي الشروط هذه نأتي عليها غداً إن شاء الله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

15

عناصر الدرس * فائدة: شروط التثنية * بيان الباب الثالث من أبواب النيابة (جمع المذكر السالم) ـ * حدة - حكمه -شروط مايجمع هذا الجمع - حكم ماحقاته * الفرق بين نوني المثنى وجمع المذكر السالم * فائدة…: (مسألة) ـأصل نوني المثنى وجمع المذكر السالم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ - هذا يسأل عن أحوال الماضي. - ذكرناها، ترجع إلى الشريط إن شاء الله. - لم لا يجمع بين الشرطين الأولين من شروط إعراب الأسماء الستة بالحروف، فيقال: أن تكون مضافة لغير ياء المتكلم؟ - لا بأس، قل شرطين أو قل ثلاثة، ما في بأس. - جاء أبو العباس: هل إثبات الواو كتابة يعتبر خطأ؟ - لا، حذفها خطأ، الأصل تكتب أبو العباس، ولكن تحذف في النطق، ولذلك الإعراب يتبع الملفوظات لا المرسومات، يعني تكتب: أبو العباس، هي في الكتابة موجودة، أبو العباس، تكتبها كما هي، لكن إذا جئت تنطق حينئذٍ يلتقي ساكنان فتحذف الواو، فإذا جئت تعرب، أنت تنظر أبو العباس، فترى الواو حينئذٍ لا تخطيء تقول: مرفوع ورفعه بالواو لا، إنما تنظر فيما تنطق به، ولذلك يقولون: الإعراب يتبع الملفوظات لا يتبع المرسومات الذي يكتب. - هل الأسماء التي يقدر عليها العلامة في الرسم، هل يوضع على آخرها سكون؟ - هذا اصطلح المعاصرون أنهم ما يكتبون السكون فيترك كما هي. - إذا قيل: نوع البناء، فهل المراد ظاهر أو مقدر، أو ضم وفتح، أو فعل واسم، أو واجب وعارض؟ - هل هناك علامة لفظية تفرق بين المعرب والمبني؟ - قد يكون، المضمرات محفوظة، والموصولات أسماء الإشارة محفوظة هذه، بلفظها تعرف أنها مبنية. - ((فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ)) [مريم:26] أشكل علي نوعه. - هذا ترجع إلى موجب النداء، في حاشية ياسين فصلها تفصيل، وهذه تحتاج إلى كتابة، باللسان ما تفهم، هي و ((لَتُبْلَوُنَّ)) [آل عمران:186] ((وَلَتَسْمَعُنَّ)) [آل عمران:186] كلها فيها قصة طويلة هذه، الحذف والتركيب إلى آخره. - علامات الاسم، وكذلك علامات الفعل المضارع هل هي خاصة بالمعربات، أم تشترك معها المبنيات، أم بحسب العلامة؟ - هه! هذا سؤال وجيه، العلامات هل هي خاصة بالمعرب، أو أنها تشمل المبني؟ إذا قال: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ، الاسم هنا خاص بالمعرب، أو مطلق الاسم؟ مطلق الاسم، ولذلك قلنا: مررت بـ (ذا) هذا لا يظهر عليه كسرة، فحينئذٍ نحتاج إلى حرف الجر، واضح؟ - هل تنصح بقراء شروح الألفية للمعاصرين؟ - هذا على حسب الطالب، إذا كان عنده النحو مزعج ولا يستطيع أن يفهم ما في بأس، لكن كثر محاولة تسهيل العلوم، الشرح الميسر على كذا .. سؤال وجواب، هذه كلها كتب ما تفيد الطالب، يعني: تفيده إذا كان نوعية معينة .. إذا كان ما يستطيع أن يفهم، أو النحو عنده شبح أو الصرف، ممكن يلجأ إلى هذه الكتب تكون معينة، لكن لا بد من الرجوع إلى الأصول، وأما الطالب الذي يتتلمذ على هذه الكتب يكون فيه ضعف، وخاصةً سؤال وجواب، هذه صارت في النحو، وصارت في الأصول، وصارت في العقيدة، وفي المصطلح، وفي الصرف، بلاغة، منطق، كله سين وجيم. - هل لغة كنانة وابن الحارث في (كلا) هي التي يذكرها شيخ الإسلام في كتبه، مع ملازمة الألف؟ - هذا ظاهر ما يُكْتب، أو يَكْتبه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، أنه يُلزم الألف (كلا) و (كلتا) الألف، وحينئذٍ تبقى على أصله، إذا كتب عالم كلمة ولها وجه في اللغة، حينئذٍ تبقى على ما هي. - ما رأيكم بكتاب: القواعد الأساسية، للسيد الهاشمي.

- هو جاء للألفية ورتبها، شرح ميسر، نفس الطريقة، لكن الطالب يسلك مسالك أهل العلم، الألفية الآجرومية، الملحة، ينتفع كثير، خاصةً الشروح التي كتبت على الآجرومية .. التي كتبت على الملحة، قطر الندى، كتب نفيسة جداً، لذلك: مجيب النداء للفاكهي على قطر الندى، هذا يُقرأ في بعض البلاد بعد الألفية، مع كونه شرحاً لقطر الندى؛ لقوته قوي جداً، وعليه حاشية ياسين الحمصي أشد وأشد، وإذا تربى الطالب على هذه الكتب فالذهن عنده .. - يرى ابن الحاجب جواز النعت بالجامد، فهل على قوله يجوز إضافة (ذو) إلى المشتق؟ - أولاً نمنع، وأما على قوله هو الله أعلم، ترجع إلى أقواله، هل يجوز هذا أم لا، أما نحن نقول: لا، ما يوصف بالجامد. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: سبق الحديث عن المثنى، وعرفنا: أنه ما دل على اثنين بزيادة في آخره لصالح للتجريد وعطف مثله عليه، قلنا: المثنى نوعان: مثنًى حقيقةً، ومثنًى حكمياً، يعني حكمي، بمعنى: أنه لا يصدق عليه حد المثنى، وعرفنا أنه يعرب بالألف رفعاً وبالياء جراً ونصباً، وأنه ثاني الأبواب .. أبواب النيابة التي خرجت عن الأصل وناب فيه حرف عن حركة، ثم ألحق به خمسة ألفاظ، وهذه مرده إلى القياس: (كلا) و (كلتا) و (اثنان) و (اثنتان) وهذه ذكرها الناظم وبقي المثنى المسمى به: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى أي: الحقيقي. و (كلا) ليست مطلقاً، بل: إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ، يعني: إذا أضيفت إلى الضمير، حينئذٍ تكون ملحقةً بالمثنى، كِلْتَا كَذَاكَ، أي: مثلها، كِلْتَا كَذَاكَ، أي: مثل: (كلا) في كونها ملحقةً بالمثنى بشرط: إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ. اثْنَانِ واثْنَتَانِ ... كَابْنَيْنِ وَابْنَتَينِ يَجْرِيَانِ: في الأول قيد (كلا) و (كلتا) إذا بمضمرٍ، والثاني: اثْنَانِ واثْنَتَانِ: أطلق ولم يقيد، فدل على العموم، يعني: مطلقاً سواءً قطعا عن الإضافة أفردا أم أضيفا إلى الظاهر أو إلى المضمر مطلقاً. ثم قال: وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ، يعني: الياء تقوم مقام الألف جراً ونصباً، يعني: وقت جرٍ أو في وقت جرٍ ووقت نصبٍ، بَعْدَ فَتْحٍ قَدْ أُلِفْ، يعني: الفتح الذي أُلِفَ قبل الألف يكون باقياً مع الياء، كما تقول: الزيدان تخلف الياء الألف، زيدَا .. دَا، الدال مفتوح، فإذا جئت بالياء تقول: الزيدين .. دِين، إذاً: الفتحة التي كانت قبل الألف تبقى قبل الياء. ثم بقي مسألة أو مسألتان، وهما: شروط المثنى، هل كل كلمةٍ تُثَنى؟ أقول: لا، شروطها ثمانية، وبعضهم أوصلها إلى أحد عشرة شرطاً: شَرْطُ المُثَنَّى أَنْ يَكُونَ مُعْرَبَا مُوافِقاً في اللَّفْظِ والمَعْنَى لَهُ ولم يكُن كُلاً ولا بعضا ولا ... وَمُفْرَداً مُنَكَّراً ما رُكِّبَا مُمَاثِلٌ لَمْ يُغْن عَنْهُ غَيْرُهُ مستغرقاً في النفي نِلْتَ الأمَلا هذه أحد عشر شرطاً لا بد من توفرها حتى يصح أن نقول: هذا مثنى، أو أن يُقْدَم على تثنيته:

الشرط الأول: أن يكون معرباً، والإعراب ضد البناء، حينئذٍ خرج به المبني، أن يكون معرباً، فالمبني لا يثنى، وعرفنا حقيقة المبني، إذاً: لا يثنى المبني الباقي على بنائه، فإن قيل: هذان، وهاتان، واللذان، واللتان، هذه إما أن يقال بأنها مبنيةٌ على صورة المثنى، وضعت هكذا ابتداءً، وإما أن يقال: بأنه مستثناة من المبنيات فهي معربة، إما هذا أو ذاك، وسيأتي بحثه في محله. وهذان، وهاتان، واللذان، واللتان، لا يقاس عليها، فقد وردت هكذا عن العرب معربةً، يعني: لما ثُنْيَ أُعرب، لأن شرط البناء قلنا: هذان وهاتان من أسماء الإشارة، أشبه حرفاً غير موجود، لكن شرط الشبه: أن ألا يعارضه ما هو من خصائص الأسماء، فإذا عارضه ما هو من خصائص الأسماء كالتثنية؛ -لأنه من علامات الأسماء، ولذلك عددناه هناك-، قلنا: من علامات الأسماء كونه مثنى، إذاً: هو من خصائصه التي يتميز بها، فإذا كان اللفظ متضمناً لوجه من أوجه الشبه مقرباً للحرف، ثم جاء جاء مثنى، فحينئذٍ نقول: هذا عارضه ما هو من خواص الأسماء، فلا يقاس عليها فقد وردت هكذا عن العرب معربةً، لما ثني .. أو وضع للمثنى وليس منها، وكذلك اللذون: نَحْنُ اللَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا. اللَّذُونَ: هل هو معرب بالواو على أنه مبتدأ، أو أنه مبني هكذا وضع ابتداءً؟ أيضاً يرد فيه الخلاف، على هذا وذاك، نقول: هذا خارج عن القياس، وما خرج عن القياس غيره عليه لا ينقاس، والأصل في التقعيد والتأصيل بالأصول لا بالفروع، فإن كان اللفظ في أصله مفرداً مبنياً ثم صار علماً، فإنه يعرب وينون ويصح تثنيته وجمعه، يعني: إذا كان في أصله مفرد وهو مبني، ثم جعل علماً حينئذٍ صح تثنيته وجمعه، ويعرب وينون، وكل من التثنية والجمع في بابي: (لا) و (النداء) سابقٌ على البناء؛ لأنه إذا قيل: بأن المبني لا يُثَنى .. المبني لا يُثَنى هذا الضابط والأصل، حينئذٍ: يا محمدان، يا: حرف نداء، محمدان: منادى مبني على الألف في محل نصب، كيف نقول: لا يُثَنى، وقد ثُنْيَ هنا؟! نقول: هذا لا يرد، لماذا؟ لأن هذا من تَثْنِية المبني، أو من بناء المثنى، أيهما أسبق؟ مثل: غلامي، هل الياء أول أن أتينا بها ثم ثنينا، أو ثنينا أولاً ثم أدخلنا: ياء، يا محمدان، نقول: هذا من بناء المثنى، وليس من تثنية المبني، ليس هو في الأصل مبني، محمد هذا معرب، فإذا ثنيته قلت: محمدان، ثم أدخلت عليه ياء، إذاً: البناء لاحق وليس بسابق. حينئذٍ نقول: هذا من بناء المثنى، ثُني أولاً ثم بُني، وليس من تثنية المبني، والذي معنا ينفى هو أنه لا يُثَنى المبني. الشرط الثاني: أن يكون مفرداً، فلا يثنى جمع المذكر السالم، ولا جمع المؤنث السالم لماذا؟ لأن علامة التثنية تعارض علامة الجمعية، هذا يدل على اثنين، وهذا يدل على أكثر من اثنين، حصل تعارض، إذاً: لا يثنى الجمع بنوعيه: لا جمع المذكر السالم، ولا جمع المؤنث السالم، لتعارض معنى التثنية وعلامتها مع الجمعين وعلامتهما فلا يتفقان، هذا في جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم.

وأما جمع التكسير واسم الجمع فقد يثنى .. قد يثنى، قد: للتقليل هنا، قد يثنى كل منهما أحياناً نحو: جمالين ورهطين، في تثنية جمال ورهط، جمال: هذا جمع جمل، جمع تكسير، فإذا كان عندنا نوعان متميزان من أنواع الجمال أقول: عندي جمالين، هذا تثنية جمال. جمال ورهط بقصد الدلالة في التثنية على التنويع ووجود مجموعتين متميزتين بأمر من الأمور، رهط: هذا اسم جمع، دل على الجمع ولا واحد له من لفظه، هل يقال: رهطان أو رهطين؟ نقول: ينظر فيه، إن كان ثم مجموعتان كلٌ منهما متميز عن الآخر، فحينئذٍ لك أن تثني فتقول: هذان رهطان، ورأيت رهطين بالتثنية، بناءً على أن كل منهما مجموعة متميزة عن الأخرى، وأما إذا لم يكن كذلك فالأصل العدم، الأصل أنه لا يثنى. وكذلك يثنى اسم الجنس غالباً للدلالة السابقة: إذا كان هناك شيئان متميزان كقولك: ماءان ولبنان، لبنٌ ولبن، لبن نقول: هذا اسم جنس إفرادي يصدق على القليل والكثير، وماء وزيت، إذا كان ثم نوعان من الزيت مثلاً تقول: هذان زيتان، واشتريت زيتين، بمعنى ماذا؟ أن كلاً منهما مغاير للآخر، هذا متميز عن ذاك. وأكثر النحاة يمنعون تثنية جمع التكسير ويقصرونه على السماع، أكثرهم على المنع، وأما المثنى فلا يُثَنى ولا يجمع لكي لا يجتمع إعرابان بعلامتهما على كلمة واحدة، المثنى لا يثنى، لماذا؟ لأنه ثُني بألف ونون، ثم إذا ثُني مرةً أخرى اجتمع علامتان، وهذا فيه ثقل، المثنى لا يثنى، كما نقول: المعرف لا يعرف، فما دام أنه وجد على صيغةٍ بزيادةٍ تدل على التثنية حينئذٍ يمنع من تثنيته مرةً أخرى. الثالث: أن يكون نكرة، أما العلم فلا يثنى ولا يجمع، وهذه الشروط كلها في المثنى وفي الجمع، العلم لا يثنى ولا يجمع، لماذا؟ قالوا: لأن الأصل في العلم أن يكون مسماه شخصاً واحداً معيناً: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً عَلَمُهُ إذاً: مسماه مشخص معين، أليس كذلك؟ هذا الأصل في وضع العلم، ولا يثنى أو يجمع إلا عند اشتراك عدة أفرادٍ في اسمٍ واحدٍ، حينئذٍ إذا ثنيته، نقول: سلبت منه التعيين؛ لأن التثنية تدل على الاشتراك، زيد وزيد زيدان، مسلم ومسلم مسلمان، اشتراك أو لا؟ اشتراك، والاشتراك ينافي التعيين، فالعلم معرفةٌ وهو في أصل وضعه دال على شخص معين، ولا يثنى ولا يجمع إلا عند الاشتراك بينه وبين غيره، فإذا ثنيته حينئذٍ عارض التعيين، فيفقد كلٌ منها تعيينه، وهذا معنى قول النحاة: لا يثنى العلم ولا يجمع إلا بعد قصد تنكيره، فإذا أردنا أن نثني زيد مثلاً، أو نجمع زيد، حينئذٍ لا بد من أن يكون نكرة، كيف نكرة؟

أولاً: نقصد الشيوع، يعني: أن هذا المسمى .. هذا اللفظ على مسمىً شائع في جنسه، وهذا معنى النكرة: ما شاع في جنسٍ موجود أو مقدر، حينئذٍ نعتقد أولاً بالنية: أن مسمى زيد هذا شائع، لا يختص به واحد دون آخر، ثم نثني ونجمع، فنقول: زيدان وزيدون، ثم يجب أن نرد إليه التعريف الذي سلبناه أولاً، ولذلك يجب أن يعرف فيقال: الزيدان، ولذلك يرد السؤال: زيدٌ علم، فكيف دخلت عليه (أل)؟ نقول: دخلت (أل) ليست على زيد، دخلت على زيدان وزيدان نكرة، زيدان وزيدون نكرة ليس بمعرفة، وإنما المفرد هو المعرفة، فحينئذٍ لا يُقدَم على تثنية زيد أو جمعه إلا بعد قصد تنكيره، فإذا نكر سلبناه ماذا؟ العلمية، فحينئذٍ نثني ونجمع ثم يجب علينا أن نرد عليه العلمية بـ (أل). وهذا معنى قول النحاة: لا يثنى العلم ولا يجمع إلا بعد قصد تنكيره، ويجب بعد التثنية والجمع إرجاع التعريف إليه، وذلك حاصلٌ بـ (أل) المعرفة في أوله، أو وقوعه بعد ياء النداء، يا زيدان، حصل تعيين بالقصد، يا زيدان، المنادِي دائماً يُقْبِلُ ويقصد المنادَىَ، فحينئذٍ حصل له نوع تعيين فصار معرفةً. وقوعه بعد حرف من أحرف النداء، نحو: يا محمدان. ثالثاً: إضافته إلى معرفة: حضر محمداك، إذاً: لا يثنى ولا يجمع العلم، فإذا أردنا تثنيته أو جمعه قصدنا أنه نكرة، يعني: لا يختص بمسمى: زيد، بل هو شائع في جنسه، فنثني ثم نجمع، ثم يجب علينا أن نرد عليه العلمية التي سلبناه إياها، إما بأل، وإما بحرف نداء، وإما بالإضافة واحدٌ من ثلاثة. الشرط الرابع: أن يكون غير مركب .. أن يكون الذي نريد تثنيته وكذلك جمعه غير مركب، فلا يُثنى بنفسه المركب الإسنادي اتفاقاً، اتفاقاً أنه لا يُثنى بنفسه، وإنما إذا أُرِيد تثنيته أو جمعُه جيء بواسطة، أما هو في نفسه: تأبط شراً، وشاب قرناها، نقول: هذا لا يُثنى وكذلك لا يجمع؛ لأنه مركبٌ إسنادي. وهو المركب من جملةٍ اسمية أو فعلية، وإنما بواسطةٍ نحو: جاء ذوا تأبط شراً، إذا عندك اثنان اسمهما تأبط شراً، نقول: جاء ذوا تأبط شراً، ورأيت ذوي تأبط شراً، تأتي بـ (ذو) وتثنيها، ذَوَا .. ذوي، وإذا كانوا ثلاثة فأكثر تقول: جاء ذَوُوا تأبط شراً، ورأيت ذوي تأبط شراً، ومررت بذوي تأبط شراً، واضح؟ إذاً: نأتي بواسطة وهي (ذو) التي بمعنى صاحب، نحو: جاء ذوا محمد مسافر، وذاتا أو ذواتا هندٌ مسافرة، هندٌ إذا كان مؤنث، فمحمد مسافر: هذا علم على شخص من إضافة المسمى إلى الاسم، وشاهدت ذوي محمدٌ مسافر، وذاتي أو ذواتي هندٌ مسافرة. إذاً: الخلاصة أن المركب الإسنادي لا يثنى بنفسه ولا يجمع، تأبط شراً وشاب قرناها، لا يقال: تأبطا شراً، ولا شابا قرناها، لا وإنما ذا وجد شخصان اسمهما تأبط شراً نأتي بـ (ذو) ونقول: ذوا نثنيهما ونضيف إليهما تأبط شراً، هذا إن وجد، وكذلك المركب المزجي لا يُثنى ولا يجمع، خلافاً للكوفيين، نحو: حضرموت وبعلبك اسم بلد، وسيبويه فلا يثنى بنفسه مباشرة، مثل تأبط شراً لا يثنى بنفسه مباشرةً وإنما بواسطةٍ، تقول: هناك ذوا بعلبك، وذاتا أو ذواتا بعلبك، وزرت ذوي بعلبك، وذاتي أو ذواتي بعلبك، إذاً: لا بد من واسطة كالسابق.

ومثله: المركب العددي، لو سمي رجل: بأحد عشر، وعندك ثلاثة كلهم أحد عشر، تقول: جاء ذَوو أحد عشر (ذوو)، إذا كان مثنى تقول: جاء ذَوَا أحد عشر، ورأيت ذوي أحد عشر، هذا كله من باب الافتراض. ومن العرب من يعرب المركب المزجي بالحروف كالمثنى الحقيقي، (لغة) .. المركب المزجي قلنا: الأصل أنه يمنع قياساً، لكن سمع من العرب من يعامله معاملة المثنى، يعني: يعربه بالحروف، فيقول: البعلبكان، بعلبك .. بعلبكان، يعني: أضاف إليه الألف والنون، هذه البعلبكان أو هاتان، ورأيت البعلبكين، ومررت بالبعلبكين، هذا مثنى. إذاً: من العرب من يعامل المركب المزجي معاملة المثنى الحقيقي، وإن كان القياس يمنع .. القياس يمنع المركب كله إلا المركب الإضافي فهو جارٍ على القياس، فالإسنادي والمزجي والعددي والتوصيفي كذلك كما سيأتي كلها الأصل فيه المنع، الأصل فيه أن يمنع أن يثنى أو يجمع بنفسه. ومنهم من يجيز تثنية صدره وحده معرباً بالحروف، ويستغني عن عجزه نهائياً، حَضْرَمَوُت، العجز ما هو والصدر ما هو؟ حَضْر: هذا الصدر، يقول: الحضران .. الحضرين .. يستغني عن العجز بصدره، فيثنيه فيقول رفعاً: الحضران في حضرموت، والبعلان في بعلبك، والسيبان في ماذا؟ سيبويه، لكن هذا ينبغي منعه، لماذا؟ لأنه يوقع في اللبس والإيهام، سيبان تثنية سيب، كذلك بعل: ((وَهَذَا بَعْلِي)) [هود:72] بعلان، لكن في الشرع ما يأتي، لكن قد يقال لغةً: يجوز، حينئذٍ بعلان تثنية بعل. ولكن هذا يوقع في اللبس وإيهام وخلط بين المركب المزجي وغيره، أما المركب الإضافي فلا خلاف في تثنية صدره، هذا الذي ينبغي الاعتناء به، أنه لا خلاف في تثنية صدره المضاف مع إعرابه بالحروف، وترك المضاف إليه على حاله من الجر: هما عبد الله، جاء عبدَ الله، هذا تلغز به، أعرب: جاء عبدَ الله، جاء: فعل ماضي، عبدَ الله: فاعل، صحيح؟ وبعد فعلٍ فاعلٌ .. جاء عبدَ الله، جاء: فعل ماضي، وعبدَ الله: هذا فاعل، كيف فاعل والدال مفتوحة؟ الأصل: جاء عبدُ الله، نقول: لا، ذاك في المفرد، فهنا: جاء عبدَان لله، حذفت النون للإضافة، ثم التقى ساكنا الألف .. ألف التثنية واللام فحذفت الألف، وبقيت الفتحة دليلاً على المحذوف. فحينئذٍ إذا قلت: جاءَ عَبدُ الله، صار مفرداً، جاءَ عَبدَ الله، هذا مثنى: فاعل مرفوع بالألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، فرق بينهما أو لا؟ فرق بينهما في النطق، أما في الكتابة إذا ما شُكِّلَت حينئذٍ يقع اللبس، وإلا: جاء عبدا الله هذا واضح. سمعت عبدي الله، أصلها: عبدين لله.

أما المركب الوصفي مثل: الرجل الفاضل، ومن الأعلام القديمة: القاضي الفاضل، لو سمي رجل: بالرجل الفاضل، يعني: نعت منعوت، هذا يسمى: مركباً توصيفياً تقييداً، تجعل الكلمة الثانية قيداً في الأولى، لو أردنا تثنيته حينئذٍ تقول: جاء الرجلان الفاضلان، ورأيت الرجلين الفاضلين، تثني الاثنين نوعين: المنعوت والنعت، ومررت بالرجلين الفاضلين، هذا يُوقع في اللبس أو لا؟ يُوقع في اللبس؛ لأنه إذا وجد ثلاثة كلهم اسمه: الرجل الفاضل، جاء الرجال الفاضلون، ورأيت الرجلين الفاضلين، لا يُدْرىَ هل هذا تثنية أو أنه جمع .. هل هو حقيقي أم أنه علم؟ فحينئذٍ لما وقع اللبس لا بد من منعه. أما المركب الوصفي مثل: الرجل الفاضل، فيثنى الصدر والعجُز معاً، ويعربان بالحروف فتقول: جاء الرجلان الفاضلان إلى آخره، وهذا هو الشائع إلا أنه يُوقع في لبس كبير؛ إذ لا يظهر معه أنه مثنى مفرده علمٌ وصفي، فالأحسن زيادة (ذَوَا) و (ذَوي) هذا الأفضل، وعليه نقول: المركبات كلها لا تثنى ولا تجمع هذا الصحيح، إلا المركب الإضافي فيثنى صَدْرُه ويبقى عجُزُه على حاله، وإذا أُريد تثنية أي نوعٍ من الأنواع التي قيل فيها بالمنع حينئذٍ لا بد من واسطة، هذه هي القاعدة الشهيرة في لسان العرب، وما سمع من بعضها فلما أوقع في لبس حينئذٍ الأصل فيه المنع. الشرط الخامس: أن يكون كلٌ من المفردين موافقاً للآخر في اللفظ موافقةً تامة في الحروف وعددها وضبطها، ويستثنى التغليب، كلٌ من المفردين موافقاً للآخر في اللفظ موافقةً تامة في الحروف وعددها وضبطها، مثل ماذا؟ لو قيل: الزيدان .. زيد وزيد، كلٌ منهما موافق للآخر في اللفظ والمعنى والحروف .. نعم: كل من المفردين موافقاً للآخر في اللفظ موافقة تامة، في الحروف وعددها وحركاته. لكن: العمرين، تثنية عمر وعمرو، لو قيل: العُمَران أو العَمْران، نقول: هذا ليس مثنًى حقيقةً، لماذا؟ لانتفاء هذا الشرط؛ لأن (عمرو) بفتح العين وإسكان الميم، و (عمر) مخالفٌ له في الحركات، وإن اتفقا في الحروف نفسها، لكن هنا لم يتفق الضبط معه. السادس: الموافقة في المعنى .. الخامس: موافقة في اللفظ والحروف والحركات، الشرط السادس: الموافقة في المعنى، فلا يثنى المشترك ولا المجاز على قول، إذا عندك عين باصِرَة وعين ذهب، لا تقل: عندي عينان، وإذا رأيت أسداً شجاعاً، وأسداً حيوان مفترس لا تقل: رأيت أسدين؛ لأن هذا يعتبر مجاز، لا يثنى المجاز والحقيقة، ولا يثنى المشترك. الموافقة في المعنى فلا يثنى المشترك ولا المجاز كالعين والأسد في الحيوان المفترس والرجل الشجاع، وقيل: لا يشترط الموافقة في المعنى، والثالث الجواز إن اتفقا في المعنى الموجب للتسمية نحو: الأحمران للذهب والزعفران، وإلا فالمنع، لكن المشهور أنه يمنع مطلقاً، هذا المشهور عند النحاة.

السابع: وجود ثانٍ له في الكون، فلا يثنى شمس ولا قمر، لا يقال: قمران ولا شمسان، فإذا قيل: القمران صار من باب التغليب؛ لأنه إذا فك ورُجِعَ إلى أصله من عاطف ومعطوف عطفت متغايرين، وشرط المثنى: أن تعطف متماثلين، فلا يثنى شمس ولا قمر، وهذا الشرط مستغنىً عنه باشتراط اتفاق اللفظ، هذا أصح وإن ذكره النحاة، إذا قيل: لا بد من اتفاق اللفظ في الحروف وضبطها وعددها حينئذٍ نقول: شمس وقمر لم يتفقا، أليس كذلك؟ زيدٌ وزيدٌ، هذا شرط لا بد من الاتفاق في اللفظ وعدد الحروف، والحروف وضبطها. شمس وقمر، قيل: قمران، انتفى الشرط السابق وليس بشرط مستقل وإن ذكره النحاة. الثامن: عدم الاستغناء عن تثنيته بغيره فلا يثنى: (بعض) و (سواء) لا يقال: (بعضان)، ولا (سواءان)، لماذا؟ لأنه ثني جزء فقيل: (جزءان) و (سي) جزء عن بعض يكفي، (سي) سيان، حينئذٍ يكفي عن (سواء). ولا تثنى كذلك لفظ: (أجمع) ولا (جمعان) في التوكيد استغناءً بـ (كلا) و (كلتا) ولا يقال: (أجمعان) ولا (جمعاوان) لماذا؟ لأنه وُجد عندنا (كلا) و (كلتا) كلا في المذكر، وكلتا في المؤنث. كما لا يثنى العدد الذي يمكن الاستغناء عن تثنيته بعدد آخر؛ لأن الثلاثة وثلاثة لا تقل: ثلاثان، وإنما تقول: ستة، أربعة وأربعة لا تقل: أربعان، لأنه عندك ثمانية، بخلاف: مائة .. مائتان، ألف .. ألفان، لماذا؟ لأنه لم يوجد لفظ يغني عنهما، ثلاثة لا يقال: ثلاثان، لماذا؟ لوجود ستة، لأنها هي معنى الثلاثَين، كذلك لا يقال: أربعان لوجود الثمانية، لكن مائة نقول: مائتان صح التثنية لعدم وجود ما يدل عليها. إذاً: هذه الشروط ثمانية: شَرْطُ المُثَنَّى أَنْ يَكُونَ مُعْرَبَا ... مُوافِقاً في اللَّفْظِ والمَعْنَى لَهُ ولم يكُن كُلاً ولا بعضا ولا ... وَمُفْرَداً مُنَكَّراً ما رُكِّبَا مُمَاثِلٌ لَمْ يُغْن عَنْهُ غَيْرُهُ ... مستغرقاً في النفي نِلْتَ الأمَلا مستغرقاً في النفي: قالوا: كأحد وديار، لا يقال: دياران وأحدان، لماذا؟ لأنه هذا مستغرق للنفي يعم الكل، حينئذٍ لا يمكن .. لا يتصور فيه وجود جزأين أو فردين أو أحادين بل هو عامٌ. إذاً: هذا الشروط كلها لا بد من وجودها وتوفرها فيما يصح الإقدام عليه وتثنيته: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى وَكِلاَ ... إِذَا بِمُضَمَرٍ مُضَافاً وُصِلاَ كِلْتَا كَذَاكَ اثْنَانِ واثْنَتَانِ: (كلا) و (كلتا) بقي فيمها مسألة: هل يقال: (كلا) و (كلتا) اسمان ملازمان للإضافة؟ كما سيأتي في باب الإضافة، أنهما يضافان إلى ماذا؟ إلى المعرف الذي يدل على اثنين بلا تفرقٍ، ولو كان بحسب اللفظ مفرداً، يأتي في بابه هذا. لفظهما لفظ مفرد: (كلا) و (كلتا) في اللفظ مفرد، وفي المعنى مثنى، حينئذٍ العرب نظرت إلى اللفظ فراعته، ونظرت إلى المعنى فراعته، فإذا أعيد ضمير على (كلا) و (كلتا) جاز لك وجهان: إما مراعاة اللفظ فيذكر، وإما مراعاة المعنى فيؤنث، ولفظهما مفرد ومعناهما مثنى، ولذلك أجيز في ضميرهما اعتبار المعنى فيثنى، ليس التذكير .. لا فَيُثَنى، واعتبار فَيُفْرَدُ: كِلاهُمَا حِينَ جَدَّ الجَرْي بَينَهُما ... قَدْ أقلَعا وكِلاَ أنفَيهما رَابي

بالألف على كلاهما، هذا راعى فيه ماذا؟ راعى فيه المعنى، فأتى بألف الاثنين: قد أقلعا، ثم قال: وكلا أنفيهما رابي، رابي: واحد، ولم يقل: رابيان، راعى فيه اللفظ ولم يراع فيه المعنى، إلا أن اعتبار اللفظ أكثر من اعتبار المعنى، يعني: عَوُدُ الضمير للفظ مفرداً أكثر من عَوُدِه على المعنى مثنى هذا أكثر، ولذلك جاء في القرآن: ((كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ)) [الكهف:33] (كلتا) (آتت) راعى ماذا؟ اللفظ، لو راعى المعنى لقال: آتتا، أليس كذلك؟ لو راعى المعنى لأتى بألف الاثنين، الدال على التثنية، ولكن قال: (آتت) واحدة، ((كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا)) [الكهف:33] ولم يقل: آتتا، فلما كان لـ (كلا) و (كلتا) حظ من الإفراد وحظ من التثنية أُجْرِيَ في إعرابهما مُجْرَى المفرد تارة ومُجْرَى المثنى تارةً، يعني: أُعطي الإعراب الأصلي بالحركات، وأُعطي الإعراب الفرعي. فلما أضيفا إلى الضمير، قلنا: هما معربان إعراب المثنى مراعاةً للمعنى، ولما أُضيفا إلى الاسم الظاهر، قلنا: أُعربا إعراب المقصور اعتباراً بالأصل، أليس كذلك؟ لأن الإضافة إلى الضمير هذه فرع، والإضافة إلى الظاهر هذه أصل؛ لأن الأصل في الاسم أن يكون ظاهراً، والضمير فرع، والإعراب بالحروف فرع، والإعراب بالحركات أصلٌ، هنا ماذا حصل؟ الذي أُضيف إلى الأصل الظاهر أُعطي ماذا؟ الإعراب الأصلي وهو بالحركات المقدرة، والذي أُضيف إلى الفرع وهو الضمير أُعطي الإعراب الفرعي وهو: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى. إذاً: سلوكاً مسلك التناسب رُوعي فيه اللفظ تارة ورُوعي فيه المعنى تارةً أخرى. ولما كانا (كلا) و (كلتا) في الأغلب إذا أُضيفا إلى ضميرٍ كانا تابعين للمثنى تأكيداً له، ثم اطرد ذلك فيما إذا أُضيفا إلى ضمير متكلم أو مخاطب، ولذلك الضمائر ثلاث هنا: يقال: (كلاكما) أو (كلانا) أو (كلاهما) هكذا نص الرضي، (كلاهما) جاء الزيدان كلاهما، وتقول: (كلاكما) أو (كلانا) بالإضافة إلى: (نا) ويمتنع (كلاكم) بميم الجمع، هذا ممتنع، لماذا؟ لوجود التعارض؛ لأن (كلا) يدل على اثنين، وهم: (كلاكم) نقول: هذا يدل على الجمع. ثم قال رحمه الله تعالى: وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ ... سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ وَمُذْنِبِ هذا هو الباب الثالث من أبواب النيابة مما ينوب فيه حرفٌ عن حركة، قلنا: الاسم .. أبواب النيابة: إما أن ينوب حرفٌ عن حركة، أو حركة عن حركة. حرفٌ عن حركة: هذا محصور في ثلاثة أبواب: في باب الأسماء الستة، والمثنى، وجمع المذكر السالم. وحركة عن حركة: هذا جمع المؤنث السالم، والممنوع من الصرف في حالة الجر. هنا قال: وَارْفَعْ بِوَاوٍ: هذا شروع منه في بيان جمع المذكر السالم. المذكر: هذا وصف لمفرد محذوف، جمع المفرد المذكر هذا الأصل، لماذا؟ جمع المذكر؛ لأن المذكر من التذكير، والتذكير هذا معنىً يقابل التأنيث، والمعاني لا تجمع، إنما الذي يجمع ماذا؟ الألفاظ، حينئذٍ يتعين أن نقدر موصوفاً محذوفاً: جمع المذكر، أي: جمع المفرد المذكر.

السالم، يعني: الذي سلم واحده في الجمع، هذا يحتمل أنه يعود إلى الجمع وصفٌ له، ويحتمل أنه يعود إلى المذكر باعتبار أنه لفظ، فيجوز فيه الوجهان. والجمع: هذا من حيث اللفظ مصدر، والمراد به: ضم شيءٍ إلى مثليه فأكثر، لكن المراد به هنا: من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، أي: المجموع؛ لأن الجمع معنىً من المعاني، حينئذٍ نقول: أطلق المصدر الذي هو الجمع وأراد به المجموع، ولذلك يقول فيما بعد: وَنُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ، فدل على أن المراد بالجمع هو المجموع، يعني: اللفظ وإلا الجمع شيءٌ معنوي. وأما معناه في اللغة: فهو ما دل على أكثر من اثنين، هذا ليس المقصود به لفظ جمعٍ، وإنما مسمى الجمع الذي هو المسلمون ونحوه، ثَم أمران: كلمة: جمع، وكلمة: مسلمون، ثَم نزاع عند الأصوليين: أقل الجمع ما هو؟ كذلك عند أهل اللغة، أقل الجمع ما هو؟ ثلاثة أو اثنان؟ فيه خلاف، والجمهور على أنه: (ثلاثة): وفي أقل الجمع مذهبان ... أقواهما ثلاثةٌ لا اثنان في أيٍ الخلاف، هل هو في كلمة: (جمع) أو ما يصدق عليه جمع وهو المسلمون؟ الثاني، ليس في الأول؛ لأن الأول أقله اثنان باتفاق، كلمة: (جمع) لو قال: عندي جمعٌ من الناس، أقله: اثنان .. لو قال: عندي جماعة، أقله: اثنان، وهذا محل وفاق؛ لأن معنى الجمع ضم شيءٍ إلى شيء، هذا الأصل فيه: ضم شيءٍ إلى شيء، وهذا المعنى يحصل بماذا؟ يحصل بضم شيء واحد إلى شيء آخر فهما اثنان. حينئذٍ أقل مدلول لفظ كلمة: (جمع) كلمة جمع نفسها ومشتقاتها: اثنان، وهذا لا نزاع فيه، وإنما النزاع في نحو: مسلمون وما شاكله، هل أقله ثلاثة أم لا؟ هل المسلمون الأصل فيه: مسلم ومسلم، أو الأصل فيه: مسلم ومسلم، ومسلم؟ لا شك أنه الثاني. وأما في الاصطلاح، فمرادهم بجمع المذكر السالم: ما دل على أكثر من اثنين مع سلامة بناء مفرده، قلنا (ما): هذا اسم معرب، لا بد أن نفسره هنا: بالاسم المعرب، فلا يدخل معنا المبني؛ لأن حديثنا في المعربات لا في المبنيات. ما دل، دل يعني: اسم معربٌ ذو دلالة، على أكثر من اثنين: أخرج ما دل على أكثر من اثنتين وهو جمع المؤنث السالم، وبقي معنا ماذا؟ جمع التكسير، فقوله: مع سلامة بناء مفرده: أخرج جمع التكسير. إذاً: ما دل على أكثر من اثنين: أخرج جمع المؤنث السالم وبقي معنا جمع التكسير، وأما المثنى هل يرد؟ لا يرد، لماذا؟ لأن المثنى: ما دل على اثنين أو اثنتين، وهنا: ما دل على أكثر من اثنين فهو خاص بالجمع. مع سلامة بناء مفرده لفظاً أو تقديراً: فخرج به جمع التكسير المتغير واحده لفظاً كالرجال، أو تقديراً كصنوان؛ لأن الحركات هنا مقدرة، والمراد: مع سلامة ما ذكر لغير إعلالٍ، سلامة بناء الواحد: هذه شرط في صحة جمع المذكر السالم، زيدٌ زيدون، مسلم مسلمون، كما هو يبقى، لا بد أن يصح واحده في الجمع، بمعنى: أن صورة الواحد موجودة في الجمع قبل زيادة الواو والنون، أو الياء والنون.

لكن جمع المذكر السالم إذا جمع المنقوص كالقاضي، تقول: (قاضُوُن) والأعلى تقول: (أعلَوُن) حصل تغيير لبناء واحده أو لا؟ حصل قطعاً؛ لأن قاضِي، الضاد مكسورة، وقاضون الضاد مضمومة، هل سلم واحده؟ لم يسلم، إذاً: ليس بجمعٍ مذكرٍ سالم، أليس كذلك؟ ما دل على أكثر من اثنين مع سلامة بناء مفرده، يصدق عليه الحد؟ لا يصدق عليه الحد؛ لأن قاضِي بكسر الضاد، وقاضُوُن بضم الضاد، إذاً: تغير واحده. (أعلَوُن) (مُصْطَفَونَ) مصطَفَاو، هذا الأصل: مصطفى، الألف هذه منقلبة عن واو، أصلها: (مُصطَفَوُن) أليس كذلك؟ تحركت الواو وانفتح ما قبله فقلبت ألفاً؛ لأنه مأخوذ من الصفوة كما مر معنا، إذا قلت: (مُصْطَفَون) الفاء بعدها لامٌ التي هي واو الكلمة، أين هي؟ محذوفة، حينئذٍ لا بد من أن نفسر السلامة مع سلامة بناء واحده مفرده لغير اعتلالٍ، يعني: ما تغير واحده في ضمن جمعه إما أن يتغير لعلة تصريفية وإما أن يتغير لذات الجمع، الثاني: جمع التكسير، والأول لا يخرج عن جمع المذكر السالم. قاضون أصلها: (قاضِي) بالياء، إذا زدت عليه الواو والنون: قاضِيْ ياء ساكنة ثم واوٌ ساكنة التقى ساكنان، الأصل في التقاء الساكنين، ما هو الأصل؟ لدينا طريقان: الطريق الأولى: تحريك الأول الساكن، هذا الأصل نحركه، أليس كذلك؟ هل يمكن تحريك الياء هنا؟ يمكن تحريك الياء، ولذلك الضمة والكسرة هنا تقدر لمَ: للتعذر أو للثقل؟ للثقل، إذاً: القاضيُ .. ومررت بالقاضيِ، نقول: هذا يمكن أن ينطق به اللسان، لكن فيه ثقل، نقول: هنا يتعذر تحريك الياء بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، هذا متعذر، لكن التعذر هنا لا لذاته، وإنما لأمرٍ اعتباري: وهو أننا أسقطنا عن الياء: القاضي، حركة الإعراب الأصلية التي لها أثرٌ في المعنى، دفعاً للثقل وطلباً للخفة، فمن بابٍ أولى وأحرى ألا نحركها بحركة عارضة. لو أردنا تحريك هذا الحرف للتخلص من التقاء الساكنين لقلنا: الأولى أن نأتي بحركة الإعراب؛ لأنها هي الأصل، فإذا أسقطناها من أجل طلب الخفة أو دفعاً للثقل، فمن بابٍ أولى وأحرى: ألا نأتي بحركةٍ عارضة، إذاً: امتنع التحريك، هذا الطريق الأول في التخلص من التقاء الساكنين. بقي الحذف، والحذف لا يتحقق إلا بشرطين: أن يكون الحرف الأول الساكن حرف علة، وأن يوجد دليلٌ قبله من جنسه، إن كان واواً فضمة، وإن كان ألفاً ففتحة، وإن كان ياءً فكسرة، هل تحقق الشرطان؟ (القاضيِ) الياء حرف علة ومكسورٌ ما قبله، إذاً: حذفنا الياء للتخلص من التقاء الساكنين، صار: (القاضِوْ) ضاد مكسورة واو ساكنة.

هنا عندنا أمران: إن أبقينا الكسرة على حالها وقعنا في مفسدة، وهي: أن القاعدة الصرفية إذا سكنت الواو وانكسر ما قبلها وجب قلبها ياءً، وإذا كان كذلك التبس المرفوع بالمنصوب أو المجزوم، دفعاً لهذا القلب .. لندفع هذا القلب ونبطل القاعدة ماذا نصنع؟ نضم الضاد نعم، (القاضُوْن) ليس عندنا واو ساكنة مكسورٌ ما قبلها، إذاً: ليس عندنا قلب للواو، لكن وقعنا في مفسدة! وهي: أن الكسرة دليل للمحذوف، فلا يجوز حذف الكسرة هذا الأصل، هذه الكسرة الأصل بقاؤها فتلزم، حينئذٍ صار عندنا مفسدتان: هكذا يقولون: مفسدةٌ كبرى، ومفسدةٌ صغرى، أيهما الكبرى؟ قلب الواو ياءً، والصغرى: ذهاب دليل الياء المحذوفة. وارتكب الأخف من ضرين .. فحينئذٍ نقلب الكسرة ضمة، ولو خالفنا ووقعنا في مفسدةٍ صغرى وهي: ذهاب دليل الياء؛ لئلا نقع في المفسدة الكبرى وهي: قلب الواو ياءً، إذاً: الحاصل (قاضُون) نقول: هذا جمع مذكرٍ سالم، هل سلم فيه واحده؟ نقول: لم يسلم، ووجه عدم سلامته لا لصيغة الجمع، وإنما لعلةٍ صرفية، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يخرج عن حد جمع المذكر السالم. (مُصطَفَون) هذه عندكم سهلة، ما أصلها؟ (مُصطَفَى) الألف هذه واو (مُصطَفَوُن) تحركت الواو فتح ما قبلها فقلبت ألفاً، (مُصطَفَاْوْن) ألف ساكنة ثم واو ساكنة، هل يمكن التحريك؟ لا يمكن التحريك، إذاً: وجب حذف الألف، وبقيت الفتحة دليلاً عليها، صار: (مُصطَفَون) هل سلم المفرد؟ لم يسلم، حذفت لامه التي هي الألف المنقلبة عن الواو، لكن هذا الحذف هل هو لذات الجمع، كما تقول في سرير: سرر، أم هو لعلةٍ صرفية؟ لعلة صرفية. لذلك نقول: إذا حذف ولم يسلم واحده في الجمع ننظر: هل هو لصيغة الجمع، لذلك سرير تقول: سُرر، ورسول تقول: رُسل، حصل حذف أو لا؟ حصل حذفٌ لكن لا لعلة تصريفية، بل لذات الجمع وصيغة الجمع، هكذا وضع أصالةً، أما (مُصطَفَون) و (قاضُوُن) هذا الأصل ليس كذلك، وإنما حصل له إعلال، وهذا لتطبيق القواعد الصرفية عليه. هذان النوعان، نقول: لا يخرجان عن جمع المذكر السالم. إذاً: جمع المذكر السالم: ما دل على أكثر من اثنين مع سلامة بناء مفرده لغير إعلال، لو زدناه لا بأس به، وهذا الجمع يسمى: جمع المذكر السالم، من أسمائه: جمع المذكر السالم، ويسمى: الجمع على حد المثنى، على حد المثنى، يعني: على طريقة المثنى، وما هي طريقة المثنى؟ أنه يُعرب بحرفين، يعني: بألف ونون وياء ونون. وقولهم: يُعرب بحرفين: هذا من باب التوسع والتسامح، وإلا هو يعرب بحرف واحد، وإنما مرادهم أنه يعرب بحرف مع زيادة تكون في المثنى كما هي في الجمع فهما سيان من حيث الزيادة .. زيادة النون، إذاً: يعرب على حد المثنى، جمعه على حد المثنى؛ لأن كلاً منهما يعرب بحرفين بعدهما نون، أو يوجه أيضاً توجيه آخر: أن المثنى يعرب بحرفين، بمعنى أنه ألف وياء، والياء تكون في محلين (نصبٍ وجرٍ) كما ذكرنا، وإن كانت الياء التي في حالة الجر ليست هي عين الياء التي تكون في حالة النصب لما ذكرناه بالأمس:

أن الياء التي تكون جراً هذه مُشْبَعة عن الكسرة، والياء التي تكون فتحةً الأصل فيها أنها تكون مُشْبَعةً عن الألف، ولذلك خالف المثنى الأصل؛ لأن الأصل أن يعرب بالرفع في حالة الرفع بالواو لا بالألف، هذا الأصل فيه، وأن يعرب في حالة النصب بالألف، لكنه لم يجر على هذا الأصل، وإنما جرى على الأصل في حالة الجر فحسب، بخلاف الجمع هنا: جرى في رفعه على الأصل، ولم يجر في نصبه على الأصل، لماذا؟ قالوا: لأن المثنى أقل من حيث المعنى وأكثر من حيث الاستعمال، والجمع ثقيل من حيث المعنى وأقل من حيث الاستعمال، وهنا الحروف النظر فيها باعتبار الاستعمال. حينئذٍ أُعطي الكثير استعمالاً الخفيف الذي هو الألف، وأعطي الكثير استعمالَاً -جمع المذكر السالم- الخفيف الثقيل من الحروف، إذاً: الجمع على حد المثنى؛ لأن كلاً مهما يعرب بحرفين من حروف العلة بعده نون تسقط للإضافة. ويسمى كذلك: جمع السلامة للمذكر. قال رحمه الله في بيان حكمه، بعد أن عرفنا حده: وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ ... سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ وَمُذْنِبِ وَارْفَعْ بِوَاوٍ: ارفع: هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، وارفع رفعاً مُصَوَّراً بواو، يعني: بمسمى واوٍ كما ذكرناه مراراً، إذاً: الواو المراد بها هنا الاسم، والتي تجعل علامةً للرفع، وينطق بها هي مسمى الواو: وه، مسلمو .. واو هذه، اسمها: واو، والذي يكون علامةً للرفع هو مسمى الواو نيابةً الضمة، وهذه الواو قد تكون ظاهرةً كما في: جاء الزيدون، وقد تكون مقدرةً كما في: جاء صالح القوم، صالح القوم كما في أبو العباس، صالح القوم، صالح: هذا فاعل مرفوع ورفعه الواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، فهي مقدرة وليست ملفوظاً بها. أو تكون منقلبة إلى ياء كما في: مسلمي، جاء مسلمي إذا أضفته إلى ياء المتكلم، وهو في حالة الرفع، تقول: جاء مسلِمِيَ، هذا فاعل مرفوع ورفعه الواو، أين الواو؟ منقلبة إلى ياء، انقلبت إلى ياء، وفيها سلسلة، أصلها: مسلمون لي، حذفت اللام تخفيفاً، ثم حذفت النون للإضافة، صار ماذا؟ مسلِمُوُي، اجتمع ماذا؟ واو وياء، وسبقت إحداهما بالسكون، الواو هذه هي علامة الرفع .. هي علامة الجمعية وعلامة الرفع، صار مسلِمُوُي، اجتمع واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون، والقاعدة الصرفية: أنه إذا اجتمع واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياءً وإدغامها في الياء، ماذا صار؟ مسلِمُيِّ بضم الميم وتشديد الياء، قلبت ضمة الميم كسراً من أجل المناسبة صار: مسلِمِيِّ، إذاً: (مسلِمِيِّ) نقول: هذا فاعل مرفوع، جاء مسلِمِيِّ، فاعل مرفوع ورفعه ضمةٌ مقدرة على آخره. هكذا؟ .. أين المحذوفة؟ مرفوع ورفعه الواو المنقلبة ياءً، لكن هل هذه ملفوظة بها أم مقدرة؟ مقدرة؛ لأن الأصل في العلامة أن يكون منطوقاً بها كما هي، ولا نقول: بالضمة، قد يلتبس على البعض، يظن أنه مثل: (غلامي) جاء غلامي .. جاء مسلِمِيِّ، نقول: لا، أصلها: مسلمون، قلبت الواو ياءً فأدغمت في الياء، إذاً: صارت مقدرةً. إذاً: وارفع بواوٍ المضموم ما قبلها نيابةً عن الضمة، ظاهرةً كما في الزيدون أو مقدرة كما في صالح القوم، أو منقلبة إلى الياء كما في مسلِمِيِّ.

وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ: وبيا، بيا: جار ومجرور متعلق بماذا؟ اجرر بيا، وليس متنازعاً فيه لاجرر وانصب؛ لأن عندنا فعلان: اجرر بياء، وانصب بياء، هل هذا من باب التنازع؟ الجواب: لا، لأن شرط التنازع أن يكون الفعلان متقدمين على المتنازع فيه، لو قال: اجرر وانصب بياء، قلنا: هذا من باب التنازع، وأما إذا تقدم المتنازع فيه خرج عن باب التنازع، وحينئذٍ نقول: بيا اجرر، بيا ليس من قبيل التنازع، لا لـ: اجرر ولا لـ: انصب، على الأصح لتأخر العاملين، فلا يصح عمل المتأخر المعطوف فيما قبل المعطوف عليه للفصل به، بل يقدر له معمول آخر. وعلى القول الثاني: يعني الذين جوزوا أن يعمل المتنازع فيما تقدم .. على القول الثاني: يصح كونه من باب التنازع لطلب المعمول في الجملة، والمشهور لا. وَبِيَا: هذا بالقصر، أصلها: بياءٍ قصره للوزن أو نقول: لغة؟ بيا، لغة نعم، قلنا: الباء والياء والثاء يجوز فيها وجهان، فإذا مر معنا ولو كان ضرورة للوزن نقول: هذا لغة وليس ضرورةً، وبيا: للقصر مع حذف التنوين للضرورة، حذف التنوين للضرورة؛ لأن الأصل: وبياً اجرر، لكن للوزن حذفه، وبيا اجرر، نيابةً عن الكسرة، وانْصِبِ: يعني: بيا كذلك نيابةً عن الفتحة. إذاً: جمع المذكر السالم يرفع بالواو نيابةً عن الضمة، وينصب ويجر بالياء نيابةً عن الفتحة في النصب ونيابةً عن الكسرة في الجر. قال: سَالِمَ جَمْعِ: سالم: هذا تنازعه العوامل الثلاثة قبله: ارفع سالم جمع .. اجرر سالم جمع .. انصب سالم جمع، ثلاثة عوامل كلها تطلبها على أنه مفعول له، نُعْمِل الأخير حينئذٍ نقول: سَالِمَ، هذا مفعول به لقوله: انصب، والأول ارفع واجرر، نُعْمِلُه في ضميره ثم نحذفه، يعني: نقول المصنف أَعْمَلَه في ضمير؛ لأنه لا بد من مفعول به، فلما نصبه .. انصبه .. اجرره، أو ارفعه، اجرره وانصب سالم جمعٍ، حينئذٍ نقول: أعمل الأول والثاني في ضمير سالم، وبعد ذلك حذفه بناءً على: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ ... إذاً: سالِمَ، نقول: تنازعه العوامل الثلاثة قبله، وأُعْمِلَ الأخير، وأُضمِر في الأولين ضميره، ثم حذفه الناظم رحمه الله تعالى. سَالِمَ جَمْعِ: هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني: الجمع السالم، والصفة لبيان الواقع بالنسبة لعامل ومذنب، إذ لا جمع لهما غير سالم، ومخصصة بالنسبة لقوله: وَشِبْهِ ذَيْنِ. سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ وَمُذْنِبِ: يعني: وجمع مذنب، لئلا يُظَن أنه يجمعان جمعاً واحداً، فنقدر في الثاني ما أظهره في الأول: سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ: وعامر هذا علم كما سيأتي، وَمُذْنِبِ: هذا صفة، يعني: وجمع مذنب .. وسالم جمع مذنب، دفع بتقدير جمعٍ هنا إيهام كلام المصنف اشتراك عامل ومذنب في عامل واحد، وإنما لم يبالِ الناظم بهاذ الإيهام لضعفه جداً بوضوح انتفاء الاشتراك فلا لبس، يعني: لا يمكن أن يتصور أن يجمع عامر ومذنب في لفظٍ واحدٍ.

(عامر) و (مذنب) كما ذكرنا أن المصنف رحمه الله يعطي الأحكام بالأمثلة، حينئذٍ مراده أن يبين: أن الذي يُجمع بواوٍ ونون، وياءٍ ونون، هو ما كان علماً أو صفةً، بالإضافة إلى شروط المثنى السابقة، فيشترط في صحة جمع المذكر السالم أن يكون مفرداً معرباً إلى آخر ما ذكرناه سابقاً، يضاف إليه أن يكون علماً كعامرٍ، وصفةً مشتقةً كمذنب، لكن كذلك العلم ليس على إطلاقه، والصفة ليس على إطلاقه، بل يشترط في العلم الذي هو اسم جامد: أن يكون علماً لمذكر عاقلٍ خالياً من تاء التأنيث ومن التركيب، هذا يزاد على ما ذكرناه من الشروط: أن يكون علماً لمذكرٍ عاقلٍ: ثلاثة هذه، خالياً من تاء التأنيث: أربعة، ومن التركيب: خمسة. فإن لم يكن علماً لا يجوز جمعه بواو ونون كرجل، هذا اسم جنس جامد: رجل، هل يصح أن يقال: رجلون؟ نقول: لا يصح، لماذا؟ لأن من صحة شرط الجمع أن يكون الاسم الجامد علماً، نقول: جامد لأنه قابَل بين (عامر) و (مذنب) ما الفرق بينهما؟ (مذنب) هذا صفةٌ مشتقة، إذاً: يقابله ما هو؟ الجامد، يشترط في هذا الجامد أن يكون علماً، فإن لم يكن علماً لا يجوز جمعه بواو ونون، فرجل لا يصح أن يجمع بواو ونون إلا إذا صغر فقيل: (رُجيل) فحينئذٍ يصح جمعه بواو ونون فيقال: في رجيلون، بناءً على أنه مصغر، والمصغير في معنى الموصوف، كأنه صار كمذنبٍ، ومثله: (ابن) إذا قيل (ابن) هذا لا يصح جمعه بواو ونون إلا شذوذاً، فحينئذٍ إذا قيل: (أُبين) صح: زعَمَتْ تُماضِرُ أنَّني اِمَّا أمُتْ ... يَسْدُدْ اُبَيْنُوهَا الأصاغِرُ خَلَّتي أُبينوها: جمعها بواو ونون، لماذا؟ لأنه تصغير ابن، وإذا كان كذلك حينئذٍ صار في قوة ابن صغير أو ابن حقير على ما يراد من أغراض التصغير، إذاً: أن يكون علماً، فإن لم يكن لم يجمع بواو ونون فلا يقال في: (رجلٍ) رجلون، نعم إذا صُغِّر جاز ذلك، يعني: حينئذٍ يقوم مقام الصفة، رُجِيل رجيلون؛ لأنه وصف. والمراد بالعلم هنا، العلم أنواع كما سيأتي: علمٌ شخصي، وعلمٌ جنسي، المراد هنا أن يكون علماً أي: شخصياً، فلا يجمع العلم الجنسي، لا يُجمع بالواو والنون أو الياء والنون، إلا ما كان علماً على الشمول .. شمول التوكيد نحو: أجمع، حينئذٍ يقال: أجمعون، هذا علم جنسي، لكن المراد به الشمول، إفادة التوكيد، والشمول نحو: أجمع، فإنه يقال فيه: أجمعون وأجمعين؛ لأنه صفٌة في أصله لأنه أفعل تفضيل أصالةً. ثم اشتراط العلمية هنا، كيف نقول: يشترط أن يكون علماً .. شَرْطُ المُثَنَّى أَنْ يَكُونَ مُعْرَبَا ... وَمُفْرَداً مُنَكَّراً .. يشترط في الجمع أن يكون منكراً، ثم نقول: يشترط فيه أن يكون علماً، هذا تناقض أو لا؟ فهمتم الإشكال؟ يشترط أن يكون علماً، ثم نقول: العلم لا يثنى ولا يجمع، وكيف نشترط أن يكون علماً؟! نقول: العلمية شرطٌ للإقدام .. توجه منك إلى اللفظ، والتنكير شرطٌ للجمع أو التثنية بالفعل .. للجمع بالفعل، حينئذٍ إذا أردت أن تختار الكلمة التي تريد جمعها توجهك يكون لماذا؟ للعلم، ثم إذا أردت أن تلحقه بالفعل واواً ونون، لا بد أن تعتقد في قلبك أنه نكرة، إذاً: كلاهما متعلقان بماذا؟ بالقلب الإقدام وبالفعل.

إذاً: ثم اشتراط العلمية للإقدام على الجمعية، واشتراط عدمها المصرح به في قولهم: لا يثنى العلم ولا يجمع إلا بعد قصد تنكيره لتحقيق الجمعية بالفعل فلا منافاة بين الاشتراطين أو يقال: العلمية من الشروط المُعِدَّة، أي: المهيئة لقبول الجمعية، وهي لا توجد مع المشروط، والأول أولى، أن يقال: العلمية للإقدام والتنكير بالفعل، لنجمع بين الأمرين: أن يكون علماً، قال: لمذكرٍ، احترازاً عن المؤنث، فلا يقال في زينب: زينبون، إلا إذا سمي به مذكر، وأما باعتبار كونه مؤنثاً فلا يجمع بواو ونون، لمذكر عاقل، أي: المذكر باعتبار المعنى لا اللفظ، فدخل زينب وسُعدى علمين لمذكر، زينب علم لمذكر، في الأصل هو علمٌ لأنثى، لكن إذا جعل علماً لمذكر حينئذٍ نقول: باعتبار المعنى هو مذكر. (سُعدى) الألف هذه كحبلى تدل على التأنيث، إذا نظرنا إلى المعنى وهو علمٌ لمذكرٍ قلنا: هذا مذكر، فدخل معنا في اشتراط ماذا؟ في اشتراط التذكير، وخرج زيدٌ وعمرو علمين لمؤنثين، لو امرأة سميت زيد ومعها زيد ومعها زيد، ما يقال: الزيدون، إنما يقال: الزيدات بألف وتاء كما يقال: الزينبات. إذاً: اللفظ إذا كان في أصله لمؤنث ثم نقل لمذكر يجمع بواو ونون، وإذا كان في أصله لمذكر، ثم نقل لمؤنث جمع بألف وتاء، إذاً: ينظر هنا إلى المعنى، ولا ينظر إلى اللفظ باعتبار أصله، وخرج زيدٌ وعمروٌ علمين لمؤنثين، وإنما لم يعتبروا المعنى في (طلحة)، هنا نظرنا إلى المعنى، زينب في الأصل لفظٌ لمؤنث، قلنا: لا ننظر إلى اللفظ، وننظر إلى المعنى، (سُعدى) لا ننظر إلى اللفظ بل ننظر إلى المعنى. زيدٌ: في اللفظ لمذكر، قالوا: لا، لا نلتفت إليه، بل ننظر إلى المعنى، طيب! (طلحة) لماذا أخرجتوه من جمع المذكر السالم، كما سيأتي خالياً من تاء التأنيث؟ وإن كان هذا مرجوحاً، وإنما لم يعتبروا المعنى في (طلحة) واعتبروا اللفظ حيث لم يجمعوه بالواو والنون أو الياء والنون، بل جمعوه بالألف والتاء لوجود المانع من مراعاة المعنى وهو تاء التأنيث قالوا: (طلحة) هذا نخرجه بقيد خالياً من تاء التأنيث، وأما (سُعدى) و (زينب) إذا سمينا بهما مذكر ننظر إلى المعنى، فهمتم؟ (سُعدى) هذا اسم لمؤنث، قالوا: إذا سُمي به مذكر نجمعه بواو ونون، لماذا؟ قالوا: لأننا ننظر إلى المعنى، طيب! (طلحة) معناه مذكر، لماذا لم تجمعوه بواو ونون؟ قالوا: لوجود المانع، ما هو المانع؟ التاء، نقول: و (سُعدى) كذلك المانع موجود، وهو الألف، (سُعدى) مثل: (حُبلى) ولذلك الألف الممدودة والمقصورة في باب التأنيث أشد تمكناً في الدلالة على المؤنث من مجرد التاء، فإذا جوزوا أن يُجمع بواو ونون ما سمي بسعدى وحبلى وصحراء ونحوها، فالأدنى وهو ما كان مختوماً بتاء التأنيث أولى. ولذلك نقول: الصواب أنه يجوز جمع طلحة وحمزة ونحوهما بواو ونون، والعلة هذه عليلة، وهذا مذهب الكوفيين: أنه يجوز أن يجمع بواو ونون ما ختم بتاءٍ وهو علمٌ لمذكر، مثل: طلحة وحمزة، فيقال: حمزون، وطلحون، ولا مانع أن يجمع كذلك بألف وتاء، لا بأس من تعدد الجمع، طلحات وحمزات، وإنما المقام هنا في مقام بيان المذكر السالم.

إذاً قولهم: وإنما لم يعتبروا المعنى في طلحة، واعتبروا اللفظ حيث لم يجمعوه بالواو والنون أو الياء والنون بل جمعوه بالألف والتاء، نقول: لوجود المانع من مراعاة المعنى وهو تاء التأنيث، وهذه عِلةٌ عليلة، والمراد: مذكر عاقل ولو تنزيلاً، لمذكر عاقل: هذا الشرط، جاء قوله: ((قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)) [فصلت:11] .. ((رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)) [يوسف:4] العاقل بواو ونون، رأيتهم لي: الكواكب، طائعين، قالوا: ولو كان تنزيلاً، بمعنى: أنه يُنزل لوصفه مُنَزَّلَة العاقل، فحينئذٍ: لمذكر عاقلٍ سواء كان عاقلاً بالفعل أو بالقوة. والمراد ما شأن جنسه العقل، فدخل الصبي غير المميز والمجنون، هذا يدل على التوسع: لمذكر عاقل، إذا وصفت مجانين بوصفٍ، تأتي به على أي وصف .. على أي جمع؟ عندك زيدون كلهم مجانين، ماذا تقول؟ هؤلاء زيدون، أزعجونا الزيدون فكلهم مجانين، هل نقول: جمع المذكر السالم لا بد أن يكون لعاقل، فالمجنون لا يجمع بواوٍ ونون، والصبيان الصغار لا يجمع بواوٍ ونون؟ نقول: لا، ليس المراد العقل هنا، العقل عند الأصوليين الذي يؤخذ شرطاً في صحة التكليف، وإنما المراد به ولو بالقوة .. ولو بالتنزيل. إذاً: هذا الشرط الثاني والثالث: أن يكون علماً: هذا الشرط الأول، لمذكرٍ: شرطٌ ثانٍ، عاقلٍ: شرطٌ ثالث. خالياً من تاء التأنيث: ومقصودهم بذلك: أنه إذا اتصلت به تاء التأنيث لا يجمع بواو ونون، واستثنوا (طلحة) قالوا: لا يجمع بواو ونون، والصواب: أنه يجمع بواو ونون، فحينئذٍ أقول: طلحة طلحون، لماذا؟ لاتفاق البصريين والكوفيين: أن ما سُمي بلفظٍ مختوم بألف ممدودة أو مقصورة: (حبلى) و (صحراء) أنه يجمع بواو نون، واختلفوا في المختوم بالتاء، وإن كانت التاء في الدلالة على التأنيث أدنى من الألفين السابقين، فإذا جاز في الأشد فمن باب أولى وأحرى أن يجوز في التاء، ثم نظروا في زينب وزيد إلى المعنى، ولم يعتبروا اللفظ، يعني: إذا سميت امرأة بزيد، لو نظرنا إلى اللفظ واعتبرناه كما اعتبروا التاء هنا في (طلحة) نقول: زيد لا يجمع بألف وتاء، إذا سمي به امرأة لا يقال: زيدات، لماذا؟ لأن اللفظ مراعى، وهنا غلبوا جانب المعنى، إذاً: نغلب جانب المعنى، و (طلحة) معناه: مذكر، فحينئذٍ لا ينبغي التوقف؛ لأن (طلحة) يجمع بواو ونون. خالياً من تاء التأنيث ما لم تكن عوض فاءٍ أو لامٍ، يعني: التاء هذه قد تكون عوض فاءٍ أو عوض لامٍ، قد يحذف الفاء، مثل: (وَعَدَ) ويعوض عنها التاء، فحينئذٍ التاء هذه هل هي ساقطةٌ بهذا الشرط؟ نقول: لا، ليس المراد بها هذه. يستثنى ما لم تكن عوض فاءٍ أو لامٍ، فيستثنى مما فيه التاء ما جُعل علماً من الثلاثي المعوض من فائه تاء التأنيث نحو: (عِدَةٍ) أو من لامه نحو: (ثُبَة) لو سمي رجل بـ (عِدة) وآخر بـ (عِدة) وثالث، هل نجمعه بواو ونون، أو نقول: خالياً من تاء التأنيث، وهذا لم يخل من التاء؟ نقول: لا، في (عدةٍ) و (ثُبَةٍ) هذه التاء عوضٌ عن فاء محذوفة أو لامٍ محذوفة.

وتاء (طلحة) هذه ليست عوضاً، وهي المرادة بالاشتراط، يعني: اشترطنا أن يكون العلم خالياً من تاء التأنيث مراداً به التاء التي لم تكن عوضاً عن فاء أو لام، فإن كان العلم متصلاً به تاء التأنيث وهي عوض عن فاء أو لام، حينئذٍ يجمع بواو ونون، فـ (عدةٌ) يجمع بواو ونون فيقال: (عِدون) و (ثُبَةٌ) يجمع بواو ونون فيقال: (ثُبون) أو (ثِبون) فإنه يجوز جمعه هذا الجمع عند الجمهور، ومنعه المبرِّد وأوجب جمعه نحو: (عداتٍ) يعني: مثل (طلحات). أما ألف التأنيث فلا يشترط الخلو منها مقصورةً أو ممدودةً، وهذا نقض على البصريين، لا يشترط أن تكون الكلمة خاليةً من ألف التأنيث الممدودة أو المقصورة، مع أنها أشد تمكناً في الدلالة على التأنيث من التاء، فاشترطوا انتفاء التاء ولم يشترطوا انتفاء الألف الممدودة والمقصورة، فلو سمي (صحراء) رجل نقول: (صحراء) في التأنيث أمكن من (طلحة) مع ذلك قالوا: (صحروون) (حبلوون) يجمع بواو ونون، ولم يلتفتوا إلى هذه الألف. إذاً: خالية من تاء التأنيث: هو خصوص التاء، وهذا التاء تكون للتأنيث لا عوضاً لا عن واو .. لا فاء الكلمة ولا عن لامها. ثم إذا كان الاسم العلم المذكر عاقل متصلاً بما هو دالٌ على التأنيث ولم يكن تاء، كالألف الممدودة أو المقصورة، قالوا: يجمع بواو ونون، فلو سمي مذكر: بـ (سلمى) يجمع بواو ونون .. (سلمى) هذا أشد تمكناً في التأنيث من طلحة، سلمى .. كيف يجمع هذا؟ سلمون .. صحراء صحروون، جمع هذا الجمع بحذف المقصورة: (سلموون) هذا الأصل اجتمع واوان، حينئذٍ حذفت الأولى للتخلص من التقاء الساكنين، وقلبت همزة الممدودة واواً صحراء صحراون، تقلب الهمزة واو، وهذا سيأتي في آخر الألفية إن شاء الله تعالى: تثنية ما كان ممدوداً أو مقصوراً، هذا بعد السبعمائة. خالياً من تاء التأنيث ومن التركيب، لذلك التركيب بما سبق يعني، ذكرنا أن التركيب قد يكون تركيباً إسنادياً .. مزجياً .. عددياً .. توصيفياً .. إضافياً، كلها تمنع إلا الإضافي، فيجمع أوله الصدر ويبقى العجز كما هو، وما عداه على الأصل. خالياً من تاء التأنيث، وإنما اشترط الخلو من التاء .. تاء التأنيث؛ لأنها إن حذفت في الجمع التبست بجمع ما لا تاء فيه، وإن أبقيت لزم الجمع بين علامتين متضادتين بحسب الظاهر، إذا قلت: (طلحة) وجمعتها بواو ونون، حينئذٍ التاء إما أن تبقيها وإما أن تحذفها، إن حذفتها قلت: (طلحون) التبس بما لا تاء فيه، إن قلت: (طلحتون) اجتمع عندنا علامتان: علامةٌ تدل على التأنيث، وعلامةٌ تدل على التذكير وهو الواو، حصل تضاد، والصواب: أنه يقال فيه (طلحون) ولا إشكال. إذاً: سبب اشتراط الخلو من التاء هو هذا: إن حذفت التاء عند الجمع التبس بما لا تاء فيه، وإن لم تحذف حينئذٍ اجتمع فيه علامتان، فإن قيل .. إذا قيل: (طلحون) لم يسلم فيه واحده، ونحن اشترطنا في الجمع: أن يسلم فيه واحده، نقول: هذه التاء في الأصل أنها على نية الانفصال، هي الأصل ليست من جوهر الكلمة، وإنما هي زائدة، ولذلك في (فاطمة) يقال: (فاطمات) سقطت التاء؛ لأنها في نية الانفصال فهي ساقطة ليست من جوهر الكلمة.

وإنما اغتفروا وقوعها حشواً في التثنية؛ لأنه ليس لتثنية ذي التاء صيغة تخصها، فلو حذفوا التاء من تثنيته لالتبست من بثنية ما لا تاء فيه بخلافه جمعاً، إذاً: الشرط هذا ساقطٌ من أصله. نقول: لا يشترط في جمع العلم أن يكون خالياً من تاء التأنيث، هذا هو الصواب، وأن نحو: (حمزة) و (طلحة) يجمع بواو ونون، وهو مذهب الكوفيين. ومن التركيب يعني: يشترط فيه أن يكون خالياً من التركيب، ألا يكون مركباً، فلا يقال في سيبويه: (سيبويهون) لا يقال! لأن هذا النوع ذكرنا أنه من المزجي، والمزجي لا يثنى ولا يجمع، كما أن الإسنادي لا يثنى ولا يجمع، فإن كان ثم تأبط شراً وأردت جمعه تقول: جاء ذوو تأبط شراً، تأتي بـ (ذو) وتجمعها، كما تقول: جاء ذوا تأبط شراً، رأيت ذويي تأبط شراً، تأتي بـ (ذو) وتجمعها بواو أو نون. فلا يقال في سيبويه: (سيبويهون) وأجازه بعضهم مطلقاً وقيل: إن خُتم بـ (ويه) جاز وإلا فلا، وعلى الجواز في المختوم بـ (ويه) قيل: تلحق العلامة بآخره، فيقال: (سيبويهون) وقيل: تلحق بالجزء الأول، ويحذف الثاني فيقال: (سيبون) كله اجتهاد هذا، ليس فيه نقل، وإنما اجتهاد. كذلك لا يجمع الإسنادي كـ (بَرَقَ نَحرُه) بالاتفاق، فإذا أريد الدلالة على اثنين أو أكثر مما سمي بأحد هذين المركبين قيل: ذوا تأبط شراً، أو نحوه، وقيل: ذوو تأبط شراً، من إضافة المسمى إلى الاسم. وأما الإضافي فإنه يثنى ويجمع جزؤه الأول، وجوز الكوفيون تثنية الجزأين وجمعهما، والصواب: أنه يثنى أو يجمع الأول. هذا ما يتعلق بالاسم الجامد أن يكون علماً لمذكر عاقل خالياً من تاء التأنيث ومن التركيب، وهذه كلها مأخوذة من قوله: سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ؛ لأنه ذكره علماً ولمذكر عاقل ليس فيه التاء وليس مركباً، إن انتفى واحد من هذه حينئذٍ لا يصح جمعه. وَمُذْنِبِ، يعني: يشترط في مذنب وهو صفة، وهنا الصفة: ما دل على موصوف، يعني: ذاتٍ ومتصفةٍ بصفة، ويشترط في هذه الصفة أن تكون صفةً لمذكرٍ عاقلٍ خاليةٍ من تاء التأنيث، ليست من باب: أفْعَلِ فعلاء، ولا من باب: فعلان فعلة، ليس من باب: أفعَلِ بالكسر فعلاء، ولا من باب: فَعلانِ فَعْلَة، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، هذه شروط مأخوذة من قوله: وَمُذْنِبِ؛ لأنه ذكرها هكذا، صفةً دالة على ذات وصفة. ويشترط في الصفة: أن تكون صفةً لمذكر، فإن كان صفةً لمؤنث لا يجمع بواو ونون؛ لأن هذا الجمع خاصٌ بجمع المذكر، سواء كان علماً أو صفةً، وأما جمع المؤنث سواء كان علماً أو صفةً فهذا له جمع خاص، وهو ما جمع بألف وتاء. صفةً لمذكر، خرج ما كان صفةً لمؤنث، فلا يقال في حائض: حائضون، لا يقال؛ لأن هذه صفة خاصة بالمؤنث، حينئذٍ لا يشركه فيها الرجل، فلا يقال: في حائضٍ: حائضون. وخرج بقولنا عاقل: ما كان صفةً لمذكر غير عاقل، فلا يقال في: سابق صفة فرس، وهناك: لاحق علم لمذكر عاقل، وأما علمٌ لمذكر غير عاقل، نقول: هذا لا يجمع بواو ونون، وهنا الصفة كذلك إذا كانت لغير عاقل كفرس سابقٍ، نقول: هذا لا يجمع بواو ونون.

خاليةً من تاء التأنيث: خرج به ما كان فيه تاء تأنيث، مثل: علامة، لا يقال: علامون، ونسابة، لا يقال: نسابون، بل المرجع فيه إلى ما جمع بألف وتاء. وخرج بقولنا: ليست من باب: أفْعَلِ فعلاء، أي: ليس من باب أفعل الذي له مؤنث على فعلاء، هذا المقصود، ليس من باب: أفعلِ فعلاء، يعني: ليس من باب أفعل المذكر الذي له مؤنث على وزن: فعلاء، كأحمر: حمراء، فأحمر لا يجمع بواو ونون، لا يقال فيه: أحمرون، وأصفرون، وأخضرون، لا يقال لماذا؟ لأن مؤنثه على وزن: فعلاء، فإذا انتفى مؤنثه على وزن فعلاء حينئذٍ جاز جمعه بواو ونون. وهذا يشمل فيما إذا لم يكن لأفعل مؤنث أصلاً: كـ (آدر) هذا يجمع بواو ونون، لماذا؟ لأنه ليس له مؤنث أصالةً، وهذه صادقة بألا يكون من باب: أفعلِ أصلاً كـ (قائم) وهو الذي ذكره المصنف هنا: (قائم) هل يجمع بواو ونون؟ نقول: نعم، لماذا؟ لأنه صفةٌ ليس من باب: أفعلِ فعلاء، يعني: هو في الأصل في وزنه ليس على وزن: أفعل، هذا واحد. ثانياً: أن يكون من باب: أفعل، الذي ليس له مؤنث أصلاً كـ (أكمر) لكبير كمرة الذكر، هذا خاص بالذكر، حينئذٍ أفعل (أكمر) ليس عندنا كمراء! فيجمع بواو ونون، حينئذٍ على الأصل. إذاً: (أفعل) ليس له مؤنث أصالةً. ثالثاً: بأن يكون له مؤنث على غير (فَعْلَاء) كـ (فُعْلَى) أَفْضَل هذا في المفرد المذكر، امرأةٌ فُضْلَى، إذاً: وجد المذكر على أفعل كـ (أفضل) مؤنثه: (فُعْلَى) والشرط في عدم الجمع أن يكون مؤنثه على: (فَعْلاء) إذاً: انتفى، فيجمع الأفضل على الأفضلون، إذاً: ليس كل ما كان على وزن: أفعل، لا يجمع بواو ونون، بل ننظر في المؤنث، فإن كان مؤنثه على: (فَعْلَاء) منعناه لا يدخل معنا، إن لم يكن كذلك بأن كان مؤنثه لا على وزن (فَعْلَاء) أو لم يكن له مؤنث جمع بواو ونون، أو لم يكن على وزن: أفعل أصالةً كـ (قائم) و (مذنب) نقول: جمع بواو ونون. فهذان القسمان يجمعان هذا الجمع كالقسم الأول، ليس من باب: أفعلِ فعلاء؛ لأنه مضاف، ولا من باب: فعلان فعلة، يعني: ليس من باب ما كان مذكره على وزن، فعلان: سكران .. عطشان، ومؤنثه على وزن: فَعلَة سَكرَة، لا نقول: سكرانون بواو ونون، لماذا؟ لأن الشرط: أن ما كان مؤنثه على وزن: فعلاء لا يجمع بواو ونون، فإن لم يكن على وزن: فعلان، أو كان له مؤنث لا على وزن: فعلة، حينئذٍ نقول: يجمع بواو ونون، فهذا شرط مركب من جهة الأول والثاني، فعلان فعلة. إذاً: وهذا صادقٌ بألا يكون من باب فعلان أصلاً كقائم، وهذا واضح بين، وبأن يكون من باب: فعلان الذي ليس له مؤنث أصلاً كـ (لحيان) طويل اللحية، هذا مشترك؟ هذا خاص ليس له مؤنث أصلاً، فـ (لحيان) يجمع بواو ونون، لماذا؟ لأنه على وزن: فعلان. وهل الشرط انتفاء الكلمة والوصف على وزن: فعلان؟ الجواب: لا، وإنما فعلان باعتبار المؤنث، وهنا ليس له مؤنث. وبأن يكون له مؤنث على غير فعلة كـ (فعلانة) نحو: ندمان وندمانة، من المنادمة لا من الندم، حينئذٍ ندمان هل يجمع بواو ونون؟ نقول: نعم يجمع بواو ونون؛ لأن مؤنثه ليس على وزن: فعلة، ليس من باب سكران سكرة.

ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، محل استواء المذكر والمؤنث باطراد في: فعول، إذا كان بمعنى: فاعلٍ، وأجري على موصوف مذكور، وفي: فعيل، إذا كان بمعنى: مفعول، وأجري على موصوف مذكور، فإن جُعل: (صبور) و (جريح) علماً جمعا هذا الجمع. إذاً: ما كان على وزن: فعيل، أو فعول: مما يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا جعل علماً حينئذٍ جمع بواو ونون، وأما إذا كان صفةً حينئذٍ لا بد من التفصيل الذي ذكره النحاة، وهو محل استواء المذكر والمؤنث باطراد في فعول، متى؟ إذا كان بمعنى: فاعل، هندٌ قتول .. زيدٌ قتول، هذا بمعنى فاعل؛ لأنه قاتل. إذا كان بمعنى: فاعل، وأجري على موصوفٍ مذكور، وفي: فعيل، إذا كان بمعنى: مفعول قتيل. وأجري على موصوف مذكور، أما الموصوف المحذوف فهذا لا يجري على القاعدة التي معنا. إذاً: يشترط في الصفة أن تكون صفةً لمذكر عاقل، خاليةٍ من تاء التأنيث، أي: من التاء الموضوعة له، وإن استعملت في غيره ليصح إخراج (عَلاَّمة) فإن تائه لتأكيد المبالغة لا للتأنيث، ليست من باب: أفعلِ فعلاء، ولا من باب: فعلان فعلة، ولا من مما يستوي فيه المذكر والمؤنث. حينئذٍ نقول: هذه الشروط معتبرةٌ، وهي مأخوذة من قول الناظم: وَمُذْنِبِ. وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ ... سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ وَمُذْنِبِ ثم قال: وَشِبْهِ ذَيْنِ، يعتني: شبه عَامِرٍ وَمُذْنِبِ. ليس الحكم خاص بهذين اللفظين، بل كل ما كان علماً لمذكر إلى آخر الشروط كـ (عامر)، وكل ما كان صفةً لمذكر عاقل إلى آخر الشروط كـ (مذنب) إذاً: الحكم ليس خاصاً بلفظ واحد. وَشِبْهِ ذَيْنِ، يعني: عَامِرٍ وَمُذْنِبِ، وما ألحق بهما. وَبِهِ عِشْرُونا ... وَبَابُهُ أُلْحِقَ .. هذا شروع في المحلقات، والملحق: هو كل ما لا يصدق عليه حد الجمع الحقيقي. حينئذٍ نقول: هذا ليس بجمع حقيقي، لتخلف الشروط التي ذكرها النحاة، وهذا بابه السماع، يعني: ليس قياساً؛ لأنه يعتبر من الشاذ، فيسمع ويحفظ ولا يقاس عليه، ولذلك: هي ألفاظ محدودة، يقال: عشرون، لماذا هو شاذ؟ لتخلف شرط كذا، وألوا لتخلف شرط كذا، فحينئذٍ صار شاذاً مسموعاً يحفظ ولا يقاس عليه، ولذلك قالوا: الملحقات بالجمع أربعة أنواع: أسماء جموع جاءت على صورة جمع المذكر السالم، ما هو اسم الجمع؟ ما دل على أكثر من اثنين ولا واحد له من لفظه غالباً، هذا الأكثر: أنه ليس له واحدٌ من لفظه، وسبق أنه قد يكون له واحدٌ كراكبٍ وصحبٍ، راكب وصاحب، وقيل: راكبٌ وصحبٌ اسما جمعٍ، فحينئذٍ نقول: أسماء جموع جاءت على صورة الجمع. ثانياً: جموع تصحيح غير مستوفية للشروط، يعني: لم تستوف الشروط السابقة، نقص بعضها. ثالثاً: جموع مسمىً بها، وهذا خارج عن حد جمع المذكر السالم، يعني نقول: ما دل على أكثر من اثنين زيدون، مدلوله واحد. رابعاً: جموع تكسير جاءت على صورة جمع المذكر السالم. قال رحمه الله:

وَبِهِ عِشْرُونا ... وَبَابُهُ أُلْحِقَ، به: الضمير يعود إلى جمع المذكر السالم، عِشْرُونا، نقول: هذا عشرون، الألف للإطلاق، هذا في أي الأنواع؟ نقول: هذا اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه؛ لأنه دل على أكثر من ثلاثة وليس له واحد، ليس عندنا: عِشرٌ، عِشْرُونا وَبَابُهُ، يعني: نظيره من العشرين إلى التسعين، مع دخول الغاية، إذاً: الأعداد هذه عشرون .. ثلاثون .. أربعون إلى التسعين، نقول: هذه تعرب بالواو رفعاً وبالياء نصباً وجراً. هل هي جمعٌ؟ نقول: لا، هي ملحقةٌ بالجمع؛ لأنه لا واحد لها من لفظها. وَبِهِ عِشْرُونا وَبَابُهُ، يعني: نظيره، العشرون إلى التسعين، والغاية داخلة. ألحق في حكمه، يعني: في حكم المذكر السالم، حينئذٍ لا يقال: عِشرٌ، هذا ملحق به؛ لأنه لا واحد له من لفظه، إذاً: لا يقال: عِشرٌ. وَالأَهْلُونَا: الألف للإطلاق، هل له واحدٌ من لفظه؟ أهلون هل له واحد من لفظه؟ أهلٌ، هل هو علم؟ لا، هل هو صفة؟ لا، إذاً: ليس كـ (عَامِرٍ) ولا (وَمُذْنِبِ) إذاً: هو اسم جنسٍ جامد مثل: رجل، إذاً (الأَهْلُونَا) نقول: ملحق به، يعني: يعرب بالواو رفعاً، وبالياء نصباً وجراً: ((شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا)) [الفتح:11] .. ((مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)) [المائدة:89] بالنصب، ((إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً)) [الفتح:12] إذاً: هو ملحق به؛ لأن مفرده وهو: أهلٌ ليس فيه الشروط المذكور؛ لأنه اسم جنس جامد كـ (رجل). أُولُو، يعني: (وأولو) ألحق به اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه، هذا من قسم: عشرون، أولو: لا واحد له من لفظه، بمعنى: أصحاب: ((وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ)) [النور:22] يعني: أصحاب، هل له واحدٌ من لفظه؟ لا، هل له واحدٌ من معناه؟ (ذو) له واحد من معناه؛ لأن (أولو) بمعنى: أصحاب، هل ثم لفظ مفرد يدل على معنى: صاحب؟ نعم وهو (ذو) إذاً: له واحدٌ من معناه لا من لفظه. وَعَالَمُونَ، عالمون: هذا جمع ماذا؟ جمع عالمَ، حينئذٍ نقول: هذا ملحق وليس بجمعٍ حقيقي؛ لأنه إما ألا يكون جمعاً لـ (عالمَ)، بل اسم جمع له، مختلف فيه: هل هو جمع أو اسم جمع؟ والسبب في هذا أنه إذا قلنا: أنه جمع (عالم) عالمون هذا خاص بالعقلاء، و (عالم) المفرد هذا يشمل العقلاء وغيرهم، قالوا: الجمع لا يكون أخص من مفرده، ولذلك لا يكون جمعاً لهم، إما أن يكون جمعاً، وإما أن يكون اسم جمع، إما ألا يكون جمعاً لـ (عالم) بل اسم جمعٍ له؛ لأنه أخص منه، إذ لا يقال إلا على العقلاء، والعالمَ يقال على كل ما سوى الله، فيشمل العاقل وغيره. ويجب كون الجمع أعمَ من مفرده، أو يكون جمعاً له باعتبار تغليب من يعقل، فهو جمعٌ لغير علم ولا صفة، يعني: إذا قلنا: إنه اسم جمع، حينئذٍ نقول: لا واحد له من لفظه ولذلك صار ملحقاً، إذا قلنا: جمع .. جمع (عالم) عالم هذا ليس بعلم ولا صفة، إذاً: على القولين هو شاذ، على القولين: سواء قلنا (عالمون) اسم جمعٍ لـ (عالم) أو أنه جمعٌ له، اسم جمع لا واحد له من لفظه صار كـ (عشرين) جمع (عالم) نقول: (عالم) هذا ليس بعلم ولا صفة، صار ملحقاً.

أُولُو وَعَالَمُونَ عِلِّيُّونَا: الألف للإطلاق، و (عِلِّيُّونَ) اسم لأعلى الجنة، وليس فيه الشروط المذكور، لكونه لما لا يَعقِل، لكن وجه آخر: وهو أن مدلوله أكثر من اثنين أو واحد؟ مدلوله واحد، كـ (زيدون) إذا سميت رجلاً بـ (زيدون) نقول: مدلوله واحد ليس بجمع، فهو من حيث اللفظ قبل العلمية نقول: هو جمعٌ، وبعد النقل نقول: مدلوله صار واحداً، عندي زيدون .. الزيدون، واحد واثنين وثلاثة، إذاً: معناه جمع، إذا صيرته علماً لشخصٍ واحدٍ صار مدلوله واحد. إذاً: (عِلِّيُّونَ) نقول: هذا مدلوله واحد، وهو في الأصل .. [هنا انقطاع في الصوت] (وَأَرَضُونَ) بفتح الراء وحكي إسكانها (شَذَّ) نص على شذوذ: (أرَضِين) مع كون المحلق كله شاذ، لماذا؟ لأن (أرَضِين) أشد شذوذاً من غيره، لأربعة أمور: أولاً: جمع تكسير: (أَرَضُونَ) أرض هي، قيل: (أَرَضُونَ) إذاً: تغير واحده. لاسم جنسٍ: واسم الجنس لا يجمع بواو ونون. مؤنث: والمؤنث لا يجمع بواو ونون، ولذلك يقال: أرضٌ تصغر على أُريضة فدل على أنها مؤنث. غير عاقل: والأصل فيما جمع بواو ونون أن يكون لعاقل. لهذه الأمور الأربعة في: (أرَضِين) صار أشد، ونص عليه ابن مالك لهذا. وَأَرَضُونَ شَذَّ: شذ قياساً أو استعمالاً؟ قياساً لا استعمالاً؛ لأننا نقول: هذا شاذ، ووقع في القرآن: ((وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ)) [النور:22] نقول: شاذ، شذ قياساً أو استعمالاً؟ الشاذ قياساً: ما خالف القواعد، يعني: اصطلاح خاص عند النحاة، والشاذ استعمالاً: هو ما ندر وقوعه في لسان العرب، الأول: يوجد في القرآن ولا إشكال، أبى يأبى هذا شاذ عندهم، وكذلك الملحقات كلها، وأما ما ندر استعماله في لسان العرب وحكم عليه بأنه شاذ هذا لا يقال بوجوده في القرآن، إذاً: فرقٌ بينهما. وَأَرَضُونَ شَذَّ وَالسِّنُونَا وَبَابُهُ، (سِنون) بكسر السين جمع: سَنة بفتحها، والسنة هذا مؤنث اسم جنس .. اسم جنس مؤنث لغير عاقل، فهو كـ (أرَضِيِن) ولذلك قيل: (وَالسِّنُونَا) هذا معطوف على ما سبق ما كونه شاذ، يعني: حكم على باب (أرَضِيِن) و (السَنين) بأنه شاذٌ لاشتراكهما في هذه الأمور الأربعة: اسم جنس مؤنث لغير عاقل، فهذه كلها ملحقةٌ بالجمع المذكر لما سبق من أنها غير مستكملةٍ للشروط. وَبَابُهُ، يعني: باب (سَنة) ما هو باب سنة؟ كل اسم ثلاثيٍ حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث، ولم يكسر، لا بد من هذه الشروط أن تكون مجتمعة، (سَنَةٌ) أصلها: (سَنَوٌ) أو (سَنَهٌ) كل اسم ثلاثي: (سَنَةٌ) أصلها: (سَنَوٌ) حذفت لامه: الواو أو الهاء: (سَنَوٌ) (سَنَهٌ) وعوض عنها هاء التأنيث (سَنَةٌ) بالتاء ولم يكسر، يعني: لم يُسمع أنه جُمِعَ في لسان العرب جمع تكسير، بهذه القيود حينئذٍ نحكم عليه بأنه ملحق بجمع المؤنث السالم، وهذا ليس خاصاً باسم سَنَة، وعِزَة، وعضين، وعزين، كلها جمعت بواو ونون وهي مثلها، وكذلك: ثُبه وثُبُون، وقُله وقُلُون.

إذاً: كل اسم ثلاثي حذفت لامه، إذا لم تحذف منه شيء حينئذٍ لا يجوز أن يجمع بواو ونون، تمرة، نقول: هذا لا يجمع بواو ونون؛ لأنه لم يحذف منه شيء، لذلك لا يجوز ذلك في نحو: تمرةٍ لعدم الحذف، ولا في نحو: (عِدةٍ) و (زِنةٍ) لماذا؟ (عِدةٍ) هنا حذف منه حرفٌ وعوض عنه هاء التأنيث، لكن المحذوف الفاء، (عِدةٍ) أصلها: (وَعد) حذفت الواو وعوض عنها هاء التأنيث، هل يُجمع بواو ونون، ويكون من باب: (سَنَة)؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن الشرط هنا أن يحذف اللام، و (عِدة) و (زِنة) وزنة مأخوذ من الوزن، هذا حذفت فيه الفاء وإن عوض عنه هاء التأنيث لانتفاء شرط حذف اللام. ولا في نحو: (يدٍ) و (دمٍ) هل يُجمع (يدٌ) و (دمٌ) بواو ونون؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنه وإن حذفت لامه إلا أنه لم يعوض عن المحذوف شيء، (يديٌ) (دميٌ) حذفت اللام ولم يعوض عنه شيء. وشذ أبو .. أبون وأخون، هذا شاذ، ولذلك سبق معنا: أن ما جمع بواو ونون من الأسماء الستة يعتبر شاذاً. ولا في اسمٍ وأختٍ وبنتٍ؛ لأن العوض غير التاء، بنت وأخت واسم، نقول: هذه حذفت منها اللامات لكن عوض عنها غير التاء، اسمٍ أصلها: (سِمْوٌ) أو (سُمْوٌ) حذفت اللام الواو، وعوض عنها همزة في أولها؛ لأن العوض غير التاء. وشذ بنون، بنون هذا شاذ، لماذا؟ لأن أصله: (بَنَوٌ) حذف اللام فقيل: (ابنٌ) هل يجمع بياء ونون؟ الجواب: لا، حينئذٍ يكون شاذاً. ولا في نحو: شاةٍ وشفةٍ، لماذا؟ لأنه سُمع تكسيرها على شياه وشفاه، حينئذٍ ما سمع أنه جمع بصيغة جمع التكسير لا يجمع بواو ونون، إذا وجدت هذه الشروط حينئذٍ قلنا: هذا من باب: (سَنَةٍ). إذاً: أشار بقوله: وَبَابُهُ إلى باب: (سَنَةٍ) فهذا الباب اطرد فيه الجمع بالواو والنون رفعاً، وبالياء والنون جراً ونصباً: ((كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ)) [المؤمنون:112] سنين ورد في القرآن، نقول: هذا شاذٌ قياساً، لكن لا تقل عند العامة: شاذٌ قياساً، عند من يفهم من طلاب العلم. ((الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)) [الحجر:91] مثله كالحرف الزائد، نقول: الصواب في لغة العرب أنه يقع الحرف الزائد في القرآن، لكن عند العامة لا تقل: زائد، إذا سمع زائد قد يحذفها إذا قرأها، صحيح؟ نعم يمكن هذا فقد يوقع في اللبس، لكن طالب العلم يعرف معنى: زائد. ((عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ)) [المعارج:37] هذا أيضاً واقعٌ في القرآن، ونقول: المحلقات كلها شاذة، إذاً: شاذٌ قياساً لا استعمالاً. وأصل: (سَنَةٍ) (سَنَوٌ) أو (سَنَهٌ) لقوله في الجمع: (سنوات) و (سنهات) وفي الفعل: (سانيت) و (سانهت) والفعل المسند إلى التاء يرد الأشياء إلى أصولها كما هو معلوم في الصرف، وأصل: (سانيت) (سانوت) قلبوا الواو ياءً حين جاوزت متطرفةً ثلاثة أحرف.

هنا قال في الشرح: وهذا الاستعمال شائع في هذا ونحوه، فإن كسر (شفة) و (شفاه) لم يستعمل كذلك إلا شذوذاً كـ (ظُبة) ظُبة هذا يقال فيه أنه شاذٌ وراء شاذٍ وراء شاذ، يعني: أشذ وأشذ وأشذ، لماذا؟ لأن (ظُبة) هذا سمع تكسيره على (ظبات) نحن نقول: جمع المذكر الملحقات كلها شاذة، وأشذ فيها: (أرَضُون) وباب (سَنَة)، وباب (سَنَة) له شروط، فما خرج منها فهو شاذ. إذاً: (ظُبون) هذا شذوذ وراء شذوذ وراء شذوذ، فيه ثلاث .. تكعيب، (ظُبون) نقول: هذا كُسِّر .. سُمع تكسيره فقيل: (ظبات) فحينئذٍ نقول: هذا جمعه بواو ونون شاذ، بل أشد شذوذاً من غيره؛ لأن الملحق أصلاً شاذٌ، وباب: (سِنون) أشذ فيه، و (ظُبون) أشذ. ثم قال رحمه الله: وَمِثْلَ حِينٍ قَدْ يَرِدْ ذَا الْبابُ، ومثل حينٍ، مثل: حالٌ من (ذا) أين ذا؟ قد يرد ذا الباب مثل حين، مثل: هذا حال من (ذا)، أي بابٍ؟ باب (سَنَة) هذا الباب كل اسم ثلاثي إلى آخره، قد يأتي كلفظ (حين) يعني: يُلزم الياء ويعرب بالحركات مع التنوين، ألا تقل: حينٌ وحيناً وحينٍ؟ قد يأتي هذا الباب ملازم لهذه الكلمة مثلها ملازماً للياء مع الإعراب بالحركات والتنوين، فتقول: هذه سِنِينٌ، ورأيت سِنِيناً، ونظرت إلى سِنِينٍ، هذه تثبت الياء تَلزَمها كما هي، ثم تعربه بالحركات الظاهرة مع التنوين. إذاً: مثلَ حينٍ، مثلَ نقول: حالٌ من (ذا) أو صفةٌ لمحذوف، أي: وروداً مثل ورود حين، أي: في الإعراب بالحركات الظاهرة على النون ولزوم الياء ولزوم النون فلا تسقط في الإضافة؛ لأنها من أصل الكلمة حين. وَمِثْلَ حِينٍ قَدْ يَرِدْ ذَا الْبابُ، ذا الباب: المشار إليه باب (سَنَة). قال الشارح: وَمِثْلَ حِينٍ قَدْ يَرِدْ ذَا الْبابُ، أي: أشار بهذا إلى أن (سِنين) ونحوه قد تلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون، فتقول: هذه سِنينٌ، ورأيت سِنيِناً، ومررت بِسِنينٍ، وإن شئت حذفت النون وهو أقل من إثباته، حذفت التنوين، واختلف في اطراد هذا الباب: هل يطرد في جميع المذكر السالم في باب (سَنَة) وغيرها، حتى القياسي الجمع الحقيقي أو لا؟ محل خلاف، ولذلك قال: وَهْوَ عِنْدَ قَوْم يَطَّرِدْ. وَهْوَ، أي: إلزام الجمع مثل حينٍ عند قومٍِ، ومنهم الفراء يطرد في جميع الباب، حتى في (عامرٍ) و (مذنبٍ) جاء عامرينُ، ورأيت عامرينَ، ونظر إلى عامرينِ، هذا قول، والصواب: أنه يبقى على ما هو عليه؛ لأنه لسان العرب وبه جاء فصيح الكلام. وَمِثْلَ حِينٍ قَدْ يَرِدْ ذَا الْبابُ وَهْوَ عِنْدَ قَوْم، ومنهم الفراء يطرد في جميع باب المذكر السالم، يعني: الحقيقي والملحق به. قال هنا: والصحيح أنه لا يطرد، وأنه مقصور على السماع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: {اللهم اجعلها عليهم سِنيناً كسنينِ يوسف} هنا أعربها بماذا؟ بالياء أو بالحركة؟ بالحركة، ما الدليل؟ ثبوت النون؛ لأن سِنيِن مضاف، ويوسف مضاف إليه، لو كانت مضافةً إليه حينئذٍ لوجب حذف النون، لكن لما أبقيت دل على أنه أجراها مجرى حين. في إحدى الروايتين، ومثله قول الشاعر: دَعَانِيَ مِنْ نَجْدٍ فإِنَّ سِنِينَهُ .. نصبه بالفتحة مع إضافته إلى الضمير، لو كان معرباً بياء ونون لوجب حذف النون.

لَعِبْنَ بِنَا شِيباً وَشَيّبْنَنَا مُرْدَا. ثم قال في خاتمة ما ذكره: وَنُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ وَنُونُ مَاثُنِّيَ وَالْمُلْحَقِ بِهْ ... فَافْتَحْ وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ بِعَكْسِ ذَاكَ اسْتَعْمَلُوهُ فَانْتَبِهْ وَنُونَ مَجْمُوعٍ، نون: هذا بالنصب على أنه مفعول به لقوله: فَافْتَحْ والفاء هذه زائدة لتزيين اللفظ، إذ لو رفع يجوز، لكن يحوجنا إلى محذوف، وَنُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ فَافْتَحْه، نحتاج إلى تقدير ماذا؟ رابط؛ لأننا إذا جعلنا نون مبتدأً، فجملة: فافتح، هذه خبر، ولا بد أن تكون مشتملةً على رابط يربط جملة الخبر بالمبتدأ، والأولى أن يكون مفعولاً به لقوله: افتح، والفاء هذه لتزيين اللفظ، يعني: لا بأس أن يعمل ما بعدها فيما قبلها. وَنُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ، يعني: الذي التحق به في إعرابه فافتح، طلباً للخفة من ثقل الجمع، وفرقاً بينه وبين نون المثنى. وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ، نطق مطلقاً مع الياء والألف، أو مع الياء فحسب؟ هذا محل خلاف، وهل هو لغةٌ أم شاذٌ؟ أيضاً محل خلاف، وابن مالك ظاهر كلامه أنه لغة، وأنه مطلقاً، وَقَلَّ، يعني: قليل، وإذا أثبت أنه قليل معناه: أنه لغةٌ، مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ، يعني: كسر النون نَطَقْ مطلقاً، ولم يقيده لا بياء ولا بغيرها، أي: في حالتي الجر والنصب؛ لأنه لم يُسْمع مع الواو قطعاً هذا، أما في حالة الرفع فلم يُسمع، قال في التصريح: ولم تُكسر النون بعد الواو في نثرٍ ولا شعرٍ لعدم التجانس، وإنما بقي معها في الياء. وَنُونُ مَاثُنِّيَ، نون المثنى، وَالْمُلْحَقِ بِهْ، الملحق بالمثنى كم؟ خمسة، وهي: كلا وكلتا، واثنان واثنتان، قال: وَالْمُلْحَقِ بِهْ: عمم، هل يدخل معنا: كلا وكلتا؟ لا يدخل قطعاً، إذاً: وَالْمُلْحَقِ بِهْ، أي: بعضه ليس كله، لماذا؟ لأن بعض الملحق بالمثنى لم يختم بنون، وإنما المراد به: اثنان واثنتان وثنتان فحسب، وَنُونُ مَاثُنِّيَ، يعني: المثنى، ما هذه اسم موصول، والاسم الموصول مع صلته في قوة المشتق، كأنه قال: ونون المثنى، وَالْمُلْحَقِ بِهْ بِعَكْسِ ذَاكَ، أي: بخلافه؛ لأن الكثير هنا قليل هناك، والقليل هنا كثير هناك، فالعكس لغويٌ قطعاً، ليس منطقياً. بِعَكْسِ ذَاكَ النون اسْتَعْمَلُوهُ فكسروه كثيراً على الأصل، هناك: ونون مجموع فافتح، هذا الكثير، والقليل: الكسر، هنا بالعكس: الكثير الكسر، والقليل الفتح، فكسروه كثيراً على الأصل في التقاء الساكنين، وفتحوه قليلاً بعد الياء. فَانْتَبِهْ، يعني: لذلك، وهذه اللغة حكاها الكسائي والفراء، قال الشارح: حق نون الجمع وما ألحق به الفتح، وقد تكسر شذوذاً، خالف ما عليه المصنف، الناظم يقل و: وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ قليل، إذاً: هو لغة وليس بشاذ، قال في شرح التسهيل: يجوز أن يكون كسر نون الجمع وما ألحق به لغةً، وجزم به في شرح الكافية ومنه قول الشاعر: عَرَفْنَا جَعْفَراً وَبَني أبِيهِ ... وَأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ

آخرينِ: هذا جمع بياء ونون، ومع ذلك كسرت فيه النون، هل هو لغة أم لا؟ إن سُمع فيما يصح إثبات كلامه من لسان العرب، حينئذٍ يقال فيه: أنه لغة، وإذا لم يكن كثيراً بل كان قليلاً حينئذٍ يصدق عليه قول الناظم: وقل، فهو قليل، فلا بأس أن يكون لغةً: عَرَفْنَا جَعْفَراً وَبَني أبِيهِ ... وَأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ فخالف الشارح هنا الناظم وحكم على أنها شاذ. وَقَدْ جَاوَزْتُ حَدَّ الأَرْبَعِيْنِ .. كذلك، وليس كسرها لغةً خلافاً لمن زعم ذلك، ومنهم صاحب النظم. وحق نون المثنى والملحق به الكسر على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، ولذلك الأصل المثنى، ثم يأتي بعد ذلك الجمع، النون في الأصل أنها إما عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد، وإما أنها عوضٌ عن الحركة، وعل كلٍ فهي ساكنةٌ في الأصل، والحرف الذي جعل علامةً على الإعراب كالألف ساكن، فحينئذٍ التقى ساكنان، فلما كان الأصل في التخلص من التقاء الساكنين هو الكسر وكان المثنى أسبق من الجمع حينئذٍ أخذ الأصل، فقيل: المسلمان، على الأصل من التخلص من التقاء الساكنين. وأما الجمع فهو ثانٍ؛ لأنه يوجد بعد المثنى، فالمثنى سابق حينئذٍ لما أخذ المثنى الأصل أُعطي الجمع الثقيل الفتح، فرقاً بينه وبين نون المثنى، هكذا قالوا في التعليل، ولكن فتحها لغةٌ، هكذا حكموا ومنهم ابن مالك رحمه الله تعالى. عَلَى أحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقلّتْ عَشِيَّةً .. أحْوَذِيَّيْنَ: هذا مثنى، فتحت نونه مع الياء، هل هو لغة أو ضرورة أو شاذ؟ نقول: هو لغةٌ على الأصل، هذا هو الأصل، وهنا فتحت بعد الياء، وهل هو خاصٌ بالياء أم يشمل غيره؟ هذا محل نزاع، ظاهر كلام المصنف يقول الشارح: أن فتح النون في التثنية ككسر نون الجمع في القلة وليس كذلك، بل كسرها في الجمع شاذٌ، وسبق أنه قال: لغة، ابن مالك رحمه الله في التسهيل وفي شرح الكافية. وفتحها في التثنية لغةٌ كما قدمنا، وهل يختص الفتح بالياء، أو يكون فيها وفي الألف؟ قولان: وظاهر كلام المصنف الثاني: أنه يكون فيها وفي الألف، ومع الفتح أو من الفتح مع الألف، قول الشاعر: أَعْرِفُ مِنْهَا الجيدَ وَالْعَيْنَانَا .. الْعَيْنَانَا لم يقل: عينين، بناءً على ماذا؟ الجيد: منصوب، والعينان معطوف عليه، لو أجراه على اللغة المشهورة قال: والعنين، لكنه ألزمه الألف، ثم هو مثنى وفتح النون مع الألف، حينئذٍ نقول: هذا لغةٌ. ومنخَرَيْنِ، هذا لغة، كسر وفتح، وهذا محل إشكال، لذلك قيل: هذا البيت مصنوع، لماذا؟ لأنه يصعب أن يقال: بأن متكلماً واحداً يجمع بين لغتين في بيت واحدٍ، هذه إذا قيل: لغة ولغة، ليس معناه قبيلة واحدة تتكلم بهذا وذاك، المراد: أن قبيلة قيس مثلاً تتكلم بالفتح وقبيلة تميم تتكلم بكذا، كونه يأتي واحد من تميم يتكلم باللغتين، قالوا: هذا يدل على أنه مصنوع، إذً نقول: نون المثنى في الأصل مكسورة للتخلص من التقاء الساكنين، ثم هل يفتح؟ نقول: نعم، يفتح لغةً، ثم جمع المذكر السالم النون المتصلة والملحقة به الأصل فيها أنها مفتوحة، وهل تكسر أم لا؟ ابن مالك يرى أن كسرها لغة.

ولذلك حكا الشيباني ضمها مع الألف في المثنى كقول بعض العرب: هما خليلانُ، بضم النون، إذاً: يجوز ضمها بعد الألف: يَا أبَتَا أرَّقَنِي القِذَّانُ ... ... فالنَّومُ لا تَألَفُهُ العَيْنَانُ هذا دليل على أنه إما أن المثنى يعرب بالحركات على النون، وإما أنه ألزم الألف وحركت النون التي هي التنوين بالضمة، هل هذه النون عوض عن التنوين، أو عن الحركة أو عنهما معاً؟ هذه مسألة يكثر فيها الخلاف بين النحاة، والصواب أن يقال: أن النون في المثنى والجمع ليس عوضاً عن التنوين في الاسم المفرد، وليس عوضاً عن الحركة، بل لحقت لدفع توهم الإضافة في نحو: جاءني خليلان موسى وعيسى .. لو لم تأت بالنون هنا قلت: خليلا موسى وعيسى، ماذا يُظن؟ خليلا موسى وعيسى مضاف ومضاف إليه، وهذا ينتفي معه المعنى المراد. ومررت ببنين كرام .. ببني كرامٍ .. ببنين كرامٍِ، لو لم تأت بالنون ببني كرامٍ .. ببنين كرامٍ هل الوصف بالكرم للبنين أو للآباء؟ لو قلت: ببني كرامٍ، الوصف لمن بالكرم؟ للآباء، ببنين كرامٍِ الوصف بالكرم لمن؟ للبنين، ببنين كرامٍ وصفت البنين بالكرم، ببني كرامٍ، يعني: أبناء كرام، فاختلف الوصف، الذي فرق بين هذا وذاك هو وجود النون، فهي دفعت توهم الإضافة في مثل ما ذكرنا. كذلك دفع توهم الإفراد نحو: جاءني هذان، لو قال: جاءني هذا، ظن أنه مفرد، كذلك: مررت بالمهتدين، لو قيل: بالمهتدي دون النون حينئذٍ ظُن أنه مفرد. وقيل: للحركة نيابةً عن الحركة، وقيل: نيابةً عن التنوين، وقيل: نيابةً عنهما، وكلها أقوال ضعيفة. بقي من الملحق ما سمي به وإعرابه، المسمى به من جمع المذكر السالم فيه خمسة أوجه: الأول: كإعرابه قبل التسمية به، وهو المشهور، وبه جاء القرآن: ((إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ)) [المطففين: 18 - 19] وهذا مسمىً به وهذا الأفصح، ما جاء بالقرآن فهو أفصح الفصيح. الثاني: أن يكون كـ ((غِسْلِينٍ)) [الحاقة:36] في لزوم الياء والإعراب بالحركات الثلاث على النون منونة، والغسلين معروف: ما يسيل من جلود أهل النار. ثالثاً: أن يجري مجرى (عَرَبُون) في لزوم الواو والإعراب بالحركات على النون منونة، هذا كله مسموع في لسان العرب. أن يجري مُجرى (هارون) في لزوم الواو والإعراب على النون غير مصروفة للعلمية وشبه العجمة؛ لأن وجود الواو والنون في الأسماء المفردة من خواص الأسماء العجمية. خامساً: تلزمه الواو وفتح النون الإعراب بحركات مقدرةٍ على الواو لا النون. هذه كلها مسموعةٌ عن العرب، وقيل: تجري في جميع باب جمع المذكر السالم، لكن الأفصح الذي ينبغي استعماله وحمل لسان العرب عليه هو الأولى، ولذلك قيل: هذه الأوجه مترتبة، كل واحدٍ منها دون ما قبله، وشرط جعل كـ ((غِسْلِينٍ)) [الحاقة:36] وما بعده ألا يتجاوز سبعة أحرفٍ، فإن تجاوزها تعين الوجه الأول: أن يكون معرباً بواو ونون. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. - ما هو مؤنث (ندمان)؟ - نرجو أن تملي علينا الأبيات التي جمعت صورة المثنى. - إن شاء الله المغرب ...

16

عناصر الدرس * بيان الباب الرابع من أبواب النيابة (جمع المؤنث السالم) ـ * حده -حكمه -حكم الملحق به * فائدة: أقسام المؤنث - أشهر علامات التأنيث. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: لما فرع المصنف رحمه الله تعالى من بيان ما ناب فيه حرف عن حركة من الأسماء، شرع في بيان ما نابت فيه حركة عن حركة، وهو شيئان، -هو أمران أو بابان-: ما جمع بألف وتاء وما لا ينصرف. ما جمع بألف وتاء وهو: جمع المؤنث السالم، كذلك ما لا ينصرف وهو الممنوع من الصرف، وبدأ بالأول الذي هو ما جمع بألف وتاء؛ لأن فيه حملَ النصب على غيره، والثاني فيه حمل الجر على غيره، والأول أكثر، إذاً أنهى ما يتعلق بما ناب فيه حرف عن حرف وهو ثلاثة أبواب: الأسماء الستة، والمثنى، وجمع المذكر السالم. ثم شرع فيما ناب فيه حركة عن حركة وبدأ بجمع المؤنث السالم. قال رحمه الله تعالى: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا ... يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفِي النَّصْبِ مَعَا وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا، هذا تعريف لما يسمى بجمع المؤنث السالم، ولذلك عدل الناظم رحمه الله تعالى عن قوله بجمع المؤنث السالم؛ لأن ثَمَّ اعتراضاً على هذا التركيب، لأنه يقال الجمع، -قلنا: الجمع المراد به الضم، ضم شيء إلى شيء آخر- وأنه من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول أي المجموع، والمؤنث هذا وصف لمفرد محذوف مقدر، جمع المفرد المؤنث؛ لأن التأنيث والتذكير إنما يوصف بهما اللفظ دون المعاني هذا الأصل فيه. جمع المؤنث السالم قالوا: المؤنث هذا احتراز، هذا الأصل فيه، جمع المؤنث، هذا التقييد ليس لبيان الواقع وإنما هو للاحتراز. إذاً جمع المؤنث أخرج جمع المذكر، حينئذٍ وجدنا أن ما يُجمع بألفٍ وتاء منه ما هو مذكَّر كحمَّام قالوا: يُجمع على حمامات، وإسطبل يجمع على إسطبلات، إذاً لم يتوفر فيه هذا القيد حينئذٍ كيف نقول أنه جمع مؤنث وهذا ليس بمؤنث؟ كذلك السالم، سالم المراد به الذي سلم واحده، وهذا أيضاً ليس بمطرد؛ لأنه قد يسلم وقد لا يسلم، ضخمة: قالوا يجمع بألف وتاء على ضخمات، هذا سَلِم واحدهُ، وسجدة: يجمع على سجدات لم يسلم، (سجْ) هذا بإسكان الجيم، سَجَدَات بحركة الجيم، كذلك حبلى: يُجمع على حبليات، قلبت الألف ياءً، صحراء: يجمع على صحراوات قلبت الهمزة واواً، صحراوات، إذاً هذا اللقب صار غير جامع لكل أفراده، حينئذٍ عدل ابن مالك رحمه الله تعالى إلى قوله: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا؛ لما ورد من الاعتراض على ذلك اللقب. لكن أجابوا وهو قول الجمهور - أكثرهم يعبرون بهذا - قالوا: أنه صار علماً، وإذا صار علماً حينئذٍ صار جامداً، فلا مفهوم لقوله المؤنث كما أنه لا مفهوم لقوله السالم، حينئذٍ الأكثر فيه أنه يكون مؤنثاً والأكثر فيه أنه يكون سالماً، ولذلك أجابوا بهذا: أنه صار علماً، وإذا صار علماً حينئذٍ لا معنى له كما يسمى زيد مثلاً: زيد نقول: زيد ليس له معنى وإنما هو يدل على ذات، وقد يسمى صالح ٌوالمراد به الذات فقط، حينئذٍ نقول لا يدل على معنى كذلك جمع المؤنث السالم قالوا: ليس ثَمَّ ما يحترز به عن المذكر بقوله المؤنث، أو يحترز به عما تغيرت صيغته ولم يسلم مفرده في ضمن الجمع كسجدة ونحوها. قال رحمه الله: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا.

هذا تعريف للجمع الذي يجمع بألف وتاء، (وما) هذا اسم موصول بمعنى (الذي)، يصدق على ماذا؟ يصدق على اسم معرب، لكن يجب أن نفسر هذا الاسم بأنه جمع، جمعٌ بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا، جمعٌ، إذاً (ما) اسم موصول بمعنى الذي، حينئذٍ يفسر بالجمع. بـ (تاء): هذا بالتنوين، بتً هذا الأصل فيه، لكن يجوز فيه الوجهان: بتا للتنوين؛ لأنه مقصور للضرورة، والمقصور إذا لم تدخل عليه (أل) ولم يضف ولم يوقف عليه يُنون هذا الأصل، فتىً هذا إذا لم يوقف عليه فتى ينون، وإذا لم يدخل عليه (أل) الفتى نقول هذا لا ينون يترك تنوينه، كذلك بتً هذا الأصل، وما بـ (تً) وألفٍ، لكن قد يُجرى الموقوف مجرى الوصل حينئذٍ يقال وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ، يعني: يجوز فيه الوجهان: إما إنه ينون على الأصل في فتىً أنه إذا وصل ولم تدخل عليه أل ولم يوقف حينئذٍ نقول وجب تنوينه. وكذلك بـ (تً)، فإعرابه حينئذٍ مقدر على الألف المحذوفة لا على الهمزة المحذوفة؛ لأن حذف الألف لعلة تصريفية، والمحذوف لعلة تصريفية كالثابت بخلاف الهمزة فهي أحق من الهمزة بجعلها حرف الإعراب ويجوز ترك تنوينه للوصل بِنيَّة الوقف، يجوز ترك التنوين للوصل بنية الوقف، وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ، ويجوز: وما بـ (تً)، حينئذٍ يكون الإعراب على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، كما إذا قلت: جاء فتىً، جاء فعل ماضي، وفتىً فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. أين الألف؟ ليست منطوقاً بها، وإنما هي مقدرة، لماذا؟ للتخلص من التقاء الساكنين، أين الساكنان؟ الألف والتنوين، ما حكم التنوين هنا؟ واجب؛ لأنه مُنَكَّر، حكم التنوين أنه واجب في الوصل أما في الوقف فترجع الألف. وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ، بِتَا: جار ومجرور متعلق بقوله: قد جُمعَ، جُمع هذا فعل ماضي مغيَّر الصيغة، و (قد) هذه تفيد التحقيق، والألف هنا للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (ما)، إذاً الذي جمع بـ (تا)، حينئذٍ جُمِعَ نقول هذا صلة الموصول، لأن (ما) قررنا أنها اسم موصول بمعنى (الذي) يصدق على جمعه. حينئذٍ أين صلته؟ لابد من صلةٍ تفسِّر هذا الموصول، و (ما) قد جمع بتاء وألف، الباء متعلقة بجُمع، حينئذٍ نفسر الباء بكونها باء السببية، أو ما يسميها البعض بباء الآلة، يعني: التي كانت سبباً في إفهام هذا اللفظ للجمعية، وأما إذا كانت زائدة كلتاهما أو إحداهما حينئذٍ لا يفهم منه الجمع، إذاً بتاء نقول: الباء متعلقة بجُمِعَ، أي: ما كان جمعاً بسبب ملابسته للألف والتاء، أي: كان لها أو لهما مدخلٌ في الدلالة على جمعيته. فالباء سببية والسبب ليس وجود الألف والتاء فحسب، ليس كلما وُجدت الألف والتاء حينئذٍ نقول هو جمع بألف وتاء؛ لأنه يوجد أموات، عندنا هندات وأموات وأصوات وقضاة وغزاة، ما الفرق بينها؟ هنداتٌ، نقول: الألف والتاء هي سبب الجمعية، من أين فهمنا الجمعية من هندات؟ نقول: بسب الألف والتاء، إذا كانت بسب الألف والتاء نعلم أنهما مزيدتان.

وإذا فسرنا الباء بأنها باء السببية أو باء الآلة حينئذٍ لا نحتاج أن نقول: بتاء وألف مزيدتين، لا نحتاج إلى هذا -نزيد لفظ مزيدتين-، لماذا؟ لأن السببية كون الألف والتاء سبباً في حصول الجمعية معناه أن هذه الألف وهذه التاء مزيدتان، فلا نحتاج إلى قيد فالباء سببية والسبب ليس وجود الألف والتاء؛ لأنه إذا قيل أموات، هذه التاء أصلية أم زائدة؟ أصلية؛ لأنه يقال: ميتٌ، فهذه التاء أصلية. قضاة، هذه الألف أصلية، والتاء زائدة، حينئذٍ قضاة وأموات، هل فُهم الجمع من الألف والتاء فيهما؟ أمواتٌ، هل فُهم الجمع من الألف والتاء؟ الجواب: لا، كذلك قضاة، هل فُهم الجمع من الألف والتاء؟ الجواب: لا، بل فُهم بالصيغة، الصيغة نفسها هي التي دلت على الجمعية، ولذلك لا نحتاج إلى الاحتراز نقول: الألف والتاء المزيدتين احترازاً من الألف في قضاة، والتاء التي في أموات، هذا كله لا نحتاجه، لماذا؟ إذا فسَّرنا الباء بأنها للسببية، هذا الشيء سبب في هذا الشيء، حينئذٍ نقول: هو زائد عنه، فحينئذٍ إذا كان كذلك فُهم أنهما مزيدتان فحصل الاحتراز ضمناً عن نحو: أموات وقضاة. فالباء سببية والسبب ليس وجود الألف والتاء ولو من غير ملابستهما للكلمة، بل السبب ملابستهما لها -هذا هو السبب- كونها زائدة على هذه الكلمة وأفادت الجمعية بسبب وجود هذه الألف والتاء حينئذٍ نقول: هذا هو الجمع الذي جُمِع بسبب وجود الألف والتاء، الأصل أن يقال: هندٌ، ثم قلت: هنداتٌ، جئت بالألف والتاء -هما مزيدتان- صارت الألف والتاء سبباً في فهم الجمعية من هندات، وإلا الأصل هو: هند لمَّا زيدت عليه الألف والتاء -لم زدت الألف والتاء-؟ لمجرد الملابسة فحسب، أو لقصد إفادة الجمعية؟ الثاني. إذاً الألف والتاء مزيدتان، فإذا قيل بأن الباء لمجرد الملابسة لا للسببية، حينئذٍ قد يقال: بأنه يُحتاج إلى أن نُضيف (قيد مزيدتين)؛ لأن الملابسة مطلق الاشتمال فحسب، كون الألف والتاء موجودة فيما يدل على جمعٍ، وحينئذٍ نقول: هندات وأصوات وأموات وأبيات وغزاة وقضاة، هذه الكلمات تلبَّس بها ألفٌ وتاء، ثم ما وجه التلبس؟ قد يكون أحدها زائداً كما هو الشأن في قضاة وأصوات، وقد يكونا زائدتين الألف والتاء، وقد يكون سبب الزيادة إفادة الجمعية، حينئذٍ إذا فُسِّرت الباء بالملابسة احتجنا إلى القيد، فنقول: بتاءٍ وألفٍ مزيدتين، احترازاً عن التاء الأصلية في نحو ميتٌ، وأصوات؛ لأن أصلها صوت وميت. حينئذٍ فُهمت الجمعية من نفس الصيغة لا بسبب الزيادة، كذلك قضاة أصلها قُضَيَة، هذه الألف منقلبة عن ياء، وغزاة هذه الألف منقلبة عن واو، غُزَوَة تحركت الواو وانفتح ما قبله فقلبت ألفاً، حينئذٍ نقول: هذه أصلية، ومتى يُفهم منها الجمعية؟ إذا كانت زائدة، وإذا كان كذلك، حينئذٍ لا ينبغي أن نُفسِّر الباء بأنها للملابسة، بل نقول: هي للسببية فحسب. وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ، يعني: بسبب باء الآلة، نقول: تفيد زيادة الألف والتاء، فلا حاجة للتقييد بزيادتها.

وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا: وما جمُِعَ بألف وتاء، هذا فيه تكرار، وما قد جُمعَ -جمعٌ جُمِعَ- نحن فسرنا ما بماذا؟ بجمع، وهنا نقول: وما قد جمعا، جمعٌ قد جمع، إذاً هذا صار جمع الجمع وليس جمع المفرد، حينئذٍ نقول: لابد من التأويل، جمع قد تحققت جمعيته وحصلت وثبتت بسبب ألف وتاء، إذاً ثم فرق بين اللفظين: جمع قد جمع، يعني: جمع قد حصلت جمعيته وتحققت بسبب زيادة ألف وتاء. وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا، هذا هو حقيقة جمع المؤنث السالم. ثم اعلم، -إذا عرفنا هذا-، أن الجمع -جمع المؤنث السالم- هو: ما تحققت جمعيته بألف وتاء، أن المؤنث من حيث هو له أقسام باختلاف الاعتبارات، يعني: ينقسم باعتبار معناه إلى قسمين، وينقسم باعتبار لفظه إلى قسمين. أما الاعتبار الأول -وهو تقسيم المؤنث باعتبار معناه- ينقسم إلى نوعين اثنين: إلى حقيقي، وإلى غير حقيقي وهو المسمى بالمجازي، إذاً باعتبار المعنى، المؤنث ينقسم إلى قسمين: حقيقي ومجازي، ما هو الحقيقي؟ قالوا: الحقيقي هو الذي يلد ويتناسل ولو من طريق البيض والتفريخ كالطيور، قالوا: هذا مؤنث تأنيثاً حقيقاً، وهذا أكثر ما يستعمل في باب الفاعل. وإلى غير حقيقي وهو المجازي، وهو عكسه ما كان مؤنثاً ولا يلد ولا يتناسل مثل: أرض، وشمس، أرض مؤنث أو مذكر؟ مؤنث، وما الدليل؟ (تِلْكَ الأَرْضُ)، (تِ)، هذا اسم إشارة لمؤنث، أما {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ} ليس فيه دليل، إنما نأتي بشيء مؤنث يعود على أرض، كذلك أُريضة، هذه أرض ولا تقل هذا أرض، هذه أرض، ويُصَغَّر على أُريضة، والشمس مؤنث أو مذكر؟ مؤنث، ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي)) [يس:38] تجري ما قال يجري، قال: ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي)) [يس:38]، دلالة على أنها مؤنث، إذاً هل الشمس وهي مؤنث تأنيث مجازي يلد؟ لا يلد، إذاً ما لا يلد يقال فيه أنه مجازي أو غير حقيقي، هذا باعتبار المعنى. وينقسم كذلك باعتبار لفظه إلى لفظي وهو ما كان مشتملاً على علامة تأنيث ظاهرة، التأنيث اللفظي هو: ما كان مشتملاً على علامة تأنيث ظاهرة سواء كان دالاً على مؤنث أم مذكر، مثل فاطمة وطلحة، فاطمة هذا مؤنث تأنيث لفظي ومعنوي، لكن هنا باعتبار اللفظي هو مشتملٌ على علامة التأنيث وهي التاء. وطلحة مؤنث تأنيثاً لفظياً لاشتماله على علامة التأنيث وهي التاء، أليس كذلك؟ مسمى فاطمة وعائشة نقول مؤنث، ومسمى طلحة مذكر، إذاً اجتمعا في اللفظ فحسب وهو كون اللفظ قد اشتمل على علامة تأنيث وهي التاء. إذاً لفظي وهو ما كان مشتملاً على علامة تأنيث ظاهرة سواء كان دالاً على مؤنث أم مذكر مثل فاطمة وطلحة. النوع الثاني: القسم الثاني باعتبار لفظه: التأنيث المعنوي: وهو ما كان لفظه خالياً منها يعني من علامة التأنيث، مع دلالته على التأنيث نحو: زينب وشمس، زينب لما يعقل وشمس لما لا يعقل، زينب نقول مؤنث أو لا مؤنث، هل اتصل به علامة تأنيث؟ الجواب: لا، مسماه مذكر أو مؤنث؟ مؤنث، إذاً هذا تأنيث معنوي، باعتبار كونه يلد أو لا يلد أو باعتبار لفظه؟ باعتبار لفظه، هذه مهمة. وأشهر علامات التأنيث في الاسم خمسة، أشهر ما يدل على التأنيث في الاسم خمسة:

الأول: التاء المربوطة التي أصلها الهاء نحو: شجرة. ثانياً: ألف التأنيث المقصورة نحو: دنيا وحبلى. ثالثاً: ألف التأنيث الممدودة: نحو صحراء وخضراء وحمراء، وأيُّ هذه أشد في الدلالة على التأنيث؟ المقصورة والممدودة، هذه أشد من تاء التأنيث المربوطة، هذه أشد منها، سيأتينا هذا بحثه في الممدود والمقصور. رابعاً: الكسرة في مثل الضمير أنتِ وضربكِ، (ك) مكسورة هذا يدل على التأنيث. خامساً: نون الإناث في نحو: قُمْنَ، نقول: هذا يدل على التأنيث. هذا أشهر، ثَم هناك ما هو علامات لكن هذا أشهرها، إذا عرفنا هذا، -هذه قاعدة- حينئذٍ نقول: مفرد هذا الجمع وهو ما جمع بألف وتاء قد يكون مؤنثاً لفظياً ومعنوياً معاً، الآن عرفنا التقسيم، الآن نقول مفرد هذا الجمع -جمع المؤنث السالم، أو ما جمع بألف وتاء- قد يكون مؤنثاً لفظياً ومعنوياً معاً مثل فاطمة وعائشة، فاطمة نقول هذا مؤنث تأنيثاً معنوياً ولفظياً، معنوياً؛ لأن مسماه مؤنثاً، ولفظياً؛ لأنه اشتمل على علامة التأنيث وهي التاء، وقد يكون مفرده مؤنثاً معنوياً فقط، نحو: زينب، نقول: هذا مؤنث تأنيثاً معنوي فقط، وقد يكون مفرده مؤنثاً لفظياً فقط مثل: طلحة، إذاً فاطمة نقول: مؤنث تأنيثاً لفظياً ومعنوياً معاً، ويُجمع بألف وتاء فاطمات على إسقاط علامة التأنيث، وكذلك ما كان مؤنثاً تأنيثاً معنوياً فقط نحو هند، نقول: يجمع بألف وتاء فيقال فيه: هندات، وما كان مفرده مؤنثاً تأنيثاً لفظياً فقط كذلك يجمع بألف وتاء مثل طلحات، وسبق معنا أنه أيضاً يجمع بواو ونون، يقال: طلحون، ويقال فيه: طلحات، أو يكون مؤنثاً تأنيثاً لفظياً بالألف المقصورة نحو حبلى يجمع على حبليات، أو يكون مؤنثاً تأنيثاً لفظياً وعلامته الهمزة الممدودة صحراء يقال فيه صحراوات، أو مذكراً كاسطبل يقال فيه: اسطبلات. إذاً هذه أنواع للمفرد الذي يجمع بألف وتاء، إذا عرفنا ذلك حينئذٍ نقول: لابد مما يجمع بألف وتاء من شروط، هذه الشروط جمعها الناظم في قوله: وقسه في ذي التاء ونحو ذكرى ... ودرهم مصغر وصحرا وزينب ووصف غير العاقل ... وغير ذا مسلم للناقل. هذه شروط لابد من استيفاءها فيما يجمع بألف وتاء، بعد أن عرفنا تقسيم المؤنث باعتبار معناه وباعتبار لفظه، وعلامات التأنيث ثم أنواع المفرد الذي يجمع من حيث التأنيث حينئذٍ لابد من معرفة الشروط التي يجب استيفاؤها:

أولها: كل ما في آخره التاء زائدة، لذا قال: وقسه في ذي التاء، قسه؛ لأن جمع المؤنث السالم نوعان: منه ما هو قياسي ومنه ما هو سماعي، وقسه في ذي التاء، يعني: كل ما كان مختوماً بتاء التأنيث فجمعه بألف وتاء قياسي، وهذه التاء لاشك أنها زائدة ثم هذا النوع نقول على جهة الإطلاق، أي: سواء كان علماً أم غير علم، علماً مثل فاطمة هذا مختوم بتاء التأنيث، غير علم مثل زراعة وتجارة، لو قيل تجارة يجمع على أي جمع؟ تجارات، لماذا جمعته بألف وتاء؟ تقول: لأنه مختوم بتاء التأنيث، كما أن فاطمة وعائشة مختوم بتاء التأنيث، إذاً كل ما كان آخره تاء التأنيث حينئذٍ نقول: يجمع بألف وتاء، سواء كان علماً كفاطمة أو لم يكن علماً كتجارة نقول تجارات، وزراعة نقول زراعات. مؤنثاً لفظاً ومعنى كفاطمة أم مؤنثاً لفظاً فقط كطلحة، وسواء أكانت التاء للتأنيث -كما سبق- أم للعوض عن حرف أصلي نحو عِدَة وثبةٍ، وهذا سبق معنا أن عِدَة هذه التاء عوض عن الفاء المحذوفة، أصله من الوعد، عِدَة وزنه عِلَة، الفاء محذوفة، عِلة عِِدة، حينئذٍ نقول: حذفت فاؤه اعتباطاً أو تخفيفاً وعوض عن هذه الفاء التاء في آخره، إذا أدرت جمعه حينئذٍ تقول: يجمع بألف وتاء، عِدات ثُبات، إلى أخره. وقد تكون التاء للمبالغة نحو عَلَّامة يجمع على علامات، إذاً كل ما كان مختوماً بتاء التأنيث سواء كانت عوضاً عن أصل أو زائدة أو للمبالغة سواء كان مسماه علماً أو لم يكن يجمع بألف وتاء، ولذلك قال: وقسه في ذي التاء، يعني: صاحب التاء، -كل ما كان مختوماً بتاء-. ويجب حذف التاء من آخر كل مفرد مؤنث عند جمعه جمع مؤنث سالم؛ لأن هذه التاء على نية الانفصال والانقطاع، إذا قلت: فاطمة زدته ألف وتاء، هل تقول فاطمات أو فاطمتات؟ هل تبقي التاء كما هي أم تحذفها؟ يجب حذفها من المفرد؛ لأنها تدل على التأنيث، والتاء التي معنا- ألف وتاء- نقول هذه علامة على أي شيء؟ على التأنيث، حينئذٍ اجتمع فيه علامتا تأنيث، وهذا ممتنع، إذاً يجب حذف التاء من آخر كل مفرد مؤنث عند جمعه جمع مؤنث سالم لكي لا تتلاقى مع التاء التي في آخر الجمع، هذا الشرط الأول، وقسه في ذي التاء. ونحو ذكرى، وقال في آخره: وصحراء، -يجمع بينهما-، ما في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة مطلقاً، يعني: ما كان مختوماً بألف مقصورة كحبلى، أو ألف ممدودة كصحراء مطلقاً، يعني: سواء أكان علماً أم لا، صفة لمؤنث أم صفة لمذكر، نقول مطلقاً يجمع بألف وتاء، (سُعدى) علم لمؤنث نجمعه على (سُعديات)، تقلب الألف ياءً، (فُضلى) صفة لمؤنث مختوم بألف التأنيث المقصورة، نقول في جمعه: فضليات، بقلب الألف ياءً، دنيا علم لمذكر، حسناء صفة لمؤنث، زهراء علم لمؤنث، زكريا علم لمذكر، حسناء كيف يجمع؟ حسناوات، صحراوات. إذاً الثاني ما في آخره ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة مطلقاً بدون تفصيل. ثالثها: كل علم لمؤنث حقيقي وليس فيه علامة تأنيث، الذي سميناه ماذا؟؟؟ ...... يعني نحو زينب ماذا يسمى؟ مؤنثاً تأنيثاً معنوياً، يعني: بدون علامة تأنيث لفظي، فزينب يجمع على زينبات، إلا ما كان مثل حذام عند من يبنيه على الكسر في جميع أحواله –هذا يستثنى-.

رابعها: مصغر مذكر الذي لا يعقل، مذكر لا يعقل، درهم هذا لا يصح أن يجمع درهمات، وإنما يجمع على دراهم، إذا أردته جمع مؤنث سالم حينئذٍ صغره درهم دُريهم، دُريهمات، جبل، جبال، وإذا أردناه بألف وتاء جُبيلات، غار هذا، نهر نُهير، نُهيرات، نهرٌ، بحيرات. خامسها: وصف المذكر غير العاقل، ((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)) [البقرة:184]، أياماً هذا جمع وهو غير عاقل، وصفته بمعدودات، معدودة معدودات جمعته بألف وتاء لماذا جمع بألف وتاء؟ لأنه وقع وصفاً لما لا يعقل، (جِبَالَ رَاسِيَاتٍ) راسية: راسيات. سادسها، -هذا بعضهم زاده-: كل خماسي لم يسمع له عن العرب جمع تكسير، هذا لم ينظمه هناك في الشاطبي وقسه في ذي التاء، كل خماسي لم يسمع له عن العرب جمع تكسير مثل: (سرادقات، وحمامات، واسطبلات؛ جمع سرادق وحمام واسطبل)؛ هذا يجمع بألف وتاء؛ لأنه لم يسمع عن العرب أنه جُمع جمع تكسير، وما عدا هذه الأنواع الستة مقصور على السماع مثل: شمالات جمع شمال نوع من الريح، وأرضات حينئذٍ نقول: هذا مصدره السماع، سماوات، قياسي أو سماعي؟ سماعي -لأن السماعي مرده إلى السمع ليس عنده إلا أنه نقل هكذا-، سماء -الهمزة ليست للتأنيث-، نحن نقول: علامة التأنيث مثل صحراء، وحبلى، ألف ممدودة وألف مقصورة، سماء، لو كانت للتأنيث لمنعت من الصرف، ولذلك تقول: صحراء، صفراء، هذه صفراء بدون تنوين، وجاء: ((وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ)) [فصلت:12]، لو كانت للتأنيث ما نونت، ((وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ)) [فصلت:12]، دليل على هذا سماوات الجمع يردُّ الأشياء إلى أصولها حينئذٍ يرد السؤال: سماوات الألف والتاء هذه زيدت من أجل التأنيث، الألف والتاء (سماوات) زيدت للتأنيث، الواو من أين جاءت سماوات؟ هي التي قلبت همزة، أصلها سماوٌ وقعت الواو طرفاً بعد ألف زائدة رابعة فقلبت همزة، مثل: بناء، الهمزة هذه منقلبة عن ياء وليست عن واو، وأما سماء سماوات نقول: هذا سماعي. وغير ذا مسلم للناقل، غير ما ذكر من الخمسة وما زدناه السادس مسلم للناقل، يعني: سماعي، ومنه سماعي.

إذن: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا، عرفنا حقيقته وشروطه، ما حكمه؟ قال: يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي النَّصْبِ مَعَا، يكسر في الجر، نحن الآن نتحدث عن أبواب النيابة أليس كذلك؟ وكونه مكسوراً بالجر هذا وافق أم خالف؟ وافق، لم ذكره؟ ليبين أن النصب محمول على الجر كأصله يعني: جرى مجرى أصله، على سنن أصله، وهو جمع المذكر السالم، جمع المذكر السالم نقول حمل فيه النصب على الجر، لماذا؟ لأن الأصل فيه أن ينصب بالألف وأن يجر بالياء، لكنه ما نصب بالألف وإنما نصب بالياء، والياء هذه علامة جر، إذاً حمل النصب فيه على الجر، أليس كذلك؟ هنا جمع المؤنث السالم الأصل فيه أنه ينصب بالفتحة على الأصل، لكنه نصب بالكسرة حملاً له على جره، هو أراد أن يذكر هذا تعليلاً، قال: يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ ليجري على سنن أصله -وفي النصب-، فيعلم حينئذٍ أن النصب هنا محمول على الجر، كما أن أصله جمع المذكر السالم النصب فيه محمول على الجر –عكس-، ولذلك لم يذكر الرفع لم يقل: يرفع بضمة، وإنما ذكر الجر والنصب فحسب وبقي حالة واحدة وهي الرفع تركها عمداً وذكر الجر من باب التنبيه على العلية فحسب. يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ: إنما ذكره مع أنه جاء على الأصل -والكلام في النيابة- ولهذا لم يذكر الرفع للإشارة إلى أن النصب حمل على الجر، وإنما نصب بالكسرة مع تَأَتِّي الفتحة، تقول: رأيت الهنداتَ، هل هذا متعذر؟ ليس بمتعذرٍ، تتأتى الفتحة هنا ولا نحتاج إلى الكسرة وإنما نصب بالكسرة مع تأتي الفتحة ليجري على سنن أصله وهو جمع المذكر السالم في حمل نصبه على جره، يعني: من باب المناسبة فحسب، وهذا كله تعليل. يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي النَّصْبِ مَعَا، معاً: منصوب على الحال وهي بمعنى جميعاً عند الناظم فلا تقتضي اتحاد الوقت فلا إشكال على مذهبه. يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي النَّصْبِ على اللغة المشهورة في لسان العرب، أنه في حالة النصب يكون منصوباً بالكسرة، ((خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ)) [العنكبوت:44]، ((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ)) [الصافات:153]، حينئذٍ نقول: هذا مفعول به منصوب، ((خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ)) [العنكبوت:44]، خلق فعل ماضي، والله فاعل، السماوات مفعول به على رأي الجمهور، وقيل: مفعول مطلق، حينئذٍ يكون منصوباً بالكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، أو جمع بألف وتاء، ((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ)) [الصافات:153]، أصطفى هو، البنات مفعول به منصوب ونصبه كسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، الأول ((خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ)) [العنكبوت:44] هذا مثال لما جمع بألف وتاء وهو سماعي، ((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ)) [الصافات:153] هذا لما جمع بألف وتاء وهو قياسي، وجوز الكوفيون نصبه بالفتحة مطلقاً، أي: حذفت لامه أو لا –مطلقاً-، حذفت لامه أو لا.

وهشام فيما حذفت لامه، ومنه قول بعض العرب: سمعت لغاتَهم، جمع لغة، هذا مما حذفت لامه، أصله لُغَوُنٌ، حذفت اللام التي هي الواو وعُوِّض عنها التاء، لغاتَهم، ولم يقل لغاتِهم، القياس أن يقول: لغاتِهم، وإنما قال لغاتَهم ردُّه إلى أصله بفتح التاء وهو جمع لغة، أصلها لُغَوُن أو لُغَيِنٍ، يعني بالواو أو الياء، حذفت اللام وعوض عنها هاء التأنيث ونصب بالفتحة لمشابهته المفرد، حيث لم يجرِ على سنن الجموع في رد الأشياء إلى أصولها، وجبراً لحذف لامه ومحل هذا القول ما لم يرد إليه المحذوف، فإن رد إليه نصب بالكسرة لانتفاء العلتين كسنوات وعضوات. لكن المشهور في لسان العرب أنه يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفي النَّصْبِ مَعَا، كسر إعراب خلافاً للأخفش بزعمه أنه مبني في حالة النصب وهو فاسد إذ لا موجب لبنائه؛ لأن موجب البناء كما سبق شبه الوضع أو شبه الحرف في وجوه الشبه السابقة، حينئذٍ جمع المؤنث السالم ليس فيه ما يوجب بنائه فيبقى على الأصل وهو أنه معرب. إذاً ما جمع بألف وتاء نقول هذا فيه قولان: معرب ومبني، والقول بأنه مبني فاسد؛ لأنه لا موجب لبنائه، ثم هل هو معرب بالكسرة أو بالفتحة؟ البصرييون وجماهير النجاة على أنه بالكسرة نيابة عن الفتحة، ومذهب الكوفيين أنه منصوب بالفتحة على الأصل مطلقاً، منصوب بالفتحة على الأصل، حينئذٍ سواء كان مما حذفت لامه أو لا، وهشام على التفصيل. ثم قال رحمه الله: كَذَا أُولاَتُ وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ ... كَأذْرِعَاتٍ فِيهِ ذَا أَيْضاً قُبِلْ كَذَا أُولاَتُ، أراد أن يبين لنا الملحق بجمع المؤنث السالم؛ المثنى له محلقات، وجمع المذكر السالم له ملحقات، كذلك ما جمع بألف وتاء له ملحقات، وهو نوعان، وزاد بعضهم ثالثاً ورابعاً، ذكر المصنف نوعين: كَذَا أُولاَتُ، أولات كذا، كذا خبر مقدم، أولات قصد لفظه فهو علم صار مبتدأً. والثاني أشار إليه بقوله: وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ كَأذْرِعَاتٍ، يعني: المسمى به وهو جمع مثل زيدون وزيدان إذا صار علماً، أذرعات هذا جمع بل جمع الجمع، عرفات هذا جمع، هندات، مسلمات إذا سميت به صار مسمىً به، إذاً صار ملحقاً بجمع المذكر السالم.

زاد بعضهم (اللات وذوات)، وهذه تأتي في الموصولات، أما هنا ذكر: أُولاَتِ وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ، كَذَا أُولاَتُ: أي مثل ما جمع بألف وتاء في إعرابه السابق أُولاَتُ، مثل ما جمع بألف وتا، هو ليس منه حقيقة؛ لأنه لا يصدق عليه أنه جمع بألف وتاء إذ ليس له مفرد حتى نقول تزاد عليه الألف والتاء، ليس له مفرد لا واحد له من لفظه، فهو اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه، حينئذٍ لا يصدق عليه حد جمع المؤنث السالم، أي مثل ما جمع بألف وتاء في إعرابه السابق أُولاَتُ والمقصود لفظ أُولاَتُ فيكون معرفة بالعَلَمية فإن اعتبرت أنه مؤنث يعني صار مؤنثاً لتأوله بالكلمة أو اللفظة حينئذٍ منع من الصرف، صار أولاتُ ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث، لاجتماع العلمية والتأنيث المعنوي، وإن اعتبر أنه مذكر لتأوله باللفظ أو الاسم صرف، لانتفاء التأنيث، وهذا يكون شيئاً مطرداً، إذا كان علماً إن اعتبر من جهته كونه اسماً حينئذٍ اجتمعت العلمية والتذكير، إذا اعتبر أنه مؤنث مع العلمية صار ممنوعاً من الصرف، وإن اعتبرت مذكرةً لتأولها باللفظ أو الاسم صرفت، وإنما لم تكن مؤنثة لفظاً لأن الذي فيها تاء التأنيث والمانع للصرف هو هاء التأنيث، الذي يمنع من الصرف عند النحاة هو التاء المربوطة وأما التاء المفتوحة ليست مانعة من الصرف ولذلك أُولاَتُ على القول الأول بأنها ممنوعة من الصرف نقول للتأنيث المعنوي، قد يقول قائل: لماذا لا نقول التاء هذه للتأنيث؟ نقول: نعم هي للتأنيث لكن المانع من الصرف هو التاء المربوطة التي يوقف عليها بالهاء وأما التاء المفتوحة لا ليست مانعة من الصرف كما سيأتي في محله. إذاً: كَذَا أُولاَتُ هذا ملحق بجمع المؤنث السالم، حينئذٍ يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة حملاً على ما جمع بألف وتاء، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، هل له واحد من معناه؟ نعم (ذو بمعنى صاحب) لأننا نفسر أُولاَتِ بمعنى: صاحبات (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) يعني: صاحبات حمل، حينئذٍ له واحد من لفظه ليس (ذو) وإنما (ذاتُ)، (ذو) للمذكر و (ذات) للمؤنث، إذاً لا واحد له من لفظه بل من معناه وهو (ذاتُ) وقد جاء في القران (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) وسبق أن القاعدة أن ما خرج عن الجمع القياسي فهو شاذ، كل ما خرج عن الجمع القياسي والمثنى القياسي وجمع المذكر القياسي وجمع المؤنث السالم القياسي، نقول: هذا شاذ والمراد بالشذوذ هنا أنه خالف القواعد النحوية العامة، أو القواعد الصرفية، وأما ما ندر استعماله فهو شاذ استعمالاً لا قياساً وهذا ممتنع وجوده في القران لا يجوز القول به البتة؛ لأن القران فصيح بل هو أعلى. إذاً كَذَا أُولاَتُ، نقول: هذه لا واحد لها من لفظها بل من معناها وهو (ذاتُ) (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ)، ويشترط في أُولاتِ أن تضاف إلى ما يضاف إليه (ذو) وهو اسم جنس ظاهر، يعني لا تضاف إلى أي لفظ، بل يشترط أن تضاف إلى اسم جنسٍ ظاهرٍ. وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ .................. ... كَأذْرِعَاتٍ فِيهِ ذَا أَيْضاً قُبِلْ

وَالَّذي، هذا النوع الثاني مما ألحق بجمع المؤنث السالم وهو المسمى به، ما سمي به والأصل فيه أنه جمع بألف وتاء ويدل على متعدد حينئذٍ نقول: صار مدلوله ماذا؟ جمع المؤنث السالم ما دل على أكثر من اثنتين -ثلاث فأكثر هندات-، هند وهند وهند، هذا هو الأصل زنيبات زينب وزينب وزينب لكن لو جعلت الزينبات علماً لامرأةٍ، حينئذٍ صار مدلوله واحداً، إذاً ليس بجمع بل هو مفرد لكنه لما كان منقولاً حينئذٍ يستصحب الحكم السابق قبل التسمية قبل العلمية، وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ والذي قد جعل اسماً من هذا الجمع، اسماً ما إعرابه؟ مفعول ثاني، وأين والأول؟ قَدْ جُعِلْ هو نائب فاعل قَدْ جُعِلْ اسْماً يعني من هذا الجمع. كَأذْرِعَاتٍ بكسر الراء، وقد تفتح كما في القاموس أذْرَعات الذال ساكنة والراء المشهور أنها مكسورة، وذكر في القاموس أنها تفتح أذْرِعَاتٍ بكسر الراء وقد تفتح كما في القاموس، وهو اسم قرية بالشام وذاله معجمة أصله جمع أذْرِعَة التي هي جمع ذراع فهو جمع الجمع وجمع الجمع سماعي ليس بقياسي. إذاً أذْرِعَاتٍ اسم مفرده قرية واحدة وهو جمع الجمع كَأذْرِعَاتٍ فِيهِ ذَا قُبِلْ، فِيهِ: الضمير يعود إلى أذْرِعَاتٍ، ذَا: ما هو؟ الإعراب، فِيهِ: أي في أذْرِعَاتٍ، ذَا: الإعراب السابق أنه يجر بالكسرة وينصب بالكسرة كذلك، أيْضاًً: أي كما قيل في أُولاَتُ قُبِلْ، قُبِل: على اللغة الفصحى -لأن فيه لغات- أي: القبول القياسي؛ لأنه إنما يتكلم في الأصول القياسية، أيْضاً: قلنا: أي كما قيل في أُولاَتُ، أيْضاً: ما إعرابها؟ مفعول مطلق، (آض يئِِيِضُ أيضاً)، العامل فيه محذوف وجوباً (آض يئِِيِضُ أيضاً)، المصدر آض -إذا رجع- وهو إما مفعول مطلق حذف عامله، والأكثر على هذا، الأكثر على أنه مفعول مطلق، أو بمعنى اسم فاعل حال حذف عاملها وصاحبها، إما أنها مفعول مطلق، أو بمعنى اسم الفاعل، حال حذف عاملها وصاحبها قُبِلْ: أي هذا الإعراب. قال الشارح: ثم أشار بقوله وَالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ إلى أنَّ ما سمي به من هذا الجمع والملحق به نحو أذْرِعَاتٍ، ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية، هل يُنَوَّن؟ " نعم هذا الأصل فيه؛ لأن جمع المؤنث السالم الأصل فيه إذا لم تدخل عليه (أل) أنه مُنَوَّن، هِنداتٌ مُنَوَّن أو لا؟ ما نوع التنوين؟ هو اسم معرب منصرف، وتنوينه تنوين مقابلة ليس تنوين صرف وحينئذٍ نقول ولو كان اسماً معرباً منصرفاً ولكن تنوينه هذا تنوين مقابلة ولذلك قلنا: تنوين التمكين هو: اللاحق للأسماء المعربة ما عدا ما جمع بألف وتاء؛ لأنه منصرف؛ لأن تنوينه غير تنوين صرف أو محلى بـ (أل)، أو علمٌ وصف بابن حينئذٍ نقول هذا لا ينون تنوين صرف وإن كان هو في الأصل معرباً ومصروفاً، إذاً ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية به ولا يحذف منه التنوين، فلو سمي بهندات، تقول هذه هندات ورأيت هنداتٍ ومررت بهنداتٍ، يبقى كما هو قبل التسمية.

قال المرادي: وإنما بقي تنوينه مع أن حقه المنع من الصرف للتأنيث والعلمية أي إذا كان علماً لمؤنث؛ لأن تنوينه ليس للصرف بل للمقابلة -أي وتنوين المقابلة يجامع علتي منع الصرف-؛ لأنه كيف يقال بأنه علمٌ لمؤنث اجتمع فيه علتا الصرف ومع ذلك ينون، هل هذا إيراد استدراك أو شيء؟ هذه هندات، نقول هذا علمٌ ومؤنث اجتمع فيه علتان من علل تسع، حينئذٍ الأصل فيه أنه يمنع من الصرف فكيف وجد فيه التنوين؟ نقول هذا التنوين ليس بتنوين صرف وإنما هو تنوين مقابلة، نحو: هذه أذرعاتٌ ورأيت أذرعاتٍ ومررت بأذرعاتٍ، هذا هو المذهب الصحيح، هكذا قال ابن عقيل تبعاً للناظم، الناظم جزم بِأنَّ َالَّذي اسْماً قَدْ جُعِلْ ... كَأذْرِعَاتٍ فِيهِ ذَا أيْضاً قُبِلْ هو اللغة الفصحى فيها، فحينئذٍ يعامل معاملة جمع المؤنث السالم قبل التسمية قبل العلمية، ينصب ويجر بالكسرة مع التنوين، والتنوين هنا مع وجود العلمية والتأنيث لا منافاة بينهما لأنه تنوين مقابلة، وحينئذٍ لا يحذف منه التنوين لِمَا عَلَّلَه المرادي. لأن المراعاة فيه هنا في حالة الأصلية فقط، يعني المراعاة هنا النظر إلى أذْرِعَاتٍ قبل جعله علماً, وفيه مذهبان أيضاً مشهوران أحدهما: أنه يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة لكن بدون تنوين، يعني كالسابق، لكن نسلبه التنوين، فيكون بدون تنوين، هذه أذرعاتُ ورأيت أذرعاتِ ومررت بأذرعاتِ -بدون تنوين-، وينصب ويجر بالكسرة ويزال منه التنوين مراعاة للحالة الأصلية، هذا في ما إذا كسر، يكسر باعتبار أصله قبل التسمية، ويُسلب منه التنوين باعتبار حاله الراهنة، يعني لنا نظران فيه: نظر قبل التسمية ونظر بعد التسمية. قبل التسمية: هو مصروف وهو جمع مؤنث سالم أعطيناه الكسر، ثم نظرنا إليه بعد العلمية فإذا به وجد فيه علتان لمنع الصرف فسلب التنوين، إذاً مراعاةً للحالين، مراعاة للحالة الأصلية، فالكسرة نائبةٌ عن الفتحة في حالة النصب لا في حال الجر، ويزال منه التنوين مراعاة للحالة الراهنة -بعد التسمية- المقتضية منع تنوينه لاجتماع العلمية والتأنيث المعنوي وإن لم يكن تنوينه تنوين صرف؛ لأنا نقول هو تنوين مقابلة ليس بتنوين صرف، والممنوع من الصرف إنما يمنع من تنوين الصرف وهذا ليس بتنوين الصرف، قالوا لشبهه بتنوين الصرف سلبناه، لأنه أشبه تنوين الصرف فحينئذٍ سلب منه التنوين للعلمية والتأنيث المعنوي، وهذا جاء به النطق، لا بأس به، هذه أذرعاتُ رأيت أذرعاتِ ومررت بأذرعاتِ؛ إذاً نصب بالكسرة وسلب منه التنوين، نُصِب بالكسرة بالنظر إلى كونه جمع مؤنث سالم، سلبناه التنوين لوجود علتين -يعني مُنِعَ من الصرف-، كيف مُنِعَ من الصرف وتنوينه ليس بتنوين صرف؟ أشبه تنوين الصرف فسلبوه، يعني من باب القياس. المذهب الثاني: أنه يرفع وينصب ويجر بالفتحة ويحذف منه التنوين، -يعني إعراب ما لا ينصرف-، هذه أذرعاتُ، رأيت أذرعاتَ، مررت بأذرعاتِ، ينصب ويجر بالفتحة، إذاً عُومِل معاملة ما لا ينصرف، وإذا وُقِف عليه قلبت التاء هاءً، هذا بالنظر إلى أي الحالين؟ بعد التسمية. إذاً الأنظار ثلاثة بناءً عليها هي التي جاءت المذاهب.

المذهب الأول: قلنا يُلحق بالجمع المؤنث السالم بدون استثناء، ينصب بالكسرة مع التنوين، هذا نظر إلى اعتباره قبل التسمية، لم يلتفت إلى العلمية البتة. النظر الثاني جمع بين النظرين: نظر قبل التسمية ونظر بعد التسمية، قبل التسمية فأعطاه الكسرة ي-نصب بالكسرة- وبعد التسمية سلبه التنوين. هذا الثالث ماذا صنع؟ نظر بعد التسمية فحسب، فإذا به علم لمؤنثٍ تأنيثاً معنوياً فهو ممنوع من الصرف. جاء قول الشاعر: تَنوّرْتها منْ أَذرِعاتٍ وأهُلها ... بِيَثْرِبَ أَدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عالي هذا هو الشاهد للمذاهب الثلاثة كلها. تنورتها من أذرعاتٍ: روي هكذا على القول الأول. تنورتها من أذرعاتِ: بدون تنوين هكذا روي على المذهب الثاني. تنورتها من إذرعاتَ: من: حرف جر، وأذرعاتَ –بالفتحة- يعني منعه من الصرف كما يقال: أحمدُ - أحمدَ. والوجه الثالث -الذي هو منعه من الصرف- ممنوع عند البصريين جائز عند الكوفيين، إذاً فيه خلاف، جائز عند الكوفيين لوجود العلتين فيه وورود السماع به، قال الصبان: وهو الحق فلا وجه لمنعه، لماذا لا وجه لمنعه؟ لأن البيت هذا روي بثلاث روايات. تنورتها من أذرعاتٍ من أذرعاتِ من أذرعاتَ، بكسر التاء منونةً كالمذهب الأول وبكسرها بلا تنوين كالمذهب الثاني وبفتحها بلا تنوين كالمذهب الثالث. وصلى الله على وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ...

17

عناصر الدرس * بيان الباب الخامس من ابواب النيابة (الممنوع من الصرف) ـ * معنى (الممنوع من الصرف) ـ حكمه وشروطه * بيان الباب السادس من أبواب النيابة (الأمثلة الخمسة) ـ * حدها وأوزانها وحكمها * بيان الإسم المقصوروحكمه * بيان الإسم المنقوص وحكمه * بيان الباب السابع من أبواب النيابة (الفعل المضارع المعتل الآخر) ـ * حده وحكمه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س: هذا يسأل يقول: متى نراعي اللفظ ومتى نراعي المعنى؟ ج: هذا يُنظر فيه، ليست المسألة اجتهادية، إنما ينظر فيه كل بحسبه، إذا كان اللفظ مذكَّراً والمعنى مذكَّر، الأصل فيه أنه يذكَّر، وإذا كان المعنى مؤنث واللفظ مذكَّر حينئذٍ يجوز فيه الوجهان، لكن الأصل أنه يُسمَع عَوْدُ الضمير الأصل، أنه يعود على المذكَّر مذكَّر وعلى المؤنث مؤنث. س: قال تعالى: ((كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ)) [المؤمنون:112]، قلتم في سنين أنه شاذ؟ ج: ليس أنا الذي قلت، قلت: أن النحاة حكموا أنه شاذ، وهذا محل وفاق. س: قلتم في سنين أنه شاذ قياساً، وعرَّفتم الشاذ قياساً بأنه ما شذَّ عن القواعد المستعملة، فكيف لفظٌ في القرآن وهو عربي مبين يشذ عن القواعد المستعملة بل هذا لفظ من الشاذ من حيث استعمال القياس؟ شاذ استعمالاً لا يجوز أن يقال بأنه موجود في القرآن، وأما الشاذ قياساً، وقد عرفنا أن لغة العرب منها ما هو كثير الاستعمال ومنها ما هو قليل الاستعمال، فحينئذٍ سمَّى النحاة ما جاء موافقاً للكثرة - غالب- سموه قياساً -هو الأصل-، وما جاء مخالفاً لهذه القاعدة سموه شاذاً، المسألة اصطلاحية لا نفخِّم الأمور، حينئذٍ إذا قيل: هذا شاذ مرادهم أنه خالف المشهور في لسان العرب، وما المانع من هذا لا بأس. ولذلك قلت: أنه لا يُقال عند العامة؛ لئلا يُفهم خطأ، مثله مثل الحرف الزائد، بعضهم ينازع في الحرف الزائد هل هو موجود في القرآن؟ نقول: موجود قطعاً، لكن ما معنى الزائد؟ نمسحه .. نحذفه؟ .. لا، ليس هذا مراد، المراد لم يستعمل فيما وضع له في لسان العرب. إذا قيل: (مِنْ) للابتداء أو لبيان الجنس، أو للتبعيض، (مِنْ) في قوله: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3] أي معنى يستفاد منها؟ لا يمكن أن تأتي لا للتبعيض ولا لبيان الجنس، ولا ولا إلى آخره. و (خَاْلِقُ) ما إعرابه؟ مبتدأ، إذن كيف نقول هذه ليست بالزائدة! زائدة قطعاً، ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء)) [الشورى:11]، الكاف هذه زائدة، لكن المراد بالزائد هو الذي جاء من أجل التأكيد فحسب، ولذلك قال الخُضري في أول حاشيته على ابن عقيل: الزائد عند النحاة هو الذي ليس له معنىً إلا التوكيد، -والتوكيد معنى-، حينئذٍ نفهم الاصطلاحات، حتى لا يُقال زائدة أو .... يكفر أو لا يكفر؟ ونفرِّع المسائل. س: قال بعض الشراح: لم يأتِ في القرآن فعل الأمر مؤكداً بالنون على الرغم من جواز توكيده، فهل هذا صحيح؟ الجواب: ما أدري، يحتاج تتبع واستقراء، تقرأ القرآن بهذا القصد. س: معلوم أن الكلمات العربية موضوع علم النحو فيلزم من هذا على طالب النحو أن يتكلم باللغة العربية؟ ج: انظر هذا الترابط، هذا ليس بصحيح، موضوع علم النحو الكلمات العربية، وهذه الكلمات يتألف منها الكلام فيلزم من هذا على طالب علم النحو أن يتكلم باللغة العربية، على كلٍ دون تقعُّر فيأتي بالمرفوع مرفوع، وبالمنصوب منصوب، وبالمجرور مجرور، أما أنه يأتي بالمخارج ويأتي، وهذا ليس من .... س: (جاء رجال فاضلون) .. (جاء رجال فضلاء)؟ ج: يجوز هذا وهذا، قد يُجمع اللفظ الواحد بجمعين: جمع مؤنث، وجمع تكسير.

هذه قاعدة: (أن الجمع لا يكون أخصّ من المفرد) مسلمة؟ ج: عند أكثر النحاة. تابع السؤال: وألا تنتقض بنحو عرب وأعراب؟ ج: القاعدة ما تنتقض بصورة واحدة. س: غلام لا يجمع جمع مذكر سالم رغم أنه علم، أرجو التوضيح؟ ج: غلام لا يجمع جمع مذكر سالم رغم أنه علم، لماذا لا نجمعه بواو ونون مع كونه علم؟ وابن مالك يقول: وَارْفَعْ بِوَاوٍ وَبِيَا اجْرُرْ وانْصِبِ ... سَالِمَ جَمْعِ عَامِرٍ وَمُذْنِبِ ليس بعلم إذاً. (؟؟؟) هذا مشهور عند النحاة له شرح تسهيل الفوائد، مطبوع عشر مجلدات أو تسعة. س: في نحو: قاضي، هل يقال إن أصله قاضيُون بضم الياء استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الضاد؟ ج: على كل هذا يعود عليك ما في بأس؛ النكات لا تتزاحم. س: أحياناً تقول: قُصِد لفظه، تعربون الكلمة إعراباً مختلفاً، نريد إيراد مثال من اسم وفعل وتعربونه قصد لفظه وأخرى لم يقصد لفظه؟ ج: ضرب زيد عمراً، ضرب: فعل ماض قصد معناه، ضرب: فعل ماض قصد لفظه. خرجت من الدار، (مِنْ): حرف قصد معناه، (من): حرف جر وهذا قصد لفظه. وإن نَسَبْتَ لأَداةٍ حُكْما ... فاحْكِ أَو اعرِبْ واجْعَلَنْها إِسْما يجوز فيه وجهان. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالاَ يَنْصَرِفْ ... مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ (أل) ردف، ألردف، فُكَّها أو أدغمها لا بأس. وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالاَ يَنْصَرِفْ ... مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ هذا هو الباب الثاني مما ناب فيه حركة عن حركة، وهو الممنوع من الصرف، سيأتي باب كبير اسمه: باب الممنوع من الصرف، ذكر فيه سبعاً وعشرين بيتاً، يشرح فيه العلل التي إذا وجدت في الاسم حينئذٍ يُلحق بالفعل فيُمنع من الكسر، ويُمنع من التنوين. ومراده هنا أن ينبِّه فحسب على أن هذا الباب من أبواب النيابة، وليس المراد شرح العلل ولا متى يُحكم على الاسم بأنه أشبهَ الفعل، ولا على فلسفة: ما وجه الشبه بين الاسم والفعل، وإنما المراد أن هذا الباب من أبواب النيابة؛ لأنه في مقام سرد ما ناب فيه حرف عن حركة أو حركة عن حرف. قلنا: خمسة أبواب في باب الأسماء: الأسماء الستة، المثنى، جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، وهذه الحمد لله كلها انتهينا منها، بقي باب واحد من الأسماء وهو: الممنوع من الصرف في حالة الجر فحسب. وَجُرَّ، هذا يحتمل وجهين: أنه فعل أمر، أو أنه فعل ماض، يحتمل أنه فعل أمر ناصباً ما لا ينصرف (جُرَّ) أنت، (مَا): اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به، جُرَّ مَالا يَنْصَرِفْ، فينصب ما على المفعولية حينئذٍ إذا كان كذلك، الأمر إذا كان مضعَّفاً مثل: مدَّ، مُدَّ، قلنا: يجوز في داله وفي راءه هنا ثلاثة أوجه: جُرَّ جُرِّ جُرُّ، ثلاثة، جُرَّ جُرِّ جُرُّ.

جُرُّ: على الإتباع بالضم هذه أضعفها، جُرِّ: على الأصل للتخلص من التقاء الساكنين، جُرَّ: هذا على الفتح تخلصاً من الساكنين وطلباً للخفة، يعني: لماذا كانت الحركة فتحة مع كون الأصل في التخلص من التقاء الساكنين هو الكسر وجُرِّ على الأصل؟ نقول: جُرِّ وإن كان على الأصل إلا أن جُرَّ أوفقُ للقياس منه؛ لأن الأصل أن الفعل لا يدخله ضم ولا كسر. حينئذٍ جُرَّ هذا فعل أمر، يحتمل أنه فعل أمر، ومَالا يَنْصَرِفْ (ما) هذا اسم موصول في محل نصب مفعول به، فيكون مثلث الآخر، ويحتمل أنه ماضٍ لكنه مغيَّر الصيغة. وجُرَّ (ما): اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع نائب فاعل مغيَّر الصيغة، يحتمل هذا ويحتمل الأول، لكن إذا كان فعلاً ماضياً حينئذٍ ليس له إلا جُرَّ فحسب، جُرَّ؛ لأنه مبني على الفتح فلا يجوز فيه الضم ولا الكسر. يؤيد الأول لاحقه والثاني سابقه، -هذه عبارة الصبَّان-، يؤيد الأول الذي كونه فعل أمر لاحقه، والثاني سابقه، ما معنى هذه الجملة؟ يؤيد الأول الذي هو فعل أمر لاحقه، والثاني كونه ماضياً سابقه، ما المقصود؟ يؤيد الأول لاحقه يعني: اللاحق الذي سيأتي وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا، إذن وجُرَّ فعل أمر؛ لأنه في سياقٍ واحد، جُرَّ فعل أمر، وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا. هنا قال: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا مغيَّر الصيغة، حينئذٍ (جُرَّ) كونه ماضياً نائب فاعل يؤيده السابق، وكونه فعل أمر يؤيده اللاحق، إذن هذا أو ذاك لا بأس. وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ، سواء كانت ظاهرة كـ (أحمد) أو مقدَّرة كـ (موسى)، نيابة عن الكسرة. (مَاْ): اسمٌ موصولٌ بمعنى الذي، يصدُق على اسم مفرد أو جمع؛ لأن الذي يُمنع من الصرف نوعان: اسم مفرد، وجمع تكسير، حينئذٍ قوله: مَا لا يَنْصَرِفْ، يعمّ هذا وذاك؛ لأن المفرد يكون ممنوعاً من الصرف كـ (أحمد) والجمع كذلك يكون ممنوعاً من الصرف كـ (مساجد)، وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ نيابة على الكسرة، سواء كانت ظاهرة كـ (أحمدَ) ومقدرة كـ (موسى). وأورد على قوله: وجر بالفتحة ما سمِّي به مؤنث من الجمع بألف وتاء والملحق به، -هناك قال-: وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا ... يُكْسَرُ فِي الْجَرِّ وَفِي النَّصْبِ مَعَا وهنا قال: وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ، هل يَرِد عليه ما جُمِع بألف وتاء؟ يرد أو لا يَرِد؟ قلنا المسمى به فيه ثلاث لغات منها: إعراب ما لا ينصرف، ومنها: أن يُسلب منه التنوين مع بقاء الكسر، حينئذٍ ما وجه الاشتباه؟ ليس فيه ثَمَّ اشتباه، ولذلك ما أورد على المصنف ليس بوارد، أورد عليه على قوله: وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ ما سمي به مؤنث، من الجمع بألف وتاء، والملحق به بناءً على أنه معرب بإعراب أصله، ويمكن دفعه بأنه عُلِم استثناؤه من قوله (سابقة)، هكذا أورده الصبَّان وغيره، لكن نقول: هذا ليس بوارد إلا على مذهب الكوفيين، وقلنا: هذا مذهب ضعيف ليس عليه لسان العرب، بل المشهور هو ما ذكره المصنف أنه يُجرُّ وينصب بالكسرة، إذن لا يرد على المصنف: وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ ما سمِّي بجمع المؤنث السالم أو بأصله.

وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالا يَنْصَرِفْ، وهو ما فيه علتان من علل تسع: كأحسن، أو واحدة منهما تقوم مقام العلتين كـ (مساجد) و (صحراء). اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَة فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ لأنه شابَه الفعل فثَقُل، الاسم الذي مُنع من الصرف وجد فيه علتان أو علة واحدة تقوم مقام العلتين، حينئذٍ ثَقُل الفعل فلم يدخله التنوين؛ لأنه علامة الأخف عليهم والأمكن عندهم، فامتنع الجر بالكسرة لمنع التنوين لتآخيهما في اختصاصهما بالأسماء، فلما منعوه الكسرة عوَّضوه منها الفتحة، نحو قوله تعالى: ((فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا)) [النساء:86]، وهذا كله سيأتي شرحه في محله. إذاً مَالا يَنْصَرِفْ الصرف هو التنوين، وهل الذي مُنِع من الصرف هو التنوين فحسب أم التنوين والكسر؟ هذا فيه قولان والمشهور أنه مُنِع الكسر مع التنوين. قال: مَالَمْ يُضَفْ أَوْ يَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ، بيَّن لنا حكم الجر فحسب، وسكت عن الرفع والنصب، لماذا؟ لأنَّه جاء على الأصل، رُفع بالضمة ونُصِبَ بالفتحة، جاء أحمدُ، ورأيت أحمدَ، ومررت بأحمدَ، حينئذٍ أحمدُ مُنع من الصرف -وهو التنوين- ورأيت أحمدَ مُنِع من الصرف وهو التنوين، ومررت بأحمدَ مُنِع شيئان وهما: التنوين والكسرة، وهذا كله سيأتي شرحه في محله. مَالَمْ يُضَفْ، (مَا) هذه ليست موصولة، بل هي حرفية ظرفية مصدرية، يعني: تضاف إلى ما بعدها. وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ (الذي) لا يَنْصَرِفْ، -لا يدخله التنوين والكسر- مدة كونه غير مضافٍ والقاعدة هنا: المصدر إذا اشتمل على نفيٍ مثل هذا الذي معنا، مَا لَمْ يُضَفْ مدة عدم إضافته، المصدر إذا اشتمل على نفي فإنه عند سبكه يقدَّر بلفظ عدم: (يعجبني أن لا تهمل)، أي: عدم إهمالك، مَالَمْ يُضَفْ، أي: مدة عدم إضافته، حينئذٍ جئنا بكلمة (عدم) من النفي؛ لأن النفي قُصِد به العدم هذا الأصل فيه، حينئذٍ إذا جئنا نَسْبِك المصدر ونأتي بالأصل، ونأتي ببدل عن (أن) أو (ما) وما دخلت عليه نأتي بلفظ عدم، مَا لَمْ يُضَفْ، أي: مدة عدم كونه غير مضاف. أَوْ يَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ، يعني: ألا يكون تابعاً لـ (أل)، إذن يُجَرُ بالفتحة إلا إذا دخلت عليه (أل)، حينئذٍ يرجع إلى أصله، يُجر بالفتحة نيابة عن الكسرة مدة عدم إضافته، فإذا أُضيف حينئذٍ رجع إلى أصله وجُرَّ بالكسرة. مَالَمْ يُضَفْ أَوْ يَكُ، يَك، هذا فعل مضارع مغيَّر الصيغة مجزوماً بـ (لم)، أو: حرف عطف، يكُ: (يَكُنْ) الأصل بالإسكان، حذفت النون هنا تخفيفاً. وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ وَهْوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ ليس بلازم، بعد (أل)، هذه (أل) لا فرق فيها بين أن تكون معرِّفة، أو موصولة كالأعمى والأصم، أو تكون زائدة: رأيتُ الوليدَ بن اليَزيدِ، يزيد: هذا ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، حينئذٍ لما دخلت عليه (أل) وهي زائدة؛ لأن (أل) الداخلة على الأعلام زائدة حينئذٍ رجع إلى أصله، أشار بهذا البيت إلى القسم الثاني مما ناب فيه حركةٌ عن حركة وهو الاسم الذي لا ينصرف.

وحكمه: أنه يُرفع بالضَّمة نحو: جاء أحمدُ، وينصب بالفتحة نحو: رأيت أحمدَ، ويجر بالفتحة أيضاً نحو: مررت بأحمدَ، فنابت الفتحة عن الكسرة هذا إذا لم يضف، أو يقع بعد الألف واللام لو قال (أل) لكان أحسن. فإن أُضيف جُرَّ بالكسرة نحو: مررت بأحمدِكم، وكذا إذا دخله الألف واللام يعني (أل). إذن في هاتين الحالتين يَرجع إلى أصله، إن أُضيف أو تَبِع (أل) حينئذٍ عارَض شَبَه الفعل ما هو من خواص الأسماء، عارض الفعل ما هو من خواص الأسماء؛ لأن الفعل لا يَدخل عليه (أل) ولا يُضاف فإذا وقع للاسم شبه بالفعل أُلحق به، حينئذٍ أُلحق به في منع التنوين والكسر؛ لأن الفعل لا يجرُّ ولا يدخله تنوين، حينئذٍ انتقل حكمه إلى الاسم الذي أَشْبَهَهُ، إذا أُضيف الاسم الذي أشبه الفعل حينئذٍ نقول: عارَض الشبه ما هو من خواص الأسماء، فرجع إلى أصله. وكذلك (أل) من خواص الأسماء، إذا دخلت على الاسم الممنوع من الصرف حينئذٍ عارضت الشَّبه الذي في الاسم بالفعل فرجع إلى أصله. ظاهر كلام المصنف هنا رحمه الله تعالى أن ما لا ينصرف إذا أُضيف أو تبع (أل) يكون باقياً على منعه من الصرف، وهذه مسألة فيها نزاع؛ لأن قوله: مَالَمْ يُضَفْ قيد للجر بالفتح، لا لمنع الصرف؛ لأنه قال: وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالا يَنْصَرِفْ مَالَمْ يُضَفْ، (ما لم) هذا قيد، قيد لأي الجزأين: ما لا ينصرف أو جُرَّ بالفتحة؟ قَيْدٌ للأول ظاهره جُرَّ بالفتحة مدة عدم إضافته، لو كان قيداً للثاني مَالا يَنْصَرِفْ مدة كونه غير مضاف حينئذٍ قلنا: إذا أُضيف أو دخلت عليه (أل) صار مصروفاً، لكن ظاهره قيد للجزء الأول، وهو جُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالَمْ يُضَفْ فإن أُضيف رجع إلى الأصل، وحينئذٍ مَالا يَنْصَرِفْ بقي على وصفه كما هو: مررت بأحمدِكم نقول: أحمد ممنوع من الصرفجُرَّ بِالْفَتْحَةِ، مَالَمْ يُضَفْ، هنا أُضيف إذن هو ممنوع من الصرف على أصله فلما أُضيف رجع إلى الجر بالكسرة. وأما كونه منصرفاً أو غير منصرف فهو على الأصل، هذا ظاهر عبارة المصنف رحمه الله تعالى؛ لأن قوله: مَالَمْ يُضَفْ قَيْدٌ للجر بالفتح لا لمنع الصرف، يعني: لا لقوله مَالا يَنْصَرِفْ، فأفاد كلامه أنه إذا أُضيف غير المنصرف أو تلا (أل) امتنع جرُّه بالفتح مع بقاءه غير منصرف، هذا ظاهر كلامه. وذهب جماعة كالمبرِّد والصيرافي وابن السرَّاجي إلى أنه يكون منصرفاً مطلقاً وهذا الأقوى، واختار الناظم في بعض كتبه أنه إذا زالت منه علة، فمنصرف نحو: بأحمدِكم، وإن بقيت العلتان فلا، نحو: بأحسنكم، يعني: إذا أُزيلت إحدى العلتين فهو باقٍ على المنع من الصرف، ومثَّل له بأحمدِكم. وإذا بقيت العلتان فلا، نحو: بأحسنِكُم، ما الفرق بين: بأحمدِكم وبأحسنِكم؟ بأحمدِكم هذا في الأصل ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، فيه علتان: لما أُضيف -العلم لا يُضاف- فلما أُضيف قصد تنكيره فزالت العلمية فصار فيه وزن الفعل، إذن بقيت فيه علة واحدة، وأما بأحسنِكم، أحسن هذا أَفْعَل التفضيل ووصفٌ، لما أُضيف هل زال كونه أَفْعَلَ التفضيل؟ لا، هل زال وصفه؟ لا، إذن بقي فيه العلتان. وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالاَ يَنْصَرِفْ ... مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ .....

مَا لَمْ يُضَفْ، أي: مدة عدم الإضافة والردف لـ (أل)؛ لأن النفي مع العطف بـ (أو) يفيد نفي كلٍ، يعني: لابد منهما، فهو من عموم السلب. مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ رَدِفْ، يعني: تبع، هل فيها زيادة معنى أم حشو؟ لأنه إذا قال: مَالَمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ ألْ، إذا كان بعده (أل) لا يُعقل منه إلا أنه رِدْفَ (أل)، حينئذٍ (رَدِفْ) ما الفائدة منه؟ قيل: حشو، حينئذٍ لا فائدة منها، ولكن الصواب أنها لها فائدة، ليس حشواً؛ لأن البعدية لا تقتضي الاتصال، إذا قيل بعده -بعد (أل) - يحتمل بفاصل، آتيك بعد العصر، آتيك بعد العشاء، يعني: إذا قلت: بعد العصرِ، آتيك الساعة التاسعة ليلاً، بعد العصرِ أو لا؟ بعد العصر، بل لو أتيتك بعد الفجر بعد العصر، بعد أسبوع أيضاً بعد العصر، صحيح أو لا؟ نعم، فالبعدية لا تقتضي الاتصال، هنا قال: بَعْدَ ألْ رَدِفْ، لكن هنا (أل) بالنظر لا توجد (أل) وما بعدها إلا متصل بها، فالإشكال ما زال وارداً. ثم قال رحمه الله تعالى: وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا ... رَفْعَاً وَتَدْعِينَ وَتَسْأَلُونَا وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ سِمَهْ ... كَلَمْ تَكُونِي لِتَرُومِي مَظْلَِمَهْ لما فَرَغ من مواضع النيابة في الاسم، شرع في مواضعها في الفعل؛ لأنَّا قلنا: أبواب النيابة سبعة: خمسة في الأسماء، واثنان في الأفعال، انتهينا من أبواب النيابة في الأسماء، شرع في الأفعال. فقال: وَاجْعَلْ لِنَحْوِ، وَاجْعَلْ: هذا أمر، لِنَحْوِ، يعني: لمثل، فدل على أنه لم يتتبع كل الأفعال، وهذا الباب المسمى عندهم بباب الأمثلة الخمسة، مثال يعني الوزن، ولا نقول الأفعال الخمسة؛ لأنها ليست كالأسماء الستة، الأسماء الستة أسماء معينة بإزاء معانٍ: أبٌ أخٌ حمٌ .. إلى آخره. أما الأمثلة الخمسة فهي أوزان، وزن: يفعلان، ثم يدخل تحته: يأكلان ويشربان إلى آخره، حينئذٍ نقول: ليس المراد هو عين الآحاد -الفعل- وإنما المراد الوزن الذي يأتي عليه الفعل، وهذه محصورة في خمسة -في الجملة-. إذاً الأمثلة الخمسة تعبير أولى من الأفعال الخمسة؛ لأنها ليست ألفاظاً معلومة بخلاف الأسماء الستة وإنما هي أمثلة يكنى بها عن كل فعل كان بمنزلتها، فإنَّ يفعلان كناية عن يذهبان، يفعلان: وزن، ويذهبان: موزون، وزنٌ وموزون، ميزان، فيفعلان وتفعلان ويفعلون نقول هذا وزن، ويذهبون ويذهبان وتذهبان نقول هذا موزون، فرق بين الوزن والموزون، والكلام هنا –الباب- في أيٍّ في الوزن أو في الموزون؟ في الوزن نفسه، حينئذٍ صارت خمسة. وإنما هي أمثلة يكنى بها عن كل فعل كان بمنزلتها، فإن يفعلان كناية عن يذهبان ونحوه، وسمِّيت خمسة على إدراج المخاطبتين تحت المخاطبَين والأحسن أن تعد ستة، بل عدها بعضهم ثمانية كما سيأتي.

وَاجْعَلْ لِنَحْوِ، يعني: لمثل، يَفْعَلاَنِ، هكذا بالياء (يفعلان)، من كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين، يَفْعَلاَنِ: فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين اسماً أو حرفاً، أي: شخصين سواء كان مخاطبين أو مخاطبتين أو غائبين أو غائبتين، اسماً أو حرفاً؛ لأن الفعل إذا كان على هذه الصورة يفعلان فقلت: الزيدان يضربان، الزيدان: مبتدأ، ويضربان: هذا فعل مضارع، والألف فيه فاعل، حينئذٍ أُسند الفعل إلى الفاعل، وأما يفعلان الزيدان، قاعدة: الأصل في لغة العرب أن الفعل إذا أُسند إلى فاعل مثنى أو جمع أن يُجرَّد من علامة تدل على التثنية أو على الجمع. وَجَرِّدِ الْفِعْلَ إذَا مَا أُسْنِدَا ... لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ الشُّهَدَا تقول: قام الزيدان، وقام الزيدون، وقام زيد كالمفرد، لكن سُمِع من يُلحق الفعل علامة تثنية إذا أسند إلى فاعل مثنى، وعلامة جمع إذا أُسند إلى فاعل وهو جمع، فيقول: قام زيدٌ، قامت هندٌ، قاما الزيدان، قاموا الزيدون، وهذا بناءً على أن هذه علامة تثنية أو علامة جمع، يفعلان يضربان الزيدان، القول فيه كالقول في سابقه، فيضربان نقول: هذه الألف على لغة (أكلوني البراغيث)، هذه الألف حرفٌ دال على التثنية، وليست بفاعل، ليست بضمير، بل الفاعل الذي يليه زيدان، فيضربان: فعل مضارع مرفوع ورفعه ثبوت النون، والألف حرف دال على التثنية ليس بفاعل لا محل له من الإعراب، والزيدان فاعل، هل هذا معدود من الأمثلة الخمسة أو لا؟ النحاة عمموا، فجعلوا (يفعلان) بقطع النظر عن كون الألف ضميراً فاعلاً أو حرفاً، سواء كان على لغة جمهور العرب أو أكلوني البراغيث، فهو حكم عام. إذن يفعلان، نقول: من كل فعل مضارع اتصل به ألف اثنين اسماً أو حرفاً، سواءً كان مبدوءاً بالياء أو بالتاء، يفعلان أو تفعلان، وأشار المصنِّف بقوله: لِنَحْوِ، أشار إلى إدخال تفعلان بالتاء للخطاب، حينئذٍ سواء كان بالياء للغائب، أو صار بالتاء للخطاب أو الغائبتين. وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا رَفْعاً، ما إعراب النون؟ مفعول، ورَفْعاً: مفعول ثانٍ، وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ، اجعل النون رفعاً، اجعل النون، أي نون؟ هل سبق لها ذكر -النون نون الرفع-؟ لم يسبق قطعاً؛ لأنه باب الكلام والاسم والفعل والحرف والعلامات ثم باب المعرب والمبني، ثم بدأنا: وفعل أمر ومضي، ثم بعد ذلك بدأ في أبواب النيابة، إذن لم يذكر. النون هذه (أل) للعهد الحضوري، النون الحاضرة التي هي في يفعلان وليست (أل) هذه للعهد الذِّكْري الذي يحتال سبق ذكر النون فيما مضى، رَفْعاً، أي: علامة للرفع، فالأصل علامة رفع، وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا، الألف للإطلاق، ورَفْعاً، أي: علامة رفع، فحُذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه.

يدل على ذلك ما بعده، والتقدير: اجعل النون علامة الرفع لنحو يفعلان، وَتَدْعِينَ، أي: ولنحو تدعين، هناك أتى بالمثال وهنا أتى بالموزون نفسه، فحينئذٍ أفاد أمرين: أفاد الوزن وأفاد المثال نفسه، وهذا على القاعدة: أنه بالمثال تؤخذ منه الأحكام، يعطي الحكم بالمثال، ولذلك لو قال: واجعل لنحو يفعلان يذهبان النون رفعاً وتدعين، لو قال بالمثال في الأول وبالمثال في الثاني لكان أولى، أليس كذلك؟ لو قال: واجعل لنحو يضربان أو يذهبان النون رفعاً وتدعين وتسألون؛ لأنه مَثَّل لـ: تدعين تفعلين، ومَثَّل لـ: تفعلون، تسألون وترك الأول، أليس كذلك؟ ولكن نقول: الأولى ما صنعه المصنف، لأنه أطلق في الأول المثال، فحينئذٍ هو يريد المثال، ومثَّل للثاني إحالة على الأول، يعني: واجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلَانِ، المراد المثال، فهو مثال لكل فعل مضارع أُسند إليه ألف الاثنين، وَتَدْعِينَ المراد به المثال، إحالة على ما سبق، المراد به المثال -يعني الوزن-، ثم مثَّل لهذا الآحاد فأفادك فائدتين بهذا التركيب: أن المراد؛ لأنه لو لم يقل يفعلان في الأول يحتمل أن المراد أفعال خمسة وليس المراد به الأمثلة الخمسة، لكنه مثَّل في الأول ليفعلان بالمثال يعني الوزن، ثم لما ذكر الوزن الثاني والثالث أتى بمثال بآحاد فدل على فائدتين. ولنحو تَدْعِينَ، يعني: تفعلين، ولا يكون المضارع معها إلا مبدوءً بالتاء بخلاف يفعلان، وَتَسْأَلُونَا تدعين هذا من كل مضارع أسند إليه ياء مؤنثة المخاطبة تدعين، أنتِ يا هند تدعين، وَتَسْأَلُونَا من كل مضارع اتصل به واو الجمع اسماً أو حرفاً حاضرة: أنتم تقومون، أو غائبة: الزيدون يقومون. إذاً ذكر ثلاثة أمثلة، ونحن نقول الأمثلة الخمسة، ذكر ثلاثة أمثلة في اللفظ وفُهِم من قوله لِنَحْوِ: أنها أكثر، أليس كذلك؟ ذكر ثلاثة أمثلة في اللفظ، واحد بالوزن: يفعلان، واثنين بالمثال، دالاً على الوزن يعني: تدعين موزون، وتسألون موزون، ويفعلان وزن. وقوله: لِنَحْوِ، يفيد أنها أكثر من ثلاثة وهو كذلك، وبالاستقراء تبلغ ثمانية؛ لأن يفعلان شامل لما كان أَلِفُهُ ضميراً: نحو الزيدان يفعلان، ولما كان أَلِفُهُ علامة تثنية نحو يفعلان الزيدان، يعني: على اللغة المشهورة وعلى لغة أكلوني البراغيث، يفعلانِ بالياء يعد باثنين سواء جعلنا الألف ضميراً فاعلاً، أو جعلناه علامة تثنية، ولما كان أَلِفُهُ علامة تثنية نحو: يفعلان زيدان، على لغة أكلوني البراغيث، ويتضمن تفعلان بالتاء فإنه شبيه بـ: يفعلان، وتكون أَلِفُهُ كذلك ضميراً نحو: أنتما تفعلان أو علامة تثنية تفعلان الهندانِ، هذه أربعة دخلت في قوله: يفعلان، وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ يدخل تحتها أربعة: يفعلان: أَلِفٌ ضمير وعلامة تثنية، ومثله وشبيهه تفعلان: أيضاً الألف ضمير أو علامة تثنية على لغة أكلوني البراغيث وعلى لغة العرب، هذه أربعة.

وأما تَسَاءَلُونَ فيكون واوه ضميراً نحو: أنتم تسألونَ، وهو متضمن ليفعلونَ؛ لأنه شبيه به، وواو يفعلونَ يكون ضميراً ويكون علامة جمع، الزيدون يسألون: الواو ضمير، يسألون الزيدون: الواو علامة جمع، وأما تَدْعِينَ فلا يكون ياؤه إلا ضميراً، هذه ثمانية أمثلة في التقدير وثلاثة في اللفظ. هذه ترفع في حالة الرفع بثبات النون، حينئذٍ نقول: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن ناصب وجازم ورفعه ثبوت النون، وضابطه كل فعلٍ مضارع أُسنِد إلى ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المؤنثة المخاطبة. وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا، الألف هذه للإطلاق، رَفْعاً أي: علامة رفع، تَدْعِينَ، أي: ولنحو تدعين، وتَسَاءَلُونَ، أي: نحو تسألون ليدخل يسألون بنوعيه. وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ سِمَهْ، وهذه أفعال، والأفعال لها ثلاثة أنواع من أنواع الإعراب: رفع ونصب وجزم، إذا كانت تُرفع بثبات النون حينئذٍ في حالتي النصب والجزم يتحد الإعراب فتحذف هذه النون، فهذه الأفعال تُرفع بثبات النون، أي: بثبوتها يعني النون الثابتة، وهذه النون تُكسر مع الألف، وتفتح مع الواو، تُكسر مع الألف: يَفْعَلانِ وتفتح مع الواو: تَفْعَلون، تشبيهاً بنون المثنى والجمع، يَفْعَلان هذه أشبهت نون المثنى، تَفعَلون هذه أشبهت نون الجمع. وقد تُفتح مع الألف أيضاً، وقرأ: ((أَتَعِدَانِنِي))، الأصل بالكسر ((أَتَعِدَانَنِي)) بفتح النون بعد الألف، وقد تضمن أيضاً، وقُرأ في الشاذ: ((لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانُهُ)) [يوسف:37] بضم النون، وحذفها أي النون للجزم، يعني: قد تحذف لا للجزم وحذفها للجزم والنصب، إذاً قد تحذف لا للجزم والنصب أليس كذلك؟ هل تحذف لا للجزم والنصب؟ متى؟ ((وَلا تَتَّبِعَانِّ)) [يونس:89] توالي الأمثال، نعم، هناك حذفت النون هل هو للجزم والنصب؟ ((وَلا تَتَّبِعَانِّ)) [يونس:89]، قلنا: ثلاث نونات: نون الرفع، ونون التوكيد، ثلاث نونات، كراهة توالي الأمثال حذفت نون الرفع. هل تضربان، هل تضربان، نقول هنا: النون نون الرفع حذفت، لماذا؟ لكراهة توالي الأمثال، هل حذفت للجازم أو الناصب؟ الجواب: لا، ولذلك قيَّدها المصنف هنا قال: وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ، يعني: الذي يكون إعراباً للجزم، يعني بسبب دخول الجازم لا بسبب آخر، ولذلك قيل: قد تحذف هكذا لكنه ضعيف لا يعول عليه. {لا تدخلوا الجنة حتى} هذه حذفت دون جازم أو ناصب، وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ حملاً على الجزم سِمَهْ، يعني: علامة، نيابة عن السكون في الأول، وعن الفتحة في الثاني. كَلَمْ تَكُونِي لِتَرُومِي مَظْلَمَهْ، مظلمة بفتح الله على القياس، وبكسرها على الكثير، كَلَمْ تَكُونِي الكاف هذه للتمثيل للتشبيه، يعني كقولك -داخلة على محذوف- كقولك: لم تكوني يا هند، تكوني أصلها تكونين، مثل: تَدْعِينَ، فهو فعل مضارع أُسند إلى ياء فاعلة، أليس كذلك؟ دخل عليه الجازم فحذف النون، لِتَرُومِي، اللام هذه لام الجحود، ترومي أصلها ترومين، مثال للنصب، الأول للجزم والثاني للنصب، لام الجحود ناصبة.

لِتَرُومِي على مذهب الكوفيين هي ناصبة بنفسها، وعلى مذهب البصريين (أن) مقدرة مضمرة وجوباً بعد لام الجحود مظلمة. إذاً الأمثلة الخمسة ترفع بثبات النون وتجزم وتنصب بحذفها، قدَّم الحذف للجزم؛ لأنه الأصل، يعني: لماذا قال وحذفها للجزم والنصب سمة؟ قال: لأنه الأصل، أي: الحذف للجزم أصل للحذف للنصب، يعني: هنا حُمِل النصب على الجزم؛ لأن الجزم هو عدم الحركة، وعدم الحرف هذا الأصل فيه، أليس كذلك؟ الأصل في الجزم عدم الحركة، فينوب عنه الحذف، وهنا قدَّم الحذف للجزم؛ لأنه الأصل، أي: الحذف للجزم أصل للحذف للنصب، وإنما كان أصلاً لمناسبة الحذف للسكون الذي هو الأصل في الجزم، ووجه المناسبة كون كلٍ عدم شيء فالسكون عدم حركة، والحذف عدم الحركة. وأما الحذف للنصب فهو محمول عليه، كما حُمِل النصب على الجر في المثنى والجمع على حده؛ لأن الجزم نظير الجر في الاختصاص وهذا مذهب الجمهور، وذهب بعضهم إلى أن إعراب هذه الأمثلة بحركات مقدَّرة على لام الفعل مَنَع من ظهوره حركة المناسبة، أي: وثبوت النون أو حذفها دليل على ذلك المقدَّر، فالحذف عند الجازم -هذا مذهب سيبويه- أن النون حذفت عند الجازم لا به، ليس به. كـ (لَمْ تَكُونِي)، هنا نقول: فعل مضارع مجزوم بلم وجزمه سكون مقدر على آخره، والنون هذه قال: حذفت عنده لا به لم يؤثر فيه، لماذا حذف؟ قال: لئلا يلتبس مع المرفوع، فالحذف عند الجازم فرقاً بين صورتي المجزوم والمرفوع لا به، وهذا منسوب لسيبويه، والجازم إنما حذف الحركة المقدَّرة، وكالجازم الناصب، والمراد الحركات وجوداً أو عدماً يدخلها السكون، على كل الجمهور على أن الجازم هو الذي حذف النون، ومذهب سيبويه ما ذكرناه سابقاً. وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا ... رَفْعاً وَتَدْعِينَ وَتَسْأَلُونَا وَحَذْفُهَا أي النون للجزم، يعني: للجازم، والنصب، يعني: للناصب، سِمَهْ، أو للجزم كونه علامة الذي هو نوع من الإعراب، والنصب، أي: الذي هو نوع من الإعراب، ثم قال: وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا ... كالْمُصْطَفى وَالمُرتْقَيِ مَكَارِمَا لما فرغ من بيان الإعراب الصحيح من النوعين، شرع في بيان إعراب المعتل منهما -الاسم والفعل- منه ما هو صحيح ومنه ما هو معتل، الصحيح يظهر عليه الإعراب، والمعتل لا يكون من قسم المقدَّر. ولذلك مضى معنا أن الإعراب أثر ظاهر أو مقدَّر، إذاً ظاهر، يعني: يلفظ به ويقدَّر وجوده، أو مُقدَّر بمعنى أنه معدوم، وقلنا هناك: أثرٌ ظاهرٌ أو مقدَّر، ظاهر بمعنى أنه موجود ليشمل السكون والحذف. وبدأ بالاسم وإن كان في ابتدائه بالاسم فاصل بين النظائر وهي أبواب النيابة ولهذا قدَّم الموضِّح الفعل المعتل، هكذا قال الصبَّان. وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا ... كالْمُصْطَفى والمُرتْقَيِ مَكَارِمَا

مِنَ الأَسْمَاءِ: المعربة ما لا يظهر عليه الإعراب بل يقدَّر، ثم النظر إلى آخره؛ لأن الذي هو يكون معتلاً ما كانت لامه واواً أو ألفاً أو ياءً، هل كل ما كانت لامه واواً أو ألفاً أو ياءً يكون من إعراب التقدير أو لا؟ نقول: هذا فيه تفصيل، ولذلك نقول: من الأسماء المُعربة نوعٌ صحيحُ الآخر مثل صالح، هذا من الأسماء المعربة ما يظهر فيه الإعراب، ومنها نوع معتل الآخر هذا الذي معنا، معتل الآخر يعني: آخره حرف من حروف العلة وهي: الواو أو الياء أو الألف، لكن بعضه عند النحاة اصطلحوا عليه أن يسمى بأنه جارٍ مجرى الصحيح، وذلك إذا لم يكن ما قبله موافقاً له في الحركة؛ لأن الأصل في حرف العلة الواو أن تُضَم ما قبلها، والألف أن يُفتح ما قبلها هذا مطرد حرف العلة واللين وغيرهم، والياء أن يكون ما قبلها مكسوراً، هذا الأصل. لكن إذا لم يكن كذلك كأن يكون سَكَنَ ما قبل الواو مثل: دَلْو، هذا آخره واو ومع ذلك لم يُضم ما قبله، هل هو معتل؟ نقول: آخره –لامه- حرف من حروف العلة؟ الجواب لا، وإن سمي معتلاً لكن ليس المعتل الذي تُقدَّر عليه الحركات ولذلك يقال فيه: معتل جارٍ مجرى الصحيح يعني: حكمه في الإعراب حكم الصحيح بأنه تظهر عليه الحركات. ومثله: ظبي، هذا آخره ياء وهو حرف من حروف العلة، هل نقول تُقَدَّر عليه الحركات، مثل المصطفى والمرتقي؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأن حرف العلة الذي تُقدَّر عليه الحركات أن يكون ما قبله مكسوراً وهذا ساكن، ظبيٌ، إذاً نوع المعتل الآخر يسمى معتلاً معتل الآخر لكنه جارٍ مجرى الصحيح، وهو ما آخره ياء أو واو، وكلا الحرفين متحرك قبله ساكن، ليس هو بساكن، متحرك قبله ساكن، وقد يكون الحرفان مشددين أو مخففين نحو: ظبيٌ، دلوٌ، مَرْمِيٌ، مَغْزُوٌ، كلها تجري مجرى الصحيح، يعني: يكون الإعراب عليها ظاهراً وإن كان في الظاهر أنه معتل الآخر، وحكم آخره من الناحية الإعرابية كحكم صحيح الآخر فهو شبيه بالحكم. النوع الثالث: نوع معتل الآخر لا يُشبِه الصحيح، وهذا ثلاثة أقسام، نوع معتل الآخر لا يُشبِه الصحيح -مخالف للأول- وهذا ثلاثة أقسام على حسب حرف العلة الذي في آخره: أولها: هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: كالْمُصْطَفى، الذي هو المقصور، وهو الاسم المعرب الذي في آخره ألفٌ لازمة، المقصور اسم مفعول من القصر، سمي مقصوراً؛ لأنه حُبِس عن الحركات، يعني: لا تظهر عليه لا ضمة ولا فتحة ولا كسرة، ولذلك تقول: حاء الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى، جاء الفتى نقول: هذا مقصور، لماذا سمِّي مقصوراً؛ لأنه حبس عن إظهار الضمة، فتى، منع من ظهورها التعذر الذاتي، يعني: الحرف ليس قابلاً للحركة لذاته، التعذُّر الأصلي: أن يكون الحرف غير قابل للحركة كالألف، والتعذُّر العرضي: أن يكون الحرف قابلاً للحركة، ولكنه اشتغل بحرف آخر وهو كـ: غلام، إذن المقصور: هو الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمه، وهو الذي عناه المصنف بقوله: كالْمُصْطَفى، سماه معتلاً.

وَسَمِّ، هذا فعل أمرٍ، ما المراد به؟ علِّم، مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا كالْمُصْطَفى، وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا كالْمُصْطَفى: (ما): هذا في محل نصب مفعول أول، سَمِّ مَا كالْمُصْطَفى، معتلاً، إذن المسمى هو ما كان كالْمُصْطَفى، اسمه معتلاً، وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ، المعتل عند النحاة: ما آخره حرف علة، يعني: لامه حرف من حروف العلة، إما واو مضموم ما قبلها، وإما ياء مكسور ما قبلها، وعند الصرفيين: المعتل ما فيه حرف علة أولاً أو أثناءً أو آخراً، فبينهما عموم وخصوص مطلق، وعد هذا معتل عند الصرفيين صحيح عند النحاة، قال: معتل عند الصرفيين صحيح عند النحاة، دعى معتل عندهما. إذاً نظرُ النحاة إلى آخر الكلمة إلى اللام فقط، هل هي حرف صحيح أو معتل؟ إن كان معتلاً سموه معتلاً، على هذا التقرير قولهم: معتل الآخر، الآخر هذا قيد لا داعي له لبيان الواقع؛ لأن المعتل لا يكون إلا آخراً هذا عند النحاة، وأما عند الصرفيين فلا قد يكون معتل الأول معتل الثاني الأجوف، ومعتل الآخر. وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا، أي: الاسم المعرب الذي حرف إعرابه ألفٌ لينةٌ لازمه، وهذا يسمَّى بالمقصور ولذلك قال: كالْمُصْطَفَى، وهو الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمه، الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة، الاسم خرج به الفعل والحرف، فالفعل لا يكون مقصوراً، يعني: لا يسمَّى مقصوراً ولو كان آخره ألف لازمه كـ: يخشى، يخشى في الأصل كالفتى أليس كذلك؟ آخره ألف لازمه، لكن لا يسمَّى الفعل مقصوراً وإنما هو اصطلاح خاص بالاسم، فخرج الفعل نحو يخشى، وكذلك الحرف نحو إلى وعلى، الاسم المعرب أخرج المبني فالمبني لا يسمَّى مقصوراً نحو (ذا) اسم إشارة و (إذا، وما، ومتى. الاسم المعرب الذي في آخره، يعني: في اللفظ، أَلِفٌ لازمة المراد باللزوم في الألف لزوم الوجود في الأحوال الثلاثة رفعاً ونصباً وخفضاً، كالفتى، إذا كانت الألف موجودة حينئذٍ صارت محلاً للإعراب وهي ملفوظة، وإذا كانت محذوفة حينئذٍ قُدِّر عليها الإعراب وهي محذوفة، هل تُحذف الألف؟ نعم، مثاله:

فتىً، جاء فتىً، رأيت فتىً، نظرت إلى فتىً، نقول: جاء فتىً، هذا فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة ليست موجودة للتخلص من التقاء الساكنين، التنوين والألف، رأيت فتىً، فتىً بدون (أل)، تقول: فتىً مفعول به منصوب ونصبه فتحة مقدرة على الألف المحذوفة ليست موجودة، وأما جاء الفتى بـ (أل) الألف تكون موجودة، حينئذٍ تقول: مرفوع ورفعه الضمة المقدرة على الألف، ملفوظة وكذلك في النصب و ... ، ((إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ)) [آل عمران:73]، ما الذي قُدِّر هنا؟ ((إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ)) [آل عمران:73] إن: حرف توكيد ونصب، الهدى: اسم إن منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، هُدَى اللَّهِ: هدى خبر إن مرفوع، هدى الـ هدى الله، إذن الألف محذوفة، هدى الله الألف محذوفة حينئذٍ تقول: هدى، هدى الله، هذا خبر إن مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، إن الهدى الألف ملفوظ بها والحركة مقدرة، هدى الله الألف مرسومة مكتوبة لكن في النطق محذوفة والإعراب يتبع الملفوظات لا المرسومات، إذن الخلاصة نقول: الْمُصْطَفى المراد به الاسم المعرب الذي في آخره ألف لازمة، وبعضهم يقول: قبلها فتحة، لكن هذا ليس بقيد؛ لأن الألف لا يكون قبلها إلا مفتوحاً. حينئذٍ نقول: ليس من المقصور ما يأتي، يعني: لا يسمى مقصوراً في اصطلاح النحاة ما يأتي: أولاً: الأفعال المختومة بألف لازمة مثل: دعى، وسعى، ويخشى. ثانياً: الحروف المختومة بألف لازمة مثل: إلى، وعلى. ثالثاً: الأسماء المبنية المختومة بالألف مثل: ذا، وتاء، من أسماء الإشارة، وما الموصولة، وإذا الظرفية. رابعاً: الأسماء المعربة التي في آخرها واو أو ياء ومثل بعضهم: بطوكيو، آخرها واو أو ياء، الهادي العالي؛ لأنها ليست معتلة الآخر بالألف. خامساً: المثنى في حالة الرفع والأسماء الستة في حالة النصب؛ لأن الألف فيهما غير لازمة، إذا قيل: الأسماء الستة إن أخاك، هذا اسم معرب آخره ألف قبله فتحة، آخره ألف؛ لأن آخره ليس الكاف هذا مضاف ومضاف إليه، إذن آخره، إنَّ أخاك، ألف لكن هل هي لازمة؟ لا، ليست بلازمة، لماذا؟ لأنك تقول: مررت بأخيك، انتقلت أليس كذلك؟ وفي الرفع المثنى تقول: جاء الزيدان، النون هذه ليست بآخر الكلمة بل الألف هي الآخر، حينئذٍ نقول: هو اسم معرب آخره ألف لكنها ليست بلازمة؛ لأنك تقول رأيت الزيدين انتقلت لم تَلزَم، إذن المثنى في حالة الرفع، والأسماء الستة في حالة النصب؛ لأن الألف فيهما غير لازمة. فائدة: المقصور إذا زيدت بعد ألفه تاء التأنيث نحو: فتاةٍ، قلنا: فتى هذا مقصور، لو جعلته مؤنثاً وزدته تاءً تقول: فتاةٌ، خرج عن المقصور، وصار إعرابه بالحركات الظاهرة على الأصل.

إذاً المقصور إن كان مذكراً فهو الذي يدخل معنا، وإذا زيدت عليه التاء وفُرِّق بينه وبين مذكره حينئذٍ خرج عن المقصور فصار إعرابه ظاهراً، المقصور إذا زيدت بعد ألفه تاء التأنيث نحو فتاةٍ يَفقِد اسمه وحكمه، فقد الاسم، يعني: عند النحاة لا يسمى مقصوراً، وحكمه وهو الإعراب التقديري، يفقد اسمه وحكمه بسبب هذه التاء ولا يسمى مقصوراً؛ لأنه لا يكون مقصوراً إلا بشرط انتهاءه بألف تقع عليها الحركات الإعرابية مقدرة، حينئذٍ ينتقل الإعراب إلى التاء، هذا هو الأصل في هذا. والمُرتْقَيِ مَكَارِمَا، هذا هو النوع الثاني من الأسماء المعتلة وهو: الاسم المعرب الذي آخره ياءٌ لازمة غير مشددة قبلها كسرة، خرج بالاسم الفعل والحرف. (يرمي): هذا آخره ياء لازمة قبلها كسرة لكن لا يسمى في الاصطلاح منقوصاً. (في): هذا حرف ليس باسم إذن خرج الحرف في وخرج الفعل يرمي، المعرب، خرج المبني نحو -مبني آخره ياء قبلها كسرة-: الذي، لغة من ذو، إذا أردتها على الإعراب فحسبيَ مِن ذِي عِندَهُم مَا كَفَانِيا، قلنا: الأسماء الستة بعضهم زاد سابعاً وهو: (ذو) في لغة طيء بمعنى الذي، وهذه الأشهر أنها تكون مبنية وقد تعرب، ذي، هذا مثال جيد، و (الذي) كذلك مبني آخره ياء قبلها كسرة، وذي اللازمة خرج غيرها كالياء في المثنى جراً ونصباً، يعني: اشتراط اللازمة، قبلها كسرة خرج نحو ظبي، هذه ياء قبلها سكون، إذن ليس من المنقوص ما يأتي، يعني: لا يسمى منقوصاً عند النحاة: أولاً: الفعل بجميع أنواعه لاسيما المختوم بياء لازمة نحو: ينوي، يرمي، وكذلك الحرف المختوم بياء نحو (في)، هذا ليس من المنقوص في اصطلاح النحاة. ثانياً: الاسم الذي في آخره ياء لازمة ولكنها مشددة نحو: كرسيٌّ، هذا ليس بمنقوص. ثالثاً: الاسم المبني المختوم بياء: الذي، التي، ذي -اسم إشارة-. رابعاً: الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة في بعض حالاته لكنها ليست ملازمة له كالأسماء الستة في حالة جرِّها وكذلك المثنى والجمع في حالتي النصب والجر. خامساً: الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة ولكنه ليس قبلها كسرة نحو: ظبي، هذا آخره ياء لازمة لكنه ليس قبلها كسرة. وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا (الذي) كالْمُصْطَفى وموسى والعصى والمُرتْقَيِ: هذا المراد به المنقوص، وسمي منقوصاً؛ لأنه نقص بعض حركاته وهو الضمة والكسرة، أو لأنه نقصت لامه عند تنوينه قاضٍ. وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا، وسمِّ، ما كالْمُصْطَفى وهو المقصور بشروطه السابقة، والمُرتْقَيِ وهو المنقوص بشروطه السابقة معتلاً عند النحاة من الأسماء احترازاً من المعتل من الأفعال.

فالأول: الفاء فصيحة، ما هو الأول؟ الْمُصْطَفى، يعني: المقصور، وهو ما كان كالْمُصْطَفى، الإعراب فيه قدِّرا جميعه، جميع أنواع الإعراب التي تتعلق بالاسم الرفع والنصب والخفض كلها مقدرة فالضمة مقدَّرة، والفتحة مقدَّرة، والكسرة مقدَّرة، وهذا يسمى بالتعذر الأصلي احترازاً من التعذر العرضي، والفرق بينهما أن التعذر الأصلي ما كان المانع فيه ذات الحرف لا يقبل حركة كالألف، والتعذر العرضي المراد به نحو غلامي الميم هذه تقبل لو فصلته قلت: جاء غلامٌ ليس كالفتى، رأيت غلاماً، مررت بغلامٍ، لكن لما أُضيف إلى ياء المتكلم حينئذٍ لزم منه أن يكون مكسوراً فَالأوَّلُ الإعْرَابُ فِيهِ قُدَّرَا جَمِيعُهُ على الألف، لتعذر تحريكها، ويستثنى من تقدير الكسرة حال الجر ما لا ينصرف، فإنه إنما يقدَّر فيه الفتحة خلافاً لبعضهم معللاً بأنه لا ثقل مع التقدير، ليالٍ، هذا مثل جوارٍ وغواشٍ. فَالأوَّلُ الإعْرَابُ فِيهِ قُدَّرَا جَمِيعُهُ على الألف لتعذر تحريكه، وَهْوَ الَّذي قَدْ قُصِرَا، يعني: سمي مقصوراً، والقصر لغة الحبس؛ لأنه محبوس عن المد أو عن ظهور الإعراب والثاني أشهر، وَهْوَ الَّذي قَدْ قُصِرَا، الألف هذه للإطلاق. والثاني وهو ما كان كالمرتقي منقوصٌ، يعني: سمِّي منقوصاً؛ لحذف لامه للتنوين، هذا قاضٍ، قاضٍ حذفت لامه للتنوين، يعني: للتخلص من التقاء الساكنين، أو لأنه نُقص منه ظهور بعض الحركات. وَالثَّانِ مَنْقُوصٌ، يعني: اسمه منقوص، ونصبه ظَهر، يعني: الفتحة تظهر عليه لخفة الفتحة على الياء، ((أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)) [الأحقاف:31]، داعي هذا منقوص، وظهرت عليه الفتحة لخفتها، وَرَفْعُهُ يُنْوَى، يعني: يُقَدَّر، هنا عبر بالنية وفي المقصور هناك قال: فَالأوَّلُ الإعْرَابُ فِيهِ قُدَّرَا، وهنا قال: يُنْوَى، ما الفرق بينهما؟ لا فرق بينهما، التقدير هو النية، عبر هنا بالنية وسابقاً بالتقدير للتفنن فحسب، وَنْصْبُهُ ظَهَرْ، وَرَفْعُهُ يُنْوَى كَذَا أيْضاً يُجَرّ، يعني: بكسر مَنْوِي، يجر المنقوص بكسر مَنْوِي، إذن المنقوص في الرفع والجر تكون العلامة مقدرة، جاء القاضي، القاضي فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهوره الثِّقل، يعني: لو أراد أن يحرِّك الحرف الأخير -الياء- لأمكنه ذلك، بخلاف، لو أراد أن يحرِّك الألف ما استطاع، هذا فرق بين التعذر والثقل. وَرَفْعُهُ يُنْوَى كَذَا أيْضاً يُجَرّ، يعني. كَذَا، أي: مثل ذا السابق أيضاً، آض يأيض، نرجع رجوعاً، فنقول: يجر، يعني: ينوى الكسر. هنا قال: وأشار بقوله: والثاني منقوص إلى مرتقي، فالمنقوص هو الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة قبلها كسر نحو مرتقي إلى آخره.

وحكم هذا المنقوص أنه يظهر فيه النصب، نحو رأيت القاضي، وقال الله تعالى: ((يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)) [الأحقاف:31]، ويقدر فيه الرفع والجر لثقلهما على الياء، الضمة الثقيلة وكذلك الكسرة ثقيلة، جاء القاضي، ومررت بالقاضي، وكذلك جاء وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِاليَمَامَةِ دَارُهُ، الأصل فيما إذا كان منصوباً أن تبقى الياء وينصب، لكن سمع: وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ والأصل ولو أن واشياً، لكن هذا يُحفظ ولا يُقاس عليه، يعني: معاملة المنقوص المنكَّر رفعاً وجراً هذا يحفظ ولا يقاس عليه. ثم قال رحمه الله تعالى: وَأَيُّ فِعْلٍ آخِرٌ مِنْهُ أَلِفْ ... أَوْ وَاوٌ اوْ يَاءٌ فَمُعْتَلاًّ عُرِفْ وَأَيُّ فِعْلٍ، يعني: مضارع، آخِرٌ مِنْهُ أَلِفْ، قبلها فتحة نحو: يخشى، إذا كان آخره ألف، هو يريد أن يبين الباب الأخير الباب السابع وهو: الفعل المضارع المعتل الآخر في حالة الجزم، قلنا: يلزم بحذف آخره نيابة عن السكون، هذا مراده. وَأَيُّ فِعْلٍ، أي: مضارع، كان آخر منه ألف قبلها فتحة نحو يخشى، أو واو قبلها ضمة نحو يدعو، أو ياء قبلها كسرة نحو يرمي، فَمُعْتَلاًّ عُرِفْ، عرف معتلاً، يعني: وَسَمِّ مُعْتَلاًّ، إذن المعتل الآخر في اصطلاح النحاة في الفعل: ما كانت لامه واواً أو ياءً أو ألفاً بشرط أن يكون ما قبلها من جنس حركة اللام إن كانت واو فما قبلها يكون مضموماً، وأي فعل كان آخر منه ألف نحو يخشى، أو واو نحو يدعو، أو ياء فمعتلاً عرف. فَالأَلِفَ انْوِ فِيهِ غَيْرَ الجَزْمِ ... وَأبْدِ نَصْبَ مَاكَيَدْعُو يَرْمِي معتل الآخر من الأفعال الضمة تُقدَّر على الجميع، إذا نظرنا إلى الحركات، إذا نظرنا إلى الحركات، فَالأَلِفَ انْوِ فِيهِ غَيْرَ الجَزْمِ، ما كان مختوماً بالألف كيخشى انوِ فيه الضمة على آخره، وانو فيه الفتحة على آخره، ماذا بقي؟ الجزم، قال: غير الجزم، استثنى الجزم، الأحكام ثلاثة رفع نصب جزم، الكلام في الفعل، انوِ غير الجزم، يعني: الرفع والنصب، فَالأَلِفَ: ما إعراب الألف؟ مفعول به، انوِ فيه هذا من باب الاشتغال، فَالأَلِفَ انْوِ فِيهِ غَيْرَ الجَزْمِ وهو الرفع والنصب، نحو سعى زيد يسعى، ولم يخشى لتعذر الحركة على الألف، والألف نُصِبَ بفعل مُضمَر يفسِّره الفعل الذي بعده، أي: معنىً لا لفظاً، والتقدير أقصد الألف؛ لأن انوِ فِيِهِ هذا نقول: اشتغل بضمير يعود على الاسم المعمول المشغول عنه، وهذا سيأتي بحثه. فَالأَلِفَ هذا مفعول به لفعل محذوف وجوباً، يعني: أُقصد الألف، انو فيه، يعني: في الألف، غير الجزم، غير: الأصل فيها أنها نكرة لا تتعرف بإضافتها إلى المعرفة لكن في مثل هذا المقام نقول: اكتسبت التعريف؛ لأن الأحوال ثلاثة: رفع، نصب، جزم، حينئذٍ غير الجزم تعيَّن أن يكون رفعاً ونصباً فهو معرفة.

وَأبْدِ نَصْبَ مَاكَيَدْعُو يَرْمِي، يعني: أظهر نصب ما كَيَدْعُو، يعني: الفعل الذي يكون مختوماً بواو والفعل الذي يكون مختوماً بياء فالفتحة تظهر على يدعو؛ لخفة الفتحة، وعلى يرمي، لن يدعوَ، ولن يرميَ، الفتحة تكون ظاهرة، وَالرَّفْعَ فِيهِمَا انْوِ، فيهما في يدعو ويرمي، انوِ يعني: قدِّره ولا يظهر عليه لثقل الضمة على الياء والواو، وَالرَّفْعَ فِيهِمَا انْوِ، يعني: خاص بها. الأحوال ثلاثة: رفع، نصب، جزم، قلنا: وَأبْدِ نَصْبَ مَاكَيَدْعُو يَرْمِي، يظهر، بقي الرفع والجزم، وَالرَّفْعَ فِيهِمَا انْوِ، يعني: قدِّره منوياً، وَاحْذِفْ جَازِماً ثَلاثَهُنَّ، ثلاثهن ضمير يعود إلى الأحرف الثلاثة، يعني: ما كان مختوماً بالألف جزمه بحذف الألف، ما كان مختوماً بواو جزمه بحذف الواو، ما كان مختوماً بياء جزمه بحذف الياء. تَقِْض حُكْماً لازِماً، تقضي يعني تؤدي، حُكْماً لازِماً؛ لأنه واجب، إذا وجد الجازم حينئذٍ تعيَّن أن يكون أثره معمولاً له. فَالأَلِفَ انْوِ فِيهِ غَيْرَ الجَزْمِ ... وَأبْدِ نَصْبَ مَاكَيَدْعُو يَرْمِي فهذا ما يتعلق بالفعل المعتل الآخر وهو آخر باب من أبواب النيابة، فحينئذٍ ما كان مختوماً بألف، تُقدَّر عليه الفتحة والضمة ويُجزم بحذف الألف، ما كان مختوماً بواو تُقدَّر عليه الضمة وتظهر عليه الفتحة وجزمه بحذف الواو، ما كان مختوماً بياء تُقدَّر عليه الضمة وتظهر الفتحة وجزمه بحذف الياء. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...

18

عناصر الدرس * شرح الترجمة * معنى النكرة وأنواعها * المعرفة وأنواعها * الضمير. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: النكرة والمعرفة، لما أنهى الكلام على ما يتعلق بالمعرب والمبني، ثنى بالنكرة والمعرفة. قال السيوطي رحمه الله تعالى في همع الهوامع: لما كان كثير من الأحكام الآتية تبنى على التعريف والتنكير، وكانا كثيري الدور في أبواب العربية صدَّر النحاة كتب النحو بذكرهما بعد الإعراب والبناء، ثَمَّ علاقة بين هذا وذاك، يعني أكثر ما يحكم عليه من الكلام هذا معرب وهذا مبني، وهذا نكرة وهذا معرفة، لكن الفرق أن هذا معرفة وهذا نكرة هذا وصف للمفرد من حيث هو لا باعتبار كونه مركباً أو لا، وأما كون هذا معرب وهذا مبني هذا يكون بعد التركيب، ولذلك قلنا في قوله السابق: وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي، وَالاسْمُ بعد التركيب، وأما قبل التركيب فهذا لا يوصف بكونه معرباً ولا مبنياً. وهنا التعريف والتنكير لا علاقة لهما بالتركيب، كأن تقول: زيد، لوحدها هكذا تحكم عليها بأنها معرفة، ورجل تحكم عليه أنه نكرة، إذاً: لا علاقة بين التركيب والحكم على الكلمة بكونها معرفة أو نكرة، ثَمَّ فرق بين البابين. وقد أكثر الناس في حدودهما وليس منها حد سالم، يعني: تعريف النكرة والمعرفة كما هو الشأن في أكثر المفردات، إذا عرفت تجد الخلاف الكبير بين أهل العلم، سواء كان في النحو أو في غيره من الفنون. وتكثر الحدود وتكثر التعاريف، هذا يرى أن هذا جنس مُخرج، وهذا يرى أنه داخل، وهذا يرى أنه فصل، ثم يعترض عليه، ولذلك يقال بأنه لا يسلم حد في الدنيا. قال ابن مالك: من تعرض لحدهما عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه. من أراد أن يُعَرِّف المعرفة أو النكرة يقول: عجز، مع كونه عرفه هو: نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا ... أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا إذاً: هو أراد أن يشير إلى أن الحدود التي تذكر ولو ذكرها أهل العلم إلا أنها غير مستوفية، وهذا لأنها لو نظر إليها من حيث هي حد أو لا نقول: هي ليست بحدود، بل هي رسوم، يعني تعرف بالخاصة، وحينئذ إذا عرف الشيء بخاصته قد لا يكون مطرداً، كما هو الشأن في العلامات السابقة، قلنا: العلامات أن تكون مطردة باعتبار مدخولها، فمثلاً نقول: (أل) معرفة، يعني: من علامات الأسماء، بعض الأسماء لا يدخل عليها (أل)، هل نجعل (أل) علامة على اسمية كل المفردات والآحاد؟ ما يصلح هذا، لو جعلناها حينئذ نقول: بعض الأسماء بل كثير من الأسماء ومنها الضمائر نقول: لا تدخل تحت هذا الحد، لأن هذا يعتبر بالخاصة. قال ابن مالك: من تعرض لحدهما عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه، وإذا كان الأمر كذلك فأحسن ما يتبين به المعرفة ذكر أقسامها مستقصاة ثم يقال: وما سوى ذلك نكرة. هذا يستقيم فيما إذا كان الشيء معدوداً محصوراً، فلا نحتاج حينئذ إلى الحد ولا إلى التعريف، فنقول الضمائر كذا وكذا، المنفصلة اثنا عشر، المتصلة اثنا عشر، وهلم جرا،، فنعدها عداً.

ونقول: المعارف ستة أو سبعة وما عداها فهو نكرة، هذا فيما إذا أمكن أن يكون الشيء محصوراً، وإذا لم يكن حينئذ تذكر الحدود وتذكر التعاريف، وإذا لم يكن جامعاً في جميع أفراد المحدود حينئذ نحكم عليه بأنه أغلبي، كما هو الشأن في كثير من الحدود نقول: هي أغلبية، ومن ذلك القواعد الفقهية وبعض القواعد الأصولية، يعني يرد عليها استدراك في بعض الأفراد والآحاد نقول: هي قواعد أغلبية، ما من قاعدة إلا وشذ عنها أفراد وآحاد، وقد يدخل تحتها ما ليس منها لكنه وارد من باب الاستثناء، وحينئذ نقول: هذه ضوابط أغلبية وليست مطردة، بحيث إنها لا بد من استيفائها في كل آحاد مدخولها، ولكن نقول: هي من باب التغليب. النكرة والمعرفة: النكرة يحتمل أنه اسم مصدر أو مصدر، اختلف فيه هل هو اسم مصدر أو مصدر؟ والصواب: أنه يفرق، فيقال فيه: إن جعلناه لنكَّر مضعف العين فعَّل فحينئذ هو اسم مصدر، إن قلنا: نكرة لنكر فعل، نقول: فعَّل لا يأتي منه المصدر على نكرة فعِل، وإنما يأتي المصدر منه على التفعيل، خرَّج يخرِّج تخريجاً، كرَّم يكرِّم تكريماً، نكَّر ينكِّر تنكيراً، فالتنكير مصدر لنكَّر، وأما نكِرة فهو اسم مصدر لنكَّر، إذا جعلنا من مضعف العين نكَّر فعَّل حينئذ نقول: هو اسم مصدر، لأن المصدر من فعَّل التفعيل، كما نقول: كرَّم يكرم تكريماً، وخرَّج يخرِّج تخريجاً، فإذا كانت التنكير قلنا: هذا مصدر لنكَّر، وإذا كان نكرة لنكَّر قلنا: هذا اسم مصدر، وإن جعلناه من نكِر فعِل كفرِح بالتخفيف بكسر العين فهو مصدر. إذاً لو قيل: النكرة هل هو مصدر أو اسم مصدر؟ بعضهم قال: مصدر مطلقاً، وبعضهم قال: اسم مصدر مطلقاً، والصواب التفصيل: نكرة لفعَّل نكَّر اسم مصدر، ولنكِرة بالتخفيف فهو مصدر، وكذلك المعرفة هل هي مصدر أو اسم مصدر؟ القول فيها كالقول فيما سبق، عرَّف فعَّل يكون المصدر منه على التعريف، فعَّل يفعِّل، عرَّف يعرِّف تعريفاً، إذاً: هو مصدر، تعريف مصدر، والمعرفة لعرَّف اسم مصدر، وإن كان من عرِف أو عرَف فعَل من عرَف فعَل بالتخفيف حينئذ يكون مصدراً. إذاً: معرفة يكون مصدراً ويكون اسم مصدر، إن كان من عرَف على وزن فعَل فحينئذ يكون مصدراً، وإن كان من عرَّف بالتضعيف فهو اسم مصدر؛ لأن عرَّف يأتي منه المصدر على وزن التفعيل. النكرة والمعرفة، قدم النكرة هنا لأنها أصل، قالوا: لماذا حكمنا على النكرة بأنها أصل؟ قالوا: لأن كل اسم يندرج تحت النكرة ولا عكس، لاندراج كل معرفة تحتها من غير عكس، اندراج يعني دخول، لاندراج كل معرفة تحتها من غير عكس، لو قلت: رجل والرجل، الرجل معرف بـ (أل) مدلوله معين، أليس كذلك؟ شخص واحد الرجل إذا كانت (أل) هنا للتعريف، ورجل هذا شائع في جنس موجود، يعني لا يصدق على زيد أو عمرو أو خالد أو محمد إلى آخره على جهة التعيين, فالرجل معين، أيهما أعم من الآخر: رجل أو الرجل؟ رجل، إذاً: الرجل يدخل تحت رجل، هل رجل يدخل تحت الرجل؟ لا، لا يدخل، لماذا؟ لأن رجلاً هذا نكرة وهو شائع في جنس موجود بمعنى: أنه يصدق على آحاد كثيرة على جهة البدل، وأما الرجل فهو معين، فكل معرفة من المعارف الستة أو السبعة فهي داخلة تحت النكرات من غير عكس.

إذاً: أيهما أعم؟ النكرة أعم، وإذا كانت كذلك فهي الأصل، ولأنها لا تحتاج في دلالتها على المعنى الذي وضعت له إلى قرينة، يعني لا تحتاج إلى سبب، بخلاف المعرفة؛ فإنها تحتاج إلى سبب وإلى قرينة، وما افتقر واحتاج إلى سبب أو قرينة فرع عما لا يحتاج، لأنك لا تحكم على الكلمة أو الاسم بأنه معرفة إلا إذا اتصلت به (أل) أو كان ضميراً، أو كان علماً، أو كان اسم إشارة، أو كان موصولاً، أو كان مضافاً إلى معرفة أو منادى، إذاً: قرينة هذه، تقول: الرجل معرفة، لماذا؟ لوجود (أل)، الذي: معرفة، لماذا؟ لوجود الصلة، هذا رجل، هذا معرفة لماذا؟ نقول: معرفة، لأنه اسم إشارة بقرينة الحس، وحينئذ احتجنا إلى الحكم على المعرفة بشيء زائد على مجرد النطق باللفظ، لا بد من قرينة، وحينئذ نقول: ما احتاج في الحكم عليه بكونه معرفة إلى سبب خارج عن اللفظ فرع عما لا يحتاج، ولذلك نحكم 0رجل) نقول: هذا نكرة، لماذا نكرة؟ لا نقول لماذا نكرة؟ لأنه هكذا مطلقاً، نقول: هو نكرة، لو أردنا أن نحكم على المعرفة، الرجل معرفة، تقول: لماذا هو معرفة؟ لدخول (أل). إذاً: ما احتاج إلى سبب نقول: هذا فرع عما لا يحتاج، بخلاف المعرفة فإنها لا تحتاج، وما يحتاج إلى شيء فرع عما لا يحتاج إليه. النكرة والمعرفة، قال رحمه الله تعالى: نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ ... أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا ................................... دل على أن القسمة ثنائية؛ لأنه قال: نَكِرَةٌ ثم عرفها، ثم قال: وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ، غير المذكور أو غير ما ذكر معرفة، وحينئذ قابل النكرة بالمعرفة، فدل على أنه لا واسطة بين النكرة والمعرفة. وقد قال بعضهم بأن ثَمَّ ألفاظ يحكم عليها بأنها ليست بمعرفة ولا نكرة، وهو ما خلا من (أل) والتنوين، كل ما لا يدخل عليه (أل) والتنوين هو واسطة بين المعرفة والنكرة، كـ (من وما) (من) الموصولة مثلاً أو (من) الشرطية أو (من) الاستفهامية هذه لا تقبل (أل)، لا يقال: المن، ولا يقال: منن، إذاً لا تقبل التنوين ولا تقبل (أل). كل ما خلا من (أل) ولا يقبل التنوين فهو واسطة بين المعرفة والنكرة، وهذا فاسد، يعني رده سهل، يقال: بأن الضمائر كلها لا تقبل (أل) ولا تقبل التنوين، هل نحكم عليه بأنها واسطة؟ الضمائر كلها: قمت التاء هذه ضمير وهي معرفة بإجماع لا خلاف فيه، وحينئذ هل التاء من قمت تقبل (أل)؟ لا، والتاء نحن نقول التاء هذا اسم، المسمى قمت (ت) هذا الذي في اتصل به الفعل قمت هو الذي لا يقبل (أل)، وأما التاء فهذا اسم مسماه قمت الذي اتصل به، وحينئذ نقول: الضمائر كلها لا تقبل (أل) ولا يدخلها التنوين، هل نحكم عليها بأنها واسطة؟ الجواب: لا، بإجماع، فدل على أن هذا التعليل فاسد من أصله. إذاً قوله: نكرة، ثم قال: وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ دل على أن الاسم ينقسم بحسب التنكير والتعريف إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما البتة، وبهذا التقسيم يرد على من أثبت الواسطة وهو ما خلا من (أل) والتنوين بأنه لا يحكم عليه بكونه معرفة ولا نكرة، ورده بوجود الضمائر، وأنها معارف بالإجماع وهي لا تقبل (أل) ولا تقبل التنوين.

نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا ... أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا عرَّف النكرة بعلامة أو أشبه ما يكون بالرسم، وهو نوع من أنواع التعاريف؛ لأنه يرى أن حد النكرة عسِرٌ، ولذلك قال: حد النكرة عسِرٌ، يعني: صعب، وإذا كذلك حينئذ لا بد من بيان، الطالب المبتدئ أو المتوسط لا بد أن يحكم على اللفظ بأنه معرفة أو نكرة، بماذا يحكم؟ ولذلك على ما ذكرناه سابقاً أنه لو عُدد ما حكم عليه بأنه معرفة وهي سهلة، وقيل ما عداه نكرة هذا واضح بين، فيقال: المعارف سبعة: الضمائر والعلم،، إلى آخره، وما عدا هذه فهي نكرة. نَكِرَةٌ: هذا مبتدأ. وقَابِلُ أَلْ: خبره، وهذا أولى من العكس. مُؤَثِّرَا: هذا حال من المضاف إليه وهو (أل). أوْ: للتنويع، ولا بأس بدخولها في الرسم. وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا: كأنه قال لك: النكرة نوعان باستقراء كلام العرب، الأولى: ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف، والثانية أو النوع الثاني: ما لا يقبل (أل) لكنه يقع موقع ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف، فهما قسمان داخلان تحت مفهوم النكرة؛ لأن قوله: (أو) للتنويع، وإذا كان للتنويع حينئذ نقول: المراد به تنويع مفهوم النكرة إلى نوعين، وحينئذ قوله: نكرة موضوعة للقدر المشترك بين النوعين، فيصدق على النوع الأول بأنه نكرة، ويصدق على النوع الثاني بأنه نكرة، لأن لفظ نكرة نقول: موضوع للقدر المشترك بين النوعين، ولذلك أدخل (أو) التي للتنويع. نَكِرَةٌ: قلنا: هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء به لأنه في معرض التقسيم، وقيل: إنه صفة لموصوف محذوف، (اسم نكرة). نَكِرَةٌ: هذا بالتأنيث، ولكن المراد به تأنيث اللفظ لا المعنى. قَابِلُ: هذا اسم فاعل، وهو مضاف، و (أل) مضاف إليه في محل نصب؛ لأنه في قوة قولك: يقبل (أل). نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ: يقبل (أل)، لأن الأصل في اسم الفاعل أن يكون بمعنى الحال، فهو في قوة الفعل المضارع. وَإِنْ يُشَابِهُ الْمُضَافَ يَفْعَلُ ... وَصْفًا فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لَا يُعْزَلُ ولذلك قَابِلُ: مضاف، و (أَلْ) مضاف إليه علم قصد لفظه فهو معرفة، وحينئذ هل أُخبر بقولنا: قابل (أل) وهو نكرة عن معرفة أو نكرة عن نكرة؟ قابل أل قلنا: أضيف إلى (أل) وقصد لفظه، وإذا كان كذلك حينئذ صار علماً، هل اكتسب (قَابِلُ) التعريف من المضاف إليه؟ الجواب: لا، بخلاف: غلام زيد، غلام: نكرة، وزيد: مضاف إليه وهو معرفة، غلام زيد معرفة أو نكرة؟ معرفة؛ لأن المضاف النكرة إذا أضيف إلى معرفة اكتسب التعريف. قَابِلُ أَلْ: قابل قلنا: هذا نكرة، و (أل) معرفة علم، مثل: غلام زيد، هل اكتسب التعريف؟ الجواب: لا؛ لأن المضاف إذا كان اسماً فاعلاً أو اسماً مفعول فالإضافة حينئذ تكون لفظية وليست إضافة محضة، فهي في قوة الفعل، ولذلك سيأتي معنا في باب الإضافة: وَإِنْ يُشَابِهُ الْمُضَافَ يَفْعَلُ ... وَصْفًا فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لَا يُعْزَلُ فهو باق على تنكيره.

إذاً: بهذا التقرير نجعل نكرة مبتدأ، وقابل أل: خبر عنه، ولا يصح العكس لكون قابل (أل) نكرة، قَابِلُ (أل): هذا نكرة، وقوله: نَكِرَةٌ، نكرة، أيهما أولى بجعل واحد منهما مبتدأً والثاني خبر؟ لو قلنا: قابل (أل) اكتسب التعريف لجعلناه معرفة ولحكمنا عليه بأنه مبتدأ، لكن كونه نكرة فحينئذ الأولى أن نجعل النكرة هي المبتدأ، قوله: نكرة هي المبتدأ، وقابل (أل) هو الخبر، يرجح هذا أن الذي يريد أن يتحدث عنه ويعرفه هو النكرة، لأنه عنون له قال: النكرة والمعرفة، النكرة غير معلومة، وحينئذ نحتاج إلى تعريفه. وقال: نَكِرَةٌ قَابِلُ (أَلْ)، إذاً: نكرة نقول: هذا مبتدأ، وجوز أو سوغ الابتداء به كونه في معرض التقسيم أو نجعله صفة لموصوف محذوف، اسم نكرة. قَابِلُ أَلْ: هذا خبر، وإضافته لفظية؛ لأنه بمعنى: يقبل (أل)، وقيل: تذكير قابل (أل) لأنه صفة لموصوف محذوف، أي: اسم قابل (أل)، والاسم يطلق على المذكر والمؤنث. ووصفُ النكرة والمعرفة قائمان بالاسم، وهو مذكر كما تقول: العلامة حاضر، الحاصل: أن قوله: نكرة: مبتدأ، وقابل أل: هذا خبره. مُؤَثِّرَا: هذا تتميم للحد والتعريف، مؤثراً أي: حال كونه مؤثراً، (أل) مؤثراً، بمعنى: أن المضاف إليه من صفته ووصفه اللازم الذي يصح أن يجعل علامة على أن مدخوله نكرة أن يكون مؤثراً، والتأثير هنا المراد به التعريف، ولذلك نقول: (أل) معرفة، هي التي تكون علامة لكون مدخولها نكرة، وهذا بخلاف (أل) التي تذكر في مقام معرفة الاسم، هناك قلنا: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ، هذا عام يشمل (أل) المعرفة و (أل) الزائدة و (أل) الموصولة، هنا لا يصح هذا التقسيم، هنا نقول: (أل) المراد بها المعرِّفة فحسب، إذ فرق بين علامة الاسم وعلامة النكرة، لأننا نثبت كون الكلمة اسماً، هذا أولاً، والاسم عام يشمل المعرفة ويشمل النكرة، إذاً: هو جنس تحته فردان: معرفة ونكرة، إذا أردنا أن نثبت أحد النوعين لا بد من قدر زائد على مطلق علامة الاسم، فليس كل ما كان علامة على اسمية الكلمة فهو علامة على كونها نكرة أو معرفة، والعكس صحيح، كل ما كان علامة على كون الكلمة نكرة فهو علامة على الاسمية؛ لأن إثبات الأخص يستلزم إثبات الأعم، القواعد الأربع: إثبات الأخص -الذي هو نكرة- يستلزم إثبات الأعم، إذ كل نكرة اسم ولا عكس، إذا أثبتنا الأخص بعلامة: فَكُلُّ مَا رُبَّ عَلَيْهِ تَدْخُلُ ... فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ فإذا قلنا: رُبَّ رجل، أثبتنا أنه نكرة، من باب أولى أثبتنا أنه اسم، كل علامة على كون مدخول اللفظ نكرة فهو علامة على الاسمية. إذاً نقول: ليس كل ما كان علامة على اسمية الكلمة فهو علامة على كونها نكرة، والعكس صحيح، إذ العلاقة بين الاسم والنكرة العموم والخصوص المطلق، كل نكرة اسم ولا عكس، فحينئذ إذا أثبتنا كون الكلمة اسماً لا يلزم من ذلك أن تكون نكرة، وعليه قوله في ما سبق: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَ (أَلْ) هذا مطلق عام؛ لأننا نقصد تمييز الاسم عن الفعل والحرف، وهنا نريد أن ندخل في داخل الاسم، ففيه نكرة ومعرفة، نريد أن نميز بين النوعين، إذاً نحتاج إلى علامة أخص من مطلق علامة الاسم؟

إذاً قوله: قابل (أل) ليس كقوله السابق في علامات الأسماء، لأننا هناك نعمم، فنقول: (أل) مُعَرِّفة كالرجل، وزائدة كالعباس، وموصولة كالضارب والمضروب، هنا كل هذا لا يصلح، بل نخصص (أل) هنا بكونها مؤثرة التعريف، فحينئذ الزائدة خارجة ليست داخلة معنا، ليست على كون مدخولها نكرة، العباس، الحارث، اليزيد، نقول: هذه (أل)، هل (أل) هذه تدل على أن مدخولها نكرة؟ الجواب: لا، مع كونها تدل على أن مدخولها اسمٌ، إذاً: أثبتت الاسمية ولم تثبت النكرة، لأن مطلق (أل) يدل على الاسمية، وأما النكرة فلا بد من بعض أنواع (أل) وهي المعرِّفة التي تؤثر التعريف، يعني: يكتسب الاسم تعريفاً بدخول (أل). كذلك: الضارب، المضروب، نقول: الضارب هذا ليس بمعرفة، هو اسم بدليل دخول (أل) الموصولة، والمضروب اسم بدليل دخول (أل) الموصولة، لكن هل هو نكرة؟ هل هو معرفة؟ (أل) هذه ليست مؤثرة التعريف في مدخولها، حينئذ انتفى عنها خاصية النكرة، فلا نحكم على المضروب والضارب بأنه معرفة؛ لأن الذي ينقله من التنكير إلى التعريف هو (أل) المعرفة وهذه موصولة. إذاً: مُؤَثِّرَا: هذا قيد في (أل)، احترز به عن الزائدة فليست من علامات النكرة، واحترز به عن (أل) الموصولة في اسم الفاعل واسم المفعول. نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ: حال كونه مؤثراً التعريف، ولذلك قال ابن عقيل: النكرة ما يقبل (أل) وتؤثر فيه التعريف، واحترز بقوله: وتؤثر فيه التعريف مما يقبل (أل) ولا تؤثر فيه التعريف، إذاً: عندنا (أل وأل) كعباس علماً، فإنك تقول: العباس فتدخل عليه (أل)، لكنها لم تؤثر فيه التعريف؛ لأنه معرفة قبل دخولها عليه، وَطِبْتَ النَّفْسَ، هذه لم تعرفها، هذه زائدة، وسيأتينا في (أل): وَقَدْ تُزَادُ لاَزِمَاً كَالَّلاتِ ... ... وَطِبْتَ النَّفْسَ يا قَيْسُ،،،،، وَبَعْضُ الأَعْلاَمِ عَلَيْهِ دَخَلاَ ... لِلَمْح مَا قَدْ كَانَ عَنْهُ نُقِلاَ هذه ليست معرفة، هذه زائدة ولكنها أفادت معنى وهو لمح الصفة، لمح الصفة الأصل قبل العلمية. هذا هو النوع الأول من نوعي النكرة: ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف، فحينئذ (أل) هنا مقيدة بكونها معرفة احترازاً من (أل) الزائدة و (أل) الموصولية فإنها لا تفيد تعريفاً، بخلاف (أل) في معرفة الاسمية فإنها عامة، لأن المراد هناك إثبات الأعم، وهنا المراد بها إثبات الأخص، والأعم يثبت بـ (أل) مطلقاً، والأخص يثبت بـ (أل) المعرفة فحسب. أوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا هذا هو النوع الثاني من نوعي النكرة. أوْ: ليس بقابل (أل)، لا تقبل (أل)، لكنها وقعت -يعني النكرة- وقعت موقع ما يقبل (أل)، بذاتها لا تقبل (أل) -اللفظة التي حكمنا عليها بأنها نكرة- لا تقبل (أل) بذاتها، لا تدخل عليها، وإنما نفسرها بمعنى لفظ، هذا اللفظ يقبل (أل)، فنحكم على الكلمة بأنها نكرة. (ذو) التي بمعنى صاحب، (ذو) لو قال قائل: هل هي معرفة أو نكرة؟ هل تقول: الذو تدخل عليها أل؟ ما تقبل (أل) في ذاتها، لا تقبل (أل) لغة لا عقلاً، أما العقل يجوِّز، العقل يجوِّز أن تقول: الذو، لا بأس، لكن اللغة -لسان العرب الوضع الأصلي- يمنع أن تدخل (أل) على (ذو).

إذاً: إذا امتنع دخول (أل) المُعَرَّفة على (ذو) هل نحكم عليها بأنها معرفة، لأن النكرة هي ما يقبل (أل)؟ الجواب: لا، نقول: (ذو) هذا لفظ، نفسره بماذا؟ بمعنى صاحب، صاحب هل يقبل (أل) أو لا؟ إن قبل (أل) حينئذ حكمنا على (ذو) بأنها نكرة، لماذا؟ لأنها وقعت -اللفظ نفسه (ذو) - وقعت موقع مكان ما يقبل (أل) وهو صاحب، وهذه معدودة ألفاظ معدودة، والأصل هو الأول. أوْ: للتنويع، تنويع مفهوم النكرة، وحينئذ نكرة هذا نقول: موضوعة للقدر المشترك بين النوعين. أوْ: ليس بقابل لـ (أل)، لكنه واقع موقع ما يقبل (أل). وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا: (ما) أي: الذي. قَدْ ذُكِرَا: الألف للإطلاق، وذكرا: هذا فعل ماض مغير الصيغة صلة الموصول، والضمير يعود على: قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا، وحينئذ كل لفظ فسر بمعنىً واللفظ في ذاته لا يقبل (أل) ونظرنا في المعنى الذي فسر به، إن قبل ذلك اللفظ الذي فسر به ذلك المعنى (أل) حكمنا على اللفظ الأصلي المفسَّر بأنه نكرة. هنا قال ابن عقيل: أو يقع موقع ما يقبل (أل)، فمثال ما يقبل (أل) وتؤثر فيه التعريف: رجل، فيقال: الرجل، غلام، الغلام، مسجد، المسجد، كثير لا حصر له، ولذلك إذا كان لا حصر له من الألفاظ التي تدخل عليها (أل) ونحكم عليها بأنها نكرة قبل دخول (أل) حينئذ نقول: الضابط أغلبي، ولا بأس بهذا، فهو صحيح في نفسه، وما استثني ولم يقبل (أل) إما أن نجعله في القسم الثاني، وإما أن نقول: هذا مستثنى ونحكم عليه بما يستحقه من التعريف أو التنكير. ومثال ما وقع ما يقبل (أل): ذو التي بمعنى صاحب، نحو: جاءني ذو مال، أي: صاحب مال، فـ (ذو) نكرة، وهي لا تقبل (أل) لكنها واقعة موقع صاحب، وصاحب يقبل (أل) فتقول: الصاحب، لكن يريد إشكال: الصاحب هذا اسم فاعل –صاحب-، وسبق أن (أل) الداخلة على اسم الفاعل موصولة، والموصولة لا تفيد تعريفاً، تفيد اسمية مدخولها لكن لا تفيد تعريفاً، وحينئذ ما الجواب؟ نقول: الصاحب وصاحب هذا استعمل استعمال الأسماء الجامدة، لكثرة استعماله نزع منه المعنى، فحينئذ صار جامداً، فصح حينئذ الاستدلال بأن (أل) الموجودة فيه الداخلة عليه أنها مؤثرة للتعريف. نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا ... أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا هذا الحد أو هذا الرسم اعترض عليه بأنه غير جامع وغير مانع، أما كونه غير جامع بخروج بعض الألفاظ عنه، جاء زيد راكباً (الحال)، جاء زيد راكباً، راكباً هل يقبل (أل)؟ راكباً في هذا التركيب هل يقبل (أل)؟ لا؛ لأن الحال يشترط فيها أن تكون نكرة. وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظاً فَاعْتَقِدْ ... تَنْكِيرَهُ مَعْنَىً ..... إذاً: يجب أن يكون نكرة، وحينئذ هل يقبل (أل) هنا؟ لا يقبل (أل) وهذا صحيح، إذا كان لا يقبل (أل) إذاً انتفى عنه ضابط كونه نكرة. كذلك التمييز على مذهب البصريين، وطبت نفساً، أو اشتريت رطلاً عسلاً، نقول: رطلاً عسلاً، عسلاً هذا إعرابه تمييز، هل يقبل (أل)؟ لا يقبل (أل). كذلك اسم (لا) النافية للجنس، لا رجل في الدار، رجل لا يقبل (أل).

كذلك مدخول (رُبَّ)، رُبَّ رجل كريم لقيته، نقول: هذه كل الألفاظ الحال والتمييز واسم (لا) النافية للجنس ومدخول (رُبَّ) لا تقبل (أل)، وجوابه سهل: أن عدم قبول هذه المذكورات كلها إنما هو بعد التركيب، ليس لذات وجوهر الكلمة، فراكب لوحدها قبل جعلها حالاً تقول: الراكب، وعسلاً تقول: العسل، وكذلك رجل تقول: الرجل، ورُبَّ رجل تقول: الرجل، إذاً: الكلام في ما هو قبل التركيب، ولذلك قلت لك: ميز أولاً أن التعريف والتنكير والباب -البناء والإعراب بينهما فرق- ما هو هذا الفرق؟ فرق جوهري؟؟؟ هذا فرق جوهري مهم، وصف اللفظ بكونه معرفة أو نكرة هذا لا يلتفت إلى التركيب، بل هو الأصل في المفردات، نفس اللفظة الواحدة قبل تركيبها، تحكم عليها هل هي معرفة أو نكرة، وأما الإعراب والبناء هذا لا يتأتى إلا بعد التركيب، ففرق بينهما. إذاً: راكباً لا يعترض بكونه لا يقبل (أل) في هذا التركيب على كونه ليس بنكرة، فحينئذ نقول: هذه الألفاظ كلها الحال والتمييز يشترط فيها أنها نكرات متى؟ بعد التركيب إذا جعلتها تمييزاً، ولا يحكم على الكلمة بكونها تمييزاً إلا بعد التركيب، ولا يحكم على اللفظة بأنها حال إلا بعد التركيب، ولذلك زيد لوحدها لا تقل: هذا مبتدأ أو خبر، لكن إذا قلت: هذا زيد نقول: زيد هذا خبر، وتقول: هذا ذا اسم إشارة لمفرد مذكر، هل هو مبتدأ أو خبر؟ ما يوصف بكونه مبتدأً ولا خبر، متى يوصف؟ إذا قلت: هذا أخوك، إذاً جعلته مبتدأ، ففرق بين اللفظ قبل التركيب وبعد التركيب، هذا اعتراض بكونه غير جامع. وقيل: بأنه غير مانع؛ لأن بعض المعارف يقبل (أل)، نحو: يهود ومجوس؛ فإنك تقول: اليهود والمجوس، يهود ومجوس هذا معرفة، ولا شك أنه معرفة، وتقول: اليهود والمجوس قبل (أل). وبعض المعارف يقع موقع ما يقبل (أل) مثل ضمير الغائب العائد إلى نكرة، لقيت رجلاً فأكرمته، الضمير إذا عاد على معرفة فهو معرفة اتفاقاً، يعني إذا قلت: جاء زيد فأكرمتُه، الضمير هنا يعود على من؟ على زيد، معرفة أو لا؟ معرفة، إذاً الضمير معرفة، وهذا محل وفاق. لو قلت: جاء رجل فأكرمته، الضمير يعود على ماذا؟ على رجل، إذاً: الضمير هنا مفسر برجل، ورجل نكرة، هل الضمير هنا معرفة أو نكرة؟ قولان للنحاة: قيل معرفة، وقيل نكرة، وقيل بالتفصيل: إن كان واجب التنكير فنكرة، وإن كان جائز التنكير فمعرفة، إن كان واجب التنكير فنكرة مثل ماذا؟ مثل مدخول رُبَّ، رُبَّ رجل كريم لقيته، الضمير يعود إلى رجل الذي هو مدخول رُبَّ، مدخول رُبَّ يشترط فيه أن يكون نكرة فهو واجب التنكير، إذاً: هذا نكرة، جاء رجل فأكرمته، رجل هذا فاعل، فهل يشترط في الفاعل أن يكون نكرة؟ لا يشترط، إذاً: هذا جائز التنكير، فإذا عاد الضمير على جائز التنكير حكمنا عليه بأنه معرفة على الأصل، وهذا يأتينا في باب الفاعل. إذاً: اعترض على بعض الألفاظ بأنها معارف وتقبل (أل) كاليهود والمجوس، وبعض المعارف يقع موقع ما يقبل (أل) مثل ضمير الغائب العائد إلى نكرة، لقيتُ رجلاً فأكرمته؛ فإن هذا الضمير واقع موقع رجل ورجل يقبل (أل).

والجواب: أن يهود ومجوس اللذان يقبلان (أل) هما جمع يهودي ومجوسي، فهما نكرتان، فإن كانا علمين على القبيلتين المعروفين لم يصح دخول (أل) عليهما، وأما ضمير الغائب العائد إلى نكرة فهو عند الكوفيين نكرة، المسألة فيها خلاف، فلا يضر صدق هذا التعريف عليه، والبصريون يجعلونه واقعاً موقع الرجل لا موقع رجل، يعني: جاء رجل فأكرمته؛ عند البصريين يفسر الضمير هنا بالرجل، كأنهم جعلوا (أل) هنا للعهد الذكري، جاء رجل فأكرمت الرجل، لأنك لو حللت الضمير وجئت باسم ظاهر وكنت تريد عين الرجل السابق حينئذ تعيد النكرة معرفة على القاعدة، جاء رجل فأكرمته، لو حذفت الضمير وجئت باسم ظاهر ماذا تقول؟ جاء رجل فأكرمته، ولو حذفنا الضمير وأردنا اسم ظاهر نقول: جاء رجل فأكرمت الرجل. ثُمَّ مِنَ القَواعدِ المشْتهرةْ ... إِذَا أتَتْ نكرةٌ مُكرَّرةْ تَغَايَرَا وإِنْ يعرف ثَاني ... تَوافَقَا كَذا الْمُعَرَّفَانِ فحينئذ إذا قلت: جاء رجل فأكرمت الرجل، لو حذفت الرجل وجئت بمكانه ضميراً قلت: فأكرمته، يُفسر عند البصريين بمدخول (أل)، لأن الضمير هنا صار في قوة الاسم المكرر المعاد عليه لكنه محلىً بـ (أل) على القاعدة المشهورة، وأما عند الكوفيين فهو نكرة. والبصريون يجعلونه واقعاً موقع الرجل لا موقع رجل، وكأنك قلت: لقيت رجلاً فأكرمت الرجل على الأصل في الاسم الظاهر، كما قال تعالى: ((كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)) [المزمل:16] الرسول الثاني هو عين الرسول الأول الذي هو نكرة، على القاعدة المشهورة وهي قاعدة أغلبية، وإذا كان كذلك فهو واقع موقع ما لا يقبل (أل) فلا يصدق التعريف عليه. إذاً: كل ما يمكن أن يستدل بانتفاء الضابط عنه؛ فإما أن يجاب عنه بجواب صحيح، يعني تأويل صحيح، وإما أن يقال: هذا مما يستثنى، ولا إشكال على الأصل، يعني: إذا وجد ألفاظ تقبل (أل) وأثرت فيها وليست بنكرة، فحينئذ نقول: هذا يستثنى، هذا إن صح له مثال، وإذا وقع (ما) موقع محل ما يكون صالحاً لدخول (أل) عليه حينئذ إن كان النكرة بالفعل قلنا: هو نكرة، وإلا قلنا: هذا مستثنى من القاعدة، فيجعل ضابط عام ولا إشكال فيه. نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا أوْ -النوع الثاني-: ليس بقابل لـ (أل) لكنه: وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا. قال ابن غازي: من الواقع موقع ما ذكر: (أين) -ألفاظ معدودة لضبط النوع الثاني جمعتها من شروح الألفية كلها- قال: من الواقع موقع ما ذُكر: أين، أي: في أي مكان، أين في أي مكان، ومكان هذه تقبل (أل)، أين مكانية يعني، أي: في أي مكان، وكيف، يعني: من الواقع موقع ما يقبل (أل) كيف؛ لأنها سؤال عن الحال، أي حالن حال هذا يقبل (أل)، و (من وما) الاستفهاميتان، أي: أيّ رجل وأيّ شيء، ورجل يقبل (أل)، وشيء يقبل (أل). إذاً: (من وما) الاستفهاميتان، أي: أي رجل، وأي شيء. وأفعل أفعل من، يعني: أفعل التفضيل إذا كانت (من) لفظاً وتقديراً، كأفضل أي: فاضل، أفضل بمعنى: فاضل، وفاضل يقبل (أل)، وإن كان اسم فاعل؟؟؟ مثل صاحب.

وباب ديار وأحد، وهذه من الأسماء المتوغلة في الإبهام، بعض الأسماء المتوغلة في الإبهام، كعريم وديار وغير وشبه، هذه كلها واقعة موقع ما يقبل (أل). وأحد، أي: شخص أو حي ونحوها. وأحد هذا؛ -قال ابن غازي-: لا يقبل (أل) بنفسه، بخلاف الذي بمعنى واحد. ثم قال: فمكان-الذي هو تفسير لـ: أين_ فمكان وحال ورجل وشيء وفاضل ونحوه وشخص أو حي ونحوهما قابلة لـ (أل) المؤثرة، وقد وقعت هذه الألفاظ مواقع ما ذكر، لكن يرد عليه -على ابن مالك رحمه الله تعالى بحسب مذهبه كما سيأتي: وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ-نحو: أسامة، أسامة هذا علم جنس بمعنى: أسد، أسامة وقع موقع أسد، وأسد هذا يقبل (أل)، أسد، الأسد، جاء الأسد تعني به الحيوان المفترس، فحينئذ علم الذي هو أسامة علم جنس وقع موقع ما يقبل (أل) وهو أسد، فتقول: الأسد، إذاً: أسامة هذا نكرة على الضابط هذا، وسيأتي أنه علم جنس. قال الملَّوي: وظاهر كلام الناظم أن علم الجنس نكرة كأسامة؛ لأنه وقع موقع أسد الذي يقبل (أل)، ويجاب بالمنع، نمنع هذا؛ لأن أسداً لا يقع موقع أسامة في الدلالة على الحقيقة، الحقيقة الذهنية التي هي موجودة في الذهن، الحقائق متفاوتة: حقيقة الأسد وحقيقة الفرس وحقيقة الحمار وحقيقة الكلب، هذه متفاوتة وجودها في الذهن، الذي يميز هذا عن ذاك هو علم الجنس، وأما وجوده في الخارج فالذي يصدق عليه هو لفظ أسد، وهذا سيأتينا إن شاء الله مفصلاً. إذاً: ويجاب بالمنع؛ لأن أسداً لا يقع موقع أسامة في الدلالة على الحقيقة؛ لأن لفظ أسد موضوع لفرد منتشر لا للحقيقة، ثَمَّ أمران: حقيقة، وهي الحيوانية المفترسة، هذه حقيقة، وسبق معنا مراراً: أن الحقائق الكلية والماهيات وجودها وجود ذهني، فما يميز هذه الحقائق بعضها عن بعض هو علم الأجناس بقطع النظر عن وجوده في الخارج، والذي يصدق على الخارج هو علم الشخص، وحينئذ فرق بين الاثنين، فأسامة وضع للحقيقة الذهنية، وأسد هذا لم يوضع للحقيقة الذهنية، وإنما وضع للفرد المنتشر، يعني: ما شاع في جنس موجود لا بعينه، وهذا هو حقيقة النكرة، وسيأتي معنا مفصلاً إن شاء الله تعالى. وزاد الأشموني: مما وقع موقع ما يقبل (أل): (من وما) نكرتين موصوفتين، كما في قولك: مررت بمن معجب لك، يعني بشخص، وشخص هذا يقبل (أل)، أو إنسان وإنسان هذا يقبل (أل)، مررت بما معجب لك، يعني: بشيء يعجبك، وشيء هذا يقبل (أل).

فإن (ما ومن) لا يقبلان (أل)، لكنهما يقعان موقع إنسان وشيء، وإنسان وشيء كلاهما يقبل (أل)، وكذلك صهٍ ومهٍ بالتنوين، صه ومه، قلنا: صهٍ ومهٍ هذا اسم فعل أمر، نحو: صَهْ وَحَيَّهَلْ، إذا دخل عليه التنوين ما نوع التنوين هنا؟ تنكير، مراده: (صه) سكوتاً معيناً أو مبهماً؟ إذا فسرنا صه بسكوتاً، سكوت هذا يقبل (أل) أو لا؟ يقبل (أل)، وإذا قلت مه، انكفافاً، انكفافاً يقبل (أل) أو لا؟ يقبل (أل)، وثَمَّ علامة أخرى على كونهما نكرتين وهما: تنوين التنكير، تنوين، صهٍ تنوين التنكير، وهو اللاحق لبعض الأسماء المبنية فرقاً بين معرفتها ونكرتها، تنوين التنكير من إضافة الدال إلى المدلول تنوين يدل على أن مدخوله نكرة، إذاً: صهٍ نكرة بالتنوين، ثم هو في موضع (سكوتا)، إذاً: صه وقع في موقع ما يقبل (أل) وهو السكوت، ومه باعتبار التنوين هو نكرة، ثم مهٍ هذا وقع موقع ما يقبل (أل) وهو انكفافاً، الانكفاف، إذاً: هذا واقع موقع ما يقبل (أل). ومن الواقع موقع قابل (أل): أسماء الفاعلين والمفعولين، فإن (أل) الداخلة عليها موصولة، -لكن باعتبار كونها موصولة نقول: ليست مؤثرة للتعريف، يعني: التعريف هنا إذا قيل: الضارب، جاء زيد الضارب نعت له أو لا؟ نعت له، طيب، (أل) هذه أفادت تعريف؟ لا، إذاً في الأصل هو نكرة- أسماء الفاعلين والمفعولين، فإن (أل) الداخلة عليها موصولة، فإنها واقعة موقع ما يقبل (أل) كإنسان وذات مغاير وذات ثبت لها أو وقع عليها الضرب مثلاً، الضارب هذا واقع موقع ذات وقع منها الضرب، والمضروب واقع موقع ذات وقع عليها الضرب، إذاً: بالتأويل، -بالنوع الثاني- نقول: يمكن إدخال اسم الفاعل واسم المفعول، وأما بالأول قابل (أل) مؤثراً فلا؛ لأن (أل) المؤثرة هي (أل) المعرفة، و (أل) الداخلة على اسم الفاعل واسم المفعول هذه موصولية وهي ليست من علامة النكرة. نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا ... أوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا هذا مما يجعل علامة على كون مدخول اللفظ نكرة. كذلك من علامات النكرة: رُبَّ، وهذا ضابط جيد مثل (أل) مساو له. فَكلُّ ما رُبَّ عليهِ تَدخُلُ نحوُ غُلامٍ وكتابٍ وطَبَقْ ... فإنهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ وحينئذ نقول: كل مدخول لـ (رُبَّ) فهو نكرة، وسيأتينا: رُبَّه فتية، يعني دخوله على الضمير. فَكلُّ ما رُبَّ عليهِ تَدخُلُ ... فإنهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ وبها استدل –برُبَّ- على أن (من وما) قد يقعان نكرتين، يعني مثل ما ذكره الأشموني، لكن استدل بكونهما نكرتين بوجه آخر: أنهما يقعان موقع ما يقبل (أل). ويمكن أن نستدل على أنهما نكرتان بدخول (رُبَّ) وهي من خواص النكرات، كقوله: رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ غَيْظاً قَلْبَهُ ... قَدْ تَمَنَّى ليَ مَوْتاً لَمْ يُطَعْ رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتُ: من نقول هذه نكرة أو معرفة؟ إذا جعلنا رُبَّ علامة على كون مدخولها نكرة، رُبَّ من أنضجت يعني: شخص، أنضجت غيضاً صدره، وحينئذ نقول: من هذه نكرة لدخول رُبَّ عليها. ولنا وجه آخر وهو أن من هنا وقعت موقع ما يقبل (أل) وهو شخص أو إنسان، فحينئذ نستدل بالوجهين. وكذلك قوله: رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمرِ ... لهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ

رُبَّما تَكْرَهُ، ربما يعني: رُبَّ شيء، فشيء هذا يقبل (أل)، هذا استدلال الأشموني فيما سبق، ورُبَّ دخلت على لفظ (ما) فدل على أنه نكرة، وقد تدخل على الضمير كما سيأتي في حروف الجر، هذه علامة ثانية مما يزاد على المصنف، لأنه قال: قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا، وكذلك قابل رُبَّ. ثالثاً: وقوعها في جواب كيف، كيف حالك؟ كيف زيد؟ مريض، كيف زيد؟ زيد مريض، مريض هذا وقع في جواب كيف، وسبق أن كيف بمعنى: أي حال، وحال هذا يقبل (أل). رابعاً: نصبها على التمييز، عند البصريين. خامساً: نصبها على الحال، عند البصريين كذلك. سادساً: دخول (من) الاستغراقية، ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ))؟ خالق هذا نكرة، ما الذي دلنا على أنه نكرة؟ من الأدلة (من)، دخول (من) الاستغراقية، ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ))، (من) نقول: هذه استغراقية، فدلت على أن مدخولها نكرة. سابعاً: دخول (كم) الخبرية، كم رجل عندي؟ ثامناً: دخول (لا) النافية للجنس: عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ، لا تعمل إلا في النكرات، فإذا مر بك: لا رجل تحكم على رجل بأنه نكرة لوجود (لا) النافية للجنس، لماذا؟ لأن (لا) النافية للجنس لا تدخل إلا على النكرات. دخول (لا) النافية للجنس، هذه ثمانية مع ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى: نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ ... أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا غَيْرُهُ: والأصل أن يقول: وغيرهما، الضمير يعود على نوعي النكرة، لكن قال: وغيره يعني أوله بالمذكور، وغير ما ذكر، معرفة، وهل غير ما ذكر معروف ليحكم عليه بكونه معرفة، أو أنه إحالة على مجهول؟ نقول: لا؛ لأنه إما نكرة وإما معرفة، عرفنا أن القسمة ثنائية لا ثالث لهما، فإذا تعين حقيقة النكرة حينئذ غير ما ذكر في حد النكرة فهو معرفة، وكان الأولى العكس، أن يعدد لنا المعرفة فيقال: هي ستة: المضمر، والعلم، واسم الإشارة، وغير هذا الذي ذكر نكرة؛ لأن المحصور هو الأصل، وما عداه الذي لا يحصر، هذا فرع، هذا من حيث التعداد التعريف ليس من حيث أصلية النكرة والمعرفة، إذاً: وَغَيْرُهُ: لم يقل: وغيرهما، تأويل بما ذكر، أي: غير ما ذكر معرفة، غير ما يقبل (أل) أو يقع موقع ما يقبلها، واستغنى بحد النكرة عن حد المعرفة، لما حد لنا النكرة حينئذ استغنى به عن حد المعرفة، ولا واسطة بينهما، وأثبتها بعض النحويين، ورددناه فيما سبق. فحد المعرفة إذا أردناه ضمناً وإن لم يصرح به الناظم نقول: هو ما لا يقبل (أل) ولا يقع موقع ما يقبلها، هو ما لا يقبل (أل) المؤثرة –التعريف- ولا يقع موقع ما يقبلها، وعليه تكون المعرفة نوعين كما أن الشأن في النكرة نوعان، قلنا: النكرة نوعان: ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف، ثانياً: ما يقع موقع ما يقبل (أل) المؤثرة للتعريف. إذاً المعرفة نوعان:

أولاً: ما لا يقبل (أل) البتة مطلقاً، لا يقبل (أل) -ونعني بـ (أل) هنا المعرِّفة، نعم، لا يسبق ذهنك إلى الموصولة أو الزائدة، لأن تلك علامة الاسمية، ونحن نتكلم فيما هو أخص علامة كونها نكرة- ما لا يقبل (أل) البتة، ولا يقع موقع ما يقبلها كزيد وعمرو، زيد وعمرو هذا لا يقبل (أل) الزيد والعمرو، ولا يقع موقع ما يقبل (أل)، لئلا نفسره بشيء آخر. ثانياً: ما يقبل (أل) ولكنها غير مؤثرة للتعريف، وهذا لا يخرج عن كونه معرفة، ما يقبل (أل) يقبل (أل) من جهة اللفظ، ولكنها غير مؤثرة للتعريف، هذا لا بد من إدخاله، كالحارث والعباس، قلنا: هذا يقبل (أل) لكنها لا تؤثر فيه التعريف، هذا المراد بالمعرفة. وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ كَهُمْ وَذِي ... وَهِنْدَ وَابْنِي وَالغُلاَمِ وَالَّذِي هذه كم؟ ستة، أليس كذلك؟ كَهُمْ: الكاف هذه تشبيهية –للتمثيل- لأنه ليس على الحصر، تمثيلية يعني ليست استقصائية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف وذلك كهم، وهو مثال للضمير. وَذِي: هذا مثال لاسم الإشارة. وَهِنْدَ: هذا مثال للعلم. وَابْنِي: هذا مضاف إلى معرفة اكتسب التعريف. وَالغُلامِ: هذا معرف بـ (أل). وَالَّذِي: اسم موصول. هذه ست معارف. وزاد في شرح الكافية: المنادى المقصود كـ يا رجل، واختار في التسهيل: أن تعريفه بالإشارة والمواجهة، يكاد أن يكون اتفاقاً، وبعضهم يحكي الخلاف أن يا رجل هذه منادى لنكرة مقصودة، يا رجل، يعني: أقبل على الشخص المعين وقال: يا رجل، هذا معرفة، لكن ما وجه كونه معرفة؟ هل هو بالإشارة والمواجهة يعني الإقبال، أو بـ (أل) منوية؟ اختار في التسهيل أن تعريفه بالإشارة والمواجهة، فتعريفه حينئذ نقول: متفق عليه في الجملة، والاختلاف إنما هو في وجهه، يعني: ما وجه التعريف؟ كيف صار معرفة؟ والمحققون على أنه بالإشارة إليه. وقيل: بـ (أل) مقدرة، وقيل: بالنداء، وسكت عنه هنا لذكره له في باب النداء أفاده الصبان، يعني لماذا لم يذكر هذا السابع؟ لأنه سيأتي بحثه في باب النداء، لكن المشهور أنه معرفة بالقصد، يعني بالمواجهة والإقبال، هذا هو المشهور. وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ: أي غير النكرة المعرفة، وهي ستة أقسام على ما ذكره الناظم، ولم يرتبها بالأعرفية لضيق النظم، لكنه في التبويب سلك مسلك تقديم الأعرف على غيره، فبدأ بالضمير ثم العلم ثم اسم الإشارة ثم الموصول ثم المحلى بـ (أل). أعرف المعارف اسم الله تعالى إجماعاً، هذا محل وفاق، والخلاف الوارد بين النحاة فيما هو بعدها، ولذلك إذا قيل: أعرف المعارف الضمير مرادهم بعد لفظ الجلالة. ثم أعرفها: المضمر على الأصح، وقيل العلم، وقيل اسم الإشارة، وقيل المحلى بـ (أل)، يعني كم قول؟ مضمر، وقيل العلم، وقيل اسم الإشارة، وقيل المحلى بـ (أل)، والجمهور على أنه الضمير هو الذي يكون أعرف المعارف، ثم العلم على قول الجمهور، ثم اسم الإشارة، ثم الموصول ثم المحلى بـ (أل)، وابن مالك سار على هذا، جرى على هذا الترتيب في الألفية.

وقيل: هما في مرتبة واحدة، يعني الموصول والمحلى بـ (أل)، واختاره الناظم في غير هذا الكتاب، وعلله بأن تعريف كل منهما بالعهد، وهو يقتضي أن الذي في مرتبة الموصول عنده هو المحلى بـ (أل) العهدية، سيأتي في موضعه، موصول بماذا عرف وأل إلى آخره، هذا على جهة العموم. وقيل: المحلى بـ (أل) أعرف من الموصول، وأما المضاف؛ فإنه في رتبة ما أضيف إليه مطلقاً عند الناظم حتى لو أضيف إلى الضمير، وأما عند الجمهور فلا، ما أضيف إلى الضمير فهو في رتبة العلم، وعند الأكثر أن المضاف إلى المضمر في رتبة العلم لا الضمير؛ لأنه يقع صفة للعلم في نحو: مررت بزيد صاحبك، صاحبك صاحب: مضاف، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه، ما إعراب صاحب هنا؟ نعت، صفة لزيد، مررت بزيد صاحبك، زيد هذا موصوف، وصاحب صفة، عند الأكثر أن الصفة لا تكون أعرف من الموصوف؛ لأنها لو كانت أعرف من الموصوف لقدمت، هي الأصل، وحينئذ إذا قلت: صاحبك المضاف إلى الضمير في رتبة الضمير وزيد وهو موصوف علم وهو يأتي في الرتبة الثانية، حينئذ ماذا صنعت؟ وصفت العلم بما هو مضاف إلى الضمير وهو في رتبة الضمير، لزم من ذلك أن تكون الصفة أعرف من الموصوف، وهذا محل نظر عندهم، وحينئذ ألجأهم ذلك إلى أن يحكموا على أن المضاف إلى الضمير في رتبة العلم، احترازاً من مثل هذه الأمثلة، على أن اسم الفاعل للمضي، والصفة لا تكون أعرف بل مساوية أو دون. فَمُضْمَرٌ أَعرَفُها ثُمَّ العَلَمْ ... فَذُو ِشارةٍ فَمَوصُولٌ مُتَمّ فَذُو أَدَاةٍ فَمُنادَى عُيِّنا ... فَذُو إِضافةٍ بها تَبَيَّنَا إذاً: لم يذكرها مرتبة هنا من أجل النظم، يعني لما فات الناظم قال هناك في؟؟؟ المكودي: لما فات الناظم ترتيب المعارف في الذكر على حسب ترتيبها في المعرفة لضيق النظم رتبها في التبويب كما سيأتي، ثم قال: فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أَوْ حُضُورِ ... كَأَنْتَ وَهْوَ سَمِّ بِالضَّمِيرِ المعارف ذكرنا أنها تتفاوت، يعني بعضها أعرف من بعض، بعضهم يرى أن النكرات كذلك تتفاوت، بعضها أعرف من بعض، لكن هذا لا ينبني عليه عمل عند النحاة، وإنما يذكرون ما يكون أعرف وما يكون دونه لأنه يتعلق به معنى، وأما مذكور وشيء وإنسان ورجل وعالم هذه عند المناطقة لأنها تتعلق بالعموم والخصوص المطلق، فقالوا: مذكور أعم من موجود ومعدوم،، إلى آخره، فلا فائدة من ذكرها هنا. فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أَوْ حُضُورِ ... كَأنْتَ وَهْوَ سَمِّ بِالضّمِيرِ هذا أول المعارف وهو الضمير، وتحته أبحاث، وهذه الأبحاث على قسمين: منها ما يستفيد منها الطالب وهي أصول، ومنها ما لا يستفيد منها شيء. والتعليلات التي يذكرها النحاة،، الباب طويل هذا عندهم الضمير، لكن أكثره تعليلات لوضعيات، والتعليل الوضعي هذا فيه إشكال لأنه في الغالب أنه لا يصدق، ضربتُ ضربتَ ضربتِ، لِمَ ضُمَّتْ التاء ولم كسرت التاء ولم فتحت؟ هذه كلها تعليلات لا ينبني عليها عمل، وإن كان بعض التعليلات مفيدة لكن هذه مما يسقط. فَمَا: يعني فالذي.

لِذِي: فما موصولة بمعنى الذي، الفاء هذه تسمى فاء فصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، لما ذكرها إجمالاً المعارف حينئذ يرد السؤال: كيف نعرف كل واحد من المعارف السابقة؟ فَمَا: الفاء فصيحة، ما: اسم موصول بمعنى الذي. لِذِي غَيْبَةٍ: يعني لصاحب غيبة، احترازاً من الغيبة نفسها. أوْ حُضُورِ: أو لذي حضور يعني صاحب حضور. سَمّ بِالضّمِيرِ: ما اسم موصول بمعنى الذي مفعول أول لسم. بِالضّمِيرِ: هذا مفعول ثاني، وسم: هذه تتعدى إلى مفعولين، الكثير أنها تتعدى إلى مفعولين بنفسها، يعني بدون واسطة، وقد تتعدى إلى الثاني بحرف الباء، سم ولدك عمْراً، ولدك هذا مفعول أول، عمْراً مفعول ثاني، سم ولدك بعمرو، هذا جائز أن يتعدى إلى الثاني بحرف الجر، هنا قال: سم ما لذي غيبة يعني: ما وضع، سمه بماذا؟ بالضمير. فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ غَيْبَةٍ: أي: لغائب، أو لذي حضور مع اعتبار دلالته على الغيبة والحضور، فـ (ما) واقعة هنا على جامد وضع لذي غيبة، يعني لا بد من تفسيره بجامد، لأن الضمائر كلها جوامد، بمعنى: أنها غير مشتقة، وبمعنى أنها لا يتصرف فيها، لا تصغر ولا تثنى ولا تجمع، تبقى كما هي، ولذلك إذا أريد التثنية: ضربتُ ضربتَ ضربتما ضربتم ضربتنَّ، حينئذ لما أريد غير المفرد ألحقت به حروف تدل على التثنية وتدل على الجمع، وأما هو في نفسه فلا يتصرف فيه، لا يصغر ولا يثنى ولا يجمع، بل يلحق به حروف تدل على التثنية وتدل على الجمع. إذاً: هو جامد، وسيأتي هذا: وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ فَمَا: ما واقعة على جامد، فخرج بـ (ما) لفظ غائب وحاضر ومتكلم، إذا قلنا الضمير ثلاثة أقسام: يدل على الغيبة، ويدل على التكلم، ويدل على الخطاب، يرد السؤال: لفظ خطاب نفسه هل هو ضمير أو لا؟ غيبة نفس اللفظ هل هو ضمير أو لا؟ ليس بلفظ، لماذا؛ لأن الضمير ذاك يدل على ذي، يعني على صاحب غيبة، لا بد من هذا القيد: صاحب غيبة، جاء زيد فأكرمته، الضمير هنا يدل على غائب. إذاً: (ما) واقعة على جامد، فخرج بـ (ما) لفظ غائب، ولفظ حاضر، ولفظ متكلم ومخاطب، وبما بعده ضمير الفصل وياء الغيبة، ضمير الفصل سمي ضميراً مجازاً وإلا هو ليس بضمير، زيد هو الكريم، ((وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [البقرة:5] أولئك: هذا مبتدأ، المفلحون: خبر، هو ضمير فصل يفيد القصر والحصر، هل له محل من الإعراب؟ الصحيح لا، ليس له محل من الإعراب، وإنما هو مما يفيد القصر والحصر. إذاً: أولئك ((وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [البقرة:5] هم كذلك مثله، وحينئذ نقول: أولئك مبتدأ، المفلحون هم، المفلحون: خبر، هم: هذا ضمير فصل لا محل له من الإعراب، سميناه ضميراً لماذا؟ مجازاً، لأنه على صورة الضمير، ثم هل هو ضمير من المعارف؟ نقول: لا، ليس من المعارف، ولذلك لا يصدق عليه الحد. إذاً: فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ

نقول: مع اعتبار دلالته، اللفظ نفسه الجامد لا بد أن يدل على غيبة، ولا بد أن يدل على حضور، فإن لم يدل حينئذ لا يكون ضميراً، كما هو الشأن في ضمير الفصل، زيد هو الكريم، هو ما دل على شيء، ليس عندنا مرجع للضمير، يعني لا تقل: هو يرجع إلى زيد لا، هذا غلط، ليس له مرجع؛ لأنه حرف، والذي له مرجع هو الضمير الاسم المعرفة الذي معنا، زيد هو الكريم، زيد: مبتدأ، والكريم: خبر، وهو؛ هل له مرجع؟ ليس له مرجع، إذا لم يكن له مرجع فليس بضمير، فهو ضمير فصل يعني: حرف فصل. وياء الغيبة؛ لأنهما حرفان، ياء الغيبة مثل ماذا؟ زيد يقوم، الياء هذه تدل على ماذا؟ على الغائب، هل هي ضمير؟ لا، ليست بضمير، بل هي حرف يدل على الغيبة، والذي معنا هو الذي يدل على صاحب غيبة. إذاً: خرج ماذا؟ ضمير الفصل وياء الغيبة، لأنهما حرفان وضع أولهما للغيبة أو الحضور لا لذي الغيبة، يعني لا لصاحبها. وثانيهما للغيبة، لا لذي الغيبة، يعني: زيد يقوم، هذا خرج بقوله: فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ يعني: الذي وضع مع اعتبار دلالته على الغيبة أو الحضور، وكذلك خرج كاف الخطاب، إياكَ إياكِ، الكاف هذه حرف كما سيأتي، إيا هي الضمير، والكاف هذه حرف دل على الخطاب، هل هو ضمير؟ لا؛ لأنه في أصل وضعه وضع حرفاً. وكاف الخطاء وتاؤه، أنت تقوم الحرفيان؛ لأنهما وضعا للخطاب لا لذي الخطاب. كذلك نون المتكلم مصاحباً لغيره أو معظماً لنفسه؛ لأنها وضعت للتكلم لا لذي التكلم. وكذا همزة التكلم، وبقولنا مع اعتبار دلالتها على الغيبة أو الحضور: الأسماء الظاهرة المستعملة في غائب أو حاضر. إذاً: فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ أوْ حُضُورِ: يعني: لفظ جامد وضع للدلالة على صاحب غيبة أو صاحب حضور، فكل ما دل على الغيبة أو الحضور أو التكلم ولم يوضع لذلك مع دلالته على صاحبه حينئذ هو حرف وليس بضمير، والأمثلة التي ذكرناها كما سبق. كَأنْتَ وَهْوَ. لِذِي غَيْبَةٍ: قدم الضمير الغيبة. أوْ حُضُورِ: هذا يشمل نوعين: ضمير المخاطب نحو: أنت، وضمير المتكلم نحو: أنا، مثَّل لأحد نوعي الحضور وهو أنت وترك أنا، وترك أنا عمداً أم للنظم؟ يعني قصداً لفائدة أم من أجل النظم؟ الظاهر الثاني، والملَّوي يقول: تركها قصداً؛ لأن أنا هذه هي كلمة إبليس، لكن هذا ما هو صحيح، لأنه سيأتي: وَذُو ارْتِفَاعٍ وانْفِصَالٍ أنَا هُوْ: أنا نكرة: أنا ما أسقطها، وحينئذ نقول: هنا للنظم، ليس عمداً. فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ: وهو ما دل على الغائب كهو. أنْتَ وَهْوَ: هنا ترتيب ولف مشوش، لأنه بدأ بالتمثيل لذي حضور، ثم ثنى بالغيبة، إذاً الضمير قال الشارح: يشير إلى أن الضمير ما دل (ما)، لفظ جامد دل على غيبة، كهو أو حضور، وهو قسمان: أحدهما ضمير المخاطب، نحو: أنت، والثاني: ضمير المتكلم نحو: أنا. كَأنْتَ وَهْوَ: وفروعها كما سيأتي، يعني ليس خاصاً بالمثالين، فالكاف هنا تمثيلية كـ (أنت) وليست استقصائية. كَأنْتَ: أنت هذا ضمير رفع، ودخلت عليه الكاف، هل نقول في محل جر؟ قيل: أن الكاف إذا دخلت على ضمير الرفع تجعله في محل جر، ولكن المشهور أن الكاف هنا دخلت على محذوف، كقولك: أنت يا زيد، وهو يا عمرو، وفروعهما.

سَمّ بِالضّمِيرِ: يعني في اصطلاح البصريين يسمى ضميراً، ويسمى مضمراً، مضمراً ضمير فعيل من الضمور وهو الهزال، ومضمر مفعَّل من الإضمار وهو الإخفاء، يسمى ضميراً أو مضمَّراً عند البصريين، ويسمى عند الكوفيين: الكناية والمكني؛ لأن فيه نوع كناية، إذا قلت: أكرمته، ما سميته زيد، ما جئت باسمه الأصلي، وإنما كنيت عنه بالضمير، ولا بأس باعتبار هذه التسمية أيضاً، وأعرف الضمير ضمير المتكلم ثم المخاطب ثم الغائب، لأنها ليست على مرتبة واحدة، الضمير أعرفها بعد لفظ الجلالة، حينئذ هو في نفسه أنواع: ضمير تكلم متكلم، ضمير مخاطب، ضمير غائب، هل هي في درجة واحدة من حيث التعريف؟ الجواب: لا، ولذلك نقول: الضمير ثلاثة أنواع، أعرفها: ضمير المتكلم، ثم يليه في الرتبة: المخاطب، ثم يليه في الرتبة الثالثة والأخيرة: الغائب، وهذا تستفيد منه عند قوله: وَقَدِّمِ الأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ ... وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلاَ. يريد به هذه الأنواع الثلاثة: المتكلم والمخاطب ثم الغائب. ثم قال: وَذُو اتِّصَالٍ مِنْهُ مَالاَ يُبْتَدَا ... وَلاَ يَلِي إِلاَّ اخْتِيَاراً أبَدَا وهذا سيقسم لنا الضمائر إلى أقسام، وكلها متوالية تحتاج إلى بسط. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

19

عناصر الدرس * الضمير المتصل * حكم الضميرمن حيث الإعراب والبناء * ما يصلح من الضمائر لأكثر من موضع. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س: ذكرتم أن ثمة قواعد أربعة وذكرتم منها قاعدة واحدة هي: الأخص يستلزم إثبات الأعم، فهل بينتم هذه الثلاث القواعد؟ ج: نعم من حيث الإثبات والنفي، إثبات الأعم هل يستلزم إثبات الأخص؟ إثبات الأخص يسلتزم إثبات الأعم. إذاً: الأعم لا يستلزم إثبات الأخص والعكس إثبات الأخص يسلتزم إثبات الأعم. نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: ما زال حديثنا في باب النكرة والمعرفة، عرّف الناظم رحمه الله تعالى النكرة: نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا ... أوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا عرفنا أنها نوعان: منها ما يقبل أل المؤثرة للتعريف، والثاني ما يقع موقع ما يقبل أل المؤثرة للتعريف. ثم قال: وَغَيْرُهُ: أي: غير ما ذكر من النوعين، مَعْرِفَةٌ كَهُمْ وذلك كهم وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ كَهُمْ وَذِي ... وَهِنْدَ وَابْنِي وَالغُلاَمِ وَالَّذِي عدد لنا المعارف، حينئذ لما قابل المعرفة بالنكرة عرفنا أن المعرفة نوعان: النوع الأول: ما لا يقبل أل البتة، ولا يقع موقع ما يقبلها كزيد وعمرو، هذا لا يقبل أل البتة، ولا يقع موقع ما يقبلها. الثاني: ما يقبل أل ولكنها غير مؤثرة للتعريف، نحو: حارث وعباس، هذه سيذكرها في باب المعرف بأل. كَهُمْ وَذِي: يعني وذلك كـ: هُمْ وَذِي وَهِنْدَ وَابْنِي وَالغُلامِ وَالَّذِي وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ كَهُمْ وَذِي ... وَهِنْدَ وَابْنِي وَالغُلاَمِ وَالَّذِي عدد لنا على جهة الإجمال هذه المعارف الستة وسيأتي تفصليها ولم يرتبها هنا؛ من أجل النظم. ثم بدأ بالأول وهو أعرف المعارف: وهو الضمير عرفه: بأنه ما دل على غيبة أو حضور، ما دل على غيبة، ومثل له بـ: هو، أو دل على حضور وهذا تحته قسمان: ضمير المخاطب ومثل له: بأنت. والثاني: ضمير المتكلم وتركه ويمثل له: بأنا. إذاً الضمائر ثلاثة: ضمير متكلم، وضمير مخاطب، وضمير الغائب، وهذه على التوالي، يعني بعضها أعرف من بعض، فأعرفها الضمير -ضمير المتكلم- ثم المخاطب ثم الغائب. الضمير ينقسم إلى أقسام باعتبارات متعددة: باعتبار ذاته، وباعتبار محله. ينقسم: إلى بارز: وهو ما له صورة في اللفظ، ما له صورة في اللفظ كتاء قمتُ، وإلى مستتر، وهو بخلافه ليس له صورة في اللفظ وهذا كالضمير المستتر في نحو قم يا زيد، قم هذا فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، أين هو؟ ليس له صورة في اللفظ، وأما قولهم: تقديره أنت فهذا من باب التقريب والتدريب فحسب وإلا ليس هو عينه إذ لو كان عينه لما كان مستتراً، ولما كان واجب الاستتار وهذا من باب التقريب فحسب. إذاً الضمير ينقسم إلى بارز وهو ما له صورة في اللفظ يعني: ينطق به: قمت، قمنا، أنتم ... إلى آخره. ومستتر وهو بخلافه يعني ليس له صورة في اللفظ فلا ينطق به بل لا يمكن أن ينطق به. البارز ينقسم إلى: متصل ومنفصل.

وبدأ الناظم رحمه الله تعالى بذكر المتصل: وهو الذي لا يستقل بنفسه، الضمير البارز ينقسم إلى قسمين: ضمير بارز متصل، وضمير بارز منفصل. الضمير البارز المتصل: هو الذي لا يستقل بنفسه، يعني: لا بد وأن يكون متصل بعامله، كتاء قمت. وأما الضمير المنفصل فهو الذي يستقل بنفسه: كأنا وأنت وهو، هذا منفصل؛ لأنه يستقيل بنفسه ولا يشترط أن يكون متصلاً بعامله. بدأ بالمتصل فقال: وَذُو اتِّصَالٍ مِنْهُ مَالاَ يُبتَدَا ... وَلاَ يَلِي إِلاَّ اخْتِيَاراً أَبَدَا كَالْيَاءِ وَالْكَافِ مِنِ ابْنِي أَكْرَمَكْ ... وَالْيَاءِ والهَا مِنْ سَلِيهِ مَا مَلَكْ وَذُو: وذو أي ضمير. وَذُو اتِّصَالٍ: يعني المتصل. مِنْهُ: من الضمير. مَالاَ: يستقل بنفسه. هو الذي لا يستقل بنفسه، وهو الذي كذلك لا يصلح لأن يبتدأ به، لا يقع في أول الكلام وإنما يكون تالياً لعامله، قمت: التاء هذا لا يمكن أن يكون أول الجملة، وإنما يكون تابعاً لعامله متصلاً به؛ لأن الضمائر كلها معمولات فليست عاملة، فإذا كانت معمولات حينئذٍ الأصل تقدم العامل على المعمول، هذا من حيث النظر ومن حيث العمل، كذلك من حيث إمكان النطق وعدمه نقول: لم ينقل عن العرب أنهم بدءوا بضمير متصل بل لا بد أن يكون تابعاً لعامله ولا يبتدأ به في أول الكلام، لا يستقل بنفسه. وَذُو اتِّصَالٍ: أي المتصل. مِنْهُ: أي من الضمير ما كان لا يستقل بنفسه وهو الذي لا يصلح لئن يبتدأ به، به هذا لا بد من تقديره. وَلاَ يَلِي إِلا: يعني: ولا يصلح لئن يلي، أن يتبع أو يقع بعد إلا الاستثنائيه. اخْتِيَاراً: يعني في ساعة الكلام، وأما في ضرورة الكلام كالشعر ونحوه فحينئذٍ لا بأس من أن يبتدأ بهذا النوع. أبَدَا: يعني: دائماً وهذا ظرف زمان. إذاً: الضمير المتصل: هو الذي لا يؤتى به في افتتاح النطق، لا يبتدأ به: أي لا يصلح أن يقع في افتتاح النطق، لا تفتح به الكلام، ولا يقع بعد إلا الاستثنائية، والمراد بالنفي هنا: ألا يستقل بنفسه ولا يقع بعد إلا الاستثنائية، إنما هو من جهة اللغة لا من جهة العقل، لغة لا عقلاً؛ لأنه يمكن أن يقال: ما أكرمت إلاك، العقل لا يمنع هذا: ما أكرمت إلاك، نقول: الكاف هنا وقعت بعد إلا اختياراً يعني: في ساعة الكلام وهذا من جهة العقل لا يمنعه بل يجوزه بل يمكن النطق به. وأما من جهة اللغة ونقل ما ثبت عن العرب وما جاء في فصيح الكلام لا يوجد هذا النوع من الضمائر مفتتحاً به الكلام، ولا يقع بعد إلا الاستثنائية، فيحنئذٍ كل ضمير متصل لا يصح أن يقع في أول الكلام ولا يلي إلا اختياراً. وَذُو اتِّصَالٍ مِنْهُ مَالاَ يُبتَدَا ... وَلاَ يَلِي إِلاَّ اخْتِيَاراً أَبَدَا وَلاَ يَلِي إِلا: (إلا) هذا مفعول به. وَلاَ يَلِي: يعني: هو، إلا قصد لفظه، قصد لفظه صار مفعول به، يعني: هذا الضمير المتصل لا يمكن أن يقع تالياً وتابعاً لإلا الاستثنائية، فيقال في الأصل: أكرمك، ولا يقع بعد إلا بالاختيار فلا يقال: ما أكرمت إلاك، وقد جاء في الضرورة، ضرورة الشعر كما قال الشاعر: أَعُوذُ بِرَبِّ الْعَرْشِ مِنْ فِئَةٍ بَغَتْ ... عَلَيَّ فَمَالِي عَوْضُ إِلاّهُ نَاصِرُ إلا هو: (إلا) تلاها ضمير متصل وهو الهاء.

فَمَالِي عَوْضُ إِلاّهُ نَاصِرُ كذلك قوله: ومَا عَلَيْنَا إِذَا مَاكُنْتِ جَارَتَنَا ... ألاَّ يُجَاوِرَنَا إِلاَّكِ دَيَّارُ إِلاَّكِ: والكاف هنا في محل نصب على الاستثناء؛ لتقدمه على المستثنى وهو ديار، حينئذ -هذا إن صحت الرواية- وإلا قيل روي: ألاَّ يُجَاوِرَنَا سواك دَيَّارُ أو: ألاَّ يُجَاوِرَنَا حاشاك دَيَّارُ على كل هذا منقول في البيت السابق وهو ثابت، وهذا البيت مشكوك فيه. إذاً: وَذُو اتِّصَالٍ مِنْهُ مَالاَ يبتدأ: يعني: لا يبتدأ به في أول الكلام لغةً لا عقلاً. وَلاَ يَلِي: يعني: لا يصلح أن يتلو أو يقع بعد إلا الاستثنائية. اختياراً: هذا منصوب بنزع الخافض يعني: في الاختيار. ويقصدون به -مصطلح النحاة-: هو ما يقابل الضرورة، يعني: في ضرورة الشعر قد يقدم ما حقه التأخير قد يفصل المتصل، ويصل المنفصل إلى آخره، والضرورات هذه منها ما هو قبيح ومنها ما هو جائز عندهم، ولكن المراد هنا: أن هذا النوع لا يقع الخلاف فيه على ما نقل في لسان العرب إلا في الشعر، وأما في النثر في السعة سعة الكلام والاختيار والإرادة دون ضرورة هذا ممنوع أبداً. وذلك -الضمير المتصل الذي لا يستقل بنفسه- وذلك مثل ماذا؟ قال: كَالْيَاء وَالْكَافِ مِنِ ابْنِي أكْرَمَكْ ابْنِي: الياء هذه ضمير متصل لا يستقل بنفسه، لا يقع في أول الكلام، ولا يقع بعد إلا الاستثنائية. أكْرَمَكْ: الكاف هذه ضمير متصل لا يستقل بنفسه لا يبتدأ به في أول الكلام، لا ينطق به في أول الكلام، لا يفتتح به في أول الكلام، ولا يقع بعد إلا الاستثنائية في الاختيار، أما في الشعر فهو على حسب الضرورة. وَالْيَاءِ: كذلك. مِنْ سَليهِ: سلي هذا فيه ضميران الياء الأولى، والثاني الهاء. مَا مَلَكْ: الذي ملك، ليس فيه شاهد، إنما اجتمع النوعان: الياء والهاء في قوله: سليه، هذا نقول: ضمير متصل لا يستقل بنفسه ولا يفتتح به في الكلام ولا يقع بعد إلا في الاختيار وأما في الضرورة يعني ضرورة الشعر فله حكمها. هنا قال: كَالْيَاء وَالْكَافِ، وَالْيَاءِ والهَا، عدد الأمثلة، لماذا عدد الأمثلة ويكفي مثال واحد؟! لأنه أراد أن يعرف لنا الضمير المتصل: وهو الذي لا يبتدأ به ولا يلي إلا، إذاً يكفي أن يقول: كالياء لماذا عدد الضمير؟ الظاهر -والله أعلم- أنه أشار بتعدد الأمثلة إلى أنواع الضمير الثلاثة: المتكلم، والمخاطب، والغائب، ومحالِّه الثلاثة: الرفع، والنصب، والجر، وهذا سيأتي تفصليها. كَالْيَاء: هذا مثال للمنصوب. وَالْكَافِ: هذا مثال للمخاطب، أكرمك في محل نصب، ضمير مخاطب منصوب. ابْنِي: هذا ضمير متكلم مجرور. إذاً فرق بينهما، مثّل لـ: ابني: ضمير متكلم مجرور، يعني: في محل جر. أكرمك: الكاف هنا ضمير مخاطب منصوب يعني: في محل نصب. والياء: من سَليهِ سلي، قومي، الياء هذه ياء المخاطبة ياء الفاعلة، فهي في محل رفع، إذاً: مثل لي: المرفوع بالياء. والهاء (سَليهِ): في محل نصب مفعول به. إذاً: أشار بتعدد الأمثلة لاختلاف أنواع الضمير المتصل فقد يكون ضميراً مرفوعاً في محل رفع، وقد يكون منصوباً، وقد يكون مجروراً.

وذلك كَالْيَاء: يعني: كالياء جار مجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، كالياء: قلنا مثال للمنصوب. وَالْكَافِ مِنِ ابْنِي: يعني من قولك، لا بد من التقدير؛ لأنه أراد الجملة ولم يرد حكايتها، يعني: أراد أن يجعل هذه الجملة طبقاً للمثال الذي ذكره حينئذٍ لا نقول: قصد لفظه لا، إذا قيل قصد لفظه لم يكن فيه مثال امتنع المثال؛ لأن ابني أكرمك إذا قصد لفظه صار علماً فحينئذ صارت كلها كحروف زيد، يعني: لو صار علم، حينئذٍ نقول: لا، لا بد من التقدير من ابني يعني: من قولك: ابني أكرمك يعني: لزيدٍ مثلاً، ابني أكرمك، ابني هذا ضمير متكلم في محل جر، وأكرمك: الكاف هذا ضمير مخاطب منصوب، والياء مثال للمرفوع يعني: ضمير مخاطبة مرفوع، والهاء: للغائب. من قولك أيضاً: سَليهِ، سلي: الياء هذه فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب مفعول به. مَا مَلَكْ: يعني: الذي ملك، سليه: (الهاء) مفعول أول، و (ما) مفعول ثاني. مَا مَلَكْ: اسم موصول بمعنى: الذي، وملك: هذا فعل ماضي. إذاً: أشار بهذين البيتين إلى أن النوع الأول من نوعي الضمير البارز: هو المتصل، وهو الذي لا يستقل بنفسه، لا يفتتح به النطق، ولا يقع بعد (إلا)، ثم قد يكون مرفوعاً، وقد يكون منصوباً، وقد يكون مجروراً، أي: في محل؛ لأن الضمائر مبنيات، والمبني إعرابه محلي، يعني: المانع من إظهار الإعراب هو جوهر الكلمة وليس الحرف الأخير في الكلمة كما هو الشأن في الإعراب التقديري، ثم فرق بين الإعراب التقديري، والإعراب المحلي، المحلي هذا يتعلق بالمبنيات، والجمل المحكية، والمصادر المنسبكة، ثلاث مواضع لها: المصادر المنسبكة كما سيأتينا، والجمل المحكية كما قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله، والذي معنا: المبنيات نقول: هذا إعراب محلي بمعنى: أن الكلمة بذاتها بجوهرها قام بها مانع ظهور الإعراب. إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فَإنَّ القَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ قالت: فعل، حذامي هذا فاعل، وقال: هذا يطلب فاعلاً، حينئذٍ الأصل فيه أن يتسلط على لفظ حذامي، أن يتسلط عليه يعني: يرفعه ويُصَيِّر آخره مرفوعاً ورفعه ضمة، إذا قالت حذامُ مثل قالت هند. فنقول: لما قام بالكلمة بناؤها بالسبب المقتضي للبناء، حينئذٍ صار مانعاً من إظهار ذلك الإعراب في لفظ حذامي، وانتقل إلى المحل، ولذلك نقول: قالت: فعل ماضي، وحذامي: فاعل مرفوع مبني على الكسر في محل رفع -هكذا تقول- لا بأس أن تقول: فاعل مرفوع لا ينكر، فاعل مرفوع، كل فاعل مرفوع لا شك، إما أن يكون مرفوعاً ظاهراً ملفوظاً به، وإما أن يكون مقدراً، وإما أن يكون محلاً، فإذا صرحت به في مثل هذا التركيب لا إشكال.

فاعل مرفوع مبني على الكسر في محل رفع فلا تعارض ولا تناقض بين أن يقال: مرفوع مبني على الكسر؛ لأن الرفع إنما تسلط على المحل، والكسر تسلط على اللفظ ففرق بينهما انفكت الجهة، فحينئذٍ نقول: المانع هو جوهر الكلمة، أما إذا قلت: قالت هدى، هدى نقول: فاعل ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، إذاً الكلمة نفسها قابله للإعراب، لكن قام بآخرها الذي هو محل لظهور الإعراب قام به مانع وهو: عدم قبول الحرف؛ لظهور تلك الحركات، والإعراب يكون في محلية المبني. وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: فالمضمرات كلها مبنيات حينئذٍ يكون إعرابها محلياً. وَذُو اتِّصَالٍ مِنْهُ مَالاَ يُبتَدَا ... وَلاَ يَلِي إِلاَّ اخْتِيَاراً أبَدَا كَالْيَاءِ وَالْكَافِ مِنِ ابْنِي أَكْرَمَكْ ... وَالْيَاءِ والهَا مِنْ سَلِيهِ مَا مَلَكْ ومن المتصل المرفوع تاء الفاعل: قمتُ، قمتَ، قمتِ، التاء بأنواعها وأحوالها الثلاث ضماً وفتحاً وكسراً نقول بحركاتها الثلاث، هذا من المتصل المرفوع، وتوصل هذه التاء مضمومة بميم وألف للمخاطبين والمخاطبتين؛ لأنه قال: الضمير المتصل: هو الذي لا يستقل بنفسه، الأساس لو مثلاً بتاء الفاعل وهي أصل عمدة، كان أولى، فحينئذٍ نقول التاء هذه: ضربتُ، ضربتَ، ضربتِ، هذه الأصل أن تكون مضمومة إذا كان للمتكلم، مفتوحة للمخاطب، مكسورة للمخاطبة. قد يكون المخاطب اثنين أو اثنتين حينئذٍِ يتصل بالفعل ألف الاثنين يعني حرف والميم، ولذلك قال: توصل هذه التاء مضمومة بميم وألف للمخاطبين والمخاطبتين، ضربتكما يا زيدان، ضربتكما يا هندان، التاء هذه وصلت بماذا؟ ضربتكما، الكاف، حرف خطاب، والميم، حرف عماد، والألف هذه حرف تثنية لماذا؟ لأن الأصل ضربتُك ثم تأتي بالألف هذه لا يمكن النطق بها، والألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً حينئذٍ تحتاج إلى حرف تتكي عليه تعتمد عليه من أجل أن ينطق بها، فيفتح ما قبلها وينطق بها، حينئذٍ نقول: ضربتكما يا هندان، ضربتكما يا زيدان، وإنما ضمت التاء إجراءً للميم مجرى الواو؛ لتقاربهما في المخرج، وتوصل بميم ساكنة للمخاطبين، ضربتكم هذه ميم ساكنة للمخاطبين، ويجوز ضم الميم موصولة بواوٍ بل هو أكثر من التسكين إذا ولي الميم ضمير متصل، ضربتُمُوهُ، الواو هذه إشباع ليست بواو الجمع، ضربتموه، حينئذٍ نقول: وصلت هذه التاء وهي مضمومة بميم وهاء، حينئذٍ الأصل فيها أنها تاء المخاطب أو المتكلم؟ للمخاطب، لكن ضمت هنا للمناسبة، حينئذٍِ إذا قيل: بتَا فَعَلْتَ وَأَتَتْ، فعلتُ للمتكلم هذا ليس مطرداً، بل قد تضم للمخاطب، ضربتما، هذا الخطاب وقد تضم، إذاً لا بد من التفصيل.

بتَا فَعَلْتَ، فعلتُ تضم أصلاً في تاء الفاعل، لكنها قد تضم تاء المخاطب إذا أسند إلى حرف تثنية أو حرف جمع، ويجوز ضم الميم موصولة بواو بل هو أكثر من التسكين إذا ولي الميم ضمير متصل كضربتموه وشذ ضمها بلا وصل، وبنون مشددة للمخاطبات: ضربتهن، وأما الهاء فتضم ضربتُهُ، وقد تكسر سليهِ، تضم الهاء إلا إن وليت كسرة أو ياء ساكنة فيكسرها غير الحجازيين، غير الحجازيين يكسرونها، عليهِ عليهُ، الحجازيون يبقونها كما هي على أصلها؛ لأنها الأصل فيها أنها مضمومة قيل: هي جزء هو، عليهُ، ولذلك جاءت القراءة: ((وَمَا أَنْسَانِيهُ)) [الكهف:63]، هذا الأصل، لكن الآن قد يظن الظان يقول: عليهِ كسرة، لما ضمت بـ: ((وَمَا أَنْسَانِيهُ)) [الكهف:63]، نقول السؤال عكس: ((أَنْسَانِيهُ)) [الكهف:63]، على الأًصل، وعليه هو الذي على؟؟؟، لما ثقل النطق بها بعد ياء ساكنة ويناسب الياء لينتقل منها من كسر -يعني: لأنها في قوة كسرتين- إلى كسر، نقول: نقلت الضمة من ضمة إلى كسرة في (عليهِ) علي: الياء هذه ساكنة، الانتقال من سكون ياءٍ أو من ياءٍ إلى كسر أخف من الانتقال من ياء إلى ضم، عليهِ عليهُ، أيهما أخف؟ حينئذٍ خففت الضمة فصارت كسرة ((عَلَيْهِ))، إذاً ((عَلَيْهِ)) , فرع وليس بأصل، و ((عَلَيْهُ)) , هذا هو الأصل، صارت الضمة كسرة لمناسبة الياء؛ لأن الياء عبارة عن كسرتين بقوة كسرتين، حينئذٍ ثقل الانتقال من كسر إلى ضمٍ، ولذلك فِعُل لا يوجد في اللغة، فِعُل الانتقال من كسر إلى ضم هذا ممتنع؛ للثقل، هنا كذلك ((عَلَيْهُ)) [الفاتحة:7] هذا هو الأصل، ((وَمَا أَنْسَانِيهُ)) [الكهف:63]، ((بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ)) [الفتح:10]، إذاً: على الأصل هذا لا يسأل عنه، إذاً الهاء نقول: الأصل فيها أنها تضم إلا إن وليت كسرة أو ياءً ساكنة، حينئذٍَ يكسرها غير الحجازيين، وأما الحجازيون فهم يضمونها وبها قرأ حفص: ((وَمَا أَنْسَانِيهُ)) [الكهف:63]، والآية التي ذكرناها. إذاً: كَالْيَاء وَالْكَافِ ... وَالْيَاءِ والهَاء: هذه أمثلة للضمير المتصل، منها ما هو في محل نصب، ومنها ما هو في محل رفع وزدنا عليه تاء الفاعل. ثم قال رحمه الله تعالى: وَكُلُّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ ... وَلَفْظُ مَاجُرَّ كَلَفظِ مَانُصِبْ وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: هل استفدنا معنى جديد أو حكم جديد من هذا الشطر؟ الحكم الذي دل عليه ما هو؟ الضمائر مبنية، هل هذا كـ: السماء فوقنا، والأرض تحتنا، والنار محرقة؟ مثله أم فيه شيء جديد؟ الظاهر -والله أعلم- ما فيه شيء جديد، يعتذروا لابن مالك. وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: فإن قيل هذا الحكم معلوم مما سبق كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا، أجبنا بأن ذاك الشطر دل على أن التاء ونا مبنية وهنا عمم الحكم، لكن نحن قررنا فيما سبق أنه أراد بذلك الشطر باب المضمرات. على كلٍ: وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: قيل كان الأولى أن يقدم هذا البيت على تقسيم الضمير إلى المتصل وغيره، أو تأخيره عنه بالكلية؛ لأنه قال: وَلَفْظُ مَاجُرَّ كَلْفظِ مَانُصِبْ لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ ثم قال هناك:

وَذُو اتِّصَالٍ مِنْهُ مَالاَ يبتدأ إما أن يقدم حكم الضمائر قبل التقسيم وإما أن يؤخر هذا أو ذاك، أما أن تفصل بحكم الضمائر قبل إنهاء التقسيم أو تشرع فيه ثم تبين الحكم هذا خلاف الأولى، على كل المسألة قضية ترتيب. وَكُلّ مُضْمَرٍ: متصلاً كان أو منفصلاً، مع أنه قدم حكم المتصل يعني: عرَّفه لنا وبين أقسامه ثم ذكر الحكم ثم قال: وَلَفْظُ مَاجُرَّ. وَكُلّ مُضْمَرٍ: متصلاً كان أو منفصلاً. لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: (له) جار ومجرور متعلق بقوله: يَجِبْ –باتفاق- أي: يلزم، وقيل: لا يلزم من الوجوب الحصول بالفعل، يعني: كما سبق معنا: وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا. قالوا هنا: لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: يعني وجب ولزم، لكن لا يلزم أن يكون بالفعل، قد يقال بأنه علم مما سبق في قوله: كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا. وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: أي: يلزم، والوجوب هنا ليس وجوباً شرعياً، وإنما هو وجوب اصطلاحي وهذا الواجب ويندب والأولى إلى آخره قد يستعملها أرباب العلوم والفنون غير الشرعية، ومرادهم الأشياء التي يتفقون عليها، ولا يجوز العدول عنها، ولو فعلها لا يأثم؛ لأنه واجب اصطلاحي كما يقولون في المقدمات: يجب أن يأتي بأربعة أشياء اصطلاحاً: البسملة، والحمدلة، والتشهد، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، لو تركها كلها في غير صلاة الجمعة مثلاً قلنا ما يلزمه شيء؛ لأنها ليست بواجبة، -المثال ليس في هذا المثال فيما لو ألّف وكتب- حينئذ لو تركها عمداً لا إثم عليه؛ لأنه خالف ما هو واجب اصطلاحاً عندهم يعاتب يقال: لم ترك كذا، ولو قال كذا، وكل من شرح لا بد أنه يوجد بعض المآخذ عليه، لكن لو أراد أن يكف عن عرضه لأتى بمثل هذه المسألة. وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ: (كل) هذا مبتدأ أول، وهو مضاف و (مضمر) مضاف إليه، (له) جار ومجرور متعلق بقوله: يجب، (البناء) مبتدأ ثاني و (يجب) خبره والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر مبتدأ الأول. السبب في بناء المضمرات، كما سبق هذا هو المشهور وهو أمر مختلف فيه كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ: أن الأصل في وضع الحرف أن يكون على حرف أو حرفين –هذا الأصل فيه_ فإذا وجد في الأسماء ما هو على صورة الحرف الواحد كـ: باء الجر أو حرفين مطلقاً ولو لم يكن الثاني حرف لين خلافاً للشاطبي والصواب أنه على جهة الإطلاق –لم- بل- قد- هذه ليست ثانيها حرف لين، فالتقييد بحرف لين هذا من باب التحكم، هذا هو المشهور؛ أنها للشبه الوضعي.

ولكن في التسهيل ذكر أربعة أسباب، -وذكرنا أيضاً فيما سبق أنه قد يجتمع في المبني الواحد عدة أسباب ولكن يشتهر واحد منها فيعبر به عنها ويسكت عن الباقي- ذكر في التسهيل ببنائها أربعة أسباب: أولاً: مشابهة الحرف في الوضع؛ لأن أكثر هذه الضمائر على حرف أو حرفين، وحمل الباقي على الأكثر؛ لأنه إذا قيل ضربت ضربنا على حرف وعلى حرفين، ولم بني؟ قال: حمل الأقل على الأكثر؛ طرداً للباب على وتيرة واحدة، لئلا يفصل فيقال: المبنيات منها ما معرب ومنها ما هو مبني، هذا لوجود الشبه وهذا للانتفاء، ويمكن أن يقال بأنه: إذا كان ثم عدة أسباب قد يوجد في بعضها سبب، ويوجد في بعضها الآخر سبب وموجب آخر، لو قالوا بهذا أولى من أن يقال بأنه طرداً للباب. إذاً: السبب الأول وهو المشهور وهو الذي قدمه الناظم كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا، مشابهة الحرف في الوضع؛ لأن أكثرها على حرف أو حرفين وحمل الباقي على الأكثر. الثاني: مشابهته في الافتقار؛ لأن المضمر لا تتم دلالته على مسماه إلا بضميمة من مشاهدة أو غيرها. ضربته: -فقط- هذا لا يفهم منه المراد، ضربته لا بد أن يأتي بمرجع الضمير، لذلك الغائب لا بد أن يتقدم عليه ما يفسره لفظاً أو حكماً أو معنىً؛ هذه تركناها عمداً؛ لأنها ستأتي معنا في الفاعل، لا بد أن يتقدم عليه ما يفسره لفظاً: زيد ضربته، لو قال: ضربته فحسب هكذا، هل تعرف من الذي وقع عليه الضرب؟ الجواب: لا، إذاً: لا بد من مفسر، وهذا المفسر لا بد أن يتقدم، لا يعود الضمير على متأخرٍ إلا فيما استثني من المسائل الست، حينئذٍ نقول: زيد ضربته، هنا تقدم المفسر على الضمير لفظاً؛ لفظاً، لأنك لفظت به، معنىً يقصدون به إذا عاد الضمير على أحد جزئي الفعل: ((اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)) [المائدة:8]، اعْدِلُوا هُوَ: هُوَ نقول: الضمير من علامات الأسماء، إذا رجع إلى كلمة دل على أنها اسم، هذه قاعدة مطردة، وبذلك استدللنا على أن: أل الموصولة اسم، ومهما ((مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ)) الضمير يعود على مهما؛ عرفنا أن مهما هذه اسم وليست بحرف خلاف لمن قال بحرفيتها. حينئذٍ نقول: ((اعْدِلُوا)) [المائدة:8]، هذه جملة فعلية فعل وفاعل، ((هُو)) [البقرة:15]، أي: العدل، إذاً رجع الضمير إلى أحد جزئي الفعل، هل مرجع الضمير هنا ملفوظ به؟ العدل هل هو ملفوظ به أو مفهوم معنى؟ مفهوم معنى؛ إذاً عاد الضمير ومرجع الضمير على شيء مفهوم. أما الحكم: فهذا يعنون به المسائل الست الذي تأتي معنا في باب الفاعل بإذن الله وهي: عود الضمير على متأخرٍ: ربه فتية، هنا الضمير الأصل فيه -في لسان العرب- أن يعود على متقدم، لكن لما عاد على متأخرٍ؛ لسببٍ يأتي في محله، حينئذٍ قيل رجع إليه حكماً. إذاً هو مفتقر إلى ما يفسره، لا بد من شيء يفسره، إما لفظي وإما حكمي وإما معنوي.

السبب الثالث الذي ذكره في التسهيل: مشابهته له في الجمود، يعني: أشبه الضمير الحرف في الجمود فلا يتصرف في لفظه بوجه من الوجوه، حتى بالتصغير ولا بأن يوصف أو يوصف به، وهو الذي ذكره ابن عقيل هنا قال: المضمرات كلها مبنية لشبهها بالحروف في الجمود ولذلك لا تصغر ولا تثنى ولا تجمع، وهذا خالف ما ذكره السبب السابق كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا. الرابع: الاستغناء عن الإعراب باختلاف صيغه لاختلاف معانيه يعني: الضمائر تختلف معانيها، قد يكون الضمير لا يكون إلا في محل رفع، وقد يكون لا يأتي إلا في محل جر أو نصب، حينئذٍ اكتُفي بصيغته التي ينطق بها -من كافٍ أو تاءٍ أو نحوِ ذلك- اكتُفي بها عن أن يكون له شيء من الإعراب الظاهر، الاستغناء: ضمائر استغنت عن الإعراب، استغنت عن الإعراب باختلاف صيغه لاختلاف معانيه، فالصيغة هي التي تدل على أنه في محل رفع أو في محل نصب أو في محل جر. وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ انتهى كلامه إلى هنا. ثم قال: وَلَفْظُ مَاجُرَّ كَلِفظِ مَانُصِبْ لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ ... ............................................ ... كَاعْرِفْ بِنَا فَإنَّنَا نِلْنَا الْمِنَحْ وَأَلِفٌ وَالوَاوُ وَالنُّونُ لِمَا ... غاَبَ وَغَيْرِهِ كَقَامَا واعْلَمَا أراد بهذه الأبيات أن يقسم لنا الضمير المتصل،- لا زال الحديث في الضمير المتصل- ولكن فصل بينه وبين ما سبق بقوله: وَكُلّ مُضْمَرٍ لَهُ الْبِنَا يَجِبْ ولذلك أعله الصبان بقوله: لو قدمه أو أخره وهذا صحيح. وَلَفْظُ مَاجُرَّ كَلْفظِ مَانُصِبْ. قلنا: أراد تقسيم الضمير المتصل بحسب مواقع الإعراب إلى ثلاثة أقسام نذكرها ثم نأتي للأبيات. ينقسم الضمير المتصل بحسب مواقع الإعراب إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما يختص بمحل الرفع، يعني: لا يأتي في محل نصب ولا في محل جر. هل يأتي في محل جزم؟ لا لأنه اسم والجزم ليس له مدخل في الاسم. ما يختص بمحل الرفع وهو خمسة ضمائر: التاء: كـ: قمت، وهذا مختص بالرفع، إذا رأيت التاء قمت تعرف أنها فاعل بالصيغة نفسها. الثاني الألف: كـ: قام. الثالث الواو: كـ: قاموا. الرابع النون: كـ: قمن. وهذه أشار إليها بقوله: وَأَلِفٌ وَالوَاوُ وَالنُّونُ ذكر ثلاثة وبقي عليه اثنان وهما: التاء وياء المخاطبة كـ: قومي، هذه خمسة، الثلاثة التي ذكرها الناظم: وَأَلِفٌ: ألف الاثنين: كـ: قاما. وَالوَاوُ: كـ: قوموا. وَالنُّونُ: كـ: قمن-نون النسوة-. بقي عليه اثنان: التاء كـ: قمت. وياء المخاطبة كـ: قومي. هذه خمسة مختصة بمحل الرفع. الثاني: ما هو مشترك بين محل النصب والجر، وهو الذي أشار إليه بقوله: وَلَفْظُ مَاجُرَّ كَلْفظِ مَانُصِبْ اشترك بينهما، يأتي في محل نصب تارة، ويأتي في محل جر تارة أخرى، وهو ثلاثة يعني: لا يأتي في محل رفع، ما هو مشترك بين محل النصب والجر فقط وهو ثلاثة: ياء المتكلم: ((رَبِّي أَكْرَمَنِ)) [الفجر:15]، رَبِّي: الياء هذه ياء متكلم، اسم أم حرف؟ اسم باتفاق إلا أحد الدكاترة يقول حرف، لا خلاف بين أهل النحو أنها اسم ضمير، وبعض الدكاترة يقول حرف. ((رَبِّي أَكْرَمَنِ))

((رَبِي)) رَب: مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، رب مضاف، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه، إذاً الياء هذه في محل جر مضاف إليه. ((رَبِّي أَكْرَمَنِ)) [الفجر:15]، أكرم: فعل ماضي مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، والنون للوقاية، والياء في محل نصب، أكرمني –أنا- وقع عليه الإكرام إذاً الياء جاءت في محل جر وجاءت في محل نصب ليس في وقت واحد وإنما في محلين، وكاف الخطاب، هذه تأتي في محل نصب أو في محل جر. ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)) [الضحى:3]، ((وَدَّعَكَ)) [الضحى:3]: ودّع فعل ماضي، والفاعل أنت، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ)) [الضحى:3]، رَبُّكَ: رب فاعل وهو مضاف والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. إذاً: الكاف جاءت في محل نصب وجاءت في محل جر. وهاء الغائب نحو: ((قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ)) [الكهف:37]، ((قَالَ لَهُ))، في محل جر، (له) على الأصل، الهاء ضمير مبني على الضم في محل جر واللام مفتوحة هنا -هي لام الجر- لكن تفتح إذا سبقت الهاء. ((صَاحِبُهُ))،في محل جر أيضاً، لكن الأول جر بحرف الجر، والثاني بالمضاف. ((وَهُوَ يُحَاوِرُهُ))، يحاورُ: فعل مضارع، والفاعل هو والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. إذاً ما هو مشترك بين محل النصب والجر ثلاثة: الياء ياء المتكلم، وكاف الخطاب، وهاء الغائب. الثالث والأخير: ما هو مشترك بين الثلاثة وهو نا خاصة، ولذلك قال: لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ ... كَاعْرِفْ بِنَا فَإنَّنَا نِلْنَا الْمِنَحْ ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا)) [آل عمران:193] ((رَبَّنَا)) ربَّ: منادى منصوب حذفت ياء النداء؟؟؟ وحذف ياء يجوز في النداء ((إِنَّنَا))، إنَّ: حرف توكيد ونصب، نا: اسمها في محل نصب. ((إِنَّنَا سَمِعْنَا)): سمع: فعل ماضي، ونا ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع، ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا))، ربنا: منادى منصوب حذفت ياء النداء. وحَذفُ يَا يجوزُ في النّدَاءِ ... كقولِهم ربِّ استجِبْ دُعائي وهذا كثير في القرآن، إذاً: قسَّم لنا الضمير المتصل بحسب مواقع الإعراب إلى ثلاثة أقسام، وأشار إلى الأول بقوله: وَلَفْظُ مَاجُرَّ كَلْفظِ مَانُصِبْ وَلَفْظُ مَاجُرَّ: من الضمائر المتصلة. كَلْفظِ مَانُصِبْ: -منها يعني- ولو مع اختلاف الحركة نحو: به وضربته، بهن هذا مجرور وضربته، هذا منصوب، اللفظ واحد؛ لأنه يتكلم عن اللفظ. وَلَفْظُ مَاجُرَّ: يعني لفظ الذي جر من الضمائر المتصلة كلفظ، طيب اللفظ واللفظ قد تختلف الحركة هل لها اعتبار أو لا؟ ليس لها اعتبار، المقصود أنه هاء وهاء، كاف وكاف مثلاً، وأما الحركة فليس لها اعتبار، ولذلك نقول:

وَلَفْظُ مَاجُرَّ: الإضافة هنا؛ للبيان يعني: بيانية، والمراد: الجر محلاً، والنصب محلاً، فلا يرد أن المضمرات واجبة البناء، والجر والنصب والرفع أنواع للإعراب، يعني: يتساهلون في مثل هذا الموضع فيقال: مرفوع، مراد به في محل رفع، منصوب مراد به في محل نصب،. ولذلك قال: وَلَفْظُ مَاجُرَّ، هو لا يجر في اللفظ وإنما يجر محلاً، حينئذٍ لا اعتراض على المصنف. وَلَفْظُ مَاجُرَّ من الضمائر المتصلة كَلْفظِ مَانُصِبْ منها ولو مع اختلاف الحركة نحو به وضربته، وذلك ثلاثة ألفاظ: ياء المتكلم، وكاف الخطاب، وهاء الغائب، كما ذكرناه سابقاً. فما يشترك فيه الجر والنصب كل ضمير نصب أو جر متصل، نحو أكرمتك، أو مررت بك. أكرمتك، أكرمت فعل وفعال، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. ومررت بك: مررت فعل وفاعل، بك، الباء حرف جر والكاف ضمير في محل جر. وإنه وله: الهاء في محل نصب، وله في محل جر، فالكاف في: أكرمتك في موضع نصب، وفي: بك في موضع جر، والهاء في إنه في: موضع نصب، وفي له فيك موضع جر، هذا النوع الأول. وَلَفْظُ مَاجُرَّ: وَلَفْظُ الذي جر، لفظ: هذا مبتدأ وهو مضاف وما مضاف إليه، وجر صلة موصول. كَلْفظِ مثل لفظ، (ما) الذي نصب، كائنٌ كلفظ يعني خبر للمبتدأ، هذا أحسن. لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ ... كَاعْرِفْ بِنَا فَإنَّنَا نِلْنَا الْمِنَحْ لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ وَجَرٍّ: جرٍ، ما قال: والجرِّ، هنا عطف النكرة على المعرفة، فدل على أنها جائزة، كما أنه قد يعطف المعرفة على النكرة، عطف نكرة على معرفة فدل على أنه جائز عنده -عند الناظم رحمه الله-؛ لأنه قال: لِلرَّفْعِ، هذا جار ومجرور متعلق بقوله: صلح، وَالنَّصبِ هذا معطوف على الرفع، وهو من عطف معرفة على معرفة. وَجَرٍّ: بالكسر بالتنوين وليس وجرنا لا، وَجَرٍّ نَا، جر ٍهذا معطوف على الرفع لا تقل على النصب لماذا؟ لأن العطف بالواو يكون على الأول، قاعدة: إذا عطفت بالواو أو أو يكون على الأول، جاء زيد وعمرو وخالد وبكر وحمزة، حمزة هذا معطوف على الأول زيد ولو ذكرت عشرة؛ لأن الواو لمطلق الجمع فحسب، وكذلك أو. لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ: نا الظاهر أنه مبتدأ قد قصد لفظه. صَلَحْ: صَلَحَ صَلُحَ: يجوز فيه الوجهان، بفتح اللام وضمها، والفتح أوفق هنا؛ من أجل القافية فحسب؛ لعدم اختلاف ما قبل الروي عليه صَلَحَ: نقول: الجملة من صلَح وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ. نَا صَلَحَ، نا صلُح، (نا) مبتدأ وصلَح أو صلُح خبره لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ: هذا كله تابع ومتعلق بصلح. إذاً: نا يأتي في محل رفع ويأتي في محل نصب ويأتي في محل جر، ولا يشاركه غيره البتة -خاص منفرد لوحده- نا لا يأتي منصوباً مجروراً مرفوعاً إلا نا في محل. كَاعْرِفْ بِنَا فَإنَّنَا نِلْنَا الْمِنَحْ كَاعْرِفْ بِنَا، كَاعْرِفْ يعني اعترف بقدرنا. بِنَا: الباء حرف جر، ونَا: هذا مثال للمجرور، يعني: الباء حرف جر، ونَا اسم مجرور بالباء مبني على السكون في محل جر. كَاعْرِفْ بِنَا: هذا للجر. فَإنَّنَا في محل نصب، والرفع نِلْنَا، بعضهم يدغم النون.

واحرِصْ عَلَى السُّكونِ في جَعلنَا، ((وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا)) [النبأ:10]، ((وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)) [النبأ:11]. نِلْنَا إذاً اللام هذه ساكنة أصلها نال. الْمِنَحْ: جمع منحة بالكسر وهي العطية. بِنَا فَإنَّنَا نِلْنَا: أولاً ذكر الرفع ثم النصب ثم الجر ثم عكس في المثال، مثّل للجر أولاً، ثم للذي قبله –للنصب-، ثم للذي بدأ به وهو الرفع، هذا يسمى لف ونشر غير مرتب –مشوش-. ومما يستعمل للرفع والنصب والجر: الياء، هكذا قال ابن عقيل لكنه مردود، مما يستعمل للرفع والنصب والجر، يعني: يشارك (نا) في كونه يقع في المحال الثلاث الياء، فمثال الرفع: اضربي، ومثال النصب نحو: أكرمني، ومثال الجر نحو: مر بي، لكن هذا سيأتي أنها لا تشبه نا. وذُكر كذلك (هم) أنها تأتي في المحال الثلاثة رفعاً ونصباً وجراً، وهو باطل، فمثال الرفع: هم قائمون، ومثال النصب: أكرمتهم، ومثال الجر: لهم. وإنما لم يذكر المصنف الياء، وهم؛ لأنهما لا يشبهان (نا) من كل وجه؛ لأن (نا) تكون للرفع والنصب والجر والمعنى واحد، ولذلك نقيد (نا) أنها تكون مشتركة بين المحال الثلاث مع اتحاد المعنى والاتصال لا يشاركها غيرها البتة، لا بد أن يتحد المعنى، المعنى واحد ثم هي ضمير متصل. (الياء وهم) لا يشبهان (نا) من كل وجه؛ لأن (نا) تكون للرفع والنصب والجر والمعنى واحد وهو ضمير متصل، -وهذا الذي معنا هذا الذي نريد: أن تكون ضميراً متصلاً ومع هذا أن لا يختلف المعنى، هذا لا يوجد إلا في (نا) - في الأحوال الثلاثة بخلاف الياء فإنها وإن استعمل للرفع والنصب والجر وكانت ضميراً متصلاً في الأحوال الثلاثة لم تكن بمعنى واحداً في الأحوال الثلاثة؛ لأنها في حالة الرفع، للمخاطبة، وفي حالتي النصب والجر للمتكلم نحو لي وإني، إذا فرق بينهما من جهة المعنى، وإن كانت ضميراً متصلاً في الأحوال الثلاثة؛ لأنها ياء لا تنفك لا يستقل بنفسه إلا أن المعنى مختلف، في حالة الرفع: نحو اضربي هي، ضمير متصل مثل: نا، لكن المعنى هنا يخالف لي وإني؛ لأننا لو أردنا مثالاً للياء: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا)) [آل عمران:193]، في الجميع هي متصلة، وفي الجميع هي بمعنىً واحد، اضربي لي إني نقول: لا هنا يختلف، اضربي هذا للمخاطبة، إني، لي هذا للمتكلم، كذلك هم؛ لأنها وإن كانت بمعنى واحد في الأحوال الثلاثة، فليست مثل نا؛ لأنها في حالة الرفع ضمير منفصل: {هم القوم لا يشقى بهم}، هم نقول: هذا ضمير منفصل، وفي حالتي النصب والجر ضمير متصل: مررت بهم، وضربتهم، وهذا غلامهم، هذا ضمير متصل. إذاً: فرق بين الياء وهم ونا، نا نقول مشترِكة بين الثلاث مع اتحاد المعنى والاتصال، وأما الياء فهي متصلة في الأحوال الثلاث إلا المعنى اختلف بين حالتي الرفع والنصب والجر، وهم كذلك في حالة الرفع ضمير منفصل، وفي حالتي النصب والجر هي ضمير متصل، ففرق بين نا وهذين النوعين. لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ وَجَرٍّ نَا صَلَحْ ... كَاعْرِفْ بِنَا فَإنَّنَا نِلْنَا الْمِنَحْ وَأَلِفٌ وَالوَاوُ وَالنُّونُ لِمَا ... غاَبَ وَغَيْرِهِ كَقَامَا واعْلَمَا هذا أراد به أن يبين ما اختص بالرفع فقلنا: هو خمسة: الألف: قُوْمَا.

والواو: قوموا. والنون: قمن. بقي اثنان: ياء المخاطبة: اضربي. وتاء الفاعل. خمسة احفظها! وَأَلِفٌ: أي مسمى ألف ليست الألف نفسها وإنما المراد مسمى الألف. وَأَلِفٌ كـ: قوما، -سيمثل له- والواو، أي: مسمى الواو، والنون، ضمائر رفع بارزة إذا اتصلت بالأفعال، هذه الثلاثة ضمائر رفع بارزة، ضمائر رفع؛ لأنها لا تقع إلا في محل رفع وهذا اختصاص بها، بارزة؛ لأنه يصدق عليها أن لها صورة في اللفظ وهذا واضح، إذا اتصلت بالأفعال، احترازاً مما إذا اتصلت بنحو: الضاربان والضاربون، حينئذٍ هي حرف والضمير مستتر، الضمير ليس بارزاً وإنما هو ما يقابله وهو مستتر. الزيدان الضاربان عمروً. أو جاء الضاربان عمروً، الضاربان نقول: هذا فيه ألف الاثنين لكنه حرف، لأنه اتصل باسم ولم يتصل بفعل على اللغة المشهورة خلاف لغة أكلوني البراغيث. كذلك جاء الضاربون زيداً. الضاربون نقول: الواو هنا حرف دالٌ على الجمعية وليس هو بضمير؛ لأن الضمير إنما يتصل بعامله وهو الفعل، قاموا نقول: الواو هنا ضمير، وأما الضاربون: الواو هذه علامة إعراب وليست بضمير، بل هي علامة إعراب. والفاعل في الضارب – ضاربان- والضاربون نقول: هذا مستتر وجوباً. لِمَا، وألف: وما عطف عليه مبتدأ، لِمَا هذه كائنة لِمَا خبر، متعلق بمحذوف، لِمَا يعني: للذي غاب وغيره، يعني: يستعمل في شأن من؟ للغائب والمتكلم والحاضر، أو فيه تفصيل؟ لِمَا غاَبَ، للغائب، الزيدان قاما، الزيدون قاموا، النسوة قمن، هذا كله غائب. وَغَيْرِهِ ما المراد بالغير هنا؟ أوردوا عليه أنه يشمل المخاطب والمتكلم لكنه أراد به المخاطب، إنما تكون للغائب والمخاطب. وهنا قال: الألف والواو والنون من ضمائر رفع المتصلة وتكون للغائب وللمخاطب، فمثال الغائب: الزيدان قاما، والزيدون قاموا، والهندات قمن. ومثال المخاطب: اعلما، واعلموا، واعلمن. ويدخل تحت قول المصنف: وَغَيْرِهِ، المخاطب والمتكلم وليس هذا بدليل، يعني: المتكلم بوارد معنا وإنما هو الغائب والمخاطب، ولا يقال بأنه يدخل ولم يدفع هذا الوهم بل دفعه بالمثال؛ لأنه باستقراء الألفية من أولها إلى آخرها المصنف رحمه الله تعالى يعطي الأحكام بالأمثلة. وحينئذٍ قوله: كَقَامَا هذا مثال؛ لدفع التوهم الذي يمكن أن يدخل تحت قوله غيره، كأنه قال: غاب ومخاطبٍ، لما غاب ومخاطبٍ، أما المتكلم فليس بوارد، وإن كان اللفظ من حيث هو لو لم يأتي بمثال لسلم الاعتراض عليه، سلم الاعتراض عليه، وقيل هذا يحتمل، حينئذٍ عمم والحكم خاص، والصواب: أنه مثل بمثال يدل على أن مراده بـ: غَيْرِهِ، المخاطب. ويدخل تحت قول المصنف: وَغَيْرِهِ، المخاطب والمتكلم، وليس هذا بجيد؛ لأن هذه الثلاثة لا تكون للمتكلم أصلاً بل إنما تكون للغائب أو المخاطب نقول: وقد دفع الناظم رحمه الله هذا التوهم بالمثال إذ قال: كَقَامَا واعْلَمَا، فمثّل للأول: بقاما وبين مراده بغيره نحو: واعلما. وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ مَايَسْتَتِرُ ... كافْعَلْ أُوَافِقْ نَغْتَبِطْ إِذْ تَشْكُرُ وهذا على المشهور بفتح الكاف. وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ مَايَسْتَتِرُ ... كَافْعَلْ أُوَافِقْ نَغْتَبِطْ إِذْ تَشْكُرُ

الضمير المنفصل، عرفنا أن الضمير البارز نوعان: متصل ومنفصل. الضمير المتصل نوعان: وهو بارز: وهو ما له وجود في اللفظ. قلنا: الضمير ينقسم إلى بارز ومستتر، والبارز ينقسم إلى متصل ومنفصل، والضمير المتصل نوعان، هذا شروع في النوع الثاني من نوعي الضمير وهو: المستتر، لكن قبل ذلك نقول: الضمير المتصل نوعان: بارز: وهو ما له وجود في اللفظ ولو بالقوة، بارز: وهو ما له وجود في اللفظ يعني: له صورة ينطق به ولو بالقوة؛ ليدخل الضمير المحذوف؛ لأن الضمائر إما أن يكون مذكوراً وإما أن يكون محذوفاً وإما أن يكون مستتراً، والقسمة ثنائية. المحذوف نجعله في البارز؛ لأنه في قوة الملفوظ؟؟؟، كما ذكرنا الصوت هناك، أدخلنا الضمائر المستترة، حينئذٍ نقول –هنا-: المحذوف في قوة الملفوظ، في قوة الذي له صورة وينطق به؛ لأنه إذا حذف حينئذٍ نقول: هل يمكن أن ينطق به أو لا؟ يمكن، وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ، زيداً ضربت ضربته الأصل نويت أنه ضربته فحذفتُ الضمير نقول: هذا محذوف؛ هل هو مستتر؟ لا ليس مستتراً لماذا؟ لأني لو أردت أن أنطق به لأمكنني ذلك حينئذٍ أقول: ضربته، رددته إلى أصله، إذاً البارز له وجود في اللفظ ولو بالقوة، فيدخل الضمير المحذوف فإن له وجوداً في اللفظ بالقوة؛ لإمكان النطق به بخلاف المستتر، الذي يريد المصنف الآن أن يبينه، مستتراً من الاستتار وهو الخفاء والاختفاء، اختفاء ولذلك قيل الضمير الأصل في إطلاقه أنه على المستتر هذا الأصل، وأما إطلاقه على البارز الذي له صورة هذا من باب التوسع فحسب وإلا الأصل ليس له، لما نقول: أنا، هذا الضمير، ضمير مأخوذ من الضمور أو من الخفاء هذا ليس بخفي: أنا، ونحن، وأنت، هذا ليس بخفي، إنما الخفي: قم هذا الذي اختفى حينئذٍ نسميه ضميراً مستتراً، بخلاف المستتر فإنه لا وجود له في اللفظ لا بالفعل ولا بالقوة؛ لعدم إمكان النطق به بل هو أمر عقلي. ومستتر: وهو ما ليس كذلك وهو نوعان: الضمير المتصل نوعان: بارز، ومستتر. والمستتر نوعان: مستتر وجوباً، ومستتر جوازاً. وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ مَايَسْتَتِرُ ... كَافْعَلْ أُوَافِقْ نَغْتَبِطْ إِذْ تَشْكُرُ وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ (مَا): الذي يستتر من ضمير الرفع أو من بعض ضمير الرفع ما يستتر، يجوز فيه الوجهان. مِنْ ضَمِيرِ: جار ومجرور، متعلق بمحذوف خبر مقدم. وَضَمِيرِ: مضاف، والرفع مضاف إليه. وَمَا: اسم موصول مبتدأ مؤخر مبني على السكون في محل رفع. مَايَسْتَتِر: فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازاً وتقديره يعود إلى ما والجملة لا محل لها صلة ما. وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ مَايَسْتَتِرُ. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ...

20

عناصر الدرس * مايجب إستتاره من الضمائر * الضمائر المنفصلة وحكمها * إذا أمكن الإتصال امتنع الإنفصال * مايجوزفيه الوصل والفصل-ترتيب الضمائر * نون الوقاية وأحكامها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى: وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ مَايَسْتَتِرُ ... كَافْعَلْ أُوَافِقْ نَغْتَبِطْ إِذْ تَشْكُرُ هذا هو النوع الثاني مما يقابل الضمير البارز؛ لأن الضمير المتصل نوعان: بارز، ويقابله المستتر، ومن البارز المحذوف، وليس من المستتر، والفرق بينهما أن المستتر لا يمكن النطق به، يتعذر النطق به، وأما المحذوف حينئذٍ نقول: يجوز أن ينطق به ويلفظ به؛ لأن الذي يعتبر مستتراً استتاراً واجباً هو العمد، لذا يقال: وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ مَايَسْتَتِرُ، ما يستتر من ضمير الرفع، قدم الجار والمجرور ليدل على أن الاستتار خاص بضمير الرفع، وأما النصب والخفض فليس فيه ضمير مستتر. وأما البارز فهذا كما ذكرنا يأتي في محل رفع، ويأتي في محل نصب، ويأتي في محل جر. الأصل فيما جاء في محل رفع أنه لا يجوز حذفه، هذا الأصل، إلا في مواضع يأتي في محلها إن شاء الله تعالى، وأما ضمير النصب والخفض فهذا إذا علم بعد الحذف حينئذٍ هو داخل في قول ابن مالك الآتي: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا، وكذلك قوله: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ، كله يأتي في محله. إذاً البارز ينقسم إلى قسمين: الأول المذكور والثاني المحذوف، والفرق بين المحذوف والمستتر من وجهين: الأول: أن المحذوف يمكن النطق به، وأما المستتر فلا يمكن النطق به أصلاً، وإنما يستعيرون له الضمير المنفصل حين يقال: مستتر جوازاً تقديره هو أو مستتر وجوباً تقديره أنا أو أنت؛ وذلك لقصد التقريب على المتعلم. وليس هذا هو نفس الضمير المستتر على التحقيق. والوجه الثاني: أن الاستتار يختص بالفاعل الذي هو عمدة في الكلام، وأما الحذف فكثيراً ما يقع في الفضلات كالمفعول وغيرها، ومن ضمير الرفع لا النصب ولا الجر؛ لأنه قدم ما حقه التأخير، (مَايَسْتَتِرُ) هذا مبتدأ، (وَمِنْ ضَمِيرِ) هذا خبر مقدم حينئذٍ قدم ما حقه التأخير، فأفاد القصر والحصر، وهو إثبات الحكم في المذكور نفيه عما عداها. إذاً وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ، لا النصب، ولا الجر ما يستتر، هل مراده (ما يستتر) وجوباً، أو يشمل الجائز؟ على حسب الأمثلة، على حسب التي مثل بها. كافْعَلْ أوَافِقْ نَغْتَبِطْ: هذه كلها أمثلة للواجب، وأما تَشْكُرُ: إذا قلنا بفتح التاء حينئذٍ صار واجباً، فاختص قوله: ما يستتر وجوباً، وأكثر الشراح على هذا، أن تَشكرُ بفتح في التاء، وحينئذٍ صار محله بيان المستتر وجوباً، وهو في أربعة المواضع وسنزيد عليها، وأما إذا تُشكرُ هي، إذا ضبطت بضم التاء إذ تُشكرُ هند هي، حينئذٍ صار ماذا؟ صار هذا مثالاً للضمير المستتر جوازاً، وحينئذٍ نعمم قوله: ما يستتر أنه المراد به الواجب ومراد به الجائز، ولكن أكثر الشراح على ما ذكرناه.

المستتر وجوباً: هو الذي لا يحل محله الظاهر، بألا يرتفع بعامله، وقوله: وَمِنْ ضَمِيرِ اْلرَّفْعِ: خص ضمير الرفع بالاستتار؛ لأنه عمدة، الأعراب بالرفع هو إعراب العمد، المراد بالعمد هنا الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ والخبر، هذا الأصل فيه، وهنا المراد به الفاعل أو نائبه؛ لأنه عمدة يجب ذكره فإن وجد في اللفظ فذاك، وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ وَإلاّ –يظهر- فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ، يعني: قدره وانوِ {إنما الأعمال بالنيات} فتنوي ثم ضميراً مستتراً، ولا تنطق به ولا وجود له في اللفظ، ولكنك تنويه. وإن وجد في اللفظ فذاك وإلا فهو موجود في النية والتقدير، بخلاف ضميري النصب والجر فإنهما فضلة، فلا داعي إلى تقدير وجودهما، إذا عدما من اللفظ إلا غالبه، يعني سيأتي أنه لا بد من ذكر ضمير، وهذا فيما إذا كانت جملة الصلة جملة حينئذٍ لا بد من ضمير عائد على الموصول، وكذلك جملة الخبر إلى آخره إلا ما استثني، الأصل في ضمير الجر والنصب أنه فضلة، ويجوز حذفه هذا الأصل، وما جاء في بعض المواضع أنه لا بد من ذكره، حينئذٍ يقال: هذا يستثنى من القاعدة. وَمِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ مَايَسْتَتِرُ كافْعَلْ: هذا الموضع الأول الذي يستتر فيه الضمير وجوباً وهو فاعل، (افعل) فعل الأمر (اضرب، قم) هذا فعل أمر وفاعله دائماً لا يكون إلا مستتراً وجوباً وهو الذي لا يحل محله الظاهر بألا يرتفع بعامله، فعل الأمر كافْعَلْ، أوَافِقْ، هذا فعل مضارع مبدوء بهمزة متكلم (أوافق، أضرب .. ) إلى آخره. الفعل المضارع المبدوء بالهمزة نحو: أوَافِقْ نَغْتَبِطْ: الفعل المضارع المبدوء بالنون، تشكرُ: الفعل المضارع المبدوء بالتاء. هذه أربعة مواضع يكون فيها الفاعل ضميراً مستتراً واجب الاستتار، وهذه محلها ليست أمور اجتهادية أو أمور قياسية لا، وإنما هو سماع فقط، كل الباب من أوله إلى آخره، ولذلك الكلام فيه قليل، كل الباب من أوله إلى آخره النكرة والمعرفة ليس من باب الاجتهاد، لماذا؟ لأن التعامل هنا ليس مع تراكيب مبتدأ وخبر إلى آخره .. لا، إنما هو مع مفردات. فالوضع فيه يكون وضعاً شخصياً، جعل اللفظ دليلاً على المعنى، هذا هو الوضع الشخصي، سواء كان اللفظ اسماً مبنياً كالضمائر أو غيرها فالحكم عام، فحينئذٍ نتعامل مع الوضعيات، وليس ثم أمور عقلية حتى نحتاج إلى أن نستنبط أو نفعل مثل ما قد يكون في بقية الأبواب، وإذا كان كذلك حينئذٍ يكون الاستعمال على وفق الوضع، إطلاق اللفظ وإرادة المعنى، هذا الذي ينبغي أن يكون. كافْعَلْ أوَافِقْ نَغْتَبِطْ إذْ تَشْكُرُ، وزاد في التسهيل على هذه الأربعة اسم فعل الأمر كنزال .. اسم فعل الأمر (صه)، نقول: هذا اسم فعل أمر، واسم فعل الأمر يرفع فاعلاً، كما هو الشأن في (هيهات العقيق)، هيهات العقيق هذا اسم فعل ماضي، واسم فعل الأمر يرفع فاعلاً وهذا الفاعل ضمير مستتر واجب الاستتار. نزال يعني: أنت، (صه) يعني: أنت، (مه) يعني أنت .. وحينئذٍ صار الفاعل ضميراً مستتراً وجوباً.

وزاد في التسهيل اسم فعل الأمر كنزال، وأبو حيان زاد في الارتشاف اسم فعل المضارع كأُوَّه، وابن هشام في التوضيح فعل الاستثناء كقاموا ما خلى زيداً .. قاموا في الارتشاف زاد ماذا؟ اسم فعل المضارع (أوه). وابن مالك في التسهيل زاد اسم فعل الأمر، اسم فعل الأمر، الضمير فيه مستتر وجوباً، اسم فعل المضارع الضمير مستتر فيه وجوباً. أفعال الاستثناء الآتي ذكرها: قاموا ما عدا زيداً، عدا فعل ماضي، وهو يتعين أن يكون فعلاً لماذا؟ لتقدم المصدرية عليه، زيداً هذا مفعول به، أين الفاعل؟ ضمير مستتر وجوباً يعود على البعض المفهوم مما سبق. إذاً عدا، وخلا، وحاشا .. الاستثنائيات إذا كانت أفعالاً صار الفاعل فيها ضميراً مستتراً وجوباً. وزاد في التوضيح فعل الاستثناء كقاموا ما خلا زيداً وما عدا عمرواً ولا يكون خالداً، وأفعل في التعجب كـ: (ما أحسن زيداً) ما أحسن زيداً .. (ما) تعجيبة، مبتدأ، وأحسن نقول: هذا فعل ماضي، أين فاعله؟ ضمير مستتر وجوباً يعود على ما. إذاً هذا موضع من المواضع التي تزاد في هذا المحل، وأفعل التفضيل ((هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً)) أحسن هم، فعل التفضيل سيأتي في محله أنه يرفع ضميراً مستتراً، وما عدا هذه المذكورات وهو الماضي والظرف والصفات يستتر فيها الفاعل جوازاً، ما عدا هذه المذكورات إذا عددنا التي يستتر فيها الفاعل وجوباً عرفنا بعد ذلك ما يستتر فيه جوازاً. قال الشارح: ينقسم الضمير إلى مستتر وبارز، ينقسم -هو الضمير المتصل- لا مطلق الضمير، والمستتر إلى واجب الاستتار وجائزه، والمراد بواجب الاستتار ما لا يحل محله الظاهر. والمراد بجائز الاستتار ما يحل محله الظاهر، وذكر المصنف في هذا البيت من المواضع التي يجب فيها الاستتار أربعة: فعل الأمر للواحد المخاطب كافعل، والفعل المضارع الذي في أوله همزة كأوافق، الفعل المضارع الذي في أوله النون نغتبط أي: نحن، الفعل المضارع الذي في أوله التاء لخطاب الواحد (تشكر)، وفسرها بفتح التاء أي: أنت. هذا ما ذكره المصنف من المواضع التي يجب فيها استتار الضمير. ومثال جائز الاستتار -هذا تبرع من الشارح-: زيد يقوم أي: هو، يقوم زيد، زيد يقوم .. قم. هذا دائماً لا يمكن أن يحل محله الظاهر، لكن يقوم هذا يحتمل أنه قد يرفع ظاهراً يلفظ به، وقد يرفع ضميراً مستتراً، زيد يقوم أي: هو، يقوم زيد: رفع ظاهراً حل محله الظاهر، أما زيد يقوم في هذا التركيب نقول: هنا جائز الاستتار؛ لأنك لو قدمت وأخرت حل محل الضمير المستتر اسم ظاهر، وهذا الضمير جائز الاستتار؛ لأنه يحل محله الظاهر، فتقول: زيد يقوم أبوه، جاء بـ: (أبو)، وكذلك كل فعل أسند إلى غائب أو غائبة نحو هند تقوم (هي) تقوم هندٌ، وما كان بمعناه نحو: زيد قائم أي: هو، زيد قائم أبوه، زيد قائم هو، إذاً رفع ضميراً مستتراً ورفع اسماً ظاهراً. حينئذٍ برفعه الاسم الظاهر علمنا أنه في وقت استتاره أن استتاره جائز لا واجب؛ لأن ما كان مستتراً استتاراً واجباً هذا لا يمكن أن يرفع فاعلاً ظاهراً البتة. وَذُو ارْتِفَاعٍ وَانْفِصَالٍ أَنَا هُوْ ... وَأَنْتَ وَالفُرُوعُ لاَ تَشْتَبِهُ

هذا شروع في النوع الثاني من قسمي الضمير وهو المنفصل، انتهينا من المتصل، الآن سيذكر لنا المنفصل، وهو الذي يستقل بنفسه، وهذا ينقسم بحسب مواقع الإعراب إلى قسمين –الضمير المنفصل-: أولاً: ما يختص بمحل الرفع. وهو: (أنا وأنت وهو)، والذي أشار إليه وفروعها، وهو ما أشار إليه بقوله: وذو ارتفاع. الثاني: ما يختص بمحل النصب وهو (إيا)، وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلا ... إيّايَ، بيتان: البيت الأول للذي يختص بمحل الرفع وهو اثنا عشر ضميراً وما يختص بمحل النصب وهو (إيا) فقط، وله فروع. إذاً هل يأتي في محل جر؟ الجواب: لا. لا يكون الضمير المنفصل في محل جر البتة، إلا كقول بعضهم: أنا كأنت، هكذا قيل، وقع مجروراً وذلك لكراهة التكرار، وإلا لقال: أنا كَكَ، أنا مثلُكَ .. أنا كَكَ، بدلاً من هذا تقول: أنا كأنت؛ لئلا يفضي إلى التكرار فتأتي بضمير منفصل، والأصل أنه لا يكون في محل جر إلا في مثل هذا الكلام، لكنها ركيكة هذه ليست بالفصيح، فهنا وقع ضمير رفع في محل جر، على سبيل النيابة، وكذلك: أنت كأنا. وَذُو ارْتِفَاعٍ وَانْفِصَالٍ أَنَا هُوْ وَأَنْتَ، وَذُو ارْتِفَاعٍ: أي ضمير مرتفع، أي محلاً لأن الرفع إنما يكون للمحل في الضمائر لا في اللفظ. وَذُو ارْتِفَاعٍ، أي محلاً: مرفوع محلاً وهو منفصل، وَانْفِصَالٍ، يعني: في حال انفصال، هذا فيه احتراز عما سبق ذكره، وإن كان لا يحتاج إلى الاحتراز؛ لأنه ذكر أولاً المتصل ثم لما أنهاه شرع في النوع الثاني؛ لأن ثم أمرين: أولاً: المتصل، وهو الذي لا يستقل بنفسه، ثم المنفصل وهو الذي يستقل بنفسه. وَذُو ارْتِفَاعٍ وانْفِصَالٍ: هذا معطوف على ارتفاع، (أنا) للمتكلم، (هو) هذا للغائب، و (أنت) هذا للمخاطب، هذه كم؟ ثلاثة. قال: وَالفُرُوعُ -على هذه الثلاث- لا تَشْتَبِهُ، لا تلتبس عليك يا طالب العلم؛ لأن (أنا) للمتكلم فرعه واحد، وهو (نحن)، و (هو) هذا للغائب المفرد المذكر فرعه (هي، وهما، وهم، وهن) أربعة، أربعة واثنان، ستة. و (أنتَ) للمخاطب وفرعها (أنتِ، وأنتما، وأنتم، وأنتن) اثنا عشر ضميراً، لا تَشْتَبِهُ عليك لأنها سهلة. وذكر ذلك بأن اختلاف أنواع الفروع مظنة اشتباه بعضها ببعض، إذا قيل: فروع، وقاعدة، وأصل .. قد يلتبس بعضها ببعض، لكنه نفى هذا، وقال: لا تَشْتَبِهُ؛ لأنها في الأصل هي سماعية منقولة، هذا الأصل فيها محفوظة، يعني يحيلك الموقف على ما لم يذكره هنا من الفروع. وَذُو ارْتِفَاعٍ وانْفِصَالٍ: إذاً أنا للمتكلم، هو للغائب، وأنتَ للمخاطب. أما قوله: أنا، فمذهب البصريين أن ألف أنا زائدة، وأن الضمير أن فقط، ونا الألف هذه (أنا) مؤلف من كم حرف؟ الهمزة والنون والألف، عند البصريين أن الضمير (أنا) ليس كله مركباً، وإنما أصله أن، والألف هذه زائدة، والاسم هو الهمزة والنون، ومذهب الكوفيين أن الاسم مجموع الأحرف الثلاثة هذا هو الظاهر؛ لأننا قلنا هذه ألفاظ مسموعة محفوظة، والأصل أنه لا يدخلها اجتهاد.

(أنا) مر معنا أن الضمير قد يقع وقد يوجد ويوضع على حرف، وقد يوضع على حرفين، وقد يوضع على ثلاثة أحرف .. إذاً مذهب الكوفيين أن الاسم المجموع على الأحرف الثلاثة، وأما هو فمذهب البصريين أنه بجملته ضمير، الهاء والواو هو كله ضمير، وكذلك هي. ومذهب الكوفيين الهاء من (هو، وهي) الضمير، الهاء فقط، وأما الواو والياء هذا إشباع. هو، هي قالوا: الياء هذه إشباع للكسرة. وأما هما وهم وهن فمذهب البصريين أن الميم والألف في هما والميم في هم والنون في هن حروف زائدة، والضمير الهاء فقط، حينئذٍ لا يلتفت إلى كون الكلمة كلها هي الضمير، هما الضمير هو الهاء، والميم هذه حرف عماد، والألف هذه دالة على التثنية؛ لأنهم قالوا: الأصل (إنه) هذا الأصل فيه، ضمير متصل، ثم لما انفصل أشبع واواً وصار هو. حينئذٍ الواو هذه ليست أصلية عندهم، فإذا ألحق به ما يدل على التثنية أو يدل على الجمع حينئذٍ جعلوه حروفاً زوائد ورجعوا إلى الأصل، ولو قال: كلها كما هي تسمع وهي ضمائر وتبنى على آخرها لكان أريح. ومذهب البصريين أن: (أنت، أن) هي الضمير (أنت) والتاء هذا حرف خطاب، نقول: (أن) هي الضمير عند البصريين، والتاء للخطاب، وأنتما (أن) ضمير منفصل، والتاء للخطاب، والميم والألف للتثنية. ومذهب الكوفيين أن الجميع ضمير أنت كلها ضمير، وهذا أحسن. ومذهب ابن كيسان أن الضمير التاء فقط، وكثرت بـ (أن) أنت التاء هي الضمير، و (أن) هذا من باب التكثير -زيادة توصية-، أنت التاء هذه هي ضمير، وأن هذه زيادة. على كل هذه اجتهادات ونظر، والأصل أنه ما سمع يبقى كما هو. وَذُو ارْتِفَاعٍ وَانْفِصَالٍ أَنَا هُوْ ... وَأَنْتَ وَالفُرُوعُ لاَ تَشْتَبِهُ إذاً البارز ينقسم إلى متصل ومنفصل، فالمتصل يكون مرفوعاً ومنصوباً ومجروراً وسبق الكلام على ذلك. والمنفصل: يكون مرفوعاً ومنصوباً ولا يكون مجروراً. وذكر المصنف في هذا البيت المرفوع المنفصل وهو: اثنا عشر (أنا) وهذا له فرع واحد، وهو للمتكلم وحده، و (نحن) للمتكلم المشارك أو المعظم نفسه، نحن كتبنا مثلاً يكون معنا واحد؟ يكون فاعلون، وأما إذا كان معظم نفسه نحن فعلنا كذا وكذا، حينئذٍ يحتمل هذا ويحتمل ذاك، هل هو مجاز في الثاني أو لا؟ محل خلاف. (وَأَنْتَ) وهذا له أربعة فروع: أنتَ للمخاطب، وأنتِ للمخاطبة، وأنتما للمخاطبين أو المخاطبتين، وأنتم للمخاطبين، وأنتن للمخاطبات. و (هو) للغائب وله أربعة فروع: "هي" للغائبة و "هما" للغائبَين أو الغائبتين، و"هم" للغائبين و"هن"للغائبات. ثم قال: وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلا ... إِيّايَ وَالتَّفْرِيعُ لَيْسَ مُشْكِلاَ هذه كلها عبارات ليس فيها كلام كثير. وَذُو انْتِصَابٍ: إنما المراد بها التعداد، سيأتينا أبيات كثيرة على هذا المنوال سنمشي فيها إن شاء الله. وَذُو انْتِصَابٍ يعني: ضمير منتصب، فِي انْفِصَالٍ، هناك قال: وَذُو ارْتِفَاعٍ وانْفِصَالٍ، وهنا قال: فِي انْفِصَالٍ، ما المراد؟ من باب التفنن فحسب. وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ: أي: في حال انفصال. قال هنا: في انفصال، وفيما سبق: وانفصال من باب التفنن كما قال الصبان.

جُعِلا إيّايَ: جُعِلا الذي هو المنتصب، المنفصل إيّايَ، والتَّفْرِيعُ لَيْسَ مُشْكِلاَ: ليس ملتبس كما هو الشأن في ذي ارتفاع. لكن هنا ذكر إياي فحسب، هناك قال: أنت، هو، (نحن، أنا، وهو، وأنت)، مثل للثلاثة الغائب، والمتكلم، والخطاب. هنا قال: إياي ولم يقل: إياك وإياه، لم يقل: إياي وإياك وإياه؛ لأن اللفظ واحد، اللفظ متحد، وهذه إما ضمائر على خلاف، وإما أنها لواحق حروف. إيّايَ: (إيا) هي الضمير، وما بعده لواحق، يعني زوائد حروف، فالياء والكاف والهاء حروف (إياه، وإياك، وإياي) الياء حرف، وإياك، الكاف حرف، وإياه، الهاء حرف، وهذا مذهب سيبويه، واعترض بأن حد الضمير ما دل على متكلم أو مخاطب أو غائب، وإيا وحدها لا تفيد، ما هو حد الضمير؟ فَمَا لِذِي غَيْبَةٍ اوْ حُضُورِ ... كَأَنْتَ وَهْوَ سَمِّ بِالضَّمِيرِ فهل ينطبق على إيا؟ لا ينطبق؛ لأن إيا وحدها لا تدل لا على غائب ولا على حاضر ولا على متكلم، فكيف نقول: هي ضمير؟ لا يصدق عليها الحد، وإيا وحدها لا تفيد ذلك، وأجاب بأن إيا مشتركة بين الثلاث التي هي المتكلم والمخاطب والغائب وضعاً، واللواحق تميز بين ذلك. إذاً ما جيء بهذه الحروف إياه وإياك وإياي إلا من باب التمييز، فهو حرف زائد قصد به تمييز إيا، ما المراد به؟ يحتمل، فهو لفظ مشترك. المذهب الثاني: أن اللواحق هي الضمائر، وإيا حرف عماد، يعني العكس، إياه الهاء هو الضمير، إياي الياء هو الضمير، إياك الكاف هو الضمير، وإيا حرف عماد، يعني يتكئ عليه. وهذا مذهب جماعة من البصريين والكوفيين واختاره أبو حيان. ثالثها: أن إيا وما بعدها ضمير أيضاً كلاهما، إيا ضمير، والياء ضمير، إيا ضمير والكاف كذلك والهاء، وقد أضيف أولها إلى ثانيهما، وهذا مذهب الخليل واختاره ابن مالك، لكنه ضعيف جداً؛ لأن الإضافة من خواص الأسماء؛ إذ لو قيل بالإضافة حينئذٍ عارض الشبه الذي قررناه أولاً ما هو من خصائص الاسم، حينئذٍ الأصل ألا يقال بأنها مبنية، كيف يقال: إنها مضافة وملازمة للإضافة، ثم بعد ذلك تبقى مبنية؟ إن قالوا: وجه الشبه موجود، نقول: عارضه ما هو من خصائص الأسماء، كما هو الشأن في اللذان واللتان قلنا: هذه الأصل أنها مبنية لوجود وجه الشبه -الافتقار أو نحو ذلك-، حينئذٍ لما جاءت على صورة المثنى أو مثنىً حقيقةً حينئذٍ عارض ذلك الشبه ما هو من خواص الأسماء فرجعت إلى الأصل وهو الإعراب، إيا، والكاف إذا قلنا ضمائر أضيف الأول إلى الثاني إذاً صارت مضافة، مثل أي الشرطية، وأي الاستفهامية .. هذه خرجت عن كونها مبنية، أسماء الشرط كلها مبنية إلا إيا، ((أَيّاً مَا تَدْعُو)) نقول: هذه معربة، لماذا؟ لأنها ملازمة للإضافة والإضافة من خواص الأسماء فقد عارض وجه الشبه ما هو من خصائص الأسماء فهذا ضعيف وهو الذي اختاره ابن مالك رحمه الله تعالى والخليل. ورابعها: أن إي اسم ظاهر مضاف لما بعده، وما بعده هو الضمير وهذا مذهب الزجاج، نفس الأول لكن الضمير هو الثاني، ومذهب سيبويه هو المرجح أن إيا لوحدها ضمير، وبقيت الحروف هذه أو الوصلات تعتبر أحرف ليست بضمائر.

وَذُو انْتِصَابٍ فِي انْفِصَالٍ جُعِلَا ... إيّايَ والتَّفْرِيعُ، على هذا الأصل الذي ذكر وهو إيا ليس مشكلاً عليك يا طالب العلم؛ لأن المسألة سماعية –نقل-، فحينئذٍ ترجع إلى كتب أهل العلم فتنظر فيها فإذا بها اثنا عشر (إيايَ) للمتكلم وحده، و (إيانا) للمتكلم المشارِك أو المعظَِم نفسه، و (إياك) للمخاطب، و (إياكِ) للمخاطبة، و (إياكما) للمخاطبين أو المخاطبتين، و (إياكم) للمخاطبين، و (إياكن) للمخاطبات، و (إياه) للغائب، و (إياها) للغائبة و (إياهما) للغائبين أو الغائبتين و (إياهم) للغائبين و (إياهن) للغائبات. إذاً تلخص من هذا أن الضمير بنوعيه المتصل والمنفصل: خمسة أنواع: مرفوع متصل، مرفوع منفصل، منصوب متصل، منصوب منفصل، ومجرور ولا يكون إلا متصلاً، هذه كم؟ خمسة أنواع. مرفوع متصل: قمتُ، مرفوع منفصل: (أنا)، منصوب متصل، منصوب منفصل. إذاً كل من المتصل والمنفصل يكون مرفوعاً ومنصوباً، هذه أربعة، مرفوع متصل، مرفوع منفصل، منصوب متصل، منصوب منفصل، بقي ماذا؟ ما انفرد به المتصل وهو في محل جر. وأما مجرورٌ منفصل هذا لا وجود له، إلا (أنا كأنت)، وهذا كلام ركيك. إذاً ما ذكرناه هو العمدة. وَفِي اخْتِيَارٍ لاَ يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ المُتَّصِلْ هذه قاعدة في باب الضمائر، بعدما عرفنا أن الضمير متصل وأن منه منفصل، حينئذٍ إذا جاء تركيب وأمكن أن نأتي بالمنفصل لا يجوز لك أن تعدل عنه إلى المنفصل، إذا أمكنك أن تأتي بمنفصل ومتصل حينئذٍ لا يجوز لك لغة أن تأتي بالمنفصل وتعدل عن المتصل. وَفِي اخْتِيَارٍ: يعني: لا في حال الضرورة وإنما هو في سعة الكلام وفصاحة الكلام. لَا يَجِيءُ -الضمير- المنُْْفَْصِلْ: المنفصل ما إعرابه؟ التقدير قد يكون تقدير إعراب وقد يكون تقدير معنى، فنقول: لا يجيء الضمير المنفصل، هذا تقدير معنى، والمنفصل من حيث اللفظ فاعل مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الروي، هذا الذي أردته، فاعل مرفوع، أليس كذلك؟ فحينئذٍ إذا كان الفاعل مرفوع ولو ما نطقت به، في حال الوقف كل الحركات تقدر، ومن الغلط تقول: جاء زيد، اعرب زيد؟ زيد فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره! هذا مثل المسجل، غلط هذا، وإنما تقول: جاء زيد، زيد فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة، إعرابه تقديري ليس بظاهر؛ لأن الحركة إنما تكون في حالة الوصل، وأما في حالة الوقف فالعرب لا تقف إلا على ساكن، فإذا وقفت على كلمة لا تعربها أبداً إعراباً ظاهراً، وإنما تعربها إعراباً مقدراً –انتبه-، جاء زيد، زيد فاعل مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة؟ لا. غلط، أين الضمة الظاهرة؟ وإنما هي ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف؛ لأن العرب لا تقف إلى على ساكن. كذلك رأيت زيد على لغة ربيعة نفس الكلام، مررت بزيد. نقول: هذا زيد كذلك مجرور وجره كسرة مقدرة على آخره .. هنا المنفصل وقف عليه بالسكون، حينئذٍ نقول: الضمة مقدرة، لكن ليس سكون الوقف وإنما هو سكون الروي.

إذاً: فِي اخْتِيَارٍ في سعة الكلام لا يجيء الضمير المنفصل متى؟ إذا تأتى –أمكن- أن يجيء الضمير المتصل، كذلك سكون وقف، إذا تأتى أن يجيء ويثبت الضمير المتصل. كل موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، لماذا؟ لما فيه من الاختصار المطلوب الموضوع لأجله الضمير، لأن القاعدة الكبرى التي تعم اللغة كلها من أولها إلى آخرها، نحوها، وصرفها، وبيانها .. قاعدة الاختصار، وما وضعت الضمائر إلا من أجل الاختصار، وما جيء بالمثنى إلا من أجل الاختصار، ولا جمع المذكر السالم إلا من أجل الاختصار، ولا ما جمع بألف وتاء إلا من أجل الاختصار والضمير منه، الضمير داخل في هذه القاعدة. لما فيه يعني الإتيان بالمتصل وترك المنفصل، نقول: هذا طرداً للقاعدة التي وضع الضمير من أجلها وهو الاختصار، فمثلاً تقول: أكرمتك، أكرمت إياك، أيهما أخصر؟ أكرمتك، خفيفة كاف حرف، أما إياك تشديد وكاف وهمزة ثقيلة، أكرمت إياك، هذا لا يجوز لغة، لماذا؟ لأنه أمكن أن تأتي بالضمير المتصل، وما دام أنه أمكن أن تأتي بالضمير المتصل أكرمتك حينئذٍ لا تعدل عنه إلى الضمير المنفصل إلا لضرورة أو معنى لا يقوم إلا بذلك، فإن لم يتأتى لك ذلك، بأن تأخر عنه عامله، أو حذف، أو كان معنوياً، أو حصر، أو أسند إليه صفة جرت على غير من هي له، فصل، يعني ثم ما يكون معنىً بلاغياً، أو خلافاً لقاعدة نحوية، فحينئذٍ يؤتى بالضمير المنفصل مع إمكان الإتيان بالضمير المتصل ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) نعبدك، ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ))، نعبدُك، أمكن أو لا؟ نعم أمكن، في اللفظ أمكن، اترك المعنى، (إياك والكاف) نعبدك، نعبد إياك، فحينئذٍ أمكن الإتيان بالضمير المتصل ومع ذلك عُدِل عنه إلى الضمير المنفصل، لكن هنا لحكمة وغاية ومعنىً بلاغي وهو إفادة الحصر. إذاً: عارض هذه القاعدة ما يجعل هذا المثال يستثنى من القاعدة ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) لما أريد الحصر والقصر على نفي العبادة عن غير الله عز وجل، وحصرها في وجودها بأن يكون المعبود الحق مفرد بالعبادة هو الله عز وجل، حينئذٍ قدم ماحقه التأخير فانفصل الضمير، ((أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ))، أريد به الحصر والقصر، ألا تعبدوه -هذا الأصل- إياهُ، ضمير، ((أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ))، لما أريد الحصر والقصر حينئذٍ انفصل الضمير. إذاً القاعدة الأصلية التي يرجع إليها عند عدم وجود معنى يخالفها أن يقال بأنه: متى ما أمكن الإتيان بالضمير المتصل لا يعدل عنه إلى الضمير المنفصل؛ لما فيه من الاختصار المطلوب الموضوع لأجله الضمير. فالغرض من وضع المضمرات هو الاختصار، والمتصل أخصر من المنفصل، المتصل: الكاف، والياء المنفصل، فلا عدول عنه إلا حيث لم يتأتَ الاتصال لضرورة نضم أو لغرض بياني. وذكروا مواضع كثيرة مما يجوز الإتيان بالضمير المتصل بل قد يتعين انفصال الضمير ولا يمكن المجيء به متصلاً في مواضع كثيرة، ذكر هنا محيي الدين عشرة منها:

أن يكون الضمير محصوراً، ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ)) هنا لا يمكن، لو قيل: (ألا تعبدوه) هذا صح، لكن من جهة اللفظ، لكن هل وافق المعنى المراد من الآية؟ الجواب: لا. والبحث هنا لفظي فحسب، لا ينظر إلى المعنى، لكن إذا أردنا المعنى الذي أراده الله عز وجل وهو نفي العبادة عن غيره وإثباتها له وحده لا شريك له، فحينئذٍ صح أن يقال بأنه: لا يتأتى هنا أن يأتي بالمتصل مع كونه يمكنه من جهة اللفظ فحسب ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ)) والمثال واضح، ومثله ما ذكره الشارح: إياك أكرمت يعني: لم أكرم غيرك، ففيه إثبات الحكم بالمذكور ونفيه عما عداه. وقد جاء الضمير في الشعر منفصلاً مع إمكان الإتيان به متصلاً ولذلك قال: (وَفِي اخْتِيَارٍ) يعني: في سعة الكلام في النثر، وأما في الشعر فالشعر له أحكامه وضروراته. بِالْبَاعِثِ الْوَارِثِ الأَمْوَاتِ قَدْ ضَمِنَتْ ... إيَّاهُمُ الأرضُ فِي دهر الدَّهَارِير ضمنتهم، ضمنت إياهم، عَدَل عن الضمير المتصل وهو ضمنتهم إلى ضمنت إياهم، نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن القاعدة متى ما أمكن الإتيان بالضمير المتصل فلا عدول عنه إلى المنفصل البتة إلا إذا كان ثم أمر معنوي أو بلاغي، فحينئذٍ ينظر فيه في باب البلاغة. وَصِلْ أَوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا ... أَشْبَهَهُ فِي كُنْتُهُ الخُلْفُ انْتَمَى كَذَاكَ خِلْتَنيهِ وَاتِّصَالاَ ... أَخْتَارُ غَيْرِي اخْتَارَ الاِنْفِصَالاَ هذا استثناء، القاعدة أنه متى ما أمكن الإتيان بالمتصل لا يعدل عنه إلى المنفصل، استثنى مسألتين فيهما خلاف: اختار المصنف فيهما الاتصال، خلافاً لسيبويه - غَيْرِي - أي: سيبويه اختار الانفصال. وَصِلْ أوِ افْصِلْ: في الأول قال: لا يأتي منع منعاً باتاً (لا يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ) أبداً لا يجيء، هذا نفي بمعنى النهي، وهنا استثنى (وَصِلْ أوِ) هذا للتخيير، لأنه قال: والخُلْفُ، بمعنى ماذا؟ بمعنى الاختلاف في الراجح من الوجهين، فدل على أن المسألة فيها نزاع وفيها خلاف كبير (وَصِلْ) على الأصل (أوِ افْصِلْ) للطول، أيهما الأصل الوصل أم الفصل؟ الوصل، لذا قلنا القاعدة المطردة هي الوصل. وَفِي اخْتِيَارٍ لاَ يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ المُتَّصِلْ إذاً إذا قال: صل، نقول: هذا على الأصل، وقدمه على الفصل لأنه أرجح عنده، وابن مالك إذا قدم الشيء في الغالب المطرد عنده أنه يرجحه، ولذلك (أَلْ) حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو الَّلامُ فَقَطْ، دل على أنه رجح الأول؛ لأنه قدمه (أَلْ) حَرْفُ تَعْرِيفٍ، ذكر قولين، ومع ذلك هنا قدم الوصل وقال: واتِّصَالِ أَخْتَار أيد هذا، يعني أتى به من جهة المفهوم لأنه قدمه، ثم نص بالمنطوق على أنه اختار الوصل. (وَصِلْ) على الأصل (أوِ افْصِلْ) وهذا للطول. هَاءَ سَلْنِيهِ وَمَا أشْبَهَهُ: سلني إياه، سلنيه، عندنا ضميران: الياء، والهاء. إذاً: كل منهما ضمير، والمسألة مفروضة في ماذا؟ في فعل يتعدى إلى مفعولين؛ لأننا نقول: صل أو افصل، ضمير الأول يحتمل الوصل والفصل والثاني كذلك، إذاً هما ضميران يتعين في هذا أن تكون المسألة مفروضة في ضميرين.

وَصِلْ أوِ افْصِلْ هَاءَ سَلْنِيهِ: يعني: ثاني ضميرين أولهما أخص، وغير مرفوع، والعامل فيهما غير ناسخ للابتداء. عندنا ضميران أولهما أخص، انظر إلى (سَلْنِيهِ) الياء أخص من الهاء؛ لأننا قلنا المراتب ثلاثة: المتكلم أولاً، ثم المخاطب، ثم الغائب، الياء للمتكلم، والهاء للغائب، إذاً (سَلْنِيهِ) ضميران: الأول أخص من الثاني، وغير مرفوع. ثم العامل: سل، هذا لا ينصب مفعولين الثاني خبراً في الأصل، هذا مثل: أعطى وكسى، فحينئذٍ ينصب مفعولين الثاني ليس أصلهما خبراً، ولذلك نقول: الأول العامل فيهما في الضميرين غير ناسخ للابتداء سواء كان فعلاً نحو سلنيه وسلني إياه، حينئذٍ يجوز الوصل فتقول: سلنيه كما نطق به المصنف وقدمه؛ لأنه الأرجح عنده. ويقال على الفصل: سلني إياه، سلني: الياء أبقيتها كما هي، وإياه: الهاء هي التي فصلتها وجئت بدلها بضمير منفصل. إذاً الفعل إذا نصب ضميرين وكان متعدياً الثاني منهما ليس خبراً في الأصل، يعني هذا ليس من النواسخ، والأول -أول الضميرين- أخص من الثاني، حينئذٍ نقول على مذهب الناظم: أن الوصل أرجح من الفصل، سلنيه أرجح من سلني إياه، يجوز الوجهان، لو قال قائل: سلني إياه، هذا خالف القاعدة، نقول: هذا مستثنى من القاعدة. (وَمَا) أي: وكذا، (مَا أشْبَهَهُ) يعني: كل فعل أشبه سلنيه، يعني ثاني ضميرين أولهما أخص غير مرفوع، والعامل فيهما غير ناسخ للابتداء، العامل ليس من النواسخ .. هذا هو الفرق بين المسألة الأولى والمسألة الثانية، (كُنْتُهُ)، (خِلْتَنيهِ). المسألة الأولى: ليس العامل من النواسخ. المسألة الثانية: قال: في كُنْتُهُ الخُلْفُ انْتَمَى كَذَاكَ خِلْتَنيهِ. المسألة الثانية هي عين المسألة الأولى، إلا أن العامل يعتبر من النواسخ، هل الحكم واحد؟ المصنف اختار في المسألتين: الوصل على الفصل، (في كُنْتُهُ) يعني: في اتصال وانفصال ما هو خبرٌ لكان، أو إحدى أخواتها الخلف انتمى. في اتصال وانفصال ما هو خبر لكان، أو إحدى أخواتها الخلف، أي الاختلاف (انتمى) أي: انتسب بين النحاة. كذاك: أي مثل الخلاف الواقع في (كنته)، أو مثل الهاء من خلتنيه في اتصاله وانفصاله خلاف انتسب. يحتمل هذا أو ذاك، كذاك أي: مثل كنته في وقوع الخلاف في اتصال الضمير وانفصاله خلتنيه. خلت: هي أخت ظن، كان: ترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها، إذا كان الاسم والخبر ضميرين، كنته .. كنت، التاء هنا ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع اسم كان، كنته الضمير الثاني الهاء في محل نصب خبر، كنت إياه، كنته: يجوز فيه الوجهان، لماذا؟ لأن كان هنا تعدت إلى ضميرين: الأول في محل رفع، والثاني في محل نصب، ثم هي من النواسخ، والثاني الذي هو الهاء خبر في الأصل. ظننته خلتنيه نفسه، ظننته التاء هنا في محل نصب فاعل، التاء هنا فاعل، (ني) النون هذه وقاية (وَقَبْلَ يا النَّفْسُ)، والهاء مفعول ثاني، نمشي على مثال المصنف. كذاك خلتنيه، يعني الهاء من خلتنيه في اتصاله وانفصاله خلاف انتمى.

في المسألتين المصنف رحمه الله تعالى قال: واتصالا أختار، اتصالا هذا مفعول مقدم، والألف للإطلاق، أختار، هذا فعل مضارع، أختار اتصالا، يعني اتصال هاء سلنيه، وهاء كنته، وهاء خلتنيه، فلا أقول: سلني إياه أرجح من سلنيه، ولا أقول: كنت إياه أرجح من كنته، ولا أقول: خلتني إياه من خلتنيه، بل العكس هو أرجح عند المصنف. غَيْرِي: سيبويه قالوا: لم يصرح به تأدباً. غَيْرِي اخْتَارَ: الانفصال على الوصل، واتصال أختار، تبعاً لجماعة من النحاة، وإن كان الجمهور على مذهب سيبويه، لكن الجمهور على مذهب سيبويه من باب إذا قالت حذام فصدقوها، كما قال ابن عقيل، هو نص على هذا، يقول: هو المشافه للعرب: وإذا قالت حذام فصدقوها، وهذا ليس بمقياس تبعاً لجماعة؛ إذ الأصل في الضمير الاختصار، هذا الأصل، حينئذٍ الرجوع إلى الأصل نقول هو الأصل، إذا كان سلنيه هذا يساند الأصل وهو الاختصار في الضمير، لماذا أرجح سلني إياه عليه؟ وكذلك كنته، إذا كان هذا يؤدي إلى الموافقة للاختصار- الأصل في وضع الضمائر-، لماذا أرجح كنت إياه عليه، وكذاك خلتنيه، ولأنه وارد في الفصيح قال صلى الله عليه وسلم: {إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله} هنا جاء الوصل. الصواب في المسألة أن يقال: ورد الوصل وورد الفصل، يعني ورد الأمران. بعضهم رأى أن الأكثر في لسان العرب هو الوصل فرجحه، وبعضهم نظر ورأى أن الفصل هو الأكثر في لسان العرب، وعليه رجح الفصل على الوصل كما هو مذهب سيبويه، إذاً جاء في فصيح الكلام، ولذلك جاء ((فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ)) [البقرة:137] ليس في السنة فحسب، ((فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ)) [البقرة:137]، وجاء: ((أَنُلْزِمُكُمُوهَا)) [هود:28]، ((إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا)) [محمد:37] كلها أمثلة للمقام الذي نحن فيه. غَيْرِي اخْتَارَ الانْفِصَالا: غيري -سيبويه رحمه الله والجمهور- اختار الانفصال على الوصل، لكونه في الصورتين خبراً في الأصل، في الصورتين كنته، وخلتنيه خبراً في الأصل، ما يتأتى في الأولى ولو بقي على ما كان لتعين انفصال كما تقدم، يعني كأنه يقول: تعارض عندنا أصلان: الأصل هو اتصال الضمير، والأصل هو انفصال الخبر، أيهما أولى بالترجيح؟ قال: الخبر لو لم يرد ضميراً وجاء اسماً ظاهراً لكان منفصلاً؛ لأنه الأصل فيه. فكأنه جعله مستثنى من متابعة الأصل، ابن مالك رحمه الله تعالى رأى أنه وجد في القرآن في أمثلة عديدة وورد في لسان العرب في أمثلة عديدة، فرجح الاتصال مع جواز الانفصال، ورجح سيبويه الانفصال مع جواز الاتصال. قال ابن عقيل -حتى تفهم المسألة-: أشار في هذين البيتين إلى المواضع التي يجوز أن يؤتى فيها بالضمير منفصلاً مع إمكان أن يؤتى به متصلاً، فأشار بقوله: سلنيه إلى ما يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبراً في الأصل، وهما ضميران، واضح هذه العبارة؟ سلني إياه، سلنيه، هذا ضابط المسألة أن يقال: فعل يتعدى إلى مفعولين الثاني -وهو الهاء- ليس خبراً في الأصل وهما ضميران. ابن هشام في التوضيح عبر بأسلوب آخر فقال: أن يكون عامل الضمير عاملاً في ضمير آخر.

عامل الضمير سلني، سل .. عمل في الياء وعمل في ضمير آخر –نفسها-، أعرف منه مقدم عليه، يعني الأول أعرف من الثاني وهو مقدم عليه، وليس مرفوعاً، هذا قيد؛ لأنه إن كان مرفوعاً وجب الوصل (ضربته) وجب الوصل هنا، وهنا سلنيه الضميران ليسا مرفوعين. ولو كان غير أعرف وجب الفصل تقول: أعطاه إياك، أو أعطاه إياي، أو أعطاك إياي، يجوز هذا وذاك، بل هو رأى الوجوب. فالوصل هنا أرجح في سلنيه؛ إذ العامل فعل غير ناسخ كهاء سلنيه، ومثَّل بقوله: ((فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ)) [البقرة:137]، ((إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا)) [محمد:37]، ((أَنُلْزِمُكُمُوهَا)) [هود:28]. وإن كان فعلاً ناسخاً -وهو المسألة الثانية- نحو: خلتنيه، فالأرجح عند الجمهور الفصل، أخي حسبتك إياه، عند الناظم الوصل. إذاً قال ابن عقيل: ما يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبراً في الأصل، وهما ضميران نحو: الدرهم سلنيه، الدرهم مبتدأ، وسلنيه تعرب الجملة خبر، فيجوز لك في هاء سلنيه الاتصال نحو: سلنيه والانفصال نحو: سلني إياه، وكذلك كل فعل أشبهه نحو: الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه. لذا قال: وَما أَشْبَهَهُ، يعني: وكذا كل فعل أشبه سلنيه، وليس الفعل خاص بسلني فحسب، بل المسألة مطردة. وظاهر كلام المصنف أنه يجوز في هذه المسألة الانفصال والاتصال على السواء، وهو ظاهر كلام أكثر النحويين، وظاهر كلام سيبويه أن الاتصال فيها واجب وأن الانفصال مخصوص بالشعر. هذه المسألة الأولى. المسألة الثانية: أن يكون منصوباً بكان أو إحدى أخواتها، أو أن يكون العامل -كما عبر ابن هشام- أن يكون ناسخاً، فيشمل كان ويشمل ظن وأخواتها. وأشار بقوله: فِي كُنْتُهُ الْخُلْفُ انْتَمَى، إلى أنه إذا كان خبر كان وأخواتها ضميراً فإنه يجوز اتصاله وانفصاله واختلف في المختار منهما فاختار المصنف الاتصال نحو: كنته واختار سيبويه الانفصال نحو: كنت إياه (الصديق كنته وكنت إياه). الصديق كنتَه يعني: أنتَ، وكنت إياه. وكذلك المختار عند المصنف الاتصال في نحو: خلتنيه: كل فعل تعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل وهما ضميران. ومذهب سيبويه أن المختار في هذا أيضاً الانفصال نحو: خلتني إياه ومذهب سيبويه أرجح؛ لأنه هو الكثير في لسان العرب على ما حكاه سيبويه عنهم وهو المشافه لهم .. إلى آخر ما قاله. وهنا لافتة أن الناظم رحمه الله تعالى وافق في التسهيل سيبويه، هنا خالفه في مسألة ووافقه هناك في التسهيل، وافق الناظم في التسهيل سيبويه على اختيار الانفصال في باب خلتنيه، قال: لأنه خبر مبتدأ في الأصل، وقد حجزه عن الفعل بمنصوب آخر بخلاف هاء كنته، فإنه خبر مبتدءٍ في الأصل، ولكنه شبيه بهاء ضربته في أنه لم يحجزه إلا ضمير مرفوع، والمرفوع كجزء من الفعل. إذاً المسألة جائزة بكلا الوجهين إلا أن الترجيح أيهما أرجح، هذه مسألة نظر. وَقَدِّمِ الأَخَصَّ فِي اتِّصَالِ ... وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ فِي انْفِصَالِ هذا يتعلق بالمسألة السابقة أيضاً، ضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب، فإن اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أخص من الآخر، تقدم أياً فيها؟

يقول: وَقَدِّمِ وجوباً، الأَخَصَّ يعني: الأعرف على غيره، قدمه على غيره، فِي اتِّصَالِ يعني: في الضميرين في الأبواب الثلاثة على غير الأخص منهما وجوباً، يعني في المسائل السابقة، سلنيه، وكنته، وخلتنيه. حينئذٍ نقول: قد يأتي ضميران أحدهما أعرف من الثاني حينئذٍ وجب تقديم الأخص، فيقدم المتكلم على المخاطب، والمخاطب يقدم على الغائب. وَقَدِّمِ: هذا أمر، وهو يقتضي الوجوب. الأَخَصَّ: يعني الأعرف على غيره، في ماذا؟ في حال اتصال الضمائر السابقة. فقدم ضمير المتكلم على ضمير المخاطب، وضمير المخاطب على ضمير الغائب كما في سلنيه وأعطيتكه. أعطيت: فعل وفاعل، أعطيتكه: الكاف خطاب، وهو غائب، أعطيتهُك يصح؟ لا يصح؛ لأنك قدمت ماذا؟ الغائب على الخطاب. وكنته، وخلتنيه، وظننتُكَهُ، فلا يجوز تقديم الهاء على الكاف، ولا الهاء ولا الكاف على الياء في الاتصال. وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ في انْفِصَالِ: هذا إذا أوصلت كنته، خلتنيه، أما إذا فصلت عن الراء الثاني سلني إياه، وخلتني إياه .. حينئذٍ قدمن ما شئت، هذا جواز، يعني: يجوز لك أن تقدم الأعرف على ما هو دونه. وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ -من الأخص أو غيره- في انْفِصَالِ يعني: في حال الانفصال -انفصال الضمير- لكن بشرط عند عدم اللبس، يعني إذا أمن اللبس قدم ما شئت، وإذا لم يؤمن اللبس حينئذٍ يجب أن تقدم الأعرف الأخص على غيره، الناظم هنا أطلق فينبغي تقييده. فتقول: الدرهم أعطيتكه، وأعطيتنيه .. بتقديم بتقديم الكاف والياء على الهاء؛ لأنه أخص من الهاء؛ لأن الكاف للمخاطب، والياء للمتكلم، والهاء للغائب، ولا يجوز تقديم الغائب مع الاتصال، فلا تقول: أعطيتُهُك، هذا غلط لا يصح، فإن فصل أحدهما كنت بالخيار –مخير- بين ذا وذاك، فإن شئت قدمت الأخص فقلت: الدرهم أعطيتك إياه، وأعطيتني إياه .. (أعطيتك إياه) قدمت المخاطب على الغائب، (أعطيتني إياه) قدمت المتكلم على الغائب، وإن شئت قدمت غير الأخص فقلت: أعطيته إياك (أعطيته) غائب، (إياك) على المخاطب، يجوز هذا ويجوز ذاك. وإليه أشار بقوله: وَقَدِّمَنْ مَا شِئْتَ في انْفِصَالِ، وهذا الذي ذكره ليس على إطلاقه، بل إنما يجوز تقديم غير الأخص في الانفصال عند أمن اللبس، فإن خيف لبس لم يجز، فإن قلت: زيد أعطيتك إياه، لم يجز تقديم الغائب، زيد أعطيته إياك، زيد أعطيتك إياه، زيد آخذ أو مأخوذ؟ زيد أعطيتك إياه زيد، طيب لو قدمت وأخرت زيد أعطيته إياك، زيد صار آخذ، أعطيته، أعطيت زيد إياك .. لذلك هذه المباحث قليلة –وجودها قليل- وإن وجد في القرآن لكن معانيها واضحة. وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ الْزَمْ فَصْلاَ ... وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلاَ وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ: يعني رتبة الضميرين: أولاً: في التخالف، ضمير متكلم وضمير مخاطب، لو جاء هنا الضميران لمتكلم، والضميران لمخاطب، أو الضميران لغائب، قال: (وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ) إذا اتحدا كل من الضميرين في رتبة واحدة، متكلم أو مخاطب، قال: الْزَمْ فَصْلاَ، يجب ماذا؟ الفصل.

وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ: أي: رتبة الضميرين، وهو ألا يكون فيهما أخص، ما يكون بينهما تخصيص، كل منهما مرتبة واحدة، بأن يكونا معاً ضميري تكلم أو خطاب أو غيب. الْزَمْ فَصْلاَ: وجب الفصل (الْزَمْ فَصْلاَ) الألف للإطلاق، يعني وجب الفصل. فتقول: أعطيتني إياي، وأعطيتك إياك، ولا يجوز اتصال الضميرين، فلا تقول: أعطيتني ني. وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلاَ: (وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ) يعني ضمير الغائب. (فِيهِ): في الاتحاد. (وَصْلاَ): أي قد يباح الوصل متى؟ إن كان الاتحاد في الغيبة قد يبيح ... ، كأنه استثنى من الشطر الأول (وَفِي اتِّحَادِ الرُّتْبَةِ) مطلقاً لمتكلم أو مخاطب أو غائب (الْزَمْ فَصْلاَ) استثنى من هذا فيما إذا كان الضميران لغيبة، كل منهما لغائب، إذاً بقي ضميرا المتكلم والمخاطب على الأصل، أنه يجب الفصل. (وَقَدْ يُبِيحُ) أي: كونهما للغيبة (وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ) الإباحة هنا بعد منع، حينئذٍ صار للجواز. (وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ) يعني ضمير الغائب، (فِيهِ): في الاتحاد (وَصْلاَ): أي قد يباح الوصل إن كان الاتحاد في الغيبة، واختلف لفظ الضميرين، وهذا اشترطه المصنف في غير هذا الكتاب، وأما هنا فأطلق. (وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ) أي: الضمير -ضمير الغائب- (فِيهِ وَصْلاَ) فحينئذٍ سواء اتفقا أم اختلفا، لكنه اشترط اختلاف الضميرين في غير هذا الكتاب، وشرط الناظم أن يختلف لفظاهما، فإن اتفقا في الغيبة وفي التذكير والتأنيث، وفي الإفراد والتثنية أو الجمع، ولم يكن الأول مرفوعاً، وجب كون الثاني بلفظ الانفصال نحو: فأعطاه إياه، فأعطاهَهَ .. فأعطاه إياه. (وَقَدْ يُبِيحُ الْغَيْبُ فِيهِ وَصْلاَ). معَ اختلافِ مَا ونحو ضمِنتْ ... إياهُم الأَرض الضرورةُ اقتضتْ هذا البيت مختلف فيه هل هو من الألفية أو لا، لكن الصواب أنه ليس من الألفية، والسيوطي رحمه الله في البهجة شرحه على أنه من الألفية، والصواب أنه ليس من الألفية، ولذلك قال هنا: وربما أثبت هذا البيت في بعض نسخ الألفية وليس منها؛ لأن فيه تكرار، ثم ما يوافق بقية سبك النظم. إذاً يشترط يشترط اختلافه لفظ الضميرين، وإليه أشار بقوله في الكافية: مع اختلاف ما، يعني لا بد أن يكون بين الضميرين اللذين يجوز أو يباح الفصل بينهما في الغيب أن يكون بينهما اختلاف، ألا يكون متحدين إفراداً وتثنية وجمعاً، بل لا بد أن يكون أحدهما مفرد والثاني مثنى، أو العكس أو أحدهما مذكر والثاني مؤنث، والأمثلة موجودة. قال رحمه الله: وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ التُزِمْ ... نُونُ وِقَايَةٍ وَلَيْسي قَدْ نُظِمْ (وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ) هذا أحكام ياء المتكلم، ياء المتكلم سهلة، هذه واضحة محفوظة. ياء المتكلم قلنا هذه ضمير باتفاق، يعني ليست بحرف، ياء المتكلم من الضمائر المشتركة كما سبق بين محلي النصب والخفض، وَلَفْظُ مَا جُرَّ كَلَفْظِ مَا نُصِبْ. حينئذٍ نقول: ضمير ياء متكلم إني، ولي، وبي .. هذا جاء في محل نصب وفي محل جر.

ياء المتكلم من الضمائر المشتركة كما سبق بين محلي النصب والخفض، -الكلام على النصب، ويأتي الكلام على الخفض- فإن نصبها فعل، أو اسم فعل، أو ليت وما شاكلها، وجب قبلها نون الوقاية، إذا نصب ياء المتكلم، نصبها لأنها ضمير في محل نصيب، إن نصبها فعل مطلقاً ماضياً، أو مضارعاً، أو أمراً، أو فعل دراكني، أو ليت وما يعمل عمل ليت، حينئذٍ وجب أن يفصل بين العامل واحد من هذه الثلاث، وبين الياء بنون تسمى نون الوقاية، والوقاية هذه مأخوذة من وقى يقي، أصلها وقوا، والمراد بها المنع؛ لأنها وقت ومنعت الفعل عن الكسر، والأصل في العمل هو للأفعال؛ لأنه كما تقرر أن الفعل لا يدخله كسر ولا ضم، حينئذٍ إذا قيل أكرمِي، إذا نصبتها فعل ماضي أكرمَ، وأردت أن تخبر في المعنى بأن الكرم قد وقع عليك، الأصل أن تقول: أكرمِي، لزم أن يكون ما قبل الياء التي هي مفعول به مكسور، حينئذٍ يحتاج إلى فاصل. أتوا بالنون، هذه النون تسمى نون الوقاية، وقت الفعل عن الكسر، فتحملت هي الكسر قالت: أنا له، ويبقى الفعل سالماً عن الكسر، ولذلك سميت بهذا الاسم. (يَا النَّفْسِ) يعني ياء المتكلم، وتسمى ياء النفس. (وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ) إذا كانت مع الفعل مطلقاً سواء كان الفعل ماضياً: أكرمني، أو مضارعاً: يكرمني، أو أمراً: أكرمني مطلقاً نقول: التزم. وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ: إذا كانت مع الفعل احترز به عما كانت مع الاسم أو الحرف، فلا يلزم معها نون الوقاية في غير ما سيأتي، ليس مطلقاً، فحينئذٍ المفهوم هنا، قَبْلَ يَا النَّفْسِ مع الفعل له مفهوم، مفهومه: أنه لا يلتزم بنون الوقاية مع غير الفعل والصادق بالحرف والاسم، لكنه ليس على إطلاقه. فالمفهوم مخصص بما سيأتي. (وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ التُزِمْ) (مع الفعل) مطلقاً، متصلة بـ: التزم، نون وقاية، التزم: هذا فعل مغير الصيغة. (نُونُ وِقَايَةٍ) هذا نائب فاعل. إذا اتصل بالفعل ياء المتكلم لحقته لزوماً وجوباً نون تسمى نون الوقاية، وسميت بذلك لأنها تقي الفعل من الكسر، وذلك نحو أكرمني، ويكرمني، وأكرمني، وقام القوم ما خلاني، ما خلاني هذا جاءت مع أفعال الاستثناء خلى، وما عداني، وحاشاني، إن قدرتهن أفعالاً؛ لأن الفعل في نحو ما عداني نقول: (ما) هنا مصدرية، فالفعل بعدها يتعين أن يكون فعلاً، وإذا تعين أن يكون فعلاً فحينئذٍ تنصب وترفع، وفاعلها يكون مستتراً واجب الاستتار، وإذا نصبت مفعولاً به وهو ياء المتكلم حينئذٍ وجب الاتصال، فإذا وجب الاتصال حينئذٍ وجب كسر ما قبل ياء المتكلم الذي هو آخر الفعل، فحينئذٍ لزم أن يؤتى بـ: نون تسمى نون الوقاية، وتقول: ما أفقرني إلى عفو الله، (ما): تعجبية، وأفقر: فعل ماضي، ما أفقر زيداً، حينئذٍ: ما أفقرني، إذا أراد أن ينصب به ليس اسماً ظاهراً وإنما ياء المتكلم، حينئذٍ وجب أن تتصل به نون الوقاية على الصحيح من أن أفقر فعل لا اسم. وأما اسم الفعل دراكني بمعنى: أدركني، دراكني يا زيد يعني: أدركني، حينئذٍ دراكني نقول: الياء هذه منصوبة بدراك، وهو اسم فعل، اتصلت به الياء لأنه ضمير متصل فيجب الاتصال، فحينئذٍ جيء بنون الوقاية.

(وَلَيْسي قَدْ نُظِمْ): ليس هذا فعل، نصب يا النفس، حينئذٍ الأصل أن يقال: ليسني، هذا الأصل طرداٌ للقاعدة. وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مع الفعل مطلقاً، وليس فعل، إذاً إذا نصبت ياء المتكلم، حينئذٍ وجب أن تتصل بها نون الوقاية، لكن سمع في الشعر شذوذاً ليسي على حذف نون الوقاية، واتصال الياء بدون نون الوقاية (وَلَيْسي قَدْ نُظِمْ) ليس المراد به تجويس ألا تتصل نون الوقاية بالفعل إذا نصبها ياء المتكلم، وإنما المراد التنصيص على أنه قد نظم، يعني جاء في الشعر خاصة. حينئذٍ يحكم عليه بأنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. (وَلَيْسي) بلا نون الوقاية (قَدْ نُظِمْ)، كما قال الشاعر: عَدَدْتُ قَوْمي كَعَديدِ الطَّيْسِ ... إذْ ذَهَبَ القَوْمُ الكرامُ ليْسي هذا الشاهد ليسي، هذا نظم، وهو شاذ وسهله، سهل هذا الشذوذ أنه فعل جامد لا يتصرف، فأشبه الاسم كغلام، غلامي، ليسي، غلام اسم جامد، وليس فعل جامد، كأنه قاسه عليه. وكذلك ليس بمنزلة غيري في المعنى .. ليسي، غيري، كأنه قاسه عليها لأن غير لا تدخلها نون الوقاية. وغير لا تتصل بها نون الوقاية، إذا وصلت بياء المتكلم. إذاً: نقول الذي سوغ له أن يأتي بالياء متصلة دون نون الوقاية بليس، أنها لا تتصرف وأشبهت الحروف الآتي ذكرها. (وَلَيْسي قَدْ نُظِمْ) ولذلك سمع: عليه رجلاً ليسني، سمع هكذا: عليه رجلاً، يعني يلزمه، رجلاً ليسني: أي ليلزم رجلاً غيري، -هذا يعتبر لغز- إذاً: عليه رجلاً ليسني: أي ليلزم رجلاً غيري. قال ابن عقيل: واختلف في أفعل في التعجب هل تلزمه نون الوقاية أم لا؟ وهذا الخلاف مبني على خلاف آخر: هل أفعل التعجب اسم أم فعل؟ هذا يأتي في محله والصواب: أنه فعل، بدليل اتصال نون الوقاية به، كما سيأتي في محله. وَلَيْتَني فَشَا وَلَيْتي نَدَرَا فِي الْبَاقِيَاتِ وَاضْطِرَاراً خَفَّفا ... وَمَعْ لَعَلََّ اعْكِسْ وَكُنْ مُخَيَّرَا مِنِّي وَعَنِّي بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفََا حينئذٍ لما اتصلت نون الوقاية بما سبق، والعامل هو الفعل كما ذكرناه، والعامل هو اسم الفعل، والعامل أيضاً قلنا: هو الفعل، واسم الفعل (دراكني)، وأفعل التعجب. إذا نصبت ياء المتكلم بحرف كليت ولعل، المسألة نقلية سماعية، هل الأصل دخول نون الوقاية بين ليت والياء أو الأصل العدم؟ قلنا ما علة وجود نون الوقاية مع الفعل؟ تقي الفعل الكسر، العلة موجودة في الحروف؟ لا؛ لأن الحرف لا يمنع من الكسر، بل يبنى على الكسر ويبنى على السكون، ويبنى على الفتح، ويبنى على الضم .. كما ذكرناه. وَمِنْهُ ذُو فَتْحٍ وذُو كَسْرٍ وَضَمْ ... كَأَيْنَ أَمْسِ حَيْثُ وَالسَّاكِنُ كَمْ حينئذٍ الحرف يدخله الكسر، إذاً الأصل عدم الدخول أو الدخول نون الوقاية للحرف؟ الأصل عدم الدخول. إذاً المسألة سماعية نقلية. وَلَيْتَني: إذاً حكم نون الوقاية مع الحروف. وَلَيْتَني فَشَا: يعني كثر، ليتني بثبوت النون إذا نصبت ياء المتكلم ليت، هذه تعمل عمل إن، حينئذٍ تنصب ياء المتكلم فتكون في محل نصب، ياء المتكلم يلزم ما قبله أن يكون مكسوراً، وليت مبنية على الفتح، وقد يقال: لا بأس أنه ينقل من الفتح إلى الكسر للمناسبة؛ لأن الكسر يدخل الحرف.

وَلَيْتَني فَشَا: بثبوت النون أي: كثر وذاع؛ لمزيتها على أخواتها في الشبه بالفعل؛ لأن ليت إنما تعمل عمل إن، والأصل في النصب والرفع أن يكون للفعل كما سيأتي في محله. ليت: هذا في قوة أتمنى، فلما فسّرت بالفعل حينئذٍ إذا نصبت ياء المتكلم فالفعل تلحقه نون الوقاية مثله: ليت. لمزيتها على أخواتها في الشبه بالفعل، يدل على ذلك سماع إعمالها مع زيادة ما كما سيأتي. وَلَيْتَني فَشَا: أي: كثر، بل جاء في القرآن كما في قوله تعالى: ((يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ)) ((يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)) جاء بإثبات النون وهو كثير، وهل جاء في القرآن بدون نون؟ لم يرد، لم يرد ليتي، وإنما الكثير في لسان العرب ثبوتها، وبه ورد القرآن. وَلَيْتَني فَشَا وَلَيْتي نَدَرا: (ليتي) يعني بدون نون، (ندرا) مراده: شذ، ومنه قول الشاعر: كَمُنْيَةِ جَابِرٍ إِذْ قَالَ لَيْتِي ... أُصَادِفُهُ وَأَفْقِدُ جُلَّ مَالِي ليتي: جاء بياء المتكلم متصلة بالحرف وهي ناصبة لها بدون نون الوقاية. وَلَيْتَني فَشَا، (وليتي) بدون نون (ندرا): أي: شذ. وَمَعْ لَعَلََّ اعْكِسْ، اعكس مع لعل فقل: لعلي كثر، ولعلني ندرا، اعكس في القلة والكثرة. وَمَعْ لَعَلََّ اعْكِسْ: يعني هذا الأمر، فتجريدها من النون كثير، ((لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ))، به جاء القرآن، فتجريدها من النون كثير؛ لأنها أبعد من الفعل لشبهها بحرف الجر واتصالها بها قليل، يعني نون الوقاية بها قليل. إذاً: وَمَعْ لَعَلََّ اعْكِسْ: يعني: لعلني، هذا قليل، ولعلي هذا كثير. ثبوت نون الوقاية مع لعل أكثر من حذفها مع ليت، وحذف النون من ليت أقل من إثباتها في لعل. فالمرد ليس عكساً بالمعنى المساوي ولكن أي عكسها بجامع القلة فقط، ومع قلته هو أكثر من ليتي، هو قليل: ليتني، هذا قليل إلا أنه مع قلته هو أكثر من ليتي، المراد أن اتصال النون بلعل هذا قليل، وخلوه عن النون كثير، بقطع النظر عن ليتي قليل، ولعلني قليل، أيهما أكثر؟ ليس مراد الناظم هذا. وَكُنْ مُخَيَّرَا ... فِي الْبَاقِيَاتِ: البقايات ما هي؟ أخوات إن: إن، وأن، وكأن، ولكن .. إذا نصبت ياء المتكلم إنني، وإني، بحذف إحدى النونين كراهة الأمثال، كأنني، كأني، أني أنني، لكنني لكني، يجوز فيها الوجهان، ولذلك سوى بينهما، وكن: أيها المتكلم أو الحاكم مخيراً في إلحاق النون وعدمها، قال الفراء: عدم إلحاق النون هو الاختيار، يعني اختار أنه لا تلحق النون في هذه الباقيات الأربعة، دون ليت ولعل. وَمَعْ لَعَلََّ اعْكِسْ وَكُنْ مُخَيَّرَا فِي الْبَاقِيَاتِ: في الباقيات التي هي: إن، وأن، ولعل. فتقول: إني، وإنني، وأني وأنني، وكأني وكأنني، ولكني ولكنني، وعلة الحذف هي: التخفيف. هذا إن نصبت ياء المتكلم بالحرف، إذاً ياء المتكلم قلنا تأتي في محل نصب وتأتي في محل خفض، إن جاءت في محل نصب إما فعل، وإما اسم فعل، وإما أفعل التعجب، وإما حرف .. عرفنا أحكامها، إذا خفضت ما الحكم؟ قال: واضْطِراراً خَفَّفا ... مِنِّي وَعَنِّي بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفََا

خَفَّفا ... بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفََا: من العرب من الشعراء، خففوا ماذا؟ خففوا نون منِّي، فقالوا: مني، وعنّي فقالوا: عني، فالأصل حينئذٍ إذا كان اضطراراً التخفيف فالأصل ماذا؟ الأصل التشديد، يعني أن يؤتى بنون الوقاية من، ثم جاءت ياء المتكلم جررتها قلت: مني، هذا الأصل، لكن نقول هنا: يجب –سماعاً-، يجب اتصال الحرف بنون الوقاية، حينئذٍ اجتمع عندنا نونان: من، ثم النون -نون الوقاية-، أدغمت الأولى في الثانية فقلت: منّي، وعن مثله عنّي. واضْطِراراً: يعني لا في سعة الكلام، ليس في الاختيار، بل هو في الشعر خاصة. واضْطِراراً خَفَّفا: يعني: خففوا بحذف إحدى النونين التي هي نون الوقاية. مِنِّي وَعَنِّي: فقالوا: مني وعني. بَعْضُ مَنْ قَدْ سَلَفََا: من الشعراء. ولذلك حفظ عنهم: أَيُّها السّائلُ عنهُمْ وعَني ... لَسْتُ من قَيْسِ ولا قَيْسُ مِني قيل: هذا مصنوع، لكن إن ثبت حينئذٍ يكون مستثنى. إذاً انخفض الياء بحرف، فإن كان من أو عن وجبت النون، إن كان الخافض لياء المتكلم من وعن، حينئذٍ وجبت النون إلا في الضرورة على ما ذكره الشاعر، وإن كان غيرهما امتنعت يعني: لو قال: (لي) جرها بماذا؟ باللام، هل يجب أن يؤتى بنون الوقاية؟ نقول: لا، يمتنع هنا لا يجوز، إذا جرت الياء ياء المتكلم بحرف جر غير (من وعن)، يمتنع دخول نون الوقاية، فتقول: لي، وبي، وعداي، وحاشاي. إذاً: إذا جرت بحرف جر ننظر إن كان من وعن، وجبت النون، ولا يجوز حذفها إلا في ضرورة الشعر واضْطِراراً خَفَّفا مِنِّي وَعَنِّي: تعلم أن الحكم هنا مخصص بهذين الحرفين، ما عداهما يمتنع دخول نون الوقاية عليها، ولا تخفف إلا في الشعر خاصة، هذا حرف الجر، إن خفضت ياء المتكلم بمضاف ليس بحرف جر، هو الذي عناه بقوله: وَفِي لَدُنِّي لَدُني قَلَّ وَفِي ... قَدْني وَقَطْنِي الْحَذْفُ أيْضاً قَدْ يَفِي إن كان الخافض للياء مضافاً فإن كان: لدن، أو قط، أو قد .. -هذه ثلاث- هي التي نص عليها، كل ما نص عليه في هذا الباب هو الذي يتعلق به الحكم، وما لم ينص عليه -حتى تضبطها- ما لم ينص عليه تنفي عنه. هنا إذا أضيفت ياء المتكلم، المضاف إما أن يكون: لدن، أو قد، أو قط .. -هي التي ذكرها الناظم- ما عداها الحكم على المنع، فإن كان المضاف لدن أو قط أو قد، فالغالب الإثبات ويجوز الحذف قليلاً. لدني، قدني، قطني: هذا هو الغالب، وأما الحذف لدن لدني، هذا ليس إثبات، هذا حذف لدنّي هذا الإثبات؛ لأن لدن مختومة بنون، ثم إذا جاءت النون نون الوقاية أدغمت فيها، فلدني هذا بنون الوقاية، قدني قطني بنون الوقاية، قدي قطي، هذا بدون نون الوقاية. إذاً أيهما أكثر؟ الإثبات، والحذف قليل، ولا يختص بالضرورة خلافاً لسيبويه وإن كان غيرهن، -يعني غير هذه الأمثلة الثلاثة: لدن، وقد، وقط- امتنعت نحو: أبي، وأخي، وحمي .. هذه لا يؤتى بنون الوقاية، لماذا؟ لأنها ليست من الثلاث هكذا تعلل، ليست من الثلاث، وإنما إذا جرت أو خفضت ياء المتكلم بمضاف لا يؤتى بنون الوقاية إلا في ثلاث محال، ثم إذا جيء بها واتصلت بها الإثبات أكثر من الحذف فيجوز، ما عدا هذه فالسماع عدم الإتيان بنون الوقاية. امتنعت نحو: أبي وأخي.

وَفِي لَدُنِّي لَدُني قَلَّ: كأنه قال: وقل في لدُنّي لدني، وقل: نحن نقول الإثبات كثير، والحذف قليل، وقل في لدنّي لدني. إذاً الكثير هو لدنّي، وبه قرأ السبعة في قوله: ((قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا)) [الكهف:76] ^ ويقل حذفها كقراءة من قرأ ((من لدُني)) بالتخفيف، وفي قدني وقطني بمعنى: حسبي، ليست مطلقاً، وإنما بمعنى حسب احترازاً من قد الحرفية، فإنها لا تدخل عليها من، ولو جرت، قدي نقول: هذه حرفية. قد الحرفية، وقط الظرفية لا تتصل بهما ياء المتكلم -على خلاف- لا تتصل بهما ياء المتكلم، وقد وقط في كلام الناظم اسما فعل بمعنى: يكفي. فإن نون الوقاية تلزمهما عند اتصال الياء بهما، وفي الحديث {قط .. قط وعزتك} بالإسكان، يروى بسكون الطاء وبكسرها مع ياء ودونها، ويروى {قطني .. قطني}، و {قط .. قط} يروى بهذا وذاك. إذاً: وَفِي لَدُنِّي لَدُني قَلَّ: قل القليل هذا قرأ به نافع ((من لدني))، وفي إلحاق النون بقدني وقطني بمعنى: حسبي كثير. الْحَذْفُ أيْضاً: آض يئيض أيضاً نرجع إلى ذكر الحذف قلة وكثرة. قَدْ يَفي: قد هنا للتقليل، يعني قد يأتي، وأشار بقد إلى قلة الحذف لكنه ليس من الضروريات. قال الشارح: أشار بهذا إلى أن الفصيح في لدني إثبات النون، هذا هو الفصيح، وبه قرأ الستة، كقوله تعالى: ((قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً)) ويقل حذفها، لكن القلة ليست على جهة الشذوذ، وإنما هي لغة، وقرأ بها نافع وقراءته معتبرة، كقراءة من قرأ من لدني بالتخفيف. والكثير في قد وقط ثبوت النون نحو: قدني، وقطني، ويقل الحذف نحو قدي وقطي أي حسبي وقد اجتمع الحذف والإثبات في قوله: قَدْني مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَيِنِ قَدِي ... لَيْسَ الإِمامُ بالشَّحِيحِ الملْحِد والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ...

21

عناصر الدرس * شرح الترجمة (العلم) ـ * أقسام العلم من حيث التسمية * أقسام العلم من حيث (الوضع وغيره) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: سبق البيت الأخير الذي ذكرناه في المعرفة والنكرة: وَفِي لَدُنِّي لَدُنِي قَلَّ وَفِي ... قَدْنِي وَقَطْنِي .... قلنا: قد وقط اسم بمعنى حسب، وسبق أنها (اسم فعل) ليس بصحيح، الصواب أنها اسم بمعنى حسبي، قدني أي: حسبي، وقطني أي: حسبي. وأما التي بمعنى يكفي فهذه يجب اتصالها؛ لأنه سبق أن ياء المتكلم إذا نصبت باسم الفعل أنه يجب اتصال نون الوقاية بها، وقط وقد هذه تأتي اسمان بمعنى حسب، ويأتيان بمعنى اسم الفعل يكفي، إذا كانت بمعنى اسم الفعل يكفي فحينئذ تلزمها نون الوقاية. وأما إذا كانت بمعنى فحسب، فحينئذ يجوز فيها الوجهان، والأكثر اتصال نون الوقاية بها وقليل حذفها. ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: العلم، (هذا باب العلم) بعد أن انتهى من كلامه على النكرة والمعرفة، وقدم الضمير لأنه هو أعرف المعارف، ومضمر أعرفها ثم العلم، العلم يأتي في الرتبة الثانية. العلم أي: هذا باب العلم، إعرابه واضح كما سبق بيانه. والعلم في لسان العرب: لفظ مشترك يطلق على عدة معان، منها: الجبل، قال الله تعالى: ((وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ)) [الرحمن:24] يعني: كالجبال. وقالت الخنساء ترثي أخاها صخراً: وَإِنَّ صَخراً لتَأْتَمُّ الهُداةُ بِهِ ... كَأَنَّه عَلَمٌ فِي رَأْسهِ نَار كأنه جبل. ومنها من المعاني: الراية التي تجعل شعاراً للجند ونحوه. ومنها: العلامة، وهذا هو المعنى الأنسب لاشتقاق العلم للشخص المعين أو الذي يعين مسماه، لأنهم يقولون: إنه علامة على مسماه. زيد نقول: هذا لفظ أطلق وأريد به مسماه، إذاً عيَّن مسماه، فهو علامة عليه. وإذا كان كذلك حينئذ الأنسب أن يكون مشتقاً من العلم بمعنى العلامة. العلم في اصطلاح النحاة ينقسم إلى قسمين: علم شخص وعلم جنس، والمصنف رحمه الله تعالى يرى أن علم الشخص مغاير لعلم الجنس، وحينئذ عَّرف لنا أولاً بما يختص بعلم الشخص، ولا يدخل تحته علم الجنس. وبدليل قوله: وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ إذاً قوله: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً عَلَمُهُ مع قوله: وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ يدل على أنه لا يرى دخول علم الجنس تحت علم الشخص، يعني لا يمكن أن يجمعهما تعريف واحد. العلم؛ قال: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً عَلَمُهُ عَلَمُهُ: الضمير هنا يعود على المسمى، أي: علم المسمى: اسم يعين المسمى مطلقاً. عَلَمُهُ: هذا مبتدأ مؤخر. واسْمٌ: هذا خبر مقدم. ويُعَيِّنُ المُسَمَّى: هذا فصل أو صفة في محل رفع. ومُطْلَقاً: هذا حال من فاعل يعين مستتم، يعيِّن المسمى تعييناً مطلقاً.

عَلَمُهُ: هذا قلنا: مبتدأ مؤخر، هذا أنسب من أن يجعل اسم مبتدأ وعلمه خبره، لماذا؟ لأن العلم هو المحدود، وإذا كان كذلك حينئذ كان الأنسب أن يكون مبتدأً والحد يكون خبراً، ولذلك الأصل، -هل الأصل أن يقدم المحدود على الحد أو بالعكس؟ - هل نقول: القول المفرد كلمة أو الكلمة قول مفرد؟ هذا فيه نزاع، والصواب أنه يقدم المحدود الذي هو لفظ كلمة ثم يؤتى بالحد، لماذا؟ لأننا نريد أن نكشف حقيقة الكلمة. إذا قيل: ما الكلمة؟ قلنا: الكلمة هي التي نريد أن نكشف حقيقتها، وهي التي نريد أن نخبر عنها بالحد، فنقول: الكلمة: قول مفرد. علم المسمى: اسم يعين المسمى مطلقاً، إذاً علم هذا الأصل أن يكون مبتدأً وأن يكون محكوماً عليه. وكونه مؤخراً هنا في اللفظ في تركيب البيت هذا لضرورة النظم، وإلا الأصل: علم المسمى اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً، هذا أولى، بل قد يتعين عند بعضهم، خاصة قوله: اسم، هذا نكرة في الأصل وإن وصف، إلا أن قوله: علمه، معرفة بالإضافة إلى الضمير، فيكون هو الأولى بجعله مبتدأً، فإذا دار الأمر بجواز أمرين أن يجعل أحد اللفظين مبتدأ والآخر نكرة حينئذ الأعرف هو الذي يجعل مبتدأ. إذاً: علمه أعرف من قوله: اسم يعين، إذاً هو أولى بأن يكون مبتدأ. ثانياً: علمه محدود، والمحدود أولى أن يجعل مبتدأ. علم: اسم يعين المسمى، هذا أولى مما ذكره المعرب ..... اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى اسْمٌ: هذا جنس، جنس يشمل ماذا؟ يشمل النكرة والمعرفة، لأننا في مقام الحديث عن الاسم باعتبار تقسيمه إلى نكرة ومعرفة، ولا زال الحديث في باب النكرة والمعرفة، هذا هو الأصل، وإنما عقد فصلاً أو باباً لبيان العلم؛ لأن كلاً من هذه المعارف الستة تحتاج إلى تفصيل، فالأنسب أن يفصل بعضها عن بعض بهذه التبويبات، وإلا الأصل أن الحديث لا زال في باب المعارف. اسْمٌ: إذاً اسم هذا يشمل النكرة والمعرفة، ودخلت النكرة في حد العلم، أراد أن يخرج النكرة فقال: يعين المسمى، يعين المسمى: هذا فصل أخرج به النكرة، ودخل معنا جميع المعارف؛ لأن المعارف كلها تدل على معناها، على مسماها، ولذلك المعرفة: لفظ أو ما وضع ليستعمل في معين. كل المعارف كاسمها معارف، يعني وضعت في أصل وضعها في لسان العرب من أجل أن تعين وأن تحدد المسمى الذي يراد من إطلاق هذا اللفظ، ولكن يبقى أن كلاً من هذه المعارف بعضها يعين مسماه بقرينة وبعضها يعين مسماه بلا قرينة. المعارف وضعت لتستعمل في معين، إذاً تدل على معين، ثم دلالتها سواء كان ضميراً أو علماً أو اسم إشارة أو موصولاً أو محلىً بـ (أل) أو مضافاً قد تدل على المسمى إما بقرينة أو بلا قرينة. ما دل على المسمى بلا قرينة نقول: هذا هو المراد بالعلم، هذا المراد بالعلم.

اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً: أي بدون قرينة من ذات اللفظ، حسب ذات اللفظ، وأخرج سائر المعارف بقوله: مطلقاً، وحينئذ كل معرفة ليست علماً إنما تدل على المسمى بواسطة، وهذه الواسطة تسمى قرينة: إما الحس، وإما اللفظ، وإما المعنى. إما قرينة لفظية، وإما قرينة معنوية، وإما قرينة حسية. قرينة لفظية مثل المحلى بـ (أل) نقول: رجل، الرجل، الرجل دل على مسمى معين، اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، الغلام، المسجد، الفرس، هذه كلها أسماء عينت المسمى، لكن بماذا؟ بواسطة (أل)، إذاً: هذه قرينة لفظية. غلام زيد، عين المسمى لكن تعيينه للمسمى بواسطة هنا بقرينة، ليس بذات اللفظ، وإنما بقرينة الإضافة، وهي قرينة لفظية. إذاً: المحلى بـ (أل) والمضاف إلى المعرفة نقول: هذا عيَّن مسماه بقرينة لفظية. أما القرينة المعنوية فهذه خاصة بالضمير؛ لأن الضمير إنما يعرف ويعين مسماه، إن كان ضمير متكلم فبقرينة التكلم، وإن كان بضمير خطاب فالخطاب قرينة دالة وهي معنوية، إن كان بضمير الغيبة وحينئذ نقول: الغيبة هي القرينة المعنوية. ثالثاً: القرينة الحسية، هذه خاصة بأسماء الإشارة، وحينئذ أسماء الإشارة كما سيأتي في حدها: ما وضع لمسمىً وإشارة إليه، فالإشارة الحسية باليد مثلاً هذه داخلة في ما وضع له في لسان العرب، ولذلك إذا قلت: هذا زيد، ما يعرف زيد، لو كان عندنا أشخاص ولا تعرفهم قلت: هذا زيد ولم أشر إليه بيدي تعرفونه؟ لو قلت: هذا عبد الله، ما تعرفون، مع أن هذا اسم إشارة وهو معرفة ويعين المسمى، لكن لما لم تحصل معه الإشارة التي وضعت لفظة هذا شاملة لتعيين المسمى مع الإشارة الحسية، -لما لم يكمل الجزء الثاني- لم يكن معرفاً، لكن لو قلت: هذا عبد الله بالإشارة، فحينئذ صار معرفة، بذاته أم بقرينة خارجية؟ بقرينة خارجية. لفظية أو معنوية أو حسية؟ حسية، بقرينة حسية. بقي الموصول -هذا على خلاف فيه-، هل التعريف فيه بـ (أل) أو بالصلة؟ على خلاف، سواء قلنا بـ (أل) أو قلنا بالصلة حينئذ يكون داخلاً في القرينة اللفظية. اسْمٌ يُعَيِّنُ: قلنا: هذا فصل مخرج للنكرات، كرجل وفرس؛ فإنها لا تعيين فيها أصلاً مطلقاً، أي: مجرداً عن القرائن الخارجية -عن ذات الاسم-، مطلقاً أي: مجرداً عن القرائن الخارجية. قلنا: هذه المعارف كلها إما أن تدل على المسمى بقرينة أو لا، كلها تدل على المسمى بقرينة إلا واحد، وهو العلم. إذاً قوله: مطلقاً أخرج الضمير؛ لأنه يدل أو يعين مسمى لا مطلقاً، بل بقرينة معنوية وهي التكلم والخطاب والغيبة، أخرج اسم الإشارة، قوله: مطلقاً أخرج اسم الإشارة؛ لأنه يعين المسمى لكن مع قرينة حسية وهي الإشارة إليه، أخرج الموصول؛ لأنه يعين المسمى، لكن بقرينة لا مطلقاً وهو الصلة أو (أل) على الخلاف، أخرج المحلى بـ (أل) لأنه اسم يعين المسمى، لكن لا مطلقاً وإنما بقرينة وهي (أل)، كذلك المضاف، ماذا بقي؟ بقي نوع واحد وهو العلم، حينئذ صدق هذا الحد على العلم كزيد، فهو يدل ويعين مسمى مطلقاً بدون قرينة لا لفظية ولا معنوية ولا حسية. اسْمٌ: هذا جنس يشمل النكرة والمعرفة.

يُعَيِّنُ المُسَمَّى: الجملة في محل رفع صفة لاسم. قلنا: أخرج النكرات، بقي سائر المعارف، نريد أن نخرج سائر المعارف حتى يبقى معنا العلم ليختص به الحد فيكون جامعاً مانعاً، نظرنا فإذا المعارف تدل على المسمى إما بقرينة أو لا، الثاني العلم فقلنا: مطلقاً، أي: مجرداً عن القرائن عن ذا الخارجية عن ذات الاسم. عَلَمُهُ: هذا خبر، أو مبتدأ، والأولى أن يكون مبتدأً. إذاً: يعين المسمى قلنا: خرج به النكرات كرجل وفرس، فإنها لا تعيين فيها أصلاً، وشمس وقمر، إذا قيل: شمس نكرة أو معرفة؟ نكرة، لماذا؟ ... نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا وحينئذ أفادت التعريف، شمس نقول: هذا نكرة ولذلك يعامل معاملة النكرات، لكن من جهة المسمى هل مسماه معين أو لا؟ معين. قمر: معين، هذا التعيين هل هو في أصل الوضع أم أنه طارئ؟ طارئ، عرفنا الجواب. إذاً شمس وقمر نقول: هذا يعين المسمى، فإنهما وإن عينا فردين لكن ذلك التعيين لأمر عارض بعد الوضع، وإلا يصدق عليه حد النكرة، ما شاع في جنس موجود أو مقدر، شاع في جنس موجود يعني: في أفراد جنس موجود، -له وجود، له آحاد، له أفراد- كرجل، رجل هذا يطلق على كل ذكر بالغ عاقل من بني آدم، لا نحتاج إلى عاقل. كل ذكر من بني آدم بالغ يطلق عليه أنه رجل، له آحاد؟ له آحاد، هذا الأصل. زيد رجل، عمرو رجل، خالد رجل .. إلى آخره. إذاً: له أفراد وله آحاد وله جنس، قدر مشترك بينهم، حينئذ زيد وخالد ومحمد كل منهما رجل، وهو قدر مشترك بين ثلاثة، لكن شمس نقول: هذا في أصل وضعه، وضع لكل، اسم لكل كوكب نهاري ينسخ ظهوره وجود الليل-هكذا قيل- حينئذ الأصل أن يكون له أفراد، لكن لما لم يوجد في الخارج إلا فرد، حينئذ تعين مسماه لا باعتبار أصل وضعه، وإلا لو وجد شمس أخرى ووجد ثانية وثالثة كل منهما سمي شمساً أو سميت شمساً، وحينئذ الكوكب النهاري -الذي وصفه وصف الشمس الفرد المعين- لو وجد نظير له حينئذ سمي شمساً، وثالثاً ورابعاً .. كرجل، لكن لما لم يوجد إلا شمس واحدة حينئذ تعين باعتبار عدم وجود فرد آخر لا باعتبار أصل وضعه، وإلا فهو صالح لكل كوكب نهاري ينسخ ظهوره وجود الليل، فحينئذ نحكم على كلمة شمس أنها نكرة، ولا نقول: إنها علم، مع كون حد العلم قد يصدق عليها، اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، فإذا قلت: شمس عيَّن المسمى، قمر عين المسمى، لكن نقول: تعيين المسمى هنا طارئ عارض، والعبرة بالأصول في أصل الوضع لا بما عرض لها. لأمر عارض بعد الوضع، وهو عدم وجود غيرهما من أفراد المسمى، وأما بحسب الوضع فلا تعيين فيهما، إذاً خرج بقوله: يُعَيِّنُ المُسَمَّى شمس وقمر؛ لأنهما وإن عيَّنا فإنما كان التعيين باعتبار أمر عارض لا باعتبار أصل الوضع. ودخل نحو زيد مسمىً به جماعة، زيد وزيد وزيد، نقول: جاء زيد، قد لا يعرف من زيد هذا، ما عين المسمى، أليس كذلك؟ لو عندك محمد ومحمد، قلت: جاءني محمد، محمد من هذا؟ هل عيَّن المسمى؟ ما عين المسمى، لماذا؟ لكونه مشتركاً بين أفراده. هل هو داخل في حد العلم أم لا؟ نقول: نعم، داخل.

ودخل: نحو زيد مسمىً به جماعة، فإنه باعتبار كل وضع يعين مسماه، والشيوع إنما جاء من تعدد الأوضاع وهو أمر عارض، الأصل زيد وزيد وزيد، هذا اسمه زيد وهذا اسمه زيد وهذا اسمه زيد، هل الوضع واحد أو متعدد؟ متعدد، كل لفظ من هذه الألفاظ موضوع لذات مشخصة بالخارج، ثم وضع وضعاً ثانوياً لفظ زيد ليعين مسماه ثم زيد ثم زيد، لو وجد عندنا مائة كلهم اسمهم زيد نقول: هؤلاء ألفاظهم وضعت مرة واحدة أو مائة مرة؟ مائة مرة، لماذا؟ لأننا لو قلنا الوضع متحد فحينئذ صار اللفظ مشتركاً من حيث الوضع ومن حيث المعنى، فحينئذ لا يعين المسمى إلا بقرينة، فلا يصدق عليه حد العلم، وإنما نقول: الوضع متعدد، فكل لفظ من هذه الألفاظ التي اشترك جماعة في الاسم حينئذ كل لفظ من هذه الألفاظ وضع وضعاً مستقلاً عن الآخر، إذاً لا اشتراك، فدخل في قوله: يُعَيِّنُ المُسَمَّى. ولا يخرج بقوله: مطلقاً؛ لأنه وإن احتاج إلى قرينة في تعيين مسماه من وصف أو إضافة أو نحوهما، لكن ذلك الاحتياج عارض لا بالنسبة إلى أصل الوضع كبقية المعارف، يعني إذا قيل: زيد يعين المسمى، هو مشترك بينه وبين غيره، قلنا: الوضع متعدد، مطلقاً أخرج ما عين المسمى بقرينة، فإذا قلت: جاءني زيد أو محمد وله متعدد حينئذ نحتاج إلى قرينة حتى نميز من الذي جاء، صار كالمحلى بـ (أل) وكالضمير وغيره. هل يخرج بقوله مطلقاً؟ نقول: لا. لماذا؟ لأن الاحتياج هنا إلى قرينة عارض وليس في أصل الوضع كما هو في المحلى بـ (أل) أو الموصول ونحو ذلك. اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقَاً ... عَلَمُهُ كَجَعَفَرٍ وَخِرْنِقَا قال السيوطي: العلم ما وضع لمعين لا يتناول غيره البتة، يعني: يشخصه، وحينئذ إذا شخصه لا يحتمل إلا مسماه، فإذا قيل: جاء زيد لا يحتمل إلا واحد شخصاً واحداً، واحتماله لآخر نقول: هذا أمر عارض والأصل فيه التقعيد بأصل الوضع، فخرج بالمعين النكرات، وبما بعده سائر المعارف، فإن الضمير صالح لكل متكلم ومخاطب وغائب، وليس موضوعاً لأن يستعمل في معين خاص بحيث لا يستعمل في غيره، لكن إذا استعمل صار جزئياً، وهذه المعارف بعضهم يرى أنها كلية الوضع جزئية الاستعمال، يعني (أنا) لفظ (أنا) ضمير نقول: هو معرفة وضع ليستعمل في معين، لكن في أصل الوضع إذا قلت: أنا، اختص بي دون غيري أم لغيري أن يستعمله فيقول: أنا؟ منذ أن وضع لفظ (أنا) والأمم كلها تستعملها، أنا أنا أنا، أنت، هو، هي، أنتما، الضمائر كلها على هذا النمط، فحينئذ من حيث أصل الوضع وضع كلياً بحيث يدخل تحته أفراد لا حصر لهم، وهذا الذي يسمى الكلي عند المناطقة، ما لا يمنع العقل من تصوره وقوع الشركة فيه، فَمُفْهِمُ اشْتِراكٍ الكُلِّيُّ.

إذاً: هذا أفهم اشتراك من حيث أصل الوضع، ولكن إذا استعمل بالفعل حينئذ صار جزئياً لا يحتمل غيره، ألا نقول: الضمير يعين المسمى؟ عين المسمى، طيب في أصل وضعه نقول: هو صالح لكل متكلم، كل متكلم أراد أن يتكلم عن نفسه فليقل: أنا، والجماعة يقولون: نحن، إذاً ليس خاصاً بزيد وليس خاص بعمرو وليس خاص بجماعة كذا ولا طائفة، وإنما هو مشترك بين كل متكلم، وكذلك ضمير المخاطب أنت مشترك بين كل مخاطب، وضمير الغيبة كذلك مشترك بين كل غائب، طيب هذا الاشتراك هو المفهوم الكلي، ثم إذا قلت: أنا صار معيناً وهذا معنى الجزئي؛ فيتناقضان، نقول: لا، لا تناقض، وإنما في أصل الوضع هو كلي وفي الاستعمال جزئي. إذاً: وضع المعارف كلها من حيث أصل الوضع كليات، وهو يصدق عليه حد الكل، فمفهم اشتراكٍ الكلي. كأسد، وعكسه الجزئي الذي لا يفهم اشتراكاً، فإذا استعملت لفظ الضمير في شأنك أنت بالفعل حينئذ نقول: هذا جزئي، لأنه لا يحتمل إلا مسماه وهو أنت المتكلم، زيد ضربته الضمير هنا يعود إلى زيد لا يحتمل غير زيد، هذا حقيقة الكلي أو الجزئي؟ الجزئي، لكن قبل استعماله (أنا) نقول: قبل استعماله هذا يصلح أن يتكلم به زيد وعمرو وخالد .. إلى آخره، صار مشتركاً. إذاً: في أصل الوضع هو مشترك وهو كلي، ومن حيث الاستعمال فهو جزئي، هذا، هذان، هاتان، نقول: أسماء الإشارة في أصل الوضع كلية، لأن هذا يصدق أن يشار به إلى زيد، إلى عمرو، إلى البيت، إلى السماء، إلى .. إلى آخره. كل مشارٍ إليه يصلح لمفرد مذكر، سواء كان عاقل أو غير عاقل، عالم أو لا، يصلح أن يكون أو أن يشار إليه بـ (ذا)، إذاً هذا صار مشتركاً، فَمُفْهِمُ اشْتِراكٍ، لكن إذا استعمل بالفعل صار جزئياً لا يحتمل غيره، فإذا قلت: هذا زيد صار مسمى هذا معين ولا يحتمل غير زيد الذي أشير إليه، وأما قبل الاستعمال فهو صالح لزيد أن تشير إليه ولغيره. وهذا مراده إن الضمير صالح لكل متكلم، كيف صالح لكل متكلم؟ نقول: هذا قبل استعماله، قبل الاستعمال، فهو كلي يفهم اشتراكاً، وأما بعد الاستعمال فهو جزئي صالح لكل متكلم ومخاطب وغائب. وليس موضوعاً في الأصل في أوصل وضعهن لأن يستعمل في معين خاص بحيث لا يستعمل في غيره، لأنه لو كان خاصاً أول واحد يستعمل كلمة (أنا) أخذها عنا، ما نستعملها انتهى، انتهت صلاحيتها. إذا قال: هذا زيد الذي سبق أولاً، سبق إليها نحن لا نستحقها، لماذا؟ لأنه صار خاصاً. وليس موضوعاً لأن يستعمل في معين خاص بحيث لا يستعمل في غيره، لكن إذا استعمل صار جزئياً، ولم يشركه أحد في ما أسند إليه، واسم الإشارة صالح لكل مشار إليه، فإذا استعمل في واحد لم يشركه في ما أسند إليه أحد، و (أل) صالحة لأن يعرف بها كل نكرة، فإذا استعملت في واحد عرفته وقصرته على شيء بعينه، وهذا معنى قولهم: إنها كليات وضعاً جزئيات استعمالاً. وهذا القول هو المرجح في هذه المسألة، وبعضهم يرى أنها جزئية وضعاً واستعمالاً، وبعضهم يعكس: كلية وضعاً واستعمالاً، والوسط هو الذي ذكرناه أنها كلية باعتبار الوضع جزئية باعتبار الاستعمال. اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً إذاً: يعين المسمى فصل يخرج النكرات. واسْمٌ: هذا جنس.

ويُعَيِّنُ المُسَمَّى: قلنا: المصنف لا يرى أن علم الجنس داخل معنا في هذا الحد، وإنما فصله لأنه يرى أنه نكرة، فأخرجه وخصه بقوله: وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ يُعَيِّنُ المُسَمَّى: حينئذ نخصص تعريفه بالعلم الشخصي، والعلم الشخصي هو الذي يعين مسماه خارجاً -خارج الذهن-، لأنه كما سبق أن التعيين -تعيين الحقائق- إما أن يكون في الذهن فحسب، وإما أن يكون في الخارج، وإما أن يكون في الذهن باعتبار فرد في الخارج، فحينئذ إذا كان المعين –المسمى- خارجاً فهو علم الشخص، زيد إذا قلت زيد أنت في ذهنك أن هذا اللفظ مسمى شخص، هذا الشخص أين يوجد؟ في داخل ذهنك أو في الخارج؟ في الخارج قطعاً؛ لأنه ليس معنى، الذات نفسه الشخص هذا وجوده خارج الذهن، لأنك تقول: اسم زيد، أحمد مثلاً مسماه هذا الذي تراه، هذا أين يوجد؟ في الخارج، هل يمكن أن يوجد في الذهن؟ لا وجود له في الذهن. إذاً: تَشَخُّصُ علم الشخص يكون خارجياً، يعني: خارج الذهن، وداخلياً يعنون به داخل الذهن، إذ قد يكون الشيء مشخصاً في الداخل لا في الخارج، وقد يكون مشخصاً في الداخل باعتبار فردٍ في الخارج ملاحظاً به. يُعَيِّنُ المُسَمَّى: أي خارجاً كعلم الشخص الخارجي، أو ذهناً كالعلم الذي يضعه الوالد لابنه المتوهم وجوده خارجاً في المستقبل. اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً لو قال قائل: إذا جاء لي ولد أسميه محمد، محمد علم أو لا؟ -هو ما جاء- هل يصدق عليه اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، أين هو؟ نحن نقول: علم الشخص له مشخص في الخارج، هذا متوهم في الذهن، إذاً: صار التعيين هنا أمراً ذهنياً لا أمراً خارجياً، أليس كذلك؟ إذا قال: حد العلم اسم يعين المسمى في الخارج -خارج الذهن- مثل الذات فحينئذ إذا قال: إذا جاءني ولد أسميه محمداً، نقول: محمد هذا علم، كيف نحكم عليه بأنه علم ثم نقول: العلم اسم يعين المسمى؟ هذا ما له وجود في الخارج، بل قد يكون ما وجد حتى في بطن أمه؟ نقول: هذا علم ويعين المسمى مطلقاً لكنه في الذهن، أو ذهناً يعني: يكون تعيين المسمى ذهناً، كالعلم الذي يضعه الوالد لابنه المتوهم وجوده خارجاً في المستقبل، وكعلم القبيلة كذلك مثله -لكن هذا عام وذاك خاص- وكعلم القبيلة؛ فإنه موضوع لمجموع أبناء الأب الموجودين حين الوضع وغير الموجودين حينه، فإن الجميع لا وجود له إلا في ذهن الواضع، إذا قيل: هذا قبيلة حرب مثلاً، قبيلة حرب يصدق على الموجودين وعلى ما سيكون في المستقبل، إذاً هذا صار علماً، -حرب علم- علم على الموجودين الآباء وأبنائهم، وأبناء أبناء أبناء الأبناء غير الموجودين؟ نقول: هذا مشخص لكنه ذهني، كالأول المتوهم لكن ذاك شخص واحد سمى ولده وهذا علم على قبيلة، وحينئذ نقول: اسم يعين المسمى مطلقاً كحرب، -بني تميم- ونحو ذلك، وحينئذ نقول: هذا اسم يعين المسمى مطلقاً، طيب، قد يكون بعد مائة سنة لا وجود لمسمى هذا اللفظ؟ نقول: لكنه موجود في الذهن. فقولهم: تشخص العلم الشخصي خارجي أغلبي. نخلص من هذا: أن تشخص العلم الشخصي الأصل فيه أن يكون خارجياً بالفعل موجود، وقد لا يكون موجوداً.

إذاً قول النحاة: تشخص علم الشخص خارجي يعني: مسماه لا بد أن يكون خارج الذهن، نقول: هذه قاعدة أغلبية، بل قد يكون في الذهن ولا وجود له في الخارج كعلم من توهم ولداً فسماه قبل أن يولد، وكذلك أبناء القبيلة. وقوله: يُعَيِّنُ المُسَمَّى: أي أنه يدل على مسمى معين لا أنه يحصل له التعيين؛ لأنه معين في نفسه فيلزم تحصيل الحاصل. إذا قلنا: العلم يعين المسمى قبل العلمية، قبل أن نطلق اللفظ هل هو معين أم لا؟ إن قلنا معين فعينه العلم صار من باب تحصيل الحاصل. إذاً: يعين المسمى المعين في نفسه، هو متعين في نفسه، لكن اللقب أو اللفظ جعل دليلاً عليه من جهة الوضع الشخصي. إذاً: يعين المسمى، أي: أنه يدل على مسمىً معين، لا أنه يحصل له التعيين لأنه معين في نفسه، فيلزم تحصيل الحاصل. فالمراد بتعينه: تمييزه عند المخاطب عما عداه، وهذا التمييز حاصل بالعلم كسائر المعارف. اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً مُطْلَقاً: المراد به: بدون قيد، وهذا القيد إما أن يكون لفظياً، وإما أن يكون معنوياً، وإما أن يكون حسياً. هذه ثلاثة تشمل سائر المعارف، يبقى: من يعين المسمى لا بقيد، فهي أربعة، الأخير هذا هو الذي يسمى علماً. ومطلقاً فصل يخرج المقيدات: إما بقيد لفظي وهو المعرفة بالصلة و (أل) والمضاف إليه، أو معنوي وهو اسم الإشارة والمضمر، فدخل في المعنوي الحسي في اسم الإشارة. ................................. وَقَرَنٍ وَعَدَنٍ وَلاَ حِقِ ... ........ كَجَعَفَرٍ وَخِرْنِقَا وَشَذْقَمٍ وَهَيْلَةٍ وَوَاشِقِ هذه أنواع نوع الأمثلة المصنف رحمه الله تعالى ليدل على أن العلم شخصي لا يختص بأولي العلم من الناس البشر، وإنما هو عام، فنوع المثال لذلك، ولذلك قال في الشرح: ثم مثل الشيخ بأعلام أناسي وغيرهم تنبيهاً على أن مسميات الأعلام، العقلاء وغيرهم من المألوفات. كَجَعَفَرٍ: يعني وذلك كجعفر، وهو اسم رجل جعفر. وَخِرْنِقَا: الألف للإطلاق، اسم امرأة من شعراء العرب وهي أخت طرفة بن العبد لأمه. وَقَرَنٍ: بفتحتين علم على قبيلة في اليمن من بني مراد ومنها أويس القرني. وَعَدَنٍ: عدن كذلك اسم مكان علم لبلد بساحل بحر اليمن، هكذا قيل. وَلاحِقِ: اسم فرس. وَشَذْقَمٍ: بالذال وضبط بالدال، وقيل: يجوز فيه الوجهان. شدقم، شذقم، إما هذا وإما ذاك. وقيل: يجوز فيه الوجهان، شذقم اسم جمل قيل للنعمان بن المنذر. وَهَيْلَةٍ: اسم شاة. وَوَاشِقِ: اسم كلب، اسم كلب هذا وقع ثامناً، قال بالتصريح: ((وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)) [الكهف:22] يعني: وافق الآية، لأنه قال: كجعفر واحد، وخرنق اثنين، وقرن ثلاثة، وعدن أربعة، ولاحق خمسة، وشذقم ستة، وهيلة سبعة، وواشق ثمانية. ((وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)). وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَتةً وَلَقَبَا إذاً حد العلم: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً (عَلَمُهُ)، هذا الأولى أن يجعل مبتدأ، واسم هذا خبر مقدم، وإذا كان خبر مقدم صار واجب التقديم، كما سيأتي في محله أن المبتدأ إذا اشتمل على ضمير يعود على بعض الخبر حينئذ وجب تأخير المبتدأ وتقديم الخبر. على التمرة مثلها زبدة، سيأتينا إن شاء الله.

وَاسْمَاً أَتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا ... وَأَخِّرَنْ ذَا إِنْ سِوَاهُ صَحِبَا قسم لنا العلم إلى ثلاثة أقسام: اسم وكنية ولقب. واسماً أتى: واسماً هذا حال من الضمير المستتر في الفعل الذي يليه. أتى: وأتى العلم حالة كونه اسماً وكنية ولقباً، والاسم له ثلاث إطلاقات إذا وقفنا عند هذا. واسماً أتى: صار الاسم له ثلاث إطلاقات، الاسم مقابل الفعل والحرف هناك، واسم وفعل ثم حرف الكلم، صار له إطلاق وهو مقابل الفعل، ويرد أيضاً مقابل للصفة كعامر ومذنب، ويأتي كذلك مقابل للكنية واللقب، وهو الذي معنا. هذه ثلاثة إطلاقات إلى هذا الموضع. وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَتةً: ينقسم العلم إلى ثلاثة أقسام: إلى اسم وكنية ولقب، والمراد بالاسم هنا: ما ليس بكنية ولا لقب، -بالنفي- إذاً نعرف الكنية أولاً ثم اللقب ثم نعرف أن الاسم ما عدا الكنية واللقب؛ لأنه نفي. ما المراد بالاسم؟ ما ليس بكنية ولا لقب، طيب. ما هي الكنية؟ ما صدر بأب أو أم. ما هو اللقب؟ ما أشعر بمدح أو ذم. وبالكنية ما كان مصدراً بأب أو أم، أم عبد الله، أبو عبد الله، أبو أم، هذا يشترط فيه أن يكون كنية ما لم يسم به ابتداءً، فلو سمى الأب ابنه ابتداءً أول ما وضع عليه من العلمية سماه أبو بكر صار علماً، ولا يقال بأنه كنية، صار اسمه أبو بكر، مثل أبو الدرداء، أبو الدرداء هذا اسمه أول ما وضع ليس كنيته، ولذلك يقول: يا أبو الدرداء! على الأصل، فحينئذ إذا سماه ابتداءً أبو بكر نقول: هذا ليس بكنية، وإنما الكنية تكون طارئة بعد العلم الذي وضع له ابتداءً، فإذا سماه زيداً ثم قال: هو أبو عبد الله نقول: هذا الكنية طارئة ولم يجعله اسماً. إذاً: الكنية ما كان في أوله أب أو أم. وقيل: أو بابن أو ابنة. هل إذا صدر بابن كابن عمر أو بنت كبنت عمر مثلاً، هل يعتبر كنية أو لا؟ هذا محل نزاع، والأكثر على أنه يشترط في الكنية أن تكون مصدرة بأب أو أم، لكن الصحيح أنه اشتهر عند الصحابة بعضهم من عرف بكنيته ومنها -لأنه قد تتعدد الكنى- ومنها أنه ابن عمر، ابن عباس، هذا سيأتي أنه كنية وله جهة أخرى أن يكون علماً بالغلبة، فلا تنافي بين كونه علماً بالغلبة وبين كونه كنية، ولذلك صحح الرضي: أن الكنية يصح أن تصدر بابن أو بنت، لكن المشهور ما ذكره المصنف هنا. واللقب ما أشعر بمدح أو ذم، ما أشعر بمدح كزين العابدين، جمال العابدين –زينهم- زين العابدين، الصديق، الفاروق، هذه ألقاب وهي مشعرة بالمدح. أو ذم كأنف الناقة هذا ذم اسم قبيلة، ذم، نقول: هذا أشعر بذم. إذاً: وَاسْمَاً أتَى: أتى العلم حالة كونه اسماً، وأتى العلم كنية وهو ما كان في أوله أب أو أم. وَلَقَبَا: الألف هذه بدلٌ من التنوين وقفا. وهو ما أشعر بمدح أو ذم.

قال الرضي: والفرق بين اللقب والكنية معنىً، يعني ما الفرق بين هذا وذاك؟ أنف الناقة، الصديق، الفاروق، ما الفرق بينه وبين الكنية؟ قال: الفرق معنىً أن اللقب يُمدح المُلَقَبُ به أو يُذم بمعنى ذلك اللفظ، ما تحمَّله اللفظ من معنى يصدق على المُلَقَبِ به. الصديق هذا لقب لكثرة صدقه، والفاروق، لأن الله تعالى فرق به بين الحق والباطل، زين العابدين، لأنه كان من العباد ومن أجودهم وأحسنهم، أنف الناقة؛ لأنه كان من الأفعال ما يصير أنفاً للناقة. أن اللقب يمدح الملقب به أو يذم بمعنى ذلك اللفظ، بخلاف الكنية؛ فإنه لا يعظم المكني بمعناها بل بعدم التصريح بالاسم ليس لها معنى، أبو عبد الله، كل الناس أبو، ليس فيه معنىً ينفرد به عن غيره بخلاف زين العابدين والصديق والفاروق ونحو ذلك، هذا فيه معنى قد ينفرد به عن غيره، أما أبو عبد الله وأم عبد الله، كل الناس، كل من كني فيكون هذا الوصف مشتركاً. إذاً: ليس المدح بما دل عليه لفظ الكنية، وإنما بكونه لم يصرح باسمه، -هذا فيه تعظيم- بخلاف الكنية؛ فإنه لا يعظم المكني بمعناها، بل بعدم التصريح بالاسم، فإن بعض النفوس تأنف أن تخاطَب باسمها، بعض النفوس تأنف، لا تقل له: يا زين، لا بد أن تأتي بكنيته أو نحو ذلك، فإذا كان الفرق بين الكنية واللقب: أن يكون المعنى المراد من اللقب حصل به المدح أو الذم حينئذ دل اللفظ على مسماه، وإذا كان المراد بالكنية ليس معناها الذي هو الوضعي في لسان العرب وإنما من جهة عدم التصريح باسمه تعظيماً له، لا يقال: يا زيد أو يا محمد .. إلى آخره. أُكنيهِ حِينَ أُنادِيهِ لأُكرِمَهُ ... ولاَ أُلقِّبهُ والسوأَةُ اللَّقَبُ وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَةً وَلَقَبَا عرفنا هذه الثلاثة. وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا وَأخِّرَنْ: وجوباً، ولذلك جاء بفعل الأمر مؤكَّداً بنون التوكيد الخفيفة، إذاً هو واجب وهو مراد المصنف. وَأخِّرَنْ ذَا: المشار إليه يعود إلى أقرب مذكور وهو اللقب. إنْ سِوَاهُ: سوى اللقب. صَحِبَا: الألف للإطلاق. بعد ما قسم لك العلم إلى اسم وكنية ولقباً، قد يجتمع بعضها مع بعض أو قد يجتمع الجميع، هل بينها ترتيب أو تقول ما شئت؟ قال: لا. وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: إذا صحب اللقب الاسم أو الكنية وجب تأخير اللقب، وهل هذا متفق عليه؟ الجواب: لا. وَأخِّرَنْ ذَا: أي اللقب. إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: إذا صحب اللقب الاسم وجب تأخيره، زيد أنف الناقة، زيد زين العابدين وجب تأخير اللقب، ولا يصح أن تقول: زين العابدين زيد، أنف الناقة زيد نقول: هذا لا يجوز، بل يجب تأخير اللقب عن الاسم. ولا يجوز تقديمه على الاسم، فلا تقول: أنف الناقة زيد إلا قليلاً ومنه قول الشاعر: بِأَنَّ ذَا الْكَلْبِ عَمْراً خَيْرَهُمْ حَسَباً ... بِبَطْنِ شِرْيَانَ يَعْوِي حَوْلَهُ الذِّيبُ بأن ذا الكلب عمْراً صاحب الكلب، بأن ذا، ذا: اسم إشارة بمعنى: صاحب، اسم أن. الكلب: صاحب الكلب عمْراً كيف يكون لقباً إذاً؟ ما يكون لقباً. بِأَنَّ ذَا الْكَلْبِ عَمْراً خَيْرَهُمْ حَسَباً، إذا جُعِل ذا اسم بمعنى صاحب هذا فيه إشكال.

على كلٍ؛ الكلب المراد به هنا اللقب، وعمْراً هذا اسم، حينئذ قدم اللقب على الاسم، وهذا قليل. وابن مالك جرى على أنه يجب التقديم في ظاهر عبارته هنا، يجب تقديم الاسم مع اللقب والكنية مع اللقب، يعني يقدم الاسم ويؤخر اللقب، وتقدم الكنية ويؤخر اللقب، هذا ظاهر العبارة؛ لأنه قال: سواه، وسوى اللقب أمران، لكن جماهير الشراح إن لم يكونوا كلهم قالوا: لا، العبارة ليست على ظاهرها، بل ثَمَّ إما خلل في النسخ وإما في غيرها. وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ: قالوا: المراد به الاسم فحسب، وليس مراده الكنية؛ لأن اللقب إذا اجتمع مع الكنية فقدمن ما شئت، قدم وأخر، قدمت اللقب أو أخرته كلاهما سيان، وإنما مراد المصنف هنا أنه إذا اجتمع الاسم مع اللقب. إنْ سِوَاهُ: المراد به الاسم كما وجد في بعض النسخ، إن سواها، سواها يعني: سوى الكنية، وهو الاسم، إذا اجتمع الاسم مع اللقب وجب تأخير اللقب. وعلله ابن مالك وصرح به في التسهيل، وعلله في شرحه بأن الغالب أن اللقب منقول من اسم غير إنسان، هذا الغالب، بطة وقُفَّة هذا الأصل لقب .. ؟؟؟ ... أنف الناقة .. إلى آخره. فإذا قدم اللقب حينئذ قد يظن السامع المخاطب أن المراد به معناه الأصلي. إذاً: أوقع في لبس، وكل ما يوقع في لبس حينئذ الأصل منعه، فوجب تأخير اللقب لئلا يقع في اللبس. لو قال: بطة، ماذا يفهم منها؟ يظن البطة بطة هي نفسها، لكن قال: زيد بطة عرف أنه لقب. بأن الغالب أن اللقب منقول من اسم غير إنسان كبطة وقُفَّة، فلو قدم لتوهم السامع أن المراد مسماه الأصلي، وهذا لبس، وذلك مأمون بتأخيره فلم يعدل عنه، لا يجوز أن يتقدم اللقب على الاسم لئلا نقع في محذور وهو اللبس؛ لأن أكثر الألقاب إنما هي منقولة عن غير إنسان -أوصاف- إما حيوانات أوغيرها، فحينئذ لو أطلق ابتداءً توهم السامع أن المراد معناه الأصلي، وهذا يجب دفعه صيانة للإنسان. وعلله غيره بأنه أشهر من الاسم، اللقب أشهر من الاسم؛ لأن فيه العلمية مع شيء من معنى النعت، فلو أتى به أولاً لأغنى عن الاسم، لو قال: بطة محمد أو زيد، حينئذ هذا فيه وصل، لأن اللقب يكون مشعراً بمدح في نفس المسمى، أو مشعراً بذم في نفس المسمى، وحينئذ فيه دلالة على الاسم وشيء من النعت، فلو قدم لقدم الوصف على الموصوف، وقدم الاسم على الاسم الحقيقي، قالوا: إذاً نمنع. والأشهر ما ذكره ابن مالك أولاً.

وإن كان مع الكنية فالذي ذكروه جواز تقديمه عليها، يجوز: أبو عبد الله أنف الناقة، أنف الناقة أبو عبد الله، يجوز الوجهان، لكن ظاهر كلام المصنف المنع أيضاً، لماذا؟ لأن العلة -إذا قلنا: الأحكام معللة- حينئذ العلة من منع تقديم اللقب على الاسم ما هي؟ توهم مراد المعنى الأصلي من اللفظي. لو قال: بطَّة أبو عبد الله، العلة موجودة أو لا؟ قلنا: يمتنع أن نقول: بطة محمد، لماذا؟ لأنك أول ما قدمت بطة ظن أنها البطة، لكن إذا أخرت قلت: محمد بطة علمت أن هذا لقب له، طيب هذا المعنى الذي أوجب تأخير اللقب؛ لو قلت: بطة أبو عبد الله مع الكنية، -لأنهم يقولون: قدمن ما شئت- العلة موجودة، المحذور، اللبس موجود أو لا؟ موجود نفسه، فكان الأصل يقتضي أن يمنع مطلقاً، أن يمنع تقديم الكنية على اللقب، كما يمنع تقديم الاسم على اللقب، هذا الظاهر، وهو ظاهر عبارة المصنف ولا تحتاج إلى تأويل، بل هو قوله وهو منسوب إليه. وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ: يعني سوى الاسم والكنية، فيجب تأخير اللقب مع الكنية، ويجب تأخير اللقب مع الاسم، ولا نحتاج أن نقول: قال في الكافية كذا وقال في التسهيل كذا. وإن كان مع الكنية؛ فالذي ذكروه جواز تقديمه عليها وتقدمها عليه. ومقتضى تعليل ابن مالك: امتناع تقديمها عليه، وهو المختار -وهكذا قال السيوطي في جمع الجوامع- أن المختار هو ما يقتضيه تعليل ابن مالك رحمه الله تعالى من منع تقديم اللقب على الاسم لأن العلة موجودة مع الكنية كذلك، قال السيوطي: وهو المختار. إذاً قوله: وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ: هذا شامل للاسم والكنية، فيجب تأخير اللقب مع الكنية، ويجب تأخير اللقب مع الاسم. هل هو مراد المصنف أو لا؟ ظاهر العبارة أنها مرادة. إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: سواه نقول: شامل للاسم والكنية، وقيل: الضمير وسواه عائد إلى الكنية باعتبار تأولها بالعلم، لكن هذا أيضاً فيه تحريف. قال ابن عقيل: وظاهر كلام المصنف أنه يجب تأخير اللقب إذا صحب سواه، ويدخل تحت قوله: سواه؛ الاسم والكنية، وهو إنما يجب تأخيره مع الاسم -عند الشارح، أما المصنف لا-. فأما مع الكنية فأنت بالخيار بين أن تقدم الكنية على اللقب، فتقول: أبو عبد الله زين العابدين، وبين أن تقدم اللقب على الكنية فتقول: زين العابدين أبو عبد الله، ويوجد في بعض النسخ بدل قوله: وَأخِّرَنْ ذَا إنْ سِوَاهُ صَحِبَا: وذا اجعل آخراً إذا اسماً صحبا، نص على الاسمية، وهو أحسن منه لسلامته مما ورد على هذا، لكن دعوى الإجماع أنهم أجمعوا على جواز التقديم والتأخير بين اللقب والكنية هذا محل خلاف، ليس محل إجماع، وإنما نص السيوطي في جمع الجوامع أنه مختلف فيه، والمختار هو أنه يمنع والحكم واحد، وأنه لا فرق بين الكنية والاسم في وجوب تأخير اللقب عليهما، وهو الظاهر. وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأَضِفْ ... حَتْمَاً وَإِلاَّ أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ إذا تأخر اللقب عن الاسم أو اجتمع الاسم واللقب. وَإنْ يَكُونَا: الاسم واللقب. مُفْرَدَيْنِ: المفرد هنا ما يقابل المضاف، فإما مفردين فأضف حتماً.

َإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأضِفْ حَتْماً: يعني وجوباً عند البصريين، إذا كان الاسم مفرداً وكان اللقب مفرداً عند البصريين لا يجوز إلا وجه واحد: وهو أن تضيف الأول إلى الثاني، فأضِفْ –وجوباً- الأول إلى الثاني، وهذا عند البصريين نحو: سعيد كرز، سعيد: هذا علم –اسم- وكرز: هذا لقب، هو في الأصل خرج الراعي، ويطلق على اللئيم والحاذق، سعيد كرزٍ: مضاف ومضاف إليه. وسيأتي في باب الإضافة: أنه يمتنع إذا اتحد المعنى أن يضاف بين الاسمين. وَلاَ يُضَافُ اسْمٌ ِلَما بِهِ اتَّحَدْ ... مَعْنىً وَأَوِّلْ مُوهِمَاً إِذَا وَرَدْ سعيد كرزٍ هذا مثال يذكرونه هناك. سعيد كرزٍ، حينئذ لا بد من التأويل؛ لأن سعيد مسماه هو مسمى كرز، وكرز مسماه هو مسمى سعيد، إذاً كيف يضاف الشيء إلى نفسه؟ هذا أشبه ما يكون بالمترادفين. قالوا: لا بد من التأويل، يعني: مسمى كرزٍ، فلوحظ في الأول الذات –الاسم-، ولوحظ في الثاني المعنى. وإلاَّ يكونا مفردين بأن كان أحدهما مركباً، وحينئذ إما أن يكونا مركبين، وإما أن يكون الأول مركب والثاني مفرد أو بالعكس، فالصور أربعة. اجتماع اللقب مع الاسم، الصور أربعة: إما أن يكون مفردين، يعني غير مضافين، وحينئذ عند البصريين وجوب إضافة الأول للثاني، سعيد كرزٍ لا وجه له ثانٍ. وعند الكوفيين يجوز الإتباع، وسيأتي. وإلاَّ يكون مفردين بأن كانا مركبين، أنف الناقة عبد الله، عبد الله أنف الناقة، عبد الله، هذا مركب، وأنف الناقة، هذا مركب، أو يكون الأول مفرد، والثاني مركب، الأول مفرد مثل: زيد أنف الناقة، أو بالعكس أن يكون الأول مركب الذي هو الاسم عبد الله، والثاني يكون مفرداً: عبد الله كرز، إذاً افترقا. وإلا يكونا مفردين بأن كانا مركبين، أو أحدهما مركب والثاني مفرد قدمت أو أخرت. أَتْبِعِ: الثاني. الَّذِي رَدِفْ: أتبع الثاني للأول، يعني يكون تابعاً له، والتوابع كم أربعة. والمراد هنا إما أن يكون بدلاً، بدل كل من كل أو عطف بيان، إما أن تعربه بدل كل من كل، أو عطف بيان، يعني: لا تجوز الإضافة؛ لأن العرب لا تضيف ثلاثة أشياء، وإنما جوزوا في الأول: سعيد كرز لأن كلاً منهما مفرد، وأما إذا كانا مركبين حينئذ أضفت أربعة أشياء، أربعة أسماء وهذا ممتنع، وإذا كان أحدهما مفرد والثاني مركب حينئذ أضفته بين ثلاثة أشياء، وهذا أيضاً ممتنع. إذاً: وجب الإتباع، ولا يجوز الإضافة، وإنما الإضافة فيما إذا كانا مفردين. وَإنْ يَكُونَا: يعني اللقب والاسم. مُفْرَدَيْنِ: غير مضافين. فأضِفْ حَتْماً: أضف الأول إلى الثاني حتماً وجوباً عند البصريين، نحو: سعيد كرزٍ أي: مسماه. وأجاز الكوفيون الإتباع، سعيدٌ كرزٌ، جاء سعيدٌ كرزٌ، جاء: فعل ماض، وسعيد: فاعل، وكرز: هذا بدل كل من كل أو عطف بيان، مع الإضافة. وأجاز الكوفيون الإتباع، واختاره في الكافية والتسهيل، وعلى الأول جواز الإضافة حيث لا مانع من (أل) نحو: الحارث وكرزٍ. دائماً الشراح يفسرون الألفية بالكافية، وهذا مثال واضح بين أن هذا الطريق ليس صحيح. هنا قال: وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأضِفْ حَتْماً

اختار وجوب الإضافة، في الكافية رجح مذهب الكوفيين: وهو أنه يجوز الإتباع، حينئذ لا ينبغي أن يفسر هذا بذاك، لماذا؟ لأنه لم يختصر الخلاصة من الكافية مباشرة حتى نقول: أنه لم يرجع عن أقواله، -لم يصحح بعض المذاهب- وإنما ألف الكافية والله أعلم كم الزمن الذي وقع بين الخلاصة والكافية، في هذا الزمن تتغير وتتبدل أمور، يرجع عن أقوال وينفي أمور يثبتها، ويثبت أموراً نفاها .. إلى آخره. فالآراء تتبدل وتتغير؛ لأنها من باب الاجتهادات، وحينئذ: وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ نقول: في الكافية اختار مذهب الكوفيين، وهنا رجح مذهب البصريين. وهذا يدل على أنه لا علاقة من حيث الترجيح -وإن كانت هذه خلاصة- لا علاقة من حيث الترجيح بما في الكافية وتكون حاكمة على الألفية. وأجاز الكوفيون الإتباع، واختاره في الكافية والتسهيل، وعلى الأول جواز الإضافة حيث لا مانع من (أل)، نحو: الحارث كرزٌ، يعني: مذهب البصريين أنه لا يجوز أن يكون المضاف محلىً بـ (أل) وهذا متفق عليه لا إشكال فيه إلا إذا كان وصفاً، وهذا له حالاته. الحارث، نقول: هذا محلىً بـ (أل). الحارثُ كرزٌ، هل يصح أن نضيف الأول إلى الثاني فيكون داخلاً في قوله: وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ، مع كونهما مفردين؟ نقول: نعم. فإذا أضفنا قلنا: الحارث كرزٍ -على الأصل على القاعدة- وقعنا في محذور: وهو أن المضاف هنا محلىً بـ (أل)، فإذا كان كذلك حينئذ وجب الاستثناء من القاعدة - وَإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ - بشرط ألا يكون الأول محلىً بـ (أل)، فالحارثُ كرزٍ هذا عندهم لا يصح، وإنما تقول: الحارثُ كرزٌ بالرفع على أنه بدل أو عطف بيان، إما بدل وإما عطف بيان. قال الشارح هنا: إذا اجتمع الاسم واللقب؛ فإما أن يكونا مفردين، والمفرد هنا ما قابل المركب، أو مركبين، أو الاسم مركباً واللقب مفرداً، أو الاسم مفرداً واللقب مركباً، فإن كانا مفردين، إن كان في الأول (أل) فليس إلا الإتباع وفاقاً نحو: الحارث كرزٌ، وجب عند البصريين الإضافة على تأويل الأول بالمسمى، والثاني بالاسم تخلصاً من إضافة الشيء إلى نفسه. وَلاَ يُضَافُ اسْمٌ ِلَما بِهِ اتَّحَدْ ... مَعْنىً وَأَوِّلْ مُوهِمَاً إِذَا وَرَدْ سعيدُ كرزٍ نقول: هذا مثله؛ لأنه هو نفس المسمى واحد، ما يصدق عليه المضاف هو الذي يصدق عليه المضاف إليه. إذاً: لا بد من التأويل، من إضافة المسمى إلى الاسم، نحو: سعيدُ كرزٍ ورأيت سعيدَ كرزٍ ومررت بسعيدِ كرزٍ، مضاف ومضاف إليه مثل عبد الله، جاء عبدُ الله، رأيتُ عبدَ الله، مررتُ بعبدِ الله، جاء سعيدُ كرزٍ، رأيت سعيدَ كرزٍ، مررت بسعيدِ كرزٍ.

وأجازه الكوفيون واختاره ابن مالك الذي هو الإتباع. وأجاز الكوفيون الإتباع واختاره ابن مالك على البدل أو عطف بيان، فتقول: هذا سعيدٌ كرزٌ، ورأيت سعيداً كرزاً، ومررت بسعيدٍ كرزٍ –مطلقاً- جاء سعيدٌ كرزٌ، سعيد: فاعل، وكرزٌ: بدل أو عطف بيان. رأيت سعيداً كرزاً، كرزاً: عطف بيان أو بدل كل من كل؟ مررت بسعيدٍ كرزٍ، كرزٍ عطف بيان أو بدل كل من كل، لماذا؟ قالوا: لأن الإضافة في مثل ذلك خلاف الأصل، الإضافة هنا -وهذا توجيه جيد- وهو أن الإضافة هنا من إضافة الشيء إلى نفسه، اتحد معناه، وهذا خلاف الأصل، وإنما الأصل أنك تغاير بين المضاف والمضاف إليه، غلام زيد، غلام مصدقه غير مصدق زيد، هذا الأصل في الإضافة أنك تقيد الأول بالثاني. أما سعيدُ كرزٌ هو عينه، تضيفه إلى أي سبب؟ ما الموجب؟ حينئذ إذا قلت: غلام زيد عبد الله ثَمَّ سبب، ثَمَّ موجب، تقيد الأول بالثاني، أما سعيدُ كرزٍ ما الفائدة؟ ليس فيه فائدة، ولذلك مذهب الكوفيين أرجح، لأن الإضافة في مثل ذلك خلاف الأصل. وإن لم يكونا مفردين، وهو الذي أشار إليه بقوله: وإلاَّ (إن لا)، (إن) أدغمت في لا. وإلاَّ -يكونا مفردين- أتبع الثاني الذي ردف، يعني: الأول –له- في إعرابه على أنه بدل أو عطف بيان، وحينئذ نقول: امتنعت الإضافة، لا يجوز أن يضاف، لماذا؟ لأنه لا يضاف ثلاثة أسماء فضلاً عن أربعة أسماء، إذا قلت: أنف الناقةِ، محمد أنفِ الناقةِ، أضفت ثلاثة أسماء، وهذا ممتنع في لسان العرب؛ لأنه ثقيل، محمد أنفِ الناقة مثل سعيد كرز نقول: هذا فيه ثقل. بأن كانا مركبين، نحو: عبد الله أنف الناقة، أو مركباً ومفرداً: عبدُ الله كرزٌ وسعيد أنف الناقة وجب الإتباع، فتتبع الثاني الأول في إعرابه،- هذا هو الأصل- ثم يجوز لك وجه آخر وهو القطع، -القطع هذا يكون في باب النعت- يعني تجعل الكلام جملتين وليس جملة واحدة. جاء سعيدٌ أنفُ الناقةِ، أنفُ الناقةِ هذا بدل أو عطف بيان، يجوز أن تقول: جاء سعيدٌ أنفَ الناقةِ، يعني بالنصب، قطعت الرفع إلى النصب على تقدير فعل أعني، وحينئذ صار الكلام جملتين، ولذلك القطع خلاف الأصل، الأصل في الكلام أن يكون متصلاً بعضه ببعض، وما جيء بحروف العطف إلا من أجل إيصال الكلام بعضه ببعض، وحينئذ يجوز أن تقطع فتقول: جاء سعيدٌ أنفُ الناقةِ، جاء سعيدٌ أنفَ –بالنصب- على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوباً أعني. وكذلك إذا كان منصوباً تقطعه إلى الرفع، رأيت سعيداً يجوز أن تقول: أنفَ الناقة على أنه بدل أو عطف بيان، ويجوز أن تقول: رأيت سعيداً أنفُ بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. إذاً: تقطع الرفع إلى النصب وإلى رفع لا بأس، لماذا؟ لأنك قد تنوي بأن الجملة الثانية مغايرة للأخرى، يعني هل يجوز أن يقال: جاء سعيد أنفُ الناقةِ؟ أنفُ يجوز لك إعراب أنفِ: إما بدل أو عطف بيان، أو أنه خبر لمبتدأ محذوف وهو أنفُ الناقة ولا بأس.

ويجوز أن تقطعه من الرفع إلى النصب، ولذلك قال هنا: ويجوز القطع إلى الرفع بإضمار هو، يعني: مبتدأ محذوف، ويكون الذي قطعته خبراً لمبتدأ محذوف، أو النصب بإضمار أعني، مررت بزيدٍ أنفُ الناقة، -لا إشكال- يعني: وهو أنفُ الناقة. وأنفَ الناقة أعني: أنفَ الناقة. فالرفع على إضمار مبتدأ، والتقدير: هو أنف الناقة. والنصب على إضمار فعل والتقدير: أعني أنفَ الناقة، فيقطع مع المرفوع إلى النصب، ومع المنصوب إلى الرفع، ومع المجرور إلى النصب أو الرفع، ولا يقطع الرفع أو النصب إلى الجر، لا يقطع المرفوع أو المنصوب إلى الجر، لماذا؟ لأن العامل الذي يقدر هو فعل أو اسم، وحرف الجر لا يعمل مقدراً على الصحيح، ولذلك قلنا: المرجح (اضرب): أنه فعل مبني وليس معرباً خلافاً للكوفيين أنه مجزوم بلام الأمر مقدرة. إذاً: وَإِنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فأَضِفْ ... حَتْمَاً وَإِلاَّ أَتْبِعِ الَّذِي رَدِفْ إلاَّ: قالوا: ظاهره امتناع الإضافة إذا كان الأول مفرداً والثاني مركباً. قال الصبان: والوجه خلافه، كما صرح به الرضي بجواز كون المضاف إليه مركباً نحو: غلام وعبد الله، بخلاف المضاف، والإتباع أقيس من الإضافة، والإضافة أكثر. وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ وَجُمْلَةٌ وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا ... ذَا إِنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا وَشَاعَ فِي الأَعْلاَمِ ذُو الإِضَافَهْ ... كَعَبْدِ شَمْسٍ وَأَبِي قُحَافَهْ ينقسم العلم باعتبار كونه منقولاً أو مرتجلاً إلى قسمين، وزاد بعضهم ثالثاً لا منقولاً ولا مرتجلاً. وَمنْهُ مَنْقُولٌ: أي: ومن العلم علم منقول، وأرادوا به أنه ما سبق له استعمال في غير العلمية، يعني: كان نكرة، كان جملة، كان فعلاً ماضياً، كان مضارعاً، كان اسماً جامداً، كان اسم فاعل، كان اسم جنس في الأصل، ثم نقلته فجعلته علماً، اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً، هذا يسمى منقولاً، يعني سبق له استعمال في غير علم. فضل مثلاً، هذا مصدر جامد، لو قلت: فضلٌ، هذا فضل الله؛ شيء غير معين، لكن لو جاءك ولد وقلت: هذا سميته فضل، حينئذ نقلت المصدر من دلالته على المصدر وعدم التعيين لأنه جامد فصار علماً لذاتٍ مشخصة، هذا يسمى علماً منقولاً. ومرتجل هذا مأخوذ من الارتجال وهو ابتداء الشيء على غير تهيئٍ، والمراد به: ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها،- أول ما وضع في لسان العرب وضع اسماً علماً يعين المسمى-لم يستعمل كمصدر أو فعل أو جملة ثم نقل إلى العلمية، بل أول ما وضع وضع علماً. إذاً: العلم إما منقول وإما مرتجل. المنقول: ما سبق له استعمال في غير علمية، قبل العلمية. والمرتجل الذي لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها، أو سبق وجهل –قولان-، قد يكون سبق لكنه جهل، حينئذ ما حكمه؟ إذا سبق له وجهل لا ندري هل هذا ابتداءً أم أنه نكرة، ابتداءً علماً مرتجلاً أم أنه منقول ما ندري، حينئذ صار حكمه حكم المنقول، لأنه لا بد وأن يعتبر إما نكرة وإما فعل إلى آخره، فإذا لم يعلم حينئذ رجعنا إلى الأصل.

وَمنْهُ مَنْقُولٌ: منه أي: من العلم، علم منقول إلى العلمية بعد استعماله في غيرها، كفضل -هذا مصدر- وأسد -هذا اسم جنس، وحينئذ المنقول إما أن ينقل من صفة كحارث، أو من مصدر كفضل، أو من اسم جنس كأسد، وهذه تكون معربة. وقد يكون النقل من جملة إما فعلية -وهو المسموع في لسان العرب- وإما اسمية وهذا مقيس عند النحاة على الجملة الفعلية- يعني: لم يسمع نقل جملة إلى العلمية إلا الفعلية فحسب، شاب قرناها، شاب: فعل ماض، وقرناها: فاعل، تأبط شراً: هذا فعل وفاعل ومفعول به، هذا الذي سمع. وأما لو قيل: زيد عالم،-سميت ولدك زيد عالم- هذه جملة اسمية، هل نقل في لسان العرب؟ الجواب: لا، لأنهم لما سموا بالجملة الفعلية حينئذ قاسوا عليها الجملة الاسمية لانتفاء الفرق بينهما. أو من جملة كقام زيد وزيد قائم، وحكمها أنها تحكى، كما سيأتي. وَمنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ .............. وَذُو ارْتِجَالٍ: يعني: ومنه ذو ارتجال، والارتجال: ابتداء الشيء على غير تهيئٍ. كَسُعَادَ وَأُدَدْ، أدد هذا نُوزع فيه بأنه؟؟؟ أو لا، قيل: جمع أدة بمعنى المرة من الود، والهمزة منقلبة عن الواو. سعاد هذا أول ما نقل، أول ما وضع وضع علماً، لم يسبق أن يستعلم في غير العلمية ثم استعمل في العلمية، وأدد مثله عند الناظم إلا أنه نُوزع فيه. وقيل: من العلم ما ليس منقولاً ولا مرتجلاً، لا يوصف بهذا ولا بذاك، فهو واسطة بينهما. وهو الذي علميته بالغلبة، هذا يأتي في المعرف بـ (أل). وَقَدْ يَصِيرُ عَلَمَاً بِالْغَلَبَهْ ... مُضَافٌ اوْ مَصْحُوبُ أَلْ كَالعَقَبَةْ المدينة: هذا علم بالغلبة، يعني إذا أطلقت المدينة صرفت إلى المدينة هي هي، عينها، وحينئذ هل هذا منقول؟ هل هذا مرتجل؟ الجواب: لا، لا منقول ولا مرتجل. وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ ذهب بعضهم إلى أن الأعلام كلها منقولة، -كلها ليس فيه تفصيل لا منقول ولا مرتجل، بل كلها منقولة- وليس منها شيء مرتجل. قال قائله: إن الوضع سبق ووصل إلى المسمى الأول، وعلم مدلول تلك الألفاظ في النكرات وسمي بها، وجهْلنا نحن أصلها فحينئذ توهمنا من سمى بها من أجل ذلك مرتجلاً، فحينئذ كونها مرتجلة أو منقولة هذا وهم يعني من باب التوهم عند المسمي، وإلا الأصل كلها منقولة. وذهب الزجاج إلى أنها كلها مرتجلة، عكس الأول، والمرتجل عنده ما لم يقصد في وضعه النقل من محل آخر إلى هذا، ولذلك لم تجعل (أل) في الحارثِ زائدة، وموافقتها للنكرات بالغرض لا بالقصد؛ لأنه يرد عليه أن عندنا مصدر هو (فضل)، وعندنا جملة: شاب قرناها، وعندنا جملة أخرى: تأبط شراً، لو كانت كلها أعلام بالأصل وعندنا هذه أفعال مستعملة في غير العلمية وعندنا فضل مصدر وعندنا أسد اسم جنس مستعلمة في غير العلمية، كيف يقال؟ قال: هذا لا، هذه موافقة لا بالقصد، وإنما بالتوافق وحسب، الأصل وضع فضلٌ علماً، ووضع نكرة كذلك موافقاً له في اللفظ والمعنى لا أنه نقل من المصدر إلى علمية، وهذا فيه تكلف، أن يقال: بأن فضل وضع مرتين: مرة علماً ومرة نكرة هذا يحتاج إلى إثبات.

إذاً: ثَمَّ خلاف في العلم المنقول والعلم المرتجل، لكن لا ينبني عليه كبير فائدة. وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ وَجُمْلَةٌ: يعني ومنه جملة، يعني: يقع جملة مركبة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر، لكن ليس بعد العلمية، وإنما هو قبل العلمية، يعني منقول من الجملة كما ذكرناه سابقاً، قام زيد، جاء قام زيد، رأيت قام زيد، مررت بقام زيد، نقول: قام زيد هذا اسم كزيد، حينئذ تحكى الجملة ولا تعرب إلا إعراباً مقدراً، تحكى كما هي يعني: لا يبدل، لا تقل: جاء قاموا زيد، قاموا بالرفع على أنه فاعل، وإنما تحكى كما هي؛ لأنه في الأصل فعل ماض وهو مبني فيبقى على نفس اللفظ ولا يتبدل ولا يتغير، ولذلك قال هنا: تحكى، فتقول: جاءني زيد قائم ورأيت زيد قائم ومررت بزيد قائم، وهذا من الأعلام المركبة، لكنه كما ذكرنا لم يسمع أنهم سموه بالجملة الاسمية، وإنما ورد تسميتهم بالجملة الفعلية. كَذَبْتُم وبَيْتِ الله لاَ تَنكِحُونَهُ ... بَني شَابَ قَرنَاهَا تَصُرُّ وتَحلِبُ وَجُمْلَةٌ: يعني ومنه جملة. وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا: يعني ومنه بما بمزج، يعني: الذي بسبب مزج ركبا، والمزج عندهم أخذ اسمين ويجعلا اسماً واحداً، وينزل الثاني منزلة تاء التأنيث من الأول -هكذا قيل- بأن أخذ اسمان وجعلا اسماً واحداً ونزل ثانيهما من الأول منزلة تاء التأنيث من الكلمة، بعلبك، حضرموت، معدي كرب، هذا مركب مزجي، سيبويه هذا مركب مزجي، حينئذ بعلبك، بعل هذا جزء، بك هذا جزء ثان. قيل: جعل بك بمنزلة تاء التأنيث، عائش عائشة، أليس كذلك؟ عائش الشين هي محل الإعراب، جاء عائش اسم رجل هذا، جاء عائشٌ، رأيت عائشاً، مررت بعائشٍ، إذاً: الشين هي محل الإعراب، إذا اتصلت به تاء التأنيث؛ جاءت عائشةُ صارت التاء هي محل الإعراب، هذا مثله (بعل) اللام هي محل الإعراب، فلما اتصل به ركب ومزج بين الكلمتين (بعل بك) صار الجزء الثاني كالتاء من تاء التأنيث انتقل الإعراب من بعل من اللام إلى آخره فنزل منزلة تاء التأنيث. كل كلمتين نزلت ثانيهما منزلة تاء التأنيث مما قبله، بمعنى: أنه صار بعد التركيب والمزج صار حرف إعراب في آخره. وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا: الألف هذه للإطلاق. ذَا: ما هو المشار إليه؟ ذا الذي هو المركب المزجي. إنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا إنْ: حرف شرط، وفعل الشرط محذوف وجوباً يفسره المذكور تم، إن تم وختم بغير لفظ ويه، أُعْرِبَا: هذا جواب الشرط، أعربا. إذاً متى يكون مبنياً؟ ومتى يكون معرباً؟ فصل المصنف رحمه الله تعالى. إنْ بِغَيْرِ وَيْهِ: كبعلبك وحضرموت ومعدي كرب، إذاً: هذا تم وختم بغير ويه، أعرب صار معرباً إعراب ما لا ينصرف. مفهومه: إن ختم بويه -اسم صوت- صار مبنياً؛ لأن الحكم هنا أعرب علق على وصف، إن وجد ذلك الوصف وجد معه الإعراب، وإن لم يوجد حينئذ وجد نقيضه وهو البناء. ذَا: أي: المركب المزجي. إن بغير لفظ ويه تم أي ختم أعربا كبعلبك، إعراب ما لا ينصرف، فإن ختم بويه حينئذ صار مبنياً.

ذَا إنْ بِغَيْرِ وَيْهِ تَمَّ أُعْرِبَا: إذاً المركب المزجي نوعان: إما أن يكون مختوماً بويه كسيبويه، وخالويه، ونفطويه، وإما ألا يكون مختوماً بويه، إن كان مختوماً بيويه كسيبويه نقول: هذا مبني، بل فيه لغات، الفصحى بناؤه على الكسر، سيبويهِ مبني على الكسر، ويليها: -يلي هذه اللغة الفصحى- ممنوع الصرف يمنع من الصرف، تقول: جاء سيبويه، ورأيت سيبويهَ ومررت بسيبويهَ ممنوع من الصرف. وغير المختوم بويه كمعدي كرب، وبعلبك فيه ثلاث لغات، إذاً سيبويه كم لغة فيه؟ فيه لغتان: البناء على الكسر وهو اللغة الفصحى سيبويهِ مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً. اللغة الثانية: إعرابه إعراب ما لا ينصرف، وأما غير المختوم بويه والذي نص عليه المصنف أنه معرب ففيه ثلاث لغات، الفصحى إعرابه إعراب ما لا ينصرف على الجزء الثاني، ويفتح آخر الأول للتركيب ما لم يكن ياء كمعدي كرب فيسكن. إعراب ما لا ينصرف يكون الإعراب على الحرف الأخير، بعلبك -هو رجل اسمه بعلبك-، جاء بعلبكُ تقول: هذا فاعل مرفوع، ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، ولا تقل: بعلبكٌ بالتنوين؛ لأنه ممنوع من الصرف، جاء بعلبكُ، رأيت بعلبكَ، مررت ببعلبكَ ممنوع من الصرف، مثلما تقول: جاء أحمد، رأيت أحمدَ، ومررت بأحمدَ، نقول هذا ممنوع من الصرف. ويفتح آخر الأول -بعلَبكَ- في المواضع كلها إلا إذا كان ياءً فيسكن، جاء معدي كرب، رأيتُ معدي كرب، مررت بمعدي كرب .. ساكنة في الثلاثة الأحوال، وأما كرب وهذه في حالة الرفع تضم، جاء معدي كربُ فاعل، رأيتُ معدي كربَ مررت بمعدي كربَ؛ لأنه ممنوع من الصرف وهو الذي نص عليه المصنف. ويليها إعراب المتضايفين بإضافة صدره إلى عجزه، فيخفض ويجري الأول بوجوه الإعراب، تقول: جاء بعلبكُ، تحركها بالضمة، والثاني يجر، بعلُبكِّ –مثل عبدُ اللهِ_ جاء بعلُبكِّ، رأيت بعلَبكِّ، مررت ببعلِبكِّ، جاء حضرُموتٍ، رأيت حضرَموت، مررت بحضرِموت -هذا إعراب عبد الله- متضايفين، إضافة الأول إلى الثاني، ويجري الأول بوجوه الإعراب، يعني الحركات تكون على اللام، بعلَ، بعلِ، بعلُ. واللغة الثالثة: بناؤه على الفتح في الجزأين ما لم يعتل الأول فيسكن كخمسة عشر، يعني بعلبك مبني على فتح الجزأين مثل: خمسة عشر، إلا إذا كان الأول معتلاً مثل معدي فيبقى على السكون ولا يحرك بالفتح. إذاً: ذو المزج -النوع الذي أراده المصنف- وهو كل اسمين نزل ثانيهما منزلة هاء التأنيث نقول: نوعان مختوم بويه كسيبويه وفيه لغات، الفصحى بناؤه على الكسر، ويليها الإعراب ممنوع من الصرف، وغير المختوم بويه كمعدي كرب وبعلبك ففيه ثلاث لغات. الفصحى إعرابه إعراب ما لا ينصرف على الجزء الثاني، ويفتح آخر الأول للتركيب ما لم يكن ياء كمعدي كرب فيسكن، ويليها إعراب المتضايفين بإضافة صدره إلى عجزه فيخفض يعني الثاني، ويجري الإعراب بوجوه الإعراب على الأول، والثالثة بناؤه على الفتح في الجزأين ما لم يعتل الأول فيسكن كخمسة عشر. وَمَا: ومنه -ما علم- بِمَْزجٍ: بسبب المزج رُكِّبَا الألف للإطلاق، والذي ركب بمزج، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (ذا) أي: المركب تركيب مزجي، إنْ بِغَيْرِ لفظ وَيْهِ تَمَّ -ختم- أُعْرِبَا.

وَشَاعَ فِي الأعْلاَمِ -المركبة- ذُو الإضَافَهْ: وشاع، يعني كثر وانتشر في الأعلام المركبة. ذُو الإضَافَهْ: يعني صاحب الإضافة، مضاف ومضاف إليه، هذا أكثر من المزجي، وأكثر من الإسنادي، والمفرد أكثر منهم، لكن إذا قيل: العلم إما مفرد وإما مركب، والمركب إما مركب تركيباً إسنادياً، وهو ما سمي بجملة فعلية أو اسمية، والمركب تركيب مزجي، والمركب تركيب إضافي .. هذه ثلاثة أنواع للأعلام المركبة، أكثرها في لسان العرب المضاف، وَشَاعَ: كثر وانتشر، في الأعلام المركبة: ذو الإضافة. والإضافة المراد بها: -المضاف والمضاف إليه-: كل كلمتين نزل ثانيهما منزلة التنوين مما قبله، غلامٌ ثم أضفته إلى زيد قلت: غلامُ حذفت التنوين، زيدٍ جعلت التنوين في آخر الكلمة، إذاً نزلت زيد من غلام منزلة التنوين، وليست هي محل إعراب، بخلاف بعلبك نزل الجزء الثاني منزلة تاء التأنيث، وتاء التأنيث تكون محلاً للإعراب. إذاً المضاف والمضاف إليه أو المركب الإضافي: كل كلمتين نزلت ثانيهما منزلة التنوين مما قبله، غلام زيدٍ أصلها غلامٌ زيدٌ، كل منهما مفرد، أردت الإضافة حذفت التنوين من غلام المضاف إليه وجوباً ثم أضفته إلى زيد فجعل زيد محلاً لظهور التنوين الذي كان في الأول. كَعَبْدِ شَمْسٍ: يعني وذلك كعبد شمس، وهو علم لأخِ هاشم بن عبد مناف، وأَبِي قُحَافَهْ: علم لوالد أبي بكر. نبه بالمثالين على أن الجزء الأول يكون معرباً بالحركات كعبد، وبالحروف كأبي. والجزء الثاني يكون منصرفاً كشمسٍ، وغير منصرف كقحافة. إذاً: أشار بهذه الأبيات إلى تعداد أنواع العلم، منه ما هو منقول، ومنه ما هو مرتجل، منه ما هو جملة، ومنه ما هو مركب، والمركب قد يكون مركباً إسنادياً وقد يكون مركباً تركيبياً أو مركباً إضافياً، ومنه ما هو مفرد ولم ينص عليه لأنه الأصل، أو يقال: بأنه سبق في قوله: وَاسْمَاً أتَى، وَكُنْيَتةً وَلَقَبَا، ولذلك قال السيوطي: علم الشخص أربعة أنواع: أولاً: المفرد، وهو ما عري من إضافة وإسناد ومزج كزيدٍ. ثانياً: ذو الإسناد، وهو المحكي من جملة نحو: برق نحره، وتأبط شراً، وشاب قرناها. وهذا أشار إليه المصنف بقوله: وجملة. ثالثاً: ذو المزج، وذكرناه وأشار إليه بقوله: وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا إلى آخره. الرابع: ذو الإضافة، وهو اسم وكنية، فالأول كعبد الله والثاني ما صدر بأب أو أم، زاد الرضي أو بابن أو بنت، وأشار إليه بقوله: وَشَاعَ فِي الأعْلاَمِ ذُو الإِضَافَهْ، والمركب أو الكنية أشار إليه بقوله: وَاسْمَاً أتَى وَكُنْيَتةً والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

22

عناصر الدرس * علم الشخص وعلم الجنس * فوائد مهمة في ضبط علم الشخص وعلم الجنس والتمييز بينهما. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س: كنا نود منكم أن تذكروا لنا المسائل التي خالف فيها ابن مالك نفسه بين الكافية والخلاصة؟ ج: المسائل التي مرت، معنا شرح ابن عقيل خرجها ولا تستفيد منها شيئاً فوائدها قليلة، هل هي أقوال موجودة معروضة وهو قول مسبوق إليه حينئذٍ؟؟؟. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: ما زال الحديث في باب الْعَلَم وهو النوع الثاني من أنواع المعارف. وَمُضْمَرٌ أَعْرَفُهَا ثُمَّ العَلَم: عرَف ابن الناظم رحمه الله تعالى العلم بقوله: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً، وعلى مذهبه علم الجنس في المعنى نكره، حينئذٍ ليس داخلاً في الحد، لأن قوله يعين المسمى، خرج به علم الجنس لأنه في المعنى نكرة عند ابن مالك رحمه الله تعالى، ومرادف باسم الجنس كأسد وأسامة. ثم قسَّم العلم لأنه قد يكون لمن يعقل وقد يكون لغير من يعقل وقد يكون لحيوان وقد يكون لمكان إلى غير ذلك. ثم قسَّمَه باعتبارٍ آخر، أنه ينقسم إلى كنية واسم ولقب، ثم بين أن اللقب إذا جاء مع الكنية أو مع الاسم وجب تأخيره قال: وأخِّرَاً ذَا أي اللقب. إنْ سِوَاهُ: يعني سواه سوى الاسم والكنية. صَحِبَا: فإذا صحب اللقب الاسم حينئذٍ وجب تأخيره، وإذا صحب اللقب الكنية على ظاهر كلامه وجب تأخيره. ثم ذكر أنه إذا اجتمع الاسم واللقب فإما أن يكونا مفردين وإما أن لا يكونا فإن كانا مفردين فمذهب البصريين ورجحه هنا خلافاً لما ذهب إليه الكافية من أنه يجب إضافة الأول إلى الثاني ولا يجوز الإتباع، فيقال: سعيد كرزٍ، مضاف ومضاف إليه، من إضافة المسمى إلى الاسم، لابد من التأويل لما سيأتي في باب الإضافة. وإن لم يكونا مفردين بأن كانا مركبين أو الأول مركب والثاني مفرد أو بالعكس حينئذٍ وجب الإتباع والصواب هو مذهب الكوفيين لأنه في جميع المسائل أنه يُتبع الأول الثاني مع جواز الإضافة في الأول، يعني لا يتعين مذهب البصريين في أنه يجب إضافة الأول للثاني، بل الصواب أنه يجوز الأمران. والإضافة أكثر كما قال ابن هشام رحمه الله تعالى: الإتباع أقيس من الإضافة والإضافة أكثر، يعني السماع. ثم قسَّمه باعتباره كونه منقولاً أو مرتجلاً إلى القسمين ومن المنقول ما هو جملة ثم أقسام علم الشخص أربعة أنواع: مفردٌ، وذو الإسناد، وذو المزج، وذو الإضافة، ومرت معنا. ثم انتقل رحمه الله تعالى إلى بيان النوع الثاني من نوعي العلم، العلم نوعان: علم شخص، وعلم جنس، حينئذٍ نقول ينقسم العلم باعتبار تشخص مسماه وعدم تشخص مسماه إلى قسمين، مسمى هل هو مُشخَّص أو غير مُشخَّص، ينقسم بهذا الاعتبار إلى علم شخص، وعلم جنس، وهذا تنزل معه الناظم، وهو أنه يرى أن علم الجنس ليس معيناً من حيث المعنى، يعني ليس بعلم. وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الاَجْنَاسِ عَلَمْ ... كَعَلَمِ الأَشْخَاصِ لَفْظَاً وَهْوَ عَمْ مِنْ ذَاكَ أُمُّ عِرْيَطٍ لِلعَقْرَبِ ... وَهكَذَا ثُعَالَةٌ لِلثَّعْلَبِ وَمِثْلُهُ بَرَّةُ لِلمَبَرَّهْ ... كَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَهْ

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ، مَنِ الواضِع؟ العرب، يُنسب إليهم لكونهم ناطقين بما وضع لهم، وإلا الأصل في الوضع هو الله عز وجل، الذي وضع الألفاظ دالة على المعاني هو الرب جل وعلا كما سبق معنا ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا)) [البقرة:31] حينئذٍ الأسماء هذه الأسماء اللغوية الشاملة للفعل والحرف عند النحاة، وليس المراد به الاسم الاصطلاحي الذي يقابل الفعل والحرف، حينئذٍ لو قيل الأسماء الاصطلاحية، ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ)) [البقرة:31] يعني دون الأفعال والحروف، نقول: لا بل هي شاملة للأفعال والحروف لأن الاسم ما دل على مسمى، وهذا يصدق عن الاسم الاصطلاحي والفعل الاصطلاحي والحرف الاصطلاحي. وَوَضَعُوُا المراد بالوضع هنا الوضع الشخصي، وهو: جَعْلُ اللفظ دليلاً على المعنى وهذا كما ذكرنا أنه مغاير للوضع النوعي إذ النوعي هذا متعلقه القواعد العامة الكلية التي هي متعلقة بالتراكيب، وأما هذا النوع وهو متفق عليه بأنه موضوع بخلاف النوعي -وهذا متفق عليه- حينئذٍ ننسبه إلى الله عز وجل، الذي وضع لفظ السماء لتدل على الجرم المعهود نقول الله _عز وجل. وأما إسناده هنا إلى أهل اللغة وَوَضَعُوُا: أي أهل اللغة، نقول: باعتبار كونهم هم الناطقين بلسان العرب. وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ قوله: لِبَعْضِ له مفهوم وهو أن هذه الأجناس وضع لبعضها لا لكلها لا لجميعها فبعضها وضع له وبعض لم يوضع له، إذاً لا لجميع الأجناس. وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ بعض مضاف، والأجناس مضاف إليه، له مفهوم؟ نقول: نعم له مفهوم، لأن إطلاق الحكم وتعليقه هنا بالبعض يدل على أن الآخر لم يوضع له علم. وَوَضَعُوا: ماذا؟ وضعوا علماً لبعض الأجناس، علم بالإسكان هذا على لغة ربيعة، لأنه مفعول به، وضعوا ماذا؟ وضعوا علماً، إذا أطلق هذا العلم انصرف إلى مسماه وهو الجنس هذا الأصل الذي ينبغي أن يكون. كَعَلَمِ الأشْخَاصِ لَفْظاً: هذا العلم الذي يسمى علم الجنس له جهتان له حكمان: حكم من جهة المعنى، وحكم من جهة اللفظ، هو تطرق أولاً للفظه وشبهه بعلم الشخص كـ (زيد) كَعَلَمِ الأشْخَاصِ، والذي سبق معنا كله هو علم الأشخاص: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً إلى آخر الأبيات التي وقفنا عليها، كل الأحكام تلك متعلقة بعلم الشخص. لفظاً: هذا تمييز يعني من جهة اللفظ، فلا يضاف علمُ الجنس، كما أنه لا يضاف علم الشخص، حينئذٍ من جهة اللفظ علم الجنس كعلم الشخص، فلا يضاف لأنه معرفة ولا يدخل عليه (أل) ولا ينعت بالنكرة؛ لأن شرط النعت والمنعوت التطابق، وهذا معرفة حينئذٍ لا ينعت بالنكرة. ويبتدأ به يعني: يقع مبتدأً لأنه معرفة وليس بنكرة من جهة اللفظ، وتنصب النكرة بعده على الحال، هذا أسامة مقبلاً، مقبلاً: هذا حال من أسامة، والحال لا يكون صاحبها إلا معرفة، ويمنع من الصرف مع علة أخرى كما هو الشأن في أحمد ويزيد نقول: هذا علم شخص يمنع من الصرف لعلةٍ مع العلمية وهي وزن فعل، وكذلك علم الجنس إذا وجدت معه علةٌ غير العلمية حينئذٍ منع من الصرف. إذاً هذه أحكام تتعلق بعلم الجنس، هذا العلم من حيث اللفظ هو كعلم الأشخاص، إذاً هما متحدان من حيث الأحكام.

وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الأجْنَاسِ عَلَمْ ... كَعَلَمِ الأشْخَاصِ ... يعني: علماً كعلم الأشخاص, هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف بصفة لعلم وليس حالاً منه. كَعَلَمِ الأشْخَاصِ: يعني مثل علم الأشخاص لفظاً من جهة اللفظ، وَهْوَ عَمْ، وَهْوَ: الضمير يعود إلى علم الجنس، عَمَّ أو أعمُّ يجوز الوجهان عَمَّ: فعل ماضي وَهْوَ مبتدأ، وعَمَّ: فعل ماضي، وفاعله ضمير مستتر يعود على علم الجنس والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، أو أعمُّ: وَهْوَ أَعَمُّ: خبر لكن حذفت همزته لكثرة الاستعمال، يعني: أفعل التفضيل، مثل خير وشر، كما قال: والقَوْلُ عَمْ، القول هنا كالقول هناك وَهْوَ عَمْ، وهو أعم حينئذٍ وهو عمّ، عمّ ماذا؟ عم معنىً شائعاً، وَهْوَ عَمْ، يعني: من جهة المعنى، وهو من جهة المعنى عم، وهذا نقدره لماذا؟ لأننا ذكرنا أن له حكمين حكم من جهة اللفظ وحكم من جهة المعنى، الحكم اللفظي علم الجنس كعلم الشخص أشار إليه بقوله: كَعَلَمِ الأشْخَاصِ لَفْظاً، وهو من جهة المعنى عمّ معنى مدلوله شائعٌ كمدلول النكرة، لا يخص واحداً بعينه، إذاً إخراجه من قوله: يُعَيِّنُ المُسَمَّى، لأن ما عيَّن المسمى هذا خصَّ واحداً بعينه، وهنا قال: علم الجنس هذا ليس خاصاً بواحدٍ لا يخص واحداً بعينه ولذلك قال ابن مالك في شرح التسهيل: إنه كاسم الجنس، لا فرق بين علم الجنس واسم الجنس من جهة المعنى فهو عام شائعٌ في أمته فلا يختص به واحد دون آخر، ولا كذلك علم الشخص فأسامة نكرة معنى، معرفة من جهة اللفظ، من جهة المعنى هو نكرة، ومن جهة اللفظ هو معرفة، حينئذٍ ما الفرق بين أسد وأسامة؟ هذا الذي يقع فيه النزاع وهي مسألة مشكلة، فأسامة نكرة معنى معرفة لفظاً، وتفرقة الواضع بين اسم الجنس وعلم الجنس في الأحكام اللفظية تؤذن بالفرق بينهما في المعنى أيضاً، كونه فرق بين اسم الجنس وهو نكرة -أحكامه أحكام النكرة- يعني تدخل عليه (أل)، اسم الجنس، يدخل عليه (أل) ويُضاف ولا يبتدأ به وينعت به النكرة ولا ينعت به المعرفة، الأحكام كلها السابقة نثبتها لعلم الجنس وننفيها عن اسم الجنس، إذاً فرق الواضع من جهة الاستعمال اللفظي أليس كذلك، هذا يؤذن بماذا؟ إذا فرق بينهما في الإحكام اللفظية، علم الجنس، يبتدأ به، يقع مبتدأً لأنه معرفة، لا نحكم عليه بأنه معرفة أولاً، نقول: علم الجنس يبتدأ به، اسم الجنس لا يبتدأ به، علم الجنس لا يُضاف، ولا تدخل عليه (أل) اسم الجنس يُضاف وتدخل عليه (أل، علم الجنس يصح مجيء الحال منه، اسم الجنس لا يصح، هذه فروق تدل على ماذا؟ على أن في المعنى فرقاً كذلك، هذه الفروق اللفظية والأحكام الظاهرة تدل على أن الواضع قد فرق بينهما في المعنى كما فرق بينهما في اللفظ. واختلفت أقاويل النحاة والأصوليين والمناطقة والحكماء والفلاسفة، كل صاحب فن له ارتباط بالمنطق أو بالأصول أو باللغة إلا ويتعرض لهذه المسألة إما أصالة وإما فرعاً، بل بعضهم ألف رسالة في الفرق بين علم الجنس واسم الجنس، والشوكاني له رسالة مطبوعة في مجموع فتاويه.

قال السيوطي رحمه الله مفرقاً بين النوعين: التَعَيُّن إن كان خارجياً -إذا قيل: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى- إذا قيل علم الجنس وعلم الشخص، وعرفنا علم الشخص بأنه اسم يُعين المسمى- هذا التعيين، إما أن يكون خارجياً وإما أن يكون ذهنياً، إما أن يكون خارجياً يعني له مسمى، وهذا المسمى خارج الذهن، وإما أن يكون له مسمى معين وهذا المسمى المعين داخل الذهن. التَعَيُّن إن كان خارجياً بأن كان الموضوع له معيناً في الخارج كزيد فهو علم الشخص، وإن كان ذهنياً بأن كان الموضوع له معيناً في الذهن، أي ملاحظ الوجود فيه كأسامة علم على السَبُعِ، أي لماهيته الحاضرة في الذهن فهو علم الجنس، علم الجنس. السيوطي رحمه الله تعالى في هذا التقرير يخالف ما قرره ابن مالك رحمه الله تعالى، لأن ابن مالك يرى أن علم الجنس من حيث المعنى نكرة شائع ليس بمُعَيَّن، لا في الذهن ولا في الخارج، هو مساوي للنكرة، والنكرة لها حقيقة في الذهن لكنها مع ملاحظة الأفراد في خارج الذهن، هذا حقيقة النكرة، ولذلك نقول في حد النكرة: ما شاع في جنسٍ موجودٍ أو مقدَّر- (ما) يعني معنىً، هذا المعنى شائع منتشر، في جنس: يعني في أفراد وآحاد، (ليس في الجنس) الجنس لا يتعدد، وجوده وجود ذهني وهو واحد وإنما التعدد يكون باعتبار الآحاد والأفراد- ما شاع وذاع وانتشر وفشا في جنس يعني في أفراد وآحاد جنس، موجود أو مقدر، موجود يعني في الخارج، أو مقدر يعني ليس له إلا فرد واحد والثاني يكون مقدراً، هذا المعنى الذي شاع في أفراد الجنس، هو له حقيقة في الذهن هذه الحقيقة هل هي ملاحظة مع قطع النظر عن الأفراد أو مع ملاحظة الأفراد؟ يعني إذا وضع الواضع لفظاً ووضع له معنىً من المعاني هذا المعنى وجوده في الذهن، فح: ينئذٍ نقول أسامة وأسد، أسد يدل على حيوان مفترس، إذاً مفهوم الحيوان المفترس هذا وجوده في الذهن، ليس عندنا في الخارج شيء تقول هذا حيوان مفترس وليس بأسد ما يمكن تقول هذا حيوان مفترس، وليس له وجود يعني في ضمن آحاده أو أفراده، لا يوجد؛ معنى أوضح من هذا يقال: رجل هي نكره لا إشكال فيها، رجل لفظ وضع لأي معنى، ما المعنى المراد من كلمة رجل، نقول: رجل هذا نكرة له معنى، المعنى الذي وضع له في لسان العرب: ذكر من بني آدم بالغ، هذه أوصاف ثلاثة: ذكر لا أثنى بالغ أخرج الصبي ودونه ومن بني آدم لا من غيرهم.

هل يوجد عندنا ذكر بالغ من بني آدم لا زيد ولا خالد ولا عمرو، تقول هذا بالغ وليس بزيد ولا عمرو موجود في الخارج؟ لا وجود له هذا أين يوجد؟ المعنى الذي عبرنا عنه بهذه الألفاظ أين وجوده؟ في الذهن فحسب، هذا يسمى جنس ويسمى حقيقة كلية قد يلاحظها الواضع يعني يضع اللفظ بإزاء هذا المعنى بقطع النظر عن الأفراد لا يستحضر الأفراد وقد يضع هذا اللفظ لهذا المعنى مع ملاحظة الأفراد، ففرق بين هذا وذاك حينئذٍ نقول: إذا ضع الواضع هذا اللفظ بإزاء هذا المعنى الحقيقي الذي يكون في الذهن فحسب ولا يوجد في الخارج إلا في ضمن أفراده، إذا وضع هذا اللفظ لهذه الحقيقة الكلية بقطع النظر عن الأفراد قلنا: هذا علم الجنس، هذا علم الجنس، فهو موضوع للحقيقية من حيث هي هي، بقطع النظر عن الأفراد وإن لوحظ الأفراد -بأن يوجد هذا المعنى في ضمن فرد من أفراده- فحينئذٍ هذا هو حقيقة اسم الجنس. السيوطي رحمه الله تعالى لم يسر على هذا قال: وإن كان ذهنياً بأن كان الموضوع له معيناً في الذهن، -موضوع له-، إذاً هو مُعين لكنه في الذهن أي ملاحظ الوجود فيه كأسامة علم على السَبُع أي لماهيته الحاضرة في الذهن، فهو علم الجنس وأما اسم الجنس: فهو ما وضع للماهية من حيث هي -أصاب في الأول- وأما اسم الجنس: فهو ما وضع للماهية من حيث هي أي من غير أن تُعَيَّنَ في الخارج أو في الذهن، -هذا ليس صحيحاً لا يُسلم له- اسم الجنس وضع للماهية من حيث هي، لا باعتبار أنها معينة لا في الخارج ولا في الذهن، هذا هو مدلول اسم الجنس -الصواب لا- بل المعنى الأول الذي قرره أن علم الجنس له معنى وهذا المعنى وجوده وجود ذهني بقطع النظر عن الأفراد هذا مسلم، وأما كون اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي لا بالنظر إلى كونها خارج الذهن أو داخله نقول: هذا لا يُسلم. ولذلك قوله من حيث هي: أي من غير أن تعين في الخارج أو في الذهن كالأسد اسم للسبع أي لماهيته، وهذا الكلام فيه نظر في الثاني. قال الملَّوي: والتحقيق أن علم الجنس موضوع للماهية واسم الجنس موضوع لفرد مبهم، هذا مختصر، هذا كلام جيد: والتحقيق أن علم الجنس موضوع للماهية، واسم الجنس موضوع لفرد مبهم، وهذا لابد أن يكون ثم ماهية لكن مع ملاحظة هذا الفرد المبهم، حينئذٍ إذا قيل: هذا أسامة، وهذا أسد، يُفْهَمُ الفرق، أسامة وضع للمعنى الذهني فحسب بقطع النظر عن الأفراد في الخارج، أسامة وضع للذهن مع مراعاة الفرد في الخارج، لو قلت: هذا أسامة، هذا أسدٌ، أطلقت اللفظ على فرد خارج الآن انتهينا من المعاني في الذهن.

استعملته وتكلمت ونطقت به قلت: هذا أسامة وهذا أسدٌ، هذا أسامة استعملته في فردٍ، هل وضع له في الأصل؟ الجواب لا. لكن دلالته على هذا اللفظ على هذا الفرد دلالة التزامية بمعنى أنه إذا وضع في الذهن اللفظ لهذا المعنى الذهني هل معنى ذلك أنه لا يستعمل في الخارج؟ لأنه إذا لم يستعمل ما الفائدة في وضعه؟ لا فائدة، لأننا نقول هذا المعنى الذي في الذهن وضع له لفظ أسامة، فإذا استعملته في الخارج؟ نقول: استعمالك لهذا اللفظ الذي وضع للحقيقة الذهنية -مع قطع النظر عن أفراده في الخارج- استعماله في الفرد المعين بدلالة الالتزام، لأنه لا يمكن أن يوجد هذا المعنى في خارج الذهن إلا في ضمن أفراده، وأما إذا قلت: هذا أسدٌ، حينئذ أسد مفهومه للمعنى الذهني مع فرد في الخارج، فإذا استعملته حينئذٍ كان دلالة أسد على هذا الفرد دلالة مطابقة، هذا الفرد الذي أطلقت عليه أسد وضع له اللفظ، فحينئذٍ استعملته في محله فيما وضع له، وإن كان الأصل هو للمعنى الذهني لكن مع مراعاة الفرد الخارجي المبهم، فلو قلت: هذا أسد كان استعمالاً للفظ في فرد وضع له في أصل الوضع، وأما أسامة فهذا استعمال للفظ في فرد لم يوضع له أصلاً وإنما دخل عليه دلالة التزام لأن هذه الحقائق لا توجد خارج الذهن إلا في ضمن أفرادها، فالفرد الذي صدق عليه أسامة دل عليه التزاماً والفرد الذي صدق عليه أسد دل عليه بدلالة المطابقة. إذاً قول الملَّوي، والتحقيق أن علم الجنس موضوع للماهية، واسم الجنس موضوع لفرد مبهم. وقال الشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى: علم الجنس روعي فيه القدر المشترك، ما هو القدر المشترك؟ هو الحقيقة الكلية، فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكليُّ، هذا معنىً من المعاني الكلية وجوده وجود ذهني، وهو الذي يصدق عليه الكلي عن المناطقة. إذاً القدر المشترك بين الجميع، -مع أن التفاوت في الأسماء وفي الأشكال هذا تفاوت كبير ومع ذلك ثم قدر مشترك- هذا القدر المشترك يقول: علم الجنس روعي فيه القدر المشترك بقطع النظر عن الأفراد، يعني: لا يلاحظ عند وضع هذا اللفظ لهذا المعنى الكلي مراعاة الأفراد، الأفراد صارت نسياً منسياً لم يلتفت إليها الواضع البتة، هذا أين؟ في علم الجنس، واسم الجنس روعي فيه القدر المشترك، إذاً اشتركا، علم الجنس واسم الجنس اشتركا في كون كل منهما روعي فيه القدر المشترك، إلا أن اسم الجنس روعي فيه القدر المشترك لا بقطع النظر عن وجوده في بعض الأفراد، هذا تحرير جيد من الشيخ رحمه الله. القدر المشترك: هو إذا قلت: (ماء) لفظ (ماء) ما هو مسماه؟ الذي تراه ولا تنطق به والاسم هو الذي على اللسان، والذي تراه هو مسمى (الماء)، مسمى اللفظ قد يكون حسياً تراه بعينك، وقد يكون مسمى اللفظ أمر معنوي معقول، الحسي هذا أمره سهل تدركه بعينك، ليس فيه خلاف، أما المعاني التي تكون في الذهن وضْعُ الواضع للفظ بإزاء المعنى الذي يكون في الذهن كوضع الماء بإزاء المعنى الذي تراه بعينك.

هذه الحقائق التي وضع الواضع اللفظ بإزائها، نقول كما وضع ماء لهذا المسمى وضع كلمة رجل لمعنى وهذا المعنى هو: ذكر بالغ من بني آدم، هذا معنى أو شيء محسوس معنى من المعاني، كونه بالغ من بني آدم وذكر نقول: هذا معنى من المعاني، أين وجوده؟ في الذهن إذاً وضع كلمة رجل لهذا المعنى كما وضع كلمة ما لهذا المحسوس الذي تراه، إذاً هذا الذي وضع له كلمة رجل هل هو شيء خاص بفرد من الأفراد أو أنه قدر مشترك، عرفنا أن القدر المشترك المراد به: أنه كل شخص من الموجودين في مكانٍ ما نقول: يصدق عليه أنه رجل، نجيب رجل، محمد رجل، أيمن رجل ... الخ إذاً صدق اللفظ عليها. القدر المشترك هذا الذي وضع له كلمة رجل قد يلاحظ الواضع إذا أراد أن يضع اللفظ على الحقيقة الكلية قد يضع اللفظ على الحقيقة الكلية ولا يُلتفت إلى الأفراد في خارج الذهن، لأن اللفظ هنا إذا أطلق انصرف إلى المعنى الذي يكون في الذهن، طيب قد يضع اللفظ بإزاء المعنى دون اعتبار الأفراد لا يلتفت إليها وقد يضع اللفظ بإزاء المعنى الكلي مع ملاحظة الأفراد، إن لم يلاحظ الأفراد فهو علم الجنس، وإن لاحظ الأفراد فهو اسم الجنس والحمد لله. علم الجنس روعي فيه القدر المشترك بقطع النظر عن الأفراد -هذه عبارة الشيخ الأمين في المقدمة- واسم الجنس روعي فيه القدر المشترك لا بقطع النظر عن وجوده في بعض الأفراد، وإيضاحه أن معنى الأسد مثلاً شيء واحد، معنى الأسد، كما هو معنى الرجل شيء واحدٌ وهو مجموع الحيوانية والافتراسية مثلاً، فالمعنى الذهني الذي هو القدر المشترك بين أفراده شيءٌ واحدٌ لا تعدد فيه -لا يقبل التعدد- الحقيقية الكلية، كل الحقائق الكلية شيء واحد لا يقبل التعدد، وإنما التعدد في الأفراد الخارجية، كزيد ومحمد وخالد ... الخ نقول: وجد فيه القدر المشترك وحصل التعدد، ورجل ورجل ورجل نقول هذا وجد في الفرد الخارج وبتعدد الفرد الخارج نقول وجد التعدد. فالمعنى الذهني الذي هو القدر المشترك بين أفراده شيء واحد لا تعدد فيه وإنما التعدد في الأفراد الخارجية المشتركة فيه، فوضعوا علم الجنس لذلك المعنى الذهني وهو شيء واحد، فشخصوا بالعلم في الذهن لا في الخارج وهذا يرد على ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله تعالى اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى، الصواب أنه يدخل فيه علم الجنس وعلم الشخص، لأن علم الشخص فيه تعيين للمسمى لكن في خارج الذهن وهذا حكم أغلبي كما ذكرناه، وعلم الشخص فيه تعيين المسمى لكن في الذهن لا في الخارج، إذاً هو معرفة أو لا؟ معرفة, هو علم أم لا؟ نقول: علم. إذاً فالحد السابق يشمل النوعين من علم الشخص وعلم الجنس. فشخصوا بالعلم في الذهن لا في الخارج، يعني علم الجنس شخصوا به حددوا عينوا ميزوا في الذهن لا في الخارج، لأن هذه حقائق الحيوانية الافتراسية، ومعنى مثلاً: الإيمان ومعنى الإسلام كلها موجودة في الذهن، هذه حقائق ذهنية، فحينئذٍ لابد من تمييز بعضها عن بعض، فإذا كان كذلك ما وضع لما هو في الذهن خاصة نقول هذا حصل به التشخيص، وحصل به التعيين، كتشخيص الشخص بعلمه في الخارج فعلم الجنس يشخص مسماه في الذهن لا في الخارج، وعلم الشخص يشخص مسماه في الخارج.

وأما لفظة أسد فإنهم أرادوا به المعنى الذهني المشترك بين الأفراد بدون قطع النظر عن وجود بعض أفراده الخارجية فيه التي هي محل التعدد؛ ولذلك هناك في المنطق علم الشخص وعلم الجنس قالوا هما جزأيٌ بالإجماع واسم الجنس كليٌ بالإجماع ففرق بين علم الجنس واسم الجنس. وذكر الأشموني قال: أسدٌ موضوع للواحد من آحاد الجنس لا بعينه في أصل وضعه، أسد كلمة أسد -وهي اسم جنس- والكثير يرون أن اسم الجنس هذا مرادف للنكرة، أسد موضوع للواحد من آحاد الجنس لا بعينه في أصل وضعه، يعني كلمة أسد وضع للقدر المشترك في الذهن وهو الحيوانية الافتراسية مع ملاحظة واحد فرد -لابد أن يوجد في ضمن فرد- لا يشترط فيه أن يكون مائة حتى يوضع له اللفظ، لا، مجرد واحد يكفي. إذاًَ لوحظ هذا المعنى باعتبار الفرد، أيُّ فردٍ في أيِّ زمان في أي مكان -أي واحد منها- صار مبهماً أم لا؟ مبهم، إذا قلنا لابد أن يوجد هذا المعنى في ضمن فردٍ حتى يظهر وتكون نكرة واسم جنس، حينئذٍ وجوده، في فرد أي فرد في أي زمن في أي مكان؟ مبهم، حينئذٍ دل على ذلك الفرد لكنها دلالة بالمطابقة لا من جهة تعيين الفرد فإنه مبهم لأن المراد أنه يوجد في ضمن فرد من أفراده وكفى، أيُّ فردٍ هذا؟ قد يكون وقع في الزمن الماضي، قد يكون بعد الوضع، قد يكون لم يأتِ بعد، وأسامة موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن، فإذا أطلقت أسداً على واحدٍ أطلقته على أصل وضعه، إذا قلت: هذا أسدٌ حينئذٍ استعلمت اللفظ فيما وضع له وهو الذهن مع مراعاة فرد في الخارج. إذاً الموضوع له شيئان: حقيقة ذهنية مع وجوده في الفرد فإذا قلت: هذا أسدٌ حينئذٍ استعلمت اللفظ فيما وضع له، وإذا أطلقت أسامة على واحدٍ قلت: هذا أسامة فإنما أردت الحقيقة، ولزم منه اعتبار الوجود التعدد، إذا قلت: هذا أسامة استعملته في الأفراد، نقول: اللفظ وضع لشيء واحد أو لشيئين؟ لشيء واحد وهي: الحقيقة الذهنية، وجودها في الخارج -إذا أردت أن تستعمل هذا اللفظ- حينئذٍ دلالة هذا اللفظ على الفرد الخارج ليس فيما وضع له، إذا قلت: هذا أسامة، (هذا) أشرت إليه حيوان يمشي أمامك أسد، هذا أسامة استعملت اللفظ في شيء وضع له أم لا؟ لا لم يوضع للفرد هذا بعينه وإنما وضع للحقيقة الذهنية فقط، فإذا استعملته في الفرد الخارجي، حينئذٍ نقول: دلالة هذا اللفظ على الفرد الخارج دلالة التزامية ليست فيما وضع له في أصل لسان العرب ولذلك يقول الأشموني: إذا أطلقت أسداً على واحدٍ أطلقته على أصل وضعه؛ لأنه وضع للحقيقة الذهنية مع الفرد الخارجي، فالموضوع له شيئان، وإذا أطلقت أسامة على واحد فإنما أردت الحقيقة -التي هي حقيقة ذهنية- واستعماله في ذلك الفرد ليس استعمالاً فيما وضع له في الأصل؛ لأنه وضع لشيء واحدٍ لا لشيئين وإنما لزم التعدد -لابد منه- إذا استعملته تستعمله فيما يصدق عليه تلك الحقيقة، ولزم منه: يعني من ذلك الاستعمال إذا أطلقت لفظ أسامة على فرد- لزم منه اعتبار الوجود التعدد، فجاء التعدد ضمناً لا باعتبار أصل الوضعِ. وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الاَجْنَاسِ عَلَمْ ... كَعَلَمِ الأَشْخَاصِ لَفْظاً وَهْوَ عَمّ

إذاً علم الشخص له حكمان وعلم الجنس له حكمان، علم الشخص له حكم لفظي وله حكم معنوي، أما الحكم المعنوي: هو أن يراد به واحد بعينه، وكلام ابن عقيل لا يمشي مع الكلام الذي قررناه يختلف معه، لأن مذهب ابن مالك رحمه الله تعالى أن علم الجنس كاسم الجنس –نكرة- لا يدل على تشخيص معين، فهو نكره عنده، (أسد) مثل (رجل)، ورجل مثل أسامة -هذا من حيث المعنى- هو في اللفظ معرفة لأن العرب نزلت عليه أحكام المعارف ولكن من جهة المعنى لا، وهذا الكلام لا يستقيم مع الذي قررناه من كلام الشيخ الأمين وغيره، ولكن نذكر ما ذكره تبعاً للناظم. وَوَضَعُوا لِبَعْضِ الاَجْنَاسِ عَلَمْ ... كَعَلَمِ الأَشْخَاصِ لَفْظَاً وَهْوَ عَمّ إذاً من حيث اللفظ، الأحكام واحدة. وَهْوَ عَمْ: يعني علم الجنس (عم) فهو عام مدلوله لأنه شائع في جنس موجود فهو مرادف للنكرة من حيث المعنى ونحن نقول: هذا لا يُسَلَّم له بل الصواب أنه يعين المسمى في علم الشخص وفي علم الجنس، وهذه مسألة مهمة ليست خروجاً عن التأصيل، فهذه في المطلق عند الأصوليين لها ارتباط كبير بمسألة اسم الجنس وعلم الجنس. إذاً علم شخص نقرِّر ما ذكره ابن عقيل تبعاً للناظم -حتى نفهم مراده حتى نفهم مراده- علم شخص له حكمان: معنوي، وهو أن يُراد به واحدٌ بعينه، كزيد وأحمد هذا لا إشكال فيه وينطبق عليه الحدٌ السابق: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً عَلَمُهُ، حينئذٍ حصل التعيين بإطلاق علم الشخص، هذا من حيث المعنى، ولفظيٌّ يعني يجري على اللفظ فحسب، وهو صحة مجيء الحال متأخرة عنه جاءني زيدٌ ضاحكاً، زيد ما إعرابه؟ فاعل، وضاحكاً: حال، زيدٌ علم، علم شخص؟ علم شخص، جاءت الحال منه متأخرة؟ جاءت الحال منه متأخرة، ومنعه من الصرف مع سبب آخر غير العلمية، هذا أحمدُ، أحمدُ: خبر ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، إذاً وجدت علة أخرى مع العلمية، ومنع دخول الألف واللام عليه، جاء زيد، لا تقل جاء الزيد، أو العمرو، نقول هذا لحن -في الأصل-. بقي حكمان وهما: صحة الابتداء به، أن يبتدأ به بلا احتياج إلى مسوِّغ؛ كذلك ألا يضاف بحسب أصل وضعه، ألا ينعت بالنكرة، هذه أحكام تتعلق بعلم الشخص وهذه كلها مردها إلى اللفظ.

وعلم الجنس كعلم الشخص في حكمه اللفظي -هكذا قال ابن عقيل- وهو ظاهر فتقول: هذا أسامة مقبلاً، كقولك: جاءني زيدٌ ضاحكاً، هل قولك: هذا أسامة مقبلاً كقولك: جاءني زيدٌ ضاحكاً؟ -الكلام في الحال- تجيُ الحال متأخرة من علم الشخص كـ (جاءني زيدٌ ضاحكاً)، وتجيء مع علم الجنس، لأننا نريد أن نطبق الأحكام اللفظية التي تجري على علم الشخص مع علم الجنس، فتقول: جاءني زيداٌ ضاحكاً، ضاحكاً حال من الفاعل وهو زيد وهو علم الشخص، هذا أسامة، أسامة هذا علم جنس، مقبلاً: هذا حال متأخرة، والحال لا تجيء من نكرة، لابد من أن يكون صاحب الحال معرفةً؛ فتمنعه من الصرف وتقول: أسامةُ، للعلمية والتأنيث، ولا تدخل عليه الألف واللام فلا تقل: هذا الأسامة، كما لا تقول: هذا الزيد؛ لأنه علم والعلم معرفة والمعرفة لا تعرَّف، هذا من جهة اللفظ، وهذا هو الذي دلنا على أن العرب فرَّقت بين اسم الجنس -لأنه نكرة- كرجل، وبين علم الجنس، العرب أجرت علم الجنس كأسامة وثُعَالَة مجرى علم الشخص في امتناع دخول (أل) عليه وإضافته ومنع الصرف مع علة أخرى ونعته بالمعرفة ومجيئه مبتدأ وصاحب حال. وأُجري اسم الجنس كأسد مجرى النكرات -حينئذٍ لزاماً أن يكون ثم فرق لابد من الوصول إليه، وهو: أن علم الجنس مغاير من حيث المعنى لاسم الجنس؛ لأن العرب في الأحكام اللفظية ألحقت علم الجنس بعلم الشخص وألحقت في الأحكام أيضاً اسم الجنس بالنكرة، فثم فرق بين العلم والنكرة- وأُجري اسم الجنس كأسد مجرى النكرات وذلك دليل على افتراق مدلوليهما إذ لو اتحدا معنىً لما افترقا لفظاً. قال ابن عقيل: وحكم علم الجنس في المعنى كحكم النكرة، من جهة: أنه لا يخص واحداً بعينه فكل أسدٍ يصدق عليه أسامة، -لكن لا ليس حكم النكرة لأن صدق النكرة رجل على زيد مثلاً، نقول: هذا من وضع الواضع، فاستعمل اللفظ فيما وضع له، لكن كل أسد يصدق عليه أسامة، وأسامة لم يستعمل فيما وضع له فرق بينهما فرق بين اللفظين، إذا قلت: هذا أسامة، أسامة يستعمل في كل أسد، كل أسد تراه تقول: هذا أسامة، نقول: استعمال أسامة في الذي رأيته أنت –الفرد- نقول: ليس فيما وضع، لم يوضع للفرد الخارجي لم يلاحظ في الوضع الفرد الخارجي، بخلاف النكرة إن قلت: هذا رجل، هذا رجل، استعمل اللفظ فيما وضع له، فقوله: هنا فيه نظر، لأنه وافقه وأراد أن يشرح كلام ابن مالك رحمه الله تعالى وهذه المسألة أليق بفن المنطق فليرجع إليها-. ومن جهة أنه لا يخص واحداً بعينه فكل أسد يصدق عليه أسامة، وكل عقرب يصدق عليها أُمُّ عِرْيَطٍ، وكل ثعلب يصدق عليه ثُعَالَةٌ، وعلم الجنس يكون للشخص يعني للأعيان. مِنْ ذَاكَ أُمُّ عِرْيَطٍ لِلعَقْرَبِ ... وَهكَذَا ثُعَالَةٌ لِلثَّعْلَبِ مِنْ ذَاكَ: ذاك، المشار إليه هو: علم الجنس، أراد أن يمثل لعالم الجنس لأن بعضه وضع للمألوفات، وبعضه وضع لغير المألوفات. مِنْ ذَاكَ: أي علم الجنس أعلام وضعت للأعيان، يعني أشياء محسوسة.

أُمُّ عِرْيَطٍ: هذه علم -علم جنس- وضع لجنس العقرب، فلوحظ فيه المعنى الذي هو القدر المشترك بين أفراد العقارب، وضع له لفظٌ، هذا اللفظ إذا أطلق انصرف إلى المعنى الذهني فحسب، فاستعماله في العقرب أُمُّ عِرْيَطٍ نقول: هذا استعمال للفظ فيما وضع له أو لم يوضع له؟ الثاني، لم يوضع له، لأنه وضع لشيء واحد فحسب، فاستعماله على تلك العقرب بعينها، نقول: هذا استعمال للفظ في ذلك الفرد بدلالة الالتزام، وعبر عنه الأشموني بالتضمن والالتزام أحسن، لماذا؟ لأنه إذا وضع لشيء واحدٍ حينئذ لا نقول ذلك الفرد جزء من ذلك الموضوع له، لأن دلالة الالتزام ما هي؟ وجزئه تََضمُنًاً: يعني دلالة اللفظ على بعض مسماه، هذا التضمن، وهنا لم يوضع له حتى نقول: أنه ضمناً، الفرد هذا داخل في ضمن علم الجنس، لا الصواب أنه خارج عنهم. مِنْ ذَاكَ: أي من أعلام الجنس، أعلام وضعت للأعيان، نحو: أُمُّ عِرْيَطٍ فإنه علم للعقرب يعني لجنسها، وَهَكَذَا: أي مثل ذا من ذكر أُمِّ عِرْيَطٍ علم الجنس: ثُعَالَةٌ لِلثَّعْلبِ ثُعَالَةٌ: هذا علم جنس. قال: ثُعَالَةٌ: بالتنوين، أسامةٌ قلنا يمنع من الصرف للعلمية والتأنيث، ثُعَالَةٌ، يمنع من الصرف للعلمية والتأنيث وإنما صرفه من باب الضرورة فحسب. وَهَكَذَا: أي مثل الذي ذُكر ثُعَالَةٌ نقول: هذا وضع له في لسان العرب -المراد به الحقيقة الكُلية. لِلثَّعَْلبِ: أي لجنسه، وهذا من جنس ما لا يؤلف كالسباع. ثم ذكر ما يتعلق بالمعاني -لأن عدم الجنس نوعان-: جنس مالا يؤلف: كالسباع والعقارب التي ذكرها هنا، والثاني: المعاني –لذلك أتى بلفظ مِثْلُهُ. وَمِثْلُهُ: مثل ما وضع لعلم من علم الجنس لغير المألوفات -لا تألفها النفوس: العقرب والثعلب وأسامة، النفوس هذه لا تألفها-. أمَّا: بَرَّةُ للمبرة -لأعمال الخير- هذه تألفها النفوس. وَمِثْلُهُ بَرَّةُ: مِثْلُهُ، أي مثل علم الجنس الموضوع للأعيان، علم جنس موضوع للمعاني، -أعيان محسوسات وهنا معاني- مثله بَرَّةُ: هذا غير منصرف للعلمية والتأنيث، فـ (بَرَّةُ) هذا علم جنس، علم لِلمَبَرَّه، يعني بمعنى البِر أعمال الخير والطاعات، قالوا: مَبَرَّه–بِرّ-. وكَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَه: كَذَا فَجَارِ: مبني على الكسر كـ: (حذامِ)، عَلَمٌ: علم جنس لِلْفَجْرَه -بسكون الجيم- الْفَجْرَه، بعض الناس تقول: الفَجَرَة، لا الْفَجَرَه: جمع. لِلْفَجْرَه: بسكون الجيم، بمعنى الفُجُور، وهو الميل عن الحق، لا بمعنى المرة من الميل عن الحق فالتاء لتأنيث الحقيقة لا للوحدة. إذاً: وَمِثْلُهُ بَرَّةُ لِلمَبَرَّهْ ... كَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَهْ هذان اللفظان علما جنس وضعا للمعاني بخلاف أُمِّ عِرْيَط، ثُعَالَة، وكذلك أبو الحارث للأسد، أبو الحارث كنية، لأن علم الجنس قد يكون كنية، إذا صدر بأب أو أم، فأبو الحارث للأسد، كما أن أُمَّ عِرْيَطٍ للعقرب، وذؤالة وأبو جعدة للذئب، كذلك أبو الحصين علم جنسٍ للثعلب. وَمِثْلُهُ بَرَّةُ لِلمَبَرَّهْ ... كَذَا فَجَارِ عَلَمٌ لِلْفَجْرَهْ وعلم الجنس: يكون للشخص كما تقدم ويكون للمعنى كما مثَّل بـ: بَرَّة للمبرة، وفَجَارِ لِلْفَجْرَه. ثم قال: اسم الإشارة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

23

عناصر الدرس * شرح الترجمة (إسم الإشارة) ـ * أسماء الإشارة واستعمال كل منهما * مراتب المشار إليه ولفظ كل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س: يقول ما هو الفرق بين علم الجنس وعلم الشخص والنكرة؟. خذ مقدمة الشيخ الأمين واقرأها مرات عديدة إن شاء الله تفهم أحسن. السؤال: هل اسم الجنس داخل في حد العلم الشخصي؟ الجواب: لا .. ليس داخلاً فيه لكن الحد يشمل النوعين: الحد: اسْمٌ يُعَيِّنُ المُسَمَّى مُطْلَقاً ... عَلَمُهُ نقول: هذا يشمل النوعين. مثلما نقول اللفظ: هو الصوت المعتمد أو الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية نقول مهملاً كان أو مستعملا حينئذٍ نقول: هذا اللفظ تحته قسمان: مهمل ومستعمل، نعرِّف العلم ثم نقول: تحته قسمان. أليس قوله في المقدمة: مقاصد النحو: يشمل النحو والصرف؟ بلى، أو المقصود به هو النحو كما عرفتموه لنا؟ لا ليس ذلك، قلنا أن النحو له تعريفان: تعريف بمعنى أعم، يشمل الصرف الذي هو الخاص، والنحو الذي هو الخاص عند المتأخرين. عِلْمٌ بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً، هذا يشمل النوعين، وإذا أردت على منهج المتأخرين بإخراج الصرف كونه عِلماً خاصاً، تقول: علمٌ بأصول يُعرف بها أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً، -فرقٌ بينهما، وابن مالك أراد النوع الأول الذي يشمل الصرف والنحو. تابع السؤال، إنما ذكره من باب التغليب؟ لا، ليس من باب التغليب. س: ذكرتم أن من علامات النكرة أن تكون في جواب كيف وأيضاً من العلامات أن تكون منصوبة على الحال أليس هما شيء واحد وما هو اسم كتاب الشيخ الأمين؟ المقدمة المنطقية، هذه مطبوعة باسم المقدمة المنطقية قديمة هي التي معي والآن طبعت آداب البحث والمناظرة وكانت جزأين طبع جزء واحد ومع الطباعة الجديدة مكتبة أبو زيد، نفس الكلام. كيف، نقول النكرة تقع في جواب كيف هذا لفظاً كيف زيدٌ؟ مريض. وأما الحال: جاء زيداٌ راكباً، نقول من ضابط الحال كيف مقدر، جاء زيد، كيف جاء زيد؟ تقول راكباً. حينئذٍ من ضوابط معرفة الحال وقوعها في جواب كيف، لكن هنا تكون ضمناً أو استلزاماً، وأما كيف التي يُنطق بها فرق بين التي ينطق بها وبين التي تكون ضابطاً لغيرها. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد قال الناظم رحمه الله تعالى: اسم الإشارة: أي هذا باب اسم الإشارة، هذا باب اسم الإشارة، واسم الإشارة هو الباب الثالث من المعارف. وَمُضْمَرٌ أَعْرَفُهَا ثُمَّ العَلَم ... فذو إشارة وهو المراد عند الناظم أنه أراد به اسم الإشارة الذي يكون ثالثاً في باب المعارف، إذ المعارف جنس قدر مشترك يصدق على العلم وعلى الضمير وعلى اسم الإشارة يجمعها قولهم: ما وضع ليستعمل في معين. (ما) اسم، وضع ليستعمل في معين، أخرج النكرة. حينئذٍ المعارف كلها وضعت وضعاً أولياً ووضعاً جزئياً شخصياً ليُستعمل هذا اللفظ إذا أطلق على المعنى الذي جعل له في لسان العرب. ليُستَعْمَل: عندنا وضع وعندنا استعمال. الوضع كما مر معنا مراراً جعل اللفظ دليلاً على المعنى، يعني: جعل الوضع بإزاء معنى، وأما الاستعمال فهو: إطلاق اللفظ وإرادة المعنى.

نقول: جاء زيدٌ، -أنا أطلقت اللفظ- جاء وزيد، ركَّبْتُ هذا مع تلك، وأردت المعنى، قصدت المعنى الذي جئت به من أجل هذا التركيب. جاء زيدٌ: إطلاق اللفظ وإرادة المعنى، يعني: مع إرادة المعنى. بقي شيء واحد وهو الحمل: وهو اعتقاد سامع مراد المتكلم من كلامه، هذه ثلاثة أشياء، وضع، وحمل، واستعمال. الوضع سابق، والحمل لاحق، والاستعمال متوسط، هكذا قال الفتوحي في شرح الكوكب. الوضع سابق: يعني أول، وضع اللفظ بإزاء المعنى، أول ما كانت المعاني، وجدت ثم وضعت لها الألفاظ، بحيث إذا أطلقت الألفاظ انصرفت إلى تلك المعاني الموضوعة لها. ثم استعملها المستعمل: تكلم بها ونطق بها على وفق ذلك الوضع السابق، وسمعها السامع من المتكلم. حينئذٍ الواضع وضع ألفاظاً بإزاء المعاني ثم أخذ المستعمل –المتكلم- هذه الألفاظ وأطلقها مراداً بها المعاني التي وضعها الواضع لها دون تحريف، ثم لما سمع السامع تلك الكلمات حينئذٍ حملها على المراد الذي اعتقده المتكلم. فالوضع سابق يعني: أولاً، والحمل لاحق، والاستعمال متوسط بين الوضع والحمل، هذه لابد من معرفتها تفيدك في فهم الحقائق الشرعية والحقائق اللفظية، وخاصة في باب المعتقد. اسم الإشارة: إذاً هذا لفظ وضع في لسان العرب، الإشارة هذا مصدر أشار يشير إشارةً والمراد بها الإشارة الحسية في الأصل التي تكون في عضو من الأعضاء فنقول هكذا: قم، اجلس ... الخ. نقول هذه إشارة حسية تكون بعضو اللفظ هنا (انظر): خالف الأصل المطرد، الأصل المطرد: أن توضع الألفاظ بإزاء معاني، وهنا قد جعل شيئاً من المحسوسات في ضمن المعنى الذي دل عليه اللفظ. فالإشارة قلنا: مصدر أشار يشير إشارةً وأما في اصطلاح النحاة، هي ما دل على مسمى وإشارة إليه. الأصل في باب الإشارة والموصول والضمائر، الأصل لا نأتي بالتعاريف، لأننا نستغني عن الحد بالعد، لأنها ألفاظ كما ذكرنا مسموعة لا داعي لأن نحشر أنفسنا فيها. حينئذٍ نقول الأصل أن نكتفي بالعد عن الحد، ولكن نريد أن نبين لهذا الحد أن الواضع قد وضع اللفظ بإزاء معنى وشيء حسي معه وهو الإشارة. ما دل على مسمى (ما) اسم موصول بمعنى الذي، دل على مسمى، ما الذي نأخذه جنساً هنا في الحد لفظ، أو جملة، أو كلام، أو كلم، أو كلمة، أو اسم، أو ماذا؟ اسم، لماذا؟ يحتاج إلى دليل، دائماً تنظر إلى العلاقة بين المحدود والحد، ننظر إلى العلاقة بين المحدود والحد حينئذٍ تأخذ جنساً باعتبار المحدود، إذا قلت كما هو الآن معنا: ما دل اسم الإشارة، اسم، نحن نبحث في أي شيء في أي جزئية في أي باب؟ في باب تقسيم الاسم باعتبار التنكير والمعرفة الباب لا زال (النكرة والمعرفة)، وهذه كلها فصول تحت ذلك الباب -باب النكرة والمعرفة-. حينئذٍ نقول اسم الإشارة (ما) أي: اسم، لماذا؟ لأن المحدود اسم من الأسماء، ثم نحن نبحث عن مفردات أو تراكيب؟ مفردات، إذاً لا نأخذ أي لفظ يدل على التركيب، لا نقول لفظ لأنه موهم يشمل المفرد والمركب، لا نأخذ كلام لأنه مركب، لا نأخذ كلِم لأنه مركب، لا نأخذ كلمة لأنها تشمل الفعل والحرف، يدخل معنا الفعل والحرف، ونحن نريد خصوص الاسم الذي يقابل الفعل والحرف.

حينئذٍ نقول (ما): اسم حينئذٍ كل ما كان اسم إشارة فهو اسم من غير عكس، إذ العلاقة بين المحدود والجنس الذي يؤخذ في الحد العموم والخصوص المطلق، فكل اسم إشارة فهو اسم من غير عكس، لأن الاسم أعم، قد يكون علماً، قد يكون ضميراً، قد يكون موصولاً ... الخ. إذاً (ما) نقول اسم دل على مسمى، فالاسم حينئذٍ دخل فيه النكرة والمعرفة، لأنه صار جنساً بهذا الاعتبار لأننا نقسم الاسم باعتبار التنكير والتعريف، فصار لفظ (ما) جنساً والجنس ما عمَّ اثنين فصاعداً، والذي عمَّه هنا المعرفة والنكرة. احتجنا إلى إخراج النكرة، فقال: ما دل على مسمى، خرجت النكرة، دل على مسمى: شمل ما دل على مسمى بقرينة وما دل على مسمى بلا قرينة، دخل العلم معنا، لأنه يدل على مسمى لكنه بلا قرينة، لأنه أطلق اللفظ فشمل المعاني كلها، لكن لما كان اسم الإشارة دالاً على مسمى بقيدٍ، -بقرينة- وهذه القرينة حسية، تدرك بالحس، هذا الأصل فيها، ولذلك استعمال اسم الإشارة في المعاني العقلية مجازاً، لأنها في أصل وضعها للشيء المحسوس. ما دل على مسمى: شمل كل المعارف. وإشارة إليه، يعني: مع إشارةٍ، ما دل على مسمى ودل على إشارة، إذاً اللفظ الذي يكون اسم إشارة نقول: هو ذو دلالة على شيئين إذاً وضع على أمرين: فدلالته على المسمى هذه مأخوذة من اللفظ (هذا) (ذا)، داخل في مفهومه والمعنى الذي وضع له في لسان العرب شيء خارج عن مجرد اللفظ وهو الإشارة إليه. فحينئذٍ إذا دل مسمى ولم يكن ثم إشارة إليه نقول هذا ليس باسم إشارة، بل لابد أن تكون الإشارة الحسية مأخوذة في مفهوم اسم الإشارة، ولذلك لا يكون دالً على مسمى إلا إذا أُشير مع اللفظ. ولذلك إذا كنت جالساً في مجلسٍ وثم أفراد وقلت: هذا زيدٌ، تريد أن تعرف به الموجودين، هذا زيدٌ ولم تشر، ما حصل التعريف، إذا دخل فقال: هذا زيدٌ وهذا عمروٌ وهذا خالدٌ ما حصل التعريف، لكن لو قال هذا زيد، وهذا عمرو, وهذا خالد بالإشارة حصل التعريف. إذاً الإشارة الحسية داخلة في مفهوم اسم الإشارة، والأصل فيه كما قلنا أنه محصور بالعد فنستغني عنه بالعد عن الحد. ما دل على مسمى وإشارة إليه: أي اسم تصحبه الإشارة الحسية، وهي التي بأحد الأعضاء، قد يكون باليد، قد يكون بالحاجب، ونحو ذلك، وهي ستة في الجملة أو أكثر من هذا، لكن في الجملة هي ستة؛ لأنه إما مذكر أو مؤنث، وكل منهما إما مفرد أو مثنى أو مجموع، إما مذكر أو مؤنث، وكل منهما المذكر إما أن يكون مفرداً، وإما أن يكون مثنى وإما أن يكون مجموعاً، هذه ثلاثة، والمؤنث إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون مثنىً، وإما أن يكون مجموعاً، هذه ثلاث، المجموع ستة، هذا على جهة الإجمال، وإلا أوصلها بعضهم إلى سبعة عشر، وزادها بعضهم إلى ستة وثلاثين وما زاد. قال رحمه الله: بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ ... بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ تِي تَا: كلمتان وليست واحدة.

بِذَا لِمُفْرَدٍ بـ (ذا) جار ومجرور متعلق بقوله: (أشر) بـ (ذا) نقول (ذا) قصد لفظه، ولذلك جُر بحرف الجر، وهو يجر ولو لم يُقصد لفظه، لأنه اسم لكن قُصد هنا به العلمية لأن بـ (ذا) نقول: لمفردٍ مذكرٍ أشر هذا إذا استعمل حينئذٍ يكون دالاً على معناه. أشِرْ بِذَا، (ذا) مقصور يعني: بدون همز، هنا قدم الجار والمجرور على قوله: (أشر)، هل يفيد الحصرَ والقصر، بحيث لا يكون ما يدل من أسماء الإشارة على المفرد المذكر إلا (ذا) فهو خاص به، أم أن ثم ما هو من أسماء الإشارة لمفردٍ مذكر غير ما ذكره الناظم رحمه الله. الجواب: أنه الثاني، يعني لا يفيد الحصر المطلق، يعني: الحقيقي. قدَّم الجار والمجرور لا للحصر الحقيقي، وإنما للحصر الإضافي، أي بالنسبة إلى الصيغ المذكورة في المتن فالمعنى بـ (ذا) لا بغيره من الصيغ الآتية فلا ينافي أنه يشار إلى المفرد المذكور بغير (ذا) يعني: أفاد قصراً وحصراً إضافياً، يعني: باعتبار المذكور بـ (ذا) لمفردٍ لا، بغيره من (تي وتا وذي وذه) يعني: التي ذكرها الناظم، يُحصر ويُقصر الحُكم بكونه يشار للمذكر المفرد بـ (ذا)، وينفرد عما ذكر معه من أسماء الإشارة، وهذا يسمى حصراً إضافياً باعتبار ما ذكره الناظم، لا باعتبار ما لم يذكره، وإلا هي أكثر مما ذكرت. بِذَا لِمُفْرَدٍ: أشِرْ بِذَا لِمُفْرَدٍ: قال: (لمفردٍ) اللام هنا قيل بمعنى: إلى، ومقتضاه أن الإشارة لا تتعدى بـ (اللام) لأن أشار إلى كذا، فأشارت إليه، إذاً أشار تتعدى بـ (إلى) لا تتعدى بـ (اللام) هذا الظاهر، حينئذٍ اللام هنا بمعنى إلى. أشِرْ بِذَا لِمُفْرَدٍ: وهذا المفرد هنا أطلقه الناظم رحمه الله تعالى، فيعود حينئذٍ المفرد الحقيقي والمفرد الحُكمي، المفرد الحقيقي: كـ (هذا زيد) هذا زيد، زيدٌ: مفرد حقيقي، وأما المفرد الحكمي فهو: ما كان لفظه مفرداً ومصدقه ومعناه قد يكون كاسم الجمع، هذا رهطٌ، هذا جمعٌ، هذا فريق، نقول (هذا) (ذا) اسم إشارة لمفرد، وفريق هذا في اللفظ مفرد، وهو اسم جمع يدل على ثلاثة فأكثر، إذاً من جهة المعنى ليس بمفرد، ولكن لما كان لفظه مفرداً حينئذٍ أعطي من حيث اللفظ حُكم المفرد، فصار مفرداً حقيقياً أو حُكمياً؟ الثاني، إذاً: لمفردٍ: حقيقة أو حكماً كالجمع والفريق. فالمفرد الحقيقي نحو هذا زيد، والمفرد حكماً نحو هذا الرهط، وهذا الجمع، وهذا الفريق، ومنه قول الله تعالى: ((عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ)) [البقرة:68] أي بين المذكور من الفارض والبكر، وربما اسْتُعْمِل (ذا) في الإشارة إلى الجمع كما قال: ولقَدْ سئمتُ مِن الحياةِ وطولِها ... وسُؤالِ هَذا النَّاس كَيفَ لبيدُ إذاً المفرد المراد به المفرد الحقيقي أو المفرد الحكمي، وهو الذي يكون اللفظ فيه مفرداً ولكن معناه ليس مفردٍ كاسم الجمع ونحوه.

بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ: عاقلٍ أو غيره، يعني: يشمل العاقل ويشمل غير العاقل، وبعضهم يعبر هنا بالعالِم وغير العالِم لأنه جاء استعماله في حق الله عز وجل: ((ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ)) [الأنعام:102] (ذا)، هذا جاء استعماله في حق الرب جل وعلا، حينئذٍ نقول مُذَكَّرٍ: يراد به العالم وغير العالم، والتذكير هنا باعتبار اللفظ، ((ذَلِكُمُ اللَّهُ)) [الأنعام:95] يعني قد يقال بأنه نقول مذكر هل يوصف الرب جل وعلا بالتذكير أو التأنيث؟ الجواب: لا قطعاً، لأن الصفات التوقيفية حينئذٍ يكون مرده على السمع والتأنيث أنثى لأنه نقص، وأما اللفظ فحينئذٍ إذا قيل مذكر باعتبار اللفظ وأن العرب -إذا قلنا أن الواضع هو الله عز وجل أعاد إلى هذه الأسماء ما هو من خصائص المذكر- حينئذٍ يكون الاعتبار هنا اللفظ فحسب. لذا قيل ((ذَلِكُمُ اللَّهُ)) [الأنعام:95] (ذا)، هذا للمفرد المذكر، هل نقول مذكر؟ نعم اللفظ للمذكر، ولا بأس بهذا. بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أشِرْ: الناظم اقتصر على لفظ (ذا) وهو أشهرها، وأما ما زاده البعض (ذا) و (ذاء) و (ذائه) و (ذاؤه) و (؟؟؟) نقول هذه كلها ثبت استعمالها للمفرد المذكر لكنها ليست في قوة (ذا) الذي اشتهر على لسان العرب وجاء القرآن بها، ولذلك لم يرد لفظ من هذه الألفاظ الأربعة في القرآن، وإنما جاء للمفرد المذكر (ذا) وأما هذه الألفاظ الأربعة التي ذكرها النحاة لم يرد بها لفظ واحد في القرآن فدل على أن (ذا) هو الأفصح منها، ولذلك قد يقال بأن الناظم لم يعتبرها لقلة الاستعمال فالحاصل يكون على أصله من حيث الاستعمال لا من حيث الورود، وأما من حيث الورود فهذا لا إشكال أنه ثابت. بِذَا قلنا هذا مقصود، يعني احترازاً من (ذاء) و (ذائه) و (ذاؤه) و (؟؟؟) هذه خمسة (ذا) هذه الألف عند البصريين جزء الكلمة؛ لأن أصل وضع الكلمة الاسم كم حرف؟ ثلاثة أحرف، حينئذٍ لو حكمنا بالزيادة كما هو مذهب الكوفيين على الألف هذه، صار عندنا اسم ظاهر قائم بنفسه من حرف واحد، وهذا لا نظير له، إذاً بـ (ذا) نقول: هذه الألف هل هي زائدة أم أصلية؟ فيه مذهبان: مذهب البصريين: أنها أصلية، ومذهب الكوفيين: أنها زائدة، مردود مذهب الكوفيين، بأنه لا يوجد عندنا اسم ظاهر، أما المضمر موجود، قمت: على حرف واحد، قمنا: على حرفين، أما اسم ظاهر وهو على حرف واحد هذا لا نظير له، والقاعدة عند النحاة: (أن حمل القليل على الشائع الكثير هذا من المرجِّحات) إذا التبس أمر هل يحتمل أو لا؟ حينئذٍ نقول الكثير الذي شاع في لسان العرب هو الذي يكون مُحكم، والذي معنا المشْتَبِه نرده إلى ذلك المحكم هذه قاعدة عندهم.

إذاً ألف (ذا) نقول هي أصلية وهذا هو الصواب وهو مذهب البصريين، ثم اختلف البصريون هل هي منقلبة عن واو أو عن ياء؟ لماذا لا نقول هي أصلية؟ لأنه لا يوجد كلمة من ثلاثة أحرف فيها ألف وهي أصلية، لابد وأنها منقلة عن واو أو ياء، لا يوجد باستقراء حكم عام عند الصرفيين أن الكلمة إذا كانت مؤلفة من ثلاثة أحرف، نقول هذه الألف قطعاً ليست أصلية، ولا نحكم عليها بأنها زائدة وإنما هي منقلبة عن أصلٍ وهذا الأصل لا يخلوا من حرفين، إما واو وإما ياء، قال، قال: هذا مؤلف من ثلاثة أحرف، مباشرة تحكم أن الألف هذه ليست أصلية بل هي منقلبة عن واو أو ياء، القول ويقول، نقول: هذا الفعل المضارع والمصدر يدل على أن هذه الألف منقلبة عن واو، إذاً قال: أصله: قول، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها فَقُلِبت الواو ألفاً. دعا: اللام هذه، دعا، ثلاثة أحرف، مباشرة نحكم أن هذه اللام الأخيرة –الألف- ليست أصلاً لأنه لا يوجد عندنا كلمة ثلاثة أحرف وتكون الألف فيها زائدة، لابد أن تكون أصلية، ومعنى أصلية: أنها منقلبة عن ثلاثة أحرف ولا تكون أصلية بمعنى أنها لا تكون أصلية بذاتها، تعبيران صحيحان. حينئذٍ دعا من الدعوة، دعا أصله دَعَوَ، وقيل مما هو واوي، ويائي، أثبته ابن مالك رحمه الله تعالى في منظومته (الواوي واليائي)، (دعا، دعَوَ، دعَيَ)، زاد فيه الوجهين، حينئذٍ دعا، دعوَ، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً صار (دعا) ومثله: باع، أصل بَيَعَ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت الياء ألفاً. إذاً (ذا) نقول هذه الألف ليست أصلاً، فقيل هي منقلبة عن واو، وقيل منقلة عن ياء. وألف (ذا) منقلبة عن ياء أو واو عند البصريين فاتفقوا على أنها منقلبة عن أصلٍ واختلفوا في هذا الأصل فقيل عن ياء بتصغيره على (ذَيَّ)، (ذيّ) تصغير (ذا) هذا دل على أن (ذا) الألف هذه منقلبة عن ياء، لأن (ذيّ) الياء هذه مشددة، أليس كذلك؟ (ذيّ) ياء التصغير وياء أخرى، ياء التصغير، والياء الثانية المُدغم فيها، والياء الأولى هذه من أين جاءت؟ نقول: التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، التصغير والجمع والتثنية كلها ترد الأشياء إلى أصولها، فإذا كان عندنا حرف منقلباً عن حرف آخر ثنِّه أو اجمعه أو صغره حينئذٍ يرجع الأصل، لما قلنا (ذيّ) راحت الألف أين ذهبت؟ رجعت إلى أصلها وهي الياء الأولى المدغمة في الياء الثانية، فدل على أن أصل هذه الألف ياء. وقيل عن ياء لتصغيره على (ذيّ) ولإمالتها، والإمالة إنما تكون للياء، هذا الأصل، فالعين واللام المحذوفان ياءان، أصلها (ذَيَيَ) على وزن (فَعَلَ)، والله أعلم، وهو ثلاثي الوضع في الأصل وقيل عن واو من باب طويت. وعند الكوفيين هي زائدة بسقوطها في التثنية (ذان) أين الألف؟ (ذان) الألف هذه ألف التثنية والنون هذه نون التثنية، صارت الكلمة على حرفٍ واحد (ذا) ذهبت الألف الأولى للتخلص من التقاء الساكنين، هذا نرده عليهم. وعند الكوفيين هي زائدة لسقوطها في التثنية ورد بأنه ليس في الأسماء الظاهرة القائمة بنفسها ما هو على حرف واحد وأما حذفها في التثنية في التقاء الساكنين وقد عوض منها تشديد النون كما سيأتي في محله.

إذاً بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أشِرْ: نقول هذا خاص بالمفرد المذكر، قال الشارح: يُشار إلى المفرد المذكر بـ (ذا) ومذهب البصريين أن الألف من نفس الكلمة، أي: أصلية، فهو ثلاثي الأصل لا ثنائي، وذهب الكوفيون إلى أنها زائدة، ومذهب البصريين أرجح من مذهب الكوفيين. بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ هذا ما يختص بالأنثى، أي أنثى مثنى أو جمع أو مفرد؟، مفرد -هو ما نص على هذا-! نص على المفرد المذكر، بمقابله اكتفاءً بما ذكره أولاً علمنا أن الثاني المراد به أول الأحوال وما هي أول الأحوال؟ الإفراد هذا أولاً، ثم يأتي بعده المثنى ولذلك قال: و (ذان تان)، ثم يأتي بعده الجمع. إذاً بـ (بِذِي وَذِهْ تِي تَا) على الأنثى المفردة المؤنثة، وهذا لا إشكال فيه. اقْتَصِرْ: بمعنى إذا أردت أن تشير إلى أنثى فاقتصر على ما ذكر من الألفاظ الأربعة، فأشر بها إليها دون غيرها، بـ (ذي) هذا بقلب ألف (ذا) ياء هكذا قيل، أصل (ذي) (ذا). ذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ هي الأصل، فلما أريد أن يشار إلى المفرد المؤنثة قيل (ذي) بقلب الألف ياء، إذاً هي منقلبة عن ألف (ذا). و (ذه) بقلب ياء (ذي) هاء، و (تي) بقلب الذال تاءً، والألف ياءً، وهكذا. بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى: أيضاً المفردة حقيقة أو حكماً اقْتَصِرْ فأشر بها إليها دون غيرها، هل قوله اقتصر على الأنثى بـ (ذي) يفيد أن هذه الألفاظ الأربعة لا يوجد غيرها؟ الجواب: لا، وإنما المراد به أن هذه مما يذكر ويشار به إلى المفردة المؤنثة وأن هذا هو المشهور الفصيح، وما عداه وإن سُمِع في لسان العرب إلا أنه ليس مثله، إذ الكلمات قد تكون من باب فصيح وأفصح، وهذا لا شك فيه، حينئذٍ الأفصح الذي جاء في القرآن، ثم ما جاء في السنة، ثم ما اشتهر على ألسنة العرب وهكذا. بِذِي وَذِهْ تِي تَا أوصلها بعضهم إلى عشرة، قال الشارح: ويشار إلى المؤنثة بـ (ذي) وهي عشرة ألفاظ، المفردة المؤنثة حقيقة أو حكماً، حقيقة كأن تقول (هذه) هندٌ (ذي) هند، كما تقول (ذا) زيدٌ، هذا زيد، هذي هندٌ، وأما الحكم كالفرقة والجماعة هذه فرقةٌ، هذه جماعةٌ، كالجمع السابق، هذا من حيث اللفظ هو مفرد، ومن حيث المعنى هو: متعدد، حينئذٍ يراعى اللفظ دون المعنى، يشار إلى المؤنثة ب (ذي) و (ذه) بسكون الهاء و (تي وتا) وهذه التي ذكرها الناظم، وزاد عليها و (ذِهِ) بكسر الهاء باختلاسٍ وبإشباع، يعني يقال: (ذهْ) بإسكان الهاء وبكسرها باختلاس، يعني: دون أن تشبع تبقي الكسر كما هي، (ذِهِ)، ثم تشبعها كأنها ياء، (ذهِ)، يعني كأنها عبارة عن كسرتين، و (تهْ) بإسكان الهاء، و (تهِ) بكسرها باختلاسٍ يعني: دون إشباع، وبإشباع (تهِ) كأنها ياء، هذه تسعة. و (ذاتُ) هذه أغربها وأضعفها، بالبناء على الضم، واسم الإشارة (ذا) والتاء للتأنيث، (ذاتُ) لأنها تأتي بمعنى صاحب، هذا الأصل، كونها تستعمل اسم إشارة هذا فيه غرابة، ولذلك قيل (ذا) هو اسم الإشارة والتاء هذه للتأنيث. إذاً هذه عشرة ألفاظ ذكر الناظم منها أشهرها وهو قوله: بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ

يعني: اقتصر على ما ذُكر ولا تتعداه في الإشارة إليها بها، فإنه وإن كان محفوظاً إلا أنه دون ما ذكر لك من الألفاظ المسموعة على لسان العرب. وَذَانِ تَانِ لِلمُثَنَّى المُرْتَفِعْ ... وَفِي سِوَاهُ ذَيْنِ تَيْنِ اذْكُرْ تُطِعْ إشارة إلى ما يشار إلى المثنى لأننا قلنا المشار إليه إما مفرداً وإما جمعاً وإما مثنى، انتهينا من المفرد وعرفنا أن المفرد قد يكون مذكراً وقد يكون مؤنثاً يشار للمفرد المذكر بـ (ذا) على المشهور، ويشار للمفردة المؤنثة بأربعة ألفاظ بـ (ذي وذه تي تا) هذه أربعة ألفاظ. وذَانِ تَانِ (ذان) تثنية (ذا)، هذا الأصل فيها، تثنية (ذا) بحذف الألف الأولى لسكونها وسكون ألف التثنية، (ذا) هذا الأصل فيها، ثم جيء بالألف والنون، الألف والنون، الألف هذه علامة التثنية، والنون هذه هي نون المثنى، لما جيء بها زيادة على (ذا) التقى عندنا ساكنان الألفان، -الألف الأصلية من أصل الكلمة، وألف التثنية- التقى ساكنان، لا يمكن تحريك الأول، إذاً لابد من الحذف، أي الألفين هي أولى بالحذف-الأصلية-الزائدة- أي الألفين؟ الأصلية ما الدليل؟ ما التعليل؟؟؟؟ تقول: (ذا) الألف هذه حرف مبنى، مثل: (زهْ) من زيد، حرف مبنى، وألف التثنية، هذه حرف معنى، يعني: كلمة مستقلة مثل: إلى ولم، فحينئذٍ إذا دار الأمر بين حذف حرف المبنى أو حرف المعنى فلا شك أن حرف المبنى أولى بالحذف لماذا؟ لأن حرف المبنى يمكن الاستلال به بعلمك بأصل الكلمة، تعلم (ذان) أن أصلها (ذا) والألف موجودة، لو ما رأيتها أونطقت بها تعرف أن أصلها (ذا) إذاً لابد من الألف، لكن لو حُذفت ألف التثنية ما الذي يدل عليها؟ هي جيء بها لمعنى هذا المعنى لا يوجد إلا بوجودها فلو حذفت حينئذٍ لا يدل الموجود على المعنى الذي جاءت من أجله ألف التثنية، فلذلك كان المرجَّح أن ألف التثنية هي التي تبقى، وأما ألف (ذا) هي التي تحذف للتخلص من التقاء الساكنين.

وذَانِ بكسر النون لأنه إما أنه معرب وهو مستثنى، لأنه ليس على صورة المثنى حقيقة وإن رفع أو نصب، رفع بالألف كالمثنى أو نصب وجر بالياء كالمثنى، حينئذٍ لما كانت صورته ليست على صورة المثنى مع بقاء الكلمة كما هي (زيد) (زيدان) لما لم تبقَ الكلمة تحافظ على جوهرها كما هي من حركاتها وحروفها وسكناتها قيل هذا جاء على صورة مثنى، ليس مثنىً حقيقةً، حينئذٍ كونه جاء على صورة المثنى، هل يعتبر معارضاً لأصل الشبه الذي وجد في أسماء الإشارة التي ألحقتها بحرف البناء أم لا؟ هذا سبق الإشارة إليه، وهو أن الكثير يرى أن (ذان) و (تان) و (ذين) و (تين) هذه مثناة وهي معربة، لماذا هي مثناة؟ لوجود الألف والنون، والياء والنون، ولماذا هي معربة مع كون اسم الإشارة أشبه حرفاً غير موجود؟ فالشبه المعنوي قد وجد في أسماء الإشارة وهي مبنية، ذا: مبني، وتي: مبني، (ذان) نقول هذا معرب لماذا؟ قالوا: لأن شرط الشبه الذي يكون ملحِقاً بالكلمة بالحرف في الحكم وهو البناء يجب أن لا يعارضه معارض، وهذا المعارض، وهو أن يكون بالاسم ما هو من خصائص الأسماء، وهذا الشبه حينئذٍ يقال فيه أنه شبه ضعيف، وأما إذا خلا مما هو من خصائص الأسماء قالوا هذا شبه قوي، لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي، احترازاً من الشبه الضعيف ومثله (ذان) (تان). و (ذَانِ): إذاً نقول (ذان) هذا مثنى، مثنى (ذا) والألف الأصلية محذوفة وهل هو معرب أو مبني؟ قولان: قيل معرب بالألف، كـ (زيدان)، وقيل مبني على الألف، ولكل وجهته. (ذان) للمثنى المذكر، و (تان) للمثنى المؤنث، الأول للمذكر، والثاني للمؤنث. المُرْتَفِعْ: يعني المرفوع، إذا جاء في محل رفع إن كان مبنياً حينئذٍ صار مبنياً على الألف، وإذا كان معرباً حينئذٍ صار مرفوعاً بـ (الألف). المُرْتَفِعْ يعني: إذا جاء في موضع رفع كالابتداء والفاعلية، حينئذٍ صارت هذه الألف علامة للرفع، أو صارت هذه الألف بناءً للكلمة، يعني يكون مبنياً على الألف كما هو الشأن في يا (زيدان). وَفِي سِوَاهُ ذَيْنِ تَيْنِ اذْكُرْ تُطِعْ: فِي سِوَاهُ يعني: سوى المرتفع، وهو المنتصب والمنخفض، يعني في حالة النصب وفي حالة الجر لا تأتي بـ (ذان) بألف، وإنما تأتي ببدل الألف ياء، فتقول: (ذين وتين)، من هنا استدل من قال بأنها معربة، لأنها لو كانت مبنية للزمت حالة واحدة، (ذان) رفعاً ونصباً وخفضاً، لكن لما جاءت في حالة الرفع بالألف وفي حالتي النصب والجر بالياء، حينئذٍ ما الفرق بينها وبين الزيدين والزيدان؟ لا فرق، وقيل أنها معربة. وَفِي سِوَاهُ: يعني في حالة إرادة سوى المرتفع وهو المنتصب والمنخفض تأتي بـ (ذين) بدل الألف بالياء للمذكر، و (تين) بدل الألف بالياء للمؤنث. اذْكُرْ: ما ذكرته لك تطع النحاة -تكملة لما ذكره-. يشار إلى المثنى المذكر في حالة الرفع بـ (ذان) وفي حالة النصب والجر بـ (ذين) وإلى المؤنثتين بـ (تان) في الرفع، و (تين) في النصب والجر. ثم قال: وبـ (أُلى) أشر لجمع المطلقا والمد أولى:

هذا ما يتعلق بالجمع، بـ (أُلى) أشر لجمع، أشر بـ (أُلى) لجمع، وعرفنا أن الجمع ما دل على اثنين فأكثر هذا هو الأصل من حيث ماذا؟ من حيث المعنى اللغوي، لكلمة جمع، لكن المراد هنا ليس الجمع اللغوي، وإنما الجمع الاصطلاحي، يعني: جمع المذكر، أو جمع المؤنث، لأنه قال: مطلقاً، يعني: سواء كان مذكراً أو مؤنثاً، وسواءً كان عاقلاً أم غير عاقلٍ. وبـ (أُلى) ذكره مقصوراً، يعني: قصر دون مد، وهو لغة تميم، ثم قال: والمد (أُلائي) (هؤلاء) هذا مد (لأُلى) (أُلى) بالقصر بدون همزة و (أُلائي) هذا بالمد. القصر لغة بني تميم، والمد لغة الحجاز، وهو أولى، المَدُّ أوْلَى، المد فيه أولى من القصر، لأنه لغة الحجاز وبه جاء التنزيل: ((هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ)) [آل عمران:119] ((هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ))، فُصِل بين هاء التنبيه واسم الإشارة وهو جائز كما سيأتي. (أُوْلاءِ) قال: ((تُحِبُّونَهُمْ)) [آل عمران:119] إذاً بُني على الكسر إذا مُد قيل (أُلاء) الألف هذه ساكنة، جيء بالهمزة الأصل أنه مبني وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا، إذاً التقى ساكنان، حينئذٍ نحرك الثاني الذي هو الهمزة بالكسر على أصله للتخلص من التقاء الساكنين قيل: هؤلاء، أُلاء، نقول: مبني على الكسر على حسب موضعه إما مبتدأ أو غير ذلك. إذاً وبـ (أُلى) أشر، أشِرْ بـ: (أُلى) -بلفظ (أُلى) - مقصوراً لجمعٍ مطلقاً مذكراً أو مؤنثاً فهو مشترك، -لفظ مشترك-، والقصر فيه لغة تميم، والمد لغة الحجاز وهو أولى من القصر وحينئذٍ يبنى على الكسر لالتقاء الساكنين ورجحناه وقلنا أولى، لمجيء القرآن به، فإذا جاء شيء في القرآن صار أعلى أعلى أعلى الفصيح، ولو مرة واحدة لا يشترط أنه يأتي في البقرة وآل عمران والنساء ... الخ حتى نقول هذا مطرد، ولو مرة واحدة كلمة واحدة جاءت نقول هذا أفصح الفصيح. وإذا كان ثم اصطلاح للنحاة لا يخالف هذا أن نقول هذا شاذ أو هذا زائد أو نحو ذلك ليس فيه تعارض؛ لأن هذا مجرد اصطلاح لمِاَ قعده النحاة فحسب، يحكمون على هذا اللفظ كونه شاذاً أو لكون هذا اللفظ غير شاذ، هذا نادر، هذا قليل، هذا ضعيف، هذا له أصل، هذا مهجور، أصله مهجور، كل هذه المصطلحات عند النحاة قد يجيء بعضها في القرآن، أما الشاذ واستعمالاً، هذا محل وفاق –إجماع-، إجماع لا يوجد في القرآن البتة، الذي هو يسمى في الأصل المهجور، الذي لم يأتِ إلا لفظ واحد عن العرب، وما كان لسائر المنقول عنهم مخالفٌ لهم، كما ذكرنا في المثال السابق، فإنه أهلٌ لأن يُكرم، هذا أصل مهجور لا يأتي به القرآن البتة، بل لا يتكلم به إنسان شم رائحة الفصاحة، لأن الأصل المطرد، هو: فإنه أهل لأن يكرم، هذا هو. إذاً كونه أولى -المد أولى- لماذا؟ لأنه جاء في القرآن وأما القصر فهو لغة بني تميم لم يرد في القرآن. قال الشارح: يشار إلى الجمع مذكراً كان أو مؤنثاً بـ (أُلى) ولهذا قال المصنف: أشِرْ لِجَمْعٍ مُطْلَقَا: والإطلاق هنا مراده به مؤنث أو مذكر، يعني ليس رفعاً ونصباً وجراً كما قد يأتي في بعض المحال، يشار إلى جمعٍ مذكراً كان أو مؤنثاً بـ (أُُلى) ولهذا قال المصنف:

أشِرْ لِجَمْعٍ مُطْلَقَا: ومقتضى هذا أنه يشار بها إلى العقلاء وغيرهم، وهو كذلك، ولكن الأكثر استعمالها في العاقل، ومن ورودها في غير العاقل، قوله: ذَمُّ المنازِل بعدَ منزلةِ اللِّوا ... والعَيش بعدَ أولئك الأَيَّام أولئك الأيام: يشار إليه: أيام، وهي عاقلة أو لا؟ غير عاقلة، وفيه لغتان: المد وهي: لغة أهل الحجاز، وهي الواردة في القرآن العزيز، والقصر وهي: لغة بني تميم، إذاً فيه لغتان، لكنه لم يشر إلى أن لغة الحجازيين هي أولى، لأن القرآن قد جاء بها. .................................. بِالْكَاف حَرْفاً دُونَ لاَمٍ أَوْ مَعَهْ ... وَلَدَى البُعْدِ انْطِقَا وَاللاَّمُ إِنْ قَدَّمْتَ هَا مُمتَنِعهْ هذا متعلق بما بعده. وَلَدَى البُعْدِ: عرفنا ما سبق بـ (ذا) لمفردٍ مذكرً أشر: هذا هل هو في القريب أو البعيد أو المتوسط؟ أطلقه الناظم حينئذٍ يحمل على القريب، بـ (ذا) قريب منك، ليس البعيد ولا المتوسط، بـ (ذي وذه تي تا) هذا القريب أو لا؟ القريب. وذَانِ تَانِ، وفي سواه (ذين تين) نقول هذا للقريب، وبـ (أُلى) أشر لجمع مطلقاً ... !! إذاً كل ما ذكره الناظم قبل قوله: وَلَدَى البُعْدِ: يفهم من قوله: وَلَدَى البُعْدِ أن ما تقدم يستعمل في القريب فحسب؛ لأن الناظم يرى -ابن مالك رحمه الله- مخالفاً لجماهير أهل اللغة: أن المشار إليه له مرتبتان: قُربى وبُعدى فحسب. والجمهور يرون أن المشار إليه له ثلاث مراتب: قُربَى ووُسطىَ وبُعدَى، هو حذف الوسطى، قال: لا، لا يوجد، وإنما هما ثنتان فقط، قُرْبَى وبُعْدَى، كلما ذكره قبل قوله: وَلَدَى البُعْدِ: فهو للقريب وكل ما ذكره بعد قوله: ولدا البعد: فهو للبعيد. وَلَدَى البُعْدِ: إذاً كأنه قال: وما تقدم هو فيما إذا كان المشار إليه قريباً. (وَلَدَى البُعْدِ) وهي المرتبة الثانية من مرتبتي المشار إليه على رأي الناظم انطقا. وَلَدَى البُعْدِ: يعني ولدى الإشارة إلى ذي البعد زماناً أو مكاناً أو ما نُزِّلَ مُنَزَّلَتَه لتعظيم أو تحقير، وهذه تذكر في كتب البلاغة، لذلك جاء: ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ)) [البقرة:2] ذلك: أتى باللام والكاف، وهذا للبعيد، وهو ليس بعيد، لكن جيء بهذه الصيغة للدلالة على التعظيم، حينئذٍ هذا معنىً بلاغي لا ندرسه هنا. وَلَدَى البُعْدِ: يعني ولد الإشارة إلى ذي البعد زماناً أو مكاناً أو ما نُزِّلَ مُنَزَّلَتَه، لتعظيمٍ أو تحقير انطقا، انطقاً: الألف هذه ممتنع عن نون، التوكيد الخفيفة. انْطِقَا: بالكاف حرفاً إذا أردت البعيد وَلَدَى البُعْدِ: انطقاً بالكاف حرفاً، يعني: ماذا تقول؟ كَ كِ، هو يقول هكذا، كَ كِ. وَلَدَى البُعْدِ انْطِقَا، انطقاً: بِالْكَاف حَرْفاً أي مع اسم الإشارة لابد من التقدير، انطقاً مع اسم الإشارة بالكاف، أما الكاف لوحدها لا تكون اسم إشارة. وَلَدَى البُعْدِ انْطِقَا: يعني مع اسم الإشارة، بالكاف: يعني: بمسمى الكاف حَرْفاً يعني: حالة كونه حرفاً، لمجرد الخطاب، حكم على أن هذه الكاف المتصلة باسم الإشارة أنها حرف وهذا محل وفاق -أنها حرف محل وفاق لا خلاف فيه-.

لماذا نبه الناظم عليه؟ نقول: نبه عليه لئلا يتوهم أنه ضمير، ليس ببعيد، كما قيل في غلام، قال: (ذاك)، الكاف هذا ضمير، نبه عليه لئلا يتوهم أنه ضمير كما هو في نحو (غلامك)، ولحق الكاف للدلالة على الخطاب، لحق الكاف اسم الإشارة يعني للدلالة على الخطاب، وعلى حال المخاطب من كونه مذكراً، أو مؤنثاً مفرداً أو مثنىً أو مجموعا، يعني: خطاب هذا يدل (ذاك ذاك) (ذاكما ذاكم) كما سيأتي، وقلنا هي حرف لأنها لو كانت اسماً لكان اسم الإشارة مضافاً واللازم باطل، لو قلنا: (ذاك) الكاف هذه اسم حينئذٍ (ذا) مضاف، (والكاف) مضاف إليه وهذا باطل، لماذا هو باطل؟ لأن اسم الإشارة لا يقبل التنكير بحال. إذاً وَلَدَى البُعْدِ: المرتبة البعيد البعيد التي تلي القريب عند الناظم: انطقاً بـ (الكاف) -بمسمى الكاف- حال كونه حرفاً لمجرد الخطاب، أي انطق بـ (الكاف) محكوماً عليه بالحرفية، وهذا محل وفاق. دُونَ لاَمٍ أَوْ مَعَهْ: يعني: انطق بـ (الكاف) حرفاً مع اللام أو دون اللام، فماذا تقول؟ تقول: (ذاك، وذلك) ذاك اسم إشارة اتصل به الكاف وهو حرف، فقلت (ذاك)، (ذلك) باللام أو معه. دُونَ لاَمٍ أَوْ مَعَهْ فيلتحق هذا الكاف باسم الإشارة. دون لام: وهي لغة تميم، دون لام (ذاك) أو معه يعني: مع اللام، وهي لغة أهل الحجاز، إذا قيل: تميم مباشرة يقابله أهل الحجاز. دُونَ لاَمٍ أَوْ مَعَهْ: فقل: (ذاك) أو (ذلك) واختار بن الحاجب أن (ذاك) ونحوه للمتوسط، إذاً هذا مبني -كلام الناظم- في التسوية بين الكاف واللام، أنهما في مرتبة واحدة خلافاً للجمهور. الجمهور يقولون: ما كان مجرداً عن اللام والكاف للمرتبة القربى، وذو الكاف فقط، للوسطى، وذو اللام للبعدى، وهنا سوى بين الثنتين بالكاف دون لام أو معه، إذاً (ذاك وذلك) في مرتبة واحدة، والجمهور على أن ذاك للوسطى، وذلك للبعدى. لا خلاف أن المجرد من اللام والكاف للقريب، اتفقوا عليه، (ذا) نقول هذا للقريب، ثم اختلف فقيل ما فيه الكاف وحدها أو مع اللام كلاهما للبعيد، -الذي ذكره الناظم- ما كان بالكاف وحدها أو باللام معها، أنه للبعيد، لأن المرتبة عنده ثنتان فحسب، قُرْبَى، وبُعْدَىَ، ثم اختلف فقيل: ما فيه الكاف وحدها الذي أشار إليها بقوله: دون لام، أو مع اللام -أو معه- كلاهما للبعيد وهذا اختيار الناظم رحمه الله تعالى وليس للإشارة سوى مرتبتين، صححه ابن مالك واحتج له بماذا؟ احتج له بأن المشارَ شبيه بالمنادى، لأن المشار إليه هذا أشبه ما يكون بشيء محسوس، بل هو محسوس والمنادى كذلك يكون شيئاً محسوساً، فهو أشبه ما يكون بالمنادى.

قال: والنحويون مجمعون على أن المنادى ليس له إلا مرتبتان، وإذا كان اسم الإشارة شبيهاً بالمنادى والمنادى بالإجماع ليس له إلا مرتبتان حينئذٍ المشبه به ينتقل حكمه إلى المشبه -هذا الأصل-، أما قلنا قاعدة العرب (أن الشيء إذا أشبه شيئاً أخذ حكمه)؟ حينئذٍ أشبه اسمُ الإشارة المنادى، والمنادى بالإجماع -والإجماع هذا فيه نظر- بالإجماع أن له مرتبتين، إذاً اسم الإشارة له مرتبتان، فلحِق بنظيره، هذا أولاً، وبأن الفراء نقل أن بني تميم ليس من لغتهم استعمال اللام مع الكاف (ذلك) ليس عندهم استعمال اللام مع الكاف، عند من هذا؟ عند بني تميم. هذه مقدمة. والحجازيون ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا (لام) عكس بني تميم، بنو تميم ليس من لغتهم استعمال الكاف مع اللام، ما يجمعون بين الكاف واللام، عندهم (ذاك) وليس عندهم (ذلك) يستعملون (ذاك) ولا يستعملون (ذلك) يعني: لا يجمعون بين اللام والكاف، عكسهم الحجازيون، الحجازيون ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا (لام) يعني: في اللزوم، الحجازيون لا يستعملون الكاف إلا مع اللام (ذلك)، هذه اللفظة ليست موجودة عند بني تميم -قضية مركبة- فلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان لأنه إذا كانت (ذاك) للقربى فحسب، حينئذٍ بماذا يشير بنو تميم للبعيد؟ ليس عندهم (ذلك)، وكذلك الحجازيون ليس عندهم إلا (ذلك) ماذا يقولون في (ذاك) لزم من هذا -من تركيب اللغتين- ألا يكون للمشار إليه إلا مرتبتان فحسب، ولزم على القول بأن المراتب ثلاثة أن التميميين لا يشيرون إلى البعيد، لأنه ليس عندهم (ذلك) عندهم (ذاك) فقط كيف يشيرون إلى البعيد؟ ليس هناك لغة مولدة، والحجازيون لا يشيرون إلى المتوسط، هذا دليل.

أيضاً بأن القرآن لم يرد فيه المجرد من اللام دون الكاف، لا وجود له في القرآن، -لم يوجد اسم إشارة مجرد من اللام دون الكاف- فلو كان له مرتبة أخرى لكان القرآن غير جامع، هذا ليس بلازم، قد يوجد شيء في اللغة ولا يوجد في القرآن، كل ما جاء في القرآن فهو في لسان العرب، وكل ما جاء في اللغة حينئذٍ ينظر فيه: إن كان شائعاً مطرداً حينئذٍ إذا وجد في القرآن لا إشكال فيه، وإذا وجد في لسان العرب ما هو مطرد ولم يوجد في القرآن، عدم وجوده في القرآن لا نستدل به على إبطاله في لسان العرب، قضية عكسية، ولذلك الشيخ الأمين رحمه الله قال: لو ثبت المجاز في لغة العرب لا يلزم أن يثبت في القرآن لأنه ليس كل ما جاء في لغة العرب لابد أن يأتي في القرآن، هذه قضية نعكسها، نقول: إن وجد في القرآن ما هو شائع في لسان العرب توافقا، وهذا هو الأصل فيه -أن القرآن نزل بلسان العرب- قُرْآناً عَرَبِيّاً ((بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)) [الشعراء:195]، فمن ادعى أن هذا القرآن اشتمل على شيءٍ مطردٍ في لسان العرب لا يحتاج أن يقيم دليل، الذي ينفي هو الذي يقيم دليل، لماذا؟ لأن القرآن نزل بلسان العرب، فإذا كان الشيء شائعاً في لسان العرب -مطرداً في لغة العرب- ووجد في القرآن حكم الله عز وجل بأن القرآن هذا نزل بما شاع وانتشر في لسان العرب حينئذٍ لا نحتاج إلى دليل هذا هو الأصل، من قال هذا شائع في لسان العرب وكثير ومطرد ولا يوجد في القرآن آتي بالدليل، خاصة مع من أثبته، حينئذٍ القضية تكون عكسية. إذاً هنا قال: لم يرد فيه المجرد من اللام دون الكاف فلو كان له مرتبة أخرى لكان القرآن غير جامع -هذا دليل ضعيف لا يستدل به، قد يوجد في القرآن ما هو شائع في لسان العرب وقد يوجد في لسان العرب وهو شائع وليس في القرآن هذا لا بأس به، قد يكون في لسان العرب ما هو شائع ومطرد ولم يكن له مثال واحد في القرآن- لكان القرآن غير جامع لوجوه الإشارة فإنه لو كانت المراتب ثلاث لم يكتفى بالتثنية والجمع بلفظين، وأكثر النحاة على أن الإشارة على ثلاث مراتب وهذا محل وفاق. ورجح الصبان ما ذهب إليه الناظم وكذلك السيوطي في عقود الجمان وغيرها. إذاً بِالْكَاف حَرْفاً دُونَ لاَمٍ أوْ مَعَهْ، دُونَ لاَمٍ: هذا عند الناظم مساوياً لقوله أوْ مَعَهْ، لأن المرتبة واحدة، وعند الجمهور دُونَ لاَمٍ هي القربى، أوْ مَعَهْ هي الوسطى، واللامُ إِنْ قَدَّمْتَ هَا مُمتَنِعهْ، واللام ممتنعة، متى؟ إِنْ قَدَّمْتَ هَا مُمتَنِعهْ يعني: ها التنبيه إن تقدمت اللام فهي ممتنعة. واللامُ هذا مبتدأ. وقوله: مُمتَنِعهْ هذا خبر. إِنْ قَدَّمْتَ هَا: إن: حرف شرط. قدمت: فعل الشرط، والتاء فاعل، وها قصد لفظه وهو مفعول به، والجواب محذوف، فهي ممتنعة، دل عليه الخبر، وتمتنع أيضاً مع التثنية والجمع إذا ما مُدَّ. قال الشارح: وأشار بقوله:

وَلَدَى البُعْدِ انْطِقَا بِالْكَاف .. الخ البيت: إلى أن المشار إليه له رتبتان: القُرب والبُعد، فجميع ما تقدم يشار به إلى القريب يعني: ما تقدم هذا اللفظ وَلَدَى البُعْدِ يشار به عند الناظم إلى القريب، فإذا أُريد الإشارة إلى البعيد أُتي بالكاف وحدها فتقول: (ذاك) أو الكاف واللام نحو ذلك، وهذه الكاف حرف خطاب، فلا موضع لها من الإعراب وهذا لا خلاف فيه، حرف يبين أحوال المخاطب، من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث، لأنك تقول (ذاك) يخُاطَب واحد وهو مفرد (ذلكما) (ذلكم) (ذلكن) (ذاكَ) (ذاكِ) (ذاكما) (ذاكم) (ذاكنَّ)، ذا والكاف، ثم تلحق به باعتبار المشار إليه إن كان مؤنثاً قلت (ذاكِ) وإذا كان مذكر قلت (ذاكَ) وإذا كان مثنى (ذاكما، ذاكن، ذاكم) ... الخ، فإن تقدم حرف التنبيه الذي هو هاء على اسم الإشارة أتيت بالكاف وحدها، ولا تأتي باللام، ولذلك قال: واللامُ إِنْ قَدَّمْتَ هَا مُمتَنِعهْ: أما مع الكاف فغير ممتنعة، فتقول: (هذَاكَ). رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لاَيُنْكِرُونَنِي ... وَلاَ أَهْلُ هذَاكَ الطِّرَافِ الْمُمَدَّدِ تصحب هاء التنبيه المجرد من الكاف كثيراً، قاعدة: تصحب ها التنبيه المجرد من الكاف كثيراً: نحو هذا وهذي، والمقترن بالكاف دون اللام قليلاً، تقول (هذاك) ولا تدخل مع اللام بحال، إذاً تأتي ها التنبيه مع المجرد من الكاف، وهل تأتي مع المتصل باللام؟ الجواب: لا، والمقترن بالكاف دون اللام أقل من المجرد. إذاً مراتب ثلاثة: أولاً: تصحب ها التنبيه المجرد من الكاف كثيراً (هذا)، ليس فيه كاف ولا لام، هذا هو الكثير و (هذي) نقول هذا كثير. ثم يليه على قلة هاء التنبيه مع الكاف، (هذاك) لكنه أقل من الأول. الثالث: هل تدخل اللام مع اسم الإشارة الذي تقدمت عليها التنبيه، الجواب: لا. ولذلك قال ولا تدخل مع اللام بحالٍ فلا يقال: (هذالك) وعلله ابن مالك بأن العرب كرهت كثرة الزوائد. فائدة: تفصل ها التنبيه من اسم الإشارة بـ (أنا وأخواتها) من ضمائر الرفع المنفصلة كثيراً (ها أنذا، هذا) فصلت بينها واسم الإشارة بـ (أنا) ((هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ)) [آل عمران:119]، (ها أنذا، هذا) وها نحن أُوْلاءِ قال تعالى: ((هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ)) [آل عمران:119]، وبغير الضمائر المذكورة قليلاً، فقلتُ: لهم هذا لها ها وذاليا فوصل بالواو، ولا يجوز الإتيان بالكاف واللام فلا تقول (هذالك) وظاهر كلام المصنف أنه ليس للمشار إليه إلا رتبتان: قُربى وبُعدى كما قررنا. والجمهور على أن له ثلاث مراتب قُربى ووسطى وبُعدى، قربى ولها المجرد من الكاف واللام، ووسطى ولها ذو الكاف (ذاك)، وبُعدى ولها ذو الكاف واللام، فيشار إلى من في القربى بما ليس فيه كاف ولا لام مجرد كـ (ذا) و (ذي) وإلى من في الوسطى بما فيه كاف وحدها نحو (ذاك) وإلى من في البعدى بما فيه كاف ولام نحو (ذلك). المثنى لا تدخل عليه اللام، وكذلك الجمع على لغة المد وتصح على لغة القصر وهي لغة تميم. لا تدخل اللام على الكاف مع جميع أسماء الإشارة بل المفرد مطلقاً نحو (ذلك وتلك) ومع (أُلى) مقصوراً نحو (أولاك) و (أولا لك) وأما المثنى مطلقاً و (أُلآء) الممدود لا تدخل معه اللام.

وَبِـ (هُنَاَ) أَوْ (هَاْهُنَاْ) أشر إلى دان المكان وبه الكاف صلا في البعد أو بـ (ثم) كف أو (هَن) أو بـ (هنالك) انطقاً أو (هِن). (هَن) في الأول و (هِن) في الثاني قدمت أو أخرت لا بأس وبـ (هنا) أو للتخيير هاهُنَا أشِرْ إِلى، هنا قال أشر إلى، بـ (ذا) لمفرد مذكرٍ أشر، قلنا اللام هناك بمعنى إلى، لأن أشر يتعدى إلى مدخوله بـ (إلى) لا باللام، وهنا عداه بـ (إلى) دليل على أن ذاك التأويل في محله، وَبِـ (هُنَاَ) أَوْ (هَاْهُنَاْ) أشر إلى داني المكان، يعني: إلى قريب مكان، يعني يُشار إلى المكان باسم الإشارة، ثم هذا المكان قد يكون قريباً وقد يكون بعيداً، بـ (هُنَاَ) أو (هاهُنَا) تشر به إلى المكان القريب، يُشار للمكان القريب بـ (هُنَاَ) وهو لازم للظرفية، يعني هنا هذا لازم للظرفية، فلا يقع فاعل ولا مفعولاً ولا مبتدأ مثل (عند)، و (عند) فيها النقص يستمرُ ... لكنها بمن فقط تُجَرُّ. هذه ملازمة للظرفية ولا تجر إلا بـ (من) و (إلى) نحو تعال من هنا إلى هنا، (هنا) هذا يشار به إلى المكان القريب وهو ظرف ملازم للظرفية، ولا يدخل عليه من حروف الجر إلا (من) و (إلى) هذا مثال شامل للنوعين، تعال من هنا إلى هنا، حينئذٍ هذا إشارة إلى مكان قريب، وَبِـ (هُنَاَ) أَوْ (هَاْهُنَاْ): هنا قدم الجار والمجرور بقوله بـ (هُنَاَ) على قوله أشِرْ لا للحصر، يعني حصر الإشارة إلى المكان في هذه الألفاظ وإنما هو من حيث كونه ظرفاً للفعل، فإنه من هذه الحيثية لا يُشار إليه إلا بها فلا ينافي صلاحية أسماء الإشارة المتقدمة لكل مشار إليه ولو كان مكاناً وقع غير ظرفٍ، يعني: لا يشترط في الإشارة إلى المكان أن يكون بهذه الألفاظ بحسب بل قد يشار إليه بما سبق، وإنما كانت هذه مخصصة في هذا الموضع لأنها أليق، لأنها هي الأصل وما عداها لا مانع من أن تستعمل في مثل هذه المعاني. وَبِـ (هُنَاَ) أَوْ (هَاْهُنَاْ) هنا هذه بدون (ها) تنبيه، يعني مجردة من ها التنبيه، ولذلك يوقف عليها بـ (هنه) يعني تحذف الألف تصير هاء السكت، (هنه). وَبِـ (هُنَاَ) أَوْ (هَاْهُنَاْ) المسبوقة بالهاء أشِرْ إلِى ... دَانِى الْمكَانِ، يعني المكان القريب ((إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)) [المائدة:24] إنا هاهنا، هذا إشارة إلى مكان قريب، قاعدون. وَبِهِ الْكَافَ صِلاَ فِي البُعْدِ: إذاً ذكر اثنين للقريب، وليس عنده إلا مرتبتان: قُربى وبُعدى هنا وهاهنا للقريب، وبه يعني، بـ (هنا) أو (هاهنا) الْكَافَ صِلاَ، يعني: الكاف المتقدمة، بـ (الْكَافَ) حرفاً صِلاَ، يعني: صلاً فِي البُعْدِ أوْ، تقول: (هناك) أو (هاهناك)، يعني مع هاء التنبيه ودون هاء التنبيه (هنا) هذه مجردة عن الهاء، تقول: (هناك) وَبِهِ الْكَافَ صِلاَ، (هنالك) (هاهنا) (هاهناك)، حينئذٍ تأتي بالكاف، وَبِهِ الْكَافَ صِلاَ: يعني تلحقه لواحق (ذا) تقول: (هناك) و (هاهناك) فيه ثقل.

فِي البُعْدِ أوْ بِثَمَّ فُهْ يعني إذا لم تأتِ بـ: هاهنا أو هنا موصولة بالكاف تأتي بـ (ثم) ثم هذه للمكان البعيد، ليست للمكان القريب، بفتح الثاء والميم مشددة، وليست هي ثُم، ثُم هذه حرف عطف، تفيد التراخي، وأما ثَمَّ بالفتح وتشديد الميم فهي ظرف، أو بـ (ثمه) بـ (ثم) في الوقف يقال: (ثمه) هاء السكت، (ثم) فه: أي انطق، أو قل (هن) أو بزيادة اللام مع الكاف بـ (هنالك) انطقاً هذا على لغة أهل الحجاز، أو (هِنَّ) (هَنَّ) تأتي بهذه الألفاظ كلها مشاراً بها إلى المكان البعيد، أما المكان القريب فليس له إلا لفظان عند المصنف في هذا التركيب في البيت. وَبِـ (هُنَاَ) أَوْ (هَاْهُنَاْ) هذا للقريب، وَبِهِ الْكَافَ المتقدمة صِلاَ فِي البُعْدِ تقول: (هناك) أو (هاهناك) أو بـ (ثم) فه، يعني انطق بـ (ثم) وهذا للمكان البعيد، أو (هَن) أو بـ (بهُنَالِكَ) انْطِقَنْ ً أو (هِن) إذاً تلحقه لواحق (ذا) تتصل بهذه الألفاظ لواحق (ذا) وهو الكاف وحدها في التوسط أو البعد على القولين والكاف مع اللام في البعد، وتدخل ها التنبيه في هنا بكثرة وهناك بقلة ولا تدخل في هنالك، وقد يقال في (هنّ) المشددة (هنَّت) هذه مشددة ساكنة التاء، وقد يشار بـ (هنا) و (هنالك) و (هن) المشددة للزمان كما يشار به إلى للمكان، كقوله: ((هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ)) [الأحزاب:11] يدل على ذلك قوله: ((إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)) [الأحزاب:10] وقوله: ((هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ)) [يونس:30] (هنالك) نقول: هذا استعمل في الزمان، الأصل فيه أنه يستعمل للمكان، وجاء في هاتين الآيتين مستعملاً به في الزمان. وَبِـ (هُنَاَ) أَوْ (هَاْهُنَاْ) أَشِرْ إِلَى ... دَانِ المَكَانِ وَبِهْ الكَافَ صِلاَ قال المصنف الشارح: يشار إلى المكان القريب بِِـ (هُنَاَ) ويتقدمها ها التنبيه، إذاً قوله: أو للتخيير وَبِـ (هُنَا) أَوْ (هَاْهُنَاْ) للتخير يعني سواء جردتها عن هاء التنبيه، أو أوصلتها بها، ويتقدمها هاء التنبيه فيقال: هاهنا، ويشار إلى البعيد على رأي المصنف بـ (هناك وهنالك وهِنَّ وهَنَّ) يعني بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون وبـ (ثمه) ((وأزلفنا ثَمَّ الآخَرِينَ)) [الشعراء:64] هنا اسم إشارة، و (هِنَّت) وعلى مذهب غيره هناك للمتوسط وما بعده للبعيد ... والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... !!!

24

عناصر الدرس * شرح الترجمة (الموصول) ـ * أقسام الوصول * الموصول الأسمي المختص واستعمالاته * فائدة ... في تثنية (اللذان واللتان) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س: إذا أُضيف مصدر إلى فاعله أو مفعوله أو اسم مفعول إلى فاعله فكيف يكون الإعراب؟ ج: الإعراب يكون كما هو ظاهر: مضاف ومضاف إليه، ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) [البقرة:251] دفع تقول: مبتدأ، مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة ظاهرة على آخره وهو مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، بيان معنى أما عند الإعراب؟؟؟ س: يقول: (مه) و (صه) منونين تنوين تنكير، هذا يفيد أن (مه) و (صه) ليسا نكرتين، إذاً هما معرفتان. نعم: ومن أي أنواع المعارف؟ هذا يحتاج تأمل. س: لماذا نجد في القرآن (بهِ) بالكسر مع أن الحجازيين يضمون الهاء مطلقاً. ج: القرآن ما نزل بلغة الحجازيين فحسب، جاء بلغة الحجازيين وغيرهم. س: ما المراد بقول الصبان فيما يستوي فيه المذكر والمؤنث من الصيغ وأُجري على موصوف المذكور؟ ج: يأتينا إن شاء الله هذا. س: لماذا يقال: فاطمتان، مع أن التاء على نية الانفصال بدليل سقوطها في طلحون وفاطمات؟ ج: نعم: فاطمات، أُسْقِطَت التاء لوجود التاء بعد الألف (فاطمات) هذه التاء تاء التأنيث، حينئذٍ إذا قلت (فاطمتات)، اجتمع عندنا علامتا تأنيث وهذا فيه ثقل، وأما في المثنى لم يرد المحذور، زكريا هذا ننظر جمعه إن شاء الله. كثيراً ما نسمع الألف نفسها، أو الحرف نفسه، أو نفس الكلمة، والإشكال هل للحرف نفس؟ ج: لا، المراد ذاتها، ليس المراد: لها روح. س: قال ابن عقيل: المراد بجائز الاستتار ما يَحُل محله الظاهر، ثم قال ممثلاً لما يجوز استتار ضميره نحو: زيدٌ قائمٌ، أي هو، هل يجوز أن نقول: زيدٌ قائمٌ هو؟ ج: زيدٌ قائمٌ أبوه، يعني في تركيب آخر ليس في نفسه، زيدٌ قائمٌ أي هو، زيدٌ قائمٌ أبوه، ظهر رفع، أمَّا قُم مثلاً هذا لا يمكن في أي مثال أن يرفع اسماً ظاهراً، لا يمكن، و (أقوم) كذلك، و (نقوم) و (تقوم) هذا لا يمكن أن يرفع اسماً ظاهراً البتة في أي تركيب، الظاهر الذي يرفع أو يَحُل محله الظاهر في تركيبٍ دون تركيب، زيدٌ يقوم، تُشْكَرُ هندٌ، إذا قلنا ضبطها بالتاء المضمومة، تُشْكَرُ هي، تُشْكَرُ هندٌ على ما صنعت. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: الْمَوْصُوُل: أي هذا باب الموصول وهو النوع الرابع من أنواع المعارف، حيث ذكر الضمير أولاً، ثم العلم ثانياً، ثم اسم الإشارة ثالثاً، ثم الموصول رابعاً، وهذا الترتيب مقصود للناظم - رحمه الله تعالى - يعني: قدم الأعرف ثم الأعرف ثم الأعرف. فَمُضْمَرٌ أَعرَفُها ثُمَّ العَلَمْ ... فَذُو إِشارةٍ فَمَوصُولٌ مُتَمْ هذا الرابع، الموصول من المعارف، إن كان المراد به الموصول الاسمي، لأن الموصول على قسمين، موصول اسمي، وموصول حرفي.

وقوله: مَوْصُولُ الاَسْمَاءِ دل على أن مُراده هو الموصول الاسمي لا الحرفي، حينئذٍ احترز بقوله: مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي من الموصول الحرفي، والأولى أن يُقال أن قوله: الموصول أطلقه في مقام تَعداد المعارف، والمعارف إنما هي وصف للأسماء لا للحروف، حينئذٍ لا نحتاج أن نقول: أخرج الموصول الحرفي بقوله: مَوْصُولُ الاَسْمَاءِ، وإنما هذا القيد لبيان الواقع لأنه سيقدم أن الموصول الاسمي قد يكون مفرداً، وقد يكون مثنىً، وقد يكون جمعاً، وكلٌ من هذه الثلاث إما مذكر، وإما مؤنث، فهو من باب التوطئة والتقديم، وليس من باب الاحتراز، وإلا الاحتراز جاء من الإطلاق: الموصول، لأنه قال: وَغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ كَهُمْ وَذِي ... وَهِنْدَ وَابْنِي وَالغُلاَمِ وَالَّذِي إذاً عدَّ الموصول الذي من جملة المعارف، والمعارف كما ذكرنا أنها أوصاف، أو وصف للاسم، كما أن التنكير وصف للاسم، حينئذٍ خرج الموصول الحرفي بقوله: الموصول، و (أل) هذه صارت نسياً منسياً، هي كانت اسماً موصولاً ثم صارت حرفاً، يعني: قبل جعله علماً، على مسماه، وهو ما افتقر إلى صلة وعائد، نقول هو: (أل) الاسمية، (أل) هذه اسمية وموصول (هذا) اسم مفعول كما سيأتي وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ. فحينئذٍ بعد جعله علماً صار ماذا؟ صارت (أل) كالزاي من زيد. الموصول: هو النوع الرابع من المعارف وإنما كان الموصول من جملة المعارف، قالوا: لأنه موضوع على أن يستعمله المتكلم في معلومٍ عند المخاطب بواسطة جملة الصلة؛ ولذلك المشهور عند النحاة أن الاسم الموصول معرفة بجملة الصلة، يعني: مُعَرَّف بماذا؟ ما الذي هو سببٌ في تعريفه؟ لأننا ذكرنا فيما سبق أن المعارف إما بقيد، أو بلا قيد، وبلا قيد هذا خاص بالعلم، إذاً الذي يقابل بلا قيد، يدخل فيه الموصول، ما هو القيد الذي بسببه حصل التعريف للموصول؟ قيل: جملة الصلة، وهذا هو المشهور، وقيل: (أل) {الذي، التي، الذين، الأُلى} هذه محلات بـ (أل)، وسيأتي أنَّ الناظم اختار أنها زائدة، أصالةً، حينئذٍ قد يقال بأن ما فيه (أل) عُرِّف بـ (أل)، (الذي)، و (التي)، لكن و (من) و (ما) و (ذو) و (أل) هذه ما سبب تعريفها؟ قيل: بجملة الصلة، وهذا قول مُفصِّل، وقيل ب (أل) مَنْوِيَّة، يعني: (من) و (ما) و (أل) مُعَرَّفة بـ (أل) مقدرة، ولو قيل بأنها وضعاً وضعت هكذا مَعْرِفَةً وأن الجملة -جملة الصلة- أو (أل) -إن وجدت (أل) - أو جملة الصلة إن لم توجد (أل) هي المُعَرِّفة لا إشكال فيه، لأنه كما ذكرنا سابقاً أن البحث في الوضعيات هذا محل نظر في أصله.

لماذا وضع الذي على كذا هل هو صيغة مستقلة، أم أنها مركبة، أووالياء مبدلة، ونحو ذلك؟ هذا يبحثه النحاة كثيراً، لكن الأصل كما قال أبو حيان أنه لا يبحث في الوضعيات؛ لأنه موضوع على أن يستعمله المتكلم به في معلوم عند المخاطب بواسطة جملة الصلة ومن أجل هذا اشترطوا فيها أن تكون معهودة للمخاطب، يعني: جملة الصلة لابد أن تكون ثمَّ عَهد بين المتكلم والمخاطب، بخلاف الجملة التي تقع صفة للنكرة، مَررت برجل يضحك لا يشترط في هذه الجملة (يضحك) أن تكون معهودة عند المخاطب، فإذا قلت: لقيت من ضَربته من هذه يحتمل أنها اسم موصول، ويحتمل أنها نكرة موصوفة، احتمالان، والنية لها دور، لكن ما المعنى الذي ينبني على جعلها موصولة؟ وما المعنى الذي ينبني على جعلها نكرة موصوفة؟ إن اعتبرت من موصولة كان المعنى لقيت الشخص المعروف عندك بكونك قد ضَربته، لقيتُ من ضَرَبْتَه، لقيتُ الشخصَ، لابد أن تأتي به معرفاً، إذاً ثم شخص قد وقع عليه الضرب معهود بين المُتكلم وبين المخاطب، هو يعرف من ضَرب قطعاً، هو يعرف من ضَرب، يُشترط في هذه الجملة أن تكون معهودة، فالمتكلم يعرف الذي أوقع عليه المخاطب الضرب، حينئذٍ لقيتُ من ضَرَبته، يعني: لقيت الشخصَ المعروف عندك بكونك ضربته، وأما إذا جعلناها - (من) - نكرة موصوفة، بقوله: ضَربته، فيكون المعنى شخصاً موصوفاً بكونك قد ضَرَبتَهُ، لكنه غير معروف، إذا جعلناها من فالشخص معروفٌ عند المُتكلم والمخاطب، لأنها موصولة، لأن شرط الموصول –الجملة- أن تكون معهودة بين المتكلم والمخاطب، إذاًَ لقيت من ضربته أي الشخص الذي أعرفه أنا وتعرفه أنت، وأما إذا جعلناها نكرة موصوفة، حينئذٍ لقيت شخصاً موصوفاً بكونك قد ضربته، فلا يشترط فيه أن تكون عهداً. فتخصيص الموصول بالوضع، وتخصيص الموصوف بالطرو والعروض، يعني: أمرٌ عارض، هذا مخصص، وهذا ومخصص، لأن الصفات مخصصة، وهي التي يعبر عنها بأنها للاحتراز، حينئذٍ تخصيصها طارئ أم وضعي؟ نقول: طارئ، لماذا؟ لأنه ينفك عنها، رأيت رجلاً يضحك، رأيت رجلاً يمشي، انفك عنها، أو رجلاً أو الرجل، انفك عنها، لكن جملة الصلة هل تنفك عن الموصول؟ الجواب: لا، لا تنفك عنه البتة، حينئذٍ التخصيص الواقع بالموصولات نقول هذا تخصيص وضعي، بأصل وضعه، وأما التخصيص الواقع بوصف النكرة، نقول: هذا تخصيص طارئ عارض، ففرق بين النوعين. الموصول عند النُّحاة: هو ما افتقر إلى صلة وعائد، هذا المشهور اختصاراً، ما اسم افتقر إلى صلةٍ وعائد، صلة قد تكون جملة، قد تكون شبه جملة، قد تكون صفة صريحة، بحسب أنواع الموصولات.

وعائدٍ: يقصدون به الضمير: الذي يكون رابطاً بين الجملة الصلة والموصول، جاء الذي ضرَبتُه ضربتَه، الضمير هذا يسمى عائداً، يعود على ماذا؟ على الذي فهو الرابط، كما نقول في جملة الخبر لابد أن تشتمل على رابط يربطها بالمبتدأ، لأنك إذا قلت: جاءَ الذي زيدٌ قائمٌ، هكذا جاء الذي زيدٌ قائمٌ، صارت هذه الجملة أجنبية مع الذي ليس بينهما رابط، أما إذا قلت: جاء الذي أبوه قائمٌ، أو قام أبوه بضمير، أو ضربته، أو نحو ذلك قد ربطتها وحصل ارتباط الموصول وصِلَتِه، وإذا حصل الارتباط صار كالجزء الواحد، ولذلك لوجود الفرق بين الموصول وصلته ثم فرق قد يخطئ فيه البعض وهو أنه إذا نُعِتَ أو أُخْبِر بالموصول حينئذٍ صار الموصول هو عينه نفسه صار هو خبراً، وجملة الصلة نقول: لا محل لها من الإعراب، لأننا نقرر أن من الجمل التي لا محل لها من الإعراب جملة الصلة، كيف جملة الصلة وقد يأتي الموصول خبراً وقد يأتي حالاً، وقد يأتي نعتاً ونحو ذلك؟ نقول: الموصول نفسه الذي هذا الذي يكون في محل رفع، زيدٌ الذي قام أبوه مثلاً، جاء الرجل الذي قام، الذي: نقول هذا نعتٌ للرجل، قام أبوه: الجملة لا محل لها من الإعراب، ففرق بين الموصول وبين صلته، الموصول هو الذي يكون في محل إعراب، وصلة الموصول تكون لا محل لها من الإعراب. عرَّف ابن مالك في التسهيل الموصول بأنه: ما افتقر أبداً إلى عائد أو خلفه، عائدٍ فسرناه بالضمير، أو خلفه: المراد به الاسم الظاهر، هل يأتي الاسم الظاهر خلفاً عن الضمير؟ هذا محل نزاع والصحيح أنه شاذٌ، جاء في بعض المواضع يحفظ ولا يقاس عليه، بأنه ورد سُعَادُ التِي أَضْنَاكَ حُبُّ سُعَادَا، سعاد الذي أضناك الذي أضناك حب سعادا، ما قال: حبها، قال: حب سعادا، أظهر هنا الضمير، فبدلاً من أن يأتي بالضمير أتى بالاسم الظاهر. ظاهر تعريف ابن مالك للموصول: أنه يراه سائغاً، قد حكم عليه الكثير بكونه شاذاً فيحفظ ولا يقاس عليه. ما افتقر: ما واقعة على اسم فخرج به الموصول الحرفي، وأبداً: خرج به النكرة الموصوفة بجملة، فإنها تفتقر إليها حال وصفها بها فقط، فحينئذٍ نقول: مررت برجل يضحك، نقول: رجل: موصوف، ويضحك: هذه جملة، عندنا الموصوف وصفته كل منهما يفتقر إلى الآخر، فالنكرة مفتقرة إلى صفتها، لكن هل كلما وجد لفظ رجل لابد أن يكون موصوفاً بجملة، إذاً الافتقار هذا متى؟ في حال إعرابها أو كونها موصوفة في هذا التركيب فحسب، وأما في تركيب آخر حينئذٍ تنفك الجملة؟ ولذلك كما ذكرنا أنه يُضاف وينفك عن الإضافة، ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ)) [المائدة:119] هذا يوم: يومُ: خبر، وهو مضاف، وينفع الجملة في محل جر مضاف إليه، في هذا التركيب يوم مفتقر للجملة لأنه لا يؤدي المعنى إلا بإضافته، وكل تركيب حينئذٍ يكون مقروناً بمعناه في نفس التركيب، لا باعتبار آخر، لكن هل يوم مفتقرة دائماً أبداً في كل تركيب غير التركيب هذا، تكون مفتقرة إلى جملة مضاف لا ((وَاتَّقُوا يَوْمًا)) [البقرة:48] جاء مفرداً حينئذٍ هذا يسمى افتقار عرضي، بمعنى أن: يوم افتقرت في التركيب ذات بعينه: هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ.

كذلك الموصوف مع صفته، مررت برجلٍ يضحك، نقول: في هذا التركيب الصفة رجل مفتقرة إلى الجملة بعدها، لكن هل هذا الافتقار مطرد لازم، أم أنه ينفك عنها؟ نقول: الثاني، ينفك عنها، والافتقار اللازم هذا خاص بالموصولات نفسها، وهذا هو سبب بناءها. وَافْتِقَارٍ أُصِّلا: احترازاً من الافتقار غير المؤصل، إذاً (ما) نقول: اسم افتقر بمعنى: احتاج لا يدل معناه ولا يفهم منه معناه إلا بجملة الصلة، لا يمكن أن يفهم، جاء الذي، جاء الذين، رأيت التي، لا يمكن أن يفهم مصدق هذا الذي، لأنه مُبهم، وحينئذٍ إبهامه لا يرفعه إلا وجود جملة الصلة، فلذلك صار الافتقار أبدياً يعني في كل تركيب لا يمكن أن يوجد لفظ الذي إلا ومعه جملة الصلة، ولا يمكن أن يوجد لفظ الذين وهو اسم موصول إلا ومعه جملة الصلة، بخلاف الموصوف، خرج النكرة الموصوفة بجملة فإنها تفتقر إليها حال وصفها بها فقط في نفس التركيب، وما عداه فلك كما ذكرناه في ((هَذَا يَوْمُ)) [المائدة:119]. إلى عائدٍ: هو الضمير وخلفه هو الاسم الظاهر وخرج به -عائد- ضمير الشأن لابد أن يكون معرفاً أو مزالاً عنه الإبهام بجملةٍ لكن هذه الجملة لا يشترط فيها أن تكون مرتبطة برابط، أو مشتملة على عائد، وحيث وإذ وإذا فإنها تفتقر أبداً إلى جملة لكن لا تفتقر إلى عائد. وَأَلْزَمُوا إِضَافَةً إِلَى الْجُمَلْ ... حَيْثُ وَإِذْ: هذا سيأتي معنا، أنَّ ثم ألفاظ مفردات تلزم الإضافة إلى الجمل، لكن هذه الجمل التي تضاف إليها لا يشترط فيها أن تكون مشتملة على عائد، بخلاف جملة الصلة فإنه لابد من رابط بين الموصول وصلته، أو خلفه لإدخال نحو سُعَادُ التِي أَضْنَاكَ حُبُّ سُعَادَا، مما ورد فيه الربط بالظاهر والمشهور عند النحاة، وإن ذكره ابن مالك هنا، المشهور أنه شاذ. وجملة صريحة أو مؤولة: جملة صريحة: المراد بها الجملة الفعلية والجملة الاسمية، جاء الذي قام أبوه، قام أبوه: جملة لا محل لها في إعراب صلة الموصول، جاء الذي أبوه قائم، أبوه: مبتدأ، وقائم: هذا خبر، واشتملت على عائدً وهو الضمير المضاف إليه المبتدأ، أبوه، يعود على الذي، حينئذٍ هذه جملة الصلة وهي جملة صريحة واشتملت على ضمير عائد على الموصول، جاء الذي قام أبوه، أين الضمير؟ الهاء من أبوه، أو مؤولة، يعني: مؤولة بالصريحة، ويعنون بها صلة (أل) لأن الضارب والمضروب والحسن، على خلاف في الصفة المشبهة، هذه هي في الصورة اسم ولكنها في المعنى فعل فهي مؤولة من جهة المعنى بالفعل، وإلا في اللفظ فهي اسم، الضارب، ضارب هذا اسم فاعل، ولذلك يشترط كما سيأتي أن تكون صلة (أل) صفة صريحة وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ والمقصود بها اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والأمثلة المبالغة. وحينئذٍ هذه في اللفظ هي اسم وفي المعنى هي فعل ولذلك صح عطف الفعل على الاسم -اسم الفاعل- المحلى بـ (أل) ((وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4))) [العاديات1 - 4] هذا معطوف على المغيرات، والمغيرات هذا: اسم فاعل محلاً بـ (أل وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ ((فَأَثَرْنَ)) [العاديات:4] عطف عليه بالفعل.

ما وجه عطف الفعل على الاسم؟ نقول: كونُ المعطوف عليه في قوة الفعل، أو في قوة الجملة الفعلية، ولذلك كان الأصل في مدخول (أل) الاسمية الموصولية، أن يكون مدخولها التي هي جملة الصلة، أن تكون جملة فعلية، ولكن استقبح أن تدخل (أل) في الصورة على فعلٍ وهي من خصائص الأسماء -من باب الاستقباح فحسب- وإلا الأصل أنها توصل بفعلٍ، لكن أعطيت ما هو في معنى الفعل وظاهراً في لفظ الاسم، فرُوُعِي لها الحقان: حق كونها في الظاهر لا تدخل إلا على الاسم، فأعطيت اسم الفاعل، وكونها موصولة: والأصل في الموصولة أنها لا تدخل إلا على جملة، فجعل في المعنى في قوة الجملة الفعلية. حينئذٍ المؤول المراد بها: الصفة الصريحة التي تدخل عليها (أل) وكذلك الجار والمجرور وسيأتي. وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ ... بِهِ حينئذٍ جاء الذي عندك هذا مؤول جاء الذي استقر عندك، جاء الذي في الدار، هذا مؤول بقولك: جاء الذي استقر في الدار، فهي مؤولة، حينئذٍ نردها إلى جملة فعلية، هنا من المواضع التي يتعين أن يكون متعلق الجار والمجرور والظرف: فعلا، هذه من المواضع ومن المرجحات عند بعضهم لأنه إذا قُدر جاء الذي مستقرٌ في الدارِ، أو مستقرٌ عندك، صارت الجملة اسم فاعل، وهو في قوة المفرد وليس بجملة، ويشترط في الموصول أن يوصل بجملة، أو شبه جملة، وشبه الجملة هذه مردها إلى الجملة الصريحة، يعني تؤول بالصريح لذلك قال ابن مالك: أو مؤولة: من باب الحذف والإيصال، أي مؤول بها غيرها، والمراد بتأويل الغير بها، كونه في معناها، كما في صلة (أل) أو تقديرها قبله كما في الظرف الجار والمجرور، فالمراد بالمؤول الظرف والمجرور والصفة الصريحة كما سيأتي مفصلاً في محله. إذاً الموصول ما افتقر أبداً إلى عائدٍ أو خلفه وجملة صريحة أو مؤولة. ابن هشام - رحمه الله - يعرفه في القطر وفي غيره، ما افتقر إلى صلة وعائد، ما: اسمٌ، افتقر واحتاج إلى صلة وعائد فحسب، والعائد هذا بناء على أنه لا يخلفه الاسم الظاهر، والعائد: نقول: المراد به الضمير، فحينئذٍ يشترط فيه، أما في الموصول الحرفي، هذا يشترط فيه أن تكون موصلة، لكن لا يشترط فيها العائد، فثم فرق بين الموصول الاسمي، والموصول الحرفي. إذاً الموصول المراد به الذي هو نوع من المعارف. قوله: مَوْصُولُ الاسْمَاءِ: احترز به من الموصول الحرفي، والموصول الحرفي هو: ما أؤول مع صلته بمصدر، (ما) يعني: حرفٌ، أؤول: مع صلته بمصدرٍ، وهو الذي يقال فيه: (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، يعني شيء يفسر المذكور وهو مصدر، أو ما يعبر عنه بالسبك، يقال: (أن) مسبوكة مع ما بعدها. والمراد بـ (أن) المسبوكة مع ما بعدها ليس المراد الحلول والاختلاط، أن يختلط حرف بحرف، المراد أن يقوم مقام هذا التركيب مصدر، أن يقوم مقام هذا التركيب مصدر، فإذا قيل هذا حرف مصدري، بمعنى: أنه يؤول مع ما بعده بمصدر، كيف نطبق هذا الكلام؟ نقول: ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] (أن): هذه حرف مصدري، كما سيأتي، وتصوموا هذا صلتها، وهو فعل مضارع منصوبٌ بأن، ونصبه حذف النون لأنه من الأمثلة الخمسة، وَحَذْفُهَا لِلْجَزْمِ وَالنَّصْبِ.

حينئذٍ نقول: (أَنْ): حرف مصدر، (تَصُومُوا) صلتها، فحينئذٍ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، كيف في تأويل مصدر؟ بمعنى: أنه يصح في التركيب أن تأتي في مكان (أن) ومدخولها الفعل المضارع بمصدرٍ ويستقيم معه الكلام، إن استقام حينئذٍ هي مصدرية، وإن لم يستقم فحينئذٍ لابد من تخريجه، ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] صيامكم صومكم خيرٌ لكم، صح التركيب، حينئذٍ نقول هذه (أن) مصدرية، ووصلت بالفعل المضارع، ووصلها به معناه أنها تؤول بمصدر، وتأويلها بمصدر، يعني: تفسر بمصدر يحل محلها، وليس المراد أنها تنسبك معه، تدخل معه، لا، ليس هذا المراد هذا بعيد، بل مُحال. والموصولات الحرفية خمسة أو ستة على خلافٍ في (الذي) جمعها جامع في قوله: وهاكَ حُرُوفاً بالمصادِرِ أُوّلتْ ... وذِكري لَهَا خمساً أصَحُّ كَمَا رَوَوْا وها هِي أَنْ بالفَتْح أَنَّ مُشَدَّداً ... وزِيدَ عَلَيْهَا كَيْ فَخُذْها وَمَا ولَو وزاد ابن هشام تبعاً لابن مالك - رحمه الله تعالى - الذي قال هو موصول اسمي إذا أؤول مع ما بعده وحكي الاتفاق على أنه باقٍ على أصله، يعني: السادس الذي زِيد لا يقال بأنه حرفي، ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] كما سيأتي. حينئذٍ نقول: الموصولات الحرفية هي التي تؤول مع ما بعدها بمصدر، فإن زيد عليها (ما) حينئذٍ نقول ما يؤول بمصدر نوعان: اسم وحرف، اسم وهو هذه الخمسة، وحرفٌ هي الستة المذكورة: (أن وأن وما عطف عليها) والاسم خاص بـ (الذي) وهذا أكثرهم على رده، أكثرهم على أنه ليس بحرف مصدري، أو أنه لا يؤول مع ما بعده بمصدرٍ، زاد بعضهم على قلةٍ: همزة التسوية هل تؤول مع ما بعدها بمصدر، وهذا مثلوا له -قد لا يكون له إلا بعض الأمثلة-: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] قالوا هذه همزة التسهيل واقعة بعد لفظ سواء، ((أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6]، يعني: سواء مستوٍ إنذارهم وعدمه ((أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] أي إنذارهم وعدمه، وهذا أيضاً عند الكثير أنه يمنع، والآية هذه مما كثر فيها الكلام. إذاً الموصولات الحرفية على المشهور خمسة: وجعلها في التوضيح تبعاً لابن مالك ستة أولها: (أن) المصدرية، بفتح الهمزة وسكون النون، (أن) وأن هذه لها ألفاظ كل موضع يأتي محله، لأنها تأتي مخففة من الثقيل، أو تأتي مصدرية، والمصدرية هي التي تختص بالفعل المضارع فتنصبه، (أن) بفتح الهمزة وسكون النون، وهي أن مصدرية، أي: حرف مصدري، وإذا قيل حرف مصدري، بمعني: أنها تؤول مع ما بعدها بمصدرٍ فيؤتى بالمصدر في محلها فيستقيم الكلام، وتوصل بالفعل المتصرف مطلقاً، يعني: سواء كان مضارعاً أو ماضياً أو أمراً على خلافٍ، بخلاف الجامد، فلا توصل به كـ (عسى) و (هب) و (تعلم) هذا لا توصل به إتفاقاً، وإنما توصل بالفعل المُتصرف، والمراد بالفعل المتصرف سواء تصرف تصرفاً تاماً أو ناقصاً كما سيأتي في باب كان وأخواتها.

وتوصل بالفعل المتصرف مطلقاً ماضياً كان أو مضارعاً أو أمراً فالأمر محل نزاع عَجِبْتُ من أن قام زيد، هذا مثلوا به لـ (أن) موصولة بالفعل الماضي، عَجِبْتُ: فعل وفاعل، من أن: هنا دخلت من على أن، استدلوا بدخول حرف الجر -وهذا أعظم دليل على وجود أو الاستدلال بكون الحرف حرفاً مصدرياً- دخول حرف الجر عليه، من أن: دخل حرف الجر على (أن) حينئذٍ لا يمكن أن توجه أن بأي معنى من المعاني التي يمكن أن تحمل عليها إلا أن تكون مصدرية، وفي همع الهوامع تفصيل لهذا. أن: حرف مصدر، قامَ زيدٌ حينئذٍ قامَ زيدٌ نقول هذه الجملة فعل فاعل، أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، كيف نأتي بهذا المصدر، عَجِبْتُ من قيام زيدٍ، ننظر إلى الفعل ومادته وهو قاف والواو من قام قَوَمَ هذا الأصل، والميم، فنأتي بالمصدر مضافاً إلى ما أُسند إليه الفعل، والذي أُسند إليه الفعل ما هو؟ زيد وهو الفاعل، حينئذٍ تقول: عَجِبْتُ من قيام زيدٍ، جعلت زيداً الذي هو فاعل مضافاً إليه، وجعلت المصدر الذي أُلتُقِط من الفعل وهو القيام، جعلته مضافاً وسلط عليه العامل وهو حرف الجر، عَجِبتُ من قيام زيدٍ. وكذلك بالمضارع ومثاله ما ذكرناه وهو ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] وأمراً –الأمرُ- وهذا محل خلاف نص سيبويه على وصلها بالأمر، أنها توصل بفعل الأمر، استدلوا له بقولهم: أشرت إليه بـ (أن) قُمْ: بـ (أن) قُمْ هذا لا يمكن أن تكون تفسيرية لأن حرف الجر دخل على (أل) التفسيرية يشترط فيها ألا يسبقها حرف جر، فإن سبقها حرف جر فليست تفسيرية كما يأتي في محله. قُمْ: هذا فعل أمر مبني على السكون، والفاعل المُسند إليه ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. أشرتُ إليه بـ (أن) قم: أي أشرت إليه بالقيام، إذاً بـ (أن) قُمْ، أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، هكذا قال سيبويه، أنه توصل بالأمر والدليل على أنها مصدرية دخول حرف الجر عليها، استدل رحمه الله بكونها موصولة بدخول حرف الجر عليها. وقال أبو حيان: جميع ما استدلوا به على وصلها بفعل الأمر يحتمل أن تكون تفسيرية، وهذا على القول بجواز دخول حرف الجر على التفسيرية والصواب المنع، كما يأتي في محله، وقواه بأمرين: أولاً: أنها إذا سُبِكَت والفعل بمصدر، فإن معنى الأمر المطلوب ذهب، فاتَ. أشرتُ إليه بأن قُم، لكن الظاهر والله أعلم أنه لا يفوت، أشرت إليه بأن قُم، أشرتُ إليه بالقِيام، والإشارة معلومة أنها إشارة حسية، والأصل فيها أنها يُفهم منها الأمر، كما سبق معنا، أن الأمر أعم من القول وقد يكون بالحركة بالإشارة ولذلك جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم {أشار إليهم}، فدل على أن الإشارة قد تكون أمراً. وقوله هنا بأن وصلها بالأمر يفوت معنى الأمر المطلوب ليس بظاهر.

والثاني: أنه لا يوجد في كلامهم: يعجبني أن قُمْ، والنفي فيه صعب وأثبته غيرهم، إذاً (أن) المصدرية توصل بالفعل مطلقاً، ويشترط في هذا الفعل أن يكون متصرفاً، وأما الجامد كـ (عسى) و (نعم) و (بئس) فنقول هذه لا توصل بها، فإن جاء في النص ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم:39] ((وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)) [الأعراف:185] حينئذٍ نحمل هذه (أن) على أنها المخففة من الثقيلة كما يأتي في المحلي. وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ ... ................................. وَالْخَبَر اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنّ إذاً ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ)) [النجم:39] و (أن) هو، ((لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم:39] فحينئذٍ اسمها ضمير مستكن، واجب الحذف، والجملة التي تقع بعدها في محل رفع خبر أن. وكذلك قوله (وأن عسى): وأن هو، هذا ضمير الشاذ محذوف ويأتي في محله إن شاء الله تعالى. الثاني: (أنّ) المشددة المثقلة أخت (إن) (لأن إن) دل على (أن) هذه تعمل عمل (إن) وهي فرع عنها، والأصل (إن) بالكسر، فحينئذٍ (إن) و (أن) هذه تنصب المبتدأ على أنه اسم لها، وترفع الخبر على أنه خبرٌ لها. (أنَّ) من شروطها –فتحها-، لابد أن تكون مسبوقة بكلام، لا تأتي في أول الجملة، وإن زيداً قائمٌ، كلام صحيح مستقيم ولها مواضع يأتي في محله. أن زيداً قائمٌ: هذا لا يصح هذا غلط، لماذا؟ لأن (أن) وما دخلت عليه في قوة المفرد، لأنها تؤول بمصدر، حينئذٍ كيف يقال: أنَّ زيداً قائمٌ، كأنه إذا قال ابتداءً قيام زيدٍ، وهل قيام زيدٍ هذه جملة، ليس بجملة، غلامٌ زيدٍ، جملة، ليس جملة، مركبة تركيب إضافي، فإذا ابتدأ الكلام بها: أن زيداً قائمٌ، تقول: هذا لحن خطأ؛ لأنه ليس بكلام، لابد أن يسبقها شيء يكون عاملاً في المصدر، في محله، أعجبني أن زيداً قائمٌ، حينئذٍ نقول: أعجبني قيامُ زيد، فـ (أنَّ) توصل مع ما بعدها فتؤول بمصدر، تؤول بمصدر، فهي في قوة المصدر، في قوة المفرد، وتوصل باسمها وخبرها، عجبتُ من أن زيداً قائمٌ، يعني: عجبت من قيام زيد، ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ، يَكْفي: نقول هذا فعل مضارع، والهاء هذا ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب مفعول به. ((أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51]: تعربها تفصيلا: أن واسمها وخبرها الجملة هنا، أنه وما دخلت عليه في تأويل مصدر، هذا المصدر مصدر الخبر، -خبر أن-، فتقول: أولم يكفهم إنزالنا، فحينئذٍ إذا أردت المصدر الذي يكون تأويلاً لأن وما دخلت عليه لك طريقان أو لك نضران:

فتنظر في الخبر إما أن يكون مشتقاً، وإما أن يكون جامداً، مشتقاً مثل ماذا؟ عَجِبْتُ أن زيداً قائمٌ، أن زيداً: هذا اسمها، قائمٌ: هذا خبر أن وهو مشتق أو يكون جامداً، عَجِبْتُ أن زيداً أخوكَ، أخو: هذا جامد أو مشتق؟ نقول: هذا جامد، إن كان مشتقاً حينئذٍ نأخذ المصدر -مصدر الخبرِ- فنضيف إليه الاسم، عجبت من قيام زيدٍ، ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] أو لم يكفهم إنزالنا، عجبت من أن زيداً قائمٌ، يعني: عجبت من قيام زيدٍ، جئت بالمصدر –مصدر الخبر- وهو مشتق، وأضفته إلى اسم أن، وأما إذا كان جامداً حينئذٍ ليس لك إلا أن تأتي بالكون مضافاً إلى اسم أن، عجبت من أن زيداً أخوك، عجبتُ من كون زيدٍ، وجئت بالخبر ونصبته على أنه خبر لكان، عجبت من كون زيدٍ أخاك. لو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، عجبتُ من أن زيداً عندك، أو عجبت من أن زيداً في الدار، المشهور أنه أيضاً يأتي بالكون، عجبت من كون زيداً في الدار، المراد به الكينونة، عجبت من كون زيدٍ عندك، وبعضهم يرى أن الذي يُضاف هنا ليس هو الكون وإنما هو لفظ الاستقرار، لأن الجار والمجرور والظرف هذان متعلقان بـ (استقر) عجبت من استقرار زيدٍ عندك، عجبت من استقرار زيدٍ في الدارِ. إذا أن توصل بالجملة الاسمية بعدها، حينئذٍ تؤول بمصدر لأنها في قوة المفرد، وإذا أردنا أن نأخذ المصدر ننظر إلى خبرها إما أن يكون جامداً وإما أن يكون مشتقاً، إن كان مشتقاً، حينئذٍ جئنا بالمصدر مضافاً إلى اسم أن، عجبت من أن زيداً قائمٌ، عجبت من قيام زيدٍ، قيام: هو مصدر قائم، وزيدٍ الذي أضفناه إلى قيام هو اسم أن. وإن كان جامداً يعني لا مشتقاً، يعني: دالاً على ذات فحسب أو معنى فحسب حينئذٍ نأتي بلفظ الكون، مصدر كان. وكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ فنضيف إلى اسم أن ونأتي بالخبر منصوباً على أنه خبر للكون، عجبت من أن زيداً أخوك، عجبت من كون زيدٍ أخاك، ومثله في الجار والمجرور على المشهور، عجبت من كون زيدٍ في الدارِ، لأن الكينونة مثل الاستقرار لا فرق بينهما، ولذلك يُقدر كائن أو مستقر، لا بأس به، وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أوْ بِحَرْفِ جَرْ ... نَاوِينَ مَعْنَى، فإذا كان كذلك حينئذٍ لا بأس بأن يقال بأنه يأتي بالكون مطلقاً، وهذا من باب الضبط أسهل. عجب من كون زيدٍ في الدار، عجبت من كون زيدٍ عندك، عجبت من استقرار زيدٍ في الدار، أو استقرار زيد عندك، إذاً هذا النوع الثاني وهو الموصول الحرفي الثاني وهو (أن) وتوصل باسمها وخبرها، و (أن) المخففة كالمثقلة وتوصل باسمها وخبرها لكن اسمها يكون محذوفاً واسم المثقلة مذكوراً، يعني: يستوي (أن) سواء كانت مخففة أو مثقلة في كونها تؤول مع ما بعدها بمصدر، إلا أن اسم المثقلة يكون مذكوراً هذا الأصل ولا يجوز حذفه، وأما المخفف فلا يجوز ذكره، عكسها، وإنما يكون ضمير، ضمير الشأن.

الثالث: (كي)، من حروف أو الموصولات الحرفية التي تؤول مع ما بعدها بمصدر (كي) ولكونها بمعنى التعليل، لزم اقترانها باللام ظاهرة، أو مقدرة، وتوصل بفعل مضارع فقط، جئتُ لكي تُكرم زيد، يعني: جئت لكي تكرم، كي تكرم، كي نفسها ذاتها لو قدرنا أنها بدون اللام، وأن (أن) ناصبة بعدها، ما صار التأويل بـ (كي) وإنما صار بماذا؟ بـ (أن) رجعنا إلى الأول، وإنما المراد هنا التمثيل بـ (كي) نفسها ذاتها، دون أن يكون الفعل بعدها منصوباً بـ (أن) مضمرة. لـ (كي) تكرم زيداً، جئت لإكرام زيدٍ، لإكرامِ زيدٍ، فجئت بالمصدر الذي دخلت عليه (كي) وجررت به مضافاً إلى زيد، وهذه الثلاث متفق عليها بين النحاة، (أن) مصدرية و (أنَّ) و (كي) هذه متفق عليها أنها موصولات حرفية، وأما (ما) و (لو) و (الذي) هذه محل نزاع، والجمهور على إثبات (ما) و (لو) وعلى نفي (الذي).

الرابع: (ما) وتكون مصدرية زمانية وغير زمانية، يعني: تكون مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر، وزمانية بمعنى: أنه يُضاف لفظ الزمن، مدة أو وقت أو زمن قبل المصدر، وقد لا تكون زمانية، الزمانية هي: التي يُعبر عنها بالظرفية، كما عبر ابن عقيل هناك، وابن هشام يرى أن التعبير بالزمانية أولى، لماذا؟ لو قلنا ظرفية، الظرف في اصطلاح النحاة لابد أن يكون منصوباً، والكل منصوب على إضمار في، حينئذٍ لابد أن يكون منصوباً على إضمار في وقد لا يتأتى بعد كونها مصدراً، بإضافة ما قبلها إلى ما بعدها، ((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ)) [البقرة:20]، (كلَّما)، (كُلَّ) ما أضاء (ما) هذه مصدرية، ((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ)) [البقرة:20] فإن الزمان المقدر هنا مخفوض، أي كل وقت إضاءة لهم، وقتِ بالكسر، لأنه مضاف إلى كل، وإذا كان كذلك حينئذٍ وقتِ هذا لا يقال فيه أنه ظرف، وإنما يقال فيه زمن، فلتشمل هذا التركيب ومما على شاكلته، حينئذٍ قال: الأولى أن يُعبر عنها بالزمانية، ولا يقال الظرفية، إذ يشترط في الظرف أن يكون منصوباً، إذا قدرته لابد أن يكون منصوبا، وأما إذا جررته كل وقت إضاءة، حينئذٍ وقتِ هذا صار مجروراً بإضافة كل إليه، فلا يكون ظرفاً وإنما يكون زماناً، وكل ظرف زمان هو اسم زمان ولا عكس، كل ظرفٍ في الاصطلاح عندهم ظرف الزمان فهو اسم زمان ولا عكس نقول: الوقت نفيسٌ، كلمة الوقت هنا: اسم الزمن، لكنها ليست بظرف، الظرف لابد أن يكون منصوباً، هو من المنصوبات، جاء مرفوعاً، إذاً جاء اسم زمان وليس بظرف، وهذا واضح، ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) [البقرة:281] نقول يوماً هذا، يوم اسم الزمن ولكنه ليس بظرف، ((وَاتَّقُوا يَوْمًا)) [البقرة:48] مفعول به، فاليوم كله هو الذي يكون مُتَقَى، وليست التقوى مأموراً بها أن تقع في ذلك اليوم، ليكون ظرفاً له فالمعنى يَفْسُد، المعنى يكون فاسداً لو نصبناه على الظرفية، وإنما هو منصوبٌ على أنه مفعول به، والمعنى واضح بين، واتقوا يوماً على أنه مفعول به، اليوم كُله مُتَقى، حينئذٍ التقوى تكون سابقة على اليوم، وإذا قلنا ظرف، معناه التقوى ليس مأمور بها في الدنيا، إذاً؟؟؟، ((وَاتَّقُوا يَوْمًا)) [البقرة:48] يعني: اتقوا في ذلك اليوم، والدنيا افعل ما شئت ومثله ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة:21] ((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)) [البقرة:184]، ((أَيَّامًا)) [البقرة:80] هذا لا يكون ظرفاً البتة أبداً، يفسد المعنى، إن كان بعض القراء يوصله يظن أنه معمول لما سبق ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ..

أَيَّامًا)) على هذا التركيب لعلكم تتقون تقع التقوى في هذه الأيام المعدودات فحسب، وليس هذا المراد بالصوم، وإنما المراد أن تكون التقوى صفة لازمة لهم، وإذا جعلنا ظرفاً له جعلنا التقوى محلاً أو جعلنا هذه الأيام المعدودات محلاً للتقوى فسد المعنى، ليس هذا المراد، بل الصوم يكون سبباً في حصول التقوى أبداً وأمداً، وليست في هذه الأيام فحسب، حينئذٍ نقول: ((أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)) [البقرة:184]، هذا إما أنه منصوب باسم المصدر، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)) [البقرة:183] ((أَيَّامًا)) [البقرة:80]، أو نجعله مفعولاً به لفعل محذوف (صوموا أياماً معدودات)، على كلٍ هذا أو ذاك قدرناه محذوفاً أو الموجود فالمراد بأيام معدودات أنها ظرف للصوم لا للتقوى، وفرق بينهما. إذاً (ما) تكون مصدرية وزمانية، يقدر الزمان قبلها، تؤول بزمن أو ظرف على المشهور مضاف إلى مصدر، وتوصل بالفعل المتصرف غير الأمر، توصل بالفعل المتصرف، لكن الأمر لا، والأكثر كونه ماضياً، والأكثر في صلتها أن يكون ماضياً، (لا أصحبك ما دمت منطلقاً)، لا أصحبك (ما) نقول: هذه مصدرية زمانية، وهنا لو قلنا ظرفية لا إشكال، لأن التقديم (لا أصحبك مدة)، دوامك منطلقاً، ما دمت منطلقاً: أي مدة دوامك، مدة هذا مثل الوقت والزمان، فهو اسم زمان، وهنا نُصِب، حينئذٍ لا إشكال، أي في مدة دوامك، صار ظرفاً، لا إشكال فالمصطلح المشهور انطبق على هذا، أما الآية السابقة نقول هذه لا يتأتى فيه ((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ)) [البقرة:20]. فحينئذٍ هي مصدرية لأنها أُوَُِّلت مع ما بعدها بمصدر –دوام- وظرفية لأنها أضيفت إلى ظرف سبقها ظرف، وهنا انظر لأنه سيأتيك -لا أصحبك ما دمت منطلقاً: مدة دوامك- سيأتي أن (دام) المشهور عند النحاة أنها لا مصدر لها، هذا المشهور، بعضهم يحكي إجماع، وفي هذا المحل يقولون: ما دمت منطلقاً مدة دوامك: يقدرون لها مصدر، ولذلك نقض عليهم الصبان، كما سيأتي في هذا الموضع في باب (كان) أنهم اتفقوا على التقدير في هذا المحل في مثل هذا المثال، لأن المثال مطرد عندهم: مدة دوامك منطلقا: ثم إذا جاءت دام هناك قالوا لا مصدر لها، كيف لا مصدر لها؟ هذا تعارض، حينئذٍ نقول: دام لها مصدر، لهذا المثال الذي يذكرونه هنا وأطلقوا على التمثيل به فانتبه. لا أصحبك ما دمت منطلقاً: يعني: مدة دوامك منطلقاً. وغير زمانية، نحو: عجيب مما ضربتَ زيداً، يعني: عجبت من ضربكَ زيداً، فجاءت (ما) هنا مصدرية، لكنها غير زمانية، غير ظرفية، يعني لا تقدر لفظ الزمن أو الظرف قبل المصدر، إذاً ما تكون مصدرية، ثم هذا المصدر قد تقدر قبله اسم زمان أو لا، الأول: تسمى مصدرية زمانية، والثانية: مصدرية فحسب.

عجبت مما ضربتَ زيداً: يعني من ضربك زيداً، وتوصل بالماضي، كالمثال السابق، وبالمضارع لا أصحبك ما يقوم زيدٌ، يعني: مدة قيام زيد، وعجبت مما تضرب زيداً، ومنه ((بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)) [ص:26]، يعني: بنسيانهم، بـ (ما) نسوا يوم الحساب، هذا فعل ماضي، جاء بعد (ما) وما هنا الأرجح أنها موصول حرفي، ((بِمَا نَسُوا)) [ص:26] أي: بسبب نسيانِهم يوم الحساب، ((بِمَا نَسُوا)) [ص:26] أي بسبب نسيانهم يوم الحساب، وبالجملة الاسمية، توصل بالجملة الاسمية، ولكن هذا قليل، نحو: (عجبت مما زيدٌ قائمٌ)، يعني: عجبت من قيام زيد، تؤول المصدر كما أولته في (أن) ومدخولها. ولا أصحبك ما زيدٌ قائمُ: وهذا قليل كما ذكر ابن عقيل، وأكثر ما توصل الظرفية المصدرية بالماضي أو بالمضارع المنفي بـ (لم) لا أصحبك ما لم تضرب زيداً، ويقل وصلها بالفعل المضارع الذي ليس منفياً بـ (لم) لا أصحبك ما يقوم زيدٌ، ومنه قوله: أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ ثمَّ آوي ... إِلى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ: يعني: أطوف تطوافي، (تَفْعَال) بفتح التاء، فحينئذٍ صارت مصدرية، صارت مصدرية. أُطَوِّف مَا أُطَوِّفُ ثمَّ آوي ... إِلى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ هذا المشهور عند الجمهور أن (ما) هذه موصول حرفي، وذهب بعضهم وهو مذهب سيبويه، أنها موصول حرفي، بمنزلة (أن) المصدرية، وذهب الأخفش وابن السراج إلى أنها اسمٌ بمنزلة (الذي) –اسمية- واقعة على الحدث مقدراً عائدها معنىً، أعجبني ما قمتَ، يعني: أعجبني ما قمته، لأنه لم يسمع في لسان العرب: أعجبني ما قمت وما قعدت، كما قال ابن هشام في شرح القطر. إذاً اسم بمنزلة (الذي) واقع على مالا يعقل وهو الحدث، يعني: بمنزلة الذي، ((وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ)) [آل عمران:118]، أي ودوا الذي عنتموه، أي العنت الذي عنتموه، فأوقع الذي على الحدث وهو العنت، ولم يرد أنه سُمِعَ أعجبني ما قُمته وما قعدته، وهذا دليل على إبطال ما ذهبوا إليه، من كون (ما) مصدرية اسماً وليس بحرفٍ. ولو صح ما ذكر لصح ذلك لأن الأصل أن يكون العائد مذكوراً لا محذوفاً، أعجبني ما قمتَ، أين العائد؟ لو كانت ما هنا بمعنى (الذي) اشترطنا في الاسم الموصول أن يكون ثَمَّ عائدٌ من جملة الصلة إليه. أعجبني ما قمت وما قعدت: أين الضمير؟ قالوا: مقدر، قلنا: لم يُسمع مرة واحدة أن العرب نطقت بالضمير عائداً على ما، وهي موصولة حرفية، فدل على أنها حرفٌ وليست باسم. إذاً يُرد عليه بما قالوه: أعجبني ما قمته وما قعدته: لم يُسمع هذا اللفظ في لسان العرب البتة، فلو كان كذلك، لسُمِع ولو مرةً واحدة لأنه الأصل، الأصل أن تكون (ما) اسمية لا حرفية، وإذا كانت اسمية لابد من دليل يدل عليها وأن يطقوا بهذا اللفظ ولو مرة واحدة، لكن كونه لم ينقل، علمنا أنه ليست اسمية بل هي حرفية.

الخامس: (لو)، وتوصل بالماضي، نحو: وددت لو قام زيد، يعني: وددت قيام زيد، وهذه أيضاً فيها خلاف كما ذكرناه، لو التالية غالباً مفهمة تمني، يعني: لا تكون موصولة إلا إذا سُبِقت بمادة تدل على التمني، والغالب أنها ود، أو يود، ((يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ)) [البقرة:96] ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)) [القلم:9] (لو) ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ))، فنقول: لو التالية غالباً مفهمة تمني -اختلف فيها- فالجمهور أنها لا تكون مصدرية، بل تلازم التعليق، ويؤيد ذلك أنه لم يُسمع دخول حرف جرٍ عليها، وهذا أعظم ما يستدل به على إثبات المصدرية، دخول حرف الجر عليها. وذهب الفراء والفارسي وابن مالك: إلى أنها قد تكون مصدرية فلا تحتاج إلى جواب وخرجوا على ذلك قوله تعالى: ((يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ)) [البقرة:96] يود أحدهم تعميره، ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)) [القلم:9] ودوا مداهنتكم، إذاً هذه نقول مختلف فيها الجمهور على النفي، وابن مالك ومن وافقه (أو هو وافقهم) على أنها حرفٌ مصدري، وتوصل بالماضي، يعني: بفعل مُتصرف غير أمر عند القائلين بأنها حرف مصدري، توصل بفعل مُتصرف، يعني: ماضي أو مضارع غير أمرٍ، ولا يحفظ دخولها على الجملة الاسمية، أي لم توصل بالجملة الاسمية، وإنما توصل بفعلٍ متصرف غير أمرٍ والأكثر أنها تقع بعد ما يفيد التمني. السادس: عند ابن مالك رحمه الله تعالى: (الذي) هذه يوصل بها، وتؤول مع ما بعدها بمصدر، هل هي حرف أم أنها هي اسم، نقل الاتفاق على أنها اسم مع كونها تؤول مع ما بعدها. ولذلك قيل: مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي نقول: (الذي) هنا قد تكون اسمية، لا تؤول مع ما بعدها بمصدر، وهي الأصل إذا أُطلقت انصرفت إليها، وأما إذا كانت مصدرية حينئذٍ لابد من تقييدها، فيقال: قد تؤول مع ما بعدها بمصدر، ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] كـ (الذي) هذا واحد مفرد مذكر، وقلنا يشترط في جملة الصلة أن تكون مشتلمة على رابط. وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ ... عَلَى ضَمِيرٍ لاَئِقٍ .... لائِقٍ: بمعنى أنه إن كان الموصول مفرداً، كان الضمير مفرداً، لابد من التطابق، بعود الضمير، إن كان مثنى كان الضمير مثنى، وإن كان الموصول جمعاً (الذين) (الذون) حينئذٍ يجب أن يكون الضمير جمعا، التطابق لابد منه. لو نظرنا هنا في قوله: ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] بالواو (الذي) واحد مفرد، (وخاضوا) بالواو، حصل التطابق أم لا؟ لو كانت اسمية لقال: كالذين خاضوا، كـ (الذين) حينئذٍ صح، أو كـ (الذي) خاض، كـ (قام) لأنه يشترط في الاسمية أن تكون الجملة مشتملة على رابطٍ مطابق لما سبق للموصول نفسه.

وأما الموصول الحرفي فلا يشترط اشتماله على رابط، لا يشترط، ولو وجد لا يُشترط فيه التطابق، إذاً لا يمكن حمل الذي على أنها غير مصدرية، فليس ثم تخريج إلا أن تكون (الذي) هنا في تأويل مصدر مع ما بعدها، فالذي مفرد، وما بعده جمعٌ، الذي مفرد، وما بعده يعني: خاضوا: الواو، عرفتم وجه عدم التطابق، أن (الذي) هذا مفرد اسم موصول، و (خاضوا) صلة الموصول، اشتمل على ضمير وهو الواو، الذي هو مفرد، والواو جمع، ويشترط في الاسم الذي يكون موصولاً، التطابق بين الضمير وبين مرجعه، هنا لم يتطابق فدل على أنها ليست موصولية، هذا استدلال الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى، فـ (الذي) مفرد وما بعده جمعٌ، فلو كانت موصولاً اسمياً، لقيل: كالذي خاض، أو كالذين خاضوا، حينئذٍ ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69]، يعني: كخوضهم أولها بمصدر. أُجيب من جهة الجمهور بجوابين: يعني تخريج الآية، كيف نُخرج الآية؟ نقول: بـ (أن الذي): اسم موصول على الأصل، وليس بمصدري، لا يؤول مع ما بعده بمصدر، بأن (الذي) اسم موصول صفة لموصوف محذوف والتقدير خُضْتُم خَوضاً كالخوض الذي خاضوا، خَوضاً كالذي خاضوا، والموصوف مع صفته في قوة اللفظ الواحد، والتقدير (خضتم خوضاً كالخوض الذي خاضوا) والعائد محذوف، أي: خاضوه. إذاً الضمير المبرز هنا –البارز- وهو الواو ليس هو العائد، وإنما العائد محذوف، خضتم خوضاً هذا مفعول مطلق، ليس داخل المعنى، كالخوضِ كـ (الذي) يعني: كالخوض الذي، فـ (الذي) صفة لموصوف محذوف، كالذي خاضوه، الهاء هي التي تعود على الذي وليس هو الواو، هذا تخريج جيد، وله اطراد، وله وجهه وهو قوي، والعائد محذوف أي خاضوه، أو وجه آخر، وهذا على لغة القليلة والأولى أن نُرجح الأول، أن الذي اسم موصول بالجمع وأصله الذين، حذفت النون منه وهي تحذف من المثنى والجمع في الموصولات، لكنها ليست هي اللغة الفصيحة، وعلى ذلك لا يحمل عليها القرآن. ((خُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] يعني: كالذين خاضوا، فصار الذي هذا في اللفظ مفرد لكنه في الحقيقة جمع، كـ (الذين) حذفت النون وهذا سائغ عندهم، نعم نقول هو سائغ لكنه ليس هو الفصيح، وإذا لم يكن كذلك لا يحمل عليه القرآن البتة، بل لا يجوز، هذا مثله مثل: أكلوني البراغيث، وهذه ممنوعة في القرآن على الصحيح وهي أشهر من حذف النون من الذين واللذان، أشهر، فإذا نفينا الأشهر مع وجوده ولغة ... الخ بل مع وجود من يقول به بوجوده في القرآن من النحاة، فإذا نفينا عن تلك اللغة أن تكون في القرآن فالذين مع حذف النون هذا من باب أولى وأحرى؛ فإن لم يترجح أنها مصدرية حينئذٍ نؤوله بالتأويل الذي ذكره أولاً: (كالخوض الذي خاضوه) وهذا مستقيم حذف الموصوف كثير في القرآن وحذف العائد كثير كذلك في القرآن، هذه ست من الموصولات التي يُعبر عنها بأنها موصول حرفي أما (الذي) هذا حُكي الاتفاق على أنه اسم على أصله. قال الناظم رحمه الله تعالى مَوْصُولُ الاَسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي ... وَالْيَا إِذَا مَاثُنِّيا لاَ تُثْبِتِ بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ ... وَالنُّونُ إِنْ تُشْدَدْ فَلاَ مَلامَهْ

وَالنُّونُ مِنْ ذَيْنِ وَتَيْنِ شُدِّدَا ... أَيْضاً وَتَعْوِيضٌ بِذَاكَ قُصِدَا هذا شُروع فيما عَقَد له الباب رحمه الله تعالى، وهو الموصول الاسمي، ولذلك قال: موصول الأسماء، بإسقاط همزة الأسماء، هي جمع، الأصل فيها أنها همزة قطع. مَوْصُولُ الاسْمَاءِ: مضاف ومضاف إليه، وهو مبتدأ الَّذِي: مبتدأ ثاني، وخبره محذوف، يعني: موصول الأسماء، منه الذي، وهو جملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول. الأَُنْثى الَّتي: يعني: والأنثى التي، والأنثى المفردة لها التي كذلك مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة بإسقاط حرف العطف على منه الذي. منه الذي: هذا لم يقيده الناظم وإنما يُقيد معنىً بمقابله، لأنه لما قال: الأَُنْثى الَّتي: علمنا أن الذي هذا للمفرد المذكر. مَوْصُولُ الاسْمَاءِ: هذه إما أن تكون نصاً، وإما أن تكون مشتركة، سيعدها الناظم عداً، ولذلك ذهب السيوطي في جمع الجوامع إلى أنها لا تُعرف، وإنما يُستغنى بالعد عن الحد، فالموصولات الاسمية قسمان: منها ما هو خاصٌ، ومنها ما هو مشترك، المشهور في الخاص: أنه ثمانية، والمشهور في المشترك أنها ستة، والخاص كاسمه خاص، بمعنى: أنه لفظ أُطلق على معنى خاص، لا ينصرف إلى غيره، فالذي نقول للمفرد المذكر. إذاً لا يُستعمل في المفردة المؤنثة، والتي نقول: هذا خاص بالمفردة المؤنثة، فلا يُستعمل في المفرد المذكر، بخلاف المشترك كـ (من) و (ما) و (أل) و (ذو) هذه تطلق مراداً بها المفرد المذكر، والمفرد المؤنث، ويراد بها المثنى والمؤنث والمذكر والجمع، إذاً لفظ واحد يُستعمل مُراداً به كل ما ذكرناه. ثم الاسم الموصول إما أن يكون مفرداً وإما أن يكون مثنىً، وإما أن يكون جمعاً، وكل من هذه الثلاث إما أن يكون مذكراً وإما أن يكون مؤنثا، .. فالقسمة حينئذٍ تكون كم؟ 3×2=6، إما مفرد وهذا قسمان: مفرد مذكر، ومفرد مؤنث، وإما مثنى وهذا قسمان: مثنى مذكر، ومثنى مؤنث، والجمع كذلك. مَوْصُولُ الأسْمَاءِ: الذي بدأ بـ (الذي) لماذا؟ لأنه الأصل، وهو مفرد، ويطلق للمفرد المذكر، عاقلاً كان أو غيره، عاقلاً كان أو غيره، والتعبير بكونه يطلق على العالم وغيره أو لا، وإن اشتهر على ألسنة النُحاة أنه يطلق على العاقل وغيره، العاقل: المراد به من بني آدم، وغيره كالبهائم والجمادات ونحوها. وجاء إطلاقه على الله عز وجل في القرآن ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] ولكونه لا يطلق عليه صفة العقل حينئذٍ التعبير بأن الذي للعالِم وغيره يكون من باب أولى وأحرى، أن يكون عام، لأننا نقعد من أجل فهم الكِتاب والسنة. وإذا كان كذلك حينئذٍ ينبغي أن تكون الألفاظ معتبرة بما وافق عليه الشرع ويُمنع أو يتوقف فيما لم يأت به الشرع. حينئذٍ (الذي) و (من) هذه نقول الأصل فيها أنها للعالِم، لأنها جاءت مطلقة على الرب جل وعلا والله تعالى لا يوصف بكونه عاقلاً أو نحو ذلك لأن هذه الموصوف من صفة المخلوق.

مَوْصُولُ الأسْمَاءِ: (الذي) إذاً الذي للمفرد المذكر عاقلاً كان أو غيره على المشهور، وعالم أولا لقوله تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ)) [الزمر:74] (الذي) هذا على من؟ الله عز وجل. إذاً هاذان مثالان أطلق لفظ الذي على الرب جل وعلا ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ)) [الزمر:74] ((هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [الأنبياء:103] هذا على الزمان، ولا يوصف بالعلم، ولا يوصف بالعقل، ((هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [الأنبياء:103]. إذا مَوْصُولُ الأسْمَاءِ الَّذِي: منه الذي وهو للمفرد العالِم المذكر عاقلاً كان أو غيره، وذكرنا أن المذكر هذا لا بأس أن يطلق من جهة الرب جل وعلا باعتبار اللفظ، لذلك جاء ((وَهُوَ اللَّهُ)) [الأنعام:3] و (هو) بإجماع أنه يعود إلى المذكر بخلاف (هي) هذا يعود إلى المؤنث. مَوْصُولُ الأسْمَاءِ الذي: والأنثى المفردة لها التي: أيضاً عاقلةً كانت أو غيرها، سواء كانت عاقلة، أو ليست بعاقلة، عاقلة يعني: من بني آدم، ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)) [المجادلة:1] وهذه عاقلة، وكذلك غير العاقلة: ((مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي)) [البقرة:142] هذه غير عاقلة، ((الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا)) [البقرة:142]. إذاً (التي) تستعمل في العاقل في العالِم وفي غيره، وكذلك (الذي) يستعمل في العاقل في العالِم وفي غيره، هذان الاستعمالان مشهوران في لسان العرب. مَوْصُولُ الأسْمَاءِ: (الذي) عرفنا هذه الجملة مركبة، جملة كُبرى، لأن موصول الأسماء (هذا) مبتدأ أول، (الذي) مبتدأ ثاني، (منه): هذا خبر المبتدأ الثاني، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول، فهي جملة كُبرى، وضابط الجملة الكبرى ما هي؟ التي وقع الخبر فيها جملة، ونفس جملة الخبر تسمى جملة صغرى، لابد من حفظ هذه الاصطلاحات. الأَُنْثى الَّتي: الواو هنا لابد من العطف، لأنه حَكَمَ على الجميع، جميع ما يذكره بكونه موصول الأسماء، ليس خاص بـ (الذي) موصول الأسماء الذي ليس خاصاً به، (التي) الأَُنْثى الَّتي، إذاً والأَُنْثى الَّتي، والأَُنْثى المفردة لها (التي) حينئذٍ صار معطوفاً على ما سبق بإسقاط حرف العطف. أصلها (الذي)، (التي) أصلها (لذي) هكذا قيل و (لتي) بوزن (فعِل) كـ (عَمِي)، (لَذِي) و (لَتِي) بوزن (فَعِل) كـ (عَمِي) زيدت عليها (أل) زيادة لازمة، هذه سيأتي (أل) التعريف وَقَدْ تُزَادُ لازِماً كَالَّلاتِ، لازم هي زائدة وهي التي يُعبر عنها سيبويه بأنها معتدٌ بها وضعاً، بمعنى في أول الوضع الأول، وضعت وهي زائدة، كهمزة الوصل في الفعل، فعل الأمر، لأننا نحكم أنها زائدة باتفاق، اضرب، نقول العربي نطق هكذا اضرب، أول ما وضع الواضع اضرب، اضرب هذه الهمزة زائدة، لأننا إذا أردنا أن نأخذ فعل الأمر نأخذه باعتبار ماذا؟ باعتبار مضارعه، يضرب، هذا الأصل، أسقط حرف المضارعة، صار ما بعده ساكناً جاءت له همزة الوصل، التقى ساكنان كسرت الأول صار اضرب.

إذاً هذه الهمزة زائدة قطعاً، لكن زائدة بعد وضع كلمة ضرب بإسكان الضاد أولاً ثم زادها العربي، أم أنها ابتداءً وضعت، نقول: ابتداءً وضعت، كذلك (الذي) و (التي)، أصلها (لذي) و (لتي) زيدت عليها (أل) زيادة لازمة وضعاً، معتدٌ بها في أصل الوضع أو عُرف بها على القولين، يعني: إما أن نقول (أل) هذه زِيدت عليها زيادة لازمة، أو أنها مُعرفة، على قول من يرى أن الذي معرفة بـ (أل)، (أل) هو حرف تعريف، هذا عام، يشمل الرجل ويشمل (الذي) و (التي) لأن (أل) موجودة منطوقاً بها في لسان العرب، حينئذٍ صار التعريف بها، وهذا قول موجودٌ عند النُحاة. وقال الكوفيون: الاسم الـ (ذال) فقط، (الذي) (لذي، ذي) هذا الأصل و (التي) (تي) فقط، هكذا قال الكوفيون، هذا نرده. قال الكوفيون: الاسم الـ (ذال) فقط من (الذي) ساكنة، وتسقط الياء في التثنية وفي الشعر، يعني الدليل على هذا أنها الـ (ذال) لأنها تسقط في (أل) زائدة لا إشكال، وأما الياء لسقوطها في التثنيةِ، فتقول (ذانِ) (اللذانِ) (أل) هذه للتعريف، أو أنها زائدة، إذا كان كذلك ليست من أصل الكلمة، وهذا لا إشكال فيه، طيب ماذا بقي؟ بقي (الذال) و (الياء) (الذي) (ذي) بقي (ذي) حينئذٍ قال الكوفيون: الياء زائدة ليست أصلية، خلافاً للبصريين لماذا؟ قالوا: لأنه سيأتي، وَالْيََا إِذَا مَاثُنِّيَا لاَ تُثبِتِ لا تَثْبُت في التثنية، فدل على أنها زائدة وليست أصلية، إذ لو كانت أصلية لكانت كـ (الدال) من زيد، تقول: (زيدان) تبقى الياء كما هي كما بقيت الدال من (الزيدان). ولسقوط الياء في التثنية أو في الشعر، ولو كانت أصلاً لم تسقط، واللام زِيدت ليتمكن النطق بـ (الذال) الساكنة ورُد بأنه ليس من الأسماء الظاهرة ما هو على حرفٍ واحد، هذه قاعدة. رُدَّ قول الكوفيين بأنه لا يوجد (ذه) فقط هكذا، هاء السكتة يعني، (ذ) حرف واحد اسم ظاهر، وهو على حرف واحد لا وجود له، وفيها لغات: (الذي) و (اللذيِّ) و (اللذيُّ) و (اللذ) و (الذِي) والسادسة (لذي) بحذف (أل) وتخفيف الياء ساكناً. وَجَعَلَ اللَّذْ كَاْعْتَقَدْ: سيأتينا ابن مالك يستعمل هذا (وَجَعَلَ اللَّذْ) هذه لغة في (الذي) ليست للضرورة الوزن، لا هي لغة فيها، فيها ست لغات. (الذي) المشهورة هذه (الذي) بتشديد اللام وكسر الذال وإسكان الياء، وهي الفصيحة وأفصحها، لا يوجد في القرآن إلا هي، ثم (اللذيِّ) كسر الذال وتشديد الياء مع الكسر، و (اللذيُّ) نفسها بالتشديد لكن مع الضم، و (اللذْ) بحذف الياء مع إسكان الذال، (والذي) مع حذف الياء وكسر (الذي) و (لذي) (لذي) بحذف (أل) وتخفيف الياء ساكنةً. مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي: وذهب يونس والفراء وابن مالك: أن الذي قد يقع موصولاً حرفياً كما ذكرناه سابقاً، فيؤول بالمصدر، وخرجوا عليه قوله: ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69] أي كخوضهم، والجمهور على المنع وأجابوا بالجوابين السابقين. وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ: بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: أراد أن يبين لنا المثنى من (الذي) ومن (التي) فالذي يُثنى، فيقال فيه: (اللذان)، ((وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ)) [النساء:16].

والتي: يقال فيها (اللتان) بزيادة الألف والنون، والياء: أي ياء؟ (أل) هنا للعهد، أي ياء؟ ياء (الذي) وياء (التي)، قلنا الذي مختوم بياء ساكنة، والتي مختوم بياء ساكنة، حينئذٍ قال: وَالْيَا إذَا ثُنِّيا -الذي والتي- لا تُثْبِتِ: لا تثبتها بل احذفها، لماذا؟ إذا قلت (الذي) ثم جئت بالألف في حالة الرفع والنون، حينئذٍ التقى الساكنان، الياء والألف، فوجب حذف الياء، لالتقاء الساكنين، تخلصاً من التقاء الساكنين، وقلت: اللذان. والتي: كذلك نقول: جئت بالألف والنون فالتقى ساكنان، الياء ساكنة والألف، فحذفت الياء، فقلت: اللتان. وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ. بَلْ مَا تَلِيهِ: الذي تليه الياءُ، وهو الذال أو التاء. أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: أتبعه بالعلامة وهي الألف رفعاً والياء نصباً وجراً. إذاً بين لنا أن هذه الياء في الذي والتي أنها لا تثبت عند التثنية مطلقاً، لا في حالة الرفع، ولا في حالة النصب، بل تأتي بالعلامة، علامة التثنية، وتلحقها بالذال، من الذي، وبالتاء من التي، فتقول: اللذان، واللتان، واللذين واللتين. الياء: مفعول مقدم، لقوله: لا تُثْبِتِ: لا تُثْبِتِ الياء إذا ما ثنيَ. يا طالباً خُذ فائدة ... ما بعد إذا زائدة إذا وقعت ما بعد إذا احكم عليها أنها زائدة لإفادة التوكيد، ((وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) [الشورى:37] ((وَإِذَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ))، لو قلت على أصلها وهي نافية ((مَا غَضِبُوا يَغْفِرُونَ)) عند عدم الغضب يغفرون، ليس هذا المُراد، وإنما المراد أن (ما) هذه زائدة، يعني: التأكيد، أنهم عند الغضب تحصل منهم المغفرة، لكن هذا مُقيد ((فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ)) [الشورى:40] ليس دائماً. بل والياء: مفعول مقدم، منهما: يعني من الذي والتي إذا ثنيا، وكذا إذا جمعا، ليس الحكم خاصاً بالتثنية، بل حتى الجمع، وكذا إذا جُمعا ولم يذكره المُصنف هنا نص على التثنية فحسب، إحالة على قوله: جَمْعُ الَّذِي الأُلَى، سيأتي بيانه. ولأن سقوط الياء إذا جُمع على قياس جمع المنقوص، كالقاضين، فلا حاجة لذكره، يعني: جاء على القياس، بخلاف الذي والتي، فالتثنية ليست على القياس. الياء إذا ما ثُنيا: إذا ثني حقيقة أو أُتي بهما على صورة المثنى، الناظم هنا أطلق قال: (ثُنيَ) يعني: حصل للفظ تثنية، فصار مثنى، حينئذٍ هل هو مثنى حقيقة، أم أنه على صورة المثنى، إذا قلنا: مثنى حقيقة، معناه أنه مُعرب، وليس بمبني.

ويأتي التعليل بأنه أُعربَ مع كون الأصل في الاسم الموصول أنه وجد فيه شبهه بالحرف، وهو الافتقار المتأصل هذا موجود حتى مع المثنى، اللذان، واللتان، واللذين، واللتين، لكن يجاب بأن الشبه هنا ليس مُدْنِيا، ليس قريباً، ليس قوياً، من الحرفي لماذا؟ لأن الشبه القوي شرطه في نقل حكم نقل الحرف إليه إلى الاسم المُشبه بالحرفي شرطه عدم المعارض، وهو ألا يكون به حالٌ وهذه الحال خاصة بالأسماء، فإن ورد به حينئذٍ ابتعد الشبه، ضَعُف، صار شبهاً ضعيفاً، وهنا كونه على صورة المثنى، اللذان، واللذين، رفعاً ونصباً، واللتان، واللتين رفعاً ونصباً، قيل بماذا؟ بأنه عارض وجه الشبه ما هو من خصائص الأسماء وهو التثنية فصار مُعرباً، وقيل: لا، بل هو مبني على أصله، ويكون حينئذٍ في حالة الرفع مبنياً على الألف، وفي حالة النصب والجر يكون مبنياً على الياء، وهذا مشهور عند النُحاة بل هو الأشهر لماذا؟ قالوا: لأن التثنية التي تكون من خصائص الأسماء التي تُضعف وجه الشبه في الاسم بالحرفِ هي التثنية الحقيقة، وأما هذا فليس مثنى حقيقة، لأنه لو كان (الذي) مثنى، لقيل (اللذيان)، ولم يقل فيه (اللذان) (اللذيان) كما هو الشأن في القاضي، ولقيل (اللتان) (اللتيان) كما هو الشأن في الفتى، فلما لم يأت على هذه الصيغة حينئذٍ خَرَجَ عن حَدِ المثنى حقيقة، فجاء بصورته على صورة المثنى, فيكون مبنياً على الأصل. ويُرد على من قال بأنه مُعربٌ لتعارض وجه الشبه مع ما هو من خصائص الأسماء نقول: هذه الخصيصة إنما تكون إذا انفرد بها الاسم، وأما كون اللذان واللتان مثنى، فليس بمثنى، لأنك تقول زيدان، تبقى الكلمة على ما هي، (واللذان) الأصل فيها (اللذيان) و (اللتيان) إذاً لم يأت على صورة المثنى، فيبقى مبنياً على أصله، وهذا التغيير بين حالة الرفع وحالة النصب نقول: هو على أصله مبني على الألف في حالة الرفع، ومبني على الياء في حالتي النصب والجر. إذاً والياء إذا ما ثنيا: إذا ثُني (ما) زائدة وثُني على القولين نفسرها، وإن كان ظاهر كلام الناظم هنا ماذا؟ ظاهره أنه مثنى حقيقة، أنه مُعرب هذا ظاهره، لكن إذا أردنا أن نؤوله حينئذٍ نقول: ثُني بمعنى أنه أُتي به على صورة المثنى، وليس مثنى حقيقة، وينبني على هذا التأويل أنه مبني وليس بمعرب، وإذا قلنا ثُني حقيقة حينئذٍ صار معرباً لا مبنياً. إذا ما ثُنيا: حقيقة أو أُتي بهما على صور المثنى، (لا تثبتِ) لا الناهية، تثبت: فعل مضارع مجزوم بلا، وجزمه كسرةٌ ظاهرة في آخره. تثبتِ: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وجزمه بالسكون والكسرة كسرة روي، يعني: مناسبة، لمناسبة الراوي. إذاً تثبتِ فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وجزمه سكون آخره، والسكون يكون مقدراً منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من السكون الذي يُعارض الروي. إذاً لا تثبتِ الياء: الياء مفعول به مقدم، أي لا تُجِزْ ثبوتها، بل هذا تصريح بما عُلم بما قبله لأنه لو اكتفى بهذا التركيب والياء إذا ما ثني لا تُثْبِ: لا تُثْبتِ الياء إذا ما ثُني، معلوم أن التثنية تكون بالعلامة بالألف والنون، والياء والنون، لو اكتفى بهذا الشطر لعلمنا أن الياء، أن قوله:

بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: أنه يعتبر يعتبر تصريحاً بما دل عليه الشطر السابق، يعني ليس فيه فائدة جديدة، لو لم يقل هذا التركيب، (بَلْ مَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ) لفهمنا من قوله: وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ: أن العلامة تلي الذال وتلي التاء، وهذا واضح وبين، بل نقول: هذا بل هنا للانتقال وليست للإضراب. وَمَا تَلِيهِ أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: هذا تصريح بما عُلم ضمناً في قوله: (وَالْيَا إذَا مَاثُنِّيا لا تُثْبِتِ). مَا تَلِيهِ: ما: اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على ماذا؟ يصدق على ما قبل الياء، والذي قبل الياء التي تُزال التي تُحذف هو الذال والتاء، الذي، التي الذي قبل الياء من الذي الذال والذي قبل الياء من التي التاء إذاً ما تليه الياءُ من الذي هو الذال، وما تليه الياء من التي هو التاء، بل (ما) واقعة على ما قبل الياء وهو الذال من الذي، والتاء من التي. تَلِيهِ: تليه فيه ضميران، ما هما أولا؟ تَلِيهِ: أين الضمير الأول؟ وأين الضمير الثاني؟ تلي: هذا فعل مضارع، طيب وفاعله، ضمير مستتر، يعود إلى الياء، والهاء هذه مفعول به يعود إلى الاسم الموصول. بَلْ مَا تَلِيهِ -الياءُ- أظهر الفاعل، بَلْ مَا تَلِيهِ الياءُ يعني الذي تليه تلي الياءُ ذالاً، وتلي الياءُ تاءً، بل ما تليه يعني الذي تليه الياء والذي تليه الياء تكون بعده (الذي) الياء ماذا ولت الذال، والتي الياء هنا ماذا تلت، التاء، هذا مرادُه، كان في العبارة؟؟؟ بل ما: أي الذي تليه يعني تلي الياء الضمير في تليه مستتر يعود إلى الياء والضمير البارز الهاء يعود إلى ما الموصولة التي قلنا تصدق على الذال من الذي والتاء من التي. أَوْلِهِ الْعَلاَمَهْ: يعني أتبعه، لقوله: وَلِيَه، يليه بالكسر، فيه ما هو شاذ، يعني أتبعه. الْعَلاَمَهْ: أي علامة: الألف والياء، هذا (أل) هنا تكون للعهد الذهني أو الذكري، يجوز هذا وذاك. بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى، بِالأَلِفِ ارْفَعِ .. وَتَخْلُفُ الْيَا هذه هي العلامة، أشار إليه بقوله: العلامة، والمرجع هو ما سبق، لأنه قال: إِذَا مَا ثُنِّيَ، لما قال إذا ما ثُني، ثم قال أوله العلامة، يعني: علامة التثنية، وهذه سبق ذكرها في قوله: بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى، وَتَخْلُفُ الْيَا فِي جَمِيعِهَا الأَلِفْ جَرًّا وَنَصْباً. أَوْلِهِ: أوله العلامة الدالة على التثنية وهي الألف في حالة الرفع والياء في حالتي النصب والجر. أَوْلِهِ: أول هذا يتعدى إلى مفعولين: أوليِ أنتَ، ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، يعني فعل أمر، والهاء هنا الأولى هذه هاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل نصب أعربه غير واحد بأنه مفعول أول، والعلامة مفعول ثاني، ولو عُكس كان أولى، لأن العلامة فاعل في المعنى، أولِ العلامةَ أخر الذي والتي، يجوز هذا وذاك. أوله العلامة:

بل ما تَلِهِ أَولِه العلامة: كان القياس أن يقال اللذيانِ، واللتيانِ، واللذَيينَ، بفتح الذال مع ياءين هذا الأصل، واللذيين الياء الأصلية الذي وياء التثنية، واللتيين، هذا الأصل فيها قياساً، بإثبات الياء ولكن لسكون الياء في الذي والتي اجتمعا ساكنة مع العلامة، فحذفت لالتقاء الساكنين، فالذي الأصل فيه أنه كالقاضيان، بإثبات الياء، وذا وتان كما سيأتي كالفتيان، بقلب الألف ياء، لكنهم فرقوا بين تثنية المبني، والمعرب، هكذا قيل. يعني: لماذا لم يجروا على المشهور من إبقاء ياء الذي والتي؟ قالوا تفرقة بين المثنى والمعرب، هذا فيه نظر. والنُّونُ إِنْ تُشْدَدْ فَلا مَلامَهْ: تُشدد مماذا؟ من قولك اللذانِ، واللتانِ، هذا مسموع من القرآن: (واللذانَّ، واللتانَّ، واللذينِّ، واللتينِّ) بتشديد النون، لكن الأفصح هو بقاؤها كما هي مع كسرها، ثم تأتي اللغة الثانية وهي تشديدها، فاللذان واللتان فيها ثلاث لغات: ثبوت نونها مكسورة مخففة: كنون المثنى وهي الأصل وهي الفصيحة وهي الغالب حتى في القرآن يقال: اللذان واللتان، واللذين، واللتين، يعني بقاء النون كما هي ومكسورة كنون المثنى، ثبوتها مكسورة مخففة دون تشديد، كنون المثنى، وهذه أفصح اللغات وهي الأصل. ثانياً: ثبوت النون مشددة مكسورة: اللذانِ، اللتانِ، نقول هذه ثابتة قرأ بها في السبع. ثالثاً: حذف النون تخفيفاً: تحذف النون، اللذا، اللتا، كما ذكرناه في اللذين هناك، تحذف النون، لكن ما يحمل عليها القرآن والله أعلم أنه ما يحمل عليها القرآن. اللغة الثالثة حذف النون تخفيفاً سبب طول الموصول بالصلة والعائد. سُمِع أَبَنِي كُليب إنَّ عَمَّيَّ اللَّذا ... قَتَلا المُلُوكَ وَفَكَّكَا الأَغْلالا إنّ عمي اللذ: اللذان: فككا أو قتلا الملوك، وسُمع كذلك: هُما اللتا لو ولدت تميمُ: هما اللتانِ حذفت النون. إذاً اللغة الثالثة دون الاثنتين السابقتين الاثنتان واقعتان في القرآن، الأولى هي الأفصح وهي كثير، والثانية مقرون بها في السبع. والنُّونُ من مثنى الذي والتي إنْ تُشْدَدْ: يعني تُضَعَّف حينئذٍ اختلفوا أي النونين هي الزائدة؟ المشهور أنه الثانية، إنْ تُشْدَدْ فَلا مَلامَهْ: على مشددها لا عَتب، لأنه وافق لغةً، وكل من وافق لغةً وخاصة جاء القرآن بها فلا ملامة، لا يعتب عليه إلا الجاهل، كلما ورد القرآن به فالنطق به فصيح ولا شك، ولو خالف المشهور حينئذٍ يكون وجوده في القرآن من باب ماذا؟ فصيح وأفصح، كما يقال صحيح وأصح، وإنما يقال الكثير جداً هو: الأفصح. والنُّونُ إنْ تُشْدَدْ فَلاَ مَلامَهْ: على مشددها وهو في الرفع متفق عليه بين الكوفيين والبصريين، اللذانَّ، هذا متفق عليه، واللتانَّ، يعني بعد الألف، وأما بعد الياء فمختلف فيه جوزه الكوفيون ومنعه البصريون، والصحيح الجواز, لوروده في القرآن، قرأ به في السبع، فدل على أنه مقروء به فإذا كان كذلك حُجة صار على البصريين، يمنعون لأي سبب غريب هذا.

وأما في النصب فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون وهو الصحيح، القول الصحيح هكذا، حتى تُعود نفسك أنما جاء في القرآن يعني تقول به مباشرة لا تتردد، لو قيل البصريين على خلافه، قل أنا على خلافهم، لكن تأكد أولاً أن القراءة صحيحة ثابتة، فإذا كانت ثابتة لا تُبالي أبداً، القرآن حُجة عليهم وليس هم حُجة على القرآن، ولو لم يَرِد إلا في آية واحدة، في قراءة سبعية ثبتت والباقي كله على خلاف، قل: هذا فصيح، وهذا فصيح، والكثير هو أفصح وأكثر، وهذا فصيح ولا نرده نقبله، لا نكون حاكمين على القرآن -خاصة القرآن-. والنون: يعني أطلق النون هنا سواء وقعت بعد الألف، أو بعد الياء، وهو مذهب المُصنف، أنها مطلقاً عِنده ولذلك أطلقها النون مطلق هنا هذا يَعُم النون الواقعة بعد الألف والنون الواقعة بعد الياء، وهو الصحيح الثابت ولا يجوز الرد، إنْ تُشْدَدْ فَلا مَلامَهْ على مُشددها. وَالنُّونُ مِنْ ذَيْنِ وَتَيْنِ شُدِّدَا: ذين وتين: هذان اسما إشارة، لما ذكر التشديد من نون اللذانِّ واللتانِّ، ناسب أن يذكر ما شُدد من نوني اسم الإشارة مثنى في حالة الرفع والنصب، إذاً للمناسبة وإلا الأصل أن يذكر في باب اسم الإشارة هذا الأصل، لكن الشيء قد يخرج عن نظيره تحت بابه لوجود نظير أنسب في موضع آخر. والنون: نقول ذكرهما هنا مع كونهما ليسا موصولين لاشتراكهما مع اللذين واللتين، في جواز تشديد نونهما، وليس التشديد خاصاً بالياء كما مثل بل هو عامٌ. والنون من ذين تثنية ذا وتين تثنية تا والقول فيها كالقول في اللذان واللتان، هل هما مُعربان أم مبنيان، القول هو عين، المشهور أنهما مبنيان، على الألف والياء. شُددا: أيضاً كما شددت النون من اللذان واللتان في الاسم الموصول، شُددا: الألف هذا للإطلاق، أيضاً مع الألف اتفاقاً ومع الياء على الصحيح. وتعويض بذاك قُصِدَا: تعويض بـ (ذاك)، بـ (ذاك) ما هو ذاك؟ التشديد .. تعويض بذاك التشديد قُصدَا: يعني القصد من هذا التشديد هو التعويض، تعويض عن الياء المحذوفة من الذي والتي، وعن الألف المحذوف من (ذانِ) (ذانِّ) (تانِ) (تانِّ) نقول الألف حُذفت، لالتقاء الساكنين، في (ذا) و (تا) حينئذٍ عُوض عن هذه الألف وهي أصلية، الألف أصلية وإن كانت منقلبة عن واو أو ياء، لكن لما حُذفت للتخلص من التقاء الساكنين عُوض، كما عوض في: (عِده) و (زنه) نقول هذه معوض وعد، أصلها (وعد) فلما حذفت الفاء، فاء الكلمة قيل (عدةٌ) اسم أصل سِمْوٌ حذفت اللازم وعُوض عنها بأولها، إذاً التعويض له أصل في لسان العرب. وَتَعْوِيضٌ بِذَاكَ: أي التشديد، وهو لغة تميم، التشديد من المحذوف، وهو الياء، من الذي والتي والألف من (ذا) و (تا) إذاً تعويضٌ هذا عائدٌ على قوله السابق. والنُّونُ إنْ تُشْدَدْ فَلا مَلامَهْ من اللذان واللتان

ثم لما ذكر (ذين) و (تين) أعاد العلة للجميع وتعويضٌ بذاك التشديد، في كلٍ من الكلمات الأربعة السابقة قصدا، تعويض مبتدأ، وقوله: قُصِدا: الألف للإطلاق هذا الجملة خبر، وبذاك جار ومجرور متعلق بقوله: قُصِدا، وهذه كما قلنا لُغة تميم، وقيل بل التشديد لتأكيد الفرق بين تثنية المُعرب وتثنية المبني، يعني: من أجل أن نُفرق بين المثنى في كونه معرباً وفي كونه مبنياً، لكن هذا فاسد لماذا؟ لأنه لو كان كذلك لكان الأكثر هو التشديد، ونحن ذكرنا أن اللغة الفصحى هي أن تكون النون كنون المثنى. وتعويضٌ بِذَاكَ قُصِداً: قال الشارح: وأما الموصول الاسمي فالذي للمفرد المذكر، والتي للمفردة المؤنثة، فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها بالألف في حالة الرفع، نحو اللذان، واللتان، وبالياء في حالتي الجر والنصب، فتقول اللذين، واللتين، وإن شئت شددت، يعني: ليس واجباً وإنما هو لغةٌ، حينئذٍ أنت مُخير شددت النون عوضاً عن الياء المحذوفة هذا رجح أنه من باب التعويض عن الياء المحذوفة، وليس فرقاً بين تثنية المبني والمعرب نحو اللذان واللتان، فتقول اللذين واللتين. وهذا كما ذكرنا مُتفقٌ عليه في الرفع، ومختلف فيه في النصب والجر، وإن شئت شددت النون عوضاً عن الياء المحذوفة فقلت اللذانِّ واللتانِّ، فقد قُرأ قراءة سبعية ((وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا)) [النساء:16] بالتشديد، ويجوز التشديد أيضاً مع الياء وهو مذهب الكوفيين والبصريون على المنع، والصواب مذهب الكوفيين، فتقول اللذينِّ بالتشديد، واللتينِّ، وقد قرأ ((أَرِنَا الَّذَيْنِّ أَضَلَّانَا)) [فصلت:29] بالكسر، وهذا التشديد يجوز أيضاً في تثنية ذا وتا اسمي إشارة، تقول: ذانِّ وتانِّ، وكذلك مع الياء وهو مذهب الكوفيين والمقصود بالتشديد أن يكون عوضاً عن ألف المحذوفة كما تقدم في الذي والتي، قُرأ ((فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ)) [القصص:32] ((إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ)) [القصص:27] بالتشديد فيهما ... والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... !!!

25

عناصر الدرس * تتمة استعمالات الموصول الإسمي المختص * فائدة .... في جمع (الذين واللذون) ـ * الموصول الإسمي المشترك * الصلة وأحكامها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى: جَمْعُ الَّذِي الأُلَى الَّذِينَ مُطْلَقا ... وَبَعْضُهُمْ بِالوَاوِ رَفْعاً نَطَقَا بِاللاَّتِ وَاللاَّءِ الَّتِي قَدْ جُمِعَا ... وَالَّلاءِ كَالَّذِينَ نَزْراً وَقَعَا إذاً ذكرنا فيما سبق أن الموصول قد يكون مفرداً وقد يكون مثنًى، وقد يكون جمعاً -مجموعاً- ثم كل منهما قد يكون مذكراً وقد يكون مؤنثاً، القسمة حينئذٍ تكون ستة أقسام. ذكر المفرد المذكر بقوله: الذي، والمفرد المؤنث بقوله: التي. ثم بين المثنى لهما فقال:: (الَّذِي): يثنى بزيادة علامة التثنية مع حذف الياء، ومثلها (الَّتِي)، وحينئذٍ الذي والتي واللذان واللتان، ذكرنا أن (اللذان) -على الحكاية- فيه ثلاث لغات، يعني الاسم الموصول اللذان واللتان، فيهما ثلاث لغات. الأولى: إبقاء النون كنون المثنى المتحركة بالكسر، وهذه فصحى. ثانياً: تشدد مع الكسر. ثالثاً: تحذف. وأما في المثنى (ذين تين) هذه ليست مثلها في اللغة الثالثة، يعني فيهما لغتان فحسب، اللغة الثالثة هذه ليست موجودة في اسم الإشارة وإنما هي في الاسم الموصول -تنبه لهذا- لئلا يظن أن القاعدة مطردة، وإنما الثلاث لغات هذه مذكورة ومحفوظة في الاسم الموصول، وأما اسم الإشارة المثنى ففيه لغتان فحسب، يعني لا تحذف لئلا يقع فيه لبس. ثم شرع في بيان الجمع فقال:: جَمْعُ الَّذِي الأُلَى: المراد بالجمع هنا الجمع اللغوي؛ لأن الصواب أن (الأُلى) و (اللذين) اسما جمع وليسا بجمعين حقيقين، وإنما هما اسما جمع، واسم الجمع ما دل على أكثر من اثنين من غير نظر إلى مفرده. والمراد بالجمع هنا: كل ما دل على أكثر من اثنين بقطع النظر عن كون له مفرد أو لا، سلم واحده في الجمع أو لا -مطلقاً- حينئذٍ يدخل فيه اسم الجنس الجمعي، واسم الجمع، ويدخل فيه جمع التصحيح المذكر والمؤنث. جَمْعُ الَّذِي: أمران شيئان. الأُلَى والَّذِينَ: بحرف العطف ولكن أسقطه من أجل ضيق النظم، وهو جائز عندهم في النظم إلا أنه مختلف فيه في النثر، وابن مالك يجوزه في النثر. قال:: جاء زيدٌ عمرو خالد، بحذف حرف العطف، إذا عُلِم. جَمْعُ الَّذِي: (جمعُ) مبتدأ، و (هو) مضاف والذي مضاف إليه. والأُلَى: هذا خبر كلمة (جمع). الأُلَى: قلنا:: مقصوراً وقد يمد ألاء، الأُلى يلزمه (أل)، فلا يشتبه حينئذٍ بـ (إلى) الجارة، -هذا أوَّل فيما إذا كانت لم تضبط الكلمات، لم تكن ثم مطابع، وحينئذٍ قد يشتبه، أما الآن فلا يشتبه-. الأُلى: يلزمه ألف فلا يشتبه بـ (إلى) الجارة، ولهذا تكتب بغير واو، بخلاف (أولى) الإشارية التي سبق معنا، فتكتب بواو بعد الهمزة لعدم (أل) فيها فتشتبه بـ (إلى) الجارة. جَمْعُ الَّذِي الأُلَى: قلنا: مقصوراً وقد يمد فيقال:: (ألاء)، وهذا اسم جمع وليس بجمع على الصحيح، ولا يكاد يكون فيه خلاف. يقال: في جمع المذكر (الأُلى) مطلقاً عاقلاً كان أو غيره، هكذا أطلقه ابن عقيل و (الأُلى) كـ (العلى) والمشهور وقوعها بمعنى (الذين)، فيكون حينئذٍ للعقلاء المذكرين، خلافاً لما أطلقه الشارح هنا.

قال: عاقلاً كان أو غيره والصواب التفصيل، أنه للعاقل بكثير، وأما استعماله في غير من يعقل هذا قليل جداً، بل أطلق بعضهم أنه خاص بالعقلاء فهو في معنى (الذين)، يعني يستعمل استعمال الذين. ولهذا قال: الأشموني والكثير: استعماله في جمع من يعقل، ويستعمل في غيره قليلاً، (الذي) هو (الأُلى). إذاً (الأُلى) هذا يقال: في جمع المذكر مطلقاً سواء كان عاقلاً أو غيره، إلا أنه في العاقل هو الكثير، وفي غيره -غير العاقل- قليل. وَتُبْلِي الأُلى يَسْتَلْئِمُونَ عَلَى الأُلى ... تَراهُنَّ يومَ الرَّوْعِ كالْحِدَإِ الْقُبْلِ وهنا ذكره مع جمع التصحيح، جَمْعُ الَّذِي الأُلَى، والذين الَّذِينَ مُطْلَقا مطلقاً يعني و (الذين) بالياء مطلقاً يعني ملفوظاً بالياء مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً، وهذا مراده بالإطلاق أنه يذكر اللفظ بالياء سواء كان في محل رفع أو في محل نصب أو في محل جر. وأراد بالإطلاق هنا ما يقابل اللغة الأخرى، ولذلك قال: وَبَعْضُهُمْ بِالوَاوِ رَفْعاً نَطَقَا. إذاً: فصل بين الرفع وبين الجر والنصب. الَّذِينَ بالياء مطلقاً في جميع الأحوال، هذا يأتي مبنياً على الفتح. وَبَعْضُهُمْ: أي بعض العرب، ونُسب لهُذيل قيل أو عُقيل. بِالوَاوِ رَفْعاً نَطَقَا: يعني لم ينطقه بالياء وإنما نطقه بالواو حالة كونه رافعاً، أو رَفْعاً يعني: في حال الرفع، إما أنَّ رَفْعاً هذا حال، وإما أنه منصوب بنزع الخافض، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، لكن إذا قلنا: رَفْعاً حال –مصدر- الأصل أنه يؤول بمشتق فيقل: رافعاً. وَبَعْضُهُمْ: مبتدأ، من العرب من يجري (الذين) مجرى جمع المذكر السالم نَطَقَا: الألف هذه للإطلاق، نَطَقَاَ: الجملة خبر، نَطَقَا: بالواو: الواو جار ومجرور متعلق بقوله: نَطَقَا. رَفْعاً: هذا حال، نقول: حال من فاعل نطقا، نطقا حال كونه رافعاً الذين بالواو. نَحْنُ اللَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا ... يَومَ النُّخَيلِ غَارَةً مِلحَاحَا نَحْنُ اللَّذُونَ: جاء به في حالة الرفع بالواو، وهل هو حينئذٍ معرب أو أنه مبني؟ على الخلاف الذي ذكرناه في (اللذين واللتين)، أنه لم يجرِ مجرى الجمع الصحيح حينئذٍ بقي على بنائه فيقال: فيه إنه في محل الرفع يأتي بصورة الواو، ويكون مبنياً على الواو، وفي حالتي النصب والجر يأتي بالياء فيكون مبنياً على الياء، هذا المشهور عند النحاة. وهل هو حينئذٍ معرب أو مبني جيء به على صورة المعرب؟ الثاني –الظاهر-.

قولان للنحاة: قيل: مبني؛ إذ هذا الجمع ليس حقيقياً، هو ليس بجمع حقيقي، لأن الذين جمع الذي، و (الذي) هذا ليس بعلم ولا صفة، ثم (الذين) قيل: هذا يطلق على العقلاء فحسب، هذا الأصل فيه، و (الذي) هو مفرده يطلق على العقلاء وغيرهم، قالوا: ولا يكون المفرد أعم من الجمع،- لا يكون الجمع أخص من المفرد-، حينئذٍ لا يكون جمعاً حقيقياً له، فليس بجمع حقيقي، إذا كان كذلك حينئذٍ لا يعترض على كونه أشبه الحرف وهو مبني للشبه الافتقاري بكونه قد جمع بواو ونون أو ياء ونون؛ لأننا نقول: هذا الجمع ليس حقيقياً، وإذا كان كذلك لا يعتبر ناقضاً لوجه الشبه، وإنما الذي يعتبر ناقضاً لوجه الشبه ويؤثر في كونه مؤثراً، حينئذٍ نقول: هذا هو الجمع الحقيقي، وأما الجمع الذي ليس بحقيقي هذا لا تأثير له، بل يبقى وجه الشبه قوياً. إذ هذا الجمع ليس حقيقياً حتى يعارض شبه الحرف؛ لاختصاص الذين بالعقلاء، وعموم الذي للعاقل وغيره، ولأن الذي ليس علماً ولا صفة، إذاً جُمع (الذي) (باللذين)، وفيه صورتان: إما أن يقال: (بالذين) مطلقاً رفعاً ونصباً وجراً، وهذا هو اللغة المشهورة وعليها القرآن، وإما أن يقال: في حالة الرفع بالواو (اللذون) جاء اللذون قاموا مثلاً، حينئذٍ يكون مبنياً على الواو، وإذا جيء بالذين حينئذٍ يكون مبنياً على الفتحة، وإنما بني على الواو لأنه أشبه جمع التصحيح، نُزِّلَ مُنَزَّلَتَه، حينئذٍ نقول: بني على الواو، كذلك في حالتي الجر والنصب. جَمْعُ الَّذِي الأُلَى، والَّذِينَ: بالياء هذا الثاني، مطلقاً في جميع الأحوال بالياء -ملازماً للياء-. وَبَعْضُهُمْ: بعض العرب كهذيل أو عقيل، من يجري (الذين) مجرى جمع المذكر السالم، فينطقه بالواو حالة كونه رافعاً له، والظاهر من كلام المصنف أنه معرب. إذاً: يقال: في جمع المذكر (الأُلى)، وقد يستعمل جمعاً لـ (التي) في جمع المؤنث. ثم قال: بِاللاَّتِ وَاللاَّءِ الَّتِي قَدْ جُمِعَا ... وَالَّلاءِ كَالَّذِينَ نَزْراً وَقَعَا هذا شروع في ذكر الجمع لـ (التي)، لما أنهى الجمع للفظ (الذي) وهو مفرد جمعه بـ (الأُلى) و (الذين)، كذلك شرع في بيان ما يجمع به لفظ (التي)، يعني ماذا يقال: في جمع الإناث؟ قال: بالَّلاتِ و (الَّلاءِ) بدون ياء وبإثبات الياء، وهنا الأصل أن يذكر الياء؛ لأن الياء هي أصل، بـ (اللاتي) بالياء، و (اللائي) بالياء، ثم قد يحذفان، فهذه أربع كلمات. (بالَّلاتِ) و (الَّلاتِي) (بالياء)، و (اللائي) و (اللآئي) بالياء، أربع كلمات ((وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ)) [النساء:15] بالياء، ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ)) [الطلاق:4] بالياء. الَّتِي: هذا المبتدأ. قَدْ جُمِعَا: الألف للإطلاق، (التي) قد جمع (باللاتي) و (اللائي)، هذا تركيب البيت، (التي) هذا مبتدأ جملة اسمية، قَدْ جُمِعَا الجملة خبر، باللاتي واللائي.

وَالَّلاءِ كالَّذِينَ نَزْراً وَقَعَا: وَالَّلاءِ: هذا مبتدأ، وَقَعَا، كالَّذِينَ، الآن تقرر عندنا أن اللائي هذا يعبر به عن جمع التي فهو لجمع المؤنث، قد يستعمل هذا اللفظ في المذكر لكنه قليل، ولذلك قال: وَالَّلاءِ الذي سبق ذكره في أنه يعبر به عن جمع المؤنث، وَاللَّائِي وَقَعَا -الألف للإطلاق خبر- في لسان العرب. كالَّذِينَ: هذا متعلق بـ (وَقَعَا). نَزْراً: أي قليلاً، فهو قليل إذا كان كذلك حينئذٍ لا يكون هو الفصيح، بل الفصيح أن يستعمل (الذين) (والأُلى) مراداً به جمع الذكور، (واللاء) (واللاتي) بالياء وبحذفهما في جمع المؤنث مطلقاً. وحينئذٍ استعمال (اللائي) في موضع (الذين)، نقول: هذا خلاف الأصل، وإن سمع في لسان العرب إلا أنه قليل، ولذلك عبر عنه بـ (نَزْراً). أي اللائي وقع جمعاً لـ (الذي) قليلاً كما وقع (اللاء) جمعاً لـ (التي)، ولذلك قرأ ابن مسعود (واللائي آلوا من نسائهم) يعني والذين آلوا من نسائهم، حينئذٍ قرأ باللائي بدلاً من الذين، والأصل الذين. يقال: في جمع المذكر الأُلَى مطلقاً عاقلاً كان أو غيره، فصَّلنا فيه، فيقال: جاءني الأُلَى فعلوا، جاءني فعل ومفعول به، والأُلَى هذا فاعل، وجملة فعلوا هذه صلة الموصول. الأُلَى هنا استُعْمِل في دلالته على جمع الذكور، مراداً به الذكور الجمع، ما الدليل؟ فعلوا الواو؛ لأنه قد يُستعمل في الإناث، لكنه قليل، والأصل فيه استعماله في الذكور، الذي يميِّز هذا عن ذاك هو العائد، إن كان مذكراً حينئذٍ (الأُلى) صار لجماعةِ الذكور، وإن كان مؤنثاً فحينئذٍ صار الأُلَى في جماعة الإناث. جاءني الأُلى فعلوا، وقد يستعمل جمعاً للتي في جمع المؤنث، وقد اجتمع الأمران في البيت: وتُبْلي الأُلى يُسْتَلْئِمون على الأُلى ... تَراهُنَّ: أُلى في الموضعين، قال: الأُلى يُسْتَلْئِمون: يعني الذين يستلئمون، فجاء بالواو دل على أن (الأُلَى) هنا استُعمِل في جمع الذكور. على الأُلى تراهنَّ: تراهُنَّ: أتى بالنون، دل على أن المراد به جماعة الإناث، استُعمل في محل واحد، وأيهما أصل وأيهما فرع؟ الذكور أصل والإناث فرع. إذاً (التي) يجمع على الأُلَى واللواتي بإثبات الياء وحذفها، واللوائي ممدوداً ومقصوراً و (اللاء) بالقصر، و (اللاءات) مبنياً على الكسر .. وهذه كلها ليست بجموع وإنما هي أسماء جموع، ليست بجموع حقيقية. و (الذين) فيما سبق ذكرنا أنه إذا كان بالياء يبن على الفتح، وأما على لغة من يجعله بالواو حينئذٍ يكون مبنياً على الواو في حالة الرفع ويكون مبنياً على الياء في حالتي النصب والجر. ويقال: للمذكر العاقل في الجمع خاص (الذين) مطلقاً في الرفع والنصب والجر، جاءني الذين أكرموا زيداً، ورأيت الذين أكرموه، ومررت بالذين أكرموه. لزم حالة واحدة مع كونه مرفوعاً أو في محل رفع، وفي محل نصب، وفي محل جر، حينئذٍ نقول: هذا شأن المبني.

والأصل فيه أنه يستعمل للعاقل، وقد ينزل غير العاقل منزلة العاقل فيستعمل فيه (الذين) كذلك، يعني العاقل في نفسه، وقد يكون منزلاً منزلة العاقل، قال: تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)) [الأعراف:194] نزل الأصنام لما عبدوها منزلة من يعقل، ولذا أعاد الضمير عليها ضمير العقلاء في قوله بعد: ((أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا)) [الأعراف:195]. وبعض العرب يقول: (الذون)، هذه لغة طيء وهذيل وعقيل على الشك في الرفع، و (الذين) في النصب والجر. نَحْنُ اللَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا ... يَومَ النُّخَيلِ غَارَةً مِلْحَاحَا نَحْنُ: هذا ضمير منفصل مبتدأ. واللَّذُونَ: اسم موصول خبر المبتدأ مبني على الواو في محل رفع. ويقال: في جمع المؤنث اللاَّتِ وَاللاَّءِ بحذف الياء فتقول: جاءني اللات فعلن، فعلن تعيد الضمير هنا بالإناث، واللاء فعلن، ويجوز إثبات الياء، بل العكس، إثبات الياء هو الأصل ويجوز حذفها فهي أربع لغات: اللاتي واللائي، وقد ورد اللاء بمعنى الذين: فَمَا آباؤُنَا بِأَمَنَّ مِنْهُ ... عَلَيْنَا اللاَّءِ قَدْ مَهَدُوا الْحُجُورَا الّلاِءِ يعني الذين، قد مهدوا الحجورا، وكما قرأ ابن مسعود فيما ذكرناه سابقاً. وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ ... وَهكَذَا ذُو عِنْدَ طَيِّءٍ شُهِرْ وَكَالَّتي أَيْضاً لَدَيْهِمْ ذَاتُ ... وَمَوْضِعَ اللاَّتِي أَتَى ذَوَاتُ هذا شروع في الموصول المشترك، قلنا: الموصول على نوعين: موصول خاص، يعني ألفاظ خاصة تستعمل في مراداتها الخاصة التي وضعت لها في لسان العرب، المفرد للمفرد والمثنى للمثنى، والجمع للجمع، ولا يعبر عن المفرد بالجمع ولا عن الجمع بالمفرد، ولا عن المثنى بالمفرد ولا بالجمع، كل منهما يلزم حالته التي وضع لها في لسان العرب. وكذلك المؤنث والمذكر، وهذه قلنا: ثمانية على المشهور تزيد أو تنقص. والنوع الثاني مشتركة: بمعنى أن اللفظ واحد ينطق به مرة واحدة (من)، ولكن من جهة المعنى قد يستعمل في المذكر المفرد وقد يستعمل في المذكر المثنى، وقد يستعمل في المذكر الجمع، أو المؤنث في الجميع مفرداً أو مثنًى أو جمعاً، اللفظ واحد، هذا يعبر عنه بأنه موصول مشترك، ليس خاصاً بواحدة، فتقول: جاءني من قام، ومن قامت، ومن قاما، ومن قاموا، ومن قمن .. اللفظ واحد وحينئذٍ تنظر إلى العائد هو الذي يفسر هل هذا مفرد أو مثنى أو جمع. وهذه ستة ألفاظ: {من، وما، وأل، وذو -عند طيء خاصة- وأل، وأي} .. ستة. وأما ذَاتُ وذَوَاتُ هذه فرع ذَوَ، تابعة لها. إذاً: وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ. من الموصولات الاسمية ما يستعمل للواحد والمثنى والجمع مذكراً ومؤنثاً بلفظ واحد، وهو ألفاظ ستة: (من، وما، وأل، وذو، وذا، وأي)، هذه ستة. سيشرحها الناظم واحدة تلو الأخرى. وَمَنْ: هذه الأول، مَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ: تساوي الذي ذكر، المراد بالمساواة هنا: أي تساوي كلاً مما ذكر سابقاً، أي تستعمل فيما يستعمل فيه كل ما ذكر. تُسَاوِي مَا ذُكِرْ، ما الذي ذكر؟ مَوْصُولُ الاسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي .. جَمْعُ الَّذِي الأُلَى الَّذِينَ مُطْلَقا ... الخ

هذه الألفاظ المذكورة الآن: مَنْ وَمَا وَأَلْ، تُسَاوِي الذي ذُكر سابقاً من الموصولات، في كونه يستعمل في جميع ما مضى، مساويةً لها مطلقاً بلا تفصيل، فيستعمل اللفظ الواحد مراداً به كل ما ذكر –السابق- المفرد والمثنى والجمع، لا تفصيل بينها، لا نقول: هذا للمفرد المذكر، والتي للمفردة المؤنثة، والأُلى .. وكذا إلى آخره، هذه كلها التفصيلات لا تأتي هنا، وإنما هو لفظ واحد يعبر به عن الجميع. أولها: مَنْ، قال:: وَمَنْ: ومن هذه الأصل فيها أنها تكون للعاقل، تستعمل في العاقل بكثرة، وفي غيره بقلة، يعني قد تستعمل في غير العاقل لكنه قليل، وبعضهم يعبر أيضاً كما ذكرنا سابقاً: عاقل بدلاً منه يقول: عالم ((وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)) [الرعد:43]. إذاً: الأصل في (من) أنها تستعمل للعاقل، أو إن شئت قل للعالم، وقد تخرج عنه لغيره، لكن لا تخرج عنه لغيره إلا لقرينة، إلا لسبب، إلا لموجب، إلا لمعنى بلاغي، لا بد من هذا. وذكر ابن هشام أنها تخرج عن العاقل إلى غيره في ثلاث مسائل: المسألة الأولى: أن يقترن غير العاقل مع من يعقل في عمومٍ فُصِّل بـ (من) الجارة ((فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ)) [النور:45] ((وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ)) [النور:45] هذا عموم، دابة تطلق على من يعقل ومن لا يعقل، ثم جاء التفصيل -تفصيل هذا العموم- بـ (من) الجارة .. فمنهم، ومنهم، ومنهم. قال:: ((مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ)) [النور:45] هذا قطعاً أنه غير عاقل، ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ)) [النور:45] هذا فيه عاقل وفيه غير عاقل، أليس كذلك؟ إذاً هذا استعملت (من) هنا في غير العاقل لوجود قرينة، هذه القرينة ما هي؟ جمع بينهما -بين العاقل وغير العاقل- في لفظ واحد، ثم جاء هذا العموم مفصلاً في مثل هذا التراكيب، يعبر بـ (من)، إذا صار اختلاط بين العاقل وغير العاقل يعبر بـ (من). إذاً: أن يقترن غير العاقل مع من يعقل، في عموم فُصِّل بـ (من) الجارة، نحو قوله تعالى: ((فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ)) [النور:45] هذا فصل ماذا؟ ((وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ)) [النور:45] هذا العموم. الموضع الثاني: أن ينزل منزلته، بمعنى أنه يشبه غير العاقل بالعاقل، إذا شبه به حينئذٍ أخذ حكمه، فاستعمل فيه اللفظ على جهة المجاز، وذكرنا الآية السابقة التي هي ((مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ)) [الأحقاف:5] المراد بها الأصنام. الموضع الثالث: الذي يستعمل (من) وهي للعاقل في غيره: أن يجتمع مع العاقل فيما وقعت عليه (من) نحو: ((كَمَنْ لا يَخْلُقُ)) [النحل:17] لشموله للآدميين والملائكة والأصنام، ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ)) [الحج:18] اجتمع معهما وهذا التفريق بينه وبين السابق فيه تدقيق.

هذا (من)، إذاً الأصل في (من) أنها تستعمل للعاقل، وقد تخرج عنه في ثلاث مسائل، وقد يزاد عليها عند البيانيين، فحينئذٍ إذا استعملت مراداً بها المفرد والمثنى والجمع الذي يميز هذا عن ذاك هو المرجع –العائد- إذا قلت: جاء من قام، يعني جاء الذي قام، جاء من قامت (هي)، جاء من قاما، هذا بالتثنية، يعني مذكر، جاء من قامتا (بالتأنيث)، جاء من قاموا، من قمن .. نقول: هذه كلها فسرت (من) بالضمير الذي يرجع إليه وعرفنا أن المراد بها إما مذكر وإما مؤنث، إما مفرد وإما مثنىً، وإما جمعاً. وَ (مَا) أيضاً الأصل فيها أنها تستعمل لغير العاقل عكس (من)، وقد تستعمل في العاقل قليلاً، وذكر ابن هشام ثلاثة مواضع لها: الأول: أن يختلط له مع العقل، أن يحصل اختلاط العاقل وغير العاقل، حينئذٍ له أن يعبر بـ (ما)، انظر في المواضع السابقة اختلط العاقل بغير عاقل وقد يعبر بـ (من). إذاً المسألة ترجع إلى القرينة وإلى ما أراده المتكلم، قد يغلب هذا الشيء على شيء آخر، وهذه كلها قد لا يقال فيها بأن لها ضوابط معينة مطردة لا يخرج عنها، وإنما السياق، وهذا الذي يحكم هذه المسائل. أن يختلط العاقل مع غير العاقل نحو قوله تعالى: ((يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) [الجمعة:1] فإن (ما) يتناول ما فيهما من إنس وملك وجن وحيوان وجماد، بدليل ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)) [الإسراء:44]. والموضع الثاني: أن يكون أمره مبهماً على المتكلم، كقولك -وقد رأيت شبحاً من بعيد-: انظر (ما) ظهر لي، عبرت بـ (ما) عن شيء مبهم، إذا أبهم عليك الشيء ولا تدري هل هو عاقل أو غير عاقل تأتي بـ (ما)، هذا هو الأصل فيه، -الأصل في الأشياء غير عاقلة- ثم إذا تبين لك حينئذٍ تحكم عليها بالعاقل. والموضع الثالث: أن يكون المراد صفات من يعقل، كقوله تعالى: ((فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ)) [النساء:3] (ما) هذا عاقل –مرأة- هنا عبر بـ (ما) والأصل فيها أنها لغير العاقل، هل معنى ذلك أن المرأة ليست عاقلة؟ لا، إنما المراد الصفات التي وقعت عليها (ما)، لأن الأمر هنا تعلق بالنكاح ((فَانكِحُوا)) والنكاح إنما ينظر فيه إلى الصفات، ولذلك جيء بـ (ما). إذاً الأصل في (ما) أنها للعاقل، وقد تخرج عنه لقرينة ومعنىً يقتضيه السياق، فحينئذٍ لا بأس بذلك.

وأما إذا لم يكن كذلك فحينئذٍ يعبر باللفظ الواحد عن المفرد المذكر المؤنث، وعن المثنى المذكر والمؤنث، وعن الجمع المذكر والمؤنث، فيقال: أعجبني ما ركب، يعني الذي ركب، وما ركبت –دابة- وما ركبا، وما ركبتا، وما ركبوا، وما ركبن .. إلى آخره، حينئذٍ نقول: هذه ألفاظ هي متحدة في اللفظ، لكنها من حيث المعنى مفترقة، ولذلك في عود الضمير على (من) -وهي في اللفظ واحد- قد يجوز أن يراعى فيه المعنى وقد يراعى فيه اللفظ، إلا أن اعتبار اللفظ أكثر من اعتبار المعنى -هذا في القرآن- عود الضمير على (من) فقد يراد بها غير لفظها، أما لفظها فهو مفرد مذكر، قد تصدق على المفرد المذكر، حينئذٍ لا إشكال، عود الضمير على المعنى أو على اللفظ واحد، لو قال: جاءني من قام -وهو عاد الضمير على اللفظ وعلى المعنى- لا يصح هنا التغاير، لماذا؟ لأن اللفظ مفرد مذكر (من)، والمعنى الذي صدقت عليه (من) مفرد مذكر، أما إذا اختلفا حينئذٍ إما أن يعيد الضمير على اللفظ، وإما أن يعيد الضمير على المعنى. وكلامها جائز ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)) [الأنعام:25]، ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)) [يونس:42] جاء في القرآن هذا وذاك. ((مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ)) [الأنعام:25] أعاده إلى اللفظ، ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ)) [يونس:42] أعاده إلى المعنى؛ هذا جائز وهذا جائز، إلا أن اعتبار اللفظ أكثر، هكذا عند البيانيين. وَأَلْ: (أل) هذه تستعمل للعاقل وغير العاقل، (أل) وما بعدها كلها تستعمل للعاقل وغير العاقل، وإنما يستثنى (من) و (ما) فحسب، (من) للعاقل والأصل فيها وقد تخرج عنه، و (ما) لغير العاقل وهذا هو الأصل فيها. وأما ((أل)، وذو، وذا، وأي) فهذه كلها تستعمل للعاقل وغير العاقل. وهذه (أل) -كما سبق- (أل) موصولة، وهي اسم على الصحيح، والجمهور على هذا، وأنها من خصائص الاسم، وهي داخلة في قوله: و (أل) بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ، (أل) هذه قلنا: تشمل المُعَرِّفَة والزائدة والموصولة، والموصولة هي التي وصلنا إليها الآن، حينئذٍ (أل) هذه هل هي اسم أو حرف؟ فيها قولان: القول الصحيح: أنها اسم، بدليل عود الضمير إليها، والضمير لا يعود إلا على الأسماء (قد أفلح المتقي ربه) رجع الضمير إلى (أل)، فدل على أنه اسم. الجمهور: أن (أل) الموصولية تكون اسماً موصولاً بمعنى الذي وفروعه، وقيل: موصول حرفي، وقيل: حرف تعريف، كلاهما حرف إلا أن بعضهم يرى أنها حرف تعريف وبعضهم يرى أنها موصولٌ حرفي، ورُدَّ بعود الضمير عليها بقوله: (قد أفلح المتقي ربه)، وبأنها لا توؤل بمصدر، من قال بأنها حرف مصدري هي لا تؤول بمصدر؛ لأن الحرف المصدري ضابطه: كل حرف أول مع ما بعده بمصدر كما عرفنا، وهذه لا توؤل بمصدر -الضارب ماذا تقول؟ ليس فيه تأويل- وبأنها لا توؤل بمصدر، والثاني بدخولها على الفعل، يعني الدليل الثاني: بدخولها على الفعل.

هل دخلت على الفعل؟ نعم، دخولها على الفعل يدل على أنها في الأصل لا تدخل إلا على الأفعال، هذا هو الأصل فيها كما بيناه، أن (أل) الموصولية الأصل فيها أنها لا توصل إلا بجملة فعلية، ولكن لما كان ظاهرها موافقاً لظاهر (أل) التعريف وتلك حرف وهذه اسم، حينئذٍ قبح أن تدخل على غير الاسم، فلما قبح دخولها على غير الاسم روعي لها الحقَّان، حق الموصولية وأنه لا يليها إلا فعل، وحق موافقة (أل) التعريف التي تدخل على الاسم، فدخلت على ما هو في اللفظ اسم، وفي المعنى فعل، وهو الصفة الصريحة كما سيأتي. إذاً: نقول الجمهور أنها تكون اسماً موصولاً بمعنى (الذي) وفروعه، يعني جاء الضارب زيداً، جاءت الضاربة زيداً، جاء الضاربان، جاء الضاربتان، جاء الضاربون .. كل هذه نقول: (أل) موصولية ودخلت على صفة صريحة، وهذه جاءت بمعنى (الذي) وفروع (الذي). ومحل الخلاف حيث لا عهد، أي: في الخارج وإلا فهي حرف تعريف اتفاقاً، جاء محسن فأكرمت المحسن، محسن: اسم فاعل، هو صفة صريحة، جاء محسن فأكرمت المحسن، هل (أل) هنا حرف تعريف أم أنها موصولية؟ محل وفاق أن هذه مواضع ليست محل الخلاف، إنما (أل) تكون موصولة حيث لا عهد، أما إذا كان ثم عهد فحينئذٍ صارت حرف تعريف محل وفاق، فمثل هذا المثال جاء محسن فأكرمت المحسن، نقول: هذه (أل) حرف تعريف وليست موصولية، وإن تلاها اسم فاعل، لماذا؟ لوجود العهد الذي طرأ عليها، ولذلك قالوا: محل الخلاف حيث لا عهد، يعني في الخارج وإلا فهي حرف تعريف اتفاقاً، نحو: جاء محسن فأكرمت المحسن قاله: الرضي-الرضي شرح الكافي، وهو من أجود شروح الكافية-. إذاً الألف واللام نقول: هذه اسم موصول على الصحيح، وأيضاً نقول: هي للعاقل ولغير العاقل، وأيضاً نقول: من قال بأنها حرف موصولي قول فاسد –باطل-؛ لأنها لا تؤول مع ما بعدها بمصدر، من قال: إنها حرف تعريف مطلقاً قلنا:: الضمير قد عاد إليها، ولا يعود إلا على أسماء. وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِر، ْ وَهكَذَا: هكذا مثل ذا الماضي، وهو مساواة من، وما، وأل لما ذكر في كونها بلفظ واحد تستعمل في المفرد والمثنى، والجمع المذكر والمؤنث ذُو لكن عِنْدَ طَيِّءٍ خاصة ليس مطلقاً عِنْدَ طَيِّءٍ خاصة شُهِرَ. وَهكَذَا ذُو عِنْدَ طَيِّءٍ شُهِرْ: ذو مبتدأ قصد لفظه. شُهِرْ: يعني شهر بهذا الذي ذكر، شُهِرْ هذه الجملة خبر. عِنْدَ طَيِّءٍ: متعلق به. وَهكَذَا: هذا حال من الضمير في شهر. إذاً التقدير: وذو شهر عند طيء حال كونه هاء، مثل (من)، (وما)، (وأل)، في كونه يستعمل بلفظ واحد ذو مراداً به المذكر المفرد والمؤنث المفرد، والمثنى بنوعيه، والجمع بنوعيه المذكر والمؤنث. نقول: جاء ذو قام، وجاء ذو قامت، جاء ذو قاما، وجاء ذو قمن، وجاء ذو قاموا .. إلى آخره. مثل (من)، (وما)، واللفظ واحد وهو مبني عندهم على السكون وليس على الواو. وَهكَذَا ذُو عِنْدَ طَيِّءٍ شُهِرْ: ولغة طَيِّءٍ خاصة استعمال ذو موصولة، ولذلك احترز عنها ابن مالك هناك في باب الأسماء الستة. قال:: منْ ذَاكَ ذُو إنْ صُحْبَةً أَبَانَا.

قلنا::احترازاً عن ذو الطائية؛ فإنها موصولية، والغالب الأشهر عندهم أنها مبنية على السكون وقد تعرب، وإذا أعربت صارت ملحقة بالأسماء الستة، مثلها، الحكم واحد. فَحَسْبيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفانِيَا: (من) حرف جر، و (ذو) جاء بالواو، فلو كانت معرفة لجاءت بالياء، لقيل: من (ذي)، فدل على أن (ذو) عند (طَيِّءٍ) مبنية على السكون، وليست مبنية على الضم، وتستعمل للعاقل ولغيره، وأشهر لغاتٍ فيها أنها تكون بلفظ واحد. والمشهور إفرادها وتذكيرها وَبِئْرِي ذُو حَفَرْتُ وَذُو طَوَيْتُ، يعني الذي حفرته والذي طويته، وقد تؤنث وتثنى وتجمع، ونازع في ذلك ابن مالك رحمه الله تعالى، وسمع من كلامهم لا وذُو فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ، لا والذي في السماء عرشه، فدل على أن (ذو) هذه موصولة عندهم، فتقول: جاءني ذو قام، وذو قامت، وذو قاما، وذو قامتا، وذو قاموا، وذو قمن، ولذلك: فَحَسْبيَ مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفانِيَا. وَكَالَّتي أيْضاً لَدَيْهِمْ ذَاتُ: هذا استثناء، كَالَّتي لَدَيْهِمْ ذَاتُ. كَالَّتي: هذا خبر مقدم، ذَاتُ: هذا مبتدأ مؤخر، يعني وذَاتُ لَدَيْهِمْ -لدى طَيِّءٍ - على جهة الخصوص دون غيرهم. أيْضاً: آض يئيض أيضاً -رجوعاً لما سبق من استثناء بعض الأحكام بلغة طيء- كَالَّتي، يعني تستعمل للمفردة المؤنثة، يعني طَيِّءٍ يقولون: جاءت التي قامت، ويقولون كذلك: جاءت ذات قامت (ذات قامت) بدلاً من الَّتي. وَكَالَّتي أيْضاً لَدَيْهِمْ –عند طَيِّءٍ - ذَاتُ، ذاتُ مثلها، وَمَوْضِعَ اللاتِي أتَى ذَوَاتُ: يعني تجمع (ذات) على (ذوات)، فيقال: في جمع الإناث (ذوات)، ويقال: في المفردة المؤنثة (ذاتُ) بالبناء على الضم. (ذات) قيل أصلها (ذو)، قلبت الواو ألفاً فقيل: (ذا) وألحق بها تاء التأنيث، وقيل: بل هي صيغة مستقلة وفيها لغات، البناء على الضم (ذاتُ)، إعراب (ذات) (وذوات) بمعنى صاحبة أوصاحبات، يعني ومع التنوين لعدم الإضافة، وإعراب (ذات) إعراب جمع المؤنث السالم، يعني إما تكون مضمومة ضمة بنا (ذاتُ)، وإما أنها كصاحبة تعرب بحركات مع التنوين، أو أنها تُعرب جمع المؤنث السالم، يعني ترفع بالضمة وتنصب وتجر بالكسرة. وَكَالَّتي أَيْضاً لَدَيْهِمْ ذَاتُ ... وَمَوْضِعَ اللاَّتِي أَتَى ذَوَاتُ قال هنا: وأما (ذات) فالفصيح فيها للمفردة أن تكون مبنية على الضم رفعاً ونصباً وجراً مثل: (ذواتُ)، لكن هذ في الجمع. ومنهم من يُعرِبها إعراب مسلمات فيرفعها بالضمة وينصبها ويجرها بالكسرة، حكي: باِلفَضْلِ ذُو فَضّلكُمُ اللهُ بِهِ، وَالكَرَامَةِ ذَاتُ أَكْرَمَكُمْ اللهُ بَهْ، باِلفَضْلِ ذُو فَضّلكُمُ اللهُ بِهِ: يعني بالبفضل (الذي) -أتى بـ (ذو) في مقابلة (الذي) - باِلفَضْلِ ذُو فَضّلكُمُ اللهُ بِهِ، وَالكَرَامَةِ ذَاتُ أَكْرَمَكُمْ اللهُ بَهْ، وحكي إعرابها كجمع المؤنث السالم، وحكي تثنية (ذو) (وذات) وجمعهما فيقال: في الرفع (ذوا)، و (ذواتا)، و (ذووا)، و (ذوات)، وفي النصب والجر (ذوي)، و (ذواتَي) و (ذَوِي) بكسر الياء مع الياء.

إذاً عند طَيِّءٍ يستعملون (ذو) موضع (الذي) للمفرد المذكَّر، ويستعملون (ذات) بالبناء على الضم المشهور عندهم موضع (التي) للمفردة المؤنثة، وَمَوْضِعَ اللاتِي الذي هو جمع المؤنث السالم يستعملون بدلها (ذواتُ) بالضم كذلك. ثم قال: رحمه الله: وَمِثْلُ مَاذَا بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ ... أَوْ مَنْ إِذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلاَمِ هذا العنوان الخامس {من، وما، وأل، وذو}، أربعة، هذا الخامس وهو (ذا) الإشارية. ذَا: بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أشِرْ هذا الأصل فيها، الأصل في (ذا) أنها اسم إشارة لمفرد، كما سبق معنا: بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أشِرْ، أصل (ذا) الموصولة هي المشار بها جردت من معنى الإشارة، جرد هذا اللفظ من معنى الإشارة، واستعمل اسماً بالشرطين اللذين ذكرهما الناظم، وهما أنه لا بد من أن تقع بعد (ما) أو (من) الاستفهاميتين، تسبقها (من) أو (ما)، (ما) متفق عليه، و (من) على الصحيح، ثم يشترط الشرط الثاني: ألا تكون ملغاة، فإن ألغيت حينئذٍ رجعت إلى أصلها. وَمِثْلُ مَا: الموصولة فيما تقدم، في كونها تكون بلفظ واحد للمفرد المذكر والمفردة المؤنثة والمثنى بنوعيه والجمع بنوعيه، لفظ واحد يطلق ويستعمل فيما ذكرناه سابقاً. وَمِثْلُ مَاذَا: أين المبتدأ وأين الخبر؟ (ذا) مثل (ما) -هذا الأصل- (ذا) قصد لفظه، (مِثْلُ مَا) نقول هذا خبر مقدم. وَمِثْلُ مَاذَا بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ: (بعد) في موضع الحال من (ذا)، حالة كونه بعد مَا اسْتِفْهَامِ يعني: من إطلاق الدال على المدلول ما استفهام مضاف ومضاف إليه. حينئذٍ يشترط في (ذا) التي تكون موصولية أن تقع بعد (ما) الاستفهامية فيقال: ماذا صنعت، وقعت بعد (ما)، صنعتَ هذا ليس مفرداً حتى يقال: بأن (ذا) اسم إشارة، وهذا محل وفاق عند البصريين. أو بعد (من) -على الأصح- أو (من) يعني: أو بعد (من) الاستفهامية على الأصح، فتقول: من ذا عندك، من الذي عندك؟ ماذا صنعت؟ ما الذي صنعته؟ حينئذٍ استعملت (ذا) موضع (ما) ما الذي صنعت؟ ما الذي صنعتما؟ ما الذي صنعتم؟ ما الذي صنعتن؟ كلها استعملت باختلاف المراجع والمرجع واحد وهو ذا. إذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلاَمِ، إذَا لَمْ تُلْغَ (ذا) في الكلام، إذاً (ذا) تستعمل موصولة بشرطين اللذين ذكرهما المصنف، وهو أن تكون بعد (ما) الاستفهامية، أما (من) فهذه محل نزاع. قال: أبو حيان: ولا خلاف في جعلها موصولة بعد (ما)، وأما بعد (من) فخالف قوم؛ لأن من تخص من يعقل، فليس فيها إبهام كما في (ما)، يعني (ما) هذه مبهمة؛ لأنها في الأصل لغير العاقل ففيها إبهام، وأما (من) فالأصل أنها للعاقل فليس فيها إبهام. وإنما صارت بالرد للاستفهام في غاية الإبهام فأخرجت (ذا) من التخصيص إلى الإبهام وجذبتها إلى معناها ولا كذلك من لتخصيصها. يعني استطاعت (ذا) أن تخرج (ما) لكونها مبهمة أخرجتها عن دلالتها للاستفهام إلى دلالتها على الموصولية، وليس كذلك الشأن في (من) الاستفهامية، لم تستطع (ذا) أن تجذبها إلى معنى الموصولية، لكن الجمهور على أن (من) مثل (ما) الاستفهامية، حينئذٍ إذا وقعت بعدها (ذا) فهي اسم موصول.

إذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلاَمِ نقول: إذاً بشرطين أن تكون بعد استفهام بـ (ما) أو (من) نحو ((يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ)) [البقرة:215] ما الذي ينفقونه؟ (ما) استفهامية كما هي، و (ذا) اسم موصول بمعنى (الذي)، (ويُنفِقُونَ) هذه جملة الصلة التقدير ما الذي ينفقونه؟ ومثلها قَدْ قُلْتُهَا ليُقالَ: مَنْ ذَا قالهَا الشرط الثاني: أن تكون غير ملغاة، والمراد بالإلغاء أن تركب مع (ما) فتصير اسماً واحداً، إذا أضيف اسم إلى اسم، يعني نسب اسم إلى اسم إذا قصدا بجعل الإضافة أنهما اسماً واحداً في مثل هذا التركيب حينئذٍ صارت ملغاة، والشرط في كونها موصولة -الكلام في (ذا) - في كونها موصولة أن يقصد بـ (ما) أو (من) أنها استفهامية على أصلها، و (ذا) بمعنى (الذي) أو (التي)، فإن قصد تركيب اللفظين ليجعلا اسماً واحداً صارت ملغية، ماذا عندك؟ (ماذا) كلها اسم استفهام وليست مركبة من (ما) و (ذا) لا، صارت كلها اسم استفهام، إذا قدرت أنها كلها اسم استفهام صارت ملغاة، فحينئذٍ صارت (ماذا) مثل زيد، مركبة (ماذا) من أربعة أحرف، وزيد من ثلاثة أحرف، فحينئذٍ تكون المبتدأ وجملة صنعت خبر، وإذا لم يكن كذلك بأن جعلت (ما) مستقلة وهي استفهامية و (ذا) نويت بها أنها موصولية، حينئذٍ صح التركيب لكونها غير ملغاة ووقوعها بعد الاستفهام. إذاً المراد بإلغائها هذا المشهور عند النحاة: أن تركب مع (ما) أو (من) فتصير اسماً واحداً مستفهماً به، من ذا عندك؟ من الذي عندك؟ هذا صارت موصولية، ماذا عندك؟ (ماذا) كلها مبتدأ، وعندك خبر، أما ماذا صنعت؟ (ما) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و (ذا) اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر (ما) مبتدأ و (ذا) خبر، إذاً منفصلتان، و (صنعت) هذه صلة الموصول، وأما إذا ركبتها كلها صارت (ماذا) مبتدأ، و (صنعت) خبر. إذاً المراد بالإلغاء هنا أن تركب مع (ما) -يعني (ذا) - أو (من) فتصير اسماً واحداً مستفهماً به، أو (ما) اسماً واحداً موصولاً، هذا وجه ذكره البعض لكنه منكر عند الكثير، قلنا: التركيب إذا قصدت أنهما اسماً واحداً ماذا تقصد بهما؟ استفهام، هذا المشهور، بعضهم يرى أنه من باب الإلغاء أن تجعل (ما) و (ذا) كلمة واحدة لكن مراداً بها الموصولية كأن (ماذا) صارت اسماً موصولاً، لكن هذا منكر عند الكثير لكن يقال: في باب الإلغاء، أو نكرة موصوفة كذلك فيه كلام، فصور التركيب ثلاثة: تركب (ما) مع (ذا) وتصير اسماً واحداً مستفهماً به. تركب (ما) مع (ذا) وتصير اسماً موصولاً كلها اسم موصول. تركب (ما) مع (ذا) وتصير نكرة موصوفة بـ (ذا) كلاهما مركب. هذا التركيب ثلاثة أنواع، ويقال: له الإلغاء الحكمي ليس الإلغاء الحقيقي، والإلغاء الحقيقي جعل (ذا) زائدة و (ما) استفهامية، ماذا عندك؟ إذا أردت إلغاءها حقيقة، حينئذٍ لا تجعل لها معنى، وإذا لم تجعل لها معنى حينئذٍ تحكم عليها بأنها زائدة، فـ (ما) اسم استفهام مبتدأ و (ذا) اسم زائد إذاً لا محل له من الإعراب، و (عندك) يكون هو الخبر، هذا هو الإلغاء الحقيقي، أن تجعل (ذا) زائدة و (ما) تكون مبتدأ وما بعد (ذا) يكون خبراً، هذا هو الإلغاء الحقيقي.

والإلغاء الحقيقي: جعل (ذا) زائدة و (ما) استفهامية على رأي الناظم تبعاً للكوفيين المجوزين زيادة الأسماء وقالوا: وذلك المجموع المجعول اسماً واحداً مستفهماً به مخصوص بجواز عمل ما قبله فيه نحو: أقول ماذا؟ صح أن يكون في محل نصب للقول الملفوظ به -هذا قول-، وأجاز الكوفيون وقوع (ذا) موصولة، وإن لم يتقدم عليها استفهام (ذا)، كل أسماء الإشارة عند الكوفيين يجوز جعلها أسماء موصولة كلها بلا استثناء، ولا يشترطون أن يتقدم عليها استفهام لا (ما) ولا (من). أجاز الكوفيون وقوع (ذا) موصولة، وإن لم يتقدم عليها استفهام كقوله: نَجَوْتِ وهذا تحملينَ طَليقُ، يعني والذي تحملين طليق، استدلوا بهذا البيت على أن (هذا) اسم موصول بمعنى (الذي)، هل تقدمه شيء؟ نَجَوْتِ وهذا تحملينَ طَليقُ، وهذا تحملين يعني: والذي تحملينه، فدل على أن هذا اسم موصول ولم يتقدمها استفهام، إذاً لا يشترط تقدم الاستفهام كما هو مذهب البصريين. وأجيب بأن تحملين: حالاً أو خبراً، وطليق: خبر ثاني، بل أجاب ابن هشام أحسن من هذا: وهذا مبتدأ وطليق خبر، وتحملين هذا يكون حال. إذاً: طليق هذا هو خبر المبتدأ، وعند الكوفيين أن أسماء الإشارة كلها يجوز أن تستعمل موصولات، وخرجوا عليه ((وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ)) [طه:17] وأجيب بأن يَمِينِكَ حال من الإشارة، وخرجوا عليه أيضاً ((هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ)) [آل عمران:66] أي: الذين حاججتم. على كل الصواب أنه لا يستثنى من أسماء الإشارة إلا (ذا) فحسب، هي التي تأتي اسماً موصولاً؛ لأن الأصل أن كل معنى ينفرد عن الآخر، باب أسماء الإشارة منفصل كلياً عن باب الموصولات، فإذا استعمل أحدهما في الآخر حينئذٍ يكون هذا استثناء ولا يكون للباب كله، وإذا جوز الباب كله حينئذٍ اتحدا، صار ما الفرق بين هذا وذاك؟ وما الفرق بين أن يضع العرب الذي والتي، ثم يستعمل اسم الإشارة في موضعين؟ نقول: هذا مخالف للأصول التي ينطلق منها النحاة. إذاً: وَمِثْلُ مَا: الموصولة في ما تقدم (ذا). بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ أوْ مَنْ: أو بعد (من) الاستفهامية على الصحيح، هذا الشرط الأول. إذَا لَمْ تُلْغَ: وقلنا: الإلغاء نوعان: إلغاء حكمي وهو تركبها في ثلاث صور، وإلغاء حقيقي، والإلغاء الحقيقي أن تجعل (ذا) زائدة غير مركبة، والإلغاء الحكمي هذا أن تجعل مركبة إما استفهاماً وإما موصولاً وإما نكرة موصوفة. ويظهر أثر الإلغاءين -هكذا قال: الصبان، يعني ما الفرق بين الإلغاء الحكمي والحقيقي؟ ما الأثر؟ هو ليس فيه أثر إلا في الكتابة فحسب، وعلى القديم- يظهر أثر الإلغاءين في نحو: سألته عن ماذا؟ فتثبت الألف مع الجار على تقدير الإلغاء الحكمي، وتحذف معه على تقدير الحقيقي. يظهر أثر الإلغاءين في نحو: سألته عن ماذا؟ ماذا -الألف هذه- إذا كان إلغاءً حكمياً حينئذٍ تثبت الألف -تكتبها- وإذا كان حقيقياً تحذف. وَمِثْلُ مَاذَا بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ ... أَوْ مَنْ إِذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلاَمِ

قال: واحترز بقوله: إذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلاَمِ: من أن تجعل (ما) مع (ذا) أو من مع (ذا) كلمة واحدة للاستفهام، نحو ماذا عندك؟ أي: أي شيء عندك؟ وكذلك من ذا عندك؟ فـ: ماذا مبتدأ كلها، وعندك خبره، وكذلك من ذا مبتدأ، وعندك خبره، فـ (ذا) في هذين الموضعين ملغاة لأنها جزء كلمة؛ لأن المجموع استفهام، ولم يفسره بالجزء بالإلغاء الحقيقي، وإنما فسره بالإلغاء المشهور عند النحاة أن تركب فتجعل اسماً واحداً، وإذا جعلت اسماً واحداً حينئذٍ تكون استفهامية ولا تكون موصولية إلا على من جوز وإلا الكثير على المنع. ثم قال: رحمه الله: وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ ... عَلَى ضَمِيرٍ لاَئِقٍ مُشْتَمِلَهْ وَكُلُّهَا: كل الموصولات، وهو لم يذكر الحرفية وإنما ذكر الاسمية حينئذٍ لا نحشر الحرفية؛ لأنه قيد الباب من أوله قال: مَوْصُولُ الاسْمَاءِ. وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ: وإن كان الحكم عاماً في الموصولات الحرفية والاسمية؛ لأن الموصولات الحرفية يلزم أن يكون بعدها صلة، فلذلك قلنا: أنْ توصل بالفعل المضارع وبالفعل الماضي، وقلنا: أنَّ توصل بالجملة الاسمية ونحو ذلك .. فدل على أنه لا بد من كلمة تليها أو جملة، حينئذٍ تؤول مع ما بعدها بمصدر، وإلا كيف يأتي المصدر؟ هذا ممتنع، حينئذٍ لا بد من صلة، فالصلة واجبة في الموصول الحرفي وفي الموصول الاسمي، وإنما يفترقان في العائد فيشترط في الموصول الاسمي: أن تكون الجملة مشتملة عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ كما ذكره المصنف بخلاف الموصول الحرفي فلا يشترط. وَكُلُّهَا: يعني ما سبق من الموصولات. يَلْزَمُ: اللزوم يطلق بمعنى الوجوب، إذاً يَلْزَمُ لا بد منه، يَلْزَمُ بَعْدَهُ لا قبله، حينئذٍ بين محل هذه الصلة. بَعْدَهُ: يعني بعد الموصول. صِلَهْ: هذه الصلة يتم معناه بها، وتعِّرفه على القول بأن جملة الصلة هي المعرِّفة للاسم الموصول، حينئذٍ الاسم الموصول قلنا: مبهم، جاء الذي، جاء الذين، جاء اللذان .. مبهم، ما الذي يتمم معناه؟ هو جزء معنى؛ لأنه يدل على عاقل أو يدل على غير عاقل، أو يدل على جمع أو على تثنية، هذا فيه معنى، لكن ما الذي يتمم معناه؟ هو الصلة، ولذلك هي متممة للمعنى، وهي معرِّفة عند كثير من النحاة، بمعنى: أن الموصول يُعدُّ من المعارف كالضمير والعلم واسم الإشارة. ما السبب في كونه مَعْرِفة؟ الموصول عند كثير من النحاة. إذاً: صِلَةٌ يتم معناه بها، وتُعرِّفه، هذه الصلة قد تكون ملفوظاً بها وقد تكون منوية –مقدرة-، ملفوظاً بها نحو: جاء الذي قام أبوه، -نطقت بها-، وقد تكون مقدِّرة منوية نحو: نحن الأُلَى فاجمع جموعك، قلنا: (الأُلى) هذا يستعمل في ماذا؟ جَمْعُ الَّذِي الأُلَى هنا قال: نحن الأُلى فاجمع، إذاً فاجمع هذه ليست الصلة؛ لأنه فصلها بالفاء، فاجمع جموعك، إذاً: نحن الأُلى عُرفوا بالشجاعة، بالسياق والمقام، فدل على أن جمل الصلة هنا منوية.

وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ: يعني أن تكون بعده، مفهومه: أنه لا يجوز تقديم الصلة ولا جزء منها على الموصول، يعني لا يجوز أن تتقدم الصلة على الموصول، جاء الذي قام أبوه، جاء قام أبوه الذي، لا يصح، جاء قام الذي أبوه، لا يصح، تقديم جزء على الموصول لا يجوز، تقديم الصلة كلها على الموصول لا يجوز، تقديم المعمول ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً على الموصول لا يصح مطلقاً، ولذلك أطلقه الناظم قال: وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ: يعني بعد الموصول، صِلَهْ كلها كلاً وجزءاً، تكون بعد الموصول ولا يتقدم جزء منها على الموصول، أما تقديم بعضها على بعض لا على الموصول فهذا جائز، فهو داخل في قوله: يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ. إذاً قوله: وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ، قلنا: بعده مفهومه أنه لا يجوز تقديم الصلة ولا جزء منها على الموصول، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، وأما تقديم بعض أجزاء الصلة على بعض فجائز، يعني لا على الموصول وإنما تقديم بعضها على بعض: جاء الذي قائم أبوه، جاء الذي أبوه قائم .. أبوه: مبتدأ وقائم: خبر، لو قلت: جاء الذي أبوه قائم، قائم أبوه، قدمت أو أخرت هذا جائز؛ لأنه تقديم لبعض أجزاء الصلة على بعضها دون الموصول، وهذا جائز. قال في التسهيل: وقد يلي معمول الصلة الموصول إن لم يكن حرفاً أو (أل)، وعلله بأن امتزاج الحرف بصلته أشد من امتزاج الاسم بصلته، فتقديم معمولها كإيقاع كلمة بين جزئي مصدر، وكذا اشتد امتزاج (أل)، يعني لا يتقدم على (أل) الاسمية، -المعمول-: جاء الضارب زيداً، الزيداً ضارب، ما يصح؛ لأن (أل) ممتزجة مع مدخولها ليس كامتزاج الذي أبوه قائم؛ لأنها في الصورة صورة حرف، حينئذٍ لها أحقية في أن يكون اللفظ كجزء من مدخوله، ولذلك إذا أوقع معمول الصلة بين (أل) وصلتها قال: كأنك أوقعت اللفظ بين جزئي الزاي والياء من زيد، وهذا ممتنع. وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ: إذاً بعده لا قبله، نفهم من هذا أن من شرط الصلة أن تكون تالية للموصول، ولا يجوز أن تتقدم البتة لا هي ولا معمولها، وأما أن تتناوب هي فيما بينها بالتقديم والتأخير فهذا جائز، إلا إذا كان حرفاً، أو (أل)، (أل) هذا ممتنع، فلا يتقدم معمولها على صلتها لا عليها، حينئذٍ نقول: جاء الضارب زيداً، هل يصح أن نقول: جاء زيداً الضارب؟ لا، الدليل؟ وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ، إذاً لا بد أن يكون بعدهُ - بعد (أل) -. جوزنا تقديم الصلة على المعمول والمعمول على الصلة لا على الموصول، جاء الذي قائم أبوه، جائز أو لا؟ جائز، هل هذا الحكم ينطبق على جاء الضارب زيداً؟ الضارب (أل) هذه موصولية، والضارب صلتها، وزيداً معمول الصلة، هل يتقدم معمول الصلة على ضارب لا على (أل)؟ ما يمكن هذا، فلا يقال: الزيداً ضارب، هذا ممتنع، حينئذٍ هذا يستثنى، لما ذكره من علة.

عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ: يعني هذه الجملة جملة الصلة يشترط فيها شروط سيأتي بعضها، أن تكون مشتملة على ضمير، هذا الضمير يسمى العائد، يعود من الجملة إلى الموصول، ويشترط فيه أن يكون مطابقاً، ولذلك قال: عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ بالموصول أي: مطابق له، فإن كان مفرداً مذكراً -يعني الموصول (الذي) - وجب أن يكون الضمير العائد إليه مفرداً مذكراً، وإذا كان الموصول أو مفردة مؤنثة، وجب أن يكون الضمير مؤنثاً مفرداً، وإذا كان مثنى وجب أن يكون مثنى، وهكذا .. عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ: بالموصول أي: مطابق له. مُشْتَمِلَهْ: يعني هذه الصلة مشتملة على ضمير لائق بالموصول أي: مطابق له. لا بد في جملة الصلة من ضمير يعود إلى الموصول يربطها به كجملة الخبر، جملة الخبر لا يصح أن تكون جملة إلا إذا اشتملت على رابط قد يكون ضميراً وقد يكون غيره، لكن هنا يشترط فيه الضمير واختلف في الاسم الظاهر، هل يكون خلفاً له، والصواب أنه يعتبر شاذاً. سُعَادُ الَّتِي أَضْنَاك حُبُّ سُعَادَا، حبها الأصل، سُعَادُ الَّتِي أَضْنَاك حُبُّ سُعَادَا: حبها نقول: أتى بالاسم الظاهر بدلاً عن الضمير وهذا يعتبر شاذاً، وإن أدخله ابن مالك رحمه الله تعالى في حد الموصول كما ذكرناه اليوم. إذاً لا بد في جملة الصلة من ضمير يعود إلى الموصول يربطها به، وحكم الضمير المطابقة للموصول في الإفراد والتذكير والحضور وفروعها: عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ. ثم قال: رحمه الله: وَجُمْلَةٌ: أراد أن يفسر هذه الصلة، قلنا: الصلة هذه شيء يكون تابعاً ومتمماً لمعنى الموصول، ويشترط فيه أن يكون مشتملاً على ضمير، ما هي هذه الصلة؟ قال: وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ: إذاً هذه الجملة لا تخرج عن شيئين في الجملة: إما أن تكون جملة وهذه جملة اسمية أو جملة فعلية، إما هذا وإما ذاك. أوْ شِبْهُهَا: وهذا يشمل ثلاثة أشياء: إما أن يكون ظرفاً، وقيده ابن هشام في التوضيح بالظرف المكاني، وإما أن يكون جاراً ومجروراً وكلاهما يشترط فيهما أن يكونا تامين، وإما أن يكون –الثالث- صفة صريحة، وهو صلة (أل) كما سيأتي النص فيه. إذاً، وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ: واشترطه فيما سبق: وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ، هذا أمران في الجملة: إما جملة على الإطلاق، وإما أن يكون شبه الجملة، وشبه الجملة هذه يدخل تحته ثلاثة أشياء: الظرف المكاني، والجار والمجرور التامان، والصفة الصريحة. والجملة المراد بها: القول المركب؛ لأنها أعم من الكلام؛ إذ لا يشترط فيها الإفادة بخلاف الكلام. كل كلام جملة، ما العلاقة بينهما؟ العموم والخصوص المطلق، كل كلام جملة ولا عكس .. ، فيصدق على كل كلام وجد فيه التركيب الإسنادي والإفادة أنه جملة، وتنفرد الجملة بالتركيب الإسنادي ولا يشترط فيها الإفادة فهي أعم، إن قام زيد نقول: هذا جملة وكلام، إذاً ينفرد الأعم -الجملة- بفرد لا يصدق عليه أنه كلام، وأما الكلام فلا ينفرد عن الجملة بشيء البتة.

وكذلك بين الكلِم والجملة عموم وخصوص وجهي أو مطلق؟ هل يشترط فيهما الإفادة؟ لا يشترط فيهما الإفادة، المركب الإسنادي في الكلم سواء أفاد أم لا، والجملة كذلك مركب إسنادي أفاد أم لا، إذاً اجتمعا ما الفرق بينهما؟ أن الكلم يشترط فيه العدد ثلاثة فصاعداً، وأما الجملة فلا يشترط، إذاً: أيهما أعم؟ الجملة أعم؛ لأنها تصدق على الكلم وزيادة، وإذا كان كذلك هذا الشأن العام، تصدق على الكلم إن قام زيد قمت، وهذا كلم وجملة، وقام زيد هذا جملة وليس بكلم، إذاً صدق على فرد لا يصدق عليه الأعم. وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ: يعني الذي وصل به إما أن يكون جملة وإما أن يكون شبه جملة، ويشترط في الجار والمجرور أن يكونا تامين، والمراد بالتام ما يفهم عند ذكره متعلقه العام، وكذا الخاص؛ لأن متعلق الجار والمجرور إما أن يكون عاماً، والمراد به الكون والاستقرار والثبوت، وهذا واجب الحذف كما سيأتي في باب الخبر: وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ اوْ بِحَرْفِ جَرّ ... نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أَوِ اسْتََقَرّ كَائِن: هذا نقول: خبر، وهو متعلق الجار والمجرور، سواء وقع خبراً أو وقع جملة للصلة، فحينئذٍ يكون عاماً، فيجب حذفه، وأما إذا كان خاصاً يعني لا يصح أن يقال: زيد كائن في الدار، زيد ثابت مستقر في الدار، لا يصح أن يصرح بهذا الخبر، بل يجب حذفه، وهذا يكون محل وفاق، وأما إذا كان المتعلق خاصاً كالسفر والنوم ونحو ذلك من الأحداث المتعينة، فحينئذٍ إن دلت قرينة عليه جاز حذفه وإلا فلا يجوز، زيد سيسافر اليوم وعمرو غداً، اليوم: هذا ظرف متعلق بـ: سيسافر، فحينئذٍ نقول: هذا متعلق خاص، وعمرو غداً: يعني: وعمرو سيسافر غداً، غداً هذا متعلق بمحذوف، عمرو مبتدأ وغداً هذا متعلق بمحذوف خبر، ما نوعه؟ خاص، هل يجوز حذفه؟ نقول: للقرينة الموجودة في الجملة السابقة دليل على هذا المحذوف، فحينئذٍ يجوز حذفه؛ لكن زيد اليوم وعمرو غداً، هكذا ابتداء؟ لا ندري ما المراد بقوله: زيد اليوم وعمرو غداً. لكن إذا قال: زيد سينكح اليوم وعمرو غداً، نعرف أن المراد به النكاح أو السفر. حينئذٍ القاعدة في مثل هذا أن يقال: الجار والمجرور والظرف إذا كان تامين ينظر فيهما إلى المتعلق؛ لأنه كما سيأتي في محله لا بد من متعلق يتعلق بهما. إن كان كوناً أو استقراراً عاماً، أو ثبوتاً ونحو ذلك وجب حذفه باتفاق النحاة، وأما إن كان خاصاً كالسفر والحدث ونحو ذلك فحينئذٍ ينظر فيه، إن دلت قرينة عليه جاز حذفه، وإلا وجب ذكره، لا يجوز حذفه البتة، كما ذكرنا: زيد اليوم وعمرو غداً، نقول: اليوم هذا منصوب بعامل محذوف ما هو؟ هذا لا يمكن تعيينه بمثل هذا التركيب، وعمرو غداً مثله؛ حينئذٍ لا بد من ذكرهما. إذا وقع الظرف والجار والمجرور صلة للموصول، جاء الذي عندك، وجاء الذي في الدار، حينئذٍ نقول: كل من: عندك وفي الدار متعلقان بمحذوف واجب الحذف، وواجب أن يكون فعلاً في مثل هذا الموضع كما سيأتي في محله. فحينئذٍ يكون التقدير: جاء الذي استقر عندك، وجاء الذي استقر في الدار.

إن لم يُفِد حينئذٍ لا يسمى جاراً ومجروراً تاماً، لو قال: جاء الذي اليوم، جاء الذي بك، هذا لا يُفهم منه، لكن إذا قيل: جاء الذي عندك فَهِمْت من هذا اللفظ (عندك) المتعلق المحذوف العام وهو كائن أو استقر، وأما جاء الذي بك لا يفهم، واثق بك، أو عدو لك .. إلى آخره، نقول: هذا لا يُفهم، حينئذٍ لا يصح أن يقع جاراً ومجروراً لفظ من: الظرف أو الجار والمجرور ولا يكون تاماً، والفرق بين التام والناقص هو ما ذكرناه. إذاً المراد بالتام: ما يفهم عند ذكره متعلقه العام، وكذا الخاص إذا دلت عليه قرينة، وإذا لم تدل عليه قرينة وجب ذكره ولا يجوز حذفه. والناقص: ما لا يفهم عند ذكره متعلقه الخاص، لعدم القرينة عليه، والرابط هنا في التام موجود لكونهما متعلقين بفعل مسند إلى ضمير موصول تقديره الذي استقر عندك. حينئذٍ يرد السؤال -قول ابن مالك: عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ، وقلنا: جُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا، يعني يشمل الظرف والجار والمجرور-حينئذٍ إذا قيل: جاء الذي عندك، عندك قلنا: هذه صلة الموصول، ابن مالك يقول: عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ، أين الضمير؟ الضمير المستتر (الرابط) الضمير المستتر في المتعلق؛ لأن المتعلق هنا يتعين أن يكون جملة ولا يجوز أن يقدر اسم فاعل، حينئذٍ تقول: جاء الذي استقر عندك. (استقر) هذا فعل ماضي والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو، يعود على الذي، إذاً صار هو الرابط. إذاً: الذي أُسند إليه المتعلق -الضمير المستتر وهو الفاعل- هو الرابط بين جملة الصلة والموصول، تقديره الذي استقر عندك والذي استقر في الدار، فمن هنا أشبها الجملة؛ لأنهما يعطيان معناهما، أشبها الجملة لماذا؟ ابن مالك عبر قال: أوْ شِبْهُهَا: يعني شبه الجملة، من أين جاء الشبه؟ نقول: في اللفظ هو اسم (عندك) لكن في المعنى مع اعتبار التقديم هو جملة فعلية، فأشبه الجملة في اللفظ فحسب، وأما في المعنى فلا، حيث أعطي معنى الجملة الفعلية. وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ: يعني الموصول. كَمَنْ عِنْدِي الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ: كَمَنْ عِنْدِي: يعني الذي عندي، ابْنُهُ: الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ، مثَّل للنوعين العام والخاص، كَمَنْ عِنْدِي، نقول: هذا عام أو خاص، موصول عام أو خاص الذي عندي: كَمَنْ عِنْدِي، هذا مشترك أو خاص؟ مشترك (من) قلنا: وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ، فهي من قبيل المشترك. الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ: (الذي) هذا خاص، كَمَنْ عِنْدِي (عندي) ظرف تام متعلق بمحذوف (كمن استقر عندي)، هذا مثال لشبه الجملة، وهو قدم وأخر، ذكر الجملة أولاً ثم ذكر شبه الجملة، ثم مثَّل للثاني على حد قوله تعالى: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ)) [آل عمران:106] حينئذٍ بدأ بالمتأخر، وهو نوع من أنواع البلاغة. كَمَنْ عِنْدِي: هذا ظرف تام. الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ: هذا جملة (ابْنُهُ) مبتدأ، وكُفِلْ الجملة خبر، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، وهذه الجملة يشترط فيها ثلاثة شروط تأتينا إن شاء الله تعالى، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... !!!

26

عناصر الدرس * شروط جملةالصلة * صلة (أل) الموصولية * أل/الموصولية أحكامها وأنواعها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: سبق في قوله: وَمِثْلُ مَاذَا بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ ... أَوْ مَنْ إِذَا لَمْ تُلْغَ فِي الْكَلاَمِ هذه ذكرنا أن الناظم ذكر شرطين، وزاد ابن هشام: ألا تكون (ذا) للإشارة، نحو: من ذا الذاهب؟ هنا لا يمكن أن تكن (ذا) موصولة؛ لأن الذاهب هذا لفظ مفرد، ولا يصلح أن يكون صلة للموصول، فيتعين حينئذٍ أن تكون (ذا) إشارية، ألا تكون (ذا) للإشارة، نحو: من ذا الذاهب؟ وذلك لأن ما بعدها مفرد ولا يصلح أن يكون صلة لغير (أل) وهنا ليست (أل). ثم قال: وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ ... عَلَى ضَمِيرٍ لاَئِقٍ مُشْتَمِلَهْ دل هذا على أن كل الموصولات لا بد من صلة تبين معناها، تتمم معناها وتعرفها على القول بأنها مُعَرِّفَة، سواء كانت موصولات حرفية أو اسميه، وهذا متفق عليه. وهذه الجمل أو هذه (الصلة) مشتملة على ضمير، هذا يسمى عائد لمَّا افتقر إلى صلة وعائد، هذا الضمير يسمى عائداً، يعني: مرجعه إلى الاسم الموصول، لا بد أن يكون مطابقاً له إفراداً وتذكيراً وتثنية وجمعاً، ثم إذا عاد الضمير عليه حينئذٍ إذا اختلفا من جهة المصدق واللفظ يجوز مراعاة اللفظ ويجوز مراعاة المعنى، ومراعاة اللفظ أكثر. ثم بين هذه الصلة فقال: وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ ... بِهِ كَمَنْ عِنْدِي الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ عرفنا أن الصلة تكون جملة، وتكون شبه جملة، وأن الجملة تكون جملة اسمية وتكون جملة فعلية، وأن شبه الجملة المراد به ثلاثة أشياء: الظرف وقيده بالتوضيح المكاني، والجار والمجرور ويشترط فيهما التمام احترازاً من الناقص، وكذلك الثالث: الصفة الصريحة التي سيأتي أنها صلة (أل). يشترط في هذه الجملة أولاً: أن تكون معهودة، يعني: بين المتكلم وبين المخاطب، فإن لم تكن كذلك حينئذٍ لا تصلح أن تكون صلة للموصول. يشترط في الصلة: أن تكون معهودة، بأن يعلمها المخاطب ويعلم متعلقها بمعية، يعني: يعرف المتكلم أنه أتى بجملة وهذه الجملة معلومة عند المخاطب، لا بد من ذلك، ليحصل الإتمام ويحصل إزالة الإبهام الذي في (الذي)، لو قال: جاء الذي قام أبوه ولم يدر ما هو، أو جاء الذي زيد أبوه قائم ولم يدر من هو زيد، فحينئذٍ نقول: هذه الجملة لم يحصل بها إتمام المعنى الذي في (الذي)، ولم يحصل بها رفع الإبهام في الاسم الموصول. إذاً: يشترط في الصلة أن تكون معهودة بأن يعلمها المخاطب ويعلم تعلقها بمعين. أما صفة النكرة فالشرط فيها: علم المخاطب بها فقط كما ذكرناه في حد الموصول. أو تكون مُنَزَّلَةً مُنَزَّلَةَ المعهود، يعني: يستثنى إذا كانت في مقام التهويل والتفخيم أو إرادة الجنس، حينئذٍ لا يشترط فيها أن تكون معهودة، يعني: الأصل أن تكون معهودة إلا في مقامين: مقام التهويل والتعظيم، ومقام إرادة الجنس. وهو الذي عبر عنه بعضهم بأنها تكون مُنَزَّلَةً مُنَزَّلَةَ المعهود وإلا لم تصلح للتعريف.

فالأول -الذي هو مقام التهويل- نحو: جاء الذي، أو الأول الذي هو اشتراط لأن تكون معهودة: جاء الذي قام أبوه. والثاني: هي الواقعة في معرض التهويل والتفخيم: ((فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)) [طه:78] يعني: هول عظيم. وكذلك إرادة الجنس: ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ)) [البقرة:171] كالذي، ليس ثمَّ ما هو معهود بين المتكلم والمخاطب لإرادة جنس مدخول (الذي)، يعني: الذي هو صلة الموصول. إذاً الشرط: أن تكون جملة الصلة معهودة بين المتكلم والمخاطب، إلا في مقامين: أولاً: مقام التهويل والتعظيم، ((فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)) [طه:78]. الثاني: إرادة الجنس، ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ)) [البقرة:171]. وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ: نقيدها بكونها معهودة، وإن جرى أكثر النحاة على أن الجملة يشترط فيها ثلاثة شروط ولا يذكرون أنها تكون معهودة، لكن بعضهم قيدها بما ذكرنا، بأن الأصل في جملة الصلة أن تكون رافعة للإبهام، ولا يمكن أن يكون المخاطب قد حصل عنده رفع للإبهام إلا إذا كانت الصلة معلومة، وإلا إن جُهل مصدق (الذي) وجهلت الصلة حينئذٍ كيف تم به؟ هذا أمر متعذر. ويشترط في الجملة أيضاً: أن تكون خبرية لفظاً ومعنى، يعني: لا إنشائية، الخبرية معلومة، ما هي الخبرية؟ ما هي الجملة الخبرية؟ ما احتمل الصدق أو الكذب لذاته، حينئذٍ احترازاً من الإنشائية والطلبية، الطلبية هي نوع من الإنشاء. حينئذٍ لا تقع الجملة جملة الصلة إلا خبرية لفظاً ومعنى. وأما الإنشائية والطلبية فهذه لا تقع صلة للموصول. إذاً: يشترط في جملة الصلة أن تكون خبرية لا إنشائية، وهي المقارِن حصول معناها للفظها فلا يوصل بها. لا يوصل بها؛ لأن الخبرية معنى اللفظ سابق على اللفظ، بخلاف الإنشائية والطلبية، فإما أن يكون مقارناً للفظ، وإما أن يكون متأخراً عن اللفظ. أليس كذلك؟ إذا تكلمت بكلام معناه إما أن يكون سابقاً: زيد قام، في الزمن الماضي، قبل أن أتكلم وقع الحدث قبل كلامي، قام زيد، زيد قائم، قد يكون في أثناء كلامي بلفظه حصل الحدث. بعتك داري: هذه ألفاظ إنشائية، بعتك داري. أو إذا كان في المستقبل كأن تأتي بـ (ليت، ولعل) ونحو ذلك من المسائل التي يكون مدلولها في المستقبل لا في الماضي ولا في الحال، حينئذٍ نقول: يشترط في الخبرية أن يكون اللفظ الذي حصل به الإخبار قد وقع حدثه قبل اللفظ، وهذا هو معنى الخبرية، احترازاً من الإنشائية، وهي المقابل حصول معناها للفظها فلا يوصل بها، والطلبية: ما يكون مطلوبها أو مدلولها يقع بعد اللفظ. قال ابن مالك: لأن الصلة معرفة للموصول، فلا بد من تقدم الشعور بمعناها على الشعور بمعناه. هي معرفة للموصول، جاء الذي قام أبوه، حينئذٍ لا بد أن يكون قام أبوه متقدم في العلم على (الذي)؛ لأن هي معرفة له، حينئذٍ إذا كانت معرفة لا بد أن يسبق الشعور بمعناها الشعور بمعنى (الذي)، هذا واضح بين، أمر عقلي. وخرج الطلبية وهي أولى بالامتناع من الإنشائية، لأنها لم يحصل معناها بعد، فهي أبعد عن حصول الوضوح بها لغيرها.

إذاً: كل من الطلب والإنشاء نقول: هذا ليس له خارج يدل اللفظ عليه حين التكلم. ليس له خارج، بخلاف الخبرية له خارج، يعني له شيء وقع وحصل، وأما الإنشائية والطلبية ليس له مدلوله لم يقع بعد، حينئذٍ: ما وقع مدلوله هو الذي يحصل به التعريف، وما لم يقع -وهي الإنشائية والطلبية- هذه لا يحصل بها التعريف، يعني تعريف الموصول. إذاً: خبرية لا إنشائية، وحينئذٍ الطلب والإنشاء نقول: هذا خرج؛ لأنه ليس له خارج يدل اللفظ عليه حين التكلم، وإنما يحصل خارجه عقيب الكلام بعده، وعليه فلا يكونا معهودين للمخاطب، وإنما يكون الشيء معهوداً للمخاطب إذا علمه قبل الكلام، وأما مع الكلام أو بعده انتفى عنه الشرط الأول وهو: كونها عهدية. واستُثني جملة القسم، فهي إنشائية، وصح وقوعها صلة: ((وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)) [النساء:72] قالوا: هذه مستثناة، هي محل نزاع القسمية، لكن الكثير وصححه السيوطي في جمع الجوامع أنه يصح أن تقع صلة. وقيل: الصلة هي جملة جواب القسم وهي خبرية فلا استثناء. إذاً: يشترط أن تكون خبرية لفظاً ومعنى، احترازاً من الطلبية والإنشائية، فلا يجوز: جاءني الذي اضربه، من هو هذا الذي اضربه؟ هذا في المستقبل ما يعرفه، كيف تعرف (الذي) بقولك: اضربه؟ ما حصل به التعريف؛ لأنها غير معهودة، ليس بيني وبين المخاطب معهود. جاء الذي اضربه، جاء الذي ليتني كنت مكانه، من هو؟ هذا مجهول. جاءني الذي ليته قائم، خلافاً لهشام الذي اشترط أو جوز أن تكون طلبية أو إنشائية. إذاً: الطلبية اضربه أو لا تضربه لا يصح أن تقع صلة للموصول؛ لأن مدلولها لم يقع، وإذا لم يقع حينئذٍ لا يكون معهوداً بينك وبين المخاطب، فامتنع الشرط الأول. الثاني: كونها خالية من معنى التعجب، جملة التعجب، يعني: لا تكون تعجبية. وجملة التعجب: ما أحسنه! وما أعلمه! هل هي إنشائية أو خبرية؟ محل نزاع، إن كانت إنشائية حينئذٍ خرجت بالاحتراز بالأول، خبرية: احترزنا من الإنشائية. وإن كانت خبرية حينئذٍ تستثنى من الخبرية، فيقال: لا تكون الجملة التعجبية صلة للموصول، لماذا؟ لأن التعجب إنما يكون من خفاء السبب، والصلة تكون موضحة ومعرفة، حينئذٍ ماذا حصل؟ إذا كان الموصول فيه إبهام وجملة التعجب فيها إبهام، هل يرفع المبهم بمبهم مثله، أو أنه بمُعرِّف؟ هل يرفع الإبهام بمبهم مثله أم لا بد من مُعرِّف؟ الثاني: يعني شيء موضح له ومبين. إذاً: كونها خالية من معنى التعجب؛ لأن التعجب إنما يكون من خفاء السبب، والصلة تكون موضحة فتنافيا، حينئذٍ لا بد أن تكون خالية من معنى التعجب. قال السيوطي: والصحيح جوازه. بناء على أنها خبرية، والأشهر هو الأول الذي ذكرته. وذكر أيضاً السيوطي رحمه الله: أنها توصل بجملة القسم: جاء الذي أقسم بالله لقد قام أبوه، وهذا ذكرناه. وبجملة الشرط مع جزائه كما يخبر بها، نحو: جاء الذي الذي جاء إن قام عمرو قام أبوه، هذا من باب التجوز العقلي فحسب.

الثالث: كونها غير مفتقرة إلى كلام قبلها، يعني: ألا يكون ثَمَّ ترابط بين جملتين توسط بينهما الموصول، نقول: هذا ممتنع، لا بد أن تكون صلة الموصول جملة مستقلة ليس لها ارتباط بما قبل الموصول نفسه، فإن كان ثَمَّ ارتباط أو حرف يدل على أن ثَمَّ كلاماً يستدعي كلاماً قبل الموصول حينئذٍ امتنع وقوعها صلة للموصول. كونها غير مفتقرة إلى كلام: جاءني حتى أبوه قائم، نقول: (حتى) هذه تدل على أن ما بعدها غاية لما قبلها، حينئذٍ امتنع أن تكون هذه الجملة صلة للموصول، وبجملة تستدعي كلاماً قبلها، نحو: جاءني حتى أبوه قائم. و (حتى) لا بد أن يتقدمها كلام يكون غاية له. إذاً: هذه ثلاثة شروط مع الشرط الذي زدناه: وهو أن تكون معهودة، أربعة شروط لا بد من استيفائها في جملة الصلة: أن تكون خبرية لا إنشائية ولا طلبية، لا إنشائية خلافاً لهشام، ولا طلبية خلافاً للكسائي. وكذلك: ألا تكون تعجبية، فإن كانت تعجبية حينئذٍ إن كانت خبرية على الخلاف، إن كانت خبرية فهي مستثناة من الشرط الثاني تكون خبرية، وإن كانت إنشائية حينئذٍ خرجت بقولنا: خبرية لا إنشائية، فهي مستثناة من الجملة الخبرية، لأنَّ في التعجب إبهاماً فلا يزل إبهام الموصول، وهذا تعليل واضح بين خلافاً لما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى. ويشترط في الظرف والجار والمجرور أن يكونا تامين، والمعني بالتام أن يكون في الوصل به فائدة، ومتى تكون الفائدة في الوصل به؟ إذا عُلم متعلقه العام. هذا ضابطه أولى مما ذكره ابن عقيل. إذا علم من اللفظ متعلقه العام حينئذٍ نقول: هذا مفيد فائدة تامة. جاء الذي عندك، زيد في الدار، عرفنا أنه كائن في الدار مستقر في الدار، لكن زيد بك، بك هذا لا معنى له، حينئذٍ لا بد أن يتعلق بمحذوف خاص: زيد واثق بك، حينئذٍ نقول (بك) هذا متعلق بخاص لا يجوز حذفه، والكلام لا يكون مستقيماً. أن يكون في الوصل به فائدة: جاء الذي عندك والذي في الدار، والعامل فيهما فعل محذوف وجوباً، وهذا محل إجماع. والخلاف في كون متعلق الجار والمجرور بالظرف هل هو اسم أو فعل في غير هذه المسألة، يعني في الظرف والحال والصفة، وأما في هذه المسألة فمحل وفاق، وبذلك رُجِّحَ في غيرها أن يكون فعلاً طرداً للباب كما سيأتي في محله في باب المبتدأ. والتقدير: جاء الذي استقر عندك، أو الذي استقر في الدار. فإن لم يكونا تامين لم يجز الوصل بهما، فلا تقل: جاء الذي بك، ولا جاء الذي اليوم، نقول: هذا باطل، لا يصح كلاماً؛ لأن المتعلق خاص وحذفه، ولا يجوز حذف المتعلق الخاص إلا إذا دلت عليه قرينة واضحة بينة. هذا ما يتعلق بقوله: وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ ... بِهِ كَمَنْ عِنْدِي الَّذِي ابْنُهُ كُفِلْ على اختصار. وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ

وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ: هذا كالشرح لقوله: أو شبهها، وهو أن (أل) الموصولية صلتها لا تكون جملة فعلية ولا اسمية ولا ظرفاً ولا جاراً ومجروراً، وما وقع من ذلك في كلام العرب فهو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وإنما الشرط في موصول أو صلة (أل) الموصولية: أن تكون صفة، والصفة المراد بها: ما دل على ذات، ما دل وضعاً على حدث معين وصاحبه، فحينئذٍ هو مركب في المعنى، دال على حدث وعلى صاحبه، كما أن الشأن في الفعل مطلقاً فعل الماضي والمضارع والأمر يدل على حدث، والصفة كذلك تدل على حدث. الفعل بأنواعه الثلاث لا يدل على ذات بالمطابقة، وإنما يدل على ذات التي هي المحدثة الفاعل بدلالة الالتزام، لأنه متضمن لحدث، وكل حدث لا بد له من محدث. وأما اسم الفاعل فهو دال على ذات. إذاً: دلالة اسم الفاعل على الفاعل بالمطابقة، اسم الفاعل يدل على الفاعل بالمطابقة؛ لأنه اسم فاعل كاسمه وضع للدلالة على الذات التي اتصفت بهذا الحدث. وأما الفعل: قام زيد، نقول: قام هذا يدل على زيد، لكن وجه الدلالة ليس بالمطابقة، وإنما بدلالة الالتزام، لأن (قام) تضمن ودل على حدث، وهذا الحدث لا يمكن أن يقع إلا بمحدث، فهو مستلزم للفاعل، فدلالة الفعل على الفاعل دلالة التزامية، ودلالة اسم الفاعل على الفاعل دلالة مطابقية، بمعنى: أن اللفظ دل عليه مطابقة، والفعل دل على الفاعل هناك بدلالة الالتزام، بمعنى: أنه خارج عن معناه، ما وضع له في لسان العرب، وإنما وضع قام لشيئين حدث وقع في زمن مضى، فهو مركب من حدث ... خلل في الصوت: أبووك، نقول: أبوك. أليس كذلك؟ أو أبووك؟ حينئذٍ دلالة قام، وهذه مهمة تفيدك في هناك في المطلق والمقيد والعام والخاص. دلالة قام على الزمن دلالة مطابقية، ودلالة ضارب على الزمن دلالة التزامية، على العكس في الفاعل؛ لأن قام دل على زمن وحدث. إذاً: كل واحد منهما بدلالة المطابقة، على أحدهما نقول: بدلالة التضمن. وأما دلالة قام على الفاعل فهي دلالة التزامية، ودلالة ضارب -اسم الفاعل- على الفاعل مطابقية، وعلى الحدث مطابقية، وعلى الزمن بدلالة الالتزام، دلالة التزام، لأنه وضع لشيئين ليس منهما الزمن الذي هو الحدث والذات ليس منهما الزمن. وأما قام دل على شيئين، وضع لشيئين منهما الزمن، فرق بينهما من جهة الدلالة على الفاعل والدلالة على الحدث. وأما الدلالة على المصدر فاتفقا، وهو: أن قام وقائم إذا ذكرنا مثالاً واحداً، أو ضرب وضارب دل على الحدث بالمادة التي هي الحروف التي تألف منها ضارب وضرب، أو قام وقائم، لأن قام يدل على المصدر وهو القيام، وقائم وهو اسم الفاعل يدل على المصدر وهو القيام. إذاً: دلا على المصدر بالمادة، اشتركا يعني بالحروف وافترقا في الدلالات السابقة التي ذكرناها. إذاً: وَصِفَةٌ: المراد بالصفة ما دل وضعاً على حدث معين وصاحِبِه. والمراد بها على جهة التفصيل في هذا المحل: اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة، واختلف في الصفة المشبهة.

والمراد باسم الفاعل واسم المفعول اللذين يقعان صلة لـ (أل) في هذا المحل المراد بهما: الذي أريد بهما الحدوث. سبق أنه قد يراد بمدخول (أل) عهداً، وقد يراد به الثبوت، إن أريد به الثبوت حينئذٍ صار في قوة الصفة المشبهة، حينئذٍ يأتي الخلاف: هل هذا اسم فاعل أم صفة مشبهة؟ على القول بكون الصفة المشبهة لا تدخل عليه (أل) الموصولية حينئذٍ يأتي الخلاف، وأما إذا كان كلاً منهما يدخل عليه (أل) فلا إشكال. إذا قيل: المؤمن والكافر، هل المراد هنا إيمان متجدد أم أنه صفة ثابتة لموصوفها؟ لا شك الثاني، وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: هذا هو معنى الصفة المشبهة، دلالتها على ثبوت الحدث لا على تجدده، وحينئذٍ نقول: اسم الفاعل واسم المفعول اللذان يشترط في صلة (أل) أن يكون صفة صريحة المراد بهما ما دلا على الحدوث، فإن أريد بهما الثبوت كالمؤمن والصانع كانت (أل) الداخلة عليهما معرفة؛ لأنها حينئذٍ صفة مشبهة، بل الصواب يرجع إلى الخلاف في الصفة المشبهة: هل هي مدخول أل الموصولية أم لا؟ وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ: صريحة أي: خالصة في الوصفية، بمعنى: أنها لم تستعمل استعمال الأسماء، لأن الشيء في أصله قد يكون دالاً على ذات وصفة وحدث، ثم يستعمل استعمال الأسماء الجامدة: كالصاحب والراكب، فـ (أل) الداخلة على الراكب نقول: هذه ليست موصولية بل معرفة، مع كونه اسم فاعل راكب على وزن فاعل، ومع ذلك نقول: (أل) الداخلة عليه مُعَرِّفة وليست موصولية، لماذا؟ لأن مدخول (أل) هنا ليست صفة صريحة بل هو اسم جامد، كيف اسم جامد وهو على وزن فاعل؟ نقول: سلب دلالته على الوصفية، ومثله: الراكب، أي: خالصة الوصفية. وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ: أي خالصة الوصفية التي لم تنقل إلى الاسمية، خرج به الصفة التي غلبت عليها الاسمية كالصاحب، فـ (أل) فيها حرف تعريف لا موصولة. وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ: صلة (أل) الموصولة. وكذلك احترز بقوله: صريحة من الداخلة على اسم التفضيل، وهذا مجمع عليه؛ أن (أل) الداخلة على الأفضل والأكرم هذه حرف تعريف وليست بـ (أل) الموصولية، محل وفاق هذا، وإنما الخلاف في الصفة المشبهة. وكذلك المنسوب مثل: القرشي، (أل) هذه تعريف وليست موصولة، وإن كان في تأويل الصفة لأنه ليس بصفة صريحة، وإنما هو من جهة المعنى، قرشي يعني: منسوب إلى قريش، فهو موصوف من جهة المعنى، أي: المنسوب إلى قريش. ثم قال: وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ وَكَوْنُهَا: أي هذه الألف واللام. وَكَوْنُهَا، وكون: هذا مصدر لكان الناقصة تفتقر إلى اسم وخبر، اسمها الهاء المضاف إليه. وقوله: بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ: هذا خبر كان. وقَلَّ: خبرها أيضاً. كيف اجتمع خبران؟ وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ بِمُعْرَبِ: هذا خبر كان. وقَلَّ: خبر كان.

بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ: هذا خبر كان من حيث طلبها وافتقارها إلى اسم وخبر، فالاسم الضمير، وبمعرب هذا جار ومجرور متعلق محذوف خبر كان، وهي مبتدأ، وتفتقر من هذه الحيثية إلى خبر، فلها جهتان: جهة كونها تفتقر إلى اسم وخبر، وجهة كونها مبتدأً، فـ (قل) هذا خبر الكون، من جهة كونه مبتدأً، و (بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ) خبر الكون من جهة كونه طالباً لاسم وفعل. وكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ يأتينا إن شاء الله في محله. دخول (أل) الموصولة على معرب الأفعال الذي هو الفعل المضارع، هل هو دخول صحيح أم أنه قبيح وشاذ؟ ينبني على هذا الخلاف: أن (أل) هل هي من خصائص الأسماء أم لا؟ من قال بأن دخولها على الفعل المضارع دخول صحيح معترف به في لسان العرب، حينئذٍ جعل (أل) الموصولة ليست علامة على اسمية الكلمة، وليست (أل) كلها، لا، المراد (أل) الموصولية، وأما (أل) المعرفة أو الزائدة فهي علامة، محل وفاق لا إشكال فيه، وإنما (أل) الموصولية التي تكون داخلة على الصفة الصريحة: ضارب ومضروب، والأمثلة المبالغة، والصفة المشبهة، هل هي معرفة بالاسم بمعنى أنها دالة على أنه اسم أم لا؟ منبني على هذا الخلاف. إن قلنا: دخوله على الفعل -الفعل المضارع صحيح- حينئذٍ سلبنا عنها هذه الخصيصة، وإن قلنا: شاذ وأنه قبيح حينئذٍ نقول: هي على أصلها تعتبر علامة على اسمية الكلمة. ابن مالك رحمه الله تعالى اختار أن دخولها دخول صحيح لكنه قليل، وعلى كلامه في قوله هناك: بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ؛ لا بد أن نستثني الموصولية على مذهبه، لأنه لا يرى أن (أل) الموصولة علامة لاسمية الكلمة، والجماهير: أن (أل) بجميع أنواعها ومنها الموصولة تعتبر علامة على اسمية الكلمة، وأما دخولها على الفعل المضارع فيما ورد من الأبيات والأشعار وإن كثر بالنسبة لـ؟؟؟ لكنه كثرة نسبة، إن كثر يعتبر ضرورة ويعتبر شاذاً، بل حكى عبد القاهر الجرجاني كما حكاه في شرح الشذور ابن هشام: أنه شاذ بإجماع النحاة، لكن الإجماع هذا محل نزاع. وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ يعني: دخولها على معرب الأفعال قليل، وإذا كان قليلاً حينئذٍ يستساغ ويقال بدخول (أل) على الفعل المضارع مطلقاً، سواء كان في الشعر أو في النثر على هذا القول. والجماهير على أن دخولها على الفعل المضارع تعتبر ضرورة. هنا قال: الألف واللام توصف (أل) بصفة محضة، يعني: خالصة من شائبة الاسمية كالصاحب والراكب، وذلك اسم الفاعل والمفعول كالضارب والمضروب، بخلاف غير المحضة، كالذي يوصف به وهو غير مشتق كأسد، لو وصف به نقول: هذا صفة، لكنه غير مشتق. والصفة التي غلبت عليها الاسمية كصاحب وراكب، فـ (أل) في جميع ذلك معرِّفة لا موصولة، إن لم تكن صفة كالأسد ولو وصف به نقول: هذا لا يعتبر صلة لـ (أل)، إن كان مشتقاً لكنه أجري مجرى الأسماء الجامدة كراكب وصاحب، حينئذٍ نقول: هذا لا يشتق، هذا لا يوصل به. فإذا كان كذلك حينئذٍ إذا دخلت (أل) على الأسد أو على الراكب والصاحب نقول: هذه (أل) معرِّفة وليست موصولية. وهل توصل بالصفة المشبهة؟ قولان للنحاة مشهوران:

الأول: توصل بها، كما في الحسن، وبه جزم ابن مالك -رحمه الله تعالى-، وهذا هو المشهور: أنها توصل بها؛ لشبهها الفعل باعتبار رفعها الظاهر باطراد مطلقاً، بخلاف أفعل التفضيل؛ فإنه لا يرفع الظاهر باطراد إلا في مسألة الكحل كما سيأتي بيانه. إذاً: الصفة المشبهة ترفع الاسم الظاهر على أنه فاعل، إذا كان كذلك حينئذٍ لها شبه قوي بالفعل، فإذا كان لها شبه قوي بالفعل حينئذٍ صح دخول (أل) الموصولية عليها؛ لأنها في اللفظ هي اسم، وفي المعنى لشبهها القوي بالفعل في كونها ترفع الاسم الظاهر حينئذٍ صارت في معنى اسم الفاعل وفي معنى اسم المفعول. وقد ذكرنا الضابط في صلة (أل) أنها من جهة اللفظ هي اسم، ضارب ومضروب، ومن جهة المعنى هي في قوة الجملة الفعلية، وكذلك حسن، حسن من حيث اللفظ هو اسم، ومن حيث المعنى نقول: هذا في قوة الفعل، ما الدليل على أنه في قوة الفعل؟ رفعها للاسم الظاهر باطراد. أما أفعل التفضيل فهذا محل وفاق، لأنها لا ترفع إلا الاسم الظاهر في محل واحد –مستثنى- وما كان مستثنىً حينئذٍ يكون خارجاً عن القياس، فالأصل فيها أنها لا ترفع الاسم الظاهر إلا في مسألة الكحل وهذا مستثنى، وحينئذٍ ما خرج عن القياس غيره عليه لا يقاس، فيقال: الأصل فيها أنها لا ترفع الاسم الظاهر وإنما ضمير مستتر. هذا الأول. الثاني: لا توصل بها لضعفها وقربها من الأسماء، لأنها للثبوت، فلا تؤول بالفعل، ولذلك لا توصل بأفعل التفضيل باتفاق، يعني هي من حيث المعنى للثبوت، نقول هنا: لم ينظر إلى المعنى وإنما نظر إلى العمل، فلما عملت عمل الفعل والأصل في العمل للأفعال كانت أشبه به من هذه الحيثية، فألحقت به؛ لأن المراد هنا العمل، لأن (أل) إذا اتصلت باسم الفاعل وهي موصولية واسم المفعول والصفة المشبهة حينئذٍ تعمل فيما بعدها، صار معتمداً عليه كما سيأتي في محله. فإذا كان كذلك روعي في الصفة المشبهة عملها وإن لم يلتفت إلى المعنى من حيث الثبوت، فغلِّب جانب العمل على جانب المعنى ولذلك عملت، ولذلك وقع فيها خلاف، بخلاف الضارب والمضروب. وفي وصلها بالفعل المضارع قولان: توصل به، ورجحه ابن مالك. وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ الثاني: لا توصل به، وعليه الجمهور، وما ورد من كلام العرب من الضرورات القبيحة، مَا أَنْتَ بالْحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُهُ: الذي ترضى، ترضى هذا فعل مضارع مغير الصيغة دخلت عليه (أل)، و (أل) المعرفة لا تدخل على المضارع بإجماع، وكذلك الزائدة لا تدخل على المضارع بإجماع، وإنما تعين حمل أل لهذا أن تكون موصولية، حينئذٍ دخولها على ترضى هل هو دخول صحيح أم لا؟ المشهور أنه يعتبر من الضرورات القبيحة كما قال الجمهور. ،

مَا أَنْتَ بالْحَكَمِ التُّرْضَى: قلنا: ضرورة عند الجمهور، وفرق بين الضرورة عند الجمهور وعند ابن مالك -رحمه الله تعالى-، ولذلك اختلفا في هذا المصدق. فالضرورة عند الجمهور: أنها ما وقع في الشعر مما لا يقع مثله في النثر. هذا عام جداً، مهم هذا، أنها ما وقع في الشعر مما لا يقع مثله في النثر، إذاً: لا يشترط فيه قضية انكسار الوزن وعدمه، اضطر إليه بالتنوين لـ (أل) إلى آخره، ليس هذا المراد بالضرورة عند الجمهور، وقد نص على ذلك الصبان والسيوطي في همع الهوامع: أنها ما وقع في الشعر مما لا يقع مثله في النثر، يعني: يعاب في النثر أن يؤتى بـ (أل) مع الفعل المضارع، فإذا وقع في الشعر ما لا يستساغ نثراً حكمنا عليه بأنه ضرورة، ولا ننتظر أو ننظر إلى كونه انكسر الوزن أو لا. أما عند ابن مالك: ما اضطُر إليه الشاعر ولم يجد عنه مندوحاً، وضُعِّفَ مذهبه -مذهب ابن مالك رحمه الله-؛ بأنه ما من ضرورة إلا ويمكن إزالتها بنظم تركيب آخر، ما من ضرورة إلا ويمكن أن ينفك عنها بماذا؟ يغير البيت مباشرة، بدلاً من أن يضطر فيقع فيما هو محذور حينئذٍ يأتي ببيت آخر. فالضرورة عند الجمهور أعم من الضرورة عند ابن مالك -رحمه الله تعالى-. وقد شذ وصل الألف واللام بالفعل المضارع، هكذا حكم ابن عقيل حكم عليه بأنه شاذ، وإذا كان شاذاً حينئذٍ لا يقاس عليه ولا يقال في النثر بدخول (أل) على الفعل المضارع. وإليه أشار بقوله: وَكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ ليس الأمر كذلك كما قال ابن عقيل، وإنما مراد ابن مالك بكونه قَلَّ: ليس بالشاذ، وإذا كان كذلك صار لغة عندهم، ولذلك كما قال كثير ممن شرح الألفية على أن ابن مالك رحمه الله يرى أن (أل) الموصولية لا تكون علامة للاسمية، وهذا دليل على أن قوله: (قَلَّ) ليس المراد به أنه شاذ، وإنما سمع في أبيات ليست قليلة عنده وحينئذٍ حكم بصحة دخول (أل) الموصولية على الفعل في الشعر خاصة، فإذا كان كذلك صار لغة، وما صار لغة لا يحكم عليه بالشذوذ، ولذلك قال ابن عقيل: وهذا عند جمهور البصريين مخصوص بالشعر، وزعم المصنف في غير هذا الكتاب أنه لا يختص به بل يجوز بالاختيار، بل هو مراده في هذا البيت، ليس في غير هذا الكتاب بل هو مراده في هذا البيت. وجاء وصلها بالجملة الاسمية لكنه شاذ. وصلت (أل) بالجملة الاسمية كما توصل (الذي، والتي). قلنا: وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ جملة يشمل الجملة الاسمية والجملة الفعلية. هل يكون موصول (أل) أو صلة (أل) جملة اسمية؟ الجواب: لا، وإن سمع من ذلك حينئذٍ نحكم عليه بأنه شاذ. فمن الأول قول الشاعر: مِنَ الْقَوْم الرَّسُولُ الله مِنْهُمْ ... لَهُمْ دَانَتْ رِقَابُ بَنِي مَعَدِّ مِنَ الْقَوْم الرَّسُولُ الله، يعني: الذين رَّسُولُ الله مِنْهُمْ. رَّسُولُ الله هذا مبتدأ، ومِنْهُمْ: خبر. و (أل) هنا في معنى الذين، لأنه قال: مِنَ الْقَوْم، فدل على أن (أل) هنا بمعنى الذين، و (أل) لا شك أنها تأتي بمعنى المفرد، وتأتي بمعنى المثنى وبمعنى الجمع. مِنَ الْقَوْم الرَّسُولُ الله مِنْهُمْ يعني: الذين رَّسُولُ الله مِنْهُمْ. وكذلك توصل بالظرف شذوذاً، كقوله:

مَنْ لاَيَزَالُ شَاكِراً عَلَى الْمَعَهْ ... فَهْوَ حَرٍ بِعِيشَةٍ ذَاتِ سَعَهْ على (المعة، معة) هذا ظرف، وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ ونُقِلْ الْمَعَهْ: يعني الذي (معه)، نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. إذاً: وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ ألْ: نقول: هذا المراد به أن (أل) لا تكون صلتها إلا ما وجد فيه الشرطان: صفة لا جامد، وأن تكون محضة خالصة في الدلالة على الوصفية، خرج به ما لم يكن خالصاً وهو ما أجري مجرى الأسماء الجامدة. وأما َكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ: دخولها على مُعْرَبِ الأَفْعَالِ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. حينئذٍ يتقرر: أن (أل) الموصولية هذه تعتبر من علامات الأسماء كما ذكرناه فيما سبق. ولذلك نقول: هنا فائدة: الصفة الصريحة مع (أل) اسم لفظاً فعل معنىً. هذه مهمة. الصفة الصريحة مع (أل) اسم لفظاً فعل معنىً، اسم لفظاً من حيث اللفظ. فعل معنى؛ لأن الأصل في جملة الصلة أن تكون فعلاً، هذا الأصل فيها، ولكن قبح أن تدخل (أل) على الفعل، صار قبيحاً، ولعل دخولها على الفعل المضارع إرشاداً إلى هذا؛ لأنه قد يأتي الشيء الممنوع مصرحاً به في بعض الأبيات، ليدل على أن هذا هو الأصل، لكن لا يكون قياساً، مثل ما ذكرناه: فَإَنَّهُ أَهْلٌ لأَنْ يُؤَكْرَمَا: هذا تصريح بأصل مهجور، والتُّرْضَى: هذا أيضاً تصريح بأصل مهجور، ولكن لكثرة ما ورد جعلوه قليلاً واستحسنوه ألا يكون شاذاً. إذاً: لا بد من أمرين: صفة صريحة. وَ َكَوْنُهَا بِمُعْرَبِ الأَفْعَالِ قَلَّ: الجمهور على أنه شاذ. ثم قال رحمه الله: أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ ... وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ هذا هو النوع السادس من الألفاظ المشتركة، أَيٌّ. قال: أيٌّ كَمَا، أيٌّ كَمَا مثل ما في أنها تلزم لفظاً واحداً: أيٌّ، ثم تكون للمفرد والمذكر المفرد المؤنث المثنى بنوعيه الجمع بنوعيه وتكون للعاقل وغير العاقل. وأيٌّ الأصل فيها أنها تكون للنوعين: العاقل وغير العاقل لا بترجيح، ولذلك ذكرنا في قوله: وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ. من للعاقل كثيراً ولغيره قليلاً، ما لغير العاقل كثيراً، وللعاقل قليلاً، وما بعد هذين اللفظين يستعملان معاً في العاقل وغير العاقل. إذاً قوله: أيٌّ كَمَا: هل هو في الدلالة على كونه عاقلاً أو لا؟ الجواب: لا، ليس كذلك، وإنما في كونها تلزم لفظاً واحداً، وحينئذٍ من جهة المعنى قد يعتبر المفرد المذكر والمؤنث، وقد يعتبر المثنى، وقد يعتبر الجمع. أيٌّ كَمَا: أيٌّ تستعمل موصولة، وتأتي شرطية، وتأتي استفهامية، وهي من الألفاظ الأصل فيها أنها ملازمة للإضافة، ونوع المضاف هذا فيه تفصيل يأتي في باب الإضافة إن شاء الله تعالى، الموصولية والاستفهامية والشرطية ملازمة للإضافة، فإذا حذف المضاف إليه عوض عنه التنوين فصار التنوين عوضاً عن مفرد هنا. أيٌّ: ((أَيًّا مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] هذه شرطية، نقول: التنوين هنا عوض عن المضاف إليه المحذوف، وسيأتي تفصيله في محله.

إذاً: أيٌّ تستعمل موصولة واستفهامية وشرطية، كونها استفهامية وشرطية هذا يكاد يكون محل وفاق، أما استعمالها –مجيئها- لغير الاستفهامية والشرطية وهي الموصولية هذا محل خلاف، والجمهور على أنها تأتي موصولية كذلك. إذاً: أيٌّ ليس متفقاً عليها أنها موصولية، بخلاف (من وما وأل) هناك متفق على أنها موصولية، وأما أيٌّ فلا. تستعمل موصولة خلافاً لثعلب في قوله: أنها لا تستعمل إلا شرطاً أو استفهاماً، ويرد قوله قول الشاعر: فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم أفْضَلُ فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم، عندنا الشرطية والاستفهامية معربتان كما سيأتي، وقد مر معنا استثناء الشرطية والاستفهامية أنها معربة، على قوله: أن أيٌّ لا تكون إلا استفهامية أو شرطية، على (أيُّهُم)، على قوله نقول: على (أيِّهِم)، لأن هذه أيٌّ إما شرطية وإما استفهامية وكلاهما معربان، وعلى هذا حرف جر دخلت على الشرطية أو الاستفهامية على كلامه، حينئذٍ لزم أن يكون مجروراً، فلما لازم الضمة علمنا أنه مبني: على أيُّهُم أفضل، حينئذٍ نقول: هي مبنية على الضم، إذ لو صح ما ادعاه ثعلب أنها استفهامية لقال: على (أيِّهِم)، أو شرطية لقال: على (أيِّهِم)؛ لأنهما معربتان. إذاً: يرد قولَه: فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم أفْضَلُ، فهي مبنية على الضم في الرواية المشهورة، فدل على أنها موصولة، وغير الموصولة معربة لا مبنية، وإنما بنيت هنا لكونها مضافة وقد حذف صدر صلتها وهو المبتدأ أي: هو أفضل، كما سيأتي. أيٌّ كَمَا: إذاً (أيٌّ) موصولية خلافاً لثعلب. كَمَا: فتكون بلفظ واحد في الإفراد والتذكير وفروعهما، وَأُعْرِبَتْ. بيَّن حكمها. وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ ... وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ وَأُعْرِبَتْ: وقد تبنى، قال: أُعْرِبَتْ، متى؟ وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ، (وَ): الواو واو الحال هذه، معناه: أن ما بعده داخل في الشرط، فلا بد من استيفاء شرطين، إن انتفيا أعربت، فحينئذٍ هو نصَّ على المعرب منها، وبمفهومه يفهم المبني، إذ يقال: إن (أيٌّ) مع صلتها وصدرها باعتبار الحذف وعدمه على أربعة أنواع -موجودة في ابن عقيل-، لها أربعة أحوال: أولاً: أن تضاف ويذكر صدر صلتها، تضاف على الأصل إلى المفرد، ويذكر صدر صلتها، يعجبني أيهُم هو قائم، أيُّ: أضيفت إلى الهاء. هُوَ قَآئِمٌ: ذكر صدر الصلة المبتدأ أوله، هُوَ قَآئِمٌ. ... إذاً أضيفت، وذكر صدر الصلة. هذه الحالة الأولى. الثانية: ألا تضاف ولا يذكر صدر صلتها، يعجبني (أَيٌّ قَائِمٌ)، يعجبني (أيٌّ) حذف الهاء. (قَآئِمٌ): الأصل هو قائم، حذف صدر الصلة الذي هو المبتدأ. الثالثة: ألا تضاف ويذكر صدر صلتها: يعجبني أيُّ هو قائم، يعجبني أيٌّ حذف المضاف، هُوَ قَآئِمٌ: صدر الصلة مذكور. هذه ثلاثة. بقي حالة واحدة وهي: بالمفهوم. إذاً: أن تضاف ويذكر صدر صلتها. هذا أولاً. ألا تضاف ولا يذكر صدر صلتها. هذا الثاني.

ألا تضاف ويذكر صدر صلتها، حينئذٍ نقول: (أيُّ) تأتي مبنية فيما إذا لم تكن من هذه الأحوال الثلاثة وهي: فيما إذا لم تضف مع حذف صدر الصلة، لم تضف: (أَيُّهُمْ قَائِمٌ)، (أَيُّهُمْ) إذا لم تضف -مدة عدم إضافتها مع حذف صدر صلتها-، يعني: (أيٌّ قَآئِمٌ)، هذا حذفت الصلة وحذف صدر الصلة، نقول: في هذه الحالة معربة. أن تضاف ويذكر صدر الصلة: (أَيُّهُمْ هُوَ قَائِمٌ)، نقول: في هذه الحالة معربة. ألا تضاف ويذكر صدر صلتها: يعجبني (أَيُّ هُوَ قَائِمٌ)، نقول: في هذه الحالة هي معربة. ماذا بقي من التقسيم العقلي؟ أن تضاف ولا يذكر صدر صلتها. هذه الحالة هي التي عناها الناظم بالنفي في النطق بقوله: ... مَا لَمْ تُضَفْ ... وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ يعني: َأُعْرِبَتْ (أيٌّ) مدة عدم إضافتها مع حذف صدر صلتها، فحينئذٍ إن أضيفت وحذف صدر صلتها بنيت على الضم، وهذا مأخوذ بالمفهوم. المنطوق دل على ماذا؟ دل على الإعراب، ولذلك إذا بدأت بالمفهوم سلمت في شرح البيت، وإذا بدأت بالمنطوق تتعب، يعني: الآن قال: ... مَا لَمْ تُضَفْ ... وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ مفهومه: إن لَمْ تُضَفْ مع حذف صدر الصلة حينئذٍ تكون مبنية، فهو نص بالنطق على المعرب وبالمفهوم على المبني. إذاً: أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ: ما هذه ظرفية. مدة عدم إضافتها. فحينئذٍ إذا أضيفت انتفى الشرط الأول .. مدة عدم إضافتها مع حذف صدر صلتها، في هذه الحالة نقول: (أيٌّ مبنية)، وقد جاء النص بها في قوله تعالى: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا)) [مريم:69] (أيُّ) أضيفت إلى الهاء إذاً مضافة، وأشد: هذا خبر مبتدأ محذوف، حذف صدر الصلة وهو قوله: (هو)، (أيهم هو أشد). إذاً: في هذه الحالة الوحيدة الرابعة هي التي نحكم على أيٍّ بأنها مبنية وهي متى؟ إذا أضيفت وحذف صدر صلتها، نحفظ المثال: (أَيُّهُمْ أَشَدُّ)، يعني: (أيهم هو أشد). في هذه الأحوال الثلاث تكون معربة بالحركات الثلاث. يعجبني (أَيُّهُمْ هُوَ قَائِمٌ)، ورأيت (أَيَّهُمْ هُوَ قَائِمٌ)، ومررت (بأيِّهِم هُوَ قَائِمٌ)، وكذلك (أَيُّ قَائِمٌ)، إلى آخر الأمثلة التي ذكرها ابن عقيل، حينئذٍ (أَيٌّ)، تأتي مبنية موصولة عند سيبيويه وجماعة من البصريين إذا اجتمع فيها أمران: أن تكون مضافة لفظاً. هذا شرط. أن يكون صدر صلتها محذوف. واشترطوا في العامل فيها -في (أيّ) الموصولة- شرطين: أن يكون مدلوله الزمان المستقبل، يعني: (يُعْجِبُنِي)، ما تقدر: (أعْجَبَنِي أَيُّهُمْ قَائِمٌ)، (يُعْجِبُنِي)، أما بالفعل الماضي فلا، لا يصح. أن يكون مدلوله الزمان المستقبل. الثاني: أن يقدم عليها في الكلام فلا يتأخر، ولذا قيل للكسائي: لم لا يجوز: (أعجبني أيُّهُمْ قَامَ)؟ لم لا يجوز: (أعجبني) -جاء بالفعل بالماضي- (أيُّهُمْ قَامَ)؟ فقال: (أيٌّ) كذا خلقت. يعني هكذا وضعت، حينئذٍ لا نبحث ولا نسأل. أيُّ كما: إذاً عرفنا مفهوم البيت ومنطوقه: (أيٌّ كما). وَأُعْرِبَتْ: في ثلاثة أحوال، وبنيت في حالة واحدة لأنها بالتعبير التقسيم العقلي أربعة أقسام على ما ذكره الشارح.

وَأُعْرِبَتْ: مدة عدم إضافتها، إذاً: النطق هنا معلق بأحوال الإعراب. مدة عدم إضافتها، ومع حذف صدر صلتها إذا كان ضميراً، فحينئذٍ نقول بهذين الشرطين إذا انتفيا أعربت أيُّ، وإن وجدا اجتمعا ولا بد من اجتماعهما وهو إضافتها وحذف صدر الصلة، حينئذٍ نقول: هي مبنية. الرابعة: أن تضاف ويحذف صدر الصلة، نحو: (يُعْجِبُنِي أيُّهُمْ قَائمٌ)، ففي هذه الحالة تبنى على الضم وتقول: (يُعْجِبُنِي أيُّهُمْ قَائمٌ)، ورأيت أيُّهُمْ قَائمٌ، ومررت أيُّهُمْ قَائمٌ، وعليه قوله تعالى: ((ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] يعني: أيهم هو أشد. إذَا مَا لَقِيتَ بَنِي مَالِكٍ ... فَسَلِّمْ عَلَى أَيُّهُمْ -هذا الشاهد- أَفْضَلُ، يعني: (أَيُّهُمْ هُوَ أَفْضَلُ)، بنيت هنا أضيفت أيُّ إلى الهاء، وصدر الصلة محذوف، (أَيُّهُمْ هُوَ أَفْضَلُ)، بضم أَيُّ؛ لأن حروف الجر لا يضمر بينها وبين معمولها قول ولا تعليق، وهذا مستفاد من قوله: وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ، أي: وَأُعْرِبَتْ أيُّ إذا لم تضف في حالة حذف صدر الصلة، فدخل في هذه الأحوال الثلاثة السابقة على ما ذكرناه سابقاً. وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ مُطْلَقاً، يعني: أعْرَبَ أيَّاً مُطْلَقاً بدون استثناء كلها معربة، حتى في قوله: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] هذه معربة. فَسَلِّمْ عَلَى أيِّهِم: على الرواية الثانية فهي معربة. وَبَعْضُهُمْ: أي بعض العرب أو بعض النحاة -كالخليل ويونس- أعْرَبَ أيَّاً مُطْلَقاً، يعني: اتفقا مع القول السابق في الثلاثة الأول واختلفا معهم فيما إذا أضيفت وحذف صدر الصلة. مُطْلَقاً: وإن أضيفت وحذف صدر صلتها. وتأوَّلا الآية: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] بأن يقال: ما الجواب؟ فالخليل جعلها استفهامية محكية بقول مقدر تقديره: الذي يقال فيه ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ))، فالمفعول محذوف، و (أَيُّ) مبتدأ، فضمته: إعراب. و (أَشَدُّ) خبر، والجملة نائب فاعل -يُقال_. إذاً: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ))، ((ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ)) [مريم:69] أنت تقول كلها معربة، ماذا ... ؟؟؟ .. القراءة؟ قال: هذه استفهامية، وهي داخلة تحت قول محكي، تقديره: الذي يقال فيه ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ))، فالمفعول محذوف، وأيُّ مبتدأ، أيّ هذه مبتدأ، حينئذٍ تكون الضمة ضمة إعراب وليست بناء، لأنها استفهامية والاستفهامية معربة. إذاً: من أجل ألا يجعلها موصولة وهي مبنية وهو يقول بإعرابها مطلقاً جعلها استفهامية، وإذا جعلها استفهامية حينئذٍ حكم عليها بالإعراب. ويونس جعلها استفهامية أيضاً مثله، لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها عن العمل، لأن التعليق عنده غير مخصوص بأفعال القلوب، فسدت الجملة: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) مسد المفعول. إذا الصواب أن يقال فيها: أنها تكون مبنية، وأما التكلف هذا والتعسف لا يحمل عليه القرآن. وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ مُطْلَقاً يعني: أعرب أيّاً مطلقاً. ثم قال: وَفِي .. ذَا الْحَذْفِ أيّاً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي .. إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

27

عناصر الدرس * شرح الترجمة (المعرف بأداة التعريف) ـ * مذهب الناظم في المعرف * أنواع (أل) المعرفة * أل/الزائدة وأنواعها * العلم بالغلبة وأحكامه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س: هذا يقول: ألا يمكن أن يُجاب على قول النُّحاة (الذي) للعاقل أن الصلة حالة تنصب على الألفاظ بقطع النظر عن الحقائق؟ ج: لا هذا تعلق بالمعنى، تستعمل في العاقل، معناه في المعنى ليس في اللفظ، ثم قد لا يُسلَّم كل ما يقول باللفظ أنه في المعنى، يُسلم لهم لا، كيف تقول للعاقل: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] ما ينبغي هذا. س: هذا يقول: ما القول الصحيح في مسألة (ما) الموصولة و (ما) المصدرية هل هي شيءٌ واحد أم أنهما متباينان؟ ج: شيء واحد أم متباينان؟ وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ، هذه (ما) موصولية اسم، و (أما) عَجبت مما صحبت زيداً، نقول: هذه مصدرية، ((بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)) [ص:26]، يعني: بنسيانهم، تؤول بالمصدر. س: ما هو القول الصحيح في مسألة: (ما) الموصولة و (ما) المصدرية هل هما شيء واحد؟ ج: لا، هما شيئان متباينان، (ما) الموصولية هذه اسمية، و (ما) الحرفية هذه حرف وهي التي تُسبك مع ما بعدها بمصدر ((بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)) [ص:26] يعني بنسيانهم وأما (ما) المصدرية ((وَمَا مِنْ دَابَّةٍ)) [الأنعام:38]. س: هل نقول تكون (ذا) ملغاة إذا دخلت على شبه جملة ولا تكون ملغاة إذا دخلت على فعل؟ الجواب: على التفصيل الذي ذكرناه. س: ألا يُعْتَرض على ابن مالك تمثيلُه على الإضافة بعبد شمسٍ؟ كَعَبْدِ شَمْسٍ وأَبِي قُحَافَهْ، كَعَبْدِ شَمْسٍ: هو ناقل ذكر علماً موجوداً فقط كمثال. س: (الذي) إذا ثنيت تُحذف الياء للتخلص من التقاء الساكنين، هل يمكن أن نضيف لهذه العلة علة كون الياء حرف مبنى؟ الجواب: لا، هو نفسه، يقول: للتخلص من التقاء الساكنين، معناه الأصل في التقاء الساكنين أن يُحرَّك الأول، لكن لم يُحرك هنا، حينئذٍ انتقلنا إلى الثانية وهي: الطريقة الثانية: وهي الحذف، بشرطين وهما: أن يكون حرف علة، وأن يكون ثَمَّ دليل، إن كانت المحذوفة ياء، لابد من بقاء كسرة قبلها. س: هذا يقول: ذكرتم لنا في تخريج آية: ((وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69]-يعني: النحاة ذكروه- علتين هل يمكن الجواب عليها بأن (الذي) من ألفاظ العموم وذلك كقوله تعالى: ((مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)) [البقرة:17]. الجواب: هذا بعيد، هم يتكلمون في العائد، ((كَالَّذِي خَاضُوا)) [التوبة:69]. خاضوا: الواو هذا الأصل أنه يرجع إلى جمع، والجواب هذه قاعدة مطردة، حينئذٍ إما يقال بأنه يعود إلى مُذكر جمع، وإما أن يقال: بأن العائد محذوف، كالذي خاضوه، حينئذٍ اتحد المعنى. س: نرجو توضيح المعاني التالية: مصدر مشتق، ما الفرق بين الاسم والمصدر، الجملة الكبرى نرجو توضيحها، وكذلك الجملة الصغرى؟ ج: أما المصدر هذا سيأتي باب هو اسم المصدر، وأما المشتق هذا مر معنا، أن المشتق: ما دل على ذات متصفة بوصف، وهذا سيأتي يعقد له باب اسم الفاعل وباب اسم المفعول ويذكر في اسم الفاعل الأمثلة المبالغة، يأتي الفرق بين اسم المصدر يأتي إن شاء الله.

أما الجملة الكبرى فهي التي وقع فيها الخبر جملة، سيأتينا وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ، إن وقع الخبر جملة فحينئذٍ صارت الجملة كلها جملة كبرى، وجملة الخبر هي عينها جملة صغرى، وقد تكون بالاعتبارين. س: ما دليل الجمهور بقولهم: أن اللذان واللتان مبنيان؟ ج: هو الأصل فيها، لأنها اسم موصول، وثبت أن الاسم الموصول، وجد فيه الشبه الافتقاري، فصار كل اسم موصول ثبت له الموصولية الأصل فيه البناء، حينئذٍ إذا قيل الأصل في اللذان واللتان أنهما مبني لا خروج عنه، والذي يقول هو معرب، حينئذٍ لابد من دليل قوي، دائماً نستصحب الأصل. وأن (الذي) ليست من الموصولات الحرفية لأن الضابط عندهم في ثبوت الموصول الحرفي دخول حرف الجر عليه، وكونه لم يرد إلا في محل واحد -موضع- ويمكن الجواب عنه بجواب جيد واضح بيِّن، حينئذٍ لا يُقال بكونها موصولاً حرفياً. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: قال الناظم رحمه الله: أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ مُطْلَقاً ................... ... وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ ذكرنا فيما سبق أن (أي) تكون موصولة، وهو قول الجمهور خلافاً لثعلب، فهي كما شبهها الناظم هنا كـ (ما) لكنها ليست من كل وجه؛ لأن (ما) تستعمل في الأصل للعاقل بكثرة، وفي غيره لقلة، حينئذٍ (أيٌّ) هذه تستعمل للعاقل وغيره بدون تمييز، لا يقال للعاقل بكثرة، ولا لغيره بقلة، وإنما يقال: هي بحسب ما تضاف إليه، إن أضيفت للعاقل فهي له وإلا فلغيره. أيٌّ كَمَا: هذا من حيث المعنى والاستعمال فهي موصولة تستعمل كـ (ما) بلفظٍ واحدٍ، فتكون للمفرد والمثنى والجمع، وأما من حيث إعرابها وبناؤها فالأصل في الاسم الموصول أنه مبني، هذا هو الأصل، إلا -استثنى من حكم بالبناء على الموصولات- (أي) وأي هذه لها أربعة أحوال كما ذكرها الناظم هنا والشارح كذلك. فحينئذٍ النظر فيها من حيث البناء هل هي مبنية أم مُعربة، نقول: الأصل فيها أنها مبنية إلا إذا عارض وجه الشبه بها بالحرف ما هو من خواص الأسماء، حينئذٍ تُعرب رجوعاً إلى الأصل، وهي لها أربع حالات، ذكر الناظم الأحوال الثلاث بالمنطوق، والحالة التي تُبنى فيها بالمفهوم، فقال: أيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ: إذاً هذا حكمٌ بالإعراب.

مَا لَمْ تُضَفْ: مدة عدم إضافتها حال كون صدر وصلها ضمير منحذف، يعني: انحذف، مُنْحذف، حينئذٍ بهذين الشرطين حكم سيبويه والجمهور أنها مبنية، يعني: إذا أضيفت وحذف صدر الصلة، بالإضافة مع الحذف، حينئذٍ إذا وجد الشرطان بمفهوم هذا النص نحكم عليها بأنها مبنية، ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ)) [مريم:69] أَيُّهُمْ أَشَدُّ: أيهم هو أشد، فنحكم على أي هنا في هذا التركيب أنها مبنية، لماذا؟ للإضافة (أَيُّهُمْ) ثم حُذِف صدر صلتها، ما هو الصلة؟ المراد بالصلة الجملة -جملة الصلة- وإذا حُذف صدرها حينئذٍ تعيَّن أن يكون مبتدأً وهو مرفوع، حينئذٍ الأصل: (أيهم هو أشد)، فهي مضاف وحُذِف منها صدر الصلة الذي هو الضمير المرفوع، فصار أَيُّهُمْ أَشَدُّ، أَشَدُّ: هذا خبر مبتدأ محذوف، ففي هذه الحالة فحسب تعتبر مبنية وما عداها حينئذٍ نحكم عليها بأنها معربة، لذلك الأحوال أربعة كما ذكرناها. وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ: يعني مدة عدم إضافتها مع حذف صدر صلتها فإن أُضيفت وحُذف صدر صلتها بُنيت على الضمِّ، وإن لم تُضف أو لم يُحذف نحو: أيٌّ قائم، أو: أيٌّ هو قائم، وأيهم هو قائم، أُعربت. وَبَعْضُهُمْ: وبعض النُّحاة أو بعض العرب أو بعض النُّحاة حَكَمَ بكونِ (أيٍّ) هذه معربة مطلقاً، يعني في الثلاث حالات بالاتفاق، وأما الحالة الرابعة التي نص عليها الناظم بالمفهوم -وهي حالة البناء عند الخليل وسيبويه- تعتبر مُعربة. وَبَعْضُهُمْ: أي بعض النُحاة كالخليل ويونس أعْرَبَ مُطْلَقا، ً وَبَعْضُهُمْ أعْرَبَ (أَيَّاً) أَيَّاً هذا مفعول به محذوف، مُطْلَقاً: هذا حالٌ، يعني: وإن أُضيفت وحُذف صدر صلتها، فهي مُعربة مطلقاً بدون استثناء. ثم قال رحمه الله -شرع في بيان حذف العائد-. قلنا: الصلة لابد لها من عائدٍ، والعائد هذا ضمير، وَكُلُّهَا يَلْزَمُ بَعْدَهُ صِلَهْ، يعني) وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا، عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ، عندنا موصول وعندنا جملة الصلة وعندنا عائد ثلاثة: موصول، وجملة الصلة، والعائد، كلٌ منها يجوز حذفه بشرطه، فحذف الموصول إن كان حرفياً لم يجز حذفه الكلام ليس فيه، إن كان حرفياً لا يجوز حذفه البتة مطلقاً، لماذا؟ لأنه لا يُعلم بعد الحذف، وهو الأصل فيه أن يكون عاملاً مثل (أنّ وأنْ وكي) الأصل فيها أنها تعمل وهذه الثلاثة قلنا متفق عليها في أنها توصل مع ما بعدها بمصدر. إذاً حذف الموصول إن كان حرفياً لم يَجُز حذفه لضعف الحرف عن أن يؤثر وهو محذوف، الحرف وهو موجود ضعيف، ولذلك ليس له مدخلاً في الإسناد، لا يكون مسنداً، ولا مسنداً إليه، فهو ضعيف، وإذا عمل فهو ضعيف كذلك, فحينئذٍ وهو مذكور ضعيف فإذا حُذِف يكون ضعفه من باب أولى وأحرى فلا يؤثر. فإن كان اسمياً (كالذي والذين) ليس بحرفي فالكوفيون يُجّوِّزُوُنَ حذفه مطلقاً، الكوفيون أجازوا حذف الاسم الموصول مع بقاء الصلة، ليس مطلقاً بالصلة، وإنما المراد حذف الموصول فحسب لوحده، وأما جملة الصلة فتبقى، الكوفيون أجازوا حذفه مطلقاً، وهذا محل إشكال.

وبعضهم أجاز حذفه بشرط عطفه على موصول آخر مثله يعني: يدل عليه، وهذا لا بأس به قد يكون من باب الاختصار، ((آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ)) [العنكبوت:46]، يعني: والذي أُنزل إليكم، ((أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ)) هذه جملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، أين الموصول؟ محذوف لدلالة ما قبله عليه، لأن المُنزَّل إلى الفريقين ليس واحداً، هذا ما يتعلق بالموصول نفسه. وأما الصلة: فقد سبق أنها قد تكون ملفوظاً بها وقد تكون منوية، كما في قول القائل: نحنُ الأُلى فاجمع جموعك نحنُ الأُلى: يعني عُرِفوا بالشجاعة. فاجمع جموعك: فدل على أن حذف جملة الصلة وارد، لكنه ليس بالكثير، لماذا؟ لأن الأصل في جملة الصلة أنها جيء بها مُبَيِّنَة وموضِّحة ومعرِّفة على قولٍ، حينئذٍ إذا أدى اللبس مُنِع، إذا أدى حذف الموصول أو جملة الصلة لا إشكال في المنع، كلُّ ما يؤدي إلى اللبس فهو ممنوع، وكل ما إذا حُذف لا يُعلم بعد حذفه فهو ممنوع، هذه قاعدة في كل الأبواب. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ: إذاً حذف ما لا يعلم لا يجوز وهذا متفق عليه، سواء كان جملة الصلة أو كان الموصول. شرع الناظم في بيان العائد، -حكم العائد- يعني: الضمير الذي اشترطناه-عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ- هل يجوز حذفه أم لا؟ وإذا جاز حذفه نقول في الجملة يجوز حذفه لكن بشروط معتبرة، فحينئذٍ العائد إما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً وإما أن يكون مخفوضاً، العائد: إما أن يكون مرفوعاً وهو المبتدأ، وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مخفوضاً، في كلٍّ منها تفصيل. وَبَعْضُهُمْ أَعْرَبَ مُطْلَقاً وَفِي ... ذَا الْحَذْفِ أَيَّاً غَيْرُ أَيٍّ يَقْتَفِي إِنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ وَإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ ... فَالْحَذْفُ نَزْرٌ وَأَبَوْا أَنْ يُخْتَزَلْ إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ ... وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلي فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إِنِ انْتَصَبْ ... بِفِعْلٍ اوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ وَفِي ذَا الْحَذْفِ أياً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي: أي، أَيَّاً هذا مفعول به مقدم. غَيْرُ أيٍّ: غَيْرُ هذه مبتدأ. غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي: أَيَّاً فِي ذَا الْحَذْفِ، لأنه لمَّا ذكر (أيّ)، ذكر حذف الصلة. أَيٌّ كَمَا وَأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ ... وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ صَدْرُ وَصْلِهَا: الذي هو المبتدأ، (أَيُّهُمْ هُوَ أَشَدُّ) إذاً حُذف صدر الصلة، ((هُوَ أَشَدُّ)) أين العائد؟ المبتدأ هو نفسه العائد، حينئذٍ الضمير وهو مبتدأ وهو العائد وهو المرفوع محلاً، حُذِف. غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي: يعني يَتَّبِعُ أَيَّاً فِي ذَا الْحَذْفِ: يعني يجوز حذف صدر الصلة في غير (أيٍّ) كما حذفت من (أيٍّ)، فالحكم حينئذٍ ليس خاصاً بـ (أيٍّ)، بل يجوز حذف صدر الصلة، وهو مرفوع -والكلام على المرفوع- كما جاز حذفه من صدر صلة (أيٍّ) كذلك غير (أيٍّ) كـ (ما ومن والذين والذي والتي والأُلى وأولاءِ) كلها يجوز حذف صدر الصلة منها.

وَفِي ذَا الْحَذْفِ: المذكور في: صلة (أيٍّ) ذَا الْحَذْفِ - (أل) هنا للعهد الذهني- يعني: الحذف الذي ذكرناه في قولنا: وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ: هذا الحذف ليس خاصاً بـ (أيٍّ) حذف صدر الصلة ليس خاصاً بـ (أيٍّ) بل هو عام في جميع الموصولات الاسمية، فيجوز حذف صدر الصلة لكن بشرط وهو إذا كان مرفوعاً. إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ: إذاً: وَفِي ذَا الْحَذْفِ: المذكور في صلة (أيٍّ)، أي حذف صدر الصلة الذي هو العائد، إذا كان مبتدأً، لأن الكلام الآن في العائد المرفوع ولا يجوز حذف العائد المرفوع إلا بشرطين اثنين، وهما أن يكون مبتدأً، وأن يكون خبره مفرداً، شرطان؛ إن انتفيا، امتنع الحذف، إن وُجد أحدهما دون الآخر امتنع الحذف، لابد أن يكون مبتدأً ثم يكون الخبر مفرداً لا جملة، فإن لم يكن مبتدأ امتنع، كأن كان فاعلاً، وإن لم يكن مفرداً بأن كان جملة أو شبه جملة نقول امتنع، ولذلك المثال إذا حفظته عرفته، ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69]، أَشَدُّ هذا خبر مبتدأ محذوف وهو مُفرد والمحذوف هنا مبتدأ، إذاً اجتمعا فجاز حينئذٍ الحذف. غَيْرُ أيٍّ: مثل (أيٍّ) في هذا التركيب، بمعنى أنه يجوز حذف صدر الصلة إذا كان مبتدأً وخبره مفرداً، فإن لم يكن مبتدأً كأن كان فاعلاً أو نائب فاعل امتنع. جاء اللذان ضَرَبَا زيداً، لا يصح أن تحذف (ضربا) –الألف- فتقول هذا مرفوع هو مثل صدر الصلة إذا كان مبتدأً، جاء اللذان ضُرِبا، نقول امتنع حذف الألف لأنه نائب فاعل، لابد أن يكون مبتدأً هذا أولاً. وثانياً: أن يكون خبره مفرداً، فإن لم يكن مبتدأً كأن كان فاعلاً أو نائب فاعل، امتنع الحذف، إن لم يكن الخبر مفرداً، كأن كان جملة أو نحو ذلك، امتنع الحذف. إذاً وَفِي ذَا الْحَذْفِ –المذكور- أي: حذف صدر الصلة -الذي هو حذف العائد- إذا كان مبتدأً غير ((أيٍّ) من بقية الموصولات يَقْتَفي يعني: يتبع (أَيَّاً)، ولكن قيَّدَ بقية الموصولات بشرطٍ، ليس على إطلاقه. غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي (أَيَّاً) في حذف صدر الصلة، إذا كان مبتدأً مع الشرط الآخر وهو أن يكون الخبر مفرداً، لكن هل هو مطلقاً، قال: لا. إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ: يعني: تطول الصلة، إذا طالت الصلة حينئذٍ جاز جوازاً قياسياً، يعني يجوز القياس عليه، وليست المسألة من النُّدرة أو القِلَّة. إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ: يعني أن يوجد طولاً في الصلة -جملة الصلة- نحو ماذا: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] إله في السماء، (وهو الذي إله في السماء) هو في السماء إله، هذا الأصل، حينئذٍ نقول: الصلة هذه فيها طول بذكر الجار والمجرور حينئذٍ جاز الحذف، وَهُوَ الَّذِي، الذي ليست (أي)، ومثله: ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءاً، قائلٌ: هذا خبر مبتدئٍ محذوف، تقديره هو، إذاً (هو) هذا مبتدأ، و (قائل) هذا خبر وهو مفرد، والصلة الموصول غير (أيٍّ)، وهنا طالت الصلة، يعني: وجد غير المبتدأ والخبر المُفرد، جار ومجرور، أو مفعول به ... الخ.

أي لفظ يوجد من الفضلات قلنا: هذه الصلة طويلة، ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءاً، يعني: بالذي هو قائل لك سوءاً، حينئذٍ جاز الحذف لطول الصلة، كذلك: جاء الذي هو ضاربٌ زيداً، جاء الذي ضاربٌ زيداً، نقول: هذا الذي بقي في قوة المفرد حينئذٍ هو خبر لمبتدئٍ محذوف، جاء الذي هو ضاربٌ زيداً. إذاً في هذه المُثُل حُذف صدر الصلة مع غير (أيٍّ) بشرط استطالتها، بأن تكون طويلة، ما معنى طويلة؟ أن يُذكر شيء مع المبتدئ والخبر المفرد، يعني من جار ومجرور أو ظرف أو منصوب أو حال أو تمييز ... الخ، فإن لم يذكر إلا المبتدأ والخبر حينئذٍ نقول هذه ليست بطويلة، فإن كان كذلك مع غير (أيٍّ) قال: وَإنْ لَمْ يُسْتَطَلْ فَالْحَذْفُ نَزْرٌ –قليل- لا يقاس عليه عند البصريين وهو مَقيس عند الكوفيين. وَإنْ لَمْ يُسْتَطَلْ وصلٌ: بمعنى أن كانت جملة الصلة قصيرة، مؤلفة من المبتدئ والخبر المفرد حينئذٍ في غير أَيٍّ نقول: الْحَذْفُ نَزْرٌ –قليل- وإذا عُبِّر في مثل هذه التراكيب بأنه قليل ونزر، فالأصل فيه عدم القياس عليه، يعني: يُسمع ويُحفظ ولا يُقاس عليه. وَفِي ذَا الْحَذْفِ أَيَّاً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ: يعني: أن تكون الصلة طويلة، وَإنْ لَمْ يُسْتَطَلْ –الوصل- فَالْحَذْفُ -للعائد- نَزْرٌ: أي قليل، نحو: قول الشاعر: مَنْ يُعْنَ بالحَمْدِ لم يَنْطِقْ بما سَفَهٌ: بما سَفَهٌ يعني: بما هو سفه، فسفه هذا خبر مبتدئٍ محذوف تقديره هو، وهنا الموصول (ما)، فإذا كان الموصول (ما) حينئذٍ الأصل أنه لا تحذف صدر الصلة إلا إذا كانت الصلة طويلة، وهنا ليست بطويلة (سفه)، هو سفه هذه ليست بطويلة، فالأصل عدم الحذف، عدم الجواز، وإن أجازه الكوفيون. إذاً فالحذف للعائد المرفوع إذا كان مبتدأً وكانت الجملة الصلة قصيرة وليست بطويلة نزرٌ: أي قليل، كما ذكرناه، لا يُقاس عليه، وأجازه الكوفيون احتجاجاً بقراءة: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} [الأنعام:154]، أي: هو أحسنُ، وإذا ورد مثل هذا فالأصل فيه الجواز. إذاً قوله: إِنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ وَإشنْ لَمْ يُسْتَطَلْ، هذا التفصيل في كون صدر الصلة يجوز حذفه قياساً أو لا يجوز حذفه قياساً، ليس هو على ظاهر النظم من أن (أيّ) مثل بقية الموصولات بل هذا التفصيل في غير (أيٍّ) فحسب، وأما (أيٌّ) نفسها فهذه لا يفرق بين طول الصلة ولا غيرها، فحينئذٍ الحذف -حذف صدر الصلة من (أَيٍّ) - نقول: يجوز مطلقاً، سواء كانت الصلة طويلة أم لا، وأما ما عدا (أَيٍّ) فحينئذٍ نقول: هذه لابد من التفصيل. إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ وَإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ فَالْحَذْفُ نَزْرٌ، هذا التفصيل ليس عائداً إلى (أَيٍّ)، وإنما عائدٌ إلى غير (أَيٍّ)، ولذلك فيه إيهام. وَفِي ذَا الْحَذْفِ أَيَّاً غَيْرُ أيٍّ يَقْتَفي: غَيْرُ أيٍّ -من بقية الموصولات- يقتفي (أَيَّاً)، أي يتبعها في جواز حذف صدر الصلة لكن بشرطٍ وهو أن تكون الصلة طويلة، فإن لم تكن طويلة، فالأصل عدم الحذف وأجازه الكوفيون.

قال: وأشار بقوله: وَفِي ذَا الْحَذْفِ ... الخ: إلى المواضع التي يُحذف فيها العائد على الموصول، وهو إما أن يكون مرفوعاً أو غيره -منصوباً أو مجروراً- فإن كان مرفوعاً لم يُحذف إلا إذا كان مبتدأً وخبره مُفرد، وسيأتي التعليل لماذا خُص بهذه الحالة، نحو: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] و ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] فلا تقول: جاءني اللذان قامَ، بحذف الألف، لأنها فاعل، وإذا كانت فاعلاً حينئذٍ شرط صحة حذف صدر الصلة أو العائد إذا كان مبتدأً، وقاما: الألف هذه فاعل، إذاً لا يجوز حذف العائد. ولا اللذانِ ضُرِبا: يعني ضُرِبا بحذف الألف نقول هذا لا يجوز، لأن هذا العائد يعود على الموصول، وهو مرفوع، فلا يجوز حذفه لا لكونه مرفوعاً وإنما لكون شرط صحة جواز المرفوع أن يكون مبتدأً، وهذا نائب فاعل. وأما المبتدأ فيُحذف مع (أَيٍّ) وإن لم تطل الصلة، انتبه، يعني: التفصيل الذي ذكره ابن مالك: إنْ يُستَطَلْ وَصْلٌ لَمْ يُسْتَطَلْ: ليس في (أَيٍّ)، بل (أيٌّ) يحذف منها صدر الصلة مطلقاً بدون استثناء، بدون تفصيل، وأما غير (أَيٍّ) فيأتي التفصيل. كما تقدم من قولك: يُعْجِبُني أيهم قائم، أيهم هو قائم ونحوه، ولا يُحذف صدر الصلة مع غير (أَيٍّ) إلا إذا طالت -بهذا الشرط- نحو: جاء الذي هو ضاربٌ زيداً، انظر كيف حكمنا عليه بكونها طويلة، هو ضاربٌ مبتدأ وخبر، ثم هذا الخبر رَفَعَ ضميراً مستتراً يعود على زيد "هو"، زيداً، نقول: هذا مفعول به، إذاً طالت الصلة، جاء الذي ضاربٌ زيداً، صح لماذا؟ لأنه لا يلتبس يُعلم المحذوف من لفظ الجملة، لأن الذي بقي بعد الحذف مُفرد، والمفرد لا يمكن أن يكون صلة البتة، لأنه كما سبق: وَجُمْلَةٌ أوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ: لابد أن يكون جملة أو أن يكون شبه جملة، وجاء الذي ضاربٌ زيداً، ضاربٌ هذا ليس بجملة، ولا بشبه جملة، حينئذٍ علمنا أن ثمَّ ما هو محذوف من التركيب، الذي هو ضاربٌ زيداً. فإن لم تطل الصلة في غَيْر أَيٍّ فالحذف قليل، لا يُقاس عليه عند البصريين، وأجازه الكوفيون قياساً، نحو: جاء الذي قائمٌ، جاء الذي هو قائم، مثل: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69]، نقول: هذا الأصل عدمه، لماذا؟ لأن الصلة هنا ليست بطويلة بل هي قصيرة، جاء الذي هو قائم، ومنه قوله تعالى: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} بقراءة الرفع، بقراءة يحيى بن يعمر، والتقدير هو أحسنُ، ومثلها: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةٌ فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26]، -بالرفع- ((مَا بَعُوضَةٌ)) على جعل (ما) هنا موصولة، مثلاً الذي هو بعوضة فما فوقها، فحينئذٍ نقول: هذا مسلك الكوفيين استدلالاً بهذه القراءة في الرفع في الحالتين، حينئذٍ يكون الأصل هو جواز الحذف مطلقاً، لكن لندوره وقلته قالوا: لا يكون قياساً مطلقاً، بمعنى أنه: يكون في متسع الكلام وفي الاختيار وإنما عند الحاجة إليه. ثم قال رحمه الله:

وَأَبَوْا أنْ يُخْتَزَلْ، وَأَبَوْا: يعني امتنع النُحاة، أبى يأبى، يعني: امتنع، ((وَيَأْبَى اللَّهُ)) [التوبة:32]، وَأَبَوْا: أي امتنع النُحاة. أنْ يُخْتَزَلْ: يعني من تجويز أنْ يُخْتَزَلْ، أن يُقطع العائد، يعني يحذف. إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: يعني: إن كان بعد المحذوف ما يصلح أن يكون جملةً امتنع الحذف، وهذه عامة في أَيٍّ وفي غيرها، ليست خاصة بـ (أي) وليست خاصة بغير (أي) بل هي عامة في جميع الموصولات التي جوَّزنا فيها حذف العائد، فحينئذٍ إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي بعد الحذف لِوَصْلٍ مُكْمِلِ -يكمل به الموصول- في تمام المعنى امتنع الحذف، لأنه لا يجوز حذف ما لا يُعلم بعد الحذف، هذه قلنا قاعدة مضطردة في كل الفن من أوله إلى آخره، ما لا يُعلم بعد الحذف لا يجوز أن يُحذف، لو كان التركيب: جاء الذي هو يضربُ، هل يجوز الحذف هُنا؟ لا يجوز لأنك إذا قلت: جاءَ الذي يَضْرِبُ ظننت أن الجملة -جملة الصلة- ابتداءً جملة فعلية وهي جائز، جاء الذي هو عندك، يجوز؟ لا يجوز، جاء الذي عندك، حينئذٍ يُظن أن عندك ابتداءً هي جملة الصلة، جاء الذي هو في الدار، نقول: هو لا يجوز أن يُحذف لماذا؟ لأنه بعد الحذف لا يُعلم المحذوف، وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، فإن لم يعلم حينئذٍ امتنع الحذف. وَأَبَوْا: يعني: امتنعوا، أنْ يُخْتَزَلْ العائد، أن يحذف العائد ويقتطع إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي يعني: بعد حذفه لِوَصْلٍ مُكْمِلِ، يعني: للموصول، كأن يكون جملةً، يعني: بعد الحذف، ولهذا قلنا: الشرط أن يكون مبتدأً، وأن يكون الخبر مفرداً، فإن كان الخبر جملةً فعلية أو اسمية أو ظرفاً تامَّاً، أو جارَّاً ومجروراً تاماً امتنع الحذف، كل ما يصلُح أن يكون جملة صلة بعد الحذف امتنع حذف العائد، كأن يكون جملةً أو ظرفاً أو مجروراً تاماً، لأنه لا يُعلم أَحُذِف منه شيء أم لا، لعدم ما يدل عليه ولا فرق في ذلك بين صلة (أَيٍّ) وغيرها، فالحكم عام في (أَيٍّ) وغيرها. فلا يجوز جاءني الذي يضربُ، نقول: لا يجوز، على أن المراد جاءني الذي هو يضرب، لأن (هو) مبتدأ وجملة يضرب خبر لمَّا حذف المبتدأ جاز للخبر أن يكون صلة، فحينئذٍ التبس هل فيه محذوف أم لا؟ فالأصل عدم الحذف. على أن المراد الذي هو يضرب أو جاءني الذي أبوه قائم، لو قال الأصل: جاءني الذي هو أبو قائم، فأبوه مبتدأ ثاني، حينئذٍ حذف الأول، وقال: جاءني الذي أبوه قائمٌ، نقول: لا يصح، لأن أبوه قائم هذا يصلح أن يكون جملةً استقلالاً، حينئذٍ: يجب أن يُذكر المبتدأ الأول، فيقال: جاءني الذي هو أبو قائمٌ، ولا يجوز حذفه، أو جاءني الذي عندك أو في الدار على أن المراد الذي هو عندك أو هو في الدار ولا يعجبني أيُّهم يضرب، على أن المراد: هو يضرب، هذا لا يجوز، جاز هناك {أَيُّهُمْ أَشَدُّ}، أيهم هو أشد، لأنه لما حذف هو بقي أَشَدُّ، نقول: أَيُّهُمْ أَشَدُّ، أشد هذه كلمة واحدة، ويشترط في جملة الصلة أن تكون جملةً أو ظرفاً أو جاراً ومجروراً وليست بظرف ولا بجر حينئذٍ تعيَّن أن تكون جملة، وإذا تعيَّن أن تكون جملة حينئذٍ هي خبرٌ لمبتدئٍ محذوف لأن التركيب لا يتم إلا بذلك.

حينئذٍ: أيهم يضربُ على أن الأصل أيهم هو يضرب، نقول هذا لا يصح حذف العائد البتة، أو أيهم أبوه قائم، أو أيهم عندك أو في الدارِ كذلك كلها نقول لا يجوز الحذف فيها، أما إذا كان الباقي غير صالح للوصلِ، بأن كان مفرداً كما مثلنا: أَيُّهُمْ أَشَدُّ، أو خالياً عن العائد نحو: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84] جاز -يعني الحذف للعلم بالمحذوف-. إذاً الحذفُ في باب العائد على الموصول هذا إما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً أو مخفوضاً إن كان مرفوعاً لا يجوز حذفه إلا بشرطين وهما: أولاً: أن يكون مبتدأً مرفوعاً بالابتداء. ثانياً: أن يكون الخبر بعد حذفه مفرداً. إن انتفيا أو انتفى أحدهما امتنع الحذف، ثم نقول: إن صلح الباقي بعد حذف المحذوف لأن يكون جملةً للصلة امتنع الحذف، وهل هذه القاعدة عامة، أم أنها خاصة بالمرفوع؟ عامة، بمعنى أنها تشمل المرفوع والمنصوب والمخفوض، ولذلك كلام ابن مالك هنا غير مرتب في هذه الأبيات، يعني: ذَكَرَ حكم (أَيٍّ)، ثم انقطع عنها، ثم رجع إلى حكم (أَيٍّ) ... الخ، فالكلام فيه إيهام كما انتقده ابن عقيل في آخر شرحه. إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: لما ذكر هذه الجملة في سياق الكلام على العائد المرفوع قد يُظن أنه خاصٌ بالمرفوع، والصواب أنه عام يشمل المنصوب ويشمل المخفوض، فإذا قلت مثلاً: حذف العائد الذي يوهم اللبس، جاء الذي زيداً ضَرَبْتُهُ، هل يصح حذف العائد ضربته –الضمير-؟ جاء الذي زيداً ضَرَبتُه، قلنا: يجوز تقديم بعض أجزاء الصلة على بعضها، زيداً ضربتُه، هل يصح أن يحذف الضمير، فتقول: زيداً ضربتُ، الجواب: لا. لماذا؟ لأنه يُوهم أن زيداً هذا معمول لضربت، وهو ليس معمولاً له، بل هو معمول لفعل محذوف من باب الاشتغال. إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: لأنه لا يُفطن لحذفه، ومنه نأخذ الشرط الثاني في صحة الحذف، وهو كونه خبراً مفرداً يعني: من هذه الجملة: إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: علمنا أنه إن لم يَصلُح حينئذٍ جاز، وهذا إنما يتعيَّن في حالة واحدة فحسب، وهي أن يكون الخبرُ مفرداً، لأننا قلنا حذف المرفوع بشرطين، أن يكون مبتدأً، وهذا أخذناه من: وَصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ. أن يكون مرفوعاً هل يمكن أخذه من كلام المصنف؟ نقول: نعم، لأنه قال: وَأَبَوْا يعني النُحاة أنْ يُخْتَزَلْ ومنه المرفوع إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ، ومتى يصَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ؟ إذا لم يكن مفرداً، فإن كان مفرداً مثل: ((أَيُّهُمْ أَشَدُّ)) [مريم:69] حينئذٍ لا يصلح أن يكون جملة لصلة الموصول. إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: إلى هنا انتهى الكلام في المرفوع. ثم قال: ................................... ... وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلي بِفِعْلٍ اوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ إِنِ انْتَصَبْ وَالْحَذْفُ: هذا مبتدأ. عِنْدَهُمْ: يعني عند العرب، نُطقاً –وضعاً-، أو بالحكم عند النُحاة، عِنْدَهُمْ وهو الظاهر أنه العرب. كَثِيرٌ: هذا خبر المبتدأ.

مُنْجَلي: يعني ظاهر، تأكيد لمعنى كثير، مُنْجَلي: جلى ينجلي فهو منجلي، اسم فاعل. فِي عَائِدٍ: يعني ضمير يعود على الموصول. عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ. فِي عَائِدٍ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله كَثِيرٌ. وَالْحَذْفُ كَثِيرٌ عِنْدَهُمْ فِي عَائِدٍ -ضميرٍ-: شرط له شرطين، أن يكون متصلاً، احترازاً من المنفصل. ثانياً: أن يكون منصوباً بِفِعْلٍ أوْ وَصْفٍ، إذاً متى يجوز حذف العائد إذا كان منصوباً؟ نقول: إذا توفر فيه الشرطان، أن يكون الضمير متصلاً، فإن كان منفصلاً لا يجوز أن يحذف، جاء الذي إيَّاه ضربتُ، أين العائد؟ ضربتُ إياهُ، إياهُ ضربتُ، أين العائد؟ إياهُ، هل هو ضمير نصبٍ؟ نعم، هل يجوز حذفه؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنه منفصل، وشرط صحة جواز العائد المنتصب، أن يكون متصلاً، فإن لم يكون متصلاً، بأن كان منفصلاً، نحو: جاء الذي إياهُ ضربتُ، نقول: امتنع الحذف، والمسألة سماعية. إنِ انْتَصَبْ: هذا شرطٌ ثاني، وكان النصب بِفِعْلٍ هل هو تام أو ناقص محل خلاف، وابن مالك قال: بِفِعْلٍ وأطلق، وقيَّده كما قال الشُّراح، لقوله: كَمَنْ نَرْجُو: مثَّل بالتام، يعني: كَانَهُ زيدٌ، جاء الذي كَانَهُ زيدٌ، كَانَهُ: هذا الضمير يعود على الذي، هو العائد، متصل ومنتصب، كَانَهُ زيدٌ، زيدٌ: اسم كان، والضمير: هذا خبرها وهو في محل نصب، إذاً وجد فيه الشرطان متصل ومنتصب، وبفعلٍ أيضاً، لكن إذا اشترطنا التمام حينئذٍ لا يجوز حذفه، تام لا ناقص، والمراد بالناقص هو الذي يفتقر إلى اسم وخبر –نواسخ-. فحينئذٍ إذا قلنا بفعلٍ كما هو ظاهر النظم: بفعلٍ تامٍ: احترزنا من الناقص، فلا يجوز حذف الضمير المتصل المنتصب، في قوله: جاء الذي كَانَهُ زيدٌ، لماذا مع كونه منتصباً متصلاً؟ نقول لأن العامل وإن كان فعلاً إلا أنه ناقص، وشرط الحذف أن يكون العامل تاماً. بِفِعْلٍ أوْ وَصْفٍ: المراد بالوصف هنا: اسم الفاعل، ويشترط فيه أن يكون عاملاً، ومتى يكون عاملاً؟ إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن لم يكن بمعنى الحال والاستقبال، بأن كان بمعنى المُضي –الماضي- حينئذٍ لا يعمل. إذاً: كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ، كَمَنْ: مَن، هذه اسم موصول، بمعنى الذي. نَرْجُو يَهَبْ: ترجو، نَرْجُو نقول هذا: فعلٌ وهو تامٌ، وانتصب به الضمير العائد وهو نرجوه، كمن نرجوه يعني: الذي نرجوه يهب، يعني: يعطي، نأمل منه أن يهب يعطي العطية، إذا علَّق به الأمل. كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ: كمن نرجوه حذف الضمير المتصل هنا وهو في محل نصب، ووُجد فيه الشرطان: أولاً: منصوبٌ بفعلٍ. ثانياً: متصلٌ. ثالثاً: -إذا أردنا أن الفعل قيد واحد- بفعلٍ تامٍ، فنقيِّد قوله بِفِعْلٍ، بالمثال، قد ذكرنا القاعدة أن ابن مالك رحمه الله تعالى يعطي الأحكام بالأمثلة. إذاً فِي عَائِدٍ مُتَّصِلٍ: هذا شرطٌ أول، إن انتصب: هذا شرطٌ ثاني، وكان النصب بفعلٍ هذا تفصيل للشرط الثاني -بفعلٍ تام- قال السيوطي: أو ناقصاً في شرحه، لأن ابن مالك يرى في غير هذا الكتاب أن الحكم عام، لكن ظاهر الألفية لا.

إذاً فلا يجوز حذف المنفصل، نحو: جاء الذي إياه ضربتُ، لا يصح أن يُحذف المنفصل، جاء الذي ضربتُ، ولا المنصوب بغير الفعلِ إن نُصب بغير الفعل والوصفِ نقول: امتنع الحذف، إن انتصب الضمير العائد بغير الفعل والوصف، نقول: امتنع الحذف، مثل ماذا؟ جاء الذي إنه قائمٌ، إنه قائم: الجملة لا محل لها صلة الموصول، أين العائد؟ اسم إنَّ الضمير المتصل بها. هل يجوز حذفه؟ لا يجوز، لماذا؟ هو متصل ومنصوب، لكنه نُصِبَ بغير الفعل والوصف وشرط الحذف أن يكون منصوباً بفعلٍ أو وصف، ولا المنصوب بصلة (أل) جاء الذي أنا الضَّاربُهُ، أنا: مبتدأ، والضَّاربُهُ، الضارب: هذا خبر، والهاء: في محل نصب؛ لأن الضارب: اسم فاعل حُلِّي بـ (أل)، وإذا حُلِّي بـ (أل) حينئذٍ عمل مطلقاً بلا شرطٍ ولا قيد. حينئذٍ الضَّاربُهُ: الضمير هنا في محل نصبٍ مفعول به للضارب، هل يجوز حذفه وهو العائد؟ لا يجوز، لماذا؟ غير وصف، وغير فعل، لماذا هو غير وصف؟ قلنا: بفعلٍ أو وصفٍ؛ أن يكون بقيد، وهو أن يكون بمعنى الحال، أو الاستقبال، الوصف هنا مُطلق، بمعنى: أنَّ (أل) إذا دخلت على اسم الفاعل حينئذٍ لا يُشترط في اسم الفاعل، أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، بل يعمل مطلقاً، وإذا كان كذلك حينئذٍ إذا نصب الضميرَ نقول: لا يجوز حذفه؛ لأنه منصوبٌ بصلة (أل)، والشرط أن يكون الوصف خالياً من (أل)، فحينئذٍ يتعين أن يكون بمعنى الحال، أو الاستقبال، إلا إذا أُريد عهدٌ، أو قُيِّد بأمسِ ونحوها، سيأتي المثال. ولا المنصوب بصلة (أل): جاء الذي أنا الضَّاربُهُ، نقول: هذا ممتنع. قال ابن عقيل: وأشار بقوله: وَالْحَذْفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلي: إلى العائد المنصوب، وشرط جواز حذفه أن يكون متصلاً منصوباً بفعلٍ تامّ -قال: بفعلٍ تامّ- أخذ الحكم من المثال، وفي غير هذا الكتاب لابن مالك رحمه الله لم يَشترط، بل جوَّز مطلقاً؛ سواء كان العامل فيه فعلاً تامّاً، أَمْ ناقصاً. بفعلٍ تامٍّ أو بِوصْفٍ: نحو جاء الذي ضربتُهُ، نقول: (ضربتُه) يجوز حذف العائد، فتقول: جاء الذي ضربتُ, حذفتَه لماذا؟ لكونِهِ منصوباً بفعلٍ تامّ؛ فيجوز حذفُه، والذي أنا مُعطيكَه دِرهمٌ، يصح أن تقول: والذي أنا معطيكَ درهم بحذف الهاء؛ لأنه معمول لوصف بمعنى الحال أو الاستقبال، وكذلك هو منصوب متصل، يعني: ضميرٌ متصل، جاء الذي ضربتُه والذي أنا مُعطيكَه درهم، فيجوز حذف الهاء من ضربتُه، فتقول: جاء الذي ضربتُ، ومنه قوله تعالى: ((ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا)) [المدثر:11]، خلقتُه، ((أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا)) [الفرقان:41] هذا الذي بعثه الله رسولا، بعثه، حذف الضمير لكونه منصوباً ومتصلاً، والعامل فيه فعلٌ تامّ، وكذلك يجوز حذف الهاء من مُعطيكَه، فتقول: الذي أنا مُعطيكَ دِرهمٌ، ومنه قول الشاعر: مَا اللهُ مُوليكَ فضلٌ فاحمدنْهُ بهِ ... فما لَدى غيرِهِ نفعٌ ولاَ ضَررُ ما اللهُ مُوليكَ: الأصل مُوليكَهُ، حذف الضمير هنا لما ذكرناه.

وكلام المصنف يقتضي أنه كثير، يعني: الحذف بالوصف كثير؛ لأنه قرنه بالفعل قال: بِفِعْلٍ أوْ وَصْفٍ: لم يقيِّد بأن الأول كثير والثاني قليل، وسوّى بينهما، وهذا محل اعتراض على المصنف، بل الكثير حذفه من الفعل، وأما مع الوصف فالحذف منه قليل، والناظم هنا سوَّى بينهما، ولعلّه إنّما لم ينبّه عليه للعلم بأصالة الفعل في ذلك، وفرعية الوصف فيه، مع إرشاده إلى ذلك بتقديم الفعل وتأخير الوصف. يعني: يمكن أن يُجاب عن الناظم بأنه قدَّم الفعل، وأخّر الوصف، ومعلوم أن الشيء المقدم هو أكثر، وهو أهمّ وهو أصلٌ في العمل، وما بعده -وهو الوصف- متأخر عنه؛ لأن عمل الوصف فرعٌ عن عمل الفعل، فالأصل في العملِ للأفعال، والأسماءُ مشتقة وغيرُها إن عملت حينئذٍ يكون من باب الفرع، فالتقديمُ هنا مُراد. إذاً ظاهر كلامِه التسويةُ بين الوصف الذي هو غير صلةِ (أل)، والذي هو صلتُها، ومذهب الجمهور أن منصوبَ صلةِ (أل) لا يجوز حذفه كما ذكرناه سابقاً، إذا كان منصوباً بصلة (أل) فهذا مستثنى مما ذكره الناظم، والجمهورُ على هذا، يعني: لا يصح أن يقول: جاء الذي أنا الضَّاربُه؛ بحذف الهاء، هذا مستثنى؛ لماذا؟ لأن المنصوب هنا منصوبٌ بصلة (أل)، والناظمُ أطلقَه، وحينئذٍ يَدخل في كلامه. إذاً ما ذكره الناظم هنا من حذف العائد: إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، فإن كان مرفوعاً؛ حينئذٍ جاز حذفه بشرطين: الأول: أن يكون مبتدأً، فإن كان فاعلاً، أو نائب فاعل امتنع. ثانياً: أن يكون الخبر مفرداً، فإن كان جملة ونحوها قلنا: امتنع. مُطلقاً في (أيٍّ) وغيرها؟ في غير (أيٍّ) يشترط استطالة الصلة، وأما في (أيٍّ) فلا يشترط استطالة الصلة، يعني: لابد من التفصيل في غير (أيٍّ)، إن كانت الصلة طويلة حينئذٍ صار الحذف قياساً، وإن كانت قصيرة حينئذٍ امتنع، أو كان الحذفُ نَزْر كما قال الناظم، وأجازه الكوفيون قياساً. إِنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ: نقول هذا قيد يُفسِّر الشرطَين الماضييَن، وهو: أنّ ما حذف إن بقي بعده ما يصلح أن يكون جملة للصلة، أو شبه جملة؛ امتنع الحذف مطلقاً، سواء كان العائِدُ مرفوعاً، أو منصوباً، أو مخفوضاً، ثم ذكَر العائد المنصوب بأنه يجوز حذفُه، بل هو كثير مُنْجلي لكن بشرطَين: الأول: أن يكونَ الضمير متصلاً؛ احترازاً من المُنفصل، الثاني: أن يكون منصوباً بعاملٍ هو فعل تامّ على ظاهر اللفظ، أو وصفٍ، وهذا الوصف مُشتَرطٌ فيه أن يكون بمعنى الحال، أو الاستقبال.

ولذلك قال ابن عقيل: فإن كان الضمير منفصلاً لم يجز الحذف، لكن عدم جواز الحذف يقيَّد بما إذا كان واجبَ التقديم، يعني: جاء الذي إياه ضربتُ، نقول هنا: لا يجوز؛ لأنه لو حُذف جاء الذي ضربتُه؛ قد يقال بأنه الضمير نفسُه، ولا إشكال فيه، لكن يفوت تمامُ المعنى، وهو إنما قَدَّم (إياه) لإفادة الحصر والقصر, فإذا حُذف حينئذٍ فات هذا المعنى -فات الغرض الذي قصده المتكلم- لكن لو قال: جاء الذي ضربتُ؛ وحذفه (إياه) حينئذٍ لا بأس، هذا الأصل فيه، ولذلك إذا قصد معنىً زائداً بالتقديم امتنع الحذف، وإلا فالأصلُ الجواز؛ لأنه في قوة قوله: ضربتُه، وهذا هو الأصل، وإنما قصد معنىً فانفصل الضمير فقدَّمه كما هو في حال قوله تعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) [الفاتحة:5]، فحينئذٍ الذي لا يجوز حذفه هو الضمير الواجب الانفصال، فأما الضمير الجائز الانفصال، فيجوز حذفه. ثم قال: كَذَاكَ حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا ... كَأَنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أَمْرٍ مِنْ قَضَى هذا شُروع في الكلام على العائد إذا كان مخفوضاً في محل جرٍ، والعائد المخفوض إما أن يكون مخفوضاً بالإضافة، أو بالحرف، والخفض محصور في هذَين العامِلَين، بالإضافة يعني: مضاف. قال رحمه الله: كَذَاكَ حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا ... كَأَنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أَمْرٍ مِنْ قَضَى كَذَاكَ حَذْفُ: (حَذْفُ) هذا مبتدأ مؤخر. حَذْفُ مَا بِوَصْفٍ خُفِضَا: (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي. وخُفِضَا: الألف للإطلاق، وهي جملة الصلة. بِوَصْفٍ: جار ومجرور متعلق بقوله: (خُفِضَا)، كأنه قال: حذف ما خُفِض بوصف كذاك، أي: مثل حذف العائد المنصوب، حذف ما خُفِض بوصفٍ، إذاً اشترط في المخفوض؛ العائد إذا كان مخفوضاً اشترط في جواز حذفه أن يكون الخافِض له الوصف، يعني: اسم فاعل، أو اسم مفعول، حينئذٍ إذا كان كذلك جاز حذفه، كَأنْتَ قَاضٍ، (أَنْتَ): مبتدأ، و (قَاضٍ): خبر، يعني: كَأنْتَ قَاضٍ بَعْدَ أمْرٍ الواقع بعد أمرٍ -بعد فعل أمرٍ- مشتق من (قضى) في قوله تعالى: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) [طه:72]، كَأنْتَ قَاضٍ، كلمة (قَاضٍ) الواقعة بَعْدَ أمْرٍ مِنْ قَضَى، فاقضِ، هذا الأمر الذي قضى، مأخوذ مشتق من قضى، ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) يعني: ما أنت قاضيه، هذا هو الأصل: ما أنت قاضٍ. مَا: اسم موصول بمعنى الذي. وأَنْتَ: مبتدأ. وقاضيه: قاضي نقول: هذا خبر، وهو مضاف، والهاء ضمير متصلٌ مبني على الكسر في محل جرّ مضاف إليه، وهو العائد، هل يجوز حذفه؟ نقول: نعم يجوز حذفه؛ لماذا؟ لكون الخافِض له وصفاً، فإذا كان الخافض وصفاً حينئذٍ جاز حذفه، بخلاف إذا كان الخافض له اسم جامد؛ فلا يجوز حذفه، (كذاك) أي: مثل حذف العائد المنصوب المذكور في جوازِه وكَثرتِه؛ لماذا؟ لأن حذف العائد المنصوب هو الأصل، وحُمِل عليه المجرور؛ لأن كلاً من المنصوب والمخفوض فضلة، هذا الأصل فيه، المخفوض هذا فضله، والمنصوب فضله، وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ، فإن ضَرّ حينئذٍ امتنع الحذف.

كذاك يجوز حذف (مَا بِوَصْفٍ)، (بِوَصْفٍ) هذا متعلِّق بقوله: (خُفِضَا) بوصف لابد أن يُقيَّد؛ لأنه عامل في التقدير ليس في المعنى، فإذا كان عاملاً في التقدير حينئذٍ لابد من تقييد الوصف بكونه بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كان بمعنى الماضي حينئذٍ لا يَعمل إلا إذا حُلِّي بـ (أل). مَا بِوَصْفٍ: بمعنى الحال أو الاستقبال، عاملٍ (خُفِضا) بإضافته إليه، (كَأنْتَ قَاضٍ) يعني: كَكَلِمة (أنتَ قاضٍ) الواقع بعد فعل أمرٍ مشتقٍ من مادة قضى، إشارة إلى قوله تعالى: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) أي: قاضيه. (مِنْ قَضَى)، أو يكون (قَضَى) هنا مصدر قصره الأصل فيه بقصر الممدود للضرورة على تقدير المصدرية؛ من قضاءٍ –هذا الأصل- فقصره للضرورة، أو مِنْ قَضَى أيضاً على تقدير المصدر، لأن المَصْدر لا يشتق من الفعل الماضي، وإنما (قاضي) الأصل يُشتقُّ من المَصْدر. والمَصْدَرُ الأَصْلُ وَأيُّ أَصلِ ... ومِنهُ يَا صَاحِ اشتِقَاقُ الفِعلِ إذاً إشارة إلى قوله: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) أي: قاضيه، فلا يجوز الحذف من نحو: جاء الذي أنا غلامُه، غلامه: الضمير هذا هو العائد وهو مخفوض باسم، هل يجوز حذفه؟ لا يجوز؛ لماذا؟ لأن شرط صحة جواز الحذف أن يكون الخافض وصفاً، وغلام هذا جامد، لا يصح أن يُقال: أنا غلام؛ بحذف الهاء، لأن غلامَ العاملَ في الضمير العائد المخفوض جامد وليس بوصفٍ، أو مضروبُه، أو ضاربُه أمسِ، جاء الذي أنا ضاربُه أمسِ لا يجوز؛ لأنه لغير الحال والاستقبال؛ لأنه قال: أَمسِ، جاء الذي أنا ضاربه، يجوز؛ لأن الأصل في اسم الفاعل أن يكون للحال، هذا هو الأصل، فإن قُيِّدَ حينئذٍ، أو كان ثَمّ قَرِينة أو عهد؛ حينئذٍ إن كان للماضي فهو للماضي، وإلا فالأصل فيه أنه للحال. جاء الذي أنا ضاربُه، ضاربٌ، جاء الذي أنا ضاربٌ، على الأصل من جواز حذف الضمير لكون الخافض وصفاً، وهو بمعنى الحال أو الاستقبال، أما إذا قال: أمسِ؛ فحينئذٍ لا يجوز. قال: فإن كان مجروراً بالإضافة لم يُحذف، إلا إذا كان مجروراً بإضافة اسم فاعل، هو الذي قال: بوصفٍ بمعنى الحال، أو الاستقبال، وهذا مأخوذ من المثال، نحو: جاء الذي أنا ضاربُه الآن أو غداً، هذا تقييد من باب التأكيد فقط على الشرطية، وإلا لو لم يقيِّده فالأصل فيه أنه للحال. وكقوله: جاء الذي أنا ضاربٌ؛ بحذف الهاء، ونقول: بمعنى: الحال أو الاستقبال؛ لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال شابه الفعل من حيث العمل؛ لأنه أقرب إلى الفعل، بخلاف إذا كان ماضياً كما سيأتي في محلِّه. كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولَ جَرْ ... كَمُرَّ بِالَّذِي مَرَرتُ فَهْوَ بَرّ هذا النوع الثاني من العائد المخفوض؛ إذا كان مخفوضاً بحرف جر، حينئذٍ يشترط فيه أن يُجرّ الموصول بما جُرّ به العائِد، الحرف نفسه الذي دخل على العائد، نقول: به مثلاً، أو منه. هل يجوز حذف الضمير إذا كان عائداً، وهو مخفوض بـ (من) أو (الباء)؟ نقول: ننظر في الاسم الموصول: إن دخل عليه مثل الحرف الذي دخل على الضمير العائد بشرط أن يتحدا لفظاً، ومعنىً، ومُتعلقاً؛ جاز وإلا فلا. كَذَا: يعني: يجوز حذف العائد.

الَّذِي جُرَّ بِمَا: بمثل الحرف الذي جَرّ الموصولَ –بالنَّصْب- هذا مفعول مقدَّم لقوله: (جَرْ)، (كَذَا الَّذِي جُرَّ) يعني: كذا، أي: مثل الضمير العائد المحذوف باسم الفاعل؛ الذي جُرّ بما جَرّ الموصول، بالذي جَرّ الموصول، فالموصول هذا اسم مفعول مقدَّم، يعني: التركيب إذا قرأته على الأصل تقول: الذي جُرَّ بما جَرَ الموصولَ، حينئذٍ إذا خُفِضٍَ العائد بحرفٍ دخل عليه، وهو نفسه مثل الذي دخل على اسم الموصول؛ حينئذٍ جاز الحذف، بالمثال يتضح. مُرَّ بالذي مَررتُ فهو بَرّ: فهو بَرْ هذه تتمة ليس لها .. مُرَ بالذي مررتُ، أصل التركيب: مُرَ بالذي مررتُ بِه، به: هنا الضمير حذفه، في المثال محذوف، به، أين هو بِهِ؟ نقول: محذوف؛ لأنه إذا حذف الضمير ذهبت الباء معه، ما تبقى لوحدها، مُرَّ بالذي مررتُ به، حينئذٍ ما الذي سوغ حذف العائد وهو مجرورٌ بالباء؟ نقول: دخول حرفٍ مثلِه على اسم الموصول، أين اسم الموصول؟ مُرَّ بـ (الذي)، الذي: اسم موصول. قال: مررتُ بِه، (الباء) نفسه دخل على (الذي)، إن دخل عليه واتفقا لفظاً ومعنىً ومتعلَّقاً؛ حينئذٍ جاز الحذف، يعني: حذف العائد مع حرفه، فإن تخلَّف واحدٌ من هذه الشروط الثلاثة حينئذٍ نقول: لا يجوز الحذف. قال الشارح: وإن كان مجروراً بحرفٍ فلا يُحذَفُ -يعني: العائد المجرور بالحرف- إلا إن دخل على الموصول حرفٌ مثله لفظاً ومعنىً، واتفق العامل فيهما مادة -يعني: من نفس الحروف- بهذه القيود الثلاثة: اتفقا معنىً ولفظاً، يعني: الباء هي عين الباء، والمعنى واحد، ما تكون الباء الأولى للسببية، والثانية للتَعْدِيَة؛ لا، لابد أن يتحدا معنىً، وأن يتحدا مُتعلَّقاً؛ أن تكون الباء الأولى متعلِّقة بفعل أو وصفٍ تعلقت به الباء الثانية، ولا يشترط فيهما نفس الفعل الفعل، أو الاسم الاسم؛ لا، قد يكون ذاك فعلاً وهذا اسمٌ، لكن المادة واحدة، مُرّ بالذي أنا مارٌ به، حينئذٍ نقول: تعلقا بمادة واحدة، وإن اختلفا في الفعلية والاسمية. إذاً لابد أن يدخل على الموصول حرفٌ مثلُه لفظاً ومعنىً، واتفق العامل فيهما مادة، نحو: مررتُ بالذي مررتَ بِه، أو أنتَ مارٌّ بِه، حينئذٍ يصحُّ حذف الضمير مِن (بِه) فتذهب الباء معه، فيجوز حذف الهاء: مررتُ بالذي مررتَ، لم يقل: بِه؛ لوجود الشرط، قال الله تعالى: ((وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)) [المؤمنون:33] "منه"، ويشربُ مما تشربون منه، أين الشروط هنا؟ ((وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)) "منه"، منه: الضمير حُذِف، حينئذٍ نقول: دخل على الضمير (مِنْ) كما دخل على الاسم الموصول، (مِمَّا): أصلها من ما، اللفظ واحد، والمعنى واحد، وهي للتبعيض، والمادة واحدة؛ لأن (مِمَّا) متعلِّقٌ بقوله: يشربُ، ((يَشْرَبُ مِمَّا))، ((تَشْرَبُونَ)) منه، (منه) متعلق بـ (تشربون)، اتحدا في المادة، ولو يُشتَرط أن يكونا فعلين، يعني: الاختلاف في الصيغة لا بأس به. وقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْرَاءَ حِقْبَةً ... فَبُحْ لاَنَ مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ به يعني.

فإن اختلف الحرفان لم يجز الحذف، نحو: مررتُ بالذي غضبتَ عليه، بالذي عليه، (عليه): هو الضمير العائد، جُرّ بـ (على) حرف جرّ، وقال: (بالذي)، دخل على الموصوف حرفُ جرّ ليس هو عينُه الذي دخل على العائد، هل يجوز الحذف؟ لا يجوز الحذف، هذا واضح، فلا يجوز حذف (عليه). وكذلك: مررتُ بالذي مررت بِه على زيدٍ، لا يجوز؛ لماذا؟ لأنهما وإن اتحدا لفظاً إلا أنهما اختلفا معنىً، ليس كلّما رأيتَ الباءَ والباءَ مباشرة .. ؛ لا، لابد أن يكون معنى الباء الأولى التي دخلتْ على اسم موصول؛ هي عَيْن معنى الباء التي دخلتْ على العائِد، فلا يجوز حذف (به) منه لاختلاف معنى حرفين؛ لأن الباء الداخلة على الموصول للإلصاق، والداخلة على الضمير للسببية. وإن اختلف العاملان لم يَجُز الحذف أيضاً، العاملان .. يعني: إن اختلفا في المادة، وليس المراد الاختلاف من حيث كونه فعلاً أو اسماً؛ لا. مررتُ بالذي فرحتُ بِه، بالذي: (الباء)، فرحتُ به، هل يجوز حذف (به) الضمير؟ نقول: لا؛ لماذا؟ لأن (به) تعلَّق بـ (فرح)، وبالذي تعلق بـ (مرّ)، إذاً اختلفا في المادة، فلا يجوز حذف (بِه). وهذا كلُه هو المُشار إليه بقولِه: كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولَ جَرْ، (كَذَا): أي: مثل الذي سبق الكلام فيه من حَذف العائد المُنْتَصِب، حذفُ (الذي جُرُّ بما الموصول جَر)، يعني: يجوز حذف- ليس المنتَصِب إنما المخفوض بالوصف- يجوز حذفُ ما جَرّ الموصولَ، بهذا الشرطِ. (كَذَا الَّذِي جُرَّ بِمَا الْمَوْصُولَ جَرْ) أي: كذلك يُحذَفُ الضميرُ الذي جُرَّ بمثل ما جُر الموصولُ بِه، نحو: مررتُ بالذي مررتَ بِه فهو بَر، و (بِه) هذا من باب التقدير. إذاً أشار في هذه الأبيات المتأخرة إلى العائد، وقلنا: العائد إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مخفوضاً، إن كان مرفوعاً فيه شرطان: أن يكون مبتدأً، والخبر مفرد، وهذا شَرطٌ مطلقاً في (أيٍّ) وفي غيرها، لكن في غير (أيٍّ) لابد من استطالَة الصلة؛ أن تكون طويلة، فإن لم تكن فالحَذفُ نَزْرٌ، قليل، ولا يُقاس عليه. الثاني: المُنْتَصِب، له شَرطان: أن يكون متّصِلاً؛ احترازاً من المنفصل، أن يكون منصوباً بفعلٍ أو وصف، بشرط أن يكون هذا الوصف بمعنى الحال أو الاستقبال، وشَرَط الجمهورُ ألا يكون منصوباً بِصِلة (أل): أنا الضاربُه، هذا لا يجوز. الثالث: أن يكون مخفوضاً إما بإضافة، أو بحرفٍ، شرط الإضافة: أن يكون مخفوضاً بوصفٍ؛ اسم فاعل بمعنى الحال، أو الاستقبال. الثاني: أن يُجرَّ العائِد بما جُرَّ به الموصول لفظاً ومعنىً ومتعلَّقاً. ثم قال رحمه الله تعالى: المُعرَّف بأداة التعريف، وهذا هو النوع الأخير الذي ذكره الناظمُ رحمه الله تعالى في باب المعارِف: فمُضْمَرٌ أَعرَفُها ثُم العَلَمْ ... فَذُو إِشارةٍ فَمَوصولٌ مُتَمّ فَذُو أَداةٍ .. فِذُو أَداةٍ، هذا هو الخامس. فمُضْمَرٌ أَعرَفُها ثُمَّ العَلَمْ ... فَذُو إشارةٍ فَمَوصولٌ مُتَمّ فَذُو أَداةٍ فمُنادَى عُيِّنا ... فَذُو إِضَافةٍ بها تَبَيَّنا

أما المنادى يأتي في بابه، وأما الإضافة هذا سيأتي في أول باب المضافِ أنّه يَتعرَّف بالمضاف إليه، وقلنا: أنّه في مرتبة ما أُضيف إليه؛ إلا ما أُضيف إلى الضمير فهو في مرتبة العلم عند الجمهور، وأما المعرَّف بـ (أل) فهو يأتي في المرتبة الخامسة. والسيوطي رحمه الله في جمع الجوامع قَدَّم المعرَّف بـ (أل) على الموصول؛ لا لكونه أعرف عنده، وإنما قال: لكون الكلام على الموصول طويل، وأما الكلام على (أل) فهو قصير. المعرَّف بأداة التعريف، يعني: بآلته، ولو قال: ذو الأداة؛ لكان أخْصَر، لو قال: ذو الأداة؛ لكان أخصر من أن يقال: المعرَّف بأداة التعريف. وقوله: بأداة التعريف؛ هذا ليَعُمَّ (أَمْ) في لغة حِمْيَر، فإنها نائبة منابَ (أل)، فجمهور العرب أنهم إذا عرَّفوا إنما يأتون بـ (أل) المعرِِّفة؛ الرجُل, وأما حِميَر فيأتون بـ (أَمْ) بدلاً من (أل)، ومنه الحديث: {ليس من امْبِرٍ امْصِيامٌ في امْسَفَر)، حينئذٍ هذه كلها (أل) لكنها مبدلة اللام ميماً، وهذا خاصّ بلغة حِمْيَر، ولذلك إذا قيل: ذو الأداة؛ يعني: الأداة التي تُعرِّف، وهذا يشمل (أل)، ويشمل (أََمْ)، ويشمل (أل) بنوعيها؛ سواء كانت (أل) بجملتها معرِّفة، أو اللام على قول الجمهور، أو الهمزة على قول المُبَرِّد كما سبق. قال رحمه الله تعالى: أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أَوِ اللاَّمُ فَقَطْ ... فَنَمَطٌ عَرَّفْتَ قُلْ فِيهِ النَّمَطْ (أل) حرف تعريف، (أل) قُصِد لفظها وهي مبتدأ، حرف: هذا خبر؛ خبر المبتدأ، كيف نقول: (أل) حرف، و (أل) مبتدأ وهي اسم؟ نقول: نعم؛ الإخبار بكونها حَرفاً لا في هذا التركيب، وإنما في قولك: جاء الرجل، (أل) هنا حرف، إذا نطقتَ بها مع مَدْخُولِها صارت (أل) حرفاً، وأما في مثل هذا التركيب الإخبار عنها بكونها حرفَ تعريف؛ نقول: في هذا التركيب ليست حرفاً، وإنما هي اسمٌ، حينئذٍ هل بين الخبر والمبتدئ تناقض؟ نقول: لا؛ لأن بعضَهم يُوْرِد -أَرباب الحواشي-: بأن ثمّ تناقض في مثل هذه التراكيب، كيف نقول: (أل) ونُخبر عنها بأنها حرف، والإخبار عن الشيء يدل على أنه اسم، وإذا كان اسماً حينئذٍ نُعرِبُه مبتدأً في هذا التركيب، ونُخبِر عنه بأنه حرف، والحرف مُباين للاسم؟ نقول: هنا في هذا التركيب هي اسمٌ، والإخبار بكونها حرفاً ليس في هذا التركيب، وإنما في دخولها على مَدْخُلوها كرجل. أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو اللاَّمُ فَقَطْ، حَكَى لنا القولَين المشهورَين، وإن شئتَ قُل: الثلاثة؛ لشمول قوله: (أل) لقول الخليل وسيبويه الذي ذكرناه سابقاً. وأما اللام فقط فهذا على قول الأَخْفَش، وهو اختيار الجمهور، فـ (أو) حينئذٍ تكون لتنويع الخلاف. إذاً؛ ما هو المعرِّف: هل هو (أل)؟ هل هو (اللام)؟ هذه قلنا: فيها أربعة مذاهب على المشهور: (أل) بجُملتها أداة تعريف، يعني: الهمزة واللام معاً أداة تعريف، وعليه الخليل بن أحمد شيخ سيبويه، أن (أل) برمتها - الهمزة واللام - مُعرِّفة، وصحَّحه ابنُ مالك رحمه الله تعالى، وهذا ظاهر تقديمه هنا من قول الأول في هذا المقام؛ لأنه نَطَق في السابق:

بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ قال: (أل)، لم يقل: الألف واللام كما قال ابنُ آجُرُّوْم، فدل على أنه يختار أن (أل) بِرُمَّتِها هي المُعرِّفة، وهنا قال: (أل) حَرْفُ تَعْرِيْف أو اللامُ، فقَدَّم القول الأول، وتقديمه يُدل على أنه يختاره، هذا هو الظاهر والله أعلم. فهي حرفٌ ثنائيُ الوضعِ بمنزلة (هل) و (بل)، يعني: عند الخليل (أل) بجملتها حرف تعريف، حينئذٍ تكون ثُنائية الوضع مثل: (هل) و (بل)، وإذا كان كذلك حينئذٍ تُنطَق باسمها لا بمسماها، كما أنه لا يُقال في (قد): القاف والدال، و (هل): الهاء واللام؛ كذلك لا يقال في هذه: الألف واللام؛ هذا خطأ، على هذا القول إذا جعلنا الهمزة همزة قطع في الأصل، وهي داخلة في مسمَّى (أل)؛ جُزء منها كالزَّاي من زيد؛ حينئذٍ لا يَصح أن يقال: الألف واللام، هذا غلط، كمن يقول: (قد) القاف والدال، و (هل) الهاء واللام، نقول: هذا لحن. قال ابنُ جني: وكان الخليل يسميها (أل)، ولم يكن يسميها الألف واللام، كما لا يقال في (قد): القاف واللام. ثم اختُلِف على هذا القول: هل الهمزة قطع أم وصل؟ (أل) إذا قيل بأنها هي المعرِّفة، حينئذٍ الخليل اختار أنها همزة قطع، وليست بهمزة وصل؛ بدليل ماذا؟ أنها مفتوحة: الرَّجُل، الرَّجُل، إذا بدأت به تقول: العالِم، (أَل)، ولو كانت همزة وَصْل لكانت مكسورة؛ اضرب، اسم، نقول: همزة الوصل مكسورة، وهمزة القطع الأصل أنها مفتوحة. إذ لو كانت همزة وصل لكسرت؛ لأن الأصل في همزة الوصل الكَسرُ، ولا تُفتح أو تُضَم إلا لعارضٍ. والقول الثاني - وهو منسوب لسِيْبَوَيْهِ -: أنها همزة زائدة مُعتَدٌّ بها في الوضع، وسيأتي ثمرة الخلاف، وقيل: أداة التعريف (اللام) فقط؛ اللام، وأما الهمزة فهي زائدة ليس معتداً بها في الوضْع. والهمزة وصل اجْتُلِبَتْ للابتداء بالساكن، وفتحتْ تخفيفاً؛ لكثرة الاستعمال، وعليه سيبويه، نسب لسيبويه، والقول الأول نُسب لسيبويه، فالظاهر أن له قولين. ونقله أبو حيان عن جميع النحويين إلا ابن كيسان، يعني: نقل أن اللام هي المعرِّف فقط، القول الثاني الذي ذكره الناظم نقله أبو حيَّان عن جميع النحويين -وهذا فيه نظر- عن جميع النحويين، وأن (أل) هذه تعتبر زائدة، وهي موصولة. وثمرة الخلاف إذا قلنا بأن الهمزة: هل هي همزة قطعٍ أم وصلٍ؟ إذا قلت: قام القوم؛ حينئذٍ إذا قلنا: بأن الهمزة موجودة في أصل الكلمة - وهو القول الأول (أل) - حينئذٍ: قام القوم، وُجدت الهمزة أصالة، ثم سقطت الهمزة في دَرْج الكلام؛ لأن همزة الوصل تثبت وقفاً، وتسقط دَرْجاً، يعني: في دَرْج الكلام، هذا الأصل فيها. وإن قلنا: بأن الأصل هي اللام؛ حينئذٍ: قام القومُ ليس عندنا همزة وصْل؛ لأن همزة الوصل إنما اجْتُِلبَتْ لأجل تَمَكُّن الابتداء بالساكن، وهنا ليس قبله ساكن: قام القوم، فتحه ثم بعد ذلك اللام، وهنا يمكن الابتداء بالساكن، أما في أول الكلام قد نحتاج إلى الهمزة.

إذاً إذا قيل بأن اللام فقط هي المُعرِّف فقولنا: قام القوم؛ ليس فيه همزة وصل، وإذا قلنا: بأن (أل) بِرُمَّتِها، وأن الهمزة همزة وصل أو قطع وسُهِّلت لكثرة الاستعمال؛ حينئذٍ وُجِدت الهمزة، ولكن لكونها في دَرْج الكلام سَقطت. (أَل حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو اللام فََقط فَنَمَطٌ) (فَقَط)، الفاء هذه يقولون فيها: أنها زائدة لتحسين اللفظ، و (قَطْ) بمعنى حسب، أي: واللام حَسبُكَ، وقيل: في جواب شرط مُقَدَّر، و (قَطْ) بمعنى: انته، فيكون اسم فعل، يعني: اسم فعل أمر، أو بمعنى: حَسْب، أي: إذا عَرفتَ ذلك فانتَهِ عن طلب غيره، أو فهو حَسْبُكَ، أي: كافِيكَ. أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ أو الَّلامُ فَقَطْ، فَنَمَطٌ: هذا مبتدأ. (عَرَّفْتَ) أي: أردتَ تعريفه، صفة له. (قُلْ) هذا خبر. (فِيهِ النَّمَطْ) أَدخلتَ عليه (أل) فصار معرفة، رَجُل: قل: الرَّجُل، غلام: تقول فيه: الغلام. والنَّمَط: هو ثوب يُطرَح على الهَوْدَج، والجمع أنماط، اختُلف في تفسيره، وقال –الشارح-: ضَرْبٌ من البُسُطِ، والجمع أنماط، وقيل أيضاً: جماعة من الناس الذين أمرهم واحد، كذا قاله الجَوْهَري. (أل) نوعان: عَهدية، وجنسية، ولذلك قسمها ابن عقيل، (أل) نوعان: عهدية، وجنسية، فالعهدية هي: ما عُهِدَ مدلول مَصْحُوبها بحضورٍ حِسِّي؛ بأن تقدَّم ذكره لفظاً فأُعيد مصحوباً بـ (أل)، وهذه دائماً نقول: هي التي عُهِد مصحوبها ذِكراً، ((إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا)) [المزمل:15] ((فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)) [المزمل:16]، الثاني الرسول هو عين الأول، هذه (أل) نقول فيها: للعهد الذكري، عُهِد مدلول مَصحوبها بحضور حِسِّيّ. أو عِلْميّ؛ الذي هو الذهني بأن لم يتقدَّم له ذكر، عكس الأولى، الأولى تقدم له ذكر في اللفظِ، وهذه لا، بل ثَمّ عهد ذهني بَيْني وبينَكَ؛ إشارة، أو عِلمي - يعني: ذهني - بأن لم يتقدَّم له ذِكرٌ، ولم يكن مشاهَدَاً حال الخطاب؛ ((إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)) [التوبة:40]، ما ذُكر الغار، لكنه معلوم عند الصحابة لما نزلت الآية، ((تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح:18]، معلومة الشجرة، (أل) هذه للعهد الذِّهْني العِلْمي، أمرٌ معلوم مُدْرَكٌ بالعِلْم والذِّهن، ((بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)) [طه:12] كذلك معلوم. والجنسية: إما لتعريف الماهية؛ وهي التي لا يخلفها (كل) لا حقيقة ولا مجازاً، يعني: لا يحل محلها لفظ (كل) لا حقيقة ولا مجازاً، مثل ماذا؟ الرجُل خَيرٌ من المرأة، ما المراد هنا: الأفراد أم حقيقة الرجل؟ حقيقة الرجل من حيث هو، وليس المراد أفراد الرجال، الرجل خير من المرأة، يعني: جنس الرجل خيرٌ من جنس المرأة، أو حقيقة الرجل خير من حقيقة المرأة، ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)) [الأنبياء:30] يعني: من جنس الماء.

وإما لاستغراق الأفراد، وهي التي تخلفها (كلٌّ) حقيقة، نحو ماذا؟ ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)) [النساء:28]، وعلامتها: صحة الاستثناء من مَدْخُولها -إن أمكن وإلا فلا- ((إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)) [العصر 3،2] ((إِنَّ الإِنسَانَ)) الإنسان واحد، اللفظ واحد، لكن من جهة المعنى والأفراد فهو متعدد، ولذلك صح الاستثناء من مدخول (أل) فقيل: ((إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)) ((إِلَّا الَّذِينَ))، فكل إنسان في خسر، صَحَّ حُلول (كُلّ) محلها حقيقة، كل إنسان لفي خُسرٍ. وإما لاستغراق خصائص الأفراد؛ مبالغة في المدح أو الذَّم، وهي التي تَخلُفُها (كُلٌّ) مجازاً لا حقيقة؛ أنت الرجُلُ عِلْماً، أنتَ الرجُل كَرَماً، يعني: كأن الصفات كلها اجتمعت فيك، هذه من باب المبالغة، أنت كلُّ الناس عِلْماً، اجتمع كلُّ الكَرَم والعِلْم فيك، نقول: هذا على سبيل المبالغة، يعني: صار كاملاً في هذه الصفة. وهذا التقسيم لـ (أل) مذهب الجمهور، يعني: أنها قسمان: عهدية، وجنسية، مذهب الجمهور، وقيل: لا تكون إلا عهدية. قال ابن عُصْفُور: لا يَبْعُدُ عندي أن تسمّى الألف واللام اللتانِ لتعريف الجنس عهديتين، لأن الأجناس عند العقلاء معلومة مُذْ فهموها، والعهد تقدُّم المعرفة. لكن المشهور خلاف هذا. وقيل: العهدية بالأعيان، والجِنْسية بالأذهان. واختلف في نيابة (أل) عن الضمير -دائماً يمرُّ معَنا في حَلِّ الأبيات- اختُلِف في نيابة (أل) عن الضمير المضاف إليه، منعه أكثر البصريين، أكثر البصريين على المنع، وجوزه الكوفية، وبعض البصريين، وكثير من المتأخرين، وخرَّجوا عليه: ((فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)) [النازعات:41] يعني: مأواهُ، هذا الأصل، مضاف ومضاف إليه، وحُذف المُضاف إليه - وهو الضمير - وعُوِّض عنه (أل)؛ فقيل: المأوى، حينئذ نقول: (أل) هذه نائبة عن المضاف إليه إذا كان ضميراً، لكن أكثر البصريين على المنع. قال رحمه الله: وَقَدْ تُزَادُ لاَزِماً كَاللاَّتِ ... وَالآنَ وَالَّذِينَ ثُمَّ اللاَّتِ وَلاِضْطِرَارٍ كَبَناتِ الأَوْبَرِ ... كَذَاَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي وَقَدْ تُزَادُ (أل)؛ الأصل فيها أنها حرف معنى، ما معنى حرف معنى؟ بمعنى أنها تدل على معنى، مثل: في وعن وعلى ... الخ، فإذا كان كذلك فالأصل إذا أطلقت انصرفت إلى المعنى الأصلي وهو: المعرفة، التعريف، يعني: تفيد تعريفاً، ولذلك سبق معنا: نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا

ما معنى التأثير؟ هو: التعريف، إفادة التعريف، وهل هذا التأثير وإفادة التعريف هو معناها الأصلي في لسان العرب؟ نعم، فإن لم تكن كذلك حينئذٍ فالأصل في (أل) أنها ليست مُعرِّفة، خرجتْ عن أصلها، وإذا خرجت عن أصلها حينئذٍ حكمنا عليها بكونها زائدة، حينئذٍ: (أل) حَرْفُ تَعْرِيْف، متى؟ إذا أثَّرتْ وأفادتْ التعريف، إذاً (أل) متى تكون حرف تعريف؟ إذا أثرت وأفادت في مدخولها التعريف، فإن لم تؤثر حينئذٍ لابد لها من مَخْرَجٍ فنحكُم عليها بالزيادة؛ ولذلك قال: (وَقَدْ تُزَادُ) يعني: (أل) غير مُعَرِّفةٍ (لازِماً)، ثم قال: (وَلاضْطِرَارٍ)، قسّم لنا (أل) الزائدة قسمين: وهي زائدة لازمة، وزائدة غير لازمة، زائدة لازمة لا تنفك عنها الكلمة، وزائدة غير لازمة. والزائدة اللازمة هي ألفاظ محفوظة -ذكر منها المصنِّف بعضاً- ألفاظ محفوظة، يعني: محصورة معدودة، وغير لازمةٍ، وهي على نوعين: اضطراري، وغيره، المراد بغيره: ما يأتي في لمح الصفة ونحوها. إذاً تُزاد (أل)، والأصل فيها أنها للتعريف، فإذا كان كذلك حينئذٍ نقول: (أل) إذا كانت مُعَرِّفة فهي على أصلها، وإن لم تكن مُعَرِّفة فحينئذٍ نحكم عليها بأنها زائدة كما يُزاد غيرها من الحروف، فحينئذٍ إذا كانت زائدة - كما يُزاد غيرها من الحروف - فتَصْحَب مُعرَّفاً بغيرها، يعني: قد تَصْحَب معرفةً كما هو الشأن في الأعلام، قلنا: العبَّاس هذا علم فدَخلتْ عليه، إذاً صحبتْ معرَّفاً بغيرها، عبَّاس معرَّف بالعَلَميِّة، إذا دخلتْ عليه (أل) نقول: (أل) هنا صَحِبتْ معرَّفاً بغيرها. وقد تَصْحَب نَكِرة: إما في اللفظ والمعنى، وإما في المعنى، في اللفظ والمعنى كما مثَّل له بـ (طبتَ النفسَ)، هذا في اللفظ والمعنى، و (أل) زائدة؛ لأنه تمييز فيجب أن يكون نكرةً لفظاً ومعنىً، أو في المعنى دون اللفظ، وهذا في (أل) الجنسية. وَلقَد أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيم يَسُبُّني الجملة هنا قالوا: صفة، لكن المراد به الأول: طِبْتَ النَّفْس، وأما الثاني هذا محلُّه آخر. (أل) الزائدة؛ أي: ما لا تُفيد تعريفاً؛ بأن يكون الاسم قام به سبب للتعريف غير دخول (أل)، فحينئذٍ يُحكم بزيادة (أل)، والاسم لا يوجد فيه مُعرِّفان، لا يجتمع مُعرِّفان على الاسم الواحد. وهذه الزائدة: إما لازمة كالتي في عَلَمٍ وقارنت وضعه، كما مثَّل له بقوله: (كالّلاتي)، نقول: هذا عَلَم؛ دَخلتْ على عَلَم، و (أل) المُعرِّفة لا تجتمع مع العَلَم، لا تدخل على العَلَم، فإن وُجدتْ معه حينئذٍ حكمنا عليها بكونها زائدة، وهل زيادتها لازِمة أم مُنْفكّة؟ ننظر في العَلَم نفسه: إن كان أصل وضعه قَارنَتَه (أل)؛ حكمنا عليها بكونها لازمة، وإن لم يكن كذلك كما في قوله: رأيتُ الوليدَ بن اليَزيدِ مُبارَكاً؛ نقول الأصل فيها: أنها لا تدخل عليه، لكن لعله سهَّل دخوله عليه دُخولُها على الوليد، وإلا الأصل عدم الدخول. (وقد تُزادُ) أي: (أل) غير معرِّفةٍ؛ لأنها بزيادتها خرجت عن المعنى الذي وضعت له في لسان العرب.

(لازِماً) أي حال كونه لازماً، الذي هو (أل) أو الذي هو الزيادة، (كالّلاتي) هذا اسم صنمٍ ودخلت على علمٍ، فحينئذٍ لا يجتمع مُعرِّفان فنحكم على (أل) بأنها زائدة، لأنه في أصل الوضع هكذا وضع؛ علم قارنت وضعه، (كاللاتي) مثل ما مثَّل له الناظم، (والعُزى) و (اليسع). والآن: هذا اسم للوقت الحاضر، وملازمٌ لفتح الآخِر، وهذا متفق عليه، اسمٌ للوقت الحاضر فهو علم إذا أُطلق انصرف إلى الزمن الحاضر، وهو ملازمٌ لفتح الآخر، وهذا متَّفق عليه. وهو مبني لتضمنه معنى (أل) الحضورية، هكذا قيل، ولذلك يعجب منهم السيوطي يقول: (أل) موجودة، ثم يبنى من أجل (أل) مضمَّنة! هذا تناقُض، وهو مبني لتضمنه معنى (أل) الحضورية، وبني على الحركة لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة ليكون بناؤها على ما يستحقه الظروف. إذاً كَـ (الَّلاتِ) و (الآنَ) نقول: اللام هذه زائدة، بناءً على أن تعريفه إنما هو بالعلمية في الزمن الحاضر، حينئذٍ دخلت على شبه علمٍ، وبُني لتضمنه معنى لام الحضور، أو أنه مبني على أنه متعرف بما تعرفت به أسماء الإشارة لتضمنه معناها، بل عده بعضهم من أسماء الإشارة لأنه إذا أُطلق انصرف إلى المعنى كأنه أشار إلى الوقت الحاضر، ففيه معنى (أل) التي لم يضعها العرب -حرف إشاري- لم يضعه العرب فأشبهته أسماء الإشارة فبُني لأجلها، هو نفسه موجود في (الآن) لكن هذا كما ذكرناه محل خلاف. إذاً المقصود هنا: أن (اللات) ألِفُه لازمة، لماذا؟ لأنه وُضع علماً هكذا، قارنته (أل) وضعاً ومثله العُزى، واليسع، و (الآن) كذلك مثله. (وَالَّذِينَ ثُمَّ اللاَّتِ)، (وَالَّذِينَ ثُمَّ اللاَّتِ) هذه أسماء موصولة، وكل ما دخل عليه (أل) من الموصولات ففيه قولان: إما أن نحكم على (أل) بكونها زائدة، أو أنها مُعرِّفة، والناظم هنا حكم عليها بكونها زائدة، بناءً على أن التعريف حصل بالصلة، فإذا حكمنا على الموصول بكونه مُعرَّف بالصلة حينئذٍ لزم أن نحكم على (أل) بأنها زائدة، لماذا؟ لا يجتمع معرِّفان، بل لابد من مُعرِّف واحد. (وَالَّذِينَ ثُمَّ اللاَّتِ) هذا جمع التي: وبقية الموصولات مما فيه (أل) نفس الحُكم. وأما (من) و (ما) فهذه قيل: المَنْوية، إن لفظ بـ (أل) في الموصولات فهي مُعرِّفة، إن لم يلفظ بها كـ (من) و (أيٍّ) ونحوها فحينئذٍ نحكم على كونها معرفة بكونها متضمنة لـ (أل)، يعني (أل) المَنْوية، وقيل لا بل نُفصِّل فما كانت فيه (أل) فهو معْرِفة بـ (أل)، وما لم يكن مُحلّىً بـ (أل) فحينئذٍ حصل التعريف له بالصلة، هذا قول لم يذكره ابن عقيل.

وَالَّذِينَ ثُمَّ اللاَّتِ: ذكر المصنف في هذين البيتين أن الألف واللام تأتي زائدة وهي في زيادتها على قسمين: لازمة وغير لازمة، وغير اللازمة هذه نادرة، ثم مثَّل للزائدة اللازمة بـ (اللاتي): وهو اسم صنمٍ كان بمكة، وبالآن وهو ظرف زمان مبني على الفتح، واختلف في الألف واللام الداخلة عليه، فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور، كما في قولك: مررت بهذا الرجل؛ لأن قولك (الآن) بمعنى هذا الوقت، إشارة إلى الوقت الحاضر، وعلى هذا لا تكون زائدة، وذهب قوم منهم المصنف إلى أنها زائدة، وهو مبني لتضمنه معنى الحرف وهو لام الحضور، ومثَّل أيضاً بالذين واللاتي، والمراد بهما ما دخل عليه (أل) من الموصولات على التفسير الذي ذكرناه سابقاً. وأما غير الزائدة فأشار إليه بقوله: (ولاضطرارٍ) يعني: في الشِّعر، يعني: تُزاد زيادة غير لازمة لاضطرار، يعني: لسبب ِأو لأجلِ اضطرار في الشعر، (كبنات الأوبرِ). وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وَعَسَاقِلاً ... وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الأَوْبَرِ الأصل: بنات أوبر، بدون (أل)، وهو عَلَم على ضربٍ من الكمأة رديء، بنات الأوبر لأجل الوزن أدخل (أل) بين المضاف والمضاف إليه، حينئذٍ نقول: الأوبر هذا محلىً بـ (أل)، و (أل) هذه زائدة وليست بمعِّرفة؛ لأن أوبر هذا علم. وذهب المبرِّد أن (بنات أوبر) ليس بعلم، وإذا لم يكن علم حينئذٍ (أل) تكون عنده معرِّفة غير زائدة، أصلية. (كَذَاَ وَطِبْتَ الَّنفْسَ) يعني: مثل ذلك الاضطرار، والحكم بزيادتها إذا دخلت (أل) على التمييز، وهو واجب التنكير عند البصريين بخلاف الكوفيين. (وَطِبْتَ الَّنفْسَ يَا قَيْسُ) كما جاء في قول القائل: رأيتُك لما أنْ عرفتَ وُجوهَنا ... صَدَدتَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ عَنْ عَمْروِ (وَطِبْتَ النَّفْسَ) وطبت نفساً، اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً، نقول: هذا مثله، وطبت نفساً: هذا تمييز، والأصل فيه أنه نكرة كما سيأتي، وعلى مذهب الكوفيين من جواز وقوع التمييز معرفةً؛ (أل) حينئذٍ لا تكون زائدة. كَذَاَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي، (السَّرِي) هذا الشريف تتميم للبيت، وليس من أصل التعريف. إذاً الزائدة نقول: إما لازمة كالتي في علمٍ وقارنت وضعه، هكذا قيَّده ابن هشام في التوضيح، كاللاتي والعُزى واليسع، أو في إشارة: وهو الآن وفاقاً للزجَّاج والناظم، أو في موصولٍ وهو (الذي) و (التي) وفروعهما؛ لأنه لا يجتمع تعريفان، هذه العلة في الحكم على (أل) بأنها زائدة. وهذه معارفٌ بالعلمية في (اللاتي)، والإشارة في (الآن)، والصلة في (الذين) ثم (اللاتي)، وإما عارضة، إما خاصة بالضرورة كـ (بنات الأوبر)، و (طبت النفس)، وإما للمح الأصل كما سيأتي. قال رحمه الله تعالى: وَبَعْضُ الاَعْلاَمِ عَلَيْهِ دَخَلاَ ... لِلَمْحِ مَا قَدْ كَانَ عَنْهُ نُقِلاَ كَالفَضْلِ وَالْحَارِثِ وَالنُّعْمَانِ ... فَذِكْرُ ذَا وَحَذْفُهُ سِيَّانِ وَبَعْضُ الاَعْلاَمِ: لا كل الأعلام. بَعْضُ الاَعْلاَمِ هذا مبتدأ. دَخَلاَ: خبر.

عَلَيْهِ: جار وجرور متعلق بقوله دَخَلاَ، وهنا قال: دَخَلاَ، ولم يقل: دخلت، مراعاة للفظ (أل)؛ لأنه مُذكر، أي: دخلت ولكنه ذكر الفعل أي الحرف باعتبار الحرف، وإلا الأصل أن يقول: دخلت. (وَبَعْضُ الاَعْلاَمِ عَلَيْهِ دَخَلاَ) نقيد الأعلام بكونها منقولة، لأن العلم كما سبق منه منقول ومنه ذو ارتجال، والحكم هنا خاص بالمنقول، ولا تدخل (أل) التي للمح الصفة على المرتجل أبداً، من أين نأخذ كونها منقولة؟ من قوله: مَا قَدْ كَانَ عَنْهُ نُقِلاَ: يعني عن الوصف الذي نُقِل عنه قبل العلمية، فدل على أن الحكم هنا خاصٌ بالأعلام المنقولة، وأما المرتجلة فلا دخل لها، وبعض الأعلام المنقولة لقوله: (نقلا) عليه دخلا، حينئذٍ فلا يكون في المرتجلة. دَخَلاَ لِلَمْح: جار ومجرور متعلق بقوله دَخَلاَ، دَخَلاَ: الألف للإطلاق، لِلَمْح، ما المراد بِلَمْح؟ المراد به ملاحظة، يعني: من أجل أن يُلحظ معنىً، هذا المعنى هو الذي نُقلَ منه اللفظ إلى العلمية، (عبَّاس) قبل جعله علماً هو وصفٌ مأخوذ من العبوسة، عبوسة الوجه، حينئذٍ إذا جُعِل علماً تَجرد عن هذا المعنى، ليس كأعلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو كأعلام الرب جل وعلا تدل على معانيها؛ لا، صار مُجرَّداً، مثل غلام؛ جامد، لكن لو رأى شخصاً اسمه عباس، ورأى أنه عابس الوجه، حينئذٍ إذا أراد أن يدل على أن الاسم قد وافق مُسمَّاه الذي نُقل عنه في الأصلٍ قال: جاء العباس، مشيراً إلى أن المعنى الذي نُقِل منه لفظ عباس قبل العلمية موجود في المسمَّى، حينئذٍ إذا أُريد أن هذا المعنى موجود ولا زال في مُسمّاه جيء بـ (أل)، وإلا فحينئذٍ فنقول: الأصل عدم دخولها على الأعلام، هذا هو الأصل ولو كانت منقولة، لكن إذا أُريد بها معنىً غير التعريف - لأنها معرفة بالعلمية - وهو الإشارة إلى المعنى أو الوصف الذي نُقِل منه العلم؛ إذا أُرِيد به بعد العلمية أن يشار إليه -لذلك المعنى السابق- جيء بـ (أل) وتسمى (أل) للمح الوصف، أو للمح المعنى الذي نقل عنه قبل العلمية. لِلَمْحِ: أي: ملاحظة. مَا: أي: المعنى الذي قد كان ذلك البعض عَنْهُ نُقِلاَ: نقل عنه، الألف للإطلاق، و (عنه) هذا متعلق بقوله نُقِلاَ، أي لأجل ملاحظة الوصف الذي كان عنه نقلا ذلك البعض؛ لأن الكلام في بعض الأعلام لا في كلها. وذلك أن العلم المنقول مما يقبل (أل) .. هذا شرطٌ زاده كثير من الشُراح، وإن أطلق الناظم هنا، وذلك أن العلم المنقول مما يقبل (أل) قد يُلمَح أصلُه، يعني: قبل العلمية، يُلمح أصله، يعني: يلاحظ أصله الذي نُقِل عنه، فتدخل عليه (أل)، وأكثر وقوع ذلك في المنقول عن صفةٍ كالحارث، الحارث، هذا أنه يحرُث ويعيش، فإذا أردت في رجل اسمه حارث وترى أن عنده همة وهو يسعى الخ، وقلت: جاء الحارث، حينئذٍ نقول: وافق الاسم المُسمِّى، أُشير إلى المعنى الذي سُلب عنه أصلاً؛ لأن هذا العلم منقول عن ذلك المعنى، وأن ذلك المعنى موجود في مسمى هذا العلم؛ إحالةً على الأصل.

وأكثر ما يكون أو وقوع ذلك في المنقول عن صفةٍ، كحارثٍ، وقاسم، وعباس، وضحَّاك، أو من مصدرٍ: كفضلٍ، أو اسم عين كنعمان، فإنه في الأصل اسمٌ للدَّم، والباب كله سماعي، الباب هذا كله سماعي، فلا يجوز في محمد، وصالح، ولم تقع في نحو يزيد، ويشكر؛ لأن أصله الفعل لا يقبل (أل). ولذلك نقول في الأعلام المنقولة مما يقبل (أل)، فلو نُقِلَت الجملة الفعلية، أو الفعل وسمِّي به أحمد هل يجوز دخول (أل) التي للمح الصفة تقول: جاء الأحمد؟ لا يصلح هذا، حينئذٍ نقول: يشترط في العلم المنقول أن يصح دخول (أل) عليه قبل العلمية، وقبل العلمية أحمد ويشكر ويزيد، لا يصح دخول (أل) عليه، أما عبَّاس وفضل وحارث الأصل أنها أسماء، ويجوز دخول (أل) عليها ولو لم تكن أعلام، فلما نقلت إلى العلمية، وأُريد الإشارة إلى المعنى السابق حينئذٍ دخلت عليه (أل). (وَبَعْضُ الأعْلاَمِ) إذاً بعضها والمراد بها الإعلام المنقولة، فخرج غير المنقول كسعاد، وأُدَد، لا يقال: السعاد، ولا الأُدَد، لماذا؟ لكون (أل) لا تدخل إلا للمح الصفة، وهذا ليس فيه صفة أصلاً، ليس منقولاً. والمنقول عما لا يقبل (أل) كـ (يزيد) و (يشكر). (وَبَعْضُ الأعْلاَمِ) منقولة فلا يكون في المرتجلة. دَخَلاَ عليه، دخل: هذه الجملة خبر قلنا، لِلَمْحِ: جار ومجرور متعلق بقوله دخل، (مَا): لِلَمْحِ مَا: أي الوصف، أو المعنى، (قَدْ كَانَ) ذلك البعض؛ الأعلام المنقولة، (نُقِلاَ) عَنْهُ في السابق كَالفَضْلِ، وذلك كَالفَضْلِ مصدر، والفضل المراد به الزيادة، حينئذٍ إذا سُمِّي فضلٌ وقيل: الفضل، جاء الفضل الذي عنده الزيادة والبركة في الكلام والعلم ونحو ذلك فلا بأس، وَالْحَارِثِ: هذا صفة، وَالنُّعْمَانِ: اسم عين. فَذِكْرُ ذَا وَحَذْفُهُ سِيَّانِ فَذِكْرُ ذَا: أي (أل) التي هي للمح الصفة، يقول ابن مالك: ذكره وحذفه سيان، هل يسلَّم له بأنهما بمعنى واحد، يستوي الحذف والذكر، هل يستويان الحذفُ والذكر؟ نقول: نعم، ولا. أما باعتبار التعريف فهما سيان؛ لأن عباس والعباس كلاهما علمٌ، وهل (أل) أثرت العلمية؟ لا، هل أثرت التعريف؟ لا، إذاً عباس قبل (أل) والعباس بعد (أل) من حيث التعريف لا فرق بين ذكر (أل) وحذفها. وأما باعتبار المعنى ولمح الصفة التي نقل عنها اللفظ: هل هما سِيَّان؟ الجواب: لا، إذاً ليس حذفها كذكرها، ولذلك اعترض على الناظم، ولكن مراد الناظم والله أعلم هو المعنى الأول، لأنه يتكلم عن (أل) المُعرفة؛ لذلك قال: (أل) حَرْفُ تَعْرِيْفٍ، وصَدَّر الباب بماذا؟ قال: المُعرَّف بأداة التعريف، حينئذٍ لا اعتراض على الناظم؛ لأنه قال: أن (أل) قد تكون حرف تعريف، وقد تكون زائدةً، والزائدة قد تكون لازِمة، وقد تكون غير لازِمة، وغير اللازمة قد تكون لاضطرار، وقد تكون لغير اضطرار كما هو في لَمْحِ الصفة؛ لأنه لست مُضطراً إليه، إن شئت قلت: عباس أو العباس، ولك أن تعبر عن المعنى الآخر بجملة مركبة لا تدل عليها (أل).

حينئذٍ ذكر (ذا) (أل) التي للمح الصفة وحذفها باعتبار التعريف سيان، لا فرق بينهما، وأما باعتبار لمح الوصف، المعنى الذي دلت عليه حينئذٍ نقول: لا، ثَم فرق بينهما، فذكر (أل) له معنى قد لا يدل عليه حذفها. فَذِكْرُ (ذَا) أي: (أل)، والمعنى أنه سيانِ، أي: لا يفيد تعريفاً، هكذا نفسر كلام الناظم، وهذا هو الظاهر، ولا نتحامل عليه. أنه (سيانِ) أي: لا يفيد تعريفاً سواء ذُكرت (أل) أم لا، أما من ناحية المعنى ففيها معنى وهو: ملاحظة الأصل، وإنما المنفي هنا هو التعريف، وليس المعنى الذي دلت عليه (أل) السابقة. فذكر (ذا) (أل)، وحذفه (أل)؛ سيانِ بالنسبة للتعريف لا مطلقاً. وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ ... مُضَافٌ اوْ مَصْحُوبُ أَلْ كَالعَقَبَةْ وَحَذْفَ أَلْ ذِي إِن تُنَادِ أَو تُضِفْ ... أَوْجِبْ وَفِي غَيْرِهِمَا قَدْ تَنْحَذِفْ هذا المراد به العلم بالغلبة، ولذلك ابن هشام رحمه الله تعالى قال: الأصل أن يوضع هذا في باب العلم، فيقال: العلمُ قسمانِ: علمٌ بالوضع، وعلم بالغَلَبة، حينئذٍ وضعه هنا من باب الاستطراد. (وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ) (قد) يصير، (قد) هذه للتقليل، أو التحقيق، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، لكن العلم بالغلبة بالنسبة للموضوع قليل، وإن كان في نفسه قد يكون كثيراً، فالقلِّة والكثرة قد تكون نسبية. (وَقَدْ يَصِيرُ مُضَافٌ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ) مضاف هذا ما إعرابه؟ يَصِيرُ: هذا فعل مضارع من صارَ، وصارَ: أخت كان، فتعمل عملها، فحينئذٍ ترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها. (وَقَدْ يَصِيرُ مُضَافٌ عَلَماً) (علماً) هذا خبر (يَصِيرُ) مقدَّم، و (مُضَافٌ) هذا: اسمها. (وَقَدْ يَصِيرُ) مفهومه أن العلمية طرأت عليه، أليس كذلك؟ مفهومه قَدْ يَصِيرُ، إذاً قبل ذلك ليس علماً بالغلبة، إذاً العلمية طارئة عليه، وهذا مأخوذ من الفهم. (وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً) على بعض مسمَّياته (مُضَافٌ). وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ، هذا جار ومجرور متعلق بـ (يصير) علماً، (يصير علماً بالغلبة) أي: أن يغلب اللفظ على بعض أفراد ما وضع له، وإن شئت قل: ذو الغلبة: كل اسمٍ اشتهر به بعض أفراد معناه، كذا عرَّفه المَكُوْدِي. كل اسم اشتهر به بعض أفراد معناه، حينئذٍ اللفظ في أصل وضعه يكون عامّاً يصدق على أفرادٍ متعددة، فإذا اشتَهر ببعض الأفراد دون بعض صار علماً بالغلبة، كل اسم اشتهر به بعض أفراد معناه، ابن عمرَ، ابن عمر هذا لا يصدق على عبد الله فحسب، كل من كان ابناً لعُمَر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فيصْدُق عليه، نقول: هذا ابن عُمَر، وهذا ابنُ عُمَر، وهذا ابن عمر، إذاً هو صادق على الكُل على الجميع، لكنه اشتهر في البعض بحيث إذا أطلق انصرف إلى عبد الله، فإذا قيل: ابن عمر .. قال: ابن عمر؛ تقول: ابن عمر من هذا؟ المراد به عبد الله بن عمر، إذاً صار لفظ ابن عمر - وهو مضاف- صار علماً بالغلبة، ما وجهه؟ نقول: كونه مضافاً إلى ما بعده، وهو اسمٌ في أصل وضعه؛ بالنظر إلى الوضع اللغوي الفصيح، نقول: يصدق على كل مفرداته، لكنه اشتهر في بعض الأفراد.

المدينة: بـ (أل) (مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ ألْ كَالعَقَبَةْ) المدينة الأصل في المدينة يطلق على كلِ مدينة، لكنه اشتهر صدقها على مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حينئذٍ نقول: المدينة إذا أطلق انصرف على بعض الأفراد مع صدقه في اللغة على كل فردٍ يدخل تحته. كل اسم اشتهر به بعض أفراد معناه، وهو على ضربين نوعين: مضافٌ: كابن عمر، وذو أداةٍ كالمدينة، والنابغة، والأعشى، والعَقَبة، كما مثَّل الناظم، وهذا النوع تعرَّف قبل الغلبة بالإضافة أو بـ (أل) ثم غلبت عليه الشهرة فصار علماً وأُلغي التعريف السابق، هكذا علله المكودي. وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ ... مُضَافٌ اوْ مَصْحُوبُ أَلْ كَالعَقَبَةْ (أل) هنا نقول: زائدة، أو مُعَرِّفة؟ زائدة لأننا في سياق بيان أنواع (أل) الزائدة، قلنا: (أل) الزائدة غير اللازمة تكون اضطرارية، وتكون لغيره، منها: أن تكون للمح الصفة، ومنها: أن تدخل على ما هو علم بالغلبة. ولذلك الشاهد من هذه المسألة ذكرها في باب (أل) (مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ ألْ): (مصحوب أل)، حينئذٍ صارت (أل) هنا تُفيد العلمية بالغلبة، لكنها زائدة. ولذلك قال المكودي: وهذا النوع تعرَّف قبل الغلبة، هو مَعْرِفة قبل كونه علماً بالغلبة، بالإضافة أو بـ (أل)، ثم غلبت عليه الشهرة فصار علماً، وأُلغي التعريف السابق، إذا قلت ابن عمر، قبل أن يشتهر على عبد الله هو مَعْرِفة أو لا؟ مَعْرِفة، إذاً قبل كونه علماً بالغلبة هو مَعْرِفة، وإذا قلت: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم مَعْرِفة أو لا؟ مَعْرِفة؛ لأنه أُضيف إلى رسول، ورسول أُضيف إلى لفظ الجلالة فاكتسب التعريف، فهو مَعْرِفة قبل جعله علماً. مِن المعرَّف بالإضافة أو الأداة ما غَلَب على بعض من يستحقه حتى التحق بالأعلام، كابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص؛ غلبت على العبادلة دون غيرهم. والثاني: كالنجم للثريا، والعقبة، والمدينة، والأعشى. (وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ) أي: غلبة الاستعمال، (مضافٌ) هذا اسم يصير كابن عمر، (أو مصحوب أل) الزائدة غير اللازمة، (كالعقبة) يعني: أن (أل) التي للغلبة، هذه إذا دخلت على الاسم المعرَّف قبل جعله علماً، وغلب على بعض أفراده؛ نحكم على (أل) بأنها للغلبة، سمَّاها هكذا أكثر النُحاة على أنها للغلبة، لكنها زائدة، مثلما نقول: (أل) للمح الصفة، إذا قيل: (أل) للمح الصفة؛ صار لها معنىً غير التعريف، وإذا قلنا: (أل) التي للغلبة - أظن ابن عقيل سماها كذلك - حينئذٍ نقول: أفادت غلبة العلمية. وَحَذْفَ أَلْ ذِي إِن تُنَادِ أَو تُضِفْ ... أَوْجِبْ وَفِي غَيْرِهِمَا قَدْ تَنْحَذِفْ (وَحَذْفَ أَلْ ذِي) (ذِي) يعني: المتأخرة التي هي للغلبة. وَحَذْفَ أَلْ ذِي إن تُنَادِ مدخولها أَو تُضِفْ أوْجِبْ، (أوجِبْ) هذا فعل أمرٍ، (وَحَذْفَ) المتقدِّم هذا منصوب له. (أوْجِبْ) حذف (أل ذي) الأخيرة (إن تنادِ) مدخولها (أو تُضف) يعني: تضفه؛ لأن أصلها المعرِّفة -في الأصل- لأن أصلها المعرِّفة، فلم تكن بمنزلة الحرف الأصلي اللازم أبداً، حينئذٍ لزومها ليس أبديّاً، بمعنى أنها زائدة غير لازمة.

(وَفِي غَيْرِهِمَا) يعني: في غير النداء والإضافة، (قَدْ تَنْحَذِفْ) وهذا للتقليل، أفاد التقليل. قال ابن عقيل: من أقسام الألف واللام أنها تكون للغلبة، سمّاها للغلبة، نحو: المدينة، والكتاب، فإن حقهما الصدق على كل مدينة، وعلى كل كتاب، لكن غَلَبت المدينة على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، والكتاب على كتاب سيبويه رحمه الله، حتى إنهما إذا أُطلقا لم يتبادر إلى الفهم غيرهما. وحُكْم هذه الألف واللام أنها لا تحذف إلا في النداء، أو الإضافة، بل هو واجب، لا تحذف إلى في كذا، يعني: يجب حذفها مع المنادى، والإضافة، فتقول: يا صَعِقُ! هذه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب حذفُها مع الإضافة، نحو: يا صَعِقُ! في الصعقِ، وهذه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تحذف في غيرهما شذوذاً، سُمِع من كلامهم: هذا عَيُّوقُ طالعاً، عَيُّوق لم يضف ولم ينادَى، والأصل فيه: العَيُّوْق: وهو اسم نجمٍ، حينئذٍ العيوق: الأصل أن يبقى بـ (أل)؛ لأنها للغلبة، صار علماً بالغلبة. قال: هذا عيوق طالعاً، لم يُضَفْ ولم ينادَى، فحذفت (أل)، حينئذٍ نقول: هذا الحذف شذوذ ولا يقاس عليه، وقد يكون العلم بالغلبة أيضاً مضافاً كابن عمر، وابن عباس؛ فإنه غلب على العبادلة دون غيرهم من أولادهم، وإن كان حقُّه الصدقَ عليهم، لكن غلب على هؤلاء حتى إنه إذا أطلق ابن عمر لا يفهم منه غير عبد الله، وكذا ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، وهذه الإضافة لا تفارقه لا في نداء، ولا في غيره، يا ابن عمر! ولذلك قال: وَحَذْفَ أَلْ ذِي إِن تُنَادِ أَو تُضِفْ ... أَوْجِبْ ................. وأما المضاف فمع المنادى .. ولو أضيف إلى غيره نقول: هذا يبقى على أصله، فهو علم بالغلبة، وباقٍ على أصله، (وَقَدْ يَصِيرُ عَلَماً بِالْغَلَبَهْ) (يصير) مفهومه أن العلمية طَرَأَتْ عليه، وأن التعريف بالإضافة والأداة سابق للعلمية. (مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ ألْ) لهذين النوعين، وهما نوعان للعلم بالغلبة، ثم بيَّن أن حذف (أل) من العَلَمْ بالغلبة يجب إذا نُودِيَت الكلمة، أو أُضيفت، وأما إذا لم يكن كذلك فالحذف يكون شاذاً، والله أعلم. بهذا انتهى كلام المصنف في الأحكام الإفرادية، قلنا: من أول قوله: كَلاَمُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ إلى هنا: وَحَذْفَ (ألْ) هذه مقدمة، المعارك تبدأ من قوله: (مبتدأٌ زيدٌ) التطبيق النحوي؛ الأحكام التركيبة تبدأ من قوله: (مبتدأٌ زيدٌ) أما قبله كله تمهيد. وصلى الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

28

عناصر الدرس * فائدة الأصل في المرفوعات * شرح الترجمة (الإبتداء) ـ * القسم الأول: مبتدأله خبر * القسم الثاني: مبتدأ لا خبر له وشروطه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: "الاِبْتِدَاء". مُبْتَدَأٌ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ هذا شروع منه في الأحكام التركيبية، فكل ما سبق من أول المنظومة إلى آخر بيت وقفنا عنده في آخر المعرف بأداة التعريف، هذا متعلق بالأحكام الإفرادية، يعني الكلمات من حيث هي، ولذلك الأصل في البحث في الأسماء الستة والمثنى والجمع وجمع التكسير الأصل فيه أنها من مباحث الصرفيين وليس من مباحث النحاة، ولكن لما كانت الحاجة لازمة لمعرفة الحكم الذي يقال فيه بأنه مثنى ويرفع بالألف كانت الحاجة ماسة أن تذكر هذه المسائل في باب النحو وحينئذٍ انتقلت إلى فن النحو وإلا فالأصل هي من مباحث الصرفيين؛ لأن البحث عن أحوال الكلمة من حيث الإفراد هذا هو بحث الصرفي، والبحث عن الكلمة من حيث التركيب هذا هو بحث النحوي، ولذلك قلنا في حد النحو الشامل لنوعي الصرف والنحو الخاص: أنه علم بأصول يعرف بها أحوال الكلم إفراداً وتركيباً، إفراداً هذا ما يتعلق بجوهر الكلمة من حيث هي، كيف تثنى، كيف نأتي بها إذا أردنا أن نضعها في تركيب يفيد أنها مرفوعة أو أنها منصوبة، جمع المذكر السالم كيف يكون، كذلك جمع التكسير، الأسماء الستة .. إلى آخره، نقول: هذه الأصل فيها والبحث فيها يكون في فن الصرف، لأن متعلقها إفراد -مفرد- حينئذٍ النحو خاص بالتراكيب، وإذا أردنا أن يكون النحو خاصاً بالمصطلح الخاص عند المتأخرين حينئذٍ نقول: النحو هو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً، والإعراب والبناء إنما يكون في حال التركيب لا قبل التركيب كما سبق بيانه. والابتداء، نقول: هذا شروع من الناظم رحمه الله تعالى في الولوج في أصول النحو؛ لأنه سيبين لنا أصل بل أصول متعلقة بالجملة الاسمية، متى يكون اللفظ مبتدأً، وما حكمه، وأقسام المبتدأ وأقسام الخبر، ومتى يجوز حذف كل منهما، ومتى يجب .. إلى آخره، فيما يأتي بيانه في المسائل التي نظمها رحمه الله تعالى. إذاً: هذا شروع منه في الأحكام التركيبية، والتركيب المفيد إما جملة اسمية وإما جملة فعلية، هذا كما سبق أن الجملة نوعان: جملة اسمية؛ وهي ما صدرت باسم، وجملة فعلية؛ وهي ما صدرت بفعل. ومن الجملة الاسمية اسم الفعل مع مرفوعه، هيهات العقيق قلنا: هذه جملة اسمية؛ لأن هيهات هذا اسم فعل ماضي، وإذا كان كذلك حينئذٍ صار مُصَدَّرَاً أو صارت هذه الجملة مُصَدَّرةً باسم، وإذا كانت مصدرة باسم حينئذٍ نحكم عليها بكونها جملة اسمية.

وكذلك من الجملة الاسمية: الوصف مع مرفوعه المغني عن الخبر، وهذا يدخل في بحثنا: الوصف مع مرفوعه المغني عن الخبر، أقائم الزيدان، وهذا وإن كان في قوة، أيقوم الزيدان -قوة الفعل-؛ لأن اسم الفاعل من حيث اللفظ هو اسم، ومن حيث المعنى هو فعل، وحينئذٍ: أقائم الزيدان، هل هو جملة فعلية أم أنها جملة اسمية؟ نقول: العبرة هنا باللفظ وليس العبرة بالمعنى والعمل، وإن رفع فاعلاً، والاسم في الأصل أنه لا يرفع فاعلاً، لكن نقول هنا: رفع فاعلاً واعتبرناه جملة اسمية، كما أن هيهات العقيق، هيهات اسم ورفع فاعلاً. إذاً: الوصف مع مرفوعه المغني عن الخبر هذا يعتبر جملة اسمية. والجملة الفعلية يدخل فيها كذلك الجملة الندائية: يا زيد، وهذا كما سبق أن الفارسي يرى أن هذه الجملة مركبة من حرف واسم، والصواب أنها مركبة من فعل وفاعل والمفعول الذي هو المنادى، وحينئذٍ: يا زيد أصلها: أنادي أو أدعو زيداً، فأصل الجملة جملة فعلية، وحينئذٍ تحسب في ضمن الجملة الفعلية. هنا قدم أحكام المبتدأ على أحكام الفاعل تبعاً لسيبويه، فإنه قدم ما يتعلق بالمبتدأ على ما يتعلق بالفاعل، وبعضهم يقدم الفاعل، وبعضهم يقدم المبتدأ، هذا نزاع بين النحاة، أيُّ النوعين أولى بالتقديم؟ هل نقدم المبتدأ وأحكامه وهو مرفوع؟ أو نقدم الفاعل وأحكامه وهو كذلك مرفوع؟ سبب الخلاف في التقديم والتأخير هو خلاف آخر وهو: ما هو الأصل في المرفوعات؟ لا شك أن المرفوعات هذا يعتبر من إعراب العمد، العُمد التي هي الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر، الفعل الذي هو الفعل المضارع المجرد عن ناصب وجازم، وحينئذٍ نقول: أصل المرفوعات هل هو الفاعل أم أنه المبتدأ؟ فمن رجح أنه الفاعل حينئذٍ قدم أحكام الفاعل لأنه أصل والمبتدأ فرع، ومن رجح أن المبتدأ أصل المرفوعات حينئذٍ قدم المبتدأ وأحكامه على الفاعل. إذاً: هذا التقديم والتأخير، فإن كان في ظاهره أنه من جهة التصنيف وترتيب المسائل إلا أنه مبني على أصل مختلف فيه عند النحاة، أيُّ هذا النوعين أصل في بابه، هل هو المبتدأ أو الفاعل؟ قيل: المبتدأ أصل المرفوعات، ووجهه: أن المبتدأ مبدوء به الكلام، وأنه لا يزول عن كونه مبتدأً وإن تأخر، ابتدئ به الكلام بخلاف الفاعل، الفاعل تقول: قام زيد، لم يبتدأ به الكلام وحينئذٍ جاء في المرتبة الثانية. قام زيد، زيد قائم، أيهما ابتدئ به في الكلام؟ الافتتاح، افتتح بماذا؟ بالمبتدأ، وأما الفاعل فلا يكون إلا بعد فعل، ولا يجوز تقديمه عند البصريين. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ فَإِنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ وَإِلاَّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ إذاً: كون المبتدأ مبدوءاً به في الكلام وأنه يكون مبتدأً وإن تأخر بخلاف الفاعل؛ فإنه يكون متأخراً، وإذا تقدم على عامله انتقل من كونه فاعلاً إلى كونه مبتدأً، حينئذٍ بتقدمه وتأخره زال عنه الوصف وثبت له الوصف، يثبت له إذا تأخر، ويزول عنه إذا تقدم، أما المبتدأ فلا، تقدم أو تأخر فهو مبتدأ، زيد أخوك، أخوك زيد، فنقول: تقدم أو تأخر، حينئذٍ لا يزول عنه وصف المبتدأ، بخلاف الفاعل. وأنه عامل ومعمول، هو عامل في الخبر، كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا.

وهو معمول للابتداء، فهو عامل ومعمول، والفاعل الأصل فيه أنه معمول فحسب، والفاعل معمول ليس غيره. وقيل: الفاعل أصل، الفاعل هو الأصل في المرفوعات؛ لأن عامله لفظي، قام زيد، زيد: هذا مرفوع، ورفعه بالفعل، والفعل لفظي وهو الأصل في العمل، العمل وهو الأصل في الأفعال، وهو أقوى، وعامل المبتدأ معنوي فهو أضعف، وهو أضعف. على كلٍ؛ هل ينبني على هذا الخلاف ثمرة؟ الجواب: لا. الخلاف في هذه المسألة مما لا طائل تحته، إلا اللهم من جهة الإعراب؛ وهو أنه إذا جاء لفظ مرفوع يحتمل أنه مبتدأ تقدر له خبراً محذوفاً، ويحتمل أنه فاعل لفعل محذوف، إن قلت: الأصل هو المبتدأ حينئذٍ جعلته خبراً لمبتدئٍ محذوف، وإن كان الأصل هو الفاعل حينئذٍ قدرت له فعلاً محذوفاً، أما من جهة ما يتعلق بالمعاني فلا. الابتداء، قال رحمه الله: الابتداء. لم يقل المبتدأ وإن كان هو يريد المبتدأ، وحينئذٍ الابتداء هذا أمر معنوي، هل يريد العامل الذي هو يعمل في المبتدأ، أم يريد من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول الذي هو المبتدأ به؟ يحتمل هذا ويحتمل ذاك، لكن قيل: قال الابتداء ولم يقل المبتدأ؛ لأن الابتداء يستدعي مبتدأً، لأنه إذا قيل ابتداء عامل، يعمل في ماذا؟ لا يعمل إلا في مبتدأٍ، إذا هو لزم منه مبتدأ، والمبتدأ يستدعي ماذا؟ يستدعي خبراً. إذاً: بإطلاق لفظ الابتداء استدعى مبتدأً، والمبتدأ يستدعي خبراً؛ لأن الابتداء يستدعي مبتدأً وهو يستدعي خبراً، أو ما يسد مسده غالباً، فأطلق الابتداء وأراد ما يلزمه مباشرة وهو المبتدأ، أو بواسطة وهو الخبر. "الابْتِدَاء": المبتدأ يقال: المبتدأ به، هذا هو الأصل فيه، مبتدأ به؛ لأنه اسم مفعول، فإذا كان كذلك حينئذٍ أين ذهب الضمير؟ قالوا: هذا من باب الحذف والإيصال، يعني حذف حرف الجر واتصل الضمير، يعني استكن اتصل باسم المفعول فصار مبتدأً، أي: مبتدأً به. المبتدأ له حدود، من أشملها وأحسنها أن يقال: هو الاسم العاري عن العوامل اللفظية غير المزيدة أو الزائدة مخبراً عنه أو وصفاً رافعاً لمستغنىً به، الاسم العاري عن العوامل اللفظية غير المزيدة، وزاد بعضهم: أو شبهها لإخراج رُبَّ، مخبراً عنه أو وصفاً رافعاً لمستغنى به. قوله: الاسم هذا جنس أدخل وأخرج، أخرج ماذا؟ أخرج الفعل، فلا يكون الفعل مبتدأً من حيث معناه، وأخرج الحرف فلا يكون الحرف مبتدأً من حيث معناه. إذاً: المبتدأ خاص بالأسماء، فلا يكون مبتدأ إلا وهو اسم، وقلنا: الفعل لا يكون مبتدأ إذا قصد معناه، وأما إذا قصد لفظه فحينئذٍ جاز أن يكون مبتدأً، كما في قولنا: ضرب فعل ماض، وضرب هذا فعل في الأصل إذا اعتبر معناه، وأما إذا اعتبر لفظه فهو اسم، صار مبتدأً وأخبر عنه بقولنا: فعل ماض. كذلك الحرف إذا قصد معناه نقول: هذا حرف، ولكن يكون ذلك في التركيب، وإذا قصد لفظه حينئذٍ صار علماً وصار مبتدأً إذا أسند إليه خبر. إذاً: الاسم أخرج الفعل والحرف إذا قصد معناهما، وأما إذا قصد لفظهما فحينئذٍ هما اسمان فيدخلان في الحد معنا.

الاسم يشمل ماذا؟ إذاً أخرج الفعل والحرف، وأدخل الاسم بنوعيه: الاسم الصريح والمؤول بالصريح، الاسم الصريح هو الذي لا يحتاج في جعله مبتدأً إلى تأويل، مباشرة تلفظ به، زيد نطقت به، زيد أخوك، زيد كريم، فزيد هذا اسم صريح، يعني نطق به وهو اسم ظاهر. وأما المؤول بالصريح؛ فهو ما دخلت عليه (أن) بأن يكون ثَمَّ مضارع وتدخل عليه (أن) فحينئذٍ نقول: (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، وهذا المصدر قد يقع مبتدأ، وقد يقع فاعلاً، وقد يقع خبراً؛ فإذا كان واقعاً مبتدأً حينئذٍ صار اسماً مؤولاً بالصريح، يعني هو في نفسه في لفظه ليس باسم فضلاً عن أن يكون اسماً صريحاً، ولكن بالتأويل بأن جعل مكان (أن) وما دخلت عليه مصدر وهذا المراد بالسبك؛ حينئذٍ قلنا: هو مبتدأ.،مثاله قوله تعالى: ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] وأن تصوموا قلنا: هذا مبتدأ، لماذا؛ لأنه وجد الخبر وهو: (خَيْرٌ لَكُمْ) فلما وجد (خَيْرٌ لَكُمْ) عرفنا أن قوله: ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] مبتدأ، وإلا لا نجرأ أن نقول: (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر هكذا مباشرة، بل أولاً: إذا كان التركيب فيه خبر محكوم به والخبر لا يصلح أن يكون إلا لمبتدئ فحينئذٍ نبحث عن المبتدأ، ولذلك أشكل عليهم قوله في المثل المشهور: (تَسْمَعُ بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ). ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] هذا لا إشكال فيه، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ، لكن: (تَسْمَعُ بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ).قلنا: هذا فيه ثلاث روايات: تسمعُ تسمعَ أن تسمعَ، والإشكال في: تسمعُ خيرٌ، خيرٌ هذا خبر، كيف خبر وهو فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره؟ قلنا: هذا تأويل باستعانة بالروايات الأخرى حينئذٍ نظرنا فإذا (أن) أصلها داخلة عليه ثم حذفت ورفع الفعل، وإن كان شاذاً؛ إلا أنه في تأويل مصدر سماعك خير، سماعك بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ، ولذلك سوغ حذفها من الأول وجودها في الثاني. إذاً: إذا وجد خبر محكوم به في الكلام وثَمَّ فعل وهذا الفعل دخلت عليه (أن) المصدرية وفي ظاهر الكلام أنه محكوم عليه ولا يحكم إلا على الأسماء، وإذا حكم على الاسم دل على أنه مبتدأ ومخبر عنه بالخبر، وجب حينئذٍ تأويل ذلك الفعل (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ. ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] أي: صيامكم أو صومكم خير لكم.

((وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [النساء:25] أَنْ تَصْبِرُوا أن: حرف مصدر، وتصبروا: هذا فعل مضارع منصوب بـ (أن)، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر. مصدر هذا ما إعرابه؟ مبتدأ، وهل إعراب المصدر المنسبك من (أن) وما دخلت عليه إعرابي محلي أو تقديري؟ فيه خلاف، والصحيح أنه إعراب محلي، أنه كالمبنيات؛ لأن التقديري هو ما تعلق بالحرف الأخير فحسب، وأما المبني فهو ما تعلق بجوهر الكلمة، وحينئذٍ: ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] نقول: هذا التحليل كونه (أن) وما دخلت عليه هذا من جهة المعنى، وإلا من جهة اللفظ فهو (أن) حرف، وتصوموا أو تصبروا هذا فعل في اللفظ، وحينئذٍ لا يكون محلاً للإعراب. أين الكلمة التي تكون محلاً للإعراب؟ أما صيامكم وصومكم أو صبركم نقول: هذا تحليل من جهة المعنى. إذاً: الاسم يشمل نوعين: الاسم الصريح، وهو ما لا يحتاج في تأويله إلى مصدر، لا نحتاج، زيد قائم. والاسم المؤول بالصريح هذا كـ: أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ، وكذلك: (تَسْمَعُ بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ). الاسم العاري يعني المجرد عن العوامل اللفظية، وهذا أخرج به اسم كان، كان زيد قائماً، زيد هذا اسم مرفوع، ولكنه لم يتجرد عن العوامل اللفظية، والعوامل جمع عامل، و (أل) فيه للجنس المبطلة للجمعية، فلا يقال: إنه لا يكون مبتدأً إلا إذا وجدت فيه ثلاث عوامل؛ لأن أقل الجمع ثلاث ... أي: جنس العوامل اللفظية، فهي منفية عن المبتدأ، فلا يتقدم المبتدأ عامل لفظي البتة، والعامل اللفظي سبق حده: وهو أنه منا للسان فيه حظ، يعني ينطق به ويلفظ به كالفعل: كان زيد، كان نطقت بها لفظت بها، لم، لن، إن، في، الباء، يقوم، قم، نقول: هذه كلها عوامل لفظية؛ لأنك نطقت بها. وأما العامل المعنوي وهو ما ليس للسان فيه حظ، يعني: لا ينطق به، وهذا قلنا يشمل نوعين: الابتداء في باب المبتدأ، والذي يأتي معنا، والتجرد في باب الفعل المضارع. والعامل عرفناه بماذا؟ ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من رفع أو نصب أو خفض أو جزم. إذاً: المجرد أو العاري الاسم الذي عري وخلا وتجرد عن العوامل اللفظية، هذا فيه إشارة إلى أن عامل المبتدأ معنوي وليس بلفظي. هل دخل معنا التجرد عامل الفعل المضارع إذا لم يتقدمه ناصب ولا جازم؟ إذا قلنا: العاري عن العوامل اللفظية دخل معنا الفعل يقوم؛ فإنه عري عن العوامل اللفظية، خرج بالاسم، فلا يرد معنا الفعل المضارع المرفوع بأن عامله ليس لفظياً، بل هو معنوي، نقول: نعم، لكنه خرج بقولنا: الاسم. إذاً: العاري عن العوامل اللفظية، أي: المجرد مخرج لنحو الفاعل ونائبه؛ فإنه لم يعر عن العوامل اللفظية. قام زيد، زيد هذا اسم صريح مرفوع لكنه لم يتجرد عن العامل اللفظي وهو قام، كان زيد وزيد هذا اسم صريح مرفوع لكنه لم يتجرد عن العامل اللفظي فلا يكون مبتدأً. ضُرِبَ زيدٌ، زيد هذا اسم صريح مرفوع لكنه ليس مبتدأً لأنه لم يتجرد عن العامل اللفظي وهو ضُربَ.

ومدخول النواسخ والخبر و (أل) في العوامل للجنس واللفظية نسبة إلى اللفظ، والمراد اللفظية تحقيقاً أو تقديراً لتدخل العوامل المقدرة لتشمل العوامل المقدرة، فهي منفية؛ لأنه إذا قيل: من قام؟ قال: زيد، زيد فاعل لفعل محذوف، هنا اسم عري عن العوامل اللفظية تحقيقاً، لكنه لم يعر عن العوامل اللفظية تقديراً، حينئذٍ خرج بقولنا: العاري عن العوامل اللفظية، سواء كانت منطوقاً بها تحقيقاً أو كانت مقدرة، فاللفظ شامل للنوعين. من جاء؟ زيد، نقول: جاء زيد، زيد هذا اسم عري عن العوامل اللفظية في اللفظ، لكنه في الحقيقة لم يعر، لماذا؟ لأنه فاعل لفعل محذوف مقدر. وقيد العامل باللفظ بناءً على أن عامل المبتدأ معنوي وهو الابتداء كما سيأتي. غير الزائدة .. -عن العوامل اللفظة غير الزائدة- احترازاً مما لو دخل على المبتدأ حرف جر زائد، نحو: بحسبك درهم، ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3] الأول سماعي: بحسبك درهم، والثاني قياسي. بحسبك درهم؛ درهم: هذا خبر. بحسبك: هذا مبتدأ، لماذا لم نعكس وإن عكس البعضُ؟؟؟ نقول: لأن درهم هذا نكرة، وحسبك هذا أضيف إلى الضمير فهو أولى بأن يكون معرفة، حينئذٍ الباء نقول: هذه زائدة، الباء: حرف جر زائد، وحسبي نقول: مبتدأ ولا نقول: اسم مجرور بالباء، نقول: مبتدأ مرفوع بالابتداء، كيف مرفوع بالابتداء ولم يتجرد عن عامل لفظي؟ نقول: هذا العامل اللفظي الذي لم يتجرد عنه زائد، والعبرة بتجرده عن العوامل اللفظية إذا كانت أصلية، وأما الزائدة فقد تدخل على المبتدأ. بحسبك، حسبي: هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر زائد، حسبي: مضاف، والكاف: ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه، درهم: خبر. ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3] هل: حرف استفهام، من: حرف جر زائد، وخَالِقٍ .. هكذا بالخفض مجرور في اللفظ، خَالِقٍ نقول: مبتدأ، كيف مبتدأ وقد سبقه حرف جر؟ نقول: هذا حرف جر زائد، وشرط المبتدأ أن يخلو عن العامل اللفظي الحقيقي الأصلي وليس بالزائد، أما الزائد فلا يُنفى عن دخوله على المبتدأ، وهذا واضح بَيِّن، أصل التركيب: هل خالق غير الله؟ هَلْ مِنْ خَالِقٍ؟ من: حرف جر زائد، ولا بأس أن نقول في القرآن عند طلاب العلم: حرف جر زائد، وإن قلت: تأكيد أو صلة لا بأس بذلك. وسَمِّ مَا يُزاد لغواً أَو صِلة ... أَو قُلْ مُؤكّداً وكلٌ قِيلَ لَهْ لِكِنَّ زَائِداً ولَغواً اجتَنبْ ... إِطلاَقَهُ فِي منزل كَذا وَجَبْ ((خَالِقٍ)) [فاطر:3] هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره.

والصحيح أن المرفوع فيما إذا سبقه حرف جر زائد أو المنصوب مطلقاً إذا سبقه حرف جر زائد حينئذٍ يكون الإعراب تقديرياً ولا يكون محلياً وإن قيل به. هل الإعراب -تقدير الضمة هنا- الإعراب ((خَالِقٍ))؛ هل إعرابه تقديري أو محلي؟ قيل: محلي، وهو ضعيف، والصواب أنه تقديري؛ لأن الكلمة ملفوظ بها، وإذا كانت ملفوظاً بها حينئذٍ ننظر فيها؛ هل هي مبنية أو معربة؟ إذا كانت معربة حينئذٍ نقول: هل الحرف الأخير قابل لظهور الحركة أو لا؟ إن كان قابلاً زيدٌ حينئذٍ قلنا: هذا إعرابه ظاهر. إن لم يكن قابلاً حينئذٍ هل عدم قبوله لذاته أم لعارض؟ على القولين على النوعين يكون إعراباً تقديرياً، لأن إعراب الفتى نقول: هذا تقديري لذات الحرف، وغلامي هذا إعراب تقديري لا لذات الحرف وإنما لما عرض للحرف. ((مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3] ((خَالِقٍ)) لولا وجود من لظهر الإعراب، لو قال: هل خالق غير الله؟ حينئذٍ ظهر الإعراب. إذاً: ليس كغلامي وليس كالفتى. ((خَالِقٍ))؛ نقول: الضمة هنا مقدرة على الصحيح وليس الإعراب محلياً، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. إذاً: غيرِ الزائدة لإدخال المجرور يعني المبتدأ المجرور، كيف مبتدأ مجرور؟؟؟؟ مرفوع، وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بالاِبْتِدَا، نقول: لإدخال المبتدئ المجرور لفظاً، وحينئذٍ هو من حيث اللفظ مجرور، ومن حيث المحل يعني التقدير فهو مرفوع، يعني محل الكلمة نفسها، فهو مرفوع. ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] بَشِيرٍ هذا فاعل، جَاءَ: فعل ماض، ونَا: مفعول به، وبَشِيرٍ، من: حرف جر زائدة، وبَشِيرٍ: هذا مفعول به. ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ)) [الأنبياء:25] هذا مفعول به كذلك. بَشِيرٍ: هذا فاعل، ومِنْ رَسُولٍ: هذا مفعول به. إذاً: غيرِ الزائدة لإدخال المجرور بحرف جر زائد، نحو: هَلْ مِنْ خَالِقٍ؟ وهنا الحرف قياسي، وبحسبك درهم؛ وهذا سماعي. وشبه الزائدة مثل: رُبَّ، رُبَّ شبيهة بالزائدة. الفرق بين الزائد والشبيه بالزائد: كلاهما لا يحتاجان إلى متعلق. الزائد ليس له معنىً من المعاني التي وضع لها في لسان العرب، حينئذٍ إذا استعمل لم يستعمل في معناه، ولو قيل: هل من خالق؟ من نقول: (مِن): حرف جر، وضع في لسان العرب لتدل على التبعيض مثلاً ولبيان الجنس، وحينئذٍ هل استعملت في هذا التركيب (مِن) بمعناها الأصلي الذي وضع له في لسان العرب؟ الجواب: لا قطعاً، وحينئذٍ لماذا جيء بها؟ نقول: جردت عن معناها الأصلي، وزيدت من أجل إفادة التأكيد، إذاً لها معنى، لكن ليس هو المعنى الذي وضع لها في لسان العرب، وهذا مراد النحاة بأنه حرف جر زائد، وليس مرادهم أنه يحذف حتى نبالغ في إنكار التعبير هذا وفي الاصطلاح. نقول: مرادهم أن له معنى، وهذا المعنى هو التأكيد، إذاً: لا إشكال فيه، هو له معنى لكن باعتبار كونه لم يستعمل في معناه الذي وضع في لسان العرب صار زائداً، وأما هل له معنى أو لا؟ لا يختلف اثنان من النحاة باتفاق أنه له معنى وهو التأكيد.

والشبيه بالزائد والمقصود به رُبَّ ولعل ونحوها؛ قالوا: هذه استعملت فيما وضع لها في لسان العرب، يعني: رُبَّ تفيد التقليل أو التكثير، إذا جاءت: رُبَّ رجل كريم لقيته، رُبَّ رجل كريم قائمٌ، نقول: رجل هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد، رُبَّ هل استعملت في معناها أو لا؟ استعملت في معناها، إن كان التقليل: رُبَّ رجل كريم لقيته أو قائم، إن كان المراد به التكثير على حسب نية القائل، فحينئذ كون رُبَّ استعملت في معناها صارت شبه زائدة. لماذا لم نحكم بكونها زائدة؟ لأنها استعملت في معناها. لماذا صارت شبيهاً بالزائدة؟ لأنه ليس لها متعلق تتعلق به، والتعلق إنما يكون بحرف الجر الأصلي. لاَ بُدَّ للجار مِن التَّعَلُّقِ ... بِفعْلٍ اوْ مَعنَاهُ نحو مُرتَقِي نقول: هذا خاص بحرف الجر الأصلي، وأما الزائد والشبيه بالزائد فلا متعلق لهما البتة. مررت بزيد، بزيد: جار ومجرور متعلق بقوله: مرّ، لماذا قلنا: جار ومجرور متعلق بمرّ؟ احتجنا إلى متعلق يتعلق به؛ لأن الباء هنا حرف جر أصلي، وأما الزائد والشبيه بالزائد فلا متعلق لهما البتة. وشبيه الزائدة نحو: رُبَّ رجل كريم لقيته، فرجل: مبتدأ، ولا أثر لـ (رُبَّ) لأنها في حكم الزائد ولا تتعلق بشيء، لا أثر لها من حيث إخراج المبتدأ عن أصله، وحينئذٍ رجل نقول: هذا مبتدأ ومرفوع بالابتداء، ورُبَّ الموجودة هذه قالوا: لا اعتبار لها؛ لأنها لم تتعلق بمتعلق يؤثر في خروج المبتدأ عن كونه مبتدأً بل هو باق على أصله. مخبراً عنه أو وصفاً رافعاً لمستغنىً به، هذا بَيَّن فيه نوعي المبتدأ، أن المبتدأ قسمان: مبتدأ له خبر، ومبتدأ ليس له خبر، وإنما له فاعل أغنى وسد مسد الخبر. مخبراً عنه أي: محدثاً عنه، فالإخبار لغوي وليس المراد به المعنى الاصطلاحي. أي: محدثاً عنه، فالإخبار لغوي لا مذكوراً بعده خبره الاصطلاحي للزوم الدور لأخذ كل منهما في تعريف الآخر، لأنه إذا قلنا بأن المراد به الخبر هنا إذاً ما هو الخبر؟ الخبر هو الجزء المتم الفائدة مع المبتدأ. ما هو المبتدأ؟ هو الاسم العاري إلى آخره مخبراً عنه، فيبقى ماذا؟ الدور، لا نفهم المبتدأ إلا إذا فهمنا الخبر، لكن إذا جعلنا الخبر هنا في هذا التعريف الخبر اللغوي حينئذٍ لا دور. مخبراً عنه أو وصفاً مخرج لأسماء الأفعال بعد التركيب والأسماء قبل التركيب، رافعاً، يشمل الفاعل نحو: أقائم الزيدان، أو نائبه: أمضروب العبدان. أقائم الزيدان: هذا مبتدأ، وهو النوع الثاني. قائم: اسم وصف كما سيأتي، والزيدان هذا فاعل سد مسد الخبر. إذاً: مبتدأ ليس له خبر، وإنما له فاعل، وهذا الفاعل أغنى واكتفينا به عن طلب الخبر، وكذلك: مضروب العبدان، مضروب: هذا اسم مفعول، فيفتقر إلى نائب فاعل، والعبدان هذا نائب فاعل أغنى عن الخبر وسد مسد الخبر، يعني: أفاد الجملة فائدة تامة وإن لم يكن ثَمَّ خبر لوجود هذا المرفوع.

وخرج به نحو: أقائم؛ من قولك: أقائم أبوه زيد؛ فإنه مرفوع غير مستغنىً به. أقائم أبوه زيد، أقائم أبوه، أقائم هذا وصف. أبوه زيد، أين الرافع؟ أين المرفوع؟ قائم: وصف. وأبوه لا يكون فاعلاً، وإنما يكون زيد مبتدأ مؤخر، وقائم أبوه: هذا خبر مقدم، وزيد: هذا مبتدأ مؤخر. و (أو) في التعريف للتنويع لا للترديد، أي: المبتدأ نوعان: مبتدأ له خبر، ومبتدأ ليس له خبر، بل له مرفوع أغنى عن الخبر، مثل: أقائم الزيدان، أغنى عن الخبر يعني لا يطلب خبراً وإن كان الأصل في المبتدأ أنه يستدعي خبراً كما ذكرنا، هذا في الغالب، لكن لما رفع قائمٌ وهو وصف، رفع الزيدان على أنه فاعل له. قائمٌ: هذا وصف فهو اسم فاعل، وقلنا: اسم الفاعل في المعنى في قوة الفعل، ولذلك يرفع فاعلاً وينصب مفعولاً، وحينئذٍ من حيث اللفظ هو اسم، ومن حيث المعنى والعمل هو فعل، ولما اعتمد على الاستفهام أو النفي قوي عنده جانب الفعلية، وإذا كان كذلك ورفع فاعلاً حينئذٍ الفعل لا يصح أن يخبر عنه، بل يطلب فاعلاً، فإذا كان كذلك صار قولنا: أقائم الزيدان في معنى قولك: أيقوم الزيدان، فقائم هذا قام مقام الفعل، والفعل لا يصح الإخبار عنه فكذلك ما قام مقامه، حينئذٍ لا يصح أن يكون الزيدان هذا خبراً للمبتدئ، لماذا؟ لأنه في معنى أيقوم الزيدان، في معنى الفعل في قوة الفعل، ولذلك رفع ونصب، فإذا كان كذلك حينئذٍ ما وقع موقع الفعل أخذ حكم الفعل والفعل لا يخبر عنه بل يرفع مرفوعاً إما فاعل وإما نائب فاعل. وأشار إلى النوع الأول بقوله: مُبْتَدَأٌ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ عرَّف المبتدأ الذي له خبر بالمثال: زيد عاذر، زَيْدٌ: مبتدأ، وعَاذِرٌ: خبره. حينئذٍ في كل اسم صريح مثل زيد وهو قد عري عن العوامل اللفظية وغير الزائدة والشبيهة وقد أخبر عنه بلفظ عاذر فهو محكوم عليه حينئذٍ تحكم عليه بأنه مبتدأ، وهذا المبتدأ له خبر. مُبْتَدٌَأ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ: أعرب لك المثال، إن قلت: زَيْدٌ عَاذِرٌ، زيد: مبتدأ، وعاذر: خبره. ومَنِ اعْتَذَرْ: هذه تتمة، مَنِ اعْتَذَرْ، من: اسم موصول بمعنى الذي، فهو في محل نصب مفعول به لعاذر. واعْتَذَرْ هذه جملة الصلة لا محل لها من الإعراب. مُبْتَدَأ زَيْدٌ: مُبْتَدَأ خبر، وزَيْدٌ: مبتدأ. إعراب البيت. مُبْتَدَأ: خبر، وزَيْدٌ: مبتدأ. وعاذر: مبتدأ، وخبر: خبر -خبر له-. إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ هذا ما يتعلق بالقسم الأول: مبتدأ له خبر، وهو واضح وبين، أن يكون المبتدأ اسماً عارياً صريحاً أو مؤول بالصريح عارياً عن العوامل اللفظية غير الزائدة أو شبهها وقد أخبر عنه، وهذه كلها موجودة في هذا التركيب. زيد اسم عار عن العوامل اللفظية لم يسبقه شيء وأخبر عنه بعاذر. مُبْتَدَأٌ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ النوع الثاني من المبتدئ: وهو الذي يشترط فيه شروط: أن يكون وصفاً، وهذا الوصف معتمد على نفي أو استفهام ورفع اسماً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً وتم الكلام به، مثل له بقوله: وَأَوَّلٌ مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِي ... فَاعِلٌ اغْنَى فِي أَسَارٍ ذَانِ

هذا النوع الثاني وهو ما أغنى الفاعل عن الخبر، يعني: اكتفى الوصف بمرفوعه عن أن يطلب خبراً، إذاً: ليس كل مبتدأ له خبر، وإنما قد يكتفي بالمرفوع عن طلب الخبر لحصول الفائدة. وَأَوَّلٌ -من الجزأين- مُبْتَدَأ، وَالثَّانِي –منهما- فَاعِلٌ أو نائبه أَغْنَى المبتدأ عن طلب الخبر في نحول قولك: أسَارٍ ذَانِ الرجلان. سَارٍ هذا اسم فاعل من سرى، سرى يسري فهو سَارٍ. وهنا قد اعتمد على استفهام -سبقه استفهام- حينئذٍ سَارٍ: هذا وصف واعتمد على استفهام، ذَانِ: هذا مرفوع على أنه فاعل، وهو تثنية ذا، ذان تثنية ذا، وهو مرفوع إما بالألف على القول بأنه معرب، أو على الألف على القول بأنه مبني، على القولين. بِالأَلِفِ ارْفَعِ الْمُثَنَّى .. ... وذَانِ تَانِ لِلمُثَنَّى المُرْتَفِعْ .. إذاً: النظر فيه من هذه الحيثية. ضابط هذا النوع الثاني: أنه يشترط فيه أو إن شئت قل كـ (تعريف): كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي ورفع فاعلاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً وتم الكلام به، إن استوفى هذه الشروط الثلاثة حينئذٍ حكمنا عليه بكون الوصف مبتدأً ومرفوعه فاعل سدَّ مسد الخبر. وصف: المراد بالوصف هنا: ما دل على ذات وحدث، ذات متصفة بحدث، وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والمنسوب. أقرشي زيد؟ قرشي: هذا مبتدأ، وزيد: هذا فاعل سد مسد الخبر؛ لأن قرشي هذا في قوة المشتق منسوب إلى قريش. إذاً: وصف نقول: المراد به اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والمنسوب. كل وصف اعتمد على استفهام، يشترط في هذا الوصف: أن يكون سابقاً متقدماً -يشترط في هذا الوصف- أن يكون سابقاً، فليس منه نحو: أخواك خارج أبوهما، أخواك: مبتدأ، وخارج: خبر، أبوهما لا يصح أن نقول: خارج مبتدأ وأبوهما فاعل سد مسد الخبر، لماذا؟ لأنه يشترط في الوصف كخارج الذي يرفع فاعلاً يسد مسد الخبر أن يكون سابقاً، فإذا تقدمه غيره حينئذٍ امتنع أن يكون رافعاً لفاعل يسد مسد الخبر ولا يكون مبتدأً، بل في مثل هذا التركيب أخواك: مبتدأ. وخارج: خبر. وأبوهما: هذا فاعل له ولا يكون هو في نفسه مبتدأ، لا يكون خارج مبتدأً، لماذا؟ لكونه مسبوقاً، وشرط الوصف الذي يصح إعرابه مبتدأ: أن يكون سابقاً فلا يتقدم عليه شيء. إذاً: هذا لا يعرب مبتدأ لعدم سبقه. كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي، وهذا وإن ذكره ابن عقيل لكنه لا يشترط عند الناظم رحمه الله تعالى، لأنه قال: وَقَدْ ... يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ

فهذا ليس بشرط عند المصنف، وإنما هو شرط عند جمهور البصريين: أنه لا يرفع فاعلاً يسد مسد الخبر ولا يكون الوصف مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام، وأما عند ابن مالك فلا، وشرطه ابن مالك استحساناً لا وجوباً، فأجازه دونه بقبح، يعني لُغَيَّ، في لُغَيَّةٍ يقال فيها: فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ، سَارٍ ذَانِ، على أن سار هو مبتدأ، وذان: فاعل سد مسد الخبر، هنا لم يعتمد على نفي ولا استفهام، نقول: هذا شرطه ابن مالك استحساناً لا وجوباً، فعلى كلامه لا يجب أن يكون الوصف معتمداً عل نفي أو استفهام، ولكن على المشهور عند الجماهير أنه لا يرفع فاعلاً يسد مسد الخبر ويكون مبتدأً إلا إذا اعتمد يعني اتكأ وتقدمه نفي أو استفهام. إذاً: كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي بأي أدوات الاستفهام سواء كانت حرفاً أو اسماً، وبأي أدوات النفي سواء كان حرفاً أم اسماً أم فعلاً، وحينئذٍ يكون ما بعده رافعاً لمكتفىً به عن طلب الخبر، وهذا الشرط -وهو شرط الاعتماد على الاستفهام أو النفي- إنما هو عند البصريين، وأما الكوفيون فلا، وهو الذي مال إليه المصنف بقوله: وَقَدْ ... يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي. قلنا: الاستفهام هذا عام يشمل الحرف، كما في قولك: أقائم الزيدان. وكذلك الاسم، كما في قولك: كيف جالس العمران. وكذلك النفي يعم الحرف: ما قائم الزيدان، ويعم الفعل: ليس قائم الزيدان، ويعم الاسم: غير قائم الزيدان، فهو عام كما سيأتي. إذاً: اعتمد على استفهام أو نفي، أقائم الزيدان نقول: قائم هذا وصف واعتمد على استفهام وهو حرف، يعني اتكأ على استفهام، سبقه استفهام، هذا المراد بالاعتماد. لم يسمع إلا في الهمزة وما وقيس عليهما البواقي، وقصره عليهما أبو حيان. الاستفهام الأصل فيه أن يكون بالهمزة، والنفي الأصل أن يكون بـ (ما) النافية، الذي سمع في لسان العرب أنه مبتدأ ورفع فاعلاً سد مسد الخبر هو ما جاء بالاستفهام بالهمزة فحسب، وما جاء في النفي بـ (ما) النافية فحسب، قيس عليهما البواقي. فاسم الاستفهام قيس على همزة الاستفهام، والفعل في النفي والاسم في النفي قيس على (ما) النافية، ولذلك قصره أبو حيان على الاستفهام بالهمزة و (ما) النافية فحسب، وما عداه لا يكون وصفاً رافعاً لمكتفى به. أقائم الزيدان وما قائمون الزيدان، فإن لم يعتمد الوصف على نفي أو استفهام حينئذٍ نقول: لا يعرب الوصف مبتدأً ولا يكون الذي يليه فاعلاً سد مسد الخبر. الشرط الثاني: أن يكون رافعاً لفاعل. أن يكون رافعاً، والوصف إذا اعتمد على الاستفهام إما أن يرفع ضميراً مستتراً وإما أن يرفع فاعلاً ظاهراً، وإما أن يرفع ضميراً بارزاً. أحوال ثلاثة.

إن رفع ضميراً مستتراً خرج من الباب، ليس داخلاً معنا، ولذلك: ما زيد قائم ولا قاعد، قاعد هذا سبقه نفي؛ لأنه معطوف على ما قبله، ما زيد قائم ولا قاعد، نقول: قاعد هذا سبقه نفي وهو وصف، اسم فاعل. ورفع ضميراً مستتراً هل يصح أن نقول: قاعد هذا مبتدأ، والفاعل الضمير المستتر الذي رفعه فاعل أغنى وسد مسد الخبر؟ الجواب: لا؛ لأن من شرط إعمال اسم الفاعل على أنه مبتدأ ويرفع فاعلاً سد مسد الخبر: أن يكون رافعاً لشيء محسوس، وهو إما أن يكون اسماً ظاهراً وإما أن يكون ضميراً بارزاً، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ لا يصح أن يكون مبتدأً ولا فاعلاً سد مسد الخبر. ورفع فاعلاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً، نحو: أقائم أنتما. ومنع الكوفيون أن يكون هذا التركيب مما يكون الوصف فيه مبتدأً، وأنتما: هذا قائم مقام الخبر. وتم الكلام به، بمعنى ماذا؟ أنه يشترط أن تحصل الفائدة بذكر مرفوع الوصف، فإن لم تحصل الفائدة حينئذٍ لم يغن عن الخبر؛ لأنه كما سيأتي: وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ فصارت الفائدة التامة بوجود الخبر، تجوَّزنا بأن هذا الفاعل سد مسد الخبر إذاً: لا بد أن يؤدي وظيفة الخبر، فإن نقص حينئذٍ لا يصلح أن يكون نائباً عنه، لا يصلح أن يكون ساداً مسد الخبر بل لا بد من تصحيح الكلام. وتم الكلام به شرطه: أن يكون كافياً أي: مغنياً عن الخبر، ليخرج نحو: أقائم أبواه زيد، فإن الفاعل فيه غير مغن ولا يحسن السكوت عليه، فزيد: مبتدأ، وقائم: خبر مقدم. أقائم أبواه زيد، وحينئذٍ نقول: أقائم أبواه، أين مرجع الضمير؟ زيد. إذاً ما تم الكلام بقوله: أبواه. ماذا نصنع؟ لا نقل: أقائم هذا وصف ومبتدأ وأبواه فاعل، نقول: لا، زيد مبتدأ مؤخر، وقائم خبر مقدم. وأبواه؟ فاعل، كيف نقول فاعل ولم يسد مسد الخبر؟ عندنا مسألتان: إعمال اسم الفاعل على أن يرفع فاعل وينصب مفعول، هذه مسألة مستقلة ليس بحثنا فيها. عندنا مسألة ثانية وهي أخص من مطلق إعمال اسم الفاعل، ليس البحث في إعمال اسم الفاعل لا. اسم الفاعل يرفع فاعلاً وينصب مفعولاً، ثم قد يكون هذا الفاعل الذي رفعه قد يكون فاعلاً سد مسد الخبر وقد لا يصلح أن يكون. إذاً: أقائم أبواه زيد نقول: أقائم أبواه، لم يحصل الاكتفاء هنا بهذا الفاعل، هو فاعل لكنه لا يكون ساداً مسد الخبر، لماذا؟ لكونه لم يستغن به عن غيره، فتمم الكلام بقوله: زيد، حينئذٍ زيد: هذا مبتدأ مؤخر، وقائم أبواه: خبر مقدم. قائم خبر، وأبواه فاعل للوصف. إذاً: وتم الكلام به شرطه أن يكون كافياً أي: مغنياً عن الخبر، ليخرج نحو: أقائم أبواه زيد، وحينئذٍ التركيب لا يصلح أن يكون مما ذكرناه. إذاً بهذه الشرط الثلاثة: كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي ورفع فاعلاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً وتم الكلام به حينئذٍ نقول فيها باجتماع هذه الشروط الثلاثة: يصح أن يكون الوصف مبتدأً ومرفوعه فاعلاً سد مسد الخبر، وهذه كلها موجودة في قوله: سَارٍ ذَانِ، أشار إليها بقوله: أَسَارٍ: الهمزة للاستفهام، وسَارٍ: هذا مبتدأ. أعربناه مبتدأً لأنه وصف.

واعتمد على استفهام استحساناً عند الناظم: أَسَارٍ، وذَانِ هذا فاعل لسار، سد مسد الخبر لأنه استغنى به عن الخبر وتم الكلام به، فهو وصف سَارٍ واعتمد على الاستفهام ورفع اسم ظاهراً وهو ذَانِ وتم الكلام به. وقوله: استفهام أو نفي، قلنا: الاستفهام الأصل فيه أن يكون بالهمزة. وقيس عليه الاسم، كيف جالس العمران، كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من العمران. جالس: هذا وصف اعتمد على استفهام، ما نوع هذا الاستفهام؟ اسم، هل هو سماعي أم مقيس؟ مقيس. جالس: مبتدأ وهو وصف اعتمد على الاستفهام، ورفع اسماً ظاهراً وهو العمران وتم الكلام به. إذاً: جالس مبتدأ، والعمران: فاعل سد مسد الخبر. وكذلك في النفي الأصل فيه أن يكون بالحرف. (ما ولا وإن). أو بالفعل: ليس قائم الزيدان. ما إعراب ليس؟ ليسني. ليس فعل ماضي ناقص، وقائم اسمها. والزيدان؟؟؟؟ نحن بحثنا في المبتدئ: أَسَارٍ ذَانِ، والذي حشر ليس قائم الزيدان النفي، والجواب أن الكلام هنا في ما كان مبتدأً بالأصل أو دخل عليه ناسخ. ليس قائم الزيدان، قائم هذا في الأصل هو مبتدأ، فحينئذٍ هو اسم ليس، لو حَذفتَ ليس وجئت بالأصل الذي هو (ما) النافية حينئذٍ نقول: ما قائم الزيدان، عُبِّر بالفعل لغرض بلاغي، حينئذٍ يبقى قائم في المعنى مبتدأ، وأما في اللفظ بعد دخول (ليس) فهو اسم ليس، والعمران: هذا فاعل سد مسد الخبر، لكن تنبه أنه في باب المبتدأ الفاعل يسد مسد الخبر المرفوع، وهنا سد مسد الخبر المنصوب ولا إشكال في هذا. إذاً: بالفعل يكون النفي مثل: ليس قائم الزيدان، فالزيدان هذا أغنى عن خير ليس، وخبرها منصوب ولا إشكال، وإدخال هذا التركيب هنا باعتبار كونه مبتدأً في الأصل. كذلك النفي يكون بالاسم، مثل: غير قائم الزيدان، غير: هذا مبتدأ وهو مضاف، وقائم: هذا مضاف إليه. الزيدان فاعل لغير، غير مبتدأ للمضاف إليه لأنه هو الأصل، قائم الزيدان أصلها: ما قائم الزيدان، قيس على (ما) في النفي فجيء بالاسم: غير، وغير هذه ملازمة للإضافة، فحينئذٍ أضيفت إلى الوصف، فقيل: غير قائم، غير: مبتدأ وهو مضاف، وقائم: مضاف إليه. الزيدان: هذا فاعل سد مسد الخبر غير، لماذا؟ لكون المضاف إليه- الذي هو الأصل- لكونه وصفاً اعتمد على نفي، قائم وصف، واعتمد على نفي وهو اسم (غير) قياساً على (ما) النافية. غير قائم: هذا مضاف ومضاف إليه، فاعتبر كالكلمة الواحدة، أو أنه في قوة المرفوع بالابتداء، غير قائم كأنه كلمة واحدة، والزيدان هذا يعتبر فاعلاً سد مسد الخبر. لذلك قال ابن عقيل: وقائم مخفوض الإضافة، والزيدان فاعل سد مسد الخبر خبر غير؛ لأن المعنى: ما قائم الزيدان، فعومل غير قائم معاملة ما قائم، ومنه قوله: غَيْرُ لاَهٍ عِدَاكَ فَاطَّرِحِ الَّلهْوَ ... وَلاَ تَغْتَرِرْ بِعَارِضِ ِسَلْمٍ بِعَارِضِ ِسَلْمٍ -على الإضافة-. غَيْرُ لاَهٍ عِدَاكَ، غَيْرُ: هذا مبتدأ وهو مضاف، ولاَهٍ: هذا اسم فاعل من لهى يلهو فهو لاه، اسم فاعل مثل قائم. وعِدَاكَ: هذا فاعل بلاه، يعني مرفوع به سد مسد الخبر. ومثله قوله: غَيْرُ مَأَسُوفٍ عَلَى زَمَنِ ... يَنقَضِي بِالْهَمّ وَالحزَنِ

غَيْرُ مَأَسُوفٍ عَلَى زَمَنِ، غَيْرُ: مبتدأ وهو مضاف، ومَأَسُوفٍ: مضاف إليه، ومَأَسُوفٍ هذا اسم مفعول، إذاً يطلب نائب فاعل. غَيْرُ مَأَسُوفٍ عَلَى زَمَنِ: هذا في موضع رفع نائب فاعل سد مسد الخبر، سد مسد خبر غير، فغير: مبتدأ، ومأسوف: مخفوض بالإضافة، وعلى زمن: جار ومجرور في موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفعل وقد سد مسد خبر غير. إذاً: هذه الشروط الثلاثة بفهم الاستفهام على وجه العموم والنفي على وجه العموم حينئذٍ نقول: لابد من استيفاء هذه الشروط من أجل أن يكون الوصف مبتدأً، ومرفوعه فاعلاً سد مسد الخبر. وَأَوَّلٌ مُبْتَدَأ وَالثَّانِي وَأَوَّلٌ: يعني من الجزأين. فِي أسَارٍ ذَانِ أسَارٍ: هذا مبتدأ. والثاني منهما الذي هو ذان فاعل. أَغْنَى: يعني المبتدأ عن طلب الخبر، في قولك: أسَارٍ ذَانِ الرجلان، من كل وصف إلى آخر ما ذكرناه. وقس على المثالين المذكورين وهو: زيد عاذر وأسار ذان، وهذا يؤكد القاعدة المستنبطة أن ابن مالك رحمه الله تعالى يقرر الأحكام بالأمثلة؛ لأنه ذكر مثالاً لتعريف المبتدأ الذي له خبر، وذكر مثالاً لتعريف المبتدأ الذي ليس له خبر، وإنما له فاعل سد مسد الخبر، قال: وقس على هذا، فحينئذٍ القياس داخل في باب النحو، إنَّما الَّنحوُ قِياسٌ يُتَّبع، فهو قياس. ولذلك في باب الإعراب إذا حفظت مثالاً من كل تركيب ضبطت النحو، يعني لو أخذت صفحتين أو ثلاثاً من القرآن تضبطه حفظاً يعني إعراب تضبط البقية؛ لأن الأفعال كلها من القرآن من أوله إلى آخره لا تخرج عن ماضي ومضارع وأمر، والمرفوعات لا تخرج عن مبتدأ وخبر .. إلى آخره، إذا حفظت مرة واحدة: (إن الذين) إن: حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. كل (إن) تعربها بهذا الإعراب، (الذين) اسم (إن) اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب، مباشرة. كلما جاءك (الذين) تعرب نفس الإعراب. الحمد لله، الحمد: مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، كلما جاءك مبتدأ تعربه بهذا الإعراب. لله: اللام حرف جر، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر تقديره كائن أو استقر. تمشي على هذا. ولذلك وقس يعني: كل ما يأتيك من الأمثلة التي هي مثيل لـ: زَيْدٌ عَاذِرٌ أو أسَارٍ ذَانِ حينئذٍ الحكم واحد، ليس موقوفاً على السماع إلا من جهة إثبات الأصول والقواعد فحسب، وهو ما يسمى بالوضع النوعي، وأما ما عداه فالأمثلة والآحاد فإنما هي قياسية. وَقِسْ: على هذين المبتدأين اللذين في المثالين المذكورين، أو قس على المثال المتأخر في أسار ذان، وهذا التعبير لبعضهم وهو الأشموني، وعمم المكودي فقال: على المثالين، وهو أولى، لا بأس أن يكون على المثالين وعلى المتأخر. .. وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ وَقَدْ ... يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ، هو ذكر في المثال أسار. قال: وقس على المثال السابق لئلا يفهم أن الذي يعتمد عليه الوصف هو الاستفهام فحسب، حينئذٍ نقول: النفي مثله. وَكَاسْتِفْهَامٍ في اعتماد الوصف عليه النفي، فالنفي كالاستفهام مطلقاً سواء كان النفي بالحرف أو بالفعل أو بالاسم، كما أن الاستفهام ذكره بالحرف ويقاس عليه الاسم.

وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ: النفي كاستفهام: هذا مبتدأ مؤخر، وكاستفهام: خبر مقدم. في اعتماد الوصف عليه النفي بلفظ صالح احترازاً مما يختص بالفعل كـ (إن ولم)، يعني ليس كل حرف، لا إشكال فيه، (إن ولم) هذا حرف نفي، ولفظه النفي عام يشمل ما يختص بالفعل وما يمكن أن يدخل على الاسم، ما مراده؟ ما يصلح أن يكون داخلاً على الاسم، وأما (لم) وإن الشرطية هذه نافية، لكنها لا تدخل على المبتدأ. إذاً: وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ المراد به: بلفظ صالح، احترازاً مما يختص بالفعل كـ (إن ولم). وَقَدْ ... يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ قال الأخفش والكوفيون: -هذا وفاقاً لما ذهب إليه الكوفيون- يجوز كون الوصف مبتدأ وله فاعل يغني عن الخبر من غير اعتماد على نفي أو استفهام. عبر بـ قد، و (قد) الأصل فيها أنها للتقليل، هل التقليل مراد؟ نقول: نعم. ولذلك قلنا: اشترط الاعتماد على الاستفهام والنفي استحساناً لا وجوباً، مع أنه يرى أنه جائز لكن على قبح. وَقَدْ يَجُوزُ: يعني يجوز في الوصف الذي يرفع فاعلاً ويكون مبتدأ ويرفع فاعلاً سد مسد الخبر؛ ألا يعتمد على نفي أو استفهام وفاقاً للكوفيين والأخفش من البصريين. وَقَدْ يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ قال الأخفش والكوفيون: يجوز كون الوصف مبتدأً، وله فاعل يغني عن الخبر من غير اعتماد على نفي أو استفهام، فأجازوا: قائم الزيدان، هذا قائم مبتدأ وهو وصف، والزيدان هذا فاعل سد مسد الخبر. عند الكوفيين هذا جائز، وعند البصريين لا يجوز، قائم الزيدان لا يجوز، وحينئذٍ قائم لا يصح أن يكون مبتدأً، لماذا؟ لكونه لم يعتمد على نفي أو استفهام ولا يصح أن يكون خبراً مقدماً ولا الزيدان مبتدأً مؤخراً، التركيب غلط، لماذا؟ لعدم التطابق، لو قال: قائمان الزيدان، قائمان الزيدان قد يقال على لغة أكلوني البراغيث وأما قائم الزيدان لا يصح، التركيب يكون خطأً. إذاً: ذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك، فأجازوا: قائم الزيدان، وقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: وَقَدْ يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ أي: قد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأً من غير أن يسبقه نفي أو استفهام، وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف، ومما ورد منه قوله: فَخَيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْكُمْ: فَخَيْرٌ نَحْنُ، خَيْرٌ أفعل التفضيل. خَيْرٌ: هذا مبتدأ، ونَحْنُ: هذا فاعل سد مسد الخبر، هكذا استدل به الكوفيون، خير مبتدأ، ونحن فاعل سد مسد الخبر، ولم يسبقه نفي ولا استفهام، ما الجواب؟ نقول: هذا يمكن أن يؤول، بمعنى: أن يعرب إعراباً موافقاً للقواعد والأصول، فيقال: نحن هذا مبتدأ مؤخر، وخير: هذا خبر مقدم. خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلاَتَكُ مُلْغِياً ... مَقَالَةَ لِهْبِيٍّ إذَا الطّيَرُ مَرَّتِ لا نلغيها.

خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ، خبير: هذا مبتدأ، وبنو لهب: هذا فاعل سد مسد الخبر، ولم يتقدمه نفي ولا استفهام، ولذلك لم يشترطه الكوفيون، والجواب أن يقال: أنه على التقديم والتأخير: بنو لهب خبير، بنو: هذا جمع، وخبير: هذا واحد، لم يحصل التطابق، نقول: لا، فعيل هذا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، يعني لا يلزم فيه المطابقة من باب قوله: ((وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) [التحريم:4]. إذاً: ما دام أنه يجوز كون الوصف خبراً مقدماً على حد ما ذكرناه من الآية حينئذٍ لا يصح الاستدلال به، وكل دليل ورد إليه الاحتمال عندهم يعتبر باطلاً. خبير بنو لهب، أجيب بأن خبير خبر مقدم، ولم يطابق لأن باب فعيل لا يلزم فيه المطابقة. إذاً: يشترط في المبتدأ الذي يكون وصفاً أن يكون معتمداً على نفي أو استفهام إلا على مذهب الكوفيين والأخفش. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

29

عناصر الدرس * عامل المبتدأوالخبر * حد الخبر * أنواف الخبر. بيان النوع الأول وشروطه (الخبر الجملة) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد: بالنسبة لمسألة رفع الضمير المنفصل، هذا محل نزاع بين النحاة، لذلك مذهب جماعة من النُّحاة أنه يجب أن يكون الفاعل الذي يرفعه الوصف المعتمد اسماً ظاهراً، ولا يجوز أن يكون ضميراً منفصلاً: (قائم أنتما) هذا لا يجوز عند الكوفيين، إنما يجب أن يكون اسماً ظاهراً، قلنا: الصواب أنه يجوز لورود السماع به. (خَليِلَىَّ مَا وَافٍ بِعَهْدِي أَنْتٌمَا ... ) حينئذ إن سمع ما ظاهره ذلك فهو محمول على أن الوصف خبر مقدم والضمير مبتدأ مؤخر. يعني: إذا جاء: أقائم أنت، أنت: صار هذا مبتدأ مؤخر و (قائم): هذا خبر مقدم، لماذا؟ لامتناع أن يرفع الوصف ضميراً بارزاً، هذا مذهب الكوفيين، الصواب أنه يجوز أن يرفع ضميراً بارزاً. وعند هؤلاء أنك إذا قلت: أمسافر أنت؟ صح هذا الكلام عربية، ولكن يجب أن يكون (مسافر) خبراً مقدماً و (أنت) مبتدأ مؤخراً على العكس، والجمهور على أنه يجوز أن يكون الفاعل المغني عن الخبر ضميراً بارزاً كما يكون اسماً ظاهراً، وجاء قوله تعالى: ((أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي)) [مريم:46] أَرَاغِبٌ، راغب هذا اسم فاعل، واعتمد على استفهام ((أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي))؟ حينئذ يتعين أن يكون (راغب) مبتدأ، و (أنت) هذا فاعل سد مسد الخبر، ولو عُكس هل يجوز أو لا؟ أن يكون (أنت) هذا مبتدأ مؤخر و (راغب) هذا خبر مقدم؟ لا يجوز؛ لأن ((عَنْ آلِهَتِي)) [مريم:46] هذا جار ومجرور متعلق بقوله: راغب، فإذا جُعل خبراً مقدماً وأنت مبتدأً مؤخراً، حينئذ فصل بين العامل والمعمول وهذا لا يجوز، هذا يدل على أنه يجوز أن يكون -المرفوع فاعلاً سد مسد الخبر- أن يكون ضميراً بارزاً كما هو مذهب البصريين. قال الناظم رحمه الله تعالى: وَالثَّانِ مُبْتَداً وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ ... إِنْ فِي سِوَى الإِفْرَادِ طِبْقَاً اسْتقَرّ وَالثَّانِ مُبْتَداً: وَالثَّان الذي هو الاسم المرفوع وَالثَّانِ وهو ما بعد الوصف. مُبْتَداً وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ: أن يجعل الوصف خبراً مقدماً والمرفوع مبتدأً مؤخراً. الوصف نقول: قائم مقام الفعل، لشدة شبهه به، ولأجل ذلك مُنع ما يمنع منه الفعل، فلا يخبر عنه كما ذكرناه آنفاً، لا يخبر عنه لماذا؟ لأن الفعل لا يخبر عنه، فكذلك ما قام مقام الفعل لا يخبر عنه، ولا يصغر فلا يقال: أضُوَيْرِبٌ أنت يا زيد مثلاً، ضويرب لا يصح، لماذا؟ لأن الفعل لا يصغر وضارب هذا قلنا في قوة الفعل .. أقائم، أضارب زيد كأنه قال: أيضرب زيد؟ فلما كان كذلك حينئذ منع الوصف مما يمنع منه الفعل، والفعل لا يخبر عنه فكذلك هذا الوصف لا يخبر عنه الفعل، لا يصغر، فكذلك ضارب لا يصغر. ولا يوصف، فلا يقال: أضارب عاقل الزيدان؟ ما يصح أن نقول: عاقل وصف لضارب، لماذا؟ لأنه في قوة الفعل والفعل لا يوصف.

ولا يعرف بـ (أل) فلا يقال: القائم أخواك، ولا يثنى ولا يجمع، فلا يقال: أقائمان أخواك، هذا الأصل لا يقال، لأنه في قوة الفعل، والفعل إذا رفع فاعلاً حينئذ وجب أن يفرد وأن يجرد من علامة تدل على أن الفاعل مفرد، أو أن الفاعل مثنى، أو أن الفاعل جمع، سيأتينا في باب الفاعل. وَجَرِّدِ الْفِعْلَ إِذَا مَا أُسْنِدَا ... لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ الشُّهَدَا (قام زيد) لا إشكال، قام الزيدان .. الزيدان هذا فاعل وهو مثنى، هل تلحق الفعل علامة تدل على أنه مثنى؟ الجواب: لا، في اللغة الفصحى لا، ننفي، فإن سمع حينئذ نقول: هذه لغة فلان وفلان، وأما اللغة الفصحى ننفي نقول: لا، لا يلحق، لا يجوز .. وَجَرِّدِ الْفِعْلَ إذَا مَا أُسْنِدَا. ولذلك عبر فقال: وَقَدْ يُقَالُ، إذاً هذا قليل، وإذا كان قليلاً لا يكون أصلاً. إذاً: قام الزيدان، نقول: وجب تجريد الفعل عن علامة تدل على أن الفاعل مثنى، وقام الزيدون، نقول: وجب تجريد الفعل عن علامة تدل على أن الفاعل جمع. حينئذ لزم الفعل حالة واحدة وهو أنه مفرد، فعبر عنه بالإفراد، يلزم حالة واحدة بقطع النظر عن كون الفاعل مفرداً أو مثنىً أو جمعاً، المفرد هذا محل وفاق، الوصف القائم مقام الفعل يجب تجريده من علامة تدل على أن الفاعل مثنى أو جمعاً. فتقول كما تقول في الفعل: أقائم زيد، وأقائم الزيدان .. كما تقول: قام الزيدان، وأقائم الزيدون كما تقول: قام الزيدون، يجب تجريد الوصف من علامة تثنية تدل على أن الفاعل مثنى ومن علامة جمع تدل على أن الفاعل جمع، لذلك قال: فلا يقال أقائمان أخواك، أقائمون إخوتك، على أن إخوتك وأخواك فاعل إلا على لغة أكلوني البراغيث كما لا يقبل الفعل شيئاً من ذلك. حينئذ إذا جاء هذا التركيب في مثل: أقائمان الزيدان، أقائمون الزيدون، أقائم زيد هذا يجوز فيه وجهان: أن يكون قائم مبتدأ، وزيد فاعل سد مسد الخبر وهذا أرجح، وأن يكون قائم خبراً مقدماًً، وزيد مبتدأً مؤخراً، يجوز فيه الوجهان، وثم مسائل مثلها يأتي. وأما أقائمان الزيدان، أقائمون الزيدون هو الذي عناه الناظم بقوله: وَالثَّانِ مُبْتَداً وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ

إن اتصل بالوصف علامة تثنية إذا كان الفاعل مثنىً، أو علامة جمع إن كان الفاعل جمعاً، حينئذ يكون الثاني المرفوع مبتدأً –تعكس-، ويكون الأول الذي هو الوصف خبراً مقدماً، ولا يصح في اللغة الفصحى أن يكون أقائمان مبتدأ، والزيدان فاعل سد مسد الخبر، هذا لا يجوز، لماذا؟ لأن أقائمان هذا قام مقام الفعل، والفعل إذا أُسند إلى فاعل مثنى وجب تجريده من علامة التثنية، وهذا لم يُجرّد، حينئذ التركيب صحيح، لكن لا نقول: الزيدان، هذا فاعل سد مسد الخبر، وإنما نقول: الزيدان هذا مبتدأ مؤخر، وقائمان هذا خبر مقدم ليصح التركيب، كذلك قائمون الزيدون، لا يصح أن نقول: قائمون هذا وصف، وهو مبتدأ رفع فاعلاً اكتفى به عن الخبر، لماذا؟ لأن قائمون اتصل به علامة جمع تدل على أن الفاعل جمع، وإذا كان كذلك نقول: هو قائم مقام الفعل فوجب تجريده، ولما لم يتجرد، حينئذ نقول: وجب أن يكون الوصف خبراً مقدماً، والذي يليه -الثاني- يكون مبتدأً مؤخراً، والثاني وهو ما بعد الوصف مبتدءاً مؤخراً، الثاني الذي هو الزيدان مبتدءاً مؤخراً. وَذَا الْوَصْفُ: المذكور خَبَرْ عنه مقدم عليه متى؟ إنْ في سِوَى الإِفْرَادِ طِبْقاً اسْتقَرْ: إن تطابقا في سوى الإفراد، ما هو سوى الإفراد؟ في غير الإفراد، إن تطابقا في غير الإفراد وهما التثنية والجمع، وأما في الإفراد فيجوز فيه وجهان، البيت يريد أن يُبين أن الوصف الأصل فيه أنه قائم مقام الفعل، فوجب تجريده من علامة تثنية وعلامة جمع، فإن اتصلت به علامة تثنية وعلامة جمع حينئذٍ نعرب هذا الوصف: أنه خبر مقدم، وما بعده مبتدأ مؤخر، متى؟ إن في سِوَى الإِفْرَادِ (إن) هذه شرطية في سِوَى الإِفْرَادِ، في سوى: هذا متعلق بقوله: استقر، إن استقر في سوى الإفراد، وهو التثنية والجمع السالم. طِبْقاً: يعني مطابقاً لما بعده. إنْ استقر في سِوَى الإِفْرَادِ طِبْقاً: يعني: مطابقاً، وطبقاً هذا حال من الضمير المستتر في استقر، استقر حال كونه طبقاً، أي: مطابقاً في سوى الإفراد، حينئذ إذا لم يتطابقا إفراداً وتطابقا تثنيةً وجمعاً، حينئذ نقول: الأول خبر والثاني مبتدأ. إنْ في سِوَى الإِفْرَادِ طِبْقاً اسْتقَرْ، والثاني وهو ما بعد الوصف مبتداً، الثاني مبتدأ ومبتدأ خبر، إعراب البيت الثاني هذا مبتدأ، ومبتداً هذا خبر. وذا الوصف (ذا) اسم إشارة مبتدأ، الوصف إعرابه بدل أو عطف بيان، و (خبر) خبر، عنه مقدم عليه.

(إن) شرطية، إن تطابقا في غير الإفراد، إنْ في سِوَى الإِفْرَادِ: في غير الإفراد، سوى هنا بمعنى غير، وهو مضاف والإفراد مضاف إليه، وطبقاً مصدر، والمراد به الحال، يعني أن يكون مطابقاً وهو حال من فاعل استقر، أي استقر الوصف مطابقاً لما بعده في غير الإفراد أي: في التثنية والجمع، هذا معنى البيت، أي: استقر الوصف مطابقاً لما بعده في غير الإفراد، أي في التثنية والجمع نحو: أقائمان الزيدان، وأقائمون الزيدون، هذا المثال لما ذكره المصنف، ولا يجوز أن يكون الوصف في هذه الحالة مبتدأ، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر إلا على لغة أكلوني البراغيث، وهي لغة ضعيفة لا يعول عليها، ولا يجوز تخريج القرآن عليها البتة، فمن قال بهذا فقد غلط وأخطأ خطأً فاحشاً. الوصف مع الفاعل إما أن يتطابقا إفراداً أو تثنية أو جمعاً أو لا يتطابقا. إن تطابقا عرفنا الحكم، إفراداً جاز أن يكون الأول مبتدأ والثاني فاعل سد مسد الخبر، وجاز العكس، وإن تطابقا تثنية أو جمعاً تعين أن يكون الثاني مبتدأ مؤخر والأول خبر، فإن لم يتطابقا، حينئذ منه ما هو ممنوع يعني لا يصح لغة ومنه ما هو ليس ممنوع، إذا قيل: أقائم زيد تطابقا، إذا لم يتطابقا أقائم الزيدان جائز، أقائم الزيدان، أقائم الزيدون، جائز، أقائمان زيد، أقائمون زيد، أقائمان الزيدون، أقائمون الزيدان .. كله لا يصح هذا، لماذا؟ لأن كلاً منهما إما متقدم أو متأخر، مبتدأ وخبر، حينئذ لا بد من التطابق. إذا كان المبتدأ مفرداً تعين أن يكون الخبر مفرداً، وإذا كان المبتدأ مثنى تعين أن يكون الخبر مثنى، وكذلك في حالة الجمع. فإن تطابقا إفراداً نحو أقائم زيد جاز فيه وجهان: أحدهما: أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر، وهذا هو الأصل. والثاني: أن يكون ما بعده مبتدأً مؤخراً، ويكون الوصف خبراً مقدماً، ومنه قوله تعالى: ((أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي)) [مريم:46] فيجوز أن يكون (راغب) مبتدأ، و (أنت) فاعل سد مسد الخبر، والأولى أن يقال بالمنع في هذا، لوجود عارض يمنع من التقديم والتأخير؛ لأن ((عَنْ آلِهَتِي)) [مريم:46] هذا جار ومجرور متعلق بقوله: راغب، فإذا كان كذلك حينئذ لا يفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، فإذا جعل راغب خبراً مقدم، وأنت مبتدأ مؤخر، وعن آلهتي متعلق براغب إذاً فصل بينهما أجنبي، وهذا ممتنع. وإن تطابقا تثنية نحو أقائمان الزيدان أو جمعاً نحو: أقائمون الزيدون، فما بعد الوصف مبتدأ، والوصف خبر مقدم، وهذا معنى قول المصنف: وَالثَّانِ مُبْتَداً وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ إلى آخر كلامه، وإن لم يتطابقا وهو قسمان ممتنع وجائز، فمثال الممتنع: أقائمان زيد، هذا فاسد أقائمون زيد هذا التركيب غير صحيح، لا يقال بأنه لغة. ومثال الجائز أقائم الزيدان، أقائم الزيدون، حينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر.

وَالثَّانِ مُبْتَداً وَذَا الْوَصْفُ -المذكور السابق المعتمد على استفهام ونحوه- خَبَرْ متى؟ إن تطابقا في غير الإفراد، فلا يكون من الباب، هذا كالاستثناء مما سبق؛ لأنه لم يعرب الوصف مبتدأ نحن نتكلم عن مبتدءٍ وصفٍ رَفَعَ فاعلاً والفاعل أغنى عن الخبر، هل إذا تطابقا تثنية وجمعاً صار من الباب نفسه؟ أقائمان الزيدان، هذا من أي نوعي المبتدأ الأول أم الثاني؟ أقائمان الزيدان، عندنا المبتدأ نوعان: مبتدأ له خبر، ومبتدأ ليس له خبر وإنما له مرفوع اكتفى به وهذا له شروطه، أقائمان الزيدان من أي نوع؟ الأول. أقائمون الزيدون من أي نوع؟ الأول. إذاً ما صار من الثاني، صار استثناءً. وَالثَّانِ مُبْتَداً نقول: هذا البيت استثناء من قوله: وَقِسْ وَكَاسْتِفْهَامٍ النَّفْيُ؛ لأنه عمم هناك حينئذ أسَارٍ ذَانِ، سار هذا مفرد في اللفظ، وذان هذا فاعل سد مسد الخبر وهو مثنى، حينئذ هل يقال: أقائمان الزيدان، أقائمون الزيدون؟ يحتمل أنه داخل فيما سبق، ولكن استثناه بهذا البيت: وَالثَّانِ مُبْتَداً وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ ... إِنْ فِي سِوَى الإِفْرَادِ طِبْقاً اسْتقَرْ قال: في تطابق الوجهين أقائم زيد إذا كانا مفردين، يجوز وجهان: هل هو خاص بقائم؟ نقول: ليس خاصاً بقائم، بل يدخل فيه أقتيل زيد، قتيل هذا فعيل، وهو يرفع فاعل كما سيأتي في موضعه، حينئذ قتيل يجوز أن يكون مبتدأً؛ لأنه وصف في المعنى فعيل بمعنى فاعل أو مفعول. فقتيل هذا وصف اعتمد على استفهام، وزيد هذا فاعله، يجوز فيه الوجهان، قتيل مبتدأ وزيد فاعل وسد مسد الخبر، ويجوز أن يكون زيد مبتدأ وقتيل خبر مقدم، وكذلك أجريح الزيدان، أصديق المحمدان .. حينئذ نقول: هذا يجوز فيه الوجهان. ثم قال رحمه الله تعالى: وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بالاِبْتِدَا ... كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا ما هو عامل المبتدئ؟ سبق أنه معنوي. وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بالاِبْتِدَا، رفعوا من؟ العرب، نطقوا به مرفوعاً، وجعلوا العامل هو الابتداء، وَرَفَعُوا أي: النحاة حكموا بكون المبتدأ مرفوعاً بالابتداء يجوز الوجهان، وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بالاِبْتِدَا، لما بين لك المبتدأ وأنه نوعان أراد أن يبين لك حكمه؛ لأن الحكم على الشيء فرفع عن تصوره، ولذلك إذا قيل: المبتدأ هو الاسم المرفوع .. نقول: هذا لا يصح، لماذا؟ لأن المرفوع هذا حكم المبتدأ، أولاً ما هو المبتدأ؟ عرف لنا المبتدأ؟ بين لنا المبتدأ؟ أعطنا ضوابطه أصوله، ثم بعد ذلك قل: هو مرفوع أو منصوب، الاسم المرفوع .. نقول: لا، ليس بصحيح، فلما بين لنا المبتدأ بنوعيه بين لنا حكمه ضمناً؛ لأنه قال: وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً هذا حكم المبتدئ، وبين العامل بكونه بالابتداء.

مذهب سيبويه وجمهور البصريين المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ، والابتداء لغة: هو الافتتاح، وفي الاصطلاح: كون الاسم معرىً عن العوامل اللفظية، هذا هو الابتداء .. كون الاسم معرىً -مجرداً- عن العوامل اللفظية، وقيل: جَعْلُ الاسمِ أولاً لِيُخْبَرَ عنه ثانياً، جعل الاسم أولاً ليخبر عنه ثانياً، وقيل: بل الابتداء هو كون الكلمة أولاً، كون الكلمة ملفوظاً بها أولاً، لا جعل الاسم أولاً ليخبر عنه ثانياً؛ لأن الجعل وصف للجاعل، والابتداء وصف للكلمة، كون الكلمة مبتدأ بها هذا وصف لذات الكلمة، وأما جعل الجاعل فهذا وصف للمتكلم. على كل المراد بالابتداء هنا: هو كون الكلمة لم يسبقها عامل لفظي، هذا المراد .. لم تسبق بعامل لفظي لا فعل ولا حرف ولا اسم، زيد قائم، زيدٌ مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، هذا المراد. فالعامل في المبتدأ معنوي وهو كون الاسم مجرداً عن العوامل اللفظية غير الزائدة وما أشبهها، وعرفنا المراد بالزائدة وما هو شبيه بالزائد. كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا هنا قدم الحكم على معرفة الخبر نفسه، يعني ما بين لنا ما هو الخبر، بل سيذكره بعده وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ، قدم حكمه على تعريف الخبر، لماذا؟ لوجود المناسبة؛ لأنه لما ذكر أن المبتدأ رفع بالابتداء، بين أن الخبر رفع بالمبتدأ، فجرد هذا البيت لبيان حكم الجزأين، جعل الجزء الأول -المبتدأ في الشطر الأول- بيان حكمه، وجعل الجزء الثاني وهو الخبر في الشطر الثاني، فاشتمل على معرفة حكم الجزأين المسند والمسند إليه، فبين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وهو عامل معنوي، ثم يرد الخبر بأي شيء مرفوع؟ زيد أخوك، زيد مرفوع بالابتداء وأخوك مرفوع بالمبتدأ كما اختاره الناظم هنا. كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا، كَذَاكَ أي: كرفع المبتدأ بالابتداء رفع الخبر بالمبتدأ في الانتساب إليه، كما أنهم رفعوا المبتدأ بالابتداء، كذاك رفعوا أي: العرب أو النحاة رفعوا الخبر بالمبتدأ. حينئذ صار عامل المبتدأ معنوياً، وعامل الخبر لفظياً؛ لأنه عين المبتدأ. زيد أخوك، زيد العامل فيه معنوي، وهو كونه مجرداً عن عامل لفظي غير زائد أو شبيه بالزائد.

وأخوك نقول: هذا خبر مرفوع، ما العامل فيه؟ زيد نفسه، زيد جامد ليس بمشتق كيف عمل؟ قالوا: لاقتضائه الخبر؛ لأن العامل إنما يعمل لكونه يقتضي ما يتمم معناه، ولذلك لما كان الفعل أشد إبهاماً واحتياجاً لغيره من الأسماء كان أصلاً في العمل؛ لأن الفعل (قام) يدل على حدث، ويحتاج إلى فاعل، ويحتاج إلى زمان، ويحتاج إلى مكان، ويحتاج إلى كل ما يسمى متعلقاً يتعلق بالفعل من مُمَيِّزٍ، وحال، وظرف، وجار، ومجرور .. ونحو ذلك، فالأصل في هذه أنها متعلقة بالفعل، فلما كان الفعل أشد إبهاماً واحتياجاً كان أصلاً في العمل، كل ما افتقر إلى غيره فحينئذ أشبه الفعل من حيث الافتقار، وهذا هو خاصية العمل، ما المراد بالعمل، عندما يقول: عامل ومعمول، ضربت زيداً، نقول: الضرب هذا –ضرب- يفتقر إلى فاعل، ويفتقر إلى محل يقع عليه الفعل، ويفتقر إلى زمان، ويفتقر إلى مكان .. إلى آخره، ضربت زيداً، إذاً بينت أن الضارب هو أنا (ضربتُ) وأن هذا الحدث وقع في زمن مضى، ثم هذا الضرب وقع على زيد، بقي ماذا؟ بقي المكان مثلاً لم يبين، ضربت زيداً في داره، ضربت زيداً يوم الجمعة صار تقييد؛ لأنه يحتمل ماذا؟ إذا كان الزمان في ضرب دل على شيء ماض، إلا أنه فيه نوع إطلاق وعموم، فيحتاج إلى تقييد، حينئذ كل ظرف مكان أو ظرف زمان يعتبر مقيداً للفعل، ضربت زيداً يوم الجمعة في داره ضرباً شديداً مبرحاً .. إلى آخره. فنقول: هذه كلها تقييدات، وكلما زادت رفعت الإبهام عن الفعل، وكلما نقصت كان في الفعل إبهام نوعاً ما، لكن لا يقدح في كونه جملة فعلية؛ لأن الشرط هو تحقيق المسند والمسند إليه وقد وجدا، ولذلك قلنا في الفائدة هناك: ألا ينتظر السامع لشيء انتظاراً تاماً، احترازاً من الانتظار الناقص فلا يقدح في صحة الجملة. حينئذ عمل المبتدأ لافتقاره واحتياجه إلى الخبر؛ إذ الأصل في المبتدأ أن يكون محكوماً عليه، هذا الأصل، فإذا كان محكوماً عليه فهو مفتقر إلى ما يحكم به عليه، ولذلك عمل في الخبر، هذا وجه كون المبتدأ يعمل في الخبر وهو ليس وصفاً، وإنما هو جامد، كافتقار المضاف إلى المضاف إليه؛ لأن ثم ما يرد أن يقال: بأن المضاف، غلام زيد، قلنا زيد هذا الصواب أنه مجرور بغلام بذات الكلمة، كيف جرت وعملت وهي اسم جامد؟ والأصل في الجامد ألا يعمل، والأصل في الأسماء كلها ألا تعمل، وإنما أُعمل منها ما أشبه الفعل وهو المشتق وهذا لم يشبه الفعل، نقول: أشبه الفعل لا من حيث لفظه، وإنما من حيث ما يقتضيه ويطلبه، فالمضاف مفتقر افتقاراً تاماً إلى المضاف إليه. إذاً: كَذَاكَ أي: كرفع المبتدأ بالابتداء. رَفْعُ خَبَرٍك هذا مبتدأ مؤخر، وكَذَاكَ: خبر مقدم بِالْمُبْتَدَا: هذا ظرف له متعلق بقوله: رَفْعُ، بِالْمُبْتَدَا وحده ليس مع الابتداء؛ احترازاً ممن قال: المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالمبتدأ والابتداء معاً، وهذا ضعيف، بل المرجح هو ما ذكره الناظم وهو مذهب البصريين وكثير من النحاة المتأخرين: أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ. إذاً العامل العامل في الخبر لفظي وهو المبتدأ، وهذا هو مذهب سيبويه.

وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء، يعني الابتداء هو العامل في المبتدأ وهذا لا إشكال وافقنا، وأن العامل في الخبر هو الابتداء أيضاً، لكن نقول: فالعامل فيهما معنوي؛ لأنه اقتضاهما. وضُعِّفَ بأن أقوى العوامل لا يعمل رفعين بدون إتباع، فما ليس أقوى أولى بألا يعمل. عامل لفظي يرفع معمولين، هذا لا يكاد أن يكون له نظير، وهو عامل لفظي إلا إذا كان الثاني تابعاً للأول، وأما كل واحد منهما مستقل هذا لا نظير له، فحينئذ إذا كان العامل اللفظي وهو أقوى وهو الأصل في العوامل لا يعمل رفعين، فحينئذ المعنوي الضعيف والأصل فيه ألا يعمل ألا يرفع معمولين؛ ولذلك صار ضعيفاً. وذهب قوم إلى أن المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ، وهذا قول المبرد وهو قول بما لا نظير له، أن يجتمع عاملان على معمول واحد، هذا ما يصح، هذا كالزوجين على الزوجة، نقول هذا محرم ما يجوز. وقيل: ترافعا كل منهما رفع الآخر، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ وأن المبتدأ رفع الخبر، كل منهما مفتقر إلى الآخر، افتقار المبتدأ إلى الخبر، أو الخبر إلى المبتدأ، هذا بالاعتبار السابق، لكن ما دام أمكن أن يعلق على عامل معنوي وهو صحيح معتبر وجعل له محل وهو اسم واحد وهو المبتدأ، حينئذ أولى من أن يقال: بأنهما ترافعا وهذا مذهب الكوفيين واختاره السيوطي في جمع الجوامع. وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه وهو الأول: وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بِالاِبْتِدَا ... كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ ... كَا اللهُ بَرٌّ وَالأَيَادِي شَاهِدَه لما بين لنا الجزء الأول وهو المحكوم عليه -المسند إليه- وهو المبتدأ، وكان هذا الباب معقوداً لبيان الجزأين معاً: الجملة الاسمية المبتدأ والخبر، حينئذ لزم أن يبين لنا ما هو الخبر؟ فقال هو: الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ يعني مع المبتدأ؛ لأن الجزء المتم الفائدة هذا يشمل كل ما أفاد مع غيره، قام زيد، زيد هذا جزء تمت به الفائدة مع (قام)، مع ذلك لا نقول خبر. هل يعترض على الناظم بهذا؟ نقول الصحيح: لا، لا يعترض على الناظم بهذا، لماذا؟ لسببين: أولاً: أنه عرف الخبر تحت باب المبتدأ، حينئذ لا يحشر معنى الفاعل. ثانياً: قال: كَاللهُ بَرٌّ وَالأَيَادِي شَاهِدَه حينئذ دل على أن المراد بالجزء الذي تمت به الفائدة هو قوله: بر مع لفظ الجلالة الله مع المبتدأ، وكذلك شاهده مع قوله: الأيادي. إذاً: اعتراض ابن عقيل هنا ليس له وجه.

الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ يعني مع المبتدأ غير الوصف المذكور، لماذا؟ بدلالة المقام، والأخذ من المثال؛ لأن الجزء المتم الفائدة مع المبتدأ، هذا يشمل الفاعل الذي تمت به الفائدة مع الوصف وهو مبتدأ، أقائم الزيدان، قلنا الزيدان هذا فاعل سد مسد الخبر، قائم حينئذ نقول: هذا مبتدأ، هنا جزء وهو الزيدان تمت به فائدة مع المبتدأ، ومع ذلك لا يصدق عليه أنه خبر، نقول: بدليل المقام أن كلام المصنف في غير الوصف المذكور، من جهة ترتيب النظم، أولاً انتهى مما يتعلق بالوصف وملحقاته، ثم بين الحكم وفصله -حكم المبتدأ والخبر- ثم شرع في بيان الخبر، كأنه عاد إلى النوع الأول وهو المبتدأ الذي له خبر؛ لأنه لما بين لنا أَسَارٍ ذَانِ، وَقِسْ وَكَاسْتِفْهَامٍ .. إلى آخره، وبيناه نحن حينئذ رجعنا إلى الأصل المبتدأ الذي له خبر وهو الغالب ما هو هذا الخبر؟ قال: الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ إذاً: لا مع الوصف، فيستثنى بدليل المقام. وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ الجزء الذي تتم به فائدة الجملة الاسمية، وخص الخبر وإن حصلت الفائدة بمجموع الجزأين؛ لأن الخبر هو الجزء الأخير من الجزأين، فبه تتم الفائدة؛ لأن المبتدأ كذلك جزء تمت به الفائدة، الله بر، لو قال: (بر) لوحدها ما تمت الفائدة، لو قال: (الله) لوحده لم يكن كلاماً، حينئذ كل منهما جزء متم الفائدة مع غيره، فالمبتدأ جزء تمت به الفائدة مع الخبر، والخبر جزء تمت به الفائدة مع المبتدأ. إذاً: يصدق على الكل، لكن عبر بالجزء عن الخبر لكونه لاحقاً -هو الثاني-، ولذلك يعبر عن الخبر عند المناطقة وغيرهم بكونه محكوماً به، والمبتدأ هو محكوم عليه، وهذا جعله ابن هشام رحمه الله في المغني ضابط في معرفة المبتدأ والخبر إذا أشكل عليك، إذا أشكل عليك أي الاثنين مبتدأ أو خبر ابحث عن المحكوم عليه، الكلام فيه حكم ومحكوم عليه، إذا أخذته إجمالاً من النص حينئذ ما هو المحكوم عليه؟ تصور في النص أو الآية أو الحديث ما هو المحكوم عليه؟ وبماذا حكم عليه؟ حينئذ تصل إلى أن المحكوم عليه هو المبتدأ، والمحكوم به هو الخبر، والحكم هو ما تضمنه الخبر. إذاً: عبر بالجزء عن الخبر مع كون المبتدأ كذلك جزء تتم به الفائدة مع الخبر، نقول: لكون الخبر يكون ثانياً فيجعل الأول محكوم عليه، ولذلك يسمى عند المناطقة: موضوعاً، وضع من أجل أن يُحمل عليه غيره، كجدران البيت، وأما المحمول فهو كالسقف، حينئذ ثم محكوم عليه ومحكوم به. وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ عرفه ابن هشام بتعريف أجود من هذا، بأنه المسند الذي تتم به مع المبتدأ فائدة، فخرج بالمسند الفاعل في نحو: أقائم الزيدان، الزيدان هذا مسند أو مسند إليه؟ هو مسند إليه لا مسند، وخرج به مع المبتدأ قام من قولك: قام زيد، المسند الذي تتم به مع المبتدأ فائدة، المسند خرج به، الزيدان من قولك: أقائم الزيدان؛ لأنه مسند إليه ليس مسنداً، وخرج به الفعل؛ لأن قولك: قام زيد، (قام) هذا محكوم به، و (زيد) هذا محكوم عليه، فهو فاعل.

حينئذ (قام) مسند أو مسند إليه؟ مسند، إذاً نحتاج إلى إخراجه، بكونه قد تمت به الفائدة مع المبتدأ أو مع الفاعل؟ مع الفاعل لا مع المبتدأ. كَاللهُ بَرٌّ: بعباده محسن بعباده. وَالأَيَادِي: النعم، أيادي جمع الجمع، هذا مسموع، أيادي جمع أيدي وهي جمع يد، المراد بها النعم. اللهُ بَرٌّ كقولك: اللهُ بَرٌّ، الكاف هنا تمثيلية، وليست استقصائية، ومدخولها محذوف كقولك: اللهُ بَرٌّ، لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. بَرٌّ هذا جزء تمت به الفائدة مع المبتدأ، حينئذ بر هذا خبر مرفوع، مرفوع بالمبتدأ الذي هو لفظ الجلالة، ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. وَالأَيَادِي على بِرِّهِ جل وعلا نعم وإحسانه بعباده شاهدة بذلك، هو مبتدأ وخبر. يقول ابن عقيل: عرف المصنف الخبر بأنه الجزء المكمل للفائدة ويرد عليه الفاعل، والصواب لا يرد عليه الفاعل؛ لأن الفاعل لم يدخل في قوله: الابتداء، هو عنوَن للباب ثم كل المسائل تكون مقيدة بأصل الترجمة، هذا ضابط لا بد أن يتنبه له عند النحاة وغيرهم، إذا عنوان حينئذ لا يرد عليه فيما ذكره من مسائل بأنه يدخل كذا ويخرج كذا. ويرد عليه الفاعل نحو قام زيد فإنه يصدق على زيد أنه الجزء المتم للفائدة، وقيل في تعريفه إنه الجزء المنتظم منه مع المبتدأ جملة، ولا يرد الفاعل على هذا التعريف؛ لأنه لا ينتظم منه مع المبتدأ جملة بل ينتظم منه مع الفعل جملة، وخلاصة هذا أنه عرف الخبر بما يوجد فيه وفي غيره، والصواب أنه خاص بالمبتدأ. ثم قال رحمه الله: وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ ... حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ وَإِنْ تَكُنْ إِيَاهُ مَعْنًى اكْتَفَى ... بِهاَ كَنُطْقِى اللهُ حَسْبِي وَكَفَى الخبر ثلاثة أقسام: مفرد، وجملة، وشبهها وهو الظرف والجار والمجرور. مفرد، وجملة، وشبه جملة، باستقراء كلام النحاة: أن الخبر ثلاثة أقسام. أشار إلى الأول بقوله: وَمُفْرَداً يَأْتِي، وأشار إلى الثاني بقوله: وَيَأْتِي جُمْلَهْ، وأشار إلى الثالث بقوله فيما سيأتي: وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أَوْ بِحَرْفِ جَرْ. فهي أقسام ثلاثية كلها ستأتي في كلام الناظم رحمه الله تعالى. وَمُفْرَداً يَأْتِي، يعني: ويأتي الخبر مفرداً حال كونه مفرداً، فمفرد هذا حال مقدم، لقوله: يأتي، يأتي هو أي الخبر، حال كونه مفرداً، وهذا هو الأصل، وسيبين حكمه بقوله: وَالمُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ وَإِنْ ... يُشْتَقَّ فَهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتكِنْ هذا من حيث الإبراز، وأما من حيث التعريف فالمفرد هنا في باب الخبر إذا كانت القسمة ثلاثية، حينئذ ما ليست جملة ولا شبيهاً بالجملة هو المفرد، فيشمل المفرد في باب الإعراب الذي ليس من الأسماء الستة، ولا مثنى، ولا مجموعاً .. إلى آخره، ويدخل فيه المثنى ويدخل فيه الجمع بأنواعه. زيد قائم: (قائم) هذا مفرد؛ لأنه ليس بجملة ولا شبيه بالجملة. الزيدان قائمان: (الزيدان) مبتدأ، و (قائمان) خبره، نقول: هذا الخبر مفرد؛ لأنه ليس بجملة ولا شبيه بالجملة. الزيدون قائمون: (الزيدون) مبتدأ و (قائمون) خبر، وهو مفرد؛ لأنه ليس بجملة ولا شبيه بالجملة.

الهندات قائمات، الرجال قيام .. نقول: قيام وقائمات هذا مفرد؛ لأنه ليس بجملة ولا شبيه بالجملة. وَيَأْتِي جُمْلَهْ، وسيأتي تفصيل المفرد. وَيَأْتِي جُمْلَهْ: يعني ويأتي الخبر حالة كونه جملة، والجملة المراد بها: القول المركب، بمعنى أنها يشترط فيها الإسناد أن يكون فيها مسند ومسند إليه، ولا يشترط فيها أن تكون كلاماً؛ لأنها أعم منه. لَفظٌ مُفيدٌ بِالكلامِ يُدعَى ... وَجملةٌ فَهْيَ أَعمُّ قَطعاً فحينئذ نقول: الجملة أعم من الكلام؛ لأن الجملة هي القول المركب. وَيَأْتِي جُمْلَهْ: والجملة نوعان: جملة اسمية، وجملة فعلية، فيدخل في الخبر أنه جملة اسمية، زيد أبوه قائم، (زيد) مبتدأ، و (أبوه) مبتدأ ثاني وقائم خبر الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر مبتدأ الأول، زيد أبوه قائم، زيد قام أبوه .. (زيد) مبتدأ، و (قام أبوه) فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. إذاً: وقع جملة الخبر اسمية ووقعت فعلية. ويدخل في الاسمية المصدرة بحرف عامل. زيد ما أبوه قائماً -هذه مهمة انتبه لها-، يدخل في الاسمية المصدَّرة بحرف عامل، ما أبوه قائماً (ما) حجازية وهي تعمل عمل (ليس) فتدخل على المبتدأ فترفعه على أنه اسم لها، والخبر تنصبه على أنه اسم لها، حينئذ هل يصح إيقاع الجملة الخبرية أن تكون (ما) ومدخولها وهو حرف ناسخ عامل هل يصح؟ الصحيح نعم. فيقال: زيد ما أبوه قائماً، (زيد) مبتدأ و (ما) حرف نفي، تعمل عمل (ليس) حجازية لا تميمية، وأبوه هذا اسم (ما) وقائماً بالنصب خبرها ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] مثله، فحينئذ (ما أبوه قائماً) الجملة في محل رفع خبر المبتدأ. إذاً: المصدرة بحرف عامل حينئذ يصح أن تقع خبراً للمبتدأ. وزيد إنه قائم: (زيد) مبتدأ (إن) حرف توكيد ونصب من نواسخ المبتدأ والخبر، والضمير هنا اسم (إن) في محل نصب، وقائم خبر (إنَّ)، والجملة من الناسخ والمنسوخ نقول: هذا في محل رفع خبر المبتدأ. إذاً: يصح أن تكون جملة الخبر الاسمية قد دخل عليها حرف ناسخ وقد عمل فيها. (زيد ما أبوه قائماً) الجملة خبر، وهي اسمية، (زيد إنه قائم) جملة (إنه قائم) هذه في محل رفع خبر. ومنع الكوفيون وقوع المصدرة بـ (إنَّ) المكسورة وما عملت فيه خبراً للمبتدأ، يعني: إنه قائم منعه الكوفيون. ويدخل فيها الجملة المصدرة باسم شرط غير معمول لفعله نحو: زيد من يكرمه أكرمه. (زيد) مبتدأ، (من يكرمه أكرمه) هذا اسم شرط، ليس معمولاً لفعله، بمعنى أنه في محل رفع مبتدأ، فـ (من) هنا اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. (من يكرمه أكرمه) الجملتان: جملة الشرط، وجملة الجواب. فمن مبتدأ، وجملة الشرط والجواب على الصحيح في محل رفع خبر المبتدأ الثاني. وقيل: جملة الشرط، وقيل: جملة الجواب، وقيل: لا خبر لها .. أربعة أقوال. (من يكرمه أكرمه) قلنا: (من) هذه مبتدأ، أين الخبر؟ قيل: لا خبر له، وجملتا الشرط سدت مسد الخبر، وهذا ضعيف، وقيل: جملة الشرط، يعني (يكرمه) وقيل: الجواب: أكرمه، وقيل: هما معاً وهو الصحيح. إذاً: من يكرمه، أكرمه، نقول: (من) هذه مبتدأ، وجملتا الشرط في محل رفع خبر المبتدأ الثاني.

و (زيد) هذا مبتدأ أول، واسم الشرط من المبتدأ وخبره حينئذ في محل رفع خبر المبتدأ الأول. ويدخل في الفعلية المصدرة بحرف شرط. زيد إن يقم أقم معه: (زيد) مبتدأ، وجملة (إن يقم أقم معه) في محل رفع خبر المبتدأ، وكذلك إذا كانت مصدرة باسم شرط معمول لفعله زيد أيَّهم يضرب أضرب، أَيّاً مَا تَدْعُو .. نقول هذا اسم شرط مقدم، وقد عمل فيه الفعل، فإن لم يعمل فهو داخل في الاسمية، إن عمل فيه وتقدم حينئذ صار داخلاً في الفعلية. زيد أيَّهم: هذا مفعول به مقدم، وإذا كان مفعولاً حينئذ عمل فيه الفعل، فصارت جملة فعلية، والمصدرة بمعمول فعلها زيد عمرواً يضرب، أصل التركيب: زيد يضرب عمراً، تقدم المعمول زيد عمراً يضرب، هل خرجت عن كونها جملة فعلية؟ الجواب: لا، بل هي جملة فعلية، إذاً: يصح الإخبار بها. أو بحرف تنفيس، زيد سوف يصلي: زيد مبتدأ، وسوف يصلي هذه الجملة خبر. إذاً: قوله: جملة دخل فيه الجملة الاسمية والجملة الفعلية بنوعيها على ما ذكرناه سابقاً. قال الناظم: حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ بمعنى: أن هذه الجملة لا تكون خبراً على جهة الإطلاق، بل لا بد من قيود، وهذه القيود ثلاثة: أولاً: أن تكون خبرية، بمعنى أنها محتملة للصدق والكذب. فحينئذ هل تقع الجملة الطلبية أو الإنشائية خبراً عن المبتدأ؟ نقول: منع ثعلب أن تكون الجملة الطلبية خبراً، ومنع غيره أن تكون الإنشائية خبراً، والصواب: أنه يجوز مطلقاً سواء كان في الخبرية أو الإنشائية أو الطلبية أن تقع خبراً للمبتدئ. إذاً نقول مرة أخرى: يشترط في الجملة التي تقع خبراً ثلاثة شروط، -وهذه مجمع عليها-: الأول: هو ما أشار إليه الناظم بقوله: حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ وهذا سيأتي شرحه. الثاني: ألا تكون الجملة ندائية: زيد يا أعدل الناس .. نقول: هذا لا يصح. الثالث: ألا تكون مصدرة بأحد الحروف: لكن، وبل، وحتى؛ لأنها تقتضي أن يكون ما بعدها تابعاً لما قبلها، لا بد أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ، يعني ليست أجنبية عن المبتدأ. يشترط ألا تكون الجملة ندائية. يشترط ألا تكون جملة الخبر مصدرة بأحد الحروف: لكن، وبل، وحتى التي تدل على أن ما بعدها له ارتباط بما قبلها، حينئذ يكون مكملاً له. والقسمية منع ثعلب أن تكون جملة خبرية، زيد أقسم بالله إنه لكريم، هل يصح أن تكون أقسم بالله -هذه الجملة- خبر، الصحيح أنه يصح، وثعلبة أنكر ذلك ورد عليه بالسماع، قال تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)) [العنكبوت:69]. ((لَنَهْدِيَنَّهُمْ)) هذه اللام موطئة للقسم، (وَالَّذِينَ) هذا مبتدأ، ((لَنَهْدِيَنَّهُمْ)) هذه الجملة خبر، وهذا يكفي في رد ما قاله ثعلبة. والطلبية منعها ابن الأنباري؛ لأنها لا تحتمل الصدق والكذب، والخبر حقه ذلك، ورد بأن المفرد يقع خبراً إجماعاً ولا يحتمل ذلك وبالسماع كذلك.

زيد قائم: (قائم) هذا لا يحتمل الصدق ولا الكذب، فلا يشترط في الجملة أنها تحتمل الصدق والكذب، ما لا يحتمل الصدق والكذب نقول: هذا إنشاء، وما احتمل الصدق والكذب هذا خبر .. هل يشترط في جملة الخبر أنها تحتمل الصدق والكذب؟ نقول: لا، لا يشترط. بدليل ماذا؟ بدليل أن المفرد يقع خبراً، زيد قائم زيد أخوك (أخوك) هذا لا يحتمل؛ لأن الخبر هذا من أوصاف الكلام، يعني من أنواع الكلام. الكلام ينقسم إلى: خبر وإنشاء. مُحتمِلٌ للصِّدقِ والكِذبِ الخبرْ ... وغيره الإِنشا ولاَ ثالثَ قرّ إذاً: بهذه الشروط الثلاثة نقول: يجوز أن تقع الجملة خبراً عن المبتدأ حَاوِيَةً مَعْنَى أي: مشتملة، حَاوِيَةً هذا صفة لجملة، و (معنى) هذا مفعول لحاوية وهو مضاف والذي مضاف إليه. سِيقَتْ: خبراً له حَاوِيَةً، أي: هذه الجملة التي تقع خبراً سواء كانت جملة اسمية أو جملة فعلية يشترط فيها أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ، لماذا؟ لأن الأصل في المبتدأ أنه منفك عن الخبر؛ لأنه محكوم عليه، والخبر محكوم به، فإذا كان جملة حينئذ صار أجنبياً عن المبتدأ، ونحن نريد أن نبين أن هذا الذي تضمنته الجملة هو صادق على المبتدأ، حينئذٍ لا بد من رابط، لا بد من مسهل للمعنى الذي دلت عليه الجملة ليصل على المحكوم عليه وهو المبتدأ. حَاوِيَةً: يعني مشتملة، على ما يدل على معنى المبتدأ. حَاوِيَةً مَعْنَى أي: على ما يدل على معنى المبتدأ، وهنا لم يقل ضمير؛ لأن الرابط ليس خاصاً بالضمير، بل يشمل اسم الإشارة والعموم وما سيأتي ذكره. حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ خبراً لَهْ ليحصل الربط، وما هو الذي سيقت هذه الجملة خبراً له؟ المبتدأ. حَاوِيَةً: مشتملة. مَعْنَى: معنى الَّذِي سِيقَتْ هذه الجملة خبراً له، يعني لا بد أن يكون المبتدأ موجوداً في المعنى في ضمن جملة الخبر. حَاوِيَةً: مشتملة، مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ وهي إنما سيقت لماذا؟ ليخبر بها عن المبتدأ، إذاً لا بد أن يكون المبتدأ معنى موجود في ضمن جملة الخبر الاسمية أو الفعلية، لا بد أن يكون مكرراً إما بالضمير، إما باسم الإشارة كما سيأتي. وشرط هذا الضمير الذي يكون رابطاً وهو الأصل وغيره محمول عليه أن يكون مطابقاً للمبتدأ، نحو: زيد قام غلامه (زيد) هذا مبتدأ، و (قام غلامه) (قام) فعل، و (غلامه) هذا فاعل أضيف إلى الضمير، مرجع الضمير ما هو؟ زيد. إذاً: قام غلامه نقول: الجملة في محل رفع خبر اللمبتدأ، اشتملت على ضمير على معنى المبتدأ الذي جعلت هذه الجملة خبراً له، كأنه قال: قام غلام زيد، فأعاد زيد مرة أخرى، فهي مشتملة على معنى المبتدأ مرة أخرى في لفظ التركيب، جاء زيد قام غلامه، (غلامه) نقول: الضمير هذا يعود على زيد.

لو قال: الزيدان قام غلامهما، لا بد من التطابق (غلامهما) هذا يعود على المبتدأ وهو مثنى، الزيدون قام غلمانهم، إعادة بجمع، حينئذ لا بد أن يكون مطابقاً للمبتدأ، إن كان المبتدأ مفرداً كان الضمير الذي في الجملة مفرداً، وإن كان مثنى فمثنى، وإن كان جمعاً فجمعاً، وعند الجمهور لا يجوز حذفه سواء كان مرفوعاً مبتدأ أو فاعلاً أو منصوباً بفعل متصرف أو جامد أو ناقص أو وصف أو حرف أو مجرور، إلا في صورة واحدة وهي: أن يجر بحرف ولا يؤدي حذفه إلى تهيئة عامل آخر، (السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ). (السمن) هذا مبتدأ أول، (مَنَوَانِ) تثنية مَنَى مبتدأ ثاني (بِدِرْهَمٍ) خبر الثاني، الجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدئ الأول، أين الرابط؟ لا يوجد رابط له في اللفظ، وإنما هو محذوف (مَنَوَانِ منه بِدِرْهَمٍ) في هذه الصورة يجوز حذف الرابط، وما عداه فلا. وثم تفصيل أيضاً خلاف في هذه المسألة. إلا في صورة واحدة وهي: أن يجر بحرف ولا يؤدي حذفه إلى تهيئة عامل آخر نحو: السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ، أي: مَنَوَانِ منه، بخلاف ما إذا أدى نحو: الرغيف أكلت .. الرغيف أكلته، (الرغيف) مبتدأ، و (أكلته) الجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، أين الضمير؟ الهاء أكلته، لو حذفته الرغيف أكلت، هذا يحتمل ماذا؟ لما حذف الضمير هيأ العامل لأن يتسلط على الرغيف، فينصبه على أنه مفعول به، وهذا ممنوع، لماذا؟ لأننا بحذف الضمير هيأنا العامل، جهزناه، جعلناه صالحاً لأن يتسلط على المبتدأ فينصبه على أنه مفعول به له: الرغيف أكلته، الرغيف أكلت، يظن أنه أكل الرغيف لا غيره، من باب تقديم ما حقه التأخير، بخلاف ما إذا أدى نحو: الرغيف أكلت، أو جر بإضافة سواء كان أصله النصب نحو: زيد أنا ضاربه أم لم يكن نحو: زيد قام غلامه. على كل ثم تفصيل طويل موجود في المطولات، لكن الأصل عدم جواز حذف هذا الضمير. وَيَأْتِي جُمْلَهْ ... حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ. قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: ينقسم الخبر إلى مفرد وجملة وسيأتي الكلام على المفرد. فأما الجملة فإما أن تكون هي المبتدأ في المعنى أو لا، فإن لم تكن هي المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ، يعني ضمير عائد على المبتدأ، ويشترط فيه أن يكون مطابقاً للمبتدأ إفراداً وتثنية وجمعاً، والأصل فيه عدم جواز حذفه إلا ما استثني. وهذا معنى قوله: حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ. والرابط الأصل فيه الضمير، وما عداه فهو نائب مناب الضمير، هذا الأصل فيه. إما ضمير يرجع إلى المبتدأ نحو: زيد قام أبوه، (زيد) مبتدأ، و (قام أبوه) فعل وفاعل، والضمير الذي هو المضاف إليه يرجع إلى زيد.

وقد يكون الضمير مقدراً نحو: السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ، ((وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [النساء:95]-على قراءة الرفع- ((وَكُلٌّ))، ((وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) وَكُلٌّ وعده الله الحسنى حذف الضمير، أو إشارة إلى المبتدئ، أن يكون اسم إشارة كقوله: ((وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)) [الأعراف:26] في قراءة من رفع لباس، ((وَلِبَاسُ)) بالرفع، أما ((وَلِبَاسَ)) ليس فيه دليل. ((وَلِبَاسُ)) هذا مبتدأ أول، وهو مضاف والتقوى مضاف إليه ((ذَلِكَ)) هذا مبتدأ ثاني، و ((خَيْرٌ)) خبر المبتدأ الثاني، والجملة من ذَلِكَ خَيْرٌ في محل رفع خبر مبتدأ الأول، ما هو الرابط؟ اسم الإشارة، ما وجه الربط؟ اسم الإشارة كالضمير، يحتاج إلى مرجع، لا بد من مرجع، حينئذ ((ذَلِكَ خَيْرٌ)) المشار إليه لباسُ التقوى، كأنه مذكور ضمناً في الجملة ((ذَلِكَ)) المشار إليه هو لباس التقوى، كأنه أعيد مرة أخرى، ويصح أن يكون (ذلك) هذا عطف بيان أو نعت للباس، ويكون (خير) هذا خبر لباس، فلا يكون فيه شاهد، وأحسن منه الاستدلال بقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ)) [الأعراف:36] (والذين) هذا مبتدأ أول ((كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا)) جملة الصلة معطوف عليها ((أُوْلَئِكَ)) هذا مبتدأ ثاني، ((أَصْحَابُ النَّارِ)) خبر الثاني، والجملة من قوله: ((أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ)) في محل رفع خبر الذين. أو –الثالث-: تكرار المبتدأ بلفظه، يعاد المبتدأ كما هو، وأكثر ما يكون في مواضع التفخيم والتهويل ((الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2))) [الحاقة:2،1] ((الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2))) [القارعة:2،1] ((وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ)) [الواقعة:27]. ((الْقَارِعَةِ)) نقول: هذا مبتدأ أول، ((مَا)) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ثاني، ((الْقَارِعَةِ)) خبر الثاني والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول. أين الرابط؟ إعادة المبتدئ بلفظه؛ لأنه عينه، ولذلك في مثل هذا نقول: أعيدت المعرفة معرفة، فهي عين الأولى، على القاعدة المشهورة عند البيانيين، إذا أعيدت المعرفة معرفة فهي عين الأولى، وهنا ((الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2))) القارعة الثانية اللفظ هو عين اللفظ الأول، بدليل أن (أل) هذه للعهد الذكري، يعني: التي ذكرت سابقاً. وقد يستعمل في غيرها (زيد ما زيد) يعني تكرار المبتدأ قد يستعمل في غير مواضع التفخيم والتعظيم. أو –الرابع-: عموم يدخل تحته المبتدأ نحو: زيد نِعم الرجل، (زيد) مبتدأ، و (نِعم الرجل) الجملة خبر، (نِعم) فعل ماضي، و (الرجل) هذا فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ.

أين الرابط؟ الرابط (أل) هذه للعموم -تفيد العموم-، وزيد فرد من أفراد العموم، زيد نِعم الرجل، الرجل (أل) هذه للعموم، وزيد فرد من أفراد الرجال، حينئذ دخل وحصل الربط بينهما، زيد فرد من أفراد مدخول (أل) نعم الرجل، وقيل (أل) عهدية، والمراد خصوص زيد ويكون من باب إعادة المبتدأ بمعناه، وإذا قيل: زيد نعم الرجل، الرجل (أل) هذه للعهد، حينئذ ليس عندنا عموم فيكون الربط هنا من باب إعادة المبتدأ بمعناه؛ لأن المبتدأ قد يكون الرابط بينه وبين جملة الخبر إعادته بلفظه كـ ((الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2))) وقد يكون بالمعنى، ومنه المثال الذي ذكرناه، فزيد هو الرجل أعدته مرة أخرى بالمعنى، زيد جاءني أبو عبد الله، وأبو عبد الله هو كنيته، (زيد) مبتدأ وجاءني أبو عبد الله الجملة في محل رفع خبر المبتدأ أين الرابط؟ إعادة المبتدأ بمعناه، فأبو عبد الله هو كنية زيد، فحينئذ حصل الربط أو لا؟ حصل الربط، والمراد بالربط: كل ما يؤدي إلى أن يكون المبتدأ في ضمن الجملة بأي وسيلة، فحينئذ حصل الربط بالمعنى، هذه يتعلق بالجملة إن كانت مغايرة للمبتدأ، فإن كانت هي في المعنى فحينئذ لا نحتاج إلى رابط، ولكن هذا قليل في أفراد يعني معدودة، وإلا الأصل أن تكون جملة الخبر مغايرة هذا الأصل، لماذا؟ لأننا جئنا بجملة الخبر من أجل أن تكون حكماً ومحكوماً بها، والمبتدأ محكوم عليه، فإذا كان هو عينه في المعنى لم نحتج إلى جملة. وَإِنْ تَكُنْ إِيَاهُ مَعْنًى اكْتَفَى ... بِهاَ كَنُطْقِى اللهُ حَسْبِي وَكَفَى (وإن تكن) الضمير يعود إلى الجملة التي تقع خبر، إن تكن الجملة التي وقعت خبراً عن المبتدأ (إِيَاهُ مَعْنًى) (إِيَاهُ) ما إعرابه؟ خبر. (إن تكن إياه) تكن الجملة اسم (تكن) ضمير مستتر، و (إياه) نقول: هذا خبر تكن، ومصدقه المبتدأ، إن كانت الجملة هي عين المبتدأ (إِيَاهُ مَعْنًى) تمييز من جهة المعنى (اكْتَفَى بِهاَ) بالجملة دون أن نشترط أن تكون حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ، يعني: لا يشترط لها رابط. (كَنُطْقِى: اللهُ حَسْبِي وَكَفَى)، (نطقي) مبتدأ، و (الله) مبتدأ ثاني، و (حسبي) خبر الثاني، والجملة: خبر مبتدأ الأول، أين الرابط؟ لا رابط، ليس فيه رابط. (نُطْقِى) أي: منطوقي الذي تلفظت به (اللهُ حَسْبِي). (أخبرت عن كون منطوقي) هو هذا اللفظ. إذاً: المنطوق الذي نطقت به هو اللهُ حَسْبِي لا فرق بينهما، هي في المعنى نفسها، (كَنُطْقِى) أي: المنطوق به، (اللهُ حَسْبِي) فهي نفسها، هي عينها بالمعنى. (وكفى) لأنها في الحقيقة تفسير للمبتدئ مرتبطة به ارتباط التفسيرية بالمُفَسَّر، حينئذ لا نحتاج إلى رابط، ولذلك قال هنا: وإن كانت الجملة الواقعة خبراً هي المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط، وهذا معنى قوله: وَإِنْ تَكُنْ إلى آخره.

وَإِنْ تَكُنْ الجملة (إياه) أي: المبتدأ في المعنى –من جهة المعنى- اكتفى بها عن الرابط، الجملة نفسها يكتفى بها عن الرابط، كقولك: نطقي الله حسبي، نطقي مبتدأ أول والاسم الكريم مبتدأ ثاني وحسبي خبر عن المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدأ الأول واستغنى عن الرابط؛ لأن قولك: الله حسبي، هو معنى نطقي، بل هو عينه، وكذلك قولي: لا إله إلا الله، الجملة خبر، وقولي: هذا مبتدأ، وحينئذ نقول: لا نحتاج إلى رابط. و {أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله} وهذا كثير في ضمير الشأن، أي: وقوع خبر المبتدأ جملة هي المبتدأ في المعنى: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1]. (هو): مبتدأ أول، (الله) مبتدأ ثاني، (أحد) خبر الثاني والجملة خبر الأول ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) مرجع الضمير: الله، إذاً: اللَّهُ أَحَدٌ، نقول: هذا هي عين المبتدأ ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1] مرجع الضمير هو الله عز وجل، إذاً: اللَّهُ أَحَدٌ جملة الخبر لا تحتاج إلى رابط لأنها عين المبتدأ في المعنى، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

30

عناصر الدرس * النوع الثاني ,أحكامه (الخبر المفرد) ـ * النوع الثالث وانوعه وشروطة (الخبرالشبيه بالجملة) ـ * حكم الإبتداء بالنكرة * ضابط الإبتداء بالنكرة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: والمُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ وَإِنْ ... يُشْتَقَّ فَهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتكِنْ عرَّف الخبر؛ بـ: أنه الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ، ثم قسَّمه إلى ثلاثة أقسام من حيث اللفظ -من حيث النطق- يرجع إلى ثلاثة أقسام: مفرد وجملة، وشبه الجملة وهو: الظرف والجار والمجرور. قال: وَمُفْرَداً يَأْتِيْ وَيَأْتِيْ جُمْلَة ... حَاْوِيَةً مَعْنَى الَّذِيْ صِيْغَتْ لَهْ وَإِنْ تكُنْ إِيَّاهُ مَعْنىً اكْتَفَى ... بِهَا كَنُطْقي اللهُ حَسْبِي وَكَفَى إذاً: وَمُفْرَداً يَأْتِيْ هذا القسم الأول، ثم قال: وَيَأْتِيْ جُمْلَة، هذا القسم الثاني، وسيأتي قسم ثالث: وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أَوْ بِحَرْفِ جَرْ، والأصل أن يرتب على حسب التقسيم، يذكر المفرد ثم ما يتعلق به من حكم إذا كان جامداً أو مشتقاً ونحو ذلك، لكنه بدأ في الجملة ثم عاد إلى المفرد، ولذلك ابن هشام في التوضيح نكَّت عليه بأن ذكر المفرد وما يتعلق به قدَّمه ثم بعد ذلك ذكر الجملة، هذا هو الأصل، ولكن الناظم أحياناً لا يمشي على ترتيب معين. وَمُفْرَداً يَأْتِيْ وَيَأْتِيْ جُمْلَة، بيَّن شرطها وتممنا بقية الشروط على ما ذكرناه سابقاً. ثم عاد إلى المفرد ليبين مسألة مهمة تتعلق به، وعرفنا أن المفرد هنا في باب المبتدأ والخبر أنهما ليسا جملةً ولا شبيهاً بالجملة، حينئذٍ يدخل فيه المفرد في باب الإعراب كزيدٍ وأخيك، وهذا من الأسماء الستة، ويدخل فيه المثنى، المذكر والمؤنث، ويدخل فيه كذلك الجمع بأنواعه كلها، جمع المؤنث السالم، وجمع المذكر السالم، وجمع التكسير، هذه كلها يطلق عليها أنها مفرد في باب المبتدأ والخبر، حينئذٍ قوله والمفرد يشمل كل الذي ذكرناه من أنواع. والسيوطي رحمه الله تعالى في جمع الجوامع عرَّفه بتعريف أيضاً جيد قال: هو ما للعوامل تسلط على لفظه مضافاً كان أو غيره، ما للعوامل تسلُّط على لفظه، هذا خرج به الجملة بنوعيها: الاسمية والفعلية؛ لأنها لا تتسلط العوامل على اللفظ وإنما على المحل فيرفعه المبتدأ محلاً ولا يتسلط على لفظه، وكذلك الجار والمجرور والظرف؛ لأنهما إنما يكونان معمولين لمحذوف لابد أن يتعلق بمحذوف. وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أَوْ بِحَرْفِ جَرّ ... نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتَقَرّ إذاً بهذا الحد خرج الجملة بنوعيها، وخرج كذلك الظرف والجار والمجرور؛ لأنه لا يتسلط العامل الذي هو المبتدأ على لفظ ما ذكرناه، وإنما يختص بالمفرد سواء كان مضافاً أو غير مضاف، زيد أخوك، هذا مضاف ومضاف إليه، المفرد هنا مضاف ومضاف إليه، هذا غلام زيد، هذا مبتدأ، وغلام زيد: هذا مفرد وهو مضاف ومضاف إليه، إذاً يكون عاماً يشمل المثنى وما ذكرناه ويدخل فيه كذلك المضاف والمضاف إليه.

والمُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ، المفرد ينقسم إلى قسمين -هنا في هذا المحل-: إما أن يكون مشتقاً وإما أن يكون جامداً، والمراد بالمشتق ما دل على متصف مصوغاً من مصدر كضارب ومضروب، وحسن وأحسن منه، وهو الذي دائماً نذكره ما دل على ذات وصفة، ولكن المشتق نوعان: مشتق يجري مجرى الفعل، ومشتق لا يجري مجرى الفعل، فحينئذٍ التعريف المذكور السابق -ما دل على ذات وصفة- هذا خاص، وأما ما دل على متصف مصوغاً بمصدر هذا فيه نوع عموم ولذلك المشتق يختلف عند الصرفيين عنهم عند النحاة ففرق بين بين فريقين. إذاً المشتق ما دل على متصف مصوغاً للمصدر كضارب ومضروب، وحسن وأحسن منه، والجامد بخلافه ما لا يدل على ذلك حينئذٍ يكون إما أن يدل على ذات فقط كزيد، وإما أن يدل على معنى فقط كعِلْم مثلاً، أو ضرب أو قتل، فالمصادر مدلولها الحدث فحسب، وهذا معنى من المعاني، حينئذٍ نقول: الجامد إما أن يكون ذاتاً وإما أن يكون معنًى، والمشتق إما أن يكون جارياً مجرى الفعل كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبه -التي تعمل ترفع وتنصب- هذه نقول مشتقات جرت مجرى الفعل، وثَمَّ مشتقات لم تجرِ مجرى الفعل، مثل: مفتاح هذا مشتق من اسم آلة مشتق من الفتح للآلة نفسها، وكذلك مرمى اسم مكان أو اسم زمان، نقول: هذه مشتقات ولا شك ولكنها لا تعمل حينئذٍ لم تجرِ مجرى الفعل، ففرق بين النوعين. والمُفْرَدُ الجَامِدُ، والجامد كذلك نوعان: جامد يؤول بمشتق، يعني: يكون في قوة المشتق، يعني: من حيث المعنى يفسر بمشتق، زيد أسد، يعني: شجاع، ففسر أسد هنا في تأويل مشتق وهو شجاع فُعال، وكذلك عمرو تميمي، أي: منسوب إلى تميم، وبكر ذو مال، هذا جامد لكنه في قوة المشتق، يعني: يؤول بالمشتق، أي: صاحب مال، وقد لا يؤول بالمشتق بأن يكون جامداً محضاً خالصاً، زيد أخوك، تقول: زيد أخوك مبتدأ وخبر، أخوك هذا خبر لكنه ليس في قوة المشتق.

هنا قال: والمُفْرَدُ الجَامِدُ، عرفنا حد المُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ، حكم عليه بأنه فارغ، المُفْرَدُ مبتدأ والجَامِدُ صفته وفَارِغٌ هذا خبر المبتدئ، حينئذٍ حكم الناظم هنا بأن المفرد فارغ، المُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ .. من ماذا؟ من الضمير، فلا يتحمل ضميراً، زيد أخوك، أخوك هذا قلنا جامد، هل فيه ضمير يعود إلى المبتدئ؟ ليس فيه ضمير؛ لأنه جامد، ليس الشأن في المفرد كالشأن في الجملة الاسمية أو الفعلية، الجملة الفعلية والاسمية لابد أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ، وأما المفرد فلا لكن قد يكون متحملاً للضمير وقد لا يكون، فلا يشترط في المفرد الذي لا يتحمل أن يكون متحملاً لضمير من أجل أن يعود على المبتدأ إذ ذاك الشرط في الجملة فقط، وأما في المفرد فلا يشترط، ولو قيل: بأنه في المشتق أو الجامد الذي يؤول بالمشتق أنه يتحمل للضمير، وأما الجامد المحض الخالص فهذا الصحيح من مذهب البصريين خلافاً للكوفيين أنه فارغ من الضمير فليس فيه ضمير، حينئذٍ لا يصح أن يقال على مذهب البصريين لغة: زيد أخوك هو؛ لأننا إذا قلنا يتحمل للضمير حينئذٍ جاز إبرازه فيقال: زيد أخوك هو، نقول: هذا فاسد، لماذا؟ لأن (هو) هذا إبراز للضمير المستتر في أخوك على القول به، ونحن نقول: لا يتحمل الضمير بل هو فارغ جامد خالص ليس فيه ضمير يعود على المبتدأ، حينئذٍ قوله: زيد أخوك هو، نقول: هذا ليس بسديد. والمُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ، أي: لا يتحمل ضميراً، هذا المراد بكونه فارغاً -لا يتحمل ضميراً- نحو: زيد أخوك، فلا يقال: زيد أخوك هو، هذا باطل. وزعم الكسائي أنه يتحمله، أنه يتحمل الضمير الجامد الخالص، زيد أخوك هو فصار هو هذا تأكيد للضمير في أخوك، ونسب إلى الكوفيين، يعني: كون الجامد الخالص متحملاً للضمير منسوب لمذهب الكوفيين. قال ابن مالك: وهي دعوى لا دليل عليها، القول بأن الجامد الخالص يتحمل ضميراً دعوى لا دليل عليها وإنما هو مجرد اجتهاد نظري. قال أبو حيان: وقد رد بأنه لو تحمل ضميراً لجاز العطف عليه مؤكداً، فيقال: هذا أخوك هو وزيد، لو كان متحملاً لضمير فأبرز قيل: زيد أخوك هو، أو: هذا أخوك هو وزيد، صح العطف عليه وتأكيده كذلك، فيقال: هذا أخوك هو وزيد، كما تقول: زيد هو قائم هو وعمرو، زيد قائم، قائم هذا مشتق ويتحمل للضمير، حينئذٍ يجوز أن يقال: زيد قائم هو وعمرو، عَطَفْتَ عليه، وأما زيد أخوك هو هذا لا يصح أن يعطف عليه، لماذا؟ لأن الضمير في أصله ليس بثابت لغة، حينئذٍ لا يصح العطف عليه ولا تأكيده، بخلاف المشتق فإنه يتحمله إن لم يرفع ظاهراً نحو: زيد قائم، ولذلك قال الناظم: وَإِنْ يُشْتَقَّ فَهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتَكِنْ. وَإِنْ يُشْتَقَّ، أي: المفرد، إن كان المفرد مشتقاً وهذا يشمل نوعين: مشتقاً أصالةً، ومشتقاً عَرَضَاً وطُرُوَّاً. المشتق أصالة: هو ما دل على متصف مصوغاً من مصدر، بأن يجري مجرى الفعل فيرفع وينصب.

والنوع الثاني: أن يكون جامداً لكنه مؤولاً بالمشتق، فحينئذٍ في هاتين الحالتين يكون فيه ضمير مستكن يعني مستتر، يكون فيه ضمير مستتر، زيد قائم، زيد: مبتدأ، وقائم خبر، وهو مفرد مشتق؛ لأنه مشتق من القيام –المصدر- مصوغ من القيام، حينئذٍ نقول: قائم هذا متحمل للضمير، فيجوز أن يقال: زيد قائم هو، فحينئذٍ في الضمير هو بعد إبرازه وجهان عند سيبويه: إما أن يكون فاعلاً، وإما أن يكون تأكيداً للفاعل، فيجوز فيه هذا وذاك، ولو جعل تأكيداً لكان أجود. زيد قائم هو، هذا يكون من باب التأكيد، إذاً قائم هذا مشتق، وقد استكن فيه ضمير مستتر أبرزه بقوله: هو، وإعرابه إما أن يكون فاعلاً وإما أن يكون تأكيداً للفاعل المستتر، والثاني أجمل وأحسن، حينئذٍ ما كان مشتقاً بلفظه استكن فيه الضمير، وهذا محل وفاق بين البصريين والكوفيين لا خلاف بين البصريين والكوفيين أن المشتق متحمل للضمير زيد قائم هو، وهو -الضمير هذا الذي في قائم- لكونه لا يبرز في التثنية لا يكون فاعلاً ولا في الجمع عُومِل اللفظ معاملة المفرد، ولذلك قائم إذا قيل: أن فيه ضميراً مستكناً حينئذٍ هل هو جملة أم مفرد؟ يرد السؤال: هل هو مفرد أو جملة؟ زيد مبتدأ، وقائم؟ إذا قيل: رفع فاعل والفاعل هذا ضمير مستكن، حينئذٍ هل هو مفرد أو جملة؟ نقول: هو مفرد، وهذا الضمير لم يلتفت إليه، ليس الشأن فيه كالشأن في زيد قام، قام هو، هو فيه ضمير لا شك؛ لأنه فعل، وقائم فيه ضمير، هل هما في قوة واحدة؟ الجواب: لا، ليسا في قوة واحدة، لماذا؟ لأنك تقول: زيد قام من باب الإخبار بالجملة، وزيد قائم من باب الإخبار بالمفرد مع كون قام فيه ضمير مستكن وقائم فيه ضمير مستكن، إذاً ما الفرق بينهما؟

قالوا: لما كان الضمير لا يبرز تثنية وجمعا ألغي في المفرد، يعني: لا تجعل له أحكام، تقول: الزيدان قائمان، هناك زيد قام ضمير مستتر ولا شك، إذا قلت: الزيدان قاما برز الضمير، قاما الألف هذه ألف تثنية وهي فاعل، إذاً الضمير له وجود أم لا؟ له وجود، بدليل أنه برز في التثنية، إذاً له قوة حين كان مفرداً، الزيدون قاموا برز صار جمعاً، إذاً له قوة، لكن إذا قلت: زيد قائم، هذا كزيد قام، لكن إذا ثنيت وقلت: الزيدان قائمان الألف هذه ألف تثنية، لم يبرز، الزيدون قائمون الواو هذه ليست فاعلة بل هي علامة جمع، وقائما علامة تثنية، إذاً لما لم يبرز تثنية وجمعاً حينئذٍ لم يجعل له وجود من حيث التركيب حيث كان مفرداً، ولذلك يعترض والاعتراض الصحيح، يعترض على من مثَّل في باب الكلام بأن الكلام يتركب من اسمين كزيد قائم، فيقال: هذا خطأ بل هو مركب من ثلاث، هذا غلط، بل الصواب أنه مركب من كلمتين؛ لأن هذا الضمير وإن كان موجوداً إلا أنه ملغي من حيث الاعتبار، هو من حيث المعنى لابد من تقديره وأما من حيث الاعتبار –الإعراب- فهو ملغي بدليل التثنية والجمع، فليس الشأن فيه كالشأن في الفعل الماضي الذي أسند إلى مبتدأ زيد قام هو، الزيدان قاما برز الضمير، الزيدون قاموا برز الضمير، إذاً فرق بين هذا وذاك، إذاً زيد قائم، لو قال قائم هذا من الإخبار بالجملة وليس من الإخبار بالمفرد؛ لأنه رفع فاعلاً، فالضمير فاعل، نقول: لا، بل هو من قبيل المفرد، وهذا الضمير غير معتبر من حيث التركيب بدليل ماذا؟ الزيدان قاما، الزيدون قاموا، فالألف في التثنية والواو في الجمع علامتا تثنية وجمع وليست بفاعل لا في التثنية ولا في الجمع، بخلاف زيد قام والزيدان قاما والزيدون قاموا، ففرق بينهما. بخلاف ما إذا رفعه لفظاً أو محلاً، الزيدان قائم أبوهما، حينئذٍ نقول: زيد قائم فيه ضمير مستتر، لكن يشترط فيه أن لا يرفع ظاهراً، فإن رفع ظاهراً حينئذٍ صار المرفوع هو الفاعل؛ لأن اللفظ الواحد لا يكون له فاعلان، فإذا قيل: زيد قائم أبوه، أبوه هذا فاعل والضمير الذي في أبوه هو الذي كان مستكناً، حينئذٍ زيد قائم أبوه، لا نقول: قائم هذا فيه ضمير مستكن، لماذا؟ لأن الذي ظهر هو الفاعل، فلو قلنا بأن الظاهر هو الفاعل وفيه ضمير مستكن حينئذٍ صار لاسم الفاعل فاعلان وهذا باطل، بل هو فاعل واحد لا يتعدد -الفاعل لا يتعدد ليس كالخبر- هذا في الأصل -في الاصطلاح عندهم- حينئذٍ زيد قائم أبوه، نقول: أبوه هذا فاعل، وقائم ليس فيه ضمير مستكن. أو محلاً، زيد ممرور به، ممرور هذا اسم مفعول، والأصل فيه أنه يرفع نائب فاعل، وبه الضمير البارز هو الذي كان مستكناً، حينئذٍ جر محلاً لا لفظاً، إن خلا عن كونه يرفع ظاهراً لفظاً أو محلاً حينئذٍ نقول: هو رافع لضمير مستتر، إذاً المشتق هو ما دل على متصف مصوغاً من مصدر، هذا يستكن فيه ضمير بشرط أن لا يرفع ظاهراً لفظاً أو محلاً، فإن رفع ظاهراً فحينئذٍ ليس فيه ضميراً مستكناً، لماذا؟ لأننا لو أثبتنا الضمير المستكن مع تسلطه على الظاهر لأثبتنا له فاعِلَين وهذا فاسد، فلزم أن نقول: أن الظاهر هو الفاعل، وقد خلا عن الضمير المستكن.

وَإِنْ يُشْتَقَّ، عرفنا أن الأصل فيه اسم الفاعل واسم المفعول وما جرى مجرى الفعل، كذلك الجامد الذي يؤول بالمشتق فهو متحملً لضمير، زيد أسد أي هو؛ لأن أسد الاعتبار هنا بالمعنى، فأسد هنا في قوة قولك شجاع، وشجاع هذا فُعَال صفة مُشَبَّهَ، حينئذٍ نقول: شجاع، لو جاء لفظ شجاع لتحمل الضمير؛ لأنه مشتق يجري مجرى الفعل، فحينئذٍ ما جاء في مكانه في موضعه من الجامد ولوحظ فيه المعنى –المعنى المشتق- حينئذٍ صار مثله؛ لأن القاعدة كما ذكرنا: أن ما وضع في محل شيء فالأصل فيه -في الجملة- أنه يأخذ أحكامه، أقائم الزيدان؟ قائم هذا وضع موضع الفعل فأخذ أحكامه لا يخبر عنه ولا يُصَغَّر ولا يُثَنَّى إلى آخره، حينئذٍ شجاع هذا الأصل زيد شجاع، لكن عبر بالأسد من باب الكناية فصار متحملاً للضمير، إذاً أسد في اللفظ هو جامد، هل هو متحمل للضمير؟ نقول: نعم متحمل للضمير باتفاق البصريين والكوفيين، إذاً ثلاثة أنواع للمفرد: مفرد جامد محض خالص، مفرد جامد مؤول بالمشتق، مشتق خالص. الأول: هو محل النزاع بين البصريين والكوفيين، وهو المفرد المحض كزيد أخوك، فنقول: أخوك هذا ليس متحملاً للضمير على الصحيح. وأما الجامد المؤول بالمشتق والمشتق، فمذهب الكوفيين والبصريين اتفاقاً أنهما متحملان للضمير، لكن يشترط في المشتق أن لا يرفع ظاهراً لفظاً ولا محلاً، فإن رفع ظاهراً حينئذٍ لم يكن فيه ضمير مستكن، بل الاسم الظاهر والضمير المرفوع محلاً يكون هو الفاعل في المعنى وأما الضمير المستكن فلا وجود له أصلاً لئلا يكون ثَم فاعلان للفظ الواحد وهذا ممتنع. والمُفْرَدُ الجَامِدُ فَارِغٌ، أي: لا يتحمل ضمير وَإِنْ يُشْتَقَّ فَهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتَكِنْ، أي: مستتر لا يظهر، ولكن لابد من تقييده بماذا؟ إن لم يرفع ظاهراً، وإلا العبارة مدخولة، إذاً المفرد إما أن يكون جامداً أو مشتقاً كاسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة وأفعل التفضيل. فإن كان جامداً ذكر المصنف أنه يكون فارغاً من الضمير، زيد أخوك، وذهب الكسائي والرماني وجماعة إلى أنه يتحمل الضمير والتقدير عندهم: زيد أخوك هو. وأما البصريون فقالوا: إما أن يكون الجامد متضمناً معنى المشتق مؤولاً به أو لا، فإن تضمن معناه زيد أسد وزيد تميمي، وعمرو تميمي أي منتسب إلى تميم، وبكر ذو مال أي: صاحب مال، حينئذٍ تحمل الضمير، وإن لم يتضمن ذلك المعنى لم يتحمل الضمير، وإن كان مشتقاً فذكر المصنف أنه يتحمل الضمير نحو زيد قائم أي هو، هذا إذا لم يرفع ظاهراً، إذاً لو قيل: الخبر المفرد هل يتحمل ضميراً أم لا؟ ما الجواب؟ نقول: فيه تفصيل: إن كان جامداً محضاً لا، وإن كان مشتقاً أو جامداً مؤولاً بالمشتق فنعم، حينئذٍ محل النزاع بين الطرفين البصريين والكوفيين هو الجامد الخالص، والصواب أنه لا يتحمل ضميراً. قال ابن عقيل: وهذا الحكم إنما هو للمشتق الجاري مجرى الفعل، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، واسم التفضيل، فأما ما ليس جارياً مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميراً؛ لأن كلمة مشتق هذه أوسع من كونه يعمل أو لا يعمل.

أسماء الآلة مثلاً نقول: هذه مشتقات، مفتاح مشتق من الفتح، ولا يعمل عمل الفعل أبداً، ولا يكون في قوة الفعل، لا يفسر بالفعل، وكذلك اسم الزمان اسم المكان كـ: مفعل مرمى مشتق من الرمي هذا لا يتحمل ضميراً، وإنما يتحمل المشتق الجاري مجرى الفعل الضمير إذا لم يرفع ظاهراً، فإن رفعه لم يتحمل ضميراً وذلك نحو زيد قائم غلاماه، غلاماه مرفوع بقائم فلا يتحمل ضميراً. إذاً عرفنا أن الضمير مستكن في المشتق وما هو في قوة المشتق، هذا الضمير، يعبر عند النحاة بجملة "إن رجع إلى ما هو عليه"، أو "إن لم يرجع إلى ما هو عليه"، "إن جرى على ما هو عليه"، "إن لم يجرِ على ما هو عليهط، وهذا الذي عناه بقوله: وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقَاً حَيْثُ تَلاَ ... مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصَّلاَ إذا قلت زيد عمرو ضاربه، زيد: مبتدأ أول، وعمرو: مبتدأ ثاني، وضاربه: خبر المبتدأ الثاني، المبتدأ الأول خبره جملة، إذاً الحديث ليس فيها، أليس كذلك؟! عمرو ضاربه: جملة صغرى وقعت خبراً على المبتدأ الأول، خبر المبتدأ الثاني ما نوعه؟ مشتق، فيه ضمير مستكن على ما قررناه، حينئذٍ نقول: هو فيه ضميران الآن في هذا التركيب، عمرو ضاربه فيه ضميران: ضمير مستتر الذي قررناه أولاً وهذا يعود إلى المبتدأ، وضمير ظاهر الذي برز "ضاربه"، الضمير هذا في محل نصب، وليس هو الضمير المستكن الذي هو فاعل، إذاً فيه ضميران، حينئذٍ إذا رجع الضمير المستكن -ليست الهاء البارزة- إن رجع الضمير المستكن إلى المبتدأ الذي أخبر عنه بضارب قلنا: جرى على من هو له، من هو أي الخبر، له للمبتدأ، زيد عمرو ضاربه، ضاربه قلنا: فيه ضمير مستكن إن رجع إلى عمرو حينئذٍ قلنا جرى على من هو له، على من هو، أي: الخبر، له للمبتدأ، وهذا لا إشكال فيه وهذا هو الأصل فيه أن يعود إلى المبتدأ الذي أخبر عنه بهذا اللفظ المفرد، إن عاد إلى زيد المبتدأ الأول عمرو ضاربه والضمير فيه يعود إلى زيد لا إلى عمرو، حينئذٍ نقول: جرى على غير من هو له؛ لأن ضارب ليس خبراً عن زيد، وإنما هو خبر عن عمرو، إن جرى الضمير المستكن على من هو له نقول: هذا هو الأصل، حينئذٍ لا يجب إبرازه بل يجوز فيه الوجهان، إذا كان الضرب واقع من عمرو حينئذٍ يجوز فيه الوجهان، فتقول: زيد عمرو ضاربه هو، وأما إذا كان مرجع الضمير ليس هو عمرو بل هو زيد تعين إبراز الضمير، وهذا تفصيل على مذهب الكوفيين وهو الصواب، أنه تفريق بين ما إذا أمن اللبس أو إذا لم يؤمن اللبس، سيأتي. وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً حَيْثُ تَلاَ ... مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصَّلاَ إذاً عرفنا، ضمير جرى على ما من هو له، أي: إن كان خبراً عن مبتدئٍ والمعنى الذي دل عليه الخبر ثابت لذلك المبتدئ فإنه يقال جرى على من هو له، وإن كان خبراً عن اسم ولكن معناه، أي: فاعله لاسم آخر يقال جرى على غير من هو له، بهذا التفصيل.

وَأَبْرِزَنْهُ، ما هو؟ الضمير، الذي قال: وَإِنْ يُشْتَقَّ فَهْوَ ذُو ضَمِيرٍ مُسْتَكِنْ، هذا الضمير يجب إبرازه مطلقاً عند البصريين سواء أمن اللبس أو لا، وأبرزنه الضمير يعود إلى الضمير المستكن، والأمر هنا للوجوب فيجب مطلقاً، وَأَبْرِزَنْهُ، أي: الضمير المشتق، مطلقاً: حال من المفعول الهاء، وَأَبْرِزَنْهُ، أي: الضمير المشتق، الضمير المستكن، مُطْلَقاً، يعني: أمن اللبس أم لا، حَيْثُ تَلا: حيث ظرف مكان، حَيْثُ تَلا الخبر المشتق مَا: مبتدأ لَيْسَ مَعْنَاهُ-معنى الخبر- لَهُ: لذلك المبتدأ، يعني: إذا جرى إلى غير من هو له، إذا جرى إلى من هو له لا إشكال فيه، وإنما إذا جرى على غير من هو له فحينئذٍ عند البصريين مطلقاً يجب إبرازه سواء أمن اللبس أو لم يؤمن اللبس، وهذا مذهب البصريين والصواب التفصيل كما سيأتي. إذاً وَأَبْرِزَنْهُ أي: الضمير المشتق، مُطْلَقاً أُمن اللبس أم لا، حَيْثُ تَلا، تَلا: الضمير يعود إلى الخبر المشتق، تلا ماذا؟ تلا مبتدأً، مَا هذا مفعول به يصدق على المبتدأ، لَيْسَ مَعْنَاهُ، هذا اسم ليس، ليس معناه، أي: معنى الخبر لَهُ لذلك المبتدأ مُحَصَّلا، لم يؤتَ بهذا الخبر من أجل إفادة المبتدأ الذي له بل لغيره، ليس معنى ذلك الخبر محصلٌ لذلك المبتدئ، ومعنى البيت: وأبرز الضمير العائد من الخبر المشتق إلى المبتدأ مطلقاً، إذا تلا الخبر مبتدأً ليس معنى ذلك الخبر محصَلاً لذلك المبتدئ. قال ابن عقيل: إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه، نحو زيد قائم، هذا هو الأصل؛ لأنه لا إشكال فيه، لو ألقيته على ما هو عليه لا إشكال فيه، وإذا أبرزته حينئذٍ جاز أن تبرزه فيعرب إما فاعل وإما توكيداً، زيد قائم، أي: هو، فلو أتيت بعد المشتق بهو ونحوه وأبرزته فقلت: زيد قائم هو، وقد جوز سيبويه فيه وجهين: أن يكون هو تأكيداً للضمير المستتر في قائم، والثاني: أن يكون فاعلاً بقائم، هذا إذا جرى على من هو له، وهذا واضح بين، هذا التركيب واضح لا إشكال، لكن لو وقعت هذه الجملة خبراً لمبتدأ فحينئذٍ قد يقع فيه نوع لبس.

فإن جرى على غير من هو له وهو المراد بهذا البيت وجب إبراز الضمير مطلقاً سواء أُمن اللبس أو لم يؤمن، يعني: إذا لم يشتبه الضمير هل هو عائد على الأول والثاني؟ هذا نقول: أُمن اللبس، وإذا اشتبه الضمير حينئذٍ نقول: لم يؤمن اللبس، يقع إشكال أيهما الضارب وأيهما المضروب، فإن جرى على غير من هو له قلنا: هذا وجب إبراز الضمير مطلقاً، فمثال ما أُمن فيه اللبس: زيد هند ضاربها هو، زيد: مبتدأ أول، هند: مبتدأ ثاني، ضاربها: خبر المبتدأ الثاني، ضاربها فيه ضميران انتبه لا يلتبس عليك أن الضمير البارز هو الذي فيه الكلام لا، ليس الكلام في الضمير البارز، ضاربها (ها) ليس الكلام فيه، الكلام في الضمير المستتر، وضاربها (ها) هذا نقول: في محل نصب مفعول به، والكلام في الفاعل، ضاربها فيه ضميران: الضمير البارز هذا واضح يعود على زيد، والضمير المستكن، يعود على من؟ من الضارب هل هو هند أم زيد؟ زيد. هنا وجدت قرينة، وهي ضاربها، لو قال: ضاربته لكانت هي الضاربة، ولما قال: ضاربها علمنا الضمير يعود إلى زيد فهو الضارب، حينئذٍ نقول: عاد الضمير هنا على غير من هو له، وأُمن اللبس، فحينئذٍ لم نحتج إلى إبراز الضمير، لكن مذهب البصريين أنه يجب حتى في مثل هذه الحالة، ولذلك يقول: زيد هند ضاربها هو، هو هذا واجب الإبراز عند البصريين، لماذا؟ لأن الضمير جرى على غير من هو له، هذه العلة فقط، بقطع النظر عن كونه أُمن اللبس أو لا ما دام أن الضمير هنا رجع إلى غير من هو له حينئذٍ نقول: هذا ..

وجب إبراز الضمير، ولو قيل: هند زيد ضاربته هي، هند: مبتدأ أول، زيد ضاربته: مبتدأ ثاني وخبره، ضاربته: تاء التأنيث، والفاعل ضمير مستتر، وضاربته: الهاء هذا في محل نصب مفعول به، هل فيه لبس؟ ليس فيه لبس؛ لوجود تاء التأنيث، فدل على أن الفاعل هند -المبتدأ الأول- هند زيد ضاربته، الأصل في ضاربته "الضمير" أن يعود إلى زيد لكنه عاد إلى الأول إلى غير من هو له لكن وجدت قرينة وهي التاء كما وجد هناك ضاربها الهاء مذكر، إذاً هذا أُمن اللبس وعند البصريين يجب الإبراز -إبراز الضمير-، والصحيح أنه لا يجب إذا أُمن اللبس، تفريق بين النوعين، ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لولا الضمير: زيد عمرو ضاربه، هنا يرد إشكال، زيد عمرو ضاربه، زيد: مبتدأ أول، وعمرو: مبتدأ ثاني، ضاربه، من الضارب ومن المضروب؟ هذا يحتمل أن يكون الضارب هو عمرو وزيد مضروب، ويحتمل أن يكون زيد هو الضارب وعمرو هو المضروب، لكن لو جرينا على الأصل أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأن الخبر إنما أُخبر به عن مبتدئه فالأصل أن نقول: لا إشكال في هذه، إذا كان الضارب هو عمرو فالأصل عدم إبراز الضمير، زيد عمرو ضاربه لا إشكال، لكن إذا أراد المتكلم أن الضارب هو المبتدأ الأول حينئذٍ لابد من إبراز الضمير؛ لأن المخاطب سيفهم عود الضمير إلى أقرب مذكور، زيد عمرو ضاربه فالضارب عمرو هذا هو الأصل، فلو لم يذكر "هو" فحينئذٍ نقول: المخاطب إذا أجرى الضمير إلى من هو له لا إشكال فيه، ولكن لو كان مراد المتكلم أن الضمير هنا أجري على غير من هو له وجب عليه إظهار الضمير فيقول: زيد عمرو ضاربه هو، أي: زيد، فزيد هو الضارب وعمرو هو المضروب، ولو أسقطنا "هو" لكان عمرو هو الضارب وزيد هو المضروب، ففرق بين الجملتين هذا إذا لم يؤمن اللبس وجب إبراز الضمير عند البصريين وكذلك عند الكوفيين، فإذا أُمن اللبس وقع النزاع بين الطائفتين أوجبه البصريون ولم يوجبه الكوفيون، ومذهب الكوفيين أقرب. إذاً زيد عمرو ضاربه هو، فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين، وهذا معنى قوله: وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً، أي: سواء أُمن اللبس أو لم يؤمن، وأما الكوفيون فقالوا: إن أُمن اللبس جاز الأمران كالمثال الأول زيد هند ضاربها هو؛ لأن ثَم قرينة هنا ضاربها ولم يقل ضاربته دل على أن الهاء هنا يعود على زيد فهو الفاعل؛ لأن المبتدأ الثاني مؤنث، فلو كان راجعاً إليه لقال: ضاربته، لكن لما ذَكَّر علمنا أنه أراد الأول، فإن شئت أتيت بهو وإن شئت لم تأت به، وإن خيف اللبس وجب الإبراز كالمثال الثاني وهذا مذهب الكوفيين، واختار المصنف هنا مذاهب البصريين، واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين. إذن: وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً حَيْثُ تَلاَ ... مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصَّلاَ مراده: أن الضمير المستكن في المشتق المفرد إذا عاد إلى من هو له حينئذٍ لا كلام فيه، وإن عاد إلى غير من هو له فله حالان: إما أن يؤمن اللبس معه وإلا لا، في الحالتين يجب إبراز الضمير على مذهب البصريين.

وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقاً، أُمن اللبس أو لا، حَيْثُ تَلا: الخبر المشتق مَا، أي: مبتدأً لَيْسَ مَعْنَاهُ: معنى الخبر لَهُ لذلك المبتدئ مُحَصَّلا، لم يؤتَ من أجله وإنما جيء من أجل الآخر، ولذلك استدل الكوفيون على أنه لا يجب الإبراز مع أمن اللبس بقول القائل: قَوْمِي ذُرَى المَجْدِ بَانُوْهَا وَقَدْ عَلِمَتْ ... بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وقَحْطَانُ قَوْمِي: هذا مبتدأ أول، ذُرَى المَجْدِ: مضاف ومضاف إليه وهو مبتدأ ثاني، قال: بَانُوْهَا: الضمير هنا يعود على من؟ لو على قومي لقال: بانوها هم، لكنه عاد مع أمن اللبس هنا على قومي، قَوْمِي ذُرَى المَجْدِ بَانُوْهَا، حيث جاء بخبر المبتدئ مشتقاً ولم يبرز الضمير مع أن المشتق ليس وصفاً لنفس مبتدئه في المعنى، ولو أبرز الضمير لقال: قَوْمِي ذُرَى المَجْدِ بَانُوْهَا هم، إذاً لم يبرز الضمير مع كونه رجع إلى قومي، وذُرَى المَجْدِ هذه مبنية وليست بانية وإنما الباني هم القوم، التقدير بانوها هم، فحذف الضمير؛ لأمن اللبس. وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ اوْ بِحَرْفِ جَرّ ... نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتَقَرّ هذا هو النوع الثالث من أنواع الخبر وهو ما كان شبه جملة وهو الظرف والجار والمجرور، وَأَخْبَرُوا، أي: العرب، أو حكم النحاة بجواز الإخبار بالظرف أو حرف جر، بِظَرْفٍ: كما هو في قوله تعالى: ((وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)) [الأنفال:42]، َالرَّكْبُ: هذا مبتدأ، وأَسْفَلَ: هذا ظرف مكان وهو خبر، أوْ هذا للتنويع بِحَرْفِ جَر كقوله تعالى: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ)) [الفاتحة:2]، الْحَمْدُ: مبتدأ، ولِلَّهِ: جار ومجرور، نقول: خبر أو متعلق بحذوف. نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتَقَر، يشترط في الظرف وحرف الجر إذا وقعا خبرين أن يكونا تامين، فليس كل ظرف يصح أن يكون خبراً وليس كل جار ومجرور يصح أن يكون خبراً بل الشرط أن يكون فيهما معنى التمام، وسبق أن التمام المراد به أن يُفهم منه متعلقة المحذوف، إذا قال: زيد في الدار، عرفت أن في الدار هذا متعلق بمحذوف يتم الكلام به وهو كائن أو استقر، وكذلك زيد عندك، عندك نقول: هذا ظرف وهو تام؛ لأنه من إطلاق اللفظ عرفت المحذوف وهو المتعلق كائن أو استقر، إن لم يكن كذلك فحينئذٍ نقول: هذا ظرف ناقص أو جار ومجرور ناقص لا يصح الإخبار به، زيد بك، بك ليس بكلام هذا، لم يحصل به فائدة، زيد فيك، زيد لك، نقول: هذا جار ومجرور لم يحصل به الفائدة، نسميه ناقصاً؛ لأنه لم يفهم منه المتعلق، إذاً الناقص ما لا يفهم بمجرد ذكره وذكر معموله ما يتعلق به لم يُعرف بمجرد ذكره بك لم نعرف ما هو المتعلق، مع أنه يحتمل أنه زيد واثق بك، زيد فيك، زيد راغب فيك، زيد عنك، زيد معرض عنك، هذه كلها متعلقات هل تفهم من الكلام؟ ما يفهم، إذا قلت: زيد بك، ما تفهم أن المتعلق هو راغب أو واثق، أو معرض، نقول: كونه لا يدل على المتعلق هذا ناقص، وإذا دل عليه يكون تاماً وإنما يدل على المتعلق في حالين، إذا كان المتعلق المحذوف عاماً، وهو ما عبر عنه بـ: كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ، يعني: لفظ يدل على الوجود والحصول والحدوث، كل لفظ يدل على هذه الألفاظ وهذه المعاني فهو كون عام، فهو متعلق عام.

النوع الثاني: أن يكون المتعلق خاصاً، والمتعلق الخاص مثل ما ذكرناه: زيد واثق بك، واثق: هذا حدث خاص ليس كالحدوث العام والكون العام والاستقرار العام، حينئذٍ نقول: هذا كما فصلناه سابقاً نقول: هل يجوز حذفه أو لا؟ فيه تفصيل: إن دل عليه دليل جاز وإلا فلا، حينئذٍ إذا قلت: زيد مسافر غداً، زيد: مبتدأ، ومسافر: خبر، وغداً: نقول: هذا ظرف زمان متعلق بمسافر، إذاً مسافر متعلَّق، وغداً متعلِّق وهو ظرف، متعلَّق بفتح اللام مسافر، خاص أم عام؟ خاص، نقول: في هذا التركيب لا يجوز أن يحذف، لماذا؟ لأنك لو قلت زيد غداً، ما تفهم، مثل زيد بك رجعنا إلى الأول فهو ناقص، فلا يفهم المتعلق المحذوف بذكر هذا الظرف، حينئذٍ نقول: هذا ناقص لا يجوز، فلا يجوز حذفه إلا إذا دل عليه دليل، لو قال: زيد مسافر غداً، وعمرو يوم الجمعة، عمرو: مبتدأ، ويوم الجمعة نقول: هذا متعلق بمحذوف خبر، عام أو خاص؟ خاص، جاز حذفه أو لا؟ جاز حذفه، لماذا؟ لقرينة؛ لأنه ذكره سابقاً حينئذٍ جاز حذفه، في هذين الموضعين نقول: الظرف والجار والمجرور تامين، هما تامان، إذا كان المحذوف متعلقاً عاماً، وإذا كان المحذوف متعلقاً خاصاً دل عليه دليل، وأما إذا لم يكن ذلك فهو ناقص، والناقص ما لا يفهم بمجرد ذكره وذكر معموله ما يتعلق به: زيد بك، زيد فيك، زيد عنك، أي: واثق بك، وراغب فيك، ومعرض عنك، فلا يقع خبراً إذ لا فائدة فيه، إذاً الناقص لا يقع خبراً؛ لأن من شرط الخبر أن يكون مفيداً ولذلك سبق: وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ، وأما زيد بك لم تحصل به الفائدة فلا يصح أن يكون خبراً.

الجار والمجرور عرفنا أنهما لابد أن يكونا تامين، ثم هل هو الجار نفسه خبر، والظرف يكون هو الخبر أم لا؟ زيد عندك، عرفنا أن الخبر معنى، ووصف، وحكم، أليس كذلك؟ لما قلنا: الخبر محكوم به، والمبتدأ محكوم عليه، حينئذٍ إذا قلت: زيد أخوك، زيد قام أبوه، زيد مسافر، زيد أسد، أسد، وقام أبوه، وزيد أبوه قائم، الأخبار هذه كلها دلت على معانٍ اتصف بها المحكوم عليه وهو المبتدأ، إذاً كل من هذه الألفاظ -الجملة بقسميها والمفرد بنوعيه- دل على معنى في الموصوف وهو المبتدأ، لكن هل هذا المعنى حاصل من ذات اللفظ -لفظ الظرف، ولفظ الجر والمجرور-؟ لو قيل: زيد عندك، أخبرنا عن زيد بلفظ عند، عند: ظرف مكان وملازماً للنصب، وإذا قلنا: كذلك زيد في الدار، الدار: الأصل أن يكون المخبر به هنا مدخول حرف الجر، هل يحصل الإخبار بذات الظرف وبذات المجرور عن المبتدأ؟ لو تأمل المتأمل لوجد أن ثَم فرقاً بين الإخبار بالجملة والمفرد بنوعيه عن الإخبار بالظرف والجار والمجرور ولذلك جماهير النحاة على أن الخبر لا يكون نفس الظرف ولا يكون نفس الجار والمجرور بل لابد أن يكون متعلقاً، واختلفوا في هذا المتعلق هل هو اسم فاعل أو فعل؟ لماذا؟ لا يخرج عن هذين النوعين؛ لأن كلاً من هذين النوعين متضمن لمعنى، هذا المراد، فروا من الجمود المحض في الظرف وفي المجرور وعلقوه بما فيه رائحة المعنى، رائحة الحدث كاسم الفاعل، أو هو حدث في الأصل كالفعل، فحينئذٍ أوجبوا أن يكون الظرف والجار والمجرور ليس هو عين الخبر وإنما هو متعلق بمحذوف، لماذا؟ لأنهم وجدوا أن الفائدة لا تتم بعين الظرف زيد عندك لو لم يستحضر في نفسه كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ، زيد عندك هذا مثل: زيد بك، لكن لمَّا دل عندك وهو ظرف مكان على أن المراد الكينونة والحدوث والاستقرار وهذا هو المتعلق العام حينئذٍ صح الإخبار به، لكن لا بذات اللفظ، وإنما بتقدير المتعلق المحذوف، ولذلك جماهير النحاة على هذا، على أن الخبر ليس هو عين الظرف، وليس هو عين الجار والمجرور؛ لأنه في ذاته دون نظرٍ إلى المتعلق لا يدل على معنىً البتة، ليس فيه معنى، وليس فيه فائدة، ولكن إذا فهم الإنسان زيد عندك، أنت في ذهنك أن ثَم فائدة لا. الفائدة هذه حصلت بماذا؟ باستحضار الاستقرار الذي أنت فهمته من الجملة وهذا قدر زائد على اللفظ، وهو الذي أراده النحاة هنا، أن يكون هذا اللفظ لم يدل على الخبر أو معنى الخبر بذاته، وإنما تعلق بمحذوف، وهذا المحذوف واجب الحذف إن كان عاماً، وجائز الحذف إن خاصاً ودل عليه دليل لابد من هذا، فإن كان المحذوف عاماً مثل ما ذكرنا زيد في الدار، زيد: مبتدأ، وفي الدار نقول: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، زيد عندك، عند نقول: هذا ظرف متعلق بمحذوف، أليس كذلك؟! والمحذوف على الصحيح كما سيأتي هو الخبر، وهذا قيد له ومتمم لمعناه، إذاً أوجب النحاة أن يكون الظرف والجار والمجرور متعلقين بمحذوفين نقدر هذا المحذوف عاماً أو خاصاً إن لفظ به لا إشكال فيه وإن حذف حينئذٍ لابد أن يكون ثَم دليل عليه ولذلك قال ابن عقيل: فكل منهما متعلق بمحذوف واجب الحذف، واجب الحذف هذا إذا كان عاماً يجب حذفه لا يجوز أن يذكر، وذكره شاذ

فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُون كَائِنُ، هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، ولا يكونان خبراً إلا إذا كان متعلقهما عاماً؛ لأنه واجب الحذف، حينئذٍ إذا أثبتنا وقررنا أن الظرف والجار والمجرور كل منهما متعلق بمحذوف، وهذا المحذوف واجب الحذف، وهو كون عام، بماذا نقدره؟ الناظم قال: نَاوِينَ، أي: قاصدين في قلوبهم؛ لأن النية محلها القلب، نَاوِينَ-وأظن التصريح بها ليس ببدعة عندهم-: نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ، أي: قاصدين بالإخبار بالظرف أو الجار والمجرور مَعْنَى كَائِنٍ أو معنى اسْتََقَرْ، والفرق بين اللفظين: كائن اسم فاعل، واستقر فعل، وكلا القولين قرر أنه لابد أن يكون متعلق الجار والمجرور ما فيه وصف؛ ليصح الإخبار بالظرف والجار والمجرور، وهل الناظم يريد التخيير أو حكاية خلاف بين النحاة؟ الظاهر الأول: أنه يريد في هذا المتن التخيير؛ لأنه قال: نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ، كائن هذا مشتق من الكون، واستقر هذا فعل صريح، مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ، الظاهر أنه جوز الأمرين. وقد يترجح يجوز هذا ويجوز ذاك، ولكن أيهما أرجح؟ هذه مسألة أخرى، وقد يتعين عند بعضهم أن يكون كائناً، وقد يتعين عند بعضهم أن يكون استقر، حينئذٍ تكون من حيث الإجمال الأقوال ثلاثة: منهم من جوز الوجهين: كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ. ومنهم من ألزم بتقدير اسم فاعل ومنع أن يقدر بالفعل. ومنهم من عكس. من رجح بأنه اسم فاعل استدلوا بأنه قد ورد في الشعر العربي ذكر الخبر ظرفاً، وذكر معه اسم الفاعل لَكَ الْعِزُّ إِنْ مَوْلاَكَ عَزَّ وَإِنْ يُهَنْ ... فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُون كَائِنُ فَأَنْتَ: مبتدأ، كَائِنُ لدى: لَدَى هذا ظرف، كَائِنُ: هذا الخبر، صرح به، إذاً إذا صرح به شذوذاً حينئذٍ نقول: ما لم يصرح به فالأولى حمله على ما نطق به، فرجحوا أن يكون المتعلق اسم فاعل. الثاني: أن هذا المتعلق خبر، والأصل في الخبر أن يكون مفرداً، وكائن هذا مفرد، واستقر هذا جملة، حينئذٍ إذا قدرنا استقر قدرناه على غير أصله، وإذا قدرنا كائن حينئذٍ قدرناه على أصله وهو المفرد. ثالثاً: أن تقدير اسم الفاعل يغني عن تقدير شيء آخر معه، بخلاف ما إذا قدرناه فعلاً، إذا قيل: زيد كائن في الدار، زيد استقر في الدار، كائن ماذا قدرناه؟ قدرنا لفظاً واحداً، واستقر؟ قدرنا الفعل وفاعله؛ لأننا قلنا الفاعل هنا في استقر كالفاعل في قام معتبر، حينئذٍ صار جملة، ولذلك تقول: زيد قام، زيد: مبتدأ، قام: هنا من باب الإخبار بالمفرد أو بالجملة؟ بالجملة إذاً استقر جملة، حينئذٍ إذا قدرته كائن قدرت مفرداً واحداً لفظاً، وإذا قدرت استقر قدرت شيئين، إذاً هو مُحْوِجُكَ إلى تقدير شيء آخر.

كذلك أنَّ تقدير اسم الفاعل قد يتعين في بعض المواضع، المحذوف أن يكون المقدر اسم فاعل، وذلك فيما إذا وقع الجار والمجرور أو الظرف بعد أما، أما معك فزيد، هنا لا يصح أن يقدر متعلق معك فعلاً؛ لأن الفعل لا يلي أما، وكذلك: خرجتُ فإذا زيد عندك، حينئذٍ إذا الفجائية وأما لا يليهما فعل فيجب تقدير اسم الفاعل، إذاً تعين –الشاهد- تعين تقدير اسم الفاعل في بعض المواضع، فإذا تعين في بعض المواضع حينئذٍ ما جاء التردد فيه حمله على ما تعين من باب أولى وأحرى، فيقدر في الجميع -طرداً للباب- يقدر اسم الفاعل. وذهب ابن الحاجب تبعاً للزمخشري والفارسي ورجحه الرضي: أن يكون المتعلق فعل، يعني: استقر، أو ثبت، أو كان، أو حصل؛ لوجوه منها: أنه عاملٌ النصب في لفظ الظرف، وفي محل الجار والمجرور، زيد عند، عند: هذا منصوب، منصوب بماذا؟ بمحذوف، ما الأصل في العمل؟ للفعل، ما الأصل في العمل؟ نقول: أصل العمل للفعل، إذاً تقديره فعلاً من أجل أنه عامل أولى؛ لأن عند هذا منصوب لفظاً، وفي الدار هذا منصوب محلاً. أنه قد يتعين تقدير الفعل كما في الصلة، عكس السابق، أما عندك فزيد، أما في الدار فزيد، هنا لا يصح أن يتعلق إلا باسم فاعل، في الصلة كما سبق معنا: جاء الذي في الدار، يعني: استقر في الدار، يتعين أن يكون هنا ماذا؟ أن يكون فعلاً؛ لأن جملة الصلة لا تكون إلا جملة لا تكون مفرداً، لو قيل: جاء الذي كائن في الدار صار مفرداً، ومرد الظرف والجار والمجرور إلى الجملة، إذن: أنه قد يتعين تقدير الفعل كما في الصلة، فإن صلة الموصول لا تكون إلا جملة، فتقديره في غيرها يكون من باب طرد الباب على وتيرة واحدة. وأُجيب عن هذا الثاني -لأنه مشكل- أُجيب بأن ثَم فرق بين الموضعين، فإنه في الصلة واقع موقع الجملة وأما في الخبر فهو واقع موقع المفرد ففرق بينهما، إذا قيل: يتعين أن يقدر المتعلق في باب الصلة جملة استقر، نقول: لأن قوله: جاء الذي عندك، عندك هذا وقع موقع المفرد أو الجملة؟ الجملة إذاً نرده إلى الجملة، وأما زيد في الدار، في الدار وقع موقع المفرد إذاً نرده إلى المفرد، ففرق بينهما، لا يقاس هذا على ذاك. إذاً ثَم أدلة لمن قال بأنه اسم فاعل كائن أو أنه فعل وهو استقر أو كان. ابن مالك هنا لعله جوز الوجهين؛ لأن كل منهما له وجهه وله اعتبار، ولذلك قال: نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ، ولهذا قال ابن هشام في المغني -لعله موافق لابن مالك-: والحق عندي أنه لا يترجح تقديره اسماً ولا فعلاً، لا نرجح نقول: نقول فعل مطلقاً ولا اسم مطلق، بل المعنى يتغير باعتباره كونه اسماً، ويتغير باعتبار كونه فعلاً، حينئذٍ بحسب المعنى تقدره، إن اقتضى المقام أن تكون الجملة جملة فعلية حينئذٍ ترده إلى جملة فعلية؛ لأنها تدل على الحدوث والاستمرار، وإن اقتضى المقام أنك تقدره بكائن وهو ليس بجملة حينئذٍ تقدره اسم فاعل، حينئذٍ بحسب المعنى. قال رحمه الله: والحق عندي أنه لا يترجح تقديره اسماً ولا فعلاً بل بحسب المعنى، وإن جهلت المعنى فقدر الوصف؛ لأنه صالح للأزمنة كلها وإن كان حقيقة في الحال، إن تردد الإنسان حينئذٍ يرجع إلى اسم الفاعل.

وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أوْ بِحَرْفِ جَرّ ... نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتَقَرّ إذاً الظرف نفسه ليس بخبر، وكذلك الجار والمجرور نفسه ليس بخبر وإنما المتعلَّق؛ لكن هل هو المتعلَّق مع الجار والمجرور أم المتعلَّق وحده؟ هذا محل نزاع بين النحاة، وهي: أن المتعلَّق مع المتعلِّق المجموع هل هو الخبر أم المتعلَّق وحده أم المتعلِّق وحده، إذا قلت: زيد في الدار، فقلنا: زيد كائن أو استقر، ما هو الخبر في حقيقته؟ هل هو كائن وفي الدار قيد له؟ أم أنه كائن مع قيده أم الظرف نفسه؟ ثلاثة أقوال للنحاة: جمهور البصريين على أنه المجموع، الملفوظ به مع المتعلَّق، يعني: زيد كائن في الدار، كائن في الدار أو استقر في الدار هو الخبر، والصحيح أن المتعلَّق هو الخبر، لماذا؟ لأنهم اتفقوا بإجماع على أنهم إذا قالوا: زيد مسافر غداً، ما هو الخبر؟ مسافر، وغداً؟ هذا قيد متعلِّق ومسافر متعلَّق، مسافر متعلَّق وغداً نقول: هذا متعلِّق. إذاً ما دام أنهم فيما إذا صرح بالمتعلَّق الخاص وجعلوه خبراً حينئذٍ طرداً للباب فليكن ذلك مثلهم، فنقول: الذي يكون خبراً في الحقيقة وإن أطلق لفظ الخبر على الظرف مجازاً إلا أن المتعلَّق هو الظرف وليس المتعلِّق. ذهب ابن كيسان إلى أن الخبر في الحقيقة هو العامل المحذوف كائن أو استقر، وأن تسمية الظرف خبراً مجاز، وتابعه ابن مالك رحمه الله تعالى. وذهب الفارسي وابن جني إلى أن الظرف هو الخبر حقيقة، وأن العامل صار نسياً منسيا، يعني: الظرف نفسه (عند) هو الخبر، وأما العامل قال: صار نسياً منسيا، كيف صار نسياً منسيا ونقول: (عند) منصوب بذلك العامل؟ لم يكن نسياً منسيا، إذا صار نسياً منسيا معناه: ذهب وأثره معه، ولكن لما بقي الأثر حينئذٍ لا يمكن نقول بأنه صار نسياً منسيا، هذا قول ضعيف، وابن جني نحوي كبير. إلى أن الظرف هو الخبر حقيقة، وأن العامل صار نسياً منسيا. وصحح ابن هشام في التوضيح أن الخبر في الحقيقة متعلقهما المحذوف، وأن تقديره كائن أو مستقر -رجح اسم الفاعل- لا كان أو استقر، فإن الضمير الذي كان فيه انتقل إلى الظرف والمجرور بدليل: (فَإنَّ فُؤَادِي عِنْدَكِ الدَّهْرَ أَجْمَعُ ... ). لأن استقر وكائن –إذا قيل استقر وكائن- فيهما الضمير فلما حذفا انتقل الضمير إلى الظرف، بدليل هذا: فَإنَّ فُؤَادِي عِنْدَكِ الدَّهْرَ أَجْمَعُ: أَجْمَعُ، بالرفع، ولا يمكن أن يكون تأكيداً لفؤادي؛ لأنه منصوب اسم إن، ولا عندك؛ لأنه منصوب، ولا الدهر؛ لأنه منصوب، هذه كلها الثلاثة منصوبات، وأجمعُ بالرفع حينئذٍ صار تأكيداً للضمير المستكن في قوله: (عندك) فيه ضمير مستكن، ولذلك عند المحققين -كما يقال-: عندك زيد، زيد عندك، ليس فيها إلا وجه واحد من حيث الإعراب، زيد: مبتدأ، وعند هذا متعلق بمحذوف خبر، وعندك زيد هذا يجوز في زيد وجهان: أن يكون مبتدأً وخبره متقدم، وأن يكون فاعلاً بالاستقرار المحذوف الذي دل عليه عند؛ لأنك تقول: عندك زيد، عند متعلق بمحذوف استقر، واستقر يطلب فاعلاً، فحينئذٍ استقر عندك زيد، هذا التركيب، فالأصل فيه أن يكون زيد فاعل لذلك الاستقرار المحذوف هذا الأصل فيه، فيجوز فيه الوجهان.

قال: واختلف النحويون في هذا، فذهب الأخفش إلى أنه من قبيل الخبر بالمفرد، وأن كلاً منهما متعلق بمحذوف، وذلك المحذوف اسم فاعل، والتقدير زيد كائن عندك، أو مستقر عندك، أو في الدار، ونسب هذا لسيبويه، وعليه يكون رده إلى المفرد. وقيل: إنهما من قبيل الجملة، وأن كلاً منهما متعلق بمحذوف هو فعل، والتقدير: زيد استقر، أو يستقر عندك أو في الدار -انظر التقدير لا يكون قبل المبتدأ، وإنما يكون بعده؛ لأنك لو قدرته قبل المبتدأ لرفعته على أنه فاعل- ونسب هذا إلى جمهور البصريين وإلى سيبويه أيضاً. وقيل: يجوز أن يجعل من قبيل المفرد فيكون المقدر مستقراً ونحوه وأن يجعل من قبيل الجملة، فيكون التقدير استقر، وهذا ظاهر قول المصنف: نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ، هذا هو الظاهر والله أعلم، وأن رجح في غيرِه غيره. وذهب أبو بكر ابن السراج إلى أن كلاً من الظرف والمجرور قسم برأسه ليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة، والحق خلاف هذا المذهب وأنه متعلق بمحذوف وذلك المحذوف واجب الحذف، وقد صُرح به شذوذاً لَكَ الْعِزُّ إِنْ مَوْلاَكَ عَزَّ وَإِنْ يُهَنْ ... فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُون كَائِنُ فَأَنْتَ: مبتدأ، وكائن خبره، ولَدَى هذا متعلق به، إذاً يجب حذف المتعلق الجار والمجرور إذا وقعا خبراً، كذلك يجب حذفهما إذا وقعا صلة وصفة وحالاً فالحكم عام، والتعليق: إما أن يكون باستقر وإما أن يكون بمستقر، الخلاف نفسه، فأربعة مواضع يجب فيها حذف المتعلق الجار والمجرور فيما إذا وقعا، يعني: الظرف والجار والمجرور خبراً، وهذا بيناه، وكذلك إذا وقع صفة مررت برجل عندك، عند نقول: هذا متعلق بمحذوف واجب الحذف صفة لرجل، وكذلك إذا وقع حالاً مررت بزيد عندك، نقول: عندك هذا متعلق بمحذوف حال من زيد، وكذلك إذا وقع صلة كما سبق، هذه أربعة مواضع يجب فيها حذف المتعلق إلا أنه يتعين باتفاق أن يكون المتعلق في باب الصلة فعل وما عداها على الخلاف الجاري. وَلاَ يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَا ... عَنْ جُثَّةٍ وَإِنْ يُفِدْ فَأَخْبِرَا

وَلا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَا عَنْ جُثَّةٍ .. خَبَرَاً اسم الزمان، عَنْ جُثَّةٍ، يعني: عن جوهر، المبتدئ الذي يقع الإخبار عنه إما أن يكون جوهراً وإما أن يكون عرضاً، جوهر جثة كزيد مثلاً، والهلال، والشمس، والبيت، والمسجد، نقول: هذه جثة مدركة بحس، وإما أن يكون عرضا، يعني: معنى من المعاني، كالقتال، والعلم، والخير، والفضل، نقول: هذه كلها معاني، والخبر إما أن يكون اسم زمان وإما أن يكون اسم مكان، إذا كان ظرف - والكلام في الظرف - فحينئذٍ إذا كان المبتدأ جثة واسم معنى -عرض يعني- والخبر ظرف مكان أو ظرف زمان صح الإخبار بظرف المكان عن نوعي المبتدأ، فيقال: زيد أمامك، والخير أمامك، زيد هذا مبتدأ، ما نوعه؟ نقول: جثة، يعني: جسم، وأمامك هذا ظرف مكان، صح الإخبار بأمامك عن زيد وهو جثة، كذلك الخير هذا معنى من المعاني وهو مبتدأ، أمامك هذا نقول: كذلك ظرف مكان فصح الإخبار بظرف المكان عن اسم المعنى، وأما إذا كان الخبر ظرف زمان حينئذٍ يُفصَّل: إن كان المبتدأ اسم معنى جاز، الصوم اليوم، الصوم هذا معنى ليس بجثة وهو مبتدأ، واليوم هذا اسم زمان صح الإخبار أو لا؟ صح؛ لحصول الفائدة، وأما إذا كان جثة، -المبتدأ جثة- والخبر ظرف زمان قال الناظم: وَلا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَاً عَنْ جُثَّةٍ، لا يقع؛ لعدم الفائدة، زيد اليوم ما يصح، زيد: هذا جثة، واليوم: هذا اسم زمان، هل هو مثل الصوم اليوم؟ لا، الصوم اليوم أفاد، والأصل في التركيب حصول الفائدة، فمتى ما حصلت الفائدة صح التركيب، وأما زيد اليوم نقول: لم يحصل فيه فائدة، حينئذٍ يمتنع أن يُخبر باسم الزمان عن الجثة، لماذا؟ لأن الغالب أنه لا يفيد. إذاً وَلا يَكُونُ هذا نفي أراد به النهي؛ لئلا يستخدم هذا التركيب وَلا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَاً عَنْ جُثَّةٍ، اسْمُ زَمَانٍ اسْمُ: هذا اسم يكون، وخَبَرَاً هذا خبر يكون وعَنْ جُثَّةٍ متعلق به، أي: جسم لعدم الفائدة، إذاً لا يخبر بالزمان عن الذات فلا يقال: زيد اليوم؛ لعدم الفائدة، سواء جئت به منصوباً أو مجروراً بفي، وما ورد حينئذٍ يكون مؤولاً على حذف مضاف. وَإِنْ يُفِدْ فَأخْبِرَا، وَإِنْ يُفِدْ إن حصلت الفائدة به في بعض التراكيب وهي مخصوصة ولها ضابط حينئذٍ فَأخْبِرَا، فَأخْبِرَا هل هو على التأويل أو أخبرا بذات اللفظ؟ مذهب البصريين أنه إذا سمع اسم الزمان خبراً عن الجثة وجب التأويل على حذف مضاف، وكلام الناظم يحتمل هذا، ويحتمل أنه لا نحتاج إلى التأويل بل على الأصل؛ لأن العبرة بماذا؟ بحصول الفائدة، إن حصلت الفائدة صح الإخبار دون تأويل، وإن لم تحصل الفائدة حينئذٍ يمنع من أصله، ظرف المكان يقع خبراً عن الجثة زيد عندك، وعن المعنى القتال عندك. وأما ظرف الزمان فيقع خبراً عن المعنى منصوباً أو مجروراً بفي هذا ظرف الزمان، يقع خبراً عن المعنى، منصوباً، أو مجروراً بفي، القتال يوم الجمعة، حصلت الفائدة، أو في يوم الجمعة جُرَّ في يوم الجمعة الجار والمجرور متعلق بمحذوف، ولا يقع خبراً عن الجثة.

إذاً المبتدأ نوعان: اسم معنى، واسم جثة، والظرف إذا وقع خبراً نوعان: اسم زمان واسم مكان، اسم المكان في الغالب أنه إذا أخبر به عن المبتدأ مطلقاً بنوعيه أفاد، ولذلك جوزوا أن يخبر باسم المكان عن المبتدأ مطلقاً سواء كان جثة أو لا. وأما اسم الزمان فلما كان الإخبار به عن اسم المعنى مبتدأ اسم معنى لما كان الغالب أنه يفيد لم يستثنوه، وأما لما كان الغالب في ظرف الزمان أو اسم الزمان أنه لا يفيد إذا أخبر به عن الجثة قالوا: هذا يمنع، والعلة في عدم الجواز أن الشأن في أسماء الذوات جثة -الأصل فيها- أن يكون وجودها مستمراً في جميع الأزمنة، إذا قيل: زيد وهو حي، إذاً في الماضي سنة سنتين ثلاث واليوم وغداً هذا الأصل فيه أنه موجود في جميع الأزمنة فيستغرق الماضي بحسبه، والحال والمستقبل بما كتب له، هذا الأصل فيه، إذاً الجثة هذه التي أخبر عنها سواء كان إنسان أو غيره الأصل فيه أنها مستمرة في جميع الأزمان، فالإخبار عنها باسم الزمان الدال على حصة معينة منه يكون تخصيصاً للذات؛ لأن اسم الزمان مهما كان لابد أنه يدل على شيء معين قدر معين حينئذٍ يحصل نوع تعارض بين وجود الذات والجثة في جميع الأزمنة وبين تخصيصه بزمن معين، زيد اليوم، زيد موجود في كل يوم كونك تخبر عنه بكونه في اليوم، هذا ما الفائدة منه؟ هذا فيه نوع تخصيص له بزمن معين والأصل فيه الاستمرار في جميع الأزمنة، فالإخبار عنها باسم الزمان الدال على حصة معينة منه يكون تخصيصاً للذات بالوجود في زمن خاص مع أن وجودها حاصل في غير هذا الزمان مثل حصولها فيه، وهذا لا يجوز؛ لأنه لا يفيد السامع شيئاً لم يكن يعلمه، فزيد اليوم نقول: هذا فاسد لم يفد؛ لأن زيد موجود في اليوم وقبل اليوم وغداً، فكونك تخبر عنه بأنه اليوم، هل حصلت فائدة؟ لم تحصل فائدة البتة، إذاً منع هذا النوع لهذه العلة، وأما إذا كان اسم معنى فالأصل فيه الموافقة كذلك إذا كان الظرف اسم مكان حينئذٍ يجوز الإخبار به مطلقاً. قال: ولا يقع خبراً عن الجثة إلا إذا أفاد، نحو: الليلة الهلال، الهلال جثة والليلة هذا اسم الزمان، حينئذٍ وقع الإخبار عن الجثة باسم الزمان، والرطب شهري ربيع، رطب جثة، شهري ربيع هذا زمان، رطب هذا مبتدأ، شهري هذا خبر، فإن لم يفد لم يقع خبراً عن الجثة نحو زيد اليوم، وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف، وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقاً فإن جاء شيء من ذلك يؤول نحو قولهم: الليلة الهلال، يعني: الليلة طلوع الهلال، والطلوع هذا جثة أو معنى؟ معنى، إذاً أخبر باسم الزمان عن اسم معنى، فيرد إلى اسم المعنى، والرطب شهري ربيع، يعني: وجود الرطب، والوجود هذا شيء معنوي فأخبر عنه باسم الزمان، وهذا مذهب جمهور البصريين.

وذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك من غير شذوذ لكن بشرط أن يفيد كقولك: نحن في يوم طيب، ولذلك قال: وَإِنْ يُفِدْ فَأخْبِرَا، وإن لم يفد لا تخبر، حينئذٍ شرط الإفادة هنا هل هي مع التأويل أو بدون تأويل؟ الظاهر والله أعلم بدون تأويل؛ لأنه إذا كان بتأويل وافق غيره، لكن أراد المصنف أنه لا نحتاج إلى تأويل؛ لأننا نفينا في الأصل أنه يخبر به عن الجثة لعدم الفائدة، لكن إذا وجد في بعض التراكيب حصلت فائدة للسامع حينئذٍ لا مانع من ذلك دون تأويل، فالليلة الهلال لا نحتاج إلى تأويل، فنقول: الليلة هذا متعلق محذوف خبر، والهلال هذا مبتدأ، أخبر عن الجثة باسم الزمان، يصح أو لا يصح؟ نقول: يصح بدون تأويل، لا نحتاج أن نقول: طلوع الهلال الليلة، لا نحتاج إلى هذا، لماذا؟ لأن الأصل هو الإخبار، ونفي هذا الأصل لعدم الفائدة في الغالب، وإذا انتفت الفائدة في الغالب لا يلزم أن تلحق كل المفردات والآحاد، فإذا وجد في بعض الأفراد والمفردات والتراكيب مما أخبر باسم الزمان عن الجثة حينئذٍ نقول: إذا وجدت الفائدة فهي المعتبرة، إذاً قول المصنف: وَإِنْ يُفِدْ فَأخْبِرَاً، فَأخْبِرَاً هذا للإباحة؛ لأنه منع أولاً ثم أمر حينئذٍ يكون شيئاً مباحاً، الأمر بعد النهي للإباحة يعتبر قرينة، وَإِنْ يُفِدْ فَأخْبِرَاً. لكن إذا أريد على مذهب البصريين والتأويل، نقول: ضابط الإفادة أن يشابه اسم العين اسم المعنى في حدوثه وقتاً دون وقت، هذا ضبطه البصريون من أجل التأويل، الليلة الهلال، الرطب شهري ربيع، قالوا: قد يشبه اسم الجثة اسم المعنى فيخبر به باسم العين باسم زمان ضبطه بعضهم بأن يشابه اسم العين اسم المعنى في حدوثه وقتاً دون وقت نحو الليلة الهلال، والرطب شهري ربيع، أو يضاف إليه اسم معنى عاماً أكل يوم ثوب تلبسه؟ ثوب هذا مبتدأ مؤخر، كل يوم: أضيف كل إلى يوم فأفاد العموم، أو يعم والزمان خاص، نحن في شهر كذا، نحن هذا عام، في شهر كذا هذا خاص، أو مسئول به عن خاص، في أي الفصول نحن؟ إذاً أورد البصريون هذه الضوابط من أجل ماذا؟ من أجل المنع مطلقاً، فإن سمع من كلام العرب أو استعملت بعض التراكيب لابد من التأويل، والصحيح أنه لا نحتاج إلى تأويل بل متى ما أفاد حينئذٍ صار التركيب تاماً. وَلاَ يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَا ... عَنْ جُثَّةٍ وَإِنْ يُفِدْ فَأَخْبِرَا ثم قال رحمه الله: وَلاَ يَجُوزُ الاِبْتِدَا بِالنَّكِرَهْ ... مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ

النَّكِرَةُ وَالْمَعْرِفَة، سبق أن النكرة ما شاع في جنس موجود أو مقدر، إذاً هو غير معين -فرد مبهم- وأما المعرفة فهي شيء معين، ما وضع ليستعمل في معين، حينئذٍ نقول: لما كان المبتدأ محكوماً عليه والخبر محكوماً به تعين أن يكون المحكوم عليه معلوماً عند المتكلم وعند السامع، هذا الأصل فيه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والتصور إنما يحصل بالتعيين، فلزم من ذلك تقرير أن يكون المبتدأ معلوماً –معرفة- ولزم من ذلك أن الأصل في الإتيان بالخبر هو إفادة السامع شيئاً لم يعلمه، ولما كانت هذه الإفادة حاصلة بالنكرة استغني عن تعريف الخبر، فلا نحتاج إلى أن يعرف الخبر بل الأصل فيه أن يكون نكرة، لماذا؟ لأن الحكم حاصل بأصل اللفظ وهو التنكير، والمعرفة قدر زائد على مجرد النكرة فحينئذٍ إذا عبرنا عن الخبر بالمعرفة والمعنى والحكم يحصل بالنكرة، قالوا: ما زاد على قدر النكرة صار حشواً، لماذا؟ لأنك زدته لفظاً لم يحتج إليه، زدته أحرفاً لم يحتج إليها، زدته معنى كالعلمية ونحوها لم يحتج إليها، فحينئذٍ نقول: الأصل في المبتدأ أن يكون معلوماً عند المخاطب، والأصل في الخبر أن يكون مجهولاً، لماذا الأصل في المبتدأ أن يكون معلوماً؟ لأنه محكوم عليه، والأصل أن أخبرك بشيء تجهله حينئذٍ لا يمكن أن يكون الطرفان مجهولين عندك، لابد أن يكون الأول معلوماً، أمهد لك بالأول من أجل أن أضع عليه الحكم الثاني وهو الخبر، فإذا كان مجهولاً فحينئذٍ لا يمكن التوصل للإخبار بالخبر. قال: وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ، إذا عرفنا ما سبق، إذاً ما كان نكرة وهو: ما لم يدل على شيء معين أو فرد مبهم، حينئذٍ نقول: الأصل أن لا يجوز أن يبتدأ بالنكرة؛ لأن النكرة مجهولة وإذا كانت مجهولة حينئذٍ الحكم على المجهول ممتنع؛ لأنه صار حكماً بالمجهول على المجهول، صار حكماً بالمجهول الذي هو الخبر، قلنا: زيد عالم، أنت تعرف زيد لكن ما تعرف أنه عالم، أخبرتك بهذا من أجل أن يحصل عندك استقرار بمضمون الخبر، زيد طالب علم أنت ما تدري أنه طالب علم، تعرف زيد لكن ما تعرف أنه طالب علم، إذاً العلم حاصل بالمبتدأ، وأما علمك بالخبر هذا الأصل عدم حصوله فهو مجهول، فإذا كان المبتدأ مجهولاً والخبر مجهولاً إذاً حكم بالمجهول على المجهول وهذا ممتنع. وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ، لما ذكرناه، لأن معناها غير معين، والإخبار عن غير المعين لا يفيد ما لم يقارنه ما يحصل به نوع فائدة كالمسوغات الآتية التي سيذكرها المصنف وغيره. ولا يرد الفاعل نكرة مع أنه مخبر عنه في المعنى، قام زيد، قام رجل، أيهما أصل؟ قام جملة فعلية، الأصل في الفاعل أن يكون معرفة أو نكرة؟ الأصل فيه أن يكون نكرة ولا نحتاج إلى قدر زائد إلا لحاجة تناسب المقام، هذا الأصل، وإنما جاز أن يكون الفاعل نكرة، لسبق الحكم عليه، بخلاف المبتدأ، المبتدأ المحكوم عليه سابق في اللفظ، والمحكوم به الذي هو الخبر متأخر، وأما الفاعل فالحكم على الفاعل سابق في الذكر على الفاعل نفسه، فلما قال: قام، حصل تخصيص، رجل حينئذٍ لا بأس أن تأتي بهذه الجملة، ولا بأس أن يكون الفاعل مجهولاً، لسبق الحكم عليه، بخلاف المبتدأ.

ولا يرد الفاعل نكرة مع أنه مخبر عنه في المعنى؛ لتخصصه قبل ذكره بالحكم المتقدم عليه، فالأصل تعريف المبتدأ؛ لأنه المسند إليه، فحقه أن يكون معلوماً؛ لأن الإسناد إلى المجهول لا يفيد، وأما تنكير الخبر فهو الأصل؛ لأن نسبته من المبتدأ نسبة الفعل من الفاعل، والفعل يلزمه التنكير فرجح تنكير الخبر على تعريفه، حينئذٍ إذا اجتمع معرفة ونكرة أيهما أولى بالتقديم؟ فإذا اجتمع معرفة ونكرة فالمعرفة المبتدأ والنكرة الخبر، المعرفة مبتدأ والنكرة هي الخبر، وعند سيبويه: إلا في صورتين، -استثناء من الأصل- أحدهما: كم مالك؟ مالك: هذا معرفة، وكم: هذا نكرة، كم هذا مبتدأ، ومالك هذا خبر، عند سيبويه استثناء من الأصل، الأصل إذا اجتمع معرفة ونكرة حينئذٍ المعرفة هي المبتدأ، والنكرة هي الخبر، إلا في صورتين عند سيبويه: أولها: كم مالك؟ فإن كم مبتدأ وهي نكرة، وما بعدها معرفة؛ لأن أكثر ما يقع بعد أسماء الاستفهام النكرة والجمل والظروف، فتغليباً لهذا الأصل ولهذه الكثرة حينئذٍ ألحقت كم في هذا التركيب بالأكثر، الأكثر في أسماء الاستفهام أن يليها النكرات والجمل والظروف، والجملة في المعنى نكرة ليست معرفة حينئذٍ لما كان هذا هو الغالب فألحقت كم بالغالب حملاً للأقل على الأكثر، ويتعين إذ ذاك كون اسم الاستفهام مبتدأً نحو من قام؟ ومن عندك؟ فحكم على كم بالابتداء حملاً للأقل على الأكثر. والثانية: أفعل التفضيل، خير منك زيد، والتوجيه كما سبق، خير هذا مبتدأ، وزيد هذا خبره عند سيبويه.

وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ، وهذا هو الغالب فيها أن النكرة إذا وقعت مبتدأً لا تفيد، يعني: لا يصح أن يسند إليها خبر، وإذا أسند إليها حينئذٍ لا يفيد فائدة تامة، وإن أفاد فائدة ناقصة، مَا لَمْ تُفِدْ كما هو الغالب فإن أفادت جاز الابتداء بها، وتخصيص النكرة هنا بالذكر -قال: النكرة- تخصيص النكرة بالذكر مع الإفادة مع أن الإفادة شرط في الكلام مطلقاً؛ لأن الغالب عدم إفادة الابتداء بالنكرة، إذاً بِالنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ، خصص هنا عدم الإفادة بالنكرة مع كون الإفادة شرطاً في الكلام، أليس كذلك؟ وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ، هنا قيد النكرة بالإفادة، مع كون نفي الإفادة عن مطلق الكلام شرط فيه، كَلاَمُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ، إذاً الإفادة شرط في صحة الكلام، لماذا خصص النكرة هنا بنفي الإفادة؟ قال: وتخصيص النكرة بالذكر مع أن الإفادة شرط في الكلام مطلقاً؛ لأن الغالب عدم إفادة الابتداء بالنكرة، والكلام هنا في النكرة، المخبر عنها التي لها مرفوع أغنى عن الخبر بصحة الابتداء بها وإن كانت نكرة محضة، أقائم الزيدان، نقول: لاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ، وقائم هنا مبتدأ، أقائم الزيدان قائم هذا مبتدأ، هل هو داخل في قوله: وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ؟ هو نكرة وابتدأ بها، نقول: ليس المراد هنا بالوصف المعتمد على نفي أو استفهام، بل المراد به المبتدأ الذي له خبر هذا أولاً، وقاله الكثير من الشراح، ويجاب: بأن قائم هذا معتمد على نفي أو استفهام، والنكرة مطلقاً إذا اعتمدت على نفي أو استفهام جاز أن يبتدأَ بها، فَمَا خِلٌّ لَنَا وكذلك: وَهَلْ فَتًى فِيكُمْ، من باب المثالين. وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ ... مَا لَمْ تُفِدْ .. إن أفادت حينئذٍ جاز الابتداء بها، وصور إفادة النكرة ابتداءً هذه في الغالب أنها ترجع إلى شيئين اثنين كما قال ابن هشام في قطر الندى: وهي أنها إن عمت أو خصت، بأي وسيلة صار فيها نوع عموم وبأي وسيلة صار فيها نوع خصوص حينئذٍ جاز الابتداء بها، وأكثر ما يذكر من تعداد صور إفادة النكرة فهو راجع إلى هذين السببين، قد يخرج بعضها لكن الغالب هو هذا، إن عمت أو خصت، إن عمت كأن سبقها نفي أو استفهام ((أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ)) [النمل:60]، إِِلَهٌ هذا مبتدأ، ما الذي جوز الابتداء به؟ كونه مسبوقاً باستفهام، ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3]، خَالِقٍ هذا مبتدأ وهو نكرة، جوز الابتداء به كونه وقع في سياق الاستفهام.

مَا خِلٌّ لَنَا، -كما قال الناظم هنا- {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ} قَرْيَةٍ هذا مبتدأ، ما الذي جوز الابتداء به؟ كونه مسبوقاً بحرف نفي، إذاً إذا عمت كما إذا وقعت في سياق النفي أو الاستفهام؛ لأنها من صيغ العموم حينئذٍ صح الابتداء بها، أو خصت وهذا إما أن يكون بوصف أو إضافة ((وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ)) [البقرة:221]، خَيْرٌ هذا خبر، وَعَبْدٌ هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه موصوفاً، (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ)، خَمْسُ هذا مبتدأ، ما الذي سوغ الابتداء به؟ كونه مضافاً، خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ، حينئذٍ نقول هذا خبر، والمبتدأ هنا نكرة، وحصل تخصيص له، يعني: تقليل للأفراد، العموم هناك رفع للاشتراك، وهنا حصل تقليل للاشتراك؛ لأن النكرة ما شاع في جنس موجود أو مقدر، والأمثلة التي ذكرها الناظم لا تخرج عن هذين النوعين وإنما ينص النحاة على ذلك من باب تمرين الطالب بأنه إذا وقع في حَيِّزِ كذا وكذا إلى آخره لتكون الصورة أمامه مستحدثة، ولذلك أوصلها إلى أربع وعشرين صورة، نأتي عليها إن شاء الله. وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ، مفهومه إن أفادت فحينئذٍ جاز الابتداء بها، فكل ما حصل به الفائدة جاز الابتداء به هذا هو الضابط، بل لو قال قائل: رجل في الدار، والمخاطب يعلم الحقيقة صح الابتداء بها؛ لأن المراد -نص بعضهم على هذا- لأن المراد أن يكون الخبر وهو المحكوم به قد حصل على معلوم عند السامع عند المخاطب، فإذا حصل بأي شيء ولو بشيء خارج عن مجرد اللفظ كالعهد ونحوه حينئذٍ صح الابتداء بها، فلو قلت لرجل: رجل عندك، رجل مبتدأ وهو نكرة، لا يجوز الابتداء بالنكرة، لكن إذا حصلت فائدة عند المخاطب وهذا على وجه الخصوص حينئذٍ صح الابتداء بها، لماذا؟ لأنها أفادت والفائدة تختلف؛ لأنها نسبية، تختلف من شخص إلى شخص آخر، ثم مَّثل لما يحصل به الفائدة فقال: كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ، مَا لَمْ تُفِدْ، في بعض النسخ ما لم يفد بالياء، ما لم يفد ما لم تفد، إذا كان بالتاء وهو المشهور ما لم تفد أي النكرة، ما لم يفد أي الابتداء بالنكرة، من جهة المعنى بالياء أحسن؛ لأن الكلام في الابتداء بالنكرة، ليس في عين النكرة، مَا لَمْ تُفِدْ يعني الابتداء بالنكرة، بالياء والضمير عائد على الابتداء، وبالتاء فالضمير عائد على النكرة من حيث الابتداء بها لا من حيث ذاتها، يعني: لابد من التأويل، مَا لَمْ تُفِدْ أي النكرة باعتبار ذاتها أو الابتداء بها؟ الابتداء بها، مَا لَمْ تُفِدْ يعني الابتداء بالنكرة، ولذلك الياء أحسن لكن المشهور هو بالتاء.

المسوغ الأول مثَّل له الناظم بقوله: كقولك: عِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ، النمرة هذا اسم لبردة من صوف يلبسها الأعراب، كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ، نمرة هذا نكرة ولا يجوز الابتداء بها، وهنا المسوغ للابتداء بها تقدم الخبر وهو جار ومجرور أو ظرف، إذاً من المسوغات: أن يتقدم الخبر عليها، وهو ظرف أو جار ومجرور نحو عِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَه، عِنْدَ هذا مضاف وزيد مضاف إليه، وهو منصوب بمحذوف هو الخبر، ونمرة: هذا مبتدأ مؤخر، سوغ الابتداء به تقدم الجار والمجرور عليها، إذاً المسوغ الأول: أن يتقدم الخبر على النكرة، أن يكون الخبر مختصاً، ظرفاً أو مجروراً أو جملة ويتقدم عليه، ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)) [ق:35]، مَزِيدٌ هذا مبتدأ مؤخر وهو نكرة، وَلَدَيْنَا هذا خبر مقدم وهو الذي سوغ الابتداء بالنكرة، ((وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)) [البقرة:7]، غِشَاوَةٌ هذا مبتدأ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، هنا واجب التقديم كما سيأتي والنكرة سوغ الابتداء بها تقدم الجار والمجرور عليها، وجه التخصيص هنا أن يكون المجرور والمضاف إليه في الظرف والمسند إليه في الجملة صالحاً للإخبار عنه. الثاني: أشار إليه بقوله: وَهَلْ فَتَىً فِيكُم، هل حرف استفهام، وفتىً هذا مبتدأ نكرة، فيكم جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، ما الذي سوغ الابتداء بالنكرة والأصل فيها المنع؟ كونها جاءت في سياق الاستفهام، وإذا كانت النكرة في سياق الاستفهام حينئذٍ عمت، وإذا عمت معناه أنه شمت كل الأفراد، وإذا شملت كل الأفراد صارت معرفة من حيث المعنى أما من حيث اللفظ فهي نكرة وأما في المعنى فهي معرفة. فَمَا خِلٌّ لَنَا، هذا المسوغ الثالث، فما هذه الفاء واقعة في جواب الشرط، كأنه قال: إن لم تكن خليلنا فما خل لنا، خلٌ هذا مبتدأ، سبقه نفي وهو المسوغ له بالابتداء، والوجه فيه كالوجه في الاستفهام، فهو نكرة في سياق النفي فتعم، وإذا عمت -صارت عامة- يعني: تشمل كل الأفراد -أفراد مدخولها-، إذاً لم يفت فرد منها وصارت عامة، صارت معرفة، إذاً إذا تقدم النفي على النكرة جاز الابتداء بها. وَرَجُلٌ مِنَ الكِرَامِ عِنْدَنَا، رجل هذا مبتدأ، ومِنَ الكِرَامِ جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لرجل، إذاً وُصِفَت، إذا وُصِفَت النكرة لفظاً أو تقديراً أو معنى حينئذٍ جاز الابتداء بها، لماذا؟ لأنه بالوصل حصل لها تخصيص، وإذا خصصت حينئذٍ قل الشيوع فيها، وإذا قل الشيوع فيها صارت أقرب إلى المعرفة، أن توصف لفظاً كما ذكره الناظم هنا: رَجُلٌ مِنَ الكِرَامِ يعني: كريم، عِنْدَنَا، عندنا هذا هو الخبر، أو تقديراً ((وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)) [آل عمران:154]، طائفة يعني: من غيركم، طائفة هذا مبتدأ، والذي سوغ الابتداء بها كونها موصوفة بصفة محذوفة، يعني: ذكرت أولاً ثم حذفت، ومثله ما ذكرناه: السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ)، السَّمْنُ هذا مبتدأ، ومَنَوَانِ هذا مبتدأ ثاني، لا يجوز الابتداء به، لكن ما الذي سوغ الابتداء به؟ كونه موصوفاً والصفة محذوفة، منه جار ومجرور متعلق بمحذوف الذي هو الضمير العائد، متعلق بمحذوف صفة لمنوان.

أو معنى نحو: رُجَيْل عندك، رجيل هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه موصوفاً لكنه معنىً لا تقديراً؛ لأن مأخوذاً من ذات الكلمة، رُجَيْل معناها رجل صغير، أو حقير، حينئذٍ وصفته وهذه الصفة مقدرة، يعني: ليست محذوفة وإنما مقدرة من جهة المعنى. الخامس: أن تكون عاملة، وَرَغْبةٌ في الخيرِ خَيرٌ وَعَمَل ُ بِرٍّ يَزينُ، ذكر مثالين والمؤدى واحد، أن تكون النكرة عاملة فيما بعدها، إما الرفع وإنما النصب وإما الخفض، إما الرفع على قول من جوز قائم الزيدان، البصريون لا يرونها، الكوفيون يجوزونه قائم الزيدان، قائم هذا مبتدأ وهو نكرة، ما الذي سوَّغَ الابتداء به عند من جوزه؟ كونه عمل الرفع فيما بعده، كذلك ضربٌ الزيدان حسنٌ، ضربٌ بالتنوين، الزيدان هذا فاعل المصدر المنون، حسنٌ هذا هو الخبر، أو عاملة النصب كما مثل الناظم هنا: رَغْبةٌ في الخيرِ، رغبة هذا مصدر، في الخير هذا جار ومجرور متعلق برغبة على أنه مفعول به له في المعنى، "رَغْبةٌ في الخيرِ خَيرٌ" هذا هو الخبر، ماذا باقي؟ عاملة الجر كما ذكرناه خمس صلوات، وهو الذي أشار إليه الناظم بقوله: وَرَغْبةٌ فِي الخَيرِ خَيرٌ وَعَمَل ... بِرٍّ يَزِينُ ....... عَمَل هذا نكرة وابتدئ به، ما الذي سوغ الابتداء به؟ كونه عاملاً فيما بعده، كذلك هو مُخَصَّص بالإضافة، وجعله ابن عقيل هنا سادسة، يعني: منفصلة وهي داخلة فيما قبل، أن تكون مضافة "عملُ بِررٍّ يَزينُ"، عمل هذا نكرة وجاز الابتداء به؛ لكونه عمل الجر في المضاف إليه، وَرَغْبةٌ في الخيرِ خَيرٌ، رغبة هذا نقول: نكرة وهو مبتدأ، وسوغ الابتداء به؛ لكونه عامل النصب في قوله: في الخير. إذاً هذه ست مواضع ذكرها الناظم هنا مسوغات للابتداء: .................................. ... ....... كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ وَرَجُلٌ مِنَ الْكِرَامِ عِنْدَنَا بِرٍّ يَزينُ وَلْيُقَسْ مَا لَمْ يُقَلْ وَهَلْ فَتَى فِيكُمْ فَمَا خِلٌ لَنَا وَرَغْبةٌ فِي الخَيرِ خَيرٌ وَعَمَل وَلْيُقَسْ، يعني: قس ما لم يقل من الأمثلة والتراكيب التي تحصل بها الفائدة للمخاطب على ما ذكرناه لك من الأمثلة، وليقس على ما قيل ما لم يقل، والضابط هو حصول الفائدة، ومن تلك الأمثلة التي تقاس أن تكون شرطاً: من يقم أقم معه، من هذا اسم شرط، نكرة أو معرفة؟ أسماء الاستفهام وأسماء الشروط كلها نكرات في المعنى، حينئذٍ إذا ابتدئ بها، نقول: ما المسوغ لها؟ كونها شرطاً، ولها الصدارة، من هذا اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، والجملة التي بعده كلها في محل رفع خبر.

أيضاً: أن تكون جواباً، -زيادة على ما ذكره الناظم (الثامن) -: أن تكون جواباً نحو: يقال لك: من عندك؟ تقول: رجل، رجل هذا مبتدأ، يعني: رجل عندي، صح الابتداء به لماذا؟ لحصول الفائدة، ما المسوغ لحصول الفائدة هنا؟ كونه جواباً لسؤال، قد يقال: لماذا لا نقد: عندي رجل، نقول: عندي رجل، لا يصح تقديره في مثل هذا التركيب، لماذا؟ لأن الجواب يطابق السؤال، والسؤال قد وقع فيه من مبتدأً حينئذٍ الجواب يكون مبتدأً، رجل عندي، ولا يصح عندي رجل، نص على ذلك السيوطي في جمع الجوامع، أن تكون جواباً نحو أن يقال: من عندك؟ فتقول: رجل، التقدير رجل عندي، فيقدر الخبر متأخراً، ولا يجوز تقديمه أبداً؛ لأن الجواب يسلك سبيل السؤال، والمقدم في السؤال هو المبتدأ. التاسع: أن تكون عامة، كلٌ يموت، كلٌ هذا مبتدأ، وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ وإنما سوغ الابتداء به كونه لفظاً عاماً، وهذا يدخل فيه الشرطية أيضاً؛ لأنها من ألفاظ العموم، ولذلك هذه كلها ترجع إلى العموم والتخصيص، -أكثرها- إلا ما شذ قليل جداً، وبعضهم يقول: جعلها بضابط التخصيص والتعميم هذا ضعيف، وليس بصحيح بل الصواب ما ذكره ابن هشام: أنها لا تخرج عن التعميم والتخصيص، وكل هذه الأمثلة لو تأملتها تجد أنها إما تخصيص وإما تعميم إلا القليل النادر، القليل هذا لا حكم له، أن تكون عامة نحو: كلٌ يموت. أن يقصد بها التنويع: فَأَقْبَلْتُ زَحْفاً عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ ... فَثَوبٌ لَبِسْتُ وَثُوْبٌ أَجُرّ لما نوعت النكرة هنا ثوب وثوب نوعان، جاز الابتداء بها، وهذا قد يكون فيه نوع تخصيص، لماذا؟ لأنه كأنه قسَّم الثوبين إلى نوعين ولا ثالث لهما، وهذا نوع تخصيص. فَثَوبٌ لَبِسْتُ وَثُوْبٌ أَجُرّ، ليس عنده إلا ثوبان: واحد يجره، وواحد يلبسه، إذاً حصل التخصيص. الحادي عشر: أن تكون دعاءً، ((سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)) [الصافات:130]. الثاني عشر: أن يكون فيها معنى التعجب نحو: ما أحسن زيداً، هذا وصف، أي: شيء عظيم حسَّن زيداً، هذا راجع إلى الوصفية، ما هذه ما إعرابها؟ مبتدأ، ما التعجبية تعرب مبتدأ، حسَّن زيداً، أحسن زيداً، هذه الجملة خبر، طيب النكرة نقول: وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ، وما التعجبية نكرة، ما المسوغ، الوصف المحذوف المقدر، وهو شيء عظيم حسن زيداً. الثالث عشر: أن تكون خلفاً من موصوف، يعني: تخلفه، مؤمن خير من كافر، يعني: رجل مؤمن حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، صارت خلفاً عنه، وهذا راجع إلى الوصفية أيضاً. أن تكون مصغرة، رُجَيل عندك؛ لأن التصغير فيه فائدة معنى الوصف، كما سبق وهو راجع إلى الوصفية. الخامس عشر: أن تكون في معنى المحصور، شَرٌّ أهرَّ ذَا نَابٍ، وشيءٌ جَاءَ بِكَ، ما أهر ذا ناب إلا شر، تخصيص قصر، والقصر هذا يرده إلى التخصيص، وما جاء بك إلا شيء -على أحد القولين-، والثاني: شر عظيم أهر ذا ناب، شر أهر ذا ناب، شر هذا مبتدأ، والذي سوغ الابتداء به إما أن يقال: بأنه حصر، وإما أن يقال: بأن ثَم صفة له، شر عظيم، رجع إلى رجيل، رجل صغير، مثل ما سبق.

السادس عشر: أن يقع قبلها واو الحال، سَرَيْنَا ونجمٌ قَدْ أضاءَ، سرينا -بتفخيم الراء- ونجم قد أضاء، نجم هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه مسبوقاً بالحال، هذا أيضاً مرده إلى الوصفية؛ لأن الحال وصف في المعنى، الحال وصف لعاملها، وصف لصاحبها، قيد لعاملها. السابع عشر: أن تكون معطوفة على معرفة، أو على ما يسوغ الابتداء به، زيد ورجل قائمان، زيد ورجل قائمان، هذا يحتاج إلى تكلف لإدخاله في التعميم والتخصيص. الثامن عشر: أن تكون معطوفة على وصف، تيمي ورجل في الدار، هذا يحتمل الوصفية أيضاً، ورجل مثله، أو ورجل تميمي آخر، أو ورجل آخر في الدار. التاسع عشر: أن يعطف عليها الموصوف، رجل وامرأة طويلة في الدار، هذا أيضاً يمكن أن يكون موصوفاً. العشرون: أن تكون مبهمة: مُرَسَّعَةٌ بَيْنَ أرْساغِهِ ... بِهِ عَسَمٌ يَبْتَغي أرنَبَاً مُرَسَّعَةٌ هذا مبتدأ، أي: شيء مرسع، حينئذٍ يمكن رده إلى الوصفية. الحادي والعشرون: تقع بعد لولا: لَولا اصطِبَارٌ لأَودَى كُلُّ ذي مِقَةٍ ... لمَّا استقَلَّت مَطَايَاهُنَّ للظَّعَنِ وهنا وقعت النكرة وهي اصطباراً بعد لولا، وإنما كان وقوع النكرة بعد لولا مسوغاً للابتداء بها؛ لأن لولا تستدعي جواباً يكون معلقاً على جملة الشرط التي يقع المبتدأ فيها نكرة، فيكون ذلك سبباً في تقليل شيوع هذه النكرة، وهذا نوع تقليل شيوع النكرة كل ما أدى إلى تقليل شيوع النكرة فهو تخصيص، مباشرة، وكل ما وسع حتى صار إلى كونه يعم كل الأفراد فهو تعميم، هذا أو ذاك. الثاني والعشرون: أن تقع بعد فاء الجزاء، كقولهم: إن ذهب عير فعير في الرباط. الثالث والعشرون: أن تدخل على النكرة لام الابتداء، لرجل قائم، هذا فيه نوع تخصيص أيضاً؛ لأن اللام -لام الابتداء- من المخصصات عند البيانيين، ففيه نوع تخصيص، أي: هذا الرجل بعينه قائمٌ. الرابع والعشرون: أن تكون بعد كم الخبرية، كَمْ عَمَّةٍ لَكَ يا جَرِيرُ وخَالَةٍ ... فَدْعَاءُ قَدْ حلَبَتْ عليَّ عِشَارِي والخامس والعشرون: أن يكون فيها خرق للعادة، "شجرة سجدت"، شجرة هذا مبتدأ وهو نكرة، صح الابتداء بها لماذا؟ لأنها خارقة للعادة، لأنا أخبرنا عنها بالسجود سجدت، لكن ما المانع؟ بقرة تكلمت - هذا المشهور - بقرة تكلمت، بقرة هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء بها خرق العادة؛ لأنه لا يريد إلا واحدة، صارت معينة، إذا ورد في مكة بقرة تكلمت، إذا قيل: البقرة تكلمت، أو بقرة تكلمت، ما يعرف إلا تلك، فصار الفرد معين؛ لخرق العادة، هكذا قيل. السادس والعشرون: الحقيقة من حيث هي أن يراد بالنكرة الحقيقة من حيث هي، رجل خير من امرأة، وتمرة خير من جرادة. السابع والعشرون: إذا وقعت بعد إذا الفجائية، خرجت فإذا رجل بالباب، هذه مسوغات وكلها عند التأمل ترجع إلى التعميم والتخصيص، وإنما يطلع الطالب على هذه من أجل أن يتمرن على ما هي أوجه التعميم، وما هي أوجه التخصيص، وَالأَصْلُ فِي الأَخْبَارِ أَنْ تُؤَخَّرَا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

31

عناصر الدرس * حالات الخبر من حيث التقديم والتأخير * الحالة الأولى: جواز التقديم والتأخير * الحالة الثانية: امتناع التقديم * الحالة الثالثة: وجوب التقديم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَالأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أَنْ تُؤَخَّرَا ... وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لاَ ضَرَرَا اعلم أولاً أن الأصل هو تقديم المبتدأ، هذا هو الأصل، يعني الراجح الموافق للشيء الوضعي والطبعي أن يكون المبتدأ مقدماً على الخبر، الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، لماذا؟ لأن المبتدأ محكوم عليه، والخبر محكوم به، وشأن المحكوم عليه التقديم على المحكوم به، هذا أمر طبعي ووافق الوضعي، فلا بد من تقديمه ليتحقق ويجوز تأخيره حيث لا مانع نحو: قائم زيد كما سيأتي. وكذلك من جهة أخرى أن الخبر وصف في المعنى للمبتدأ، زيد قائم، فحكمت بالقيام على زيد، وكذلك وصفته من حيث المعنى بكونه قائماً، وحينئذ الموصوف شأنه التقديم على صفته، الموصوف الأصل أنه يتقدم على صفته، وحينئذ لما كان الخبر في المعنى وصفاً، والمبتدأ في المعنى موصوفاً قلنا شأن الموصوف أن يتقدم على الصفة. اعلم أن للخبر في نفسه حالتين: التقدم والتأخر، هذا من حيث هو، لا باعتبار كونه جائزاً أو واجباً إما متقدماً وإما متأخراً، أنت إذا أردت أن تنطق بالخبر فإما أن تنطق به متقدماً على المبتدأ، وإما أن تنطق به مؤخراً عن المبتدأ، إما مقدماً وإما مؤخراً لا ثالث لهما -من حيث اللفظ والنطق لا ثالث لهما-، وإنما يأتي الحكم -وهذا أمر معنوي- من حيث عدم التقديم أو عدم التأخير، نقول: هذا شيء لاحق للفظ فهو وصف له. إذاً الخبر في نفسه له حالتان: التقدم والتأخر، والأصل منهما التأخر، الأصل هو التأخر لما ذكرناه سابقاً؛ لأنه محكوم به ولأنه وصف في المعنى، بقطع النظر عن كونه واجباً أو جائزاً، لأنه إذا نطقت به متأخراً حينئذ إما أن يكون على جهة الوجوب وإما أن يكون على جهة الجواز، فإذا نطقت به متأخراً فحينئذ وافق اللفظ -نطقك- ما جاء في لسان العرب، ثم هل هو واجب أو جائز؟ هذا حال ووصف للخبر. إذاً من حيث هو بقطع النظر عن كونه واجباً أو جائزاً، الخبر له حالان إما التأخر وإما التقدم، والتأخر هو الأصل. ولهما من حيث التفصيل باعتبار الأحكام التي تعتري الخبر ولا يكون منطوقاً به وإنما هو حكم وصف لاحق به ثلاثة أحكام: أولاً: وجوب التأخر وامتناع التقدم، يجب أن يكون متأخراً، الثاني العكس: وهو وجوب التقدم وامتناع التأخر، هذا عكس الأول هذا حكم للخبر. الثالث: جواز التقدم والتأخر وهذا هو الأصل من الثلاثة؛ إذ الأصل عدم الموجب والمانع، هذا هو الأصل عدم الموجب للتقدم، والمانع من التقدم، حينئذ يستوي فيه الأمران، ويكون الراجح التأخير لأنه موافق للأصل، يستوي فيه الأمران من حيث يجوز تقدمه على المبتدأ، لكن لا يلزم أن يكون هو الراجح بل الراجح هو التأخر مطلقاً سواء وجب أم جاز، لماذا؟ لأنه موافق للأصل. إذاً ثلاثة أحكام للخبر: وجوب التأخر وامتناع التقدم. العكس -وهو وجوب التقدم وامتناع التأخر-. جواز التقدم والتأخر. هذان مسألتان، يعني التقدم والتأخر ثم كل منهما ثلاثة أقسام.

قال رحمه الله تعالى: والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا: الأَصْلُ، يطلق الأصل ويراد به عدة معاني، الأصل في اللغة ما يبنى عليه غيره، وأما في الاصطلاح فيطلق على معان ومنها الراجح، يقال الأصل في الكلام هو الحقيقة، يعني حمله عند المخاطب أن يحمله على حقيقته دون مجازه، حينئذ نقول: هذا حمل للكلام على أصله، والأصل: أي الراجح، تقديم المبتدأ وتأخير الخبر. وَالأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أَنْ تُؤَخَّرَا: في الأخبار جمعها لماذا؟ لأن الخبر أقسام، الأخبار جمع خبر، والجمع هنا باعتبار كونه مفرداً وجملة وظرفاً ومجروراً، يأتي هذا ويأتي ذاك، فلما تعددت أنواع الخبر حينئذ جاز أن يجمعها المصنف باعتبار الآحاد، وأما هو في نفسه فهو شيء واحد؛ لأنه هو الجزء المتم الفائدة، وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ، حينئذ لما كان معناه واحداً، وهذا المعنى موجود في أقسامه حينئذ صح الجمع باعتبار آحاده وأنواعه. والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا: الأَصْلُ: مبتدأ، تُؤَخَّرَا: هذا فعل مضارع مغير الصيغة، والألف هذه للإطلاق، والضمير المستتر نائب فاعل، أَنْ وما دخلت عليه في تأويل مصدر: والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ تأخيرها، أو التأخر. وَالأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا: لما ذكرناه؛ لأنها وصف في المعنى للمبتدءات فحقها التأخير كالوصف. وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لاَ ضَرَرَا: هذا هو النوع الأول الذي ذكره المصنف من أنواع وأحكام الخبر، قلنا ثلاثة أقسام: النوع الأول الذي ذكره المصنف هو جواز التقديم والتأخير، يجوز الوجهان أن يقدم الخبر وأن يؤخر الخبر. وَجَوَّزُوا: أي العرب، يعني نطقوا بالحالين: خبر مقدم، وخبر مؤخر، دون وجود مقتض أو مانع، مقتض للتقديم أو مانع عن التقديم، وحينئذ نطقوا بهذا وذاك. أو: وَجَوَّزُوا: يعني النحاة، حكموا بجواز كل من الأمرين، يجوز في مثل هذه التراكيب أن يحمل الضمير هنا على النحاة أو على العرب، النحاة بمعنى أنهم حكموا وليس لهم أن يضعوا قواعد وأصول، والعرب بمعنى أنهم نطقوا وتلفظوا بالألفاظ التي استنبط منها النحاة الأحكام. وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: لأن الخبر وإن كان يشبه الصفة؛ لأننا إذا قلنا الأصل في الخبر أنه محمول على الصفة، فحينئذ الصفة لا تتقدم على الموصوف، قلنا الأصل في الخبر أن يتأخر؛ عللناه بعلة وهي أنه وصف في المعنى، والمبتدأ موصوف، حينئذ صار أصله التأخير، قد يرد علينا إذا جوزنا تقديمه قلنا هو في معنى الوصف والوصف لا يتقدم على موصوفه، نقول: الأصل التأخير باعتبار كونه وصفاً في المعنى، وجواز التقديم لكونه لم يشبه الوصف من كل وجه، هو ليس بوصف حقيقة حتى نقول: يمتنع تقديمه، نقول: ذاك تعليل فيما جاء النطق به مؤخراً هذا الأصل فيه، فحينئذ العلة ليست سابقة على الحكم، بل الحكم وجد ثم علل .. الحكم وجد نطق العرب بالخبر متأخراً سواء عرفنا العلة أم لا ننطق كما نطقوا، لكن استنبط النحاة هذه العلة وهي كونه وصفاً.

ثم هذه العلة هي جزء علة وليست علة كاملة؛ لأنه محكوم به، والمبتدأ محكوم عليه وطبعاً أن المحكوم عليه مقدم على المحكوم به، فحينئذ لا ينافي العقل، العقل جاء بما جاء به لسان العرب فلا تنافي بينهما. إذاً وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ لا يعترض بأننا عللنا تأخير الخبر على الأصل بأنه وصف في المعنى، طيب يرد إيراد أن الوصف لا يتقدم على موصوفه، إذاً الخبر لا يجوز أن يتقدم على المبتدأ، نقول: لا، لماذا؟ لعدم وجود الشبه الكامل بين الخبر والصفة. وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: لماذا جوزوه نقول: لأن الخبر وإن كان يشبه الصفة إلا أنهم توسعوا فيه؛ لأنه لم يصل إلى درجة الصفة في وجوب التأخير، ذاك شأنه شأن الصفة؛ لأنها لفظاً ومعنىً، حينئذ تجري عليها أحكام الصفة، وأما الخبر فالأصل لا. وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: أي لم يمنعوه، وليس المراد بالجواز استواء الطرفين، لأننا قلنا الأصل أن يكون الخبر متأخراً، فإذا جاز -لو جاز على القول بالجواز- زيد أخوك، أخوك زيد، لكان الأصل: زيد مبتدأ وأخوك خبر، نقول: يجوز تقديم أخوك على المبتدأ، لكن هل معنى ذلك أنه مثل الجملة الأولى –استواء-، زيد أخوك أخوك زيد، استواء؟ لا، نقول: ما كان موافقاً للأصل -الجملة التي فيها الخبر متأخر عن المبتدأ-، ولو جاز التقديم هي أرجح، لماذا؟ لأنه موافقة للأصل، وما وافق الأصل حينئذ يكون مقدماً على غيره. إذاً جَوَّزُوا التَّقْدِيمَ يعني: لم يمنعوه، وليس المراد هنا استواء الطرفين؛ بأنه يجوز هذا وذاك، والمرتبة واحدة! لا، نقول: لو جاز تقديم الخبر على المبتدأ إلا أن تأخيره أولى؛ لأنه وافق الأصل، وما جاء عن الأصل فهو مقدم. إذاً: وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: أي لم يمنعوه، وليس بالمراد استواء الطرفين لما سبق أن التأخير هو الأصل –الراجح-، وهذا ذكر من الناظم لأول أحوال الخبر الثلاثة: جواز التقديم والتأخير وبدأ بالأول لأنه الأصل من الثلاثة، لكن قيده ليس على إطلاقه، نعم هو النوع الأول لكنه قيده، قال: إِذْ لا ضَرَرَا: إذ لا مانع، يمنع من جواز الوجهين، بمعنى أنه قد يوجد عارض يعرض على الخبر فيحتم تأخيره، أو يوجب تقديمه، حينئذ يرد السؤال: هذه المرتبة وإن كانت الأصل لا يمكن ضبطها إلا بمعرفة مواضع وجوب تأخير الخبر، ومواضع وجوب تقديم الخبر ما ليس من ذاك ولا ذا، حينئذ نقول: جائز الطرفين -يجوز تقديمه ويجوز تأخيره-. إِذْ لَا ضَرَرَا: (إذ) هذه يحتمل أنها تعليلية، ورجح الصبان أنها ظرفية وليست تعليلية. إِذْ لَا ضَرَرَا: ضرر اسم لا النافية للجنس، لَا ضَرَرَا، وخبرها مقدم إِذْ لَا ضَرَرَا في التقديم. وأما تقدير لَا ضَرَرَا موجود هذا فيه ضعف. إِذْ لَا ضَرَرَا: أي إن لم يمنع مانع يمنع من تقديمه كما سيأتي. فإن حصل في التقديم ضرر فلعارض حينئذ لا بد من ضبطه، وسيذكره الناظم رحمه الله تعالى. والأَصْلُ: أي الراجح. فِي الأَخْبارِ: جمع خبر، جمعه باعتبار تعدده تأخيره، هذا هو الأصل الموافق لما نطق به العرب، ولما علم بالعقل والعلة الصحيحة. وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لَا ضَرَرا يمنع من التقديم، إذ لا ضرر حاصل بذلك.

وفهم منه أن الأصل في المبتدءات التقديم، بالعكس إذا كان الأصل هو تأخير الخبر يلزم منه أن يكون المبتدأ في الأصل تقديمه، إذاً دل على هذا الحكم بدلالة اللزوم. والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا ... وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ: تقديم الخبر على المبتدءات، وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ لها على المبتدءات يلزم منه أن يكون الأصل في المبتدأ هو التقديم وهو كذلك، ونعلله بعلتين عكسيتين لما عللناه بالخبر، وهو أنه محكوم عليه وشأن المحكوم عليه التقديم، ولأنه موصوف في المعنى والموصوف من شأنه التقديم، لذلك كان الأصل فيه أن يقدم. الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر؛ وذلك لأن الخبر وصف في المعنى للمبتدأ فاستحق التأخير كالوصف، ويجوز تقديمه إذا لم يحصل بذلك لبس أو نحوه؛ إِذْ لَا ضَرَرَا، وهذا سيبينه الناظم بما سيأتي من أبيات، قائم زيد، أصل التركيب زيد قائم .. زيد مبتدأ وقائم خبر. وهنا يتعين أن يكون زيد مبتدأ؛ لأنه كما سبق إذا وجد نكرة ومعرفة وهذه النكرة غير صالحة لجعلها مبتدأ حينئذ تعين أن يكون المعرفة هي المبتدأ، وأن يكون النكرة هي الخبر. زيد قائم هذا الأصل (والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا) فزيد محكوم عليه، وقائم محكوم به، وشأن المحكوم عليه التقديم، وشأن المحكوم به التأخير. زيد في المعنى موصوف، وقائم في المعنى صفة، زيد نقول: هذا الأصل فيه التقديم لأنه مبتدأ؛ لأنه محكوم عليه وشأنه التقديم، وكذلك هو في المعنى موصوف وشأن الموصوف أن يتقدم على صفته. أيهما أرجح: قائم زيد، زيد قائم؟ الثاني؛ لأنه على الأصل. إذاً جواز تقديم الخبر في مثل هذا التركيب لا يلزم منه استواء المثالين، هذا جائز وهذا جائز، لكن فيما أرجح وأبلغ وهو أن يكون موافقاً للأصل، وأما إذا وجد علة أو وجد معنى بلاغي، حينئذ صار التقديم هو الأفصح، ولو جاز تأخيره، لكن إذا استويا دون معنى زائد على مجرد التقديم والتأخير حينئذ قلنا تأخير الخبر هو الأرجح، ويفسر قوله الأَصْلُ بأنه الراجح. وقائم أبوه زيد، زيد مبتدأ مؤخر، وقائم هذا خبر مقدم، وأبوه فاعل للوصف، إذاً نقول هذا خبر مقدم وذاك مبتدأ مؤخر، زيد قائم أبوه، أبوه قائم زيد .. يجوز الوجهان، أبوه منطلق زيد، زيد أبوه منطلق .. زيد مبتدأ أول، وأبوه مبتدأ ثاني، ومنطلق خبر الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، زيد أبوه منطلق، وهذا الخبر من باب الإخبار بالجملة الاسمية والرابط مذكور أبوه، يجوز تقديم الجملة الاسمية على المبتدأ، أن تقول: أبوه منطلق زيد، حينئذ يعود الضمير على متأخر لفظاً لا رتبة، وهذا جائز، يعني لا يقال بأنه إذا قيل: زيد أبوه منطلق عاد الضمير أبوه على متقدم في اللفظ والرتبة، وأما إذا قدمناه حينئذ لم يرجع إلى متقدم في اللفظ نقول: الممنوع ألا يرجع الضمير إلى متأخر لفظاً ورتبة، إلا في ست مسائل يأتينا في محلها.

فحينئذ نقول: إذا عاد الضمير على متأخر لفظاً لا رتبة هذا مغتفر وهو مسموح به ليس بممنوع، أبوه منطلق زيد، أبوه ضمير عاد على زيد وهو متأخر، والأصل أنه متقدم، نقول: هذا سائغ لغة، وفي الدار زيد، زيد في الدار .. في الدار جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وزيد مبتدأ مؤخر، زيد في الدار: هذا الأصل، زيد كائن في الدار، أو استقر في الدار، في الدار زيد .. زيد مبتدأ وفي الدار خبر مقدم. هل يجوز وجه آخر؟ نعم. زيد فاعل، في الدار زيد: استقر في الدار زيد، فزيد فاعل بمتعلق الجار، فحينئذ نقول: هذا يجوز فيه وجهان، بل ذكره أظنه ابن هشام أو الكافية أن هذا هو الأفصح عند المحققين، أنه في الدار زيد أن يعرب زيد فاعل، حينئذ في مثل هذا هم يمثلون به بجواز التقديم والتأخير، مع ملاحظة هذا وملاحظة الجار والمجرور بعد المعرفة قد يوهم أنه حال فهو محل بحث. وعندك عمرو القول فيه كالقول في سابقه، عندك عمرو، عندك هذا منصوب بمتعلق محذوف وجوباً، استقر عندك عمرو، جاء لبس عمرو هذا يحتمل أنه فاعل ويحتمل أنه مبتدأ، فحينئذ جواز التقديم نقول: القول فيه كالقول في سابقه. وَالأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أَنْ تُؤَخَّرَا ... وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لاَ ضَرَرَا مشنوء من يشنؤك، هذا مَثَلٌ، مشنوء كمبغوض وزناً ومعنىً، مشنوء من يشنؤك، تميمٌ أنا، أنا تميمي، أيضاً القول فيه كالقول في سابقه، مشنوء من يشنؤك، مبغوض من يبغضك، ما إعرابها؟ مشنوء خبر مقدم، و (مَن) مبتدأ مؤخر، ما نوع (مَن) هذه؟ اسم موصول، لا تكون شرطاً أبداً، ولا تكون استفهام أبداً، وإنما هي اسم موصول. مشنوء من .. أي: الذي يشنؤك مشنوء، وتميمي أنا، تميمي هذا خبر مقدم، وأنا مبتدأ مؤخر. ثم قال رحمه الله تعالى: فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ: هذا تفسير لقوله: إِذْ لا ضَرَرَا، هذا نفي للضرر الحاصل بالتقديم والتأخير، إذ لا ضررا حينئذ فامنعه، أي تقديم الخبر. فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءَانِ ... عُرْفَاً وَنُكْراً عَادِمَيْ بَيَانِ كَذَا إِذَا مَا الْفِعْلُ كَانَ الْخَبَرَا ... أَوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ مُنْحَصِرَا أَوْ كَانَ مُسْنَداً لِذِي لاَمِ ابْتِدَا ... أَوْ لاَزِمِ الصَّدْرِ كَمَنْ لِي مُنْجِدَا فَامْنَعْهُ: الفاء هذه للتفريع، تفريع على مفهوم إِذْ لا ضَرَرَا، وهذا شروع منه في الحالة الثانية، قلنا الحالة الأولى: جواز التقديم والتأخير، أشار إليها بشطر بيتٍ بعد أن بيَّن الأصل: والأَصْلُ فِي الأَخْبارِ أنْ تُؤَخَّرَا، ثم شرع في بيان الأحوال الثلاثة، وقدَّم الأول لأنه الأصل، وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذْ لا ضَرَرَا، ثم الحالة الثانية: وهي وجوب التأخير، وامتناع التقديم.

إذاً هذا شروع في الحالة الثانية من أنواع الخبر، وهو وجوب التزام الأصل، وهو وجوب التأخير، وثنى به لأنه موافق للأصل، جاء على الأصل في كونه مؤخراً، وخالف الأصل في كونه واجباً، فهو موافق من جهة ومخالف من جهة أخرى، يعني هذا القسم الثاني وهو وجوب التأخير، نقول: في النطق وافق الأصل؛ لأنه مؤخر، ولكن في الحكم الأمر المعنوي هذا نقول: خالف الأصل، لماذا خالف الأصل؟ لأن الأصل ألا نلتزم تأخيره، فلما التزمنا تأخيره حينئذ خالفنا الأصل، والتزام التأخير هنا هل خالف الأصل في كونه مؤخراً لفظاً؟ لم يخالف، ولذلك ثنى به، بخلاف الحالة الثالثة وهي وجوب التقديم، وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِي وَطَرْ: لِِي وَطَرْ هنا وجب تقديم الخبر، لكون المبتدأ نكرة، لِِي وَطَرْ إذاً خالف الأصل من وجهين: في كونه مقدماً لفظاً، وفي كونه واجب التقديم. ولذلك ثلث بتلك الحالة، هذه أشبه بالحالة الأولى، وافق الأصل في كونه مؤخراً: يعني منطوقاً به مؤخراً، ثم هذا التأخير الأصل في حكمه أنه جائز، ولكن خالفه فالتزم التأخير، يعني حكمنا بالوجوب. وهو وجوب التأخير، وثنى به لأنه على الأصل من جهة التأخير، ومخالفته له من جهة الوجوب. قال رحمه الله تعالى: فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءَانِ ... عُرْفَاً وَنُكْراً عَادِمَيْ بَيَانِ هذا هو الموضع الأول الذي يجب فيه تأخير الخبر. فَامْنَعْهُ: يعني امنع تقديم الخبر على المبتدأ، فحينئذ يلتزم حالته التي نطق بها العرب. فَامْنَعْهُ: أي امنع تقديم الخبر في مسائل، ذكر منها خمسة. حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ: أي المبتدأ والخبر والناظم يعبر عن المبتدأ بكونه جزء كما في هذا الموضع، وعن الخبر بكونه جزءاً كما في قوله: وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ؛ لأنه جزء من جزأين؛ إذ الكلام مركب من مسند ومسند إليه، كل منهما جزء، وأقل ما يتألف منه الكلام جزءان، أحدهما مبتدأ والآخر الخبر، إذاً حين يستوي الجزءان المبتدأ والخبر عُرْفًا: في التعريف والتنكير، يعني إذا كان كل من الجزأين -المبتدأ والخبر- معرفتين، وكان كل منهما -من المبتدأ والخبر- نكرتين، وكل منهما صالح لأن يجعل مبتدأً حينئذ يمتنع تقديم الخبر على المبتدأ؛ لإيهام اللبس. فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ: أي المبتدأ والخبر. المراد الاستواء هنا في جنس التعريف والتنكير، ليس من كل جهة، يعني يستوي الجزءان تعريفاً، قد يقال: بأن الأول علم والثاني علم حتى يكونا في مرتبة واحدة، قد يظن الظان هذا، أنه المراد في التعريف في المرتبة، هذا مضاف إلى معرفة وهذا مضاف إلى معرفة، هذا مضاف إلى اسم إشارة والثاني مضاف إلى اسم إشارة! لا ليس هذا المراد، بل المراد كل منهما معرفة بقطع النظر عن تعريف الجزء الأول بمَ كان وتعريف الجزء الثاني بمَ كان؛ لأنه قد يكون الجزء الأول أعرف من الثاني أو الثاني أعرف من الأول أو يستويان، الأحوال ثلاثة كلها مرادة في كلام الناظم هنا.

فامنعه مطلقاً إذا كان الأول معرفة، سواء كان أعرف من الثاني أو أدنى، فالمبتدأ هو المقدم، ولو كان أدنى مرتبة من الجزء الثاني، والثاني هو الخبر ولو كان أعرف من المبتدأ، فالناظم لم يلتفت إلى هذا، وإنما نظر إلى ما يعرفه المخاطب كما سيأتي. إذاً المراد هنا بالاستواء حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ المبتدأ والخبر. عُرْفًا وَنُكْراً: في جنس التعريف والتنكير، وإن كان أحدهما أعرف أو أخص من الآخر، فيما إذا كان نكرتين؛ لأن أحدهما قد يضاف غلام رجل، والآخر قد يوصف بجار ومجرور، حينئذ يكون الأول أقرب إلى قلة الشيوع من الثاني، فهو أخص، إذاً لا يلزم أن يكون الأخص هو المبتدأ والأعم ولو كان نكرة من جهة التخصيص أن يكون هو الخبر لا، فالأول النكرة المخصصة يكون مبتدأ، والثاني النكرة المخصصة يكون خبراً، ولو كان الثاني أكثر تخصيصاً من الأول، لأن ما كان أكثر تخصيصاً يكون أقرب إلى المعرفة فهو أعلى درجة، وما كان أبعد فهو أنزل درجة مطلقاً لا يلتفت إلى هذا ولا ذاك، وإنما المقدم الذي يلفظ به أولاً هو الذي يكون مبتدأً، والذي يلفظ به ثانياً هو الذي يكون خبراً ولو كان الثاني أكثر تخصيصاً من الأول. أما إذا كان أحدهما نكرة مخصصة، والآخر محضة، محضة يعني لم توصف، وإحدى النكرتين وصفت، رجل صالح حاضر، رجل هذا نكرة، وحاضر نكرة، هل استويا؟ لا، ليس عندنا نكرة مخصصة إلا واحدة رجل صالح، هذه نكرة مخصصة، حاضر نقول: هذا نكرة محضة، في هذا التركيب ليس داخلاً في كلام المصنف؛ لأنه يتعين أن تكون النكرة المخصصة هي المبتدأ، والنكرة المحضة هي الخبر، هذا متعين لا يجوز فيه الوجهان، وإنما نقول: هذا الذي هو رجل صالح، هذا مبتدأ قطعاً، وحاضر هذا خبر قطعاً. وأما إذا كان أحدهما نكرة مخصصة والآخر محضة، فظاهر أن المبتدأ هي النكرة المخصصة كالمثال الذي ذكرناه، إلا أن هذه الصورة خارجة بقوله: عَادِمَيْ بَيَانِ، ليست بداخلان. وإن كان الاسمان مستويين فالذي يقدم ويجعل مبتدأً هو ما يعلم المخاطب اتصاف الذات به، والذي يؤخر ويجعل خبرًا هو ما يجهل المخاطب اتصاف الذات به، على الأصل في وضع المبتدأ والخبر، يعني إذا قيل: زيد أخي، على كلام الناظم هنا إذا قلت: زيد ونطقت به أولاً، وأخي نطقت به ثانياً، حينئذ أي النوعين من المعرفتين نجعله مبتدأً والآخر خبر؟ على كلام الناظم مطلقاً زيد مبتدأ، وأخي خبر، ونظر بعضهم إلى المعنى، هذا في الظاهر والله أعلم أنه وقوف ظاهري، لماذا؟ لأن الغرض في المبتدأ أن يكون مخبراً عنه، والخبر أن يكون مخبراً به، هذا الأصل فيه، وهذا أصل مطرد، والعبرة هنا بالمعاني أيضاً كما أن العبرة بالألفاظ. فحينئذ إذا كان الأصل في المبتدأ، أن يكون مخبراً له، فحينئذ إذا كان معلوماً عند المخاطب أحد اللفظين المعرفتين والثاني فيه نوع جهالة، فالأصل حينئذ أن يكون المعلوم هو المبتدأ، والمجهول هو الخبر؛ لأن الخبر هو الجزء الذي تتم به الفائدة مع المبتدأ، وهو محط الفائدة كما يعبر النحاة.

فحينئذ الأولى في مثل هذا التركيب ألا نعين بأن الثاني مطلقاً هو الخبر، وإنما نقول: ننظر إلى المخاطب، فإن كان عنده علم بأحد الذاتين وجَهْلٌ بأحد الأوصاف المتعلقة بالذاتين، حينئذ نجعل المعلوم هو المبتدأ، والمجهول أو الذي فيه نوع جهالة هو الخبر، فقد يكون هذا المتقدم هو المبتدأ وقد يكون هو الخبر. وهذا من جهة البيان والبلاغة أبلغ مما اختاره الناظم رحمه الله تعالى، فالذي يقدم ويجعل مبتدأً هو ما يعلم المخاطب اتصاف الذات به، والذي يؤخر ويجعل خبراً هو ما يجهل المخاطب اتصاف الذات به، فإذا عرف المخاطب زيداً بعينه واسمه وجهل اتصافه بأنه أخوك، يعلم أن شخصاً اسمه زيد ويعرفه بعينه، لكن ما يدري أنه أخي، فحينئذ يعلم ماذا ويجعل ماذا؟ يعلم اسم زيد وذاته، ويجهل الحكم وهو كونه أخي، حينئذ زيد أخي أيهما الذي يقدم؟ زيد هو الذي يقدم وأخي هو الذي يؤخر، لو قلت في مثل هذا التركيب أخي زيد أخطأت، لماذا؟ لأن التركيب الثاني إنما يقال لمن علم بأن لي أخاً، وجهل اسمه وعينه، فيقال له: أخي زيد، عكس التركيب الأول، انظر المعنى هنا كيف، تحكم في كون هذا محكوماً عليه وهذا محكوم به، إذا علم اسم الشخص وعينه ي-عرف-، وهذا يقع عند الناس، ترى الشخص وتعرف اسمه إلى آخره، وتجهل أنه أخي، فأقول لك: هذا زيد أخي، حينئذ زيد صار محكوماً عليه، وأخي صار محكوماً به، في مثل هذا التركيب لا يجوز التقديم والتأخير، يجب التزام أن يكون زيد هو المبتدأ وأخي هو الخبر، لو علم بالأخوة يعلم أن له أخاً فقد يكون موجوداً هنا مثلاً، لكن نسي أو جهل اسمه وعينه فيقال: أخي زيد، فحينئذ وجب أن يكون أخي هو المبتدأ، وزيد هو الخبر، هذا أحسن ما يقال فيه. فإذا عرف المخاطب زيداً بعينه واسمه وجهل اتصافه بأنه أخوك قلت: زيد أخي، وإذا عرف أن لك أخاً وجهل عينه واسمه قلت: أخي زيد. فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ: يعني المبتدأ والخبر.

عُرْفًا وَنُكْراً: أي: في التعريف والتنكير، هذا مراده بالعرف والنكر، في التعريف والتنكير، فهما اسما مصدرين للتعريف والتنكير منصوبان بنزع الخافض، وهو أولى من جعلهما تمييز -أعربها محيي الدين تمييز- والأولى تجعل منصوبان بنزع الخافض؛ لأن المعنى عليه وإن كان مقصوراً على السماع أوضح من جعلهما تمييزين محولين من فاعل يستوي، فحينئذ يكون فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءانِ في التعريف وفي التنكير، والمراد النكرة هنا ليس مطلق النكرة، وإنما النكرة التي يصلح أن تكون مبتدأً، كل منهما يصلح أن يكون مبتدأً أفضل من زيد أفضل من عمرو، أفضل أفضل نكرتان، الأولى مخصصة والثانية مخصصة، هنا يجب أن يكون الأول مبتدأً والثاني معرفة، ليس كالسابق، لماذا؟ لأن الأولى صالحة لأن تكون مبتدأ وهي مبتدأ، والثانية أفضل من عمرو كذلك صالحة لأن تكون مبتدأ وهي قد أعربناها خبر، لماذا؟ لأنك لو قدمت وأخرت وقعنا في الإبهام واللبس، أفضل من زيد أفضل من عمرو، كل من كان أفضل من زيد فهو أفضل من عمرو، والعكس صحيح لو قدمنا وأخرنا قلنا: أفضل من عمرو أفضل من زيد؟ ليس بصحيح إذاً وقعنا في وهم ولبس، حينئذ يجب أن نلتزم الأصل، وهو أن يكون الأول هو المبتدأ والثاني هو النكرة؛ لئلا يقع إلباس وتلبيس. عُرْفًا وَنُكْراً عَادِمَيْ بَيَانِ: هذا تقييد، عَادِمَيْ يعني: ما كانا معرفتين وما كانا نكرتين، عَادِمَيْ بَيَانِ إذا لم توجد قرينة تبين المبتدأ من الخبر، إذا انتفت القرينة وجب أن يكون الأول من المعرفتين هو المبتدأ، وأن يكون الأول من النكرتين الصالحتين لجعلهما مبتدأً أن يكون الأول هو المبتدأ، إن وجدت قرينة مع التقديم والتأخير تنفي اللبس والإيهام، حينئذ جاز التقديم والتأخير بين المعرفتين وبين النكرتين. فَامْنَعْهُ حِينَ يَسْتَوِي الْجُزْءَانِ ... عُرْفَاً وَنُكْرَاً عَادِمَيْ بَيَانِ إذاً الموضع الأول الذي يجب فيه تأخير الخبر -أن يبقى على أصله- أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة، أو يكون كل من المبتدأ والخبر نكرة، لكنها صالحة لجعلها مبتدأً -لا بد من التقييد- وأما إذا كانا أحدهما صالحاً لأن يجعل مبتدأ والثاني يكون محضاً ليس داخلاً في كلام المصنف، رجل صالح حاضر، هذه خرجت بقوله: عَادِمَيْ بَيَانِ؛ لأنه ليس فيه لبس يتعين الأول أن يكون مبتدأ والثاني خبر. وعبر عن هذا التركيب في التوضيح: الأول أن يوهم التقديم ابتدائية الخبر، بأن يكون معرفتين أو نكرتين متساويتين ولا قرينة، فإن كان قرينة جاز التقديم كما سيأتي أبو يوسف أبو حنيفة.

إذاً لو تقدم الخبر لتوهمنا ابتدائيته، يعني إذا قلنا الأصل أخي زيد على المعنى السابق، لو أخطأ فقال: زيد أخي، نقول: التركيب ليس بصحيح، أو يصحح على أن يجعل الخبر المقدم مبتدأً؛ لأن المخاطب سيتوهم أنه المبتدأ المحكوم عليه، إذا قال: أخي زيد، قلنا يجب التزام الأصل أخي زيد، أخي مبتدأ وزيد خبر، لو قدم قال: زيد أخي على أن يكون خبراً مقدماً، نقول: لا. هذا يوهم أنه مبتدأ، فإما أن تلتزم بأنه مبتدأ أو ترجع إلى الأصل أن تقول: أخي زيد، إما أن ترجع عن الحكم فيكون زيد الذي قدمته على أنه خبر مقدم يكون مبتدأً، وأخي يكون خبراً. ولذلك عبر ابن هشام في التوضيح عن هذه الجملة التي عبر عنها ابن عقيل بما هو أوضح: أن يوهم التقديم ابتدائية الخبر، يعني الخبر في الأصل أنه خبر لو قدمناه لتوهم السامع والمخاطب أنه مبتدأ، ودفعاً للإلباس وجب التزام الأصل وهو تأخير الخبر. ولا مبين للمبتدأ من الخبر: زيد أخوك، هذا واضح، وأفضل من زيد أفضل من عمرو، ولا يجوز تقديم الخبر في هذا ونحوه؛ لأنك لو قدمته فقلت: أخوك زيد وأفضل من عمرو أفضل من زيد لكان المقدم مبتدأً وأنت تريد أن يكون خبراً من غير دليل يدل عليه، فإن وجدت قرينة عَادِمَيْ بَيَانِ، فإن وجد البيان حينئذ بالمفهوم صح التقديم والتأخير: أبو يوسف أبو حنيفة، أبو يوسف هذا تلميذ أبي حنيفة، أبو يوسف هذا مبتدأ وهو مُشَبَّهٌ، وأبو حنيفة مُشَبَّهٌ به، مبتدأ وخبر، أبو يوسف مبتدأ محكوم عليه، وأبو حنيفة هذا خبر، كل منهما استويا تعريفاً. هنا عندنا قرينة وهي أن الأصل أن التلميذ هو الذي يشبه بشيخه، لا الشيخ هو الذي يشبه بتلميذه، فإذا قال أبو حنيفة أبو يوسف، هل يتوهم متوهم أن أبو حنيفة مبتدأ؟ لا، ليس أبو حنيفة مشبه بأبي يوسف، لا العكس، إذاً وجدت قرينة معنوية، هنا القرينة ليست لفظية وإنما هي معنوية؛ لأن أبو يوسف هذا مشبه وأبو حنيفة مشبه به، كأنه قال: أبو يوسف مثل أبي حنيفة، وشأن المشبه التقدم على المشبه به، وهو المبتدأ والمشبه به هو الخبر، حينئذ لو قدم وأخر فقال: أبو حنيفة أبو يوسف قلنا: عندنا قرينة عند من يفهم، لكن إذا كان ما يعرف أبا حنيفة ولا أبا يوسف، هذه مشكلة عرف بهما أولاً، ثم اشرح له المثال. لو قال: أبو حنيفة أبو يوسف جاز لوجود القرينة المعنوية ولا إشكال فيه. بَنُونَا بَنو أَبْنَائِنَا، وَبَنَاتُنا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجالِ الأَباعِدِ بَنُونَا بَنو أَبْنَائِنَا: كل منهما معرفة، بنونا هذا معرف بماذا؟؟؟؟ وبنو أبنائنا؟ ... ؟؟؟ إذاً اجتمع معرفتان على قاعدة ابن مالك أن الأول يكون مبتدأً والثاني يكون خبراً، بَنُونَا بَنو أَبْنَائِنَا، أنت على ماذا تحكم-على من- على أبناء الأبناء أو على البنين أيهما أصل تشبه من بمن؟ أبناء الأبناء بالأبناء أو الأبناء بأبناء الأبناء؟ أبناء الأبناء هؤلاء مشبهون بالأبناء، إذاً بَنُونَا هذا خبر مقدم، بَنو أَبْنَائِنَا هذا مبتدأ مؤخر، معلوم من التشبيه؛ لأن القاعدة أن المشبه هو الذي يكون مبتدأ، والمشبه به هو الخبر، فالمعنى تشبيه أبناء البنين بالبنين ومن يُشَابِهْ أَبَه فَمَا ظلَم، هذا هو الأصل.

فحينئذ بَنُونَا هذا خبر مقدم وبَنو أَبْنَائِنَا هذا مبتدأ مؤخر، والأصل بَنو أَبْنَائِنَا مثل بنينا، هذا هو الأصل. فبنونا خبر مقدم وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخر لأن المراد الحكم على بني أبنائهم بأنهم كبنيهم، وليس المراد الحكم على بنيهم بأنهم كبني أبنائهم. إذاً عَادِمَيْ بَيَانِ المراد به: أنه إذا وجدت قرينة لفظية أو معنوية تدل على المتقدم والمتأخر فيما إذا استويا تعريفاً وتنكيراً جاز التقديم والتأخير. كَذَا إذَا مَا الْفِعْلُ كَانَ الْخَبَرَا: كَذَا أي: مثل ذا يمتنع تقديم الخبر إذَا مَا الْفِعْلُ، ... مَا زائدة .. ... يا طالباً خذ فائدة ... ما بعد إذا زائدة فتحكم عليه بأنها زائدة، يعني نحذفها مطلقاً أو أنها تفيد؟ تفيد التأكيد ((وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) [الشورى:37] وارد في القرآن. كَذَا: أي مثل (ذا) من امتناع تقديم الخبر على المبتدأ يمتنع تقديم الخبر إذا كان الفعل، الْفِعْلُ هذا اسم كان محذوفة. كَانَ هو الْخَبَرَا: بمعنى أنه إذا وقع الخبر فعلاً وهنا لم يقل جملة؛ لأنه أراد الفعل المنطوق به من حيث هو، بمعنى أنه ليس الفعل الرافع لاسم ظاهر أو ضمير بارز، ولذلك أطلق الفعل وأُورِد -ومنهم ابن عقيل- على المصنف إيراداً ليس في محله، وهو أنه يرد على مطلق الفعل كل فعل ولو رفع ضميراً مستتراً أو ضميراً بارزاً أو اسماً ظاهراً، ومراد المصنف بهذا البيت أن الخبر إذا وقع فعلاً رافعاً لضمير مستتر امتنع تقديمه على المبتدأ: زيد قام، زيد مبتدأ، قام فعل ماضٍ رفع ضميراً مستتراً، هل يجوز أن نقول: قام زيد نقدم الخبر؟ زيد مبتدأ وقام نقول: فعل ورفع ضميراً مستتراً وهو في محل رفع خبر، هل يجوز أن نقدم الخبر فنقول: قام زيد؟ لا يجوز؛ لأنك لو قلت: قام زيد، خرجت الجملة من اسميتها إلى فعليتها، وفرق بين النوعين؛ لأنه لا يجوز أولاً أن يتقدم الفاعل على فعله، فلا يقال حينئذ زيد فاعل وقام فعل كما هو مذهب الكوفيين، وإنما يتعين أن يكون الأول مبتدأً، إذا تعين أن يكون الأول مبتدأً حينئذ تعين تأخير الفعل، والمراد بهذا أن الكوفيين يرون أن قول القائل: زيد قام، زيد فيه وجهان: يحتمل أنه مبتدأ ويحتمل أنه فاعل، يحتمل أنه مبتدأ وخبره جملة قام، ويحتمل أنه فاعل للفعل المتأخر؛ لأنهم يرون جواز تقديم الفاعل على الفعل، وهو باطل كما سيأتي في محله. إذاً على مذهب البصريين وهو الصواب أنه لا يجوز تقديم الفاعل على فعله إذا قلنا: زيد قام، امتنع تقديم قام على زيد، لماذا؟ لأنه انتقل من الجملة الاسمية إلى الجملة الفعلية، وهذا مخرج الكلام عن أصله. كَذَا يمتنع تقديم الخبر إذَا مَا الْفِعْلُ، إذاً: نقول الفعل المراد به هنا الرافع للضمير المستتر؛ لأنه في الأصل إذا عُبّر بالفعل عن فعل رافع لضمير مستتر في الغالب أنه لا يعبر عنه بالجملة، وإن كان هو في المعنى جملة، لكن إذا وقع الخبر جملة فعل رافع لاسم ظاهر أو بارز قلنا هذا من باب الإخبار بالجملة الفعلية أو الاسمية، ومراد المصنف هنا بالفعل الصورة المحسوسة كما عبر المكودي وغيره، وليس فاعله محسوساً -الذي ليس فاعله محسوساً- يعني: منطوقاً به وهو الاسم الظاهر والضمير البار.

إذاً الموضع الثاني أن يكون الخبر فعلاً رافعاً لضمير المبتدأ مستتراً بهذا القيد؛ إذ لو قُدِّمَ لأوهم الفاعلية، لو قُدِّمَ –الفعل- وهو خبر على المبتدأ لأوهم الفاعلية، فخرجت الجملة من كونها اسمية إلى فعلية، وهذا ممنوع نحو: زيد قام، فقام وفاعله المستتر خبر عن زيد، ولا يجوز التقديم فلا يقال قام زيد على أن يكون زيد مبتدأً مؤخراً والفعل خبراً مقدماً بل يكون زيد فاعلاً لقام فلا يكون من باب المبتدأ والخبر بل من باب الفعل والفاعل. فإن رفع ضميراً بارزاً أو اسماً ظاهراً حينئذ جاز فيه الوجهان التقديم والتأخير، وهو داخل في قوله: وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إذ لا ضَرَرا. فتقول: قام أبوه زيد، زيد قام أبوه، زيد مبتدأ وقام أبوه فعل وفاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، قدِّم الجملة الفعلية قام أبوه زيد، حصل لبس؟ لا؛ لأن الفعل هنا اكتفى بمرفوعه لا يرفع فاعلين، فزيد مبتدأ سواء قدمته أو أخرته، زيد أبوه منطلق، أبوه منطلق زيد. جاز التقديم والتأخير، هذا إذا رفع اسماً ظاهراً، وأما إذا رفع ضميراً بارزاً نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا. الزيدان قاما: الزيدان هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه الألف لأنه مثنى، و (قاما) قام فعل ماضي والألف فاعل والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو مثنى. الزيدان قاما، هذا على المشهور أنه جائز مطلقاً، الجمهور على أنه يجوز مطلقاً إذا رفع الفعل وهو خبر ضميراً بارزاً سواء كان مثنى ألف الاثنين أو واو الجماعة جاز مطلقاً، هذا عند الجمهور. فإذا قدم المثنى قيل: قاما الزيدان، فالزيدان مبتدأ مؤخر، وجملة قاما هذه خبر مقدم، لكن منع بعضهم تقديم هذه الصورة، لماذا؟ لأن الفاعل يحذف للتخلص من التقاء الساكنين، فيقع لبس، فتقول: قام الزيدان، فيظن الظان أن قام هذا فعل والزيدان فاعل، فمنع بعضهم حكاه السيوطي عن والده أنه يمنع هذه الصورة قاما الزيدان؛ لأنك أنت ما تقول: قاما الزيدان، وإن أجيب بهذه قاما هذا فعل وفاعل، والزيدان مبتدأ، هذا الأصل، لكن لما وقع اللبس قام الزيدان حذفت الألف التي هي فاعل، إذاً وقع لبس، فيظن الظان أن قام ليس خبراً مقدماً بل هو فعل، وأن الزيدان ليس مبتدأً مؤخراً بل هو فاعل، فوقعنا في اللبس، فيه أن الألف تحذف لفظاً لالتقاء الساكنين، فاللبس حاصل لفظاً، وأجيب بأنه يمكن دفعه بالوقف على قاما أو الوصل بنية الوقف، ولا لبس في نحو قاما أخواك، لكن هذا يبقى فيه لبس. وأما قاموا الزيدون هل فيه لبس؟ لا. لماذا؟ الضمة التي على الميم. أما قاما، الفتحة هذه موهمة أنها فتحت بناء، وهي فتحت بناء، لكنها موهمة أن يكون الفعل مسنداً إلى الاسم الظاهر قاما الزيدان، وأما قاموا فإذا حذفت الواو للتخلص من التقاء الساكنين، حينئذ بقيت الضمة على أصلها. إذاً: إذا رفع ضميراً بارزاً حينئذ الجمهور على الجواز مطلقاً سواء رفع ضميراً بارزاً وهو مثنى، قاما الزيدان يجوز تقديم الخبر على مبتدأ أو رفع ضمير الجمع قاموا الزيدون كذلك جائز.

وخصه بعضهم بالجمع، ومنع المثنى لبقاء الإلباس على السامع، وهو في المثنى واقع، ولو عمم فيه جيد، ومنع قوم التقديم مطلقاً حملاً لحالة التثنية والجمع على الإفراد؛ لأنه الأصل،- لا هذا ضعيف-، يعني ما دام أنه زيد قام هذا ممنوع! إذاً قام قاما قاموا ممنوع، نقول: لا. زيد قام امتنع لماذا؟ لعلة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وإلا الأصل جواز تقديم الخبر مطلقاً، إذا وقع في إلباس وإيهام حينئذ نقول: نمنع، وأما قاما الزيدان إذا لم يوقع في لبس وما أجاب به الجمهور حينئذ لا بأس، وقاموا كذلك لا بأس، أما قام زيد ونقيس هذا على ذاك نقول: هذا ممتنع. كَذَا إِذَا مَا الْفِعْلُ كَانَ الْخَبَرَا ... أَوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ مُنْحَصِرَا قوله: كَذَا إذَا مَا الْفِعْلُ كَانَ الْخَبَرَا، في التركيب ابن مالك أحياناً يقع عنده نوع عسر وركاكة، ولذلك قيل: أصل التركيب كذا إذا ما الخبر كان فعلاً؛ لأن الخبر هو المحدَّثُ عنه، فلا يحسن جعله حديثاً لكنه قلب العبارة لضرورة النظم، وليعود الضمير إلى أقرب مذكور في قوله: أوْ قُصِدَ، أوْ هذا للتنويع، وهي الحالة الثالثة من أحوال وجوب تأخير الخبر ولا يجوز تقديمه على المبتدأ. أوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ مُنْحَصِرَا: (أوْ قُصِدَ) أي: وكذا يمتنع تقديم الخبر إذا استعمل منحصراً. قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ يعني: استعمال الخبر. مُنْحَصَراً، مُنْحَصِراً: بالوجهين إلا أن الفتح أولى ومنحصَراً ليوافق قوله: كَانَ الْخَبَرَا هذا الأصل. ثم منحصراً فيه، فحينئذ يكون على تقدير فيه، يعني محصوراً فيه، فمنحصراً بصيغة اسم المفعول على الحذف والإيصال، ففيه نائب فاعل، منحصراً فيه، حذف في، ثم استكن الضمير فصار نائب فاعل، لا بصيغة اسم الفاعل إذ التقدير عليه منحصراً مبتدؤه فيه، بحذف المضاف والمتعلق ففيه كثرة حذف مع مخالفته لقوله: الْخَبَرَا، خَبَرَا الراء مفتوحة، مُنْحَصَراً الصاد هذه مكسورة، أوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ يعني استعمال الخبر منحصراً. بمعنى أنه يقترن بإلا أو بإنما، والحصر إثبات الحكم بالمذكور ونفيه عما عداه.

إذاً يمتنع تقديم الخبر إذا استعمل منحصراً ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] هذا أعلى صيغ الحصر، (ما) ما إعرابها؟ نافية، محمد هذا مبتدأ، (إلا رسول) المحصور فيه دائماً يكون بعد (إلا) هذا الأصل، ما اقترن بإلا هو المحصور فيه، فحينئذ صار المبتدأ محصوراً في الخبر، كأنه حصر محمداً صلى الله عليه وسلم في صفة واحدة وهي كونه رسولاً، وهذا يسمى حصراً إضافياً لا حقيقياً يعني لا إشكال فيه؛ إذ له صفات أخرى، لكن المراد هنا باعتبار المخاطب، إذاً مُحَمَّدٌ هذا مبتدأ ورَسُولٌ هذا خبر، هل يجوز أن يقال: وما رسول إلا محمد، على أن رسول هو المحصور فيه؟ لا يجوز، لماذا؟ لأن الذي يلي إلا هو المحصور فيه، ولو قدمت وأخرت التبس، ما يدرى ما المحصور وما المحصور فيه، فحينئذ إذا جاء الخبر تالياً مقروناً بعلة لا يجوز تقديمه، يعني لا يجوز تقديمه وحده، واختلفوا فيما إذا قدم مع إلا، هذه مسألة أخرى، الكلام فيما لو قيل: ما محمد إلا رسول، هل يصح أن يقال: وما رسول إلا محمد، نقول: رسول خبر مقدم، ومحمد مبتدأ مؤخر؟ نقول: لا يجوز؛ لأن رسول هذا محصور فيه وهو تالي لـ (إلا) هذا ممتنع تقديمه، كذلك إذا كان محصوراً بـ: إنما ((إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ)) [هود:12] والمحصور بـ: إنما هو الذي يكون ثانياً ليس الذي تالياً لها، المحصور فيه هو الذي يكون آخراً، ((إِنَّمَا أَنْتَ))، (نَذِيرٌ) هو المحصور فيه، (إنما نذير أنت) أنت هو المحصور فيه، الذي يكون ثانياً متأخراً هو الذي يكون محصوراً فيه. ((إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ)) نقول: نذير، هذا لا يجوز تقديمه على المبتدأ، لماذا؟ لأنه محصور فيه بـ: إنما، وبعضهم يعبر عنه بالحصر معنًى، لكنها من أدوات الحصر عند جمهور البيانيين، وحينئذ نقول: نذير لا يجوز تقديمه على أنت، لماذا؟ لأنه محصور فيه، ومحصور إنما يكون متأخراً، فلو قيل: إنما نذير أنت، حينئذ ظُنَّ أن المبتدأ هو المحصور فيه، وهذا يوقع في اللبس. إذاً أوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ مُنْحَصِرَا نحو: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] ((إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ)) [الرعد:7]، إذ لو قدم الخبر والحالة هذه لانعكس المعنى المقصود، ولأشعر التركيب بانحصار المبتدئ، فإن قيل: المحذور منتف إذا تقدم الخبر المحصور بـ: إلا مع إلا، فظاهر كلام المصنف العموم سواء تقدم مع إلا أو لا، قيل في الجواب: هو كذلك إلا أنهم ألزموه التأخير حملاً على المحصور بـ: إنما، لكن بعضهم أجازه، أن المحصور إذا كان بـ: إلا جاز تقديمه وتأخيره معها لا دونها، لماذا؟ لأن إلا صارت قرينة على كون ما بعدها محصوراً فيه، فلو تقدم الخبر أو تأخر حينئذ نقول: هذا جائز، لو سمع مثل هذا التركيب نقول: الأصل فيه الجواز. أوْ قُصِدَ اسْتِعمَالُهُ مُنْحَصِرَا، استعمال الخبر منحصراً فيه يعني: في المبتدئ.

إذاً الحالة الثالثة التي يمنع فيها تقديم الخبر: أن يكون الخبر محصوراً بـ: إنما أو إن شئت قل: أن يقترن الخبر بـ: إلا وإنما، إنما زيد قائم، لا يصح أن يقال: إنما قائم زيد إلا على معنى أنه لا يوجد قائم إلا زيد، فرق بين المسألتين، إنما زيد قائم، يعني وصفت زيد بصفة واحدة وهي القيام، زيد ليس له صفة إلا القيام، ولو عكست قلت: إنما قائم زيد يعني لا يوجد قائم من الناس إلا زيد، إنما زيد قائم يعني زيد ليس له صفة إلا القيام، وغير زيد قد يكون قائم، لكن إذا قلت: إنما قائم زيد كأنه لا يوجد في الناس قائم إلا زيد، المعنى اختلف، حينئذ لا يجوز التقديم إذا كان الخبر محصوراً فيه، فلا يجوز تقديم قائم في قوله: إنما زيد قائم، وما زيد إلا قائم على زيد في المثالين. وقد جاء التقديم مع إلا شذوذاً فَيا رَبِّ هَلْ إِلاَّ بكَ النَّصرُ يُرْتجى ... عَليهم وهلْ إِلاَّ عَليكَ المُعَوَّلُ ولذلك الناظم أطلق، لذلك قلنا: لو سمع -يعني سماعاً- يصح تعليق الحكم به قلنا: هذا جائز لوجود القرينة، هنا قال: وهلْ إلاَّ عليكَ المُعَوَّلُ، هل المعول إلا عليك، هذا الأصل، لكن هل حصل لبس بالتقديم هنا؟ ما حصل، يعني إلا عليك أصل تركيب، وهل المعول إلا عليك؟ يعني لا معول إلا عليك هذا الأصل، فحينئذ لما قدم وهو مقرون بإلا ما حصل لبس بقي على أصله. ثم قال: أوْ كَانَ مُسْنَداً لِذِي لامِ ابْتِدَا، هذا الموضع الرابع. أوْ كَانَ الخبر مُسْنَداً لِذِي لمبتدئٍ فيه لامُ ابْتِدَا، يعني إذا اتصلت –دخلت- لام الابتداء على المبتدأ لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ؛ لأن لام الابتداء لها حق الصدارة، فلا يتقدم عليها الخبر لزيد قائم، زيد مبتدأ مرفوع بالابتداء دخلت عليه لام الابتداء للتوكيد، وحينئذ قائم خبره لا يصح أن يقال: قائم لزيد، هذا لا يصح، أي وكذا يمتنع تقديم الخبر إذا كانت لام الابتداء داخلة على المبتدأ، نحو: لزيد قائم، فلا يجوز، وإذا جاء التقديم مسموعاً في لسان العرب حكموا عليه بأنه شاذ. خَالِي لأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُه ... يَنَلِ الْعَلاَءَ وَيكْرمِ الأخْوَالاَ خَالِي لأَنْتَ، أصلها لأنت خالي، لأَنْتَ دخلت على المبتدئ، وخَالِي هذا خبر مؤخر في الأصل، لكنه قدم عليه شذوذاً. إذاً قوله: لِذِي المراد به مبتدأ ذِي هنا بمعنى صاحب، وهي صفة لموصوف محذوف أي لمبتدئٍ صاحب لام ابتداءٍ، فإن تقدم حينئذ نقول: هو من باب خالي لأنت وهو شاذ. أوْ لازِمِ الصَّدْرِ كَمَنْ لِي مُنْجِدَا: هذه الحالة الخامسة وهي: أن يكون المبتدأ له أحقية الصدارة، ولذلك هذان الموضعان موضع واحد في المعنى، إلا أنه لما كان هو بنفسه المبتدأ لأن لام الابتداء ليست اسماً ليست مبتدأ، وإنما هنا الثاني أن يكون المبتدأ هو نفسه، له أحقية الصدارة كأسماء الاستفهام وأسماء الشرط والتعجب وكم الخبرية .. نقول: هذه كلها لها أحقية الصدارة وهي مبتدءات لا يتقدم عليها أخبارها.

أوْ كَانَ مُسْنَداً لمبتدئ لازِمِ الصَّدْرِ بنفسه أو بسبب، بنفسه كاسم الاستفهام، والشرط، والتعجب، وكم الخبرية .. ما أحسن زيداً، ما هذه تعجبية في محل رفع مبتدأ، أحسن الجملة هذه خبر، لا يجوز أن يتقدم الخبر على المبتدأ، دائماً تكون هذه لازمة للصدر، من في الدار؟ من اسم استفهام، في الدار هذا خبر، لا يجوز أن يقال: في الدار من؛ لأن من هذا مبتدأ وله صدر الكلام، من يقم أقم معه، من نقول: اسم شرط في محل رفع مبتدأ. أوْ لازِمِ الصَّدْرِ كَمَنْ لِي مُنْجِدَا: قلنا مراده أو كان مسنداً لمبتدءٍ لازم الصدر بنفسه أو بسبب، بنفسه، قلنا كاسم الاستفهام والشرط، والتعجب، وكم الخبرية ما أحسن زيداً، من في الدار، من يقم أقم معه، من نقول: اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ (يقم أقم معه) وهذه الجملة كلها في محل رفع خبر المبتدأ على الصحيح، فحينئذ لا يجوز أن يتقدم الخبر هنا على المبتدأ، ما العلة؟ لأن من الشرطية بل أسماء الشرط كلها لها أحقية الصدارة، يعني لا يتقدم عليها شيء البتة. أو بغيره كأن يكون لفظ مضافاً إلى ما له حق الصدارة مثل: غلام من في الدار؟ غلام هذا هل له أحقية الصدارة؟ ليس له أحقية الصدارة، لكن لما أضيف إلى ما له أحقية الصدارة أخذ حكمه. ولذلك نقول: مبتدأ لازم الصدر بنفسه كاسم الاستفهام خالص، واسم الشرط خالص، لكن لو أضيف إليه لفظ، هذا اللفظ في الأصل ليس له أحقية الصدارة، حينئذ نقول: انتقل إليه الحكم غلام من في الدار، لا يصح أن نقول: في الدار غلام من، لماذا؟ لأن غلام من هذا مضاف ومضاف إليه، المضاف في نفسه ليس له أحقية الصدارة، لكن لما أضيف إلى ما له أحقية الصدارة أخذ حكمه، فلا يجوز التقديم في نحو ذلك المثال. غلام من يقم أقم معه، نقول: هذا مثله، أو مشبَّهاً بما له الصدارة، الذي يأتيني فله درهم .. الذي هذا اسم موصول، يأتيني جملة الصلة، الذي نقول: هذا اسم موصول في محل رفع مبتدأ، فله درهم، نقول: هذه جملة، لكن الفاء هنا التحقت بالخبر جوازاً، لماذا؟ قالوا: تشبيهاً لذي بما فيه الشرط، باسم الشرط، ولذلك صار فيه نوع عموم، فلما كان فيه نوع عموم جاز إدخال الفاء على الخبر، الذي يأتيني فله درهم، -المبتدأ هنا الذي مشبه باسم الشرط للعموم، هو عام وذاك عام، لكن لما كان فيه معنى الشرطية الذي يأتيني له درهم، هنا فيه تعليق، إذاً فيه معنى الشرطية، فَشُبِّهَ (الذي) بـ: من؛ وحينئذٍ دخلت الفاء في الخبر جوازاً-، ولهذا دخلت الفاء في الخبر جوازاً فلم يجز تقديم الخبر على الذي لما فيه من مشابهته لاسم الشرط. أوْ لازِمِ الصَّدْرِ كَمَنْ لِي مُنْجِدَا: يعني كقولك: من، من هذا اسم موصول بمعنى الذي، ولِي نقول: هذا خبر ومُنْجِدَا حال من الضمير في الجار والمجرور، والمنجد هو الناصر، من لي منجداً، لا يجوز أن يقال: لي من، أو لي منجداً من .. لا يجوز هذا ولا ذاك، لماذا؟ لأن من هذه لها أحقية الصدارة.

إذاً هذه خمسة مواضع ذكرها الناظم رحمه الله تعالى في وجوب تأخير الخبر، وهي المشهورة، ويزاد عليها أن يكون المبتدأ هو مذ أو منذ، مذ ومنذ كما سيأتينا في باب حروف الجر أنها قد تكون مبتدأ لها اعتباران: تكون حرف، وتكون مبتدأ، وإذا كانت مبتدأ اختلف في إعرابها، لكن إذا كانت اسماً تكون حرفاً وتكون اسماً، وإذا كانت اسماً اختلف في إعرابها على الوجه بكونها مبتدأ لا يجوز تقديم خبرها عليها، ما رأيته مذ يومان، مذ مبتدأ ويومان خبر، لا يصح أن يقال: يومان مذ، التركيب هذا خلل. الثاني: أن يكون المبتدأ ضمير المتكلم أو المخاطب مخبراً عنه بالذي وفروعه، أنا الذي عرفوني، الذي عرفوني لا يصلح أن يتقدم على أنا، أنت الذي تدعي ما لا تحسنه، أنت الذي لا يصلح أن يتقدم الذي على أنت. ثالثاً: أن يكون الخبر طلباً، قلنا يصح على الصحيح أن تكون جملة الخبر طلبية، زيد اضربه، لكن إذا كانت جملة هل هي مثل: زيد قام أبوه؟ زيد قام أبوه يجوز التقديم والتأخير، قام أبوه زيد، زيد قام أبوه، لكن زيد اضربه لا يصح أن يقال: اضربه زيد، وكذلك زيد هلا ضربته. رابعاً: أن يكون المبتدأ دعاءً: سلام عليكم، عليكم سلام .. لا يصح، ويل لكم. خامساً: أن يكون الخبر متعدداً وهو في قوة الخبر الواحد، الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ، الرمان مبتدأ، وحلو حامض هذان خبران تعدد الخبر، وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا عَنْ وَاحِدٍ كما سيأتي، إذاً الرمان حلو، حُلْوٌ بضم الحاء وإسكان اللام ولا يجوز كسرها، كسرها لحن، حِلوٌ نقول: هذا لحن وإنما هو حُلْو بضم الحاء وإسكان اللام، في هذه الحالة نقول: لا يجوز تقديم الخبر، فلا يقال: حُلو، حامض الرمان. سادساً: أن يقع بين المبتدئ والخبر ضمير الفصل، زيد هو المنطلق، هذا في قوة {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} مثلما سبق؛ لأنه من أنواع الحصر، زيد هو المنطلق، المنطلق هو زيد اختلف المعنى .. فرق بينهما، إذاً: أن يقع بين المبتدأ والخبر ضمير الفصل لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ. سابعاً: أن يكون الخبر مقترناً بالباء الزائدة، ما زيد بقائم على لغة الإهمال، لا يصح أن يقال: ما بقائم زيد. ثامناً: أن يقترن الخبر بالفاء الذي يأتيني فله درهم، ذكرناه؛ لأن الفاء دخلت لشبهه بالجزاء –الشرط- والجزاء لا يتقدم على الشرط. تاسعاً: أن يكون المبتدأ بعد أما، أما زيد فعالم، الفاء هذه لا تلي أما، لا يجوز أن تكون واقعة وتالية لأما، لو قدمت الخبر قلت: أما فعالم زيد، لا يصح هذا، إذاً يجب أن يتأخر الخبر إذا اقترن بفاء بعد أما، أما زيد فعالم، هنا يجب تأخير الخبر؛ لأن الفاء لا تلي أما البتة. ثم قال رحمه الله: وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ ... مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ هذا شروع منه في الحالة الثالثة للخبر، وهي وجوب التقديم، أخذنا جواز الأمرين_الحالة الأولى-، الثانية: وجوب التأخير، وهذا وافق الأصل من حيث كونه متأخراً في اللفظ مخالفاً له من حيث الوجوب؛ لأن الأصل هو الجواز، هنا خالف من الجهتين، تقدم في اللفظ ثم هو واجب، لا يجوز تأخيره، هذا خرج عن الأصل بالكلية كالمبني، والثاني كالممنوع من الصرف.

وهي وجوب التقديم وثلَّث به لمخالفته الأصل من كل وجه. وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ: وَنَحْوُ هذا مبتدأ. قوله: مُلْتَزَمٌ فِيهِ، يعني يجب، الالتزام، والحتم، واللزوم، والوجوب .. هذه كلها مترادفة من حيث المعنى، يعني تحمل على الإيجاب. وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ: عِنْدِي نقول: هذا ظرف وهو خبر مقدم. ودِرْهَمٌ: هذا مبتدأ مؤخر، لِيَ وَطَرْ: يعني حاجة، لي جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. وَطَرٌ: هذا مبتدأ مؤخر. ما حكم تقدم الخبر هنا على المبتدئ؟ نقول: الوجوب، لماذا؟ لأنه المسوغ للابتداء بالنكرة، لا مسوغ للابتداء بالنكرة هنا إلا تقدم الخبر وهو الظرف والجار والمجرور. وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ: مثل بمثالين للظرف وللجار والمجرور. مُلْتَزَمٌ: هذا خبر المبتدئ نَحْوُ. مُلْتَزَمٌ فِيهِ: فِيهِ في هذا التركيب السابق، مُلْتَزَمٌ تَقَدُّمُ هذا نائب فاعل، تَقَدُّمُ الْخَبَرْ: تَقَدُّمُ مضاف، والْخَبَرْ مضاف إليه. إذاً التزم هنا تقديم الخبر على المبتدأ؛ لأن المبتدأ نكرة، ولا مسوغ للابتداء بالنكرة إلا تقدم الخبر. وهذا سبق معنا هناك: وَلاَ يَجُوزُ الاِبْتِدَا بِالنَّكِرَهْ ... مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ هل هذا تكرار؟ لا، هنا أفاد الوجوب على ما ذهب سابقاً، هناك أفاد بجواز تقديم أن يبتدأ بالنكرة؛ فالكلام على النكرة، عِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ هذا التركيب صحيح؛ لأنه مفيد، لكن ما نوع التقديم هناك، هل هو جائز أو واجب؟ بهذا البيت أفاد أنه واجب وليس بجائز. إذاً: مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ: لماذا؟ لأنه المسوغ للابتداء بالنكرة، ورفعاً لإيهام كونه نعتاً في مقام الاحتمال؛ لأنه لو تأخر الظرف والجار والمجرور بعد النكرات يحتمل أنهما صفات، هذا الأصل، نحن نقول الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال في الغالب، إذاً رفعاً لإيهام كونه نعتاً في مقام الاحتمال؛ إذ لو قلت: درهم عندي، احتمل أن يكون نعتاً للنكرة؛ لأنه نكرة محضة، واحتمل أن يكون خبراً، يحتمل هذا ويحتمل ذاك. وحاجة النكرة إلى التخصيص أشد افتقاراً من حاجة المبتدأ إلى الخبر؛ لأنه إذا قيل: عندي درهم، درهم عندي، نقول: درهم هذا إذا جعلناه نكرة هو نكرة، وإذا أعربناه مبتدأ هو مبتدأ .. إذاً النكرة تحتاج إلى مخصص، والمبتدأ يحتاج إلى خبر، أيهما أشد احتياجاً؟ احتياج النكرة إلى الصفة أشد من احتياج المبتدأ للخبر، حينئذ نقدم إعرابه صفة، فإذا جاء في التركيب هكذا: درهم عندي نعرف عندي متعلق بمحذوف صفة للنكرة، أين الخبر؟ ليس له خبر. حينئذ دفعاً لهذا الإيهام وجب تقديم الخبر على المبتدئ. إذاً لو أخرناه لاحتمل أنه إما أن يكون خبراً وإما أن يكون صفة، خبر من جهة كونه مبتدأ، وصفة من جهة كونه نكرة، وافتقار النكرة إلى الصفة أشد من افتقار المبتدأ إلى الخبر.

وحاجة النكرة إلى التخصيص ليفيد الإخبار عنها فائدة يعتد بمثلها آكد من حاجتها إلى الخبر، ولهذا لو كانت النكرة مختصة جاز تقديمها نحو: ((أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)) [الأنعام:2] أَجَلٌ هذا مبتدأ، ومُسَمًّى صفته، عِنْدَهُ هل هذا مثل: عندي درهم؟ الجواب: لا، لماذا؟ لوجود التخصيص، لما لم يوجد للنكرة مسوغ للابتداء بها إلا الظرف تقديمه أو الجار والمجرور تعين، لو وجد غيره حينئذ نقول: لا يجب، رجل ظريف عندي، رجل مبتدأ، وظريف صفته، وعندي هذا خبر، هل يجب تقديم الخبر على المبتدأ لكونه نكرة؟ لا، لماذا؟ لوجود مخصص، وهذا المخصص أفاد، فجوز الابتداء بالنكرة. وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ ... مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ إذاً الحالة الأولى التي يجب فيها تقدم الخبر: أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوغ إلا تقدم الخبر، والخبر ظرف أو جار ومجرور. وعبَّر في التوضيح عن هذه المسألة: أن يوقع تأخيره -تأخير الخبر- في لبس ظاهر، ودائماً قاعدة العرب: دفع الإلباس والالتباس، والإيهام والتوهم .. كل ما أدى إلى التوهم واللبس والإلباس فهو ممنوع مطلقاً في باب النحو كله من أوله إلى آخره. أن يوقع تأخيره في لبس ظاهر: في الدار رجل، فلو أُخِّر لالتبس الخبر بالصفة، ومنه: عندي أنك فاضل، هل يجب التقديم هنا؟ نعم، لأنك لو قلت: أنك فاضل عندي، التبست أن بإن؛ لأنه في أول الكلام، أنك فاضل، نقول: أنك فاضل أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، فهو في قوة المفرد، حينئذ لو قدمناه لاحتمل أن يكون في قوة الجملة فرق بين المسألتين. حينئذ يتعين نقول: عندي أنك فاضل، يجب تقديم الخبر على المبتدأ وهو عندي، لماذا؟ لأنك لو أخرته وقلت: أنك فاضل عندي لالتبست أن بإن، وهذا لبس يجب دفعه، فحينئذ يجب التقديم. هذا عبر به ابن هشام هكذا، نحو: عندك رجل، في الدار امرأة، فيجب تقديم الخبر هنا، فلا تقول: رجل عندك، ولا امرأة في الدار، وأجمع النحاة والعرب على منع ذلك، هذا بإجماع: رجل عندي أو عندك، وامرأة في الدار، هذا ممنوع باتفاق، وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ. وذكرنا أنه قال بعضهم: لو أوردت النكرة عند مخاطب يعلم جاز الابتداء بها، رجل في الدار، لو كان بينك وبين شخص معرفة أو سابق علم أو فهم فحينئذ لو قلت: رجل في الدار أجازه البعض، مع أنه لم يكن ثم مسوغ للابتداء بالنكرة، وهذا مرده إلى أن الفائدة التي تشترط في تسويغها للابتداء بالنكرة هذه مختلفة وهي نسبية، تختلف من شخص إلى شخص، بل من زمن إلى زمن. ولذلك ليس لها ضابط معين يمكن الرجوع إليه، بعضهم ضبطها بما أفاد التعميم والتخصيص، وعند السرد حينئذ نأتي إلى المسائل التي ذكرها ابن عقيل سابقاً. فإن كان للنكرة مسوغ جاز الأمران: رجل ظريف عندي، وعندي رجل ظريف. كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينَاً يُخْبَرُ وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

32

عناصر الدرس * ما علم جاز حذفه * مواضع حذف وجوب حذف الخبر * تعدد الخبر عن المبتدأ الواحد. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س: الأمثلة التي فيها الحصر وهي نكرة هل يصح أن يقال: إن سبب تأخيره هو كونه نكرة؟ ج: لا، لأن الخبر الأصل فيه أنه نكرة، لا يقال: إنه تأخر من أجل أنه نكرة. س: يقول: أنا أحفظ مجموعة من المتون العلمية سواء منظومات أو أحاديث عمدة الأحكام أو غيره لكن تعبت في مراجعتها من جهة ومن جهة أخرى، تعبت كذا في حفظ جديد؟ ج: كل المحفوظات إذا كثرت فهذه لا بد مما يسمى بالتخصيص الآن، يعني الكبير يدخل تحته الصغير، ولكن لكون الطلاب ما يُدّرِّسُوُن، ما بينهم مدارسة فيتعب في تثبيت الصغير، يعني مثلاً البعض يدرس الألفية، وقد يكون من أربع خمس سنين درَس الآجرومية إلى الآن ما درَّسها ولو مرة واحدة، هذه الآجرومية تكون في خبر كان، تذهب أو يجلس خمس سنين وهو يراجع يراجع يراجع أو أنه يتركها وينساها وضيع وقته في الحفظ، لكن الأصل الصحيح الذي يعتمده أنه يدرس الكتاب ثم إذا ضبطه بطريقة جيدة واثق من نفسه حينئذ إذا وجد من يريد أن يدرس يتعلم عليه ما في بأس، الآن لما يأتي طبيب ويأتي حلاق هو يتعلم سنين على الرءوس وبعدها يصير خبير صاحب خبرة، الخبرة ما تأتي بيوم وليلة، كيف نقول خبرة؟ ولذلك يطلبون وظائف خبرة عشر سنين، هذا غلط، هذا إذا احتاج إليه الإنسان يكون قد كان على وظيفة وترك. الشاهد: أن إذا درس الملحة مثلاً أو درس الآجرومية أو درس نظم الورقات ما تجلس محفوظة هكذا سنتين أوثلاث، يضيع علمك هكذا، وإنما تدرسها، ما وجدت لا بد إنك تجلس وتشرحها أو تجد طالب علم جيد يستغل وقته معك وتجلس تتدارس معه، تشرح بيت وهو يشرح بيت، أما تبقى هكذا في الخزينة وتجلس سنتين أو ثلاث ثم تدرس قطر الندى ومثله ثم الألفية، ثم تأتي إلى المراقي وتدرسها ما .. هذا كالذي يكدس هكذا ما يستفيد، الفائدة قليلة، لكن ما يحرك العلم إلا بالمدارسة بالتدريس، صحيح. يعني أنت لو تجلس وتغلق الكتاب وإذا جاءت مسألة استشهدت ببيت، استشهدت بآية، استشهدت بحديث هذه تنطبع يعني كأنها صارت شيء محسوس، أما الطريقة التي تسيرون عليها هي التي ضيعتكم، أولاً: لا تدريس. وثانياً: لا مراجعة. التدريس البعض يظن أنه نوع تصدر، لا ليس المقصود أن يصرح لك وتفتح دورة وإلى آخره لا، المقصود أنك تجلس ومع طالب واحد يحتاج، كثير الآن ما يستطيع أن يدْرُس الألفية، هؤلاء لو من تصدر له مجلس يدرسهم الأجرومية لاستطاع أنه يستفيد ولو في الإجازة، لكن الله المستعان! طريقة عشوائية ليست منظمة، ولا مرتبة.

هذه مشكلة العلم الآن، وإلا العلم موجود إن شاء الله، من يدرس موجود والكتب موجودة والطلاب الحمد لله في كثرة ما شاء الله، لكن الطريقة، لكن لا بد من مدارسة، يعني أنتم الآن بدأتم في الألفية، الأصل أن كل اثنين ثلاثة مع بعض، لو يوم في الأسبوع يجلسون يراجعون عشرين بيت هذا يحضر وكذا وتسمعون لبعض، ثم فك العبارات هذا يشرح بيتين مختصر والثاني والثالث وهلم جرا، هذا الأصل فيه. تقرءون ابن عقيل، أنا أحاول أني أقرأ مع أني ما أحتاجه في الشرح ابن عقيل، لكن من أجل أن الاختبار سيكون فيه بعض الألفاظ وكذا ويطمئن الطالب أنه درس ابن عقيل، أما إذا ما عرجنا عليه بالكلية يقول: ما قرأنا ابن عقيل. لكن من باب تطييب بعض النفوس نقرأه، نعيد الذي شرحت أعيده في القراءة، اجتهدوا. وأيضاً المدارسة يعني تجعل الطالب عنده همة، إذا استمر وراجع مائة بيت من الألفية يستمر إن شاء الله، يعني المراجعة تقول: أختي أختي، وإذا شعر أنه ضبط يتحمس أكثر، ولذلك المتون الصغيرة هذه وسيلة أنه يتقن الكبار، والذي دائماً يأتي من فوق هذا ما يضبط، يبدأ فتح الباري وشرح مسلم للنووي، وبعضهم الاستذكار والتمهيد لابن عبد البر، هذا ما ينتهي، هذا ما أظنه ينتهي من الجزء الأول في التمهيد، ثم لو انتهى ما حصل شيء، لكن لا بد من السلم. أنتم فيكم الخير والبركة إن شاء الله. س: هل هناك شرح لأبي حيان على الألفية؟ الجواب: ما أدري ما أعرف أنه مطبوع، أنا ما أهتم صراحة بجمع الشروحات، أنا ما أتتبع هذه الأشياء لا مخطوط ولا مطبوع، إنما أعتني بالضبط أكثر، يعني آخذ كتاب وأركز عليه وألخص وأحفظ وأذاكر إلى آخره وأحاول أستوعب ولو كان حاشية، وقد أكتفي به وأبحث مسائل، هذه الطريقة التي أسير عليها، أما لا بد أني أجرد كل الشروح ينتهي العمر يحتاج ألف سنة، خمسين سنة ستين سنة هذه ما تنتهي من كتب النحو، لا بد تقرأ كتاب سيبويه والشروحات وما طبع، وبعضهم يذهب ومخطوطات، أشياء ما أدري أحزن عليهم هؤلاء، لأنها أوقات تذهب، فأنت طالب علم لا بد تعرف ما الذي تريده من علم النحو ومن غيره، لا بد تحدد ما تريد هكذا فقط تريد تدرس نحو وتمشي تطقطق رأسك فقط، لا بد تحدد هدف، أريد أن أفهم الكتاب والسنة. إذاً: إذا حدد أهل العلم طريقة معينة نسلكها، العلل والاستثناءات وما خرج عن المشهور والفصيح إلى آخره كله ما تحتاجه في لسان العرب، كله ما تحتاجه في فهم الكتاب والسنة، أما الذي يريد أن يكفي الأمة يسرح ويكتب ويؤلف وينظم ويريد يتخصص في النحو ما في بأس هذا، لكن نحن ما نريد هذا، نريد أن يكون النحو وسيلة إلى أن نقرأ التفاسير ونقرأ أحاديث الأحكام وأحاديث العقيدة ونستنبط إلى آخره ويكون ديدننا ليل نهار في فهم الكتاب والسنة، هذا يكفيك الأشموني وبعض الكتب التي دائماً نذكرها، أما الذي يتتبع كل شرح .. عندهم نفس في جمع الكتب، كأنها شهوة خفية يعني مثل هذا القبيل.

الذي يشرح كتاب يعني يكتب يحتاج صحيح إلى مراجع، أما الذي يريد أن يضبط فن ما يحتاج أبداً، ألفية ابن مالك إذا ضبطت الأشموني وهذا أنفس كتاب وإذا ظهر الشاطبي جيد لكن إلى الآن في الأدراج، فإذا ضبط الأشموني مع التعليقات للصبان وحاشية الخضري وجمع الجوامع أنت أنت، نعم جمع الجوامع هذا إن شاء الله نضع فيه درس، أنا نفسي فيه صراحة، وهو شرح يعني الجمع الأصل للسيوطي وشرحه شرح نفيس، غاية جداً يعني ما ترك مسألة إلا ذكرها، بعضها أقوال ضعيفة وكذا إلى آخره لكن لو قرأناه مرة مرتين وثلاث مع ضبط الألفية الله أكبر، شيء يفتح النفس صراحة. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ ... مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ هذا شروع منه في وجوب تقدم الخبر على المبتدأ، متى يجب أن يتقدم الخبر على المبتدأ؟ في مواضع كسابقها، في الجملة مجمع عليها متفق عليها، الخلاف فيها يسير، ولذلك السيوطي شرح كلام يسير جداً في همع الهوامع. الموضع الأول قلنا: إذا كان المبتدأ نكرة والخبر ظرف أو جار ومجرور ولا يوجد مسوغ الابتداء بالنكرة إلا تقدم الخبر الذي هو الظرف والجار والمجرور، وحينئذ يتعين أن يتقدم الخبر وهو ظرف أو جار ومجرور على المبتدئ. الثاني مما يجب فيه تقدم الخبر، أشار إليه بقوله: كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينَاً يُخْبَرُ هذا من الأبيات المعقدة عند ابن مالك، ولذلك بعضهم أصلحه بقوله: كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِنْ مُبْتَدَاً وَمَا لَهُ تَصَدَّرَا كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ مِنْ مُبْتَدَاً يعني: أن يتصل -من أجل أن تُفهم- أن يقترن ويتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر، أن يتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر، قلنا: الأصل في المبتدأ التقدم، والأصل في الخبر التأخر، والأصل في الضمير ألا يعود على متأخر لفظاً ورتبة، هذا الأصل. فإذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر حينئذ عاد الضمير على متأخر لفظاً، لأنه ينطق به متأخراً في اللفظ ورتبة، ما معنى رتبة؟ يعني منزلته في لسان العرب أين يوضع الخبر؟ هو الجزء الثاني، فإذا عاد الضمير على الخبر وهو متأخر لفظاً ورتبة حينئذ قلنا: هذا ممنوع، لو قال: صاحبها في الدار، صاحب هذا مبتدأ وهو مضاف والضمير مضاف إليه. في الدار: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، هنا اتصل الضمير بالمبتدأ، صاحبها في الدار، صاحبها الضمير يعود على الدار، حينئذ عاد على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا ممنوع، فحينئذ وجب تقديم الخبر على المبتدأ من أجل أن يعود على متأخر رتبة لا لفظاً، وهذا جائز كما سيأتي. عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة ممنوع، وأما عود الضمير على متأخر رتبة لا لفظاً هذا جائز. إذاً: تصحيح للكلام ولئلا يخالف أصلاً من أصول اللغة حينئذ وجب تقدم الخبر على المبتدأ. هذا مراد الناظم رحمه الله تعالى. بماذا عبر عن هذا المعنى؟ قال:

كَذَا: أي: مثل ذا السابق، في كونه يلزم فيه تقدم الخبر، يجب تقديم الخبر إذا عَادَ عَلَيْهِ، عَلَيْهِ الضمير يعود على الخبر، لكن هنا فيه إشكال: وهو أن الضمير لا يشترط فيه أن يعود على كل الخبر، وإنما على ملابس أو مشتمل أو جزء في الخبر، ولذلك قيل: في التركيب هنا حذف مضاف، أي: إذا عاد عليه أي على ملابسه، أو على جزئه، أو على بعضه، لأنك إذا قلت: صاحبها في الدار، في الدار صاحبها، صاحبها الضمير يعود على ماذا؟ قلنا: الخبر هو المحذوف على الصحيح متعلق، وإذا قلنا المجموع أو قلنا الجار والمجرور نفسه، الضمير هنا يعود على الدار فقط وهي جزء الخبر وبعض الخبر ليس كل الخبر. إذاً: إذا عَادَ عَلَيْهِ: أي: على بعضه، لا يشترط فيه أن يعود على كله. إذا عَادَ عَلَيْهِ: على الخبر. مُضْمَرُ: يعني ضمير. إذا عاد عليه ضمير. مِمَّا: من أين؟ من أين رجع إليه الضمير؟ مِمَّا بِهِ: يعني من مبتدأ، الذي بِهِ بذلك الخبر عَنْهُ عن ذلك المبتدأ. مُبِيناً: مفسراً. يُخْبَرُ: يعني هذا الضمير يكون عائداً على الخبر وهو متلبس ومتصل بالمبتدأ. عَلَيْهِ، إذا عَادَ عَلَيْهِ: يعني على ملابسه، على بعضه، على جزئه ضمير. مِمَّا: يعني من مبتدأ، الذي مما: ما هذه اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على المبتدأ. مِمَّا بِهِ: بِهِ، يعني الخبر. عَنْهُ: يخبر، يخبر عنه. مُبِيناً: هذا بمعنى مفسراً. في الدار صاحبها إذا لو أخر الضمير لعاد على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا ممنوع، ولذلك أصلحه ابن غازي بقوله: كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ مِنْ مُبْتَدَاً لو قالها هكذا أراحنا. كَذَا أي: مثل ذا. إذا عَادَ عَلَيْهِ: على الخبر. مُضْمَرُ من مبتداً: إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على الخبر، ولا نحتاج إلى هذه الكلفة التي ذكرها ابن مالك رحمه الله تعالى. الثاني: أن يشتمل المبتدأ على ضمير متصل به يعود على شيء في الخبر، شيء لا يشترط أن يكون كل الخبر. على شيء في الخبر متصل بالخبر أو جزء منه، نحو: في الدار صاحبها، صاحبها: مبتدأ، والضمير المتصل به راجع إلى الدار، وهو جزء من الخبر، الدار الذي رجع إليه الضمير جزء من الخبر، فلا يجوز تأخير الخبر نحو: صاحبها في الدار، لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا ممنوع كما سيأتي في باب الفاعل. على التَّمْرَةِ مِثْلها زُبداً، زُبداً تمييز. مِثْلها هذا مثل صاحبها مبتدأ اتصل به ضمير يعود على الخبر وهو التمر جزء، جزء من الخبر، حينئذ وجب تقديم الخبر على المبتدئ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. ((أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24] مثله؟ مثله إذاً جاء في القرآن. ((أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24] أَقْفَال هذا مبتدأ، مبتدأ مؤخر، وهو متصل به ضمير يعود على القلوب، ((أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) [محمد:24] عَلَى قُلُوبٍ هذا خبر مقدم واجب التقديم، حينئذ نقول: هذا مما يذكر مثالاً لما ذكره المصنف.

وهذا مراد المصنف بقوله: كَذَا إذا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... البيت، أي: كذلك يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر مما يخبر بالخبر عنه وهو المبتدأ، فكأنه قال: يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ، عاد عليه هكذا قال وافق ابن عصفور، وهذه عبارة ابن عصفور في بعض كتبه وليست بصحيحة؛ لأن الضمير في قولك: في الدار صاحبها إنما هو عائد على جزء من الخبر لا على الخبر، فينبغي أن تقدر مضافاً محذوفاً في قول المصنف: عَادَ عَلَيْهِ التقدير إذا عاد على ملابسه، ثم حذف المضاف الذي هو ملابس وأقيم المضاف إليه وهو الهاء مقامه، فصار اللفظ: كَذَا إذا عَادَ عَلَيْهِ. ومثل قولك: في الدار صاحبها قولهم: على التَّمْرَةِ مِثْلها زُبداً. أَهَابُكِ إِجْلاَلاً وَمَا بِكِ قُدْرَةٌ ... عَلَيَّ وَلكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا حَبِيُبهَا هذا خبر مبتدأ مؤخر، ومِلْءُ عَيْنٍ هذا خبر مقدم، حَبِيُبهَا اتصل به ضمير يعود على العين، مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيُبهَا، وحَبِيُبهَا: مبتدأ مؤخر، ومِلْءُ عَيْنٍ: خبر مقدم، ولا يجوز تأخيره؛ لأن الضمير المتصل بالمبتدأ وهو (ها) عائد على عين، وهو متصل بالخبر، فلو قلت: حبيبها ملء عين، عاد الضمير حينئذ على متأخر لفظاً ورتبة. إذاً: عرفنا أنه يجب تقديم الخبر إذا اتصل بالمبتدأ ضمير يعود على شيء في الخبر. كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينَاً يُخْبَرُ أي: يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ، وفي المكودي والتقدير: كذا يلزم تقديم الخبر إذا عاد على ملابسه ضمير من المبتدأ الذي يخبر الخبر عنه. كَذَا إذَا يَسْتَوْجِبُ التَّصْدِيرا كَذَا: أي مثل ذا السابق، فهنا يأتي بالكذلكة من باب بيان الحكم لأن الثاني ملحق بالأول، شبيه به في وجوب تقديم الخبر. إذَا: كان الخبر. يَسْتَوْجِبُ: يعني يستحق. التَّصْدِيرا: أي في جملته، إذا كان الخبر له حق الصدارة، إذا كان المبتدأ له حق الصدارة وجب ماذا؟ تأخير الخبر، إذا كان الخبر نفسه له حق الصدارة وجب تقديم الخبر، وهذا مجمع عليه في الجملة، مثل ماذا؟ مثل الاستفهام أو المضاف إليه، كقوله: كَأيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ مثَّل هنا. كَأيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ: علمتُه بالضم. كَأيْنَ: أي كقولك، الكاف داخلة على محذوف. أيْنَ: نقول: خبر مقدم. مَنْ عَلِمْتَهُ: من اسم موصول على الذي. عَلِمْتُهُ نَصِيراَ: عَلِمْتُ فعل وفاعل، والضمير الهاء مفعول أول، ونَصِيراَ: مفعول ثان، ويحتمل أن علمته بمعنى عرفته، وحينئذ يكون الهاء مفعول به، ونَصِيراَ هذا حال من الهاء من الضمير يحتمل هذا. إذاً: إذا كان الخبر له حق الصدارة وجب أن يتقدم، وذلك إذا كان اسم استفهام ونحو ذلك، أين زيد؟ زيد هذا نقول: مبتدأ مؤخر، وأين: هذا خبر مقدم؛ لأنه له حق الصدارة في الكلام. ومثله ما قاله الناظم: أيْنَ مَنْ عَلِمْتُهُ نَصِيراَ. وَخَبَرَ الْمَحْصُورِ قَدِّمْ أَبَدَا ... كَمَالَنَا إِلاَّ اتِّبَاعُ أَحْمَدَا

هذا الموضع الرابع، وهو أن يكون خبر المبتدأ المحصور قَدِّمْ، خبر المبتدأ المحصور قَدِّمْ أبَدَا، يعني: قدمه على المبتدأ، يجب تقديم الخبر إذا كان المبتدأ محصوراً. أن يكون مسنداً إلى مقرون بأداة حصر لئلا يلتبس، نحو: ما في الدار إلا زيد، زيد هذا مقرون بعلة، ابن هشام رحمه الله ما يعبر بالحصر في مثل هذا، ولعل له نكتة، يقول: إذا اقترن الخبر بـ (إلا) لفظاً أو (إنما) معنى، فإذا اقترن الخبر بـ (إلا) حينئذ وجب تأخير الخبر، وإذا اقترن المبتدأ بـ (إلا) وجب تقديم الخبر وتأخير المبتدأ، ما في الدار إلا زيد، أين المقدم وأين المؤخر؟ المقدم هنا في الدار وهو الخبر، وزيد: مبتدأ مؤخر، أيهما المحصور فيه؟ المبتدأ، قلنا: الذي يلي (إلا) هو المحصور فيه، سواء كان مبتدأ أو خبراً، أليس كذلك؟ ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] قلنا: منحصرة، يعني منحصراً فيه، وحينئذ رسول هذا منحصر فيه وهو بعد (إلا). هنا: ما في الدار إلا زيد، زيد هذا محصور فيه، فالذي يلي (إلا) من مبتدأ أو خبر هو المحصور، المحصور فيه وجب تأخيره من مبتدأ وخبر، والمحصور وجب تقديمه من مبتدأ وخبر. القاعدة عند النحاة والبيانيين: المحصور فيه وهو الذي يلي (إلا) أو يكون الثاني في (إنما) وجب تأخيره من مبتدأ وخبر ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] رَسُولٌ هذا محصور فيه، ما في الدار إلا زيد، زيد محصور فيه، والمحصور فيه وجب تأخيره من مبتدأ وخبر، والمحصور وجب تقديمه من مبتدأ وخبر. إذاً: وَخَبَرَ الْمَحْصُورِ: أي: خبر المبتدأ المحصور فيه بـ (إلا) أو بـ (إنما). قَدِّمْ أبَدَا: على المبتدأ. كَمَالَنَا: مَا حرف نفي. لنا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم واجب التقديم، وهو محصور. إلاَّ اتِّبَاعُ أحْمَدَا: اتِّبَاعُ هذا مبتدأ مؤخر، ليس لنا طريق إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. أحْمَدَا: الألف هذه للإطلاق. إذاً هنا المحصور فيه هو المبتدأ، وهو الذي يجب تأخيره، وحينئذ يتعين تقديم الخبر. وَخَبَرَ الْمَحْصُورِ قَدِّمْ أبَدَا كَمَالَنَا هذا محصور. إلاَّ اتِّبَاعُ أحْمَدَا وإنما عندك زيد، أين المحصور فيه؟ زيد، لأنه هو الذي يكون متأخر في باب (إنما)، في باب (إنما) الذي يكون متأخر الثاني هو الذي يكون محصوراً فيه، وعند هو المحصور. إذاً: المحصور يجب تقديمه سواء كان مبتدأً أو خبراً. إنما في الدار زيد وما في الدار إلا زيد، ومثل: مَالَنَا إلاَّ اتِّبَاعُ أحْمَدَا. نزيد على هذه المواضع الأربعة: أن يستعمل كذلك في مَثَلٍ، أن يستعمل الخبر كذلك متقدماً في مَثَلٍ والأمثال لا تغير ولا تبدل، القاعدة: لأن الأمثال لا تغير. في كل واد بنو سعد، بنو سعد: هذا مبتدأ مؤخر، في كل واد: هذا خبر مقدم. هل نقول: بنو سعد في كل واد؟ لا يصح، لماذا؟ لغة من حيث هو جائز، يجوز الوجهان، لكن لما كان مثلاً والأمثال لا تبدل ولا تغير التزمناه، إذاً: يجب تقديم الخبر لكونه مثلاً. السادس: أن يكون الخبر هو كم الخبرية، أو مضافاً إليها، نحو: كم درهمٍ مالك؟ كم خبرية خبر مقدم، وهو مضاف، ودرهم: مضاف إليه. أو درهم مجرور بمن المقدرة، على خلاف يأتينا في محله.

مالك: هذا مبتدأ مؤخر. وصاحب كم غلام أنت؟ أنت: هذا مبتدأ مؤخر، وصاحب نقول: هذا واجب التقديم، لماذا؟ لأنه إذا أضيف إلى كم، مثل: غلام من يقم أقم معه. سابعاً: أن يكون الخبر اسم إشارة ظرفاً، نحو: ثَمَّ زيد، بفتح الثاء، وهنا عمرو، عمرو هذا مبتدأ مؤخر، وهنا: هذا خبر مقدم واجب التقديم، ووجه تقديمه القياس على سائر الإشارات، فإنك تقول: هذا زيد ولا تقل: زيد هذا. ثامناً: أن يكون مسنداً إلى مقرون بفاء، أما في الدار فزيد، هنا لا يجوز تقديم زيد على في الدار؛ لأن أما لا يليها فاء، لا يليها الفاء، ممتنع، وأما في المسجد فخالد، لا يصح أن يقال: أما فخالد في المسجد. تاسعاً: أن تقترن بالخبر لام الابتداء، وإن كان على خلاف الأصل، إذا اقترنت لام الابتداء بالخبر حينئذ وجب تقديمه. زيد لقائم، لقائم زيد، وجب التقديم لأن لام الابتداء لها حق الصدارة. لقائم زيد، فلا يجوز: زيد لقائم. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُمَا لما انتهى من المسائل الثلاث والأنواع التي تتعلق بالخبر من حيث جواز التقديم ووجوب التأخير ووجوب التقديم، وهذا التفسير الثاني الذي هو ذكر الحالتين مبين لقوله: إِذْ لاَ ضَرَرَا. إذا لم يكن من الموجبات لتقديم الخبر على المبتدئ أو الموجبات لتأخيره حينئذ يجوز فيه الوجهان، وهذا ضبطه سهل، مثلما يقال في الحرف: ما لا يقبل علامة الاسم ولا علامة الفعل. ثم انتقل إلى مسألة حذف المبتدأ والخبر، كل منهما مسند، يعني: هما ركنا الإسناد، ليس مسند بمعنى أنه لا يقال بأنه مسند إليه المقصود أن كلاً منهما جزء وركن في الإسناد، وحينئذ المجيء به لحصول الفائدة، ولا يتركب الكلام إلا لمسند ومسند إليه، وإذا كان كذلك فالأصل ذكرهما ولا يجوز الحذف، هذا هو الأصل؛ لكن إذا دلت قرينة على المحذوف فالقاعدة العامة أنه يجوز حذفه، إلا ما استثني ويأتي في محله. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُمَا وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ: يعني من مبتدأ أو خبر أو هما معاً، الأحوال ثلاثة: إما أن يحذف المبتدأ فقط ويذكر الخبر، وإما أن يحذف الخبر ويذكر المبتدأ، أو يحذفا معاً، ولكن لا بد من قرينة، إذا حذفا أو حذف أحدهما أو هما معاً لا بد من قرينة، يعني شيء يفهم منه المحذوف يدل على المحذوف، ولا يشترط في هذه القرينة أن تكون لفظية، بل قد تكون معنوية، يعني تفهم بالمعنى بشيء خارج عن اللفظ. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ: من مبتدأ أو خبر أو هما معاً بالقرينة. كَمَا تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُما إذاً: يجوز حذف ما علم من المبتدأ والخبر. قيل: الجواز قوله: جائز هنا المراد به غير ممتنع، يعني نفي المنع فحسب، ليس المراد به المنع. جَائِزٌ: بمعنى أنه غير ممتنع، وإذا فسر الجواز بكونه غير ممتنع دخل فيه الوجوب، لأنه قد يجب حذف الخبر وقد يجب حذف المبتدأ، وقد يجوز كل منهما. هل المراد هنا أن الجواز الذي يصدق على الوجوب أو الجواز المقابل للوجوب؟ فسر بهذا وذاك، وحينئذ لا بأس أن يقال: بأن المراد بالجواز هنا ما يدخل تحته الوجوب، فيقال: جائز أي: غير ممتنع فيصدق بالوجوب.

هناك الملاوي قال: قيل: الجواز هنا أعم من الوجوب. وقوله: بَعْدَ: يعني فيما سيأتي. وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ حَتْمٌ قال: هذا من ذكر الخاص بعد العام، لأن قوله هنا: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ؛ لأن الواجب حذفه من مبتدأ وخبر لا بد من قرينة تدل عليه، وكذلك ما حذف جوازاً لا وجوباً لا بد من قرينة تدل عليه، وحينئذ نعمم الحكم هنا بالجواز ليصدق على الوجوب، هذا وإن ذكروه المكودي وغيره لكنه غير ظاهر. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ مَا: أتى بـ: مَا التي تقتضي العموم، فيحتمل أن يكون الحذف هنا في سائر الأبواب، في جميع أبواب النحو حذف ما يعلم جائز، ويحتمل أن (ما) هنا مخصصة بالقرينة، وهو كونه ذكرها في باب المبتدأ والخبر، هذا أو ذاك نقول: الحكم عام، سواء قلنا: مراد الناظم هنا (ما) في هذا الباب، أو قلنا العموم، فالحكم عام، كل ما يعلم يجوز حذفه، إلا ما سيأتي من الفاعل ونائب الفاعل، استثناءات وإلا الأصل هو الجواز. إذاً: أتى بـ (ما) التي تقتضي العموم، فيحتمل أن يكون في سائر الأبواب، ويحتمل أن يكون مقصوراً على هذا الباب لأن السياق يدل على ذلك. كَمَا تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُما كَمَا: هذا مثال لحذف الخبر للعلم به، حُذف الخبر هنا في هذا المثال لكونه معلوماً، متى؟ تقول: زيد من غير ذكر للخبر بعد قول السائل: من عندكما؟ فالقرينة حينئذ من حذف الخبر كونه واقعاً في جواب سؤال، والسؤال دائماً يعتبر قرينة، لكنها قرينة حالية ليست لفظية، لأن زيد لوحده هكذا ليس فيها لفظ يدل على المحذوف وإنما قلت: زيد، الأصل أنه مفرد، وحينئذ من أين أخذنا أن الخبر محذوف؟ لكونه واقعاً في جواب سؤال، هل هذا لفظ أم حال؟ حال ليس بلفظ. إذاً تقول: زيد من غير ذكرٍ للخبر بعد قول السائل: من عندكما، فزيد مبتدأ، والخبر محذوف للعلم به أي: زيد عندنا، هذا التقدير، من عندكما؟ زيد، التقدير: زيد عندنا، ولا يصح أن تقول: عندنا زيد؛ لأن الجواب يجب أن يكون مطابقاً للسؤال، ولو قلت هنا شيء يعني زدته حصراً على السؤال ولم يسأل عنه، قلنا: هذا حشو في الكلام. عندنا زيد، على التقديم والتأخير، ولم نجعل زيداً فاعلاً للاستقرار، وحينئذ نقول: هذا أفاد الحصر. فزيد: مبتدأ، والخبر محذوف للعلم به، أي: زيد عندنا. وإن شئت صرحت به؛ لأن هذا المراد بالجواز، يجوز فيه الوجهان: أن تحذف، وأن تصرح به. ولو كان المجاب به نكرة، وقلنا: النكرة وهي مبتدأ يجوز أن تقع في جواب سؤال، أليس كذلك؟ من جاءك؟ رجل. من عندك؟ رجل عندي، قلنا لا يصح أن تقول: عندي رجل، بل هنا من المسوغات بالابتداء بالنكرة كونه واقعاً في جواب سؤال، فرجل عندي، رجل: هذا مبتدأ. أليس كذلك؟ هو نكرة، أين المسوغ؟ ليس له مسوغ لفظي، وإنما كونه واقعاً في جواب سؤال ابتدأنا بالنكرة ولا بأس، وهذا جائز. ولو كان المجاب به نكرة، نحو: رجل، فقدر الخبر أيضاً بعده. قال في شرح التسهيل: لا يجوز أن يكون التقدير: عندي رجل، إلا على ضعف، عندي رجل من أجل أن نبتدئ بالنكرة فيه ضعف، بل الصواب أن يبقى الكلام على أصله، رجل عندي، هذا الأصل. من عندك؟ رجل. هكذا، مثل: من عندك؟ زيد، وهذا مبتدأ حذف خبره.

إذاً: يجوز حذف ما علم من المبتدأ والخبر، فالأول الذي هو حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام، نحن: ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ)) [القارعة:10] * ((نَارٌ حَامِيَةٌ)) [القارعة:11] يعني: هي نار حامية. وبعد فاء الجواب: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ)) [فصلت:46] أي: فعمله لنفسه. وبعد القول: ((وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) [الفرقان:5] أي: هو. ويقل بعد إذا الفجائية: خرجت فإذا السبع، يعني: حاضر. ولم تقع في القرآن إلا ثابتة، ومنه في غير ذلك: ((سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا)) [النور:1] أي: هذه. إذا ضبطوا بأن هذا الشيء يقع بكثرة خلف كذا فالمراد به تحصيل حاصل، وإلا ليس بضابط بأنه إذا وجد في هذه جاز حذفه وما عداه فلا، لا. إذا عرفت متى يجب ذكر الخبر من جهة التقديم والتأخير حينئذ ما علم جاز حذفه ولا ينضبط بضابط، لذا قل من ضبطه، وإنما هذا استطراد من السيوطي في جمع الجوامع. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ بَعْدَ مَنْ عِنْدَكُمَا هنا قاعدة -حشَّيتُ بها-: إذا كان في الجملة ما يصلح أن يكون مبتدأً غير الاستفهام فالاستفهام خبر، وإذا لم يكن في الجملة ما يصلح أن يكون مبتدأ فالاستفهام مبتدأ. وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ قُلْ دَنِفْ ... فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ إِذْ عُرِفْ وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ: يعني وقل، هذا مثال لحذف المبتدأ للعلم به، هذه سورة أنزلناها للعلم به. وَفِي جَوَابِ: قول السائل: كيف زيد؟ زيد كيف؟ كيف زيد؟ قُلْ دَنِفْ: مريض، يعني: زيد مريض، حذفت ماذا؟ حذف المبتدأ وأبقيت الخبر للعلم به، لأنه واقع في جواب سؤال. إذاً: فِي جَوَابِ: نقول: هذا متعلق بقوله: قل. قُلْ دَنِفْ: أي مريض، في جواب قول السائل: كيف زيد؟ فدنف يعني مريض: خبر، والمبتدأ محذوف، أي: زيد دنف. فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ: فزيد المبتدأ. اسْتُغْنِيَ عَنْهُ: وحذف في اللفظ لفظاً. إذْ عُرِفْ: بقرينة السؤال، وهذا الشطر حشو، لماذا؟ لأنه قال: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، دخل في قوله: مَا يُعْلَمُ، المبتدأ والخبر، ثم مثَّل فقال: وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ قُلْ دَنِفْ قل مريض، إذاً: زيد حذف لكونه يعلم لما ذكره سابقاً في القاعدة العامة. فقوله: فَزَيْدٌ المبتدأ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ لفظاً. إذْ عُرِفْ: بقرينة السؤال. قال المكودي: في الشطر كامل تتميم للبيت ولو استغنى عنه لصح المعنى، لو لم يقل: فَزَيْدٌ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ إذْ عُرِفْ، هل مدلول هذا الشطر يكون داخلاً في ما سبق أو نحتاج لا بد على التنصيص؟ داخل في ما سبق وإلا ليس فيه فائدة، ولذلك الأشموني ما اعترض ولا الصبان، لكن .. ! إذاً: هذا هو الموضع الثاني. وَفِي جَوَابِ كَيْفَ زَيْدٌ: هذا حذف للمبتدأ للعلم به. إذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأً وكونه خبراً يجوز الوجهان: إما أن يكون مبتدأ وإما أن يكون خبر، يجوز هذا ويجوز ذاك. أيهما أولى؟ هذه ما سيذكرها النحاة في هذا المحل.

قيل: الأولى كون المحذوف المبتدأ، أن يكون المحذوف المبتدأ، هذا الأولى، لماذا؟ لأن الخبر محط الفائدة، فإذا دار الأمر: عندك كلمة فيها محذوف يجوز أن يكون الملفوظ به خبراً لمبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون مبتدأً خبره محذوف، أيهما أولى؟ قيل: الأولى كون المحذوف المبتدأ والملفوظ به هو الخبر، لماذا؟ لأنه محط الفائدة، وهذا هو أرجح، هذا الراجح أنه إذا دار الأمر بين النوعين أن يكون المحذوف هو المبتدأ؛ لأن الأصل في المبتدأ إنما يذكر لا للجهل به، ننظر إلى المعاني ولا نكون ظاهرية، ننظر إلى المعاني فنقول: الأصل في المبتدأ إنما ذكر توطئة. زيد عالم، تصور معي: زيد عالم، أنا أعرف زيد وأنت تعرف زيد، ولكن كونه عالم هذا الذي أنا تكلمت من أجله، زيد عالم، إذاً: الأصل أن يكون المبتدأ معلوماً، والأصل أن يكون الخبر مجهولاً، وحينئذ إذا دار الأمر بين الاثنين الأولى أن نجعل المبتدأ هو الذي حذف، لأنه معلوم، والخبر هو محط الفائدة. وقيل: كونه الخبر لأن التجوز في آخر الجملة أسهل، -وهذا ضعيف- التجوز يعني التساهل في آخر الجملة أسهل، نقول: ننظر إلى المعاني. ومثال المسألة قوله: ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)) [يوسف:18] صَبْرٌ هذا يحتمل أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، ويحتمل العكس، أي: شأني صبر جميل، أو صبر جميل أمثل من غيره، صبري صبر جميل، هذا على أن يكون المحذوف هو المبتدأ، أو شأني صبر جميل لا بأس، أو صبر جميل أمثل من غيره على حذف الخبر، نقول: الأولى أن يجعل صبر جميل خبراً لمبتدأ محذوف، أي: شأني، أو صبري صبر جميل لا بأس، لو قدر صبري لأن هذا عام، صبر جميل هذا خاص لا بأس، السيوطي قدر شأني من أجل أن يفر عن التكرار لكن ليس فيه تكرار. صبري: هذا عام لأنه يحتمل الجميل وغيره، فلما قال: صبر جميل حينئذٍ مثل أن نقول: علمه علم نافع، لأن العلم قد يكون نافعاً وقد لا يكون نافعاً، فإذا أخبرت بجنس اللفظ مع نوع تخصيص بالإضافة أو الوصفية لا بأس، علمه علم نافع، صبري صبر جميل.

وقد يحذفا معاً إذا حلا محل المفرد: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) [الطلاق:4]، ((وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ)) [الطلاق:4] ثم قال: ((وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)) [الطلاق:4] فعدتهن ثلاثة أشهر، وحذف المبتدأ والخبر وهو: ((فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ)) [الطلاق:4] لدلالة ما قبله عليه، وإنما حذفا لوقوعهما موقع المفرد، والظاهر أن المحذوف مفرد، -كذا يقول ابن عقيل- وإذا كان كذلك حينئذ بماذا يقدر؟ قال: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ –كذلك- مثل ذلك-، وحينئذ حذف المبتدأ والخبر وكانا في قوة المفرد، وهذا هو المسوغ لحذف النوعين، ولكن الأولى كما قال هنا: أن يمثل بنعم الجوابية ولا الجوابية، هل زيد قائم؟ نعم، نعم حصل بها الفائدة الكلامية، ولذلك قال ابن طلحة: أنه يصح الاكتفاء بحرف عن ماذا؟ عن الإسناد، يعني يحصل الكلام بحرف واحد، كلمة واحدة، وهذا ضعيف، لماذا؟ لأن الجملة والكلام مقدر بعد نعم، نعم زيد قائم، هل زيد قائم؟ نعم، نسكت نحن، نعم زيد قائم، زيد قائم هذا حذف للعلم به، لأنه واقع في جواب السؤال، وهذا أولى مما ذكره الشارح هنا. وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ ... حَتْمٌ وَفِي نَصِّ يَمينٍ ذَا اسْتَقَرّ هذا شروع في المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، سبق أن الحذف إما أن يكون جائزاً وإما أن يكون واجباً، ولذلك أدخله بعضهم فيما ذكره الناظم في قوله: جائز، أي: غير ممتنع، يصدق على الوجوب، ثم ذكر لنا المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، وهي كذلك في الجملة مجمع عليها متفق عليها، وترك الناظم رحمه الله تعالى المواضع التي يجب فيها حذف المبتدأ. وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ حَذْفُ: هذا مبتدأ. وحَتْمٌ: هذا خبر. وَبَعْدَ لَوْلا: ما إعراب بعد؟؟؟؟ متعلق بالمصدر حَتْمٌ بعد لولا. وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ حَتْمٌ: يعني: يجب أو من مواضع وجوب حذف الخبر إذا وقع خبراً لمبتدءٍ تلا لَوْلا. سبق أن من علامات الاسم وقوعه بعد لولا، من علامات الاسمية أنه يقع بعد لولا، وهنا لَوْلا لا يتلوها ويليها إلا المبتدأ، ثم لَوْلا المقصود بها هنا: لولا الامتناعية، وهي التي يعبر عنها أنها لامتناع لوجود، يعني: امتنع شيء بوجود شيء آخر، لولا زيد لأكرمتك، هذه لولا تسمى لولا الامتناعية، ما الذي امتنع وما الذي وجد؟ امتنع الإكرام الذي هو جواب لولا، لماذا؟ لوجود زيد. إذاً: امتنع الكرم أو الإكرام لوجود زيد، هذه تسمى لولا الامتناعية، أين خبرها؟ لولا زيد، زيد مبتدأ، لأكرمتك، اللام هذه واقعة في جواب لولا، أكرمتك هذه الجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب، أين الخبر؟ الخبر محذوف، وحكم حذفه أنه محذوف وجوباً، تقديره: موجود، لولا زيد موجود لأكرمتك، لولا وجود زيد لأكرمتك.

إذا وقع المبتدأ بعد لولا الامتناعية لأنه معلوم بمقتضاها، إذ هي دالة على امتناع لوجود، فالمدلول على امتناعه هو الجواب: لأكرمتك، الذي دلت على امتناعه هو جوابها، فهو الذي امتنع، لماذا؟ والمدلول على وجوده هو المبتدأ، فإذا قيل: لولا زيد لأكرمت عمرواً، فالمراد وجود زيد منع من إكرام عمرو، حينئذ نقول: الخبر هنا موجود -تقديره موجود- وهذا الوجود نقول: هو متعلق لَوْلا، يعني من حيث المعنى، لأنا نقول: لولا زيد، يعني: لولا وجود زيد، وهذا كون عام، قيد عام، ليس قيداً خاصاً وليس كوناً خاصاً أو حدثاً خاصاً. قول ابن مالك: وَبَعْدَ لَوْلا أي: الامتناعية. غَالِباً: لماذا قال غالباً؟ احترازاً من لولا في بعض أحوالها، وهي التي لا يكون الوجود فيها وجوداً عاماً، وإنما يكون الحدث والمتعلق حدثاً خاصاً، فهي حينئذ قسمان: بعد لولا في غالب أحوالها يجب حذف الخبر تقديره موجود، وبعد لولا في قلة وهي التي لا يكون كونها كوناً عاماً بل خاصاً، وحينئذ لا بد من التفصيل: إن دل عليه دليل جاز حذفه، وإلا فالأصل أنه يجب ذكره ولا يجوز حذفه. إذاً: وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً: نقول: لولا الامتناعية، وهو كون الامتناع معلقاً بها على وجود المبتدأ الوجود المطلق وليس الوجود المقيد. ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:251] أين الجواب؟ ((لَفَسَدَتِ)) [البقرة:251] إذاً: نفي الفساد هذا ممتنع، لوجود مدافعة الله تعالى. ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) يعني: لولا أن يدفع الله، هذا من إضافة المصدر إلى فاعله. النَّاسَ: مفعول، أن يدفع الله الناس لفسدت، وحينئذ نقول: انتفى الفساد لمدافعة الله تعالى الناس، هذا وجود مطلق وكون عام أم أنه خاص؟ خاص، لولا دفع الله الناس موجود لفسدت، وحينئذ نقول: هذا كون عام، وهذا الذي أراده هنا. لولا دفع الله الناس موجود، فحذف موجود للعلم به وسد جوابها مسده، فقوله: غالباً أي: في القسم الغالب منها، إذ هي على قسمين: قسم يمتنع فيه جوابها بمجرد وجود المبتدأ بعدها وهو الغالب، وهذا إذا كان الوجود المراد به الوجود المطلق، يعني: يقدر بموجود فقط، مثل: كائن هناك واستقر. قلنا: إذا كان الكون عام وجب حذفه، وإذا كان خاصاً مثل: زيد مسافر غداً، مسافر هذا متعلق غداً وجب ذكره، هذه لَوْلا مثلها، قد يكون الخبر موجود فقط مطلق، وقد يكون كوناً خاصاً أو حدثاً خاصاً فيجب ذكره. هذا مراد الناظم رحمه الله تعالى، وهذا الصحيح بتوجيه كلامه، لأنه يميل إلى هذا الرأي في غير هذا الكتاب. إذ هي على قسمين: قسم يمتنع فيه جوابها بمجرد وجود المبتدأ بعدها وهو الغالب، وقسم يمتنع لنسبة الخبر إلى المبتدئ وهو قليل، وذلك إذا كان الامتناع معلقاً على الوجود المقيد وهو غير الغالب، فغير الغالب لا يجب حذف الخبر، بل فيه تفصيل: إن دل دليل عليه بعد حذفه جاز -يجوز ذكره ويجوز حذفه- وهو داخل في قوله: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، وإن لم يدل عليه دليل حينئذ وجب ذكره.

وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ –منه- حَتْمٌ: لولا زيد لأتيتك، يعني: لولا زيد موجود لأتيتك، هنا يجب الحذف، لأن هذا القسم هو قسم لَوْلا غالباً، أن يكون الخبر كوناً عاماً لا مقيداً. والثاني: حذفه جائز إذا دل عليه دليل، بخلاف ما إذا لم يدل، نحو: لولا قومكِ حديثو عهد. لولا قومك، لولا هذه امتناعية امتنع شيء لوجود شيء، أليس كذلك؟ فيها معنى الامتناع؟ {لولا قومكِ حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة} إذاً: امتنع هدم الكعبة لكونهم حديثو عهد. حديثو عهد هل هو كون عام أو حدث عام أم خاص؟ خاص، إذاً هو الخبر، لولا قومكِ: هذا مبتدأ، أين خبره؟ حديثو عهد، هذا واجب الذكر أم أنه يجب حذفه لقوله: وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً؟ نقول: لا، هذا يجب ذكره، لماذا؟ لأنه خاص، والذي يجب حذف الخبر إذا كان كوناً أو وجوداً مطلقاً عاماً، ففرق بين المسألتين. لولا قومكِ، نقول: لولا هذه امتناعية، وقومك: هذا المبتدأ، خبره: حديثو عهد، هذا الخبر، وهنا واجب الذكر؛ لأنه لو حذف لما دل عليه دليل، وليس هو من مسألتنا التي ذكرها الناظم. هنا يقول: أن يكون خبراً لمبتدئٍ بعد لولا، نحو: لولا زيد لأتيتك، التقدير: لولا زيد موجود لأتيتك. واحترز بقوله: غَالِباً عما ورد ذكره وفيه شذوذ، -هذا غلط ليس بصحيح- تفسير ابن عقيل لقوله: غَالِباً بكونه في الغالب في لسان العرب أنه يحذف بعد لولا وقليل شاذ لا يحذف ليس هذا مراد الناظم رحمه الله تعالى، بل المراد أن لولا لها حالان: حال هي غالب، وهو أن يكون خبرها وجوداً مطلقاً عاماً غير مقيد. والحالة الثانية وهو قليل: أن يكون وجودها وجود مقيد، يعني خاص، فحينئذ نقول: وجب حذف الخبر إذا كان الوجود مطلقاً عاماً، وإذا كان خاصاً لا بد من التفصيل، أما كونه يحمله على أنه سمع قليلاً في لسان العرب -التصريح بخبر لولا- نقول: هذا ليس بمراد. واحترز بقوله: غالباً عما ورد ذكره فيه شذوذاً. لَوْلاَ أَبُوكَ وَلَوْلاَ قَبْلَهُ عُمَرٌ ... أَلْقَتْ إِلَيْكَ مَعَدٌ بِالْمَقَالِيدِ لَوْلاَ أَبُوكَ موجود، هذا لا إشكال فيه. الشاهد في الثانية: لَوْلاَ قَبْلَهُ عُمَرٌ، عُمَرٌ: هذا مبتدأ مؤخر، وقبله: هذا خبر صرح به، هذا شاذ يقول، حينئذ نقول: الصواب أن يعرب قبله متعلق بمحذوف حال والخبر محذوف على القاعدة على الأصل، لا إشكال فيه. وهذا الذي ذكره المصنف في هذا الكتاب من أن الحذف بعد لولا واجب إلا قليلاً -يعني وليس بشاذ- هو طريقة لبعض النحويين، ومنهم من عمم مطلقاً في النوعين -العامة والخاصة-. والطريقة الثالثة: أن الخبر إما أن يكون كوناً مطلقاً أو كوناً مقيداً، فإن كان كوناً مطلقاً وجب حذفه، لولا زيد لكان كذا، لولا زيد موجود لكان كذا. وإن كان كوناً مقيداً فإما أن يدل عليه دليل بذكر مثلاً سابقاً أو لا، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره، لولا زيد محسن إلي ما أتيت، لولا زيد محسن، محسن: هذا كون خاص مقيد بالإحسان ليس مطلقاً. لو قال: لولا زيد ما أتيت، صار كوناً عاماً التبس، وحينئذ إذا أراد الخاص أو كونه محسن أو مكرم ونحو ذلك وجب ذكره لأنه مقيد.

وإن دل عليه دليل جاز إثباته وحذفه، نحو أن يقال في السؤال: هل زيد محسن إليك؟ قال: لولا زيد لهلكت، يعني: لولا زيد محسن إلي لهلكت وحذفه للعلم به. هذا الثالث -الطريقة الثالثة- هي ما أرادها الناظم رحمه الله تعالى: وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً، يعني: في غالب أحوالها، وحينئذ نقول: الطريقة الثالثة التي شرحها ابن عقيل هي مراد الناظم رحمه الله تعالى. وأما الجمهور عندهم أن لولا لا يأتي كونها خاصاً البتة، وإذا جاء نحو ذلك إما أن يُلَحَّنَ قائله، وإما أن يؤول؛ فالجمهور -جمهور النحاة- على أن لولا لا يكون خبرها إلا كوناً عاماً. التفصيل الثالث هذا الذي شرحنا به كلام الناظم لا يجري على كلام الجمهور، لماذا؟ لأن الكون عندهم مطلق عام في خبر لولا مطلقاً بلا تفصيل، فإذا جاء ما ظاهره خاص إما أن يلحن القائل وإما أن يؤول، ولذلك لم يحتجوا بالحديث السابق، لولا قومكِ حديثو عهد، قالوا: لا، لماذا؟ هذا محتمل أنه من لحن الرواة، فلذلك السيوطي قال: هذا لعله من تصرفات بعض العجم لأنه خالف القاعدة، ليس بصحيح هذا، الكلام فاسد، وحينئذ نقول: نرجع إلى الأصل، ولذلك خطه المعري بقوله: يُذِيبُ الرُّعْبُ مِنْهُ كُلَّ عَضْبِ ... فَلَوْلاَ الْغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالاَ لَوْلاَ الْغِمْدُ موجود لما صرح بـ: يمسكه وهو خاص، قالوا: هذا لحن، لو لحنوا المعري ما في إشكال، أما الحديث فلا، يبقى على أصله إما أن يؤول، وإما أن يذكر ما؟؟؟ إذاً نقول: القاعدة عامة في هذا الباب: أنه إذا وقع المبتدأ بعد لولا الامتناعية حينئذ حذف الخبر، متى؟ إذا كان كوناً عاماً، وأما إذا كان كوناً خاصاً حينئذ ينظر في الدليل، إن دل عليه دليل جاز حذفه وإلا فلا، على القاعدة المطردة. إذاً: إذا وقع المبتدأ بعد لولا الامتناعية لأنه معلوم بمقتضاها إذ هي دالة على امتناع لوجود فالمدلول على امتناعه هو الجواب، والمدلول على وجوده هو المبتدأ، فإذا قيل: لولا زيد لأكرمت عمراً فالمراد: وجود زيد منع من إكرام عمرو. وجاز الحذف لتعين المحذوف، جاز الحذف لماذا؟ لتعين المحذوف، لأنه معلوم من السياق: لولا زيد لأكرمتك، يعني زيد وجوده كونه حاضر هو الذي منع من الإكرام، هذا مُجَوِّز للحذف بماذا وجب؟ بسد جملة الجواب مسده لأكرمت زيداً. ووجب لسد الجواب وحلوله محله، ثم أطلق الجمهور وجوب الحذف، هكذا قال السيوطي في جمع الجوامع، ثم أطلق الجمهور جمهور النحاة ماذا؟ وجوب الحذف مطلقاً بعد لولا بدون تفصيل، بدون تفصيل بين: غالباً وغيره. وقيده ابن مالك بما إذا كان الخبر الكون المطلق، فلو أريد كونٌ بعينه لا دليل عليه لم يجز الحذف فضلاً عن أن يجب، نحو: لولا زيد سالمنا ما سلم، وهذا مثل: لولا الغمد يمسكه لسالا، وحديث: {لولا قومكِ ... } إلى آخره. فإن كان عليه دليل جاز الحذف والإثبات، نحو: لولا أنصار زيد حموه لم ينج، وهذا فيه دليل لو حذف، حموه: هذا الخبر، لولا أنصار زيد لم ينج، يفهم من السياق؟ يفهم نعم، لأنه أنصار إذاً حموه، فهو لازم له، حينئذ لو حذفه جاز، جاز حذفه للقرينة وجاز إثباته، ومنه بيت المعري السابق. والجمهور أطلقوا وجوب الحذف بناءً على أنه لا يكون بعدها إلا كوناً مطلقاً. إذاً قوله:

وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ ... حَتْمٌ أن من مواضع وجوب حذف الخبر إذا وقع بعد لولا في غالب أحوالها وهو إذا كان الخبر كوناً عاماً ووجوداً مطلقاً، وفي غير الغالب وهو القسم الثاني من قسمي لولا: أن يكون الخبر كوناً مقيداً، ففيه التفصيل الذي نذكره دائماً: إن دل دليل عليه جاز حذفه، وإلا فلا، والحديث صحيح. وَفِي نَصِّ يَمينٍ ذَا اسْتَقَرّ هذا هو الموضع الثاني الذي يجب فيه حذف الخبر. وَفِي نَصِّ: يعني وفي المبتدأ الواقع نَصِّ يَمينٍ. ذَا: اسم إشارة إلى الحكم وهو حذف الخبر وجوباً. اسْتَقَرّ: يعني ثبت. وَفِي نَصِّ يَمينٍ: يعني وفي مبتدأ. نَصِّ: واقع نص يمين. ذَا: اسم إشارة يشار إليه هو الحكم وهو وجوب حذف الخبر. اسْتَقَرّ: أي ثبت. الموضع الثاني الذي يجب فيه حذف الخبر: أن يكون المبتدأ نصاً في اليمين، نحو: لعمرك لأفعلن، والمراد: أن يكون المبتدأ نصاً أو يعبر عنه بأنه صريح في اليمين، هذا المراد به أحد أمرين: - المراد بكون المبتدأ نصاً وصريحاً في القسم-: ألا يستعمل في غير القسم أصلاً، لا يستعمل إلا في القسم، أو يكثر استعماله في القسم، إما ألا يستعمل في غير القسم أصلاً فيختص به، وإما أن يغلب استعماله في القسم، هذا يعبر عنه بأنه صريح أو يعبر عنه بأنه نص في اليمين، حتى يصير بحيث لا يستعمل في غير القسم إلا بقرينة. ويفهم منه قبل ذكر المقسم عليه، ويقابله غير الصريح، غير الصريح ما هو؟ هو ما يكثر استعماله في غير القسم، حتى لا يفهم منه القسم إلا بعد ذكر المقسم عليه. عهد الله، عهد الله هذا يستعمل قسماً وغير قسم، لكن الأكثر أنه يستعمل في غير القسم. ((وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ) [النحل:91] هنا ما جاء بقسم. وتقول: عهد الله يجب الوفاء به، هذا ليس بقسم. أما إذا أردت القسم حينئذ لا بد من قرينة: عهد الله لأفعلن كذا، ما الذي دلنا على أن عهد هنا استعمل في القسم؟ قوله: لأفعلن. إذاً صريح أو نص في اليمين وغير الصريح، الأول: هو ألا يستعمل إلا في القسم فحسب، يعني لا يستعمل في غيره، أو يغلب استعماله في القسم. وأما الثاني: فهو أن يغلب استعماله في غير القسم، فإذا استعمل في القسم نحتاج إلى قرينة. لعمرك لأفعلن، لعمرك، عمر: هذا مبتدأ. لأفعلن: الجملة جواب القسم، أين الخبر؟ محذوف، لعمرك قسمي، قسمي هذا هو الخبر، ما الذي دلنا عليه؟ القسم لا بد أنه معلوم، لأن السياق سياق قسم، لعمرك لأفعلن، لعمرك نقول: هذه اللام موطئة للقسم وعمر هذا مبتدأ، أين خبره؟ محذوف تقديره: قسمي. قد يقول قائل: هذا خاص، نقول: نعم خاص، ولكن دل عليه القسم: لأفعلن كذا، نقول: هذا مقسم عليه. إذاً: وجب حذفه لكونه معلوماً، وقد سد الجواب مسده بخلاف غير الصريح فلا يجب حذف خبره، بل يجوز إثباته نحو: علي عهد الله لأفعلن، علي: هذا الخبر، لأنه لا يشعر بالقسم حتى يذكر المقسم عليه. إذاً: إذا كان المبتدأ نصاً في اليمين وجب حذف الخبر لدلالة المقام عليه، فإن لم يكن نصاً في اليمين لم يجب حذف الخبر، بل مرده إلى القرينة، إن علمت حينئذ جاز وإلا فلا. وَبَعْدَ وَاوٍ عَيَّنَتْ مَفْهُومَ مَعْ ... كَمِثْلِ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ

وَبَعْدَ وَاوٍ: يعني وكذا يجب الحذف حذف الخبر وجوباً إذا وقع المبتدأ بعد واو، هذه الواو قد عينت مفهوم مع، عينت مفهوم مع، والمراد بمفهوم مع هو المصاحبة، يعني: إذا كانت الواو تفيد المصاحبة، وإذا قيل: واو مع بمعنى أنها نص في المعية لا تحتمل العطف. كَمِثْلِ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ: يعني والذي صنعه إذا جعلنا (ما) اسم موصول، وصنعتُه إذا جعلناها ما مصدر، يجوز الوجهان. أين الخبر؟ كُلُّ صَانِعٍ، كل: مبتدأ وهو مضاف، وصَانِعٍ مضاف إليه، والواو نص في المعية وَمَا صَنَعْ على ما ذكرناه، أين الخبر؟ قالوا: محذوف وجوباً، لماذا؟ لأن المبتدأ هنا وهو كل صانع قد وقع بعده واو المعية -واو المصاحبة- فلما وقعت واو المعية بعد واو المصاحبة دل السياق على أن المراد هنا: الجمع بين كل صانع وصنعته. كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ: يعني كل صانع وصنعته، فهما مقترنان، فحينئذ علم من السياق بواو المعية أن الخبر محذوف، لأنه كما سبق إذا جاءت الواو فالأصل ألا يكون الخبر بعد، هذا الأصل، إلا إذا كان ما بعدها مفرداً داخل في حيز ما قبلها. فكل صانع: هنا انتهينا هذا المبتدأ، أين خبره؟ وَمَا صَنَعْ: لا يمكن أن يكون خبراً، أين هو؟ قالوا: محذوف، لماذا؟ لدلالة الواو عليه كأنها نابت مناب الخبر. الموضع الثالث: أن يقع بعد المبتدأ، انظر! كل صانع، ثم جاءت بعده الواو. أن يقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية احترازاً من الواو التي تكون احتمالاً، كل رجل وضيعته وصنعته هي نفسها، فكل: مبتدأ، وقوله: ضيعته معطوف على كل، والخبر محذوف، لماذا؟ لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية من السياق يعني، الواو دلت على ذلك، وكان الحذف واجباً لقيام الواو مقام مع، قامت الواو مقام مع، ولو جيء بـ مع نصاً لكان كلاماً تاماً، وهذا مذهب البصريين أنه لا بد من الخبر وتقديره مقترنان. وأما مذهب الكوفيين قالوا: هنا الخبر لم يحذف، وإنما أغنت عنه الواو، يعني الواو هنا سدت مسد الخبر، كما قلنا: قائم الزيدن، الزيدان هذا فاعل سد مسد الخبر، ليس عندنا خبر محذوف، الكلام لا يفتقر إلى خبر، بل الزيدان سد مسد الخبر، هنا الواو سدت مسد الخبر، فهو كلام تام لا يحتاج إلى تقدير، واختاره ابن خروف. فإن لم تكن الواو صريحة في المعية بأن احتملت العطف نحو: زيد وعمرو مقرونان جاز الحذف والإثبات. إذاً: الموضع الثالث الذي يجب فيه حذف الخبر: أن يقع بعد واو هي واو المعية ويكون المبتدأ سابقاً على الواو، كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ، أي: كل صانع وصنعته مقترنان، ومعنى الاقتران هنا: أن صنع إذا كانت رفيعة قالوا: صاحبها كذلك، وإن كانت دنية فصاحبها كذلك. إذاً الصنعة تكون مقرونة أو مقترنة مع صاحبها. ثم قال: وَقَبْلَ حَالٍ لاَ يَكُونُ خَبَرَا ... عَنِ الَّذِي خَبَرُهُ قَدْ أُضْمِرَا هذا الموضع الرابع. وَقَبْلَ حَالٍ: وكذا إذا كان المبتدأ مصدراً أو مضافاً إلى مصدر وهو قبل حال، لا بد من التقدير.

وَقَبْلَ حَالٍ: يعني وكذا إذا كان المبتدأ مصدراً أو مضافاً إلى مصدر، فهو مقيد. إذاً ليس كل مبتدأ وإنما يشترط في المبتدأ أن يكون مصدراً، ثم هذا المصدر سواء كان هو بنفسه أو بسبب، يعني أضيف إلى مصدر؟؟؟ قَبْلَ حَالٍ: إذاً عندنا حال منصوبة وجدت حال، وهذه الحال لاَ يَكُونُ خَبَرَا، يعني: لا يصلح أن يكون خبراً، لا يكون بالياء، وفي الملوي الرواية بالتاء لا تكون، لا تكون باعتبار حال مؤنثة واجب التأنيث، ولا يكون باعتبار اللفظ، لأن الحال يذكر ويؤنث، أليس كذلك؟ لفظ الحال يذكر ويؤنث، فيجوز فيه الوجهان، لكن الرواية يقول الملوي بأنها بالتاء. وَقَبْلَ حَالٍ لاَ يصلح أن يَكُونُ خَبَرَا عَنِ المبتدئ الَّذِي خَبَرُهُ قَدْ أُضْمِرَا يعني: حذف. مثَّل للمصدر ومثَّل للمضاف إلى المصدر. كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسِيئاً: ضَرْبِيَ ضرب: هذا مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى الفاعل، مصدر مضاف إلى فاعله، ضَرْبِيَ أنا يعني، العَبْدَ مفعول به للضرب وهو مبتدأ. إذاً: المبتدأ هنا وقع مصدراً. العبد هذا مفعول به لضرب. مُسِيئاً: هذا حال، حال من ماذا؟ حال من اسم كان المحذوفة، سيأتي. هذه الحال قال: لاَ يَكُونُ خَبَرَا، يعني: لا يصلح أن يخبر بها عن المبتدئ. كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسِيئٌ، ضربي مسيء لا يصلح أن يكون خبراً، لا يصلح أن يخبر بها عن المبتدأ، حينئذ نقول: الخبر محذوف هنا، وحكمه: أنه واجب الحذف، لماذا؟ لاشتماله على الشروط المذكورة: أن يكون المبتدأ مصدراً، وعمل في اسم، ثم جاءت حال منصوبة على الحالية، ومن شأن هذه الحال أنها لا تصلح أن تكون خبراً عن المبتدأ، لو صلحت أن تكون خبراً ما خرجت المسألة عن مسألتنا، كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسِيئاً، فمسيئاً هذا حال سد مسد الخبر المحذوف وجوباً، والأصل: كضربي العبد حاصل، إذ كان أو إذا كان، إذا أردت المضي: إذ كان، إذا أردت المستقبل: إذا كان، وهذا واضح. إذا كان مسيئاً: فحذف حاصل ثم الظرف الذي هو إذ كان أو إذا كان. إذاً مُسِيئاً نقول: هذا حال سد مسد الخبر، لما دلت الحال على المحذوف حينئذ اكتفي بهذه الحال بدلالتها على المراد اكتفي بها عن الخبر، فإذا دل الشيء على الخبر حينئذ نستغني عن هذا الخبر ونجعل الموجود كافياً في الدلالة على ذلك المحذوف. إذاً الموضع الرابع: أن يكون المبتدأ مصدراً، هذا ضابط. عبر السيوطي قال -لم يأت بهذا التعبير إنما ذكر المثال- قال: مسألة ضربي زيداً قائماً، هذه قال فيها رحمه الله: وهذه المسألة طويلة الذيول كثيرة الخلاف، وقد أفردتها قديماً بتأليف مستقل لكثرة الخلاف فيها، وما أقل الحاجة إليها. ضربي زيداً قائماً، إذاً أن يكون المبتدأ مصدراً، وبعده حال سدت مسد الخبر، وهذه الحال لا تصلح أن تكون خبراً، فيحذف الخبر وجوباً لسد الحال مسده وذلك نحو: ضربي العبد مسيئاً على الإعراب السابق. قال هنا: فضربي مبتدأ، والعبد معمول له، ومسيئاً حال سدت مسد الخبر. وصح كون الحال سدت مسد الخبر لأن الحال بمنزلة الظرف في المعنى. وصح ذلك لأن الحال بمنزلة الظرف في المعنى، فقولك: ضربي زيداً قائماً في معنى: ضربي زيداً وقت قيامه، وأيضاً الظرف ينتصب على معنى في، وكذلك الحال كما سيأتي.

وكذلك كل من الحال والظرف قيد، فلما تشابه الحال والظرف في هذه الأمور، والظرف يسد مسد الخبر أعطي الحال هذا الحكم فسدت الحال مسد الخبر، والخبر محذوف وجوباً والتقدير: ضربي العبد إذا كان مسيئاً، ضربي زيداً إذا كان قائماً، إذا أردت الاستقبال بـ إذا، وإن أردت المضي فالتقدير: ضربي العبد إذ كان مسيئاً، فمسيئاً حال من الضمير المستتر في كان المفسر بالعبد، وإذا كان أو إذا كان ظرف زمان نائب عن الخبر. ونبه المصنف بقوله: وَقَبْلَ حَالٍ على أن الخبر المحذوف مقدر قبل الحال التي سدت مسد الخبر كما تقدم تقريره. ضربي العبد حاصل إذ كان مسيئاً، ضربي العبد حاصل، إذاً قبل الحال. واحترز بقوله: لاَ يَكُونُ خَبَرَا عن الحال التي تصلح أن تكون خبراً، عن المبتدأ المذكور نحو ما حكى الأخفش من قوله: زيد قائماً، حينئذ نجعل هذا قائماً لا نقول: خبر محذوف، نقول: زيد ثبت قائماً، فهو حال للضمير المستتر في ثبت، والتقدير: ثبت قائم، وهذه الحال تصلح أن تكون خبراً: زيد قائم، فلا يكون الخبر واجب الحذف بل جائز الحذف. والمضاف إلى هذا المصدر حكمه حكم المصدر، لذلك قال ابن مالك هنا: وأتَمْ ... تَبْيِينيَ الْحَقَّ مَنُوطاً بِالحِكَمْ أتَمْ: أفعل التفضيل أتم. تَبْيِينيَ: هذا مصدر. إذاً أضيف أفعل التفضيل إلى المصدر فأخذ حكمه، مثل: غلام من هناك؟ تَبْيِينيَ الْحَقَّ: الْحَقَّ هذا مفعول به. مَنُوطاً بِالحِكَمْ: مَنُوطاً أي معلقاً بِالحِكَمْ. منوط هذا حال، أتم تبييني الحق حاصل إذ كان منوطاً، إذا كان منوطاً. إذاً هذه المسألة يعبر عنها بماذا؟ بمسألة: ضربي زيداً قائماً، وهي من مواضع وجوب حذف الخبر. والجمهور على أن ضربي مبتدأ، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، وزيداً: مفعول به، وقائماً: حال، على المسألة التي ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى. ثم اختلفوا: هل يحتاج هذا المبتدأ إلى خبر أو لا؟ مسألة في الأصل، هل يحتاج إلى خبر أو لا؟ فيه خلاف. الجمهور نعم، لا بد من تقدير خبر، ثم اختلفوا: هل يجوز إظهاره؟ فقيل: نعم، والجمهور على المنع. ثم اختلفوا في كيفيته ومكانه، فقال الجمهور: تقديره: إذ كان قائماً إن أردت الماضي، وإذا كان قائماً إن أردت المستقبل وحذف كان وفاعلها ثم الظرف، وما أضيف إليه كذلك. إذاً: هذه المواضع نقول: مما يجب فيه حذف الخبر: بَعْدَ لَوْلاَ غَالِبَاً يعني: في غالب حاليها، وَبَعْدَ مبتدئٍ هو نَصٌّ فِيِ اليَمِينِ، وَبَعْدَ وَاوٍ عَيَّنَتْ مَفْهُومَ مَعْ -أن يكون مبتدأ أولاً ثم يأتي بعده حرف وهو الواو بمعنى المصاحبة-، ثم قَبْلَ حَالٍ على ما ذكره الناظم رحمه الله تعالى. زاد ابن عقيل المواضع التي يجب فيها حذف المبتدأ وجوباً، وقد عدها في غير هذا الكتاب أربعة: الأول: النعت المقطوع إلى الرفع، يعني ثَمَّ مواضع يجب فيها حذف المبتدأ على عكس المسألة السابقة، لكن تركها الناظم ولم ينظمها، ولا أدري هل ذكرها في الكافية أو لا.

أولاً: النعت المقطوع إلى الرفع، يعني إذا كان مخبراً عنه بنعت مقطوع، المبتدأ قد يخبر عنه بنعت، ثم هذا النعت يقطع، يعني: يفصل عما قبله، وحينئذ يكون خبراً لمبتدأ محذوف وحكم هذا المبتدأ واجب الحذف. مطلقاً؟ لا، إذا كان لمدح أو ذم أو ترحم. إذا كان مخبراً عنه بنعت مقطوع لمدح نحو: مررت بزيدٍ الكريمُ، زيدٍ هذا مجرور بالباء، الكريمِ هذا الأصل نعت –صفة- يجوز قطعه بمعنى: أنك تفصله عما قبله فترفعه، فإذا رفعته تعين أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، هل يجوز ذكر هذا المبتدأ؟ نقول: في مقام المدح لا، وهنا مقام المدح: زيد الكريم هذا مدح وثناء، وحينئذ لا يجوز أن يقال: بزيدٍ هو الكريمُ، وإنما: مررت بزيدٍ الكريمُ، والكريمُ: هذا خبر مبتدأ محذوف واجب الحذف. أو ذم: مررت بزيد الخبيثُ، هو الخبيثُ كسابقه، أو تَرَحُّم: مررت بزيد المسكينُ. فالمبتدأ في هذه المُثل نقول: محذوف وجوباً، والتقدير: هو الكريم، هو الخبيث، هو المسكين. وأما إذا كان من باب الإيضاح فلا يجب، كما قال هناك: قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، قال محمد بن مالك، هذا الأصل قطعه فقال: هو ابن مالك من باب الإيضاح فقط، وحينئذ لا نعترض على المصنف أنه يجب حذفه، لأنه ليس من المدح ولا الذم ولا الترحم، وإنما من باب الإيضاح، فيجوز ذكره ويجوز حذفه، وإنما التزم فيه النعت المقطوع إلى الرفع -مدح وذم وترحم- التزم فيه الحذف لأنهم لما قطعوا هذه النعوت إلى النصب التزموا إضمار الناصب أمارة على أنهم قصدوا إنشاء المدح والذم والترحم كما فعلوا في النداء، إذ لو أظهروا لأوهم الإخبار، وأجري الرفع مجرى النصب. وأما غير هذه الثلاث من النعوت فيجوز فيه الحذف والذكر نحو: مررت بزيد الخياطُ، أي: هو الخياط من باب الإيضاح. الثاني: أن يكون الخبر مخصوص نِعْمَ أو بئس، نحو: نِعْمَ الرجل زيد، نِعْمَ الرجل: فعل وفاعل، وزيد: هذا المخصوص بالمدح، وبئس الرجل عمرو، بئس الرجل: فعل وفاعل، وعمرو هذا هو المخصوص بالذم، فزيد وعمرو نقول: خبران لمبتدأ محذوف وجوباً هو زيد، أي: الممدوح زيد، هو عمرو أي: المذموم عمرو، على أحد الوجوه. الموضع الثالث: ما حكى الفارسي من كلامهم: في ذمتي لأفعلن، فـ في ذمتي: خبر مبتدأ محذوف واجب الحذف، والتقدير: في ذمتي يمين هذا إذا كان الخبر مشعراً بالقسم ليس صريحاً فيه، الموضع هذا يعنون له، نقول: إذا كان الخبر مشعراً بالقسم لكنه ليس صريحاً فيه، حينئذ يجب حذف المبتدأ. الموضع الرابع: أن يكون الخبر مصدراً نائباً مناب الفعل، صبر جميل، صبري صبر جميل، وهذا محل نزاع أيضاً، لذلك مثلنا هناك بما جاز، وهذا محل خلاف. وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا ... عَنْ وَاحِدٍ كَهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا وَأخْبَرُوا: العرب، يعني نطقوا بخبرين فأكثر، أو النحاة يعني: حكموا بجواز أن يخبر الشخص بخبرين فأكثر. وَأخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ: يعني بخبرين. أوْ بِأكْثَرا: الألف للإطلاق، يعني بأكثر من اثنين، وهذا المراد به جواز تعدد الخبر.

عَنْ وَاحِدٍ: يعني عن مبتدئٍ واحد يجوز، وجمهور النحاة على هذا، جمهور النحاة على أنه يجوز تعدد الخبر، لأن الخبر وصف، فهو أشبه ما يكون بالنعت، ويجوز تعدد النعوت كما سيأتي، وحينئذ إذا جاز تعدد النعت جاز تعدد الخبر. إذاً: جواز تعدد الخبر لفظاً ومعنىً لمبتدءٍ واحد في اللفظ والمعنى، كقوله تعالى: ((وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [البروج:14، 15، 16]. ((وَهُوَ)) هذا مبتدأ. ((الْغَفُورُ)) هذا خبر أول. ((الْوَدُودُ)) ثاني. ((ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)) الْمَجِيدُ بالرفع، الْمَجِيدِ بالخفض صفة للعرش، -قراءة- الْمَجِيدُ بالرفع يكون خبراً رابعاً. ((فَعَّالٌ)) خبر خامس. إذاً: أخبروا بمتعدد عن شيء واحد. هنا قال: جمهور النحاة على جواز تعدد الخبر كما في النعوت، سواء اقترن بعاطف أم لا، فالأول نحو: زيد فقيه وشاعر وكاتب، والثاني كقوله: ((وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ)) [البروج:14] إلى آخر ما ذكرناه. فالخبر إن كان متعدداً لفظاً ومعنى لمبتدئ واحد في اللفظ والمعنى هذا الذي وقع فيه نزاع بين النحاة والجمهور على الجواز وهو الصحيح، ولا ينبغي إنكاره. فإن كان الخبر لفظين لكن مجموعهما يدل على معنى واحد، ولا يكتفى بأحدهما نحو: حلو حامض، "الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ"، الرُّمَّانُ: مبتدأ، وحُلْوٌ: هذا خبر أول، وحَامِضٌ: خبر ثاني. كيف نعربها؟ هذا تعدد الخبر، لكن لا يصح أن يتقدم هذا النوع على مبتدئه كما سيأتي، ولا يجوز أن يفصل بينهما بالواو، هذا حلو حامض لم يكن ذلك من محل الخلاف، وإن كان المبتدأ لفظاً واحداً ولكن معناه متعدد كالمثنى والجمع لم يكن ذلك من محل الخلاف، وإنما الخلاف فيما إذا تعدد الخبر لفظاً ومعنىً، بمعنى: أن كل لفظ يستقل بالإخبار به عن المبتدأ، كقولك: زيد كاتب شاعر فقيه، كل لفظ من هذه يمكن أن تستقل بنفسها، فالثانية ليست قيداً في مفهومها، هذا محل النزاع؛ وأما إذا كانت الثانية داخلة في مفهوم الأول فهذا لا بد منه، لأن اللفظ قد يكون مركباً في اللفظ وفي المعنى كذلك، يعني: التعدد يكون في اللفظ ويكون في المعنى، وقد يكون اللفظ واحداً والمعنى متعدد، وقد يكون العكس، اللفظ متعدداً والمعنى واحد، وهو ما يعبر عنه بالإفراد والتركيب فيهما. قال محيي الدين: الذي يستفاد من كلام الشارح أن تعدد الخبر على ضربين: تعدد في اللفظ والمعنى جميعاً، وضابطه: أن يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراد، كالآية القرآنية التي تلاها وكمثال الناظم والبيتين، وحكم هذا النوع عند من أجاز التعدد أنه يجوز فيه العطف وتركه، وإذا عطف أحدهما على الآخر جاز أن يكون العطف بالواو وغيرها، فأما عند من لم يجز التعدد فيجب أن يعطف أو يقدم بما عدا الأول مبتدآت. وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ)) من منع يجعل كل خبر من هذا أنه خبر مبتدأ محذوف. ((وَهُوَ الْغَفُورُ)) هذا خبر لـ: َهُوَ. ((الْوَدُودُ)) خبر لمبتدأ محذوف، هو الودود.

((ذُو الْعَرْشِ)) خبر مبتدأ محذوف، هذا كله تكلف، لماذا؟ لأن هذه الأخبار إذا صلح أن يخبر بها عن مبتدئٍ واحد فالأصل حينئذ نقول: عدم التقدير وعدم الفصل، وكل جملة إذا فصلت حينئذ صارت جملة من الجمل المستقلة عن الأخرى، وهذا فيه تكلف، بل الصحيح أنه جائز التعدد. الثاني: التعدد في اللفظ دون المعنى، وضابطه: ألا يصح الإخبار بكل واحد منهما على انفراده، نحو قولهم: الرمان حلو حامض، ولهذا النوع أحكام، منها: أنه يمتنع عطف أحد الأخبار على غيره، فحلو: هذا خبر أول، وحامض: هذا خبر ثاني. ومنها: أنه لا يجوز توسط المبتدأ بينهما، ومنها: أنه لا يجوز تقدم الأخبار كلها على المبتدأ، فلا بد في المثالين من تقدم المبتدأ عليهما والإتيان بهما بغير عطف. إذاً الخلاصة نقول: الصحيح أنه يجوز أن يتعدد الخبر لمبتدأ واحد، فإذا قلت: زيد كاتب فقيه شاعر ولم تأت بحرف العطف نقول: الأول خبر أول، والثاني ثاني، والثالث ثالث، وهذا جائز ولا إشكال فيه، وليس مع من منع حجة في ذلك. وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا ... عَنْ وَاحِدٍ كَهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا هُمْ: هذا مبتدأ. وسَرَاةٌ: هذا خبر أول. وشُعَرَا: قصره للنظم، شعراء هذا خبر ثاني، فجاز التعدد لأن الخبر حكم ويجوز أن يحكم على الشيء الواحد بحكمين فأكثر. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

33

عناصر الدرس * شرح الترجمة ومعنى النواسخ وأنواعها (كان وأخواتها) ـ * عمل (كان) ـوأخواتها ومعنى كل فعل * أنواع تصرفها وعملها بعد التصرف * حالات خبرها من حيث التقديم والتأخير. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: (كَانَ) وأَخَواُتها. لما فرغ مما يتعلق بالمبتدأ والخبر شرع فيما يسمى بنواسخ المبتدأ والخبر، (كان) وأخواتها وما عمل عملها، و (ظن) وأخواتها و (إن) وأخواتها .. هذه أبواب كلها متتالية يعنون لها بالنواسخ، يعني: نواسخ المبتدئ والخبر. نواسخ: جمع ناسخ اسم فاعل مأخوذ من النسخ، وهو في اللغة بمعنى الإزالة، ونسخت الشمس الظل إذا أزالته، واصطلاحاً عندهم: ما يرفع حكم المبتدأ والخبر، (ما) أي: فعل أو حرف يرفع حكم المبتدأ والخبر؛ لأن (إن) وأخواتها هذا يعتبر من الحروف، و (كان) وأخواتها و (كاد) و (ظن) هذا يعتبر من الأفعال. إذاً: ما يعني عامل يصدق على الفعل والحرف، فيعم حينئذٍ النواسخ من حيث الفعلية والحرفية. يرفع حكم المبتدأ والخبر، المبتدأ الأصل أنه مرفوع، والخبر كذلك مرفوع. مبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالمبتدأ كما سبق معنا في قوله: وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بِالاِبْتِدَا ... كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا هذا الرفع الذي يكون في المبتدأ قد يرفع، ينسخ يزال، كذلك الرفع الذي يكون في الخبر يرفع وينسخ ويزال، ويأتي بحكم جديد. والعوامل النواسخ من حيث الرفع وما يحدث للمبتدأ من حيث النصب، وما يحدث للخبر تنقسم إلى ثلاثة أقسام: منها ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وهو باب كان وأخواتها وما ألحق بها. وما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وهو (إن) وأخواتها. وما ينصب المبتدأ والخبر، وهو باب (ظن) وأخواتها. هذا من حيث العمل تنقسم النواسخ إلى ثلاثة أقسام: ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر؛ العكس: ما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر؛ ما ينصبهما معاً. وهل يوجد ما يرفع المبتدأ والخبر؟ هذا قيل به، لكن على تأويل وهو في (كان) الشأنية، لكن الأقسام الثلاثة من حيث القياس المطرد. وأما من حيث أنفسها ذواتها فهي إما أن تكون فعل وإما أن تكون حرفاً، كان وأخواتها باتفاق كلها أفعال إلا ليس، ففيه خلاف والصحيح أنها فعل وليست بحرف، خلافاً لمن زعم حرفيتها، والدليل على أنها فعل أنها تقبل آثاراً فعلية ((لَيْسُوا سَوَاءً)) [آل عمران:113]، ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ)) [الغاشية:22] ليست هند مفلحةً، إذاً: قبلت تاء التأنيث وقبلت تاء الفاعل، ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ)) هذه التاء تاء الفاعل، تاء الفاعل علامة على الفعلية بِالتَّا مِزْ كما سبق معنا وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ، إذاً: ميزه بالتاء التي هي تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة؛ حينئذٍ نثبت أنها فعل، وجماهير النحاة على القول بفعليتها. وأما ما عدى ليس في باب كان وأخواتها فهو فعل وهذا محل وفاق. وأما من حيث العمل فجمهور البصريين على أن (كان) وأخواتها ترفع المبتدأ، وهذا الرفع حادث وليس هو الرفع السابق الذي كان قبل دخول الناسخ، وكذلك تنصب الخبر، وهذا أيضاً محل وفاق كونه منصوباً، وأن (كان) هي التي نصبته على خلاف في توجيه النصب، قيل: حال، وقيل: مشبه بالحال، وقيل: خبر كان ..

فأما كان فمذهب البصريين أنها ترفع المبتدأ، ويسمى اسمها حقيقة وفاعلاً مجازاً لشبهه بالفاعل؛ لأنه أشبه الفاعل، الأصل في الفعل أن يتلوه فاعل، حينئذٍ كان زيد قائماً، كان نقول: هذا فعل، والأصل في الفعل أنه يطلب فاعله، حينئذٍ لو سمي اسم كان فاعلاً مجازاً تشبيهاً لكان بضرب على الأصل في الإعمال، حينئذٍ نقول: هذا من باب المجاز، بل بعضهم سماه: فاعلاً حقيقة. ومذهب الكوفيين أنها لم تعمل فيه شيئاً وأنه باق على رفعه؛ لأنه مرفوع، مرفوع بماذا؟ بما رفع به قبل دخول كان، فحينئذ: كان زيد قائماً، كان فعل ماضي ناقص، وزيد مبتدأ مرفوع بالابتداء. إذاً الرفع هذا ليس نتيجة دخول كان وإنما هو بالعامل الذي قبل دخول كان، وهذا ضعيف جداً، لماذا؟ لأنه يترتب عليه أنه يوجد عامل ينصب ولا يرفع، وهذا لا نظير له، أن يوجد عامل ينصب ولا يرفع؛ لأنهم يقولون: إن قائماً هذا منصوب بكان، فإذا كان منصوباً بكان وزيد مرفوع بالابتداء على الأصل، حينئذٍ وجد عامل ينصب ولا يرفع. ومذهب الكوفيين أنها لم تعمل فيه شيئاً وأنه باق على رفعه، وهذا ضعيف لا يعول عليه. واستدل البصريون باتصال الضمائر بها، وهي لا تتصل إلا بالعام. كنت قائماً، التاء هنا اسم كان، اتصلت بكان، وهو ضمير، والقاعدة: أن الضمائر لا تتصل إلا بعاملها، فدل على أن التاء هنا معمول لكان، هذا وجه جيد، والوجه الذي ذكرناه أيضاً له اعتبار، أنَّ (كان) على هذا الاعتبار -قول الكوفيين- أنها نصبت ولم ترفع، وهذا لا نظير له، أن يوجد عامل ينصب ولا يرفع. إذاً: البصريون استدلوا بكون الضمائر تتصل بكان أن (كان) قد أحدثت الرفع، وهذا الرفع متجدد ليس هو الرفع الذي كان قبل دخول كان؛ لأنه قد يقال: زيد قائم، دخلت كان زيد كما هو زيد، في اللفظ كما هو؛ حينئذٍ نقول: لا، هو في اللفظ متحد لكن في الحقيقة ثم فرق فكان زيد (زيدٌ) هذه الضمة أحدثها كان وهو عامل لفظي، وزيد قائم (زيدٌ) هذه الضمة وإن أشبهت ضمة كان زيدٌ إلا أنها محدثة بعامل هو معنوي وهو ضعيف، وفرق بين النوعين. إذاً: اتصال الضمائر بكان دلت على أن اسم كان معمول لكان. ويُنصب الخبر باتفاق الفريقين، ويسمى خبرها، يعني: قائماً هذا منصوب باتفاق البصريين والكوفيين على أنه منصوب، لكن اختلفوا في وجه النصب، فقال الفراء: تشبيهاً بالحال، وقال الكوفيون: حال، والصحيح أنه خبر لكان، فـ (كان) أحدثت الرفع وأحدثت النصب؛ لأن الأصل أن كان وأخواتها دخلت على ما هو مبتدأ وخبر، وحينئذٍ نقول: كان زيد قائماً (زيد) هذا مبتدأ في الأصل، فهو عمدة، و (قائماً) هذا كان خبراً في الأصل قبل دخول (كان) فهو عمدة، والحال حينئذٍ يكون ماذا؟ يكون فضلة فلا يكون الأصل قبل دخول كان فضلة بعد دخولها، هذا ممتنع. إذاً اتفقوا على أن قائماً منصوب، لكن اختلفوا في وجه النصب، فقال الكوفيون المشهور عندهم-: أنه منصوب على الحال فعملت فيه (كان)، لكن لا كونه خبراً لها وإنما هو حال. وذهب الفراء إلى أنه مشبه بالحال، والبصريون على أنه خبر لكان وهذا أصح، أصح من حيث المعنى وأصح من حيث القياس. وينصب الخبر باتفاق الفريقين، ويسمى خبرها، ومفعولاً به مجازاً لشبهه به.

والقياس في هذه الأفعال الأصل فيها أنها لا تعمل، لماذا؟ لأنها قاصرة، الأصل في الفعل أنه يطلب فاعلاً ويطلب مفعولاً، هذا الأصل فيه، وأما أنه يختص بالدخول على جملة اسمية ويكون مقيداً بأحكامها، حينئذٍ هذا قصور في الفعل، وإلا الأصل علو الفعل من حيث العمل على الاسم، الأصل في العمل للأفعال، ولما كان هذا الفعل- (كان) وأخواتها- من حيث المعنى مختلف فيه: هل هو دال على حدث أم لا؟ وهل يتعلق به الظرف أو الجار والمجرور؟ وهل أحكام الخبر من حيث التقدم والتأخير باقية على أصلها بعد دخول كان؟ ضعف، لم يكن له قوة مثل ما كانت الجملة الاسمية قبل دخول (كان) فلها أحكامها من حيث التقديم والتأخير المبتدأ والخبر على ما ذكرناه، هذه باقية نفس الأحكام .. باقية كما هي بعد دخول (كان)، وهذا يدل على أنها لم يجعل لها التصرف التام في الجملة الاسمية، وحينئذٍ صارت (كان) منضبطة بالمبتدأ ومنضبطة بالخبر من حيث التقدم والتأخير، وهذا نقص فيها، فكان الأصل أنها لا تعمل. والقياس في هذه الأفعال ألا تعمل شيئاً لأنها ليست بأفعال صحيحة؛ إذ دخلت للدلالة على تغيّر الخبر بالزمان الذي يثبت فيه، وإنما عملت تشبيهاً لها بما يطلب من الأفعال الصحيحة اسمين نحو (ضرب). (ضرب) هذا يطلب اسمين، أحدهما فاعل، والثاني مفعولاً به، ألحقت (كان) لكونها دخلت على اسمين مبتدأ وخبر بضرب، وحينئذٍ رفعت ونصبت، على كل الأصل فيه السماع وهذا التعليل فيه نظر. ورفع اسمها تشبيهاً بالفاعل من حيث هو مُحَدَّثٌ عنه، ونصب الخبر تشبيهاً بالمفعول. وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على الحال، ورُدَّ بوروده مضمراً -جاء ضمير- كان هو زيد، والحال لا تقع ضميراً، وكذلك جاء معرفة والحال لا تكون معرفة، وأيضاً لا يستغنى عنه، والحال يمكن في بعض الأحوال أنه يستغنى عنها، إذاً ثم فرق بين كونه حالاً وبين كونه خبراً، والأحسن أن يقال بأن (كان) قبل دخولها الخبر عمدة، والعمدة هنا لا يجوز حذفه، فالأصل بقاء ما كان على ما كان .. هذا هو الأصل؛ لأن الأحكام باقية في الأصل إلا ما استثني، أحكام المبتدأ والخبر باقية إلا جملة منها تغيرت وتبدلت بعد دخول كان. حينئذٍ الخبر قبل دخول كان نقول: هذا كان عمدة، فلما دخلت (كان) بقي على أصله، ولذلك نقول: تَرْفَعُ كَانَ الْمُبْتَدَا اسْمَاً وَالْخَبَرْ ... تَنْصِبُهُ، إذاً المبتدأ قبل دخول كان هو اسم كان، ويبقى على أصله أنه عمدة، والخبر قبل دخول كان هو خبر كان أيضاً، والأصل أنه عمدة. ثم قد يكون معرفة، وقد يكون ضميراً، وقد يكون لا يستغنى عنه، بل هو الأصل أنه لا يستغنى عنه، وحينئذٍ لا يمكن أن يعرب حال، ولذلك مذهب الكوفيين يعتبر ضعيفاً في هذا المحل. ورد بوروده مضمراً ومعرفة وجامداً، وأنه لا يستغنى عنه، وليس ذلك شأن الحال؛ لأن الحال وإن كانت منصوبة مثل خبر كان، إلا أنه قد يستغنى عنها، ثم هي ملازمة للتنكير ولا تكون معرفة إلا على تأويل. وجوّز الجمهور رفع الاسمين بعد (كان) كما في قول الشاعر: إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ

إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ: صِنْفَانِ خبرها، إذاً رفعت المبتدأ على أنه اسم لها، ورفعت كذلك الخبر، هكذا سمع، كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ، والأصل أن يقول: كان الناس صنفين، لكنه رفع، حينئذٍ رفع الاسمان بعد كان، والصحيح أن هذه كان الشانية، بمعنى أن الضمير يكون محذوفاً بعده وجوباً كانهُ الناس صنفان، فحينئذٍ الناس مبتدأ وصنفان خبر، والجملة في محل نصب خبر كان .. لا بد من التأويل؛ لأنه إذا كان مطرداً أن (كان) تنصب وترفع، حينئذٍ ما جاء مخالفاً للأصل لا بد من التأويل وأمكن التأويل هنا، أمكن التأويل دون قبحودون شذوذ، حينئذٍ كانهُ الناس صنفان، وهذه تسمى كان الشانية وهو أن يكون اسمها ضمير الشان محذوفاً واجب الحذف، ومفسر بالجملة، تفسره جملة ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1] (اللَّهُ أَحَدٌ) هذا مفسر لهو، أين مرجعه؟ (اللَّهُ أَحَدٌ) إذاً جملة، فصار مفسراً بجملة. ثم يكون مرجعه متأخراً لا متقدماً، والشأن هو كذلك هو .. هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فسر بجملة ثم هذا المرجع متأخر عنه، والأصل في الضمير أنه يعود إلى متقدم إلا ما استثني. فحينئذٍ كان الناس صنفان نقول: كانهُ، اسم كان محذوف وهو ضمير الشأن، لا بد من التأويل، والجمهور على أن في كان ضمير الشأن اسمها، والجملة في محل نصب خبر كان، وعن الكسائي أنها ملغاة ولا عمل لها، يعني في مثل هذا التركيب. إذاً لا بد من التأويل، إذا جاء ما شأنه الرفع في الجزأين لابد من التأويل. واختلف في دلالة هذه الأفعال على حدث كان وأخواتها، هل تدل على حدث أم لا؟ المشهور: أنها لا تدل على الحدث، وإنما جيء بها للدلالة على الزمن، ربط مضمون الخبر بالاسم، فكان فقط زمانية لا تدل على حدث، والصواب أنها تدل على الحدث، واختلف في دلالة هذه الأفعال على الحدث، والمشهور أنها تدل عليه كالزمان، كسائر الأفعال، ومنعه قوم والأول أصح؛ للتصريح بالمصدر كما سيأتي (وكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ)، هذا تصريح بالمصدر، وإذا صرح بالمصدر حينئذٍ المصدر هو عين الحدث.

وحكى أبو زيد مصدر فتئ، وكذلك غيره حكى مصدر ظل وبات، وينبني على هذا الخلاف هل (كان) تدل على حدث أم لا؟ هل يتعلق بها شيء من الظرف أو الجار والمجرور، فمن أثبت أنها تدل على الحدث حينئذٍ علق بها، يقول: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: كان، ((أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا)) [يونس:2] لِلنَّاسِ هذا متعلق بكان، بناء على ماذا؟ على أنها تدل على الحدث، وإذا لم تكن تدل على الحدث حينئذٍ الظرف والجار والمجرور يقيد ماذا؟ لما قلنا: المتعلقات بالفعل، كلها مقيدات ضرب زيد عمرواً ضرباً شديداً يوم الجمعة في داره، قلنا: في داره، ويوم الجمعة .. هذه كلها مقيدة؛ لأن ضرب زيد عمرواً أين ضربه؟ هذا مبهم، وما نوعية الضرب؟ هذا مبهم، لكن إذا قلت: ضرب زيد عمرواً يوم الجمعة عرفت أن الضرب وقع يوم الجمعة، يوم الجمعة عصراً، بعد الخامسة، في داره .. هذه كلها تقييدات، كلما زادت المقيدات اتضح مفهوم الفعل، وكلما حذفت صار نوع انبهام فيه في الفعل، وحينئذٍ ((أَكَانَ لِلنَّاسِ)) [يونس:2] نقول: لِلنَّاسِ جار ومجرور متعلق بكان بناءً على أنها تدل على الحدث، وإذا قيل بأنها لا تدل على الحدث وإنما هي زمانية فقط وجيء بها لربط مدلول الخبر بالمبتدأ، فحينئذٍ لا يصح أن يقال بأن الجار والمجرور والظرف متعلقان بكان. وينبني على هذا الخلاف عملها في الظرف والجار والمجرور فمن قال بدلالته على الحدث أجازه، ومنه ((أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا)) [يونس:2]، ومن قال: لا يدل عليه منعه. قال رحمه الله تعالى: كان وأخواتها. أي: هذا باب بيان كان وأخواتها. وأخواتها: أي نظائرها في العمل، فالأخوة هنا أخوة عملية ليست حقيقية على بابها، وإنما نظائرها في العمل، أفرد كان هنا وعطف أخواتها عليها لماذا؟ لأنها أم الباب، فإذا قيل: (إن) وأخواتها إذاً: (إن) هي أم الباب؛ لأن ما كان أم الباب هذا له تصرف، له أحكام خاصة ينفرد بها عن غيره، (ظن) وأخواتها، نقول هذا لأن ظن هي أم الباب، أفردت كان بالذكر إشارة إلى أنها أم الباب، ولذا اختصت بزيادة أحكام، وإنما كانت أم الباب، لماذا؟ لأن الكون الذي هو مصدر كان وكَوْنُكَ إيَّاهُ، هذا يعم جميع مدلولات أخواتها، أصبح، وأمسى، وظل .. هذا كله داخل في الكون؛ لأن المراد بالكون الذي يتعلق به الجار والمجرور، زيد في الدار أي: كائن، ما المراد بالكينونة؟ المراد به الحصول والحدوث، وهذا يعم أخوات كان ويزيد عليها؛ لأن كان تدل على مطلق الحدوث، وأما أصبح فتدل على حدوث في وقت الصباح، وكذلك أمسى وظل ونحوها، وأما كان فلا فتدل على مطلق الكينونة. إذاً: لأن الكون يعم جميع مدلولات أخواتها، وكان الألف هذه منقلبة عن واو، لأن أصله (كون) تحركت الواو وانفتح ما قبله فوجب قلبها ألفاً، يقال: كان، دليل على أنها واوية الكون ويكون، الكون وهو مصدر، ويكون وهو فعل مضارع. ووزنها فعَل بفتح العين لا فعِل ولا فعُل، لماذا؟ لأنه لو كان فعُل لما جاء منه اسم الفاعل على فاعل، وإنما يجيء على فعيل، وهنا قد سمع كائن

وَمَا كُلُّ مَنْ يُبدي البَشَاشَةَ كائناً أَخَاكَ .. (كائن) هذا اسم فاعل، وهذا لا يأتي من فعُل، وإنما يأتي منه فعيل، ولا من فعِل، لماذا؟ لأن المضارع كان يكْوُنُ يفعُل، ويفعُل لا يأتي من فعِل، وإنما يأتي من فعَل وفعُل، ظرُف يظرُف. إذاً: ليست من باب فعِل ولا من باب فعُل، ما الدليل؟ نقول: ليست من باب فعُل لأنه سمع اسم الفاعل على فاعل، حينئذٍ لو كانت من باب فعُل فاسم الفاعل من فعُل يأتي على فعيل، ظرف فهو ظريف، كرم فهو كريم، حينئذٍ لما جاء كائن علمنا أنه ليس من باب فعُل. ليس من باب فعِل؛ لأن المضارع يأتي على وزن يكون، يفعُل .. ويفعُل هذا إما أن يكون ماضيه فعُل أو فعَل، وليس من باب فعِل، وأسقطنا فعُل باسم الفاعل، فتعين أن يكون من باب فعَل. إذاً كان أصله (كَوَنَ) على وزن فعَل، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً. تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْمًا والْخَبَرْ ... تَنْصِبُهُ كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ أَضْحَى أَصْبَحَا ... أَمْسَى وَصَارَ لَيْسَ زَالَ بَرِحَا فَتِيءَ وَانْفَكَّ وَهذِى الأَرْبَعَهْ ... لِشِبْهِ نَفْيٍ أَوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَهْ وَمِثْلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقاً بِمَا ... كَأَعْطِ مَادُمْتَ مُصِيبَاً دِرْهَمَا تَرْفَعُ كَانَ: (تَرْفَعُ) هذا فعل مضارع مرفوع وكَانَ فاعل، قصد لفظه. تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا: المُبْتَدَا هنا مفعول به. والْخَبَرْ تَنْصِبُهُ: والْخَبَرَ سكنه من أجل الروي، (والْخَبَرْ تَنْصِبُهُ) يعني وتنصب الخبر من باب الاشتغال، ويجوز رفعه: والْخَبَرُ تَنْصِبُهُ كما سيأتي. تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا: تَرْفَعُ عرفنا أن مذهب البصريين أن هذا الرفع بعد دخول كان رفع مجدد حاصل، وليس هو الرفع الذي كان قبل دخول كان؛ لأن كان عامل اللفظ، فلما دخل على الجملة الاسمية المكونة من مبتدئ وخبر نسخ العامل الذي دخل على المبتدأ فرفع المبتدأ؛ لأن كان عامل لفظي، والابتداء عامل معنوي، والعامل اللفظي أقوى من العامل المعنوي، بل هو الأصل، والمعنوي إنما جُوِّز للضرورة، الأصل أن يكون العامل لفظياً وهو ما للسان فيه حظ، ولذلك اقتصر في العامل المعنوي على بابين فحسب، باب المبتدأ أنه مرفوع بالابتداء وهو عامل معنوي، وباب الفعل المضارع المجرد عن ناصب وجازم، فرفعه يكون بالتجرد والتعري عن العوامل النصب والجزم، حينئذٍ نقول: هذا باب العامل المعنوي فحسب ولا يقاس عليه غيره. وكل ما أمكن تعليق العامل بكونه لفظياً فهو مقدم، لكن بشرط أن يصح تعليق .. إن صح تعليق العمل هنا بعامل لفظي حينئذٍ صار هو المقدم، لماذا؟ لأن الأصل في العمل أن يكون لشيء ملفوظ به؛ لأنه هو الكلام في الأصل، فالفعل هو الأصل في العمل، حينئذٍ الأصل في الفعل أن يكون ملفوظاً به، وإذا قدر حينئذٍ المقدر أو المحذوف لعلة كالثابت كما هو القاعدة عند الصرفية. إذاً: تَرْفَعُ المراد به تجدد له رفعاً غير الأول الذي عامله معنوي وهو الابتداء. تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا، إذا دخلت عليه ويسمى اسماً لها.

تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا: كيف ترفع كان المبتدأ إذا دخلت عليه؟ هو الآن لم يكن مبتدأ، وإنما تسميته باعتباره قبل دخول كان، وهنا سماه مبتدأً من باب الإيضاح للمبتدئ أو القارئ أو المستمع؛ ليبين لك أن (كان) هذه دخلت على ما أصله مبتدأ الذي سبق تقريره في الباب السابق، وإلا تسميته مبتدأ في مثل هذا التركيب مجاز، يعني لم يقصد به المبتدأ الحقيقي، وإنما أطلق المبتدأ باعتبار ما كان. إذاً تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا تسميته مبتدأً باعتبار حاله قبل دخول الناسخ، و (أل) هنا في المبتدئ للجنس، لماذا؟ لأننا لو أطلقنا أن كان تدخل على المبتدئ، إذاً يفهم من هذا أن كل مبتدئ يصح دخول كان عليه وليس بصحيح، بل من المبتدئ ما هو لازم الصدر، فلا يصح دخول كان عليه، من المبتدأ ما هو واجب الحذف كالنعت المقطوع، هو الكريم: (هو) كيف يدخل عليه كان؟ ما تدخل عليه؛ لأنه محذوف، من المبتدئ ما هو لازم الابتداء لا يتصرف (طوبى للمؤمن) نقول: طوبى هذا ملازم الابتداء، لا يعرب إلا مبتدأ فأين التركيب؟ حينئذٍ لا تدخل عليه كان. فمثل هذه المبتدءات يمتنع دخول كان عليها، فقصد المصنف بالمبتدئ هنا: ما يصح دخول كان عليه، وليس كل مبتدئ يصح دخول كان عليه، إذاً: (أل) هنا نحمله على الجنس، فليست للاستغراق لتعم كل ما هو مبتدئ لا، نقول: من المبتدئ ما يمتنع دخول كان عليه، ومن المبتدئ ما يجوز دخول كان عليه، ومراد المصنف هو الثاني وعليه نحمل (أل) للجنس لا للاستغراق. و (أل) في المبتدئ للجنس، فإن منه ما لا تدخل عليه كلازم الصدر إلا ضمير الشأن، كما في المثال السابق: كان الناس صنفان، كان دخلت على المبتدئ والخبر وضميرها اسمها ضمير الشأن ولا بأس به. ولازم الحذف كالمخبر عنه بنعت مقطوع وما لا يتصرف كطوبى للمؤمن، فإنه يلزم الابتداء. هذه الأنواع الثلاثة وما شاكلها حينئذٍ نقول: هذه لا يمكن أن تخرج عن كونها مبتدأً، من يقم أقم معه، نقول: (من) هذا لازم الصدر، لا يمكن أن تدخل عليه بكان ممتنع، طوبى للمؤمن لا يمكن أن تدخل عليه كان. إذاً قوله: المبتدأ جنس أراد به بعض الأفراد وليس على إطلاقه. تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا: إذا دخلت عليه ويسمى اسماً لها حقيقة، أو فاعلاً مجازاً. والْخَبَرْ تَنْصِبُهُ: والْخَبَرْ هذا مفعول به أو مبتدأ تَنْصِبُهُ الجملة هذه إما مفسرة وإما أنها خبر المبتدأ، يحتمل هذا وذاك. والْخَبَرْ إذاً: القول فيه كالقول في سابقه، استثنى النحاة من الخبر هنا الجملة الطلبية، فلا يكون خبراً لكان، وجمهور النحاة الذين أجازوا أن يقع الخبر هنا -خبر المبتدئ- جملة طلبية منعوه هنا. فحينئذٍ زيد اضربه، نقول: زيد هذا يصح دخول (كان) عليه، لكن يمتنع هنا لا لذات زيد وإنما لكون خبر زيد جملة طلبية، ولذلك يستثنى من الخبر الجملة الطلبية. يشترط في خبر كان ألا يكون جملة طلبية حتى عند الجمهور الذين يجوزون وقوع الطلبية خبراً عن المبتئدئ.

إذاً: يستثنى من المبتدئ ليس كل مبتدئ تدخل عليه كان، ويستثنى من الخبر ليس كل خبر تدخل عليه كان ولو صح دخوله على المبتدئ، فزيد اضربه نقول: هنا لا يصح دخول (كان) عليه الجملة هذه، لماذا؟ لذات المبتدئ أو للخبر؟ للخبر؛ لكونه جملة طلبية وأما المبتدأ فهو جائز. تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْمًا والْخَبَرْ تَنْصِبُهُ. (تَنْصِبُهُ) خبراً لها، باتفاق أنه منصوب، وإنما منصوب على أي شيء؟ جمهور البصريين على أنه منصوب خبرٌ لكان، حينئذٍ نقول: هذا الوجه هو المرجح، والقول بأنه حال وهو مذهب الكوفيين مذهب ضعيف لا يعول عليه، لما ذكرناه. كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ: ((وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)) [الفرقان:54] ربك قدير هذا الأصل .. (رب) مبتدأ ودخلت عليه كان وجاز الدخول عليه؛ لأنه ليس من الممنوعات، و (قدير) هذا الخبر وهو ليس جملة طلبية فدخلت كان رفعت المبتدأ الذي هو قبل دخول (كان) وأحدثت له رفعاً جديداً، والعامل فيه (كان)، ونصبت الخبر المرفوع قبل دخول (كان) فصار خبراً لكان. حينئذٍ نقول: اسم كان مرفوع بكان، وخبر كان منصوب بكان، فأحدثت عملين في محلين مفترقين أحدهما الرفع والثاني النصب ((وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)) [الفرقان:54]. كَكَانَ أي: كقولك كَانَ سَيِّدًا عُمَرْ، كان عمر سيداً، هذا فيه أيضاً جواز تقدم خبر كان على اسمها. كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ: إذاً أفاد فائدتين بهذا المثال وهو: أن كان دخلت على المبتدئ وهو علم، فرفعته على أنه اسم لها. وسَيِّد هذا كان مرفوعاً فدخلت عليه (كان) فأحدثت فيه النصب؛ على أنه خبر لها، ودل كذلك على أنه يجوز تقدم الخبر على المبتدئ، وإن كان الأصل في النظر في خبر كان مع اسمها هو عين النظر في المبتدئ مع الخبر، هذا الأصل إلا ما استثني، فما وجب هناك تأخر الخبر وجب هنا وما وجب تقدم الخبر هناك وجب هنا، كما سيأتي. كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ .. كَكَانَ ظَلَّ، ككان في ذلك في كونها ترفع المبتدا اسماً لها والخبر تنصبه ليس خاصاً هذا الحكم بكان فحسب، بل أخوات (كان) ونظائرها مثلها في ذلك العمل، فتدخل على المبتدئ جائز الدخول، وعلى الخبر جائز الدخول فترفع الأول وتنصب الثاني. كَكَانَ هذا خبر مقدم، ظل هذا قصد لفظه وهو مبتدأ مؤخر. كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ بإسقاط العاطف، هو جائز في الشعر، ظَلَّ، وبَاتَ، وأَضْحَى، وأَصْبحَا الألف هذه للإطلاق، وأَمْسَى، وَصَارَ، ولَيْسَ، وزَالَ، وبَرِحَا، وفَتِىءَ، وَانْفَكَّ .. هذه اثنا عشر، بقي واحد وهو دَامَ أشار إليه بقوله: (وَمِثْلُ كَانَ دَامَ) فهي ثلاثة عشرة فعلاً. هذه الأفعال باعتبار العمل منها ما يعمل بلا شرط ولا قيد، ومنها ما يعمل بشرط، منها ما يعمل بلا شرط. الأُوَل الثمانية تعمل بلا شرط كان، وظَلَّ، وبَاتَ، وأَضْحَى، وأَصْبحَا، وأَمْسَى، وَصَارَ، ولَيْسَ. هذه كلها متتالية وهي ثمانية تعمل بلا شرط، لا يشترط لها أي شرط. وزَالَ، وبَرِحَا، وفَتِىءَ، وَانْفَكَّ .. هذه تعمل بشرط، وهو أن يتقدمها نفي أو شبه نفي.

دَامَ كذلك مشروطة بشرط وهو أن تكون مسبوقة بما المصدرية، ولذلك قال: منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط وهي ثمانية: كان وما عطف عليها إلى قوله: ليس، ومنها ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط وهو قسمان: أحدهما ما يشترط في عمله أن يسبقه نفي لفظاً أو تقديراً، وهو ما أشار بقوله: وهذه الأربعة الأخيرة التي هي: زال، ماضي يزال كما سيأتي، وبرح، وفتئ، وانفك. فَتِىءَ بكسر التاء هذا هو الأشهر في اللغة، الأشهر أنها بكسر التاء، وفيها لغة بالفتح فتَئ من باب فعَل، والأولى على وزن فعِل، ولغة ثالثة أفتأ، ورابعة فتُئ يفتأُ، كظرف يظرف، هذه أربعة لغات في فتئ المشهور فيها كسر التاء فتِئ ثم فتَئ. وَانْفَكَّ وَهذِى الأرْبَعَهْ: أي موادها التي هي زال وما عطف عليه، وَهذِه الأرْبَعَهْ الأخيرة لا تعمل إلا بشرط كونها لِشِبْهِ نَفْيٍ، والمراد بشبه النفي النهي والدعاء، فلا تعمل إلا إذا كانت مسبوقة بدعاء أو نهي أو لنفي محض، وهذا النفي قد يكون بالاسم وقد يكون بالفعل، وقد يكون بالحرف. وَهذِى الأرْبَعَهْ: ذِى مبتدأ، والأرْبَعَهْ بدل أو عطف بيان، مُتْبَعَهْ هذا خبر المبتدئ، ولِشِبْهِ نَفْيٍ هذا لا بد من أن نقدره أو نعلقه بمُتْبَعَهْ، ولو قدرناه بمحذوف كما قال بعضهم لا بأس به. لِشِبْهِ نَفْيٍ أوْ لِنَفْيٍ، إذاً: لا بد أن يتقدمها نفي أو شبه نفي، لماذا؟ قالوا: لأن المقصود من الجملة الإثبات، وهذه ملازمة للنفي معناها، وحينئذٍ نفي النفي إثبات، المراد بالجملة الإثبات، يعني جملة ما دخل على المبتدئ والخبر المقصود به الإثبات، وهذه الألفاظ في نفسها تدل على النفي، فاشترطنا النفي قبلها؛ لأن نفي النفي إثبات، ولذلك لا تعمل هذا العمل إلا بهذا الشرط أن تكون مسبوقة بنفي أو شبه النفي، وقلنا شبه النفي هو: الدعاء والنهي، وأما النفي فالمراد به حقيقته وهو النفي المحض، وهذا قد يكون بحرف وقد يكون بفعل، وقد يكون باسم، أما الحرف نحو: لَنْ تَزَالُوا كَذَلِكُمْ ثُمَّ لاَ زِلـ ... ــــتُ لَكُمْ خَالِداً خُلُودَ الجِبَالِ وزَالَ هنا عملت وهي فعل مضارع لسبقها بالنفي وهو لن وهو حرف، كذلك أن تكون مسبوقة بنفي وهو فعل: لَيْسَ ينفَكُّ ذا غِنىً واعْتِزَازٍ ... كُلُّ ذِي عِفَّةٍ مُقِلٌّ قَنُوعُ - أو مُقِلٌ ضبط بهذا وذاك. وقد يكون بالاسم النفي: غَيْرُ مُنْفَكٍّ أَسِيرَ هَوىً ... كلُّ وَانٍ لَيْسَ يَعْتَبرُ حينئذٍ نقول: النفي قد يكون حرفاً وقد يكون اسماً وقد يكون فعلاً، وقد يكون ملفوظاً كما في الأمثلة المذكورة وقد يكون مقدراً، يعني محذوفاً ومثلوا له بقوله تعالى: ((قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ)) [يوسف:85] تَفْتَأُ يعني لا تفتأ، ((تَذْكُرُ يُوسُفَ)) وحينئذٍ نقول: هذا الفعل تَفْتَأُ قد عمِل عمَل كان، ووجد شرطه لكنه مقدر، ويشترط في التقدير هنا ليس قياساً مطرداً، وإنما هو في القَسَمِ أولاً ثم مع الفعل المضارع، ثم لا على جهة الخصوص.

بهذه الشروط الثلاثة يجوز أن يكون النفي مقدراً، ((قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ)) أي لا تفتأ ولا يحذف النافي معها قياساً إلا بعد القسم كما في الآية، وكذلك أن يكون مضارعاً –فعل- وأن يكون لا على جهة الخصوص، وقد شذ الحذف بدون القسم: وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمِي ... بِحَمْدِ اللهِ مُنْتَطِقاً مُجِيدَا أَبْرَحُ هذا فعل مضارع، لكنه ليس قسماً، أبرح فعل مضارع، والحرف المقدر هو لا، إذاً وجد شرطان بقي شرط ثالث وهو القسم، إذاً يعتبر شاذاً ولا يقاس إلا ما جاء النص باستثنائه؛ لأنه بالاستقراء أن هذا الفعل كغيره لا يعمل إلا بتقدم نفيٍ، وحينئذٍ إذا حذف فصار خارجاً عن القياس، فحينئذٍ ينظر في المثل الذي ورد أو في الآية التي معنا، فنجد أن تفتأ فعل مضارع، إذاً لا يتعداه، وأن التقدير: لا تفتأ، إذاً: لن، وما، وإن .. هذه ليست مثل لا، فنقتصر الحكم على المذكور، ثم هو في قسم، فنقول بهذه الشروط الثلاثة يجوز حذف النافي -حرف النفي-، وأما ما عداه فنقول: لا، وأبرح كما قال الشاعر هنا: وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمِي، نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأنه وإن كان فعلاً مضارعاً، وإن كان المحذوف الحرف وهو لا، إلا أنه ليس في سياق القسم، والشرط أن يكون في سياق القسم، فهذا أن يكون لنفي أو لشبه نفي، والمراد به كما ذكرنا النهي كقولك: لا تزل قائماً، (لا) ناهية، و (تزل) هذا فعل مضارع ناقص مجزوم بلا، وجزمه السكون، واسمه أنت، وقائماً خبره. إذاً: يحتاج إلى اسم وخبر، ومنه قوله: صاحِ شمِّرْ ولاَ تَزَلْ ذاكِرَ المَوْتِ ... فَنِسْيانُهُ ضَلالٌ مُبِينُ صاحِ يعني: يا صاح، هذا وإن كان في الأصل شاذ إلا أنا نتوسع به لكثرته، ولا تَزَلْ .. (ولا) هذه ناهية و (تزل) هذا فعل مضارع ناقص مجزوم بلا، وجزمه سكون آخره، ولا تزل (أنت) ضمير وهو اسم تزل، و (ذاكِرَ المَوْتِ) هذا خبر، إذاً نصب والدعاء كقولك: لا يزال الله محسناً إليك، لا يزال (لا) هنا دعائية، ولا في النهي والدعاء كما قال ابن آجروم هناك، لا يزال الله محسناً إليك، (لا) نقول هذه نافية -نسميها دعاء أيضاً لا بأس-، (يزال) فعل مضارع مرفوع ناقص مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، ولفظ الجلالة اسم يزال، ومحسناً هذا خبرها أَلاَ يَا اسْلَمي يا دارَ مَيَّ، عَلى الْبَلضى ... وَلاَ زالَ مُنْهَلاً بِجَرْعائِكِ الْقَطْرُ وَلا زالَ مُنْهَلاً (لا) دعائية أو نافية، (زال) فعل ماضي، والقطر هذا اسمها، ومنهلاً خبر مقدم، بجرعائك هذا متعلق بـ: منهلاً. إذاً: هذا شبه النفي وقد مثلنا للنفي. وَهذِى الأرْبَعَهْ أي موادها الأخيرة المذكورة زال، وبرح، وفتئ، وانفك .. هذه الأربعة لا تعمل هذا العمل الذي هو رفع المبتدأ ونصب الخبر إلا إذا تقدمها شبه نفي أو لنفي، إلا إذا كانت متبعة، كيف متبعة؟ هي تابعة أو متبعة؟ إذا كانت متبعة، بماذا؟ كيف التقدير يكون؟ ما الذي أتبع الثاني؟ هي متبعة للنفي وشبه النفي، لذلك تقول: لشبه هذا متعلق بقوله متبعة وهو خبر ذي. إذاً: هذا ما ذكره في هذا البيت.

وَمِثْلُ كَانَ دَامَ، هذا الثالث عشر وَمِثْلُ كَانَ، يمثل بـ: كان -ككان ظل- وَمِثْلُ كَانَ؛ لأنها أم الباب هي الأصل. وَمِثْلُ كَانَ دَامَ يعني: في العمل المذكور بشرط حال كونه (مَسْبُوقاً بِمَا) أي ما؟ المصدرية الزمانية أو الظرفية، ومن أين أخذنا هذا التقييد؟ كَأعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَما إذاً: من المثال نقيد (ما) هنا ليست موصولة، وليست مصدرية فحسب، وإنما هي مصدرية ظرفية يعني زمانية. كَأعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَما: ما دمت (ما) هذه مصدرية ظرفية، لماذا مصدرية؟ لأنها تسبك مع ما بعدها بمصدر، وظرفية لأنها تفسر أو تضاف إلى المدة أو إلى الظرف كَأعْطِ مَادُمْتَ: دام فعل ماضي، والتاء هنا اسمها، ومصيباً درهماً هنا فيه حذف وفيه تقديم وتأخير كأعط المحتاج درهماً ما دمت مصيباً له؛ لأن أعط هذا يتعدى إلى مفعولين، أعط المحتاج درهماً، يأتينا هذا باب أعطى وكسى يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، أعط هذا يتعدى إلى مفعولين، أين مفعوله؟ (أعط المحتاج) هذا حذف، (درهماً) هذا المفعول الثاني (ما دمت مصيباً) يعني مدة دوام مصيباً، فمصيباً هذا خبر دام، والتاء هذا اسمها. إذاً كأعط المحتاج درهماً ما دمت مصيباً له، ففي المثال تقديم وتأخير وحذف وَمِثْلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقاً بِمَا ... كَأعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَمَا إذاً هذا يشترط في عمله وهو لفظ دام أن يسبقه (ما) المصدرية الظرفية، لا بد من القيدين؛ لأنها قد تكون مصدرية لا ظرفية فلا تعمل هذا العمل، لو كانت مصدرية فقط ولا تعمل عمل المذكور يعجبني ما دمت صحيحاً، يعني مدة دوامك صحيحاً؟ لا، ليس كذلك لا يقدر بظرف، يعجبني ما دمت صحيحاً أي: دوامك صحيحاً، فدام تامة بمعنى بقي، وصحيحاً حال ولا توجد الظرفية بدون المصدرية. كَأعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَما أي: أعط مدة دوامك مصيباً درهماً، ومنه قوله تعالى: ((وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)) [مريم:31] أي مدة دوامي حياً، وهذا يستدل به على أن دام لها مصدر؛ فإن التقدير هنا يكاد أن يكون إجماعاً مدة دوامي حياً، فإذا كان كذلك كوننا نحكم على أن ما المصدرية هنا في هذا التركيب مصدرية لا يفهم منها إلا أنها تسبك مع ما بعدها بمصدر، ولا يفهم غير هذا، إذا لم تسبك مع ما بعدها بمصدر وتؤل بمصدر لم تكن مصدرية، فإذا حكمنا عليها بأنها مصدرية معناه هو أن ما بعد له مصدر، فدام له مصدر، وأما القول بأن مدة دوامي، دوامي هذا مصدر لدام التامة أستعير هنا هذا مغالطة، بل الصحيح أنه لدام الناقصة؛ لأن دام التامة لا تطلب خبراً وإنما تكتفي بمرفوعها كما ستأتي، وحينئذٍ نقول: هذه دام الناقصة على الأصل. قال رحمه الله تعالى تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْمًا والْخَبَرْ ... تَنْصِبُهُ كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ كَكَانَ ظَلَّ .. وما عطف عليه. ثم قال: وَهذِى الأرْبَعَهْ الأخيرة يشترط فيها ما لا يشترط في الثمانية الأولى.

وَمِثْلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقاً بِمَا كَأعْطِ يعني بـ (ما) المصدرية الظرفية، أما معانيها فمعنى (ظل) المراد به اتصاف المخبر عنه بالخبر نهاراً، ظل زيد قائماً، ما المقصود بظل زيد قائماً؟ بمعنى أنه اتصف بالقيام في النهار، اتصف المخبر عنه الذي هو اسم ظل بمضمون الخبر في وقت النهار، فظل المراد به اتصاف المخبر عنه الذي هو اسم ظل بمضمون الخبر نهاراً. ومعنى (بات) اتصافه به ليلاً، بات زيد قائماً، بمعنى أنه اتصف بمضمون قام في وقت البيتوتة وهو في الليل. و (أضحى) اتصافه به في وقت الضحى، و (أصبح) اتصافه به في الصباح، و (أمسى) اتصافه به في المساء .. ومعنى (صار) التحول من صفة إلى صفة أخرى، و (ليس) المراد بها النفي، وهي عند الإطلاق لنفي الحال ليس زيد قائماً يعني الآن، إذا أطلق عن القيد حينئذٍ نحملها على نفي الحال، الآن يعني ليس زيد قائماً الآن، وبعده الله أعلم لا نحكم عليه، وإنما نقول: ليس زيد قائماً الآن، في هذا الوقت الذي نتحدث فيه ليس زيد قائماً، وما بعده نقول: هذا ليس داخلاً في الحكم. ليس زيد قائماً أي الآن، وعند التقييد بزمن على حسبه، ليس زيد مسافراً غداً، إذاً ليست لنفي الحال، وإنما تحمل على ما قيدت به، ليس زيد مسافراً غداً، إذاً قد يكون بعده. ومعنى زال وأخواتها تدل على ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلاً لها، اتفق النحاة على أن هذه الأربع كلها بمعنى واحد (زال، وبرح، وفتئ، وانفك) بمعنى واحد، باتفاق النحاة إجماع أنها بمعنى واحد، وأن هذا المعنى يدل على ملازمة الصفة للموصوف، الصفة الذي هو خبرها، للموصوف الذي هو اسمها، لكن كل ملازمة بحسب الجملة، لا زال زيد عالماً، الأصل في الاتصاف بالعلم أنه مدة بقائه منذ أن شم رائحة العلم إلى أن يموت هذا الأصل فيه. لا زال زيد قائماً، هذا ينفك عنه في وقت دون وقت، وحينئذٍ نقول: الملازمة هنا بحسب ما قبله، يعني بحسب الوصف الذي يكون للموصوف، قد يكون لا يوجد في وقت دون وقت، بل هو ملازم له مدة حياته كالوصف بالعلم والحياة ونحو ذلك، وقد يكون يوجد في وقت دون وقت، وحينئذٍ نفسره بالملازمة ليست كالملازمة السابقة، وإنما هي ملازمة في وقت دون وقت. لا زال زيد صائماً، شهر كامل وشهرين ثلاثة وهو صائم! لا، لا زال زيد صائماً في وقت الصيام، وأما إذا جاء المغرب انتهى الوقت. إذاً تدل على ملازمة الصفة للموصوف منذ كان قابلاً لها، على حسب ما قبلها، فإن كان ما قبلها متصلة الزمان دامت له كذلك نحو ما زال زيد عالماً، وإن كان قبلها في أوقات دامت له كذلك، ما زال يعطي الدراهم، نقول: هذا يعطي في وقت دون وقت، ما زال يعطي الدراهم.

وترد كان، وأصبح، وأضحى، وأمسى، وظل بمعنى صار، قلنا صار تأتي بمعنى التحول من صفة إلى صفة، قد تخرج هذه الخمسة عن معانيها الأصلية كان تدل على كينونة وهو حدث كما ذكرناه، وهذا الحدث واقع في زمن مضى وانقطع، فهي زمانية وتسمى رابطة عند المناطقة، وظل، وأصبح، وأمسى، وأضحى .. نقول: هذه الأصل أنها موضوعة لاتصاف المخبر عنه بما دل عليه اللفظ، فأصبح اتصافه بالقيد متى؟ في الصباح، وكذلك المساء، لكن قد تخرج عن هذا المعنى إلى معنى آخر وهو معنى صار، التحول من صفة إلى صفة أخرى. فلا يقع حينئذٍ الماضي خبراً لها، إذا كانت بمعنى صار يمتنع أن يكون خبرها فعلاً ماضياً ((فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا)) [الواقعة:6] يعني وصارت، ((وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً)) [الواقعة:7]، ((فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)) [آل عمران:103] صرتم، ((ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)) [النحل:58] صار، وحينئذٍ إذا خرجت عن أصلها واستعملت بمعنى صار نقول: لا تخرج عن العمل بل هي باقية على الأصل. وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كَانَ غَيْرُ المَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ وَغَيْرُ مَاضٍ، مبتدأ غَيْرُ مضاف، ومَاضٍ مضاف إليه. مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ، قد عمل مثله، (قد) حرف تحقيق، و (عمل) هذا فعل ماضي، الألف للإطلاق، والجملة خبر غير، مثله أصل التركيب غير ماض قد عمل مثله، يعني مثل ماذا؟ مثل الماضي، غير الماضي عمل عمل الماضي، حينئذٍ يكون حالاً، حالة كونه مثله، ولو قيل بأنه صفة لمفعول مطلق محذوف كان أولى، يعني وغير ماض قد عمل عملاً مثله، وعملاً هذا مفعول مطلق، ومثله جاء صفة له، هذا أولى من إعرابه حال، من فاعل عمل مستتر، وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ أي مثل الماضي قد عمل العمل المذكور، والألف هذه للإطلاق؛ لأنه أورد ماذا؟ لماذا نص على مثل هذا التركيب؟ لأنه في سياق تعداد الأفعال ذكرها بصيغة الماضي. كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ أَضْحَى أَصْبحَا ... أَمْسَى وَصَارَ لَيْسَ زَالَ بَرِحَا فَتِىءَ وَانْفَكَّ وَهذِى الأرْبَعَهْ ثم قال: وَمِثْلُ كَانَ دَامَ قد يظن الظان أنها لا تعمل هذا العمل إلا إذا كانت بصيغة الماضي، وليس الأمر كذلك، فنفى هذا التصور المحدث بقوله: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ فما اشتق من كان، وما اشتق من ظل، وما اشتق من انفك، وزال إلى آخره يعمل عمل زال، وما اشتق من ظل يعمل عمل ظل .. فالحكم واحد. حينئذٍ الحكم ليس لصيغة الفعل وإنما لمادة الفعل، ولذلك قلنا: وَهذِى الأرْبَعَهْ أي موادها، لماذا قلنا موادها؟ لأن الحكم إما أن يتعلق بالمادة وإما بالصيغة، إذا قلنا بالصيغة معناها بصيغة الماضي، فلا يتعدى الحكم إلى المضارع والأمر واسم الفاعل، وإذا قلنا المادة مادة كان، حينئذٍ كان، يكون، كائن، كن .. هذه كلها تعمل، هنا العبرة بالمادة أو بالصيغة؟ بالمادة، إذاً ليس المراد من تعداد الأفعال السابقة صيغها، بل المراد موادها. فكل ما دل على كان بالمادة سواء كان ماضياً أو مضارعاً أو مصدراً أو أمراً حينئذٍ يعمل هذا العمل، ترفع كان أي: مادة كان المبتدأ، والخبر تنصبه .. ككان ظل أي مادة ظل، بات أي مادة بات، ليس عين الصيغة، وهذا تأويل جيد.

وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ متى؟ قيده هل كل الأفعال لها مضارع أو متصرفة؟ لا، إنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ، فالمرد حينئذٍ السماع ليس المسألة اجتهادية، فكل ما ورد من تصرف تلك الأفعال عمل عمل الماضي، فإن لم يكن له إلا ماضي مالنا حيلة فيه يبقى على مضيه، إذا لم يرد إلا الماضي لا يمكن أن نقول غير ماض مثله قد عملا، ليس له غير ماض، فالماضي حينئذٍ يكون هو خاصاً به، فنقدر هناك صيغته مثل ليس. إنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ (مِنْهُ) هذا متعلق بقوله استعملا، والألف للإطلاق، يعني ما تصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي. جميع هذه الأفعال تتصرف، هذا الأصل فيها؛ لأن الأصل في الفعل أنه متصرف، هذا الأصل فيه، وغير التصرف هذا خارج عن القياس، فجميع هذه الأفعال تتصرف فيأتي منها المضارع والأمر والمصدر والوصف إلا ليس، وهذا مجمع عليه في (ليس). إلا ليس فمجمع على عدم تصرفها، وأما دام فنص كثير من المتأخرين على أنها لا تتصرف، (ليس) مجمع على أنها ملازمة للماضي، إذاً ليس لها غير الماضي، ليست داخلة في قوله: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ، وأما (دام) فأكثر المتأخرين على أنها لا تتصرف، وجزم به ابن مالك رحمه الله تعالى على أنها لا تتصرف. قال أبو حيان: وما ذكر من عدم تصرفها لم يذكره البصريون، ولتصاريف هذه الأفعال من العمل والشروط ما للماضي منها، وكذا سائر الأفعال، يعني إذا قيل: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ، وقد اشترطنا شروطاً في بعضها نقول: الشروط تلك ليست خاصة بالفعل الماضي، بل كل ما تصرف من الماضي فالشرط لازم له (إنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ). قال الشارح: هذه الأفعال على قسمين: أحدهما: ما يتصرف، والتصرف المراد به أنه يأتي منه ماضي ومضارع وأمر، وهذا التصرف قسمان، قد يكون تصرفاً تاماً بأن سمع منه المضارع والأمر والمصدر، وقد يكون تصرفاً ناقصاً، بأن لم يسمع منه إلا المضارع فحسب. أحدهما: ما يتصرف، وهو ما عدا ليس ودام. وهذا القسم -ما يتصرف قسمان-: ما يتصرف تصرفاً ناقصاً وهو (زال) وأخواتها فإنه لا يستعمل منها الأمر ولا المصدر، زال ليس عندنا زل، زال وانفك وفتئ وبرح، هذه ليست لها أمر ولا مصدر، حينئذٍ تصرفها ناقص ليس بتام. الثاني ما يتصرف تصرفاً تاماً وهو باقيها. قال: والثاني: ما لا يتصرف بحال، وهو (ليس) باتفاق، و (دام) عند المتأخرين، ويصححونه يقولون: على الصحيح، وقيل لها: مضارع دام، وهو يدوم، فهي متصرفة إذا ثبت أن لها مضارعاً، قد أثبته بعضهم. حينئذٍ هي متصرفة تصرفاً ناقصاً، والصحيح أن لها مصدراً أيضاً كما سبق، مدة دوامي حياً ((مَا دُمْتُ حَيًّا)) [مريم:31] اشترطنا كون (ما) المصدرية حينئذٍ لزم أن يكون ما بعد له مصدر، إن قلنا ليس لها مصدر فحينئذٍ ليست (ما) مصدرية، وهذا باطل، حينئذٍ لا بد أن يكون لها مصدر، والقول بالاستعارة هذا قول لا يلتفت إليه، أنه استعير لها من أجل أن يقيم مصدر (دام) التامة مقام (دام) الناقصة فهذا لا يعول عليه.

فنبه المصنف بهذا البيت على أن ما يتصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي، وذلك هو المضارع ((وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) [البقرة:143] يَكُونَ هذا منصوب بما قبله، ((وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) الرَّسُولُ اسم يكون، وشَهِيدًا هذا خبرها، عملت يكون عمل كان وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ((كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)) [النساء:135] كُونُوا هذا أمر، نقول: فعل أمر مبني على حذف النون كُونُوا مثل قوموا مبني على حذف النون، والواو اسمها ((كُونُوا قَوَّامِينَ)) هذا خبرها منصوب بالياء، ((قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا)) [الإسراء:50]، واسم الفاعل زيد كائن أخاك، كيف صرح هنا ونحن قلنا: نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أَوْاسْتَقَرّْ، وهنا يصرح بكائن؟ هذاك في المتعلق، هنا مقصود لفظه عينه ونفسه. وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشَاشَةَ كَائناً ... أَخَاكَ إِذَا لم تُلفِهِ لك مُنجِدَا وَمَا كُلُّ مَنْ يُبدي البَشَاشَةَ كائناً أَخَاكَ، (ما) هذه حجازية، (كل) اسمها، (من يبدي) كل مضاف و (من) مضاف إليه اسم موصول، (يبدي) صلة الموصول لا محل له من الإعراب، (كائناً) خبر ما، واسمها ضمير مستكن كائناً هو، أخاك خبرها منصوب بالألف؛ لأنه من الأسماء الستة. إذاً: كائناً اسم فاعل وهذا يدل على أنها من باب فعل، لا من باب فعُل، فحينئذٍ هو اسم فاعل وعمل عمل كان، كائناً أخاك، والمصدر كذلك والصحيح أن لها مصدر بِبَذْلٍ وحِلمٍ سَادَ في قَوْمِهِ الفَتى ... وَكَوْنُكَ إِيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ وكَوْنُكَ هذا مبتدأ، وهو مضاف والكاف مضاف إليه. إيَّاهُ خبرها، عَلَيكَ جار ومجرور متعلق بـ: يَسِيرُ. يسير خبر كون. (كون) لها اعتباران الآن: هي مبتدأ، وهي من مادة كان، نعربها مبتدأ على الأصل قبل دخول كان –لم تدخل كان هنا- (كون) مبتدأ، إذاً تطلب خبر مثل زيد قائم، ثم هي في نفس الوقت تطلب خبراً واسماً، إذاً لها جهتان: تطلب خبرين .. الكلمة هذه كونك تطلب خبرين: خبر من حيث كونها مبتدأ وهو يسير، يسير خبر المبتدأ وليس خبر الكون، وكون يطلب اسماً وهو الكاف، فالكاف هنا لها محلان: محل جر باعتبار كونها مضافاً إليه ومحل رفع باعتبار كونها اسماً لكون. إيَّاهُ (إيَّا) هذا هو خبر الكون، إذاً كون له خبران يسير وإيا، لكن باعتبارين: باعتبار كون الكون مبتدأً يطلب خبراً وهو يسير، وباعتبار كونه وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ، حينئذٍ نقول لها: خبر وهو إيَّاهُ. وكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيكَ يَسِيرُ وما لا يتصرف منها وهو دام وليس، وما كان النفي أو شبهه شرطاً فيه وهو زال وأخواتها لا يستعمل منه أمر ولا مصدر. إذاً: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ المراد بهذا البيت أن الحكم وهو رفع المبتدأ على أنه اسم لها أو نصب الخبر على أنه خبر لها ليس خاصاً بالفعل الماضي منها، بل كل ما جاء منها من أمر أو مصدر أو مضارع أو اسم فاعل فالحكم له سيان، وقد جاء في القرآن ويكفي في إثبات هذا الحكم وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ ... أَجِزْ وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ

هنا انتقل إلى بيان حال الخبر مع كان ومع اسمها. وَفِي جَمِيعِهَا يعني: جميع هذه الأفعال حتى ليس ودام، أطلق الناظم هنا في جميع هذه الأفعال حتى دام وليس. وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ بينها وبين الاسم، إذا قيل: توسط الخبر فالمراد به ألا يتقدم على الفعل، وألا يبقى في محله، بل المراد به أن يقع بين العامل والمعمول، فحينئذٍ توسط الخبر قال: أَجِزْ، وأجز في جَمِيعِهَا في جميع الأفعال حتى (ليس) و (دام) تَوَسُّطَ الْخَبَرْ. فالمراد هنا توسط أخبارهن جائز مطلقاً حتى في (دام) و (ليس). قال الشارح: مراده أن أخبار هذه الأفعال إن لم يجب تقديمها على الاسم ولا تأخيرها عنه، وهذا كما ذكرناه أن ما وجب هناك فهو واجب هنا، يعني ما وجب تقديمه هناك وجب تقديمه هنا، وما وجب تأخيره هنا قبل دخول كان فهو واجب تأخيره هناك. فمثال وجوب تقديمها على الاسم قولك كان في الدار صاحبها، هذا قبل دخول كان الخبر واجب التقديم في الدار صاحبها، لماذا؟ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، حينئذٍ وجب تقديمه من أجل أن يعود على متأخر رتبة لا لفظاً. إذا دخلت كان على مثل هذا التركيب وجب التزامه كما هو، فتقول: كان في الدار صاحبها، فصاحبها هذا اسم كان، وفي الدار جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره كائناً، إذا قدرت تقدر باعتبار المحل، هناك قدرناه كائنٌ زيد في الدار زيد كائنٌ بالرفع، وهنا تقول: كان في الدار صاحبه كائناً بالنصب؛ لأنه خبر، فقلنا الصحيح أن المتعلق هو الخبر وحده، والمتعلق هذا قيد فيه، وحينئذٍ الخبر خبر كان منصوب تقول: كائناً في الدار، ولا تقدره مرفوع كائن هكذا وتسكت! لا، كائناً بالنصب. فلا يجوز هاهنا تقديم الاسم على الخبر؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، ومثال وجوب تأخير الخبر عن الاسم قولك: كان أخي رفيقي. (كان أخي رفيقي) كيف نعربها؟ (كان) فعل ماضي، (أخي) اسم كان مرفوع، (رفيقي) خبر كان، هل يجوز التقديم والتأخير؟ لا يجوز. لماذا؟ للبس؛ لأنه لا يتبين من اللفظين أيهما الاسم وأيهما الخبر، إذاً كان صديقي عدوي نقول: لا يتقدم ولا يتأخر، كذلك إذا كان الخبر محصوراً ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً)) [الأنفال:35] مُكَاءً هذا بعد إلا، إذاً محصوراً فيه، إذاً لزم التأخير. أين كان زيد، هذا واجب التقديم؛ لأن كان قلنا لا تدخل على اسم الاستفهام، هذا خبر (أين)، وزيد هذا اسمها. هل كان زيد صديقَك، هنا لا يجوز أن يتقدم على هل، ولا أن يُفصل بينهما. وما عدا ذلك مما يمتنع تقديمه أو يجب تأخيره حينئذٍ نقول: الأصل الجواز، أنه يجوز أن يتوسط الخبر بين (كان) وبين اسمها. ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47] (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا) (نَصْرُ) هذا اسم كان، و (حَقًّا) هذا خبره، فتوسط بين هذا وذاك، وهذا أيضاً يؤخذ من المثال السابق كَكَانَ سَيِّداً عُمَرْ، عمر هذا اسم كان، وسيداً هذا خبره توسط بين الفعل والفاعل. ومثال ما توسط فيه الخبر قولك كان قائماً زيد، ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47].

((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ)) [البقرة:177] (الْبِرَّ) هذا خبر، و (أَنْ تُوَلُّوا) هذا اسمها مؤخر. وكذلك سائر أفعال هذا الباب من المتصرف وغيره يجوز توسط أخبارها بالشرط المذكور. أما خبر (ليس) فهذا بعضهم نقل فيه خلاف، والصواب أنه يجوز التوسط، وقد سمع: سَلِى إِنْ جَهِلتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهمُ ... فَلَيسَ سَواءً عَالمٌ وجهُولُ وذكر ابن معطي أن خبر دام لا يتقدم على اسمها، وهذا محجوج بالسماع: لاَ طِيبَ لِلعَيشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً ... لذَّاتُهُ بادِّكارِ الشَّيْبِ والهَرَمِ لا طِيبَ لِلعَيشِ ما دامتْ مُنَغَّصَةً فقدم الخبر هنا منغصة على لذاته فدل على جواز الأمرين. وفي جميعها توسط الخبر أجز، قيل: إجماعاً حكي الإجماع، مع أنه ثم خلاف في ليس ودام، لكن حكي الإجماع لأنه لم يلتفت إلى مخالفة ابن معطي ولا غيره. لقوله: ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47] وفي قراءة من نصب: ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا)) [البقرة:177] وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ ,يعني كل من العرب، أو النحاة حضر سبقه، يعني سبق الخبر دام. يفهم منه أن ما عدا دام يجوز أن يتقدم على الفعل في أول البيت - وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ - الكلام على تقدم الخبر على الاسم دون الفعل، والآن انتقل إلى مسألة وهي: تقدم الخبر على الاسم والفعل معاً. إذاً هذه مسألة ثانية وليست كالمسألة الأولى، المسألة الأولى توسط الخبر بين الفعل والاسم ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47] حينئذٍ هل يجوز أن يتقدم على الفعل نفسه؟ نعم، وكل سبقه حظر، وكل حظر سبقه دام، دل على أنه يجوز في غير دام، وأما دام فهذا محل نزاع، وكذلك ليس. يجوز تقديم أخبار هذا الباب على الأفعال إلا (دام) و (ليس) والمنفي بـ (ما) وهذا سينص عليه الناظم، إلا دام وليس، دام ذكرها هنا وليس سيأتي في الص؟؟؟. والمنفي بـ (ما) كذلك سيأتي تفصيله، فأما (دام) فحكي الاتفاق عليه؛ لأنه مشروطة بدخول (ما) المصدرية الظرفية، والحرف المصدري لا يعمل ما بعده فيما قبله كَأعْطِ مَا دُمْتَ مُصِيْبَا دِرْهَمَا، مصيباً ما دمت، هذا ممنوع باتفاق، لا يتقدم خبر ما دام على ما ودام معاً، وهذا محل وفاق، وأما أن يتقدم عليها دون ما فهذا محل نزاع، صوبه الشارح وغيره. إذاً: فأما دام فحكي الاتفاق عليها لأنها مشروطة بدخول (ما) المصدرية الظرفية، والحرف المصدري لا يعمل ما بعده فيما قبله، ودليل الجواز هو قوله تعالى: ((أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)) [سبأ:40] وجه الاستدلال ((أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ)) [سبأ:40] (إِيَّاكُمْ) هذا مفعول ليعبدون، ويَعْبُدُونَ هذا الخبر، قالوا: تقدم معمول الخبر يؤذن بجواز تقدم الخبر نفسه ((أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ)) (كَانُوا) الواو هذه اسم كان، و (يَعْبُدُونَ) الجملة في محل نصب خبر.

إياكم ما إعرابها؟ هـ مفعول به لقوله: (يعبدون) إذاً تقدم على الفعل معمول الخبر، قالوا: وتقدم معمول الخبر يؤذن ويشير إلى أن الخبر لو تقدم لا بأس به؛ لأنه هو فرع، وإذا تقدم الفرع فالأصل من باب أولى وأحرى، و (أَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُون) هذا أوضح، كانوا يظلمون أنفسهم، أَنْفُسَهُمْ ,هذا مفعول به ليظلمون، فتقدم على الفعل، فدل على أنه يجوز أن يتقدم الفعل لتقدم معموله. وَكُلٌّ أي: كل العرب والنحاة، سَبْقَهُ ,أي: سبق الخبر دام، دام هذا مفعول به لسبق وهو مصدر قصد لفظه ,حَظَرْ, أي: منع، أي أجمعوا على منع خبر دام عليها، وهذا تحته صورتان: الأولى أن يتقدم على (ما)، وهذا محل الإجماع. والصورة الثانية: أن يفصل بين (ما) و (دام)، هذه محل النزاع وليست داخلة في الإجماع. وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ، ومنعه الكوفيون في الجميع؛ لأن الخبر فيه ضمير الاسم فلا يتقدم على ما يعود عليه. إذاً مذهب البصريين جواز تقدم الخبر على الأفعال كلها إلا دام، والكوفيون على المنع لم يجيزوا، بناء على أصلهم السابق وَالْمُفْرَدُ الْجَامِدُ فَارِغٌ، قلنا الكوفيون يرون أن الجامد يتحمل ضميراً يعود إلى المبتدأ، فلو قدمناه هنا لعاد على متأخر لفظاً ورتبة، قالوا: هذا لا يجوز؛ لأنه متحمل للضمير، فمنعوا تقدم الخبر على أفعال هذا الباب، قالوا: لأن الخبر فيه ضمير الاسم، فلا يتقدم على ما يعود عليه. ومنعه ابن معطٍ في دام قيل: ورد للسماع وللقياس على سائر أخواتها للإجماع. ومنعه بعضهم فيما ليس تشبيهاً بـ (ما) في (ليس)، وهو محجوج بالسماع الذي ذكرناه سابقاً. قال: وأشار بقوله: وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ إلى أن كل العرب أو كل النحاة منع سبق خبر دام عليها، وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على (ما) المتصلة بها نحو: لا أصحبك قائماً ما دام زيد، ما دام زيد قائماً (ما دام زيد قائماً) (قائماً) هو الخبر ليس أصحبك، أصحبك هذا فعل. وعلى ذلك حمله ولده في شرحه ففيه نظر، والذي يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر دام على دام وحدها، أما الذي يمتنع هو أن يتقدم الخبر على ما ودام معاً، هذا محل الإجماع. وكلام ابن مالك رحمه الله تعالى: وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ يشمل الصورتين، يتقدم الخبر على ما ودام معاً، قائماً ما دمت، ما قائماً دمت .. على الصورتين نقل الإجماع، والإجماع مسلم في واحدة دون الأخرى، وهي أنه يمتنع تقدم الخبر على ما ودام، أما الفصل بين ما ودام فهذا محل خلاف. منعوا تقديمه على دام وحدها، ويتأخر عن ما وفي دعوى الإجماع على منعها نظر؛ لأن المنع معلل بعلتين: أولاً: عدم تصرفها، وهذا كما ذكرناه أنه سمع يدوم، إذاً لا يسلم أنها ليست متصرفة، وهذا معترض، وأيضاً هذا لا ينهض مانعاً بدليل اختلافهم في ليس مع الإجماع على عدم تصرفها. والأخرى -العلة الثانية-: أن ما موصول حرفي، ولا يوصل بينه وبين صلته، وهذا أيضاً مختلف فيه، والصورة الأولى -أن يتقدم على (ما) - أقرب إلى كلام الناظم، لماذا؟ لأنه سيقول:

كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ, فدل على أن الكلام في تقدم الخبر على (ما) و (دام) نفسها وليس على الفصل، لكن هذا من باب الاستحسان فقط، وإلا ظاهر كلامه أنه يشمل الصورتين: وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ حظر سبق دام مطلقاً سواء تقدم على دام وحدها دون ما أو على ما، لكن ذهب الأشموني إلى أن كلامه ظاهره -بالبيت الذي يليه- أن مراد الناظم أن يتقدم على ما ودام معاً؛ لأنه سيأتي سيقول: كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ، إذاً كذاك أي: مثل الذي سبق، فدل على أن مراده بما سبق: التقدم على ما وليس على الفصل بين ما ودام، هذا محتمل. إذاً أراد بهذا البيت أن يبين لنا حكم توسط الخبر بين الفعل واسم كان وأخواتها، وبين أن يتقدم الخبر على كان نفسها، فالأول مجمع عليه مطلقاً بدون استثناء، والثاني محل خلاف، وإن وقع خلاف في ليس ودام في الأول بالتوسط، لكن الصواب أنه يجوز مطلقاً. ثم قال رحمه الله: كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ ... فَجِىءْ بِهَا مَتْلُوَّةً لاَ تَالِيَهْ كَذَاكَ: أي: كما منعوا -أي النحاة أو العرب- وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ، كَذَاكَ, أي: كما منعوا أن يسبق الخبر (مَا) المصدرية كَذَاكَ, منعوا أن يسبق (مَا) النافية. (مَا) النافية عند البصريين لها الصدارة، حينئذٍ إذا كان لها الصدارة لا يتقدم عليها معمول ... مدخولها، ما كان زيد قائماً، لا يصح أن يقال: قائماً ما كان زيداً؛ لأن ما هذه لها الصدارة. وقوله: كَذَاكَ يوهم أن هذا الحكم وهو المنع مجمع عليه كالسابق؛ لأنه شبهه به قال: كَذَاكَ فذاك مجمع عليه وهذا مختلف فيه، حينئذٍ يوهم قوله: كَذَاكَ أن هذا الحكم وهو المنع مجمع عليه؛ لأنه شبهه بالمجمع عليه، وإنما أراد التشبيه في أصل المنع دون وصفه، ممنوع فقط مع خلاف، لكنه هو الصحيح، والأول ممنوع لكنه مجمع عليه، إذاً الصفة أو القدر المشترك هو المنع، أراد التشبيه في أصل المنع دون وصفه، فأما المنفي بـ (ما) غير زال وأخواته، وهو كان وأخواتها؛ لأن ما دخل عليه ما النافية قسمان، منه ما كانت (ما) شرطاً في إعماله وهو زال وأخواته، ومنه ما كان زائداً على أصل اللفظ وهو ما عدا الأربعة: ما كان زيد قائم، ما أصبح عمرو قائماً، ما أمسى زيد قائماً، ما هنا ليست شرطاً في إعمال هذه الأفعال، لكن ما زال، وما دام، وما انفك .. حينئذٍ هل الحكم مستوٍ؟ ظاهر كلام الناظم مستوٍ؛ لأنه قال: كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ خَبَرٍ بالتنوين الأصل (خَبَرِ مَا النَّافِيَهْ)، حينئذٍ يشمل ما كانت (ما) النافية شرطاً في عمله وما كانت ما النافية قدراً زائداً على مجرد العمل مثل: كان، وأصبح .. وغيرها. فَجىء بها مَتْلُوَّةً: (بها) الضمير يعود على ما النافية، مَتْلُوَّةً: يعني: متبوعة لا تابعة؛ لأن لها الصدر ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما دخلت عليه يشترط في عمله تقدم النفي كزال أو لا ككان، فهو حكم عام. فلا تقل قائماً ما كان زيد، هذا لا يصح قائماً ما كان زيد، قائماً ما زال عمرو، هذا كله لا يجوز، ولو كان شرطاً في إعماله، ولا قاعداً ما زال عمرو. قال في شرح الكافية: وكلاهما جائز عند الكوفيين.

يعني هذا الحكم خاص بالبصريين، وأما الكوفيون في النوعين -ما كانت ما شرطاً في إعماله وما لم تكن كذلك- جائز، لماذا؟ لأن ما ليس لها حق الصدارة، فمحل الخلاف هل (ما) له حق الصدارة أم لا؟ فمن قال: لها حق الصدارة منع، ومن لا فلا، وهذا محل الخلاف بين البصريين. قال في شرح الكافية: وكلاهما جائز عند الكوفيين؛ لأن (ما) عندهم لا يلزم تصديرها. إذاً نقول: أما المنفي بما غير زال وأخواته ففيه قولان: البصريون على المنع كما ذهب إليه الناظم هنا، والكوفيون على الجواز، ومنشأ الخلاف في أن ما النافية هل لها الصدر -صدر الكلام- أو لا؟ البصريون على الأول والكوفيون على الثاني. وأما زال وأخواته ففي تقديم الخبر عليها ثلاثة أقوال: الأول: المنع مطلقاً سواء نفيت بما أو بغيرها، والثاني الجواز مطلقاً وعليه الكوفيون؛ لأن (ما) ليس لها عندهم حق الصدارة، والثالث وهو الأصح وعليه البصريون: المنع إن نفيت بـ: ما؛ لأن لها الصدر والجواز إن نفيت بغيرها كلا ولم ولن، حينئذٍ هذه الألفاظ لا يزال ولن يزال، نقول: إذا قيل: لا يزال ولن يزال يجوز تقدم الخبر على الفعل نفسه، وأما إذا قيل: ما يزال، نقول: هنا (ما) لها الصدارة، فلا يجوز التقدم؛ إذاً لا بد من التفصيل. ولذلك خص الناظم هنا (ما) بالحكم، إذاً إذا نفي زال وأخواته بغير (ما) ليس داخلاً في المسألة معنا، لماذا؟ لأن الحكم معلل هنا، وهو أن سبب المنع هو كون (ما) لها حق الصدارة، إذاً لن ليس لها حق الصدارة (لا) النافية ليس لها حق الصدارة، (إن) النافية ليس لها حق الصدارة .. إذاً لا يمنع ذلك من تقدم الخبر على زال ونحوها، إذاً لا بد من التفصيل. كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ: يعني إذا وقعت (ما) النافية لفعل فالخبر الذي دخلت عليه، أو دخل عليه ذلك الفعل إن سبق بما النافية حينئذٍ ممنوع كالحكم السابق، لكن في أصل المنع لا في الإجماع. فَجىء بها مَتْلُوَّةً لاَ تَالِيَهْ، ومفهوم كلامه: أنه إذا كان النفي بغير (ما) يجوز التقديم؛ لأنه خص ما النافية، فما عداها لا يلتحق به الحكم. فتقول: قائماً لم يزل زيد، قائماً هذا خبر مقدم، لم يزل زيد (لم) حرف نفي، هنا نافية وجاز تقدم الخبر عليها لماذا؟ لكون لم ليس لها حق الصدارة في الكلام. ومنطلقاً لم يكن عمرو، ومنعهما بعضهم وهو الفراء. قال في شرح الكافية: عند الجميع جائز. كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ اصْطُفِي ... فَجِيءْ بِهَا مَتْلُوَّةً لاَ تَالِيَهْ ...................................... إذاً البيت السابق عرفنا المراد منه: أن الخبر لا يتقدم على الفعل المنفي بـ (ما) سواء كانت ما شرطاً في إعماله أو لا.

مفهومه: أنه إذا سبق بغير ما من الأدوات النفي جاز، ومفهوم كلامه أيضاً جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفي بما، بمعنى التوسط بين ما والفعل، ما قائماً كان زيد، هذا من باب الجواز فقط وإلا فيه ركاكة، ما قائماً كان زيد، يجوز؛ لأن المنع أن يتقدم على (ما) وهنا لم يتقدم على ما، وإنما تحايل تقدم على الفعل فحسب، ما قائماً كان زيد. جائز أو لا؟ جائز، هل نأخذه من كلام الناظم؟ نعم يدل عليه؛ لأنه قال: سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ، أن يتقدم الخبر على ما النافية، فلو تقدم على الفعل ولم يتقدم على (ما) النافية فهو جائز، فالأصل جوازه وعليه الأكثرون توسط الخبر بين (مَا) والمنفي بها نحو: ما قائماً كان زيد، ومنعه بعضهم لأن الفعل مع ما كحبذا، فلا يفصل بينهما، ما كان مثل حبذا، لكن لا، حبذا هذا تركيب مثل بعلبك أو حضرموت، وأما ما كان ليس فيه تركيب، وإنما هو سبق حرف لفعل مثل: لم يكن، هذا ليس مركباً. ثم قال: وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ اصْطُفِي وَمَنْعُ: هذا مبتدأ. اصْطُفِي: يعني اختير، الجملة خبر المبتدأ، ما الذي اختير؟ مَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ يعني: لا يتقدم خبر ليس على ماذا؟ على اسمها دونها؟ سبق حكمه في قوله: وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطَ الْخَبَرْ أَجِزْ، قلنا: هذا عام، وهنا يتكلم عن الفعل نفسه. وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ اصْطُفِي: أي: منع من منع أن يسبق الخبر لَيْسَ اصْطُفِي. أي منع من منع أن يسبق الخبر ليس اصطفي أي: اختير، وهو رأي الكوفيين، بضعفها بعدم التصرف هي ضعيفة، وشبهها بما النافية، قياساً على فعل التعجب وعسى ونعم وبئس قالوا: هذه غير متصرفة، إذا كان الفعل ليس متصرفاً قالوا: هذا يضعف في التعامل مع معمولاته، إذا كان جامداً حينئذٍ لا يحصل له ما يحصل للمتصرف من حيث تقديم المفعول وتقديم الاسم أو متعلق المفعول أو متعلق الخبر .. إلى غير ذلك، فإذا كان جامداً حينئذٍ يلزم حالة واحدة هذا الأصل. وهنا ليس أشبهت فعل التعجب، سبق أن (ما) التعجبية مبتدأ لا يجوز تقدم الخبر عليها، حينئذٍ نقول: ليس هنا أشبهت (ما) التعجبية، فعل التعجب، لماذا؟ لأنه لا يجوز أن يتقدم على مبتدئه. وبعضهم أجاز ونسب إلى الجمهور استدلالاً بقوله تعالى: ((أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ)) [هود:8] ((لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ)) لَيْسَ ,هو، مَصْرُوفًا هذا خبر ليس، تقدم أو تأخر؟ تأخر، نحن نستدل بهذه الآية على تقدم الخبر على ليس، وهنا تأخر قالوا: ((يَوْمَ يَأْتِيهِمْ)) يَوْمَ هذا منصوب على ماذا؟ على الظرفية، والعامل فيه مصروفاً وهو الخبر، فتقدم على ليس، وتقدُّم معمول الخبر على الفعل يؤذن بجواز تقدم الفعل نفسه؛ لأنه لو لم يكن جائز أن يتقدم مصروفاً ما جاز أن يتقدم معموله؛ لأن المعنى واحد ارتباط العامل بالمعمول شيء واحد، والمعمول مكمل للعامل، والعامل لا يكمل إلا بمعموله، فإذا تقدم المعمول وهو فرع له وأثره، ومعناه موجود فيه، حينئذٍ يؤذن بجواز تقدم الخبر نفسه، وهذا واضح واستدلال جيد.

أجيب من جهة المانعين بأن يوم هذا ظرف، وأن القاعدة أنهم يتوسعون في الظروف والمجرورات ما لا يتوسعون في غيره، حينئذٍ ألحق بالقاعدة العامة وهو: أن الظروف والمجرورات هذه يتوسع فيها، يتوسع فيها بماذا؟ يعني يتساهل فيها، لا نأتي نطبق الأحكام بالمنع والإيجاب إلى آخره على الظرف والجار؛ لأنه ضعيف، الضعيف لا نقوى عليه إنما نقوى على القوي، فنقول الضعيف هذا لا يعتبر حجة في إثبات الأحكام. إذاً ((أَلا يَوْمَ)) يَوْمَ نقول هذا معمول مَصْرُوفًا وهو خبر ليس فتقدم على ليس، دل عند الجمهور على جواز تقدم الخبر، أجيب -هذا الاستدلال- بأن يوم ظرف، ويتوسع في الظرف والمجرورات ما لا يتوسع في غيرها. وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرٍ لَيْسَ اصْطُفِي: (وَمَنْعُ سَبْقِ) مبتدأ هذا منع، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل محذوف، وسبق هذا مصدر مضاف إلى فاعله وهو خبر، و (لَيْسَ) ما إعرابه؟ قصد لفظه وهو مفعول اصْطُفِي هذه الجملة خبر. إذاً: يمنع تقدم خبر ليس عليها، اختلف النحويون في جواز تقديم خبر ليس عليها، وذهب الكوفيون والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين ومنهم المصنف إلى المنع؛ لعدم السماع، ولأنه فعل غير متصرف قياساً على نعم وبئس ونحوها .. وذهب أبو علي الفارسي وابن برهان إلى الجواز فتقول: قائماً ليس زيد، واختلف النقل عن سيبويه، فنسب قوم إليه الجواز وقوم المنع، له قولان، ولم يرد من لسان العرب تقدم خبرها عليها، وإنما ورد من لسانهم ما ظاهره تقدم معمول خبرها عليها كقوله تعالى: ((أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ)) إلى آخره. وبهذا استدل من أجاز تقديم خبره عليها وتقريره أن يوم يأتيهم معمول الخبر، الذي هو مصروفاً، وقد تقدم على ليس. قال: ولا يتقدم المعمول إلا حيث يتقدم العامل، والجواب ما ذكرناه. ثم قال: وَذُو تَمَامٍ، ونقف على هذا، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... !!!

34

عناصر الدرس * أقسام (كان) ـ وأخواتها من حيث التمام والنقصان ومعناهما * هل يلي معمول الخبر العامل؟ * تختص كان دون أخواتها بأربعة امور * زيادتها _خذفها_حذف نون مضارعها. * مسائل مهمة وفوائد. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصالة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: ................................. ... وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي فَتِىءَ لَيْسَ زَالَ دَائِمَاً قُفِي وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ والنَّقْصُ فِي أشار بهذا البيت إلى أن هذه الأفعال النواسخ تنقسم إلى قسمين: منها ما هو تام، ومنها ما هو ناقص. وبعضها يأتي ناقصاً فحسب ولا يأتي تاماً يعني يلازم النقص، وبعضه قد يكون تارة ناقصاً ويكون تارة تاماً. وَذُو تَمَامٍ: ..... عرفنا أن منها ما هو تام ومنها ما هو ناقص. ما هو التام وما هو الناقص؟ هذا فيه خلاف بين النحاة، والأصح أن التام ما اكتفى بمرفوعه، يعني: عن طلب المنصوب. والناقص: هو ما لا يكتفي بمرفوعه فيحتاج ويفتقر إلى المنصوب، فحينئذ (كان) نفسها إذا افتقرت إلى المنصوب رفعت الاسم ونصبت الخبر قلنا: هذه ناقصة. وإذا لم تنصب الخبر وإنما اكتفت برفع الفاعل حينئذ نقول: هذه تامة. وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي وَذُو تَمَامٍ: يعني من أفعال هذا الباب أي: التام منها. مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي: مَا .. اسم موصول بمعنى الذي. يَكْتَفِي: هذا صلتها. بِرَفْعٍ: هذا جار ومجرور متعلق بـ يكتفي، والمراد به: مرفوع، فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول. إذاً: ما اكتفى بمرفوعه هو الذي يعبر عنه بأنه ذو التمام. وَذُو تَمَامٍ: أي من أفعال هذا الباب أي: التام منها. مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي: أي: الذي يكتفي برفع، أي: يستغني بمرفوعه عن منصوبه، وحينئذ هذا المرفوع لا نقول: اسم (كان) واسم (أصبح) لا، نقول: فاعل، مثل: قام زيد، ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280] نقول: كَانَ: فعل ماض تام ولا نقول ناقص. وذُو عُسْرَةٍ: فاعل، مثل: قام زيد. إذاً: خرجت عن كونها ناقصاً تدخل على المبتدأ والخبر وترفع فاعلاً صريحاً، إن كان ذو عسرة {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} نقول: هذه تامة ترفع الفاعل الصريح، نعربه فاعلاً مثلما نعرب زيد من قولك: قام زيد، قام: فعل ماض، وزيد: فاعل. ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280] كَانَ: فعل ماض تام. وذُو عُسْرَةٍ: هذا فاعل، ليس عندنا خبر وليس عندنا (اسم كان) ولا غيرها. وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ: يعني ما بمرفوع يكتفي، أي: يستغني بمرفوعه عن منصوبه، وهذا المرفوع فاعل صريح. وَمَا سِوَاهُ: والذي سواه، أي: سوى المكتفي بمرفوعه. وَمَا سِوَاهُ: الضمير يعود على المكتفي بمرفوعه. وَمَا سِوَاهُ: أي: سوى المكتفي بمرفوعه نَاقِصٌ، لافتقاره إلى المنصوب، نَاقِصٌ لماذا؟ لافتقاره إلى المنصوب. إذاً: عرف لنا التام والناقص، في هاتين الجملتين عرف لنا التام ما هو، قال: ما برفع يكتفي. وَمَا سِوَاهُ: وما سوى المكتفي بمرفوعه نَاقِصٌ، يعني: الذي يفتقر إلى المنصوب، هذا عرف لنا على جهة العموم. ثم قال: ....... وَالنَّقْصُ فِي ... فَتِىءَ لَيْسَ زَالَ دَائِمَاً قُفِي

دَائِماً قُفِي: تُبع، حينئذ بهذا التعبير الذي هو حصر لنا أن منها ما هو ناقص أبداً ولا يكون تاماً، فما عداه يكون ناقصاً وتاماً، أثبت لنا النقص -ما لا يخرج عن النقص- وما عداه حينئذ ما لم يذكره من النواسخ نقول: هذا يكون تارة تاماً ويكون تارة ناقصاً. والنَّقْصُ: النَّقْصُ هذه (أل) للعهد الذكري؛ لأنه قال: وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ. ((إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)) [المزمل:16] مثلها، أعيدت النكرة معرفة، فهي عين الأولى. إذاً: والنقص السابق المذكور وهو الافتقار إلى المنصوب في فتئ وليس، وزال: هذا ماضي يزال قُفِي: تبع دائماً، فلا تستعمل هذه الثلاثة تامة بحال، لا تكون إلا ناقصة، وما عداها يكون تارة ناقص، وتارة أخرى تاماً، وما سواها يستعمل ناقصاً وتاماً. إذاً: فتئ وليس وزال دائماً قفي، دائماً هذه حال من الضمير المستتر في قفي، تقدم عليه، يعني: قفي دائماً بمعنى أنه مستمر لا ينفك عن النقص بحال من الأحوال. إذاً: كل هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامة إلا فتئ وزال التي مضارعها: يزال، لا التي مضارعها: يزول؛ فإنها تامة. هذه الأفعال نواسخ كلها. قوله: كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ .. إلى آخره، نقول: هذه تسمى نواقص. وسبق خلاف: هل تدل على حدث أم لا؟ هل (كان) تدل على حدث؟ هل (أصبح) تدل على حدث أم لا؟ الصحيح قلنا: أنها تدل على حدث، لأنها الأصل في وضع الأفعال أن تكون متضمنة للحدث. ثم الكثير منها سمع له مصادر، وهل المصدر إلا الحدث؟ إذا قيل: (كان) مشتقة من الكون والكون هو عين الحدث مصدر، فحينئذ نقول: (كان) هذه متضمنة للحدث ولا شك، وكذلك الصباح والمساء ونحو ذلك. إذاً: هذه الأفعال تسمى نواقص، قيل: لعدم دلالتها على الحدث بناءً على أنها لا تفيد، وهذا مشهور عند النحاة: أن (كان) الناقصة لماذا سميت ناقصة؟ لأنها لا تدل على حدث، وإنما هي لمجرد الربط -ربط الخبر بالمبتدأ- في الزمن الماضي فحسب، فهي زمانية محضة جردت للزمن، كان زيد قائماً ماذا أفادت؟ أفادت اتصاف زيد بالقيام في الزمن الماضي فقط؛ لأن القيام هو مدلول الجملة، الحدث الموجود في الجملة الآن ما هو؟ هو القيام فحسب. و (كان) ما وظيفتها؟ قالوا: أضافت القيام إلى زيد وقيدته بكونه في الزمن الماضي فحسب، أما (هي) هل تدل على حدث عند الكثيرين؟ لا، الصواب أنها تدل على حدث، ولذلك عند بعضهم سميت ناقصة لكونها لا تدل على حدث؛ لأن الأصل في الفعل أن يكون متضمناً لشيئين: زمن وحدث. هنا الأصل فيها (كان) أن تدل على حدث وزمن، لكن دلت على الزمن، إذاً: نقصت أو لا؟ نقصت أحد جزئي الفعل، قام: يدل على حدث وهو القيام وأنه في زمن مضى. (كان) لا تدل على حدث، وإنما تدل على زمن مضى، إذاً: هي ناقصة. فنقصها لأحد جزئي الفعل الذي يوضع له في أصل لسان العرب سميت ناقصة، وهذا مشهور عند كثير من النحاة والصواب خلافه.

تسمى نواقص؛ قيل: لعدم دلالتها على الحدث، بناءً على انها لا تفيده، لا تدل عليه، والأصح لعدم اكتفائها بالمرفوع. هذا الأصح، إنما سميت نواقص؛ لأنها لا تكتفي بالمرفوع، لعدم اكتفائها بالمرفوع؛ لأن فائدتها لا تتم به فقط بل تفتقر إلى المنصوب. كان زيد هل اكتفت في الدلالة؟ لا، ما اكتفت؛ لأن الأصل في دخول (كان) قلنا: نواسخ تنسخ المبتدأ، حكم المبتدأ والخبر، هذا الأصل، وحينئذ دخلت على ما هو عمدة من حيث المبتدأ ومن حيث الخبر، حينئذ لا يتم معناها إلا بالنصب للخبر، كان زيد هكذا لوحدها نقول: هذا لا يفيد شيئاً الأصل فيه، وحينئذ لا بد من منصوب تتعدى إليه بعد رفعها للمبتدأ على انه اسم لها؛ لأن فائدتها لا تتم به فقط، بل تفتقر إلى المنصوب. ثم منها -من النواسخ-: ما لزم النقص فحسب ولا يتعداه بحال من الأحوال وهو (ليس) باتفاق، وهذا محل وفاق أنها لا تستعمل تامة، وإنما تكون ناقصة، وسيأتي أنه يجوز حذف خبرها عند سيبويه وتبعه ابن مالك رحمه الله تعالى. ليس أحد هنا، ليس أحد هكذا سمعت. ليس أحد هنا، وأما: (ليس أحد) لوحدها نقول: هذا ليست تامة، بل هي ناقصة والخبر محذوف. منها: ما لزم النقص وهو (ليس) باتفاق، و (زال) خلافاً للفارسي، و (فتئ) خلافاً للصاغاني، وحينئذ (زال وفتئ) محل خلاف؛ هل ملازمة للنقص أم لا؟ تأتي تامة أو تأتي ناقصة؟ هذا محل خلاف، والجماهير على أنها لا تأتي تامة بل هي ملازمة للنقص، وهذا الذي رجحه ابن مالك كما قال: .... وَالنَّقْصُ فِي ... فَتِىءَ لَيْسَ زَالَ دَائِماً قُفِي وبقية الأفعال -يعني: عدا (ليس وزال وفتئ) - تستعمل بالوجهين: تارة تأتي تامة فتكتفي بمرفوعها عن طلب منصوبها، وتارة تأتي ناقصة وحينئذ لا بد من منصوب ولا بد من مرفوع، فإن استعملت تامة اكتفت بالمرفوع، فتكون حينئذ (كان) لها معاني مختلفة غير (كان) التي تكون ناقصة؛ لأنها خرجت عن النقص، وحينئذ لا بد من معنىً نستقرأ كلام العرب فنثبت لها معنى، فإذا كانت تامة (كان) حينئذ تأتي بمعنى ثبت، كان الله ولا شيء معه، مثلوا بهذا لدلالتها على ثبت، كان الله يعني: ثبت الله، ولا شيء معه. وتأتي بمعنى: حدث، نحو: إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأدْفِئُونِي، إذا حدث، ووجد مثلها. وحضر؛ نحو: ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280]. وتأتي بمعنى: وقع، نحو: ما شاء الله كان، يعني: ما شاءه الله وقع، وحينئذ (كان) بمعنى وقع. وكفل وغزل، يعني: تأتي بمعنى كفل، يقال: كنت الصبي كفلت الصبي، كنت الصبي، هذا توري به، كنت الصبي، يعني: كفلت الصبي. وكنت الصوف، يعني: غزلته. وأصبح وأضحى وأمسى بمعنى: دخل في الصباح والضحى والمساء. وظل بمعنى: دام أو طال أو أقام نهاراً. وبات بمعنى: أقام ليلاً أو نزل بالقوم ليلاً. وصار: تأتي بمعنى رجع؛ ((أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ)) [الشورى:53] يعني: ترجع الأمور. وضم وقطع: ((فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)) [البقرة:260] فصرهن بمعنى: قطع، وضم. ودام بمعنى: بقي. وانفك بمعنى: خلص أو انفصل، نحو: انفك الأسير أو الخاتم.

وبرح بمعنى: ذهب أو ظهر. واختلف في (كان) الشانية؛ هل هي ناقصة، أم تامة، أم أنها قِسم برأسها؟ فالجمهور على أنها ناقصة، وقيل: من أقسام التامة، وقيل: قسم برأسها. الصحيح أنها من أقسام الناقصة. إذاً: (كان) تأتي تامة وتأتي ناقصة إذا جاءت تامة حينئذ تكتفي بمرفوعها عن منصوبها. {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة] إن وجد إن ثبت لا بأس، تتناوب. وقوله تعالى: ((خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ)) [هود:107] يعني: ما بقيت السَّمَوَاتُ، هنا (دام) تامة، فحينئذ تكتفي بمرفوعها. ((مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ)) [هود:107] يعني: ما بقيت. ((فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)) [الروم:17] تمسون أي: تدخلون في المساء، وتصبحون يعني: تدخلون في الصباح. وهذا هو معنى التمام. إذاً: وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ ما سوى الذي لا يكتفي بمرفوعه، بل لا بد أن يفتقر إلى منصوب فينصبه، وحينئذ نقول: هذا ناقص. ثم الأفعال قسمان: منها ما هو لازم للنقص، وهو الذي حصره في الشطر الآتي: والنقص في فتئ وليس وزال على إسقاط حرف العطف. دَائِماً قُفِي: يعني تُبع دائماً. وما عداه حينئذ يأتي بالوجهين: تارة يكون تاماً، وتارة يكون ناقصاً. أشار إلى أن التمام: الاكتفاء بالمرفوع، والنقصان: الافتقار إلى المنصوب. وتسمية هذه الأفعال ناقصة لنقصانها عن بقية الأفعال بالافتقار إلى شيئين، وقيل: لنقصانها عنها بتجردها عن الحدث، أي: من الحدث المقيد؛ لأن الدال عليه هو الخبر، أما هي فتدل على حدث مطلق يقيده الخبر حتى (ليس) وحدثها الانتفاء، (ليس) الجمهور على أنها ليس لا حدث، وإنما هي لنفي الحال فقط، للنفي هل لها حدث؟ ليس لها حدث، وذهب الرضي إلى أن لها حدث وهو الانتفاء، وحينئذ الانتفاء هذا مصدر انتفى ينتفي انتفاءً، حدثها هو الانتفاء، ورده عليهم كثير، لماذا؟ لأنها وإن كانت فعلاً إلا أنها من جهة أصل الوضع دلت على حدث، لكن باستعمالها لنفي الحال جردت عن الحدث، وهذا موافق لما ذكروه في تعريف الفعل. وحدثها الانتفاء، فإذا قلت: كان زيد قائماً أو ليس زيد قائماً فكأنك قلت في الأول: حصل شيء لزيد حصل القيام، حصل شيء لزيد هذا عام، حصل القيام، وفي الثاني انتفى شيء عن زيد، انتفى القيام، فيكون في الكلام إجمال ثم تفصيل، وعليه؛ فتعمل في الظروف، وقيل: لا تدل على الحدث أصلاً بل هي لنسبة الحدث الدال عليه خبرها إلى مرفوعه وزمانه. وهذا خلاصة ما ذكره الرضي لأنه خالف الجمهور في هذه المسألة بأن (ليس) لها حدث وهو الانتفاء. وكثير من النحاة يرون أنها ليست دالة على حدث. ثم قال رحمه الله تعالى: وَلاَ يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ ... إِلاَّ إِذَا ظَرْفاً أَتَى أَوْ حَرْفَ جَرْ

(كان) تدخل على جملة المبتدأ والخبر، فترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها، وحينئذ هي عملت في الاسم وعملت في الخبر. يرد السؤال هنا: هل (كان) باعتبار الاسم وباعتبار الخبر؛ هل هما أجنبيان أم لا؟ الأجنبي عندهم: الذي لا علاقة له بالعامل، هذا الأجنبي. هل لها علاقة أو لا؟ قطعاً واضح، نقول: (اسم كان) إذاً عملت فيه الرفع، إذاً ليس بأجنبي عنها، (اسم كان) ليس بأجنبي عنها، وخبرها كذلك ليس أجنبياً عنها؛ لأنها عملت في الاسم فصار بينهم علاقة، وعملت في الخبر فصار بينهما علاقة، فحينئذ: إذا كان الخبر عاملاً في غيره: كان زيد ضارباً عمْراً، عمْراً هذا إعرابه مفعول به، لضارباً، ضارباً هذا إعرابه خبر (كان). إذاً: كان زيد ضارباً عمْراً، عمْراً هذا معمول الخبر، عرفنا أن الخبر نفسه ليس بأجنبي عن (كان)، لكن معمول الخبر هل هو أجنبي عن (كان) أم لا؟ هذا محل نزاع وهو الذي أراده الناظم بهذا البيت. معمول الخبر إذا نصب الخبر أو رفعه أو تعلق به ظرف أو جار ومجرور حينئذ ما علاقة هذا المعمول بالعامل - (كان) الأصلي-؟ هل هو أجنبي أم لا؟ إن قلت: أجنبياً؛ حينئذ لا يجوز أن يلي هذا المعمول (كان)؛ لأنك فصلت بين العامل الأصلي (كان) وبين معموليه، وإذا قلت: لا، ليس بأجنبي بل هو معمول لأن عامله معمول لـ (كان) حينئذ جاز أن يلي (كان) معمول الخبر، هذا محل النزاع، البصريون –جماهيرهم- على أنه يمنع أن يلي (كان) معمول الخبر، لماذا؟ لأنه أجنبي، والكوفيون على الجواز لأنه ليس بأجنبي، لأنه يعتبر كالجد، (كان) جد بالنسبة لعمْراً، وحينئذ إذا فصل بين (كان) ومعموليها بمعمول الخبر حينئذ ليس فيه مخالفة للأصل؛ لأن ألا يفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، وهذا متفق عليه لا إشكال فيه، في الجملة متفق عليه، وإنما الخلاف: هل هذه الصورة داخلة تحت هذا الأصل أم لا؟ البصريون على دخولها، وحينئذ يمنع أن يلي العامل معمول الخبر، والكوفيون على الجواز؛ لأنه ليس بأجنبي فحينئذ لا بأس أن يلي العامل معمول الخبر. هذا هو محل النزاع. إذاً: وَلا يَلِي الْعَامِلَ، ما مقصوده بالعامل هنا؟ (كان وأخواتها). لا يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ: معمول الخبر من مفعول أو حال أو ظرف أو جار ومجرور، كل ما تعلق بالخبر، فحينئذ: هل يجوز معمول الخبر أن يلي (كان وأخواتها)؟ هذا محل النزاع. المصنف هنا اختار ماذا؟ قال: وَلا يَلِي نفي بمعنى النهي، لا يَلِي الْعَامِلَ: الذي هو (كان وأخواتها) مَعْمُولُ الْخَبَرْ: لا يليه لأنه أجنبي عنه، فحينئذ يكون قد فصل بين العامل ومعموليه، وهذا باطل مخالف لأصله. وَلا يَلِي الْعَامِلَ: الْعَامِلَ هذا مفعول به.

ومَعْمُولُ الْخَبَرْ: هذا فاعل يلي. ولا يلي معمول الخبر العامل، سواء كان مفعولاً أو حالاً أو غيرهما، مطلقاً عند جمهور البصريين، يعني: سواء تقدم الخبر على الاسم أم لم يتقدم؛ لأن هذا يدخل تحته صورتان: إما أن يتقدم معمول الخبر على الاسم فقط، وإما أن يتقدم الخبر ومعمول الخبر على الاسم أيضاً مع كون المعمول تالياً لـ (كان)، وتحته صورتان: البصريون مطلقاً على المنع، سواء تقدم الخبر على الاسم، نحو: كان طعامَك آكلاً زيد، كان زيد آكلاً طعامَك، هذا التركيب الأصل فيه: كان زيد آكلاً طعامك، آكلاً: هذا خبر كان، والفاعل هو، وطعامك: هذا مفعول به. هل يجوز أن يقال: كان طعامك زيد آكلاً؟ لا. كان طعامك آكلاً زيد؟ لا، مطلقاً، فتحته صورتان: أن يتقدم الخبر على الاسم، فيقال: كان طعامك آكلاً زيد، زيد هذا متأخر وهو اسم (كان)، وآكلاً: هذا خبرها، تقدم على الاسم، وتقدم معمول آكلاً معمول الخبر على الخبر فتلا (كان)، هذا ممتنع عند البصريين. أم لم يتقدم، نحو: كان طعامك زيد آكلاً، آكلاً هذا في محله، وزيد في محله لم يتقدم الخبر على الاسم، وإنما تقدم معمول العامل على الاسم فتلا العامل. إذاً: هذا ممنوع مطلقاً، لماذا؟ للفصل بين العامل ومعموليه بأجنبي. وأجازه الكوفيون مطلقاً؛ لأنه سيأتي استشهادهم بقوله: بِمَا كان إيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا وخُرِّجَ على زيادة (كان) أو ضمير الشأن، كما سيأتي. استثنى الناظم صورة واحدة وهي: إذا كان معمول الخبر ظرفاً أو حرف جر، حينئذ يجوز؛ لأنهم يتوسعون في الظروف والمجرورات ما لا يتوسعون في غيرهما، فيستثنى هذا لما ذكرناه من الأصل. إلاَّ إذَا ظَرْفاً أَتَى: إلا إذا أتى معمول الخبر حال كونه ظرفاً كعند، أو حرف جر مع مجروره، إذا جاء معمول الخبر ظرفاً أو حرف جر ليس لوحده بل مع مجروره لأنه يستلزمه؛ حينئذ يلي العامل اتفاقاً، وهذا لا إشكال فيه؛ لأن الكوفيين يجيزون ما هو أشد من هذا وهو: كان طعامك زيد آكلاً، إذا أجازه الكوفيون طعامك وهو اسم أجنبي واضح بين ولا يتوسع فيه فجوازهم للمجرورات والظروف من باب أولى وأحرى، فهو محل وفاق بين البصريين والكوفيين، فالاستدلال حينئذ ليس لإثبات الكوفيين، لأنهم يثبتونه مطلقاً، الجواز عندهم مطلقاً؛ لأن معمول الخبر ليس أجنبياً عن العامل الأصلي وهو كان، فحينئذ جوازه هنا باتفاق، أن يكون معمول الخبر ظرفاً أو حرف جر. للتوسع في الظروف والمجرورات: كان عندك زيد جالساً، زيد: اسم كان، وجالساً: خبرها، وعندك: هذا ظرف متعلق بجالس، هو معمول له، لأن (عند) منصوب على الظرفية. وَعِندَ فِيهَا النَّصبُ يَستَمِرُّ ... لَكنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ وحينئذٍ؛ تلى (عِندَ) العامل وهو معمول لخبر (كان)، هذا جائز باتفاق، لماذا؟ لأنه ظرف. كان في الدار زيد جالساً، جالساً في الدار، تقدم المعمول وهو جار ومجرور، هذا جائز؛ لأنه جار ومجرور، وهم يتوسعون في الجار والمجرور أكثر من توسعهم في غيره. إذاً: وَلا يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ إلاَّ .. استثنى مسألة واحدة: وهي إذا كان معمول الخبر ظرفاً أو حرف جر.

قال: ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة. لو قال: كان آكلاً طعامك زيد، يجوز؟ هذا مثل: ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) [الروم:47] فيجوز لتقدم الخبر على الاسم، وهنا لم يتلُ معمول الخبر العامل، وإنما الذي تلاه هو الخبر وليس بأجنبي. إذاً: يخرج من كلامه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم. وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة؛ لأنه لم يلي (كان) معمول خبرها، فتقول: كان آكلاً طعامك زيد، ولا يمنعه البصريون، وهذا واضح بين لعدم وجود الأجنبي الذي يلي (كان). وَمُضْمَرَ الشَّانِ اسْماً انْوِ إِنْ وَقَعْ ... مُوهِمُ مَا اسْتَبَانَ أَنَّهُ امْتَنَعْ نحن قعدنا قاعدة: أن معمول الخبر لا يلي (كان)، إذا سمع في لسان العرب ما ظاهره أن معمول الخبر تلا (كان) ماذا نصنع؟ لا بد من التأويل، وهذه طريقة البصريين، لا بد من التأويل. من التأويل الصحيح عندهم: أنه يجعل اسم (كان) ضمير الشأن محذوف واجب الحذف، والجملة التي تليه مبتدأ وخبر في محل نصب خبر (كان)، وحينئذ لم يلي كان معمول الخبر، فصلوا بين كان والجملة التي تليها بالاسم المحذوف وهو مضمر الشأن. قال: وَمُضْمَرَ الشَّانِ: هذا مفعول مقدم لـ: انْوِ، وهو من إضافة الدال إلى المدلول. َمُضْمَرَ الشَّانِ: هذا الضمير التفسيري يسمى، المفسر، وبعضهم يسميه ضمير القصة، وهو يرجع إلى جملة بعده كما ذكرناه، يرجع إلى جملة، يعني: لا بد أن يفسر بجملة، ومرجعه يكون متأخراً، وأبرز وأوضح مثال: ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1] هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، " هُوَ": هذا مبتدأ، هذا ضمير الشأن. اللَّهُ أَحَدٌ: مرجع الضمير الجملة هي التي فسرها، لو قال: " هُوَ" هو، على أي شيء يرجع هذا؟ ليس له مفسر، لو قال هكذا لوحده: " هُوَ"، وهو قول الصوفية وغيرهم، نقول: هذا ليس له مرجع، ليس بكلام، هذه خرافة؛ لأن " هُوَ" لا بد من مرجع ضمير مفسر، هذا بإجماع النحاة. الأصل في الضمير أن يكون مرجعه سابقاً عليه، وهنا في ضمير الشأن يكون مرجعه متأخراً ثم يكون جملة ولا يكون مفرداً، زيد ضربته مرجع الضمير زيد وهو مفرد، لكن هنا: ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1] اللَّهُ: مبتدأ، وأَحَدٌ: خبر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول، وحينئذ نقول: مرجع الضمير الجملة، والجملة مفسرة للضمير. وَمُضْمَرَ الشَّانِ اسْماً انْوِ: انْوِ مُضْمَرَ الشَّانِ اسْماً، اسماً لماذا؟ لـ (كان). انو مضمر الشأن، {إنما الأعمال بالنيات} انْوِ، فهو ليس مذكوراً، وإنما يقدر وينوى، فحينئذ: انو مضمر الشأن حالة كونه اسماً، اسماً لماذا؟ لأي شيء؟ لـ (كان) من أجل فك الجملة عما بعدها، ولأجل ألا يلي معمول الخبر (كان) فنأتي باسم محذوف هو ضمير الشأن، انو في العامل مضمر الشأن اسماً حال من مضمر، أي: حالة كونه محكوماً باسميته لـ (كان) فيفيد أن (كان) لشأنية، هذه تسمى (كان) الشأنية، (كان) على أنحاء، (كان) الناقصة و (كان) التامة و (كان) الشانية و (كان) الزائدة، أربعة أنواع، مر معنا ثلاث، هذه الثالثة، وبقي (كان) الزائدة: وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوٍ

أربعة أنواع: (كان) الناقصة، و (كان) التامة وأشار إليها بقوله: وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ وهذه (كان) الشانية والصحيح أنها نوع من الناقصة، وهي يلجأ إليها عند تقدير الاسم ضمير الشأن. كان الناس صنفان، وإلا الناس صنفان، بعضهم رأى أنه قد ترفع (كان) الجزأين: الاسم، وهذا لا إشكال فيه، والخبر، صنفان والأصل نقول: صنفين، وحينئذ تخريجاً لهذا الفرع المخالف للأصل المتفق عليه لا بد من التأويل. كَانَهُ أو كان هوَ الناس صنفان، كان هو الحال والشأن الناس صنفان، هنا مثله، .. لـ (كان) فيفيدنا أن (كان) الشانية ناقصة وهو الأصح؛ لأنه لم يثبت في كلامهم ضمير الشأن إلا مبتدأ في الحال أو في الأصل، في الأصل قبل دخول (كان) هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، أو في الحال وهو: كَانَهُ، الذي معنا. كَانَهُ، نحو: ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)) [الإخلاص:1] وقيل: تامة فاعله الضمير والجملة مفسرة له، وقيل: واسطة. انو مضمر الشان اسماً، يعني: انو في العامل مضمر الشان حال كونه اسماً لـ (كان). إِنْ وَقَعْ: شيء من كلامهم وثبت مُوهِمُ: جواز مَا اسْتَبَانَ وظهر لك أَنَّهُ امْتَنَعْ، وهو أنه لا يلي العامل معمول الخبر، إن جاء في لسان العرب ما ظاهره أنه قد ولي العامل معمول الخبر حينئذ وجب التأويل، وصورة هذا التأويل ماذا؟ أن ننوي اسم (كان) محذوفاً وهو ضمير الشأن. قال الشاعر: قَنَافِذُ هَدَّاجُون حَوْلَ بُيوتِهِم ... بِمَا كَان إيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا الكوفيون استدلوا بهذا على أنه لا يمتنع، أن يلي (كان) معمول الخبر، لماذا؟ لأن عطية اسم (كان)، وعَوَّدَا: هذا فعل ماضي، والجملة في محل رفع خبر (كان). إيَّاهُمْ عودهم، هذا الأصل، عطية عودهم، عودهم: الهاء هذا مفعول به لعود، فهو معمول للخبر، انفصل فتقدم على الاسم فصار: كان إيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا، هل يصح الاستدلال بهذا؟ قالوا: لا؛ لأن الأصل مطرد وحينئذ لا بد من التأويل، فننوي ضمير الشأن محذوفاً هنا، كان هو عطية عودا، إياهم بعد أن نوينا ضمير الشأن كَانَهُ إياهم كان هو إياهم، اتصل أو انفصل لا إشكال، كَانَهُ كان هو إياهم، إذاً: إيَّاهُمْ لم يلي (كان)، لماذا؟ لأن الذي تلا (كان) هو الاسم المحذوف، والمحذوف لعلة كالثابت، وحينئذ يراعى حذفه كما أنه ثابت في الكلام، فحينئذ لم يلي العامل معمول الخبر، ولكن الكوفيون لهم تأويل ولهم إشكالات أخرى في هذا، فهذا ظاهره ماذا؟ أنه مثل: كان طعامك زيد آكلاً، تأخر الخبر وتقدم معموله على الاسم. كان طعامك زيد آكلاً، مثله، قلنا: هنا تقدم معمول الخبر ولم يتقدم الخبر نفسه على اسم كان، هذا مثله: كان إياهم عطية عوداً. إذاً: لا بد من التأويل، وهذا الوجه المشهور أنه ضمير الشأن. ويحتمل أن (كان) زائدة. بِمَا كَان إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا إذا خرجناها على أنها زائدة حينئذ خرجت المسألة من باب (كان)، بما بالذي عطية عودهم، وحينئذ صارت الجملة مبتدأ وخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. ومثله: فأَصْبَحُوا والنَّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِم ... ولَيْسَ كُلَّ النَّوى تُلْقِي المسَاكينُ

تُلْقِي: هذا الفعل هو خبر (كان). المساكينُ: فاعله. وكُلَّ النَّوى نقول: هذا معمول الخبر، حينئذ نقدر: ليس هو كل النوى تلقي المساكين. الكوفيون إعرابهم مساكين هذا اسم (كان). وكُلَّ النَّوى: هذا معمول تلقي، وتلقي: هو الخبر، على هذا يكون تلا العامل معمول الخبر، إذا جعلنا كل النوى: هذا منصوب، هذا معمول لتلقي، وتلقي هو الخبر، أليس كذلك؟ المساكين هذا اسم كان متأخر، يكون مثل كان طعامك آكلاً زيد، هذا مثله إذا قدمت الخبر على الاسم، والصواب: أن ضمير الشأن هنا محذوف، وكُلَّ النَّوى: هذا منصوب بتلقي، والمساكينُ هذا فاعل تلقي، ليس اسم (كان) بل هو فاعل على الصحيح. ثم قال رحمه الله تعالى: وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوٍ كَمَا ... كَانَ أَصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا هذه (كَانَ) الزائدة. وَقَدْ تُزَادُ وَقَدْ: للتقليل هنا؛ لأن الزيادة أقل من الأصالة. وَقَدْ تُزَادُ: قد للتقليل. تُزَادُ: هذا فعل مضارع مغير الصيغة، وكَانَ: نائب فاعل قصد لفظه. قَدْ تُزَادُ كَانَ: إذا زيدت (كَانَ) حينئذ هل لها عمل؟ هل تعمل؟ نقول: لا، ليس لها عمل البتة، لا ترفع ولا تنصب، لماذا؟ لأن الشيء الزائد إنما يزاد من جهة اللفظ فحسب، وأما المعنى الذي وضع له في لسان العرب فليس مراداً، فحينئذ يقال: التركيب هنا: زيد فيه كلمة، فنقول: هذا المراد به التأكيد وليس المراد به المعنى الذي وضع له في لسان العرب، فحينئذ (كان) إذا لم يكن المراد بها المعنى الأصلي الذي وضع له في لسان العرب حينئذ لا تعمل، لا ترفع ولا تنصب. إذاً: ما الفائدة من ذكرها؟ نقول: تفيد التأكيد، تأكيد التركيب. وَقَدْ تُزَادُ: إذاً تزاد ولا تعمل شيئاً أصلاً، وهو مذهب الجمهور. تزاد لا بقيد التمام أو النقصان، هل نقول: تامة أو ناقصة إذا زيدت؟ لا هذه ولا تلك؛ لأننا نقول: قسمة ثلاثية أو رباعية، تامة، ناقصة، زائدة، إذا كانت زائدة إذاً لا بقيد كونها تامة ولا بقيد كونها ناقصة؛ لأنها مباينة للقسمين، تامة لا بد لها من مرفوع، وناقصة لا بد لها من منصوب، وهذه لا ترفع ولا تنصب إلا على بيت سيأتي معنا. وَقَدْ تُزَادُ كَانَ: هنا ذكر (كَانَ) بلفظ الماضي فحينئذ يلتزم منها -من هذه الأفعال النواسخ التي تزاد- (كان) فحسب، ما عداها فهو شاذ، يعني: لا تزاد (أصبح وأمسى) نقول: هذا شاذ، ولذلك شذ قولهم: ما أصبحَ أبْرَدَها، هذا زائد، نقول: (أصبح) زائد، لكنه شاذ ليس كـ (كان). وشذ كذلك: وما أمسى أدْفأها، ما أبردها وما أدفاها، ما أصبح أبردها وما أمسى أدفاها، نقول: هذا شاذ؛ لأن التخصيص هنا بـ (كان) فحسب، (كان) بصيغة الماضي، فإن زيدت بصيغة المضارع فهو شاذ كذلك. أنت تكون ماجد نبيل، أنت: مبتدأ، وماجد: خبر، زيدت (كان) بين المبتدأ والخبر زيادتها بين المبتدأ والخبر سماعية هذه، وكونها بلفظ المضارع نقول: هذا شاذ؛ لأن الذي هو أصل للقياس زيادتها بلفظ الماضي، لأن هذا خروج عن الأصل، وما خرج عن الأصل حينئذ لا يقاس عليه غيره البتة، فإن قيس فيكون من باب؟؟؟ فإن سمع قليلاً نادراً قلنا: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه.

إذاً: تزاد كان بلفظ الماضي، ولا تكون بقيد التمام ولا النقصان؛ لأنها مباينة لهما ثم لا تعمل شيئاً. أين تزاد؟ فسره وبين محله وقال: فِي حَشْوٍ: في حشو جار ومجرور متعلق بقوله: تزاد، هذا بيان، تزاد هذا فيه إبهام، ولذلك المتعلقات دائماً تخصص العوامل. تُزَادُ كَانَ: أين تزاد؟ هذا محتمل في الأول، في الأثناء، في الأخير. قال: فِي حَشْوٍ: يعني في أثناء الكلام لا في أوله ولا في آخره. إذاً: نأخذ أن (كان) إذا جاءت في أول الكلام لا تكون زائدة، وإذا جاءت في آخر الكلام خاتمته لا تكون زائدة، وإنما يحتمل زيادتها إذا كانت في أثناء الكلام. فِي حَشْوٍ: أي: في أثناء الكلام، فلا تزاد في الأول؛ لأن الأول محل الاعتناء، ولا في الآخر الذي هو الأطراف؛ لأنه محط الفائدة. .. فِي حَشْوٍ كَمَا ... كَانَ أَصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا فسر بعضهم الحَشْوٍ بأنه بين شيئين متلازمين، ليس جاراً ومجروراً، بين شيئين متلازمين، يعني: كل منهما يطلب الآخر كالمبتدأ والخبر، والفعل وفاعله، والصفة والموصوف، والجار مع المجرور، هذه كلها متلازمة، شيئان متلازمان، كل منهما إذا وجد وجد الثاني. ضابط زيادة (كان) إنما تكون في حشو، وهذا الحشو يكون بين متلازمين مبتدأ وخبر، زيد كان قائمٌ، مررت بزيد قائمٍ، بزيد كان قائمٍ، زادت بين متلازمين. ؟؟؟ يقول: وذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين كالمبتدأ وخبره، زيد كان قائمٌ، زيد: مبتدأ، وقائم: خبر، وكان: هذه زائدة. أين اسمها وخبرها؟ ليس لها اسم ولا خبر. والفعل ومرفوعه، نحو: لم يوجد كان مثلك، لم يوجد مثلك، يوجد مثلك هذا الأصل، قام كان زيد؛ لم يوجد كان مثلك، هذا من باب التأكيد، فمثلك فاعل يوجد، و (كان) هذه زائدة وهي زيدت بلفظ الماضي وليس لها معنىً إلا التأكيد. والصلة والموصول: جاء الذي كان أكرمته، الذي أكرمته، هذان متلازمان، أليس كذلك؟ وحينئذ الذي كان أكرمته نقول: زيدت (كان) بين متلازمين وهما الصلة والموصول. والصفة والموصوف: مررت برجلٍ كان قائم، برجلٍ بالتنوين، برجلٍ كان قائمٍ، برجل: هذا موصوف، وقائم: صفته، و (كان) فاصلة أو زائدة بينهما. وهذا يفهم أيضاً من إطلاق قول المصنف: وَقَدْ تُزَادُ كَانَ فِي حَشْوٍ بل هو أعم، لم يقيده بمتلازمين، بل ما كان في أثناء الكلام فحسب، قد يكون بين متلازمين وقد لا يكون، هذا ظاهر كلام المصنف، لكن بالمثال قد يقال: إنه أراد نوعاً معيناً وهو ما يقاس عليه، وهو (ما) التعجبية وفعلها، ما كان أصح، (ما): هذه تعجبية مبتدأ، أصح: هذا فعل التعجب مثل: ما أحسن زيداً، تزاد قياساً بين (ما) التعجبية وفعلها، ما أحسن زيداً؛ ما كان أحسن زيداً، وما عداه فهو سماعي. ما كَانَ أصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا: الألف هذه للإطلاق يتعجب من علم المتقدمين. إذاً: وإنما تنقاس زيادتها بين (ما) وفعل التعجب، كَانَ أصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا، ولا تزاد في غيره إلا سماعاً. إذاً: قوله: فِي حَشْوٍ: إن أراد به القياس فحينئذ مقيد بالمثال الذي ذكره، إن كان أراد به ما هو سماعي وقياسي حينئذ يكون المثال ذكر بعض الأفراد فحسب، وما عداه فهو مرجع أو مرده إلى الموقف.

وقد سمع زيادتها بين الفعل ومرفوعه، هذا سماعي. والأمثلة التي ذكرها الشارح أمثلة مولدة، يعني ليست مسموعة. سمع زيادتها بين الفعل ومرفوعه: وَلَدتْ فاطمةُ - بنتُ الخُرْشُبِ الأَنْمَارِيَّةُ الكَمَلةَ من بني عَبْس، لم يُوجَدْ (كانَ) أَفْضَلَ مِنْهُم. لم يوجد كان أفضل منهم، أفضل: هذا فاعل ليوجد، يوجدْ أوجد يوجد ليس نائب فاعل، ولذلك قال: بين الفعل ومرفوعه. يوجدْ جزم بلم، وأفضل: هذا فاعل يوجد، و (كان) هذه فاصلة زائدة. وسمع أيضاً زيادته بين الصفة والموصوف: فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتُ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ وَجِيرَانٍ لَنَا كِرَامِ؛ هنا فصل بين الموصوف والصفة، أين الموصوف؟ وَجِيرَانٍ، وكِرَامِ: هذا الصفة فصل بينهما بـ كَانُوا، لكن ورد إشكال هنا: سيبويه استدل بهذا على أن (كان) تزاد بين الصفة والموصوف، وابن هشام لم يرتضِ هذا، لماذا؟ لأن (كان) هنا عملت، الواو هذا اسمها، وهذا محل إشكال، ولذلك قال: هذا البيت لا يقال بأن (كان) زائدة، وإنما الواو هذه اسم (كان) ولنا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وإنما فيه الفصل بين الموصوف وصفته بالجملة، على حد قوله: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ)) [الأنعام:155] كِتَابٌ: موصوف، مُبَارَكٌ: صفته، فصل بينهما بالجملة: أَنزَلْنَاهُ، هذا مثله، وحينئذ استدلوا به على الفصل بين الموصوف وصفته بالجملة، أما كونه (كان) زائدة هذا محل إشكال. أجاب بعضهم: بأنه لا مانع بأن يقال: (كان) مع اسمها تزاد، أنها تزاد (كان) مع اسمها، وحينئذ نقول: لا نقول (كان) هي الزائدة، بل الجملة كلها، فحينئذ: هل ينظَّر هذا بمثل "ظننت" إذا أُهملت وأُلغيت؟ وحينئذ تكون ملغاة هي وفاعلها وهذه مثلها الزيادة، لكن فرق بين الإلغاء وبين الزيادة؛ لأن الأصل الزيادة أنها منافية لا تزاد، إنما الزيادة تكون للحروف، وأما الأسماء فزيادتها شاذة لا يُحمل عليها، ولذلك لا يقال: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] كَمِثْلِ الكاف زائدة لا، وإنما نقول: هي أصلية. فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتُ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامِ وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره كقوله: سَرَاةُ بَنِيْ أَبِي بَكْرٍ تَسَامَى ... عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ العَرابِ عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ، على المسوَّمة: جار ومجرور دخلت بينهما (كان). والأصل فيها أنها تزاد بلفظ الماضي، هذا كثير، وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع؛ لأن (كان) بلفظ الماضي مبنية، فأشبهت الحرف والأصل في الزيادة للحروف، وأما الفعل المضارع فهو معرب وحينئذ يكون قد أشبه الاسم المعرب وزيادة الأسماء شاذة، فما أشبه الاسم حينئذ صارت زيادته شاذة، وما أشبه الحرف من حيث البناء صارت زيادته أصلية، فـ (كان) لماذا نقول: زيادتها قياسية -قياساً-؟ لأنها أشبهت الحرف والجامع هو البناء، هذا مبني وهذا مبني، والحرف يزاد، بل هو الأصل في الزيادة. و (كان) وتكون الذي هو الفعل المضارع هذا معرب، فأشبه ماذا؟ أشبه الاسم المعرب، والأسماء لا تزاد إلا شذوذاً، وحينئذ زيادة ما أشبهها لأن القاعدة: أن الشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه.

أَنتَ تكُونٌ مَاجِدٌ نَبِيلُ ... إِذا تَهُبُّ شَمأَلٌ بَلِيلُ فحينئذٍ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. ثم قال رحمه الله: وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ ... وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ الكلام كله الآن فيما سبق، وهذا فيما اختصت به (كان) دون أخواتها، وأكثرها مجمع عليه في الجملة، الخلاف فيه قليل. مما اختصت به (كان) أنها قد تحذف دون سائر أخواتها ثم تعمل وهي محذوفة، تحذف ويبقى اسمها منسوباً إليها، أو تحذف ويبقى خبرها ويكون منسوباً إليها –منصوباً، حينئذ حذفت وبقي عملها، وهذا من خصائص (كان) دون سائر أخواتها. وَيَحْذِفُونَهَا: من؟ العرب، يعني نطقوا بها محذوفة، أو النحاة حكموا بجواز حذفها مع ما ذكر. وَيَحْذِفُونَهَا: الضمير هنا يعود إلى (كان)، ثم إما أن يكون حذف (كان) هنا وحدها، أو مع اسمها، إما أن تحذف وحدها ويبقى الاسم والخبر، وإما أن تحذف مع اسمها ويبقى الخبر، وزيد: أن تحذف (كان) مع خبرها ويبقى الاسم، ماذا بقي؟ أن تحذف هي واسميها، تحذف (كان) وحدها، هذا أولاً. تحذف مع اسمها ويبقى الخبر، تحذف مع الخبر ويبقى اسمها، هنا قال: وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ ظاهر العبارة -والله أعلم- أنه أراد حذف (كان) مع اسمها، والشراح أدخلوا حذف (كان) وحدها كذلك ولا بأس من باب تكثير المعاني، لكن ظاهر العبارة أنه أراد حذف (كان) مع اسمها؛ لأنه قال: وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ ، إذاً: لا يبقون الاسم، وإنما يحذف الاسم مع (كان)، هذا ظاهر العبارة. وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ: أي: (كان) إما وحدها أو مع الاسم وهو الأكثر، أنها تحذف مع اسمها؛ لأن الفعل ومرفوعه كالشيء الواحد، وقد تحذف (كان) مع خبرها ويبقى الاسم، تحذف مع الخبر ويبقى الاسم مرفوعاً، ومن ذلك قولهم: "المرء مجزي بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر" -برفعهما- (المرء مجزي بعمله، إن خيرًا فخير) خير: هذا اسم (كان) المحذوفة مع خبرها، إن كان في عمله خير فجزاؤه خير، وإن كان في عمله شر فجزاؤه شر، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، هذه قل ما شئت، إن شراً فشر وإن خيراً فخير، إن خيرٌ فخير، إن شرٌ فشر، يعني: برفعهما ونصبهما ورفع الأول ونصب الثاني ونصب الأول ورفع الثاني، لكن المثال الذي هو الشاهد معنا هنا في حذف (كان) مع خبرها: إن خيرٌ فخيرٌ، إن كان في عمله (كان) حذفت، في عمله: هو الخبر، خير الذي بقي هو الاسم، لكن هذا قليل جداً، قليل، والكثير أن تحذف (كان) مع اسمها. وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ: على حاله كما هو منصوب لا يرفع؛ لأن (كان) المحذوفة هنا تعمل وهي محذوفة، وهذا لقوتها؛ لأنها أم الباب. ثم بين أن هذا الحذف (كان) مع اسمها في موضعين يكثر. وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً ذَا اشْتَهَرْ واشْتَهَرْ: يعني الحذف مع إبقاء الخبر، واشْتَهَرْ بعد (إِنْ) و (وَلَوْ) الشرطيتين كَثيراً ذَا الحكم، ذَا مشار به الحكم وهو حذف (كان) مع إبقاء الخبر. وَبَعْدَ إِنْ: بَعْدَ: هذا متعلق بقوله: اشْتَهَرْ.

إِنْ: هذا قصد لفظه مضاف إليه، بَعْدَ: مضاف، و (إِنْ) مضاف إليه. كيف أضيفت وهي حرف؟ نقول: هذا قصد لفظه، وإذا قصد لفظه صار علماً صار اسماً. بعد (إن) الشرطية كثير؛ لأنها أم أدوات الجزم (إن)، و (لو) أم أدوات الجزم غير العاملة، ولذلك اختص كثرة الحذف بهذين الحرفين: (إن) أم أدوات الجزم، يعني: التي تعمل الجزم هي أمها، مثل: كان هنا، و (لو) هذه أم أدوات الجزم غير العاملة، ولذلك اختص الحذف بعدهما، إذا جاء اسم منصوب بعد (لو وإن) حينئذ تعربه خبراً لـ (كان) المحذوفة مع اسمها، {الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ} ولو خاتماً، نقول: خاتماً هذا خبر لـ (كان) المحذوفة مع اسمها، ولو كان الملتمس، هكذا تقدره: ولو كان الملتمس خاتماً، حينئذ هذا فصيح أو نقول شاذ؟ نقول: فصيح. وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ كَثيراً: بَعْدَ إِنْ وَلَوْ، (المرء مجزي بعمله، إن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشرٌ) إن كان عمله خيراً، إن خيراً: حذف (كان) مع اسمها بعد (إن) تقديره: إن كان عمله خيراً، إذاً بقي الخبر على ما هو، (وإن شراً فشرٌ) إن كان عمله شراً فشر. وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ: الشرطيتين. كَثيراً ذَا: الحكم اشْتَهَرْ، ذَا: مبتدأ، واشتهر: الجملة خبر، وكَثيراً: هذا حال، حال من الضمير المستتر في اشْتَهَرْ، هذا الظاهر. وذَا اشتهر: ذَا قلنا: الحكم الذي هو حذف (كان) وإبقاء خبرها مع اسمها، وذَا: اسم إشارة مبتدأ، واشْتَهَرْ: الجملة خبر. وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ: نقول: هذا متعلق باشتهر، وكَثيراً هذا حال من الضمير المستتر في اشْتَهَرْ. قَدْ قيلَ مَا قِيلَ، إِنْ صِدْقاً، وإِنْ كَذِباً ... فَما اعتِذارُكَ من قَولٍ إذا قيلا؟ إِنْ صِدْقاً: إن كان المقول صدقاً، وإن كان المقول كذباً. وبعد (لو) كما في الحديث: {التمس ولو خاتماً من حديد}. وقد شذ حذفها بعد (لدن). إذاً: بعد (إن ولو) كثير. مفهومه: أنه قد يأتي لا بعد (إن ولو) وهو كذلك، لكنه قليل، وهو بعد (هلا وألا ولدن) هذا قليل يحفظ ولا يقاس عليه، يعني: القلة هنا معبر عنها بالندرة. بعد (هلا وألا ولدن)، (مِنْ لَدُ شَوْلاً فَإلَى إتْلاَئِهَا ... ): مِنْ لَدُ أن كَانَتْ شَوْلاً ثم قال: وَبَعْدَ أَنْ تَعْوِيضُ مَا عَنْهَا ارْتُكِبْ ... كَمِثْلِ أَمَّا أَنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ إذاً: عرفنا أن (كان) تحذف مع اسمها، وقد تحذف دون اسمها، وقد تحذف مع خبرها، والأكثر هو حذفها مع اسمها، وقد تحذف وحدها ويبقى الاسم والخبر، ويعوض عنها (ما) الزائدة، وهذا بعد (أن) المصدرية. وَبَعْدَ أن: المصدرية. تَعْوِيضُ مَا: الزائدة عنها -عن (كان) المحذوفة فقط دون اسمها-. ارْتُكِبْ: فتحذف (كان) وجوباً إذا عوض عنها، إذ لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض، إذاً: تحذف (كان) بعد (أن) المصدرية، هذا ضابط في التعويض، الأصل في حذف (كان) ألا يعوض عنها. وَيَحْذِفُونَهَا وَيُبْقُونَ الْخَبَرْ دون تعويض، لكن في محل واحد حفظ عن العرب أنهم عوضوا عن ذلك المحذوف، وهو فيما إذا حذفت (كان) فقط دون اسمها وخبرها، ثم كانت (كان) هذه بعد (أن) المصدرية، هذا ضابطها، ولذلك قيدها: وَبَعْدَ أنْ: يعني بعد (أن) المصدرية.

تَعْوِيضُ (مَا) عَنْهَا: تعويض (ما) الزائدة عنها، يعني: عن (كان) المحذوفة، لذلك قال: عَنْهَا ولم يقل عنهما. ارْتُكِبْ: فتحذف (كان) وجوباً بعد التعويض، يعني: لا يصير الحكم وجوباً، قبل التعويض الحذف جائز، لكن لما عوض عنها حينئذ لا يجوز إرجاع (كان) لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض. أنَّ (كان) تحذف بعد (أن) المصدرية، ويعوض عنها (ما)، ويبقى اسمها وخبرها. أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ كَمِثْلِ أمَّا أنْتَ بَرًّا، أصلها: أن كنت براً، وبعضهم يقدره: لأن كنت براً بلام التعليل ولا إشكال. أن كنت براً، التاء هنا هي اسم (كان)، وبراً: خبرها، احذف (كان)، إذا حذفت (كان) الضمير المتصل ينفصل، صار أنت كنت، هذا متصل، وحينئذ ينفصل، فتقول: (أنْ أنت براً)؛ لأنك حذفت كنت (التاء) كان وبقيت التاء المتصلة فجئنا بالضمير المنفصل، فصار التركيب: أن أنت بعد حذف (كان) براً، عوض عن (كان) ما، فقيل: أن ما أنت، النون مع الميم للتقارب أدغمت، أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ. إذاً (أن): هذا حرف مصدري، و (ما): زائدة، وأنت: هذا اسم (كان) المحذوفة في محل رفع، وبراً: هذا خبر كان المحذوفة، هذا الحذف صار واجباً بعد التعويض، وأما قبله فلا، لا يوصف بكونه واجباً؛ لأنه لما عوض عنها لأنه إذا قلت مثلاً: (التمس ولو خاتماً من حديد) يجوز أن تقول: ولو كان الملتمس خاتماً، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز أن تقول: ولو خاتماً، ويجوز أن تقول: ولو كان الملتمس خاتماً تأتي به وتحذفها، الحذف جائز، أما إذا عوض عنها فحينئذ لا يجوز، خلافاً لمن قال بذلك، وقد قيل به. إذاً: تحذف بعد (أن) المصدر ويعوض عنها -كذا يقول ابن عقيل- ويعوض عنها (ما) ويبقى اسمها وخبرها نحو: أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ، والأصل: أن كنت براً فاقترب، لأن كنت، قيل هكذا، ابن هشام يقدرها هكذا في التوضيح وفي قطر الندى، فحذفت لام التعليل لأن حذفها مع (أن) مطرد، فحذفت (كان) أن كنت براً حذفت (كان) لكثرة الاستعمال قصداً إلى التخفيف، فانفصل الضمير المتصل؛ لأنه لم يبق في الكلام عامل يتصل به هذا الضمير، فانفصل؛ لأنه لما اتصل به نقول: لكونه عامل، لأن الضمائر لا تتصل إلا بعواملها، وحينئذ لما ذهب العامل انفصل وهو التاء، فصار: أن أنت براً، ثم عوض عنها (ما) عوضاً عن (كان) فصار: أن ما أنت براً، ثم أدغمت النون في الميم فصار: أمَّا أنْتَ بَرًّا، ومثله قول الشاعر: أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنتَ ذا نفَرٍ ... فَإنَّ قَومِيَ لم تَأكُلهُمُ الضَّبُعُ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ... !!!

35

عناصر الدرس * شرح الترجمة (فصل في ماولا ولات وإن ..... ) ـ * أوجه شته الحروف بـ (ليس) ـوشروط عملها عمل ليس. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَبَعْدَ أَنْ تَعْوِيضُ مَا عَنْهَا ارْتُكِبْ ... كَمِثْلِ أَمَّا أَنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ عرفنا أن كانت تحذف دون اسمها ويبقى الاسم مرفوعاً والخبر منصوباً، ويعوض عنها (ما) الزائدة بعد (أن) المصدرية كما مثّل الناظم هنا بقوله: أمَّا أنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ. عرفنا كيف وصل إلى هذا: أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنتَ ذَا نفَرٍ ... فإنَّ قَومِيَ لمْ تأكُلهُمُ الضَّبُعُ فـ (أن) مصدرية، و (ما) زائدة عوضاً عن كان وأَنتَ اسم كان المحذوفة، وذَا نفر خبرها، ولا يجوز الجمع بين كان و (ما)؛ لكون (ما) عِوَضاً عنها ولا يجوز الجمع بين العِوَضِ والمُعَوَّض. هذه قواعد عندهم أغلبية، قد يخالفون هذا النص لكن في بعض المواضع، وهذا الشأن كما هو الشأن في القواعد الفقهية والأصولية، الأصل أنها تكون مطردة، لكن قد يشذ عنها بعض الأفراد، لذلك ما من قاعدة إلا ولها استثناء هذا الأصل، ولذلك تجد في كتب القواعد أن يذكروا القاعدة و ... خرج كذا وكذا وكذا إلى آخره، لماذا؟ لأن هذه القاعدة -وإن كان أصلاً يدخل هذا الفرد تحتها إلا أنه لموجب أو لعارض أو لمانع- حينئذٍ لم يدخل تحت هذه القاعدة، مثلها الجمع بين العوض المعوض؛ لأنه قد يخالفون في بعض المسائل ويجمعون بين العوض والمعوض، فنقول: قاعدة أغلبية، ومثلها القاعدة التي ذكرناها في ((أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ)) [هود:8] أنه تقديم المعمول يؤذن بتقديم العام، هذا أيضاً أغلبية فقد يخالفون في بعض المواضع، ويختلف النظر حينئذٍ يبقى الاجتهاد، هل هذه مما ينازع فيها فتخرج أو أنها داخلة تحت القاعدة، يبقى المسألة من باب تحقيق المناط كما يقولو الأصوليون. وأجاز ذلك المبرد فيقول: أمَّا كنت منطلقاً انطلقت. يعني جوز الجمع بين العوض والمعوض، أمَّا كنت، (ما) هذه زيدت من أجل كان المحذوفة، يعني كأنه جوز رجوع كان بعد حذفها، أما أنت منطلقاً انطلقت. هذا الأصل، فرد كان رجعت صار أما كنت منطلقاً انطلقت، لكن هذا يعتبر شاذ. ولم يسمع من لسان العرب حذف كان وتعويض (ما) عنها وإبقاء اسمها وخبرها إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثل به المصنف. وهذه القاعدة في مثل هذه المسائل كلها كل ما خرج عن القياس فالأصل أنه يكتفى بما سمع ولا يقاس عليه غيره، إذا سمع استثناء كان بأنها تزاد بهذا اللفظ لا يقاس عليه أبداً لا المصدر، ولا اسم الفاعل، ولا الفعل المضارع .. إلى آخره، لماذا؟ لأن الأصل عدم الزيادة، فإذا كان كذلك حينئذٍ نقف على السماع. ولم يسمع مع ضمير المتكلم نحو: أما أنا منطلقاً انطلقت، والأصل: أن كنت منطلقاً، ولا مع الظاهر: أما زيد ذاهباً، زيد اسم كان المحذوفة وهو اسم ظاهر، الأصل عدم الزيادة، ومثّل به سيبويه في كتابه، والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب، قياس ما لم يسمع على ما سمع. والأصل أن كان زيد ذاهباً انطلقت وقد مثل سيبويه رحمه الله في كتابه: أما زيد ذاهباً.

إذاً الحاصل أن المسموع هو ما كان بضمير المخاطب، وما عداه يكون من باب القياس، فهل يوافق أم يخالف؟ الثاني أقرب. إذاً: هذه مواضع حذف كان كما ذكرناها. قال ابن هشام رحمه الله تعالى في التوضيح: تحذف كان ويقع ذلك على أربعة أوجه: الأول -وهو الأكثر-: أن تحذف مع اسمها ويبقى الخبر، وكثر ذلك بعد إن ولو الشرطيتين، ومثّل لهما بقولهم: " النَّاسُ مجَزِيُّونَ بِأعْمَالِهِمْ إنْ خَيْراً فَخَيْرٌ وَإنْ شَرَّاً فَشَرٌّ"، أي: إن كان عملهم خيراً فجزاؤهم خير، ويجوز إن خير فخير بتقدير إن كان في عملهم خير فيجزون خيراً، ويجوز نصبهما ورفعهما، والأول أرجحها والثاني أضعفها، والأخيران متوسطان، ومثال لو: {الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ}، وقل الحذف المذكور بدون إن ولو. الموضع الثاني: أن تحذف مع خبرها ويبقى الاسم وهو ضعيف كما سبق إن خير، إن كان في عمله خير، هذا ضعيف. ثالثاً: أن تحذف وحدها، وكثر ذلك بعد أن المصدرية، بمثل أما أنت منطلقاً انطلقت، ثم شرحه. الرابع: أن تحذف مع معموليها، -كلها يعني-، لكن هذا ضعيف جداً، وذلك بعد إن الشرطية يعني، في قولهم: افعل هذا إما لا، إن كنت لا تفعل غيره، فما عوض ولا نافية للخبر. هذا أقل من ذكره ذكره في التوضيح. وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ أيضاً هذا من خصائص كان ولا يلحق بها غيره، وهو أنه تحذف نون كان بشروط ذكرها المصنف هنا. وَمِنْ مُضَارِعٍ: جار ومجرور متعلق بقوله: تُحْذَفُ نُونٌ .. تُحْذَفُ نُونٌ من مضارع، إذاً خصوص النون، وخص بها المضارع، إذاً لا الأمر ولا اسم الفاعل ولا الماضي ولا غيره، وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ: صفة لمضارع جار ومجرور متعلق بمحذوف، سواء كانت كان تامة أو ناقصة، أطلق الناظم هنا، لِكَانَ إذاً النون تحذف من كان سواء كانت كان تامة أو ناقصة، بشرط أن تكون بصيغة المضارع. لِكَانَ مُنْجَزِمْ: هذه صفة ثانية لمضارع، صفة بعد صفة، مُنْجَزِمْ يعني بالسكون لا بحذف النون، لم يتصل به ضمير نصب وقد وليه متحرك، تُحْذَفُ نُونٌ هي لام الفعل تخفيفاً لكثرة الاستعمال، وشبهها بحروف العلة؛ لأنها متطرفة، وإذا كان كذلك حينئذٍنقول: يجوز حذف هذه النون بهذه الشروط المذكورة في البيت، وهو حذف جائز يعني ليس بواجب، وهو حذف جائز مَا الْتُزِمْ، يعني لم يوجبه العرب أو يحكم بوجوبه النحاة، بل من أراد أن يحذف تخفيفاً حذف، ومن أراد الأصل نطق بالأصل. إذاً شروط الحذف: أن يكون من مضارع بخلاف الأمر والماضي. ثانياً: مجزوماً بالسكون، بخلاف المرفوع والمجزوم بالحذف.

ثالثاً: ألا توصل بضمير، فإن وصلت بضمير حينئذٍلا يجوز حذفها نحو: (إنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّط عَلَيْهِ)، لا يجوز حذف النون هنا، ولا بساكن نحو: ((لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ)) [البينة:1] حينئذٍنقول: تحركت النون هنا للتخلص من التقاء الساكنين، ومثال ما اجتمعت فيه الشروط قوله: ((وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)) [مريم:20] أَكُ أصلها: أكون، سكنت النون للجازمة ولم، فالتقى ساكنان الواو ساكنة والنون ساكنة، حينئذٍحذفنا الواو للتخلص من التقاء الساكنين فصار أَكُن، الأصل عدم الحذف؛ لأنه حذف منه حرف الواو، وإن كان للتخلص من التقاء الساكنين والمحذوف لعلة كالثابت، إلا أن الأصل أنه لا يحذف منه، لكن لكثرة استعمال هذا اللفظ (أك، ونك) خفف أيضاً بحذف النون، إذاً لم أك نقول: هذا فعل مضارع مجزوم بلم وجزمه السكون على النون المحذوفة تخفيفاً ((لَمْ أَكُ)) فعل مضارع ناقص مجزوم بلم وجزمه سكون ظاهر على النون المحذوفة تخفيفاً. ((لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)) [المدثر:43] أصلها نكن، حذفت النون تخفيفة، ((وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ)) [النحل:127]، ((فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ)) [غافر:85] –انظر- تصرَّفَ في الفعل المضارع من كان يك، أك، تكن، نكن .. كلها حذفت منها النون تخفيفاً، وسواء في ذلك الناقصة كالأمثلة السابقة والتامة، لكن الحذف فيها أقل، ((وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ)) [النساء:40] بالرفع –قراءة- ((وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ)) يعني توجد حَسَنَةٌ، حينئذٍ حذفت منها النون تخفيفاً. إذاً: وَمِنْ مُضَارِعٍ: لا من ماضي ولا أمر. لِكَانَ: لا لغيرها. مُنْجَزِمْ: بالسكون لا مرفوع ولا منصوب. تُحْذَفُ نُونٌ: وهي لام الفعل تخفيفاً. وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ. يقول ابن عقيل: إذا جزم الفعل المضارع من كان قيل: لم يكن والأصل: يكون فحذف الجازم الضمة التي على النون فالتقى ساكنان الواو والنون، فحذف الواو لالتقاء الساكنين، يعني: للتخلص من التقاء الساكنين، فصار اللفظ لم يكن والقياس يقتضي أن لا يحذف منه بعد ذلك شيء آخر، هذا هو القياس؛ لأنه إذا حذف منه حرف صار إجحافاً به، وإذا زيد عليه حذف آخر صار إجحافاً بعد إجحاف، ولو جوز القياس أن يحذف منها حرف واحد حينئذٍ الأصل عدم حذف حرف آخر. هذا من حيث النظر والتأصيل، وأما من حيث الوجوب فشيء آخر. لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفاً لكثرة الاستعمال، فقالوا: لم يك وهو حذف جائز لا لازم ومذهب سيبويه ومن تابعه: أن هذه النون لا تحذف عنه ملاقاة ساكن، بل تحرك: ((لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ)) [البينة:1] لا تحذف إذا حصل التقاء بين ساكنين، بل يجب تحريك النون للتخلص من التقاء الساكنين. أن هذه النون لا تحذف عند ملاقاة ساكن، فلا تقل: لم يك الرجل، هذا غلط بل: لم يكن الرجل. وأجاز ذلك يونس، وقد قُرِءَ شاذاً (لم يكُ الذين كفروا).

وأما إذا لاقت متحركاً فلا يخلو إما أن يكون ذلك المتحرك ضميراً متصلاً أولا، يعني إذا كان بعدها -بعد النون- متحرك، قلنا الساكن لا تحذف، إذاً يكون بعدها متحرك، هذا المتحرك إما أن يكون ضميراً أو لا، إن كان ضميراً فلا يجوز إن يكن هو، لا يجوز الحذف؛ لأنه يصير متصلاً بكان، وإن لم يكن ضميراً حينئذٍ جاءت المسألة. فإن كان ضميراً متصلاً لم تحذف النون اتفاقاً، قالوا: لأن الضمير يرد الشيء إلى أصله، إذا حذفت رده الضمير .. تحذف يرده الضمير يبقى الدور فيها. كقوله صلى الله عليه وسلم: {إنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلّط عَليْه وَإنْ لاَ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ في قَتْلِهِ} فلا يجوز حذف النون فلا تقل: إنْ يَكُهُ وَإنْ لاَ يَكُ، وإن كان غير ضمير متصل جاز الحذف والإثبات نحو: لم يكن زيد لم يك زيد، لم أك بغياً، لم أكن بغياً. وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في ذلك بين كان الناقصة والتامة، وقد قرء ((وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا)) [النساء:40] برفع حَسَنَةٌ وحذف النون وهذه هي التامة. مسائل: الأولى في تعدد الخبر، في كان الخلاف في تعدد الخبر المبتدأ. هل يجوز أن يتعدد خبر كان؟ قلنا هذا الباب مفرع على الباب السابق، هذا هو الأصل، فما جاز هناك جاز هنا إلا لمانع، وما امتنع هناك امتنع هنا إلا لمانع؛ لأن كان هذه داخلة على جنس المبتدأ والخبر، حينئذٍ كلما ثبت للمبتدأ والخبر قبل دخول الناسخ فهو مستصحب، الأصل بقاء ما كان على ما كان، حتى يدل دليل على انتفاء ما قد ثبت قبل دخول كان، هذا هو الأصل. فحينئذٍ تعدُّدُ الخبر هل يجوز أم لا؟ وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا ... عَنْ وَاحِدٍ كَهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا الأصل –القياس- جواز تعدد خبر كان، لكن خالف بعض النحاة هنا ممن جوز هناك منع هنا، في تعدد الخبر في كان الخلاف في تعدد خبر المبتدأ، والمنع هنا أولى؛ لقيام المانع المقتضي على المانع من جواز تعدد الخبر، والمنع هنا أولى ووجهه أن هذه الأفعال قلنا الأصل فيها عدم العمل، هذا القياس، لكنها شُبّهت بما تعدى إلى اسمين ضرب، الأول فاعل والثاني مفعول به، إذاً أُعملت هذه الأفعال على خلاف الأصل، الأصل أنها أفعال غير صحيحة، غير تامة، وحينئذٍ الأصل فيها عدم العمل، لماذا أُعمِلت؟ حملاً لها على ضرب مُشَبَّهٌ به، هذا القياس، وهذا المُشَبَّهٌ به وجدناه يعمل في اسمين فقط ولا يتعدى إلى الثالث، حينئذٍ صار الأصل هنا ألا تعمل كان إلا في اسمين؛ لأنها ما أعملت إلا حملاً على ضرب ونحوه.

والمنع هنا أولى ووجهه أن هذه الأفعال شبهت بما يتعدى إلى واحد، قالوا: فلا يزاد عليه، ضرب زيد عمرواً ينصب واحداً، إذاً كان ليس لها إلا منصوب واحد فقط، لماذا؟ لأنها إنما أعملت حملاً على ضرب، فلذلك لا تتعدى، إذاً وجد المانع من تعدد الخبر هنا، ومن جوزه قال: هو في الأصل خبر مبتدأ، فإذا جاز تعدده مع العامل الأضعف وهو الابتداء فمع الأقوى أولى، لكن هناك العامل في الخبر ليس هو الابتداء، بل هو المبتدأ، فليس هو ضعيف، بل كان والمبتدأ قد يكونان في مرتبة واحدة؛ لأن كان ليست فعلاً متمحضاً حتى نقول: هو مثل ضرب، وإنما هو ضعيف، فإذا كان ضعيفاً حينئذٍ الأصل في المبتدأ ألا يعمل أيضاً، ولكنه أعمل هناك للاقتضاء؛ لأنه لا يتم معناه إلا بالمبتدأ كالمضاف مع المضاف إليه. إذاً: قولان في جواز تعدد خبر كان، القياس يقتضي ألا يتعدد، هذا هو القياس، واستصحاب الأصل يقتضي أي يتعدد. الثانية قال أبو حيان: نص أصحابنا على أنه لا يجوز حذف اسم كان وأخواتها، ولا حذف خبرها لا اختصاراً ولا اقتصاراً، -هذا الأصل فيه، ولذلك اختصت كان لأنها أم الباب بما ذكر، أما ما عدا كان فلا يجوز، لا حذف اسم أصبح ولا خبرها إلى آخره، ولذلك خص الحكم بكان لأنها أم الباب فهو استثناء من الأصل- (لا اختصاراً ولا اقتصاراً) ما الفرق بينهما؟ الاختصار: هو حذف لدليل، والاقتصار: هو حذف لا لدليل. إن حذف لقرينة –لدليل- سمي اختصاراً، وإن حذف لا لدليل هكذا لا لقرينة لا للعلم به .. صار اقتصاراً، ففرق بين الاختصار والاقتصار. نص أصحابنا على أنه لا يجوز حذف اسم كان وأخواتها ولا حذف خبرها لا اختصاراً ولا اقتصاراً، أما الاسم فلأنه مشبه بالفاعل، والفاعل لا يجوز حذفه، وأما الخبر فكان قياسه جواز الحذف؛ لأنه إن روعي أصله وهو خبر المبتدأ فإنه يجوز حذفه للعلم به، أو ما آل إليه من شبهه بالمفعول فكذلك، يعني إما أن يكون في الأصل أن يراعى الأصل وهو أنه خبر، والخبر يجوز حذفه للعلم به، أو ما آل إليه بعد دخول كان وهو كونه مشبهاً بالمفعول به – وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ. حينئذٍ على الطريقتين قبل دخول كان وبعد كان الأصل فيه القياس يقتضي أنه يحذف. لكنه صار عندهم عوضاً من المصدر؛ لأنه في معناها إذ القيام: كون من أكوان زيد، والأعراض لا يجوز حذفها، قالوا: قد تحذف في الضرورة، يعني اسم كان لغير ما ذكر من الشروط السابقة وأخواتها قد تحذف في الضرورة. ومن النحويين من أجاز حذفه لقرينة اختياراً، يعني لا في الضرورة، إذا دل عليه دليل وعلم المحذوف سواء كان اسم كان أو خبرها جاز، وهذا هو الأصل والمطرد الذي ذكرناه. وفصّل ابن مالك فمنعه في الجميع إلا ليس، منعه في الجميع لا يحذف منه لا اسم ولا خبر، إلا ليس لوجود السماع المقتضي ذلك. فأجاز حذف خبرها اختياراً ولو بلا قرينة، لماذا؟ إذا كان اسمها نكرة عامة تشبيهاً بـ: لا، كقولهم: ليس أحد أي: هنا، لكن هذا مسموع حكاه سيبويه، ليس أحد هنا، هنا هذا حذف كما ذكرناه سابقاً. هذا مسموع يحفظ ولا يقاس عليه، وحينئذٍ نقول: الأصل عدم جواز حذف اسم كان وخبر كان، هذا هو الأصل، لما ذكرناه من الأمور. ثم قال رحمه الله تعالى:

{فَصْلٌ فِي مَا، وَلا، وَلاتَ، وإنِ، الْمُشَبَّهَات بِلَيْس}. هذا الفصل تابع للمسائل التي ذكرناها، وباب كان وأخواتها وهو أن ثم حروفاً أشبهت ليس، وليس هي من أخوات كان، وحينئذٍ تختص بالدخول على الجملة الاسمية فترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها. فَصْلٌ: أي هذا فصل، وهذا أول موضع يترجم له المصنف، السابق كله لم يقل: باب ولا فصل، وإنما ذكر الفصل هنا لأن هذه المسائل الأصل أنها داخلة تحت الباب السابق: كان وأخواتها، لكن فصلها لماذا؟ لأن كان وأخواتها قلنا هذه كلها أفعال، وما سيذكره في الفصل هذا كلها حروف، وحينئذٍ فرق بينهما ويقتضي التصنيف وحسن التأليف أن يفصل هذا عن ذاك. فَصْلٌ: أي هذا فصل، فَصْلٌ هذا فعل مصدر، إما أن يكون بمعنى اسم الفاعل، أي هذا كلام فاصل ما بعده عما قبله، أو أن يكون هذا كلام مفصول، إما يكون بمعنى اسم الفاعل أو بمعنى اسم المفعول، وهو في اللغة: الحاجز بين الشيئين، وفي الاصطلاح: ألفاظ مخصوصة دالة على معاني مخصوصة. فَصْلٌ هذا فصل خبر مبتدئٍ محذوف، يجوز فيه ما يجوز في (بَاب): الرفع والنصب على لغة ربيعة والجر، انظر في فصلٍ فصلاً فصلْ -وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة-. فصلٌ هذا فصلٌ، فصلٌ هذا محله يجوز الوجهان، وحينئذٍ الأولى أن يجعل من هذه الأعاريب أن يكون خبراً لمبتدىءٍ محذوف هذا أرجحها. فَصْلٌ فِي (مَا) جار ومجرور متعلق بقوله: فَصْلٌ؛ لأنه مصدر، والمصدر من متعلقات الظروف والمجرورات، فَصْلٌ فِي (مَا): هذه اسم هنا في هذا التركيب بدليل دخول حرف الجر عليها، وحينئذٍ صارت اسماً، وما عطف عليه مثله، و (إنِ). قال: الْمُشَبَّهَات بِـ (لَيْس) يعني أُعملت (مَا) وما عطف عليها لكونها أشبهت ليس، إذاً ليس هي أصل وهذه الحروف الأربعة فروع مقيسة على ليس بجامع النفي المحض الحال، حينئذٍ انتقل الحكم من المشبه به وهو ليس من رفع الاسم ونصب الخبر إلى هذه الحروف، وإن المشبهات بـ (ليس) لم يقل المعملات عمل ليس، مع كونه قال: إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ (مَا)، هذا فيه إشارة إلى علة عمل (مَا)، لماذا أعملت؟ لكونها مشبهة بـ (ليس) فذكر المشبهات وعدل عنه بالتوضيح قال: المعملات عمل ليس، والظاهر أن صنيع المصنف أولى؛ لأنه أراد أن ينص في الأبيات على أن (مَا) أعملت إعمال ليس، إذاً رفعت ونصبت، لماذا؟ ما العلة؟ لكونها أشبهت ليس، فنص على العلة في الترجمة، فحينئذٍ العدول عنه عدول عن تعليل المصنف في الحكم الذي ذكره في البيت. و (إنِ) الْمُشَبَّهَات بِـ (لَيْس) أي: المعملات عمل ليس تشبيهاً بها، فحينئذٍ جَمَعَ بين الحكم وبين العلة في قوله: المشبَّهات، فلما أشبه الشيء الشيء أخذ حكمه، وهذه قاعدة مطردة عند العرب. وإنما شُبهت هذه بـ (ليس) لمشابتها إياها في المعنى، ولأنها حروف أفردها عن الأفعال، ولكونها أشبهت ليس في المعنى حينئذٍ ألحقت بها في العمل. إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إِنْ ... مَعَ بَقَا النَّفْي وَتَرْتيبٍ زُكِنْ وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِيَّاً أَجَازَ الْعُلَمَا

إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ (مَا): أُعْمِلَتْ (مَا) إِعْمَالَ لَيْسَ، إِعْمَالَ: هذا مفعول مطلق مقيد بالإضافة. إِعْمَالَ مضاف ولَيْسَ مضاف إليه، قصد لفظها في محل جر. إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا –النافية- وبدأ بها لأنها هي أم الباب، الأصل في هذه الحروف الأربعة ألا تعمل، وخاصة (مَا)؛ لأن الحرف كما سبق هناك: سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَـ (هَلْ) وَ (فِي) وَ (لَمْ). قلنا عدَّد الأمثلة للإشارة إلى أن الحرف منه ما هو مشترك ومنه ما هو خاص، والخاص إما أن يكون خاصاً بالاسم، وإما أن يكون خاصاً بالفعل -قاعدة عنده-: أن ما كان مشتركاً فالأصل فيه الإهمال ألا يعمل؛ لأنه غير مختص يدخل على الاسم ما زيد قائم، ويدخل على الفعل ما يقوم زيد، إذاً ماذا يعمل؟ الأصل فيه الإهمال ألا يعمل، وحينئذٍ لو وجد من هذا النوع المشترك ما قد عمل يأتي السؤال: لماذا أعملت (مَا)؟ وما جاء منه مهملاً: هل زيد قام، هل قام زيد .. حينئذٍ لا يتوجه السؤال، لماذا؟ لأن الأصل في المشترك ألا يعمل، فإن أُعمل مثل (مَا) حينئذٍ يرد السؤال: لماذا أعمل، والمختص الأصل فيه العمل، فإذا أعمل حينئذٍ لا يقال لماذا أعمل، بل جرى على الأصل، فإن أهمل مثل السين وسوف وقد وأل المعرفة، حينئذٍ يرد السؤال: لماذا أهملت هذه والأصل فيها أنها تعمل، وهذا يعلل في كل محل بحسب ما يناسبها، ولكن الذي وقع فيه النزاع المختص بالاسم، هل الأصل فيه أنه يعمل ما اختص بالاسم من أنواع الإعراب، أم أنه يعمل فحسب أي عمل؟ يعني مثلاً الآن حرف الجر في: مررت بزيد، نقول: حرف الجر الباء هذا مختص بالاسم، هنا عمل الجر في الاسم، والجر هذا خاص بالاسم، هل الحرف المختص يختص بأثر يختص به مدخوله، فحرف الجر حينئذٍ يؤثر الجر ولم حرف جزم يؤثر الجزم في الفعل المضارع لأنه مختص به، أم أنه يعمل مطلق العمل، وحينئذٍ إن زيداً نقول: إن هذا حرف يختص بالاسم، عمل لكنه ما عمل شيئاً يختص بالاسم، وإنما عمل شيئاً مشتركاً وهو النصب، هل هذا خروجٌ عن الأصل، أم المراد أن ما اختص يعمل مطلق العمل أو العمل الخاص؟ قولان للنحاة: المشهور أنه مطلق العمل، فحينئذٍ إنَّ زيداً لا نقول خرجت عن الأصل، هي عملت النصب، ثم يكفي هذا في كونها مختصة، أم نحتاج إلى سؤال نقول: هي عملت لأن الأصل فيها أنها تعمل؛ لأنها مختصة، يبقى السؤال: لماذا لم تعمل الجر وإنما عملت النصب؟ هذا بعضهم يعلل بهذا التعليل يقول: لأنها أشبهت الفعل إنَّ وأنَّ للتوكيد، ولكنَّ للتشبيه .. ونحو ذلك، فهي أشبهت الفعل في المعنى كما سيأتي، فحينئذٍ عملت النصب. فنحتاج إلى تعليل لكونها خرجت من الجر إلى النصب، ولا نحتاج إلى تعليل في كونها قد عملت؛ لأن عمل المختص على الأصل، وتعليله يكون بخروجه عن الجر إلى النصب. إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا: أُعْمِلَتْ، مَا نائب فاعل، وأُعْمِلَتْ فعل ماضي مغير الصيغة. إِعْمَالَ لَيْسَ: قلنا هذا مفعول مطلق مقدم. أُعْمِلَتْ (مَا) إِعْمَالَ لَيْسَ، لماذا؟ لكونها أشبهتها في المعنى، ولذلك قيل: أشبهت (مَا) ليس من ثلاثة أوجه: أولاً: أنها تدل على النفي في الحال، كما أن ليس تدل على النفي في الحال.

كيف تدل على النفي في الحال، ما وجهه؟ ليس زيد قائماً، متى نفي القيام عن زيد؟ الآن وقت الكلام، ثم إذا قيد بقيد فيحمل بحسبه، ليس زيد قائماً غداً، ليس زيد صائماً اليوم، ليس زيد صائماً غداً .. فحينئذٍ إذا قيد يحمل النفي على ما قيد به، وإذا لم يرد قيد لا بماضي ولا باستقبال، حينئذٍ يحمل على الحال، مثلها: (مَا)، ما زيد قائماً، يحمل على نفي الحال، ما زيد قائماً غداً، اليوم، أمس .. إلى آخره. إذاً: أنها تدل على النفي في الحال كما أن ليس تدل على النفي في الحال. الثاني: دخولها على المبتدئ والخبر، ليس تختص بالمبتدأ والخبر، وما كذلك النافية تختص بالمبتدئ والخبر، سواء أعملت كما هي لغة أهل الحجاز أو أنها تميمة بإلغائها. ثالثاً: اقتران خبر (مَا) بالباء الزائدة، وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ الْبَا الْخَبَرْ، سيأتينا. وكذلك لَيْسَ يأتي في خبرها حرف الجر الزائد وهو الباء ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)) [التين:8]، ((وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) [البقرة:74] دخلت الباء في خبر ما، ودخلت في خبر ليس، فدل على أن مَا مثل لَيْسَ في المعنى؛ لوجود هذه الأحكام، أنها في المعنى للنفي -نفي الحال- وكذلك أنها خاصة بالدخول على المبتدأ والخبر. ثالثاً: دخول الباء الزائدة للتأكيد في خبر مَا ولَيْسَ، فلما أشبهت (ما) (ليس) هذا الشبه القوي عملت عملها فرفعت الاسم ونصبت الخبر في لغة أهل الحجاز. وَمَا التِي تَنفي كليسَ النَّاصِبَهْ ... فِي قَولِ سُكّانِ الحِجَازِ قَاطِبَهْ حينئذٍ تعمل ما النافية عمل ليس برفع المبتدئ على أنه اسم لها، والخبر تنصبه على أنه خبر لها. إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا -أعملت ما النافية للاستقراء والعلة هي المشابهة- دُونَ إنْ مَعَ بَقَا النَّفْي وَتَرْتيبٍ زُكِنْ: ذكر ثلاثة شروط صريحة، والبيت الذي يليه ذكر شرطاً رابعاً ضمناً، حينئذٍ لا تعمل مطلقاً، لماذا لا تعمل مطلقاً؟ الأصل يقال: بالاستقراء، أنه لما كان الأصل فيها عدم العمل فإذا وجدت قد عملت، حينئذٍ نكتفي بما سمع، فنستنبط ما الذي دخلت عليه؟ وكيف دخلت عليه؟ فنقول: هذه هي الشروط، هذا هو الأصل فيه؛ لأن الأصل أنها لا تعمل. حينئذٍ ما لم يكن أصلاً في العمل إذا عمل لا بد من شروط، في أبواب النحو كلها، اسم الفاعل لا يعمل مطلقاً إلا بشرط، اسم المفعول لا يعمل إلا بشرط، المصدر لا يعمل إلا بشرط مطلقاً، لماذا؟ لأن الأصل في هذه الألفاظ عدم العمل، فإذا أعمل حينئذٍ لا بد من تقريبه إلى الأصل وهو الفعل. هنا الأصل في مَا أنها لا تعمل، حينئذٍ إذا أعملت لا بد من شروط تقربها وتؤكد أنها قريبة المعنى من ليس، وأول شرط قال: دُونَ إنْ، يعني ألا يقترن بها إن، فإن زيدت عليها إن، حينئذٍ بطل عملها، والمراد بـ (إن) هنا إن الزائدة لا النافية المؤكدة. إن حلولها بعد ما على ثلاثة أنحاء: إما أن تأتي زائدة، وإما أن تأتي نافية، وإما أن تأتي مؤكدة للنفي .. ثلاثة أنحاء.

إما أن تكون زائدة محضة، إذا قيل الحرف زائد معناه لم يستعمل في المعنى الذي وضع له في لسان العرب، إذا جيء بها نافية، حينئذٍ إما أن يكون نفياً مستقلاً، وإما أن يكون من باب التأكيد .. هذه ثلاثة أنحاء. ما الذي يُمنَعُ هنا؟ دُونَ إنْ الزائدة، والنفي المنفي هنا هو أن تكون إنْ مقصوداً بها النفي المستقل، يعني إنْ لو قصد بها أنها بمعنى مَا النافية، حينئذٍ الأولى بطلت -بطل عملها-؛ لأن نفي النفي إثبات، ومَا إنما ألحقت بـ (ليس) لشبه النفي، إذاً إذا نفيت مَا بطل، وإذا استعملت إن تأكيداً بمعنى مَا، حينئذٍ بقي على أصله. إذاً: إِعْمَالَ مَا: أعملت ما إعمال ليس دون إن الزائدة لا النافية المؤكدة، أما النافية المؤكدة فلا إشكال في كونها تالية لـ: مَا، ويبقى عمله على الأصل. إذاً: الشرط الأول: ألا يزاد بعدها إن، فإن زيد بطل عملها؛ لأن (ما) عامل ضعيف، والضعيف لا يقوى على العمل إلا إذا وقع معموله في موقعه الأصلي؛ إذ أصلها حرف مشترك فالأصل إهمالها، وأعملت حملاً على فعل جامد لا يتصرف، حينئذٍ يبقى على ما سمع فحسب، نحو: ما إن زيد قائم، الأصل: ما زيد قائماً، زيد هذا اسم ما، وقائماً هذا خبرها، لما زيدت إن بعد ما وهي الزائدة حينئذٍ بطل عملها فقيل: ما إن زيد قائم، ما حرف نفي ملغى، وإن زائدة، وزيد مبتدأ وقائم خبره، هذا مرفوع وهذا مرفوع على الأصل كأنها لم تدخل على الجملة. ما إن زيد قائم، برفع قائم ولا يجوز نصبه وأجازه بعض النحاة. استدلوا بقول القائل: بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَباً بالنصب، والبصريون يمنعون هذا، والصحيح أنه مروي بالرفع بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ: ما نافية، إن زائدة، أنتم مبتدأ، ذهب خبر؛ لأنه بطل عملها، وإذا بطل عملها رجعنا إلى الأصل، فما نافية وإن زائدة فبطل عملها، وروي بنصب ذهباً فهي نافية إن مؤكدة لنفي ما، وإن المؤكدة لنفي ما لا تعارض ما، على رواية النصب بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَباً، لا نقول: إن هنا زائدة؛ لأنها لو كانت زائدة لبطل عملها، فعلى الرواية الثانية مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَباً نحمل إن هنا على أنها نافية على أصلها، لكنها مؤكدة لمعنى ما، ولو حملناها على أنها مستقلة النفي بطل عملها؛ لأن نفي النفي إثبات. إذاً: فهي نافية إن مؤكدة لنفي ما، فالنفي التي عملت ما لدلالته عليه باق، بخلاف ما لو جعلت إن نافية لنفي ما فإن الكلام يكون موجباً ثابتاً؛ لأن نفي النفي إيجاب، فيزول حينئذٍ سبب عمل ما؛ لأن شرط إعمالها بقاء النفي. إذاً: إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إنْ، نقول: ألا يقترن ما بـ: إن، يعني ألا يتلو ما حرف إن، ثم ننظر إن كانت زائدة بطل عملها، إن كانت مؤكدة للنفي بقي عملها، إن كانت نافية محضة مثل: (ما) بطل عملها، إذاً يبطل عملها في موضعين: إذا كانت زائدة وإذا كانت نافية أصالة، وأما إذا كانت مؤكدة للنفي حينئذٍ بقي عملها، وعليه يحمل رواية النصب بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ. هذا هو الشرط الأول.

الثاني قال: مَعَ بَقَا النَّفْي، يعني نفي الخبر أن يبقى على أصله، فلا ينتقض، ومتى ينتقض؟ إذا اقترن الخبر بإلا؛ لأن الأصل في إلا أنه يثبت لما بعدها نقيض حكم ما قبلها، وإذا كان ما قبلها منفياً حينئذٍ نقيض حكم ما قبلها ثابت لما بعد إلا وهو الإيجاب، وشرط إعمال (ما) في اسمها وخبرها أن يكونا منفيين، فحينئذٍ صار الاسم منفياً والخبر مثبتاً، وهذا يبطل اختصاصها بالنفي. ألا ينتقض النفي بـ: إلا -يعني: نفي خبرها- فلو كان النفي بغير إلا لم يبطل عمل (ما) نحو: ما زيد غير شجاع، ما زيد إلا قائم. نقول هذا باطل، يعني عملها مبطل، لماذا؟ لأن إلا يثبت لما بعدها نقيض حكم ما قبلها، وشرط إعمال (ما) أن يكون اسمها وخبرها منفيين، فإذا أثبت أحدهما ونفي الآخر انتقى شرط العمل، فلا يجوز نصب قائم كقوله تعالى: ((مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا)) [يس:15] أَنْتُمْ مبتدأ، وبَشَرٌ خبر، ومَا هذه نقول: حجازية في الأصل لكنها ملغاة، ((وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ)) [الأحقاف:9] خلافاً لمن أجازه. جمهور البصريين على أنه إذا انتقض نفي خبر (ما) بـ (إلا) وجب رفع الخبر مطلقاً، وذهب يونس بن حبيب إلى أنه يجوز نصب الخبر حينئذٍ مطلقاً، وذهب الفراء إلى جواز نصب الخبر حينئذٍ بشرط كونه وصفاً نحو: ما زيد إلا قائماً، وذهب جمهور الكوفيين إلى جواز نصبه حينئذٍ بشرط كون الخبر مشبهاً به نحو: ما زيد إلا أسد، والصواب هو الأول: أنه ينتقض مطلقاً؛ لأن شرط إعمال (ما) حملها على (ليس) النافية بجامع النفي، حينئذٍ يشترط أن يكون الاسم منفياً والخبر منفياً، فإذا لم ينف واحد منهما حينئذٍ حكمنا على (ما) بأنها ملغاة. ثالثاً قال: وَتَرْتيبٍ زُكِنْ، هذا الشرط ثالث وهو أن يكون الاسم مقدماً على الخبر. وَتَرْتيبٍ زُكِنْ: يعني علم، علم من أين؟ من الباب السابق أن المبتدأ حقه التقديم، والخبر حقه التأخير، إذاً يلتزم هذا الترتيب، فإن لم يلتزم بأن قدم الخبر على الاسم ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً ألغي عمل (ما) هذا هو الأصل؛ لأنها ضعيفة، (ما) في نفسها ضعيفة، حينئذٍ الأصل في الضعيف ألا يتصرف فيه. وَتَرْتيبٍ زُكِنْ: يعني علم، ألا يتقدم خبرها على اسم مطلقاً، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، لذلك الناظم أطلق قال: وَتَرْتيبٍ زُكِنْ، فعلمنا أنه يرى أن الظرف لو وقع خبراً لا يجوز أن يتقدم على اسم (ما)، وكذلك لو وقع ظرفاً، فالكلام عامٌ في النظم. مذهب جمهور النحاة أنه لو تقدم الخبر على الاسم بطل العمل مطلقاً، سواء كان مفرداً نحو: ما قائم زيد، أم ظرفاً نحو: ما عندك زيد، أو جاراً ومجروراً نحو: ما في الدار زيد، وهذا هو الأصل وهو الصحيح؛ لأن (ما) الأصل فيها عدم العمل، فما سمع يبقى على الأصل ولا نتصرف فيه. وذهب الفراء إلى أن تقديم الخبر لا يبطل العمل مطلقاً، هذا من باب الاجتهاد. وذهب ابن عصفور إلى التفصيل: إلى أن الظرف والجار والمجرور لا يبطل العمل، استثنى الجار والمجرور؛ للقاعدة السابقة أنهم يتوسعون في الظروف والمجرورات ما لا يتوسعون في غيره، وما عداه يبطل، ووجهه أن الظرف والجار والمجرور يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما.

إذاً ثلاثة أقوال: جمهور البصريين على المنع مطلقاً سواء كان مفرداً أو جاراً ومجروراً أو ظرفاً، وهذا الذي ذهب إليه الناظم قال: وَتَرْتيبٍ زُكِنْ، بتقديم المبتدأ على الخبر والخبر يلتزم التأخير ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً. والفراء على الجواز مطلقاً، وابن عصفور على التفصيل، وظاهر ابن عقيل أنه اختار قول ابن عصفور. فإن تقدم وجب رفعه نحو: ما قائم زيد، فلا تقول: ما قائماً زيد وفي ذلك خلاف كما ذكرناه. وإن جاء في لسان العرب ما ظاهره تقدم الخبر على الاسم وجب تأويله. فأَصْبَحوا قَد أَعادَ الله نِعْمَتَهُمْ ... إِذْ هُمْ قُرَيْشٌ وَإِذْ مَا مِثْلَهم بَشَرُ ما بشر مثلهم تقدم الخبر على الاسم، والخبر هنا منصوب، يجب التأويل، وحينئذٍ نقول: وإذ ما مثلهم بشر، سيبويه قال: شاذ، انتهينا. إذا أردنا تأويله حينئذٍ نقول: إذ ما مثلهم، مثلهم هذا حال، والخبر محذوف أي: ما في الوجود بشر مثلهم، إذاً لا بد من التأويل أو نحكم عليه بأنه شاذ، مثل ما سبق: وَمُضْمَرَ الشَّانِ اسْماً انْوِ إِنْ وَقَعْ. قال ابن عقيل: فإن كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً فقدمته فقلت: ما في الدار زيد وما عندك عمرو فاختلف الناس في (ما) حينئذٍ هل هي عاملة أم لا؟ هذا محل نزاع كما ذكرناه سابقاً، والناظم اختار أنها تكون غير عاملة، فيبطل عملها. وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِياًّ أَجَازَ العُلَمَا وَسَبْقَ: هذا مصدر مضاف إلى فاعله، مفعول به لأجاز. أَجَازَ العُلَمَا يعني: النحاة. سَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ مع مجروره أوْ ظَرْفٍ مدخولي (ما) مع بقاء العمل، لكن ليس الظرف والجار والمجرور مطلقاً، إنما المراد معمول الخبر، الكلام في معمول الخبر، البيت هذا مراده أنه يمنع أن يتقدم معمول الخبر على الخبر إلا إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، مثل ما سبق وَلاَ يَلِى الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ، والحكم سحبه إلى هذا الموضع، لكن يستثنى الجار والمجرور. كَمَا بِي أنْتَ مَعْنِياًّ: أصل التركيب مَا أنْتَ مَعْنِياًّ بِي. (مَا) هذه حجازية نافية. أنْتَ اسمها. مَعْنِياًّ بالنصب على أنه خبر. بِي جار ومجرور متعلق بالخبر معنياً، إذاً هو معمول الخبر وقد تلا ما، وسبق: وَلاَ يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ ... إِلاَّ إِذَا ظَرْفاً أَتَى أَوْ حَرْفَ جَرْ إذاً استثنى والقاعدة نفسها: وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِيَّاً أَجَازَ العُلَمَا إذاً يجوز أن يتقدم معمول الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً على اسم (ما) الحجازية، وأما التميمية هذا لا إشكال فيه يأتي إن شاء الله. وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِيَّاً أَجَازَ العُلَمَا وما عندك زيد قائماً، ما زيد قائماً عندك هذا هو الأصل فيه.

قال الشارح: أمَّا (مَا) فلغة بني تميم أنها لا تعمل شيئاً فتقول: ما زيد قائم، فزيد مرفوع بالابتداء وقائم خبره، ولا عمل لما في شيء منهما، وذلك لأن (ما) حرف لا يختص بدخوله على الاسم نحو: ما زيد قائم وعلى الفعل ما يقوم زيد، وما لا يختص فحقه ألا يعمل، ولغة أهل الحجاز إعمالها كعمل ليس لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الإطلاق، فيرفعون بها الاسم وينصبون بها الخبر -هذا مذهب البصريين-، وأما الكوفيون فيجعلون الخبر أنه منصوب على نزع الخافض، وهذا بعيد جداً. هذا مشكل ضعيف هذا جداً. قال الله تعالى: ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] (مَا) نافية، أعملت إعمال ليس، كأنه قال: ليس هذا بشراً، هَذَا _ذَا- اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع اسم (ما)، وها حرف تنبيه، وبَشَرًا بالنصب هكذا، فحينئذٍ نقول: الأرجح إعمال (ما) رداً على من منع، لماذا؟ للنص ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] لو كانت ملغاة لقيل: ممَا هَذَا بَشَرٌ كما هي لغة بني تميم، لكن لما أعملت وهو نص في القرآن، حينئذٍ نقول: الأصل والقياس هنا صحيح، وهو قياس (ما) على (ليس) في كونها تعمل عمل (ليس) بجامع النفي -المشابهة السابقة-. ((مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)) [المجادلة:2] ما قال: مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهُمْ، ((مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)) فـ: أُمَّهَاتِهِمْ بالكسر على أنه خبر لـ (ما) فدل على أنه يُعمل، فإذا جاء -الظاهر أنه لم يرد في القرآن بالنصب خبر لـ (ما) إلا في هذين الموضعين وما عداه إما أن يكون فعلاً وإما أن يكون دخل عليه حرف الجر الباء- فحينئذٍ صار المحتمل ((وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ)) [البقرة:74]، هل نقول: هذه تميمية أو حجازية؟ حجازية؛ لأنه محتمل وجاء عندنا نص صريح وهو ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] فحينئذٍ نحمل المحتمل على الصريح، فكلما ورد في القرآن (ما) ودخلت الباء في الخبر، حينئذٍ نجعلها حجازية، هذا الأولى، فتقول في الإعراب -تستفيد في الإعراب-: ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31] هذا النصب ظاهر ((وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ)) [البقرة:74] (مَا) حرف نفي، لفظ الجلالة اسم (ما)، بِغَافِلٍ الباء حرف جر زائد، وغَافِل خبر (ما) منصوب، ونصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وحينئذٍ تعربه بهذا الإعراب، ولو جعلتها تميمية لا بأس. قال الله تعالى: ((مَا هَذَا بَشَرًا)) [يوسف:31]، ((مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)) [المجادلة:2]. أَبناؤُهَا مُتكَنفون أَباهُمُ ... حنقُو الصُّدور ومَا هُم أولادُها إذاً الأصل إعمالها وهو صحيح خلافاً لمن منع. إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إنْ: هذا هو الشرط الأول وقيدنا إن المراد بها الزائدة، احترازاً من المؤكدة، وكذلك إن النافية، فحينئذٍ إذا أعملت إن وهي نافية أريد وقصد معناها بطل عمل (ما)، فحينئذٍ نخص إِنْ هنا بالزائدة وبالنافية التي أريد معناها، خرج معنا أو عنا (إن) المؤكدة لنفي (ما).

مَعَ بَقَا النَّفْي: هذا الشرط الثاني، نفي الخبر فلا يضر انتقاض نفي معمول خبرها، لو قال قائل: ما زيد ضارباً إلا عمراً، ما الذي انتقض هنا؟ انتقض معمول الخبر لا الخبر، وهذا لا يضر، يعني لا يقال: بأن إلا هنا دخلت على معمول الخبر وحينئذٍ انتقض! نقول: لا، الشرط هنا انتقاض الخبر نفسه، لو قال: ما زيد إلا ضارباً عمراً، قلنا انتقض، يجب إلا ضارب، لا إذا رجح الاستثناء أو نحو ذلك، وأما كونه منصوباً على أنه خبر (ما) فممنوع. وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِيَّاً أَجَازَ العُلَمَا المراد أنه يجوز تقديم معمول خبر (ما) على اسمها إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، فإن كان غير ظرف أو مجرور بطل عملها ما طعامك زيد آكل، كما مر معنا. ابن عقيل زاد شرطين على ما ذكره الناظم، وهما يردان إلى الشرط الأول والثاني، يعني ليست بشروط مستقلة. قال: الشرط الخامس: ألا تتكرر (ما) فإن تكررت بطل عملها، إذاً هذا انتقض النفي، ألا يبدل من خبرها موجب، حينئذٍ انتقض النفي، لماذا؟ لأن (ما) لا تعمل إلا في اسم منفي وخبر منفي، وهذا داخل في ما سبق. ثم قال رحمه الله تعالى: وَرَفْعَ مَعْطُوفٍ بِلكِنْ أَوْ بِبَلْ ... مِنْ بَعْدِ مَنْصوُبٍ بِمَا الْزَمْ حَيْثُ حَلّ إذا نصبت (ما) الحجازية، حينئذٍ إذا عطف على منصوبها وهو الخبر ببل ولكن، قال: يجب الرفع، مثل أن تقول: ما زيد قائماً بل قاعد، هل يصح أن نقول: بل قاعداً عطفاً على قائماً؟ لا يصح؛ لأنها للإيجاب، فحينئذٍ ما بعد بل منفي أو مثبت؟ مثبت، فإذا جعلته متصلاً بما قبله نقضت النفي، وحينئذٍ يتعين أن يرفع ما بعد بل، ويجعل خبراً لمبتدئٍ محذوف، ما زيد قائماً، بل عمرو، عمرو هذا خبر مبتدئٍ محذوف، كذلك بـ: لكن، ما عمرو شجاعاً لكن كريم .. لكن هو كريم، حينئذٍ تجعله خبر مبتدئٍ محذوف. وَرَفْعَ مَعْطُوفٍ بِلكِنْ أوْ بِبَلْ ... مِنْ بَعْدِ مَنْصوُبٍ بِـ (مَا) الحجازية، الْزَمْ رفع معطوف، (الْزَمْ) هذا الأصل- رَفْعَ مَعْطُوفٍ - هذا مفعول به مقدم لـ: الْزَمْ، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله، والفاعل محذوف والتقدير: الزم رفعك معطوفاً .. الزم رفعك- أنت الذي ترفع معطوفاً- بـ: بل إلى آخره. وقوله: وَرَفْعَ مَعْطُوفٍ: سماه معطوفاً مجاز؛ إذ ليس معطوفاً هو، وإنما هو خبر مبتدأ محذوف، وبل ولكن حرفا ابتداء، فحينئذٍ إذا قلت: وَرَفْعَ مَعْطُوفٍ بِلكِنْ، هذه للاستدراك وهي تفيد إثبات الحكم، أو نفي الحكم السابق إثباته لما بعدها، وكذلك بل المراد ببل هنا ليس الانتقالية وإنما الإضرابية. مِنْ بَعْدِ مَنْصوُبٍ: يعني من بعد خبر منصوب، بما الحجازية الْزَمْ حَيْثُ حَلْ ونزل، وإنما وجب الرفع لكونه خبر مبتدئٍ مقدر، ولا يجوز نصبه عطفاً على خبر (ما) لأنه موجب، وهي لا تعمل في الموجب.

هذا متمم للشرط السابق؛ لأنه وإن كان منفصلاً موهماً أن بل ولكن يعطف بما بعدهما على ما قبلهما، فالحكم واحد نبه على هذا رحمه الله تعالى، فبين أن بل ولكن، الحكم يكون فيهما مختلف عن الواو والفاء، فإنه لو عطف بالواو والفاء حينئذٍ حكمه يختلف، وأما إذا عطف بلكن وبل اللذان يفيدان أن ما بعدهما مخالف لما قبلهما في الحكم، وما قبلهما منفي وما بعدهما موجب، حينئذٍ انتقض النفي، فوجب أن يفصل الكلام وأن يقدر للملفوظ مبتدأً محذوفاً؛ لأنه موجب، وهي لا تعمل في الموجب نحو: ما زيد قائماً بل قاعد، وما عمرو شجاعاً لكن كريم، أي بل هو قاعد، قاعد خبر مبتدئٍ محذوف، إذاً ليس بمعطوف؛ لأن قاعد مفرد والأصل في المعطوفات أن يكون للمفرد، ولكن هو كريم، فإن كان العطف بحرف لا يوجب كالواو والفاء جاز الرفع والنصب نحو: ما زيد قائماً ولا قاعد، ولا قاعداً .. يجوز فيه الوجهان: لأن الواو لا تفيد أن ما بعدها مخالف لما قبلها بل تفيد الاشتراك، ومثلها الفاء ما زيد قائماً ولا قاعد على أنه خبر مبتدئٍ محذوف، ولا قاعداً بالنصب على أنه معطوف على منصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب،، ومثله بالفاء ما زيد قائماً فعمرو، إن كان العطف بالواو والفاء حينئذٍ نقول ما بعده معطوف على ما قبله، هل نعيد لا مع الفاء؟ لا نعيدها. إذاً ما زيد قائماً فعمرو، فعمرواً .. يجوز فيه الوجهان. إن نصبنا فهو معطوف على ما قبله، وإن رفعنا حينئذٍ فصلنا فقلنا: فعمرو قاعد أو فعمرو جالس، نقدر ما يناسب الحال؛ لأن الفاء مثل قولك: جاء زيد فعمرو، فما بعده يكون مناسباً لما قبله في الحكم، رأيت زيداً فعمرو، ولا نحتاج إلى إعادتها. وَرَفْعَ مَعْطُوفٍ بِلكِنْ أَوْ بِبَلْ ... مِنْ بَعْدِ مَنْصوُبٍ بِمَا الْزَمْ حَيْثُ حَلّ مِنْ بَعْدِ مَنْصوُبٍ بِمَا -الحجازية- الْزَمْ حَيْثُ حَلْ لَكِنْ وبَلْ هنا لا يقال إنها عاطفة؛ لأنهما لا يعطفان إلا المفرد وهنا جملة في الحقيقة بَلْ ولَكِنْ حرفان للانتقال. قال الشارح رحمه الله تعالى: إذا وقع بعد خبر ما عاطف فلا يخلو إما أن يكون مقتضياً للإيجاب أو لا، فإن كان مقتضياً للإيجاب تعين رفع الاسم الواقع بعده وذلك نحو: بل ولكن فتقول: ما زيد قائماً لكن عمرو أو بل قاعد، فيجب رفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير لكن هو قاعد، وبل هو قاعد ولا يجوز النصب البتة، لما ذكرناه سابقاً. وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للإيجاب كالواو ونحوها كالفاء جاز النصب والرفع والمختار النصب: ما زيد قائماً ولا قاعداً، ويجوز الرفع: ولا قاعد، وهو خبر لمبتدأ محذوف. ففهم من تخصيص المصنف وجوب الرفع بما إذا وقع الاسم بعد بل ولكن أنه لا يجب الرفع بعد غيرهما. وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ ... وَبَعْدَ لاَ وَنَفْيِ كَانَ قَدْ يُجَرّ ليس قد يقع في خبرها أو يتصل بها الباء الزائدة التي تفيد التأكيد، ومثلها (ما) النافية.

وَبَعْدَ (ما) النافية وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ: جَرَّ الباءُ الْخَبَرَ، بعد (ما) النافية، مطلقاً سواء كانت تميمية أو حجازية، فليس الحكم خاصاً بالحجازية، وسواء كانت الحجازية عاملة أو ليست بعاملة؛ لأنها إذا أبطلت ما إن زيد قائم، هل يصح إدخال الباء الزائدة على قائم؟ نقول: نعم، ولو كانت مبطلة ولو كانت ملغاة. وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ: الباء الزائدة خبر كثيراً، أطلق الناظم هنا (ما) فيشمل الحجازية والتميمية وهو كذلك، وقيده بعضهم بالحجازية وهو مردود فقد نقله سيبويه عن تميم وهو موجود في أشعارهم فلا التفات إلى من منع ذلك. وأيضاً يشمل إطلاقه العاملة والتي بطل عملها بدخول إن، كما صرح بذلك هو في غير هذا الكتاب. وَلَيْسَ جَرَّ البَا: إذاً الزائدة. وَبَعْدَ لا وَنَفْي كَانَ قَدْ يُجَرّ: قد هنا للتقليل، إذاً قد تتصل الباء وتدخل الباء المؤكدة في خبر (لا) النافية عاملة عمل ليس، وَنَفْي كَانَ وبقية النواسخ، غير إن وأخواتها وكاد وأخواتها، إذاً كان ما كان زيد بقائم، كان المنفية أو كل ما دخل عليه النفي من النواسخ حينئذٍ يجوز أن يتصل بخبرها الباء التي تفيد التأكيد. ويشمل إطلاقه أنه لا فرق في (لا) العاملة عمل ليس والعاملة عمل إن نحو: لا خَيْرَ بخيرٍ بعده النار، أي لا خير خير، لقوله: وَبَعْدَ لا –النافية-، سواء التي تعمل عمل ليس أو التي تعمل عمل إن كما سيأتي. وَنَفْي كَانَ: أي كان المنفية. قَدْ يُجَرّ: قليلاً، قد للتقليل. تزاد الباء كثيراً في الخبر بعد ليس وما نحو قوله تعالى: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)) [الزمر:36] كَافٍ هذا قطعاً أنه خبر ليس وهو منصوب، ولكنه جر لموافقة العامل الظاهر، وإلا في التقدير فهو منصوب. ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ)) [الزمر:37] أليس الله عزيزاً، زيدت الباب هنا للتأكيد، لتأكيد النفي، ((وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)) [الأنعام:132]، و ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)) [فصلت:46] ولا تختص زيادة الباء بعد ما بكونها حجازية، بل تزاد بعدها وبعد التميمية، وقد نقل سيبويه والفراء زيادة الباء بعد ما عن بني تميم، فلا التفات إلى من منع ذلك وهو موجود في أشعارهم. وذهب الكوفيون إلى أن الزيادة لتأكيد النفي، وهذا هو المرجح، وذهب البصريون إلى أنها لرفع أن يتوهم السامع أن الكلام بني على الإثبات لكونه لم يسمع أوله، هذه فلسفه. يعني يقولون: زيدت الباب لماذا؟ لأنه يحتمل أنه لم يسمع أوله، ((وَمَا اللَّهُ)) ما سمع هذا، وإنما سمع ((بِغَافِلٍ)) علم أن الباء إنما تزاد في جواب ما وليس، هذا ليس صحيح. وقد وردت زيادة الباء قليلاً في خبر لا وكل ناسخ منفي كقوله: فَكُنْ لي شَفِيعاً يومَ لا ذُو شَفاعَةٍ بمُغنٍ هذا الشاهد. فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لاَ ... وَقَدْ تَلِي لاَتَ وَإِنْ ذَا الْعَمَلاَ انتهينا من ما وما يتعلق بها، ثم شرع في لا ولات وإن، وإعمالها أضعف من (ما)، والأشهر هو (ما)، وأما إن ولا ولات، هذه حتى بعضهم منع إعمالها، فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ: أُعْمِلَتْ لا، لا هذا نائب فاعل كَلَيْسَ: حال كونها كَلَيْسَ.

فِي النَّكِرَاتِ: جار ومجرور متعلق بقوله: أعملت، أعملت في النكرات لا في المعارف، إذاً هي مختصة بماذا؟ بالنكرات، وهذا قليل إعمال لا إعمال ليس قليل جداً. وهم مع ذلك مختلفون في جواز إعمالها قياساً على ما سمع، فذهب سيبويه إلى جواز الإعمال، لكنه قليل، وذهب الأخفش والمبرد إلى منع إعمالها وهو أقيس -وهو القياس- لماذا؟ لأنه مهمل هذا الأصل فيه، فالأصل فيه عدم العمل، لكنه سمع بعض الأشعار إعمال لا، وحينئذٍ نقول: تعمل لا، لكن بشروط وهو قليل، وليس هو كـ (ما) النافية؛ إذ (لا) حرف مشترك بين الأسماء والأفعال فحقه الإهمال، هكذا علله الأخفش والمبرد بمنع إعمالها وهو القياس، لكن السماع هنا مقدم. ويبقى السماع على ما سمع، حينئذٍ يكون قيلاً. إذاً فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ، ظاهر كلامه مساواة (لا) لـ: ليس في العمل؛ لأنه قال: أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لا. ثم قال: وَقَدْ تَلِي: تليها، قد يفهم منه أن لا وليس في العمل في مرتبة واحدة، وليس الأمر كذلك؛ لأن ليس إعمالها متفق عليه، وأما لا مختلف فيه، حينئذٍ ليس المراد هنا المساواة من كل وجه، ظاهر كلامه مساواة (لا) لـ (ليس) في كثرة العمل، وليس كذلك، بل عملها -عمل (ليس) - قليل، حتى منعه الأخفش والمبرد. فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لا: بشرط بقاء النفي والترتيب على ما مر .. بشرط بقاء النفي فلا ينتقض، فإن انتقض حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو الإهمال، كذلك يشترط فيه الترتيب على ما مر بتقديم المبتدئ على الخبر، فإن تقدم الخبر على المبتدئ، حينئذٍ بطل عملها، وهي لا تقترن بـ: إن أصلاً، حينئذٍ لا نحتاج إلى اشتراط إن؛ لأنه قال: دُونَ إنْ ... مَعَ بَقَا النَّفْي وَتَرْتيبٍ زُكِنْ. (لا) لا تقترن بـ (إن) البتة، حينئذٍ لا نحتاج إلى اشتراط هذا الشرط، وإنما نقول: مَعَ بَقَا النَّفْي، يبقى النفي، فإن انتقض النفي بـ: إلا أو غيره بطل عمل لا. تَرْتيبٍ زُكِنْ على ما هو الأصل، وهو أيضاً خاص بلغة الحجاز دون تميم، إعمال لا الحجازية، أما تميم فلا. فِي النَّكِرَاتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ لا: إنما اختص عمل لا في النكرات؛ لأنها عند الإطلاق لنفي الجنس برجحان، والوحدة بمرجوحية، وكلاهما بالنكرات أنسب، وهذا يأتينا في باب لا النافية للجنس، أما التي لنفي الجنس نصاً فعاملة عمل إن. إذاً النوع الثاني هو لا. قال الشارح: أما لا فمذهب الحجازيين إعمالها عمل ليس ومذهب تميم إهمالها، ولا تعمل عند الحجازيين إلا بشروط ثلاثة، والغالب أن يكون خبرها محذوفاً، الغالب في لا أن يحذف خبرها، حتى قيل: يجب حذف الخبر. كقوله: (فَأَنَا ابْنُ قَيْسِ لا بَرَاحُ ... )، يعني لا براح لي، والصحيح جواز ذكره، لقوله: تَعَزّ فَلاَ شَئٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِياً، بَاقِياً هذا تصريح بخبر لا، وَلا وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَاقِياً، إذاً الصواب أنه يذكر، إذاً لا تعمل عند الحجازيين إلا بثلاثة شروط: أولاً: أن يكون الاسم والخبر نكرتين؛ لأنه نص على ذلك قال: فِي النَّكِرَاتِ، ومنه قول الشاعر: تَعَزّ فَلاَ شَئٌ (فلا) نافية تعمل عمل ليس، شَئٌ اسمها.

تَعَزّ فَلاَ شَئٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِياً: (بَاقِياً) هذا خبر لا، وعَلَى الأَرْضِ جار ومجرور متعلق بباقياً. وَلا وَزَرٌ: (لا) نافية، تعمل عمل ليس، وَزَرٌ اسمها. مِمَّا قَضَى اللهُ: من الذي قضى الله، متعلق بقوله: وَاقِياً، وواقياً هو الخبر -هذا الشرط الأول-. وزعم بعضهم أنها قد تعمل في المعرفة بناء على ما ذكر عن النابغة: وحَلَّتْ سَوادَ القَلبِ لاَ أَنَا بَاغِياً ... سِواهَا، وَلاَ عَنْ حُبِّهَا مُتَرَاخِيَاً لا أَنَا: هذا معرفة، ودخلت عليه (لا) وأعملت بدليل ماذا؟ باغياً، هذا خبر فدل على إعمالها، وتردد الناظم في هذا البيت فأجاز في التسهيل القياس عليه، وتأوله في شرح الكافية، فقال: يمكن عندي أن يجعل أنا مرفوع فعل مضمر ناصب باغياً على الحال تقديره لا أرى باغياً، وهذا أولى أن يقدم لما ذكرناه. الشرط الثاني: ألا يتقدم خبرها على اسمها: لا قائماً رجل - وَتَرْتيبٍ زُكِنْ -. الشرط الثالث: ألا ينتقض النفي بـ: إلا: لا رجل إلا أفضل من زيد بنصب أفضل بل يجب رفعه، ولم يتعرض المصنف لهذين الشرطين. بل الصواب أنه تعرض؛ لأنه ذكر الحكم أولاً. وزِيد عليه شرط رابع: ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها، وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، وهذا يمكن أن نأخذه من قوله: وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِيَّاً أَجَازَ الْعُلَمَا الخامس: ألا تكون نصاً في نفي الجنس. ثم قال: وَقَدْ تَلِي لاَتَ وَإِنْ ذَا الْعَمَلاَ. : وَقَدْ تَلِي تَلِي من ولي الشيء يليه ولاية إذا تولاه، وَقَدْ تَلِي لاَتَ، لات هنا فاعل قصد لفظه، وإن معطوف عليه، (ذَا) اسم إشارة مفعول به، تَلِي لاَتَ ذَا الْعَمَلاَ، العمل المذكور السابق وهو عمل ليس، وَقَدْ تَلِي لاَتَ ذَا الْعَمَلاَ، (ذَا) اسم إشارة في محل نصب مفعول به لتلي، ولاَتَ هذه فاعل، والْعَمَل هذا بدل أو عطف بيان. أما لاَتَ فأثبت سيبويه عملها، ومنعه الأخفش. وأما إِنْ فأجاز إعمالها الكسائي وأكثر الكوفيين، ومنعه جمهور البصريين، والصحيح الإعمال فقد سمع نثراً ونظماً. الصحيح في هذه المسائل الأربعة الإعمال؛ لأنه سمع نثراً وشعراً، حينئذٍ يبقى على ما سمع عليه، القليل قليل، والكثير كثير، ونبقى على أصول. وأما إِنْ النافية فمذهب أكثر البصريين والفراء أنها لا تعمل شيئاً، -الصحيح أنها تعمل وأن إعمالها نادر-، ومذهب الكوفيين أنها تعمل عمل ليس وقال به من البصريين أبو العباس المبرد وأبو بكر بن السراج وأبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جني، وزعم أن في كلام سيبويه إشارة إلى ذلك وقد ورد السماع به إِنْ هُوَ مُسْتَوْلِياً عَلَى أَحَدٍ ... إِلاَّ عَلَى أَضْعَفِ الْمَجَانِينِ وسمع: (إنْ أَحَدٌ خَيْراً مِنْ أَحَدٍ إلا بِالْعَافَيَةِ)، إن أحد خيراً من أحد يعني: ما أحد خيراً من أحد، فنصب خيراً دل على أن إن هذه معملة. إِنْ هُوَ مُسْتَوْلِياً: إن حرف نفي، يعمل عمل ليس، هو اسمها، مستولياً: هنا جاء معرفة لا يشترط فيها أن يكون نكرة، وإنما النكرة تشترط في (لا)، وأما (ما) لا يشترط فيها، وكذلك (إن).

مُسْتَوْلِياً: هذا خبر (إن)، شروط إعمال إن، أن يبقى النفي، أن يتقدم اسمها على خبرها، ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور. وذكر ابن جني في المستحب أن سعيد بن جبير قرأ: ((إِنْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَاداً أَمْثَالَكُمْ)) بالنصب، نعت لـ: عباداً -نعت له-. إِنْ الَّذِينَ نافية رفعت الذين ونصبت عباداً، إِنْ الَّذِينَ يعني ما الذين تدعون من دون الله عِبَاداً بالنصب على أنه خبر لـ (إن) وله توجيه عند النحاة. ولا يشترط في اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين، بل تعمل في النكرة والمعرفة، إن رجل قائماً، وإن زيد القائم، وإن زيد قائماً. وأما لاتَ بزيادة التاء قيل: هي أصلها (لا) النافية زيدت عليها التاء، تاء التأنيث المفتوحة لتأنيث اللفظ، وقيل: زيدت للدلالة على المبالغة في النفي، وقيل: ليقوى شبهها بالفعل. ومذهب الجمهور أنها تعمل عمل ليس، فترفع الاسم وتنصب الخبر، لكن اختصت بأنها لا يذكر معها الاسم والخبر معاً، بل لا بد من حذف أحدهما، والأكثر أن يحذف الاسم، بل إنما يذكر معها أحدهما، والكثير في لسان العرب حذف اسمها وبقاء خبرها ((وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ)) [ص:3] وَلاتَ الحين حِينَ مَنَاص، يعني فرار، وَلاتَ الحينُ حينَ، فـ: حِينَ منصوب على أنه خبر لات، وإن اسمها محذوف تقديره: ولات الوقت وقت مناص، يعني فرار، أو وَلاتَ الحين حين مناص. فحذف الاسم وبقي الخبر، والتقدير: وَلاتَ الحين وحين مناص، والحين اسمها، وحين مناص خبرها، وقد قرأ شذوذاً ((وَلاتَ حِينُ مَنَاصٍ)) على أنه اسم لات، وحذف خبرها. والخبر محذوف والتقدير وَلاتَ حين مناص لهم، وَلاتَ حين مناص كائناً لهم. قال الناظم: ................................ ... وَقَدْ تَلِي لاَتَ وَإِنْ ذَا الْعَمَلاَ وَحَذْفُ ذِي الرَّفْعِ فَشَا وَالْعَكْسُ قَلّ وَمَا لِلاَتَ فِي سِوَى حِينٍ عَمَلْ وَمَا لِلاَتَ: ليس للات في غير اسم حينٍ يعني زمان، هل المراد في لفظ الحين فقط أو المراد الحين ومثله؟ كل ما دل على زمن من أسماء الزمان، الثاني هو الظاهر، ليس المراد لفظ الحين، وإنما المراد كل ما دل على الزمن، فحينئذٍ يختص اسم أو يختص مدخولا لات بأسماء الزمان، وليس الحكم خاص بالحين، والآية إنما تذكر كمثال فقط. وَمَا لِلاَتَ فِي سِوَى حِينٍ: لعله خص حين للآية؛ لأنها هي المثال المشهور عند النحاة. وَمَا لِلاَتَ فِي سِوَى حِينٍ: اسم حين، أي زمان عمل. بل لا تعمل إلا في أسماء الأحيان، نحو: حين، وساعة، وأوان؛ للآية السابقة، وقول الشاعر: نَدِمَ البُغاةُ ولاتَ ساعةَ مَنْدَمٍ. وَحَذْفُ ذِي الرَّفْعِ فَشَا: يعني لا يذكر معها المرفوعان، وإنما لا بد من حذف أحدهما. وَحَذْفُ ذِي الرَّفْعِ: أي المرفوع، يعني صاحب الرفع، وهو الاسم المرفوع. فَشَا: يعني كثر، وَالْعَكْسُ قَلْ: وهو حذف الخبر وإبقاء الاسم. الأول كثير حذف الاسم وإبقاء الخبر، والعكس قل .. قل جداً؛ للآية التي ذكرناها ((وَلاتَ حِينُ مَنَاصٍ)).

قال: وأشار بقوله: وَمَا لِلاَتَ فِي سِوَى حِينٍ عَمَلْ إلى ما ذكره سيبويه من أن لات لا تعمل إلا في الحين، واختلف الناس فيه، فقال قوم: المراد أنها لا تعمل إلا في لفظ الحين، ولا تعمل في مرادفه كالساعة ونحوها، وقال قوم: المراد أنها لا تعمل إلا في أسماء الزمان، وتعمل في لفظ الحين وفيما رادفه من أسماء الزمان، ومن عملها فيما رادفه قول الشاعر: نَدِمَ البُغاةُ ولاتَ ساعةَ مَنْدَمٍ: إذاً سمع، وإذا سمع حينئذٍ نقول: لا يراد به لفظ الحين بل هو عام، وكلام المصنف محتمل القولين، وجزم بالثاني في التسهيل. ومذهب الأخفش أنها لا تعمل شيئاً، وأنه إن وجد الاسم بعدها منصوباً فناصبه فعل مضمر، والتقدير لات أرى حين مناص، وإن وجد مرفوعاً فهو مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: لات حين مناص كان اللفظ. ولكن المشهور هو الأول. إذاً: شروط عمل لاَتَ: أن يبقى النفي، وأن يتقدم اسمه على خبرها، ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور، أن يكونا نكرتين، ألا يجمع بين جزئيها والأكثر حذف الاسم، لا تعمل إلا في الحين وما رادفه، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

36

عناصر الدرس * شرح الترجمة (أفعال المقاربة) ـوأقسامها من حيث المعنى * عمل (أفعال المقاربة) ـ * أقسام هذه الأفعال من حيث اقتران خبرها بـ (أن) وعدمه * فوائد ومسائل * أقسام (افعال المقاربة) من حيث التمام والنقص * ماتختص ته (عسى) دون غيرها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة، أي: هذا باب بيان أفعال المقارنة. أفعال هذا جمع، والمراد بها: أن الحكم على هذه المذكورات كلها أفعال، وكلها متفق على فعليتها إلا عسى، فهي مختلف فيها، ذهب بعضهم إلى أنها حرف، نقل عن ثعلب ونسب أيضاً إلى ابن السراج، والصحيح أنها فعل. والدليل على فعليتها: اتصال تاء الفاعل وأخواتها بها، عسيتُ، عسيتَ، فَهَلْ عَسَيتُم، حينئذٍ نقول: اتصال تاء الفاعل دليل على أنها فعل. وذهب ابن هشام رحمه الله تعالى إلى التفصيل بين كونها فعلاً وبين كونها حرفاً ولذلك عدها من النواسخ التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر، يعني: من أخوات (إن)، فتأتي حرفاً وتأتي فعلاً، وحينئذٍ التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر هي فعل، والتي تنصب المبتدأ وترفع الخبر هي حرف. وجمهور البصريين على المنع، بل الصواب عندهم: أنها لا تأتي إلا فعلاً ماضياً، وإذا جاءت متصلة بالـ (كاف) عساك، عساه؟؟؟ ونحو ذلك، حينئذٍ نقول: هذه لا بد من تأويلها وتخريجها على ما يوافق الأصل. إذاً التفصيل عند ابن هشام رحمه الله تعالى ويأتي في باب (إن وأخواتها)، لذلك قال الناظم: أفعال، حينئذٍ عسى عنده فعل، بدليل بدليل التعميم. أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة، لم يقل: كَادَ وَأَخَوَاتُهَا، وإن كان هذا الباب يعتبر متمماً لما سبق، وهو أن من النواسخ ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، قلنا: هذا الأصل فيه باب (كان وأخواتها)، حينئذٍ باب (كاد وأخواتها) هذا ملحق به، بمعنى: أنه يعمل عمل (كان)، كما قال: كَكَانَ كَادَ وَعَسَى، فدل على أن هذا الباب فرع وليس بأصل، ولم يقل كاد وأخواتها؛ لأن كان وأخواتها هناك دل الدليل على أن (كان) لها اختصاص، وأنها أم الباب، وانفردت بأحكام لم يشاركها غيرها من الأفعال. وأما (كاد) فلم يثبت أنها أم الباب، وحينئذٍ إثبات أمية (كاد) يحتاج إلى دليل ولا دليل فيبقى على الأصل، فلا نقول: كاد وأخواتها، وإن كان بعضهم عبر بهذا التعبير. أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة، لم يقل كاد وأخواتها؛ لأنه لا دليل على أنها أم الباب، بخلاف كان. قوله: أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة، مقاربة مفاعلة، والمفاعلة إنما تكون بين شيئين، مضاربة ومقاتلة لا بد بين اثنين، وهنا مفاعلة المقاربة. قيل: المراد أصل القرب، يعني ليست المفاعلة هنا على بابها، لأنه يقال: سافر، فاعل، ضارب. ضارب زيد عمرواً، إذاً فيه نوع مشاركة بين الطرفين، لكن: سافر زيد، نقول: سافر هذه جاءت على صيغة ماذا؟ صيغة فاعل، هل ثمَّ مفاعلة بين زيد والسفر؟ الجواب: لا. إذاً نقول: هذه ليست على بابها، سافر ليست على بابها. كذلك هنا المقاربة قيل: مأخوذ من أصل القرب كسافر.

لا حقيقة المفاعلة، لأنه للخبر فقط، لأنه إذا قيل: كاد زيد يفعل كذا، إذاً المراد قرب الخبر من الاسم، هذا المراد، فهي مفاعلة من جهة الخبر أو مقاربة من جهة الخبر للاسم، والاسم الأصل فيه أنه لا يقارب الخبر، هذا المراد هنا، حينئذٍ إذا قيل: كاد زيد يفعل كذا، المراد بالخبر هنا: أنه قرب من الاسم. إذاً: ليس فيه مفاعلة، الاسم في الأصل لا يقرب من الخبر، وإنما المراد الإخبار بقرب مدلول الخبر من الاسم. هذا هو الأصل، وحينئذٍ لا وجه للمفاعلة هنا، وحينئذٍ لا بد من صرفه على ما ذكرناه. وقد يقال: يلزم من وضعها لقرب الخبر من الاسم دلالتها على قرب الاسم من الخبر التزاماً. إذا قيل بأن أصل الوضع، وضعت كاد وأخواتها من أجل دلالتها على قرب الخبر من الاسم، إذا قرب الخبر من الاسم لزم منه أن يكون الاسم كذلك قريباً من الخبر، وحينئذٍ وجدت المفاعلة، لكن قرب الخبر من الاسم وضعاً، لأنه وضع له في لسان العرب لهذا المعنى. وأما قرب الاسم من الخبر هذا التزاماً؛ لأنه إذا قيل: قرب معنى الخبر من مسمى الاسم حينئذٍ لا يكون الاسم أجنبياً بعيداً عنه، بل كل ما قرب قرب منه الاسم كذلك. إذاً: فيه معنى المفاعلة لكن من جهة الالتزام، فتكون حينئذٍ على بابها. إذاً: أفعال المقاربة، مقاربة المفاعلة هل هي على بابها أم لا؟ نقول: قيل: الأصل أنه من قرُب، وحينئذٍ لا مفاعلة كسافر. وقيل: أن الأصل في وضع (كاد وأخواتها) لقرب معنى الخبر من مسمى الاسم، لزم منه قرب الاسم من الخبر، هذا لازم له، فحينئذٍ حصلت المفاعلة في الأول الخبر للاسم بالوضع، والاسم للخبر بالالتزام، وحينئذٍ معنى المفاعلة موجود. أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة، هذا هو القسم الثاني من الأفعال الناسخة للابتداء، وهو (كاد وأخواتها)، وذكر المصنف منها أحد عشر فعلاً، ولا خلاف في أنها أفعال إلا (عسى) هذا محل نزاع كما ذكرناه، والصحيح أنها فعل مطلقاً، وإذا جاءت ناصبة فحينئذٍ تؤول أو تستثنى في أحوال معينة فحسب، أما أنها تكون فعلاً وتكون حرفاً هذا محل نظر. وهذه أفعال المقاربة على ثلاثة أنواع، لأنها ليست كلها أفعال مقاربة، بل هي من باب إطلاق الكل مرادٌ به الجزء، لأن الذي يعمل عمل (كان) في هذا النوع على ثلاثة أقسام: منها ما دل على المقاربة، ومنها ما دل على الرجاء، ومنها ما دل على الإنشاء، وحينئذٍ كيف يقول الناظم: باب المقاربة وليست كلها للمقاربة، وإنما بعضها للمقاربة، وبعضها للرجاء، وبعضها للإنشاء والشروع، وحينئذٍ نقول: إما أن يكون من باب التغليب، غلَّب أفعال المقاربة على الرجاء والإنشاء والشروع، وإما أن يكون على حقيقته. وليست كلها للمقاربة، بل هي على ثلاثة أقسام: قيل الجواب: أنها من باب التغليب. وقيل في أفعال الرجاء والشروع أيضاً نوع مقاربة -فيها نوع مقاربة- قيل: في أفعال الرجاء والشروع أيضاً مقاربة بطريق الاستلزام، لأن رجاء الفعل دُلُوٌّ لتقدير نيله، إذا رجى الفعل حينئذٍ فيه نوع قرب، إذا رجى الفعل حينئذٍ نقول: فيه نوع قرب، فالأصل فيه إذا رجاه أن يتحرك إليه وأن يتقرب منه ذلك الفعل. هذا هو الأصل.

والشروع في الفعل يلزمه القرب منه، وعليه حينئذٍ فلا تغليب، بل يكون المراد بأفعال المقاربة على أصلها، إما أن تكون بالوضع وهو كاد وأخواتها، وإنما أن تكون بالاستلزام، لأن أفعال الرجاء إذا رجى الفعل دنا منه ولا شك، وهذا معنى القرب. وأفعال الشروع إذا قرب من الشيء من أجل أن يشرع فيه وينشأ فيه حينئذٍ صار قريباً منه، لكن هذا يكون من باب دلالة الاستلزام، وعليه فلا تغليب. ثلاثة أقسام: الأول: ما دل على المقاربة، يعني أفعال تفهم منها مقاربة مضمون الخبر لمسمى الاسم، وهي ثلاثة سيذكرها الناظم: كاد وكرب وأوشك، وضعت للدلالة على قرب الخبر أي: قرب معناه من مسمى الاسم. قرب الخبر يعني معنى الخبر من مسمى الاسم، هذا معنى أفعال المقاربة. وضعت للدلالة على قرب الخبر، أي: قرب معناه من مسمى الاسم، وقربه منه لا يستلزم وقوعه. إذا قيل: قريب -كاد تدل على قرب خبرها من معنى اسمها- حينئذٍ لا يدل على أنه سيقع، بل قد يستحيل عادة كما في قوله تعالى: ((يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ)) [النور:35] قال: هذا مستحيل، فحينئذٍ لا يلزم من قربه وقوعه، وإنما هذا اللفظ وضع من أجل أن يدل على القرب فحسب، قرب الخبر معناه من مسمى الاسم. الثاني: ما دل على الرجاء، يعني أفعال دلت على الرجاء، وهي ثلاثة: "عَسَى وحَرَى واخلَوْلَقَ "، يعني: كلها تستعمل بمعنى واحد. عَسَيْتُ بمعنى: رجوت. اخلَوْلَقَ بمعنى: رجى، وحَرَى بمعنى: رجى، هذا المراد أنها كلها تفسر بمعنى واحد، فاللفظ متعدد والمعنى واحد، فعسى هي الأصل وحَرَى وَاخلَوْلَقَ محمولان عليهما. وضعت للدلالة على الرجاء الخبري، يعني: الطمع في الخبر محبوباً والإشفاق أي: الخوف منه مكروهاً، هذا معنى الرجاء. والثالث: ما دل على الإنشاء والشروع فيه، وهو كثير -هذه كثيرة- لكن عدَّ الناظم منها: جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ. هذا المشهور منها. وضعت للدلالة على الشروع في الخبر: أَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو: بمعنى أنه شرع، بدأ. فأفعال الشروع كأفعال المقاربة كأفعال الرجاء كلها داخلة تحت مسمى أفعال المقاربة. قال الناظم: كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهذَيْنِ خَبَرْ إذاً: هذا الباب محمول على باب (كَادَ وَأَخَوَاتُهَا)، وعلم أن (كان) ترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها، هذا هو الأصل فيها، فالأصل كل ما جاز هناك أنه يجوز هنا، فالفرع يحمل على أصله، وكل ما اشترط هناك يشترط هنا، والعمل هو العمل، ولذلك قال الناظم: كَكَانَ كَادَ: كَادَ مثل كَانَ، كَادَ هذا مبتدأ مؤخر قصد لفظه وكَكَانَ، يعني مثل كان هذا خبر مقدم. كَكَانَ كَادَ: لمقاربة حصول الخبر كَادَ. وَعَسَى: لترجيه، يعني: ترجي حصول الخبر. حينئذ: كَادَ كَكَانَ في ماذا؟ هل هو في المعنى أو في الحكم؟ وهل هو في مطلق الحكم أو في الحكم المطلق؟ هذه كلها احتمالات، في المعنى منفي؛ لأن (كَانَ) تدل على الزمن فحسب، وإذا كان حدث فحينئذٍ معنى حدثها هو الكون -الحدوث الحصول الثبوت-. إذاً: هذا ممتنع.

بقي: كَانَ كَكَادَ، كَادَ كَكَانَ، في ماذا؟ في مطلق الأحكام أو في الأحكام المطلقة. إذا قلت: في الأحكام المطلقة معناه: كل الأحكام التي مضت حينئذٍ هي موجودة في باب (كاد)، وإن قلت: في مطلق الأحكام فحينئذٍ صار في الجملة، وقد يخالف في البعض، الثاني هو المراد، أن المثلية هنا ليست مثلية مطلقة من كل وجه، بل من بعض الوجوه. كَكَانَ كَادَ يعني: فيما تقدم من العمل، كَكَانَ فيما تقدم من العمل كَادَ وَعَسَى لا في كل أحكامها، وإن كانت مطلقة المثلية تحمل على هذا لكن ليس هذا مراد الناظم، ولذلك استدرك فقال: لَكِنْ: هذا استدراك برفع ما يتوهم ثبوته، وهو أن ما قبل لكن قد يوهم أن كاد وكان مستويان من كل وجه في الأحكام، وحينئذٍ يلزم أن يكون خبر كاد مفرداً وجملة فعلية وجملة اسمية وظرفاً وجاراً ومجرور وهذا ممتنع في باب كاد، وحينئذ: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ هذا استثناء واستدراك بأن كَادَ كَكَانَ المراد بها في العمل، في أنها تدخل على الجملة الاسمية مبتدأ وخبر، وأنها ترفع المبتدأ على أنه اسم لها، والخبر له حكمه وهو مستثنىً من الأحكام التي تعلقت بـ (كان)، ولذلك قال: لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهَذَيْنِ خَبَرْ إذاً: كَادَ كَكَانَ في العمل الذي تقدم ذكره: تَرْفَعُ كَانَ الْمُبْتَدَا اسْمَاً وَالْخَبَرْ ... تَنْصِبُهُ ... فحينئذٍ ترفع (كَادَ) الاسم لفظاً أو تقديراً، وتنصب الخبر محلاً لا ظاهراً كـ (كَانَ)، (كَانَ) نصبها للخبر لفظاً، كان زيد قائماً، ولكن لما كان الأصل في باب (كاد) أن يكون خبرها جملة فعلية: لَكِنْ نَدَرْ .. غَيْرُ مُضَارِعٍ يعني: شذ، مقصوده بالندارة أو الندور هنا الشذوذ، شذ مجيء غير فعل مضارع خبراً لكان وكاد وسائر أخواتها، فليس الحكم خاصاً بهذين الفعلين، حينئذٍ لما تعين أن يكون الخبر فعلاً تعذر أن يكون النصب ظاهراً، هذا واضح بين. وحينئذٍ من المخالفة في باب كاد لكان: أن كان تنصب الخبر لفظاً، وقد يكون محلاً كالجملة الفعلية والجملة الاسمية إذا وقعا خبرين، وكذلك المتعلق الجار والمجرور والظرف. وأما باب كاد وأخواتها لا، يتعين أن يكون النصب محلاً، وإذا جاء النصب لفظاً ظاهراً فحينئذٍ يقال فيه: إنه شاذ، ولأن ذلك لا يكون إلا في الاسم المفرد، فإذا صرح بخبر كاد وعسى بالاسم المفرد، حينئذٍ نقول: هذا شاذ، وعليه يظهر فيه النصبُ. إذاً: كَكَانَ كَادَ فيما تقدم من العمل لا في كل أحكامها، فإن من المخالفة بين البابين ما ذكره الناظم في قوله: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ كما سيأتي. ومن المخالفة -هنا-؛ فإن الخبر لا يتقدم هنا في باب كاد، بخلافه في باب كان، فثمَّ فروق بين البابين، فإن الخبر لا يتقدم هنا، ويجوز حذفه إن عُلم، بخلافه في باب كان في المسألتين على خلاف سبق، هل يجوز حذف خبر كان أو لا!

((فَطَفِقَ مَسْحًا)) [ص:33] طَفِقَ، هذا سبق معنا أنه من أفعال الشروع، وحينئذٍ: طَفِقَ مَسْحًا، طَفِقَ هو مسحاً، هل مسحاً هذا خبر؟ نقول: لا بد من التأويل، لأنه تقرر أنه لا يقع خبر طفق وأخواته إلا فعلاً مضارعاً، وهذا جاء نصاً في القرآن: ((فَطَفِقَ مَسْحًا)) فَطَفِقَ يمسح مَسْحًا، فمسحاً هذا ليس هو الخبر حتى نقول شذ، جاء في القرآن ما هو شاذ، لا. نقول: هذا المذكور المنصوب ليس هو الخبر، وإنما هو مفعول مطلق لعامل محذوف، العامل هو الذي وقع خبراً وهو الجملة فعلية. فَطَفِقَ يمسح مَسْحًا، وهذا واضح من أجل أن تطرد القواعد. وأما توسط الخبر فجائز باتفاق إذا لم يقترن بـ (أن) -يعني في باب كاد- توسط الخبر فجائز باتفاق إذا لم يقترن بـ (أن)، وعلى أحد القولين إذا لم يقترن بـ (أن)، يعني فيه خلاف، قيل: يتوسط. وقيل: لا. ولما كانت عبارة المصنف توهم عمل (كاد) في كل ما تعمل فيه (كان) دفع ذلك بالاستدراك، فقال: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ لَكِنْ نَدَرْ أن يجيء خبر وهو غير مضارع. غَيْرُ مُضَارِعٍ: لا بد من التقدير، غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير جملة فعل مضارع، لأن الخبر ليس الفعل فقط، أي: جملة بحسب الصورة الظاهرة، لماذا بحسب الصورة الظاهرة؟ لأنه سيأتي أن بعضها ما يشترط فيه (أن) -لا يتجرد عنه-، وبعضها يشترط فيه ألا يتصل أو يقترن به (أن)، حينئذٍ ما جاء اتصل به (أن)، (أن) وما دخلت عليه بتأويل مصدر، والمصدر مفرد، وحينئذٍ كيف نقول بأن الخبر يكون جملة ونشترط (أن) في بعض المواضع، و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر والمصدر مفرد هذا تناقض، نقول: لا، المراد هنا اشتراط الفعلية أو الجملة الفعلية باعتبار الصورة المحسوسة الذي ينطق، لا باعتبار بما تؤول إليه. النظر هنا إما أن ينظر إلى الفعل من حيث هو -الصورة المحسوسة المنطوق بها-، وإما أن ينظر إليه باعتبار ما تؤول إليه. إن نظرنا باعتبار ما تؤول إليه حينئذٍ لا يصح أن نقول: ولَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ؛ لأنه في الحقيقة أن ما كان متصلاً مقترناً بـ (أن) ليس هو فعل المضارع، بل هو مصدر والمصدر مفرد، حينئذٍ كيف الانفكاك عن هذا التناقض؟ نقول: المراد باشتراط كونه غَيْرُ مُضَارِعٍ، غَيْرُ الجملة فعل مضارع في الصورة المحسوسة، يعني التي ينطق بها، وليس لك بما تؤول إليه هذه الجملة. وإن نازع بعضهم في كون هذه (أن) الداخلة على الفعل أنها تؤول بالمصدر، والسيوطي مشى على هذا قال: لا نسلم .. يقول: (أن) مصدرية لكن لا تؤول بمصدر، وهذا عجيب، لكن الغريب أنه سار على هذا. فالشاهد: أن (أن) هذه نقول: مصدرية قطعاً، وإذا حكمنا عليها بأنها مصدرية لا بد وأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، والأكثر على هذا، فحينئذٍ دفعاً لهذا الاعتراض نقول: المراد بالجملة هنا ولو في الصورة الظاهرة المحسوسة، إذ أن الخبر إذا اقترن بـ (أن) خرج إلى المفرد. لَكِنْ نَدَرْ: يعني أن يجيء. غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير جملة فعل مضارع لِهذَيْنِ خَبَرْ. لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهذَيْنِ خَبَرْ: خبراً حال من فاعل ندر، وغَيْرُ هذا فاعل ندر.

لَكِنْ نَدَرْ: يعني قل، أو إن شئت قل: شذ غَيْرُ مُضَارِعٍ خبراً لهذين. لهذين المراد بهما: كان وكاد وعسى، لكن هل الحكم خاص بهما؟ لا، بل الجواب أن الحكم عام. لِهذَيْنِ: وأخواتهما من أفعال الباب، فالحكم عام وليس خاصاً بكاد وعسى. إذاً: نأخذ من هذا البيت أمرين: الأول: أن كاد وأخواتها تعمل عمل كان، فتدخل على المبتدأ والخبر، والمبتدأ يكون مرفوعاً اسماً لها، وحينئذٍ يكون الرفع ظاهراً أو مقدراً بحسب آخر الاسم، وتنصب الخبر وحينئذٍ يكون الخبر في الأصل منصوباً. ثم الأمر الثاني: أن يكون الخبر معيناً، بمعنى أنه ليس ككان يكون جملة فعلية وجملة اسمية ماضوية، مضارعية، ظرفاً أو جاراً ومجرور، بل هو معين في جزئية واحدة وهي أن يكون مضارعاً، وحينئذٍ إذا قلنا: الخبر يكون فعلاً مضارعاً فالنصب يكون محلاً لا ظاهراً، والذي يدل على أن النصب محل في المحل: التصريح بالاسم المفرد وقد ظهر عليه النصب، وسبق قاعدة معنا: أن المطرد في لسان العرب إذا كان خلاف الأصل فحينئذٍ لا بد وأن تأتي فلتة من شاعر ونحوه يصرح بالأصل المهجور، ولذلك يقال: هذه الكلمة ضرورة، فيها تنبيه على أصل مهجور، وهنا الأصل ما هو؟ إذا قلنا باب كاد وأخواتها محمول على باب كان، إذاً الأصل في خبر كاد أن يكون جملة فعلية وجملة اسمية، هذا هو الأصل أن يكون الخبر مثله، فحينئذٍ لما اختص ببعض أفراد خبر كان هل هو في محل نصب أم لا لأنه لا يظهر، قد يوقع في لبس، هل هي بالفعل ملحقة أم لا؟ فحينئذٍ جاءت كلمة أو كلمتان من بعض الشعراء صرح بالخبر وهو مفرد وقد ظهر عليه النصب، فدل على أن هذا الباب بالفعل ملحق بباب كاد، وأن التصريح بالاسم المفرد في بعض المفردات وما نطق به بعض الشعراء حينئذٍ يكون تنبيهاً على هذا الأصل المهجور. تنبه لهذا. كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ قوله: غَيْرُ مُضَارِعٍ: يصدق بالجملة الاسمية، والماضوية، وهما لم يخبر بهما عن كاد وعسى بالكلية، وظاهر النظم يوهم ورودهما خبراً عنهما. ونَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير المضارع ما هو غير المضارع؟ الجملة المفرد والماضوية والجملة الاسمية، هل بالفعل سمع في لسان العرب التصريح بالخبر كونه جملة اسمية، أو كونه جملة ماضوية ومفرداً؟ الأكثر على النفي أنه لم يسمع إلا مفرداً، ولذلك السيوطي في الشرح -شرحه على الألفية- قال: وغير مضارع أي مفرد ندر، يعني: ندر سماع غير المضارع ولم يسمع إلا الاسم المفرد فقط، كما سيأتي. ولكن الصواب: أنه سمع جملة اسمية وهو مع جعل. قال الشاعر: وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ بَني سُهَيلٍ ... مِنَ الأَكوارِ مَرْتَعُهَا قَرِيبُ وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ، قَلُوصُ هذا اسم جعل، وجعل هذه من أفعال الشروع، جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ. وَقَدْ جَعَلَتْ قَلُوصُ بَني سُهيل ... مِنَ الأكوارِ مَرْتَعُهَا قَريبُ مَرْتَعُهَا قَريبُ: مبتدأ وخبر في محل نصب خبر جعل، وقد جاء جملة اسمية لكنه شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. وأما التصريح به اسماً فقد جاء قوله في خبر عسى: أَكْثَرْتَ فِي الْعَذْلِ مُلِحًّا دَائِمَا ... لاتُكْثِرَنْ إِنِّي عَسَيْتُ صَائِما

عَسَيْتُ صَائِما: عسى هذا من أفعال الرجاء، فهي من أخوات كاد، وحينئذٍ تختص بالمبتدأ والخبر، فتدخل على المبتدأ فترفعه على أنه اسم لها، والخبر تنصبه على أنه خبر لها في محل نصب، لأن الأصل فيه أن يكون جملة فعلية، وهنا جاء صائماً: مفرد، دل على أن الأصل في الخبر الذي يكون في هذا المحل أنه منصوب، وحينئذٍ نقول: عسى زيد أن يقوم، عسى زيد: زيد هذا اسم عسى. أن يقوم: هذا نقول: خبر في محل نصب. قد يبقى الإنسان في شكك بالفعل هذا في محل نصب أو لا؟ نقول: نعم، في محل نصب بدليل ماذا؟ لأن هذا اللفظ: أن يفعل، أن يقوم وإن كان هو الأصل المطرد إلا أنه دل على أن النصب محلاً قوله: عَسَيْتُ صَائِما، فصائماً هذا وإن كان اسماً مفرداً شاذاً التصريح به إلا أنه دل على تأكيد محل أن يقوم من قولك: عسى زيد أن يقوم. إذاً عَسَيْتُ صَائِما: تنبيه على الأصل لئلا يجهل، فأجري عسى مجرى كان فرُفع بها الاسم ونصب الخبر، وجاء بخبرها اسماً مفرداً. إذاً: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: غير مضارع وهو الاسم المفرد، أنه جاء مصرحاً به في باب عسى، حينئذٍ نقول: إني عسيت صائماً، صائماً هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. وندر مجيئه اسماً بعد عسى وكاد. فَأبتُ إِلى فَهم ومَا كِدْتُ آئِباً ... وَكمْ مِثلِهَا فَارَقتُها وهِي تَصفِرُ ومَا كِدْتُ آئِباً: اسم فاعل وهو خبر كاد، والتاء هذه اسمها. إذاً: جاء التصريح به لماذا؟ أولاً: نقول: التصريح بالاسم المفرد منصوباً هنا شاذ، وعبر عنه المصنف بكونه نادراً، ولذلك ابن عقيل قال: وندر مجيئه اسماً، وعبر غيره بكونه شاذاً. ومَا كِدْتُ آئِباً: نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. تنبيهاً على أصل مهجور متروك، إذ أن سائر أفعال هذا الباب مثل كان في الدخول على مبتدئٍ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها كخبر كان في وقوعه مفرداً وجملة اسمية وفعلية وظرفاً، فترك الأصل والتزم كون الخبر مضارعاً، ثم نُبِّه على لأصل شذوذاً في مواضع معدودة تحفظ ولا يقاس عليها. إذاً: لَكِنْ نَدَرْ غَيْرُ مُضَارِعٍ: المراد بغير المضارع هنا: الاسم المفرد جاء مصرحاً به خبراً لعسى وخبراً لكاد، وجاء كذلك الجملة الاسمية مصرحاً بها في خبر جعل على الصحيح، وإن كان كثير أنه لم يسمع الجملة الاسمية، الماضوية لم يسمع أنه صرح بخبر لكاد أو عسى وهو جملة ماضوية، وأما المضارعية فهي الأصل في كونها خبراً لكاد وعسى. أفعال هذا الباب تعمل عمل كان، فترفع المبتدأ اسماً لها، وتنصب الخبر خبراً لها. ويدل على ذلك مجيء الخبر في بعضها منصوباً وإن كان شاذاً تنبيهاً على أصل مهجور. ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن)، إذا كان الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن) لا خلاف أنه هو الخبر. أَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو، يحدو هذا خبر، لماذا؟ لأنه بدون (أن)، هذا ليس فيه خلاف بين النحاة لا بصريين ولا غيرهم. ولا خلاف في ذلك حيث كان الفعل بعدها غير مقرون بـ (أن)، أما المقرون بها وقع فيه خلاف، يعني: عسى زيد أن يقوم، أن يقوم هل هو خبر أم لا؟ هذا محل نزاع.

أما المقرون بها فزعم الكوفيون أنه بدل من الأول بدل المصدر. عسى زيد أن يقوم، أن يقوم هذا (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر وهو القيام، قالوا: القيامُ بالرفع ليس بالنصب، بدل من الأول الذي هو زيد، لأن المعنى: عسى قيام زيد، وحينئذٍ صار بدلاً، وبدل المرفوع مرفوع. مرجوح القول هذا. إلى أنه بدل من الأول بدل المصدر، فالمعنى في كاد أو عسى زيد أن يقوم، إذا كان كاد قرب قيام زيد، قرب هذا كاد قيام زيد، لماذا قلنا قيام زيد؟ قالوا: لأن أن يقوم هذا في محل رفع، لأنه مصدر وهو مرفوع، والمراد به أنه بدل مما قبله وهو زيد، كيف نفسر المعنى؟ نقدم الخبر على الاسم ونضيفه إليه، فنقول: قرب قيام زيد، فقُدِّم الاسم وأُخِّرَ المصدر. وزعم المبرد أنه مفعول به؛ لأنها في معنى: قارب زيد هذا الفعل، فهو مفعول به. إذاً ليس بخبر لكان، مثل الخلاف في كان، كان زيد قائماً، قلنا: قائماً هذا خبر عند البصريين، وأما عند الكوفيين فهو حال، وعند الفراء شبيه بالحال، إذاً: الخلاف نفسه موجود هنا، لكن قيل: أنه بدل، وهو مذهب الكوفيين، قدم الاسم على الخبر، حينئذٍ قيل: قرب قيام زيد، وقيل: أنه مفعول به، وهذا مذهب المبرد. لأنها في معنى: قارب زيد هذا الفعل، إذاً صار في المعنى وقع عليه شيء وهو القرب وقع عليه، ففيه معنى المفعولية، ولذلك نصبه على أنه مفعول به. وحذراً من الإخبار بالمصدر عن الجثة، وهذا سيأتينا الجواب عنه، لأنك إذا قلت: عسى زيد أن يقوم فيه محذور، وهو أن زيد مبتدأ في الأصل، وأن يقوم خبر في الأصل، وحينئذٍ التقدير: زيد قيامٌ، أخبرت بالمعنى عن اسم الذات، وهذا لا معنى له، وحينئذٍ لا بد من التأويل، إما أن يقال: ثم مضاف من الاسم بحيث يقربه إلى اسم المعنى فحينئذٍ يكون أخبر باسم المعنى عن اسم المعنى، وإما أن يكون ثمَّ مضاف في قيام جثة وحينئذٍ أخبر بالجثة عن الجثة، إما بهذا وإما بهذا، يأتينا إن شاء الله. وحذراً من الإخبار بالمصدر عن الجثة، ورد بأن (أن) هنا لا تؤول بمصدر، هكذا قال السيوطي لكن قوله ضعيف، رد قوله: بأن (أن) هنا لا تؤول بمصدر، والصواب أنها تؤول بمصدر، وإنما جيء بها لتدل على أن في الفعل تراخياً، وقيل: أن موضعه نصب بإسقاط حرف الجر؛ لأنه يسقط كثيراً مع (أن). عسى زيد بأن يقوم، نقول: هذا ضعيف أيضاً. وعند ابن مالك أن موضعه رفع، و (أن) والفعل بدل من المرفوع سد مسد الجزأين، وهذا سيأتي في عسى التامة هناك. كَكَانَ كَادَ وَعَسَى لَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهَذَيْنِ خَبَرْ إذاً: انفردت هذه الأفعال بالتزام كون خبرها مضارعاً. انفردت هذه الأفعال عن باب كان وإن كانت في الأصل ملحقة بها، نقول: انفردت بالتزام كون خبرها فعلاً مضارعاً، ثم هو على ثلاثة أقسام في الجملة:

الأول: ما يجب تجرده من (أن)، يعني: لا يجوز إدخال (أن) المصدرية عليه، لا يجوز. نقول: هذا نوع وهو أفعال الشروع، لأنها للأخذ بالفعل، فخبرها في المعنى حال، و (أن) تخلص للاستقبال. أنشأ زيد يحدو، يحدو يعني: شرع في الحداء، فإذا قلت: أنشأ زيد أن يحدو، (أن) هذه تصير الفعل الماضي من الحال إلى الاستقبال، كيف تقول: أَنْشَأَ يعني بدأ بالفعل، ثم تقول: أن يَحْدُو في المستقبل، أليست (أن) مثل السين وسوف؟ أليست (أن) من المخلصات بدلالة الفعل المضارع من الحال إلى الاستقبال؟ السين وسوف مثلها، سوف يصلي، سيصلي، أن يصلي في المستقبل ليس في الحال، أنشأ تدل على الحال، و (أن) تدل على الاستقبال فتنافيا، إذاً: يمتنع دخول (أن) المصدرية على أفعال الشروع. الثاني: ما يجب اقترانه بها وهو أفعال الرجاء، لأن الرجاء من مخلصات الاستقبال، فنسبه (أن)، الرجاء يكون في المستقبل: أرجو كذا، عسيت كذا، حينئذٍ ناسبه أن يتصل بخبره (أن) المصدرية، لأنها للاستقبال، والرجاء إنما يكون في الاستقبال. الثالث: ما يجوز فيه الوجهان وهو البواقي، وهذه بعضها أكثر من بعض، يعني لا من جهة الإيجاب ولا من جهة المنع، وإنما يجوز هذا وذاك ثم قد يقل وقد يكثر، أشار إلى هذا بقوله: وَكَوْنُهُ بِدُونِ أَنْ بَعْدَ عَسَى ... نَزْرٌ وَكَادَ الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا هذا شروع في بيان أقسام الثلاثة. وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى ... نَزْرٌ وَكَوْنُهُ: الضمير يعود إلى المضارع الواقع خبراً. ولَكِنْ نَدَرْ ... غَيْرُ مُضَارِعٍ لِهذَيْنِ خَبَرْ. وَكَوْنُهُ: أي: كون المضارع الذي وقع خبراً بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى نَزْرٌ قليل، حينئذٍ بدون أن قليل، فالأكثر اتصالها به، إذاً: عسى زيد أن يقوم أكثر من عسى زيد يقوم، مع جواز الثاني. إذاً من باب الأكثر والأقل في لسان العرب، ولذلك لم ترد في القرآن إلا بـ (أن). وَكَوْنُهُ: أي: المضارع الواقع خبراً. بِدُونِ أنْ: المصدرية. بَعْدَ عَسَى نَزْرٌ: أي: قليل، كون هذا مبتدأ، خبره: نزر. كون يطلب اسماً وخبراً، الضمير اسم كون، والخبر محذوف. وكونه وارداً بدون أن: بدون هذا متعلق بالخبر المحذوف خبر الكون، وبعد عسى كذلك. نَزْرٌ: أي: قليل.

وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى نَزْرٌ: أي: اقتران خبر عسى بـ (أن) كثير، وتجريده من (أن) قليل، وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من (أن) إلا في الشعر، ولم يرد في القرآن إلا مقترناً بـ (أن)، قال الله تعالى: ((فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)) [المائدة:52] وكذلك: ((عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)) [الإسراء:8] عَسَى رَبُّكُمْ ذا رحمة، عسى صفة ربكم الرحمة، إما هذا وإما ذاك. إما أن تقدر في الاسم وإما أن تقدر في الخبر، إما أن يكون المضاف من الاسم وإما أن يكون المضاف من الخبر، لأن ثم إشكال -كما ذكرنا- أن (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر والمصدر معنى، وإذا كان الاسم ذاتاً، حينئذٍ الأصل ألا يخبر باسم المعنى عن اسم الذات، وحينئذٍ إما أن تقدر في اسم الذات أنه مضاف إلى اسم معنى، فيتفقان: اسم معنى عن اسم معنى، وإما أن تقدر في الخبر مضافاً هو اسم ذات، وحينئذٍ صار إخبار باسم الذات عن اسم الذات. عَسَى رَبُّكُمْ ذا رحمة -صاحب رحمة-، صاحب يدل على الذات. عَسَى صفة ربكم الرحمة، هذا وجه. إذاً: الكلام حينئذٍ يكون على تقديم مضاف، إما قبل الاسم وإما قبل الخبر. الوجه الثاني: أن يكون هذا المصدر مؤولاً باسم مشتق، عسى ربكم رحيماً، رحيم هذا مشتق. الوجه الثالث: أن الكلام على ظاهره، والمقصود المبالغة، عسى زيد القيام، لكن هذا الوجه فيه نوع ضعف، والصواب أنه يؤول على الأول إما بالإضافة وإما بكونه مشتقاً. إذاً: وَكَوْنُهُ بِدُونِ أنْ بَعْدَ عَسَى ... ... نَزْرٌ يعني الكثير اتصاله بها، والقليل تجرده عنها. فالأعرف في عسى الإثبات: ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا)) [البقرة:216]، ((فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)) [المائدة:52]، ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا)) [محمد:22] وندر دخول السين في خبر عسى، هذا الأصل، الأصل أن يكون بـ (أل)، لكن ندر دخول السين في خبر عسى: عَسَى طَيِّئٌ مِنْ طَيِّىءٍ بَعْدَ هذِهِ ... سَتُطْفِئُ غُلاَّتِ الكُلَى وَالْجَوانِح عَسَى: هذا عسى. طَيِّئٌ: هذا اسمها. سَتُطْفئُ: السين دخلت في خبر عسى دون (أن)، لكن هذا نادر وضعيف. وندر إسناد عسى إلى ضمير الشأن، وهذا سيأتي هناك: وجردن عسى أو ارفع مضمراً. وحكى غلام ثعلب: عسى زيد قائم، حينئذٍ عسى هنا أعملت في ضمير الشأن، عسى هو، زيد قائم في محل نصب خبر عسى، وهذا محكي، هذا تجعله مع دليل الماضي، جعلتُ قَلُوصاً بمعنى: أنه سمع الجملة الاسمية واقعة موقع الفعل المضارع، وابن عقيل نفاه، والصواب أنه ثابت. وَكَوْنُهُ: أي الفعل المضارع الواقع خبراً. وارداً بِدُونِ أنْ المصدرية. بَعْدَ عَسَى نَزْرٌ: يعني قليل. وَكَادَ الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا: بمعنى أن الكثير خلوها من (أن)، واليسير -النزر القليل- اتصالها بـ (أن)، عكس عسى. وَكَادَ: هذا مبتدأ أول. الأَمْرُ: مبتدأ ثاني. عُكِسَا: الجملة خبر. فِيهِ: جار ومجرور متعلق بقوله: عُكِسَا والألف هذه للإطلاق. فاقترانه بـ (أن) بعدها قليل، والكثير تجرده عن (أن).

وَكَادَ الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا: وَكَادَ الأَمْرُ يعني: وخبر كاد، ليس كاد نفسها، وخبر كاد على حذف المضاف، وَكَادَ الأَمْرُ: وخبر كاد الأَمْرُ فِيهِ: على هذا المحذوف عُكِسَا: عكس فيه، للدلالة على قرب الخبر فكأنه في لحال. الأعرف في خبر كاد وكرب الحذف، ومنه: ((وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)) [البقرة:71] جرد في القرآن عن (أن). ((يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ)) [النور:35] يُضِيءُ جرد عن (أن). قال: ومن وروده بدون أن -يعني: بَعْدَ عَسَى - قول القائل: عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ، أمسيتُ وأمسيتَ. عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ ... يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ يَكُونُ جاء بدون (أن)، هل نقول هذا شاذ أم أنه لغة؟ لغة، نحن نقول: اتصال (أن) بخبر عسى وهو فعل مضارع الأصل الجواز، ثم أيهما الأكثر: التجرد أم الاتصال؟ الاتصال أكثر، حينئذٍ خلوها عن (أن) في بعض الأحوال لا نقول: إنه شاذ، بل نقول: إنه لغة، ليس الأمر في غير المضارع كما هو الشأن في الاسم المفرد والجملة الاسمية ونحوها لا، بل هو لغة، ولذلك قال: نَزْرٌ، يعني: قليل. ولم أقف على أحد أنه صرح بأنه شاذ، وإنما يعبرون بالقلة ويوردون الكثير من الأمثلة. قال: عَسَى الْكَرْبُ يَكُونُ، الْكَرْبُ هذا اسم عسى، ويَكُونُ: هذا خبر عسى بدون (أن). وقوله: عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللهُ إِنهُ جاء خبر عسى هنا بدون (أن). وأما كاد فذكر المصنف أنها عكس عسى، فيكون الكثير في خبرها أن يتجرد من (أن)، ويقل اقترانه بها، وهذا بخلاف ما نص عليه الأندلسيون من أن اقتران خبرها بـ (أن) مخصوص بالشعر، فمن تجريده من (أن) قوله تعالى: ((فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)) [البقرة:71]، وهذا كثير، بل هو الأصل. ((مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)) [التوبة:117] تَزِيغُ: بالتاء عند ابن عقيل. ومن اقترانه بـ (أن) قوله صلى الله عليه وسلم: {ما كدتُ أن أصلّي العصر حتّى كادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبُ} إذاً اتصلت هنا. كَادَتِ النَّفْسُ أَنْ تَفِيضَ عَلَيْهِ ... إِذْ غَدَا حَشْوَ رَيْطَةٍ وَبُرُودِ إذاً: الأصل في خبر عسى أن تتصل به (أن)، ويقل تجردها عنهن كاد العكس، الأصل في خبرها أن يتجرد من (أن) المصدرية، وقد تتصل به. وَكَعَسَى حَرَى ولَكِنْ جُعِلاَ ... خَبَرُهَا حَتمَاً بِأَنْ مُتَّصِلاَ وَكَعَسَى حَرَى: حرى كعسى، في المعنى ودخول (أن) عليها أم الأول فحسب؟ في المعنى فحسب، وأما في حكم دخول (أن) عليها فهو مخالف. إذاً قوله: وَكَعَسَى حَرَى كقوله: كَكَانَ كَادَ، ليس على إطلاق التشبيه مطلقاً من كل وجه، بل من بعض الوجوه، والمراد هنا التشبيه في المعنى. إذاً حرى تأتي بمعنى عسى في الرجاء، كل منهما للرجاء فهو فعل رجاء كما أن عسى فعل رجاء، وأما باعتبار (أن) ودخولها على المضارع فهذا يختلف. وَكَعَسَى: هذا خبر مقدم. حَرَى: بالحاء المهملة، زادها ابن مالك. كقوله: فحَرَى أَنْ يَكونَ ذَاكَ وكانا قال أبو حيان: والمحفوظ أن حرى اسم منون لا يثنى ولا يجمع. قال ثعلب: أنت حري من ذلك أي: خليق وحقيق.

قال ابن قاسم: ولكن ابن مالك ثقة. يعني كأن مراده أن ابن مالك زاد هذه من عنده من كيسه، لكن قال ابن القاسم: ابن مالك ثقة، وابن مالك معروف في تتبع الغريب، إذا قال: هذا غريب أو شيء في لسان العرب فهو هو. وَكَعَسَى حَرَى: إذاً حرى كعسى، حَرَى هذه مبتدأ مؤخر قصد لفظه، وَكَعَسَى: هذا خبر مقدم، أي: في العمل والدلالة على الرجعة. إذاً في أمرين، ولَكِنْ جُعِلاَ ... خَبَرُهَا حَتماً بِأَنْ مُتَّصِلاً، يعني: يجب اقتران خبر حرى بـ (أن)، ولا يجوز انفصالها إلا في شذوذ بخلاف عسى، عسى يجوز الانفصال وعدم الاتصال، وأما حرى لا. ولَكِنْ جُعِلاَ يعني: اختصت حرى بحكم وهو أنه جُعل خَبَرُهَا حَتماً وجوباً -هذا حاله من الضمير المستتر- في مُتَّصِلاً، خَبَرُهَا مُتَّصِلاً حَتماً بِأَنْ: بِأَنْ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: مُتَّصِلاً. وجُعِلاَ: هذه الألف للإطلاق، وخَبَرُهَا: نائب فاعل وهو مفعول أول، ومُتَّصِلاً: هذا مفعول ثاني. وحَتماً: هذا حال من الضمير المستتر في متصلاً، وهذا أولى من جعله مفعولاً مطلقاً-. إذاً: ولَكِنْ جُعِلاَ: الألف للإطلاق خَبَرُهَا حَتماً بِأَنْ مُتَّصِلاً: فلم يجرد عنها لا في شعر ولا في غيره، وإنما وجب اتصالها به، فيقال: حرى زيد أن يقوم، ولا يجوز: حرى زيد يقوم بدون (أن) هذا نقول: شاذ، إن ورد يحفظ ولا يقاس عليه. إذاً: مراده بهذا البيت أن حرى وإن كانت بمعنى عسى في المعنى والعمل فهي مخالفة لها في الاستعمال بلزوم خبرها (أن). وَأَلْزَمُوا اخْلَوْلَقَ أَنْ مِثْلَ حَرَى وهنا لم يقل: اخلولق كعسى، مع أنها مثلها في المعنى. أفعال الرجاء هنا ثلاثة: عسى وحرى واخلولق، كلها تستعمل بمعنى رجوت. وَأَلْزَمُوا: يعني العرب خبر اخْلَوْلَقَ، هذا مفعول أول. أَنْ: هذا مفعول ثاني، لكونها مثل حرى في الترجي، فحينئذٍ لا يجوز خلو خبر حرى من (أن)، وكذلك لا يجوز خلو خبر اخلولق من (أن)، فلا بد من الاتصال، ولذلك قالوا: اخلولقت السماء أن تمطر، لا يجوز: اخلولقت السماء تمطر بدون (أن)، هذا لا يجوز عندهم، والحجة السماع، لم يسمع خلوها من (أن) حينئذٍ نقول: السماع هو الحجة. يعني: أن اخلولق لا يستعمل خبرها إلا مقروناً بـ (أن) فهي إذاً مثل حرى، إلا أنه لم ينبه على أنها شبيهة في المعنى بعسى كما نبه على حرى. وَأَلْزَمُوا: هذا فعل ماضي، والواو فاعل، ألزم: فعل ماضي، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وَأَلْزَمُوا: يعني: العرب. اخْلَوْلَقَ: أيضاً على تقدير مضاف، خبر اخْلَوْلَقَ، لا بد من التقدير، ليس اخْلَوْلَقَ نفسه، وإنما خبر اخْلَوْلَقَ. أَنْ: هذا مفعول ثاني. لكونها مِثْلَ: هذا حال من المفعول الأول اخْلَوْلَقَ، حال كونه مثل حرى في الترجي. وَبَعْدَ أَوْشَكَ انْتِفَا أَنْ نَزُرَا أَوْشَكَ: هذه من أفعال المقاربة، مثل: كاد. وَبَعْدَ أَوْشَكَ انْتِفَا أَنْ نَزُرَا انْتِفَاءُ: قصره هو للضرورة، هذا مبتدأ، ونَزُرَا هذا خبره. انْتِفَا أَنْ: مضاف ومضاف إليه، وهو مبتدأ.**.

انْتِفَا أَنْ نَزُرَا: أي: قل بَعْدَ أَوْشَكَ: انتفاء (أن) نزرا بعد أوشك، يعني: بعد أوشك يأتي خبرها، انتفاء (أن) وعدم (أن) دخولها قليل، فالكثير حينئذٍ يكون اتصالها بـ (أن). وَبَعْدَ أَوْشَكَ انْتِفَا: انْتِفَا هذا نقول: مبتدأ. أَنْ: مضاف إليه. نَزُرَا: يعني من خبرها. يعني: أن خلو خبر أوشك من (أن) قليل، فهي في ذلك حسب الاستعمال لا في المعنى، فإن عسى للرجاء وأوشك للمقاربة. إذاً الأعرف هنا الإثبات، الأعرف المشهور في لسان العرب هو إثبات أن مع خبر أوشك، لأنها موضوعة للإسراع المفضي إلى القرب بخلاف كاد وقرب، -بالقرب-، فلهذا اختصت عنها بغلبة الاقتران بها. وندر دخول الباء في خبر أوشك، قال: أَعَاذِلَ تُوشِكِينَ بِأَن تَرَينِي بِأَن تَرَينِي هذا قليل، لكنه يحفظ ولا يقاس عليه. إذاً: حرى مثل عسى في الدلالة على الرجاء، لكن يجب اقتران خبرها بـ (أن) نحو: حرى زيد أن يقوم ولم يجرد خبرها من (أن) لا في الشعر ولا في غيره، وكذلك اخلولق تلزم (أن) خبرها نحو: اخلولقت السماء أن تمطر، وهو من أمثلة سيبيويه. وأما أوشك فالكثير اقتران خبرها بـ (أن) ويقل حذفها منه، ومن اقترانه بها قوله: وَلَوْ سُئِلَ النَّاسُ التُّرابَ لأَوْشَكُوا ... إِذا قِيلَ هَاتُوا أَنْ يَمَلُّوا وَيَمْنَعُوا إذاً: أنْ يَمَلُّوا وهذا كثير. لأَوْشَكُوا: انظر، استعمله ماضياً، وسيأتي خلاف فيه. إذاً: صرح به كونه ماضي، وبعضهم أنكره، قال: بل المسموع فيه يوشك بصيغة المضارع، والصواب أنه سمع فيه ذاك وذاك. ومن تجرده منها: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ ... فِي بَعْضِ غِرَّاتِهِ يُوَافِقُهَا مَنْ هذا اسم يوشك، يُوَافِقُهَا بدون (أن) هذا الخبر، نقول: هذا قليل. وَمِثْلُ كَادَ فِي الأصَحِّ كَرَبَا وَمِثْلُ كَادَ: كرب مثل كاد، كَرَبَا الألف للإطلاق. كَرَبَا: بفتح الراء، ونقل كسرها والفتح أفصح: كَرَبَا كرِبا أما كرُبا لا، كَرَبَا هذا الأفصح، ويجوز فيه لغة كسر الراء والألف هذه للإطلاق. كَرَبَا مثل كادا: هذا خبر مقدم، يعني: أنها للمقاربة من جهة المعنى، وفي أنَّ الكثير تجردها من (أن)، يعني: أن إثبات (أن) بعدها قليل، والكثير التجرد، ولم يذكر سيبويه غيره، ولكن خالفه الناظم قال: فِي الأصَحِّ. سيبويه لم يذكر إلا التجرد، لم يذكر اتصال (أن) بالفعل المضارع، وإذا لم يثبته سيبويه حينئذٍ لا نثبته، لكن خالفه الناظم قال: فِي الأصَحِّ، على طريقة ابن عقيل: إذَا قَالَتْ حَذَامِ .. لا نثبته، وأما على جهة البحث والنظر حينئذٍ قال المصنف: في الأصح -خلافاً لسيبويه-. إذاً: يجوز اتصال (أن) بخبر كرب، وإن كان الكثير الغالب هو التجرد، ولذلك قد يقال: بأن سيبويه لم يطلع عليه، والكثير التجرد لا، الذي لم يطلع عليه الاتصال. في الأصح يعني: في القول الأصح مقابله شيئان: مقتضى كلام سيبويه، حيث لم يذكر فيها إلا التجرد، لم يسمع اتصال (أن) بخبر كربا، ومذهب ابن الحاجب حيث جعلها من أفعال الشروع، وهي من أفعال المقاربة.

قال: لم يذكر سيبويه في كربا إلا تجرد خبرها من (أن)، وزعم المصنف أن الأصح خلافه. -زعم- وهو أنها مثل كاد، فيكون الكثير فيها تجريد خبرها من (أن)، ويقل اقترانه بها، فمن تجريده: كَرَبَ الْقَلْبُ مِنْ جَواهُ يَذوبُ ... حينَ قَالَ الْوُشاةُ هِنْدٌ غَضُوبُ يَذوبُ: هذا خبر كرب، ولم يتصل بـ (أن)، وهكذا حكاه سيبويه. وسمع من اقترانه بها: سَقاها ذَوُو الأَحلامِ سَجْلاً على الظَّما ... وقَدْ كَرَبت أَعناقُها أَنْ تَقَطَّعَا أَنْ تَقَطَّعا، (أن) دخلت على خبر كربا، إذاً لماذا يقول: زعم المصنف؟ ما دام أنه ثابت يبقى على الأصل. إذاً: وَمِثْلُ كَادَ فِي الأَصَحِّ كَرَبَا قال: والمشهور في كربا فتح الراء ونقل كسرها أيضاً. وَمِثْلُ كَادَ فِي الأصَحِّ كَرَبَا إذاً: كَرَبَا مثل كاد في المعنى والعمل وفي دخول (أن) عليها؛ لأن الأكثر هناك في باب كاد تجرد الخبر من (أن)، ويقل دخول (أن) على خبر كاد، مثلها كربا. وَتَرْكُ أَنْ مَعْ ذِيْ الشُّرُوعِ وَجَبَا تَرْكُ أَنْ وَجَبَا. وَتَرْكُ: مبتدأ. وَجَبَا: الألف للإطلاق. تَرْكُ أنْ: يعني: ترك إدخال واتصال (أن) مَعْ ذِيْ، مع ما دل على الشروع في الفعل، يعني أفعال الشروع وَجَبَا، فهو واجب لما بينهما من المنافاة؛ لأن أفعال الشروع للحال و (أن) للاستقبال. كَأَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو وَطَفِقْ ... كَذَا جَعَلْتُ وَأَخَذْتُ وَعَلِقْ مثَّل لأفعال الشروع، ما هي؟ قال: كَأَنْشَأَ: الكاف تدل على التمثيل لا على الاستيعاب، لأنه زاد هو نفسه في غير هذا الكتاب: هب وقام، فدل على أن الكاف هنا للتمثيل وليست للاستقصاء. كَأَنْشَأَ: يعني كقولك: أَنْشَأَ السَّائِقُ يَحْدُو، أنشأ السَّائِقُ الذي يسوق الإبل يَحْدُو يغني للإبل ينشد. حينئذٍ نقول: يَحْدُو: هذا فعل مضارع وقع خبراً لفعل الشروع أنشأ، هل يجوز اتصال (أن) به؟ نقول: لا. لماذا؟ لأن أنشأ تدل على أنه بدأ وشرع، و (أن) تدل على الاستقبال، حينئذٍ تنافيا فامتنع دخول (أن) على خبر أنشأ. وَطَفِقْ: طفق زيد يعدو، طفِق بكسر الفاء، وفتحها طفَق، وهو من باب ضرب يضرب وعلم يعلم، يجوز فيه الوجهان، حكاه الجوهري وغيرهم. طفِق يطفَق، علِم يعلَم، وطفَق يطفِق ضرَب يضرِب فيه وجهان. وكذلك طبق بالباء بكسرها، لغة فيها طفق بالفاء أو بالباء، فاء باء متجاوران. طفق زيد يعدو، يعني: بدأ شرع نفسه .. طفق لا يلتبس هي مثل أنشأ ومثل شرع. كَذَا جَعَلْتُ: أتكلم، وَأَخَذْتُ: أقرأ، وَعَلِقَ: زيد يسمع. فهذه الأفعال كلها نقول للشروع، يجب ترك (أن) مع أخبارها، فلا يجوز اتصالها بها لما بينهما من المنافاة. إذاً: وَتَرْكُ (أَنْ): تَرْكُ هذا مبتدأ وهو مضاف و (أن) مضاف إليه قصد لفظه. مَعْ ذِي الشُّرُوعِ: مَعْ ذِي يعني: صاحب، المراد به الفعل أو ما دل على الشروع في الفعل، يعني: أفعال الشروع. وَجَبَا: الألف هذه للإطلاق. إذاً: تحصل عندنا من كلام المصنف أن خبر أفعال هذا الباب بالنسبة لاقترانه بـ (أن) وتجرده منها أربعة أقسام على التفصيل، هناك ذكرناها إجمالاً، وهنا أربعة أقسام على التفصيل.

الأول: ما يجب اقترانه وهو حرى واخلولق، ما يجب اقترانه ولا يجوز انفكاكه وهو حَرَى واخلَوْلَقَ. الثاني: ما يجب تجرده ولا يجوز اتصاله، وهو أفعال الشروع. ثالثاً: ما يغلب اقترانه، يجوز الوجهان. قلنا: ذاك القسم الثالث تحته أمران: ما يغلب اقترانه وهو عسى وأوشك. الرابع: عكسه، ما يغلب تجرده وهو كاد وكربا. هذا التقسيم يريحك من الأبيات. ثم قال: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعَاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ وَزَادُوا مُوشِكَا قبل ذلك مسائل. إذاً عرفنا الآن أن هذا الباب - أَفْعَالُ الْمُقَارَبَة - على ثلاثة أنواع: منه ما دل على الرجاء، ومنه ما دل على الشروع، ومنه ما دل على المقاربة، وأنها تدخل على المبتدئ والخبر فترفع المبتدأ وتنصب الخبر إلا أن نصب الخبر يكون محلاً، وأن هذا الباب خالف باب كان وإن كان فرعاً عنه وملحقاً به في كونه التزم أن يكون خبره فعلاً مضارعاً، يعني: جملة مضارعية. ثم هل يشترط في دخول (أن) عليه دون بعضها أو يغلب أو يكثر؟ ما ذكرناه سابقاً. يبقى مسائل: الأولى: أنه لا يتقدم الخبر في هذا الباب على الفعل، كَكَانَ كَادَ ليس مطلقاً، هناك يجوز، قائماً كان زيد هنا لا يجوز، أن يفعل عسى زيد لا يصح وإن كان هو فرعاً عنه. لا يتقدم الخبر في هذا الباب على الفعل، فلا يقال: أن يقوم عسى زيد اتفاقاً، لا خلاف فيه أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على الفعل، ويتوسط بين الفعل والاسم إذا لم يقترن بـ (أن) اتفاقاً، عسى زيد يقوم، عسى يقوم زيد، يجوز أن يتوسط الخبر بين الفعل والاسم، لكن بشرط: ألا يقترن بـ (أن)، وهذا أيضاً اتفاقاً محل وفاق. كالمسألة الأولى. ولذلك يقال: طفق يصليان الزيدان، أصلها: طفق الزيدان يصليان، جاز تقدم الخبر على الاسم دون الفعل. قال ابن مالك: والسبب في ذلك –التعليل- لماذا جاز أن يتقدم على الاسم دون الفعل إذا كان خالياً من (أن)، ولا يجوز أن يتقدم على الفعل نفسه مع كون الباب ملحقاً بباب كان؟ قال ابن مالك: والسبب في ذلك أن أخبار هذه الأفعال خالفت أصلها، وهذا بيناه؛ لأن الأصل أن يكون جملة فعلية واسمية وظرفاً وجاراً ومجروراً .. إلى آخره. خالفت أصلها بلزوم كونها أفعالاً، فلو قدمت لازدادت مخالفتها الأصل، وإذا ازدادت حينئذٍ صار العمل وإلحاق كاد بـ (كان) في العمل، فيه نظر؛ لأنه كلما بعدت المشابهة بعُد العمل، وكلما قربت المشابهة قرُب العمل، لأننا ما ألحقنا هذا بذاك إلا من أجل المشابهة، وحينئذٍ كلما وقعت المخالفة للباب السابق وكثرت المخالفة الأصل فيه أنه لا يلحق به، وحينئذٍ لا بد من المحافظة على المشابهة. فلو قدمت لازدادت مخالفتها الأصل. وأيضاً: فإنها أفعال ضعيفة، كاد ونحوها أفعال ضعيفة، دائماً الذي يكون فرعاً ضعيف، الذي يكون فرعاً في باب النحو في العمل دائماً يكون ضعيف ولو كثر إعماله، ولذلك أدنى مخالفة للتقديم والتأخير حينئذٍ نقول: هذا مفسد للعمل، كما هو الشأن في (ما النافية ولا وإن) ولذلك -وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلاَّ فِي الَّذِي -نقول هنا: اشترط الترتيب لماذا؟ لكون (إن) الأصل فيها عدم العمل، وحينئذٍ لا تعمل إلا بشرط الترتيب.

وأيضاً: فإنها أفعال ضعيفة لا تتصرف، فلها حال ضعف ولها حال قوة. لها حالان: حال ضعف وحال قوة، حال ضعف بالنسبة للأفعال الكاملة التصرف، فلم تتقدم أخبارها لتفضلها كان وأخواتها؛ لأنها إذا تقدمت أخبارها على الأفعال ساوت كاد، ونحن نريد أن تكون أدنى من كان، فحينئذٍ نمنع التصرف فيها بحيث لا تفضل كان وتساويها من كل وجه، بل لا بد أن تكون قاصرة. هكذا قال. وحال قوة بالنسبة للحروف، فأجيز توسطها تفضيلاً لها على (إن وأخواتها). إذاً: منع تقدم الخبر على كاد من أجل ألا تساوي كان، فتصير كان أعلى منها فاضلة عليها وهي مفضولة، وجاز توسط الخبر بين الاسم وكاد من أجل أن تكون غالبة لباب (إن)؛ لأنه لا يجوز التقديم والتأخير هناك. هكذا قال رحمه الله. هذا أولاً. فإن اقترن بـ (أن) ففي التوسط قولان. إذاً قلنا: لا يجوز أن يتقدم الخبر على الفعل نفسه، أن يقوم عسى زيد: باطل. هل يجوز التوسط؟ قلنا: إذا لم يكن متصلاً بـ (أن) جائز اتفاقاً، طفق يصليان الزيدان، إن اتصل بـ (أن) هل يجوز أن يتوسط؟ فيه قولان: المنع والجواز، هذا متى؟ إذا اتصل بـ (أن)، هل يجوز توسطه بين الفعل والاسم؟ فيه قولان: الأول: الجواز كغيره. والثاني: المنع. المسألة الثانية: يجوز حذف الخبر في هذا الباب إذا علم، ومنه: ((فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ)) [ص:33] أي: يمسح مسحاً، لدلالة المصدر عليه. ثالثاً: يتعين في هذا الباب أن يعود منه ضمير إلى الاسم، يعني شرط الفعل الذي يكون مضارعاً وهو خبر، شرطه: أن يكون رافعاً لضمير الاسم، يعني: الضمير عائد على الاسم. عسى زيد أن يقوم، يقوم هذا هو الفعل المضارع، رفع ماذا؟ لا بد من فاعل، ما فاعله؟ ضمير مستتر. أين مرجعه؟ الاسم؛ لأنه هو المحل الذي اتصف بالخيار. إذاً: يتعين في هذا الباب أن يعود منه ضمير إلى الاسم، فلا يجوز رفعه الظاهر لا أجنبياً ولا سببياً. يعني لو رفع اسماً ظاهراً أجنبياً أو سببياً بمعنى أنه أضيف إلى ضمير يعود إلى الاسم، قالوا: هذا لا يجوز، ممنوع. فلا يقال: طفق زيد يتحدث أخوه، طفق زيد يتحدث، يتحدث هو يعني زيد، لو رفع اسماً ظاهراً مضاف إلى ضمير يعود إلى زيد: يتحدث أخوه، قالوا: لا يجوز هذا. ولا أنشأ عمرو ينشد ابنه، يعني: يبحث عن ابنه. لأنه إنما جاءت لتدل على أن فاعلها تلبس بهذا الفعل وشرع فيه لا غيره، يعني: إنما جيء بالفعل هنا ليدل على أن فاعل -في المعنى- فاعل هذه الأفعال قد تلبس بالفعل، فإذا أسندته لغيره ما الفائدة منه؟ عندما نقول: كاد تدل على قرب الخبر إلى الاسم، إذا جعلت الفعل الذي الأصل فيه أن يكون للاسم جعلته لغيره، ما الفائدة من المجيء بالأفعال؟ لا فائدة منها، حينئذٍ يجب أن نقول: بأنه لا يصح إعمالها هذا الإعمال إلا بشرط أن يكون الفعل المضارع رافعاً لضمير مستتر يعود على الاسم، فإن رفع ظاهراً حينئذٍ انفك، طفق زيد يتحدث أخوه، الأصل أن التحدث يكون لزيد، هذا أصل الجملة، وما جيء بالفعل إلا من أجل هذا، وأنت الآن فصلته ورفعت به ظاهراً فجعلته وصفاً له، إذاً حصل انفكاك في الجملة وهذا باطل.

لأنها إنما جاءت لتدل على أن فاعلها تلبس بهذا الفعل وشرع فيه لا غيره، ويستثنى عسى فقط؛ فإن خبرها يرفع السبب، كقوله: وَمَاذا عَسَى الحَجَّاجُ يَبْلغُ جُهْدُهُ -على رواية الرفع-، يَبْلغُ جُهْدُهُ، هكذا قال الأشموني وصاحب التوضيح. الرابع: حق الاسم في هذا الباب أن يكون معرفة، أو مقارناً لها كما في باب كان، وقد يرد نكرة محضة، كقوله: عَسَى فَرَجٌ يَأْتِي بِهِ اللهُ، عَسَى فَرَجٌ. إذاً: الأصل في هذا الباب أن يكون الاسم معرفة، لأنه في الأصل -أصل كان- مبتدأ، تَرْفَعُ كَانَ الْمُبْتَدَا، إذاً الأصل أن يكون معرفة، أو يكون مقارناً لها، بمعنى: أنه نكرة لكنها قريبة من المعرفة. ثم قال رحمه الله: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ وَزَادُوا مُوشِكَا أراد أن يبين لنا أن الأصل في هذه الأفعال أنها جامدة لا تتصرف، وتلزم صيغة واحدة وهي الماضي، هذا الأصل فيها. ثم بعضهم سمع مضارعاً لهذا وبعضهم؟؟؟ الخ، كلها ليست على السنن المطرد، وإنما هي مسموعات لبعضهم. أفعال هذا الباب جامدة لا تتصرف ملازمة للفظ الماضي، لماذا؟ قيل: لما قصد بها المبالغة في القرب أخرجت من بابها وهو التصرف، لما أريد بها أنها للمبالغة في القرب: كاد زيد يموت، قرب منه الموت جداً للمبالغة، إذاً: التزمت الفعل الماضي ولا تتصرف. أخرجت عن بابها وهو التصرف، وكذلك كل فعل يراد به المبالغة، كنعم وبئس وفعل التعجب، وقيل: بالاستغناء بلزوم المضارع خبرها، فلم يبنوا منها مستقبلاً. لما اشترطوا في خبرها أن يكون فعلاً مضارعاً قالوا: اكتفوا بالماضي عن المضارع في نفسها في ذاتها، لكونهم اشترطوا الخبر أن يكون مضارعاً. كاد زيد يموت، لماذا كاد لا يأتي منه المضارع؟ هو يأتي لكن مثال، لماذا؟ قال: لأنهم اكتفوا بـ يموت، يموت هذا خبر كاد، فلما اشترطوا الفعل المضارع استغنوا به عن صيغتها في نفسها فلم يأتوا به على المضارع. وَاسْتَعْمَلُوا: أي: العرب، هنا ما نقول النحاة؛ لأن الاستعمال هنا استعمال العرب، وهو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى. وبعضهم يجعله مرادفاً للموضوع، ولذلك يُجعل اللفظ قسمين: الأول: مهمل. والثاني: مستعمل. وبعضهم يقول: لا، الصواب مهمل وموضوع، ثم الموضوع نوعان: مستعمل وغير مستعمل. هكذا أورده على حاشية مجيب النداء. وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً: يعني العرب فعلاً مضارعاً: هذا مفعول به. لأَوْشَكَا: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ إذاً: لم يسمع في لسان العرب مضارع لهذه الأفعال إلا فعلين فقط، وهما: أوشك وهذا فعل ماضي، وكاد وهو فعل ماضي. لا غَيْرُ: أي: دون غيرهما من أفعال الباب، فإنه ملازم لصيغة الماضي. وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا: وهو أكثر استعمالاً من ماضيها. يعني: باب يوشك، يوشك: نقول: هذا فعل مضارع لأَوْشَكَا، إذاً: أوشك فعل ماضي مضارعه يوشك، أيهما أكثر استعمالاً؟ المضارع، المضارع أكثر استعمالاً من ماضيها، حتى زعم الأصمعي أنه لا يستعمل ماضيها، كأنه لم يطلع على الماضي مع كونه لأَوْشَكَا كما سبق بيانه. وَكَادَ لاَ غَيْرُ

وَكَادَ: ((يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ)) [النور:35] يَكَادُ: هذا فعل مضارع جاء في القرآن، وحينئذٍ هو كثير. ولأَوْشَكَا: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتهِ. وَزَادُوا مُوشِكَا: يعني زادوا العرب في الاستعمال لأَوْشَكَا -اسم فاعل-، فقالوا: موشكاً، أوشك يوشك فهو موشك. ظاهر كلام الناظم هنا أن المضارع في هذه الأفعال مقصور على أوشك وكاد، يوشك ويكاد فقط، وأنه لم يسمع اسم الفاعل إلا لأوشك فقالوا: موشك. وقال ابن هشام في التوضيح: أربعة ألفاظ استعمل لها مضارع. أربعة ألفاظ في هذا التركيب هنا الباب استعمل لها مضارع: كاد، وعرفنا المثال: ((يَكَادُ زَيْتُهَا)) [النور:35]. وَأَوْشَكَا، وعرفنا المثال: يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتهِ. وَطَفِقْ، حكى الأخفش: طفَق يطفِق كضرَب يضرِب، وطفِق يطفَق كعلِم يعلَم. والرابع: جعل. إذاً: طفَق يطفِق وطفِق يطفَق، سمع هذا وسمع ذاك بالوجهين. وجعل، كذلك يجعل، حكى الكسائي: "إِنَّ البَعيرَ لَيَهْرَمُ حَتَّى يجْعَلَ إِذَا شَرِبَ الماءَ مَجَّه". إن البعير ليهرم حتى يجعلُ –بالضم-، حتى يجعلُ، حتى هنا ابتدائية. حَتَّى يجْعَلَ إِذَا شَرِبَ الماءَ مَجَّه، وحينئذٍ أربعة ألفاظ سمع لها سمع لها مضارع. إذاً: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ هذا فيه نظر، يزاد عليه: طفِق يطفَق ويطفِق، ويزاد عليه: جعل يجعل. وأما قوله: وَزَادُوا مُوشِكَا فحسب دون غيره، قال ابن هشام: استعمل اسم فاعل لثلاثة. الذي حكي ما عليه عند النحاة ثلاثة: كاد وكرب وأوشك، أوشك عرفنا: فَمُوشِكَةٌ أَرْضُنَا أَنْ تَعُودَ ... خِلاَ فَ الأَنِيسِ وَحُوشاً يَبَابَا فَإِنَّكَ مُوشِكٌ أَلاَّ تَرَاهَا، نقول: فَإِنَّكَ مُوشِكٌ هذا اسم فاعل. وأما كاد فقيل: ورد في الشعر: أَمُوتُ أَسىً يَوْمَ الرَّجَامِ وَإنَّني ... يَقِينَاً لَرَهنٌ بِالَّذي أَنَا كَائِدُ وَكَائِدَ هذا اسم فاعل من كاد يكيد فهو كائد. وكذلك سمع كرب: أَبُنَيَّ إِنَّ أَبَاكَ كَارِبُ يَوْمِهِ ... فَإِذَا دُعِيْتَ إِلَى الْمَكَارِمِ فَاعْجَلِ والصواب في هذين البيتين: أن كائد الصواب فيه كابد، كابد اسم فاعل من المكابدة، غير جار على فعله إذ القياس مكابد، فليس هو كائد، وإنما الرواية الصحيحة: كابد بالباء. إذاً لم يسمع لكاد اسم فاعل. وكذلك قوله: أَبُنَيَّ إِنَّ أَبَاكَ كَارِبُ، نقول: الثاني هذا اسم فاعل من كرب التامة وليست الناقصة، نحو قولهم: "كَرَبَ الشتاءُ"، أي: قرب، كما جزم به الجوهري وغيره. وحكى عبد القاهر الجرجاني المضارع واسم الفاعل من عسى، فقال: عسى يعسي عاسٍ، عاسٍ اسم فاعل. وحكى أبو حيان الأمر وأفعل التفضيل من أوشك، وحكي اسم الفاعل من كرب كما ذكرناه، وحكى الجوهري مضارع طفِق، وكذلك الكسائي مضارع جعل. إذاً: سمعت كلمات لكنها ليست بالكثيرة. وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا ... وَكَادَ لاَ غَيْرُ وَزَادُوا مُوشِكَا ثم قال رحمه الله: بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكْ قَدْ يَرِدْ ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ

هذا المراد به أن هذه الأفعال منها ما هو تام ومنها ما هو ناقص، هذا مراده على قول الجمهور، منها ما هو تام وهو الذي يكتفي بمرفوعه، وما هو ناقص وهو الذي لا يكتفي بمرفوعه بل لا بد من منصوب: .................................... وَمَا سِوَاهُ نَاقِصٌ .................... ... وَذُو تَمَامٍ مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِى ..................................... التعريف هو نفسه هنا، لأن هذا الباب فرع عن ذاك. قال: بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أوْشَكْ أوْشَكْ: أوشك بالإسكان للوزن. بَعْدَ عَسَى: هذا متعلق بقوله: يَرِدْ. اخْلَوْلَقَ: على إسقاط حرف العطف: واخلولق. أوْشَكْ: أي: وأوشك. وأوْشَكْ قَدْ يَرِدْ: بإسكان الكاف، أصله: أوشكَ. غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ: أي يستغني بِأَنْ يَفْعَلَ -الذي هو الخبر- أن يفعل يستغنى به عَنْ ثَانٍ: يعني عن ثانٍ من معموليها فُقِدْ، عن ثان مفقود، ما هو الثاني من معموليها؟ الخبر، إذاً: يستغنى بـ (أن) يفعل عن معموليها، وحينئذٍ (أن) يفعل أقيم مقام المعمولين، وسد مسد المعمولين، أكثر الشراح -شراح الألفية- على أنهم أرادوا أن الناظم بهذا البيت قسم الأفعال إلى تامة وناقصة، وأنه لم يسمع التمام إلا في هذه الأفعال فحسب، وهي: عسى واخلولق وأوشك، وليس الأمر كذلك كما سيأتي. غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ: يعني: من معموليها. فُقِدْ: يعني حذف وهو الخبر، ضمير يعود إلى ثانٍ، وحينئذٍ إذا قيل: عسى أن يقوم، (أن) وما دخلت عليه قلنا: هذا في تأويل مصدر. أين اسم عسى؟ لم يذكر. أن يقوم إما أن نقول: بأن عسى هنا اكتفت بمرفوعها عن المنصوب، فهي تامة، وإما أن نقول: أن عسى هنا اكتفت بـ (أن) يفعل عن معموليها، يعني: سدت مسد معموليها، وإذا قيل بأنها سدت مسد معموليها فهي ناقصة ليست بتامة، وهذا هو اختيار الناظم في غير الكتاب وظاهر كلامه هنا على هذا، وإن جعله البعض أنه محتمل لهما كالصبان وغيره، وحينئذ: هل مراد الناظم بقوله: قَدْ يَرِدْ ... ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ هل المراد أن هذه الأفعال خرجت عن النقصان إلى التمام؟ أم أنها باقية على النقصان و (أن) يفعل سد مسد المعمولين؟ كقوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2] حَسِبَ: هذه تتعدى إلى مفعولين، النَّاسُ: فاعل. (أَنْ يُتْرَكُوا) سد مسد المعمولين، هل معنى ذلك أن حسب خرجت عن أصلها؟ لا، بل هي باقية على إعمالها، هذه مثلها -هذا الظاهر من كلام الناظم-. بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكْ قَدْ يَرِدْ ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ مذهب الجمهور أنها في هذه الحالة أفعال تامة، اكتفت بمرفوعها وهو أن يفعل، عن ماذا؟ عن طلبها للخبر، و (أن يفعل) فاعلها ولا خبر لها. عسى أن يفعل: عسى فعل ماض. أن يفعل: (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل عسى، فعل وفاعل مثل: قام زيد، مثل: ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ)) [البقرة:280]، ((فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)) [الروم:17] مثلها، هذا مذهب جمهور النحاة، ولا خبر لها، ومذهب الناظم أنها ناقصة على أصلها.

وأن يفعل: سد مسد معموليها، كما في قوله تعالى: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2]. الصبان يقول: كلام الناظم محتمل للمذهبين، لكنه صرح في غير هذا الكتاب أنه اختار أنها ناقصة مطلقاً، ولا يكون في هذا الباب تمام البتة، وإنما كلها ناقصة، ولكن استثني أن (أن) ويفعل تسد مسد المعمولين في ثلاثة أفعال فحسب هي التي نص عليها، لذلك: بَعْدَ عَسَى اخْلَوْلَقَ أَوْشَكْ قَدْ يَرِدْ .. لا بعد غيرها، قدمه للحصر. قد يرد بعد عسى، فقدم (بعد) هذا متعلق بقوله: يَرِدْ، إذاً لا بعد غير هذه الثلاثة، وحينئذٍ لا يكون من باب التمام وإنما هو من باب النقصان، واكتفي بـ (أن) يفعل عن المعمولين، وتأمل قوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2] تدرك المسألة من أصلها. ومعناه على مذهب الجمهور: غنىً بأن يفعل عن أن يكون لها ثان لتمامها، وعلى مذهب غنىً بأن يفعل عن أول وثان لكن لم يذكر الأول لظهور إغناء (أن) يفعل عنه لوقوعه في محله بخلاف الثاني، وهذا تأويل لأن الصبان يعني أراد أن يحمل البيت على المذهبين. بَعْدَ عَسَى: أي لا بعد غير هذه الثلاثة وكأنه لعدم السماع. قَدْ يَرِدْ ... غِنىً بِأَنْ يَفْعَلَ عَنْ ثَانٍ فُقِدْ. قال الشارح: اختصت عسى واخلولق وأوشك بأن تستعمل ناقصة وتامة. فأما الناقصة فقد سبق ذكرها، وأما التامة فهي المسندة إلى (أن) والفعل، أن يفعل، عسى أن يفعل، نحو: عسى أن يقوم، واخلولق أن يأتي، وأوشك أن فعل، فـ (أن) والفعل في موضع رفع فاعل عسى واخْلَوْلَقَ وأَوْشَكْ، واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها. هذا على القول بأنها تامة. وهذا متى -الإعراب هذا التفسير هذا-؟ إذا لم يل الفعل الذي بعد (أن) اسم ظاهر يصح رفعه به، فإن وليه: عسى أن يقوم زيد، حينئذٍ زيد إذا جاء في مثل هذا التركيب: عسى أن يقوم زيد، زيد يحتمل أنه فاعل ليقوم، ويمكن أن نجعله اسماً لعسى، يحتمل هذا ويحتمل ذاك. فذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعاً بالفعل الذي بعد (أن)، فـ (أن) وما بعدها فاعل لعسى وهي تامة ولا خبر لها، ليس فيه جديد. وذهب المبرد والسيرافي والفارسي إلى تجويز ما ذكره الشلوبين، وتجويز وجه آخر: وهو أن يكون ما بعد الفعل الذي بعد (أن) مرفوعاً بعسى اسماً لها، وأن والفعل في موضع نصب بعسى، وتقدم عن الاسم والفعل الذي بعد (أن) فاعله ضمير يعود على فاعل عسى، وجاز عوده عليه وإن تأخر لأنه مقدم بالنية. إذا قلت: عسى أن يقوم زيد، فزيد هذا يحتمل أنه فاعل ليقوم، والمسألة هي المسألة: عسى أن يقوم، عسى أن يقوم زيد لا إشكال فيه، حينئذٍ اكتفي بـ (أن) وما دخلت عليه بكونه فاعلاً لعسى، فهي تامة. وجوَّز المبرد وغيره ما ذهب إليه الشلوبين، ووجهاً آخر: وهو أن يكون زيد –الظاهر- اسم عسى، وأن يقوم هو الخبر تقدم -توسط بين الفعل والاسم-. عسى أن يقوم زيد، عسى أن يقوم، أن يقوم: هذا خبر مقدم، وزيد هذا اسم عسى، وسبق: هل يجوز توسط الخبر إذا كان مقترناً بـ (أل)؟ قلنا: إذا اقترن بـ (أل) ففيه وجهان: الجواز والمنع، وإذا خلا من (أل) فالجواز مطلقاً، وحينئذٍ نحتاج إلى التخريج في مثل هذا.

تظهر الفائدة بين القولين، إذا جعلنا (زيد) بأنه فاعل ليقوم أو أنه اسم لعسى، ما الفرق بينهما؟ إذا جعلناه اسماً لعسى حينئذٍ نحتاج إلى ضمير يعود على الاسم كما اشترطناه سابقاً، لا بد من ضمير يعود من الفعل على اسم عسى، وحينئذٍ إذا ثني: عسى أن يقوم الزيدان، عسى أن يقوم الزيدون، يصح أو لا يصح؟ على مذهب الشلوبين لا إشكال، وعلى مذهب المبرد وغيره فيه إشكال، لا بد من أن نضمر في الفعل ما يناسب ذلك الاسم لأننا جعلناه اسماً: عسى أن يقوما الزيدان، عسى أن يقوموا الزيدون، عسى أن تقوم هند، لماذا؟ لأن الذي تلا الفعل ليس فاعلاً له بل هو اسم عسى، كأنه قال: عسى زيد أن يقوم بالإفراد، عسى الزيدان أن يقوما، عسى الزيدون أن يقوموا، أخِّر الاسم فيبقى الفعل كما هو. إذاً: يظهر في ماذا الخلاف بين القولين؟ في التثنية والجمع والتأنيث، عسى أن تقوم هند، وحينئذٍ هند نقول: هذا اسم عسى، وتقوم هذا فيه ضمير مستتر وهو فاعل يعود على هند، عسى أن يقوما الزيدان، عسى أن يقوموا الزيدون. وتظهر فائدة هذا الخلاف في التثنية والجمع والتأنيث، فتقول على مذهب غير الشلوبين: عسى أن يقوما الزيدان، كما ذكرناه. وَجَرِّدَنْ عَسَى أَوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا ... بِهَا إِذَا اسْمٌ قَبْلَهَا قَدْ ذُكِرَا هذا لو تقدَّم اسم على عسى، قلت: زيد عسى أن يقوم، هي تراكيب مسائل، زيد عسى أن يقوم. قالوا: وَجَرِّدَنْ عَسَى، يعني من ضمير، أَوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا بِهَا، يعني انو ضمير الشأن، متى؟ بِهَا إِذَا اسْمٌ قَبْلَهَا قَدْ ذُكِرَا. وَجَرِّدَنْ هذا ما إعرابه؟ فعل أمر مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة. وَجَرِّدَنْ عَسَى يعني جردها من الضمير، واجعلها مسندة إلى أن يفعل كما مر، زيد عسى أن يقوم، إذاً عسى هل فيها ضمير يعود على زيد؟ على القول الأول -وهو التجريد- وهو لغة الحجاز- حينئذٍ لا فرق بين عسى أن يقوم، وزيد عسى أن يقوم، لا فرق بين المسألتين. لماذا؟ لأننا قلنا: زيد مبتدأ وعسى أن يقوم فعل وفاعل، لأنها تامة أو أن يقوم أقيمت مقام المعمولين سدت مسد المعمولين، حينئذٍ لا إشكال على لغة الحجاز لا إشكال، أوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا، هذا لغة تميم، أوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا بِهَا يكون اسمها وأن يفعل خبرها، فهي ناقصة. أوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا بِهَا: يعني ضميراً هو ضمير الشأن، بِهَا: أي بعسى، يكون اسمها، وأن يفعل خبرها، فهي ناقصة، حينئذٍ كيف نُعرب: زيد عسى أن يقوم؟ زيد مبتدأ، عسى فعل ماضي، واسمها ضمير مستتر يعود على زيد، وأن يقوما خبر -ناقصة-.

حينئذٍ على لغة الحجاز هي تامة، وعلى لغة تميم هي ناقصة، ولغة الحجازيين أفصح، لماذا؟ جاء القرآن بها: ((لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ)) [الحجرات:11] عَسَى أَنْ يَكُونُوا، ما قال: عَسَوا، لو رفعت ضميراً حينئذٍ الضمير يوافق المرجع، إن كان مفرداً فمفرد، إن كان مثنىً فمثنى، لو قال: عسى زيد أن يقوم، ورفعنا ضميراً، حينئذٍ إذا قيل هند، ماذا نقول: هند عست أن تقوم، الزيدان عَسَيا -لا بد من إظهار- عَسَيَا أن يقوما، الزيدون عسَوا هذا إذا رفعنا ضميراً مستتراً يبرز مع التثنية والجمع، هذا على لغة تميم، على لغة الحجاز لا، زيد عسى أن يقوم، هند عسى أن تقوم، الزيدان عسى أن يقوما، الزيدون عسى، يلازم حالة واحدة ((لا يَسْخَرْ قَومٌ))، قَومٌ جمع، مِنْ قَوْمٍ عَسَى –أفرده-، لو كان فيه ضمير لقال: عسوا أن يكونوا، ((وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى)) ما قال عسينا، لو كان رافعاً لضمير حينئذٍ جاءت النون. وَجَرِّدَنْ عَسَى هنا خص عسى أما غير عسى فيجب الإضمار، وألحَق بها غير واحد اخْلَوْلَقَ وأَوْشَكْ، هذه الثلاثة الأفعال يجوز فيها التجريد ويجوز فيها الإضمار. إذا اسم ما إعراب اسم؟ نائب فاعل، ولا يكون مبتدأً هذا مذهب ابو علي الفارسي لكنه ضعيف، ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) مثلها، نائب فاعل لفعل محذوف، إذا ذُكر اسم، لأن إذا ذكر - قَدْ ذُكِرَا- هذا مفسر والجملة لا محل لها من الإعراب، دائماً إذا جاءت (إذا وإن) لا يمكن أن يكون الاسم بعدها تالياً لها، إذا أردت أن تقدر وتعرف هل هو فاعل أو نائب فاعل حينئذٍ تنظر إلى الفعل الذي بعدها، هل هو مبني للمعلوم أو مغير الصيغة. ((وَإِنْ أَحَدٌ)) [التوبة:6] هذا نائب فاعل مبتدأ؟ لا أكمل الآية: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) إذن استجارك أحد إذاً هو فاعل، ((إِذَا الشَّمْسُ)) –يحتمل-، كُوِّرَتْ: كُوِّر مغير الصيغة، إذن الشمس هذا نائب فاعل، إذَا اسْمٌ قَبْلَهَا ذُكِرَ، ذكر: هذا مغيَّر الصيغة، إذن اسم هذا نائب فاعل، إذَا: هذا يضمن للشرط لأنها ظرفيه، اسْمٌ: هو اسمها في المعنى، لكنه لا يُعرب اسماً لها لأنه متقدم بل هو مبتدأ، قَبْلَهَا قَدْ ذُكِرَا، قَدْ: للتحقيق وذُكِرَا: هذا مغير الصيغة، والألف للإطلاق، والضمير يعود إلى اسْمٌ، وقَبْلَ هذا متعلق به. إذاً: إذا جاء في الترتيب بهذه الصورة: زيد عسى أن يقوم، فلك وجهان، لغة الحجاز تجريدها من الضمير وتبقى تامة كما سبق، ولغة تميم -وهو الزائد عندنا- وهو أنها تُعمل في ضمير ثم هذا الضمير يختلف باختلاف مرجعه إن كان مفرداً مذكراً ذُكِّر مؤنثاً مثنىً جمعاً إلى آخرة.

قال الشارح: اختصت عسى من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم جاز جعل الفعل مسنداً إلى (أن يفعل) وجعله مسنداً إلى ضمير السابق، و (أن يفعل) الخبر، فعلى الأول يُجرد الفعل من علامة التثنية والجمع والتأنيث وعلى الثاني يُلحق بها والتجرد أجودُ -لما ذكرناه سابقاً-. من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسمٌ جاز أن يضمر فيها ضمير يعود على الاسم السابق وهذه لغة تميم، يعني إعمالها في الضمير لغة تميم، وجاز تجريدها عن الضمير وهذه لغة الحجاز وذكرنا أنها أفصح لوجودها أو ورود القرآن بها. وذلك نحو: زيد عسى أن يقوم، زيد مبتدأ، عسى فعل، أن يقوم نقول هذا فاعل، فعلى لغة تميم يكون في عسى ضمير مستتر يعود على زيد، وأن يقوم في موضع نصب بعسى، وعلى لغة الحجاز لا ضمير في عسى، وأن يقوم في موضع رفع بعسى، تظهر الفائدة أين؟ إذا قلت: هند عست أن تقوم، إذا جردتها من الضمير، هند عسى أن تقوم، وإذا أعملتها في الضمير تقول: هند عست، لأنه يجب التأنيث هنا، أسند إلى ضمير يعود إلى مؤنث بقطع النظر عن كونه حقيقياً أو مجازياً -فهو واجب التأنيث-، والزيدان عَسَيَا أن يقوما، والزيدون عَسَوا أن يقوموا، والهندان عَسَتَا أن تقوما، والهندات عَسَيْن أن يقمن، هذا على لغة تميم وهي قوله: أوِ ارْفَعْ مُضْمَرَا بِهَا. وأما على لغة الحجاز، فحينئذٍ تُجرد من الضمير، هند عسى أن تقوم، زيد عسى أن يقوم، الزيدان عسى أن يقوما، الزيدون عسى أن يقوموا إلى آخره، أما غير عسى فالناظم ظاهر كلامه أنه لا تعمل في ضمير البتة، وإنما يكون حكمها كحكم السابق. وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أَجِزْ فِي السِّينِ مِنْ ... نَحْوِ عَسَيْتُ وَانْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ وَالفَتْحَ: هنا قدَّمه لماذا لاختياره له، وهو أولى. وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أجِزْ: أجِزْ الفَتْحَ، الفَتْحَ هذا مفعول به مقدَّم، وأجز الفتح فِي السِّينِ نَحْوِ عَسَيْتُ، مِنْ جار ومجرور هذا حال من السين لأنه معرفة، والجار والمجرور إذا وقع بعد المعرفة أعربناه حال، فِي السِّينِ حالة كونه مِنْ نَحْوِ، يعني كما في نحو عَسَيْتُ عسى إذا اتصل بها ضمير، إما أن يكون ضمير رفع، وإما أن يكون ضمير نصب، إذا اتصل بها ضمير نصب هي التي وقع فيها النزاع: هل هي أخت إنَّ أم لا، وسيأتينا بحثها إن شاء الله. وأما إذا اتصل بها ضمير رفع، حينئذٍ التاء والنون -نون الإناث- و (نا)، إذا اتصلت بها حينئذٍ نقول: جاز في سينها الوجهان، الفتح والكسر، عَسَيت وعَسِيت، عَسِينا وعَسَينا، يجوز فيه الوجهان، الفتح والكسر، هذا من باب الضبط فقط.

وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أجِزْ فِي السِّينِ مِنْ نَحْوِ: عَسَيْت وعَسِينا وعَسَيْنا إناث، وَانْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ، انْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ: علِم، علِم لماذا؟ لأنه قدَّمه أولاً، هذا وجه ولا بأس به، علم زُكِنْ انتقاء الفتح على الكسر علم، لماذا؟ لكونه قدمه أولاً، وابن مالك إذا قدم الشيء دل على اختياره، أو لأنه الأصل وعليه أكثر القراء، لقوله: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)) و ((هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ)) هذه القراء قرؤوها بالفتح وقرأ نافع في الموضعين بالكسر، فدل على أنه أكثر، هذا لغة وهذا لغة لا نطعن، وإنما نقول الأكثر والأفصح ما كان عليه أكثر القراء، والثاني جائز ولا ننكر، نقول هو لغة ثابتة فصيحة ولا إشكال فيها. وَالفَتْحَ وَالكَسْرَ أَجِزْ فِي السِّينِ مِنْ ... نَحْوِ عَسَيْتُ وَانْتِقَا الْفَتْحِ زُكِنْ انْتِقَا هذا مبتدأ وهو مضاف والمراد به اختيار، وَالفَتْحَ مضاف إليه، وزُكِنْ، هذا مغير الصيغة ونائب الفاعل يعود إلى الفتح، -عُلِم-. قال الشارح: إذا اتصل بعسى ضمير موضوع للرفع، وهو لمتكلم عَسَيْتُ أو لمخاطب عَسَيتَ وعَسَيتِ وعَسَيْتُما وعَسَيْتُم وعَسَيتُنَّ أو لغائبات عَسَينَ جاز كسر سينها وفتحها والفتح أشهر، وقرأ نافع ((فَهَلْ عَسِيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ)) بكسر السين، وقرأ الباقون بفتحها. حق عسى إذا اتصل بها ضمير أن لا يكون إلا بصورة المرفوع، هذا الأصل فيها، إذا اتصل بها ضمير بارز ألا يكون إلا بصورة المرفوع، وهو الثلاث المذكورة (التاء ونون الإناث ونا)، هذا هو المشهور في كلام العرب وبه نزل القرآن ومن العرب من يأتي به بصورة المنصوب المتصل، يعني هو مرفوع لكنه جاء بصورة المتصل، من باب الفكاك أن عسى تعمل عمل إن وهذا سيأتي فيقال: عساني وعساك وعساه. يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَ والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... !!!

37

عناصر الدرس * شرح الترجمة (إن واخواتها) وبعض المهمات * معان هذه الحروف وعملها * حكم خبرها من حيث التقديم والتأخير * ضابطالمعرفة حكم همزة (إن) من حيث الفتح والكسر * مواضع فتح همزة (إن) مواضع كسرهمزة (إن) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: (إِنَّ) وَأَخَوَاتِهَا: أي باب (إن) وأخواتها، وهذا الباب هو الباب الثالث أو إن شئت قل الثاني، كان الثاني باعتبار النواسخ؛ لأن النواسخ كما ذكرنا تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم منها ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وهذا باب كان وأخواتها، وما عقد له الفصل في (ما) و (لا) و (إن) ... المشبهات بـ (ليس)، ثم (كاد) وأخواتها. كل هذه تعمل عملاً واحداً، ثم أتى باب إن وأخواتها وهو القسم الثاني من النواسخ، وهو ما ينصب المبتدأ على أنه اسم لها ويرفع الخبر وهو باب (إن) وأخواتها، وألحق به باب (لا) النافية للجنس، إن نظرنا إلى الأبواب فهذا هو الباب الثالث وقيل الرابع، لكن (فَصْلٌ فِي مَا) نقول: هذا ليس بباب مستقل وإنما هو داخل في ليس، وحينئذٍ إذا نظرنا إلى الأبواب فهذا هو الباب الثالث، وإن نظرنا إلى النواسخ فهذا هو الناسخ الثاني. (إنَّ) وأخواتها وهي الحروف المشبهة بالفعل، والأصل في الحرف أنه لا يعمل، هذا هو الأصل، والأصل فيما اختص أن يعمل، الأصل في الحرف ألا يعمل لكن لما اختصت بعض الحروف ببعض مدخولاتها كالفعل مثلاً لم ولن، حينئذٍ لا بد من شيء يظهر هذا الاختصاص، حينئذٍ جعل له عمل، وإلا الأصل في الحروف أنها لا تعمل حتى حروف الجر والنواصب والجوازم .. الأصل فيها أنها لا تعمل، لكن لما اختصت بالأسماء بعضها وبعضها اختص بالأفعال ما الذي دلنا على أنها مختصة بها؟ لا بد من أثر يبين لنا هذا الاختصاص، حينئذٍ أعملت من هذه الحيثية، وأما ما كان مشتركاً فهو باق على أصله؛ لأنه غير مختص بفعل أو باسم، حينئذٍ (هل) مثلاً نقول: هذه ليست مختصة والأصل في (ما) النافية ليست مختصة وحينئذٍ إذا أعملت يرد السؤال لماذا أعملت -الحروف كلها-؟ وإذا أعملت العمل الخاص الذي اختص به مدخولها كالجزم مثلاً في (لم) و (إن) و (لما) حينئذٍ لا يسأل عنها، وإذا عملت غير الجزم حينئذٍ يسأل عنها، وحروف الجر اختصت بالأسماء فعملت الجر، حينئذٍ كل ما اختص بالأسماء فالأصل فيه أنه يعمل الجر، هذا هو الأصل، ولكن هنا عندنا في باب (إن) وأخواتها هذه اختصت بالأسماء، ولكنها لم تعمل الجر، إذاً خرجت عن أصلها وهو أن الأصل في المختص أن يعمل الأثر الذي اختص به مدخوله وهو الخفض في باب الأسماء. وعلى القول الآخر أن المراد بالاختصاص أنه مطلق العمل، حينئذٍ لا إشكال، هذا لا يرد عليه تعليل، وأما على الأول فحينئذٍ لا بد من التعليل.

إذاً نقول هنا: اختصت (إن) وأخواتها بالأسماء، وهذه أعملت في المبتدأ فنصبته والخبر فرفعته تشبيهاً لها بالفعل؛ لأن الأصل أنه يعمل في مدخوله فحسب، يعني باء الجر تعمل في الاسم المفرد فحسب، وأما الدخول على الجملة فهذا الأصل فيه أنه شأن الأفعال يدخل الفعل فيرفع الفاعل، وإذا احتاج إلى مفعول نصبه، وأما ما اختص بالأسماء فالأصل أنه يعمل في المفردات، ولكن هنا (إنَّ) عملت في الجملة الاسمية وهي المبتدأ والخبر، لأنها أشبهت الفعل، فهي مشبهة بالفعل، مشبهة بالفعل في المعنى واللفظ معاً، يعني قوي شبهها فحينئذٍ ألحقت بالفعل، والفعل لا شك أنه يتعدى إلى -الأصل فيه الكمال- أن يتعدى إلى فاعل فيرفعه عن أنه فاعل له، ثم بعد ذلك يتعدى إلى مفعول فينصبه على أنه مفعول له. هنا (إن) وأخواتها نقول: هي الحروف المشبهة بالفعل في كونها رافعة وناصبة، كما أن الفعل يرفع وينصب، وحينئذٍ هذه رافعة وناصبة. وفي اختصاصها بالأسماء كذلك الفعل يختص بالاسم؛ لأنه يطلب فاعلاً، وفي دخولها على المبتدأ والخبر كما هو الشأن في كان وأفعال المقاربة. وفي بنائها على الفتح، هذه الحروف مبنية على الفتح (إن) و (أن) و (ليت) و (لكن) و (لعل) و (كأن) كما أن الفعل الماضي مبني على الفتح، وفي كونها ثلاثية ورباعية وخماسية، وهذا هو تعداد الأفعال، (إن وأن وليت) ثلاثية، و (لعل وكأن) هذه رباعية، و (لكنَّ) هذه خماسية، إذاً الفعل يكون ثلاثياً ويكون رباعياً ويكون خماسياً. لهذه المشابهة القوية بين (إن) وأخواتها بالفعل حينئذٍ أعملت (إن) وأخواتها -أعملت النصب- في المبتدأ والرفع في الخبر. إذاً نقول هذه ما العلة في كونها تَنصب وتَرفع؟ نقول: شبهها القوي بالفعل، ما وجه الشبه؟ حينئذٍ نقول: من خمسة أوجه وهو شبه لفظي ومعنوي: أولاً: أنها كلها على ثلاثة أحرف هجائية أو أكثر، فـ (إن) و (أن) وليت على ثلاثة أحرف، و (لعل وكأن) على أربعة أحرف، و (لكن) على خمسة أحرف. ثانياً: اختصاصها بالأسماء كالفعل، الفعل يختص بالأسماء، بمعنى أنه يرفع فاعلاً، ثم إذا تعدى حينئذٍ ينصب مفعولاً. ثالثاً: أنها كلها مبنية على الفتح كالفعل الماضي. رابعاً: تلحقها نون الوقاية عند اتصالها بياء المتكلم كالفعل إنني وأنني وكأنني .. كما سبق معنا، حينئذٍ إذا اتصلت بها ياء المتكلم لحقتها نون الوقاية، والأصل في نون الوقاية أنها تلحق الفعل، حينئذٍ أشبهت هذه الأسماء الأفعال في اتصالها بنون الوقاية واتصال نون الوقاية بها. خامساً: أنها تدل على معنى الفعل، هذا من حيث المعنى، تدل على معنى الفعل؛ فـ (إن) و (أن) تدل على معنى أكدت، و (ليت) تمنيت، و (لعل) رجوت، و (كأن) شبهت، لأنها للتشبيه المؤكد، هذا هو المشهور عند البصريين.

فحينئذٍ أعملت هذه الأحرف لهذه المشابهة القوية بالفعل أعملت في الجزأين رفعاً ونصباً، لكن عكسوا العمل، الأصل في الفعل أنه يرفع أولاً وينصب ثانياً، وهذه الأحرف نصبت أولاً ورفعت ثانياً، إذاً عكسوا، ما دام أنها أشبهت الفعل فالأصل فيها أنها ترفع ثم تنصب، كما أن الفعل يرفع ثم ينصب، لماذا؟ قالوا: عكسوا عملها لئلا تلتبس بالفعل، لأنه إذا ظن ظان أنها رفعت أولاً ثم نصبت قد يظن الظان أنها أفعال حقيقية، وليس الأمر كذلك، ثانياً تنبيههم على الفرعية؛ لأن هذه جاءت بالفرع وليست بالأصل، حينئذٍ رفع الفعل للمرفوع الذي طلبه إما فاعل وإما نائب فاعل وهذا عمدة. والأصل في نصب اسم (إن) أنه للمبتدئ، حينئذٍ هو عمدة من جهة الأصل، فحينئذٍ عملت عملها معكوساً ليكون معهن كمفعول قدم وفاعل أخر تنبيهاً على الفرعية، ولأن معانيها في الأخبار فكانت كالعمد والأسماء كالفضلات فأعطي إعرابيهما، فحينئذٍ نقول: هذه أعربت أو عملت عمل الفعل تشبيهاً لها. قال رحمه الله: لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلّ ... كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ كَإِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ بِأَنِّي ... كُفْءٌ وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ ِلإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلْ بإسقاط حرف العطف، والأصل (لإِنَّ وأَنَّ ولَيْتَ ولَكِنَّ ولَعْلْ وكَأَنَّ) وقلنا هذا جائز متفق على جوازه في الشعر مختلف على جوازه في النثر، وابن مالك يجوزه. عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ ما هو عمل كان؟ ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، (إن) عكسها بمعنى أنها تنصب الاسم وترفع الخبر. عَكْسُ المراد بالعكس هنا العكس اللغوي، يعني المخالفة وليس المراد به العكس الاصطلاحي. عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ عكس مبتدأ مؤخر وقوله: لإِنَّ وما عطف عليه خبر مقدم. عَكْسُ مَا الذي لِكَانَ الناقصة ليست للتامة، لأن التامة لا تنصب، وإنما هي ترفع فحسب، فحينئذٍ الذي يرفع وينصب هو كان الناقصة. عَكْسُ الذي لكَان جار ومجرور متعلق بمحذور، صلة الذي، يعني الذي استقر لكان. مِنْ عَمَلْ هذا متعلق بالاستقرار المحذوف، من عملٍ إذاً المشابهة بكان هنا من جهتين في كون كان تدخل على المبتدئ والخبر، فحينئذٍ (إن) تدخل على المبتدأ والخبر، وكان تعمل في جزأين رفعاً في الأول والثاني نصباً، و (إن) تعمل عكس عمل كان، وهو نصباً للأول ورفعاً للثاني، مع اتفاقهما في كونهما يدخلان على المبتدئ والخبر، وكل ما اشترط في المبتدئ الذي يجوز الدخول عليه في باب كان مشترط في هذا الباب، فقلنا هناك: يشترط في كان أنها لا تدخل على مبتدئ له لزوم الصدر كأسماء الاستفهام، وكذلك المبتدأ الذي هو واجب الحذف كالنعت المقطوع والمبتدئ الذي هو لازم للابتداء لا يتصرف كطوبى للمؤمن، فحينئذٍ نقول: فكل ما اشترط في المبتدئ هناك يشترط فيه هنا في باب (إن) وأخواتها.

فهذه الحروف لا تدخل على جملة يجب فيه حذف المبتدأ كما لا تدخل على مبتدئ لا يخرج عن الابتدائية مثل ما التعجبية، كما لا تدخل على مبتدئ يجب له التصدير، أي الوقوع في صدر الجملة كاسم الاستفهام، ويستثنى من هذا ضمير الشأن، فإنه له الصدارة وحينئذٍ تدخل عليه كان الشأنية، كان الناس صنفان، كان هو، أو كانهُ .. إذاً صح دخول كان على ضمير الشأن مع كون ضمير الشأن له الصدارة في الكلام. كذلك هنا في باب (إن) يجوز دخولها على ضمير الشأن، وسيأتي هناك وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ الذي هو ضمير الشأن، فحينئذٍ نقول: دخولها على ضمير الشأن مستثنى من منع دخولها على ما له الصدارة في الكلام. ويستثنى من هذا الأخير ضمير الشأن فإنه مما يجب تصديره وقد دخلت عليه (إن) إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنِيسَةَ يَوْماً (إن) من، من هذه بمعنى الذي من يدخل الكنيسة يوماً، (من) شرطية فدخلت عليها (إن)، فحينئذٍ نقول: لا بد من التقدير فنجعل اسم (إن) ضمير الشأن، وليس اسم الاستفهام؛ لأن اسم الاستفهام لا تدخل عليه (إن) البتة، فحينئذٍ يصير لنا ضمير الشأن كالوسيلة والمفر الذي نلجأ إليه إذا وجد شيء مما يمتنع دخول كان عليه أو (إن) عليه، فنقول مباشرة اسمها ضمير الشأن محذوف، وما امتنع دخول (إن) أو (كان) عليه نقول: هذا هو جملة الخبر. إِنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنِيسَةَ يَوْماً ... يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وظِبَاءَ حينئذٍ نقول: كل ما صح دخول (كان) عليه يلزم ذلك الحكم في (إن) وأخواتها، فلا تدخل على ما امتنع دخول (كان) عليه، لماذا؟ لأنه قال: كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ، والعمل هذا فرع صحة ما دخلت عليه (كان)؛ لأن (كان) لا تدخل على أي مبتدئ، إذا صح دخولها صح عملها، وإذا لم يصح دخولها (لم) يصح العمل، فحينئذٍ كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ، لا بد أن يكون مقيداً بماذا؟ بما صح دخول (إن) عليه، ويستثنى من المبتدءات تلك التي ذكرناها. وكذلك من جهة الخبر، فالخبر لا يقع هناك جملة طلبية زيد اضربه، قلنا: زيد هذا لا مانع من دخول (كان) عليه، لكن يمتنع في هذا التركيب أن تدخل (كان)، لماذا؟ لكون الخبر جملة طلبية، كذلك الحكم هنا إن زيداً اضربه، نقول هذا ممتنع، وكذلك الجملة الإنشائية نعم وبئس، لا تدخل عليهما إن، ولو كان خبراً، لماذا؟ لأن الإنشاء شيء لم يقع .. شيء غير واقع، و (إن) الأصل فيها أنها للتقوية تقوية النسبة يعني التأكيد كما سيأتي، فحينئذٍ يمتنع أن يؤكد شيء لم يقع. ولا تدخل هذه الحروف على جملة يكون فيها الخبر طلبياً أو إنشائياً حينئذٍ يرد قوله تعالى: ((إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [التوبة:9] سَاءَ هذا مثل بئس تعمل عملها ملحقة بها، إنهم (إن) هذا حرف توكيد نصب، والهاء اسمها وساء الجملة خبر، وكذلك قوله: ((إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)) [النساء:58] وحينئذٍ نعم نقول هذه إنشاء أم خبر؟ إنشاء، وقع الإنشاء خبراً لـ (إن) ما جوابه؟ نحن نمنع هذا وقد وقع في القرآن، نقول: الخبر محذوف هنا، وإنما هو قول ويصير ما ذكر من ساء ونعم معمولان لذلك القول المحذوف.

فإنها على تقدير قول محذوف يقع خبراً لـ (إن) وتقع هذه الجمل الإنشائية معمولة له، فيكون الكلام من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، ولذلك قال قائل: إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ ... لاَ تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيْلِكُمْ نَامَا إن الذين: الذين هذا اسم (إن)، لا تحسبوا: طلبية لا تحسبوا طلب، وقع خبره. إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ: مقول في شأنهم لاَ تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ لا بد من التأويل، إذاً كل ما وقع خبراً وهو جملة طلبية أو إنشائية، حينئذٍ نقول: هو معمول لعامل محذوف، وذلك العامل هو الخبر. عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ بمعنى أنها تنصب المبتدأ على أنه اسم لها، وترفع الخبر على أنه خبر لها. سمع نصب الجزأين في لغة، فهل هو لغة معتبرة، أم أنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه؟ لا شك أنه الثاني. إِذا اسْوَدَّ جُنْحُ اللَّيلِ فَلْتَأْتِ ولَتَكَنْ ... خُطَاكَ خِفَافاً إِنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَا إِنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَا: (إن) حرف توكيد ونصب، حراسنا اسم (إن) منصوب، أسداً هذا منصوب، والأصل أنه يقول: أسد بالرفع على أنه خبر (إن). هل نقول يجوز الوجهان الرفع والنصب لخبر (إن)، أم نقول المطرد الأصل هو الرفع وما جاء كذلك حينئذٍ يؤول؟ لا شك أنه الثاني. إن حراسنا يشبهون أسداً: فأسداً هذا مفعول به لفعل محذوف، والفعل المحذوف هو خبر (إن)، فإذا جاء مثل هذا التراكيب حينئذٍ لا بد من التأويل، إذاً كل ما جاء مما نسب إلى بعض العرب أنه ينصب الجزأين نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه، بل يعتبر شاذاً ولا يخرج عليه، ولذلك نقول: إذا قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسولَ الله، نقول: لا يصح، أشهد أن محمداً رسولَ .. أين الخبر؟ لم يأت الخبر، فالكلام هنا ليس مركباً بل هو كلمة واحدة أشهد أن محمداً رسولَ الله، لا بد أن يقول رسولُ، تخريجه على هذه اللغة لا، ليس بجيد. إذاً نقول: لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلّ ... كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ عكس الذي استقر لكان الناقصة من عمل، وهو أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، العكس هو نصب المبتدأ ورفع الخبر. لإِنَّ بالكسر هنا (إِنَّ) وهي أصلية ثلاثية. وأَنَّ هذه فرعي عنها، ولذلك عدها بعضهم خمسة لا ستة، لم يعدها سيبويه، لأنها فرع (إِنَّ)، (أَنَّ) بالفتح فرع (إِنَّ). وقيل: (أَنَّ) أصل، وإن فرع، وقيل كل منهما أصل، أقوال ثلاثة، لكن المشهور عند جماهير النحاة أن (أَنَّ) فرع (إِنَّ)، إذاً عدها سيبويه خمساً بإسقاط (أَنَّ) المفتوحة؛ نظراً إلى كونها فرع المكسورة، قد يقال بأن كَأَنَّ هي (أَنَّ)، إذاً نعدها أربعة، (إِنَّ) أصل فرعها (أَنَّ) فرعها (كَأَنَّ) لأن (أَنَّ) هي الأصل، وزيدت عليها الكاف فقيل: (كَأَنَّ) إذاً كأن فرع (أَنَّ).

وذكرت كَأَنَّ مع (أَنَّ) أصلها (إِنَّ) المكسورة أدخلت عليها الكاف التشبيهية ففتحت الهمزة للحرف، (إِنَّ) إذا سبقها حرف لا بد من فتحها، إذاً (إِنَّ) الأصل التي هي أصل (أَنَّ) دخلت عليها الكاف ففتحت صار كَأَنَّ، أدخلت عليها الكاف التشبيهية ففتحت الهزة لانتساخ هذا الأصل بإدخال الكاف، وجعل المجموع كلمة واحدة، يعني لماذا لم نسقط كَأَنَّ مع أنها فرع مركبة من (إِنَّ) أو (أَنَّ)، لماذا لم نسقطها كما أسقطنا (أَنَّ)؟ قالوا: لأن الكاف صارت كالجزء من الكلمة غير معتبرة، بدليل أنها لو كانت أصلية معتبرة لاحتجنا إلى متعلق تتعلق به، لو لم تجعل جزءاً من الكلمة قيل: كَأَنَّ هذا مثل بزيد، يحتاج إلى جار ومجرور، فلما لم يلتفت إلى المتعلق لكَأَنَّ علمنا أن الكاف هذه ليست أصلية، بل هي زائدة نزلت منزلة الجزء من الكلمة، إذاً صار التركيب منسوخاً –الأول- ولم يلتفت إليه، فصار كالكلمة الواحدة، لانتساخ هذا الأصل بإدخال الكاف وجعل المجموع كلمة واحدة بدليل عدم احتياج الكاف إلى متعلق، وعدم كون مدخولها في موضع جر عند الجمهور، لو قال: كأن زيداً عالم، هذا دليل آخر على أن الكاف هنا صارت نسياً منسياً، كأن زيداً عالم، (أن) وما دخلت عليه تأويل مصدر، لو كانت الكاف معتبرة لصار المصدر مجروراً بالكاف، لكن هذا لم يقل به أحد من النحاة، وعلى الأقل أنه لم يقل به الجماهير، فدل على أن هذه الكاف لا تجر المصدر الذي بعدها؛ لأنها صارت كجزء من الكلمة من مدخولها. ثم هذه الكاف ليس لها متعلق؛ إذ لو كان لها معنى مستقل حينئذٍ لوجب أن يكون لها متعلق. لاَ بُدَّ لِلجَارِ مِنَ التَّعَلُّقِ ... بِفِعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْوُ مُرْتَقِي وعدم كون مدخولها في موضع جر عند الجمهور بخلاف (أن) المفتوحة، فليس أصلها منسوخاً بدليل جواز العطف بعدها على معنى الابتداء كما يعطف بعد المكسورة، إذاً سيبويه والجمهور على أن (أن) فرع (إن)، وحينئذٍ تعد خمسة. وابن هشام في التوضيح عدها ثمانية أبقى (أن) على أصلها -الستة المذكورة هذه-، وزاد عليها (عسى) في لغية، عسى سبق معنا أنها يتصل بها الضمير المرفوع، هذا المشهور في لسان العرب، وعلى قلة يتصل بها الضمير المنصوب، ولذلك قال: عسى في لغية، تصغير لغة، يعني شيء قليل نادر، فإذا اتصل بها الضمير المنصوب اختلف النحاة فيها: جماهير البصريين على أنها باقية على أصلها، وأنها فعل، وأنها من أفعال المقاربة، ولا بد من التأويل ويختلفون في كل شاهد بطريقة معينة. ابن هشام تبع سيبويه قال: لا، قد تكون عسى فعلاً وتكون من أفعال المقاربة ترفع وتنصب، وإذا اتصل بها الضمير المنتصب خرجت عن الفعلية، وصارت حرفاً من حروف (إن) وأخواتها. إذاً لها اعتباران –تفصيل-: إن رفعت اسماً ظاهراً أو ضميراً متصلاً مرفوعاً فهي فعل، وإن دخلت على ضمير نصب كما في قول القائل (فَقُلْتُ: عَسَاهَا نَارُ كَأْسٍ وَعَلَّهَا ... )، عَسَاهَا نَارُ كَأْسٍ: نَارُ هذا اسم عسى –بالرفع-، و (ها) عَسَاهَا هذا في محل نصب.

فقالوا: إذا اتصل بها ضمير النصب –منتصب- حكمنا عليها بأنها حرف، وهذا يمنعه جماهير البصريين، بل يقولون: الأصل في عسى أنها فعل وإذا ثبتت فعليتها لا تخرج عنها البتة، وخاصة إذا كان الذي يستدل به على خروجها عن الفعلية شيء يسير قليل نادر، يدل على ذلك أن ابن هشام قال: في لغية، حينئذٍ يكون الأصل أنها فعل بدليل قبولها لآثار الفعلية، ولذلك لم يرد حرف واحد منها في القرآن أنها نصبت، وإنما هي في بعض الأقاويل المنقولة عن العرب. إذاً هذه سبعة، بقي الثامن وهو عند ابن هشام (لا) النافية للجنس عَمَلَ (إِنَّ) اجْعَلْ لـ (لاَ) فِي نَكِرَهْ، هذا سيأتي باب مستقل صارت ثمانية عندهم، والمشهور أنها ستة. لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ قلنا: هذان إما أنهما أصلان أو الثاني فرع عن الأول. لَيْتَ يقال فيها لَتَّ لغة، لَتَّ زيداً قائم، هذا إذا أردت أن تضحك على أحد قل: لَتَّ زيداً قائم بإبدال الياء تاء وإدغامها في التاء، قلبت ليت -الياء قلبت تاء-، ثم اجتمع عندنا مثلان أدغم الأول في الثاني لت زيداً قائم. ولَكِنَّ هذه اختلف فيها هل هي مركبة أم بسيطة؟ هل هي مركبة .. بمعنى أنها لم توضع أصالة هكذا لَكِنَّ، وإنما هي مؤلفة من جزأين؟ الأصح أنها ليست مركبة، وعند الفراء مركبة أصلها لَكِنْ أَنْ، إذاً هي مؤلفة من كلمتين (لَكِنْ) وكلمة (أَنْ) فحذفت الهمزة للتخفيف، ثم التقى ساكنان النون والنون، نون لكن ونون أن، حذفت الهمزة صار عندنا نونان، الأولى ساكنة والثانية كذلك ساكنة، فحذفت النون الأولى لالتقاء الساكنين. وقال الكوفيون: مركبة من (لا وإن) المكسورة والكاف الزائدة لا التشبيهية، وحذفت الهمزة تخفيفاً. إذاً قيل مركبة واختلف في تركيبها وقيل: هي بسيطة بمعنى أنها هكذا لفظ بها أصالة، وهذا هو الأولى. لَعْلَّ ليست مركبة على الأصح، وفيها عشر لغات مشهورة، وأشهرها أربعة: لعلَّ، لعلِّ، علَّ، علِّ .. بإثبات اللام مع كسر اللام وفتحها، لعلِّ لعلَّ احذف اللام مع الكسر والفتح علِّ وعلَّ هذا أربع لغات مشهورة. كَأَنَّ وهي مركبة على الصحيح وقيل: بإجماع أنها مركبة وليست بسيطة، مركبة من ماذا؟ قيل من كاف التشبيه و (إن) فأصل كأن زيداً أسد إن زيداً كأسد. هذا الأصل .. إن زيداً كأسد، فقدم حرف التشبيه اهتماماً به ففتحت همزة (إن) لدخول الجار أو تخفيفاً لثقل الكلمة بالتركيب. كَأَنَّ أصلها إن زيداً كأسد، قدمت الكاف على (إن) من باب الاهتمام ففتحت همزة (إن) لأنها إذا سبقها حرف حينئذٍ تفتح. لإِنَّ أَنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعْلّ ... كَأَنَّ عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ ثم مثَّل لنا بمثال قال: كَإِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ بِأَنِّي ... كُفْءٌ وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ كم مثال؟ كَإِنَّ يعني كقولك: (إن) فالكاف داخلة على قول محذوف. إِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ (إن) حرف توكيد ونصب ينصب المبتدأ على أنه اسم له، والخبر على أنه خبر له، -خبر لـ (إن) اسم لـ (إن) -، اسم (إن) لا إشكال فيه، خبر (إن) هل هو خبر لـ (إن) أو خبر لاسم (إن)؟

إذا قلت: إن زيداً عالم (إن) هذا عامل نصب زيداً فهو اسمها، (عالم) -أخبرت بالعلم إثبات العلم- لـ (إن) أو لمدخولها؟ الثاني، كيف نقول خبر (إن)؟ من باب التوسع وإلا هو خبر اسم (إن)، وإلا هذا ليس بالصحيح أن يقال: خبر (إن)؛ لأن (إن) حرف ولا يخبر عن الحروف وإنما يخبر عن الأسماء. كَإِنَّ نقول هذا حرف توكيد ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. زَيْدَاً اسم (إن) منصوب بها. عَالِمٌ خبر (إن) مرفوع بها على الصحيح، نَصْبُ اسمِ (إن) بـ (إن) متفق عليه بين البصريين والكوفيين، وأما (عالم) فالصحيح أنه مرفوع بـ (إن)، وذهب الكوفيون إلى أنه مرفوع بما رفع به قبل دخول (إن) كما قالوا في اسم (كان)، والصواب أنه مرفوع بـ (إن). بِأَنِّي كُفْءٌ أي مثلٌ، الباء هذه حرف جر، وأني (أن) هذه فرع (إن) والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم أن، وكفءٌ هذا خبرها وكلاهما معمولان لـ (أَنِّي). وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ يعني حقد وعداوة. وَلَكِنَّ: لَكِنَّ حرف تشبيه ونصب مبني على الفتح لا محل له من الإعراب. ابْنَهُ ابْنَ هذا اسم لَكِنَّ، منصوب بها ونصبه فتحة ظاهرة على آخره وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه. ذُو ضِغْنِ: ذُو يعني صاحب، إذاً هو من الأسماء الستة فهو خبر (لَكِنَّ) مرفوع بها ورفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الستة. وَلَكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ (ذو) مضاف و (ضغن) مضاف إليه. إذاً أشار بهذه الأمثلة الثلاثة إلى أن هذه العوامل تدخل على زيد وهو اسم ظاهر وأني هذا ضمير، وابنه هذا مضاف ومضاف إليه وهو في الأصل نكرة. ثم عملت الرفع على الأصل في عالم وهو بالضمة، وعملت الرفع في ذو على الفرعية وهو الواو. وقس على هذه الأمثلة ما يقال في (لعل) و (ليت) و (كأن) وقس الباقي على ما ذكر، وهذه كما ذكرنا اللغة المشهورة وهناك من ينصب الجزأين لكنه محفوظ. قال ابن عقيل: هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء وهي ستة أحرف. إن وأن وكأن ولكن وليت ولعل وعدها سيبويه خمسة بإسقاط أن المفتوحة؛ لأن أصلها إن المكسورة كما سيأتي. ومعنى إن وأن التوكيد، ولذلك قلنا: هي أشبهت الفعل من جهة المعنى، إن زيداً عالم، معناه: أؤكد علم زيد، ولذلك قيل، هذه الكلمة أقيمت مقام جملتين أو ثلاث، الأصل: زيد عالم .. زيد عالم .. زيد عالم التأكيد إنما يكون بالتكرار فحذفت الجملتان الثانية والثالثة من باب الاختصار، وأُكِّدَ النسبة التي بين زيد وعالم بقولنا: (إن)، فـ (إن) هذه للتوكيد أي تقوية النسبة وتقريبها في ذهن السامع إيجابية كانت أو سلبية على الصحيح، وتوكيد النسبة تارة يكون لدفع الشك فيها، وتارة يكون لدفع إنكارها، وتارة يكون لا ولا، يعني لا لهذا ولا لذاك .. يعني متى تؤكد؟ إما لخال الذهن، هذا الأصل فيه أنه لا يؤكد له، وإما لمتردد وهذا يؤكد له استحساناً، وإما لمنكر وهذا يؤكد له وجوباً، ومر معنا هذا بحثه فيه في البلاغة.

فالأول مستحسن والثاني واجب والثالث لا ولا، ولا ينافي كون المفتوحة للتوكيد أنها بمعنى المصدر؛ لأنه إذا قلنا أن زيداً عالم، هذا في قوة المفرد؛ لأنها مما يؤول بمصدر، وسبق معنا من الموصولات الحرفية التي تؤول مع ما بعدها بمصدر وهي متفق عليها (أنْ وأنَّ وكي) قلنا: هذا متفق عليه، و (مَا) الظرفية الزمانية، و (لو) هذا مختلف فيه، فحينئذٍ أنَّ إذا قلنا: هي للتوكيد -لتوكيد النسبة يعني الجملة-، هي لا تؤكد مفرداً حينئذٍ نقول: هي للتوكيد التقوية تقوية النسبة ثم هي في نفس الأمر تؤول بمصدر، هذان متعارضان. أن زيداً عالم، هذا مفرد كلمة واحدة، ولذلك صح أن تأتي في محل الفاعل ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] إنزالنا، فدل على أن (أنَّ) في قوة المفرد فهو كلمة واحدة، فكيف نقول: هي لتقوية النسبة؟ ولا ينافي كون المفتوحة للتوكيد أنها بمعنى المصدر، وهو لا يفيد التوكيد؛ لأن كون الشيء بمعنى الشيء لا يلزم أن يساويه في كل ما يفيده فاندفع ما لأبي حيان، حينئذٍ إذا قيل بأن الشيء شابه الشيء لا يلزم منه المساواة من كل وجه، بمعنى أن الجهة منفكة، فحينئذٍ باعتبار كون مدخول (أن) كما سبق أنها توصل بالجملة الاسمية، بهذا الاعتبار هي مؤكدة، وباعتبار كونها بعد الدخول والتأكيد هي مؤولة بمصدر، فالجهة حينئذٍ تكون منفكة، فلا اعتراض بين هذا وذاك، لا يقال بأنها في قوة المفرد ثم بعد ذلك هي مؤكدة، نقول: اشترطنا فيما سبق أن الذي توصل به (أن) أن يكون جملة اسمية، والجملة الاسمية مركبة من فعل وفاعل، حينئذٍ هذه الجملة بعد دخول (أن) تئول إلى المفرد، ونحن نؤكد قبل التأويل، فحينئذٍ انفكت الجهة. (إِنَّ وأَنَّ) التوكيد، ومعنى (كَأَنَّ) للتشبيه، -التشبيه المؤكد-؛ لأنها مركبة، ولا تخرج كَأَنَّ عن التشبيه عند البصريين، وزعم الكوفيون أن كَأَنَّ كما تأتي للتشبيه تأتي للتحقيق، وقيل للظن، إذا كان خبرها فعلاً أو ظرفاً أو صفة من صفات أسمائها، وقيل: تأتي للتقريب وقيل: للنفي، والمشهور أنها تأتي للتشبيه، والتشبيه قيل: مشروط بأن كان خبرها جامداً، فإن كان مشتقاً وصفاً أو فعلاً، فالظاهر أنها للظن ليست للتشبيه، ولا بد من التفصيل، ولا بأس أن يكون للحرف الواحد عدة معاني كما سيأتي في حروف الجر. إذاً كأن للتشبيه مشروط بأن (كان) خبرها جامداً، كأن زيداً أسد، نقول: هنا للتشبيه، كأن زيداً عالم، ليس عندنا تشبيه وإنما هو ظن، نظن ظناً علم زيد، فلا إشكال من التفصيل. (لَكِنَّ) للاستدراك وهو تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم منه ثبوت، أو إثبات ما يتوهم منه نفي، وقيل رفع التوهم ليس لازماً للكن بل هو أغلبي؛ لأنه قد يأتي بعض التراكيب ليس فيه استدراك. بل هو أغلبي فقط؛ لأنها قد لا تكون لرفع التوهم، زيد قائم لكنه ضاحك، ليس عندنا استدراك هنا، إذاً هو أغلبي.

فالتعريف أغلبي، و (لَيْتَ) للتمني وهو طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر –أمران-: طلب ما لا طمع فيه، وهذا يكون مستحيلاً عادة: *أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً *، نقول: لَيْتَ هنا طمع ماذا -يمكن أو لا يمكن يعود الشباب-؟ عادة لا، والله عز وجل قادر أن يعيد الشباب، لكن في العادة التي جرت عليها السنن الإلهية نقول: لا يعود، *أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً*، إذاً طلب مالا طمع فيه، فالأول ما كان مستحيلاً في مجرى العادة، أو ما فيه عسر -يمكن أن يقع وليس بمستحيل في مجرى العادة إلا أنه بعيد فيه عسر-، الفقير ماذا يقول؟ ليت لي مالاً، أو ليت لي جبلاً من ذهب فأتصدق به، نقول: هذا ممكن يكون له جبل مثل الذهب، لكن أين هو؟ ولَعْلَّ للترجي والإشفاق، الإشفاق: هو توقع المخوف، والترجي: هذا يكون في المحبوب، للترجي والإشفاق، الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه وهو توقع المخوف. وزاد في التسهيل أن لَعْلَّ تكون للتعليل، نحو قوله: ((لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ)) [طه:44] هذا للتعليل والاستفهام نحو: ((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)) [عبس:3] وتختص لَعْلَّ بالممكن، ولذلك جاء: ((لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)) [الطلاق:1] هنا لماذا؟ ((لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)) رجاء وليس للتعليل ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ)) [الكهف:6] هذا للإشفاق. والفرق بين الترجي والتمني أن التمني يكون في الممكن نحو: ليت زيداً قائم وفي غير الممكن لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً، وأن الترجي لا يكون إلا في الممكن فلا تقول: لعل الشباب يعود، هذا بعيد، والفرق بين الترجي والإشفاق أن الترجي يكون في المحبوب "لعل الله يرحمنا"، والإشفاق في المكروه "لعل العدو يقدم". هذا في المكروه. وهذه الحروف تعمل عكس عمل كان فتنصب الاسم وترفع الخبر نحو: إن زيداً قائم، فهي عاملة في الجزأين وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنها لا عمل لها في الخبر، وهذا ضعيف؛ لأنه سيكون عندنا عامل ينصب ولا يرفع، وهذا لا نظير له، وإنما هو باق على رفعه الذي كان له قبل دخول (إن) وهو خبر المبتدئ. هو لم يكن مبتدأ صار اسم (إن)، وحينئذٍ زال العامل من حيث الوصف لا من حيث الحقيقة، وكذلك في شأن: كان قائماً. وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلاَّ فِي الَّذِي ... كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي هذه الحروف لما كانت فرعاً عن الفعل فحينئذٍ صار العمل فيها ضعيف؛ لأنها إنما أعملت بالحمل، يعني الحمل على غيرها -مشابهتها للفعل لفظاً ومعنى-، حينئذٍ ما كان شأنه كذلك يبقى على أصل الترتيب فلا يتقدم خبره على اسمه، لماذا؟ لضعفها؛ لأنها ضعيفة، وهي لا تتصرف، وكل ما لا يَتَصَرَف الأصل فيه ألا يُتَصَرَف في معمولاته، هذا الأصل، وهذا في باب الحروف. وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ -هذا وجوباً-، راعاه: لاحظه، إذاً مأخوذ من الملاحظة لاحظه والتزمه؛ لأنه ذكر لنا الأمثلة بالترتيب كَإِنَّ زَيْدَاً عَالِمٌ، قدم الاسم على الخبر إذاً راع هذا الترتيب، فلا يجوز لك أن تقدم الخبر على الاسم، فلا تقل: إن عالم زيداً، هذا باطل لا يصح.

وَرَاعِ ذَا: (ذَا) اسم إشارة مفعول به، (التَّرْتِيبَ) بدل أو عطف بيان، التَّرْتِيبَ الرتبة والمرتبة: المنزلة، فمنزلة الاسم مقدمة على منزلة الخبر، ولذلك يعبر النحاة: عاد عليه لفظاً ورتبة، رتبة يعني: منزلة. ورتب الشيء ثبت وبابه دخل، وأمر راتب أي: دائم ثابت. وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ يعني: الترتيب السابق، الزمه والتزمه، فقدم الاسم على الخبر كما هو الأصل، فلا تقدم الخبر على الاسم. وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ أي: المعلوم من الأمثلة السابقة لضعف العمل بالحرفية، وأيضاً قصدوا أن يدلوا على أنها فروع في العمل، وعلى أنها ليست أفعالاً على الحقيقة، فلا يتقدم خبرهن مطلقاً بل ولا يتوسط إلا الظروف والجار. لا يتقدم الخبر عليها، هذا مقطوع به، ولا يتوسط، فلا يقال: عالم إن زيداً، لا يصح، ولا يصح أن يتوسط، فإذا منع التوسط فالتقدم من بابٍ أولى وأحرى. إذاً: لا يتقدم خبرهن مطلقاً عليهن، ولا يتوسط إلا ما استثناه الناظم هنا وهو الظرف والجار والمجرور، فحينئذٍ له أن يتوسط بين (إنَّ) واسمها، ((إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا)) [المزمل:12] إن أنكالاً لدينا .. هذا الأصل، ففصل بين (إنَّ) واسمها بالخبر وهو: لَدَيْنَا وهو ظرفه. ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13] عِبْرَةً اسم (إن)، ((فِي ذَلِكُ)) جار ومجرور متعلق محذوف خبر (إنَّ) مقدم على خبرها. إذاً يستثنى الظرف والجار ولمجرور، لماذا؟ يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما. إذا توسع فيهما لماذا لم يتقدما على (إن) نفسها؟ نقول: لأنها حروف، والحروف غير متصرفة، فلا تعامل معاملة الفعل المتصرف، فحينئذٍ إذا سمع ((إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا)) [المزمل:12] نقول: الفصل جائز، ولعدم سماع تقدم الظرف والجار والمجرور على (إن) نقول: لعدم سماعه لا يجوز، إذاً يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها -ليست على إطلاقها-، وإنما هي مقيدة بالسماع بما سمع. وَرَاعِ أي وجوباً، ذَا التَّرْتِيبَ؛ لأنها غير متصرفة، وهو تقديم اسمها وتأخير خبرها وجوباً راعه، وحكم معمول خبرها حكم خبرها، معمول الخبر ما حكمه هنا؟ سبق أنه لا يلي (كان)، وَلاَ يَلِى الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ، أليس كذلك؟ فحينئذٍ هل يلي هنا معمول الخبر (إن)؟ لو قال: إن زيداً قائم عندك، هل يصح أن يقال: إن عندك زيداً قائم؟ الجواب: لا، وإنما يستثنى الخبر نفسه فقط، إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، وما عداه فلا على الأصل. وحكم معمول خبرها حكم خبرها، فلا يجوز تقديمه، وبعضهم استثنى أنه إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً جاز تقديمه قياساً على الخبر، فصحَّح وجوز إن عندك زيداً مقيم، وإن فيك عمرواً راغب. وأما تقديم معمول الخبر على الخبر دون الاسم فجائز، يعني: إن زيداً عندك قائم، جائز؛ لأنه لم يتقدم على الاسم، وإنما تقدم على الخبر، تقديم معمول الخبر على الخبر لا إشكال فيه دون الاسم.

وأما إذا تقدم على الاسم معمول الخبر فالأصل المنع، لماذا؟ لأن الخبر منع وهو عامل وهو أصل، فمعموله من بابٍ أولى وأحرى، ولأن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل وعلمنا أن تقديم العامل ممتنع، فمعموله كذلك مثله، لكن جوز بعضهم حملاً على الظرف -إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً-. إِلاَّ: استثنى الناظم إِلاَّ فِي الَّذِي، يعني إلا الخبر في الموضع الذي يكون الخبر فيه ظرفاً أو جاراً ومجروراً للتوسع في الظروف والمجرورات كَلَيْتَ فِيهَا غَيْرَ الْبَذِي .. كَلَيْتَ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي. لَيْتَ نقول: هذه تعمل عمل (إن)، فِيهَا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. غَيْرَ الْبَذِي: بذي يعني فاحش اللسان قذر، وهو اسم ليت. إذاً توسط هنا وهو ظرف بين ليت واسمها غَيْرَ الْبَذِي. كذلك فِيهَا أو هنا للتنويع -تنويع المثال- أو كَلَيْتَ فِيهَا غَيْرَ الْبَذِي: توسط هنا الجار والمجرور وهو فِيهَا بين العامل ومعموله. هذا في حالة الجواز فيما إذا لم يكن ثم مانع، وقلنا هذا الباب لما قال: عَكْسُ مَا لِكَانَ مِنْ عَمَلْ، حينئذٍ الأصل ما اشترط هناك يشترط هنا، فما منع هناك في باب (كان) وفي باب المبتدئ والخبر من جهة أن يتصل بالجار والمجرور أو الظرف ضمير يعود على الخبر - كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ- إذا اتصل بالاسم ضمير يعود على الخبر، في الدار صاحبها، إن في الدار صاحبها، هل يصح أن نقول: إن صاحبها في الدار؟ إذاً ما حكم تقديم الخبر هنا؟ إن في الدار صاحبها، تقديم الخبر على الاسم نقول: هذا واجب. إذاً قوله: كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا: ليس فيه ما يوجب توسط الخبر بين ليت واسمها. فحينئذٍ نقول: لم يرد الناظم إلا المسألة التي يجوز فيها التوسط بين العامل والمعمول، وهو الاسم، وأما ما عداه فيؤخذ من الشرح، فنقول: هناك ما يجب أن يتوسط فيه الخبر بين العامل والاسم وهو ظرف أو جار ومجرور، ليت في الدار صاحبها، نقول: هذا مثال لما وجب فيه التوسط. إن عند زيد أخاه، إن عند زيد ما إعرابه؟ (إن) حرف توكيد ونصب، و (عند) اسم إن، إن عند هذا متعلق بمحذوف خبر (إن)، منصوب أو مرفوع؟ منصوب، وعندَ فيها النّصبُ يَستمرُّ. منصوب على الظرفية إن عند زيد أخاه. أخاه؟ اسم (إن). وعند زيد هذا خبره، تقدم الخبر على اسم (إن)، ما حكم تقدم الخبر والتوسط هنا جائز أم واجب؟ واجب. واجب، لماذا؟ لأن الاسم وهو أخاه اتصل به ضمير يعود على جزء من الخبر. قال: فلا يجوز تأخير: في الدار لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وكذلك إذا اقترن الاسم بلام الابتداء ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13] سيأتي أن الذي يدخل عليه لام الابتداء الأصل فيه خبر كما سيأتي. وإذا دخلت لام الابتداء على الاسم حينئذٍ لا يجوز أن يلي ذلك الاسم العامل (إن)، (الأصل إن لعبرة)، لكن لا يتوالى مؤكدان في جملة واحدة؛ لأن (إن) مؤكدة، واللام مؤكدة، فحينئذٍ لا بد من زحلقة الاسم مع لامه. ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13] هذا مما يجب فيه التوسط، ماذا بقي؟ بقي وجوب تأخير الخبر، إذا كان ظرفاً؛ -الكلام في الظرف والجار والمجرور-.

وذلك فيما إذا اقترن بهذا الخبر لام الابتداء ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4]، وَإِنَّكَ الكاف اسم (إن)، لَعَلى .. على خلق، هذا جار ومجرور وهو خبر، دخلت عليه لام الابتداء، واجب التأخير كما سيأتي في آخر الباب .. واجب التأخير، حينئذٍ تقدم وتوسط الخبر على اسم (إن) وأخواتها ممنوع، يستثنى الجار والمجرور، وهذا له ثلاثة أحوال: ما يجوز فيه التوسط والتأخير، وهو الذي ذكره الناظم رحمه الله. بقي حالتان وهما: وجوب التوسط، وذلك إذا اشتمل اسم (إن) على ضمير يعود على خبر مثل: إن في الدار صاحبها، إن عند زيد أخاه. أو الحالة الثالثة: أنه يجب تأخير الجار والمجرور أو الظرف، وذلك إذا دخل على الخبر لام الابتداء ((إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4]. قال ابن عقيل: أي ويلزم تقديم الاسم في هذا الباب وتأخير الخبر إلا إذا كان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراً فإنه لا يلزم تأخيره وتحت هذا قسمان: أحدهما: أنه يجوز تقديمه وتأخيره، وهذا الذي ذكره الناظم رحمه الله تعالى. والثاني: أنه يجب تقديمه: ليت في الدار صاحبَها، فلا يجوز تأخير في الدار لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وكذلك إذا اقترن الاسم بلام الابتداء نحو ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [آل عمران:13]. والحالة الثالثة -ما ذكرها ابن عقيل نزيدها- وهي: وجوب تأخير الخبر الظرف والجار، وذلك فيما إذا اقترنت بهذا الخبر لام الابتداء ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4]. ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور، استثنى الظرف والمجرور –رأي-، إن زيداً آكل طعامك، فلا يجوز: إن طعامك زيداً آكل، لا يتوسط بين (إن) ومعمولها، لماذا؟ لأنه مفعول به ليس بظرف. وكذا إن كان المعمول ظرفاً أو جاراً ومجروراً: إن زيداً واثق بك، أو جالس عندك، فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم، فلا تقل: إن بك زيداً واثق، أو: إن عندك زيداً جالس، فهذا أولى، المنع أولى، معمول الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً لا يقاس على الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، بل جوز في الخبر لأنه عمدة في نفسه، وأما متعلق الخبر ليس بعمدة، إن زيداً قائم عندك، عندك ليس بعمدة، وأما إذا كان ظرفاً هو في نفسه خبر فالأصل فيه أنه من العمد. ثم قال: وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ ... مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ هذا شروع منه في بيان مواضع كسر همزة (إنَّ) أو فتح همزة (إنَّ)، متى نقول: (إنَّ)، ومتى نقول: (أنَّ)، وجوباً في الحالتين ومتى يجوز الوجهان؟ أراد أن يبين لنا المواضع، وهذه كلها سماعية، بمعنى أنه يُسمع في لسان العرب ما كسرت فيه (إنَّ) أو ما فتحت فيه (أنَّ)، أو ما يجوز فيه الوجهان. فالأحوال كم؟ ثلاثة، وجوب الفتح، وجوب الكسر، جواز الأمرين. وكل من هذه الأحوال الثلاثة ينظمها ضابط إذا فهمه الطالب وعرف حينئذٍ لا يحتاج أن يعرف هذه المواضع،: كل موضع يحتاج فيه ما قبل (إنَّ) إلى مفرد، ولا يجوز صناعةً أن يكون جملة فإن همزة (إنَّ) تكون مفتوحة.

يعني إذا جاءت (إنَّ) ولا تدري هل هي (إنَّ) أو (أن) تنظر في هذه الجملة، هل يمكن أن تكون في مقام مفرد؟ بحيث يحتاجها ما قبلها أن يكون فاعل، أو مبتدأ، أو حال .. أو نحو ذلك، إن صح أن تعرب هذه الجملة في محل مفرد فيتسلط عليها العامل، فوجب حينئذٍ فتح (أن) مثل ماذا؟ ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] ننظر في: أَنَّا أَنْزَلْنَا أو إِنَّا أَنْزَلْنَا -القراءة ثابتة-؟ لكن نقول هنا: إذا تردد هل هي بالكسر أو بالفتح؟ نقول: انظر ما قبلها ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ)) [العنكبوت:51] يكفي هذا فعل، فحينئذٍ ننظر في هذه الجملة، ذاك الفعل لم يستوف فاعله، هل يمكن أن نجعل هذه الجملة تقوم مقام الفاعل وهو مفرد في المعنى؛ لأن (أن) تؤول بمفرد مصدر إن أمكن وصح صناعة، يعني في الإعراب حينئذٍ وجب فتح أن، فإن لم يمكن وجب كسر (إن). إن جاز الوجهان يعني يمكن أن تكون جملة مستقلة، ويمكن أن يوجد مفرد فتكون الجملة في قوة المفرد تسلط عليها العامل السابق، ويمكن أن يتخلى عن هذا المفرد من جهة الإعراب .. حينئذٍ نقول: جاز الوجهان. وكل ما اختلف فيه مرده إلى هذه المواضع الثلاثة، ثلاثة ضوابط لكل هذه الأبواب: كل موضع يحتاج فيه ما قبل (إن) إلى مفرد، ولا يجوز صناعة أن يكون جملة فإن همزة (إن) تكون مفتوحة. الثاني: كل موضع يحتاج فيه ما قبل (إن) إلى جملة ولا يجوز صناعة أن يكون مفرداً تكون همزة (إن) مكسورة. ثالثاً: كل موضع يجوز فيه الوجهان صح فيه فتح الهمزة وكسرها، حينئذٍ من عنده ملكة في الإعراب يستطيع أن يعرف هذا الموضع هل هو بالكسر أو بالفتح. قال رحمه الله: وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ ... مَسَدَّهَا وَهَمْزَ إِنَّ هذا بالنصب هَمْزَ مفعول به لقوله: افْتَحْ، افتح همز إن، متى؟ لِسَدِّ مَصْدَرِ مَسَدَّهَا إذا صح أن يسد المصدر مسد الجملة حينئذٍ وجب فتح (إن) فيقال: أن. وما سِوَى ذَاكَ إذا لم يصح أن تؤول الجملة بمصدر اكسر. افتح قال: اكسر، كم موضع؟ وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ، وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ كم موضع؟ موضعان، ونحن نريد أن ندخل الموضع الثالث، لا بد من إدخاله، فحينئذٍ إما أن نجعل افْتَحْ ليس على الوجوب –الأول-، وإما أن نجعل اكسر –الثاني- ليس على الوجوب، لا بد من التأويل في واحد منهما. وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ وجوباً، وجوباً بمعنى: أنه لا يجوز الكسر، هذه حالة واحدة. وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ وجوباً وجوازاً، فشمل حالتين. وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ وجوباً وجوازاً، وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ وجوباً، إما أن يكون التأويل في الأول وإما أن يكون التأويل في الثاني، فيحمل صيغة افعل على الحقيقة والمجاز، افتح وجوباً وجوازاً، فيشمل ما تعين فيه الفتح، وهو المواضع التي يجب فيها فتح همزة (إن)، والمواضع التي يجوز فيها الوجهان ويفتح فيها في أحد الوجهين همزة (إن)، ويختص قوله: وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ بالوجوب، أو بالعكس: هَمْزَ إِنَّ افْتَحْ يعني وجوباً لا يجوز إلا الفتح، وما سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ وجوباً فيما لا يجوز فيه إلا الوجوب وجوازاً فيما جاز فيه الفتح، فيكون مرجحاً من هذه الحيثية.

وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ فهم منه أن الأصل المكسورة الهمز؛ لأنه قال: وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ الأصل ماذا؟ (إن) و (أن) فرع عنها، وهذا هو المشهور عند النحاة، أن الأصل هي المكسورة الهمزة وقيل المفتوحة، وقيل هما معاً أصل، يعني لا أصالة لأحدهما على الآخر. لِسَدِّ مَصْدَرِ هو مصدر خبرها إن كان مشتقاً، والكون إن كان جامداً، يعني كيف نقول: افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ؟ نقول: إما أن يكون الخبر مشتقاً، وإما أن يكون جامداً -بأن يكون جامداً أو ظرفاً وجاراً ومجروراً-، على ما ذكرناه سابقاً في الموصولات الحرفية أنك تنظر في الخبر وتأتي بمصدر المشتق فتضيفه إلى اسم أن، علمت أن زيداً قائم، كيف سدت مسد المصدر هنا؟ نقول: علمت قيام زيد، علمت أن زيداً في الدار، علمت كون زيد في الدار، علمت أن زيداً أسد، علمت كون زيد أسداً، فتأتي بالكون تضيفه إلى علمت كون زيد الاسم ثم تنصب الخبر على أنه خبر للكون، وبعضهم يأت بالمصدر المولد، علمت أسدية زيد مضاف للياء والتاء، نقول: هذا مصدر مولد. علمت أسدية زيد، وهذا جائز وذاك جائز. وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ قال: لِسَدِّ مَصْدَرِ ولم يقل: لسد مفرد؛ لأنه قد يسد المفرد مسدها ويجب الكسر، المصدر أخص من المفرد، أيهما أعم؟ المفرد أعم من المصدر؛ لأن المفرد هذا يشمل زيد، وليس بمصدر، يشمل رجل وليس بمصدر، لكن المصدر يكون أخص، فقوله: لِسَدِّ مَصْدَرِ هذا مقصود، ولم يقل: لسد مفرد؛ لأنه قد يسد المفرد ويجب كسر (إن)، وذلك في باب ظن، أنه يقع المفعول الثاني جملة، فإذا كان مصدرة بـ (إن) وجب كسرها. ظننت زيداً إنه قائم، جملة إنه قائم هذه في مقام المفرد؛ لأن ظن هذه داخلة على المبتدئ والخبر، فالأصل فيه -المفعول الثاني- أن يكون مفرداً، فإذا وقعت جملة إنه قائم حينئذٍ نقول: تفسر بالمفرد -في قوة المفرد- ومع ذلك لا نقول بأنه يجب فتح همزة أن. وإنما قال: لسد مصدر، ولم يقل: لسد مفرد؛ لأنه قد يسد المفرد مسدها ويجب الكسر كالمثال الذي ذكرناه. وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ ... مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ مَسَدَّهَا هذا ما إعرابه؟ لِسَدِّ مَصْدَرِ مَسَدَّهَا، ضربت زيداً ضرباً؟ مفعول مطلق. لِسَدِّ مَصْدَرِ مَسَدَّهَا مع معموليها لزوماً بأن وقعت في محل فاعل كما في قوله تعالى: ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] أي: يَكْفِهِمْ إنزالنا، أو وقعت موقع نائب الفاعل ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) [الجن:1] أُوحِيَ هذا مغير الصيغة ((أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) [الجن:1] انظر هنا وقعت ((أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) الجملة، حينئذٍ إذا تردد هل هي بالكسر أو بالفتح تنظر ما قبلها ((أَوْحَيْ)) هذا يفتقر إلى نائب فاعل، إذاً هو مفرد، هل استوفى نائب فاعله؟ لم يستوف، لو أَوَّلْتَ هذه الجملة بمفرد حينئذٍ هل يتسلط عليه العامل فيرفعه على أنه نائب فاعل؟ نعم.

إذاً تقول هذه يجب أن تكون بالفتح ((أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) أوحي استماع نفر من الجن، إذاً تقع أّنَّ في مقام الفاعل وفي مقام نائب الفاعل، وتأتي كذلك في مقام الاسم المجرور بحرف الجر، وتأتي في مقام المفعول به ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) [الأنعام:81] ولا تخافون إشراككم، هنا وقعت في موقع المفرد وهي جملة اسمية مصدرة بـ (إن) نقول: وجب الفتح، لماذا؟ لوقوعها مقام المفعول به، أو في موضع مجرور بحرف ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)) [الحج:6] إذا جرت بحرف، -حرف جر- مباشرة تحكم عليها بأنها بفتح الهمزة وجوباً ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)). كذلك تأتي في مقام المبتدئ ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ)) [فصلت:39] ومن آياته رؤيتك الأرض، (رؤيتك) هذا مبتدأ مؤخر، إذاً وقعت في مقام المفرد، سدت مسد المصدر. كذلك في موضع خبر مبتدئ بشرط أن يكون ذلك المبتدأ غير قول، وبشرط ألا يكون خبر أن صادقاً على ذلك المبتدئ: ظني أنك مقيم معنا اليوم، يعني ظني إقامتك، ظني أنك مقيم معنا اليوم .. ظني إقامتك، وعبر ابن هشام عن هذه الحالة بقوله: أو خبراً عن اسم معنىً غير قول ولا صادق عليه خبرها: اعتقادي أنه فاضل، حينئذٍ نقول: أنه فاضل هذا في قوة المصدر، ويعرب ماذا؟ اعتقادي هذا مبتدأ وأنه فاضل: خبر المبتدأ. إذاً الحاصل أن قوله: لِسَدِّ مَصْدَرِ مَسَدَّهَا يعني مع معموليها لزوماً؛ بأن وقعت في محل فاعل كالآية التي ذكرناها، ولو كان الفعل مقدراً نحو: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا)) [الحجرات:5] ولو ثبت أنهم صبروا، يعني ولو ثبت صبرهم، على قول الكوفيين أن المرفوع بعد لولا فاعل ثبت مقدراً، وقال أكثر البصريين: هي مبتدأ محذوف الخبر وجوباً ((وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا)) [الحجرات:5] لو هذه هل يلزم أن يكون ما بعدها فعل؟ على قول الكوفيين: أن المرفوع بعد لو فاعل ثبت مقدراً. وقال أكثر البصريين: هي مبتدأ محذوف الخبر وجوباً. من هذين القولين تأخذ أن عند الكوفيين أنه لا يلي لو إلا الفعل، وعند البصريين لا يشترط، ليست كـ (إن) و (إذا) وإنما يستثنون (إن) و (إذا) لما سيأتي في باب الاشتغال. أو مفعول غير محكي بالقول نحو: ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) [الأنعام:81] أو خبر عن اسم معنىً غير قولٍ ولا صادق عليه خبرها: اعتقادي أنك فاضل، بخلاف قولي: إنك فاضل، أو مجرور بالحرف كما ذكرناه سابقاً. هذه المواضع قرابة التسع كلها تكون محلاً لـ (أن) فاعل، ومفعول به، ونائب فاعل، ومبتدأ، وموضع المضاف إليه ((إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ)) [الذاريات:23]، وكذلك إذا عطفت على شيء وجب فيه فتح أن، أو أبدلت من شيء وجب فيه فتح أن حينئذٍ نقول: هذه المواضع كلها يجب فيها الفتح، وتؤول بمصدر. والضابط: هو أنه كل موضع صح أن يحل فيه المفرد ويتسلط عليه العامل، ويصح صناعة إعرابية .. حينئذٍ تعين أن يكون بالفتح. ثم قال: فَاكْسِرْ فِي الاِبْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ ... وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ هذه الأحوال وجوب كسر همزة (إن)، فَاكْسِرْ وجوباً في ستة مواضع سيذكرها الناظم

فِي الابْتِدَا: يعني في ابتداء الجملة إما حقيقة وإما حكماً. حقيقة متى؟ إذا لم يتقدمها شيء، لم يسبقها قطعاً ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) [الكوثر:1] نقول: هذا واجب، لماذا؟ لأنها وقعت في ابتداء الكلام حقيقة، لم يسبقها شيء البتة ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) [القدر:1] نقول: هذه وجب فيها كسر همزة إن. أو حكماً بأن يسبقها شيء ولكن لا يخرجها عن كونها جملة ابتداءً، يعني لا يخرجها عن ابتدائيتها مثل: ألا ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) [يونس:62] (إن) هنا نقول: واجبة الكسر، لأنها وقعت في ابتداء الكلام، كيف وقعت في ابتداء الكلام و (ألا) قبلها؟ نقول: أل الافتتاحية لا تؤثر في الجملة التي بعدها في كونها مبتدأً بها، فهي ابتدئ بها حقيقةً لكن باعتبار اللفظ (ألا) نقول: حكماً وإلا في نفسها فهي مبتدأ بها؛ لأنه لو نفي عنها الابتداء لما صح كسر همزة (إن). فالثاني الواقعة بعد أل الاستفتاحية كالآية التي ذكرناها. مثلها الواقعة بعد حَيْثُ، حيث هذه ملازمة للإضافة إلى الجمل، حينئذٍ إذا صدرت الجملة بـ (إن) وجب كسرها؛ لأنها في هذا التركيب هي مبتدأ بها (اجلس حيث إن زيداً جالس) بالكسر وجوباً، فحينئذٍ دخل هذا الموضع في قوله: (فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا) ومنه حيث؛ لأنها ملازمة للإضافة إلى الجمل، فإذا جاءت (إن) بعدها وجب كسرها. والواقعة خبراً عن اسم ذات نحو: زيد إنه قائم، زيد مبتدأ، إنه قائم، نقول: وجب الكسر هنا، لأن الجملة وقعت خبراً عن اسم ذات، فحينئذٍ هي مبتدأٌ بها حكماً. فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا إذاً قوله: فِي الابْتِدَا يشمل الابتداء حقيقة والابتداء حكماً، والابتداء حكماً يدخل تحته المستفتح بألا الاستفتاحية. وَحَيْثُ: وإذا وقعت جملة خبراً عن اسم ذات، ولو زدنا عليه إذ؛ لأنها ملحقة بحيث لكان جيد. فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ: يعني في صدر الصلة، إذا وقعت (إن) في صدر الصلة وجب كسرها، جاء الذي إنه قائم، وجب الكسر؛ لأنها وقعت في صدر الصلة، لماذا كسرت إذا وقعت في صدر الصلة؟ نقول: سماعاً، هكذا العرب إذا أوردوا هذا الموضع كسروا وجوباً. وَفِي بَدْءِ صِلَهْ: يعني ابتداء الصلة، سواء كان حرفاً أو اسماً، ومثل الصلة الصفة (مررت برجل إنه فاضل)، وأما الصلة فنحو: ((إِنَّ مَفَاتِحَهُ)) [القصص:76] الذي إن مفاتحه، بخلاف حشو الصلة نحو: جاء الذي عندي أنه فاضل، لا يشترط فيه حشو الصلة، جاء الذي عندي أنه فاضل، لا يشترط فيه أن تكسر همزة (إن) هنا، بل تفتح؛ لأنها لم تقع في صدر الصلة، والذي وقع في صدر الصلة هو الظرف، وإن (لم) لم تأت، ومثله: لا أفعله ما أن في السماء نجماً، هنا بالفتح لا بالكسر، أي: ما ثبت أن في السماء نجماً. وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ، هذا الموضع الثالث الذي يجب فيه كسر همزة (إن). حَيْثُ إِنَّ هذا مبتدأ. لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ .. مكملة ليمين، يعني وقعت جواباً له، ومكملة هذا ما إعرابه؟

حَيْثُ إِنَّ: قلنا: (إن) مبتدأ، لِيَمِينٍ متعلق بقوله: مُكْمِلَهْ، مُكْمِلَهْ هذا خبر (إن)، أي وقعت جواباً له سواء مع اللام أو دونها، ولا فرق معها بين وجود فعل القسم أو لا ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ)) [العصر:1، 2]. حَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ، يعني وقعت جواباً للقسم، حينئذٍ يجب كسر همزة (إن)، وهذا يدخل تحته ثلاث صور، يعني مواضع كسر همزة (إن) في جواب القسم له ثلاثة أحوال؛ لأن الصور أربعة: واحدة يجوز فيها الوجهان، وثلاثة يجب فيه كسر همزة (إن). الصورة الأولى: أن يذكر فعل القسم وتقع اللام في خبر (إن)، هنا يتعين مثل ((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) [التوبة:56] (يَحْلِفُونَ) ذُكر القسم الفعل، ثم قال: ((إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) جُمع بين الفعل واللام، وجب كسر همزة (إن). الصورة الثانية: أن يحذف فعل القسم وتقع اللام في خبر (إن): ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي)) [العصر:1، 2]. وقعت اللام في في خبر (إن)، أين الفعل؟ محذوف ((وَالْعَصْرِ)). في هذين الموضعين باتفاق إجماع أنه يجب كسر همزة (إن)، وانظر الضابط فيهما وجود اللام في خبر (إن)، وجدت اللام سواء ذكر الفعل أم حذف وجب كسر همزة (إن). إذاً الضابط ليس هو في ذكر فعل القسم، بل ذُكِر في الأولى وحُذِف في الثانية ((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) هنا جَمَعَ بين الأمرين: ذُكِرَ الفعل، ووجدت اللام في خبر (إن). الثاني: ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي)) وُجِدت اللام وحُذف الفعل. إذاً الضابط ما هو القدر المشترك؟: وجود لام الابتداء واقعة في خبر (إن) سواء حذف الفعل أم ذكر، في هاتين الصورتين بالإجماع أنه يجب كسر همزة (إن). الثالث: أن يحذف فعل القسم ولا تقترن اللام بخبر (إن)، يحذف الأمران الاثنان: الفعل، واللام، هذه محل نزاع، والنزاع صوري مثل ماذا؟ {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ (3)} [الدخان: 1 - 2 - 3] ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ)) هذه جواب قسم، أين فعل القسم؟ محذوف، أين اللام؟ لا لام، إذاً انتفيا -الفعل واللام-، هنا يجب على مذهب البصريين كسر همزة (إن)، هذه الصورة اختلفوا فيها: فالكوفيون أجازوا فيها الوجهين: الكسر والفتح، ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ)) ((أَنَّا أَنزَلْنَاهُ)) يجوز فيها الصورتان، والبصريون منع الفتح وأوجبوا الكسر، وقد غُلِّطَ الكوفيون في هذه المسألة، وحكي الإجماع السابق على أنه يجب فيها الكسر؛ لعدم السماع، لم يأتوا بسماع لفظ واحد أنه فيما إذا حذف فعل القسم مع اللام أنه يجوز فيها فتح همزة أن، لا يحفظ أبداً في لسان العرب، ولذلك نص السيوطي في جمع الجوامع على أن الكوفيين غَلِطُوا في هذه المسألة، مذهبهم غلط من أصله، فحينئذٍ تكون هذه المسائل كلها الثلاث مجمع عليها، وإن كان الإجماع في الصورة الأولى والثانية متحقق، وفي الثالثة على النزاع المذكور. وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ يدخل تحته هذه الصور الثلاثة، بقي صورة واحدة يجوز فيها الوجهان يأتي هناك إن شاء الله.

أَوْ حُكِيَتْ باِلْقَوْلِ: الباء هذه باء الآلة حكيت ما هو الذي حكي؟ (إن) ومعمولاها ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] قال إني، يقول إني، قل إني .. كل ما تصرف من مادة قال، فإذا جاءت بعده (إن) فبالكسر فلا تلحن. أَوْ حُكِيَتْ بِالْقَوْلِ أَوْ حَلَّتْ مَحَلّ ... حَالٍ: جاءت بموضع حال، جملة سواء تقدمتها الواو أم لا، أن تقع في جملة في موضع الحال كما مثل الناظم: كَزُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ زُرْتُهُ فعل وفاعل ومفعول به، وإني الواو هذه واو الحال، إني وقعت (إن) بعد الواو، هل هو خاص بالواو أم أنه عام؟ عام ((إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ)) [الفرقان:20] هذه الجملة حالية وجاءت مكسورة وهي بدون واو، إذاً لا يشترط فيها الواو كما هو ظاهر كلام الناظم. أوْ حَلَّتْ مَحَلّ ... حَالٍ (إن) ومعمولاها (محل) هذا مفعول فيه، حَالٍ إما مع الواو كما ذكره الناظم أو بدونها. ولم تفتح هنا (إن) لماذا؟ لأن وقوع المصدر حالاً وإن كثر سماعي، قد يقول قائل: لماذا -الحال الأصل فيها أنها مفردة كما سيأتي- لماذا منعنا في هذه الصورة الفتح وأوجبنا الكسر؟ لأننا إذا أولنا أولناه بمصدر، وحينئذٍ المصدر هل يقع حالاً قياساً؟ الجواب: لا، وإنما هو مع كثرته سماعي، وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ، كثير لكنه قياسياً، وإنما هو سماعي، وقوع المصدر حالاً وإن كثر سماعي على أن السماعي إنما ورد في المصدر الصريح لا المؤول، ولأن المصدر المنسبك مع أن المفتوح الناصبة لمعرفة معرفة والحال نكرة. يعني: قد يرد أن المصدر يكون معرفة، مصدر أن المفتوحة الناصبة لمعرفة يكون معرفة، إذا نصبت أنّ معرفة صار المصدر معرفة، وإذا نصبت لنكرة ولو كانت مخصصة، حينئذٍ صار نكرة، ولا يقع المصدر المعرفة حالاً البتة. إذاً لا تكون الجملة الحالية سواء سبقت بواو أو لا، لا تكون مفتوحة الهمزة بل يجب فيها الكسر. وَكَسَرُوا مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ عُلِّقَا: هذا الموضع السادس. وَكَسَرُوا: أيضاً أي العرب نطقوا بها مكسورة. مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ –قلبي- عُلِّقَا، سيأتينا في باب ظن وأخواتها ما يسمى بالتعليق، فإذا علق الفعل حينئذٍ وجب كسر همزة (إن) مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ –قلبي- عُلِّقَا أي الفعل، والألف للإطلاق بِالَّلاَمِ لام الابتداء فقط، من المعلقات لام الابتداء مثل ماذا؟ كما مثل الناظم: كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى. اعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى، هنا دخلت اللام على خبر (إن)، اعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى، الأصل في دخول اللام هنا يكون على (إن) هذا الأصل؛ لأن التعليق إنما يكون بين الفعل وبين معموليه (ظننت لزيد قائم) هذا مثال واضح، (ظننت زيداً قائماً) ظننت زيداً: زيداً مفعول أول، وقائماً مفعول ثاني، قد يعلق العمل في اللفظ فَيَنْصَبُّ على المحل، يعلق: يعني لا يُنصب في اللفظ وإنما يكون العمل في المحل كما سيأتي.

من المُعَلِقَات اللام، فإذا قلت: ظننت زيداً قائماً، ظن نصبت لفظاً، ظننت لزيد قائم، اللام لام الابتداء، زيد مبتدأ وقائم خبر، والجملة من المبتدئ والخبر في محل نصب مفعولي ظننت، لماذا وجه النصب إلى المحل دون اللفظ؟ لوجود اللام -لام الابتداء-. إذاً اللام تكون داخلة على الاسم الأول. اعْلَمْ (لَإِنَّهُ) هذا الأصل، لكن لا يجتمع مؤكدان، فزحلقت اللام. لَذُو تُقَى: أصل اللام هذه مزحلقة ليست اللام داخلة على الخبر، فحينئذٍ صارت هذه اللام معلِّقة، فإذا علقت جملة كانت مصدرة بـ (إن) وجب كسرها، وَكَسَرُوا أيضاً مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ عُلِّقَا بِالَّلاَمِ -لام الابتداء فقط لا غيرها- كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى. قال أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علق عنها باللام نحو: (علمت إن زيداً لقائمٌ) وسنبين هذا في باب ظن، فإن لم يكن في خبرها اللام فتحت نحو: علمت أن زيداً قائم. إذاً هذه المواضع الستة يجب فيها كسر همزة (إن)، زاد المصنف: إذا وقعت بعد (ألا) الاستفتاحية، أُوُرِدَ على المصنف، -وهل هذا يرد عليه-؟ لا، لماذا؟ لأنها داخلة في قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا. كذلك أورد عليه: إذا وقعت بعد حيث، هل يرد عليه؟ لا يرد عليه، وإنما هي داخلة في قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا. إذا وقعت في جملة هي خبر عن اسم عين (زيد إنه قائم) يرد عليه؟ لا يرد عليه؛ لأنها داخلة في قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا. فقوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا يشمل الابتداء الحقيقي والابتداء الحكمي، ولذلك قال: ولا يرد عليه شيء من هذه المواضع لدخولها تحت قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا؛ لأن هذه إنما كسرت لكونها أول جملة مبتدئٍ بها. كذلك الصفة: مررت برجل إنه فاضل، يجب كسر همزة (إن) في هذا الموضع، أو لـ (إذ)، جئتك إذ إن زيداً أمير). ثم قال من بعد: بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ أوْ قَسَمِ. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

38

عناصر الدرس * تتمة للحالة الثالثة لهمزة (إن) جوازالوجهين * أحكام لام الإبتداءومدخولاتها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ ... مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ عرفنا أنه شرع في بيان المواضع الثلاث أو الأحوال الثلاث لـ (إنَّ) من حيث وجوب الفتح ووجوب الكسر وجواز الأمرين. وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ قلنا: لا بد من التأويل هنا إما في الأول، وإما في الثاني، افتح وجوباً، وحينئذٍ اكسر وجوباً أو جوازاً. افْتَحْ: نقول: هذا عام المراد به الإباحة، فيشمل الواجب والجائز. وقوله: اكْسِرِ: وحينئذٍ يكون للواجب فتشمل الأحوال الثلاثة، وهذا أولى من أن يجعل البيت خاصاً بما وجب في الحالتين: الفتح والكسر. وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ لِسَدِّ: أي لأجل، فكأنه تعليم متعلق بـ (افتح)، وحينئذٍ جعل الناظم الضابط هنا في باب فتح همزة (إنَّ) وجوباً إذا سد مسد (أن) ومدخوليها المصدر، فكل موضع صح أن يحل المصدر محل (إنَّ) ومعموليها حينئذٍ قلنا: هذه بالفتح؛ لأن الأصل أن نقول: هذه هل هي (إنَّ) أو (أن)؟ يشتبه، فإذا جاز أن يحل المصدر محل (إنَّ) ومدخوليها ومعموليها وصح تسليط العامل من جهة الصناعة الإعرابية عليها -على المحل- حينئذٍ وجب فتح همزة (أن)، وهذا يكون في تسع مواضع، بالاستقراء، قد يزيد بعضها لكنه قليل، لكن المشهور هو تسع مواضع: الأول: أن يكون فاعلاً. الثاني: أن يكون نائب فاعل. الثالث: أن يكون مفعولاً به لغير قول محكي. ورابعاً: أن يكون في موضع جر بحرف الجر. والخامس: أن يكون في موضع مبتدئ مؤخر. والسادس: أن يكون في موضع خبر مبتدئ. والسابع: أن يكون في موضع المضاف إليه. والثامن: أن يقع معطوفاً على شيء من ذلك، إذا عطف على (أن) مفتوحة بـ (إنَّ) نقول: هنا يفتح؛ لأن الأصل اتحاد المعطوف والمعطوف عليه، وحينئذٍ إذا عطف (إنَّ) على (أن) نقول: الأصل فيه أن يكون الثاني الذي بعد حرف العطف أن يكون بالفتح من باب عطف المفرد على المفرد. والتاسع والأخير: أن تكون مبدلة من شيء من ذلك، أيضاً البدل يكون حكمه حكم المبدل منه. فهذه مواضع تسعة يكون فيها وجوب فتح همزة (إنَّ) وحينئذٍ تكون بـ (أن)، ويؤول (أن) وما دخلت عليه بمصدر. وعبر الناظم بمصدر لماذا؟ لأنه قد تحل (أن) موضع المفرد ويجب كسر همزة (إنَّ). ظننت زيداً إنه قائم، ظننت: فعل وفاعل. وزيداً: مفعول به. وإنه قائم نقول: الجملة هذه حلت محل المفعول الثاني، والأصل في المفعول الثاني أن يكون مفرداً، إذاً: حلت محل المفرد. قالوا: هنا يمتنع فتح همزة (إنَّ) فلا يقال: أنه فاضل، ظننت زيداً أنه فاضل، لماذا؟ قالوا: لأنه إذا فتحت همزة (إنَّ) صار أنه فاضل أُولت بمصدر، والمصدر لا يقع خبراً عن اسم العين. ظننت زيداً قياماً هذا قلنا: لا يقع إلا على التأويل، والأصل عدم التأويل، ولذلك امتنع ما ذكرناه.

إذاً: أن تكون في موضع فاعل، كقوله تعالى: ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51] يَكْفِي: هذا فعل مضارع فاعله غير مذكور، وصح أن نجعل - ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) أننا هذا الأصل- صح جعل (أَنَّ) ومعموليها فاعلاً تسلط عليه العامل، والصناعة الإعرابية لا ينافيها ما ذكرناه حينئذٍ وجب فتح همزة (أن) -أولم يكفهم إنزالنا- هذا الموضع الأول. ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ)) [الجن:1] أُوحِيَ: هذا مغير الصيغة. استماع، أوحي أنه استمع، أين نائب الفاعل لأوحي؟ نقول: أَنَّهُ اسْتَمَعَ، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر وهذا المصدر في محل رفع نائب فاعل، ولذلك الإعراب كما سبق في المصدر المنسبك من (أن) وما دخلت عليه يكون محلياً على الصحيح، ولا يكون تقديرياً وإن قال به بعض النحاة. الثالث: أن يكون في موضع مفعول به غير محكي بالقول، غير محكي بالقول لماذا؟ لأن القول وما تصرف منه ينصب مفعولاً به، هذا الأصل، ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] هذه واجبة الكسر أو حكيت بالقول، إذاً: هو مفعول به لكنه واجب الكسر، وحينئذٍ لا بد من استثنائه في هذا الموضع، نقول: أن تقع في محل مفعول به غير محكي بالقول، ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) [الأنعام:81] لاَ تَخَافُونَ إشراككم، حينئذٍ: أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ نقول: هذه واجبة الفتح، لماذا؟ لأن (تَخَافُونَ) يطلب مفعولاً به، وإذا طلب مفعولاً به حينئذٍ لا بد من أن يتسلط العامل على (إنَّ) فيجب فتحها؛ لأنها هي التي تؤول بمصدر، ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) أي: لا تخافون إشراككم. الموضع الرابع: أن تكون في موضع حرف جر؛ ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)) [لقمان:30] ذَلِكَ: هذا مبتدأ، أين خبره؟ ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)) هنا الشاهد ليس في كونه مبتدأً أو؟؟؟، الشاهد في دخول الباء على (أن)، الأصل بـ (إِنَّ)، لكن إذا سبق (إنَّ) بحرف الجر وجب فتحها وحينئذٍ صار مدخول (إنَّ) في محل جر، وهذا لا يناسبه إلا أن يكون مفرداً، فتعين أن يكون مفرداً، وإنما يكون ذلك بفتح همزة (أن) وإلا الأصل هو (إنَّ)، بإن. تقول: بإن، الباء حرف جر لا تدخل على الجملة؛ لأن (إنَّ) هذه جملة مستقلة. إن زيداً قائم الأصل هو زيد قائم، ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ)) نقول: الأصل: بـ (إن الله)، لكن الباء لا تدخل إلا على مفرد وهو اسم، وإن: جملة، حينئذٍ نقول: لا بد من أن نأتي في هذا الموضع بما يصح تأويله بمصدر، ولا يكون كذلك إلا بوجوب فتح همز (إنَّ) فصارت: أن. ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)). الخامس: أن تقع في موضع مبتدأ، وهذا المبتدأ مؤخر، ((فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)) [الصافات:143] أين المبتدأ؟ لولا ما سبق أنها من علامات الأسماء وأنه يقع بعدها المبتدأ. وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ ... حَتْمٌ إذاً: ((فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)) فَلَوْلا كونه مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. إذاً: كون نقول: هذا مبتدأ، تقع في موضع مبتدئ مؤخر.

((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ)) [فصلت:39] وَمِنْ آيَاتِهِ رؤيتك. ((وَمِنْ آيَاتِهِ)) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. ((أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ)) رؤيتك الأرض، صار في موضع مبتدئ. أن تقع في موضع خبر، وذلك بشرط: أن يكون المبتدأ غير قول، يعني: ليس قولاً، ليس شيئاً يلفظ، بل هو أشبه ما يكون بالعين اسم ذات. وبشرط ألا يكون خبر (أن) صادقاً على ذلك المبتدأ. بشرطين: ألا يكون المبتدأ قول، ثم أن يكون هذا المبتدأ لا يصدق عليه خبر (إنَّ)، لا يصدق عليه يعني: لا يكون فرداً من أفراد خبر (إنَّ)، فإن كان كذلك حينئذٍ انتقض الشرط. ظني أنك مقيم معنا، ظني: هذا ليس بقول وإنما هو عمل، الظن عمل بالقلب، ظني. إذاً: ليس بقول. أنك مقيم معنا اليوم: هذا ليس صادقاً؛ لأن الظن قائم بي أنا، ومقيم معنا هذا قائم بغير المتكلم بغير الظانّ، وحينئذٍ: ليس المبتدأ فرداً من أفراد خبر (أن) وحينئذٍ يجب فتح همزة (أن). أن تقع في موضع المضاف إليه وهو السابع؛ ((إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)) [الذاريات:23] التقدير: مثل نطقكم؛ لأن (مثل) هذه تلازم الإضافة، سيأتي معنا أنها من الملازمة للإضافة. الثامن: أن تكون معطوفة على شيء تعين فيه أن يكون (أن) بالفتح، ((اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ)) [البقرة:47] يعني: اذكروا نعمتي وتفضيلي إياكم، يعني: عطفت على مفرد، هذا المراد. التاسع: أن تقع في موضع البدل، يعني مبدلة من شيء سابق وهو مفرد، ((وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ)) [الأنفال:7] إِحْدَى: هذا مفعول به، وكونها لكم، نقول: أنها لكم، كونها لكم، هذا بدل اشتمال من إحدى. هذه المواضع التسع نقول: يجب فيها فتح همز (إنَّ) فتقول: (أن) فتؤول بمصدر، وعرفنا كيف نأتي بالمصدر، ننظر إلى خبر (أن) إن كان مشتقاً حينئذٍ جئنا بالمصدر مضافاً إلى اسم (أن)، وإذا كان جامداً حينئذٍ جئنا بالكون أو بالمصدر الصناعي والمشهور الكون. ظننت أن زيداً أسدٌ، ظننت كون زيد أسداً، فتأتي بالجامد تنصبه على أنه خبر للكون. أو ظننت أسدية زيد، هذا يسمى مصدراً صناعياً، مولد ليس قياسي. وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ: يعني واكسر في سوى ذاك، ذاك ما هو؟ الذي لا يحل المصدر محله، الذي لا يؤول بمصدر حينئذٍ وجب فيه الكسر على الأصل، أي: أدم الكسر؛ لأنه الأصل. إذا قيل: اكْسِرِ فهي مكسورة في الأصل، إذا جعلنا (إنَّ) هي الأصل و (أن) هي الفرع، حينئذٍ لا نقول: اكسرِ بمعنى جدد له الكسر، وإنما أدم الكسر، هذا المراد، هذا من باب: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)) [النساء:136] آمَنُوا يعني: المأمور به هنا المداومة. ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ)) [الأحزاب:1] اتَّقِ قالوا: الأمر الأصل فيه طلب ما لا حصول له، يعني الذي لم يحصل، هذا الأصل فيه، كيف نوجه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا)) [النساء:136] الحاصل لا يؤمر به.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) لازموا الإيمان، أو اثبتوا على الإيمان، أو دوموا على الإيمان، وحينئذٍ المداومة هي المأمور بها وهي شيء غير موجود. ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ)) [الأحزاب:1] هذا فعل أمر، كيف نقول هو تحصيل شيء لم يقع؟ نقول: والمراد به: دم على التقوى، وهذا معدوم، وحينئذٍ لا بأس بكونه مأموراً به. وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ: هي مكسورة في الأصل، نقول: أدم الكسر، فالمأمور به حينئذٍ يكون المداومة، والمواضع التي يجب فيها كسرة همزة (إنَّ) عد الناظم منها ستة في الجملة، وهي عشرة عند التفصيل. فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا، وقلنا: المراد بالابتداء هنا ابتداء جملتها إما حقيقة وإما حكماً، حقيقة أو حكماً، يعني: أن تقع (إنَّ) في أول الكلام، وليس المراد أول الكلام أول النطق لا، المراد أول الجملة، سواء كانت في أثناء الكلام أو في أول الكلام، يعني أول ما ينطق به إن، أول ما تكلم: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) [الكوثر:1] هذا لم يسبقه شيء، أو سبقه شيء ثم هذه (إنَّ) في أول جملة، نقول: هذا يجب فيها كسر الهمزة وهي في أول الكلام -في أول الكلام بحسبه-. إذاً نقول: أول الكلام المراد به ولو في الأثناء، وحينئذٍ المراد ابتداء الجملة التي هي فيها، وهذا ذكرنا أنه يدخل تحته ما سُبِق بـ (ألا) الاستفتاحية، ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ)) [يونس:62]. كذلك ما سبق بحيث: حيث إن زيداً جالس، لأنها في أول الجملة. وإذ كذلك في أول الجملة. وإذا اخبر عن اسم ذات: زيد إنه فاضل، نقول: هنا وجب الكسر؛ لأنه لا يخبر بالمصدر الذي هو اسم معنى عن العين، وحينئذٍ لا بد من كسر همزة (إنَّ). هذه أربعة مواضع. وَفِي بَدْءِ صِلَهْ: يعني في أول جملة الصلة سواء كانت موصولاً حرفياً أو اسمياً، مررت برجل إنه فاضل نقول: هذا جملة، مررت بالذي إنه فاضل، ((مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ)) [القصص:76] وجب كسر همزة (إنَّ). وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ هذا الموضع الثالث في الجملة: المراد أنها تقع مكملة لليمين، وذلك إذا وقعت جواب القسم. وقلنا: يدخل تحت هذه الصورة ثلاث صور: ما ذكر فعل القسم مع اللام، ما حذف فعل القسم مع اللام -يعني دخول اللام على خبر (إنَّ) -، ما حذف فعل القسم مع عدم اللام. إذاً: الصور ثلاثة، لو نظرنا إلى القسم مع اللام الصور أربع من حيث هي. إذا دخلت اللام على خبر (إنَّ) وجود اللام نقول: وجب كسر همزة (إنَّ) بقطع النظر عن كون الفعل ملفوظاً به أو محذوفاً، إذا العبرة بماذا؟ وجود اللام. قد لا توجد اللام ثم قد يوجد الفعل أو يحذف، إن حذف الفعل كذلك وجب كسر همزة (إنَّ)، إن ذكر الفعل مع عدم دخول اللام هذه يجوز فيها الوجهان بالإجماع كما سيأتي. إذاً الصور ثلاثة، النظر فيها إذا أردت حفظها تنظر إلى اللام، إن دخلت اللام على خبر (إنَّ) وجب الكسر سواء ذكر الفعل أم حذف، إن حذفت اللام -لم تدخل في خبر (إنَّ) - حينئذٍ إما أن يذكر الفعل أو يحذف، إن حذف الفعل وجب الكسر على مذهب البصريين وخطئوا الكوفيين في ذلك -جواز الفتح-، وإذا ذكر الفعل مع عدم اللام جاز فيه الوجهان كما سيأتي.

((وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)) [التوبة:56] نقول: (إنَّ) هنا واجبة الكسر، لماذا؟ لأن اللام دخلت وذكر الفعل. ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)) [العصر:2،1] ((إِنَّ الإِنسَانَ)) يجب كسر همزة (إنَّ)، لماذا؟ لأن اللام دخلت في خبر (إنَّ)، لم يذكر الفعل هنا ((وَالْعَصْرِ)) هذا نائب وليس فعلاً، وحينئذٍ وجب الكسر بالإجماع -إجماع الكوفيين والبصريين- في هاتين الحالتين. بقي حالة واحدة وهي فيما إذا حذف الفعل واللام، حينئذٍ وجب الكسر على الصحيح، ((حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3))) [الدخان:1، 2،3] إِنَّا أَنزَلْنَاهُ نقول: واجبة الكسر؛ لأنها مكملة لليمين، يعني: جواب القسم. أين القسم؟ الفعل محذوف. أين اللام؟ لم توجد عندنا لام، هذه الثلاث الصور نقول: واجبة الكسر وهي داخلة في قوله: وَحَيْثُ إِنَّ هذا مبتدأ مُكْمِلَةٌ لِيَمِينٍ، يعني: واقعة جواب القسم. قال ابن هشام: ولو أضمر الفعل أو ذكرت اللام تعين الكسر إجماعاً. ضبط لنا الثلاث صور في هذه الكلمات. لو أُضمر الفعل أو ذكرت اللام وجب الكسر إجماعاً. أُضمر الفعل -هذا لا إشكال فيه- أو ذكرت اللام تعين الكسر، أضمر الفعل وذكرت اللام أو حذفت؟ حذفت، أضمر الفعل أو ذكرت اللام حينئذٍ تعين الكسر إجماعاً، لو أضمر الفعل يعني لم يذكر حذف أو ذكرت اللام تعين الكسر إجماعاً، بقي حالة واحدة هي التي ستأتي في موضعها. أو حكيت بالقول: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] كل (إنَّ) بعد قول ومادته -قول وما تصرف منه- حينئذٍ نقول: واجب الكسر وهو مفعول به ومستثنى من: ((وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ)) [الأنعام:81] هناك مفعول به ليس للقول وهنا مفعول به للقول. أوْ حَلَّتْ مَحَلّ حَالٍ: سواء كانت بعد الواو أو لا، حينئذٍ يجب كسر همزة (إنَّ) لأننا لو فتحناها لكان مصدراً، والمصدر لا يقع حالاً قياساً، وإنما هو سماعي ولا يقاس عليه مع كثرته. كَزُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ: يعني: والحال إني ذو أمل، ولكن لا تؤول هنا بمصدر وإنما هو جملة في محل نصب. وَكَسَرُوا -أيضاً- مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ علِّقَا بِاللاَّمِ: وهذا سيأتي في باب ظن وأخواتها، باب التعليق. إذا علقت باللام على جهة الخصوص حينئذٍ حكمنا على (إنَّ) بالكسر، لماذا؟ لأنك تقول: كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى، ((وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ)) [المنافقون:1] التعليق يكون العمل في المحل لا في اللفظ، وحينئذٍ تكون اللام من المعلقات، وسيأتي هذا في محله. هذه ست مواضع على جهة الإجمال، وعشرة على جهة التفصيل؛ لأن قوله: فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا هذا يدخل تحته كم؟ قلنا: إما حقيقة: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ)) [الفتح:1]، وإما أن يسبقها –الجملة- (ألا) الاستفتاحية: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ)) [يونس:62]، والواقعة بعد حيث، والواقعة خبراً عن اسم الذات، نحو: زيد إنه قائم، والواقعة بعد (إذا)، وهذه بعضهم لا يذكرها الواقعة بعد (إذا). بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ أَوْ قَسَمِ ... لاَ لاَمَ بَعْدَهُ بِوَجْهَيْنِ نُمِي

هذا هو الحال الثالثة وهي ما جاز فيه الوجهان، يعني: يجوز فيه الكسر -كسر همزة (إنَّ) - وفتح همزة (إنَّ) لكن لا في محل واحد باعتبار واحد، لأنهما متناقضان هذا جملة وهذا مفرد، لكن باعتبار معنىً يجوز كسر همزة (إنَّ) وباعتبار معنىً آخر .. ، فليس المراد أنه معنىً واحد ويجوز فيه الكسر والفتح لا، ليس هذا مرادهم، وإنما مرادهم: يجوز أن يحُل المفرد محل (إنَّ)، ويجوز أن يكون جملة، فباعتبار كونه جملة المعنى يختلف عن كونه مفرداً، إذاً: ليس المراد هنا كون هذه الحالة يجوز فيها الوجهان أنه في معنىً واحد وفي جملة واحدة باعتبار واحد لا، وإنما باعتبارين مختلفين، إن نظرت إلى جهة جاز لك الفتح، وإن نظرت إلى جهة أخرى باعتبار آخر جاز لك الكسر، والمراد: أنه لا يتعين واحد من النوعين، فيرجح الكسر مع جواز الفتح، ويرجح الفتح مع جواز الكسر، ولا يلزم أحد بأحد الطريقين. بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ أَوْ قَسَمِ ... لاَ لاَمَ بَعْدَهُ بِوَجْهَيْنِ نُمِي بِوَجْهَيْنِ نُمِي: بَعْدَ هذا منصوب على الظرفية متعلق بقوله: نُمِي. نُمِي: هذا مغير الصيغة، يعني: نسب، والضمير هنا يعود إلى الهمز -هو الهمز الذي نسب- نسب أي: همز (إنَّ) بقطع النظر عن كونه مفتوحاً أو مكسوراً، نسب ماذا؟ بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ، نسب وجهين، ما هما الوجهان؟ الفتح والكسر، نظراً لموجب كل منهما لصلاحية المقام لها على سبيل البدل لا على سبيل الاجتماع معاً، بل على سبيل البدل، إن جاز ورجحنا الفتح امتنع الكسر في نفس الوقت، وإن رجحنا الفتح حينئذٍ امتنع الكسر، فلا يجتمعان في موضع واحد باعتبار واحد لا، وإنما الجهة منفكة. نظراً لموجب كل منهما لصلاحية المقام لها على سبيل البدل، فموجب الكسر مع (إذا) مثلاً -مع (إذا) الفجائية- اعتبار (إنَّ) ومعموليها جملة، -اعتبرناها جملة- بلا احتياج إلى تقدير خبر، ومع فعل القسم اعتبار ذلك جعله جواب القسم، وموجب الفتح مع (إذا) الفجائية اعتبار ذلك مفرداً، فرق. موجب الكسر مع (إذا) الفجائية كونها جملة، وموجب الفتح يعني الذي يقتضي الفتح كونه مفرداً، وفرق بين الجملة والمفرد، إذاً: لا يجتمعان في موضع واحد، وإنما نقول: يجوز الفتح والكسر بعد (إذا) الفجائية على سبيل البدل، يعني لا على سبيل الاجتماع معاً في وقت واحد. وموجب الفتح مع (إذا) اعتبار ذلك مفرداً مبتدأً مع تقدير الخبر ومع فعل القسم اعتبار تقدير الخافض، وسيأتي هذا. بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ: إذاً إذا وقعت (إنَّ) بعد إذا فُجَاءَةٍ يقصد بها الفجائية التي يدل على أن ما بعدها وقع بغتة؛ حضرت فإذا الأسد، يعني: باغتني الأسد، هذه (إذا) تسمى إِذَا الفجائية، يعني ما بعدها وقع فجأة. فإذا وقعت (إنَّ) بعد (إذا) الفجائية جاز فيها الوجهان: الكسر على اعتبار، والفتح على اعتبار آخر. خرجت فإذا إن زيداً قائم، خرجت فإذا يعني: بعد خروجي تفاجأت، بماذا؟ إن زيداً قائم، يجوز الكسر على ماذا؟ على اعتبار أن (إنَّ) جملة مستقلة، يعني كأنه قال: خرجت فإذا زيد قائم، فيه إشكال؟ ليس فيه إشكال، وإنما أدخل (إنَّ) على زيد قائم من باب؟ - (إن وأن) للتوكيد- من باب التوكيد فقط، ليس فيه شيء جديد.

خرجت فإذا إن زيداً قائم، نقول: إذا كسرنا جعلنا ما بعد (إذا) الفجائية جملة، ما معنى جملة، بمعنى أنها جملة مستأنفة مركبة من مبتدئ وخبر. خرجت فإذا زيد قائم، لماذا جئنا بـ (إنَّ)؟ من باب التأكيد، يعني تقوية النسبة -نسبة الخبر إلى الاسم-، والتقدير: خرجت فإذا زيد قائم. إذاً لا إشكال في من كسرها. ومن فتحها: خرجت فإذا أن زيداً قائم، و (أن) هذه قلنا: في قوة المصدر، كأنه قال: خرجت فإذا قيام زيد، إذاً ليس بجملة وإنما هو مفرد، وحينئذٍ كيف نفعل؟ فنقول: قيام زيد هذا ينظر إليه باعتبار (إذا) الفجائية، هل هي اسم أم حرف؟ فيه خلاف بين النحاة، والصحيح أنها حرف، وإذا كانت حرفاً حينئذٍ لا يصلح أن يكون خبراً عن قيام زيد، يصلح أو لا يصلح؟ هل يصح أن نقول: خرجت فإذا قيام زيد؛ قيام: مبتدأ، وإذا: خبر مقدم؟ لا يصح، لماذا؟ لأن (إذا) الفجائية حرف. إذاً: ماذا نصنع؟ إما أن نجعل قيام زيد مبتدأ لخبر محذوف، أو نجعله خبراً لمبتدئ محذوف، قدر هذا أو ذاك، إما أن تجعله خبراً لمبتدئ محذوف، وإما أن يكون مبتدأً لخبر محذوف، وعلى القول بأن (إذا) اسم فحينئذٍ صارت ظرفاً، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يصلح أن يكون مبتدأً، بل يتعين أن يكون خبراً مقدماً، وقيام زيد: مبتدأً مؤخراً، على الوجهين. فيصير حينئذٍ: أن زيداً قائم في قوة المفرد وهو قيام زيد، إن جعلت (إذا) ظرفية فهو مبتدأ خبره ما قبله، فإذا قيام زيد أي: ففي الحضرة قيام زيد، ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً: خرجت فإذا قيام زيد موجود، فجعلت القيام مبتدأ والخبر محذوف. ولو قلت: فإذا الشأن والأمر قيام زيد جعلت القيام خبراً لمبتدئٍ محذوف، يجوز فيه الوجهان. والصحيح أن يقال بأنه لا يجعل (إذا) خبراً مقدماً؛ لأنها حرف والحرف لا يسند إليه ولا يكون مسنداً، وإنما قيام زيد إما أن يكون خبراً لمبتدئٍ محذوف، أو مبتدأً لخبر محذوف، إما أن يكون خبراً لمبتدئٍ محذوف، أو يكون مبتدأً والخبر حينئذٍ يكون محذوف، ولذلك قال ابن عقيل هنا: يجوز فتح (إنَّ) وكسرها إذا وقعت بعد (إذا) الفجائية، لكنه لم يرشد إلى أن الخلاف مبني على (إذا) من حيث الحرفية والاسمية، تنبه لهذا. خرجت فإذا إن زيداً قائم؛ عرفنا إذا كسرها أنها جملة ولا إشكال فيها، ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدراً، قطعاً هذا؛ لأنه مؤولة بمصدر ولا إشكال، وهو مبتدأ خبره (إذا) الفجائية، هذا بناءً على ماذا؟ على أنها اسم ظرف زمان أو مكان، قيد على الشرح. والتقدير: فإذا قيام زيد، أي: ففي الحضرة قيام زيد، وهذا التقدير مرجوح؛ لأنه مبني على أن (إذا) اسم وليست بحرف، مبني على أن (إذا) اسم. فإذا قيام زيد؛ إذا: خبر، وقيام زيد: مبتدأ مؤخر، ونقول: هذا ضعيف. ويجوز أن يكون الخبر محذوفاً، والتقدير: خرجت فإذا قيام زيد موجود، وهذا أرجح، لماذا؟ لأننا جعلنا (إذا) حرفاً، ويجوز أن يكون العكس: فإذا الشأن والحال قيام زيد، فقيام: هذا خبر لمبتدأ محذوف. ومما جاء بالوجهين قول الشاعر: وكُنْتُ أرى زَيْداً كَما قِيلَ سَيِّداً ... إِذَا أَنَّهُ عَبْدُ القَفَا واللِّهازمِ

إِذَا أَنَّه إذا إنه، إذا إنه هذا لا إشكال فيه –بالكسر- فجعلها جملة مستأنفة، إِذَا هو عَبْدُ القَفَا واللِّهازمِ لا إشكال فيه، وعند الفتح حينئذٍ نقول: في المصدر الوجهان المذكوران، إما أن يكون مبتدأً خبره محذوف أو بالعكس، ولا نجعل (إذا) أنها خبر مقدم وما بعده المصدر مبتدأ مؤخر؛ لأن هذا مبني على قول مرجوح. والتقدير على الأول: فإذا عبوديته، أي: ففي الحضرة عبوديته، عبوديته: هذا مبتدأ مؤخر، وإذا: خبر مقدم. هذا على القول الآخر. وعلى الثاني: فإذا عبوديته موجودة، عبوديته صار مبتدأً خبره محذوف وهو موجودة، وإذا عكست قلت: فإذا الشأن والحال عبوديته جعلت عبودية خبراً لمبتدئٍ محذوف. إذاً: تفتح همزة (إنَّ) وتكسر بعد (إذا) الفجائية، إذا كسرناها جعلناها جملة مستأنفة ولا إشكال، وإذا فتحناها حينئذٍ تؤول بمصدر يكون خبراً لمبتدئٍ محذوف أو مبتدأً لخبر محذوف، إما أن يكون مبتدأً لخبر محذوف، أو يكون خبراً والمبتدأ محذوفاً، وأما جعل (إذا) خبراً مقدماً نقول: هذا فيه ضعف. هذا هو الموضع الأول. بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ إِذَا: تدل على الفجائية، هذا من إضافة الدال إلى المدلول. بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ أوْ: للتنويع والتقسيم. أوْ قَسَمِ ... لاَ لاَمَ بَعْدَهُ: يعني يجوز فتح (إنَّ) وكسرها إذا وقعت جواب قسم، ظاهر كلام الناظم هنا -لو جعلناه على ظاهره- قال: لاَلاَمَ بَعْدَهُ أو قسم. لاَ لاَمَ بَعْدَهُ: قلنا: هذا يحتمل وجهين: إما مع ذكر الفعل أن يكون ملفوظاً به، وإما أن يكون محذوفاً، ظاهر كلام الناظم العموم يشمل النوعين، لكن لا بد من تقييده ليصير موافقاً لما ذكرناه من الصور الأربعة: وهو أنه يعني صورة واحدة، وهي إذا ذكر -تلفظ بالفعل- وعدمت اللام، هذه الحالة بالإجماع يجوز فيها الوجهان، إذا لفظ بالفعل -نطق به تلفظ به وجد ذكر-، واللام محذوفة، لا لام بعده، فحينئذٍ بالإجماع يجوز فيه الوجهان: فتح همزة (إنَّ) وكسرها. أوْ قَسَمِ: إذاً أو بعد فعل قسم ظاهر من أجل أن يوافق، ولا نعمم، لو قلنا: بعد قسم هذا عام يشمل القسم المذكور والقسم المحذوف. ولك أن تقول: قسم هذا نكرة، والنكرة في سياق الإثبات لا يعم، وحينئذٍ نحتاج إلى مقيد خارج، فنقول: قَسَمِ ظاهر كأنه وصف بصفة محذوفة للعلم به؛ لأنه مجمع عليه فحينئذٍ حذف النعت، وسيأتي المعنى أن النعت إذا علم جاز حذفه. أوْ قَسَمِ: يعني: أو بعد فعل قسم ظاهر لاَ لاَمَ بَعْدَهُ. لاَ: هذه نافية للجنس. ولاَمَ: اسمها. وبَعْدَهُ: هذا خبرها. إذاً لو قيل: حلفت أن زيداً قائم -بالفتح والكسر- هكذا قال ابن عقيل، مثَّل لما أراده الناظم على ظاهره، بمعنى: أنه يشمل أو قَسَمِ الفعل الملفوظ والفعل المحذوف، وسبق أن ثَمَّ خلافاً سابق وهو: أنه إذا حذف الفعل ولم تذكر اللام قلنا: مذهب الكوفيين الفتح، ومذهب البصريين وجوب الكسر، وحكوا الإجماع عليه، وخطأهم السيوطي في جمع الجوامع قال: غلط، خطأ. لو اعتبرنا الخلاف سار عليه ابن عقيل على عدم التخطئة، وإذا قلنا بالتخطئة حينئذٍ: أو قَسَمِ لا بد من التقييد بأنه ظاهر لنخرج الحال التي قلنا أخطأ فيها الكوفيون.

قال ابن عقيل: يجوز فتح (إنَّ) وكسرها إذا وقعت جواب قسم، وليس في خبرها اللام، نحو: حلفت أن زيداً قائم، حلفت ذُكر الفعل هنا، أو قسم ظاهر، أن زيداً قائم، إن زيداً قائم، يجوز فيه الوجهان، على الكسر نقول: جعلنا الجملة جواب القسم، لأن الحلف يحتاج إلى جواب القسم، ما هي جملة جواب القسم؟ إذا كسرنا: إن زيداً قائم هي جملة الجواب، وإذا فتحنا حينئذٍ صار مفرداً، وإذا صار مفرداً لا يصلح أن يكون جواباً للقسم، وحينئذٍ يقال فيه: أنه منصوب بنزع الخافض، يعني على تقدير حرف الجر، وجملة القسم قد دل عليه المذكور. قال: وقد روي بالفتح والكسر، الكسر على (أن) اسمها، وخبرها جواب القسم، والفتح على أساس أن المصدر على نزع الخافض؛ أقسم بالله على أن زيداً قائم، ويكون مغنياً عن جواب القسم، هذه الجملة تكون مغنية عن جواب القسم لأن جواب القسم كالخبر، إذا دل عليه شيء ملفوظ به موجود حينئذٍ يستغنى به عنه، يجوز حذفه، إذا علم جاز حذفه. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ ومنه جواب القسم. وروي بالفتح والكسر قوله: أَوْ تَحْلِفِى بِرَبِّكِ الْعَلِّىِ ... أَنِّي أَبو ذَيَّالِكِ الصَّبِي أَوْ تَحْلِفِى: هنا لُفِظ بالفعل. أَنِّي: وقعت (أن) بعد فعل القسم وهو ملفوظ به، يجوز فيه الوجهان، روي بالوجهين: أني وإني. (إني) على أنه جواب القسم، أليس، وبالفتح على أنه مصدر مجرور بحرف الجر. أَوْ تَحْلِفِى على أني كذا، يعني: على أني أبو ذيالك الصبي؛ على كوني أبي ذيالك الصبي، فحينئذٍ نقول: كوني هذا اسم مجرور بـ على، وهذا بعضهم لا يرتضيه؛ لأن (على) حرف جر ويكون ما بعده مجرور، والأصل في حرف الجر أنه لا يعمل محذوفاً، وحينئذٍ يجعله مفعولاً به منصوباً بلا واسطة، بلا واسطة حرف الجر. فيه وجهان. على كوني كذا، وحينئذٍ صار مجروراً بحرف الجر محذوفاً، وإذا قلنا: حرف الجر ضعيف فلا يعمل محذوفاً حينئذٍ جعلناه مفعولاً به بدون واسطة. أَوْ تَحْلِفي بِرَبِّكِ العَلِيِّ ... أَنِّي: يروى بالكسر على جعلها جواباً للقسم، وبالفتح على جعلها مفعولاً لا بواسطة نزع الخافض، أي: على أني، هذا قول. وبعضهم يرى أنها على نزع الخافض، يعني: حرف جر محذوف، وهذا فيه كلام. قال ابن عقيل: ومقتضى كلام المصنف: أنه يجوز فتح (إنَّ) وكسرها بعد القسم إذا لم يكن في خبرها اللام. وهذا ظاهر عبارته، سواء كانت الجملة المقسم بها فعلية والفعل فيها ملفوظ به نحو: حلفت إن زيداً قائم أو غير ملفوظ، هذا عام، لكن قلنا غير ملفوظ هذه يجب كسر همزة (إنَّ) فيها وحكي الإجماع عليها، وحينئذٍ لا بد من تقييد كلام الناظم بما ذكرناه سابقاً. بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ: الموضع الثاني: أو بعد فعل قسم ظاهر. لاَ لاَمَ بَعْدَهُ بِوَجْهَيْنِ نُمِي: جاز فيه الوجهان الفتح والكسر. مَعْ تِلْوِفَا الْجَزَا: ومَعْ: معطوف على بعد، بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةٍ.

ومَعْ تِلْوِفَا الْجَزَا: (فَا الْجَزَا) كلاهما مقصوران للضرورة، مع تلو فاء الجزاء، بمعنى: أنه إذا وقعت (إنَّ) بعد فاء الجزاء جاز فيها الوجهان، وهل هو كل فاء جزاء ولو كانت في جواب اسم شرط أو حرف شرط؟ الجواب: لا، ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بما كان الشرط اسماً، وأما إذا كان حرفاً فلا، يتعين فيه الكسر. جواز الوجهين بعد فاء الجزاء مقيد بما إذا كان الشرط بالاسم، وأما إذا كان بالحرف فليس إلا الكسر، نحو: ((وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [التغابن:14]. فَإِنَّ: نقول: وقعت بعد فاء الجزاء، هل يجوز فيه الوجهان؟ لا؛ لأنها وقعت بعد شرط وهو حرف (إنَّ)، وأما إذا وقعت بعد اسم شرط حينئذٍ يجوز فيها الوجهان، نحو: من يأتني فإنه مكرم، من يأتني، من: اسم شرط، يأتني: فعلها، فإنه مكرم: وقعت (إنَّ) بعد فاء الجزاء، وحينئذٍ نقول: يجوز فيه وجهان؛ على الكسر -إذا كسرنا- جعلناه جملة؛ فإنه مكرم، إذاً جعلنا جملة الجواب جملة ولا إشكال فيه واضح بين، كأنه قال: فهو مكرم، وأكدنا الخبر من أجل تقوية النسبة -للتأكيد-، وإذا فتحنا: من يأتني فأنه مكرم؛ إذاً صار مفرداً، وإذا صار مفرداً حينئذٍ لا يصح أن يقع جملة جواب الشرط، لا يصلح أن يقع جواب الشرط، كأنه قال: من يأتني فالإكرام، فالإكرام: هذا مفرد، ولا يصح أن يقع جواباً للشرط. إذاً: لا بد من خبر محذوف، ويجعل الملفوظ مبتدأ، أو بالعكس نجعل الموجود مبتدأ والخبر محذوف، أو بالعكس. إذاً: من يأتني فإنه مكرم، من يأتني فإكرامه موجود، جعلناه مبتدأً حذف خبره. من يأتني فجزاؤه الإكرام، جعلناه خبر مبتدئٍ محذوف، إذاً: يجوز الوجهان فيما إذا وقعت (إنَّ) بعد فالجزاء بشرط: أن يكون اسم الشرط هو الذي وقعت الجملة في جوابه. فيجوز الكسر على جعلها جواب الشرط، ويجوز الفتح .. ثم تؤول بمصدر، فإما أن يكون المصدر خبراً لمبتدئٍ محذوف، وإما أن يكون مبتدأً خبره محذوف كما ذكره في الحاشية. منه: ((كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [الأنعام:54] فَإِنََّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قرئ بالوجهين. فَإِنََّهُ بالكسر، يعني: فهو غفور رحيم، لا إشكال فيه، وإنما جيء بـ (إنَّ) من أجل التأكيد، وعلى الفتح: فأنه غفور رحيم، فأنه فالغفران كائن له، أو فجزاؤه الغفران، فإما أن يكون خبر مبتدئٍ محذوف، أو يكون مبتدأً لخبر محذوف. فالكسر على جعلها جملةً جواباً لـ (من)، والفتح على جعل (أن) وصلتها مصدراً مبتدأً خبره محذوف: فالغفران جزاؤه، أو على جعلها خبراً لمبتدئٍ محذوف والتقدير: فجزاؤه الغفران، هذا التقدير أجود. مَعْ تِلْوِفَا الْجَزَا وَذَا يَطَّرِدُ ... فِي نَحْوِ خَيْرُ الْقَوْلِ إِنِّي أَحْمَدُ هذا الموضع الرابع الذي يجوز فيه الوجهان. وَذَا: المشار إليه الحكم وهو جواز الوجهين: الفتح والكسر. وَذَا يَطَّرِدُ: مطرد، يعني يوجد كلما وجد المذكور، الشروط المذكورة. وَذَا يَطَّرِدُ: يعني الوجهان، جواز الوجهين.

فِي نَحْوِ خَيْرُ الْقَوْلِ إِنِّي أَحْمَدُ: خَيْرُ الْقَوْلِ إِنِّي أَحْمَدُ، هذه ضبطوها بماذا؟ قالوا: كل موضع وقعت (إنَّ) فيه خبر قول وكان خبرها قولاً والقائل هو واحد. (إنَّ) وقعت خبر قول، والمراد بالقول ليس لفظ القول وإنما الكلام وما يكون من مادتها، قول، لفظ، كلام، جملة، نحو ذلك، ليس المراد مادة القول وإنما المراد به ما يدل على الكلام. وخبر (إنَّ) كذلك قول، والقائل واحد، ثلاثة شروط: مبتدأ، قول، خبر (إنَّ) قول، والناطق المتكلم واحد حينئذٍ يجوز الوجهان. خبر قول: أي ما بمعنى القول، سواء كان من مادة القول أو الكلام أو أحدهما، نحو، خير القول إني أحمد الله. خَيْرُ الْقَوْلِ: خَيْرُ: هذا أفعل التفضيل، الْقَوْلِ: مضاف إليه، خَيْرُ مبتدأ، والقول: مضاف إليه، ونحن نقول: يشترط في أن يكون المبتدأ قولاً. وأفعل التفضيل بعض المضاف إليه، بعض المضاف إليه بمعنى: أن القول هو الذي يكون خير، فحينئذٍ اكتسبت المادة من جهة المعنى بإضافتها إلى القول، وإلا فالأصل أن خير هذا مباين للقول، لأنه أعم يشمل القول وغيره، وحينئذٍ نقول: أفعل التفضيل إذا أضيفت إلى شيء فهي بعضه، إن أضيفت إلى معنى فهي معنى، إن أضيفت إلى جثة فهي جثة، إن أضيفت إلى عمل فهي عمل، إن أضيفت إلى قول فهي قول، هذا المراد هنا. إذاً: خَيْرُ الْقَوْلِ نقول: اسم التفضيل إذا أضيف، فاسم التفضيل بعض ما يضاف إليه. خَيْرُ الْقَوْلِ: إذاً المبتدأ قول. إني أحمد الله. إِنِّي: (إنَّ) واسمها. أَحْمَدُ الله: هذا قول يقع باللسان، إذاً: وجد فيه الشرطان. خَيْرُ الْقَوْلِ -قولي أنا-: إني أحمد الله، حينئذٍ نقول: الفاعل واحد: إني أنا أحمد الله، وحينئذٍ نقول: بهذه الشروط الثلاثة يجوز فيه الوجهان في (إنَّ)، إني أحمد الله وأني أحمد الله. إذا قلت: إني أحمد الله على الجملة لا إشكال فيه، جعلتها خبراً عن القول؛ خير القول إني أحمد الله، فكأنك أكدت الجملة وهي مؤلفة من مبتدئٍ وخبر بـ (إنَّ) والجملة تكون استئنافية. ومن فتح جعل (أنَّ) وصلتها مصدراً خبراً عن خير، والتقدير: خير القول حمد الله، فحمد الله هذا وقع خبراً عن المبتدئٍ؛ لأنه في قوة المصدر خير القول أني أحمد الله، مثل لو قال: زيد أني فاضل على قول من جوزه، والجمهور على المنع زيد أني فاضل أو أنه فاضل، فـ (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر عن المبتدئٍ، هذا مثله، وحينئذٍ نقول: خير القول أني أحمد الله، خير القول حمد الله، فجعله خبراً للمبتدئٍ المذكور. والتقدير: خير القول حمد الله. فخير: مبتدأ، وحمد الله: خبر. ومن كسرها جعلها جملة خبراً عن خير، كما تقول: أول قراءة (سبح اسم ربك الأعلى)، وحينئذٍ يكون الإخبار بالجملة لقصد الحكاية، كأنك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز، أي: هذا اللفظ وهذا صار مثلها، خير القول إني أحمد الله، فكأنه قال: هذا اللفظ هو خير القول، فأول: مبتدأ، وسبح اسم ربك الأعلى: جملة خبر عن أول، وكذلك خير القول: مبتدأ، وإني أحمد الله: خبر.

إذاً: بهذه الشروط الثلاثة نقول: يجوز فيها الوجهان: إما الكسر وإما الفتح، إن جعلناها مكسورة فهي جملة خبر عن المبتدئٍ، وإن فتحناها حينئذٍ صار الإخبار بالمفرد عن الجملة. إذا انتفى القول الأول حينئذٍ انتفى الشرط، لو قال: عملي إني أو أني، ولم يقل: خير القول أو قولي. إذا انتفى القول الأول فالفتح متعين: عملي أني أحمد الله، هذا متعين، عملي أني أحمد الله، لا يجوز فيه الوجهان، لماذا؟ لانتفاء الشرط الأول وهو كون المبتدئ قولاً مع كون الشرط الثاني متوفر، أو القول الثاني أو لم يتحد القائل فالكسر، تعين الكسر، نحو قولي إني مؤمن، هكذا مثَّل النحاة وفي النفس منه شيء. قولي إني مؤمن، هنا قالوا: انتفى القول من الثاني، إني مؤمن ليس فيه قول، وحينئذٍ وجب فيه كسر همزة (إنَّ). وقولي إن زيداً يحمد الله، القائل واحد؟ ليس بواحد، إذاً انتفى الشرط الثالث. عملي أني أحمد الله؛ يتعين النصب ولا يجوز الكسر، مع تخلف الشرط الأول وهو كون المبتدأ قولاً. إذا تخلف الشرط الثاني كون الخبر (إنَّ) قولاً تعين كسر: قولي إني مؤمن، -الإيمان مشتمل على القول، لكن كمثال-. الثالث: إذا انتفيا: قولي إن زيداً يحمد الله، حينئذٍ نقول: يجب فيه الكسر. وَذَا يَطَّرِدُ: يعني ذا الحكم وهو جواز الوجهين في نحو: خير القول إني أحمد الله تعالى، إني أحمد. هذه أربعة مواضع يجوز فيها فتح همزة (إنَّ) وكسرها، إذا كسرت فهي جملة ولا إشكال فيها -المعنى واضح- كأن الجملة مركبة من مبتدئٍ وخبر وجئت بـ (إنَّ) مؤكدة فحسب، إذا فتحت حينئذٍ صار مفرداً فلا بد من تقديم خبر من أجل تصحيح التركيب، إما أن يكون -إذا صح الإخبار به- جعله خبراً لمبتدئ مذكور مثل: خير القول؛ لا إشكال فيه. وأما إذا اشترط أن يكون جملة حينئذٍ لا بد من تقدير خبر أو مبتدأ، إما أن تجعل هذا المصدر خبراً، وإما أن تجعله مبتدأً، والأمر واضح. الموضع الخامس: أن تقع في موضع التعليل، أن تقع (إنَّ) في موضع التعليل، فيجوز فيها الوجهان، لماذا؟ لأن التعليل قد يكون بالمفرد، تعليل الشيء إذا عللته قد يكون بالمفرد، قمت إجلالاً، إجلالاً هذا مفعول لأجله، إذاً وقع التعليل بالمفرد. وقد يقع التعليل بالجملة، وهذا كثير جداً في خواتيم الآيات. ((إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)) [الطور:28]، ((إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) [القصص:16] لأنه الغفور الرحيم، لأنه البر الرحيم، وحينئذٍ نقول هنا: التعليل وقع بالجملة.

((إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)) [الطور:28] (إِنَّه) قرأ نافع والكسائي بالفتح: أنه غفور رحيم، أنه هو البر الرحيم، على تقدير لام العلة: لكونه براً رحيماً، ((إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)) [الطور:28] قرأ نافع والكسائي بالفتح على تقدير لام العلة: لأنه هو البر الرحيم، فنقدر المصدر ماذا؟ لكونه براً رحيماً، والباقون بالكسر: إنه هو البر الرحيم على أنه تعليل مستأنف، ومثله: ((وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)) [التوبة:103] ولذلك عند الأصوليين قاعدة: أن (إنَّ) بعد الأمر والنهي والخبر للتعليل، من مسالك العلة: (إنَّ) بعد الخبر والنهي والأمر تفيد التعليل. ((وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)) [التوبة:103] وَصَلِّ: هذا أمر، لأن صلاتك، فهذه الجملة جملة تعليل. السادس: أن تقع بعد واو مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه، أن تقع بعد واو وهذه الواو مسبوقة بمفرد يصلح أن يعطف عليه، مثاله قوله: ((إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى)) [طه:118] * ((وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى)) [طه:119] وَأَنَّكَ: سبقت بواو يجوز عطفها على المفرد السابق، فيجوز فيها الوجهان، قرأ نافع وأبو بكر بالكسر إما على الاستئناف، أو بالعطف على جملة (إنَّ) الأولى بالكسر، والباقون بالفتح على: ((أَلَّا تَجُوعَ)) (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر ألا تجوع، و (لا) هذه لا تفصل بين (أن) وتجوع، يعني: لا تمنع من سبك المصدر بما بعده، أَلَّا تَجُوعَ، يعني: جوعك، فحينئذٍ نقول: هذه (لا) لا تمنع سبك (أن) مع ما بعدها، فهو في قوة المصدر، فكأنك عطفت على هذا المفرد. السابعة: أن تقع بعد (حتى)، وحتى لها اعتبارات، بعد حتى، ويختص الكسر بالابتدائية، إذا جاءت (حتى) للابتدائية حينئذٍ تعين الكسر بعدها، نحو: مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه، حتى: هذه ابتدائية، والفتح بالجارة والعاطفة: عرفت أمورك حتى أنك فاضل، حتى أنك بالعطف، إذا قدرنا (حتى) عاطفة فحينئذٍ يفتح ما بعدها وجوباً، وإذا قدرناها جارة فتح ما بعدها؛ لأنها لا تدخل إلا على المفرد، (حتى) من خواص الاسم، يعني مثل باء الجر وحينئذٍ تجر ما بعدها، ولا يكون ما بعدها جملة، بل لا بد أن يكون مفرداً. ثامناً: أن تقع بعد (أما)، نحو: أما إنك فاضل، فالكسر على أنها حرف استفتاح مثل (ألا)، والفتح على أنها بمعنى: أحقاً، أما، بمعنى: أحقاً. التاسع: أن تقع بعد (لا جرم)، ((لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ)) [النحل:23] وهذا الغالب فيها الفتح، وجرم هذه عند سيبويه فعل ماض، و (أن) وصلتها فاعل، و (لا) صلة. جرم: فعل ماض، و (لا) صلة يعني زائدة، مثل: لا أقسم، (لا) هنا زائدة جيء بها للتأكيد، ومثلها: لا جرم. وعند الفراء أن (لا جرم) بمنزلة: لا رجل، ومن مقدرة من بيان الجنس، ومعناها: لا بد ومن مقدرة بعدهما، والكسر تنزيلاً لها منزلة اليمين: لا جرم ليأتيني زيد، أو لأن يأتيني زيد، لا جرم ليأتيني زيد وحينئذٍ قدرت بكونها قسماً.

إذاً: في هذه المواضع التسع نقول: يجوز فيها الوجهان -في (أن) -؛ إما الفتح وإما الكسر. ثم قال رحمه الله تعالى: وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ ... لاَمُ ابْتِدَاءِ نَحْوُ إِنِّي لَوَزَرْ هذا شروع في أحكام لام الابتداء، لام الابتداء هذه مما لها صدارة الكلام، يعني تقع في أول الكلام، هذا الأصل، ثم هي من المؤكدات عند البيانيين، يعني يؤتى بها لتأكيد الكلام مثل (إن وأن)، قلنا: (إن وأن) للتأكيد لتقوية النسبة، كذلك اللام لام الابتداء تأتي لتقوية النسبة، تأتي للتأكيد، وحينئذٍ لها حق الصدارة ولها كذلك معنى التأكيد بمعنى (إنَّ)، وإذا كان كذلك امتنع أن يدخل حرف على حرف بمعنىً واحد، إذا كان لها حق الصدارة فحينئذٍ الأصل أن يؤتى بها في أول الكلام: لئن زيداً قائم، هذا أصل التركيب، اللام لام الابتداء لأن لها الصدارة وهي تؤكد الجملة، و (إنَّ) لها الصدارة وهي مؤكدة للجملة، لكن لا يجتمع حرفان بمعنىً واحد، فزحلقت هذه اللام إلى الخبر، ولذلك سميت اللام المزحلقة، لماذا زحلقت؟ لئلا يجتمع حرفان بمعنىً واحد في موضع واحد وهو أول الجملة، هذا ممتنع عندهم. (إنَّ) من خصائصها: أن تلحقها لام الابتداء، ولكن لما لحقتها أولاً حينئذٍ دخلت على ما بعدها، وما بعدها قد يكون خبراً، وقد يكون اسماً، وقد يكون معمول الخبر، وقد يكون فصلاً، فهذه أربعة مواضع تكون محلاً للام. شرع في الخبر وهو الأصل. وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ ... لامُ ابْتِدَاءٍ وَتَصْحَبُ لامُ ابْتِدَاءٍ الْخَبَرْ -هذا التركيب- بَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ يعني لا بعد غيرها، فقدم ما حقه التأخير لإفادة القسم الإضافي. وَبَعْدَ: نقول: هذا متعلق بـ: تَصْحَبُ، قُدِّم لإفادة الحصر، أي: لا بعد ذات الفتح، ذات الفتح هذه لا تقع في أول الكلام كما هو الشأن في (لكن)، لا بد أن تكون مسبوقة بكلام، وحينئذٍ (إنَّ) وقعت مؤكدة، و (أَّن) قلنا: وقعت مؤكدة، والفرق بينهما: أن (إنَّ) تقع في أول الجملة -أول الكلام- بخلاف (أن)؛ لأنها مفرد والمفرد لا يبتدأُ به. إذاً: لا بعد ذات الفتح ولا غيرها من أخوات المكسورة ونحو هن، فالحصر إضافي، فلا ينافي أنها تصحب المبتدأ. لزيد قائم، يعني: ليست خاصة بباب (إنَّ) فقط، لا. وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ: إذاً لا بعد ذات الكسر، نعم (أن) لا تصحبها، فحينئذٍ نقول: والمبتدأ -لزيد قائم-؟ لا علاقة له بباب (إنَّ) نقول: هذه تصحبها، زيد لقائم؛ الجمهور على أنه ممتنع ليس بفصيح، لكن جوزه البعض، دخلت لام الابتداء على الخبر جائز أو لا؟ جائز عند من جوزه، ليست من باب (إن وأخواتها). إذاً قوله: وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ: هو فيه نوع حصر لكنه إضافي باعتبار ما يذكر في هذا الباب، لا باعتبار ما لا يذكر في هذا الباب، فالمبتدأ وخبره حينئذٍ له أحكام خاصة، فتدخل اللام هناك مؤكدة على المبتدئ، لزيد قائم، زيد: مبتدأ، وقائم: خبر. علمت لزيد عالم، ظننت لزيد قائم؛ دخلت لام الابتداء كما سيأتي في باب (ظن) وليس من باب (إنَّ).

إذاً: وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ: لا بعد غيرها، والمراد: لا بعد غيرها مما يذكر في هذا الباب وهو (أن وأخواتها)، وأما الخبر والمبتدأ وظن ونحوها هذه لا علاقة لها بهذا الباب. وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ ذَاتِ: هذه مؤنث ذُو بمعنى: صاحبة، صاحبة الكسر دون غيرها من أخواتها، فإن دخلت على غير (إنَّ) حكمنا بزيادتها، أي: مع كونها مفيدة للتأكيد فالمنسلخ عنها كونها لام الابتداء فقط؛ لأننا إذا قلنا بأنها زائدة إما أن نقول: الزيادة شاذة، وإما أن نقول: الزيادة معتبرة، إن قلنا شاذة لا قياس عليه، إن قلنا معتبرة حينئذٍ الأصل أنه لا يزاد شيء إلا لفائدة، وحينئذٍ لام الابتداء هل دخلت للمعنى الذي وضع لها في لسان العرب أو لا؟ نقول: لا. هنا إذا استعملت زائدة نقول: خرج وانسلخ عنها المعنى الأصلي وهو معنى الابتداء، لا كونها تفيد التأكيد؛ لأن كل حرف زائد دخل على جملة أفاد التأكيد وإن لم يفد المعنى الذي وضع له في لسان العرب. إذاً: وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ؛ وهي إن المكسورة دون غيرها من أخواتها، فإن دخلت على غير (إنَّ) حكمنا بكونها زائدة كما سيأتي لَعَمِيدُ وغيرها. ومعنى كونها زائدة؛ أنها تفيد التأكيد -إذا لم نحكم عليها بالشذوذ- تفيد التأكيد لكن لا كونها لام الابتداء، فليست هي لام الابتداء، فانسلخ عنها معنى كونها لام الابتداء ولم ينسلخ عنها التأكيد الذي يكون ملازماً للحرف الزائد. تَصْحَبُ الْخَبَرَ ... لامُ ابْتِدَاءٍ الْخَبَرَ: هذا مفعول به، ولامُ ابْتِدَاءٍ: هذا مضاف ومضاف إليه وهو فاعل. تصحب لام ابتداء الخبر جوازاً لا وجوباً، يعني لا يجب وإنما هو جائز. نَحْوُ: إنِّي لَوَزَرْ لَوَزَرْ: يعني ملجأ يلجأ إليه ويستعان به. إنِّي لَوَزَرْ: إني، إن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها في محل نصب، واللام هذه لام الابتداء. وَزَرْ: هذا خبر (إنَّ) مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره. إذاً: دخلت اللام هنا على خبر (إنَّ) المكسورة، أصل التركيب: لَإِنَّ، استثقل وجود حرفين بمعنىً واحد، فزحلقت اللام من (إنَّ) إلى الخبر، زحلقت اللام من (إنَّ) إلى خبره، وحينئذٍ نقول: الأصل في هذه اللام أن تكون في أول الكلام، لماذا؟ لأن لها الصدر، يعني مثل: (إنَّ) ومثل (من) الشرطية والاستفهامية، و (ما) التعجبية، و (كم) نقول: مثلها لام الابتداء، لها أحقية الصدارة في الكلام، فحقها أن تدخل على (إنَّ) نحو: لئن زيداً قائم، هذا الأصل.

ولم يُدَّعَى أن الأصل: إن لزيداً قائم، لماذا قالوا: الأصل دخلت على حرف؟ نقول: هي تؤكد المبتدأ في الأصل أو في الحال، وإذا أردنا أن نُقعِّد هذه نقول: الأصل: إن لزيداً قائم، قالوا: هذا هو الأصل، لكن لم يذكروا هذا الأصل، وإنما قالوا: لئن زيداً قائم. لماذا عدلوا عن هذا؟ قالوا: لئلا يفصل بين (إنَّ) ومعموليها معاً بما له صدر الكلام، لئلا يفصل بين (إنَّ) ومعموليها مما له صدر الكلام، حينئذٍ ادعوا أن الأصل: لَإِنَّ، ولم يقولوا الأصل: إن لزيداً، لماذا؟ لأن (إنَّ) الأصل فيها ضعف عملها، فحينئذٍ لو دخلت لام الابتداء بعد (إنَّ) مباشرة حينئذٍ هي أجنبية عن معمولي (إنَّ)، فالأصل فيها أنها تبطل عملها، لكن لم يدَّعُوا هذا من أجل سلامة التركيب، فأدخلوا اللام على الحرف وهو (إنَّ). فحينئذٍ صار الأصل: لَإِنَّ زيداً قائم، لكن لما كانت اللام للتأكيد و (إنَّ) للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين بمعنىً واحد، فأخروا اللام إلى الخبر، وهذه اللام تسمى المزحلقة، فزحلقوا اللام إلى الخبر، ولم يزحلقوا (إنَّ) لأنها عامل، والعامل يبقى في محله، وحق العامل التقدم، فلم يزحلق (إنَّ) وإنما زحلقوا اللام؛ لأنها لا تعمل. وهذه اللام لا تدخل على باقي أخوات (إنَّ)، فلا تقول: لعل زيداً لقائم، هذا ممتنع لعدم السماع، وأجاز الكوفيون دخولها في خبر (لَكِنَّ) لكنه شاذ، هذا إن صح الاستدلال ببيتهم: يَلُومُونَني في حُبِّ لَيلى عَوَاذِلي ... ولكنَّنِي مِن حُبِّها لَعَمِيدُ لَعَمِيدُ: هذا خبر، ودخلت اللام في خبر (لَكِنَّ)، لكنه شاذ، هذا إن سُلِّم بأن البيت معروف، وإلا قيل بأنه مركب. وخُرِّج على أن اللام زائدة، لكنه شاذ، لا نقول: اللام زائدة، لأنا لو قلنا اللام زائدة فحسب حينئذٍ قد يسوغ الزيادة مع جعل اللام زائدة، بل الصواب أنه شاذ ولا يقاس عليه. كما شذ زيادتها في خبر (أمسى) فَقَالَ مَنْ سَأَلُوا أَمْسَى لَمَجْهُودَا، أَمْسَى لَمَجْهُودَا نقول: هذا شاذ. كذلك: كما زيدت في خبر المبتدئ شذوذاً: (أُمُّ الْحَليْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَ بَهْ ... ) الأصل في دخول اللام على المبتدئ نفسه؛ لزيد قائم، والجمهور على منعها من دخولها على خبر المبتدئ، زيد لقائم؛ قالوا: هذا شاذ، وجوزه البعض وأجاز المبرد دخولها في خبر (أَنَّ) المفتوحة، قرئ شاذاً: (إِلاَّ أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) بفتح (أَنَّ)، ويتخرج أيضاً على زيادة اللام. إذاً: كلما زيدت اللام في غير خبر (إنَّ) فهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، هذا إن سلم بالأصل. وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ أطلق المصنف هنا الخبر، فهل كل خبر لـ (إنَّ) يصلح أن يكون مدخولاً للام؟ الجواب: لا، بل لا بد من استيفاء ثلاثة أشرط -ثلاثة أشرط أو ثلاثة شروط يجوز الوجهان-: كونه مؤخراً، ومثبتاً، وغير ماضٍ، وسينص الناظم على بعضها. كونه مؤخراً، بمعنى: أنه لا يتقدم. وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلاَّ فِي الَّذِي ... كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي يعني: إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً تقدم، حينئذٍ لا يجوز. وإذا تأخر حينئذٍ جاز، بشرط كونه مؤخراً. ومثبتاً لا منفياً، وغير ماض بشرطه، وسيأتي.

((إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)) [إبراهيم:39] دخلت على .. ؟ ما نوع "سَمِيعُ الدُّعَاءِ"؟ ((إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)) دخلت اللام هنا على سَمِيعُ وهو خبر (إنَّ). ((وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ)) [النمل:74] دخلت على الفعل المضارع. ((وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ)). ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم:4] على الجار والمجرور، متوسط أو متأخر؟ ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) متأخر. ((وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ)) [الحجر:23] على الجملة الاسمية. وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ ... لاَمُ ابْتِدَاءٍ نَحْوُ إِنِّي لَوَزَرْ وَلاَ يَلِي ذِي اللاَّمَ مَا قَدْ نُفِيَا ... وَلاَ مِنَ الأَفْعَالِ مَا كَرَضِيَا وَقَدْ يَلِيهَا مَعَ قَدْ كَإِنَّ ذَا ... لَقَدْ سَمَا عَلَى الْعِدَا مُسْتَحْوِذَا هذا بيان للشروط التي ذكرناها. وَلاَ: نافية. يَلِي: هذا فعل مضارع. ذِي الَّلامَ: ذِي اسم إشارة مفعول به. الَّلامَ المعهودة وهي لام الابتداء. مَا قَدْ نُفِيَا: مَا اسم موصول بمعنى الذي، فاعل يَلِي، (وَلاَ يَلِي مَا قَدْ نُفِيَا ذِي الَّلامَ). لاَ يَلِي: لا يتبع المنفي ذي اللام. إذاً: اللام إذا دخلت على الخبر يشترط في الخبر ألا يكون منفياً. وَلاَ يَلِي ذِي الَّلامَ: اللام هذا ما إعرابه؟ بدل أو عطف بيان. مَا قَدْ نُفِيَا: مَا: فاعل يلي. قَدْ: هذه للتحقيق. ونُفِيَا: الألف للإطلاق، نُفِيَ، ما الذي نفي؟ الضمير يرجع إلى أي شيء؟ أين الخبر؟ نُفِيَ، الذي قد نُفِي، (ما) يصدق على ماذا؟ على خبر، فحينئذٍ تقول: يرجع إلى (ما)، فالضمير هنا مرجعه (ما)، الاسم الموصول الذي هو فاعل. وقَدْ نُفِيَا: الجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، والألف هذه للإطلاق. إذاً: الضمير المستتر هنا مرجعه (ما) لأننا نقول: يشترط في جملة الصلة أن تشتمل على ضمير لائق، يعود على الموصول نفسه. إذاً: نُفِيَ؛ الضمير يعود على (ما) نفسها، طبِّق القواعد السابقة. وَلاَ يَلِي ذِي الَّلامَ مَا قَدْ نُفِيَا: يعني: لا يليها فعل منفي- ليس فعلاً فحسب-، إذا كان خبر (إنَّ) منفياً لم تدخل عليه اللام، لماذا؟ لأن اللام لتأكيد الإثبات، والنفي عدم، إذاً: يتنافى الإثبات مع العدم، المنفي عدم، واللام للتأكيد وهما متنافيان، فلا تقول: إن زيداً لما يقوم، إن زيداً ما يقوم؛ هذا صحيح أو لا؟ صحيح التركيب: إن زيداً ما يقوم، إن زيداً لما يقوم، نقول: هذا لا يصح. َوأَعْلَمُ إنَّ تَسْليِماً وَتَرْكاً ... لَلا مُتَشَابِهَانِ وَلا سَوَاءُ لَلا: دخلت اللام على لا، وحينئذٍ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، أدخل اللام في الخبر المنفي بـ (لا) وهو شاذ. وَلاَ مِنَ الأَفْعَالِ مَا كَرَضِيَا وَلاَ: وَلاَ يليها أيضاً مَا كَرَضِيَا من الأفعال، ولا: يليها، يعني يلي ذي اللام ما كرضي من الأفعال، مِنَ الأَفْعَالِ هذا حال، حال من ما، في قوله: مَا كَرَضِيَا، يعني: الذي أشبه رضي. ورضي هذا لو نظرت إليه فإذا به ماضي متصرف غير مقترن بقد، والأحكام عند المصنف تؤخذ من الأمثلة.

مَا كَرَضِيَا: الذي كرضي -أشبه رضي-، لا يلي اللام، فلا تقل: إن زيداً لقام، إن زيداً لرضي، لا يقال هذا، لماذا؟ لأن الناظم قال: وَلاَ مِنَ الأَفْعَالِ مَا كَرَضِيَا فما كان من جنس رضي -صيغته ونوعه- لا يجوز أن يلي اللام؛ لأنه فعل ماضي، وإن كان متصرفاً إلا أنه غير مسبوق بـ (قد). وَلاَ مِنَ الأَفْعَالِ مَا كَرَضِيَا: وهو ماضٍ متصرف غير مقترن بـ (قد)، فلا يقال: إن زيداً لرضي، ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى)) [آل عمران:33] اصْطَفَى مثل رضي. وَلاَ مِنَ الأَفْعَالِ مَا كَرَضِيَا: يعني ولا يليها أيضاً. مَا: اسم موصول بمعنى الذي. كَرَضِيَا: الألف للإطلاق. مِنَ الأَفْعَالِ: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ما التي تلتها. وَلاَ مِنَ الأَفْعَالِ مَا كَرَضِيَا: أشار به إلى أنه إذا كان الخبر ماضياً متصرفاً غير مقرون بـ (قد) لم تدخل عليه اللام، فلا تقل: إن زيداً لرضي، وأجاز الكسائي وهشام ذلك، لكن على إضمار قد، أجازوا هذا على إضمار (قد) "لَقَدْ رَضِيَ"، كأنهم جعلوا المحذوف كالملفوظ به، وحينئذٍ: إذا لم يكن كرضيا؛ كم يدخل تحته من الأنواع؟ الاسم المفرد: إن زيداً لقائم، لأن قائم ليس كرضيا. الفعل المضارع: (إن الله ليعلم)، كما سبق. الجملة الاسمية: ((وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي)) [الحجر:23]. الظرف والجار والمجرور. الماضي الجامد الذي ليس كرضي، إن زيداً لنعم الرجل، وإن زيداً لعسى أن يقوم، وإن زيداً لبئس ما صنع، نقول: هذه كلها داخلة في قوله: ما كرضي، وَلاَ يَلِي ذِي ... وَلاَ مِنَ الأَفْعَالِ مثل الذي رضيا، ما عداه يجوز، فإن كان الفعل مضارعاً دخلت اللام عليه، ولا فرق بين المتصرف وغير المتصرف، وإنما ذكر رضي وهو متصرف هذا في الفعل الماضي احترازاً من الجامد فيجوز على الصحيح، وأما الفعل المضارع فسواء كان متصرفاً أم لا، (إن الله ليعلم)، (إن زيداً ليذر الشر): هذا غير متصرف، ما سمع إن يذر، ليس له ماضٍ، هذا إذا لم تقترن به السين أو سوف، فإن اقترنت به: إن زيداً سوف يقوم أو سيقوم ففي الجواز خلاف، وصحح ابن عقيل جوازه إذا كان سوف، وأما السين فقليل. وإن كان ماضياً غير متصرف؛ كنعم وبئس، فظاهر كلام الناظم هنا: كَرَضِيَا؛ أنه يجوز أن تدخل عليه لام الابتداء: إن زيداً لنعم الرجل، وإن عمرواً لبئس الرجل، لماذا؟ لأن الفعل الجامد كالاسم، الفعل الجامد مثل الاسم، الأصل في الاسم أنه جامد ومثله الفعل الجامد، وهذا مذهب الأخفش والفراء، والمنقول أن سيبويه لا يجيز ذلك. إذاً: لا يلي اللام فعل مثل رضي، هذا الشرط الكم؟ وَلاَ يَلِي ذِي الَّلامَ مَا قَدْ نُفِيَا أولاً: ألا يكون منفياً، بأن يكون الخبر مثبتاً. ثانياً: ألا يكون ماضياً متصرفاً غير مقترن بـ (قد)، يدخل تحت هذا خمسة أنواع: المفرد، والجملة الفعلية -الفعل المضارع-، نعم وبئس -الجامد، الجملة الاسمية. إذاً: يستثنى هذا النوع فحسب. وَلاَ يَلِي ذِي اللاَّمَ مَا قَدْ نُفِيَا ... وَلاَ مِنَ الأَفْعَالَ مَا كَرَضِيَا ثم قال: وَقَدْ يَلِيَهَا قد يليها ما هو؟ رضي. قلنا: رضي الأصل أنه لا يلي. وَلاَ مِنَ الأَفْعَالَ مَا كَرَضِيَا: لا يليها. ثم قال: وَقَدْ يَلِيَهَا. إذاً: استثناء.

وَقَدْ يَلِيَهَا: قد هنا للتقليل. يَلِيَهَا: فيه ضميران: ضمير مستتر، وضمير بارز. الضمير المستتر يعود على ماذا؟ على رضي، والضمير البارز يعود على لام الابتداء، الضمير البارز يعود على لام الابتداء، والضمير المستتر يعود على رضي، كأنه قال: وقد يلي رضي لام الابتداء مع قد، مع (قد) قصد لفظه، و (مع) هذا: حال من فاعل يلي. كَإنّ ذَا ... لَقَد سمَا عَلَى الْعِدَا مُسْتَحْوِذَا كَإنّ: يعني: كقولك، الكاف داخلة على مقول محذوف. إنّ ذَا: اسم إشارة. لَقَد سمَا: اللام هذه لام الابتداء، هي لام التأكيد دخلت على سما، بشرط: أن يسبق بـ (قد)، وحينئذٍ لما كان سما في أصله كرضيا حينئذٍ لا يصح أن يقال: كإن ذا لَسَمَا، لَسَمَا لا يصح، لكن لما سبق بـ (قد) حينئذٍ جاز دخول اللام على (قد) لا عليه هو، لماذا؟ قالوا: لأن (قد) تقرب الماضي من الحال، لأن دخول اللام على الفعل المضارع جائز، والأصل في الفعل المضارع أنه يدل على الحال، بل هو معناه -زمنه الحقيقي، والاستقبال نقول: هذا مجاز، هذا الصحيح، وإن كان الجمهور على أنه حقيقة في الحال والاستقبال، لكن نقول: عندهم أنه لا يتعين الاستقبال إلا بقرينة؛ السين وسوف ولن ولام الابتداء ونحو ذلك. وما احتاج إلى قرينة فرع عما لا يحتاج إلى قرينة، وهذا شأن المجاز، وحينئذٍ نقول: الفعل المضارع حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، وهذا هو الصحيح وإن كان خلاف الجمهور، والسيوطي في جمع الجوامع رجح هذا القول. إذاً: (قد) تقرب الماضي من الحال فأشبه حينئذٍ المضارع، لما دخلت (قد) على الماضي المتصرف كأنها قربته إلى الفعل المضارع والفعل المضارع يجوز أن يكون مدخولاً للام الابتداء، ولذلك: قام زيد وقد قام زيد، هل هما بمعنىً واحد؟ قام زيد، قد قام زيد؛ ليس بمعنىً واحد، قام زيد هذا قبل سنة، سنتين، عشر، يحتمل، فهو مطلق الزمن الماضي. لكن: قد قام زيد يعني في الزمن الماضي القريب، ما تقول: قبل سنة قد نجحت، لا، قد نجحت يعني قريب طلعت النتيجة، وأما: نجحت، يعني في الزمن الماضي البعيد، وإذا أدخلت عليه (قد) حينئذٍ الزمن الماضي القريب، فرق بين الجملتين؛ لأن (قد) تقرب الزمن الماضي، لأن الزمن الماضي نوعان: زمن ماضي بعيد، وهذا نسبي، وزمن ماضي قريب. إذا أردت الزمن البعيد لا تأتِ بقد، وإذا أردت الزمن الماضي القريب ائت بـ (قد)، فرق، حرف واحد، المعنى يختلف. ونحن لا نفرق بين (قد) وغيرها. وَقَدْ يَلِيهَا مَعَ قَدْ كَإِنَّ ذَا ... لَقَدْ سَمَا عَلَى الْعِدَا ..... الْعِدَا: يعني الأعداء. سمَا: يعني: علا. عَلَى الْعِدَا: هذا جار ومجرور متعلق بسما. مُسْتَحْوِذَاً: هذا حال من فاعل سما، سما هو يعود على (ذا) كأنه زيد مثلاً. مُسْتَحْوِذَاً: أي غالب، هذا تتمة للمثال. إذاً: يشترط في خبر (إنَّ) الذي تدخل عليه اللام: ألا يكون فعلاً ماضياً متصرفاً، ويجوز في هذا النوع -يستثنى منه- ما سبقته (قد)، ما دخلت عليه (قد)، ما اقترن بـ (قد). إن اقترن بـ (قد) حينئذٍ جاز أن تدخل عليه اللام. إن زيداً لرضي: ممنوع، إن زيداً لقد رضي: جائز. ما الفرق بينهما؟ دخول (قد) على الثاني دون الأول.

قال ابن عقيل: وإذا كان ماضياً غير متصرف فظاهر كلام المصنف جواز دخول اللام عليه، فتقول: إن زيداً لنعم الرجل، وإن عمْراً لبئس الرجل، هذا ذكرناه. فإن قرن الماضي المتصرف بـ (قد) جاز دخول اللام عليه، وهذا المراد بقوله: وَقَدْ يَلِيَهَا مَعَ قَدْ نحو: إن زيداً لقد قام. وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ ... وَالْفَصْلَ وَاسْماً حَلَّ قَبْلَهُ الْخَبَرْ هذه ثلاث مواضع كذلك تدخل عليها اللام بعد (إنَّ) المكسورة، كل المواقع هذه بعد (إنَّ). وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ: تدخل اللام -لام الابتداء،- والذي تدخل عليه أربعة أشياء، كل الكلام مقيد بـ (إنَّ) المكسورة، دخولها على غير (إنَّ) المكسورة شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. يرد السؤال: تدخل على أي شيء، لأن (إنَّ) المكسورة يليها اسمها ويليها خبرها، ويليها معمول الخبر، ويليها ضمير الفصل، ما الذي تدخل عليه وما الذي لا تدخل عليه؟ تدخل على الخبر خبر (إنَّ) بشرطه السابق. ثم قال: وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ إذاً: الموضع الثاني الذي تدخل عليه لام الابتداء هو معمول الخبر، والخبر -كما سبق- قد يكون له معمول، يعني: إما جار ومجرور متعلق به، وإما حال، وإما مفعول مطلق .. إلى آخره، وحينئذٍ لا بد من التفصيل: ليس كل معمول خبر يجوز دخول اللام عليه، لا بد من شروط. وَتَصْحَبُ: هذه اللام أيضاً، الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ. الْوَاسِطَ: هذا مفعول به، ومَعْمُولَ الْخَبَرْ: بدل، يعني المتوسط من ماذا؟ معمول الخبر، احترازاً من المتأخر فلا تدخل عليه. الْوَاسِطَ: يعني بين اسم (إنَّ) وخبرها، أي: المتوسط، من وسط الشيء كوعد، أي: توسطه. وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ مفهومه: أنها لا تصحب المعمول المتأخر؛ لأنه قال: المتوسط معمول الخبر، احترازاً من معمول الخبر غير المتوسط، مثل: إن زيداً ضارب لعمْراً، هذا ممتنع. إن زيداً ضارب هذا خبر (إنَّ)، عمْراً: هذا مفعول به لضارب، دخلت عليه اللام نقول: هذا شاذ، إذا سمع نقول: هذا شاذ، لا يصح، لماذا؟ لأن شرط دخول اللام -لام الابتداء- على معمول الخبر: أن يتوسط، يتوسط بين ماذا وماذا؟ هذا على الخلاف السابق، إذا قلنا بجواز تقدم معمول الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً على اسم (إنَّ) حينئذٍ جاز دخوله إذا تقدم على اسم (إنَّ)، وإذا قلنا بالمنع حينئذٍ صار التوسط بين الاسم والخبر، والصحيح المنع أنه لا يتقدم إلا إذا كان الخبر ظرفاً أو جار ومجروراً. وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إِلاَّ فِي الَّذِي ... كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي

حينئذٍ؛ إذا كان الخبر جاراً ومجروراً أو ظرفاً جاز تقدمه على اسم (إنَّ)، وأما معمول الخبر مطلقاً سواء كان ظرفاً أو جار ومجرور لا يتقدم على اسم (إنَّ) لأنَّ -قاعدة معتبرة-: وهي أنَّ المعمول إذا تقدم يؤذن بتقدم عامله وإلا الأصل أنه لا يجوز، وحينئذٍ إذا تقدم معمول الخبر وهو ظرف نقول: الأصل فيه أنه يجوِّز تقدم الخبر، وهذا ممتنع؛ لأن الخبر لا يجوز تقدمه، فإذا لم يجز تقدمه كذلك معمولاته كلها بلا تفصيل، لا يجوز أن تتقدم على اسم (إنَّ)، وحينئذٍ: إن زيداً ضارب عمراً، لعمْراً نقول: لا يجوز، لكن لو قال: إن زيداً عمْراً ضارب؛ حينئذٍ توسط معمول الخبر بين اسم (إنَّ) وخبرها، فجاز دخول اللام عليه. وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا توسط بين اسم (إنَّ) والخبر، بهذا القيد: بين اسم (إنَّ) والخبر، نحو: إن زيداً لطعامك آكل، هذا المثال ما أدري ما الذي أعجبهم فيه، النحاة كلهم، الأشموني .. على هذا: إن زيداً لطعامك آكل، طعامك ما إعرابه؟ هذا معمول آكل؛ لأنه اسم فاعل فينصب، مثل: ضارب عمْراً، وحينئذٍ توسط بين الاسم والخبر فجاز أن يقترن به اللام. وينبغي أن يكون الخبر حينئذٍ مما يصح دخول اللام عليه، يعني: ليس مطلقاً، بل لا بد من شروط معتبرة في معمول الخبر. الأول: أن يكون هذا المعمول متوسطاً، وقد نص الناظم على هذا، أن يكون متوسطاً بين الاسم والخبر. الثاني: ما أشار إليه بقوله: مَعْمُولَ الْخَبَرْ، فـ (أل) هنا للعهد، أي: الخبر الذي يجوز أن تدخل عليه اللام. لو قال: إن زيداً عمْراً ضرب، هل يصح أن نقول: إن زيداً لعمْراً ضرب؟ إن زيداً لعمْراً ضرب يصح أو لا يصح؟ هنا توسط معمول الخبر بين الاسم والخبر ودخلت عليه اللام، نقول: لا يجوز، لأن الخبر ضرب مثل رضي، لا يجوز، فحينئذٍ: إن زيداً لعمْراً ضرب نقول: هذا يمتنع، لأن شرط دخول اللام على معمول الخبر: أن يكون العامل –الخبر- مما يصلح دخول اللام عليه، فإن امتنع كأن يكون منفياً أو يكون ماضياً متصرفاً غير مقرون بـ (قد) حينئذٍ لو توسط معمول الخبر لا يجوز دخول اللام عليه، هذا الشرط الثاني أشار إليه بقوله: مَعْمُولَ الْخَبَرْ. فـ (أل) للعهد، أي: الخبر الذي سبق أنه يصح اقترانه باللام، وأما ما لا يصح فلا. إذاً: الشرط الثاني: أن يكون الخبر مما يصح دخول اللام عليه، وهذا يستفاد مما ذكرناه. الثالث: ألا تكون اللام قد دخلت على الخبر، يعني: لام واحدة تدخل إما على الخبر وإما على معموله، إن دخلت على الخبر امتنع دخولها على معمول الخبر، فحينئذٍ: إن زيداً لعمْراً لقد ضرب؛ ممتنع، لماذا؟ لا يجوز دخولها على معمول الخبر، لأنها دخلت على الخبر. إذاً: لا يؤكَّد بلامين في موضع واحد، فإذا دخلت على الخبر امتنع دخولها على معمول الخبر. الرابع: ألا يكون المعمول حالاً ولا تمييزاً، فلا يصح أن تقول: إن زيداً لراكباً حاضر، حاضر راكباً، الحال تقدمت على معمول الخبر وهي معمول الخبر، ولا يجوز دخول اللام عليها، ولا يجوز على خلاف.

ولا يقال: إن زيداً لعرقاً يتصبب، يتصبب عرقاً، تقدَّم توسَّط معمول الخبر وهو تمييز لا يجوز دخول اللام عليه، وقد نص الشارح على الحال، ونص غيره على التمييز. وزاد أبو حيان: ألا يكون المعمول مفعولاً مطلقاً ولا مفعولاً لأجله. فعنده لا يجوز: إن زيداً لركوب الأمير راكب، ولا: إن زيداً لتأديباً ضارباً ابنه، نقول: هذه كلها ممتنع. إذاً: الحال والتمييز والمفعول المطلق والمفعول لأجله هذا لا تدخل عليه لام الابتداء. وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ: إذاً بشرطه السابق: أن يكون متوسطاً، أن يكون الخبر مما يصلح دخول اللام عليه، ألا تدخل على الخبر، ألا يكون المعمول حالاً ولا تمييزاً ولا مفعولاً لأجله ولا مفعولاً مطلقاً. وهذه كلها محل خلاف. وَالْفَصْلَ: الفصل المراد به ضمير الفصل، وهذا تدخل عليه اللام: ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)) [آل عمران:62] ((إِنَّ هَذَا)) هَذَا: اسم إن، هُوَ: ضمير فصل، الْقَصَصُ: هذا الخبر، دخلت اللام على هُوَ. ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)) [آل عمران:62] هذا بعد (إنَّ) فحسب، والكلام فيما يلي (إنَّ) لا مطلقاً، ضمير الفصل قيل: هو حرف لا محل له من الإعراب، الجمهور على هذا وهو الصحيح: أنه حرف لا محل له من الإعراب. وقيل: بل هو اسم لا محل له من الإعراب كأسماء الأفعال، وقيل: هو اسم ومحله على حسب ما قبله، وقيل: على حسب ما بعده، قولان، حينئذٍ: إن زيداً هو قائم، هو إذا قلنا: لا محل له من الإعراب إما أن يكون حرفاً أو اسماً، لا إشكال فيه. على القول الثالث بأن محله ما قبله يكون في محل نصب: إن زيداً هو قائم، هو في محل نصب لماذا؟ تبعاً لما قبله، وعلى القول الرابع أنه باعتبار ما بعده يكون في محل رفع: كان زيد قائماً، العكس؛ زيد هو قائم، بالاعتبارين يكون في محل رفع، لكن الصحيح أنه حرف لا محل من الإعراب، وعليه أكثر النحاة، فحينئذٍ لم سمي ضمير والضمائر هذه أسماء؟ قالوا: مجاز؛ لأنه على صورة الضمير الاسمي وحينئذٍ صار مجازاً علاقته المشابهة في الصورة، وسمي ضمير فصل؛ لفصله بين الخبر والصفة، في نحو: زيد هو القائم، لو قلت: زيد القائم يحتمل هذا أن القائم خبر، ويحتمل أنه نعت، فلما قلت: زيد هو القائم تعين أن يكون خبراً لا نعتاً؛ لأن النعت لا يُفصل بينه وبين منعوته، زيد هو القائم، ويسمى عماداً عند الكوفيين لاعتماد المتكلم عليه في رفع الاشتباه بين الخبر والصفة، أراد المتكلم أن يفصل بين الخبر والصفة وجاء بهذا الضمير -في الصورة-، وإنما يكون على صيغة ضمير الرفع مطابقاً لما قبله غيبة وحضوراً وغيرهما، يعني: بصورة الرفع، وضمائر الرفع: أنت، هو، نحن، أنا، يعني: لا يخرج عن هذه الصور الثلاث، ويكون باعتبار ما قبله. إنا لنحن، إنا نحن قائمون، نقول: قائمون هذا خبر (إنَّ)، و (نحن) هذا ضمير فصل لا محل له من الإعراب. لماذا جاء (نحن) ولم يأت بـ (هو)؟ مطابقة لما قبله. كذلك: زيد هو القائم نقول: (هو) جاء بصورة المفرد مطابقة لما قبله. بين مبتدئٍ وخبر في الحال أو في الأصل، زيد هو القائم: هذا في الحال، أو في الأصل مثل الذي معنا: إن زيداً لهو القائم.

معرفتين أو ثانيهما كالمعرفة في عدم قبول (أل) كـ: أفعل من، هذه كلها شروط لاعتبار ضمير فصل ضمير فصل. أولاً: أن يكون بصورة المرفوع، ويكون مطابقاً لما قبله، وأن يقع بين مبتد، وخبر في الحال أو باعتبار الأصل، يعني: قبل دخول الناسخ، كذلك: أن يقع بين معرفتين أو ثانيهما كالمعرفة في عدم قبول (أل)، وهو أفعل التفضيل إذا جاءت بعدها (من) كـ: أفعل من. وإنما جاز دخول لام الابتداء على ضمير الفصل؛ لأنه مقوٍّ للخبر، هو فيه تقوية لا شك، لذلك يعد من المؤكدات هنا. لرفعه توهم السامع كون الخبر تابعاً، فنزل منزلة الجزء الأول من الخبر، أي: إذا كان الخبر جملة اسمية. وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ ... وَالْفَصْلَ يعني: تصحب الفصل، أشار به إلى أن لام الابتداء تدخل على ضمير الفصل، إن زيداً لهو القائم، ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ)) [آل عمران:62] فـ (هذا) اسم إن، و (هو): ضمير فصل لا محل له من الإعراب، ودخلت عليه اللام والْقَصَصُ خبر (إنَّ)، وسمي فصلاً لما ذكرناه. إذاً: يشترط في ضمير الفصل الشروط السابقة حتى يعتبر أنه ضمير فصل، ليس الباب في بحث (إن وأخواتها) بل هو مطلق. زيد هو القائم، نقول: هذا ضمير فصل، لا بد أن يكون بصيغة المرفوع، وأن يكون مطابقاً لما قبله، وأن يكون بين مبتدئٍ وخبر، وأن يكون بين معرفتين أو الثاني منهما في قوة المعرفة، بعدم قبوله لـ (أل). ((كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ)) [المائدة:117]، ((وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ)) [الصافات:165] هذه أمثلة لما ذكرناه. وَاسْماً حَلَّ قَبْلَهُ الْخَبَرْ هذا الموضع الرابع مما تدخل عليه لام الابتداء. وَاسْماً: يعني وتصحب اسماً، هذه كلها معطوفات على السابق: وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ ... وَالْفَصْلَ وَاسْماً يعني: تصحب اسماً اسم (إنَّ). حَلَّ قَبْلَهُ الْخَبَرْ: بمعنى أن الاسم المتأخر تدخل عليه اللام؛ لأنها لو دخلت عليه اللام وهو متقدم لاجتمع عندنا مؤكدان، إن لزيداً -الذي هو الأصل-، ولكن لم يعرجوا عليه لئلا يدخل ما له صدارة بين (إنَّ) ومعموليها، وهذا الأصل فيها أنه يبطل إعمالها، وحينئذٍ إذا تقدم الخبر وتأخر الاسم جاز أن تدخل اللام على الاسم، مثل: إن قائم لزيداً. لا يصح، لماذا؟ ؟؟؟ إذاً: ليس مطلقاً، بل الخبر إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً. ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [النازعات:26] لَعِبْرَةً نقول: الجار والمجرور هنا توسط، فهو خبر مقدم، وتأخر الاسم. وَاسْماً حَلَّ قَبْلَهُ الْخَبَرْ حَلَّ: هذا فعل ماض بمعنى: نزل. الْخَبَرْ: هذا فاعل حل. قَبْلَهُ: هذا منصوب بـ حل. حل الخبر قبله، حل: بمعنى نزل، وجاء في مرتبة قبل الاسم، وهذا إنما يتصور فيما إذا كان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراً، وما عداه فلا؛ لأنه ممتنع: وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ.

حينئذٍ: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [النازعات:26] إذا دخلت اللام على الاسم -اسم (إنَّ) - وكان متأخراً والخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراً هذا النوع نقول: مما يجب فيه توسط .. ؟ قلنا: الجار والمجرور باعتبار التقدم ثلاثة أحوال: ما يجوز فيه الوجهان، ما يجب التأخر، ما يجب التوسط. مما يجب فيه التوسط يعني: تقدم الخبر على الاسم: أن يكون الاسم قد حل به لام الابتداء؛ لأنك إذا قلت: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً)) [النازعات:26] عِبْرَةً هذا واجب التأخير؛ لأنه إذا قدمته: (إن لعبرة) في الكلام العادي، إن لعبرة في ذلك تلا (إنَّ) لام الابتداء وهو ممتنع. إذاً: إذا دخلت اللام -لام الابتداء- على اسم (إنَّ) وهو متأخر نقول: هذا الموضع مما يجب فيه تقدم الخبر على اسم (إنَّ). وَاسْماً: يعني وتصحب اسماً حَلَّ -اسم (إنَّ) يعني-. حَلَّ قَبْلَهُ الْخَبَرْ: الخبر هذا فاعل حل. وقَبْلَهُ: نقول: هذا معمول حَلَّ، نحو: إن عندك لزيداً، ((وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا)) [القلم:3] لَكَ: جار ومجرور متقدم خبر. ما حكم التقدم هنا؟ واجب التقدم. ولَأَجْرًا؟ هذا واجب التأخير، كلاهما متلازمان، واجب التأخير، لا يجوز أن يتقدم الاسم هنا فهو واجب التأخير، وإذا وجب التأخير حينئذٍ لزم منه تقدم الخبر. وَاسْماً حَلَّ قَبْلَهُ الْخَبَرْ قوله: معمول الخبر، قبله الخبر؛ هذا يسمى إيطاءً عندهم، وهو أن يكون اللفظ مطابقاً لما قبله بمعنىً واحد، هذا ممتنع، هذا عيب عندهم، حينئذٍ كيف نوجهه؟ الصبان يقول: ثَمَّ نسخة: وَاسْماً حَلَّ قَبْلَهُ خَبَرْ، وعليه فلا إيطاء، -إن صحت النسخة هذه-. وأما معمول الخبر قبله الخبر؛ اللفظ واحد والمسمى واحد، هذا عيب عندهم عند العرضيين يسمى إيطاءاً، يعني: تواطأ آخر البيت مع آخر الشطر الأول. لو كان اللفظ واحداً والمعنى مختلف لا إيطاء، يندفع، وإذا كان الأول معرَّف والثاني نكرة أيضاً اندفع، لكن كلاهما معرَّف هذا فيه نوع إشكال، قد يكون خبر قبله خبر، فصح الوزن، قبله خبر، لكن على المذكور الله أعلم. وَتَصْحَبُ الْوَاسِطَ مَعْمُولَ الْخَبَرْ ... وَالْفَصْلَ وَاسْماً حَلَّ قَبْلَهُ الْخَبَرْ هذه مواضع أربعة تدخل عليها اللام بعد (إنَّ) المكسورة: معمول الخبر بشروطه السابقة، الخبر أولاً .. ثم معمول الخبر، ثم الفصل، ثم اسم (إنَّ). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

39

عناصر الدرس * حكم عمل هذ هـ الأحرف عند إتصالها بـ (ما) ـ * العطف على منصوب هذه الأحرف * حكم هذه الأحرف بعد التخفيف وما يتبع ذلك م المسائل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَوَصْلُ مَا بِذِي الحُرُوفِ مُبْطِلُ ... إِعْمَالَهَا وَقَدْ يُبَقَّى الْعَمَلُ هذا شروع في مسألة وهي: ما إذا اتصلت (مَا) الزائدة بهذه الحروف، سبق أن هذه الحروف الستة تدخل على المبتدئ أو الجملة الاسمية فتنصب المبتدأ على أنه اسم لها، وترفع الخبر على أنه خبر لها، حينئذٍ لاختصاصها بالجملة الاسمية أعملت فيها، وإذا دخلت عليها (مَا) الزائدة حينئذٍ تكفها عن العمل، وسبب كفها عن العمل أنها تهيئها للدخول على الجملة الفعلية إذا اتصلت بها (إنَّ): إنما يقوم زيد، إن زيداً قائم -هذا الأصل-، حينئذٍ إذا دخلت عليها (ما) الزائدة كفتها عن العمل وهيئتها للدخول على الجملة الفعلية، فإذا دخلت على الجملة الفعلية حينئذٍ زال اختصاصها بالجملة الاسمية، فإذا زال اختصاصها حينئذٍ بطل عملها؛ لأنها إنما أعملت لاختصاصها بالجملة الاسمية، فإذا زال اختصاصها ودخلت على الجملة الاسمية حينئذٍ ما وجه الشبه بينها وبين ما اختص بالاسم! قال الناظم: وَوَصْلُ مَا: يعني: اتصال (مَا)، وَصْلُ هذا مبتدأ وهو مضاف، و (ما) الزائدة قصد لفظه في محل جر مضاف إليه. وَوَصْلُ مَا بِذِي الحُرُوفِ: بِذِي هذا جار ومجرور متعلق بقوله وَصْلُ، وهو اسم إشارة للمفرد المؤنث، والحُرُوفِ هذا نعت أو بدل أو عطف بيان، ومُبْطِلُ هذا خبر. إعْمَالَهَا: مفعول به لمبطل؛ لأنه اسم فاعل، واعتمد هنا فحينئذٍ نصب المفعول به.

وَوَصْلُ (مَا) الزائدة، وهذه تسمى (مَا) الكافة، أو (مَا) المهيئة، فلها ثلاثة أسماء، كافة ومهيئة وزائدة؛ زائدة: لأنها ليست موصولية وليست مصدرية وليست موصوفة، وإنما هي زائدة بمعنى: دخولها وخروجها سواء، إلا أنها كفت (إِنَّ) وأخواتها عن العمل، ومهيئة: لكونها هيئت هذه الأحرف للدخول على الجملة الفعلية: ((قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ)) [الأنبياء:108]، إذاً: دخلت على الجملة الفعلية ودخلت على الجملة الاسمية، فحينئذٍ صارت لفظاً مشتركاً، -حرفاً مشتركاً- بين الفعل والاسم، والحرف المشترك الأصل فيه أنه لا يعمل، حينئذٍ رجعت إلى أصلها؛ وهي عدم العمل: ((قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ)) يُوحَى هذا فعل، ودخلت عليه (إنما)، (ما) هذه زائدة: ((كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ)) [الأنفال:6]، يُسَاقُونَ (كَأَنَّمَا) (كأن) دخلت عليها (مَا) الزائدة وهيئتها للدخول على الجملة الفعلية فبطل عملها، بخلاف: (وَلَكِنمَّا يُقْضَى فَسَوْف يَكُونُ ... )، بمعنى أن (مَا) الموصولة إذا دخلت على إن وأخواتها لا تخرجها عن العمل؛ لماذا؟ لأنه صار اسماً لها، لَكِنمَّا يُقْضَى، (لكنما) في ظاهره أن (لكن) دخلت على الجملة الفعلية وليس الأمر كذلك، لماذا؟ لأن ما هذه موصولية، فهو اسم (لكن)، ويُقْضَى الجملة في محل رفع خبر لكن، حينئذٍ يحترز بكون (ما) الداخلة على (إن) وأخواتها بأنها الزائدة، يحترز بها عن الموصولية، فلا تخرجها عن أصلها من نصب المبتدئ ورفع الخبر، وكذلك الموصوفة والمصدرية، الموصوفة والمصدرية ليست بداخلة معنا: إن ما عندك حسن، يعني: إن الذي عندك حسن، هل خرجت عن أصلها؟ لا، لأن الذي يصلح أن يكون اسماً لـ (إن)، إن ما عندك حسن، يعني: إن الذي عندك حسن، وإن ما فعلت حسن، وإن فعلك حسن، وتكتب مفصولة من (إن) بخلاف (ما) الزائدة، يعني: (ما) الزائدة تتصل بـ (إنما) تكتب كلمة واحدة، وأما (ما) الموصولية والموصوفة والمصدرية لا، يجب فصلها بالكتابة في الرسم لا تتصل بها، وهذا إذا كان الإنسان يكتب، حينئذٍ إذا كانت (ما) مصدرية فصلها، كتب: (إن) لوحدها، ثم فصلها وكتب (ما)، كذلك في (ما) الموصولية، (إنَّ ما) حينئذٍ نكتب (إن) لوحدها و (ما) لوحدها، و (أما) الزائدة لا؛ لأنها امتزجت بالكلمة فصارت كأنها جزء منها، فتكب معها.

وَوَصْلُ مَا بِذِي الحُرُوفِ مُبْطِلٌ ... إعْمَالَهَا: إِعْمَالَهَا أبطلت عملها، لأنها تزيل اختصاصها بالأسماء، وتهيئها للدخول على الفعل، فوجب إهمالها لذلك، ويستثنى من ذلك ليت، فإنها لا تبطل اختصاصها بالأسماء، بل هي هي، كما هي باقية على أصلها، وإن جاز فيها الإهمال والإعمال، ليت يستثنى من هذه الأحرف لا تكفها (ما) عن الدخول على الجملة الاسمية، بل يبقى الحال باختصاصها بالجملة الاسمية، ووجوب الإهمال هو مذهب سيبويه والجمهور، يعني: إذا دخلت (ما) الكافة هذه على (إن) وجب الإهمال، فلا يجوز النصب: إنما زيد قائم، هذا واجب، مذهب سيبويه والجمهور على هذا، ولا يجوز إنما زيداً قائم، لماذا؟ لأنها إنما أعملت لاختصاصها بالجملة الاسمية، فلما دخلت عليها (ما) الزائدة زال اختصاصها فبطلت العلة التي من أجلها أعملت، فحينئذٍ بطل عملها، ولا يجوز إعمالها، هذا هو ما عليه جماهير النحاة؛ أن هذه الحروف إذا دخلت عليها (ما) الزائدة كفتها عن العمل، ووجب إهمالها، فلا يجوز إعمالها، إلا ليت فيجوز فيها الوجهان، وذهب بعض النحاة وهم قلة ومنهم الناظم -ابن مالك رحمه الله- أن العمل باقٍ، لكنه قليل، فيجوز حينئذٍ: إنما زيداً قائمٌ، أنما زيداً قائمٌ، لكنما زيداً قائم، جائز عند المصنف رحمه الله تعالى، لماذا؟ لأنه سمع في ليت الإهمال والإعمال، وحكى بعضهم إنما زيداً قائمٌ حكى بعضهم أنه سمع: إنما زيداً قائمٌ، وهذا إعمال لها، حينئذٍ قاسوا على ليت بقية أخواتها بجامع أن كلاً منها أحرف تدخل على المبتدئ فتنصبه والخبر فترفعه، وكذلك مادام أنه سمع: إنما زيداً قائمٌ، حينئذٍ فليكن ذلك مطرداً في بقية الأحرف، ولذلك قال: وَقَدْ يُبَقَّى الْعَمَلُ. مُبْطِلٌ إعْمَالَهَا: إذاً هذا هو الأصل، وهذا هو الكثير المطرد في لسان العرب، أن (ما) الزائدة إذا دخلت على هذه الأحرف أبطلت عملها، وهذا هو الوارد في لسان العرب، ولكن في قلة قَدْ يُبَقَّى الْعَمَلُ كما هو، ولذلك قال: (وَقَدْ) قَدْ هنا للتقليل. يُبَقَّى العَمَلُ: حكى الكسائي والأخفش إنما زيداً قائمٌ، إذاً: نطقت العرب بنصب معمول (إن) بعد دخول (ما) الزائدة، حينئذٍ دل على أنهم قد أعملوها كأصلها، يعني: كما لو لم تدخل عليها (ما) الزائدة، لكن الصواب أن ما حكاه الأخفش والكسائي هذا يعتبر شاذاً، يعني: يحفظ ولا يقاس عليه.

وَقَدْ يُبَقَّى: قَدْ هنا للتقليل بالنسبة لغير ليت، -قليل بالنسبة لغير ليت-؛ لأنه جمع، قال: بِذِي الحُرُوفِ: دخلت فيها: (إن، وأنَّ وليت)، ومعلوم أن (إنّ وأنّ ولكنَّ ولعلَّ)، هذه إذا دخلت عليها (ما) الجماهير على أنها تمنع من الإعمال، بقي ليت، وهذا يكاد أن يكون إجماعاً أن ليت هذه تبقى بعد دخول (ما) على اختصاصها بالجملة الإسمية، وإذا بقي اختصاصها حينئذٍ بقيت العلة التي هي سبب في إعمالها، حينئذٍ تعمل وتهمل، وذلك: وَقَدْ يُبَقَّى العَمَلُ: هل المراد ليت، أو ما عداها؟ استعمل اللفظ في مشترك، في معنييه، حينئذٍ قد، نقول: هذه للتقليل بالنسبة لغير ليت، والتحقيق بالنسبة لليت؛ لأن إعمالها كثير ليس بقليل، بل أوجبه بعضهم ولم يجز الإهمال البتة لوجود الاختصاص وهو علة العمل، ففيه استعمال المشترك في معنييه. وَقَدْ يُبَقَّى العَمَلُ: يعني: يبقى العمل كما هو على أصله، استصحابا للأصل، وتجعل حينئذٍ -إذا بقيت العمل- تُجعل (ما) ملغاة، يعني: في الأصل إذا أبطلت عملها صارت (ما) كافة –كفت-، وإذا أعملت حينئذٍ (ما) ملغاة، ليس لها وظيفة ليس لها عمل، وإنما عملها شيء معنوي هذا هو الأصل الذي دخلت من أجله، إنما زيد، (ما) هنا لها عمل، لها تأثير، وهو شيء معنوي كونها منعت (إن) من النصب، حينئذٍ قد لا تعتبر هذا المعنى فتجعلها ملغاة، فوجودها وعدمها سواء، فتقول: إنما زيداً بالنصب، و (ما) هذه ما دورها؟ لا شيء ملغية، وإذا كانت ملغية حينئذٍ تسلط العامل الذي هو (إنّ) على اسمها، فبقي على الأصل. وتُجعل (ما)؛ وذلك مسموع في ليت، لبقاء اختصاصها: أَلاَ لَيَتَماَ هذَا اَلْحَمامَ لَنَا، (ليتما)، دخلت (ما) الكافة على (ليت)، أَلاَ لَيَتَماَ هذَا، هذا ما يظهر عليه الإعراب، اسم ليت وهو مبني هل هو في محل نصب، هل هو في محل رفع؟ محتمل لهذا وذاك، الحمامَ، الحمامُ روايتان، فالحمامَ هذا بدل أو عطف بيان، حينئذٍ البدل له حكم المبدل منه إعراباً، فلما نصب الحمامَ علمنا أن هذا (ذا) اسم ليت في محل نصب، وروي: الحمامُ بالرفع، إذاً: ذا مبتدأ وليس اسماً لـ: ليت، ليتما هذا، هذا (ذا) نقول: هذا مبتدأ في محل رفع، لماذا؟ لأن ليت دخلت عليها ما فكفتها عن العمل صارت مهملة، الدليل على هذا أن (الحمامَ) رفع بالضم، فدل على أن ما قبله مبتدأ؛ لأن النعت يأخذ حكم المنعوت وكذلك البدل. إذاً: لَيَتَماَ هذَا اَلْحَمامَ، هذَا اَلْحَمامُ دل على أن هذا له حالان -اعتباران- اعتبرت (ما) أنها كافة حينئذٍ أبطلت عمل ليت، (ما) صارت ملغية لا وجود لها لا تأثير لها أعملت ليت.

وأما البواقي فذهب الزجاج وابن السراج إلى جوازه فيها قياساً، فتبعهم الناظم رحمه الله تعالى، ووافقهم الناظم هنا، ومذهب سيبويه المنع لزوال الاختصاص بخلاف ليت، فإنها باقية على اختصاصها بالأسماء، وهذا هو الأولى الذي ينبغي ترجيحه: أن هذه يستثنى منها ليت فحسب إذا دخلت عليها (ما)، وأما ما عداها فحينئذٍ نقول: اللغة الدارجة والمطردة في لسان العرب أنها تلغى، حينئذٍ (ما) تعتبر كافة، وما ورد في لسان العرب من بعضها حينئذٍ نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، إنما زيداً قائمٌ -ما حكاه الأخفش والكسائي- نقول: شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وأما القياس على (ليتما) قياس فاسد، لماذا؟ لأنه باتفاق أن هذه الأحرف إنما أعملت لاختصاصها بالجملة الاسمية، حينئذٍ فرق بين المقيس والمقيس عليه، ليتما بعد دخول ما بقيت على أصلها، فالعلة المقتضية للعمل موجودة، ولذلك قوله: من أوجب الإعمال، حتى مع (ما) له وجه؛ لبقاء الاختصاص، وأما (إنما وكأنما ولعلما)، حينئذٍ نقول: هذه زال اختصاها بالجملة الاسمية، حينئذٍ العلة المقتضية للعمل هذه منتفية غير موجودة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، حينئذٍ إذا وجدت العلة وجد الحكم، وإذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم. وَوَصْلُ مَا بِذِي الحُرُوفِ مُبْطِلُ ... إِعْمَالَهَا وَقَدْ يُبَقَّى العَمَلُ وهذا قلنا: قول فيه نوع مرجوحية. قال: إذا اتصلت ما غير الموصولة بـ (إنّ) وأخواتها كفتها عن العمل إلا ليت، فإنه يجوز فيها الإعمال والإهمال، فتقول: إنما زيد قائم، ولا يجوز نصب زيد، وكذلك (أن وكأن ولكن ولعل) وتقول: ليتما زيدٌ قائمٌ، وإن شئت نصبت زيداً، وقلت: ليتما زيداً قائمٌ، وظاهر كلام المصنف: أن (ما) إن اتصلت بهذه الأحرف كفتها عن العمل، وقد تعمل قليلاً -كلها يعني-، وهذا قول مرجوح، وهذا مذهب جماعة من النحويين كالزجاج وابن السراج، وحكى الأخفش والكسائى: إنما زيداً قائم، والصحيح المذهب الأول، أنها لا تعمل البتة، وهو مذهب سيبويه وجمهور النحاة. وهو أنه لا يعمل منها مع ما إلا ليت، وأما ما حكاه الأخفش والكسائي فشاذ، واحترزنا بغير الموصولة من الموصولة، فإنها لا تكفها عن العمل، بل تعمل معها، والمراد من الموصولة التي بمعنى الذي، والتي هي مقدرة بالمصدر: إن ما فعلت حسن، يعني: المصدرية والموصولة التي بمعنى الذي، وكذلك الموصوفة، حينئذٍ نقول: هذه لا تكف إن عن العمل، إن ما عندك حسن، لو جعلتها موصوفة، يعني: إن شيئاً عندك حسن، هذه لا تكف ما. إذاً: (ما) الموصوفة و (ما) الموصولة و (ما) المصدرية لا تكف إن وأخواتها عن العمل. ثم قال: وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفَاً عَلَى ... مَنْصُوبِ إِنَّ بَعْدَ أَنْ تَسْتَكْمِلاَ وَجَائِزٌ رَفْعُكَ، جَائِزٌ هذا خبر مقدم، ورَفْعُكَ مبتدأ مؤخر، ويجوز العكس على مذهب الكوفيين؛ لأنه كقوله: وَقَدْ ... يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ، هذا مثل هؤلاء، فائز أولو الرشد، يعني: وصف لم يعتمد على نفي أو استفهام، عند البصريين لا يجو أن يكون مبتدأً، وعند الكوفيين جائز.

وَجَائِزٌ رَفْعُكَ: على مذهب الكوفيين: جَائِزٌ مبتدأ ورَفْعُكَ فاعل سد مسد الخبر، وجوزه ابن مالك على قلة، والصحيح أن: جَائِزٌ يكون خبراً مقدماً، ورَفْعُكَ مبتدأً مؤخراً، وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفاً، مَعْطُوفاً ما إعرابها؟ مفعول به للرفع: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:251]، هذا من القبيل نفسه، ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) رَفْعُكَ مَعْطُوفاً، مصدر أضيف إلى الفاعل، وهو الكاف، رفعك أنت معطوفاً، مَعْطُوفاً هذا مفعول به لـ: رَفْعُ عَلَى مَنْصُوبِ، مَعْطُوفاً عَلَى مَنْصُوبِ: جار ومجرور متعلق بمعطوف. مَنْصُوبِ إنَّ: مَنْصُوبِ مضاف وإِنَّ قصد لفظه مضاف إليه. بَعْدَ أنْ تَسْتَكْمِلا: بعد هذا متعلق برفع، رفعك مَعْطُوفاً بَعْدَ أنْ تَسْتَكْمِلا، يعني: بعد استكمال (إنَّ) خبرها، فـ: بَعْدَ مضاف وأَنْ تَسْتَكْمِلاَ مضاف إليه في محل الجر، حينئذٍ بعد استكمالها، يعني: هذه الجملة خبرها، هنا المراد بهذه المسألة إذا جاء اسم معطوف على اسم (إن) فهذا إما أن يكون سابقاً على الخبر وإما أن يكون لاحقاً بالخبر، فهما صورتان، إن زيداً قائم وعمروٌ، هذه التي عناها الناظم هناز بَعْدَ أنْ تَسْتَكْمِلا، جاء اسم بعد واو عطف بعد خبر (إنّ) واسم (إنّ)، إنّ زيداً قائمٌ وعمروٌ، وعمروٌ ما إعرابه؟ يجوز فيه النصب معطوفاً على اسم (إن) وهذا لا إشكال فيه واضح: إن زيداً قائمٌ وعمرواً، زيداً اسم إنّ قائم خبرها، الواو حرف عطف، عمرواً معطوف على المنصوب وهو اسم إن والمعطوف على المنصوب منصوب، لا إشكال. بقي الإشكال فيما لو رفع، وعمروٌ، وعمروٌ حينئذٍ له أحد وجهين، إما أن يكون

مبتدأً لخبرٍ محذوف -وعمروٌ كذلك-، يعني: وعمروٌ قائم، ويحتمل -على ظاهر كلام المصنف- أنه معطوف على محل اسم (إنّ)، وما هو محل اسم (إنّ)؟ هو المراعاة قبل دخول (إنّ)؛ لأن الأصل: زيدٌ قائم، فهو مرفوع، دخلت (إنّ)، حينئذٍ كأنها أعملت في اللفظ وبقي المحل على ما هو، فلما عطف عليه بالرفع علمنا أن المعطوف عليه له صلة بالرفع، ولا يتصور في منصوب (إنّ) أن يكون له رفع إلا من جهة كونه مبتدأً؛ لأنه قبل دخول (إنّ) هو مبتدأ، فحينئذٍ يكون زيداً له عملان –محلان-، وتسلط عليه عاملان، الابتداء؛ لأننا إذا قلنا: زيداً في المحل مرفوع، مرفوع بأي شيء بـ (إنّ)؟ (إنّ) ما ترفع الاسم، حينئذٍ يكون مرفوعاً بالابتداء الذي كان قبل دخول (إنّ)، إذاً: هذا عامل، واللفظ المنصوف نصب بماذا؟ بـ (إنّ)، حينئذٍ عاملان على معمول واحد، لكن من جهتين، والمعمول هذا له جهتان: رفع ونصب، وهذا قول باطل، لأن بالإجماع أن (إنّ) وأخواتها تعتبر من النواسخ، وليس للنسخ معنىً إلا إزالة الحكم الذي كان قبل دخول الناسخ، فحينئذٍ الرفع بعد دخول (إنّ) غير موجود، رائحة الرفع غير موجودة أصالة، لزوال العامل الذي هو الابتداء بوجود (إنّ) وهو عامل لفظي، فزيداً في اللفظ والمعنى والمحل إن صح التعبير منصوب بـ (إنّ)، وليس للابتداء وجود، وليس للمبتدئ وجود لوجود (إنّ) واسمها، فحينئذٍ إذا أبطلنا هذا الاحتمال أن يكون مرفوعاً تعين الثاني -الوجه الثاني- وهو أن يكون عمروٌ بالرفع على أنه مبتدأ حذف خبره، لكن يبقى الإشكال في توجيه قول ابن مالك رحمه الله تعالى؛ لأن هذا القول ضعيف جداً؛ أن يكون لاسم (إنّ) محل، وهو الرفع. وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفاً عَلَى ... مَنْصُوبِ إنَّ: وهو اسمها، وظاهر أنه ليس العطف؛ لأنه قال: وَجَائِزٌ رَفْعُكَ، عَلَى مَنْصُوبِ إنَّ لا يمكن أن يكون العطف هنا على اللفظ بل هو على المحل، وليس ثم محل إلا من جهتين، ما ذكرناه سابقاً، وقد زاد بعضهم: (إنّ) واسمها في محل رفع مبتدأ، وهذا أبعد أيضاً، لأن الابتداء إنما يرفع مبتدأً فقط لا يرفع شيئاً آخر، و (إنّ) وزيداً ليست بكلمة واحدة حتى يتسلط عليها الابتداء، فهذا قول ضعيف وأبعد من الأول، فتعين الثاني وهو أن يكون عمروٌ مبتدأ حذف خبره، وعمروٌ كذلك أو وعمروٌ قائم. وَجَائِزٌ: بالإجماع، رَفْعُكَ: جَائِزٌ رَفْعُكَ هذا يشعر بأن الأصل معتبر أو لا؟ إذا قيل لك: يجوز لك فعل ذلك، حينئذٍ ما يقابل الجواز يعتبر أصلاً، بل ويعتبر أرجح، إذا قيل: يجوز لك كذا، حينئذٍ نقول: ما يقابل الجواز يكون أصلاً، وإذا كان أصلاً حينئذٍ مراعاة الأصول هو الأرجح، فحينئذٍ جَائِزٌ رَفْعُكَ مع النصب والنصب أرجح؛ لأنه موافق للأصل، فأشعر قوله: وَجَائِزٌ –جائز-؛ إنما أبيح لك ذلك مع كونه ليس هو الأصل في الاسم، حينئذٍ نقول: هذا يدل على مرجوحية الرفع وكون النصب هو الراجح. إذاً: يشعر قوله جائز أن النصب هو الأصل والراجح. وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفَاً عَلَى ... مَنْصُوبِ إِنَّ بَعْدَ أَنْ تَسْتَكْمِلاَ

وهنا بين لك أن الرفع يكون بشرطين: أولاً: منصوب (إنّ)، لا لعل ولا لكن، ويزاد عليها كما سيأتي: وَأُلْحِقَتْ بِإِنَّ لَكِنَّ وَأَنْ، وأما ليت ولعل وكأن فلا، حينئذٍ الشرط الأول في جواز الرفع: أن يكون المعطوف على منصوب (إنّ)، وألحقت بها (لكن وأن) ثلاثة ألفاظ. ثم قال: بَعْدَ أنْ تَسْتَكْمِلا، الألف للإطلاق، ماذا تستكمل؟ (إن) تستكمل خبرها، فتتم الجملة: إن زيداً قائمٌ، نحو: إن زيداً آكل طعامك وعمروٌ، هذا فيه توجيه آخر فيه سعة، وليس معطوفاً على محل الاسم، قال الصبان: وليس معطوفاً على محل الاسم؛ لأن الرافع هنا الابتداء وقد زال بدخول الناسخ، كما ذكرناه، بل إما مبتدأ خبره محذوف والجملة ابتدائية، عَطْفٌ على محل ما قبلها من الابتداء إن كان جملة، أو مفرد معطوف على الضمير في الخبر إن كان فاصل كما في المثال: إن زيداً آكلٌ طعامك وعمروٌ، هنا جاء الخبر اسم فاعل، ومعلوم أن الخبر إذا جاء اسم فاعل، حينئذٍ يرفع .. -ليس الخبر عموم اسم الفاعل-؛ يرفع ضميراً مستتراً، وحينئذٍ الضمير المستتر في العطف عليه راجح ومرجوح، راجح إذا فصل بين المعطوف والمعطوف عليه وهو الضمير بفاصل، هذا سيأتينا هناك في باب التأكيد، ومرجوح إذا عطف عليه دون فاصل، إذا قيل: إن زيداً آكل طعامك، وعمروٌ، وعمروٌ هذا قلنا: مبتدأ لخبر محذوف، له وجه آخر، وهو أن يكون معطوفاً على الضمير المستتر في آكل؛ لأن آكل هذا يرفع ضميراً مستتراً، وهنا قد وجد الشرط أو ما يرجح هذا الإعراب، وهو الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه؛ لكونه ضميراً مستتراً: إن زيداً آكلٌ طعامك وعمروُ، لو قيل: إن زيداً قائمٌ وعمروٌ، عمروٌ هذا لا يصح أن يعطف على الضمير المستتر، وجوزه بعضهم لكن على ضعف، فيكون ضعيفاً، والأصح أن يقال بأنه مبتدأ لخبر محذوف، ولو عطف على ضمير قائم -عند من جوزه- جاز فيه الوجهان، لكن الأصح أنه إذا عطف على ضمير مستتر لابد من فاصل بين المعطوف والمعطوف عليه، إن زيداً قائمٌ هو وعمروٌ، لو قال: هو وعمروٌ جاز أن يعطف على الضمير المستتر، فيكون هو تأكيد للضمير المستتر كما سبق معنا. أو مفرد معطوف على الضمير في الخبر إن كان فاصل، كما في المثال، فإن لم يكن فاصل، يعني: بين عمرو والضمير المستتر، نحو: إن زيداً قائم وعمرو تَعَيَّنَ الوجه الأول، وهو كون عمرو مبتدأ حذف خبره. إذاً: هذا ما يتعلق بوجود عاطف حرف، واسم معطوف بعد استكمال (إنّ) اسمها واخبرها، لو تقدم هذا الاسم قبل الخبر: إن زيداً وعمرواً وعمروٌ قائمان، اختلف الحكم أو لا؟ اختلف؛ لأن المسألة مفروضة في تأخر الاسم المرفوع، والآن تقدم.

فإن عطف على المنصوب قبل استكمال إن خبرها تعين النصب عند الجمهور، وجب النصب: إن زيداً وعمرواً قائمان، لا يجوز: إن زيداً وعمروٌ قائمان لا يجوز هذا، لماذا؟ لما يلزم على الرفع من العطف قبل تمام المعطوف عليه؛ لأن الأصل: وعمروٌ، حينئذٍ نقول: وعمروٌ إن عطف على (إنّ) وخبرها، نقول: عطف على شيء قبل تمامه، فكأنه حشر بين جزئي كلمة، إن زيداً عمروٌ قائمٌ نقول: عمروٌ كأنه حشر بين جزئي كلمة، مثل الياء من زيد، فحينئذٍ كونه يعطف على قائم: زيدٌ قائمٌ قبل استيفاء واستكمال الخبر، نقول: هذا ممنوع وسيأتي إن شاء الله في باب العطف؛ لما يلزم على الرفع من العطف قبل تمام المعطوف عليه إن جعل من عطف الجمل، ومن تقدم المعطوف على المعطوف عليه إن عطف المرفوع على الضمير في الخبر. حينئذٍ إذا قيل: إن زيداً وعمروٌ قائمٌ بالرفع، لو قيل: بأنه معطوف على الضمير المستتر في قائم صار تقدم المعطوف على المعطوف عليه، وهذا في المفردات وسيأتي معنا أنه ممنوع أيضاً. وأجاز الكسائي الرفع مطلقاً، إذاً: مذهب البصريين أنه يجب النصب: إن زيداً وعمرواً قائمان –واجب النصب-، ولا يجوز فيه الرفع، وأجاز الكسائي الرفع مطلقاً، سواء قبل الاستكمال وبعده، بعد الاستكمال لا إشكال فيه، وأما قبل الاستكمال هذا محل إشكال، لماذا أجازه؟ قالوا: استدلالاً بقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [المائدة:69]، هذه الآية يقع فيها إشكالات عند النحاة: (إِنَّ) حرف توكيد ونصب، الَّذِينَ: اسمها منصوب -في محل نصب-، الَّذِينَ آمَنُوا: صلة المنصوب، وَالَّذِينَ هَادُوا: معطوف على المنصوب، وَالصَّابِئُونَ: جاء الإشكال، إذاً: قبل استكمال إن خبرها جاء اسم مرفوع -في أفصح الكلام ليس لك حجة-، فحينئذٍ جوز الكسائي الرفع قبل استكمال الخبر، وكذلك جاء: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ)، ((وَمَلائِكَتَهُ)) [الأحزاب:56] على مذهب البصريين، وملائكتُه بالرفع، إذاً: قبل استكمال الخبر، يُصَلُّونَ خبر: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ) يُصَلُّونَ خبر، إذاً جاء اسم معطوف على اسم (إنّ) قبل استكمال الخبر وهو مرفوع، والبصريون يوجبون النصب، كذلك قوله: فَإنِّي وَقَيَّارٌ بَهَا لَغَريبُ، فَإنِّي وَقَيَّارٌ: معطوف على الياء، وجاء بالرفع.

إذاً: جوز الكسائي الرفع قبل استكمال الخبر، ولكن البصريين يأبون ذلك، ويقولون: لابد من التخريج إما على التقديم والتأخير، وإما على الحذف إما هذا وإما ذاك، إما ثم محذوف في الكلام، يعني: (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) نجعلها مبتدأ خبره محذوف: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، مبتدأ وخبر والجملة معترضة: ((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ))، فقوله: ((فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)) هذا خبر (إنّ)، وجملة: وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، جملة معترضة، أو على التقديم والتأخير، أي: تقديم المعطوف وتأخير الخبر والقصد العكس، والتقدير: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا .. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، ومَنْ آمَنَ في محل رفع بالابتداء وخبره: فَلا خَوْفٌ إلى آخره، والجملة خبر (إنّ)، وخبر وَالصَّابِئُونَ المحذوف، أي: كذلك كما علم. إذاً: إذا جعلناه على التقديم والتأخير يكون التركيب: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا .. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، كأننا جعلنا الكلام جملتين أتممنا الجملة الأولى، ثم قلنا: وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ .. انتهت الآية مبتدأ وخبر، فَلا خَوْفٌ هذه جملة، وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى كذلك، صارت جملة مستقلة، وهذا أولى، ويجوز أن يكون: مَنْ آمَنَ خبر الصَّابِئُونَ، وخبر (إنّ) محذوف لدلالة خبر الصَّابِئُونَ عليه، فالحذف على هذا من الأول لدلالة الثاني وعلى الأول من الثاني لدلالة الأول وهو الكثير والعائد على كلٍ محذوف أي: مَنْ آمَنَ منهم، يجوز أن يكون: (مَنْ آمَنَ) خبر وَالصَّابِئُونَ، يعني: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا، وقفنا، أين خبر (إنّ)؟ محذوف، وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مبتدأ، مَنْ آمَنَ خبر المبتدئ الذي هو الصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى، أغنى خبر الصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى عن خبر (إنّ)، حينئذٍ حذف من الأول لدلالة الثاني عليه -عكس الأول-، فحينئذٍ: مَنْ آمَنَ فَلا خَوْفٌ –الجملتان- إما نجعل واحدة منها خبر لـ (إنّ): (إِنَّ الَّذِينَ)، فحينئذٍ نقدر خبراً محذوفاً للصَّابِئُونَ، وإما أن نجعل من آمن خبراً للصَّابِئُونَ، ونقدر خبراً لـ (إنّ)، على كلٍ لابد من التخريج عند البصريين. وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفَاً عَلَى ... مَنْصُوبِ إِنَّ بَعْدَ أَنْ تَسْتَكْمِلاَ قال الشارح: إذا أتي بعد اسم إن وخبرها بعاطف جاز في الاسم الذي بعده وجهان: أحدهما: النصب عطفاً على اسم (إنّ) نحو: إن زيداً قائمٌ وعمراً.

والثاني: الرفع نحو: إن زيداً قائمٌ وعمروٌ واختلف فيه، فالمشهور أنه معطوف على محل اسم (إنّ) فإنه في الأصل مرفوع؛ لكونه مبتدأ -هذا ضعيف-، وهذا يشعر به ظاهر كلام المصنف، يعني: ظاهر كلام الناظم أن (إنّ) لم تنسخ الابتداء، في الحقيقة لم تنسخه، وإنما هو باقٍ بدليل ماذا؟ بدليل أن اسمها في محل رفع مبتدأ، وهذا محل إشكال، وذهب قوم إلى أنه مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: وعمرو كذلك، وهو الصحيح. بل هذا المتعين، والأول لا يجوز. فإن كان العطف قبل أن تستكمل (إنّ) أي: قبل أن تأخذ خبرها؛ تعين النصب عند جمهور النحويين، إن زيداً وعمراً قائمان، وإنك وزيداً ذاهبان، وأجاز بعضهم الرفع، وهو مذهب الكسائي لما ذكرناه سابقاً. وَأُلْحِقَتْ بِإِنَّ لكِنَّ وَأنّ ... منْ دُونِ لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنّ أُلْحِقَتْ بـ (إنّ) في ماذا؟ فيما تقدم من جواز العطف بالرفع بعد استكمال خبرها، يعني: القول السابق يقال في (أنّ) -وهي فرع (إنّ) - و (لكن)، فهذه الثلاثة الأحرف، يجوز رفع المعطوف بعد استكمال أخبارها، إما على أنه معطوف على منصوب (إنّ) كما رأى الناظم هنا، وإما أنه مبتدأ وخبره محذوف، وأما إذا كان العطف قبل استكمال (إنّ وأنّ ولكن) أخبارها، حينئذٍ وجب وتعين النصب عند البصريين.

وَأُلْحِقَتْ بِإنَّ: فيما تقدم من جواز العطف بالرفع بعد الاستكمال، لكِنَّ: ألحقت لكن، لكن هذا ما إعرابه؟ نائب فاعل قصد لفظه فهو علم، ألحقت لكن بإن باتفاق النحاة، و (أنّ) بالفتح و (أنْ) بالتخفيف للوزن، (وأنّ) المفتوحة على الصحيح، لكن باتفاق ملحقة بـ (إنّ)، و (أنّ) على الصحيح ملحقة بـ (إنّ)، إذا كان موضعها موضع الجملة، ليس مطلقاً كل (أن) لا، إذا كانت تفسر بالجملة حينئذٍ صح أن يعطف بعد استكمال خبرها بالرفع على منصوبها أو على أنه مبتدأ خبره محذوف، إذا كان موضعها موضع الجملة بأن تقدمها علم أو معناه، يعني: (أنّ) قد تقع موقع الجملة متى؟ بضابط إذا تقدمها علم أو معناه، يعني: مادة العلم، وله مثال في القرآن: ((وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ)) [التوبة:3] أذان، هذا في معنى العلم؛ بعني هو إعلام: ((أَنَّ اللَّهَ))، (أنّ) وقعت (أنّ) هنا، ((أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)) [التوبة:3]، وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ كذلك من المشركين، وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ، أو وَرَسُولُهُ معطوف على (أنّ الله) منصوب (إنّ) ((أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [التوبة:3] مِنَ الْمُشْرِكِينَ هذا خبر، وعطف عليه: وَرَسُولُهُ، وَرَسُولُهُ بالرفع إما أن يكون مبتدأً لخبر محذوف وَرَسُولُهُ كذلك، أو وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ، وإما أن يكون معطوفاً على محل اسم (إنّ) على ما رآه الناظم، واشترط ذلك أن تكون في موضع جملة لا مطلقاً (أنّ)؛ لأنها حينئذٍ بمنزلة المكسورة، إذا فسرت بالجملة بعد العلم أو معناه صارت في منزلة (إن) المكسورة؛ وذلك بأن وقعت في محل الجملة بحسب الأصل لسدها معموليها بعد العلم مسد مفعوليه، وهما أصلهما المبتدأ والخبر، حينئذٍ لو قيل: أعجبني أن زيداً قائمٌ وعمرواً وعمروٌ يجوز الوجهان؟ لا يجوز، لماذا؟ لأنها لم تقع في محل الجملة: أعجبني أن زيداً قائمٌ وعمرواً بالنصب، تعين النصب، ولا نقول: يجوز فيه الرفع؛ لكونه بعد (أنّ)، لا، لأن (أنّ) مشترط فيها أن تقع محل الجملة، وهنا وقعت محل مفرد: أعجبني أن زيداً قائمٌ، أعجبني قيام زيد فهو فاعل، إذاً: وقعت محل المفرد، وحينئذٍ لا يجوز الرفع، بل يتعين النصب: أعجبني أن زيداً قائمٌ وعمرواً؛ لتعين النصب لأنها ليست في موضع جملة. وَأُلْحِقَتْ بِإنَّ (لكِنَّ) قلنا: باتفاق، وَأنَّ: المفتوحة على الصحيح. منْ دُونِ لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ: قيل هذا الشطر يستغنى عنه؛ لأنه قال: وَأُلْحِقَتْ بِإنَّ لكِنَّ وَأنّ إذاً: معلومه بالمفهوم أن لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ ليست ملحقة به، إذاً: ما الفائدة من قوله: (منْ دُونِ لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ)؟ فـ: لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ إذا جاء بعدها معطوف بعد أخبارها تعين النصب، ولا يجوز فيه الرفع، حيث لا يجوز في المعطوف مع هذه الثلاث إلا النصب تقدم المعطوف أو تأخر لزوال معنى الابتداء معها.

منْ دُونِ لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ: قيل: لو استغنى عن هذا الشطر لم يخل بالمعنى، المعنى باقٍ، وأجيب: بأن مفهوم (أنّ)، و (لكن) مفهوم لقب، إذا قلنا: أُلْحِقَتْ بِإنَّ لكِنَّ وَأنَّ، بمفهوم هذين الحرفين علمنا أن لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ، لكن ما نوع المفهوم؟ هذا مفهوم لقب، ومفهوم اللقب ضعيف عند الكثير، فدفعاً لهذا الإيهام لئلا يُخرج بـ (لكن) و (أنّ) ما ذُكر صرح الناظم بذلك المفهوم، إذاً: تصريحه بقوله: (منْ دُونِ لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ) وإن كان مفهوماً من الشطر الأول، إلا أن جهة الفهم لقبية، ومفهوم اللقب هذا فيه ضعف، قد يقول قائل: لا، ما أراد الناظم هذا، حينئذٍ يحتاج أن يحترز عنه، فنص على ذلك دفعاً لهذا الوهم، وأجيب: بأن مفهوم (أنّ) ولكن مفهوم لقب وهو ضعيف، فخاف المصنف أن لا يعتبره أحد بضعفه، فنطق بذلك المفهوم. وَأُلْحِقَتْ بِإِنَّ لكِنَّ وَأنّ ... منْ دُونِ لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنّ إذاً: (لَيْتَ وَلَعَلَّ وَكَأَنَّ) لا يجوز معها إلا النصب، سواء تقدم المعطوف أو تأخر، ليت زيداً وعمرواً قائمان، وليت زيداً قائمٌ وعمرواً بالنصب واجب النصب، واجب النصب على ماذا؟ واجب النصب على أي شيء؟! معطوف على اسم ليت، ولا يجوز فيه الرفع، علمتُ أن زيداً قائمٌ وعمروٌ، علمتُ أن زيداً قائمٌ وعمروٌ وعمرواً يجوز أو لا يجوز؟ جائز، لماذا؟ (أنّ) هنا في موضع الجملة؛ لأنها حلت محل مفعولي علِمَ، وعمروٌ حينئذٍ نعربه مبتدأ خبره محذوف، وعمرواً معطوف على اسم أن. ما زيدٌ قائماً، لكن عمرواً وخالداً منطلقان، ما زيد قائماً، هذا ليس فيها شاهد، لكن عمرواً وخالداً منطلقان، هنا جاء الاسم المعطوف قبل استكمال الخبر فوجب النصب، لو تأخر: لكن عمرواً منطلقٌ وخالدٌ –بالرفع-؟ جاز الوجهان؟ لكن خالداً منطلق وعمرواً واجب النصب؛ لأنه بعد لكن. وَأُلْحِقَتْ بِإنَّ لكِنَّ: إذاً: يجوز فيها الوجهان، النصب والرفع، النصب عطفاً على اسم لكن، والرفع على أنه مبتدأ لخبر محذوف. وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ ... وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إِنْ بَدَا ... مَا نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا وَخُفِّفَتْ إنَّ: خُفِّفَتْ هذا فعل مغير الصيغة، و (إنّ) نائب فاعل، (فقل) قلًَّ فعل ماضٍ والفاء هذه عاطفة، (فَقَلَّ الْعَمَلُ) هذا فاعل، (وَخُفِّفَتْ إنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ): بشرط تخفف (إنّ)، بمعنى أنها تحذف إحدى النونين، فيقال: (إنْ)، بدل الشدة: (إنَّ) تقول: (إنْ)، إنْ زيداً قائمٌ، إن زيدٌ لقائمٌ، حينئذٍ إذا خففت إن بحذف إحدى النونين قال: قَلَّ الْعَمَلُ. فَقَلَّ الْعَمَلُ، القليل العمل والكثير عدم العمل الإهمال. إذاً: كونها لا تعمل بعد التخفيف أكثر من إعمالها: إنْ زيداً قائمٌ يجوز؟ قل العمل. قليل، يعني: ليس بشاذ هو لغة، إذا قيل: معناه ليس بنادر أو أندر، إذا قيل: نادر هذا مختلف فيه هل يقاس عليه أم لا؟ وإذا قيل: أندر، أو حكم عليه بكونه شاذ هذا محل وفاق لا يقاس عليه، وأما النادر هذا محل نزاع، والصحيح أنه ما يعتبر لغة مطردة، وإنما قد يستعان به في الشعر ونحوه.

الحاصل: (وَخُفِّفَتْ إنَّ) إنْ زيداً قائمٌ، (إنْ) حرف توكيد ونصب، حذفت إحدى النونين طلباً للخفة لكثرة الاستعمال، حينئذٍ بقي عملها كما هو: زيداً اسم (إنّ) منصوبٌ بها وقائم خبرها. (فَقَلَّ الْعَمَلُ) معناه أنها قد لا تعمل، بل هو الكثير، فتقول: إن زيدٌ بالرفع على الأصل، كأنها لم تدخل (إنّ)، إن زيدٌ لقائمٌ، بالرفع على أنه مبتدأ وقائم خبرها، و (إنْ) هذه هل لها أثر من جهة العمل؟ ليس لها أثر، وجودها -من جهة العمل- وجودها وعدمها سواء؛ لأنها لم تنصب المبتدأ على أنه اسم لها، ولم ترفع الخبر على أنه خبرٌ لها، بل يقال: إنْ زيدٌ، زيدٌ مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، واللام هذه فارقة وقائم خبر زيد مرفوع بالمبتدأ. وَخُفِّفَتْ إنَّ: عرفنا التخفيف هو بإسقاط إحدى النونين، فتقول: (إنّ) تخففها إنْ زيداً فَقَلَّ الْعَمَلُ، (إنْ) المكسورة خففت لماذا؟ قالوا: لثقلها، فيكثر إهمالها، لقوله فَقَلَّ الْعَمَلُ، فيكثر إهمالها لزوال اختصاصها ويجوز إعمالها، لكنه قليل، وَخُفِّفَتْ إنَّ –المكسورة- بشرط أن لا يكون اسمها ضميراً، أما إذا كان اسمها ضميراً فلا يجوز بل تبقى على أصلها، وأن يكون خبرها صالحاً لدخول اللام، فإن لم يكن كذلك فلا، إن زيداً ضربَ عمراً، إنْ زيدٌ ضربَ عمراً، يصح؟ لا يصح، لماذا؟ لأن ضرب هذا مثل كـ (رضي) مثل رضي، لا يجوز أن تدخل عليه اللام إلا إذا قرن بـ (قد)، حينئذٍ يشترط في (إن) التي تخفف أن يكون خبرها صالحاً لدخول اللام، فحينئذٍ: إن زيداً ضرب لا يصح تخفيفها، وكذلك إذا كان اسمها ضميراً، ويستثنى الخبر المنفي الذي دخلت عليه أداة النفي: وَلاَ يَلِي ذِي الَّلاَمَ مَا قَدْ نُفِيَا إذاً: المنفي لا يلي اللام، لكن هنا يستثنى.

وأما الخبر الذي لا يصلح أن تدخل عليه اللام إلا هذا الموضع حينئذٍ نستثني؛ لأنه وإن لم تدخل عليه اللام لا يتوهم معه أن (إنْ) نافية؛ لأنك إذا قلت مثلاً: إن زيداً لم يقم، خففها: إنْ زيداً لم يقم، (إنْ) هذه لا تلتبس بـ (إنْ) النافية، لماذا؟ للعمل، إذا كان العمل ظاهراً، إنْ زيداً، (إنْ) النافية لا تعمل، فحينئذٍ إذا نصبت بـ (إنْ) المخففة لا لبس مع (إنْ) النافية متى يقع اللبس؟ إن رفعتَ ما بعدها، إنْ زيدٌ قائمٌ هذا يحتمل: ما زيدٌ قائمٌ إن زيدٌ قائمٌ، يحتمل أن تكون (إنْ) نافية، ويحتمل أن تكون (إنْ) مخففة من الثقيلة؛ لأنه ليس عندنا شيء ظاهر يدل على نوعية (إنْ) هذه، لو نصبنا إنْ زيداً، عرفنا أنها مخففة، إذا رفعنا (إنْ) النافية ما بعدها مرفوع، و (إنْ) المخففة من الثقيلة ما بعدها مرفوع، حينئذٍ: إن زيدٌ قائمٌ، هل هذا إثبات أم نفي؟ التبس الأمر، فحينئذٍ قالوا: إذا أهملنا (إنّ) المخففة فحينئذٍ وجب اتصال أو دخول اللام الفارقة على خبر (إنْ)، إلا إذا وجدت قرينة لفظية أو معنوية فيستغنى عنها كما سيأتي، فحينئذٍ إذا قيل بالنفي: إن زيدٌ لم يقم، هنا عندنا قرينة لفظية أن (إنْ) هذه مخففة من الثقيلة، وليست هي النافية، لماذا؟ لأن النافية إنما يؤتى بها من أجل النفي، ولو سلطت (إنْ) النافية على هذه الجملة لصار من نفي النفي فصار إثبات، وهذا ليس مراداً، فحينئذٍ إذا وجد الخبر المنفي وقد خففت (إنّ) فصارت (إنْ) ولم تعمل لا نحتاج إلى اللام، إذاً: لم تدخل اللام على اللام كما هو الشأن هناك، الشأن هناك (للا) متشابهان قلنا: دخلت اللام على لا، فصار ثقل في اللسان، لكن هنا لم تدخل، لماذا؟ لأننا لم نحتج إليها؛ لأن القرينة اللفظية وهو وجود (لم ولن ولا) يدل على أن (إنْ) هذه مخففة من الثقيلة وليست (إنْ) النافية، ولذلك استثني من عدم صلاحية الخبر للام المنفي، قلنا: يشترط في (إنْ) إذا أردنا تخفيفها أن يكون خبرها صالحاً لدخول اللام، -قاعدة عامة-، صالحاً لدخول اللام، نستثني ماذا؟ المنفي، لماذا نستثنيه؟ لأنه لا يلتبس مع (إنْ) النافية، وإنما يعرف بصورته المحسوسة أن (إنْ) حينئذٍ مخففة من الثقيلة؛ لأنه وإن لم تدخل عليه اللام لا يتوهم معه أن (إنْ) نافية. وَخُفِّفَتْ إنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ: العمل (أل) في العمل إما للعهد، وهو العمل المذكور، ما هو؟ نصب المبتدأ ورفع الخبر، وحينئذٍ (أل) هذه للعهد الذهني أو نجعلها نائبة عن الضمير، كما هو مذهب الكوفيين، فقل عملها، إما (أل) عهدية، وإما نائبة عن الضمير، وإما بدل من الضمير، والتقدير: فقل عملها.

وَخُفِّفَتْ إنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ: ما علة التخفيف - (إنْ) المكسورة-؟ نقول: لثقلها (إنّ) ثلاثة أحرف، و (إنْ) حرفان، فيكثر إهمالها لزوال اختصاصها، ويجوز إعمالها، وكثر الإهمال، قالوا: لزوال الاختصاص، نحو: ((وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ)) [يس:32]، وَإِنْ كُلٌّ، وَإِنْ كُلٌّ (لمَّا) أو (لمَا)؟ في النصب (لمَا)، ((وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ))، (إنْ) مخففة من الثقيلة، كُلٌّ ما إعرابه؟ مبتدأ، مثل: إن زيدٌ قائمٌ، (إنْ) مخففة من الثقيلة، إذا كان ما بعدها منصوب منطوقاً به فهو واضح بين، حينئذٍ تجعله اسماً لها، فهو منطوق به، هنا: ((وَإِنْ كُلٌّ)) بالرفع، إذاً: لن يكون اسماً لها، فحينئذٍ هذه (إنْ) مخففة من الثقيلة وأهمل إعمالها -لم تعمل-. وجاز إعمالها للأصل: وإن كلاً لما بالتخفيف، وإن كلاً: إذاً: أعملت (إنْ) هنا على الأصل، إعمالاً للأصل، وإنما قل هنا العمل وبطل فيما إذا كفت بـ (ما)، إذا كفت بـ (ما) بطل العمل، إنما زيدٌ قائمٌ قلنا: الصحيح أنها لا تعمل، هنا خففت فقل العمل جاز العمل، لماذا لا نقول هنا كما قال ابن مالك: وَقَدْ يُبَقَّى الْعَمَلُ؟ هو سوى بينهما المسألة عنده واحدة، لكن الإشكال عندنا، إذا قلنا: بأنه في السابق، وَقَدْ يُبَقَّى الْعَمَلُ فيه نظر باعتبار ما عدا ليت، والصواب أنه يعتبر شاذ ولا يقاس على ليت. هنا زال الاختصاص بتخفيف إنّ (إنْ) ومع ذلك بقي العمل وإن كان قليلاً، وهذا القيل لغة فصيحة، ولذلك جاء في القرآن، ما الفرق بين المسألتين؟ نقول: وإنما قل هنا العمل وبطل فيما إذا كفت بـ (ما) مع أن العلة في الموضعين زوال الاختصاص بالأسماء؛ لأن المزيل هناك أقوى، (ما) هذا لفظ فهو قوي، أجنبي زِيدَ على اللفظ، وهو لفظ وهو قوي، كذلك زيد، يعني: هو أجنبي خارج عن الجملة، وهو بخلافه هنا فإنه نقصان بعض الكلمة، فالمانع هناك أجنبي، وهو لفظي وهو كلمة زائدة بلفظها، كلمة: (ما)، وهنا (إنْ) ليس عندنا إلا حذف إحدى النونين فحسب، فهو شيء من جزء الكلمة وليس بشيء خارج عنها، والسماع هو المعتبرز فإنه نقصان بعض الكلمة، ومحل ما ذكر إن ولِيَها اسم، فإن وليها فعل وجب الإهمال، -هذا لا إشكال فيه، يعني: لو جاء بعد (إنْ) المخففة فعل هل نقول يجوز فيها الوجهان؟ لا؛ لأنه زال اختصاصها فدخلت على الجملة الفعلية، إذاً: ما بعدها يعتبر جملة فعلية، إما فعل ماضي أو مضارع .. إلى آخره-. ولا يدعى الإعمال وأن اسمها ضمير الشأن والجملة الفعلية خبرها، بل الصواب أن يقال: بأن (إنْ) حينئذٍ تكون ملغاة، وإن خففت عن الثقيلة؛ لأن الفعل قد تلاها.

وَتَلْزَمُ الَّلامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ: عرفنا: وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ: متى تخفف وما الحكم، الإهمال كثير والأعمال قليل، إذا أهملت حينئذٍ قلنا: هي في اللفظ بمنزلة (إنْ) النافية، في اللفظ: إنْ زيدٌ قائم، في اللفظ الواحد، هذا إذا أهملت، حينئذٍ إما أن توجد قرينة لفظية أو معنوية تبين أن هذه (إنْ) إما نافية وإما مخففة وإما أن لا توجد، إن وجدت قرينة لفظية أو معنوية حينئذٍ صارت هي الدليل على توجيه (إنْ) هل هي مخففة أم أنها نافية، يعني: يُعلم من السياق أو من اللفظ أن هذه (إنْ) مخففة أو أنها (إنْ) النافية، إذا لم يوجد هذا ولا ذاك وجب دخول اللام على خبر (إنْ)، فإذا دخلت اللام على خبر (إنْ) تعين أن تكون (إنْ) هذه مخففة من الثقيلة، ولذلك قال: وَتَلْزَمُ الَّلامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ: تلزم وجوباً، اللام: الفارقة بين كون (إن) مخففة أو نافية، إِذَا مَا تُهْمَلُ: يعني: إذا تهملُ، إذا أهملت إنّ - (إنْ) المخففة من الثقيلة-، والتبست بـ (إنْ) النافية حينئذٍ وجب دخول اللام -اللام الفارقة- على خبر (إنْ). وَتَلْزَمُ الَّلامُ الفارقة إِذَا مَا تُهْمَلُ للتفرقة بينها وبين (إنْ) النافية، ومَا هذه زائدة، إذا تهمل، فإذا أهملت ولم تعمل، حينئذٍ وجب اتصال اللام بخبرها إذا التبس بـ (إنْ) النافية. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ... !!!

40

عناصر الدرس * أحكان (إن) المخفة * أحكام (أن) المخففة * أحكام (كأن) المخففة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ س: أليس الأولى أن يقدم الناظم وجوب التقديم ووجوب التأخير ثم يجعل الجواز؟ ج: لا لا، اصطلاحاً ما في بأس، يقدم هذا وذاك، والأصل الجواز: وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ إِذ لاَ ضَرَرا، هذا الأصل جواز الأمرين، أما إذا وجب تقديم أو تأخير هذا خلاف الأصل. س: ذكر ابن عقيل أن قول الناظم: وَجَوَّزُوا التَّقْدِيمَ خلافاً، فهل فيه فائدة؟ ج: نعم مسألة منع الكوفيين؛ لأن النسخة ما هي جيدة، التحقيق فيه كلام فيه سقط أو فيه شيء يعني، السيوطي تعرض لها في جمع الجوامع. س: لماذا ترك ابن مالك رحمه الله تعالى لفضة باب عند التبويب، هل فيه نكتة؟ ج: الله أعلم. س: لماذا لم تحذف كان من قوله تعالى: ((أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ)) [القلم:14]؟ ج: تحذف؟! ما يقال تحذف، نزَر ونرُر فيه وجهان ما في بأس، لكن نزَر من أجل البيت فقط. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ ... وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ إذاً: (إِنَّ) تخفف بحذف إحدى النونين، فيقال: (إنْ)، ثم يقل العمل ويكثر الإهمال، فيقال: (إن زيد لقائم، إن زيداً قائم)، حينئذٍ يجوز فيه الوجهان بالشروط التي ذكرناها سابقاً. وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ: إذا أهملت حينئذٍ قلنا قد تلتبس بـ (إن) النافية، إذا لم توجد قرينة لفظية أو معنوية، إذا لم توجد قرينة لفظية أو معنوية حينئذٍ وجب قال: تَلْزَمُ، إذاً يجب، يجب ماذا؟ دخول اللام على الخبر. (وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ ... ... لاَمُ ابْتِدَاءٍ) فإذا وجدت اللام حكمت على أن هذه (إن) مخففة من الثقيلة، إذا لم تجد اللام حكمت عليها بأنها (إن) النافية: إن زيد لقائم، هذه مخففة من الثقيلة، والدليل: اللام. إن زيد قائم هذه نافية. وَتَلْزَمُ اللاَّمُ: وجوباً -اللام الفارقة-. إِذَا مَا تُهْمَلُ: إذا أهملت (إن) المخففة من الثقيلة فلم تعمل، حينئذٍ تلتبس بـ (إن) النافية، إذ اللفظ واحد، حينئذٍ لا يفرق بين هذا وذاك، إن زيد قائم إن زيد قائم، هل المراد إثبات أم نفي؟ لا يميز إلا اللام. ثم قال: وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا ... : (رُبَّمَا) رب للتقليل، الأصل أنها مختصة بالأسماء. فَكُلُّ مَا رُبَّ عَلَيْهِ تَدخُلُ ... فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ وإذا دل على أنه نكرة فهو اسم، هنا دخلت عليه (ما)، وسوغت دخوله على جملة فعلية: (رُبَّمَا اسْتُغْنِيَ)، استغني هذه جملة فعلية دخلت عليها (رب)، الذي سوغ ذلك هو وجود (ما)، و (رب) هنا للتقليل و (ما) كافة، كفت (رب) عن الدخول على الجملة الاسمية؛ لأنها من خصائصها؛ لأنها تعمل الجر: رب رجل، وإذا دخلت عليها (ما) حينئذٍ كفتها: ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحجر:2]، رُبَّمَا هي (رب) نفسها، لكن مخففة لغة: ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا))، دخلت على الجملة الفعلية، ما الذي سوغ الدخول على الجملة الفعلية وهي مختصة بالنكرات؟ (ما) الكافة كفتها، وكونها كفتها من جهة الأثر.

إذاً: رُبَّمَا للتقليل، استُغْني عَنْها -عن اللام- جار ومجرور متعلق بمحذوف نائب فاعل، استُغْني هذا مغير الصيغة وعَنْها نائب فاعل، والضمير يعود إلى اللام، متى؟ إِنْ بَدَا: إن ظهر. (مَا) فاعل بدا. نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِداً: إذا ظهر للمستمع ما الذي نَاطِقٌ متكلم أَرَادَهُ، يعني: أراد الناطق المعنى الذي أراده مُعْتَمِداً على قرينة لفظية أو معنوية. إن وجدت هذه القرينة اللفظية أو المعنوية وعلم مراد المتكلم الناطق بكون هذه إن مخففة من الثقيلة استغني عن اللام، إذاً متى وجبت اللام؟ عند اللبس، عند الالتباس، متى يقع اللبس؟ إذا لم يفهم مراد المتكلم، متى يفهم مراد المتكلم؟ إذا قام قرينة لفظية أو معنوية. وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا. قلنا: وَتَلْزَمُ، هذا عام. وَتَلْزَمُ الَّلامُ إذَا مَا تُهْمَلُ: إذا أهملت –مَا: زائدة- إذا أهملت لزمت اللام -جاء تخصيص-. وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إنْ بَدَا ... مَا نَاطِقٌ: في الأول: وَتَلْزَمُ اللاَّمُ مطلقاً، سواء عرفنا مراد المتكلم أم لا، جاء التخصيص لبعض أفراد العام السابق، فقيل: رُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا عن اللام متى؟ إن ظهر لنا (ما)، يعني: المعنى نَاطِقٌ أرَادَهُ، أرَادَهُ يعود على (ما) خبر المبتدأ، نَاطِقٌ هذا مبتدأ، وأرَادَهُ الجملة خبر، ومُعْتَمِداً حال، حال كونه معتمداً، على قرينة لفظية، نحو: إنْ زيدٌ لن يقومَ، إذا وجدت النفي في الخبر حينئذٍ احكم عليها -احكم أن (إن) - بأنها مخففة من الثقيلة ليست نافية، لماذا؟ لأنها لو كانت نافية لصار نفي النفي إثبات وليس هذا مراد المتكلم، هو أراد نفي القيام عن زيد، لو قيل: ما زيد لن يقوم -ركاكة هذه-: ما زيد لن يقوم صار نفي نفي، حينئذٍ يقتضي الإثبات، وليس هذا مراد المتكلم. إذاً: إذا وجد النفي -حرف النفي (لا) أو (لن) أو (لم) -في الخبر -متصلاً بالخبر-، فاحكم على (إن) بأنها مخففة من الثقيلة. إذاً: اسْتُغْنِيَ عَنْهَا في هذا الترتيب مع كونها مخففة من الثقيلة لوجود القرينة اللفظية، وهي حرف النفي: (لم) و (لن)، ومثله: (إنِ الْحَقُّ لاَ يَخْفَى عَلَى ذِيْ بَصِيْرَةٍ)، لاَ يَخْفَى، هذا خبر (إن)، وهذه مخففة من الثقيلة قطعاً، لماذا؟ (إنِ الْحَقُّ لاَ يَخْفَى)، إذاً: كون الخبر منفياً دل على أن (إن) مخففة من الثقيلة، حينئذٍ هي مهملة، وهذه قرينة لفظية وليست معنوية، وأما المعنوية كقول الشاعر: ونَحْنُ أُباة الضَّيْمِ مِنْ آلِ مالِك ... وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ

(وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ)، وَإِنْ مَالِكٌ، (وَإِنْ) هذه مخففة من الثقيلة وهي المهملة، ولم تدخل اللام على الخبر، وَإِنْ مَالِكٌ لكَانَتْ ما أدخل اللام لماذا؟ لأن المعنى واضح، هو ماذا يريد؟ يريد مدح، وإذا أراد المدح ينفي أو ثبت؟ يثبت قطعاً، (وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ)، لو قال: ومَا مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ، مدحه أو ذمه؟ هذا ذم، فحينئذٍ هذه قرينة معنوية -السياق كونه أراد المدح والثناء- نقول: هذه قرينة معنوية دلالة المقام على المدح، حينئذٍ دل على أن الكلام في الإثبات لا في النفي. وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا: عن اللام السابقة. إِنْ بَدَا: ظهر. مَا: أي: معنى. نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا: إذا ظهر المعنى -معنى المتكلم أو المعنى المراد- من الكلام بقرينة لفظية -كما ذكرنا- أو معنوية، حينئذٍ استغني عنها عن اللام فلا تدخل. إذا خففت إن فالأكثر في لسان العرب إهمالها، فتقول: إن زيد لقائم، وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين إن النافية، هل هذه اللام لام الابتداء، أم أنها لام تسمى لام فارقة وليست هي عين لام الابتداء؟ خلاف طويل عريض لا فائدة منه، ولكن الصحيح أنها لام فارقة وليست هي لام الابتداء؛ لأنها تدخل على ما لا تدخل عليه لام الابتداء، حينئذٍ دل على أنها لام مغايرة لتلك، لكن لا ينبني عليه شيء -عمل-. لزمتها اللام فارقة بينها وبين (إن) النافية، ويقل إعمالها فتقول: إن زيداً قائم، وحكى الإعمال سيبويه، والأخفش رحمهما الله تعالى، فلا نلزمهما حينئذٍ اللام؛ لأنها لا تلتبس، نعم إذا أعملت ظاهراً: إن زيداً لا تلزمها اللام؛ لأن بالنطق نقول: هذه إن مخففة من الثقيلة وهي معملة. لأنها لا تلتبس والحالة هذه بالنافية؛ لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر، وإنما تلتبس بإن النافية إذا أهملت، ولم يظهر المقصود، -مقصود المتكلم-، فإن ظهر قد يستغنى عن اللام كقول الشاعر ما ذكرناه، والتقدير: وَإِنْ مَالِكٌ لكَانَتْ، وحذفت اللام؛ لأنها لا تلتبس بـ (أن). واختلف النحويون في هذه اللام، هل هي لام ابتداء أدخلت للفرق بين (إن) النافية و (إن) المخففة من الثقيلة، أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق؟ وكلام سيبويه يدل على أنها لام الابتداء دخلت الفرق، والظاهر أنها ليست لام الابتداء؛ لوجود الفرق بين اللامين إذ تدخل هذه على ما يدخل لام الابتداء. وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ غَالِبَاً بِإِنْ ذِي مُوصَلاَ

وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ غَالِباً بإِنْ: عرفنا أن (إن) مخففة من الثقيلة، وإذا خففت حينئذٍ زال اختصاصها بالجملة الاسمية، فتدخل على الجملة الفعلية، حينئذٍ يرد السؤال: هل كل فعل يلي (إن) المخففة من الثقيلة، أم ثم شيء مسموع عن العرب؟ الثاني، فليس كل فعل يلي (إن) المخففة من الثقيلة، بل ثم ما هو غالب كثير في لسان العرب، وهو أن يكون الفعل الذي يلي (إن) المخففة من الثقيلة ناسخاً، ومعلوم أن الأفعال الناسخة: كان وأخواتها وكاد وأخواتها وظن وأخواتها، هذا هو الغالب، لا يلي إن المخففة من الثقيلة إلا واحد من هذه الأفعال، ومن غير الغالب أن يليها فعل ليس بناسخ، إذاً مقصوده بهذا البيت أن يبين لنا إن المخففة من الثقيلة إذا أهملت، حينئذٍ تدخل على الجملة الفعلية حيث زال اختصاصها، ثم هل كل فعل يليها أم ثم تفصيل؟ الثاني ولا شك. وَالْفِعْلُ: ما إعرابه؟ مبتدأ، إنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً، يكُ: وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ وَهْوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ حذفت النون هنا تخفيفاً. إنْ لَمْ يَكُ: أي: الفعل نَاسِخاً للابتداء، وهو كان وكاد وظن وأخواتها، كل هذه. فَلاَ تُلْفِيهِ: -فلا تجده- وَالْفِعْلُ إنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ -فلا تجده- غَالِباً بإِنْ ذِي مُوصَلاَ، غَالِباً سيأتي المراد بـ: غَالِباً، (بإِنْ ذِي) بـ (إن) ما إعراب بـ (إن)؟ جار ومجرور، كيف حرف جر يدخل على (إن)؟ حرف جر -حرف على حرف-؟ قصد لفظه. بـ (إِنْ) جار ومجرور متعلق بقوله: (مُوصَلاَ)، وذِي؟ اسم إشارة إعرابها؟ بدل أو نعت، ما في بأس، وتُلْفِيهِ يتعدى إلى مفعولين (باب ظن)، أين مفعوله الأول؟ الهاء، والثاني؟ مُوصَلاَ، هذا هو المفعول الثاني لتلفيه، تلفيه موصلاً، غَالِباً هذا ظرف وليس بحال، ومُوصَلاَ اسم مفعول من أوصل الرباعي المتعدي، وثلاثيه اللازم وصل بمعنى اتصل، وإن كان وصل يتعدى أيضاً، وإن كان الكثير أنه لازم. إذاً: موصلاً المراد به متصل. لا يوجد فعل متصل بـ (إن ذي) التي أهملت إلا وتجده ناسخاً، لكن في الغالب -في الحال الغالب-، وهذا الشأن هنا غالباً مثل الشأن في قوله: وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً: قلنا: يعني: في غالب أحوالها، وهي أن يكون خبرها؟ ؟ وَبَعْدَ لَوْلا غَالِباً، يعني: في غالب أحوالها، ما هو غالب أحوالها؟ كون عام وكون مقيد، لها طريقان لها حالان، والغالب أن يكون خبرها كوناً عاماً هي التي يجب فيها الحذف. وأما إذا كان كوناً خاصاً هذا فيه تفصيل: إن علم جاز وإلا فلا.

(غَالِباً) ظرف زمان أو مكان متعلق بالنفي؛ لأنه قال: فَلاَ تُلْفِيهِ غَالِباً، يعني: في غالب أحوال (إن) المهملة، فَلاَ تُلْفِيهِ غَالِباً، إذاً متعلق بالنفي، وأعربه محيي الدين: حال، لكن ليس بظاهر، والمعنى انتفى في غالب الأزمنة، أو في غالب التراكيب، وجود الفعل موصلاً بإن إذا لم يك ناسخاً: هذا المراد، انتفى في غالب الأزمنة أو في غالب التراكيب وجود الفعل موصلاً بـ (إن) إذا لم يكن ناسخاً، ومفهوم ذلك عكس، أنه قد يصل في بعض الأحوال، لكنه على قلة أن يكون الفعل ليس ناسخاً، ومفهوم ذلك: أن وجود الفعل الناسخ موصلاً بـ (إن) لم ينتفِ في الغالب فيصدق بالكثرة، ولو جعل متعلقاً بالمنفي لكان المفهوم أن وجود الفعل الناسخ موصلاً بـ (إن) غالبيٌ، مع أن القوم إنما ذكروا الكثرة للغلبة، يعني: النحاة يعبرون في مثل هذه التراكيب بالكثير، ولا يعبرون بالغالب، وابن مالك كثيراً ما يعبر عن الكثرة بالغالب، حينئذٍ ثم تفصيل هل هو متعلق بالنفي أو المنفي؟ خلاف لا طائل تحته. وَالْفِعْلُ إنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ: إنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً، نَاسِخاً، يشترط في الناسخ كونه غير نافٍ ليخرج ليس، يعني: غير ناف بنفسه؛ ليخرج ليس. وغير منفي: ليخرج زال وأخواتها. وغير صلة: ليخرج دام، إذاً: هذه مستثناة من الفعل الناسخ، ليس، زال وأخواتها، ودام، هذه لا تأتي بعد إن، مستثنى من قوله: وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً: يستثنى منه المنفي، ما كان نفياً بنفسه وهو ليس، أو زال وأخواتها، أو صلة وهو دام. وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ غَالِبَاً بِإِنْ ذِي مُوصَلاَ إن ولي إن المكسورة المخففة فعل كثر كونه مضارعاً ناسخاً، كثير أن يكون مضارعاً ناسخاً: ((وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ)) [القلم:51]، ((وَإِنْ يَكَادُ)) يكاد هذا فعل مضارع ناسخ، كاد يكاد، جاء بعد (إن) المخففة من الثقيلة: ((وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ))، ((وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ)) [الشعراء:186]، ((لَمِنَ الْكَاذِبِينَ)) اللام هذه داخلة على خبر (إن)، دل على أنها .. ؟ ((وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ)) يعني: ما نظنك لمن الكاذبين، أو إثبات؟ إثبات. إثبات، الدليل؟ اللام. ((إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ)) [الصافات:56]؟ مخففة من الثقيلة، كاد دكت، حذفت الألف للتخلص من التقاء الساكنين: ((وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)) [الأعراف:102]، ((وَجَدْنَا)) فعل ماضي من وجد، وهو ناسخ. وندر كونه ماضياً غير ناسخ. إذاً: الكثير أن يكون مضارعاً ناسخاً، ثم بعده في المرتبة الثانية أن يكون ماضياً ناسخاً، وندر كونه ماضياً كذلك غير ناسخ: ((وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ))، يَكَادُ قلنا: مضارع، ((وَإِنْ وَجَدْنَا)) هذا ماضي. إذاً: الماضي والمضارع الناسخ ليس بنادر، وإنما النادر كونه ماضياً غير ناسخ، ومثله: شَلَّتْ يَمينُكَ إنْ قَتَلْتَ لمُسلماً

لمُسلماً: اللام وقعت في الجواب، وإنْ هذه مخففة من الثقيلة، قَتَلْتَ، قتل هذا ليس بناسخ، فهو فعل ماضي غير ناسخ، وأندر منه كونه لا ماضياً ولا ناسخاً، يعني: ليس ماضياً غير ناسخ ولا ناسخ بنوعيه المضارع والماضي. "إنْ يَزِينُك لَنَفْسُك": نقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. إذاً المراتب على هذه: إما أن يكون ناسخاً مضارعاً وهو الأكثر، ثم ماضٍ منه -من الناسخ- وهذا بمرتبتين لكنها فصيحة والقياس عليها كثير، وإما أن يكون ماضياً غير ناسخ وهذا نادر ومختلف في القياس عليه، ثم أن يكون غير ماضٍ غير ناسخ, وهو المضارع: إنْ يَزِينُك وهذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ غَالِبَاً بِإِنْ ذِي مُوصَلاَ ودخول اللام مع الفعل الناسخ على ما كان خبراً في الأصل، نحو: ((وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)) [الأعراف:102]، يعني: اللام هنا دخلت على الأصل، للإشارة إلى كونها مخففة من الثقيلة، فاللام حينئذٍ تكون داخلة على إن المهملة مطلقاً، إلا ما استثني فيما إذا وجدت قرينة حينئذٍ يستغنى عنها، ومع غير الناسخ على معموله فاعلاً كان أو مفعولاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً، فالفاعل بقسميه نحو: "إنْ يَزِينُك لَنَفْسُك"، نفس ما إعرابها؟ فاعل دخلت عليه اللام، إذاً: هذه لام فارقة وليست لام الابتداء، لا تدخل على الفاعل، لام الابتداء لا تدخل على الفاعل. والمفعول الظاهر، نحو: إن قتلت لمسلماً، قتلت مسلماً دخلت اللام الفارقة على المفعول به، وأما المفعول الضمير فكما لو عطف على قولك: إن قتلت لمسلماً قولك وإن أهنت لإياه، دخلت على الضمير، -مفعول به وهو ضمير-، منفصل أو متصل؟ منفصل، حينئذٍ هذه لام فارقة وليست لام الابتداء، المقصود: أن دخول اللام مع الفعل الناسخ على ما كان خبراً في الأصل، وقد تدخل على المفعول وعلى الفاعل، سواء كان المفعول ظاهراً أو كان ضميراً. وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ غَالِباً بِإِنْ ذِي مُوصَلاَ وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ ... وَالْخَبَرْ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنّ هذا ما يتعلق بتخفيف (أن)، (أن) مفتوحة الهمزة (إن) في التخفيف، إلا أن (إن) إذا خففت صار الإهمال أكثر من الإعمال، وأما (أنَّ) إذا خففت حينئذٍ تلزم الإعمال على حالها وشأنها فلا تهمل، وهذا قد يقدح في أنها فرع عن (إنَّ) هذا قد يقدح فيه؛ لأنها لو كانت فرع (إنَّ) حينئذٍ لحقتها في التخفيف كما لحقتها في العمل. وَإنْ تُخَفَّفُ أَنَّ: المفتوحة. فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ: يعني: يبقى العمل، ولذلك قال: فاسمها، ولا يعبر بكون لها اسماً إلا إذا كانت عاملة، لا يقال: بأن لها اسماً إلا إذا كانت عاملة، وأما إذا لم يكن كذلك حينئذٍ صارت مبتدأً. إذاً: وَإنْ تُخَفَّفُ أَنَّ: فيقال: (أن) بحذف إحدى النونين، يبقى العمل، ولذلك قال: وَإنْ تُخَفَّفُ أَنَّ فَاسْمُهَا: واقعة في جواب الشرط، فلا يسمى اسمها إلا وهي عاملة. فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ: اسْتَكَنّ يعني: حذف من اللفظ وجوباً ونوي وجوده لا أنها تحملته؛ لأنها حرف.

اسْتَكَنّ قد يظن الظان بأن المراد به الضمير إذا اسْتَكَنّ، يعني: استتر، وليس الأمر كذلك، وإنما المراد به أنه ضمير حذف؛ لأن (أن) إذا خففت -حتى قبل التخفيف- هي حرف، والحرف لا يتحمل ضمير، بل الاسم الجامد لا يحتمل ضمير، فالحرف من باب الأولى، إذاً: فـ: اسْتَكَنّ المراد به حذف من اللفظ، ولو عبر عن الضمير بكونه مستكناً مرداً به هذا مجازٌ كما سيأتي. فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ: أي: حذف من اللفظ وجوباً، ونوي وجوده لا أنها تحملته؛ لأنها حرف، وأيضاً ضمائر النصب لا تستكن، إنما الذي يستكن ويستتر هو ضمائر الرفع أما النصب فلا. فيجب في اسمها كونه مضمراً محذوفاً وهو ضمير الشأن على رأي ابن الحاجب، أنه ضمير الشأن. اسْتَكَنّ، نقول: تجوز في قوله: استكن -هذامن باب المجاز-، وإنما هو محذوف، إذ لا يستكن الضمير إلا في الفعل أو ما أجري مجراه، وفي حاشية الملوي على المكودي، قوله: استكن من إطلاق الملزوم على اللازم؛ لأن الاستكان مستلزم للإضمار، وعدم الذكر في اللفظ، والمستكن ملزوم للضمير الغير الملفوظ؛ لأن كل مستكن مضمر كذلك ولا عكس، كالمنصوب ضمير وليس مستكناً، المستكن ضمير، وقد يكون ضميراً ليس مستكناً، المستكن يكون ضميراً؛ لأنه لا يكون إلا مرفوعاً، لكن كل ضمير مستكن؟ الجواب: لا، إذاً: بينهما عموم وخصوص مطلق؛ لأن كل مستكن مضمر كذلك ولا عكس كالمنصوب، فأراد بـ: اسْتَكَنّ أضمرا، أي: جعل ضميراً غير ملفوظ به؛ لأن الإضمار يستعمل أيضاً بمعنى الحذف، فاستعمل المشترك في معنييه، وعدل عن الحذف إلى الاستكان، ليشعر بأن اسمها لا يكون إلا ضميراً. إذاً قوله اسْتَكَنّ المراد به أنه ضمير محذوف، وليس المراد به أنه مستتر، كما هو الشأن في فاعل قم ونحوها. وَالْخَبَر اجْعَلْ جُمْلَةً منْ بَعْدِ أَنّ: إذاً: كأنه عين لك الاسم، لا يكون إلا ضميراً محذوفاً، -وهذا على رأي ابن الحاجب-. وَالْخَبَر اجْعَلْ جُمْلَةً: أي: اجعل الْخَبَرَ -هذا مفعول أول-. جُمْلَةً: مفعول ثانٍ. منْ بَعْدِ أَنّ: يعني: اجعله جملة، وهنا أطلق الجملة، قد تكون جملة اسمية، وقد تكون جملة فعلية، وفهم منه أنه لا يكون مفرداً؛ لأنه قال: (وَالْخَبَر اجْعَلْ جُمْلَةً). إذاًَ: لا يكون مفرداً، فإن جاء مفرداً حينئذٍ نقول هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، بل يجب أن يكون خبر أن المخففة: جملة اسمية أو فعلية على تفصيل آت. منْ بَعْدِ أَنّ: أَنّ هذا يقال فيه بأنه: وضع الظاهر موضع المضمر هنا، لماذا؟ لأنه الأصل أن يقول: وَالْخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ، لا يعيد (أن)، وإنما يأتي بالضمير، وهنا وضع الظاهر موضع المضمر –للضرورة-.

إن حذف الاسم سواء كان ضمير الشأن أو لا على مذهب الناظم، حينئذٍ يجب أن يكون الخبر جملة مطلقاً، إن حذف الاسم سواء كان ضمير الشأن أو لا، على مذهب الناظم، فإن ذكر الاسم جاز كون الخبر جملة وكونه مفرداً، لكن هذا على جهة الشذوذ، يعني: سمع التصريح باسم (أن)، والأصل، وجوب حذفه، فحينئذٍ إذا سمع التصريح باسم أن لا يشترط في الخبر أن يكون جملة، وإنما يشترط في الخبر أن يكون جملة إذا حذف الاسم، وأما مع وجوده فلا، قد يكون مفرداً وقد يكون جملة، لكن نقول: المسألة هذه خارجة عن الأصل، حينئذٍ لا يقاس عليها؛ يسمع ولا يقاس عليها، بل الصواب أن خبر أن لا يكون إلا جملة مطلقاً، فإذا سمع التصريح باسم أن ثم خبرها مفرد حينئذٍ نقول: هذا شذوذ وراء شذوذ لماذا؟ لأنه صرح باسم (أن) هذا -شاذ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ، ثم أخبر عنه مع التصريح بمفرده، والأصل أن يخبر عنه بجملة، ولا نقول حينئذٍ: التفصيل مراد الناظم بقوله وَالْخَبَر اجْعَلْ جُمْلَةً إذا حذف اسم (أن)، وأما إذا ذكر ولفظ حينئذٍ لا يشترط في الخبر أن يكون جملة لا ليس الأمر كذلك. بأَنْكَ رَبيعٌ وَغَيْثٌ مَريِعٌ ... وأنْكَ هُنَاكَ تَكُونُ الثِّمالاَ (بأنْكَ رَبيعٌ) (أنْك)، (أنْ) مخففة والكاف هذه اسمها، إذاً: ليس ضميراً، فصُرح بـ (الاسم)، والأصل الحذف، ثم صرح به ضميراً، صرح بماذا؟ بأنْكَ رَبيعٌ، رَبيعٌ هذا خبر مفرد، إذاً صرح بالاسم وهو الكاف، وهو الضمير لا إشكال، ثم أتى بالخبر مفرداً رَبيعٌ وَغَيْثٌ مَريِعٌ، وأنْكَ هُنَاكَ تَكُونُ الثِّمالاَ، أنْكَ هُنَاكَ تَكُونُ، هُنَاكَ مبتدأ، تَكُونُ الجملة خبر، حينئذٍ أخبر عن اسم أن وهو مصرح به ملفوظ به بجملة، -جملة فعلية-، فجمع بين الأمرين في بيت واحد، صرح بالاسم في الموضعين، وأخبر عن الاسم الأول بالمفرد، وأخبر عن الاسم الثاني بالجملة، أخذوا من هذا أن اشتراط الجملة في خبر (أن) إذا حذف اسمها، وأما إذا ذكر حينئذٍ لا يشترط، بل قد يكون مفرداً وقد يكون جملة. وَإِنْ تُخَفَّفُ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ ... وَالْخَبَرْ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ إذا خففت (أنَّ) المفتوحة بقيت على ما كان لها من العمل، لكن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفاً، -وهذا على رأي ابن الحاجب-، وخبرها لا يكون إلا جملة؛ وذلك نحو: علمت أن زيد قائم، هل تلتبس بإن النافية هذه؟؟؟؟ لماذا؟؟؟؟ أيضاً من لفظها، (أن) تلك (إن) بكسر الهمزة هذه (أن)، حينئذٍ نقول: لا لبس. فـ (أن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، وهو محذوف، والتقدير (أنْ هو)، وزيد قائم، بعضهم إذا أراد أن يقدر يقول: وأنَّ هو، وأنْ هو بالتخفيف مع ضمير الشأن، علمت أن زيدٌ قائم، علمت أنْ هو زيد قائم، أنْ هو، (أنْ) مخففة من الثقيلة حرف نصب وتوكيد، والضمير اسمها، زيد قائم تعربها مبتدأ وخبر في محل رفع خبر أن، كما هو الشأن إذا كانت مثقلة، واسمها ضمير الشأن وهو محذوف، والتقدير أنْ هو، وزيد قائم، جملة في موضع رفع خبر أن والتقدير: علمت أنْ هو زيد قائم، وقد يبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن، كقوله: فَلَوْ أَنْكِ في يَوْمِ الرَّخَاءِ سَأَلْتِنِي ... طَلاَقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ

فصرح باسم (أنْ) وهو الكاف، ثم قال: وَإِنْ يَكُنْ فِعْلاً وَلَمْ يَكُنْ دُعَا ... وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِقَدْ أَوْ نَفْي اوْ ... تَنْفِيسٍ اوْ لَوْ وَقَلِيلٌ ذِكْرُ لَوْ وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً: أراد أن يُفَصِّلَ الجملة. وَالْخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً: قلنا: هذه الجملة تشمل الجملة الاسمية والجملة الفعلية، سكت عن الجملة الاسمية، فدل على أنها لا تحتاج إلى فاصل: ((وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [يونس:10]، أنْ هُو الحمد لله رب العالمين، أنْ هُو الحمد لله، لم نحتج إلى فاصل، لماذا؟ لكون الجملة هنا الواقعة خبراً جملة اسمية: أن هو الحمد لله رب العالمين، إذا كانت جملة فعلية حينئذٍ لابد من تفصيل. قال: وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً: إذاً: إلا إن يكن اسماً أو جملة اسمية حينئذٍ لا تحتاج إلى فاصل، بالمفهوم أخرج الجملة الاسمية. وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً: هو لا يكون فعلاً، إنما يكون جملة، والمراد هنا: إن يكن صدر الخبر فعلاً، هكذا التقدير، وإن يكن صدر الخبر فعلاً. وَلَمْ يَكُنْ ذلك الفعل دُعَا: وَلَمْ يَكُنْ الواو واو الحال، ذلك الفعل، دُعَا، أي: ذا دعاء، أي: قصد به الدعاء. وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا: تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا هذا اسم يكن، ومُمْتَنِعَا: خبرها. فَالأَحْسَنُ: الفاء هذه واقعة في جواب الشرط: وإن يكن .. فَالأَحْسَنُ، فَالأَحْسَنُ فسره بعضهم بالوجوب -فيجب الفصل- وبعضهم فسره بجواز الوجهين والأرجح الفصل، وظاهر عبارة الناظم أنه يرى عدم الفصل، لكن على قبحٍ؛ لأنه أتى بأحسن، يرى جواز عدم الفصل، لكن على قبح، والأحسن هو الفصل. فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِقَدْ: الْفَصْلُ بين (أن) والفعل، يعني: لا تدخل (أن) مباشرة على الفعل، وإنما لابد من فاصل. فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ: بينه وبين أن .. بِقَدْ: بقد حرفية. أوْ نَفْي بلا، أو لن أو لم. أوْ –حرف- تَنْفِيسٍ أوْ لَوْ: هذه أربعة. وَقَلِيلٌ ذِكْرُ لَوْ: وَقَلِيلٌ -في كتب النحاة- ذِكْرُ لَوْ، وإن كان كثيراً في لسان العرب. إذا وقع خبر (أن) المخففة جملة اسمية لم تحتج إلى فاصل، وهذا واضح بين والآية واضحة بينة: ((وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [يونس:10]، وإن وقع خبرها جملة فعلية حينئذٍ لابد من التفصيل، فلا يخلو، إما أن يكون الفعل متصرفاً أو غير متصرف، إما أن يكون متصرفاً أو غير متصرف يعني: جامد، فإن كان غير متصرف جامد واضح بَيِّن أنه لا يحتاج إلى فاصل؛ لأنه قال: (وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا)، احترازاً عن: نعم، وبئس وعسى، فحينئذٍ إذا كان الفعل جامداً ولي (أن) مباشرة، ولا نحتاج إلى فاصل، دليله: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)) [النجم:39]، ((وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)) [الأعراف:185]، ((وَأَنْ عَسَى)) عسى فعل جامد ولي أن مخففة من الثقيلة بدون فاصل، هل تحتاج إلى فاصل؟ نقول: لا، لا تحتاج إلى فاصل.

((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ)) [النجم:39]، أنْ هُو ضمير الشأن اسم أن محذوف، ثم تعرب جملة ليس واسمها وخبرها، ثم تقول في محل رفع خبر (أن) مخففة، وكذلك: ((وَأَنْ عَسَى)) [الأعراف:185]. ثم إن كان متصرفاً لا يخلو إما أن يكون دعاء أو لا، لذلك قالوا: وَلَمْ يَكُنْ دُعَا. فإن كان دعاءً لم يفصل، كقوله: (() وَالْخَامِسَةَ أَنْ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا)) [النور:9]، أَنْ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا -هذا دعاء - غَضَبَ، وإن لم يكن دعاء، حينئذٍ جاءت المسألة التي معنا، فقال قوم: يجب أن يفصل بينهما إلا قليلاً، يعني: قليل من النحاة. وقالت فرقة منهم المصنف: يجوز الفصل وتركه، إذاً: فسر قوله: (فَالأَحْسَنُ) بالوجوب، لكنه ليس بظاهر عبارة الناظم، وفسر بأنه يجوز الترك والفصل، والفصل أجود وأحسن، والترك هل هو سائغ أم قبيح؟ الثاني: أنه قبيح. يجوز الفصل وتركه والأحسن الفصل، والفاصل أحد أربعة أشياء التي ذكرها الناظم، إذاً: متى يأتي الفصل؟ قال: وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً .. فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ، لكن يستثنى من الفعل الذي لا يفصل بين (أن) ومدخولها إن كان دعاء أو كان تصريفه ممتنعاً، إن كان تصريفه ممتنعاً حينئذٍ لا نحتاج إلى فاصل، وهو الجامد، وإن كان دعاء حينئذٍ لا نحتاج إلى فاصل. إن كانت الجملة اسمية لا نحتاج إلى فاصل .. إذاً: بكل قيد نخرج. وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً احتجنا إلى فاصل بالشرط الآتي: إن لم يكن فعلاً –اسمية- لا نحتاج. وَلَمْ يَكُنْ دُعَا إن كان دعا لا نحتاج: ((أَنْ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا)) [النور:9]. وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا، إن كان تصريفه ممتنعاً وهو الجامد لا نحتاج، فحينئذٍ إذا كان فعلاً وَلَمْ يَكُنْ دُعَا، وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا احتجنا إلى الفاصل، وهو واحد من أربعة أمور. (قَدْ): ((وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا)) [المائدة:113]، ((وَنَعْلَمَ أَنْ)) (أَنْ) هذه مخففة من الثقيلة، أَنْ هُو، هذا الاسم. ((صَدَقْتَنَا)) جملة الخبر. إذاً: وقع جملة فعلية، ثم ننظر فيه، هل هو متصرف؟ نعم، هل هو دعاء؟ لا، هل هو اسم؟ لا. إذاً: نحتاج إلى فاصل، لماذا؟ لكونه فعل وليس بدعاء، وليس بجامد، إذ لو كان اسماً أو كان فعل دعاء، أو كان فعلاً جامداً لم نحتج إلى فاصل، ولكن لانتفاء هذه الأمور احتجنا إلى فاصل، وهو قد. الثاني: حرف التنفيس، وهو السين أو سوف، مثال السين: ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)) [المزمل:20]، (عَلِمَ أَنْ) أنْ هُو سيكون، الخبر هو جملة يكون، فصل بين أن والخبر بالسين، ومثال سوف: وَاعْلَمْ فَعِلْمُ الْمَرْءِ يَنْفَعُهُ ... أَنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ مَا قُدِرَا (أَنْ سَوْفَ يَأْتِي)، يَأْتِي هذا فعل متصرف وليس بدعاء وقد ولي أن، وهو فعل، حينئذٍ وجب الفصل أو الأحسن الفصل -على قولين-.

الثالث: النفي كقوله: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا)) [طه:89]، (أَلَّا يَرْجِعُ) برفع يَرْجِعُ، لو فتحت صارت (أن) هذه مصدرية، لكن ((أَلَّا يَرْجِعُ)) صارت مخففة من الثقيلة، أن هو لا يرجع، يرجع هذا فعل، وهو متصرف غير جامد وغير دعاء، فحينئذٍ وجب أو الأحسن أن يوصل بين (أن) المخففة وهذا الفعل بالنفي: ((أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ)) [القيامة:3]، يَرْجِعُ نصب، كيف يَرْجِعُ، وقلنا: لو نصب لصارت (أن) هذه مخففة من الثقيلة -صارت ناصبة-، النصب هنا بـ (لن) ليس بـ (أن)، -بـ (لن) -، حينئذٍ فصل بين (أن) ونجمع بـ (لن): ((أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ)) [البلد:7]، إذاً: النفي قد يكون بـ (لا)، وقد يكون بـ (لن)، وقد يكون بـ (لم). إذاً: فُصِل بين (أن) ومدخولها بنفي مطلقاً. الرابع: (لو)، وقل من ذكر كونه فاصلة من النوحيين: ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا)) [الجن:16]، (أن) أن هو، اسْتَقَامُوا هذه جملة فعلية وليست بدعاء وليس بفعل جامد، حينئذٍ الواجب أو الأحسن الفصل، وهنا كان الفاصل (لو)، وقل من ذكر لو: ((أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ)) [الأعراف:100]، ((أَنْ لَوْ نَشَاءُ)) أن هو نشاء، هذا الأصل، ففصل بين (أن) ومدخولها، وهو فعل وليس بدعاء وليس بجامد. ومما جاء بدون فاصل قوله: (عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُون فَجَادُوا)، عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُون، يُؤَمَّلُون بإثبات النون، لو حذفت لقيل (أن) هذه ناصبة، لكن لوجود النون عرفنا أنها مخففة من الثقيلة: (أَنْ يُؤَمَّلُون) إذاً: هنا عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُون، يُؤَمَّلُون هذا فعل وليس بدعاء، وليس بجامد، والأصل فيه أن يفصل بينه وبين (أن)، لكنه لم يفصل: ((لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ)) [البقرة:233]، (يتمُّ) بالرفع، (يتمَّ) حينئذٍ نقول: هذا منصوب بـ (أن)، لكن لما رفع حينئذٍ نقول: أن هذه مخففة من الثقيلة وليست الناصبة: أن هو يتم، الجملة خبر. والقول الثاني: أن (أن) هنا ليست مخففة من الثقيلة، بل هي الناصبة للفعل المضارع وارتفع يتم بعده شذوذاً، يعني: حملاً لأن على (ما)، ما المصدرية لا تعمل، وأن تعمل في لغة جمهور العرب، لكن بعضهم حمل أن على (ما) المصدرية، (ما) أختها كما سيأتي، فحمل (أن) على (ما) في ماذا؟ في عدم العمل. إذاً: ((أَنْ يُتِمُّ)) أن هذه هي الناصبة، لكن الناصبة في لغة الجمهور، وبعضهم حمل (أن) على (ما) فلم ينصب بها. وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أَيْضاً فَنُوِي ... مَنْصُوبُهَا وَثَابِتَاً أَيْضاً .. إذاً: هنا قوله: وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً: أي: خبر (أن) المخففة. وَلَمْ يَكُنْ دُعَا: لم يكن ذلك الفعل دعاء. وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا: بهذه الشروط الثلاثة حينئذٍ بالانتفاء يستحسن أن يؤتى بفاصل بين (أن) المخففة وجملة الخبر. قيل: للفرق بين المخففة والمصدرية التي تنصب المضارع، يعني: لماذا الفاصل هذا؟ قالوا: للفرق بين المخففة من الثقيلة والمصدرية، ولما كانت المصدرية لا تقع قبل الاسمية ولا الفعلية التي فعلها جامد أو دعاء لم يحتج لفاصل معها.

إذاً: لماذا استثنينا الجملة الاسمية وأَنْ غَضِبَ؟ لأن (أن) المصدرية لا تقع قبل هذه الأفعال، ولما احتمل في غيرها وقوع (أن) المخففة من الثقيلة و (أن) المصدرية احتجنا إلى الفاصل، وهذا التعليل يرجح أن الفاصل واجب وليس بمستحسن، لماذا؟ لأنه دفعاً للإلباس، هذا مثل شأن ما سبق. وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ: إذا لم توجد قرينة حينئذٍ وجب دخول اللام، فرقاً بين (إن) نافية، و (إن) المخففة من الثقيلة، هنا الحكم واحد. هناك التبست (إن) بـ (إن) النافية، وهنا التبست (أن) المخففة بـ (أن) المصدرية، وليس ثم فارق بينهما إلا هذا الفاصل فوجب الفاصل. فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بين (أن) والفعل بواحد من هذه الأمور الأربعة، ودليلها الاستقراء. وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أَيْضاً فَنُوِي ... مَنْصُوبُهَا وَثَابِتَاً أَيْضاً رُوِي كَأَنَّ مثل (إن) و (أن) تخفف، بمعنى أنها تحذف إحدى النونين، وهذه مجالها السماع، يعني: لا يقاس غيرها عليها، وإنما يقال السماع. وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ: وفهم من كونه لم يشترط في خبرها أن يكون جملة كما ذكر في (أن) أن خبرها يكون جملة ويكون مفرداً. وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أيْضاً حملاً على (أن) المفتوحة فَنُوِي مَنْصُوبُهَا: يعني حذف، عبر هناك باستكن عن الحذف، وعبر هنا عن الحذف بالنية نُوِي، يعني: حذف، وإذا حذف حينئذٍ جعل المحذوف كالثابت. فَنُوِي مَنْصُوبُهَا: مَنْصُوبُهَا هذا نائب فاعل، وهو ضمير الشأن كثيراً في باب كأن. وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: وأيضاً روي اسمها ثابتاً، ثَابِتاً هذا حال مقدم، ورُوِي أي: النصب، وهو غير ضمير الشأن قليلاً كمنصوب (أن). إذاً: خُفِّفَتْ كَأَنَّ أيْضاً حملاً على أن المفتوحة فَنُوِي، إذاً: فهم منه أنها لا تهمل، لما قال: (فَنُوِي مَنْصُوبُهَا) إذاً لا تهمل، مثل (أن)، بخلاف (إنَّ) إذا خففت حينئذٍ الأكثر فيها الإهمال والقليل فيها الإعمال. مَنْصُوبُهَا: إذاً: يكون منوياً. وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: وسكت عن الخبر لم يبين حكمه فدل على أنه يأتي جملة ويأتي مفرداً، إذ لو كان له حالة واحدة لا يخرج عنها لوجب التنصيص عليها، لكن لما أطلق بخلاف (أن) هناك بين أنه يأتي جملة احترازاً عن المفرد، هنا أطلق لم يذكر خبر كأن إذا خففت، فدل على أنه يأتي جملة ويأتي مفرداً. وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: إذا خففت كأن نوي اسمها وأخبر عنها بجملة اسمية، نحو: كأن زيد قائم، أو جملة فعلية مصدرة بـ (لم): ((كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ)) [يونس:24]، أو مصدرة بـ (قد): أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ... لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ وكَأَنْ قَدِ: وكأن قد زالت. إذاً: فصل بين كَأَنْ وتغنى بـ (لم)، وفصل بين كَأَنْ زالت بـ (قد)، وكأن قد زالت، فاسم كأن في هذه الأمثلة محذوف وهو ضمير الشأن، والتقدير كأنْ هُو زيد قائم، وكأنْ هُو لم تغن بالأمس، وكأنْ هُو قد زالت، والجملة التي بعدها خبر عنها حكمه واحد مثل: (أن)، وهذا معنى قوله: فَنُوِي مَنْصُوبُهَا: وأشار بقوله: وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: إلى أنه قد روي إثبات منصوبها، ولكنه قليل، ومنه قوله:

وَصَدْرٍ مُشْرِقِ النَّحْرِ ... كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ كَأَنْ ثَدْيَيْهِ –نصبه-. كَأَنْ أين اسمها؟ (هو ثدييه) بالنصب؛ لأنه نصبه، لو كان مرفوعاً لكان اسم كأن مستتر منوي، إذا رفع ثدياه، علمنا أنه ليس منصوباً؛ لأن منصوب المثنى يكون بالياء، وهذا قد رفع، حينئذٍ بهذه القرينة نعلم أن اسم كأن ضمير مستتر، ضمير محذوف وهو ضمير الشأن: (كأن هو ثدياه حقان)، وبذلك روي أيضاً بالرفع، وبرواية النصب: (كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ)، نقول: ثدييه هذا اسم كأن، وحقان هذا خبرها، ولذلك قال: وَثَابِتاً أيْضاً رُوِي: مراده به هذا البيت. إذاً: الشاهد في قوله: (كَأَنْ ثَدْيَيْهِ) ثَدْيَيْهِ بالنصب اسم كأن، و (حقان) هذا يعتبر خبر. وروي: (كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ)، فيكون اسم كأن محذوفاً وهو ضمير الشأن، والتقدير كأنْ هُو ثَدْيَاهُ حُقَّانِ، وثَدْيَاهُ حُقَّانِ: مبتدأ وخبر في موضع رفع خبر كأن .. إلى آخره. إذاً: قوله: وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أَيْضاً فَنُوِي: المراد به أن كأن مثل (إن) و (أن) تخفف، ولكن هذه يجب إعمالها، ثم اسمها الأصل فيه أن يكون محذوفاً وهو ضمير الشأن، وخبرها قد يكون جملة وقد يكون مفرداً. ولا يجوز تخفيف لَعَلَّ، لَعَلَّ لا يجوز تخفيفها على اختلاف لغاتها، وأما لَكِنَّ فتخفف فتهمل وجوباً (لَكِنْ)، تخفف لكنها تهمل وجوباً؛ لزوال اختصاصها بالأسماء. وحكي عن الأخفش ويونس إعمالها قياساً، والصواب أنها لا تعمل، إنما الذي يعمل بعد التخفيف هو ثلاثة فحسب، بل الذي يخفف قياساً هو ثلاثة فحسب. (إنَّ) تخفف: (إن) -على التفصيل السابق-، و (أنَّ) تخفف: (أن)، وكأنَّ تخفف: كأنْ، ومع عدا ذلك فلا يخفف. وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... !!!

41

عناصر الدرس * شرح الترجمة (لا التي لنفي الجنس) ـ * عمل (لا) النافية للجنس وشروطها * أحوال وأنواع خبرها * أحكام التوابع اسمها وبعض أحكامها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. قال الناظم رحمه الله تعالى: "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس. هذا فصل لاحق بباب (إن) وأخواتها؛ لأنَّ (لا) النافية للجنس هذه محمولة على (إن) في إعمالها النصب مبتدأ، والرفع خبر، ولذلك عدها ابن هشام ثمانية .. - (إن) وأخواتها- عدها ثمانية وجعل منها (لا) التي لنفي الجنس، لماذا؟ لأن هذه أحرف تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب المبتدأ على أنه اسم لها، وترفع الخبر على أنه خبر لها، وإن كان في بعض أحوال (لا) يكون مبنياً في اللفظ؛ لأنه من جهة المحل يكون معرباً، يعني مبنياً في اللفظ ولكنه في المحل معرب على النصب. "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس. (لاَ) قد تكون ناهية، وهذه تختص بالفعل المضارع تدخل عليه فتجزمه ((لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40] وقد تكون زائدة، حينئذٍ لا عمل لها، ((مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ)) [الأعراف:12] (أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (لا) هذه زائدة، دخولها وخروجها من حيث العمل واحد، يعني لا تأثير لها، وقد تكون (لا) عاطفة -حرف عطف- كما سيأتي في محله، جاء زيد لا عمرو، وقد تكون (لا) عاملة عمل (ليس) وهي التي سبقت معنا في: " فَصْلٌ فِي مَا، وَلا، وَلاتَ، وإنِ، الْمُشَبَّهَات بِلَيْس". إذاً هذه أربعة: (لا) الناهية، (لا) الزائدة، (لا) العاطفة، (لا) التي تعمل عمل ليس، بقي معنا الخامسة وهو (لا) التي للجنس. ولما قال الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس عرفنا أن تلك اللاءات إن صح التعبير خرجت بهذا القيد؛ لأنها موافقة لها في اللفظ إلا أنها من حيث العمل أو من حيث المعنى مفارقة، الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس هذا أخرج (لا) الناهية، و (لا) الزائدة، والعاطفة، والتي تعمل عمل ليس؛ وحينئذٍ اختص الحكم بنوع واحد من (لا). الْجِنْس: المراد به هنا هو ما يعبر عنه بالجنس عند المناطقة، فاللفظ مُتَّحِد .. -اللفظ واحد-، ويعرَّف هناك بأنه كلي مقول على كثيرين مختلفين في الحقائق. كلي يعني: لفظ مشترك: فَمُفْهِمُ اشْتِراكٍ الكُلِّيُّ ... كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِيُّ سبق معنا مراراً أن اللفظ المفرد ينقسم إلى كلي وجزئي باعتبار معناه، باعتبار ما يصدق عليه، إن اشتركا في مفهومه اثنان فأكثر، هذا يسمى كلياً، وإن اختص بفرد واحد دون غيره هذا يسمى جزئياً .. فَمُفْهِمُ اشْتِراكٍ الكُلِّيُّ ... كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِيُّ حينئذٍ الجنس كلي مقول على كثيرين، يعني محمول على كثيرين حمل مواطئة، يعني يخبر به على كثيرين، مختلفين في الحقائق، أخرج النوع فإنه وإن كان محمولاً على كثيرين أو مقولاً على كثيرين إلا أنها متفقة في الحقائق، وأما الجنس فلا.

مثاله: يقال الفرس حيوان، حيوان هذا جنس يصدر على كثيرين آحاد أفراد كثيرة متفقة في الحقائق أو مختلفة؟ مختلفة في الحقائق، لماذا؟ لأنه يصدق على الفرس، ويصدق على الإنسان، ويصدق على الثعبان، ويصدق على الجرادة، ويصدق على الدجاجة، ويصدق على الماعز والإبل .. كلها حيوان. هذه آحاد وهي متفقة في الحقائق أو مختلفة؟ مختلفة حقيقة الإنسان مغايرة لحقيقة الفرس، وحقيقة الفرس مغايرة لحقيقة الحمار ونحو ذلك، فحينئذٍ نقول: هذه حقائق مختلفة، صدق عليها لفظ واحد مشترك بينه وهو لفظ حيوان، حيوان هذا نقول: جنس، مقول كلي، -فَمُفْهِمُ اشْتِراكٍ- كلي مقول يعني: محمول على كثيرين فرس، وحيوان، إنسان إلى آخره مختلفين بالحقائق. إذاً حقائقه مختلفة بجواب (ما هو؟). وإن شئت قل: الجنس هو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها، فالحيوان جزء ماهية الإنسان يصدق على الإنسان وعلى غيره وهو الفرس مثلاً، والحيوان جزء ماهية الفرس يصدق عليه وعلى غيره كالإنسان، وهَلُمَّ جَرَّا. وأما لفظ إنسان هذا له حقائق .. حقائق لكنها متفقة لا مختلفة، يعني إذا قيل: زيد إنسان، وعمرو إنسان، وخالد إنسان .. إذاً حمل على كثيرين كما أن حيوان حمل على كثيرين، إلا أن حيوان حمل على كثيرين مختلفة في الحقائق، حقيقة الإنسان مغايرة لحقيقة الثعبان ونحو ذلك. وأما زيد وعمرو وخالد، فهذه حقيقتهم واحدة، وأما ما يكون من الأعراض والصفات هذا ليس داخلاً في الحقائق، يعني كونه طويلاً، وكونه أسمر، وكونه أبيض .. هذه صفات ليست هي في حقيقة الإنسان وإنما شيء مغاير له، بمعنى أنه عرض يمكن وجود الإنسان بدونه، فحينئذٍ نقول: الجنس الذي أراده النحاة هنا هو الجنس الذي عند المناطقة وهو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها، وكذلك هو كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب (ما هو؟). "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس. بعضهم عبر عنها بأنها (لا) التّبرِئَة، التي تبرئ اسمها عن حكم الخبر. "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس: هذا اختصار، -اختصار في التعبير-، والواقع أنها نافية لحكم الخبر عن الجنس؛ لأن الجنس هذا معنى، والنفي معنى، وحكم الخبر معنى، والاسم الأصل فيه أن يكون ذاتاً. حينئذٍ يرد السؤال: ما الذي ينفى؟ هل الذي ينفى الحقائق أم الذوات؟ لا شك الأول هو الذي يتسلط عليه النفي، حينئذٍ إذا قيل: لا رجل في الدار، ما الذي يراد نفيه بهذه الجملة؟ هل وجود شيء اسمه رجل في الدنيا أم المراد نفي كينونة الرجل في الدار؟ إذاً شيء خارج عن ذات الرجل، فليس المراد بقولنا: لا رجل في الدار نفي شيء اسمه رجل! لا، إنما المراد نفي صفة اسم (لا)، وهو الكينونة والوجود والثبوت في الدار كما سيأتي. إذاً: "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس نقول: هذا اختصار، والواقع أنها نافية لحكم الخبر عن الجنس؛ لأن النفي (لا) يتسلط إلا على الأفعال ونحوها، ولا يتسلط على الذوات. ويقال لها: (لا) التّبرِئَة؛ لأنها تبرئ الجنس من حكم خبره، برأت الجنس وهو رجل من حكم الخبر وهو الكينونة في الدار. "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس: أي: لنفي الخبر عن الجنس الواقع بعدها نصاً. لنفي الخبر يعني: حكم الخبر عن الجنس.

الواقع بعدها نصاً يعني: على جهة الاستغراق لا على جهة الاحتمال، ثم هو على جهة النص لا على جهة الاحتمال، كما هو الشأن في (لا) التي تعمل عمل (ليس) ونفيه عن الجنس يستلزم نفيه عن جميع أفراده؛ لأنه إذا قيل: لا رجل في الدار، رجل هذا قلنا يصدق على زيد وعمرو وخالد .. إلى آخره، فإذا نفينا الجنس وهو القدر المشترك بين زيد وعمرو وخالد، يستلزم نفي الأفراد –الآحاد-، إذا نفينا القدر المشترك بين زيد وخالد وعمرو لا رجل، فحينئذٍ (رجل) الرجولة هذه لا توجد هكذا دون عمروٍ وخالد كما مر معنا. حينئذٍ إذا نفي الجنس يستلزم نفي أفراده، فإذا قيل: لا رجل بمعنى لا خالد ولا عمرو ولا محمد .. ولا إلى آخره، فهذه الأفراد نفيت، هل من جهة النص أو من جهة الاستلزام؟ من جهة الاستلزام؛ لأننا نحن لم ننف الآحاد، لم ننف الأفراد، وإنما سلط النفي على الجنس، والجنس هذا قدر مشترك معنا، فحينئذٍ نقول: هذا يستلزم نفي الآحاد والأفراد. وتسمى (لا) التّبرِئَة كما سبق بإضافة الدال للمدلول، لتبرئة المتكلم وتنزيهه الجنس عن الخبر، والمراد بكونها لنفي الجنس نصاً كونها له في الجملة -"لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس- نقول هذه معناها أنها تنفي الجنس في الجملة، لماذا؟ لأن اسمها كما سيأتي يكون مفرداً ويكون مضافاً ويكون شبيهاً بالمضاف، وإذا كان مفرداً يكون مثنىً ويكون جمعاً، وإذا كان جمعاً يكون جمع تكسير ويكون جمع مؤنث سالم، ويكون جمع مذكر سالم .. هل هذه كلها تفيد الاستغراق في نفي الجنس؟ هل كلها إذا تسلطت عليها (لا) حينئذٍ تكون نصاً في العموم؟ لا، وإنما المراد منها نوع واحد وهو لا رجل فحسب، وأما لا رجلين، ولا رجال، ولا مسلمِين ولا مسلمَين الظاهر أنها ليست نصاً في العموم، فإذا قيل: (لا) التي لنفي الجنس حينئذٍ نقول: المراد به نوع واحد من أنواعها وهو الغالب الكثير؛ لأنه مفرد واستعمال المفرد أكثر من استعمال المثنى والجمع. إذاً المراد بكونها لنفي الجنس نصاً كونها له في الجملة؛ لأن (لا) العاملة عمل (إن) إنما تكون نصاً في نفي الجنس إذا كان اسمها مفرداً لا رجل، وأما لا رجلين، ولا رجالاً، ولا مسلمين .. فلا، هذه مقيدة بالجمع ومقيدة بالاثنين، فإذا قيل: لا مسلمَين، لا مسلمِين حينئذٍ نفي القيد الذي قيد به اسم (لا) وهو الاثنينية أو الجمعية، وأما ماعداه فهو محتمل، إذا قيل: لا مسلمَين في الدار قد يكون مسلم موجود، قد يكون مسلمون، ولكن هنا نص على نفي الاثنين، فاستغرق النفي قيد الاثنينية فحسب، وما عداه فلا، هذا هو الظاهر. فإن كان مثنىً نحو لا رجلين أو جمعاً نحو لا رجال كانت محتملة، ليست نصاً في نفي الجنس كانت محتملة لنفي الجنس ولنفي قيد الاثنينية أو الجمعية، وهذا كثير من الأصوليين على هذا. وأما (لا) العاملة عمل ليس فإنها عند إفراد اسمها لنفي الجنس ظهوراً، لا رجلٌ في الدار، قلنا: لا رجل، هذه (لا) النافية للجنس، لا رجلٌ في الدار .. هذه (لا) التي تعمل عمل ليس.

إذا قيل: لا رجل في الدار قلنا هذا نص في نفي الجنس، هل يصح أن يقال: لا رجل في الدار بل رجلان؟ تناقض هذا، ولا يصح أن يقال: لا رجل في الدار بل رجال، هذا تناقض، ويصح أن يقال: لا رجل في الدار بل امرأة؛ لأنك نفيت جنس الرجل، فحينئذٍ نقيضه المرأة لا بأس بوجودها، فإذا نفيت جنس الرجل حينئذٍ استلزم نفي الأفراد، فإذا قلت: لا رجل نفي كل فرد من أفراد هذا اللفظ، فإذا قلت: بل رجل، بل رجلان، بل ثلاثة، بل رجال .. نقول هذا كله يعتبر من التناقض، لماذا؟ لأنك نفيت الجنس ونفي الجنس يستلزم نفي الآحاد والأفراد، فيمتنع حينئذٍ أن تعطف على مدخول (لا) النافية للجنس بإثبات اثنين أو ثلاثة، تقول: هذا فاسد ويعود على الأول بالنقض، وأما لا رجلٌ في الدار فهذه النكرة التي وقعت في سياق النفي محتملة لأمرين: إما أنها لنفي الوحدة، وإما إنها لنفي الجنس، فحينئذٍ هي مشتركة مع (لا) النافية للجنس إلا أن (لا) النافية للجنس نص في العموم، لا تحتمل أبداً الوحدة، وأما (لا) النافية أو (لا) التي تعمل عمل ليس .. فهذه ليست نصاً في نفي الجنس، وإنما هي محتملة، فحينئذٍ يحتمل إذا قيل: لا رجلٌ في الدار، المراد به نفي الوحدة، ولذلك يصح أن يقال: لا رجلٌ بل رجلان، صحيح هذا، لماذا؟ لأنك قلت: لا رجلٌ يعني: لا واحد، فإذا نفيت الواحد حينئذٍ يحتمل الوجود الاثنين والثلاثة والعشرة، وأما إذا قلت: لا رجل في الدار –هكذا- دون عطف، حينئذٍ احتمل الأمرين، ونحملها على نفي الجنس، ولذلك من القواعد المقررة عند الأصوليين أن النكرة في سياق النفي تعم، وهل هذه منها -لا رجلٌ في الدار-، داخل في القاعدة؟ نعم داخل في القاعدة، لكن النكرة في سياق النفي، إما أن تكون لنفي الجنس، فحينئذٍ تكون نصاً في العموم، وهذه خاصة بـ (لا) النافية للجنس، وإما أن تكون ظاهرة في العموم، وفرق بين نص العموم والظهور في العموم. النص لا يحتمل أبداً، بل قيل لا يحتمل التخصيص أصلاً، وأما الظاهر في العموم فهذا محتمل، كما هو الشأن في: لا رجل ٌفي الدار، قلنا ظاهره أنه لنفي الجنس، فحينئذٍ هي ظاهرة في العموم، فإذا لم توجد قرينة تدل على الوحدة مع كونها محتملة لها فنحمله على العموم لكنه ظاهر وليس بنص. فإنها عند إفراد اسمها لنفي الجنس ظهوراً لعموم النكرة مطلقاً في سياق النفي، ولنفي الوحدة -وحدة مدخولها المفرد،- هذا أيضاً محتمل بمرجوحية-، فتحتاج إلى قرنية، حينئذٍ إذا جاء اللفظ هكذا: لا رجلٌ في الدار، تحملها مباشرة على أنه لنفي الجنس، لكنه ليس نصاً بل هو ظاهر، فإذا أردنا الوحدة وهو ما دلت عليه: لا رجل في الدار بمرجوحية حينئذٍ لا بد من قرينة. إذاً: لا رجلٌ في الدار لها احتمالان: احتمال راجح، واحتمال مرجوح .. وكلاهما مما يدل عليه اللفظ وضعاً، أما الاحتمال الراجح فهو العموم في النفي ويكون ظاهراً، وأما الاحتمال المرجوح وهو الدلالة على الوحدة. إذا أطلقت هكذا: لا رجلٌ في الدار حملت على الاحتمال الراجح، وإذا أريد الاحتمال المرجوح لا بد من قرينة.

فتحتاج إلى قرينة، ولهذا يجوز بعدها أن تقول: بل رجلان أو رجال، فإن ثُنِّيَ اسمها أو جُمِعَ كانت في الاحتمال مثل (لا) العاملة عمل (إن) إذا ثُنِّيَ اسمها أو جُمِعَ. حينئذٍ نقول: (لا) النافية للجنس إذا كان اسمها مثنًى أو جمعاً هي مثل (لا) التي تعمل عمل ليس إذا ثني اسمها أو جمع لا فرق بينهما كلاهما محتمل لهذا وذاك، وأما المفرد في باب (لا) النافية للجنس والمفرد في باب (لا) التي تعمل عمل ليس هو الذي يقع فيها النزاع والانفصال، فالتي لنفي الجنس نص في نفي الجنس، والتي تعمل عمل ليس هي محتملة وظاهرة في نفي الجنس. فالاختلاف بين العاملة عمل (إن) والعاملة عمل ليس إنما هو عند إفراد الاسم -عند المفرد فقط، إذا كان اسمها مفرداً-، وما عداه الأصل ينظر فيه إلى القرائن. والمهملة كالعاملة عمل ليس، يعني إذا أبطل عمل (لا) التي لنفي الجنس، فحينئذٍ نقول: هذه هل هي باقية على أصلها في كونها لنفي الجنس نصاً؟ نقول: لا هي كالعاملة عمل ليس ظاهرة في العموم ومحتملة للوحدة. هذا الفرق بين النوعين (لا) التي لنفي الجنس و (لا) التي تعمل عمل ليس، وهذا فرق جوهري يحتاجه الأصولي. "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس أو النافية للجنس أي: لصفته وحكمه، المراد بالجنس هنا -نفي الجنس-: حكم الجنس وصفة الجنس، وإلا فالجنس لا ينفى؛ لأنه معنى وحقيقة في الذهن، إذا قيل: قدر مشترك، هذا لا وجود له في الخارج إنما هو وجود في الذهن، حينئذٍ لا ينفى بل هو باق. للجنس أي: جنس اسم (لا)، من حيث اتصافه بالخبر، وإلا فليس المنفي الاسم بل الخبر، هذا هو الأصل أن المنفي عن رجل هو كينونته في الدار وليس هو عين الرجل، فالمنفي حينئذٍ حكمه حكم الاسم؛ لأن الاسم ذات، فلا تنفى الذوات. "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس، (لا) المحمولة على (إن) لأن (لا) المشبهة بـ (ليس) قد تكون نافية للجنس. عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ ... مُفْرَدَةً جَاءَتْكَ أَوْ مُكَرَّرَهْ لِلاَ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: اجْعَلْ. وعَمَلَ إِنَّ: هذا مفعول به مقدم منصوب لـ اجْعَلْ. اجْعَلْ عَمَلَ إِنَّ لِلاَ، وما هو عمل (إن)؟ نصب المبتدأ ورفع الخبر اجعله لِلاَ، انقله للا، فدل على الفرعية، حينئذٍ (لا) التي لنفي الجنس تعمل عمل (إن) بالحمل على (إن)، فليست هي مساوية لها من كل وجه، نستفيد من هذا أن الشيء إذا حمل على شيء آخر كان المحمول عليه أقوى في العمل، وكان له من التوسع في الأحكام ما ليس للمحمول أصلاً وهو (لا) التي لنفي الجنس. إذاً: عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ نعلم أن (لا) هذه أدنى وأقل أحكاماً من (إن) التي هي الأصل، حينئذٍ ليس كل ما ساغ هناك يسوغ هنا؛ لأن (لا) هذه عامل ضعيف؛ لأنها في الأصل لا تعمل، وإذا أعملت حينئذٍ نقول: إعمالها ضعيف، بل الحروف كلها إعمالها ضعيف.

عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ حملاً لها على (إن)، لماذا أعملت؟ في أي وجه من أوجه الشبه أشبهت (لا) النافية للجنس (إنَّ)؟ قالوا: لمشابهتها إياها في التوكيد، فإن (لا) لتوكيد النفي، و (إنَّ) لتوكيد الإثبات، إذاً كل منهما للتوكيد (إنَّ) للتوكيد و (لا) التي لنفي الجنس للتوكيد، إلا أن (إنَّ) تؤكد الإثبات ولا تؤكد النفي، وهذا يسمى قياس أو حمل النقيض على نقيضه، بمعنى أنها تفيد نفياً أكيداً قوياً، وهذا لا يقتضي وجود النفي أولاً بغيرها، إذا قيل: (لا) النافية للجنس لتوكيد النفي، قد يفهم أن ثم نفي وجد أولاً ثم جاءت (لا) فأكدته، مثل ما نقول: ما ما زيد (ما) الثانية هذه مؤكدة، لاَ لاَ أَبُوحُ بحِبِّ بَثْنَةَ إنّهَا .. (لا) الثانية نافية، مؤكدة للا الأولى، حينئذٍ إذا قيل مؤكدة يفهم منه أن الجملة قد دخلها نفي أولاً، ثم جيء بالحرف الثاني النافي فأكد المنفي الموجود في الجملة، هنا لا، ليس الأمر كذلك، بل المراد أنها تفيد نفياً أكيداً قوياً، وهذا لا يقتضي وجود النفي أولاً بغيرها، وإن كانت بتأكيد النفي لأنها نفت احتمال الوحدة من مدخولها، وهذا تأكيد فرق بين لا رجلَ، ولا رجلٌ .. الأولى آكد في النفي من الثانية، لماذا؟ لكونها لنفي الجنس، والثانية لنفي الجنس ظاهراً مع احتمال الوحدة. إذاً تعمل (لا) عمل (إن) إلحاقاً بها لمشابهتها لها في تأكيد النفي -هذا أولاً-. ثانياً: التصدر والتصدير، (إن) لها صدر الكلام، ولا التي لنفي الجنس لها صدر الكلام، يعني تقع في أول الجملة مثل (إنَّ) ولام الابتداء ونحوها. والدخول على المبتدأ والخبر، (إن) من خصائص الأسماء تدخل على المبتدأ والخبر، و (لا) التي لنفي الجنس كذلك من خصائص المبتدأ والخبر تدخل على الجملة الاسمية؛ ولأنها لتوكيد النفي كما (إنَّ) لتوكيد الإثبات فهو قياس نقيض، وإلحاقها بليس قياس نظير، إلحاقها بـ (ليس) فيما سبق (لا) النافية، قلنا: تعمل عمل ليس قياساً عليها، بجامع أن كلاً منهما ينفي، هذا قياس نظير، -نظير على نظير-، وهنا (لا) قيست على (إنَّ) بجامع ماذا؟ كل منهما مؤكِّد، إلا أن (إن) مؤكِّد في الإثبات و (لا) في النفي، هذا نظير أو نقيض؟ نقيض، إذاً فرق بين المسألتين. لأنها نافية مثلها فهو أقوى في القياس، لكن عملها -عمل (إن) - أفصح وأكثر في الاستعمال وله شروط، كما قال الناظم: فِي نَكِرَهْ، أراد أن يبين لنا الشروط التي تشترط في إعمال (لا) عمل (إن) -التي لنفي الجنس-؛ لأن شأن الفرع ألا يعمل مطلقاً، هذه قاعدة مطردة، شأن الفرع عند النحاة في العمل لا يعمل مطلقاً، بل لا بد من قيود ولا بد من شروط: الشرط الأول: أن تكون نافية، خرج بها الناهية، والزائدة، والعاطفة .. هذه خرجت باشتراط النافية، فإن كانت زائدة حينئذٍ لا تعمل عمل (إن)، وشذ إعمال الزائدة في نحو لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَانُ لاَ ذُنُوبَ لهَاَ **** إذَا لَلاَمَ ذَوُو أَحْسَابِهَا عُمَرَا لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَانُ لاَ ذُنُوبَ لهَاَ، لا رجل في الدار، (لاَ ذُنُوبَ لهَاَ) أعملها أو لا؟ أعملها، نقول: هذه زائدة وهو شاذ.

الثاني: أن يكون منفيها الجنس، يعني لا الوحدة، وهذه نأخذها من أين من كلام الناظم؟ العنوان الترجمة "لاَ" الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنْس، معناها نافية وأنها تنفي الجنس. ثالثاً: أن يكون نفيها نصاً، لا على جهة الاحتمال، وهذا أيضاً مأخوذ من الترجمة؛ لأنه متى أطلق نفي الجنس انصرف إلى نفيه نصاً؛ لأنه يستلزم نفي الأفراد، وإذا استلزم نفي الأفراد مطلقاً حينئذٍ صار نصاً، هذا أيضاً نأخذه من الترجمة. رابعاً: ألا يدخل عليها جار، جئت بلا زاد .. لا زاد لي، لو دخلت عليها الباء: جئت بلا زاد، حينئذٍ النكرة هذه صارت مطلوبة للباء (بلا زاد) وهذه الحركة التي في زاد الحركة العارية، بمعنى أن الباء هنا أعملت في (لا) وهي بمعنى غير ولما كانت هذه الحركة لا تظهر على (لا) أعيرت إلى زاد، وظهرت فيها، ولذلك تقول: بلا زاد، الباء حرف جر ولا اسم بمعنى غير مجرور بالباء، وجره -حركته- هي التي في زاد -حركة ظاهرة-، هنا زحلقت الحركة مثل اللام المزحلقة، بلا زاد (لا) مضاف وزاد مضاف إليه، زاد نقول: مضاف إليه مجرور وجره كسرة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة العارية؛ لأن زاد هذه الكسرة ليست كسرة زاد المضاف إليه وإنما هي كسرة (لا) وهي بمعنى غير، على كل المراد هنا أن (لا) النافية للجنس يشترط في إعمالها ألا يسبقها حرف جر، فإن سبقها حرف جر حينئذٍ صارت النكرة مطلوبة للجر، وهذا يمكن أخذه من قوله: لِلاَ فِي نَكِرَهْ، لأن النكرة إذا كانت مطلوبة لِلاَ امتنع أن تكون مطلوبة لحرف الجر وهو الباء. إذاً: ألا يدخل عليها جار وهذا مأخوذ من قوله: عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ لأن عمل (إن) إنما يكون مع عدم دخول الجار. خامساً: أن يكون اسمها نكرة وكذا خبرها؛ لأنه قال: فِي نَكِرَهْ إذاً لا بد أن يكون الاسم نكرة. سادساً: أن يتصل بها اسمها، لا يفصل بينها ولو بالخبر، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجرور لا يجوز أن يتقدم ولا أن يفصل بين (لا) ومدخولها، وهذا يأتي أنه نص عليه: وَبَعْدَ ذَاكَ الْخَبَرَ بعد ذاك الاسم الخبر اذْكُرْ رَافِعَهْ، اذكر الخبر بعد ذاك، يعني بعد الاسم، فدل على أنه لا يفصل بين (لا) واسمها، فإن فصل حينئذٍ نقول: بطل عملها. إذاً: بهذه الشروط الستة لا بد من اجتماعها، وحينئذٍ اجتمعت في (لا) وجب إذا لم تكن مكررة أن تعمل عمل (إن). وإن كانت لنفي الوحدة أو الجنس (لا) نصاً عملت عمل ليس، وإن دخل عليها حرف خفض النكرة، جئت بلا زاد، وشذ جئت بلا شيءَ بالفتح، هذا شاذ، وإن كان الاسم معرفة أو منفصلاً أهملت ووجب تكرار (لا) نحو لا زيدٌ في الدار ولا عمروٌ ولا في الدار رجلٌ ولا امرأةٌ. إذاً: عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ ليس مطلقاً بل هو بشروط ستة ذكرناها فيما مضى. فِي نَكِرَهْ متصلة بها. مُفْرَدَةً جَاءَتْكَ أَوْ مُكَرَّرَهْ: هذا فيه إشارة إلى أن (لا) قد تكون مفردة، لا رجل في الدار، وقد تكون مكررة (لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ الاّ باللهِ)، لكن إذا كانت مفردة فالعمل واجب، وإذا كانت مكررة فالعمل جائز، إذاً قوله: اجْعَلْ نحمله على معنييه قدر مشترك الوجوب والجواز، الوجوب فيما إذا أفردت (لا)، والجواز فيما إذا تكررت (لا).

إذاً (لا) التي لنفي الجنس المراد بها (لا) التي هي نافية لحكم الخبر عن الجنس، وذلك إنما يكون إذا قصد بـ (لا) نفي الجنس على سبيل الاستغراق، اختصت بالاسم حينئذٍ؛ لأن قصد الاستغراق على سبيل التنصيص يستلزم وجود (من) لفظاً أو تقديراً، ولا يليق ذلك إلا بالنكرات، ولذلك اشترط أن يكون اسمها مدخوله نكرة؛ لأن أصل التركيب لا من رجل في الدار، هذا الأصل، إذا نطق بمن عند الأصوليين هناك النكرة إذا سبقت بمن صارت نصاً في العموم. لا رجلَ ليس فيه من، حتى نقول: نص في العموم، حينئذٍ نقول: أصل التركيب هو جود من لفظاً أو تقديراً، لفظاً خرجت عن باب (لا) التي لنفي الجنس، ومثله ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3] خَالِقٍ قلنا دخلت عليه من الزائدة، فحينئذٍ نقول: هذه من دلت على التنصيص في العموم، بمعنى أنه لا يحتمل التخصيص البتة، هذه من قد تكون ملفوظاً بها وقد تكون مقدرة، في باب (لا) التي لنفي الجنس تعتبر مقدرة، ولذلك سمع شذوذاً النطق بها مصرحاً، ويحفظ ولا يقاس عليه، يعني تنبيهاً على أصل مهجور كما ذكرناه فَقَامَ يَذُودُ النَّا سَ عَنهَا بسَيفِهِ ... وقالَ: ألاَ لاَ مِن سَبيلٍ إلى هِندِ ألاَ لاَ مِن سَبيلٍ .. لا سبيل إلى هند، هذا الأصل لا سبيل، لكن قال: لاَ مِن سَبيلٍ إلى هِندِ. هذا قياس أو شاذ؟ هذا يعتبر شذوذ؛ لأن النطق بمن المضمنة في اسم، أو (لا) التي لنفي الجنس نقول: التصريح به يعتبر شاذاً، ولذلك استفيد الاستغراق بتضمن هذا التركيب من الاستغراقية، فصُرح هنا بمن ضرورة. عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ ... مُفْرَدَةً ................ ما هو إعراب مُفْرَدَةً؟ حال من فاعل جَاءَتْكَ، جاءتك حال كونها مفردة، يعني غير مكررة، لا رجلَ في الدار، لا غلام رجل قائم، أَوْ مُكَرَّرَهْ: (لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ الاّ باللهِ)، إذا لم تعمل لا إما لأجل الفصل أو لكون مدخولها معرفة، فمذهب سيبويه والجمهور لزوم تكرارها، لكن لا يلزم العمل بل هو جائز. إذاً مُفْرَدَةً العمل يكون واجباً، ومُكَرَّرَهْ يكون العمل جائزاً. قال ابن عقيل: ولا يكون اسمها وخبرها إلا نكرة، فلا تعمل في المعرفة، لماذا؟ لأننا قلنا إن هذا اللفظ (لا) يستفاد منه الاستغراق، والاستغراق إنما يكون على تضمن (من) الاستغراقية، ومن الاستغراقية لا تدخل إلا على النكرات، فيمتنع حينئذٍ أن يكون اسم (لا) معرفة، لذلك اشترط أن يكون اسمها نكرة: عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ، أما معرفة لا، لا تكون نافية للجنس، وما ورد من ذلك مؤول بنكرة. إذا جاء في لسان العرب لا نقول: يجوز أن يكون معرفة بل لا، نقول هذا مما يؤول: " قَضِيَّةٌ ولاَ أبَا حَسَنٍ لَهَا"، نقول هذا الأولى أن يؤول بماذا؟ ولا مثل أبي حسن لها، ومثل هذه كلمة متوغلة في الإبهام لا تتعرف بالإضافة. أو يجعل أبَا حَسَنٍ عبارة عن اسم جنس وكأنه قد قيل ولا فيصل لها، وهذا مثل تأويلهم في باب الاستعارة نحو: حَاتمٌ بالمُتَنَاهِي فِي الجُود.

إذاً: " قَضِيَّةٌ ولاَ أبَا حَسَنٍ لَهَا" هذا معرفة، أبا أضيف إلى حسن، اكتسب التعريف، كيف جاء اسماً للا النافية للجنس؟ نقول: مؤول، يعني ولا مثل أبا حسن لها، هذا أحسن توجيه لها. ويدل على أنه معامل معاملة النكرة وصفه بالنكرة كقولك: لاَ أبَا حَسَنٍ لَهَاحلالاً لَهَا، فلما وصف بالنكرة دل على أن (لا) هذه للجنس، وأن مدخولها نكرة، نكرة في المعنى لكنه في اللفظ معرفة. حينئذٍ وجب التأويل ليوافق اللفظ المعنى. ولا مثل أبي حسن لها. ولا يفصل بينها وبين اسمها فإن فصل بينهما ألغيت كقوله تعالى: ((لا فِيهَا غَوْلٌ)) [الصافات:47]. إذاً: ألا يفصل بين (لا) والنكرة بشيء، فإن فصل تعين الرفع لضعفها عن درجة (إن) ((لا فِيهَا غَوْلٌ)) [الصافات:47]. ثم قال رحمه الله: فَانْصِبْ بِهَا مُضَافاً اوْ مُضَارِعَهْ ... وَبَعْدَ ذَاكَ الْخَبَرَ اذْكُرْ رَافِعَهْ وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِحَاً كَلاَ ... حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ وَالثَّانِ اجْعَلاَ مَرْفُوعَاً اوْ مَنْصُوباً اوْ مُرَكَّبَا ... وَإِنْ رَفَعْتَ أَوَّلاً لاَ تَنْصِبَا خبر (لا) لا يخرج عن ثلاثة أحوال: إما أن يكون مضافاً، وإما أن يكون شبيهاً بالمضاف، وإما أن يكون مفرداً. المضاف هنا هو المضاف في غيره من الأبواب، فحينئذٍ يقال فيه: كل كلمتين نُزِّل ثانيهما مُنُزَّلة التنوين مما قبله، غلام زيد نقول: هذا مضاف ومضاف إليه، والشبيه بالمضاف: هو ما اتصل به شيء من تمام معناه، يعني شيء يكمِّله تعلق به على جهة العمل إما بالرفع، وإما بالنصب، وإما بالتعلق -الجار والمجرور-، وإما بالعطف .. هذه أربعة أحوال. تقول: لاَ قبِيحاً فعلُه ممدُوحٌ، قبيحاً هذا اسم اتصل به شيء من تمام معناه، وهو يطلب فاعل، والفاعل مكمِّل لعامله، إذاً متمم له في المعنى وهو مرفوع، أو منصوب لا طالعاً جبلاً حاضر، لا طالعاً: طالعاً هذا اسم (لا)، اتصل به شيء متمم لمعناه وهو: جبلاً لأنه مفعول به، والعامل الذي يعمل لا يتم معناه إلا بمعموله، هذه قاعدة: كل عامل تسلط على اسم أو على ظرف أو على مجرور حينئذٍ لا يتم معناه إلا بالمعمول: قبيحاً فعله، قبيحاً عمل الرفع في فعله، إذاً لا قبيحاً .. ما قبيحاً! كلامه، فعله، نومه، أكله، شربه؟ يحتمل، فلما قلت: فعله عمَّمت الحكم، حينئذٍ صار فاعلاً فتمم معناه، أو منصوب لا طالعاً جبلاً، طالعاً ماذا؟ يحتمل، الطلوع ليس خاص بالجبل، حينئذٍ إذا قلت: طالعاً جبلاً تخصص، تخصص بماذا؟ بالمفعول به وهو معمول، إذاً تممه شيء متصل به. أو مخفوض يتعلق به: لا خيراً من زيد عندنا، من زيد جار ومجرور متعلق بخير، وهو أفعل تفضيل، وحينئذٍ لا خيراً –بالنصب- ممن؟ من زيد، من عمرو، من خالد .. إلى آخره؟

نقول: من زيد هذا متعلق بخير وهو أفعل تفضيل تمم معناه، كذلك بقي العطف: لا ثلاثة وثلاثين عندنا، -لو واحد اسمه ثلاثة وثلاثين-، لا ثلاثة وثلاثين عندنا، لا ثلاثة، وهو يريد العدد ثلاثة وثلاثين، لو لم يقل: وثلاثين، ما حصل المراد، إذاً ارتبط بقوله: ثلاثة ما بعد الواو -عطف-؛ لأن المعطوف والمعطوف عليه في المعنى كالجزء الواحد، إذا أردت أن أخبر أني ضربت زيداً وعمراً .. ضربت زيداً وعمراً، والفائدة مترتبة على ذكر المفعول والمعطوف عليه، حينئذٍ لا يحصل بأحدهما، ضربت زيداً فقط ما حصل الإخبار أو تمام الفائدة، ضربت زيداً وعمراً لا بد من المعطوف والمعطوف عليه معاً، إذاً الشبيه بالمضاف ما اتصل به شيء من تمام معناه، يعني شيء معمول به متمم معناه، إما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً، وإما أن يكون مخفوضاً وإما أن يكون معطوفاً، هذا يسمى المشبه بالمضاف مُطَوَّلاً وممطولاً، ثلاثة أسماء شبيه بالمضاف، والمُطَوَّل والممطُول أي: الممدود. الثالث: المفرد، المفرد هنا إذا حصرنا القسمة ثلاثية: مضاف وعرفنا حقيقته، والشبيه بالمضاف وعرفنا حقيقته، حينئذٍ المفرد ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، فيشمل: رجل ورجلان ورجال ومسلمات ومسلمون، يعني دخل فيه المفرد في باب الإعراب وهو زيد سواء كان إعرابه بحرف أو بحركة على الأصل، ودخل فيه المثنى، ودخل فيه الجمع بأنواعه الثلاث: جمع التصحيح المؤنث، جمع التصحيح المذكر، جمع التكسير. هذه كلها مفرد في باب (لا). قال الناظم في بيان أحكام هذه الثلاثة -لأنها مختلفة-: فَانْصِبْ بِهَا مُضَافاً بها بـ (لا)، إذاً (لا) هي التي تعمل النصب، حينئذٍ أثرت النصب في مدخولها وهو مضاف؛ لأنه قيد هنا فَانْصِبْ بِهَا-بـ (لا) - مُضَافاً، مطلقاً أو مضافاً إلى نكرة؟ عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ، المضاف إلى المعرفة ما حكمه؟ معرفة. إذاً مُضَافاً المراد به هنا المضاف إلى نكرة، -انتبه لهذا- المضاف إلى نكرة؛ لأنه يبقى على تنكيره، وأما المضاف إلى معرفة فهو معرفة، ومعلوم أن (لا) التي لنفي الجنس لا تعمل في معرفة، فإن تلاها معرفة بطل عملها: لا زيد في الدار ولا عمرو، واجب الإبطال هنا إلغاء، وأما لا غلامَ رجل .. حينئذٍ نقول: هذا يعتبر نكرة. لا صاحبَ علمٍ ممقوتٌ، هذا واجب النصب، لا صاحب علم، صاحب علم (صاحب) مضاف، و (علم) مضاف إليه، دخلت عليه لا النافية للجنس لا صاحب علم ممقوت، يعني علم نافع، وأما العلم الذي هو بين بين قد يمقت. لا صاحب علم ممقوت، (صاحب) مضاف، و (علم) مضاف إليه، حينئذٍ دخلت عليه (لا) فوجب نصبه على أنه اسم لها، نفي للجنس؟ نقول: نعم نفي للجنس، لا صاحب علم ممقوت، هذا خبر (لا) مرفوع بها كما سيأتي. فَانْصِبْ بِهَا مُضَافاً: مُضَافاً إلى نكرة أو مضارعة، أو للتنويع، أي مشابهة، والذي أشبه المضاف هو ما كان عاملاً عمل الفعل في غيره.

لا طالعاً جبلاً ظاهر، (طالعاً) هذا اسم فاعل دخلت عليه (لا) فنصبته، لماذا؟ لأنه شبيه بالمضاف؛ لأن طالعاً هذا منون وقد اعتمد سبقه نفي حينئذٍ هو اسم فاعل رفع ضميراً مستتراً وعمل في المفعول به، لا طالعاً جبلاً، إذاً تممه شيء من معناه، أو معمول تمم معنى اسم الفاعل. أو مُضَارِعَهْ: يعني مشابهة. وَبَعْدَ ذَاكَ الْخَبَرَ اذْكُرْ رَافِعَهْ يعني: بعد نصب المضاف ونصب الشبيه بالمضاف اذكر الخبر، ائت بالخبر رَافِعَهْ حال كونك رافعه لأن (لا) تنصب الأول وترفع الثاني، تنصب الأول على أنه اسم لها وترفع الثاني على أنه خبر لها. وَبَعْدَ ذَاكَ الْخَبَرَ اذْكُرْ: اذْكُرْ بعد ذاك المنصوب، وهو الاسم المضاف والشبيه بالمضاف، (الْخَبَرَ) هذا مفعول به مقدم لاذكر حال كونك رَافِعَهْ، حتماً يعني رافع الخبر. أما الرافع له هل هو (لا) أم غيرها! لا خلاف في أن (لا) هي الرافعة له عند عدم تركبها، يعني إذا كان اسمها مضافاً أو شبيهاً بالمضاف لا خلاف بين النحاة أن الرافع للخبر هو (لا). إذاً القسم الأول المضاف، الشبيه بالمضاف لا إشكال أن الناصب للاسم هو (لا)، وأن الرافع للخبر هو (لا) عينها، هذا لا خلاف بينهم. فإن رُكِّبَت مع الاسم المفرد (لا رجل) حاضر مثلاً، لا رجل قائم، قائم هل هو مرفوع بـ (لا) هنا أم لا؟ هنا محل خلاف بين النحاة، وأما النوع الأول والثاني فمحل وفاق. لا رجل قائم، قائم هذا محل نزاع، فمذهب الأخفش أنها أيضاً هي الرافعة له، يعني كلها الثلاثة مرفوعة بـ (لا) على مذهب الأخفش، وافق الحالتين الأولى. فمذهب الأخفش أنها أيضاً هي الرافعة له، وصححه في التسهيل، يعني ابن مالك رحمه الله تعالى. ومذهب سيبويه أنه مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولها، ولم تعمل إلا في الاسم، والمرفوع خبر المبتدأ، مذهب سيبويه في هذه المسألة مشكل. (لا رجل قائم) قائم عند الأخفش أنه مرفوع بـ (لا)، مثل لا صاحب علم ممقوت، ممقوت مرفوع بـ (لا)، عند سيبويه أن لا رجل هذه ركبت تركيب خمسة عشر، فحينئذٍ (لا) مع اسمها في محل رفع مبتدأ، حينئذٍ لما ركبت تركيب خمسة عشر صارت (لا) جزءاً من الكلمة، وإذا صارت جزءاً من الكلمة حينئذٍ لا يمكن أن تعمل في الخبر، ما الذي رفعه؟ لا رجل قائم، لا بد أن يوجد عامل، قال: مرفوع بما رفع به قبل دخول (لا)، وقبل دخول (لا) الخبر مرفوع بالمبتدأ، فدخلت عليه (لا) فبُني معها، صارت كالجزء معه، فحينئذٍ بقي تأثير مدخول (لا) على الخبر، وهذا بعيد، لا رجل حاضر، حاضر هذا مرفوع بالمبتدأ، أين المبتدأ؟ ليس عندنا مبتدأ، قبل دخول (لا) رُفع الخبر بالمبتدأ، وحينئذٍ دخلت (لا) فأثرت في الاسم فقط، عملت في الاسم، وأما الخبر فليس لها عمل فيه، وهذا محل إشكال. وَبَعْدَ ذَاكَ الْخَبَرَ اذْكُرْ رَافِعَهْ: بعد ذاك الخبر، أين الخبر؟ الخبر هذا مفعول به، لقوله: (اذْكُرْ) حال كونك رافعه: (رَافِعَهْ) هذا حال، كيف جاء حال وهو مضاف إلى الضمير! رافع هذا اسم فاعل، واسم الفاعل لا يتخصص بالإضافة ولو كان معرفة. وَإِنْ يُشَابِهِ المُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ

ولو أضيف إلى معرفة، (لا) يكتسب التعريف وَإِنْ يُشَابِهِ المُضَافُ يَفْعَلُ شابه ماذا؟ الفعل، وهو اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة وَصْفاً فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لا يُعْزَلُ، هو نكرة مطلقاً. إذاً رَافِعَهْ نقول: هذا ولو أضيف فهو نكرة، ولذلك صح مجيئه حالاً وَبَعْدَ ذَاكَ الْخَبَرَ اذْكُرْ رَافِعَهْ: قلنا أشار به إلى أنه يجب اتصال الاسم بـ (لا)، ثم لا يجوز أن يتقدم الخبر على الاسم، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، وإذا فصل حينئذٍ وجب الإلغاء ((لا فِيهَا غَوْلٌ)) [الصافات:47] لا غولَ فيها، هذا الأصل، فلما تقدم الخبر وهو جار ومجرور على الاسم وفصل بين (لا) ومدخولها النكرة وجب الإلغاء ((لا فِيهَا غَوْلٌ)) [الصافات:47] إذاً قوله: وَبَعْدَ ذَاكَ الْخَبَرَ دل على أنه لا يتقدم الخبر على اسم (لا). يجب تنكير الخبر -خبر (لا) -؛ لأن اسمها نكرة، فلا يخبر عنها بمعرفة كما سبق بيانه من الشروط. وتأخيره عنها وعن الاسم هذا واجب، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً لضعفها فلا يجوز الفصل بينها وبين اسمها لا بخبر ولا بأجنبي. وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِحاً: قال: (وَرَكِّبِ)، إذاً عندنا تركيب، والمراد به تركيب خمسة عشر، وهذا خاص بالمفرد. إذاً المضاف معرب والشبيه بالمضاف معرب لا إشكال فيه، وهو منصوب لفظاً وظاهراً وينون فيما إذا كان شبيهاً بالمضاف، ويمنع التنوين لسبب وهو في المضاف، وأما المفرد فهذا حكمه البناء وهو قول الجمهور، أنه مبني. فالمفرد حينئذٍ قلنا: يدخل فيه المثنى والمجموع قال: وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِحاً يعني وركب الاسم المفرد مع (لا)، فاتحاً هذا أشار به إلى البناء؛ لأنه قال رَكِّب .. فَاتِحاً، قد يقال: بأن الفتح قد يطلق على الإعراب، والعكس والناظم يتساهل في هذا، نقول: لا، ثم قرينة يريد به الفتح الذي هو فتح بناء وليس فتح إعراب وهو قوله: (وَرَكِّب) لأن المعربات لا تركيب فيها وإنما المبنيات هي التي يكون فيها تركيب، بعلبك، خمسة عشر .. إلى آخره. فقوله: (وَرَكِّبِ) الاسم المفرد مع (لا) تركيب خمسة عشر، فَاتِحاً: هذا حال من فاعل رَكِّب، كَلاَ حَوْلَ، لاَ حَوْلَ (لا) هذه نافية للجنس، وحَوْلَ هذا اسمها، رُكِّبَ معها (لا) تركيب خمسة عشر، فوجب حينئذٍ البناء؛ لأن التركيب لا يناسب إلا البناء، لأنه ثقيل، فلما ثقل حينئذٍ بني لأنه متضمن للحرف خمسة عشر قالوا: لماذا بني، هو مفرد في الأصل خمسة وعشرة، هذا الأصل، أصل التركيب. حينئذٍ أريد التخفيف فحذفت الواو وضمن أحد الجزأين بمعنى الواو -وهو العطف-، حينئذٍ ضمن معنى واو العطف، وسبق أن الكلمة إذا ضمنت معنى الحرف حينئذٍ بنيت، فخمسة عشر لم بني؟ قالوا: لأنه تضمن معنى واو العطف؛ لأن أصله خمسة وعشرة، هنا كذلك لا رجلَ ركب تركيب خمسة عشر، مرادهم أن أصله: لا من رجل هذا المراد، هذا أصله لا من رجل، فحينئذٍ أريد التركيب هنا أن يمزج بين (لا) ورجل كما مزج بين خمسة وعشرة، فضمن قيد الاسم معنى (من) الاستغراقية، وقيل: الحرف، وهذا مشكل معنى (من) الاستغراقية فبني لا رجل، سيأتي علة البناء.

وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ مع (لا) تركيب خمسة عشر فاتحاً له من غير تنوين، وهذا الفتح فتح بناء على الصحيح، وليس فتح إعراب، وقيل: فتح إعراب، وحُذف التنوين تخفيفاً كما سيأتي. كَلاَ حَوْلَ، يعني: كقولك: لاَ حَوْلَ، (لا) هذه نافية للجنس، وحَوْلَ هذا اسمها نكرة دخلت عليه (لا) النافية للجنس، فحينئذٍ بني معها على الفتح. إذاً بني لماذا؟ للعلة التي ذكرناها. لِمَ حرك وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا؟ ليُعلم أن له أصلاً في الإعراب؛ لأن حول ليست مبنية أصالة، فحينئذٍ حرك من أجل أن يعلم أن له أصلاً في الإعراب، لم كانت الحركة فتحة؟ طلباً للخفة؛ لأن التركيب ثقيل ولا يناسبه إلا الفتح. أما علة البناء: قيل: إن كان اسم (لا) مفرداً غير مضاف ولا شبيه بالمضاف، ركب معها وبني، هذا مذهب أكثر البصريين، واختلف في موجب البناء، ما السبب؟ سبق هناك: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوْفِ مُدْنِي، وذكرنا أن قوله: (لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوْفِ مُدْنِي) المراد به البناء الأصلي لا البناء الطارئ، البناء الأصلي أصل الكلمة، فمن للاستفهامية هكذا ولدت، يعني مبنية لم تكن معربة ثم بعد ذلك طرأ عليها البناء، وبعض الكلمات والأسماء تكون في الأصل هي معربة وقد يطرأ عليها البناء مثل ماذا؟ مثل الذي معنا (رجل) هذا معرب دخلت عليه (لا) لا رجلَ، زيدٌ هذا معرب دخلت عليه (ياء) يا زيدٌ. حينئذٍ هل الحكم واحد مطرد فتكون العلة التي ذكرت في البناء الأصلي هي عينها في البناء الطارئ العارض، أم لكل وجهة؟ قولان: بعضهم قال: كل مبني في لسان العرب لا يخرج عن هذه العلة ولو بتكلف، ما دام أن الأصل بني لشبه بالحرف، حينئذٍ كل طارئ لا بد وأن يكون فيه نوع شبه بالحرف، فتأتي العلل وعسر التكلف في استنباط معنىً يصلح أن يكون تضمن ذلك الاسم معنى الحرف. وبعضهم قال: لا، البناء الطارئ لا يدخل تحت البناء الأصلي، فتلك الأوجه الأربعة خاصة بالبناء الأصلي، وما عداه، حينئذٍ تأتي أنواع أخرى تكون سبباً للبناء، ومنها التركيب، تركيب خمسة عشر ليس لذات الواو وليس ثم واو كانت ثم ضمنت خمسة ولا عشرة، وإنما التركيب نفسه سبباً للبناء، فحينئذٍ قيل: إن (لا رجلَ) مبني لكونه مركباً فحسب؛ لأن لا رجل هذا كأنك نطقت به كلمة واحدة، لا رجل خمسة عشر. فقيل: تضمُّنُه معنى (من) -الذي ذكرناه سابقاً-، وكأن قائلاً قال: هل من رجل في الدار؟ فقال مجيبه: لا رجلَ في الدار؛ لأن نفي (لا) عامٌّ، فينبغي أن يكون لسؤال عام. ولذلك صرح بـ (من) كما سبق في قوله هناك: (وَقَالَ أَلاَ لاَ مِنْ سَبِيلٍ إلَى هِنْدِ)، فدل على أن (من) موجودة، ولكن اختلفوا هل الذي ضمن معنى (من) هو (لا) النافية للجنس أو الاسم؟ محل نزاع بينهم، وهذا صححه ابن عصفور ورد بأن التضمن معنى (من) هو (لا) لا الاسم، وهذا مشكل، كيف حرف يتضمن معنى حرف! لا رجل، ما علة البناء؟ قيل: كون الاسم -اسم (لا) - بني مع (لا) لتضمنه معنى (من) الاستغراقية؛ إذ الأصل لا من رجل وقد نطق بهذه شذوذاً.

رُد عليهم بأن الذي تضمن معنى (من) هو (لا) النافية للجنس وليس الاسم، وهذا يلزم عليه أن الحرف يتضمن معنى حرف آخر، وهذا باطل، فحينئذٍ لا مانع بأن يقال: الاسم بني هنا لتضمنه معنى من الاستغراقية، بل هذا أولى من أن يقال بأنه مركب معها تركيب خمسة عشر؛ لأنه لو ركب معها تركيب خمسة عشر لجاءنا الإشكال في الخبر بماذا رفع! إذا قيل: ركب معها تركيب خمسة عشر حينئذٍ صارت (لا) جزءاً من الكلمة، وجزء الكلمة لا يعمل في غيره، فـ (لا رجلَ قائم)، قائم بماذا مرفوع؟ جلس بدون عامل، فإذا قيل: (لا) صارت جزءاً من الكلمة (لا رجلَ) كأنها كلمة واحدة، وقائم هذه ماذا نفعل فيها؟ بدلاً من أن نقول بأنها رفعت بالمبتدأ قبل دخول (لا) هذا تكلف، وإنما نقول: هذه (لا) بني الاسم معها (لا) للتركيب -تركيب خمسة عشر-، بل هي كما هي لا رجل، مثل يا زيد، لا نقول: ياء ركبت مع زيد، لا، نقول: زيد منادى مبني، ولا نحتاج أن نقول: يا زيد مركب تركيب خمسة عشر، حينئذٍ لا رجل الظاهر والله أعلم يقال: أنه لا تركيب هنا، وإنما الاسم بني لتضمنه معنى من -من الاستغراقية-؛ إذ الأصل لا من رجل وقد جاء التصريح بـ (من) هذه، فحينئذٍ بقيت لا كما هي منفصلة، وإذا بقيت كما هي سلمنا في مسألة عامل الخبر، فتكون لا قد عملت في محل لاسم نصب وفي لفظ الخبر، وهذا أجود مما ذهب إليه سيبويه، هذا قول. وقيل: تركيبه معها تركيب خمسة عشر، بدليل زواله عند الفصل، يعني (لاَ غَوْلَ) مركبة تركيب خمسة عشر، ما الدليل؟ لو قلت: ((لاَ فِيهَا غَوْلٌ)) زال البناء للانفصال، نقول: لا ليس للانفصال؛ لأن العامل يشترط في الأصل أن يكون متصلاً بعامله هذا الأصل -كل عامل- سواء (لا) أو غيرها، ومعلوم أن (لا) هنا ضعيفة ليست لها أصالة العمل، بل هي محمولة على (إِنَّ)، و (إِنَّ) في نفسها ضعيفة لأنها حرف، وإنما أعملت النصب كما سبق شبهت بالفعل، ألحقت بالفعل في اللفظ والمعنى. إذاً هي محمولة على ضعيف فهي أضعف، فحينئذٍ يشترط فيه أن يكون متصلاً بعامله، فإذا فصل بينهما حينئذٍ ألغيت، فعَدَمُ إعمالها في ((لا فِيهَا غَوْلٌ)) لانتفاء الاتصال، لا لانتفاء التركيب، ونقل عن سيبويه. وقيل لتضمنه معنى اللام الاستغراقية، ورد بأنه لو كان كذلك لوصف بالمعرفة كما قيل: لقيته أمس الدابر. على كلٍ الظاهر أنه متضمن معنى من، وأن المتضمن هو الاسم، وأنه لا تركيب في قولنا: لا رجلَ، وهذا شأنه شأن: يا زيدُ، وإن كان أكثر النحاة على أن لا جلَ مركب تركيب خمسة عشر. وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِحاً كَلاَ حَوْلَ.

إذاً عرفنا أن حكمه البناء، أنه مبني، ثم يأتي مبني على ماذا؟ نقول: يبنى على ما ينصب به لو كان معرباً؛ لأنه أحوال: مفرد في باب الإعراب، مثنى، جمع، جمع مذكر سالم، كل واحد من هذه يبنى على ما ينصب به لو كان معرباً، فالمفرد لا رجلَ مبني على الفتح؛ لأنك تقول: رأيت رجلاً، لا رجالَ مبني على الفتح؛ لأن جمع التكسير ينصب بالفتحة، لا مسلمَينِ مبني على الياء؛ لأنه ينصب على الياء، لا مسلمِينَ مبني على الياء لأنه ينصب بالياء، لا مسلماتِ، لا مسلماتَ قولان، يجوز فيه الوجهان: أن يبنى على الكسر؛ لأنه ينصب بالكسر، أو يبنى على الفتح لأنه الأصل فيه الفتح، ويجوز الوجهان، فيه ثلاثة أقوال. إذاً حكمه البناء على ما كان ينصب به؛ لتركبه مع (لا) وصيرورته معها كالشيء الواحد، فهو معها كخمسة عشر، هكذا قال ابن عقيل تبعاً لكثير. ولكن محله النصب بلا لأنه اسم لها؛ لأنها تعمل النصب، فإذا كانت تعمل النصب لا إشكال أنه ظهر في: لا غلامَ رجلٍ ولا طالعاً جبلاً، ظهر فيه النصب، وأما لا رجلَ أين النصب وهي تعمل النصب؟ قلنا: توجه إلى المحل، فحينئذٍ هو مبني من جهة اللفظ، ومعرب من جهة المحل. يدل على ذلك ما سيأتي -العطف على المحل بالنصب-: لا حولَ ولا قوةً، النصب من أين جاء هنا؟ جاء من محل رجل، سيأتي. فالمفرد الذي ليس بمثنى ولا مجموع يبنى على الفتح؛ لأنه ينصب بالفتحة (لا حول ولا قوة)، والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما كانا ينصبان به وهو الياء لا مسلِمِينَ لك ولا مسلِمَينِ، فمسلِمِينَ ومسلِمَينِ مبنيان لتركبهما مع (لا) كما بني رجل. بل الصواب أنه لتضمنه معنى من الاستغراقية. وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن المفرد معها معرب، وحذف التنوين منه تخفيفاً لا رجل، قالوا: هذا منصوب بالفتحة الظاهرة على آخرة، إذاً لماذا لم نقل: لا رجلاً؟ قالوا: حذف التنوين تخيفاً. ورُد بأن حذفه من النكرة المطولة كان أولى، يعني لا رجل حذف التنوين تخفيفاً، لماذا ذكرتموه لا طالعاً جبلاً، هذا من باب أولى أن يحذف؛ لأن حذفه من الأطول أولى من حذفه من الأقصر، وبأنه لم يعهد في التنوين -حذف التنوين- إلا لسبب، وهي أسباب معلومة وليس هذا واحد منها. إذاً مذهب الكوفيين أن لا رجل معرب، وأنه منصوب في لفظاً ومحلاً، وأما جمهور البصريين والنحاة على أنه في اللفظ مبني وفي المحل منصوب. وذهب المبرد إلى أن مسلمِين ومسلمَين معربان، يعني المثنى والجمع معربان؛ لأنه لم يعهد فيهما التركيب مع شيء آخر، وهذا بناء على العلة التي ذكروها، وهي التركيب مع خمسة عشر. وأما جمع المؤنث السالم فقال قوم: مبني على ما كان ينصب به وهو الكسر فتقول: لا مسلمات لك بكسر التاء بدون تنوين، وقيل: بالتنوين؛ لأن التنوين هنا تنوين مقابلة، فلا ينافي البناء. إنَّ الشَّبَابَ الّذيِ مَجْدٌ عَوَاقِبُهُ ... فِيهِ نَلَذُّ وَلاَ لَذَّاتِ لِلشِّيبِ وَلاَ لَذَّاتِ جمع لذة، إذاً هو جمع مؤنث سالم، وبني على الكسر؛ لأنه إذا أعرب ونصب حينئذٍ ينصب بالكسرة. قيل: ينصب بالكسرة مع التنوين، وقيل بدون تنوين، لماذا؟ لأن التنوين هنا تنوين مقابلة لا ينافي البناء. إذاً: أربعة مذاهب فيه:

وجوب بنائه على الكسر؛ لأنه علامة نصبه مع التنوين. وجوب بنائه على الفتح مع التنوين وبدون التنوين. جواز الأمرين وهو الصحيح للسماع؛ لأن هذا البيت أطبق النحاة -خاصة شراح الألفية- على أنه روي بوجهين: ولا لذاتِ ولا لذاتَ، روي بالوجهين بدون تنوين، وهذا هو المرجح أنه يجوز فيه الأمران للسماع، ولكن بدون تنوين، ولذلك قال الشارح: وأجاز بعضهم الفتح نحو لا مسلماتَ لك. ثم قال رحمه الله: إذاً وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِحاً أراد أن يبين أن المفرد يكون مفتوحاً آخره فتح بناء لا فتح إعراب، ولكن لم يذكر حكم المبني الذي يكون مثنى، أو مجموعاً سواء كان جمع تكسير، أو جمع مذكر سالم، أو جمع مؤنث سالم. ذكره أو لا؟ ما يمكن إدخاله، نقول: ذكره، وهو المفرد كرجل ورجال، ومسلمات إذا كان بالفتح عنده لا إشكال فيه، وإن كان بالكسر فحينئذٍ بقي الإشكال في المثنى، وجمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم إذا كان يبنى على الفتح. ثم قال: .......... كَلاَ ... حَوْلَ وَلاَ قُوَةَ وَالْثَّانِ اجْعَلاَ مَرْفُوعَاً اوْ مَنْصُوباً اوْ مُرَكَّبَا ... وَإِنْ رَفَعْتَ أَوَّلاً لاَ تَنْصِبَا هذا إذا كررت (لا)، يعني إذا جاء بعد (لا) النافية للجنس وقد عملت كَلاَ حَوْلَ، وجاء بعدها حرف عطف وكررت (لا)، وجاء بعدها نكرة، يعني بهذه الضوابط التي ذكرها: لاَ حَوْلَ، هذا الأصل وهذا مثال لقوله: وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ فَاتِحاً: لاَ حَوْلَ، ثم قال: وَلاَ قُوَةَ، وحذف الخبر. إذاً: نأخذ من هذا المثال (ولا)، يعني عطف على (لا) بالواو، وكررت (لا)، وجاء بعدها اسم نكرة، بهذه الضوابط قال: وَالْثَّانِ اجْعَلاَ ... ... ... مَرْفُوعاً أوْ مَنْصُوباً أَوْ مُرَكَّبَا مع إعمال الأولى لاَ حَوْلَ أعملها، يجوز في الثاني ثلاثة أوجه -الذي هو-: لاَ قُوَةَ، مَرْفُوعاً، يعني يجوز ولا قوةٌ، مَنْصُوباً ولا قوةً، مركباً وَلاَ قُوَةَ، هذه ثلاثة أوجه، لاَ حَوْلَ أبقها كما هي بالإعمال، ثم انظر إلى الثاني. وَالْثَّانِ اجْعَلاَ: يعني المعطوف مع تكرر (لا)، اجْعَلاَ: اجعلن .. الألف هذه نون التوكيد الخفيفة مبدلاً منها. مَرْفُوعاً: هذا مفعول ثاني، الْثَّانِ اجْعَلاَ، اجعلا الثاني، الْثَّانِي هذا مفعول أول مقدم، ومَرْفُوعاً هذا مفعول ثاني، و (مَنْصُوباً أَوْ مُرَكَّبَا) معطوفان عليه. مَرفُوع: يعني لا حول ولا قوةٌ، ما توجيهه؟ له أحد ثلاثة أوجه: الأول: على إعمال (لا) الثانية عمل ليس، (لا حولَ ولا قوةٌ)، وليس قوةٌ، إعمال الثاني عمل ليس، وليس تطلب اسماً ترفعه؛ لأنها تعمل عمل ليس، وليس ماذا تصنع؟ ترفع الاسم على أنه اسم لها وتنصب الخبر. إذاً: ولاَ قُوَةٌ، يحتمل أن الواو هنا حرف عطف و (لا) تعمل عمل ليس، وقوةٌ بالرفع اسمها. فحينئذٍ يكون العطف هنا من عطف جملة على جملة، فالكلام صار جملتين، وليس جملة واحدة. الوجه الثاني: أن (لا) زائدة، وإذا كانت زائدة حينئذٍ لا عمل لها، وحينئذٍ تكون الواو حرف عطف، عطفت ماذا؟ عطفت (قوةٌ) على (لا) مع اسمها على مذهب سيبويه؛ لأن (لا) مع اسمها مركبة، صارت كلمة واحدة عند سيبويه وهي في محل رفع مبتدأ.

حينئذٍ عطفت هذه الواو مع الحكم على (لا) بكونها زائدة على محل (لا) مع اسمها، هذا وجه، لكنه ضعيف. الثالث: أن يكون مبتدأً محذوف الخبر، ولا قوةٌ إلا بالله، قوةٌ مبتدأ، و (لا) هذه زائدة، مبتدأ خبره محذوف، والذي سوغ الابتداء بالنكرة هنا كونها في سياق النفي فَمَا خِلٌّ لَنَا. إذاً: ثلاثة أوجه في رفع قوة، والأحسن منها أن تُجعل (لا) عاملة عمل ليس، ثم يأتي بعدها أن يكون مبتدأً خبره محذوف، ثم الثالثة على مذهب سيبويه. أوْ مَنْصُوباً لا حولَ ولا قوةً بالنصب، هذا ليس له إلا احتمال واحد وهو أن تكون الواو حرف عطف، ولا زائدة، وقوةً معطوف على محل اسم (لا) وهو النصب، فصار الكلام جملة واحدة. إذاً: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةٌ نقول: بالنصب عطفاً على محل حول، حول هذه في محل نصب لا حول، (لا) نافية للجنس وحول اسمها مبني على الفتح في محل نصب، والمحل هنا يجوز العطف عليه بالنصب، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ. أَوْ مُرَكَّبَا: الألف هذه للإطلاق، يعني مركبة، يعني مبنية تجعل (لا) هذه (لا) النافية للجنس، وهي التي نطق بها الناظم لاَ حَوْلَ (لا) نافية للجنس، وَلاَ قُوَّةَ نافية للجنس. هذه ثلاثة أحوال إذا بني الأول -ركبا-، والأول يجوز فيه الإلغاء .. الأول لا حول، قلنا إذا تكررت (لا) الإعمال جائز وليس بواجب، فيجوز حينئذٍ تقول: لا حولٌ ولا قوةَ، فتُعمل الثانية دون الأولى. وَإِنْ رَفَعْتَ أَوَّلاً: الذي هو حَوْلَ إن رفعته (لاَ تَنْصِبَا) يعني استثنى حالة واحدة مَرْفُوعاً أوْ مَنْصُوباً أوْ مُرَكَّباً، هذا مع تركيب الأول، إن رفعت أولاً يبقى ثلاثة أحوال منع واحدة وهي النصب، بقي الرفع والتركيب. وَإِنْ رَفَعْتَ أَوَّلاً: يعني ألغيت الأولى، حينئذٍ ليس لك في الثاني وهو قُوَّةَ إلا أمران: إما التركيب لا حولٌ ولا قوةَ، وإما الرفع لا حولَ ولا قوةٌ. فحينئذٍ ولا قوةٌ صارت (لا) هذه تعمل عمل ليس، أو أنه (لا) زائدة وهو معطوف على اللفظ لا حولٌ ولا قوةٌ. إذاً هذه خمسة أحوال. وَإِنْ رَفَعْتَ أَوَّلاً إما بالابتداء أو على إعمال (لا) عمل ليس لاَ حَوْلٌ، لاَ تَنْصِبَا: لا تنصباً الألف هذه بدل من نون التوكيد؛ لأن نصبه إنما كان مراعاة لمحل اسم (لا) الأولى لا حولَ ولا قوةً، إذا رفعت الأول قلت: لا حولٌ ما صار عندنا نصب، الأول لا حولَ له لفظ وله محل؛ لأنك أعملت (لا) النافية للجنس، لكن إذا ألغيتها صار لا حولٌ ليس عندنا نصب، حينئذٍ ولا قوةً هذا ممتنع تعطفه على ماذا؟ ليس عندنا منصوب، ولذلك قال: لاَ تَنْصِبَا؛ لأن نصبه إنما يكون بالعطف على منصوب لفظاً أو محلاً وهو مفقود. فيتعين حينئذٍ إما رفعه وإما بناؤه على الفتح، فالأحوال خمسة: فتحهما معاً، رفعهما معاً، فتح الأول مع نصب الثاني، وفتح الأول مع رفع الثاني، ورفع الأول مع فتح الثاني، ويمتنع رفع الأول مع نصب الثاني.

إذاً: وَالْثَّانِ اجْعَلاَ: اجعلن الألف هذه مبدلة عن نون، وَالْثَّانِ اجْعَلاَ، يعني واجعل الثاني وهو قوة مَرْفُوعاً أوْ مَنْصُوباً أوْ مُرَكَّباً، أنت مخير بين هذه، إن ركبت الأولى مع (لا)، وإن رفعت الأولى وألغيتها لاَ تَنْصِبَا: فلا تنصبا، أسقط الفاء للضرورة؛ لأنه في جواب الشرط. فلا تنصبا: نهي، أي فلا تنصباً، لماذا؟ لانتفاء المعطوف عليه أولاً، وابن عقيل وضحه. وَمُفْرَداً نَعْتَاً لِمَبْنِيٍّ يَلِي ... فَافْتَحْ أَوِ ِانْصِبَنْ أَوِ ارْفَعْ تَعْدِلِ وَمُفْرَداً نَعْتاً لِمَبْنِيٍّ يَلِي: إذا قلت: لا رجلاً هذه المسألة "نعت اسم لا المبني على الفتح"، مسألتنا هذه نعت اسم (لا) المبني على الفتح. إذا قلت: لا رجل، هذا مفرد وهو مبني على الفتح، إذا جئت بنعت له أردت أن تنعته فقلت: لا رجل ظريف مثلاً، ما حكم ظريف؟ عندنا رجل، (لا) وما دخلت عليه على مذهب سيبويه في محل رفع، ورجل في محل نصب، وهو في اللفظ مبني. إذاً له ثلاثة أحوال: بناء، ونصب، ورفع. إعراب من جهتين رفع ونصب، وبناء في اللفظ، ثلاثة أحوال، لا رجل، نقول في اللفظ مبني على الفتح، وفي المحل منصوب بـ (لا) ثم (لا) وما دخلت عليه مع اسمه على مذهب سيبويه في محل رفع بالابتداء، إذا جئت تنعت فالنعت يأخذ حكم المنعوت، ما الذي يأخذه من هذه الأحوال الثلاثة؟ قال: وَمُفْرَداً نَعْتاً، يعني نعتاً مفرداً على التقديم والتأخير، قدَّم مفرداً على نعتاً وحقه التأخير عنه؛ لأنه وصف له لأجل الضرورة، ويجوز نصبه على الحال؛ لأنه نعت نكرة تقدم عاملها، ونعتاً مفرداً .. مُفْرَداً نَعْتاً لِمَبْنِيٍّ متعلق بـ: نعتاً، يَلِي يعني: منعوته. فَافْتَحْ أَوِانْصِبَنْ أَوِارْفَعْ: له ثلاثة أحوال، إذاً لا رجلَ ظريفَ، لا رجلَ ظريفاً، لا رجلَ ظريفٌ قل ما شئت .. كلها صحيحة؛ لأنك إذا نصبت اعتبرت المحل فصار تابعاً للمتبوع في المحل، لا رجلَ ظريفاً بالنصب، مراعاة لمحل اسم (لا)، لا رجلَ ظريفَ بالبناء على أنه ركب الصفة مع الموصوف قبل دخول (لا)، لا رجلَ ظريفَ، رجلَ ظريفَ بالبناء، حينئذٍ صار مركباً مثل تركيب خمسة عشر، ثم دخلت (لا) عليه؛ لأنهم لا يركبون ثلاثة أشياء معاً، فركب أولاً رجلَ ظريف، ثم دخلت عليه (لا)، وهذا تكلف. والثالث: الرفع مراعاة لمحل (لا) واسمها المنعوت؛ لأنه في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه. إذاً: وَمُفْرَداً نَعْتاً لِمَبْنِيٍّ يَلِي ... ... ... فَافْتَحْ: هذه الحالة الأولى، وهي بناؤه مع اسم (لا)، أَوِ للتخيير (انْصِبَنْ) يعني على إتباعه لمحل اسم (لا)، (أَوِ ارْفَعْ) يعني إتباعه لمحل (لا) مع اسمها، (تَعْدِلِ) فإن تفعل ذلك تعدل -عدل-؛ لأنك إذا فعلت هذا تارة وهذا تارة حينئذٍ أعطيت النعت حق المنعوت من كل وجه، فصار عندك نوع عدل. وَمُفْرَداً نَعْتاً: هذا يجوز أن يكون تنازعه فَافْتَحْ أَوِ انْصِبَنْ أوِ ارْفَعْ تَعْدِلِ، سيأتينا التنازع، وإن كان المشهور أن العامل يشترط فيه أن يكون مقدماً على المتنازع فيه، وإذا تقدم المعمول على العوامل، حينئذٍ هل يكون من باب التنازع أو لا؟ البصريون على المنع.

وحينئذٍ: افْتَحْ مفرداً، انْصِبَنْ مفرداً، ارْفَعْ مفرداً، كلها طلبته على أن يكون مفعولاً له، ماذا نصنع؟ نعطي واحد مفرداً والباقي نقدر له الضمير ثم نحذفه، وهذا سيأتي في باب التنازع. والأحسن أن نجعل مفرداً هذا حال؛ لأنه والأصل ونعتاً مفرداً، والنكرة إذا تقدمت على منعوتها موصوفها انتصبت على الحالية. وَمُفْرَداً نَعْتاً لِمَبْنِيٍّ، إذاً احترازاً عن غير المبني، وهو المضاف والشبيه بالمضاف، هذا لا يكون مبنياً، لِمَبْنِيٍّ متعلق بنَعْتاً، يَلِي: يعني يتصل بمنعوته لا ينفصل عنه. حينئذٍ كم شرط ذكر لنا في هذه المسألة؟ أن يكون مفرداً. أن يكون تالياً له: يعني متصلاً بالمنعوت، قال: يَلِي يعني يلي منعوته بدون فاصل. وأن يكون النعت مفرداً، وكذلك المنعوت مفرداً، من أين أخذنا المنعوت مفرداً؟ لِمَبْنِيٍّ؛ لأن المبني لا يكون إلا مفرداً في باب (لا)، وأما المضاف والشبيه بالمضاف لا. إذاً: مفرداً واحد، مبني ثانياً، يلي الاتصال. حينئذٍ له ثلاثة أحوال. قال ابن عقيل: إذا كان اسم لا مبنياً ونعت بمفرد يليه أي: لم يفصل بينه وبينه بفاصل جاز في النعت ثلاثة أوجه: الأول: البناء على الفتح لتركبه مع اسم (لا) نحو: لا رجلَ ظريفَ، على نية تركيب الصفة مع موصوفه قبل دخول (لا) تركيب خمسة عشر. الثاني: النصب مراعاة لمحل اسم (لا) نحو: لا رجلَ ظريفاً. الثالث: الرفع مراعاة لمحل (لا) واسمها المنعوت؛ لأنهما في موضع رفع عند سيبويه كما تقدم نحو: لا رجلَ ظريفٌ. هذه الثلاثة الشروط إذا انتفى واحد منها انتفى البناء –التركيب-، وبقي الرفع والنصب، وهو ما أشار إليه بقوله: وَغَيْرَ مَا يَلِي وَغَيْرَ الْمُفْرَدِ ... لاَتَبْنِ وَانْصِبْهُ أَوِ الرَّفْعَ اقْصِدِ إذاً الشروط الثلاثة السابقة إذا انتفى واحد منها حينئذٍ ينتفي ويرتفع البناء، ويبقى معنا النصب والرفع. وَغَيْرَ مَا يَلِي، هذا من نعت المبني –مفرد-. أشار بهذه المسألة إلى مسألتين: أن يكون اسم (لا) مبنياً على الفتح والنعت مفرداً إلا أنه مفصول بينهما، أن يكون كل منهما مفرد لا رجلَ في الدار ظريفٌ، هنا رجل مفرد مبني، وظريف مبني، إلا أنه فصل بينهما، لا رجل فيها ظريفٌ - ظريفاً، ظريفٌ على محل لا مع اسمها، ظريفاً باعتبار محل اسم (لا)، كما هو الشأن في السابق. ما الذي امتنع؟ البناء، لماذا؟ لأنهم لا يركبون ثلاثة أشياء؛ لأنه لو أراد أن يركب، حينئذٍ لا رجلَ فيها ظريفَ، وهذا لا وجود له، رجلَ فيها ظريفَ يكون مركب واحد مثل خمسة عشر! هذا لا وجود له. إذاً انتفى وارتفع البناء لارتفاع موجبه وهو عدم إمكان التركيب، فبقي على الرفع والنصب. وَغَيْرَ مَا يَلِي، الذي لا يلي انفصل، وَغَيْرَ الْمُفْرَدِ وهو المضاف والشبيه بالمضاف (لاَتَبْنِ) لا يبنى، لماذا؟ لتعذر موجب البناء بالطول، وزوال التركيب بالفصل في الأول؛ لأنك إذا قلت: لا رجلَ فيها ظريفَ، نقول: هذا ما يمكن، لماذا؟ لأن التركيب قد زال بالفصل وهو الجار والمجرور بين اسم (لا) والنعت، فلا يجوز. إذاً لتعذر موجب البناء بالطول وزوال التركيب بالفصل في الأول.

لا رجلَ صاحب علم ممقوت، لو وصفنا بالمضاف، صار صفة نعتاً لا رجل صاحب علم، صاحبُ علم يجوز فيه الوجهان، هل يصح لا رجل صاحب على أنه مبني؟ نقول: لا يصح، لماذا؟ لأن رجل كلمة، وصاحب كلمة، وعلم كلمة .. هذه ثلاثة أشياء، فلا يركب بينها. وَغَيْرَ مَا يَلِي وَغَيْرَ الْمُفْرَدِ ... ... لاَتَبْنِ، لاَتَبْنِ غَيْرَ مَا يَلِي، هذا مفعول مقدم لتَبْنِ. وَغَيْرَ مَا يَلِي: يعني يلي منعوته من نعت المبني المفرد، وَغَيْرَ الْمُفْرَدِ: وهو المضاف والشبيه بالمضاف. إذا كان النعت غير مفرد فلا يجوز بناؤه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنعوت مفرداً أو غير مفرد مطلقاً، ولا أن يفصل بينه وبين النعت أو لا يفصل، لا رجل صاحب بر فيها، هذا يمتنع البناء، ولا غلام رجل فيها صاحب بر، نقول يمتنع للانفصال. إذاً لا يتصور مع التركيب المضاف والمضاف إليه مع اسم (لا) سواء كان اسم (لا) مفرداً أو مضافاً أو شبيهاً بالمضاف يمتنع التركيب مطلقاً، فلا يكون مبنياً. وَانْصِبْهُ نحو: لا رجلَ فيها ظريفاً، ولا رجلَ قبيحاً فعله عندك، هنا نعته بالشبيه بالمضاف، وجب نصبه، وَانْصِبْهُ، ليس على جهة الوجوب بل هو على الجواز. نحو: لا رجلَ فيها ظريفٌ أَوالرَّفْعَ، ولا رجلَ قبيحٌ فعله عندك، إذاً لا رجل قبيحاً فعله، لا رجل قبيحٌ فعله .. يجوز فيه الرفع والنصب ويمتنع البناء، مع كونه مطولاً يعني شبيهاً بالمضاف. ويجوز النصب والرفع أيضاً في نعت غير المبني. وَغَيْرَ مَا يَلِي وَغَيْرَ الْمُفْرَدِ ... لاَ تَبْنِ وَانْصِبْهُ أَوِ الرَّفْعَ اقْصِدِ الرفع حملاً على موضع لا مع اسمها. ثم قال: وَالْعَطْفُ إِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ لاَ احْكُمَا ... لَهُ بِمَا لِلنَّعْتِ ذِي الْفَصْلِ انْتَمَى وَالْعَطْفُ وَالْعَطْفَ يجوز فيه الوجهان. وَالْعَطْفُ على أنه مبتدأ، وَالْعَطْفَ على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوباً من باب الاشتغال، يعني احكم العطفَ، يعني يجوز نصبه بفعل مضمر على الاشتغال. احكمن العطف، حينئذٍ يكون على نزع الخافض. إِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ لاَ معه احْكُمَا ... ... ... لَهُ بِمَا لِلنَّعْتِ ذِي الْفَصْلِ انْتَمَى لا رجلَ ولا امرأةَ في الدار، لا رجلَ ولا امرأةَ، يجوز فيه خمسة أوجه. احذف (لا) من الثانية لا رجلَ وامرأةَ، هل الحكم واحد خمسة أوجه؟ لا، هنا ليس إلا وجهان فحسب وهو: الرفع، والنصب. الرفع على أي شيء؟ عطف على محل (لا) مع اسمها، حكم واحد مطرد. والنصب على محل اسم (لا)، هل يجوز البناء؟ لا يجوز، لماذا؟ لوجود العاطف، لا رجلَ وامرأة، الواو هذه تمنع التركيب، هنا خمسة عشر قلنا الواو حذفت، خمسة وعشر هذا الأصل. حينئذٍ نقول: الواو تمنع التركيب، إذاً حكم العطف إن لم تتكرر (لا) حكم النعت الذي لم يلي منعوته، أو لم يكن مفرداً، فالحكم واحد البيت هذا والبيت السابق الحكم واحد والمسألتان مختلفتان. وَالْعَطْفُ أي المعطوف، يعني إذا عطف على اسم (لا) المبني، ولم تتكرر (لا)، جاز في المعطوف ما جاز في النعت المفصول وهو النصب والرفع فقط، النصب على محل اسم (لا) والرفع على (لا) مع اسمها.

وامتناع البناء عن الفتح لوجود العاطف فتقول: لا رجلَ وامرأةً بالنصب، لا رجلَ وامرأةٌ بالرفع، ولا يجوز لا رجلَ وامرأةَ بالبناء على الفتح. وَالْعَطْفُ إِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ لاَ احْكُمَا، لاَ هذا فاعل تتكرر احْكُمَا: هذا خبر المبتدئ إذا رفعنا العطف (لَهُ) الضمير يعود على المعطوف (احكماً له) يعني للمعطوف. بِمَا لِلنَّعْتِ: (مَا) اسم موصول جار ومجرور متعلق بقوله: احْكُمَا. لِلنَّعْتِ: جار ومجرور متعلق بـ: انْتَمَى. بالذي انْتَمَى لِلنَّعْتِ ذي الْفَصْلِ، مَا اسم موصول أين صلته؟ جملة انْتَمَى يعني انتسب، من جواز النصب والرفع دون البناء، إذاً البيت هكذا: وَالْعَطْفُ إِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ لاَ -معه- احْكُمَا لَهُ بالذِي انْتَمَى لِلنَّعْتِ ذي الْفَصْلِ المفصول والذي تقرر للنعت المفصول عن منعوته هو وجهان فقط: الرفع والنصب، وانتفاء التركيب. تقدم أنه إذا عطف على اسم لا نكرة مفردة وتكررت لا، يجوز في المعطوف ثلاثة أوجه، على ما سبق. وذكر في هذا البيت أنه إذا لم تتكرر (لا) يجوز في المعطوف ما جاز في النعت المفصول وقد تقدم في البيت الذي قبله أنه يجوز فيه الرفع والنصب، ولا يجوز فيه البناء. لا رجلَ وامرأةٌ وامرأةً، ولا يجوز البناء على الفتح مطلقاً الفتح ولا غيره. وحكى الأخفش لا رجلَ وامرأةَ لكنه شاذ يحفظه ولا يقاس عليه بالبناء على الفتح، على تقدير تكرر (لا) هذا من باب التوجيه فحسب. وكذلك إذا كان المعطوف غير مفرد لا يجوز فيه إلا الرفع والنصب سواء تكررت (لا) نحو: لا رجلَ ولا غلامَ امرأة، أو لم تتكرر لا رجلَ وغلامَ امرأة. لماذا لا رجلَ ولا غلامَ امرأة لا يجوز إلا الوجهان، ولا غلامَ امرأة؟ لأنه لا يبنى هذا؛ لأنه مضاف، إذا تسلطت عليه (لا) النافية للجنس حينئذٍ ينصب لفظاً، وإنما الذي يبنى نحو: لا رجلَ، ولا مسلمينَ .. هذا كله إذا كان المعطوف نكرة فإن كان معرفة لا يجوز فيه إلا الرفع على كل حال لا رجلَ ولا زيدٌ فيها أو لا رجلَ وزيدٌ فيها. لماذا إذا كان معرفة لا يجوز إلا حالة واحدة وهي الرفع؟ لأنك لو جعلتها معطوفة على محل اسم لا النصب حينئذٍ سلطت (لا) عليها، و (لا) لا تدخل على المعرفة. لو قلت: لا رجلَ كما قال هنا: ولا زيدٌ، ولا زيداً لو نصبته حينئذٍ صار معطوفاً على محل اسم (لا)، وإذا كان كذلك حينئذٍ (لا) عملت في النكرة مدخولها وفي المعرفة، وهذا باطل؛ لأنها لا تعمل إلا في النكرة؛ لأنها على معنى من الاستغراقية. لم يذكر المصنف حكم البدل ولا التوكيد وإنما ذكر حكم العطف، أما البدل فإن كان نكرة فكالنعت المفصول نحو: لا أحدَ رجلٌ وامرأةٌ فيها، بنصب رجل ورفعه، وكذا عطف البيان عند من أجازه في النكرات. إن لم يكن نكرة عند من أجازه في النكرات، وإن لم يكن نكرة فالرفع نحو لا أحدَ زيدٌ فيها، وأما التوكيد فيجوز تركيبه مع المؤكد وتنوينه نحو: لا ماءَ ماءً بارداً، قاله في شرح الكافي، أما التوكيد المعنوي لا يتأتى هنا؛ لأن التوكيد المعنوي كله ألفاظ تعتبر معارف. وَالْعَطْفُ إِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ لاَ احْكُمَا ... لَهُ بِمَا لِلنَّعْتِ ذِي الْفَصْلِ يعني: المفصول انْتَمَى

ذِي هذا صفة للنعت، وهو مضاف والفصل مضاف إليه وهي بمعنى الذي. وَأَعْطِ لاَ مَعْ هَمْزَةِ استِفْهَامِ ... مَا تَسْتَحِقُّ دُونَ الاِسْتِفْهَامِ قد تدخل همزة الاستفهام على (لاَ) النافية للجنس، حينئذٍ هل يتغير الحكم معها أم لا؟ الناظم هنا أطلق وقال: وَأَعْطِ لاَ السابقة النافية للجنس مَعْ هَمْزَةِ استِفْهَامِ ... مَا تَسْتَحِقُّ دُونَ الاسْتِفْهَامِ. والذي تستحقه دون الاستفهام ما هو؟ البناء، إن كان مدخولها يصح بناؤه والنصب والعطف عليه .. الخ، كل الأحكام السابقة تثبت بلا، سواء دخلت عليها الهمزة أم لا، وهذا كلام مطلق عند المصنف. وَأَعْطِ: هذا يتعدى إلى مفعولين، (لاَ) هذا مفعول الأول، مَا تَسْتَحِقُّ، مَا مفعول ثاني، تَسْتَحِقُّ هذا صلة الموصول، من الأحكام دُونَ الاسْتِفْهَامِ، هذا متعلق بـ (تَسْتَحِقُّ)، دُونَ الاسْتِفْهَامِ، قال همزة استفهام، دون الاستفهام يسمى إيطان، لكنه مدفوع بماذا؟ بتنكير الأول وتعريف الثاني، حينئذٍ لا يكون عيباً. وَأَعْطِ لاَ مَعْ هَمْزَةِ اسْتِفْهَامِ ... مَا تَسْتَحِقُّ دُونَ الاِسْتِفْهَامِ من العمل والإتباع على ما تقدم. إذا دخل همزة الاستفهام على لا النافية للجنس بقيت على ما كان لها من العمل، وسائر الأحكام التي سبقت، فتقول: ألا رجلَ قائمٌ، لا رجلَ قائمٌ، دخلت عليه همزة، صارت: ألا رجل قائم، وألا غلام رجل قائم، وألا طالع جبلاً ظاهر، وحكم المعطوف والصفة بعد دخول همزة الاستفهام كحكمها قبل دخولها، الحكم واحد، وظاهر كلام الناظم أنه يميل إلى هذا. وأكثر النحاة على التفريق بين ما إذا كانت همزة الاستفهام للنفي أو التقرير والتوبيخ، وبين ما إذا كانت للتمني، إن كانت للأول، فعلى ظاهر النظم، وإن كانت للثاني فلا، ففيها تفصيل، هكذا أطلق المصنف هنا، وفي كل ذلك تفصيل، وهو أن همزة الاستفهام إذا دخلت على (لا) لها عدة معاني، منها: إذا قصد بالاستفهام التوبيخ، هذا واحد، أو الاستفهام عن النفي اثنان، فالحكم كما ذكر الناظم، لا فرق بين (لا) بعد دخول الهمزة ولا قبل دخولها، من أنه يبقى عملها وجميع ما تقدم ذكره من أحكام العطف والصفة وجواز الإلغاء كما لو لم تدخل عليها الهمزة. مثال التوبيخ: ألا رجوع وقد شبت، لا رجوع وقد شبت، دخلت عليه الهمزة أفادت التوبيخ، ألا رجوع وقد شبت، في معنى التوبيخ. أَلاَ ارْعِوَاءَ لِمَنْ وَلَّت شَبِيبتُه ... وآذَنَتْ بمشِيبٍ بعدَهُ هَرَمُ كذلك توبيخ. ومثال الاستفهام عن النفي: ألا رجل قائم، هذا استفهام نفي، ألا رجل قائم. ألاَ اصطَبارَ لِسَلمَى أمْ لَهَا جَلَدٌ ... إِذَا أُلاَقِي الَّذِي لاَقَاهُ أَمْثَالِي هذا أيضاً مبني على الفتح كما هو السابق. إذاً جاءت بالتوبيخ فقال: ألا رجوع، بقيت كما هي مبنية على الفتح، أَلاَ ارْعِوَاءَ: ارعواء يعني كف وانزجار بقيت على أصلها وهو البناء على الفتح. كذلك من استفهام على النفي: ألا رجل قائم، ألا اصطبار، فهي كما هي.

أما النوع الثالث وهو أن تكون للتمني، فهذا ليست الأحكام باقية كما هي، وإذا قُصِد بألا التمني فمذهب المبرد والمازني أنها تبقى على جميع ما كان لها من الأحكام، وهذا ظاهر كلام الناظم؛ لأنه لم يفرِّق بين استفهام النفي ولا التوبيخ ولا التي بمعنى التمني فسوى بين الأحكام كلها فدل على أنه وافق المبرد والمازني في اختار أن الأحكام باقية مع ألا التي للتمني، وعليه يتمشى إطلاق المصنف. ومذهب سيبويه أنه يبقى لها عملها في الاسم خاصة، إذاً إذا كانت للتمني ثم فروق بين (ألا) بعد دخول الهمزة وقبل دخول الهمزة. منها: أنها لا عمل لها إلا في الاسم خاصة، ولا يكون لها خبر في اللفظ ولا في التقدير -هذا من الفوارق بين ألا التي للتمني وقبل دخول الهمزة- أنه يبقى لها عملها في الاسم خاصة، تعمل في الاسم، إذاً هي تعمل، بقي عملها، لكن بعض العمل وهو الاسم فقط أما الخبر فليس لها خبر لا في اللفظ ولا في التقدير، ولا يتبع اسمها إلا على اللفظ خاصة، أما المحل فلا، لا يتبع اسمها إلا على اللفظ خاصة، ولا يلغى بحالٍ ولا تعمل عمل ليس، ولا يلغى عملها بحال، بخلاف تلك. ومن استعمالها للتمني قوله: (أَلاَ مَاءَ مَاءً بَارِداً) يعني يتمنى ماءً بارداً: أَلاَ عُمْرَ وَلَّى مُسْتَطَاعٌ رُجُوعُهُ ... فَيَرْأَبَ .. ، ألا عُمْر يعني التمني ما الدليل على أن ألا هنا استعملها في التمني، نَصْبُ المضارع فَيَرْأَبَ نَصَبَ المضارع بعد الفاء الواقعة جواب التمني. ومن المواضع التي ينصب الفعل المضارع أن يكون بعد فاء السببية أو الواقعة في جواب التمني، وهذا منها. حينئذٍ أَلاَ عُمْرَ وَلَّى، هذا دل على أنه أراد التمني، يتمنى عمر ولى، فَيَرْأَبَ هذا جواب الطلب، بدليل نصب الفعل المضارع بعده. إذاً في هذه الحالة نقول: تفترق (ألا) بعد (لا) النافية للجنس بعد دخول الهمزة التي يراد بها التمني عما قبل دخولها. قال: بل يجب في وصفهِ والمعطوفِ النصبُ ولا خبر لها وهذا على مذهب سيبويه؛ لأنها جاءت بمعنى أتمنى، فكأن اسمها مفعول به فلذلك لا تحتاج إلى خبر، كأن الاسم صار مفعولاً به لأن (ألا) في معنى أتمنى، حينئذٍ لا تحتاج إلى خبر. ولا يجوز رفع المعطوف ولا النعت ولا تُلغى لأنها بمعنى ليت، وليت لا يجوز إلغاؤها كما سبق معنا، ولا مراعاة محل اسمها ولا يجوز في العطف على اسمها ولا وصفه إلا بالنصب. إذاً نقول: (ألا) إذا كانت للتمني حينئذٍ ثم فروق بينها وبين (لا) التي لنفي الجنس، يبقى عملها من حيث الجملة وتفترق عنها في بعض المسائل. وَشَاعَ فِي ذَا البَابِ إِسْقَاطُ الْخَبَرْ ... إِذَا الْمُرَادُ مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَرْ قلنا (لا) هذه تقتضي اسماً وخبراً هذا الأصل فيها لأنها محمولة على إنَّ وقلنا من وجه المشابهة بينها وبين إنَّ دخولها على المبتدأ والخبر، إذاً لا بد لها من خبرٍ.

وَشَاعَ أي كثر فِي ذَا البَابِ لا غيره لأن الأصل في الخبر أن يكون عمدة والأصل في العمدة أنه لا يجوز حذفه، هذا الأصل فيه، لكن كثر في هذا الباب على جهة الخصوص وهو باب (لا) النافية للجنس، ولذلك لم يطلق، فحينئذٍ لما قيد هنا: فِي ذَا البَابِ قد يستفاد بأن قوله: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، قلنا (ما) هذه يحتمل أنها عامة تشمل الباب الذي ذكر فيه وغيره. وذكر بعضهم أنها خاصة، التقييد هنا فِي ذَا البَابِ قد يستفاد منه أن قوله هناك أراد به العموم إذ لو كان مراداً به الخصوص لقيد كما قيد هنا. وَشَاعَ أي كثر وذاع فِي ذَا البَابِ: باب "لاَ" النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ لا غيره إسْقَاطُ الخَبَرْ بمعنى حذف، جوازاً عند الحجازيين ولزوماً عند التميميين والطائيين إسْقَاطُ الخَبَرْ إما على جهة الجواز وإما على جهة الإيجاب، جوازاً عند الحجازيين ووجوباً عند التميميين، قال: الخَبَرْ أطلق هنا فدل على العموم يعني: سواء كان مفرداً أو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً أو غيرهما، حينئذٍ إسْقَاطُ الخَبَرْ: لا رجل قائم هذا الأصل لو قال: هل من رجل في الدار قال: لا رجل، فأسقط الخبر للعلم به، نقول جائز مع كونه ليس ظرفاً ولا جاراً ومجروراً. إذَا الْمُرَادُ مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَرْ، يعني هذا قيد إسقاط الخبر ليس على إطلاقه، لأن ما لا يُعلم لا يجوز حذفه، حينئذٍ إذا علم الخبر وجب إسقاطه عند التميميين وجاز عند الحجازيين، وأما إذا لم يعلم فالمنع مطلقاًَ عند الطائفتين لا يجوز حذف الخبر. إذَا الْمُرَادُ: الْمُرَادُ هذا فاعل، إذا ظهر المراد لأن ذا جاءت بعد إذا فهي شرط. إذَا الْمُرَادُ يعني إذا ظهر المراد مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَرْ بقرينة (قالوا لا ضير)، (فلا فوت)، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله -لا حولَ- من الأول. حينئذٍ خلاصة هذا الباب أنه يجوز حذف الخبر إذا علم عند الحجازيين ويجب عند التميميين. إذا دل دليل على خبر لا النافية للجنس وجب حذفه عند التميميين والطائيين وكثر حذفه عند الحجازيين، ومثاله أن يقال هل من رجل قائم فتقول لا رجل تحذف الخبر وهو قائم وجوباً عند التميميين والطائيين وجوازاً عند الحجازيين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخبر غير ظرف ولا جار ومجرور كما مُثِّل، أو ظرفاً أو جاراً ومجروراً نحو أن يقال: هل عندك رجل أو هل في الدار رجل فتقول لا رجل فإن لم يدل على الخبر دليل لم يجز حذفه عند الجميع. قوله صلى الله عليه وسلم (لاَ أَحَدَ أغْيَرُ مِنَ اللهِ) أغير هذا خبر لا يجوز حذفه ولاَ كَرِيمَ مِنَ الوِلْدَان مَصْبُوحُ، مَصْبُوحُ لا يجوز حذفه لأنه لا يعلم. إذاً حذف خبر هذا الباب إن علم غالبٌ في لغة الحجاز ملتزم في لغة تميم وطي فلم يلفظوا به أصلاً ومنه (لا ضَيْرَ) (فَلا فَوْتَ) "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" "لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ " "لاَ بَأْسَ، لاَ بَأْسَ"، يعني لا بأس عليك، نقول هذا بأس حذف خبره وهو عليك.

وإذا ما كثر أو وجب لأن لا وما دخلت عليه جواب استفهام عام والأجوبة يقع فيها الحذف والاختصار كثيراً ولهذا يكتفون عنها بلا ونعم هل جاء زيد؟ لا. هل جاء عمرو؟ نعم. حينئذٍ يحذفون الجملة اكتفاءً بحرفي الجواب. ويحذفون الجملة بعدهما رأساً وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع (إلا) نحو {لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه} و (لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّة الاّ باللهِ) وإن لم يعلم بقرينة حالية ولا قالية لم يجز حذفه عند أحد فضلاً عن أن يجب. وربما حذف الاسم وبقي الخبر قالوا لا عليك، أي لا بأس عليك هذا محكي ولكنه يحفظ ولا يقاس عليه. وإلى هذا أشار بقوله إذَا الْمُرَادُ مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَرْ واحترز بهذا مما لا يظهر المراد مع سقوطه فإنه لا يجوز حينئذٍ حذفه كما تقدم، ظن وأخواتها .. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... !!!

42

عناصر الدرس * شرح الترجمة (ظن وأخواتها) ـ * عمل هذه الأفعال واقسامها ن حيث المعنى. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا. هذا هو القسم الثالث مما يعد من النواسخ، وسبق أن الناسخ: هو ما يرفع حكم المبتدأ والخبر، وقلنا: هذا الذي يرفع حكم المبتدأ والخبر، إما أن يرفع المبتدأ والخبر إلى الرفع والنصب وهو (كان) -رفع الأول ونصب الثاني-، وإما العكس؛ نصب الأول ورفع الثاني، وهو باب (إن وأخواتها)، وإما أن ينصب الجزأين وهو المبتدأ والخبر، وهذا هو النوع الثالث، ثم بعض هذه الأبواب له ملحقات أو له مُشَبَّهَات يلحق بها كأفعال المقاربة و (ما) و (لا) و (ليس) و (لا) التي لنفي للجنس هذه بـ (إن)، هذه ملحقات تعتبر هي فروع عن الأصول. أما الذي معنا (ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) فهو باب أصل بنفسه ينصب المبتدأ على أنه مفعول أول له، والخبر على أنه مفعول ثانٍ له بعد استيفاء فاعلها؛ لأنها أفعال، وكل حدث -كل فعل- لا بد له من محدث، هذا دليله عقلي وهو دلالة لزوم. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإِنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ وَإلاَّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا، وَأَخَوَاتُهَا أي: نظائرها في العمل، وخص (ظَنَّ) لأن لها أحكاماً تتميز بها عن سائر أفعال الباب، وهذه قاعدة عندهم: أن الشيء إذا امتاز عن أخواته ونظائره بأحكام ينفرد بها عنها حينئذٍ جعل أماً، يعني أصلاً، وما عداه يعتبر فرعاً كأنها حملت عليه، ولذلك لما لم تكن (كاد) -لم يدل الدليل على أنها أصل- حينئذٍ قال: أفعال المقاربة، وأما (كان) قال: (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا، إنَّ وأَخَواتِها، ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) إذاً: هذه أُمَّهات أو أمَّات، وحينئذٍ نقول: هذه ثبتت بالأدلة أن لها أحكاماً تتميز بها عن أخواتها، وأخواتها المراد بها نظائرها في العمل، هذه الأفعال تدخل على الجملة الاسمية -المبتدأ والخبر-، فكل ما دخلت عليه (كان) تدخل عليه هذه الأفعال، وما لا فلا، كل ما دخلت عليه (كان) من المبتدأ فحينئذٍ تدخل عليه هذه الأفعال، وما امتنع هناك يمتنع هنا، وكذلك في باب (إنَّ وأَخَواتِها). إذاً: قدر مشترك بين هذه الأبواب الثلاثة وهي من نواسخ المبتدأ والخبر أنه ليس كل مبتدأ تدخل عليه هذه النواسخ، بل ثَمَّ شروط وقيود. إذاً: ما دخلت عليه (كان) تدخل عليه هذه الأفعال وما لا فلا، إلا المبتدأ الذي هو اسم استفهام أو مضاف إليه، قلنا هناك: لا تدخل (كان) على مبتدأ هو اسم استفهام، وهنا يستثنى لماذا؟ لأن الاستفهام له الصدارة، فإذا دخلت (كان) على اسم الاستفهام وجب أن يتقدم على (كان)، و (كان) لا يتقدم عليها اسمها، وأما باب (ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) تدخل على مبتدأ هو اسم استفهام أو مضاف لاسم الاستفهام، ولا يمنع أن يتقدم المفعول الأول عليها، فلزوال العلة التي في باب (كان) في هذا الباب حينئذٍ جاز أن يدخل (ظن وأخواتها) على الاستفهام المبتدأ. إذاً: كل ما دخلت عليه (كان) جاز هنا، وما لا فلا، إلا إذا كان المبتدأ اسم استفهام أو مضاف إلى اسم الاستفهام.

فإن هذه الأفعال تدخل عليه، ويقدم عليها، ولا مانع، نحو إذا قلت: ظننتُ أيَّهم أفضلَ، أيَّهم ظننتُ أفضلَ: تقدم عليه ولا إشكال؛ لأنه لا يلتبس، بخلاف باب (كان) فإن اسمها لا يتقدم؛ لأنه مرفوع، وإذا تقدم حينئذٍ التبس بالمبتدأ، وحينئذٍ يمتنع، وأما هنا فحينئذٍ لما كان منصوباً وهو مفعول به، فضلات من حيث الظاهر يجوز تقدمها على عواملها، حينئذٍ جاز أن يدخل ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا على اسم الاستفهام إذا كان مبتدأ، بخلاف (كان) فلا تدخل عليه لعدم تقدم اسمه عليها. وأما الخبر فيجوز في البابين: أن يكون استفهاماً في باب (كَانَ وَأَخَوَاتُهَا) أو مضافاً إليه، إذ لا مانع من تقديمه في البابين: أين كنت؟ كنت أين؟ أين كنت؟ أين؛ نقول: هذا في محل نصب هو اسم استفهام، لماذا تقدم على (كان)؟ نقول: لأنه خبر، وإذا كان خبراً حينئذٍ له حق الصدارة، وأين ظننت عمراً؟ ظننت عمراً أين؛ هذا الأصل، فتقدم المفعول الثاني وهو الخبر في الأصل على (ظن). إذاً: إذا كان خبراً -اسم الاستفهام أو المضاف إليه- إذا كان خبراً في البابين باب (كان وظن) يجوز أن يتقدم على (كان وظن). وأما إذا كان مبتدأً يجوز في باب (ظن) ويمتنع في باب (كان) للعلة التي ذكرناها. هذا الباب قلنا: يدخل على المبتدأ والخبر، فينصب المبتدأ على أنه مفعول أول، وينصب الثاني على أنه مفعول ثاني. وهل هي خاصة بالمبتدأ والخبر؟ جماهير النحاة على ذلك، وخالف السهيلي وقال: لا، ليس الأمر كذلك؛ لأنه يقال: ظننتُ زيداً عمْراً، وحينئذٍ لا يقال: عمروٌ زيدٌ، إذا كان أصل الجملة مبتدأ وخبر: ظننتُ زيداً عمْراً هل يقال: زيدٌ عمروٌ؟ ظننت زيداً قائماً ماذا نقول؟ زيد قائم، إذاً: دخلت على ما أصله المبتدأ والخبر، زيد قائم، ظننت زيد قائم لا إشكال فيه، لكن في بعض المُثُل قد يكون التقديم فيه نوع صعوبة، مثل: ظننت زيداً عمْراً، زيدٌ عمرو لا يصح إلا على معنى التشبيه قال: وهذه الأفعال لم تدخل على معنى التشبيه، زيد عمرو أي: زيد كعمروٍ صح التركيب، إذاً مبتدأ وخبر، هو ينفي أن تكون هذه الأفعال دخلت على معنى التشبيه، والجواب: أولاً نمنع دخول هذه الأفعال (ظن وأخواتها) على غير المبتدأ والخبر. ثانياً: نسلم بأن دخول (ظن) على زيداً عمْراً هنا على معنى التشبيه، ولذلك لو قال: ظننتُ زيداً عمْراً ثم أخطأ، الكلام صحيح أو لا؟ صحيح، فيبقى على الأصل، فحينئذٍ أصل التركيب: زيدٌ عمرو، زيدٌ كعمروٍ على معنى التشبيه وهو باق بعد دخول (ظن) فيجاب على ما ذكره السهيلي بهذا. إذاً: الأصل في دخول هذه الأفعال أن تدخل على المبتدأ والخبر، هل تدخل على غيرهما؟ الجواب: لا، خلافاً للسهيلي.

يُنصب الأول الذي هو المبتدأ على أنه مفعول أول، وهذا محل وفاق، والثاني عند الجماهير على أنه مفعول ثاني، وخالف الفراء؛ فقال: بل ينصب على التشبيه بالحال، فعنده: ظننت زيداً قائماً، ظننت: فعل وفاعل، وزيداً: مفعول به، وقائماً: حال من زيد، أو على التشبيه بالحال، أشبه الحال، لماذا؟ قال: لأنه يقع جملة، فتقول: ظننتُ زيداً يصلي، وقع جملة، ويقع ظرفاً: ظننت زيداً عندك، ويقع جاراً ومجروراً: ظننت زيداً في الدار، وهذا شأن الحال أو شأن المشبه بالحال، رُدَّ بأنه يقع ضميراً: زيد ظننتك هو، والحال لا تقع ضمير؛ رُدَّ بأنه يقع معرفة؛ ظننت زيداً أخاك، والحال لا تقع معرفة، وحينئذٍ لكون الثاني يقع ضميراً يمتنع أن يعرب حالاً ولا على التشبيه بالحال؛ لأن الضمير لا يقع حالاً، هو معرفة لا يخرج عن أصله –التعريف-، والحال لا تكون إلا نكرة، وإذا جاءت معرفة لا بد من تأويلها بالنكرة. إذاً: الصواب أن الأول -منصوب الأول- مفعول أول، وأن الثاني يعتبر مفعول الثاني، يعني منصوب الثاني يعرب مفعول الثاني خلافاً للفراء في كونه يعرب على التشبيه بالحال والأدلة التي استدل بها فيها ضعف. (ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) هذه الأفعال تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين، بعد استيفاء فاعلها، لا بد من هذا، ليست مثل (كان)، (كان) لا تفتقر إلى فاعل، وإنما تفتقر إلى اسم وخبر، ولذلك قيل: إنها ناقصة، وحينئذٍ تفتقر إلى منصوب يكملها، وأما (ظن) فهي فعل ماضي، والأصل فيه التمام وليس كـ (كان)، وكذلك: خالَ وحسِبَ ونحو ذلك، فحينئذٍ لا بد من فاعل ثم بعد ذلك يأتي المبتدأ على أنه مفعول أول والخبر على أنه مفعول ثاني. إذاً: يشترط في هذه أنها لا تتعدى إلى المبتدأ والخبر فتنصبهما على أنهما مفعولان إلا بعد استيفاء فاعلها، لماذا؟ لأنها أفعال، وكل فاعل لا بد له من محدث كما سيأتي. وهي نوعان: أفعال القلوب وأفعال تصيير وتحويل، (ظن وأخواتها) نوعان، الذي ينصب مفعولين على نوعين: أفعال قلوب، وسميت أفعال قلوب؛ لأن معانيها قائمة بالقلب، فالظن يقوم بالقلب، والعلم والاعتقاد كل هذه تقوم بالقلب؛ لأن مردها إما العلم وإما الظن، إما ما يدل على اليقين وإما ما يدل على الرجحان. إذاً: هذه الأفعال كلها مردها إلى هذين النوعين، وهذه قائمة بالقلب، وحينئذٍ سميت أفعال قلوب. وأفعال التصيير هو النوع الثاني. قال رحمه الله: انْصِبْ بِفِعْلِ الْقَلْبِ جُزْأَيِ ابْتِداَ ... أَعْنِي رَأَى خَالَ عَلِمْتُ وَجَدَا ظَنَّ حَسِبْتُ وَزَعَمتُ مَعَ عَدْ ... حَجَا دَرَى وَجَعَلَ اللَّذْ كَاْعْتَقَدْ وَهَبْ تَعَلَّمْ وَالَّتِي كَصَيَّرَا ... أَيْضَاً بِهَا انْصِبْ مُبْتَدَاً وَخَبَرَا انْصِبْ: هذا فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، حينئذٍ إذا وجدت هذه الأفعال بشرطها يتعين نصبها، لكن هل هذا محمول على جميع أحوال (ظن وأخواتها) أم أنه في بعض أحوالها؟ في بعض أحوالها، لماذا؟ لأن أحوال وأحكام (ظن وأخواتها) ثلاثة: الإعمال والإلغاء والتعليق. وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا

حينئذٍ الإعمال هو الأصل، وهذا مشروط في الوجوب -بوجوب الإعمال- إذا تقدم الفعل على معموليه، ظننت زيداً قائماً، عند البصريين يجب النصب هنا، هذا واجب، لا يجوز الإهمال إلا على مذهب الكوفيين. ظننت زيداً قائماً، ظننت: فعل وفاعل، وزيداً: مفعول أول، وقائم: مفعول ثاني. ما حكم الإعمال هنا؟ واجب، وسيأتي: وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الاِبْتِدَا ... جَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا: في ابتداء الكلمة لا، في ابتداء الجملة لا، إذا جاء العامل في أول الجملة تعين النصب. وأما إذا توسط أو تأخر فحينئذٍ الإعمال جائز والنصب جائز، زيداً ظننت قائماً، زيداً قائماً ظننت؛ النصب هنا واجب أم جائز؟ جائز ليس بواجب. إذاً قوله: انْصِبْ؛ يحمل على الوجوب فيما إذا تقدمت الأفعال، وعلى الجواز فيما إذا توسطت أو تأخرت، وحينئذٍ استعمل (افعل) في معنيين: الوجوب والجواز، الإباحة يعني، مع الاختلاف في الترجيح فيما إذا توسطت أو تأخرت، كما سيأتي؛ المراد أن قوله: انْصِبْ؛ ليس مطلقاً، بل لا بد من تقييده أو التفصيل، إما أن يقال بأنه يجب النصب إذا تقدم وهذا خاص بها، وإما أن يقال: بأن (انْصِبْ) ليس على ظاهره وهو وجوب النصب، بل يشمل ما وجب النصب وذلك إذا تقدمت الأفعال على معموليها، وأما إذا توسطت أو تأخرت فيجوز، -فالنصب جائز-، زيداً ظننت قائماً جائز وليس بواجب. انْصِبْ وجوباً وجوازاً -هكذا نقدره- انْصِبْ وجوباً وجوازاً بِفِعْلِ الْقَلْبِ: يعني: بالفعل الذي هو حدث وقائم بالقلب. انْصِبْ بِفِعْلِ الْقَلْبِ، فالعامل هو عين الفعل. جُزْأَي ابْتِداَ أي: جزأي جملة ذات ابتداء، يعني: كأن الجزأين مبتدآن، نقول: ليس هذا المراد، جُزْأَي ابْتِداَ على تقدير ماذا؟ أي: جزأي جملة ذات ابتداء، والجملة التي تكون ذات ابتداء هي الجملة الاسمية. إذاً: انْصِبْ بِفِعْلِ الْقَلْبِ: بفعل: جار ومجرور متعلق بقوله: انْصِبْ. جُزْأَي: هذا مفعول به، وهو مضاف وابتدا مضاف إليه. ما المراد بجزأي الابتداء؟ جزأي جملة ذات ابتداء يعني: ذات مبتدأ، وحينئذٍ يرى الناظم خلافاً للسهيلي أن هذه الأفعال خاصة بالمبتدأ والخبر، وأن ما كان ظاهره أنه ليس مبتدأ وخبراً نحو: ظننت زيداً عمْراً حينئذٍ يؤول على ما ذكرناه سابقاً. جُزْأَي ابْتِداَ قال: أعْنِي: أتى بالعناية، والعناية إنما يؤتى بها إذا كان ثَمَّ إيهام أو إبهام أو عموم أو إطلاق، وليس الأمر كذلك على إطلاقه، أو ليس الأمر على عمومه، وحينئذٍ نحتاج إلى التفصيل، لو قال: أعْنِي؛ لأن قوله: فِعْلِ الْقَلْبِ نقول: أفعال القلوب ليست كلها تنصب مفعولين، بل بعضها ما هو لازم، حزن زيد، حزن، الحزن مقامه في القلب، معنىً قائم بالقلب، وبعضها يتعدى إلى مفعول واحد؛ عرفت زيداً –معرفة-، فهمت المسألة، فهم هذا محله القلب وهو فعل قلبي، هل يتعدى إلى مفعولين؟ الجواب: لا، وكذلك: عرف، وكذلك بعضها لازم ولا يتعدى، نحو: حزن وجبن، فلذلك قال: أعْنِي.

إذاً: يريد أن يخرج بعض الأفعال التي لا تنصب المفعولين، أو أراد أن يخصص قوله: بِفِعْلِ الْقَلْبِ وهو لفظ عام أراد أن يخصصه بما ينصب المفعولين، وأما ما لا ينصب إلا مفعولاً واحداً كعرف وفهم فليس داخلاً في الباب، وما كان لازماً كجبن وحزن ليس داخلاً في الباب، ولذلك قال: أعْنِي. رَأَى خَالَ عَلِمْتُ وَجَدَا رأَى؛ وما بعدها كلها معطوفات عليها بحذف الواو، وهذا جائز قلنا في الشعر اتفاقاً، يعني: يسقط حرف العطف. رأَى خَالَ عَلِمْتُ: (رأى وخال وعلمت ووجد وظن وحسبت وزعمت)، هذه كلها معطوفات على رأى، ورأى ما إعرابها؟ مفعول به قصد لفظه، هي فعل كيف وقعت مفعولاً به والمفعول به من علامات الأسماء؟ نقول: (رأى) قصد لفظه وصار علماً، وحينئذٍ تسلط عليه العامل وهو (أعني). و (خال وعلمت ووجد وظن وحسبت وزعمت) كلها معطوفات في محل نصب على رأى. مَعَ عَدْ: هذا حال من فاعل أعني، مَعَ: ظرفاً متعلقاً بمحذوف منصوب على أنه حال من فاعل أعني. مَعَ عَدْ: عدَّ، وحجا ودرى وجعل، حجا ودرى وجعل هل هي معطوفات على رأى؟ لا، مَعَ عَدْ، (عد وحجا ومع حج ومع درى ومع .. إذاً معطوف على الأخير، لو لم يأت بـ (مع) حينئذٍ صار العطف على (رأى)، وأما لما فصل الكلام حينئذٍ نقول: معطوف على المتأخر، وحينئذٍ: (خَالَ عَلِمْتُ) في محل نصب، و (حَجَا ودَرَى وَجَعَلَ وَهَبْ وتَعَلَّمْ) في محل جر، قصد لفظه فهو في محل جر. قال: وَجَعَلَ اللَّذْ كَاْعْتَقَدْ وَجَعَلَ اللَّذْ: اللَّذْ ما هذا؟ حذف الياء ضرورة للوزن. نقول: لغة ولا نقول: حذف الياء للضرورة. وَجَعَلَ اللَّذْ: قلنا: فيها لغات، منها هذا اللفظ اللَّذْ بإسكان الذال وحذف الياء. وَجَعَلَ اللَّذْ كَاْعْتَقَدْ كَاْعْتَقَدْ: جار ومجرور متعلق بمحذوف استقر؛ لأن اللَّذْ اسم موصول يحتاج إلى صلة، وصلة الموصول فعل، وحينئذٍ استقر كَاْعْتَقَدْ. احترز بهذا -قيد هذا اللفظ- لأنَّ (جعل) تأتي بمعنى الشروع، فعل الشروع الذي سبق معنا في باب أفعال المقاربة، وتلك ماذا تعمل؟ ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، وهنا تنصب المبتدأ والخبر؛ لأنها بمعنى اعتقد، والاعتقاد هذا فعل قلبي. وَهَبْ: هذا معطوف على عَدْ وتَعَلَّمْ بإسقاط حرف العطف. ثم: ...... وَالَّتِي كَصَيَّرا ... أَيْضَاً بِهَا انْصِبْ مُبْتَدَاً وَخَبَرَا وَالَّتِي: هذا مبتدأ. كَصَيَّرا: ماذا يعني صَيَّرا؟ وَالَّتِي كَصَيَّرا؛ أين جملة الصلة؟ - عَلَى ضَمِيرٍ لائِقٍ مُشْتَمِلَهْ -، التي استقرت، استقرت بالتاء، لماذا؟ لأنه يشترط في الضمير أن يكون مطابقاً لما سبق –للموصول-. وَالَّتِي كَصَيَّرا: بِهَا، انصب بها. انْصِبْ: هذه الجملة وقعت خبر، وهي جملة طلبية، وحينئذٍ يرد أن الناظم يرى جواز وقوع الجملة الطلبية خبراً عن المبتدأ، وهو الصحيح كما عليه الجمهور. وَالَّتِي كَصَيَّرا: يعني تدل على التحويل، انْصِبْ بِهَا: بها جار ومجرور متعلق بقوله: انْصِبْ، وهو خبر والمبتدأ الجملة، أيْضاً: آض يئيض أيضاً مفعول مطلق، والعامل فيه محذوف وجوباً. انْصِبْ مُبْتَداً: مفعول به. وَخَبَرَا: معطوف عليه. انْصِبْ مُبْتَداً وَخَبَرَا: بعد استيفاء فاعلها ..

إذاً: قسَّم لنا الناظم رحمه الله تعالى باب (ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) إلى نوعين اثنين رئيسين وهما: أفعال القلوب وأشار إليها بقوله: أعْنِي رَأَى وما بعده، وأفعال التصيير وأشار إليها بقوله: وَالَّتِي كَصَيَّرا .. إلى آخره، ولكنه عدد بعض أفعال القلوب وأجمل أفعال التصيير؛ لأن الأول أكثر من الثاني. إذاً: ينقسم باب (ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا) إلى قسمين، أحدهما: أفعال القلوب، والثاني: أفعال التحويل. فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى قسمين –جملة-، وسيأتي أنها أربعة أقسام. ما يدل على اليقين، وذكر المصنف منها خمسة وهو: (رأى وعلم ووجد ودرى وتعلم)، هذه تدل على اليقين، وهو أمر اعتقادي، يعني: لا يقبل الشك. والثاني منهما: ما يدل على الرجحان، يعني: جواز أمرين أحدهما أظهر من الآخر، فيستعمل في الراجح دون المرجوح مع جواز المرجوح. إذاً: الاعتقاد ليس فيه رجحان، وأما الرجحان ففيه جواز أمرين أحدهما أرجح من الثاني، وهو شأن الظن لكن بالمعنى الفقهي لا بالمعنى الأصولي، ما الفرق بينهما؟ الظن عند الأصوليين مغاير للظن عند الفقهاء ما الفرق؟ أيهما أعم؟ عند الفقهاء أعم يشمل الشك عند الأصوليين. إذاً: عند الفقهاء الشك المراد به الظن، "فإن شك في طهارة ماء أو نجاسته" هذا يشمل الظن والشك، فهما سيان؛ وأما عند الأصوليين فلا، الظن ترجيح أحد الأمرين، وأما الشك فهو التجويز مع المساواة، فهما متغايران، فثَمَّ فرق بين الاصطلاحين. وذكر منها ما يدل على الرجحان ثمانية: "خال وظن وحسب وزعم وعدَّ وحجا وجعل وهب"، نذكرها على ما ذكرها ابن عقيل رحمه الله تعالى مع الأمثلة، تابعوا معنا. فمثال رأى قول الشاعر: -رأى تأتي بمعنى علم وهو الكثير، هذا هو الأصل فيها أنها تأتي بمعنى علم، فهي دالة على اليقين، اعتقاد جازم في القلب، قال تعالى: ((إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا)) [المعارج: 6،7] نَرَاهُ قَرِيبًا يعني: نعلمه قريباً، فحينئذٍ جاء ترأى بمعنى علم، قال الشاعر: رَأَيْتُ اللهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ ... مُحَاوَلَةً وَأَكْثَرَهُمْ جُنُودَا رَأَيْتُ أي: اعتقدت الله، اعتقدت: فعل وفاعل، لفظ الجلالة منصوب على أنه مفعول أول، أَكْبَرَ: مفعول ثاني وهو مضاف، وكُلِّ شَيْءٍ: مضاف إليه، حينئذٍ نقول: رأى هنا جاءت بمعنى علم وهو يقين، واستوفت فاعلها وهو التاء، ونصبت المبتدأ على أنه مفعول أول لها وهو لفظ الجلالة، ونصبت الخبر وهو أكبر على أنه مفعول ثاني لها، وهي دلت على اليقين. إذاً: استعمل رأى فيه لليقين، وقد تأتي بمعنى الظن. إذاً: صارت مشتركة بين النوعين، نحن نقول: أفعال اليقين وأفعال الرجحان، (رَأَى) مشتركة إلا أن الغالب فيها أنها لليقين، وغير الغالب أن تكون بمعنى الظن. ((إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا)) [المعارج:6] يعني: يظنونه بعيداً، و (نَرَاهُ) التي بعدها تكون بمعنى اليقين. ((إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا)) أي: يظنونه، وقال بعضهم: يعتقدونه، لكن الشاهد فيه في القول الأول.

إذاً: (رأى) تأتي بمعنى الظن وتأتي بمعنى اليقين، وسيأتي: وَلِرَأى الرُّؤيا انْمِ مَا لِعَلِمَا، رأى الحُلْمية أو الحُلُمية هذه أيضاً تتعدى إلى مفعولين، وحينئذٍ رأى تتعدى إلى مفعولين إذا كانت علمية بمعنى الاعتقاد، وإذا كانت ظنية، وإذا كانت حلْمية أو حلُمية يجوز الوجهان، حينئذٍ تتعدى إلى مفعولين واللفظ واحد بهذه المعاني. وأما إذا جاءت بمعنى أبصر، رأيت زيداً تتعدى إلى واحد، رأيت زيداً؛ هذه بصرية، فإذا قلت: رأيت زيداً فعل وفاعل، وزيداً: مفعول به، رأيت زيداً في الدار وهي بصرية، رأيت زيداً قائماً، يصح أو لا يصح؟ بصرية، رأيت زيداً قائماً، قائماً ما إعرابه؟ حال من زيد، أو أنا، رأيته قائماً حال لي أنا من التاء يجوز، هذا محتمل، وحينئذٍ رأى البصرية تتعدى إلى واحد، فإن وجد بعدها منصوب فهو على الحال، إما من المفعول وإما من الفاعل. وتأتي بمعنى اعتقد: رأى أبو حنيفة حِلَّ كذا، رأى أبو حنيفة حِلَّ النبيذ مثلاً، رأى أبو حنيفة: هذا فاعل، حل النبيذ: هذا مفعول –واحد-، إذاً: تعدت إلى مفعول واحد، وهذه رأى بمعنى اعتقد، يعني: اعتقد أبو حنيفة حل النبيذ، هذه رأى بهذا المعنى قد تتعدى إلى اثنين وقد تتعدى إلى واحد، واحد بالمثال الذي ذكرناه، وقد يتعدى إلى اثنين كما إذا قلت: رأى أبو حنيفة النبيذ حلالاً، النبيذ: مفعول أول، وحلالاً: مفعول ثاني. يظهر من هذا والله أعلم أن الأولى فرع الثانية؛ لأن حل كذا هذا هو مصدر المفعول الثاني مضاف إلى الأول، صحيح -حل كذا-؟ إذا قيل: رأى أبو حنيفة حل النبيذ قلنا: هذه تعدت إلى مفعول، حل: هو المفعول –مضاف-، والنبيذ: مضاف إليه، لو نظرت إليها وهي متعدية: رأى أبو حنيفة النبيذ حلالاً؛ ما خرجت الجملة عنها، فحينئذٍ صارت تركيب أو اختصار في الجملة التي تعدت إلى واحد بالإتيان بمصدر الثاني المفعول الثاني وإضافته إلى المفعول الأول، رأى أبو حنيفة حل النبيذ ولا إشكال فيه، وحينئذٍ هذه تتعدى إلى مفعول واحد وتتعدى إلى مفعولين، ولو قيل: بأن الأصل أنها تتعدى إلى مفعولين ثم قد يختصر هذا لا إشكال فيه. وتأتي بمعنى: أصبت رئته، رأيت زيداً إذا ضربته على رئته، رأيت زيداً هذا توري بها، رأيت زيد؟ لا، ما رأيت زيد، ما رأيت زيداً، هو يظن أنك ما رأيته بالبصر وأنت تعني به ماذا؟ ما رأيته يعني: ما ضربته، إذاً: هذا معنىً كذلك يضاف إلى ما سبق، وهذه تتعدى إلى مفعول واحد رأيت زيداً. هذه معاني رَأَى، منها ما يتعدى إلى مفعولين، ومنها ما يتعدى إلى مفعول واحد، وما يتعدى إلى مفعولين بعضه يدل على اليقين، وبعضه يدل على الرجحان، وبعضه ما هو خارج عنهما. عَلِمَ؛ الأصل فيها أنها بمعنى اليقين، علمت زيداً أخاك، يعني: تيقنت أن زيداً أخاك. ((عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ)) [البقرة:187] عَلِمَ اللَّهُ: هذا يقين. عَلِمْتُكَ الْبَاذِلَ الْمَعْرُوفَِ فَانْبَعَثَتْ ... إِلَيْكَ بِي وَاجِفَاتُ الشَّوْقِ وَالأَ مَلِ عَلِمْتُكَ الْبَاذِلَ، عَلِمْتُكَ: فعل وفاعل ومفعول أول، عَلِمْتُكَ بمعنى: تيقنتك، الْبَاذِلَ: هذا مفعول ثاني.

وتأتي علم بمعنى ظن وهو قليل، ويمثل له النحاة بقوله تعالى: ((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)) [الممتحنة:10] لأن اليقين هنا بالحكم بالإيمان على الشخص -يقيناً- هذا ليس إليه، وإنما هو بالظاهر؛ لأن الإيمان مركب -اعتقاد وقول وعمل-، كلها أركان، العمل الظاهر ركن والقول ركن والاعتقاد ركن، إذا ظهر ركن أو ركنان وبقي الثالث قد يوجد وقد لا يوجد، فإذا ظهر الإيمان حينئذٍ يكون الشيء الظاهر مع عدم العلم بالباطن يكون رجحاناً وليس بيقين، وحينئذٍ: ((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)) [الممتحنة:10] فعبر هنا بالعلم؛ لأن الشأن في الإنسان بالحكم على الناس في الظاهر، إن أظهروا الإيمان حكمنا عليهم بالإيمان، وإن أظهروا ما يناقض الإيمان دل على أن الباطل منتف حينئذٍ حكمنا عليه، إن لم يظهر شيء ينافي الظاهر حينئذٍ صار كأنه علم نجزم به، ولذلك انتقي الفعل علم في هذا الموضع للدلالة على ما ذكرنا. ((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ)) [الممتحنة:10] وإلا الأصل أنه رجحان؛ لأنه لا يقطع بإيمان الشخص. فإن كانت من قولهم: علم الرجل إذا انشقت شفته العليا فهو أعلم؛ فهي لازمة. وسيأتي معنا: لِعِلْمِ عِرْفَانٍ، علم تأتي بمعنى عرف. إذاً: علم تأتي بمعنى اليقين، وتأتي بمعنى الظن، وتأتي بمعنى أعلم، يعني: إذا شقت شفته العليا، وتأتي بمعنى عرف. وَجَدْ: ((وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)) [الأعراف:102] وجد تأتي بمعنى علم، بمعنى اليقين. ((وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)) [الأعراف:102] إن ما إعرابها؟ مخففة من الثقيلة، أين اسمها؟ محذوف ضمير الشأن. وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ ... وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ وَجَدْنَا: هذا فعل ناسخ. وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ غَالِبَاً بِإِنْ ذِي مُوصَلاَ وهذا مثلها. ((وَإِنْ وَجَدْنَا)) إن: مخففة، لا. وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ ... وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ ((وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)) هذه عاملة أو مهملة؟ مهملة. ما الدليل على أنها مهملة؟ وَتَلْزَمُ الَّلامُ إذَا مَا تُهْمَلُ ((وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ)) الـ (نا) هنا فاعل، والفعل في وجدنا هذا ما إعرابه؟ فعل ماضي مبني على السكون، أَكْثَرَهُمْ: هذا مفعول أول، لَفَاسِقِينَ: هذا مفعول ثاني. وجد هذه الأصل تأتي بمعنى علم، وتأتي بمعنى أصاب: وجدت الضالة أصبتها، حينئذٍ تتعدى إلى واحد، ومصدرهما قيل: الوجود والوجدان، يعني الاثنين هكذا قيل، وقيل: مصدر وجدنا بمعنى: علم الوجود، فإن كانت بمعنى أصاب هذه تعدت إلى واحد ومصدرها الوجدان، وقيل: الوجود، كما قيل: الوجدان مع الوجود، إذاً: فيه خلاف. دَرَى تأتي بمعنى عَلِمَ. دُرِيتَ الوَفِيَّ العَهْدُ يا عُرْوَ فَاغْتَبِطْ ... فإنَّ اغْتِبَاطَاً بالوَفَاءِ حَمِيدُ دُرِيتَ الوَفِيَّ، دريت دَرَى دُرِي، حينئذٍ بني وغيرت صيغته، فارتفع المفعول الأول على أنه نائب فاعل وهو التاء، فالتاء هذه نائب فاعل والأصل فيها أنها مفعول أول، هي مفعول درى الأول، والوَفِيَّ: هذا منصوب على أنه مفعول ثاني.

إذاً: درى تأتي بمعنى علم، والقليل في درى أن تنصب مفعولين، هذا قليل فيها، والأكثر فيها أن يتعدى إلى واحد بالباء، دريت بكذا، علمت بكذا، دريت بكذا. فإن دخلت عليه همزة النقل تعدى بها إلى واحد بنفسه والآخر بالباء. ((وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ)) [يونس:16] أَدْرَاكُمْ الكاف هذا مفعول أول، وبِهِ الهاء: مفعول ثاني، إذا دخلت الهمزة -همزة النقل التعدية- على درى عدته إلى اثنين: الأول بنفسه والأول بحرف الجر وهو الباء، وتكون بمعنى: ختل، أي: خدع، وحينئذٍ تعد إلى واحد، "دَرَيْتُ الصيْدَ" أي: ختلته، إذاً: درى من أفعال اليقين وهي بمعنى علم وقد تخرج عنه. تَعَلّمْ؛ هكذا ملازم للأمر، بمعنى: اعلم. تَعَلّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا ... فَبَالِغْ بِلُطْفٍ فِي التَّحَيُّلِ وَالْمَكْرِ تَعَلّمْ أنت يعني فعل أمر بمعنى اعلم، كأنه قال: اعلم، تعلم والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. شِفَاءَ النَّفْسِ، شِفَاءَ: هذا مفعول أول، وقهر عدوها: هذا مفعول ثاني. والكثير في تعلم -التي بمعنى اعلم- الكثير استعمالها بـ (أنَّ) وصلتها، يعني يكون بعدها (أنَّ) المشددة مع صلتها وهو الجملة الاسمية. تَعَلّمْ رَسُول اللهِ أنَّكَ مُدْرِكي وما ذكره: - تَعَلّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا - هذا قليل، يعني القليل أن تتعدى بنفسها دون (أن) وصلتها، وهنا نصبت مفردين: شفاء وقهراً، وهذا قليل، والأكثر إذا تعدت إلى مفعولين أنها تتعدى بـ (أن) وما وراءها. تعَلَّمْ أَنهُ لاَ طيْرَ إِلاَّ ... عَلَى متَطيِّر وَهو الثّبورُ تعلَّمْ أنّ خَيرَ الناسِ طُرّاً ... قَتِيلٌ بين أَحجارِ الكُلاَبِ تعلَّمْ أنّ، إذاً تتعدى بـ (أن)، والمراد بـ: تعلَّمْ هنا: اعلم، فحينئذٍ إذا كانت بمعنى تعلم الحساب تعدت إلى واحد، ما الفرق بين تَعَلّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا وبين: تَعَلَّم الحساب وتَعَلَّم الفقه وتَعَلَّم النحو ونحو ذلك؟ فرق من جهتين: أولاً: تلك تتعدى إلى مفعولين، وهذه تتعدى إلى واحد؛ ثم المراد بالعلم في تَعَلَّم النحو والفقه المراد به تحصيله، فهو شيء يوجد بعد وجود أسبابه، فهو خارج عن اللفظ، وأما: تَعَلّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا فالمعلوم المأمور به هو ما عُلِّقَ عليه في الجملة، تعلم أنك ناجح، اعلم أنك ناجح، فحينئذٍ هل يحتاج إلى تحصيل؟ تعلم اعلم أنك ناجح، نقول: المراد علمه المأمور به هو ما عُلِّقَ عليه في الجملة فحسب، ليس شيئاً خارجاً عن الجملة بخلاف تَعَلَّم الفقه هذا يحتاج إلى سنين، أما تَعَلَّم أنك ناجح منذ أن تسمعه تعرف المعلوم المأمور به فلا إشكال. وهذه الأفعال الدالة على اليقين -كما سبق-. وأما الدالة على الرجحان فأشهرها: خلت زيداً أخاك، فالأصل أن نقدم (ظن) لكنه قدم خال، خَالَ هذه تستعمل في الدلالة على الظن، بمعنى ظن، خلت زيداً أخاك، خلت: فعل وفاعل، وزيداً: مفعول أول، وأخاك: مفعول ثاني، وقد تأتي لليقين، يعني: تدل على اليقين، الأشهر فيها أنها بمعنى (ظن)، وقد تستعمل على قلة بمعنى اليقين. دَعَانِي الْغَوَانِي عَمَّهُنَّ وَخِلْتُنِي ... لِيَ اسْمٌ

خِلْتُنِي لِيَ اسْمٌ يقين أو ظن؟ يقين، لماذا؟ لأنه يعرف اسمه هو، فتعرف أنك خالد، هذا علم اليقين هذا يسمى، بخلاف العلم الحضوري. دَعَانِي الْغَوَانِي عَمَّهُنَّ وَخِلْتُنِي خِلْتُنِي: فعل وفاعل ومفعول، الفعل خِل، تُ: فاعل، نِي: نون الوقاية، والياء: مفعول به -لا ينطق به هكذا لكن للتوضيح-. وخِلْتُنِي: هنا فيه من خصائص أفعال القلوب أن ضميرين اتصلا –متصلين- بفعل واحد والمرجع واحد، خلت يصدق على المتكلم. ني: من؟ هو نفسه. إذاً: ضميران مرجعهما واحد، هذا لا يجوز أصلاً، لكن يستثنى أفعال القلوب فيجوز اتحاد المعنى والضميرين، هما متصلان، ضميران متصلان، هذا جائز يستثنى. إذاً: فعل وفاعل والنون للوقاية والياء مفعول أول، وفيه اتحاد الفاعل والمفعول، ضرب زيد عمْراً، لو قلت: ضرب زيداً زيداً لا يصح هذا، الفاعل والمفعول واحد لا يصح، وإنما هنا: خلتني؛ الفاعل والمفعول واحد وهما ضميران متصلان لمسمىً واحد وهو المتكلم، وهذا من خصائص أفعال القلوب. إذاً: (خَالَ) تأتي بمعنى اليقين، والأصل فيها أنها بمعنى الظن. وتأتي بمعنى علم وهو قليل، فإن كانت بمعنى تكبر أو ضلع فهي لازمة. و (ظن) وهذه هي الأصل وهي أم الباب، (ظن) بمعنى الرجحان، ظننت زيداً صاحبك يعني: ترجح عندي صحبة زيد لك، وهو إدراك الراجح. وقد تستعمل لليقين وهو قليل، ((وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ)) [التوبة:118] اعتقدوا يقين هذا (أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ)، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ)، ظَنُّوا بمعنى اليقين؛ لأن هذه الأمور لا يكفي فيها الظن، لا يجزي، لا بد من اليقين. إذاً: (ظن) الأصل فيها أنها للرجحان، وتأتي بمعنى اليقين. وسيأتي معنا: لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَهْ ظننت زيداً يعني: اتهمته. وحَسِبَ والأصل فيها للرجحان، حسبت زيداً صاحبك، حسبت: فعل وفاعل، وزيداً: مفعول به، وصاحبك: مفعول ثاني، وحسب يحسَب يحسِب -فيه وجهان-، وَجْهَانِ فِيهِ مِنِ (احْسَِبْ)، -كذا قال ابن مالك-. حسِب يحسِب يحسَب، القياس: يحسَب، وحسِب بمعنى: ظننت ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)) [البقرة:273]، ((وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)) [الكهف:18] وفي مضارعها لغتان: فتح السين وهو القياس؛ لأن الأصل المخالفة بين حركة العينين: الماضي والمضارع. فعِل القياس، فعَل فعُل، فعِل القياس، فعَل، يفعَل، يفعِل، فعَل القياس يفعُل يفعِل هذا القياس، هذا الأصل. وكسرها وهو الأكثر في الاستعمال ومصدرها الحسبان بكسر الحاء والمحسبة. وقد تستعمل لليقين، حسب بمعنى اليقين: حَسِبْتُ التُّقى والجُودَ خَيْرَ تِجَارَةٍ ... رِباحاً إذا ما المَرْءُ أصْبَحَ ثَاقِلاً حَسِبْتُ التُّقى والجُودَ، حَسِبْتُ: فعل وفاعل، والتُّقى: هذا مفعول أول، والجُودَ: معطوف عليه، خَيْرَ تِجَارَةٍ -هذا يقين أو لا-؟ التجارة الزاد للدار الآخرة ما هو اليقين أو الأسهم؟ اليقين، التقوى أم الأسهم؟ التقوى. وحينئذٍ نقول: هذه خير تجارة، ولا مانع إذا كانت الأسهم مباحة ما في بأس، تعين.

ومثال زَعَمَ: فَإِنْ تَزْعُمِينِي، إذاً: زعم تأتي للرجحان مثل: ظن، ومصدرها الزعم بتثليث الزاي، زعْم زِعْم زُعْم، هكذا في القاموس بتثليث الزاي. ومعناه قال السيرافي: هو قول مقرون باعتقاد صح أم لا. إذاً: هو قول، ثم يكون مصاحباً لاعتقاد، والاعتقاد قسمان: صحيح وفاسد، كلاهما يطلق عليه الزعم، زعم رسولك كذا، هذا حق. وقال الجرحاني: هو قول مع علم. وقال ابن الأنباري: إنه يستعمل في القول من غير صحته، وهذا الأكثر والأشهر، إذا كان القول ليس بصحيح أو ضعيف أو يدعى صحته وليس الأمر كذلك يعبر عنه بالزعم، زعم فلان كذا وزعم كذا، ويؤيده أو يقويه قولهم: زَعَمُوا مَطِيَّةٌ الْكذِبِ، أي: هذه اللفظة مركب الكذب. قال الشاعر: فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهلُ فِيكُمُ ... فَإِنِّي شَرَيْتُ الْحِلْمَ بَعْدَكِ بِا الْجَهْلِ فَإِنْ تَزْعُمِينِي: هذا فعل مضارع من زعم، فيه أن هذه الأفعال تعمل سواء كانت بصيغة الماضي أو بصيغة المضارع. وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ كُلَّ مَالَهُ زُكِنْ إذاً: العمل ليس خاصاً بالماضي، وهذا دليل عليه كما سيأتي. فَإِنْ تَزْعُمِينِي: أين المفعول الأول؟ الياء تَزْعُمِينِي أنا. كُنْتُ أَجْهلُ: الجملة في محل نصب مفعول ثاني، وزعم الأكثر فيها أنها تتعدى بـ (أن) مخففة أو مثقلة، قال الشاعر: وَقَدْ زَعَمْت أَنِّي تَغَيَّرْتُ بَعْدَهَا ... وَمَنْ ذَا الَّذِي يَاعَزَّ لا يَتَغَيَّرُ وَقَدْ زَعَمْت أَنِّي: (أنَّ) هنا واجبة الفتح أم جائز؟ واجب، لماذا؟ لأنها سدت مسد مفعولي زعم. ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا)) [التغابن:7] (أن) هذه مخففة من الثقيلة؛ لأنه باطراد أن (زعم) يليها (أن) مثقلة أو مخففة، هذا هو الكثير، وقليل أن يليها المفرد مثل ما ذكره زَعَمَتْنِى شَيْخاً، زَعَمَتْنِى الياء هذا مفعول أول، وشَيْخاً: مفعول ثاني. زَعَمَتْني شَيْخاً وَلَسْتُ بِشَيْخٍ ... إِنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدبُّ دَبِيْبا والمثال الذي ذكره هنا: فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهلُ؛ جاء الأول بدون (أن). إذاً: الأكثر في (زعم) أن تتعدى إلى مفعوليها بواسطة (أنًَّ) المؤكدة سواء كانت مخففة من الثقيلة أم كانت مشددة كما ذكرنا، وقليل جداً أن يأتي الاسم المفرد بعدها. عَدْ: مَعَ عَدْ كما قال الناظم. عَدْ بمعنى: ظن. فَلاَ تَعْدُدِ الْمَوْلَى شَرِيكَكَ فِي الْغِنَى ... وَلكِنَّمَا الْمَوْلَى شَرِيكُكَ فِي الْعُدْمِ فَلاَ تَعْدُدِ: تعدد هذا فعل مضارع مجزوم بـ (لا) الناهية، تَعْدُدِ حرك للتخلص من التقاء الساكنين، والفاعل: أنت، والْمَوْلَى المراد به الصديق، لا تعدد الصديق شريكك في الغنى، ولكن الذي يكون شريكك في العدم هو الصديق. شَرِيكَكَ نقول: هذا مفعول ثاني. إذاً: تَعْدُدِ هذا جاء به فعلاً مضارعاً، مع أنه نص على الفعل الماضي، مَعْ عَدْ، عَدْ هنا قال: فَلاَ تَعْدُدِ وحينئذٍ يعمل مضارعاً كما يعمل ماضياً، وهنا بمعنى ظن، فَلاَ تَعْدُدِ يعني: لا تظن، والْمَوْلَى: مفعول أول، وشَرِيكَكَ: مفعول ثاني. "حَجَا" أيضاً بمعنى ظن.

قَدْ كُنْتُ أَحْجُو أَبَا عَمْرٍو أَخَا ثِقَةٍ ... حَتَّى أَلَمَّتْ بِنَا يَوْماً مُلِمَّاتُ قَدْ كُنْتُ أَحْجُو: هذا فعل مضارع، إذاً عمل وهو فعل مضارع. أَحْجُو يعني: أظن، والفاعل أنا ضمير مستتر وجوباً. أَبَا عَمْرٍو: هذا مفعول أول. أَخَا ثِقَةٍ: بالإضافة، أو بالتنوين: أخاً ثقة، يجوز هذا وذاك. فإن كانت بمعنى غلب في المحاجَّة أو قصد أو ردَّ، تعدت إلى واحد، إذاً: قد تخرج عن معنى الظن فتكون بمعنى المغالبة، أو قصد أو بمعنى ردَّ حينئذٍ تتعدى إلى واحد، وإن كانت بمعنى أقام أو بخل فهي لازمة، ولذلك قال قائلهم: حَجَونْا بني النّعْمانِ إذْ عَضَّ مُلكُهم ... وقَبْلَ بني النّعْمانِ حارَبَنا عَمرُو حَجَونْا بمعنى: قصدنا، حَجَونْا بني النّعْمانِ ليست بمعنى ظن هنا، ليست بمعنى الظن، وحينئذٍ بمعنى القصد. وجَعَلْ، قال الناظم: وَجَعَلَ اللَّذْ كَاْعْتَقَدْ إذاً: جَعَلَ الاعتقادية التي تدل على الاعتقاد. قوله تعالى: ((وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا)) [الزخرف:19] جعلوا الملائكة إناثاً، جَعَلُوا: فعل وفاعل، والْمَلائِكَةَ: مفعول أول، وإِنَاثًا: هذا مفعول ثاني؛ وقيد المصنف (جَعَلَ) بكونها بمعنى اعتقد احترازاً من (جعل) التي بمعنى صير؛ فإنها من أفعال التحويل لا من أفعال القلوب. وجعل إن كانت بمعنى أوجد، أو وجب تعدت إلى واحد، نحو: وجعل ((وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)) [الأنعام:1] بمعنى: أوجد، وفسرها بعضهم بمعنى خلق، وليست مطردة كما يستدل المعتزلة. وتقول: جعلت للعامل كذا، يعني: أوجبت، وتأتي بمعنى أنشأ من أفعال الشروع. إذاً: تأتي بمعنى اعتقد، وتأتي بمعنى أوجد ووجب، وتأتي بمعنى الشروع. هَبْ: هذا فعل أمر ملازم لصيغة الأمر، كما سيأتي. هَبْ بمعنى: ظُنَّ كذا، هب كذا، هب أن الأمر كذا. فَقُلْتُ أَجِرْنِي أَبَا مَالِكِ ... وَإِلاَّ فَهَبْنِي امْرَأً هَالِكاً أَجِرْنِي أَبَا مَالِكِ، وفي الأشموني: أبا خالد. وَإِلاَّ فَهَبْنِي، هبني هذا ما إعرابه؟؟؟؟ هب والفاعل ضمير مستتر، نِي: النون هذه نون الوقاية، والياء: مفعول أول، امْرَأً؟؟؟ هَالِكاً: صفة. وهنا هَبْ هذا نصب مفعولين صريحين، وقد يدخل على (أن) المؤكدة، - هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارَاً، هذه مسألة فرضية، حمارية تسمى، عمرية- هَبْ أَنَّ أَبَانَا، أن: دخلت على؟؟؟ فسدت مسد مفعولين. وهَبْ بهذا المعنى فعل جامد يعني: بمعنى ظُنَّ، فعل جامد لا يتصرف، لا يجيء منه ماض ولا مضارع، بل هو ملازم لصيغة الأمر، فإن كان من الهبة وهي التفضل بما ينفع الموهوب له كان متصرفاً تام التصرف.

إذاً: هَبْ التي لا تتصرف وهي ملازمة لفعل الأمر، هب التي بمعنى ظُنَّ وهي من أفعال القلوب، وأما الهبة نقول: هب زيداً مالاً، ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ)) [الأنعام:84] تعدت إلى واحد ((وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ))، ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا)) [الشورى:49] يَهَبْ: هذا فعل مضارع، كيف نقول: لا تتصرف؟ نقول: هذه يهب من الهبة وليس من الظن. ((هَبْ لِي حُكْمًا)) إذاً: هب نقول: تأتي بمعنى ظَن وحينئذٍ يفسر بـ (ظُنَّ) ليس ظَنَّ، هب؛ لأنه ملازم لفعل الأمر حينئذٍ تقول: ظُن. ونبه المصنف بقوله: أَعْنِى رَأَى؛ على أن أفعال القلوب منها ما ينصب مفعولين وهو رأى، وما بعده مما ذكره المصنف في هذا الباب، ومنها ما ليس كذلك وهو قسمان: لازم ومتعد إلى واحد، وفصلناه فيما سبق أشهر المعاني التي وردت فيها، هذا هو النوع الأول من أنواع أفعال القلوب، أو من نوعي (ظن وأخواتها)، وحينئذٍ أفعال القلوب وأفعال التصيير، وأفعال القلوب قسمان: منها ما يدل على اليقين، ومنها ما يدل على الرجحان، هذا من جهة العموم وإلا عند التفصيل فهي أربعة: النوع الأول: ما يفيد في الخبر يقيناً، -يعني أفعال اليقين ولا يحتمل غيره- ما يفيد في الخبر يقيناً وهو ثلاثة: وجد وتعلم ودرى. ثانياً: ما يفيد فيه رجحاناً وهو خمسة: جعل وحجا وعد وزعم وهب. ثالثاً: ما يرد للأمرين: اليقين والرجحان، والغالب كونه لليقين، يرد للأمرين والغالب فيه أنه لليقين وهو اثنان: رأى وعلم. رابعاً: ما يرد لهما، والغالب كونه للرجحان وهو ثلاثة: ظن وخال وحسب. وأما أفعال التحويل والتي عناها المصنف بقوله: وَالَّتِي كَصَيَّرا يعني: مثل صَيَّرا، مثل صار، صار تدل على تحويل الشيء من حال إلى حال، إما تحويل ذاتي وإما تحويل صفة، التحويل من شيء إلى شيء إما أن يكون تحويل من ذات إلى ذات، تقول: صيرت الخشب باباً، تحويل من ذات إلى ذات، صار زيد عالماً وصيرت الجاهل عالماً؛ تحويل صفة، إذاً: يعم الأمرين. وَالَّتِي كَصَيَّرا: المراد بها أفعال التصيير، هذه تتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، حينئذٍ إذا قيل: أفعال التصيير هل تدخل تحت باب (ظن وأخواتها) نقول: هذا شأنه كشأن أفعال المقاربة، إذا قيل: إنه من تسمية الكل باسم البعض، وهنا كذلك لأنها ليست أفعال قلوب. وعدها بعضهم سبعة وإن تركها الناظم إحالة على الموقِف لقلتها، ليست كالنوع الأول. صَيَّرا: صيرت الطين خزفاً، الطين خزفٌ، هكذا؟ مبتدأ وخبر، هذا باعتبار ما يؤول إليه، وحينئذٍ لا بد من التأويل، وإلا بعض التراكيب قد نقول: ليس مبتدأ ولا خبر، لكن لا بد من التأويل من أجل طرد الباب لنجعل هذه الأفعال خاصة بالمبتدأ والخبر وإلا لو وقفنا مع كل لفظ وجلسنا نفحص فيه هل هو مبتدأ أو خبر قد نتعب، وحينئذٍ لا بد من التأويل وطرد الباب. صيرت الطين خزفاً، صيرت: فعل وفاعل، والطين: هذا مفعول به أول، وخزفاً: هذا مفعول ثان. فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأكُولْ فَصُيِّرُوا: الواو هذه نائب فاعل، وصُيِّرُوا: هو صيرا لكنه مغير الصيغة.

مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأكُولْ: مِثْلَ: هذا مفعول ثاني، أي: حولوا من حالة إلى حالة، فنصبت مفعولين: الأول الواو وهو نائب الفاعل، والثاني: مثل. وجَعَلْ، نحو قوله تعالى: ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)) [الفرقان:23] فَجَعَلْنَاهُ: هذا المفعول الأول وهَبَاءً: مفعول ثاني، ومَنْثُورًا: صفة الهباء. وهبَ هذا ملازم للمضي وهبَ، (وَهَبَنِى اللهُ فِدَاكَ)، يعني: صيرني. وتَخِذَ: لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً. (تَخِذْتُ غُرَازَ إثْرَهُمُ دَليِلاً) لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، المفعول الأول أجراً، المفعول الثاني:؟؟؟ تقديم وتأخير، قد يتقدم الثاني ويتأخر الأول؛ لأن أجراً عليه هذا لا يصح أن يكون مبتدأ وخبر؛ لأن هذه الجملة أصلها مبتدأ وخبر، وإذا كانت مبتدأ وخبر حينئذٍ أجراً هذا نكرة، ولا يجوز الابتداء به، والذي: خبر عليه. إذاً: عَلَيْهِ: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر قبل دخول تخذ، ثم هو مفعول ثاني، لكن نقدره با استقر أو كائناً؟ الظاهر الثاني: كائناً وهو أنسب. واتَّخَذَ بالتشديد، ((وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)) [النساء:125] هذا فيها معنى التصيير، صيره الله تعالى خليلاً، اتَّخَذَ اللَّهُ: فاعل، إِبْرَاهِيمَ: مفعول أول، خَلِيلًا: مفعول ثاني. وتَرَكَ: ((وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)) [الكهف:99] تَرَكْنَا: فعل وفاعل. بَعْضَهُمْ: مفعول أول، يَوْمَئِذٍ: مفعول ثاني، أو في بعض، يموج: الجملة في محل نصب مفعول ثاني (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ). وَرَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا مَا تَرَكْتُهُ ... أخَا الْقَوْمِ وَاسْتَغْنَى عَنِ الْمَسْحِ شَارِبُهْ تَرَكْتُهُ أخَا الْقَوْمِ، تَرَكْتُهُ: فعل وفاعل، والهاء: ضمير في محل نصب مفعول أول، وأخَا الْقَوْمِ: مفعول ثاني. رَدَّ -وهو آخرها- ((لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا)) [البقرة:109] يعني: يصيرونكم. ((لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا)) أين مفعول الأول؟ الكاف، والمفعول الثاني: كُفَّارًا. فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضاً ... ورَدَّ وجُوهَهُنَّ البِيضَ سُودَا فَرَدَّ: صير، شُعُورَهُنَّ: هذا مفعول أول، السُّودَ: صفة هذا، وبِيضاً: هذا المفعول الثاني. ورَدَّ وجُوهَهُنَّ البِيضَ سُودَا: القول فيه كسابقه. إذاً: قول الناظم هنا: انْصِبْ بِفِعْلِ الْقَلْبِ جُزْأَيِ ابْتِداَ انصب وجوباً وجوازاً بفعل القلب، وليس مطلقاً كل فعل قلب ينصب به مفعولين، لا لأن بعضها لازم لا يتعدى، وبعضها يتعدى إلى مفعول واحد والمراد هنا: ألفاظ بأعيانها تحفظ ولا يقاس عليها غيرها، بل هي موقوفة على السماع وعد منها ثلاثة عشر فعلاً كلها. ثم قال: وَالَّتِي كَصَيَّرا هذا النوع الثاني. أيْضاً بِهَا انْصِبْ مُبْتَداً وَخَبَرَا

من أحكام هذه الأفعال -أفعال القلوب -قلنا ثلاثة: الإعمال، والتعليق، والإلغاء. والمراد بالتعليق: إبطال العمل لفظاً لا محلاً، قلنا: هي تنصب، والأصل في الإعمال أن يكون ملفوظاً به، التعليق: إبطال عملها، لكن لا مطلقاً، وإنما إبطال عملها في اللفظ فحسب، وأما في المحل فهي عاملة فيها؛ لأن الشيء قد يكون في اللفظ له اعتبار وفي المحل له اعتبار آخر كما ذكرناه في باب (لا) النافية للجنس، لا رجل باعتبار اللفظ مبني وباعتبار المحل منصوب، وحينئذٍ هنا التعليق نقول: إبطال العمل لفظاً لا محلاً وحينئذٍ في المحل لها تأثير، وفي اللفظ ليس لها تأثير، وأما الإلغاء فهو كاسمه: إبطال العمل مطلقاً لا لفظاً ولا محلاً، كأن العامل غير موجود، كأنه لم يدخل على الجملة أصلاً. مثال التعليق كأن تقول: ظننت لزيد قائم، ظننت: فعل وفاعل، و (ظن) الأصل أنها تعمل، تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبه على أنه مفعول أول ومفعول ثاني، الأصل: ظننتُ زيداً قائماً، علق الفعل بمعنى: أنه أبطل عمله في اللفظ بإدخال نوع من المعلقات، فقيل: ظننتُ لزيد قائم، لزيد اللام هذه لام الابتداء دخلت بعد الفعل، دخلت على المبتدأ، وهي لها صدارة الكلام، فيمتنع أن يكون ما قبلها معمول لما بعدها والعكس، فحينئذٍ أبطل فعل ظن في لفظ زيد وقائم، فرجع على أصله: ظننت لزيد قائم، زيد كان منصوباً، لماذا رفع؟ وقائماً كان منصوباً لماذا رفع؟ نقول: أبطل يعني: أحيل بين العامل من أن يؤثر في اللفظ، فرجع إلى أصله فقيل: لزيد قائم، زيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، وقائم: خبر المبتدأ مرفوع به. وما تأثير العامل؟ وُجِّه العامل من التأثير في اللفظ إلى التأثير في المحل، ولذلك نقول: الجملة من المبتدأ والخبر سدت مسد مفعولي ظن، إذاً: اعتبر أو لا؟ اعتبر، يظهر هذا الأثر لو قلت: ظننت لزيد قائم وعمْراً منطلقاً، من أين جاء النصب؟ باعتبار المحل، هذا يسمى تعليقاً، ظننت لزيد قائم وعمْراً منطلقاً، نقول: باعتبار اللفظ هو معلق، وباعتبار المحل هو؟؟؟ ولذلك سمي تعليقاً، لماذا؟ قال: لأنه عامل لا عامل، قالوا: كالمرأة المعلقة لا مزوجة ولا مطلقة، هذا مثلها، تشبيه هم نصوا على هذا، المرأة المعلقة لا مزوجة ولا مطلقة، قالوا: هذا لا عامل ولا ليس بعامل؛ لأن له جهتين، هذا معنى التعليق. وأما الإلغاء فالمراد به: أن يبطل عملها أصالة، يعني: لا ترفع، لا تنصب لا في اللفظ ولا في المحل، وهذا له حالان فقط: وهما إذا توسط الفعل أو تأخر، لأن الأحوال ثلاثة: ظننت زيداً قائماً، زيداً ظننت قائماً، زيداً قائماً ظننت، هذه ثلاث صور. الأول:- الإعمال- هذا واجب، ظننت زيداً قائماً، وزيداً ظننت قائماً يجوز الوجهان والإعمال أرجح، زيداً قائماً ظننت؛ يجوز الإعمال والإهمال أرجح. إذاً: إذا قيل: زيد ظننت قائم على الإهمال حينئذٍ زيد: مبتدأ، وقائم: خبر، وظننت: الجملة فعل وفاعل لا محل لها من الإعراب، معترضة، هل لها تأثير في المحل في اللفظ؟ لا، ليس لها شيء, وجودها وعدمها سواء، حينئذٍ هذا يسمى إلغاءً، إبطال العمل في اللفظ والمحل. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

43

عناصر الدرس * أقسام (ظن وأخواتها) من حيث الإلغاء والتعليق وتصرفها * أحكام الإلغاء والتعليق ومسائلها * بعص الأفعال المستخدمة في غير المعاني المتقدة * مفعولي (ظن) وأحكامهما من حيث الحذف والأمتناع * يستعمل القول بمعنى الظن. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: ما زال الحديث في باب (ظنَّ) وأخواتها، حيث قسَّم الناظم رحمه الله تعالى هذا الباب إلى قسمين: أفعال قلوب، وأفعال تحويل. أفعال القلوب: قلنا: سميت أفعال قلوب؛ لأن معانيها تقوم بالقلب، وأما أفعال التحويل فالمراد بها التصيير، تصيير الشيء وتحويله من صفة إلى صفة، أو من ذات إلى ذات أخرى، كلاهما داخل في معنى التفصيل، وعَدَّ ثلاثة عشر فعلاً من أفعال القلوب، ثم أحال أو أجمل في أفعال التصيير، وهذه أفعال القلوب قلنا: تنقسم في الجملة إلى قسمين ما يدل على اليقين وما يدل على الرجحان، ثم ذكرنا أنها من جهة التفصيل تنقسم إلى أربعة أقسام: منها ما يفيد في الخبر يقيناً، وهو ثلاثة: وجد وتعلم ودرى، ومنها ما يفيد فيه رجحاناً وهو خمسة: جعل وحجى وعد وزعم وهب. ثالثاً: ما يرد للأمرين يعني اليقين والرجحان تأتي لهذا وذاك، والغالب كونه لليقين وهما اثنان: رأى وعلم، بل هما أم الباب. رابعاً: ما يرد لهما -اليقين الرجحان- والغالب كونه للرجحان وهو ثلاثة: (ظنَّ) وخال وحسب. هذه الأفعال كلها تدخل على الجملة الاسمية -المبتدأ والخبر-، قلنا: كل ما دخل عليه (كان) جاز دخول (ظنَّ) عليه، والعكس بالعكس إلا في الاستفهام، يعني: كل ما ما امتنع دخول كان عليه يمتنع دخول (ظنَّ) وأخواتها عليه إلا الاستفهام، لماذا؟ لأن الاستفهام له حق الصدارة، حينئذٍ إذا دخلت عليه (ظنَّ) ونصبته على أنه مفعول أول تقدم ولا إشكال فيه؛ لأنه لا يلتبس في المبتدأ لأنه منصوب، وأما كان لو دخلت على الاستفهام -اسم الاستفهام- حينئذٍ لو تقدم لالتبس بالجملة الاسمية، كونه مبتدأ أو اسم كان، ثم اسم كان أصلاً لا يتقدم عليه، لا يجوز أن يتقدم عليه، وأما كونه خبراً في الموضعين، فهذا جائز كما ذكرناه سابقاً. بقي أن نقول: تسد عن المفعولين في هذا الباب (أنّ) المشددة، وسبق التنبيه عليه عند ذكر الموصولات الحرفية: (أنّ) وما دخلت عليه تقع في موقع المفعولين: ظننت أن زيداً قائمٌ، حينئذٍ ظننت أن زيداً قائمٌ، نقول: ظننت فعل وفاعل، (أنّ) تعربها تفصيلاً، ثم تقول: (أنّ) وما دخلت عليه -معموليها-: سدت مسد مفعولي ظن، لماذا؟ لأن (أنّ) هذه إنما هي في قوة المفرد؛ لأنها مصدر، إذا كان كذلك حينئذٍ كيف تقوم مقام المبتدأ والخبر؟ إنما نقول: هي سدت مسد معمولي ظن.

وإن كانت بتقدير اسم مفرد، -اسم مفرد للطول-، ولجيران الخبر والمخبر عنه بالذكر في الصلة، يعني: الذي جعل وسوغ أن تقوم (أنْ) وتسد مسد مفعولي (ظنَّ) هو وجود اسمها وخبرها: أن زيداً قائماً، ظننت زيداً قائماً، كأنه موجود، الخبر والمخبر عنه يعني: في باب (أنّ) من جهة المعنى هذا موجود في: ظننت زيداً قائماً، والذي سوغ أن تقوم (أنّ) وتسد مسد المفعولين ذكر المخبر والمخبر عنه في معموليها في الصلة نفسها، ما الفرق بين ظننت زيداً قائماً، وظننت أن زيداً قائماً، زيد موجود في الذكر، وكذلك قائمٌ موجود في الذكر، هذا الذي سوغ مجيء (أنّ) وسدها مسد مفعولي ظن، ثم لا حذف فيه عند سيبويه، ظننت أن زيداً قائماً ليس فيه حذف، وهذا الذي عليه الجمهور، وذهب الأخفش والمبرِّد إلى أن الخبر محذوف، يعني: في قولنا: ظننت أن زيداً قائمٌ، عند الأخفش والمبرِّد ثم محذوف، ظننت أن زيداً قائمٌ ثابتٌ أو مستقر، هذا فيه تكلُّف، لماذا؟ لأننا لا نحتاج إلى هذا التركيب، المعنى حاصل، والإفادة تامة بوجود أنَّ زيداً قائمٌ، وإذا حصلت حينئذٍ لا نحتاج إلى التقدير، ولا ندعي أن ثم محذوفاً حذف ثم بعد ذلك أقيمت (أنّ) مقامه، وكذا يسد عنها (أنْ) وصلتها نحو: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2]، حسب قلنا: هذه تتعدى إلى مفعولين: ((أَحَسِبَ النَّاسُ)) هذا فاعلها، ((أَنْ يُتْرَكُوا))؛ أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، فنقول: سدت مسد معمولي حسب، إذاً: يقوم مقام المفعولين (أنّ) المشددة ومعمولها، وكذلك (أنْ) المصدرية والفعل المضارع، وقلنا فيما سبق أن هذه تعتبر من الموصولات الحرفية، فقط هذان النوعان، وما عداهما لا، والذي سوغ سد (أنّ) المثقلة و (أنْ) وجود المخبر عنه في نفس الصلة، هذا الذي سوغ ذلك، فـ ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا))، لتضمن مسند أو مسند إليه مصرح بهما في الصلة: ((أَنْ يُتْرَكُوا)) فيه مسند ومسند إليه، إذاً: هو في قوة المفعول الأول والمفعول الثاني لحسب، حكم هذين المفعولين بالتقديم والتأخير كما لو كانا قبل دخول هذه الأفعال، بمعنى أن الحكم للأصل مبتدأ وخبر، كل ما جاز هناك جاز هنا، وكل ما امتنع هناك امتنع هنا، حينئذٍ تقول: ظننت في الدار صاحبها، أين المفعول الأول؟ صاحبها، المفعول الثاني؟ في الدار، ما حكم تقدم المفعول الثاني على المفعول الأول؟ واجب، الأحكام نفسها، كل ما كان هناك جائز فهو جائز هنا، إذاً: حكم هذين المفعولين بالتقديم والتأخير كما لو كانا قبل دخول هذه الأفعال، والأصل تقديم المفعول الأول وتأخير الثاني، ويجوز عكسه، وقد يجب الأصل، نحو ظننت زيداً صديقك هذا واجب على رأي ابن مالك: فَامْنَعْهُ حِيْنَ يَسْتَوِى الْجُزْءَانِ ... عُرْفَاً .. الشاهد هنا عُرْفَاً، إذا استويا معرفة امتنع تقديم الثاني على الأول، ظننت زيداً صديقك كل منهما معرفة، لو قلت: زيدٌ صديقك امتنع تقديم الثاني على الأول -التزم الأول يكون مقدم والثاني متأخر-، وقد يجب خلافه في نحو: ما ظننت زيداً إلا بخيلاً، أين الأول؟ فكُّ الجملة: ما زيدٌ إلا بخيلٌ أين الخبر؟

بخيل، واجب التأخير؟ واجب التأخير، إذاً: الأول زيداً والثاني بخيلاً، ما ظننت زيداً إلا بخيلاً، ثم قال رحمه الله: وَخُصَّ بِالتَّعْلِيقِ وَالإِلْغَاءِ مَا ... مِنْ قَبْلِ هَبْ وَالأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا كَذَا تَعَلَّمْ وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ كُلَّ مَالَهُ زُكِنْ هذه الأفعال -أفعال القلوب- قلنا: تعتريها ثلاثة أحكام: الأول: الإعمال وهذا هو الأصل فيها، ظننت زيداً قائماً واجب الإعمال خلافاً للكوفيين. الثاني: التعليق، وهو إبطال أو ترك العمل لفظاً لا محلاً، بمعنى أن هذه الأفعال تسلط على المحل دون اللفظ، فيترك العمل لفظاً وهو النصب، ثم يسلط العامل على المحل، وهذا له نظائر كثيرة في لسان العرب؛ أن يكون العامل مسلطاً على المحل دون اللفظ، وهذا في إضافة المصدر كثير، المصدر قد يضاف إلى الفاعل وقد يضاف إلى المفعول، وكلاهما إذا أضيف إلى الفاعل حينئذٍ يكون في المحل فاعلاً والمفعول يكون مفعولاً، مثل ماذا؟ ظننت لزيدٌ قائمٌ، هذا يسمى تعليق، ونحن نُعرِّف التعليق. إذاً: ظننتُ لزيدٌ قائمٌ، زيدٌ قائمٌ الأصل فيه النصب، ظننت زيداً قائماً، زيداً مفعول أول، وقائم مفعول ثاني، قد يُترك تسلط على العامل (ظنَّ) على اللفظ ثم يتوجه إلى المحل، وذلك إذا وجد أو أحال بينهما -بين العامل والمعمول- ما له صدارة الكلام، منها لام الابتداء، فإذا قلت: ظننت لزيدٌ قائمٌ، زيدٌ رُفع بعد أن كان منصوباً، وقائمٌ رُفع بعد أن كان منصوباً، رفع زيد على أنه مبتدأ، وقائمٌ على أنه خبر، إذاً: رجعت الجملة إلى أصلها، لكن باعتبار اللفظ لا باعتبار المحل؛ لأن اللام هذه لام الابتداء ولها حق الصدارة، وحينئذٍ توسطت بين العامل والمعمول، فعلق الفعل، بمعنى أنه لم يستطع أن يصل إلى اللفظ؛ لأن لام الابتداء لا يعمل ما قبلها فيما بعدها، فلما مُنِع الفعل من أن ينصب (زيد) لفظاً و (قائماً) لفظاً حينئذٍ لابد له من محل يظهر له أثره، فوُجِّه إلى المحل، فتقول: ظننتُ لزيدٌ، ظننتُ: فعل وفاعل، اللام لام الابتداء، زيدٌ قائمٌ مبتدأ وخبر في محل نصب مفعولي ظن، وهذا المراد بأنها في اللفظ جملة اسمية، وفي المحل مفعولا ظن، هذا التعليق، وأما الإلغاء فهو إبطال العمل لفظاً ومحلاً، مطلقاً يلغى العامل كأنه غير موجود، كأنه لم يدخل، زيدٌ قائمٌ، ظننتُ زيداً قائماً، إذا توسط أو تأخر جاز الإلغاء، زيداً ظننتُ قائماً بالنصب، زيدٌ ظننتُ قائمٌ بالرفع، جاز الوجهان، إذا نصبت على الإعمال هذا هو الأصل، وإذا رفعت وهو الشاهد، إبطال عمل (ظنَّ) في اللفظ والمحل، تقول: زيدٌ مبتدأ قائمٌ خبره، وظننتُ فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب معترضة بين المبتدأ والخبر، حينئذٍ أين عمل ظن؟ ليس لها عمل لا في اللفظ ولا في المحل، وهذا له ضابط سيأتي. وَخُصّ بِالتَّعْلِيقِ والإلْغَاءِ: إذاً: هذان حكمان، التعليق وعرفنا أنه ترك العمل في اللفظ لا في المحل، أو إلغاء وإبطال عملها في اللفظ لا في المحل، وأما الإلغاء فهو ترك العمل لفظاً ومحلاً.

مَا مِنْ قَبْلِ هَبْ: وَخُصّ، هذا أمر أو ماضٍ؟ يحتمل هذا ويحتمل ذاك، يحتمل أنه أمر، حينئذٍ: مَا مِنْ قَبْلِ هَبْ، ما: اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به، ويحتمل أن: وَخُصّ، فعل ماضي مغير الصيغة، و (ما) حينئذٍ تكون نائب فاعل، والأظهر أنه فعل أمر، المناسب لقوله: وَالَّتِي كَصَيَّرَا ... انْصِبْ، أن يكون خص فعل أمر، وباعتبار ما بعده: والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا ... ... كَذَا تَعَلَّمْ ...... ثم قال: اجْعَلْ. والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا: أن يكون خُصّ ماضياً مبني للمجهول، يعني: مثلما سبق، باعتبار السابق وباعتبار اللاحق، ما سبق ما هو؟ انْصِبْ، ثم قال هنا: أُلْزِمَا، وقع بين نوعين، أحدهما فعل أمر والثاني مغير الصغية، لكن الأكثر في هذا المقام أنه يأتي بفعل الأمر؛ لأنه قال: وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ ... وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ .. وَالْتَزِمِ التَّعْلِيقَ .. كلها أفعال أمر، فدل على أن المراد به الأمر، والأمر سهل. وَخُصَّ بِالتَّعْلِيقِ وَالإِلْغَاءِ مَا ... مِنْ قَبْلِ هَبْ ..... كل ما ذكره في الأبيات الثلاثة الأول قبل هب، حينئذٍ يكون محلاً لهذين الحكمين، يعني: يجوز فيهما الإلغاء ويجوز فيهما التعليق، حينئذٍ ليس كل أفعال القلوب التي تنصب مفعولين يجوز فيها الإلغاء والتعليق، بل فيه تفصيل، ما كان من قبل هب الذي ذكره فيما سبق يجوز فيه الإلغاء والتعليق، وأما هب وتعلم فلا يجوز فيهما لا إلغاء ولا تعليق. وَخُصّ بِالتَّعْلِيقِ والإلْغَاءِ مَا ... مِنْ قَبْلِ هَبْ: من أفعال القلوب وهو أحد عشر فعلاً ذكرها قبل هَبْ، ولماذا التفصيل هذا، لماذا فصلنا بين أفعال القلوب، بعضها يعلق ويلغى وبعضها الآخر لا يعلق ولا يلغى؟ وذلك لأن هذه الأفعال لا تؤثر فيما دخلت عليه تأثير الفعل في المفعول، وإن كانت أفعال تنصب إلا أنها ليست كضربت وقتلت ومشيت، تلك لها تأثير في الذوات، وأما هذه لا، التأثير يختلف، تأثيرها في مفاعليها ليس كتأثير الأفعال الحقيقة في مفاعيلها، فثم فرق بين النوعين، وإن قيل: بأن هذا الباب أعمل حملاً على باب أعطيت، إلا أن ثم فرقاً من حيث تعلق المفعول بعامله، ثم فرق بين التعلُّقين؛ لأن هذه الأفعال لا تؤثر فيما دخلت عليه تأثير الفعل في المفعول؛ لأن متعلقها في الحقيقة ليس هو الأشخاص، وإنما متعلقها الأحداث التي تدل عليها أسامي الفاعلين والمفعولين، حينئذٍ صارت ضعيفة، تقول: ضربت زيداً، زيداً هذا مفعول به، تعلق الضرب بشخص –بذات-، وأما ظننت زيداً قائماً تعلق هنا ظننت بقيام زيد ليس بزيد نفسه، إذاً علاقة ضربت زيداً ليست كعلاقة ظننت زيداً قائماً، لماذا؟ لأن ضربت زيداً تعلق الضرب بذات بشخص فهو أقوى في العمل، وأما ظننت زيداً قائماً، فهنا تعلق بصفات الذوات لا بالأشخاص والذوات أنفسهم، وهذا تأثير يختلف بين النوعين.

بخلاف أفعال التصيير، فإنها متناولةٌ للذات فهي قوية في العمل. أفعال التصيير في هذا الباب أقوى من أفعال القلوب: صيرت الطين خزفاً، تعلق بالذات، مثل: ضربتُ زيداً، وأما الظن والاعتقاد والرجحان هذه متعلقة بالصفات لا تتعلق بالذوات، وإنما لم يدخل التعليق والإلغاء هب وتعلم وإن كانا قلبيين؛ لضعف شبهها بأفعال القلوب من حيث لزوم صيغة الأمر كما أشار إلى ذلك الناظم. إذاً: لكون هذه الصيغة (هب تعلم) التُزِمت في هذين الفعلين ضعف؛ لأن الجامد أضعف من المتصرف، حينئذٍ لما كان هذان الفعلان جامدين لازمين لصيغة الأمر فحسب، لا يأتي منهما الماضي ولا المضارع، حينئذٍ لم يدخل فيهما التعليق ولا الإلغاء. الحاصل: أن الأفعال التي يدخل فيها التعلق والإلغاء هي أحد عشر فعلاً من غير هب وتعلم، هب وتعلم كلاهما مع المجموع تصير ثلاثة عشر فعلاً، وأما أفعال التصيير فلا يدخلها لا تعليق ولا إلغاء، فهو خاص بما ذكره الناظم ... مِنْ قَبْلِ هَبْ. وَخُصّ بِالتَّعْلِيقِ والإلْغَاءِ-بالمفهومين السابقين- مَا مِنْ قَبْلِ هَبْ، يعني: ما ذكر من قبل هب، وهو أحد عشر فعلاً، وأما هب وتعلم فلا يشملهما الحكم، كذلك أفعال التصيير ليست داخلة؛ لأنه ذكرها بعد هب وتعلم، فكل ما ذكر: هب وتعلم والتي كصيرا لا يدخلها تعليق ولا إلغاء، وما كان قبل هب حينئذٍ داخل في التعليق والإلغاء. ثم قال كأنه معللاً لانتفاء دخول هب وتعلم لحيز التعليق والإلغاء، قال: ...... والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا كَذَا تَعَلَّمْ ............ : إذاً: تعلم هب ألزما صيغة الأمر، فلا يأتي منهما ماضٍ ولا مضارع، هَبْ فهبني. والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا: هَبْ هذا مبتدأ قَدْ أُلْزِمَا الأمرَ، الألف هذه للإطلاق، والضمير المستتر هذا يعود إلى هب، وهو نائب فاعل، والأمر هذا مفعول ثاني مقدم، قَدْ أُلْزِمَا الأمرَ، هب ألزم الأمر، إذاً: الأمر هذا مفعول ثاني، والمفعول الأول اكتفى على أنه نائب فاعل؛ لأن ألزم هذا مغير الصيغة. والأَمْرَ بالنصب مفعول ثاني مقدم على عامله وهو أُلْزِمَا، هَبْ: هذا مبتدأ وقَدْ للتحقيق، وأُلْزِمَا: هذا فعل ماضٍ مغير الصيغة، والمفعول الأول هو النائب، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ هَبْ. كذا تعلم: تعلم كذا أي: مثل هب؛ في كونه ألزم صيغة الأمر فلا يأتي منه ماضٍ ولا مضارع. كَذَا تَعَلَّمْ، أي: مثل هب في لزوم الأمر، حينئذٍ لا يأتي منهما ماضٍ ولا مضارع، فقصد الناظم رحمه الله تعالى أن هذين فعلين يلزمان صيغة الأمر فلا يستعملان ماضيين ولا مضارعين. . وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ كُلَّ مَالَهُ زُكِنْ لما ذكر الأفعال عدها بصيغة الماضي، حينئذٍ دفعاً لإيهام أن العمل مخصوص بهذا اللفظ ولا يتعداه إذا كان مضارعاً أو اسم فاعل أو اسم مفعول أو مصدر أو نحو ذلك أزال هذا اللبس كما سبق في باب كان: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ

فالحكم ليس خاصاً بصيغة الماضي، بل هو عام، ولذلك قال: وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ سِوَاهُمَا اجْعَلْ، سوى: هب وتعلم؛ لأنهما لا يأتي منهما إلا الأمر، اجعل لغير الماضي من سواهما كُلَّ مَالَهُ–للماضي- زُكِنْ: علم، من التعليق والإلغاء والدخول على الجملة الاسمية، وكون الأصل أن يتقدم مفعول أول ومفعول ثاني واستيفاء الفاعل ونحو ذلك، كل الأحكام السابقة ليست خاصة بالفعل الماضي، بل يكون في الفعل المضارع والأمر إن وجد منه، وكذلك اسم الفاعل اسم المفعول والمصدر. وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ: اجعل لغير الماضي، لغير الماضي هذا مفعول ثاني، يعني: هو متعلق بقوله اجعل، لكنه مفعول ثاني لاجعل. ومِنْ سِوَاهُمَا -سوى هب وتعلم- هذا يحتمل أنه نعت لغير، ويحتمل أنه حال لبيان الواقع، حال لازمة أتى به لبيان الواقع، أي: اجعل كل الأحكام التي علمت للماضي ثابتة لغير الماضي حالة كونه جائياً من سوى هب وتعلق، حينئذٍ تقول: يظن زيدٌ عمراً قائماً، أنا ظانٌّ زيداً عمراً قائماً، وهَلُمَّ جَرّاً. وَلِغَيْرِ الْمَاضِ، ما هو غير الماضي؟ هو المضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، ولا يشمل الصفة المشبهة وأفعل التفضيل وفعل التعجب ليست داخلة هذه، أما الصفة المشبهة لأنها لا تصاغ إلا من لازم فلا تنصب، (وَصَوغُهَا مِنْ لاَزِمٍ لِحَاضِرِ)، فلا تنصب، حينئذٍ كيف تتعدى -هي لازمة-؟ حينئذٍ لابد من أن يكون هذا الفعل متعد إلى مفعولين، ينصب مفعولاً أول ومفعول ثاني، وهذه لازمة ليست بمتعدية، وما بعدها الذي هو أفعل التفضيل هذا لا ينصب مفعولاً، بل المشهور أنه لا يرفع فاعلاً ظاهراً إلا في مسألة واحدة، وإنما يرفع ضميراً مستتراً فحسب فلا ينصب، حينئذٍ كيف يكون ناصباً لمفعولين، وكذلك فعل التعجب لا يتعدى إلا إلى واحد، ما أحسن زيداً، إذاً: لِغَيْرِ الْمَاضِي مراده به المضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، وما عداه فلا.

قال الشارح: تقدم أن هذه الأفعال قسمان أفعال قلوب وأفعال تحويل، أفعال القلوب: هذه منقسمة إلى قسمين: متصرفة وغير متصرفة، متصرف: بمعنى أنه يأتي منه ماضٍ وأمر ومضارع، يتصرف فيه، وأما غير المتصرف فهذا الذي يلزم حالة واحدة: ماضي لا يأتي منه مضارع، مثل نِعمْ، نِعْم لا يأتي منه مضارع ولا أمر إلى آخره فهو لازم للماضي، أو مضارع لم يسمع له ماضٍ ولا أمر ولا آخره، مثل: يذر، أو أمر لم يسمع له ماضي ولا مضارع، مثل: هب تعلم، هذه ملازمة، قد يلازم، ليس دائماً يكون ملازماً للماضي، غير متصرف الجامد، قد لا يكون ماضياً فحسب، قد يكون أمراً مثل هب، هذا جامد نقول فيه، ليس الأمر والشأن خاصاً بنعم وبئس وعسى وليس أنها جامدة لا تتصرف؛ لأنها أفعال ماضية، لا، قد يكون فعل مضارع، مثل: يذر، وقد يكون فعل أمر، مثل: هب وتعلم، ومتصرف هذا قد يكون متصرفاً تصرفاً تاماً، بمعنى أنه يؤتى منه بالماضي والمضارع والأمر، واسم الفاعل واسم المفعول، وقد يكون تصرفه ناقصاً فيما إذا سمع له شيئٌ واحد فحسب، قد يكون له مثلاً اسم فاعل، وليس له مضارع، أو يكون له مضارع ولا يصاغ منه اسم الفاعل ولا اسم المفعول، نقول: هذا متصرف، لكن تصرفه ناقص وليس بتام. فالمتصرفة ما عدى هب وتعلم، كما قال الناظم: والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا ... كَذَا تَعَلَّمْ. فيستعمل منها المتصرف الماضي: ظننت زيداً قائماً، هذا هو الأصل فيها، وغير الماضي كالمضارع: أظن زيداً قائماً، يعمل عمله، زيداً، هذا مفعول أول لـ (أظن) وقائماً مفعوله الثاني، والأمر كذلك: (ظُنَّ) زيداً قائماً، (ظُنَّ) هذا فاعله ضمير مستتر، استوفى فاعله وزيداً مفعول أول وقائماً مفعول ثاني. إذاً: نصب كما أن (ظنَّ) الماضي ينصب، و (يظن) كذلك نصب مفعولين كما أن (ظنَّ) الماضي ينصب، واسم الفاعل: أنا ظانٌّ زيداً قائماً، أنا مبتدأ، وظانّ خبر، وفيه ضمير مستتر فاعل، وزيداً مفعول أول لظانّ وهو اسم، وقائماً مفعول ثاني، حينئذٍ تأخذ من هذا أن بعض الأسماء يتعدى إلى مفعولين، اسم الفاعل قد يتعدى إلى مفعولين، قد يظن الظانّ أنه خاص بالفعل أنه يتعدى إلى مفعولين، إذا اشتق من (ظنَّ) اسم فاعل حينئذٍ نقول: يتعدى إلى مفعولين، أنا ظانٌّ زيداً قائماً، دائماً نمثل: أنا ضارب زيداً، مفعول واحد، لأن ضرب يتعدى إلى واحد، فإذا كان الأصل الماضي يتعدى إلى واحد تعدى اسم الفاعل إلى واحد، وإذا كان الأصل يتعدى إلى اثنين حينئذٍ تعدى إلى اثنين، أنا ظانٌّ زيداً قائماً.

إذاً: الاسم قد يتعدى إلى مفعولين، كذلك اسم المفعول: زيدٌ مظنونٌ أبوه قائماً، زيدٌ: مبتدأ، مظنونٌ هذا خبر المبتدأ، مظنون اسم مفعول يرفع نائب فاعل ولا يرفع فاعلاً، أبوه: اكتفى على أنه نائب فاعل، هو المفعول الأول، قائماً: هذا مفعول ثاني، إذاً: المفعول الأول هو مفعول قبل تسلط العامل عليه، فلما تسلط العامل عليه وهو مظنون حينئذٍ اقتضاه وطلبه على أن يكون نائب فاعل فرفعه على النيابة، فلا تقل: أبوه مفعول أول، وإنما تقول: نائب فاعل وهو المفعول الأول؛ لأن الذي يكون محلاً للحركة هو المقدم، وهنا أبوه مرفوع، ولو كان مفعولاً أول –لفظاً- حينئذٍ لوجب أن يكون منصوباً، إذ لو كان مفعولاً أول لفظاً لوجب أن يكون منصوباً؛ لأن المفعول الأول منصوب، لكن لما كان مظنون: يقتضي نائب فاعل حينئذٍ رفعه، فتقول: أبوه نائب فاعل، وهو المفعول الأول، تشير إلى ذلك من جهة المعنى لا من جهة الإعراب، يعني: ليس له محلان باعتبار الإعراب، وإنما باعتبار المعنى، وسبق أن الحل، حل الجملة التركيب بيت أو غيره، قد يكون باعتبار المعنى فنقدر، وقد يكون باعتبار الإعراب، هنا باعتبار المعنى، أما الإعراب لا، أبوه لفظاً ومعنىً نقول الأصل فيه أنه نائب فاعل، هذا الأصل، ولكونه قبل تسلط مظنون عليه مفعولٌ أول، وأن مظنون يقتضي مفعولين، حينئذٍ نقول: هو نائب فاعل، وهو المفعول الأول. والمصدر كذلك: عجبتُ من ظنك زيداً قائماً، عجبتُ من ظنك، من ظنك، (ظنَّ) هذا جار ومجرور متعلق بعجبت، وظنك: نقول هذا مصدر (ظنَّ) وهو يتعدى مثله، ظنك زيداً قائماً، ظنك الكاف هنا مضاف إليه من إضافة المصدر إلى الفاعل، زيداً قائماً مفعول أول ومفعول ثاني، إذاً: ثبت لها من العمل ما يثبت لظن. . وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ كُلَّ مَالَهُ زُكِنْ اجْعَلْ كُلَّ مَالَهُ: اجعل كل الأحكام التي له –للماضي-، زكن التي علمت، ما زكن له: يعني: ما علم من الأحكام السابقة من التعليق والإلغاء وكونها تنصب مفعولين مفعول أول وثاني وما اشترط للماضي اجْعَلْهُ لِغَيْرِ الْمَاضِي، مِنْ سِوَاهُمَا: من سوى هب وتعلم، وأما غير المتصرف فهو اثنان: هب وتعلم بمعنى اعلم، كذلك في الإلغاء، يعني: هذه كما أننا أعملناها تبعاً للماضي لغير الماضي كذلك في الإلغاء، تقول: ظننت لزيدٌ قائمٌ ألغي، وتقول: أنا ظانٌّ لزيدٌ قائمٌ، دخلها الإلغاء، فتقول: أنا زيدٌ ظانٌّ قائمٌ بالإلغاء؛ لأنه توسط بين المفعولين، إذاً: إذا توسط أو تأخر أو تسلط ما له حق الصدارة بين العامل والمعمول علق كما هو الشأن في الماضي، وفي الإلغاء كذلك: زيدٌ أظنُ قائمٌ، وزيدٌ قائمٌ أظنُ، وزيدٌ أنا ظانٌ قائمٌ، وفي التعليق: أظنُّ ما زيدٌ قائمٌ وأنا ظانٌّ ما زيدٌ قائمٌ هذه كلها الحكم فيها واحد بين الماضي وغير الماضي. واختصت القلبية المتصرفة بالتعليق والإلغاء، والتعليق هو ترك العمل لفظاً دون معنى لمانع.

إذاً: لا يدخل التعليق ولا الإلغاء في شيء من أفعال التصيير، قال: اختصت القلبية دون أفعال التصيير، المتصرفة دون الجامدة غير المتصرفة، حينئذٍ لا يدخل التعليق ولا الإلغاء في شيء من أفعال التصيير، ولا في قلبي جامد وهو اثنان: هب وتعلم، وإنهما يلزمان الأمر كما سبق. ثم عرَّف الإلغاء والتعليق كما ذكرناه، ولكن الإلغاء هذا جائز كما سيأتي: وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ، وأما التعليق فهو واجب، وسمي التعليق تعليقاً كما ذكرناه؛ لأن العامل ملغى ليس بعامل؛ ملغى من حيث اللفظ ليس بعامل، فهو عامل لا عامل، من حيث المعنى عامل، ومن حيث اللفظ ليس بعامل، ولذلك قيل: شُبِّه بالمرأة المعلقة التي لا مزوجة ولا مطلقة. قال رحمه الله: وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الاِبْتِدَا ... وَانْوِ ضَمِيرَ الشَّانِ أَوْ لاَمَ ابْتِدَا فِي مُوهِمٍ إِلْغَاءَ مَا تَقَدَّمَا ... وَالْتَزِمِ التَّعلِيقَ قَبْلَ نَفْيِ مَا وَإِنْ وَلاَ لاَمُ ابْتِدَاءٍ أَوْ قَسَمْ ... كَذَا وَالاِسْتِفْهَامُ ذَا لَهُ انْحَتَمْ هذا شروع في بيان حقيقة الإلغاء وحقيقة التعليق؛ لأنه أجمل أولاً، بين لنا الأفعال التي يدخلها تعليق وإلغاء، وعرفنا معنى التعليق ومعنى الإلغاء، متى نقول: هذا ملغى ومتى نقول: هذا معلق؟ قال: وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ: جَوِّزِ، إذاً: هو جائز ليس بواجب، إذاً: ليس كقوله والْتَزِمِ التَّعلِيقَ، فالتعليق واجب، لوجود سببه الموجب، وأما الإلغاء فهو جائز، ففرق بينهما، الإلغاء عند وجود سببه جائز، والتعليق عند وجود سببه الموجب واجب، وأن الملغى لا عمله له البتة، والمعلق عامل في المعنى يعني: في المحل كما سيأتي. وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ إذاً: لا واجب خلافاً للأخفش، حيث أوجب الإلغاء كالتعليق، والصحيح ما عليه الجماهير أنه جائز وليس بواجب. وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ يعني: ترك العمل في اللفظ والمحل معاً، وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ: يعني: جوز ترك العمل لهذه الأفعال أو ما اشتق منها أو ما تصرف منها في اللفظ والمحل معاً لا في الابتداءز

لاَ فِي الابْتِدَا، لاَ هذا معطوف على محذوف، يعني: جوز الإلغاء في حالتي التوسط والتأخر هذا على المشهور؛ لأن الصور ثنتان، لاَ فِي الابْتِدَا، يعني: لا في حال الابتداء، الابتداء بماذا؟ بالفعل نفسه، إذ الصور ثلاثة على أكثر ما ذكره النحاة، إما أن يتقدم وإما أن يتوسط وإما أن يتأخر، ظننت زيداً قائماً، تقدم العامل على المعمولين، توسط: زيداً ظننتُ قائماً الحالة الثانية، الثالثة: زيداً قائماً ظننتُ تأخر على المفعولين، قال: جَوِّزِ الإِلْغَاءَ الذي هو ترك العمل في اللفظ والمحل لاَ فِي الابْتِدَا، يعني: في أي الصور؟ في المتوسط والمتأخر، إذاً: تقول: زيدٌ ظننتُ قائمٌ، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ واجب أو جائز؟ جائز، إذاً: يجوز أن تقول: زيداً ظننت قائماً، وزيدٌ ظننت قائمٌ، ويجوز أن تقول: زيداً قائماً ظننت، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ هاتان حالتان، ولا يجوز عند جميع البصريين أن تقول: ظننتُ زيدٌ قائمٌ، بل يجب الإعمال، ولذلك قال: لاَ فِي الابْتِدَا، هذه الصورة مستثناة، فيجب الإعمال إذا تقدم العامل على المفعولين، ظننت زيداً قائماً واجب الإعمال خلافاً للكوفيين، وأما زيداً ظننتُ قائماً فيجوز فيه الوجهان، وأيهما أرجح؟ قيل: هما سواء الرفع والنصب، وقيل: الإعمال أرجح، وهو أظهر أن الإعمال أرجح من الإلغاء، لماذا؟ لأنك إذا أعملت ظن، أعملت فعلاً، وإذا ألغيتها أعملت الابتداء وهو عامل معنوي، أنت مخير بين اثنين، إما أن تقدم العامل اللفظي وهو فعل وهو الأصل في العمل، وإما أنك تلغيه، وهذا أمر أنت مخير فيه أن تلغيه وتجعل الجملة ابتدائية: زيدٌ ظننتُ زيدٌ رفع بماذا؟ بالابتداء وهو عامل معنوي وهو ضعيف، حينئذٍ قدمت الضعيف على القوي، وهذا فيه نوع مرجوحية، ولذلك الراجح أن تنصب، فتقول: زيداً ظننتُ قائماً، هذا أرجح من قولك: زيدٌ ظننتُ قائمٌ، لماذا؟ لأنك إذا نصبت أعملت الفعل، وهو الأصل في العمل، وإذا رفعت أعملت الابتداء وهو أمر معنوي، ولا شك أن العامل اللفظي أقوى من العامل المعنوي. وأما إذا تأخرَت: زيداً قائماً ظننتُ، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ فالأكثر على أن -بل حكي إجماع- على أن الإلغاء هنا أرجح من الإعمال، فزيدٌ ظننتُ، فزيدٌ قائمٌ ظننتُ أرجح من (زيداً قائماً ظننتُ)، لماذا؟ لأن العامل إذا تأخر ضعف، (ظنَّ) الأصل فيها أنها لا تعمل، الأصل في الفعل أن لا يدخل على الجملة، إذا قيل: الفعل أنه عامل، أو العامل عموماً العامل من حيث هو سواء كان يرفع أو ينصب، الأصل فيه أن يتعلق بالمفردات، ولا يتعلق بالجمل، لا يعني لا دخل على الجمل، فكل عامل دخل على جملة فالأصل فيه أنه لا يعمل، فـ (إنّ) وأخواتها الأصل فيها أنها لا تعمل، و (كان) وأخواتها الأصل فيها أنها لا تعمل، و (ظنَّ) وأخواتها الأصل فيها أنها لا تعمل. إذاً: باب النواسخ كله الأصل فيه أنه لا يعمل، لماذا؟ لأنه تسلط على جملة -مبتدأ وخبر-، ولم يتسلط على مفرد، وهذا خلاف ما جعل العامل له في الأصل، حينئذٍ إذا أعمل لابد أن يكون محمولاً على شيئاً آخر، وإذا حمل صار فرعاً والفرع ضعيف، كما سبق.

حينئذٍ: إذا قلت: زيداً ظننت قائماً، قلنا: جاز الإعمال والإهمال والإعمال أرجح، الإعمال أرجح من الإهمال، إذا تأخر رتبة -متأخر-ضعف جاز إعماله استصحاباً للأصل، ولأنه في رائحة الفعل، إلا أنه لما تأخر ضعف ضعفاً شديداً فصار الإهمال أولى من الإعمال، ولذلك لما تقدم هو متسلسل متدحدر، لما تقدم: ظننتُ زيداً قائماً وجب، ثم لما انتقل إلى الثاني: زيداً ظننتُ قائماً جاز –ألغي-، لكن الإعمال أرجح، لما جاء المرتبة الأخيرة حينئذٍ صار الإهمال أرجح، وهذا ليس في (ظنَّ) فحسب، حتى في الأفعال الصحيحة التامة، ولذلك: ضربت زيداً، زيداً مفعولاً به، وقوة العامل -من قواعد العوامل-؛ قوة العامل إنما تتوجه لطلب ما بعده، وتضعف في طلب شيء قبله، هذا الأصل في العامل: أن يعمل فيما بعده ولا يعمل فيما قبله، فإذا عمل فيما بعده حينئذٍ إذا تقدم هذا المعمول ضعف تسلط العامل عليه، وذلك جاز إذا تقدم المفعول على عامله ولو في ضرب أن يتصل به حرف زائد للتقوية، ولذلك ضربت زيداً، زيداً مفعول به، زيداً ضربتُ، هل قوة العامل واحدة؟ قالوا: لا، ليست قوة العامل واحدة، العامل في الثاني زيداً ضربتُ أضعف، مع كونه لو تأخر صار قوياً على الأصل، ما الدليل؟ الدليل تسويغ دخول اللام الزائدة المؤكدة على المفعول به إذا تقدم دون إذا ما تأخر، فتقول: زيداً ضربتُ، يجوز لك أن تقول: لِزيدٍ ضربتُ؛ لأن الأفعال إنما تتعدى وتتقوى إلى المعمولات بحروف الجر، قلنا: حروف الجر سميت حروف جر لكونها تدور معاني الأفعال إلى الأسماء، فإذا كانت تالية لها لا إشكال، فلما نصب (ضربَ زيداً) قوي ولا يحتاج إلى حرف، لما تقدم عليه ضعف، وحينئذٍ احتاج إلى مقوي، وقيل: لِزيدٍ ضربتُ -هذا قياس-، وأما ضربتُ لِزيدٍ هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه: ((إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)) [يوسف:43]، للرؤيا ما إعرابه؟ مفعول به، تعبرون الرؤيا، هذا الأصل مفعول به، لما تقدم احتاج إلى واسطة إلى مقوي إلى ما يعيد إليه قوته، فجيء باللام الزائدة مؤكدة، ولذلك تقول: لِزيدٍ ما تقول: جار ومجرور متعلق بضرب لا، تقول: اللام حرف جر زائد مقوي مؤكد، وزيدٍ مفعول به منصوب، ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وضربتُ فعل وافعل، إذاً: هو مفعول به، إذاً: زيداً ظننتُ قائماً نقول: هذا أرجح من الإهمال: زيدٌ ظننتُ قائمٌ لضعف العامل؛ لأنه ضعف، وزيداً قائماً ظننتُ نقول: الإهمال أرجح؛ لأنه ازداد ضعفاً لبعده عن معموليه. وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا: يعني: لا في حال الابتداء بالفعل، يعني: بل في حال توسطه أو تأخره.

بقي حالة واحدة وهي محل نزاع بين النحاة، هل هي من قبيل الابتداء أو لا؛ فيما إذا تقدم على الفعل شيء ولا يبتدأ به، وإنما يتقدم عليه شيء من متعلقات الفعل: متى ظننتَ زيداً قائماً؟ هل يشترط في الابتداء أن لا يتقدم عليه شيءٌ البتة ولا حرف ولا حرفان، أم المراد أنه قد يتقدم عليه شيء وقد لا يكون له علاقة بما بعده؟ هذا محل نزاع، ما المراد بالابتداء هنا؟ قيل: الابتداء المراد به أن لا يتقدم عليه شيء البتة، فإن تقدم عليه أي لفظ حينئذٍ صار من باب جواز الإلغاء، لم يكن مبتدأً به، أو يراد بالابتداء: ابتداء الجملة في نفسها، فحينئذٍ: متى ظننتَ زيداً قائماً؟ زيداً قائماً نقول: الأصل أنه لم يتعلق به شيء، ولكن لما تقدم عليه اسم الاستفهام (متى) هل أخرجها عن كونها مبتدأً بها أو لا؟ هذا محل نزاع والأكثرون على أنه ليس مما يجوز فيه الإلغاء، بل يجب فيه الإعمال، ولكن ابن هشام رحمه الله تعالى يرى أنه داخل في الإلغاء، يعني: يجوز فيه الإلغاء، ويجوز فيه الإعمال والإعمال أرجح، لأنه باقٍ على أصله، ولكن تقدم عليه شيء، فمتى ظننتَ زيداً قائماً، هل هو مبتدأٌ به أو لا؟ نقول: هنا في اللفظ ليس مبتدأ به، لكن في الجملة نعم، هو مبتدأ لم يتقدم عليه لا مفعول أول، ولم يتأخر عن المفعولين، وأما زيدٌ ظننتُ قائمٌ لا شك أنه لم يبتدأ به الجملة نفسها، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ لا شك أنه لم يبتدأ به الجملة نفسها، لكن ظننتُ زيداً قائماً، لم يتقدم عليه شيء من متعلقات ظن، فهل تقدم لفظ آخر ليس متعلقاً بظن من حيث العمل -مفعول أول ومفعول ثاني-، هل يخرجه عن كونه مبتدأ به أو لا؟ محل نزاع. إذاً: قوله: وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا، لاَ فِي الابْتِدَا بأن لم يسبقه شيء البتة، فحينئذٍ يصدق على هذه الصور الثلاثة: زيدٌ ظننتُ قائمٌ، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ ومتى ظننتَ زيدٌ قائمٌ، هذا ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله تعالى، ولذلك حمله على هذا في التوضيح ابن هشام أنه أدخل الصورة الثالثة بهذا، وبأن مراده بالابتداء أن لا يسبقه شيء البتة ولا حرف، فإن سبقه شيء حينئذٍ خرج عن كونه مبتدأً به وجاز فيه الإلغاء والإهمال، إلا أن الصورة الأخيرة هذه الإعمال أرجح من الإهمال. إذاً: وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا، يعني: لا في حال الابتداء، ولم يتعرض الناظم هنا للأرجح منها وقد ذكرناه، فإن جاء في لسان العرب ما ظاهره أنه يجب فيه الإعمال، وذلك فيما إذا ابتدئ بالفعل: ظننتُ زيداً قائماً، لو جاء في لسان العرب ما ظاهره الإهمال، حينئذٍ وجب التأويل، ولا نقول: ظننتُ زيدٌ قائمٌ يجوز فيه الوجهان الإلغاء وعدمه، نقول: لا، لابد من التأويل، خلافاً لمذهب الكوفيين المجوزين أنه يجوز عند التقدم يعني: الابتداء بالفعل الإلغاء والإعمال. ......................... ... وَانْوِ ضَمِيرَ الشَّأَنِ أَوْ لاَمَ ابْتِدَا .......................... فِي مُوهِمٍ إِلْغَاءَ مَا تَقَدَّمَا

وَانْوِ: يعني: قدر، فِي مُوهِمٍ: في لفظ أوهم، إلْغَاءَ مَا تَقَدَّمَا: من الأفعال ظننت زيداً قائماً، انْوِ ماذا؟ ضَمِيرَ الشَّأَنِ، فإذا جاء: ظننتُ زيدٌ قائمٌ، قُل: ظننتهُ زيدٌ قائمٌ، انو ضمير الشأن، حينئذٍ يكون ضمير الشأن هو المفعول الأول، وزيدٌ قائمٌ مبتدأ وخبر في محل نصب مفعول ثاني، إذاً: أُعمل أو لا؟ أُعمل، وما تُوهم أنه ليس بعامل هذا ملغي، لماذا؟ لأن العامل هنا تسلط على ضمير الشأن فنصبه على أنه مفعول أول، وما ظاهره الإلغاء زيدٌ قائمٌ، نقول: هذا الجملة في محل نصب مفعول ثاني لـ (ظنَّ). وَانْوِ ضَمِيرَ الشَّأَنِ أَوْ لاَمَ ابْتِدَا: يعني: قدر اللام لام الابتداء، ظننتُ زيدٌ قائمٌ، قل: هذا ليس بملغى؛ لأنه واجب الإعمال، تقدم العامل هنا، حينئذٍ إذا لم ننوِ ضمير الشأن نقول: ظننتُ لزيدٌ قائمٌ -هذا التقدير-، فلام الابتداء محذوفة، زيدٌ قائمٌ هذا جملة اسمية في محل نصب مفعولي ظن، إذاً: إذا جاء في لسان العرب ما ظاهره الإلغاء وقد تقدم العامل وجب التأويل. لنا صورتان: إما أن يكون المفعول الأول ضمير الشأن والجملة المذكورة المرفوعة الطرفين الجزأين في محل نصب مفعول ثاني، وإما أن نقدر لام الابتداء. وَانْوِ ضَمِيرَ الشَّأَنِ: ليكون هو المفعول الأول، فحينئذٍ الجزءان جملة في موضع المفعول الثاني، الجزءان في موضع نصب المفعول الثاني. أو انْوِ لاَمَ الابْتِدَاءِ، لاَمَ ابْتِدَا قصره للضرورة لتكون من باب التعليق، كما سيأتي في محله. فِي مُوهِمٍ: يعني: في تركيب موهم، متعلق بقوله: انْوِ، انْوِ فِي مُوهِمٍ في تركيب نقل من لسان العرب، إلغاء: هذا مفعول لموهم، إلْغَاءَ (مَا) أي: فعل تَقَدَّمَا الذي تقدم، تَقَدَّمَا الألف هذه الإطلاق، الذي تقدم يعني جاء في صورة الابتداء، لأنه قال لك أولاً وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا فلا يجوز فيه الإلغاء، لا يجوز الإلغاء في الابتداء، ظننت زيداً قائماً، فإن جاء ما ظاهره الإلغاء حينئذٍ انْوِ ضَمِيرَ الشَّأَنِ أَوْ لاَمَ ابْتِدَا: أَرْجُو وآمُلُ أنْ تَدْنو مَوَدَّتُها ... وما إخالُ لدَيْنا منْك تنويلُ هذا حجة الكوفيين في كون الفعل المتقدم يجوز إلغاؤه، الكوفيين لا تفصيل عندهم بين المسائل المذكورة، كل فعل قلبي يجوز إلغاؤه تقدم أم توسط أم تأخر، حينئذٍ نحن نستثني صورة واحدة وهي فيما إذا تقدم هذا محل النزاع، وأما التوسط والتأخر فلا إشكال، فإن جاء ما ظاهره الإلغاء أُوِّل.

قال: (وَمَا إخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ): هذا ظاهره الإلغاء، لأنه قال: إخَالُ تَنْوِيلُ هذا بالرفع، لَدَيْنَا مِنْكِ، يحتمل أن أحدهما هو المفعول الثاني، وتنويل، هذا لو كان معمولاً لإخَالُ، لو كان معمولاً لها لنصبه، فلما رفعه علمنا أنه قد أهمله ألغاه، وهنا هذه الصورة هل هي من صورة الابتداء أم التوسط أم التأخر؟ الابتداء، هذا ظاهرها، فـ إخَالُ لم يتقدم عليه شيء من معموليه، إذاً: مثل: ظننت زيداً قائماً فألغي فدل على أنه لا يجب الإعمال فيما إذا تقدم العامل، بل يجوز الإلغاء، وهذه حجة الكوفيين، البصريون يمنعون، يقولون: لا ثم تقدير، وما إخاله لدينا منك تنويل، وما إخاله أعملنا إخال في ضمير الشأن، وهو المفعول الأول، وجملة: لدينا منك تنويل في محل نصب مفعول ثاني، أو: وما إخال لَلَدينا منك تنويل، يعني: بإدخال لام الابتداء، أو نقول: الصورة الثالثة: وهي ما يجوز فيها الإلغاء إذا تقدم إخال شيء من الكلام مطلقاً، وَمَا هذه نافية، مثل: متى ظننتَ زيداً قائماً، إذاً: هذه الصورة مما يجوز فيه الإلغاء، فإذا ألغيت حينئذٍ لا نسأل عنها، وهذا توجيه حسن أيضاً، إذاً: (وَمَا إخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ، نقول: ما نافية فحينئذٍ يباح الإلغاء كما هو الشأن في الصورة الثالثة. إذاً: يُخَرَّج على واحد من هذه الأحوال الثلاثة، إما أن ننوي ضمير الشأن، وإما أن ننوي لام الابتداء، وإما إذا تقدمه شيء ولو نفي أو استفهام ونحو ذلك، قلنا: هذا مما يجوز فيه الإلغاء فهو ملغى. كذلك قول الشاعر: كَذَاكَ اُدِّبْتُ حَتَّى صَارَ مِنْ خُلُقِي ... أَنِّي وَجَدْتُ مِلاَكُ الشِّيْمَةِ الأَدَبُ هذا أظهر من السابق؛ لأنه لفظ بهما، أَنِّي وَجَدْتُ، وجدت، وجد تعدى إلى مفعولين، مِلاَكُ الشِّيْمَةِ الأَدَبُ، مبتدأ وخبر، دخلت عليه وجدت أين النصب؟ لم ينصب في الظاهر، وهو متقدم واجب النصب واجب الإعمال، ولا يجوز فيه الإلغاء، وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا، الكوفيون احتجوا بهذا على أنه لا يجب الإعمال فيما إذا تقدم العامل، البصريون يمنعون يقولون: لابد من التأويل على واحد من الأمور الثلاثة السابقة، أَنِّي وجدته مِلاَكُ الشِّيْمَةِ الأَدَبُ، مِلاَكُ مبتدأ والأَدَبُ خبر، والجملة في محل نصب مفعول ثاني، والمفعول الأول محذوف هو ضمير الشأن، وَانْوِ ضَمِيرَ الشَّأَنِ أَوْ لاَمَ ابْتِدَا: أني وجدت لملاك الشيمةِ الأدبُ، حينئذٍ نوينا لام الابتداء، وهي تمنع الفعل أن يعمل في اللفظ فيكون من باب التعليق، كذلك أَنِّي وَجَدْتُ هذا يدخل في الصورة الثالثة التي يباح فيها الإلغاء، إذاً: لا يحتج بهذا البيت على أنه يجوز الإلغاء فيما إذا تقدم العامل على المعمولين. وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ لاَ فِي الابْتِدَا، فإن كان في الابتداء حينئذٍ وجب الإعمال. ......................... ... وَانْوِ ضَمِيرَ الشَّأَنِ أَوْ لاَمَ ابْتِدَا .......................... فِي مُوهِمٍ إِلْغَاءَ مَا تَقَدَّمَا هذا ما يتعلق بالإلغاء.

إذاً: خلاصة الإلغاء نقول: حقيقته ترك العمل لفظاً ومحلاً، وهذا إنما يكون جائزاً لا واجباً، يعني: إذا وجدت سببه حكمه الجواز لا الوجوب، خلافاً للأخفش، وما سببه؟ سببه نقول: إما أن يتوسط العامل وإما أن يتأخر، إذا توسط العامل بين معموليه المفعول الأول والثاني، حينئذٍ نقول: جاز الإلغاء، وإذا تأخر عن مفعوليه -معموليه- جاز الإلغاء وجاز الإعمال، وفي حالة التوسط الإعمال أرجح من الإهمال، وفي حالة التأخر الإهمال أرجح من الإعمال، فحينئذٍ نقول: بقي صورة واحدة: وهي فيما إذا تقدم: ظننتُ زيداً قائماً، عند البصريين يجب فيه الإعمال ولا يجوز الإلغاء، فإن جاء في لسان العرب ما ظاهره الإلغاء وجب التأويل بواحد من أمور ثلاثة، إما أن ندعي أن المفعول الأول هو ضمير الشأن، والجملة الظاهرة المرفوعة هذه في محل نصب مفعول ثاني، أو ندعي أنه من باب التعليق بتقدير لام الابتداء داخلة وهي محذوفة، أو إذا تقدمه شيء: أَنِّي وَجَدْتُ، متى ظننت، حينئذٍ نقول: هذا ليس من باب الابتداء، بل مما يجوز فيه الإلغاء، والعامل المُلغَى لا يعمل لا في اللفظ ولا في المحل فوجوده وعدمه سواء، ولذلك إذا ألغي حينئذٍ تعرب الجملة على أنها لا محل لها من الإعراب: زيدٌ ظننتُ قائمٌ، ظننتُ فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب معترضة، لا اعتبار لها. ثم قال: .............................. ... والْتَزِمِ التَّعلِيقَ قَبْلَ نَفْيِ مَا كَذَا وَالاِسْتِفْهَامُ ذَا لَهُ انْحَتَمْ وَإِنْ وَلاَ لاَمُ ابْتِداءٍ أَوْ قَسَمْ التَّعلِيقَ قلنا: حقيقته ترك العمل في اللفظ لا في المحل، وحقيقته: أنه يحول بين العامل والمعمولين ما له صدر الكلام، -هذا هو ضابطه- أن يقع بين العامل والمعمولين ما له صدر الكلام، ومنه مثلاً لام الابتداء، تقول: ظننتُ لزيدٌ قائمٌ، نقول: أصل التركيب، ظننتُ زيداً قائماً –بالنصب-، دخلت لام الابتداء، فقيل: لزيدٌ قائمٌ، أبطلت العمل، أحالت بين العامل والمعمول، لماذا؟ لأن لها حق الصدارة في الكلام، يعني: لا يسبقها شيء، وما كان له حق الصدارة في الكلام لا يعمل ما قبله فيما بعده، حينئذٍ لا يتسلط ظننت على زيد، أي: هو عامل في الأصل، وهذه دخيلة، فحينئذٍ قالوا: يتوجه العمل إلى المحل لا إلى اللفظ، فإذا عطفت عليه حينئذٍ جاز لك الأمران: الرفع، باعتبار اللغو، والنصب باعتبار المحل، مثل ما ذكرناه في قول: لا رجل ظريفٌ ظريفاً، يجوز فيه الوجهان إما باعتبار اللفظ: ظريفا -وهذا التركيب-، أو ظريفٌ باعتبار لا ومدخولها، أو ظريفاً باعتبار المحل، والشاهد: ظريفاً، حينئذٍ إذا قلت: ظننتُ لزيدٌ قائمٌ وعمروٌ منطلقٌ وعمرواً منطلقاً، يجوز فيه الوجهان، وعمروٌ منطلقٌ باعتبار اللفظ، المعطوف على المرفوع مرفوع، وعمراً من أين جاء النصب؟ لابد من سؤال ولابد من جواب، وعمراً ما العامل فيه؟ وعمراً منطلقاً، نقول: هذا معطوف على المنصوب؟ أين المنصوب؟ في المحل، إذاً: دل هذا على أن (ظنَّ) لم تلغ كلياً، وإنما ألغي إعمالها في اللفظ فحسب، وأما المحل فهذا باقٍ على أصله أو على ظاهره.

والْتَزِمِ التَّعلِيقَ، والتُزمَ التعليقُ، والتَزمِ التعليقَ يجوز فيه الوجهان: والْتَزِمِ التَّعلِيقَ أولى؛ لأنه هو ظاهر كلام الناظم دائماً يأتي بهذا: والْتَزِمِ إذاً: وهو واجب ليس كالإلغاء، فالتعليق واجب، إذا وجد سببه، والإلغاء جائز إذا وجد سببه. والْتَزِمِ التَّعلِيقَ عن العمل في اللفظ: إذا وقع الفعل قبل شيء له الصدر، وما هو هذا الذي له الصدر؟ ذكر الناظم ستة أشياء فقط: (ما وإن ولا) النافيات، ثلاثة، و (لام الابتداء) أربعة، (لام القسم) خمسة، (الاستفهام)، هذه ستة أشياء إذا أحالت بين العامل والمعمول صار من باب التعليق، لمَ علق؟ لأن هذه لها صدر الكلام، لماذا؟ لأنه لا يعمل ما قبلها فيما بعدها، فلما أبطل عملها في اللفظ أرجع وأحيل إلى المحل. والْتَزِمِ التَّعلِيقَ قَبْلَ نَفْيِ مَا: (ما) النافية، ظننتُ ما زيدٌ قائمٌ، ظننتُ: فعل وفاعل، و (ما) نافية، زيدٌ قائمٌ: هذا نقول: من باب التعليق وليس من باب الإلغاء، فهو مبتدأ وخبر، تعربه، تقول: زيدٌ مبتدأٌ وقائمٌ خبر، والجملة في محل نصب مفعولي ظننتُ. ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) [الأنبياء:65]، ((هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ))، هَؤُلاءِ: مفعول أول في الأصل، ويَنطِقُونَ: الجملة في محل نصب مفعول ثاني، دخلت (ما) -وإن كان لا يظهر الإعراب؛ لأن هؤلاء مبني-، ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا)) مَا: هذه نافية، أحالت بين علِم والمفعولين، حينئذٍ نقول: ((عَلِمْتَ)) فعل وفاعل، مَا هذه نافية، ((هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ)) الجملة الاسمية في محل نصب مفعولي علم. إذاً: إذا تلا (ظنَّ) (ما) النافية صار من باب التعليق، و (إن) النافية كذلك، سواء كانت عاملة أو مهملة: ظننتُ إن زيدٌ قائمٌ، يعني: ما زيدٌ قائمٌ، حينئذٍ الإعراب كالإعراب السابق. وقدَّر بعضهم: أنها لا تكون معلِّقة إلا إذا كانت في جواب قسم: (إِنْ وَلاَ)، لكن الكثير على الإطلاق، قدرها ابن هشام هكذا في التوضيح، قال: (إِنْ وَلاَ) النافيتان، إنما تكونا معلِّقتين إذا كانتا في جواب قسم، لكن هذا الظاهر ليس بشديد. و (إِنْ) يعني: سواء كانت عاملة أو مهملة، و (لاَ) كذلك سواء كانت عاملة عمل ليس أو عمل (إنَّ) أو كانت مهملة مطلقاً، كل (لاَ) النافية عملت أو لا، عملت عمل ليس أو عمل (إنّ)، فهي مما لها حق الصدارة، فإذا تلت حينئذٍ (ظنَّ) وأخواتها نقول: هذا يعتبر من التعليق، ومثله: (إِنْ)، ((وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا)) [الإسراء:52]، (إِنْ) هذه نافية، بدليل الاستثناء بعدها: إلا، -كل (إِنْ) وقعت في مقابلها إلا فهي نافية-، حينئذٍ نقول: هذا من باب التعليق، لماذا؟ لإحالة (إِنْ) النافية بين العامل والمعمول. (وَإِنْ وَلاَ) النافيتين، قال ابن هشام: في جواب قسم ملفوظ به أو مقدر، لكن الكثير على أنه لا يشترط أن يكون في جواب قسم لا ملفوظاً ولا مقدم، تقول: ظننتُ إن زيدٌ قائمٌ ولا إشكال ليس فيه قسم، ظننتُ لا زيدٌ قائمٌ ولا عمروٌ، نقول: هذا ليس فيه قسم، علمت والله لا زيدٌ في الدار ولا عمروٌ هكذا قدرها لابد من قسم، وعلمتُ إن زيدٌ قائمٌ، الصواب: أنه لا يشترط أن يكون في جواب قسم.

لاَمُ ابْتِدَاءٍ أَوْ قَسَمْ أو لام قسم، لاَمُ بالرفع قَبْلَ نَفْيِ مَا، (مَا) هنا في محل جر مضاف إليه، إذاً: هي اسم. قال: لاَمُ ابْتِدَاءٍ -بالرفع-، لاَمُ ابْتِدَاءٍ كَذَا، لاَمُ: مبتدأ، خبره: كَذَا، وقسم هذا معطوف على لام ابتداء. أَوْ قَسَمْ يعني: أو لام قسم، لاَمُ ابْتِدَاءٍ: مبتدأ خبره: كذا، أي: كنفي (ما وإن ولا)، كَذَا أي: مثلُ نفي (ما وإن ولا) لام ابتداء، ظننتُ لزيدٌ قائمٌ، تقول: زيدٌ قائمٌ هذا عُلِّق عنه الفعل لدخول لام الابتداء عليه؛ لأن لام الابتداء لها حق الصدارة في الكلام، ((وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)) [البقرة:102]، (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ) اللام هذه لام الابتداء، أَوْ قَسَمْ: يعني: لام القسم: (وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتِى): نقول: اللام هذه لام القسم، لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتِى: الجملة في محل نصب مفعولي ظن، أَوْ قَسَمْ كَذَا قلنا: هذا خبر ابتداء لاَمُ. والاسْتِفْهَامُ ذَا لَهُ انْحَتَمْ: هذا هو السادس وهو الاستفهام، وهنا أطلق الاستفهام فيشمل الاستفهام بالحرف والاستفهام بالفعل، ويشمل الاستفهام فيما إذا كان فضلة أو كان عمدة مطلقاً -أطلق المصنف-. والاسْتِفْهَامُ ذَا لَهُ انْحَتَمْ، والاسْتِفْهَامُ مبتدأ أول، ذَا مبتدأ ثاني، انْحَتَمْ له، انْحَتَمْ يعني تحتم، هذا خبر المبتدأ الثاني والجملة من ذا وحتم له خبر المبتدأ الأول وهو الاستفهام. ذَا لَهُ انْحَتَمْ، بمعنى: لزم، سواء كان الاستفهام بالحرف نحو: ((وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ)) [الأنبياء:109]، (وَإِنْ أَدْرِي) درى عرفنا أنها من أفعال القلوب، ((وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ)) دخل حرف الاستفهام على قَرِيبٌ، ((أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ)) حينئذٍ نقول: الاستفهام هنا له حق الصدارة، فلا يعمل ما قبله فيما بعده، فوجب التعليق.

أم كان بالاسم: سواء كان الاسم مبتدأً، نحو: ((لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى)) [الكهف:12]، أَيُّ: مبتدأ وأَحْصَى: هذا خبر، قد يقول قائل: أين الاستفهام هذا مبتدأ وهذا خبر؟ نقول: قد يكون الاستفهام جزءاً عمدة هو الاسم نفسه، قد يكون زائداً على الجملة: ((وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ)) هذا دخيل داخل على الجملة حرف زائد، لا أقصد حرف زائد مثل (من) وكذا، وإنما دخيل على الجملة، وقد يكون هو جزءٌ من الجملة، يعني: عمدة مبتدأ أو خبر، فحينئذٍ: ((لِنَعْلَمَ أَيُّ)) أَيُّ: نقول: هذا مبتدأ: ((أَحْصَى)) خبر، التركيب هنا من التعليق، أين دخول الاستفهام لم يدخل أصلاً! نقول: كون الاستفهام مبتدأً يكفي في التعليق، ولا يشترط أن يكون خارجاً عن الجملة: ((لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى))، ((وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا)) [طه:71]، (أَيُّنَا أَشَدُّ) الكلام واحد، أم كان خبراً للاستفهام، نحو: علمتُ متى السفر، أين الخبر هنا؟ متى السفر: السفر متى، واجب التقديم أو جائز؟ واجب التقديم، إذاً: علمتُ متى السفرُ، نقول: هذه معلقة، لم نقل: متى السفرَ، معلقة لماذا؟ لكون الاستفهام أحال بين علِم ومعموليها، أين هو الاستفهام؟ وقع خبراً، ولذلك عمم النظام: (كَذَا والاسْتِفْهَامُ)، فيشمل ما إذا كان عمدة مبتدأً أو خبراً، وفيما إذا كان حرفاً أو اسماً، أم مضافاً إليه المبتدأ: علمتُ أبو مَنْ زيدٌ، (علمتُ أبو مَنْ)، عرفنا أن الاستفهام إذا أضيف إليه لفظ أخذ حكمه في وجوب الصدارة: (أبو مَنْ) أبو نقول: هنا واجب التصدير، فلا يجوز أن يعمل ما قبله فيه، لماذا وجب تصديره والأصل فيه أنه اسم صريح؟ نقول: لكونه أضيف إلى ما له حق الصدارة فاكتسب الحكم، إذاً: علمتُ أبو من؟ نقول: الاستفهام هنا وقع مضافاً إليه، أم فضلة: ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)) [الشعراء:227]، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ) أَيَّ هذا منصوب على المصدرية بما بعده، أي: ينقلبون منقلباً أيَّ انقلاب، فهو صفة لموصوف محذوف، وليس منصوباً بما قبله؛ لأن الاستفهام له الصدر، فلا يعمل فيه ما قبله. إذاً: قوله: والاستفهام أطلقه الناظم ليشمل كل المسائل التي ذكرناها، مطلق الاستفهام سواء كان حرفاً، كان اسماً كان عمدةً خبراً كان عمدةً مبتدأً، كان مضافاً إلى المبتدأ، كان فضلة، مادام أن الاستفهام موجود حينئذٍ يتعين التعليق. إذاً: هذه ستة أشياء توجب التعليق، إذا وجدت بعد الفعل الذي يتعدى إلى مفعوليه، حينئذٍ نقول: يجب أن يمنع منه في اللفظ ويتوجه العمل إلى المحل. والْتَزِمِ التَّعلِيقَ: عن العمل في اللفظ إذا وقع الفعل قبل شيء له الصدر، قَبْلَ نَفْيِ (مَا) النافية، و (إنْ) سواء كانت عاملة أو مهملة، و (لا) أيضاً مطلقاً لاَمُ ابْتِدَاءٍ أَوْ قَسَمْ: يعني: لام قسم، كَذَا أي: مثل، (إن وما ولا) في التعليق، والاسْتِفْهَامُ: هذا مبتدأ أول، ذَا: مبتدأ ثاني، يعني: الحكم، لَهُ للاستفهام انْحَتَمْ، هذا خبر الثاني.

قال ابن عقيل: أو لام القسم نحو: علمت ليقومن زيد، ولم يعدها أحد من النحويين من المعلِّقات، قال أبو حيان: ولم يذكرها أكثر أصحابنا، لا تعرف إلا عن ابن مالك، وإن أثبت السيوطي أنه قد قال بها بعضهم. إذا: ابن مالك هنا عَّد شيئاً جديداً، وهو قوله: (أَوْ قَسَمْ)، عد لام القسم من المعلِّقات. قال ابن عقيل: ولم يذكرها أحد من النحويين من المعلِّقات، قال أبو حيان: ولم يذكرها أكثر أصحابنا، زاد بعضهم (لعلَّ) من المعلِّقات، نحو: ((وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ)) [الأنبياء:111]، درى هنا بمعنى علم، و (لو) الشرطية، ومنه قول القائل: وقدْ علِمَ الأَقوامُ لَو أنَّ حاتماً ... أَرادَ ثراءَ المالِ كَانَ لهُ وفرُ لو أنَّ حاتماً علِمَ الأقوامُ، علِمَ: فعل، والأقوامُ: فاعل لو أنَّ حاتماً أرادَ، لو أن حاتماً أراد، أين المفعول الأول؟ (أنَّ) وما دخلت عليه سدت مسد المفعولين، لكن الاستشهاد بهذا بكون (لو) معلِّق هذا فيه إشكال. إذاً: قوله: ولم يعدها أحد من النحويين من المعلقات هذا فيه خلاف، أو الاستفهام قال: وله صور ثلاث: أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام مبتدأ أو خبر، نحو: علمتُ أيهم أبوك، وقع مبتدأ، علمت من أبوك، وقع خبراً. ثانياً: أن يكون مضافاً إلى اسم استفهام، علمتُ غلامُ أيِّهِم أبوك، عملتُ غلامَ من عندك. ثالثاً: أن تدخل عليه أداة استفهام، -حرف أو اسم-، أزيدٌ عندك أم عمروٌ؟ علمتُ هل زيدٌ قائمٌ أم عمروٌ، للاستفهام أو الاسم المستفهم به والمضاف إليه مما بعدهما ما لهما دون الأفعال المذكورة، يعني: ينظر في الاستفهام من حيث هو استفهام، وما قبله حينئذٍ لا يؤثر فيما بعده من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى فله تأثير، إذاً: تختص هذه الأفعال بالتعليق والإلغاء على ما ذكره الناظم رحمه الله تعالى. يزاد نوع ثالث من الاختصاص، وهذا أشرنا إليه فيما قبل عند قوله: خِلْتُنِي لِيَ اسْمٌ؛ أن المتصرف من الأفعال القلبية يجوز إعماله في ضميرين متصلين لمسمى واحد، أحدهما فاعل والآخر مفعولاً، ظننتُني خارجاً، خِلْتُنِي لِيَ اسْمٌ، التاء هنا فاعل، والياء مفعول أول، ومصدقهما واحد وهو المتكلم. لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنّ تُهَمَهْ ... تَعْدِيَةٌ لِوَاحِدٍ مُلْتَزَمَهْ أراد أن يبين ما ذكرناه سابقاً أن هذه الأفعال إنما تعمل إذا دلت على اليقين أو الرجحان، وقد تخرج بعضها إلى معانٍ أخرى، مما يخرج: علم عن معنى اليقين، تأتي بمعنى عرف، وظن تأتي بمعنى اتهم، عرفتُ زيداً، علمتُ زيداً .. عرفت زيداً.

إذاً: عرفتُ زيداً يتعدى إلى واحد، إذا جاءت علم بمعنى عرف حينئذٍ يتعدى إلى واحد، هل تكون من هذا الباب؟ الجواب: لا، لا تكون من هذا الباب، علمتُ زيداً، نقول: هذا يتعدى إلى واحد فقط، (ظنَّ) تتعدى إلى اثنين، وقد تأتي بمعنى اتهم، اللفظ هنا لا يراعى فحسب، إنما ينظر إلى معناه أيضاً، ظننت زيداً، قد يظن الظان ظننت زيداً قائماً، فحذف المفعول الثاني، لكن ظننتُ إذا كانت بمعنى اتهم، حينئذٍ تتعدى إلى واحد: اتهمتُ زيداً، ظننتُ زيداً. ذكرها من باب الاستطراد فحسب؛ لبين أنه إذا دخلت عليها همزة الاستفهام وتعدت إلى اثنين ليس للمفعولين حكم المفعولين الأصليين. لِعِلْمِ عِرْفَانٍ: مضاف ومضاف إليه، هذا خبر مقدم. وَظَنِّ تُهَمَه: أيضاً: مضاف ومضاف إليه، عِرْفَانٍ هذا مصدر عرف، وَظَنِّ تُهَمَه: تُهَمَه مصدر اتهم. عِلْمِ عِرْفَانٍ، عِلْمِ يدل على العرفان، فهو من إضافة الدال إلى المدلول. (ظَنِّ) تُهَمَه، (ظنَّ) يدل على التهمة، هذا من إضافة الدال إلى المدلول، والمراد: لعلم عرفان أي: لهذه المادة الدالة على العرفان بأي صيغة كانت، وكذا يقال فيما بعده. لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَهْ ... تَعْدِيَةٌ لِوَاحِدٍ مُلْتَزَمَهْ يعني: يجب أن يتعدى إلى واحد، تَعْدِيةٌ هذا مبتدأ مؤخر؛ لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَه: متعلق به، لِوَاحِدٍ: هذا متعلق بقوله: تَعْدِيةٌ، ومُلْتَزَمَهْ: هذا صفة لتعدية. تَعْدِيةٌ مُلْتَزَمَهْ، يعني: واجبة متحتمة. لِوَاحِدٍ: لمفعول واحد لا لاثنين، فليس كلما رأيت (علم وظن) فهو يتعدى لاثنين، لا، قد يتعدى إلى واحد، وإن لم يكن بمعنى السابق. لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَه: نقول: نبه على أنهما لا يتعديان إلى مفعولين أحياناً، إذا كانت علم بمعنى عرف، وظن بمعنى اتهم، مع أن الحكم عام في سائر الأفعال، أفعال القلوب، كما ذكرناه سابقاً، (خال) قد تتعدى إلى واحد وكذلك (درى ووجد) قد تتعدى إلى واحد كل الأفعال، قد تكون لازمة لا تتعدى، وقد تتعدى إلى واحد، لماذا نص على هذين الفعلين وترك البقية، مع أن الحكم عام في سائر الأفعال؟ لأن (علم وظن) الأصل -هي الأصل-، وما عداهما فهو محمول عليه، ولذلك نقول: وجد تأتي بمعنى علم، وحسب تأتي بمعنى ظن، هي أصل، حينئذٍ لها مراعاة من حيث الذكر وعدمه، وغيرهما ينصبان إذا كانا في معناهما، وأيضاً غيرهما عند عدم النصب يخرج عن القلبية غالباً، إذا لم تنصب: (درى وحسب) ونحو ذلك إذا لم تنصب حينئذٍ خرجت عن معنى القلب، هذا في الغالب، بخلاف (علم) إذا خرجت إلى المعرفة، المعرفة قلبية أيضاً ما زالت، والتهمة كذلك ما زلت قلبية، إذاً: كونها تتعدى إلى واحد لن يخرج عن معناها الأصل، وهو أنه فعل قلبي، ولذلك نص الناظم عليهما. الفرق بين العلم والمعرفة: قيل: بأن المعرفة هنا تتعلق بالذات -شخص واحد-، وأما العلم فيتعلق بالصفات المعاني، العلم يتعلق بصفات الذوات وأقسامها، والمعرفة تتعلق بالذوات.

قال الرضي: لا فرق بينهما في المعنى، يعني: بين العلم والمعرفة في المعنى، إذا كانت علم بمعنى عرف تعدت إلى مفعول واحد، كقوله: علمتُ زيداً عرفته عرفت زيداً، ومنه قوله تعالى: ((وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا)) [النحل:78]، يعني: لا تعرفون شيئاً، فالعلم هنا بمعنى المعرفة. وكذلك إذا كانت (ظنَّ) بمعنى اتهم تعدت إلى مفعول واحد، ظننتُ زيداً اتهمته، ((وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)) [التكوير:24]، ضَنِينٍ أي: بمتهم هو، وتقول لمن سرق ماله: وظننتُ زيداً، يعني: اتهمته، إذا سرق المال، ظننتُ زيداً، يعني: هو السارق اتهمته بالسرقة، ((وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)) أي: بمتهم، واسم المفعول منه: مظنون الظنين، وحينئذٍ إذا قيل: بأن علم بمعنى عرف تتعدى إلى مفعول واحد، وظن بمعنى اتهم تتعدى إلى مفعول واحد، هل هما من هذا الباب؟ ليس من هذا الباب، إذاً: ليست من التي تنصب مفعولين. وَلِرَأَى الرُّؤْيَا انْمِ مَا لِعَلِمَا ... طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ انْتَمَى وَلِرَأى الرُّؤيا: رأى التي مصدرها الرؤيا، احترازاً من رأى التي مصدرها رؤية بالتاء؛ لأنها تكون بصرية، وأما رأى التي مصدرها الرؤية فهي رأى الحُلُمية، -منام-، رأى شيئاً في المنام، هذه رأى تتعدى إلى مفعولين، مثل: علم ونحوه، وهذا سبق التنبيه عليه في أوله. وَلِرَأى الرُّؤيا يعني: التي مصدرها الرؤية، أضاف رأى للرؤية ليُعلم أنها الحلمية؛ لأن مصدرها الرؤية، في المشهور، وإلا ابن هشام يخالف في هذا. وَلِرَأى الرُّؤيا انْمِ: انْمِ يعني: انسب لِرَأى الرُّؤيا، مَا لِعَلِمَا: يعني: ما انتمى لعلم حال كونه: طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ: علم لها قبل وله بعد الآن في كلام الناظم، ذكرها أولاً تنصب مفعولين، وذكرها ثانياً: تنصب مفعولاً واحد، الذي هو: لِعِلْمِ عِرْفَانٍ، فلها إطلاقان: إطلاق تنصب مفعولين، وإطلاق تنصب مفعولاً واحداً، قال هنا:

انْمِ انسب، لِرَأى: التي مصدرها الرؤيا وهي حلمية، الذي انْتَمَى: انتسب لِعَلِمَا حال كونه: طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ، أي: قبل ذكر علم العرفانية، قبل: يعني: قبل ذكر علم العرفانية، وهي السابقة، لِعَلِمَا: نقول: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: انْتَمَى، طَالِبَ بالنصب حال من فاعل علم، طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ: أي: قبل ذكر علم العرفانية، وانْتَمَى، بمعنى: انتسب، أي -معنى البيت-: انسب لرأى التي مصدرها الرؤيا الذي انتسب لعلِم متعدية إلى مفعولين من الأحكام؛ ولذلك لأنها مثلها من حيث الإدراك بالحس الباطني، رأى الرؤيا حسٌ باطني، وعلم الاعتقادية اليقينية كذلك حسٌ باطني، هذا وجه المشابهة فحملت عليه، إذا كانت رأى حلمية بإسكان اللام ويتحرك بالضم، حُلُمية وحُلْمية التي للرؤيا في المنام تعدت إلى مفعولين كما تتعدى إليهما علِم، مذكورة مِنْ قَبْلُ، يعني: قبل علم العرفانية، ولذلك قال: طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ، هذا قيد به؛ لئلا يعتقد أنه أحال على علم العرفانية، ولهذا أشار بقوله: وَلِرَأى الرُّؤيا انْمِ: أي: انسب لرأى التي مصدرها الرؤيا، وليس مطلقاً، وإنما هو في المشهور الأكثر، احترازاً من رأى رؤية، حينئذٍ هذه بصرية لا تتعدى إلا إلى واحد. قال ابن هشام: ولا تختص الرؤيا بمصدر الحلمية، بل تقع مصدراً للبصرية، خلافاً للحريري وابن مالك؛ بدليل: ((وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)) [الإسراء:60]، قال ابن عباس: هي رؤيا عين، لكن الأكثر والأشهر أن رأى حلمية، مصدرها يطلق رؤيا، وأما الأشهر والأكثر في رأى البصرية فهو (رؤية) بالتاء، وتلك بالألف، ولا مانع من أن يأتي هذا مقام ذاك. انسب لرأى التي مصدرها الرؤيا ما نسب لعلم المتعدية إلى اثنين، فعبر عن الحلمية بما ذكر؛ لأن الرؤيا وإن كانت تقع مصدراً لغير رأى الحلمية، وهذا كلام جيد، فالمشهور كونها مصدراً لها، ومثال استعمال رأى الحلمية المتعدية لاثنين قوله تعالى: ((إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا)) [يوسف:36]، أَرَانِي: الرؤيا هذه حلمية، والياء هذه مفعول أول، وأَعْصِرُ خَمْرًا، الجملة هذه في مفعول ثاني. إذاً: تعدت إلى مفعولين، حملت على علم التي تتعدى إلى مفعولين، بجامع أن كلاً منهما إدراك باطني بحس الباطن. وَلاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَلِيلِ ... سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ لما كان الأصل في دخول هذه الأفعال على المبتدأ والخبر، والمبتدأ والخبر لهما أحكامٌ من حيث الحذف وعدمه، ومن حيث وجوب الحذف وعدم جواز الذكر .. إلى آخره، كان الأصل في هذا الباب أن يكون محمولاً على ما سبق، هذا هو الأصل، لكنه خالف في بعض المسائل. ولاَ تُجِزْ: لا ناهية، تُجِزْ، هذا مجزوم بها، هُنَا: يعني: في هذا الموضع في هذا المكان، بخلاف غيره، وإذا قيد ابن مالك في الباب حينئذٍ حمل عليه، وإذا أطلقه الأصل الإطلاق، كما قال: وَشَاعَ فِي ذَا البَابِ إسْقَاطُ الخَبَرْ هنا قال: ولاَ تُجِزْ هُنَا، أي: في هذا الباب.

إذاً: ثم مسألة هنا تخالف ما سبق، ولاَ تُجِزْ هُنَا، يعني: في هذا الباب بِلاَ دَلِيلِ سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ: لا تجز سقوط مفعولين، لا تقل: ظننتُ وتسكت، متى هذا؟ إذا لم يكن بلا دليل، مفهومه: إذا كان ثم دليل يعني: قرينة، حينئذٍ، هل زيدٌ قائمٌ؟ تقول: ظننتُ، يعني: ظننتُ زيداً قائماً، وقع في جواب السؤال، فجاز حينئذٍ حذف المبتدأ أو حذف المفعول الأول وخبره، بِلاَ دَلِيلِ: وهذا يسمى -الحذف إذا كان بلا دليل- يسمى اقتصاراً، وإذا كان بدليل يسمى اختصاراً، ففرق بين الاختصار والاقتصار، الاقتصار حذف بلا دليل، والاختصار حذف بدليل، ولاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَلِيلِ، يسمى اقتصاراً، يعني: الحذف بلا دليل يسمى اقتصاراً، بالاقتصار على نسبة الفعل إلى الفاعل بتنزيله منزلة اللازم في صورة حذف المفعولين، إذا حذفنا المفعولين ولم يجز- في الاقتصار الكلام في الاقتصا، إذا حذفنا المفعولين، تقول: ظننت، هنا نزلته مُنَزّلَة الفعل اللازم الذي لا يتعدى، وعلى أحد المفعولين، يعني: في صورة حذف أحد المفعولين، لتنزيله المتعدي إلى واحد، بصورة حذف أحدهما، إذا قلت: ظننتُ زيداً، شبهته بـ (ضربت زيداً) هذا فيه نوع اقتصار. وَلاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَلِيلِ ... سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ أما الثاني فبالإجماع: لاَ تُجِزْ بِلاَ دَلِيلِ سُقُوطَ مَفْعُولِ: الثاني هذا بالإجماع، يعني: بالاقتصار في حال الاقتصار؛ لأنه فرق بين الحالين، أما الثاني فبالإجماع لا يجوز، وفي الأول الذي هو سقوط المفعولين وهو حذفهما معاً اقتصاراً خلافٌ. إذاً: عندنا حالان: سقوط مفعولين أو مفعول، سواء كان الأول أو الثاني عندنا حالان. القسم الثاني: الذي هو سقوط المفعول هذا بالإجماع لا يجوز اقتصاراً، وفي الأول: سقوط المفعولين وحذفهما معاً اقتصاراً خلاف، فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقاً كما هو ظاهر إطلاق الناظم، عن سيبويه والأخفش المنع مطلقاً، يعني: سقوط المفعولين فيه خلاف، اقتصاراً بلا دليل، والناظم هنا قال: وَلاَ تُجِزْ سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ بِلاَ دَلِيلِ، إذاً: وافق سيبويه والأخفش، وعن الأكثرين الجواز مطلقاً. الجمهور أنه يجوز بلا دليل سقوط المفعولين، وعن الأكثرين الجواز ملطقاً، لقوله: ((أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى)) [النجم:35]، أي: يعلم، رأى علمية هنا، ما ذكر المفعول ولا المفعول الثاني، لا الأول ولا الثاني سقط المفعولان. وليس في التركيب ما يدل على تقدير هذين المفعولين، فدل على أنه يجوز حذف المفعولين اقتصاراً بلا دليل، ((وَظَنَنْتُمْ (ظنَّ) السَّوْءِ)) [الفتح:12]، أين المفعولان؟ محذوفان، ((ظَنَّ السَّوْءِ)) هذا مفعول مطلق، أين المفعولان؟ لا وجود لهما، هذا اختصار. إذاً: حذف مفعول واحد منهما اقتصاراً لا يجوز بالإجماع، وأما حذف المفعولين اقتصاراً ففيه خلاف، منعه سيبويه والأخفش، وظاهر كلام الناظم عليه، والجمهور على الجواز للآيتين المذكورتين.

وأما حذفهما لدليل ويسمى اختصاراً، فجائز إجماعاً -حذف المفعولين-، ولا تجز بلا دليل سقوط مفعولين، سقوط المفعولين بدليل جائز، مفهوم مخالفة، بلا دليل مفهومه أنه إذا كان بدليل، وسقط المفعولان جائز، وهذا محل إجماع: بِأَيِّ كِتَابٍ أَمْ بأَيَّةِ سُنَّةٍ ... تَرَى حُبَّهُمْ عَاراً عَلَىَّ وَتَحْسِبُ وَتَحْسِبُ، أين المفعولان؟ محذوفان، التقدير وتحسب حبهم عاراً علي. إذاً: حذف المفعولين بدلالة ما سبق عليه: ((أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) [القصص:62]، تزعمون ماذا أين هو؟ أين المفعولان؟ محذوفان، تزعمونهم شركائي. إذاً: حذف المفعولين اختصاراً جائز بالإجماع، وفي حذف أحدهما اختصاراً خلاف، هذا من أغرب الخلاف عند النحاة، وفي حذف أحدهما اختصاراً خلاف، فأجازه الجمهور ومنعه البعض. إذاً: الخلاصة نقول: يجوز بالإجماع حذف المفعولين اختصاراً، وأما حذفهما اقتصاراً فالأكثرون على الجواز، ومنعه سيبويه وظاهر النظم على ذلك. ويمتنع حذف أحدهما اقتصاراً بالإجماع، وأما اختصاراً ففيه خلاف أجازه الجمهور ومنعه البعض. قال: لا يجوز في هذا الباب سقوط المفعولين ولا سقوط أحدهما إلا إذا دل عليه دليل. مثال حذف المفعولين: هل ظننتَ زيداً قائماً، إذا وقع في سؤال، تقول: ظننتُ يعني: ظننتُ زيداً قائماً، والبيت الذي ذكرناه سابقاً والآية. ومثال حذف أحدهما للدلالة أن يقال: هل ظننتَ أحداً قائماً؟ ظننتُ زيداً، حذفت الثاني؛ لدلالة السؤال، أي: ظننتُ زيداً قائماً، تحذف الثاني للدلالة عليه: وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ ... ... مِنِّي: تَظُنِّي غَيْرَهُ واقعاً مني، حذف الثاني لدلالة المقام عليه. وهذا الذي ذكره المصنف هو الصحيح من مذاهب النحاة، فإن لم يدل دليل على الحذف لم يجز لا فيهما ولا في أحدهما، فلا تقل: ظننتُ، ظننتُ ماذا؟! ولا ظننتُ زيداً، ولا ظننتُ قائماً، تريد ظننتُ زيداً قائماً. وَكَتَظُنُّ اجْعَلْ تَقُولُ إِنْ وَلِي ... مُسْتَفْهَمَاً بِهِ وَلَمْ يَنْفَصِلِ القول -كما سبق معنا مراراً- هو وما اشتُق منه: (قال، يقول، قل)، يتعدى إلى مفعول وينصب مفعول، والأصل أن يكون جملة محكية: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30]، قَالَ: فعل ماض، ذكرناه عند قوله: قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، قلنا يتعدى إلى مفعول واحد، والغالب فيه أن يكون محكياً، -جملة محكية-: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ))، وحينئذٍ نقول: الأصل فيه أن الجملة تحكى كما هي، يعني: لا ننصبها؛ لأنه قال: قال محمدٌ عمروٌ منطلقٌ لا نقول: قال محمدٌ عمراً منطلقاً، فننصبهما على تسليط قال، لا، بل تحكى كما هي، وإن جوز بعضهم النصب، لكن المشهور أنها تحكى كما هي، إن كانت مبنية مبنية فعلية، وإن كانت اسمية فهي على الرفع.

ومفعوله إما مفرد وهو على نوعين: مفرد في معنى الجملة، قلتُ قصيدةً، قلتُ خطبةً، قلتُ كلمةً، يعني: محاضرةً مثلاً، فنقول: هذه كلها ألفاظ مفردات في اللفظ إلا أنها في المعنى جمل، هذا يُنصب مباشرة ليس كالجملة، الجملة تحكى: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ))، وأما قلتُ قصيدةً، بالنصب مفعول به، مثل: ضربتُ زيداً، نقول: قصيدةً مفعول به العامل فيه قال، لماذا؟ لأنه يتعدى إلى مفعول، ينصب مفعول، إما جملة وإما مفرد، والمفرد هذا ليس كل مفرد، لا تقل: قال زيداً، وإنما يكون في معنى الجملة، قلتُ قصيدةً. ومفرداً يراد به مجرد اللفظ: ((يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)) [الأنبياء:60]، إِبْرَاهِيمُ نقول: هذا يراد به اللفظ، يعني: الاسم يطلق عليه هذا الاسم، وزيد ثالث -وهذا أشبه ما يكون بالاصطلاح-: المفرد الذي مدلوله لفظ: قلتُ كلمةً، إذا كنت تلفظت بلفظ زيد مثلاً، ليس المراد كلمة محاضرة موعظة لا، قلتُ كلمةً، تلك هي في المعنى جُمل، وهذه لا المراد بها قلتُ كلمةً يعني: اسماً لفظ زيد واحد كلمة، زيد قال كلمة: يعني: نطق بكلمة واحدة، نقول: هذا شيء ثالث. إذاً: مفرد يراد به مجرد اللفظ، ومفرد في المعنى -في معنى الجملة-: قلتُ شعراً، خطبة إلى آخره، وزيد: مفردٌ مدلوله لفظ كما ذكرناه. إذاً: الجملة تحكى به فتكون في موضع مفعولٍ له، سواء لفظ بالجملة بأجزائها كلها أم لا؟ ((قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ)) [هود:69]، سَلامًا: هل نقول هذا كلمة واحدة منصوبة بـ (قال)، أم أنها جملة؟ جملة، لكنها لم تذكر كل الأجزاء، حينئذٍ الجملة كلها نقول في محل نصب، وليست سَلامًا فحسب، أسلم سلاماً كلها - ((قَالَ سَلامٌ): سَلامٌ عَلَيْكُمْ، الجملة كلها في محل نصب لقال، وقد يكون اللفظ (قال) يعامل معاملة ظن، يعني: يضمن معنى الظن، وإذا ضمن معنى الظن حينئذٍ تعدى إلى مفعولين، هذا يكون مثل: ظن، ظننتُ زيداً قائماً، أتقول زيداً قائماً؟ تعدى إلى مفعولين، لكن ليس له شروط ليس على إطلاقه. وَكتَظُنُّ اجْعلْ تَقُولُ: إذاً: خرج عن أصله، الأصل في لسان العرب المشهور: أن الجمل بعده تحكى، وأن المفردات على التفصيل السابق، فيقتضي مفعولا واحداً، -ينصب مفعول واحد-، وإذا جعل طالباً لمفعولين نقول: خرج عن الأصل. اجْعلْ تَقُولُ كتَظُنُّ: كتظن متعلق بقوله: اجْعلْ، واجعل هذا فعل أمر وتَقُولُ: هذا قصد لفظه فهو في محل نصب، اجعل تقول كتظن عملاً ومعنى، معنى من حيث تضمين، تقول معنى الظن، أتقول زيداً عالماً، يعني: أتظن من جهة المعنى، أو من جهة العمل أن تعمله مثلما تعمل ظن، فظن يتعدى إلى مفعولين إذا كان فعل مضارع كذلك تقول.

وَكتَظُنُّ عملاً، ومعنى اجْعلْ تَقُولُ: اجعل صيغته صيغة الأمر، لكن المراد به الجوار، ليس واجب، يعني: ما سيذكر من الشروط شروط للجواز لا للوجوب، إذاً: اجْعلْ هذا ليس على ظاهره، بل هو مصروفٌ، اجْعلْ تَقُولُ، تقول هذا فعل مضارع، -هذا أول شرط-، ابن مالك يذكر الأمثلة ونأخذ منها الشرط، تَقُولُ: هذا فعل مضارع، مبدوء بتاء الخطاب،- هذان شرطان-، إنْ وَلِي مُسْتَفْهَماً: -شرط ثالث-، وَلَمْ يَنْفَصِلِ بِغَيرِ ظرفٍ: -شرط رابع-، أربعة شروط، إن وجدت جاز أن ينصب هذا اللفظ مفعولين كتظن، إن انتفت كلها أو بعضها، لا يجوز أن ينصب به مفعولان إلا في لغة سليم كما سيأتي. إذاً: تَقُولُ، نقول: هذا مضارع مبدوء بتاء الخطاب، فإن قال: أيقول زيدٌ عالمٌ، وجب الرفع ولا يجوز النصب؛ لأن شرطه أن يكون بتاء الخطاب، تقول: زيداً منطلقاً، نقول: هذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه لم يسبقه استفهام. وَكتَظُنُّ اجْعلْ تَقُولُ: سوَّى به السِّيرافي قلتَ بالخطاب، وهو ضعيف، وسوَّى به الكوفي قل، وهو أمر، تقول: هذا كذلك ضعيف. إنْ وَلِي تَقُولُ مُسْتَفْهَماً بِهِ من حرف أو اسم كما سيأتي. وَلَمْ يَنْفَصِلِ عنه بِغَيرِ ظرفٍ، فإن فُصل بظرف لا إشكال، أوْ كَظَرْفٍ وهو الجار والمجرور، أوْ عَمَلْ، يعني: معمول لتقول، إن انفصل بين الاستفهام وبين تقول بواحد من هذه الثلاثة، حينئذٍ نقول: هو باق على أصله من كونه ينصب مفعولين، إن انفصل بغير هذه الثلاث، حينئذٍ نقول: خرج عن الإعمال. بِغَيرِ ظرفٍ: أَبَعْدَ بُعْدٍ تَقُولُ الدَّارَ جَامِعَةً: أبعد بعدٍ، بعد بعدٍ هذا ظرف، تَقُولُ الدَّارَ جَامِعَةً، أتقول الدار جامعة؟ تقول هنا نصب لأنه فعل مضارع، وبتاء الخطاب، وسبقه استفهام ولم يفصله شيء بينه وبين الاستفهام وهو بمعنى ظن، فتعدى إلى مفعولين، تقول: تقولُ زيداً عالماً، مفعول أول ومفعول ثاني، إذا قلت: أبعدَ بعدٍ تقولُ زيداً عالماً، فصل بين الاستفهام وتقول ظرف، هل يمنعه؟ لا؛ لأنه يتوسع في الظروف والمجرورات ما لا يتوسع في غيرهما. أعندكَ تقولُ عمراً مقيماً؟ فصل بالظرف الصريح، أفي الدار تقول زيداً جالساً، جار ومجرور جائز. (أَجُهَّالاً تَقُولُ بَنِي لُؤَىٍّ)؟ - أَوْ عَمَلْ- المراد بالعمل هنا المعمول لتقوم، يعني: بالمفعول الأول أو بالثاني لا بأس، (أَجُهَّالاً تَقُولُ بَنِي لُؤَىٍّ)؟ أَتَقُولُ: بَنِي لُؤَىٍّ جُهَّالاً؟ فصل بالمعمول الثاني هذا جائز لا يمنعه. إذاً: وَلَمْ يَنْفَصِلِ .. بِغَيْرِ هذه المذكورات، فإن فصل بغير هذه المذكورات نقول: لا يعمل، ولذلك قال: وَلَمْ يَنْفَصِلِ عنه، يعني: عن الاستفهام بِغَيْرِ ظَرْفٍ، فإن فصل بالظرف فهو باق على أصله، أوْ كَظَرْفٍ وهو الجار والمجرور، أفي الدار تقول زيداً جالساً، أوْ عَمَلْ، يعني: معمول والمراد به ما يعم المفعولين معاً، أي: عمل أحد المفعولين؛ لأنه بمعنى معمول وفي تذكير عمل إشعار بأنه لا يفصل إلا بأحد المفعولين لا بهما معاً؛ لأن التنكير يشعر بالتقليل.

وَإنْ بِبعْضٍ ذِي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ: هذا قال المكودي: تصريح بما فهم من الشطر الذي قبله، يعني: هل في فائدة في قوله: وَإنْ بِبعْضٍ ذِي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ؟ لأنه قال: .... وَلَمْ يَنْفَصِلِ ...... بِغَيْرِ ظَرْفٍ أوْ كَظَرْفٍ أوْ عَمَلْ: مفهومه أنه لو فصل بواحد من هذه الثلاث يمنع، إذاً: ما الفائدة من قوله: وَإنْ بِبعْضٍ ذِي فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ؟ تصريح بالمفهوم السابق، حينئذٍ لا وجه لهذا الشطر؛ لأنه مأخوذ من قوله: .... وَلَمْ يَنْفَصِلِ ...... بِغَيْرِ ظَرْفٍ ...... : وهنا مفهوم مخالفة، فإن فصل بواحدة من هذه، حينئذٍ نقول: لا يعمل، قد يقال فيه فائدة، وهذا هو الظاهر. ..... وَلَمْ يَنْفَصِلِ ........ بِغَيْرِ ظَرْفٍ أوْ كَظَرْفٍ أوْ عَمَلْ: يحتمل أنه لو فصل بها كلها جاز، وليس الأمر كذلك، يعني: لو قيل مثلاً: أعندك في الدار عمراً؟ تقول: جالساً، فصل بالجميع، يجوز أو لا يجوز؟ عند الناظم لا يجوز، لذلك في البيت الشطر الثاني فيه فائدة: تنصيص على أنه الفصل يكون بالبعض لا بالكل. وَإنْ بِبعْضٍ ذِي: لا بكلها، فإن فصل بكلها فالمنع عند سيبويه وظاهر كلام الناظم عليه، إذاً: فيه فائدة خلافاً لما ذكره المكودي. وَإنْ بِبعْضٍ: يعني: لا بالكل، أعندك؟ هذا ظرف، في الدار ظرف، جار ومجرور .. عمراً هذا مفعول أول، تقول: جالساً، نقول هنا على كلام الناظم: ما يصح النصب، بل تقول: أعندك في الدار عمروٌ تقولُ جالسٌ، لا يصح النصب، نصب وسيبويه على المنع. وَإنْ بِبعْضٍ ذِي -المذكورات الثلاث المتقدمة- فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ، بمعنى يغتفر، يعني: اغتفر، يحتمل بمعنى يغتفر وزناً ومعنى. قال ابن عقيل: القول شأنه إذا وقعت بعده جملة أن تحكى هذا هو الأصل فيه، تحكى كما هي، إن كانت مرفوعة فهي مرفوعة: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] كما هي، قال زيدٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ قال زيدٌ عمروٌ منطلق، أين المحكي هنا؟ عمروٌ منطلق، أما زيد هذا فاعل، وتقول زيدٌ منطلقٌ، لكن الجملة بعده في موضع نصب على المفعولية، وقد ينصب مفرداً كما ذكرناه سابقاً. ويجوز إجراؤه مجرى الظن، فينصب المبتدأ والخبر مفعولين كما تنصبهما ظن. والمشهور أن للعرب في ذلك مذهبين: أحدهما: وهو مذهب عامة العرب أنه لا يجرى القول مجرى الظن إلا بشروط أربعة ذكرها الناظم فيما سبق. فمثال ما اجتمعت فيه الشروط قولك: أتقول عمراً منطلقاً، الهمزة للاستفهام، وتقول: هذا بمعنى ظن، وسبقه استفهام، وهو فعل مضارع وذو خطاب ولم ينفصل بشيء بينه وبين الاستفهام، فـ (عمراً) مفعول أول، ومنطلقاً مفعول ثاني، وهذه شروط للجواز لا للوجوب -تنبه-، فيصح أن تقول: أتقول عمروٌ منطلق -مع استيفاء الشروط-، فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين رفع الجزأين على الحكاية، نحو: قال زيدٌ عمروٌ منطلقٌ، ويقول: زيدٌ عمروٌ منطلقٌ وأنت تقولُ زيدٌ منطلقٌ، وأأنت تقولُ زيدٌ منطلقٌ، أأنت تقول: زيدٌ منطلقٌ، هذا فصل بأجنبي .. أأنت تقولُ زيدٌ منطلقٌ جاء بعد همزة استفهام، فهو مبتدأ والجملة خبر، تقول: زيدٌ منطلقٌ إذاً فصل بغير المعمول.

زاد السهيلي شرطاً آخر خامساً: وهو أن لا يتعدى باللام، فإن تعدى باللام حينئذٍ بطل عمله، نحو: أتقول لزيدٍ عمروٌ منطلقٌ، وزاد في التسهيل أن يكون حاضراً لا مستقبلاً، أن يكون الزمن فيه حاضراً، أما إذا كان في زمن المستقبل لا يمنع، وفي شرحه أن يكون مقصوداً به الحال، وهذا كله في غير لغة سُليم. فإن كان الفعل غير مضارع، وهذا ذكر فيه الاحترازات. وَأُجْرِيَ القَوْلُ كَظَنٍّ مُطْلَقَا ... عِنْدَ سُلَيْمٍ نَحْوُ قُلْ ذَا مُشْفِقَا سُلَيْمٍ في لغتهم أُجْرِيَ القَوْلُ كَظَنٍّ مُطْلَقَا بلا شرط ولا قيد، يعني: ينصب مفعولين بمعنى (ظنَّ) بدون أن يشترط فيه واحد من الشروط الأربعة السابقة، وهذا سهل، تقول: زيداً منطلقاً، قل: زيداً منطلقاً، أنت تقول هو يقول: زيداً منطلقاً، قل ما شئت، فينصب مفعولين اثنين. وَأُجْرِيَ القَوْلُ: القَوْلُ هذا نائب فاعل، كَظَنٍّ: هذا حال من القول، مُطْلَقَا: حال ثانية، حالٌ بعد حال، يعني: بدون شرط، مطلقاً هنا مقابل لما سبق. (وَكتَظُنُّ اجْعلْ تَقُولُ إنْ وَلِي ... مُسْتَفْهَماً): هذا مقيد، ودائماً إذا جاء لفظ (مطلقاً) تبحث عما قبله وعما بعده، هل ثم قيد، لأن وحده ما يكفي، إذا قيل: مطلقاً، ما مطلقاً هذا! لابد من شيء مفسِّر، يعني: مطلقاً عن القيد والشرط، لابد أن يكون شيءٌ ذكر فيه شرط سابق أو لاحق، فإذا لم يكن لم يصح اللفظ من أصله. وَأُجْرِيَ القَوْلُ كَظَنٍّ: أجري القول وما تصرف منه، كَظَنٍّ: يعني: من جهة المعنى والعمل، مُطْلَقَا: بدون شرط أو قيد، عِنْدَ سُلَيْمٍ: هذا متعلق بأُجْرِيَ، نَحْوُ قُلْ ذَا مُشْفِقَا: ذَا مُشْفِقَ ما إعرابه؟ ذَا مفعول أول مبني لأنه اسم إشارة، ومُشْفِقَا، هذا مفعول ثاني، لو لم يرد مشفقاً يحتمل أنه منصوب الاثنين أو لا، وهذا على جهة الجواز؛ لأن الرفع على الحكاية عندهم جائز. قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُلاً فَطِينَا ... هَذَا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرَائِينَا هَذَا مفعول أول لـ: قالت، وإِسْرَائِينَا مفعول ثاني. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

44

عناصر الدرس * شرح الترجمة (أعلم وأرى) ـ * تعدي (رأى وعلم) إلى ثلاثة مفاعيل وحكم المفاعيل * تعدي (راى وعلم) إلى مفعولين وحكمهما * تعداد بقية الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل * شرح الترجمة (الفاعل) وحده وحكمه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: أعْلَمَ وَأَرَى: إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا ... عَدَّوْا إِذَا صَارَا أَرَى وَأَعْلَمَا لازال الحديث فيما يتعلق بعلم وما تفرع عنها، نص فيما سبق أن علم تأتي متعدية لمفعولين؛ وذلك إذا كانت اعتقادية أو استعملت بمعنى الظن، وقد تأتي بمعنى العرفان، حينئذٍ تتعدى إلى مفعول واحد. في هذا الباب أراد أن يبين أن علم التي تتعدى إلى مفعولين قد تدخل عليها همزة النقل، وحينئذٍ تصيرها ناصبة لثلاثة مفاعيل، وهذا شأن همزة النقل؛ همزة النقل يعني: تنقل الفعل من كونه لازماً إلى كونه متعدياً، يكون الفعل لازم: خرج زيد هذا لا يتعدى بنفسه، يعني: لا ينصب مفعولاً بنفسه مباشرة، حينئذٍ إذا قلت: أخرجت زيداً أدخلت همزة النقل: أخرجت، الهمزة هذه زائدة، خرج وأخرج فرق بينهما، خرج هذا لازم وأخرج هذا متعدي، ولكن تعديه بهمزة النقل، وليست منحصرة فيها؛ لأنه قد يُضعَّف، تقول: خرَّجتُ زيداً، إذاً تعدى بالهمزة وتعدى بالتضعيف، والمراد هنا التعدي بالهمزة، حينئذٍ همزة النقل تجعل اللازم متعدياً إلى واحد؛ تنقله من كونه لازماً إلى متعدٍ لواحد. ثم إذا كان متعدياً إلى واحد تجعله متعدياً إلى اثنين: لبس زيد جبة، لبس: فعل ماض، وزيد: فاعل، وجبة: هذا مفعول به، إذاً: تعدى هذا إلى واحد، إذا دخلت عليه الهمزة: ألبست زيداً جبة، ما الذي صير الفعل ونقله من كونه متعدياً إلى واحد إلى أن صار ناصباً لمفعولين؟ هو همزة النقل، ثم ما كان متعدياً إلى اثنين ودخلت عليه همزة النقل صيرته ناصباً لثلاثة مفاعيل، وهو أعلم وأرى، حينئذٍ أعلم وأرى -أرى الحُلُمية هنا- تنصب مفعولين إذا دخلت عليها الهمزة، حينئذٍ صيرتها ناصبة لثلاثة مفاعيل، وكذلك علم العرفانية سيأتي أنها تتعدى إلى اثنين. أعْلَمَ وَأَرَى أي: هذا باب ذكر ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل وهو أعلم وأرى، الأصل علم ورأى، ومن الصيغة تعلم أن التعدي هنا حصل بالهمز؛ لأنه هناك ذكر علم، وذكر رأى: وَلِرَأَى الرُّؤْيَا، إذاً: هي مجردة عن الهمزة، وهنا عنون بما هو مشتمل على الهمزة، فتعلم أن التعدي إنما حصل بهمزة النقل، هذا واضح من الترجمة والعنوان. إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا: رأى أو أرى، أرى أصلها (أَرْأَيَا) تحركت الياء يعني: بالفتحة أرأيا، حينئذٍ نقول: فتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، ثم أريد التخفيف بحذف الهمزة وألقيت حركتها لما قبل فحذفت فصار أرى، فأرى أصلها: أرأيا، قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الهمزة بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها، وأما أعلم فهي كما هي.

إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا: قال في الترجمة: أعْلَمَ وَأَرَى، ولما ذكر: إِلَى ثَلاَثَةٍ، قال: (رَأَى وَعَلِمَا)، قدم رأى على علم، هل هذا مقصود أم أنه هكذا اتفاقاً؟ في بعض النسخ الترجمة: (أَرَى وَأعْلَمَ)، حينئذٍ لا خلاف، رجحها بعضهم بناءً على ما ذكره في البيت: (إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا)، إذاً: النسخة التي فيها الترجمة: تقديم أرى على أعلم لا إشكال فيها، وأما هذه: (أعلم وأرى) ثم قال: (إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا)، حينئذٍ نقول: لعله من باب الاتفاق فحسب، يعني: ليس مقصوداً، إلا إذا جُعل أن الأصل في الترجمة أعلم وحملت عليها رأى كما سبق، وهي: وَلِرَأَى الرُّؤْيَا انْمِ مَا لِعَلِمَا ... طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ. إذاً: ألحقت رأى الحلمية بعلم لجامع أن كلاً منهما إدراك أو حسن باطن، إذاً: حملت رأى التي بمعنى الرؤيا على علِم بجامع، حينئذٍ أيهما أصل وأيهما فرع؟ أعلم -صارت علم بدون همز- علم نقول: هذه أصل، ورأى الحلمية هذه فرع، حينئذٍ قدم الأصل على الفرع. ثم قال: إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا: لم يجعل ثم فارقاً بين اللفظين. عَدّوْا إِذَا صَارَا أَرَى وَأَعْلَمَا: عَدّوْا إِلَى ثَلاَثَةٍ، إِلَى ثَلاَثَةٍ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: عَدّوْا، من الذي عدَّى؟ العرب، نطقت بها متعدية بهذا اللفظ إلى ثلاثة مفاعيل، أو النحاة حكموا بصحة تعدية هذه الأفعال إلى ثلاثة مفاعيل، فيجوز في مثل هذه التراكيب أن يفسر الضمير بالنحاة أو بالعرب، إلا إذا لم يصلح أن يفسر به النحاة حينئذٍ يحمل على العرب، كما سبق: وَاسْتَعْمَلُوا مُضَارِعاً لأَوْشَكَا، ليس النحاة هم الذين استعملوا؛ لأن الاستعمال صفة للناطق الأصلي، حينئذٍ يتعين أن يقال: اسْتَعْمَلُوا يعني العرب ولا يفسر بالنحاة، أما حكموا ورفعوا ونحو ذلك، فيجوز فيه الوجهان. عَدّوْا: أي العرب أو النحاة، عَدّوْا رَأَى وَعَلِمَا، هذا مفعول مقدم، المتعديين إلى مفعولين؛ وذلك علم إذا كانت بمعنى اليقين أو الظن لا علم العرفانية، وهذا هو الأصل فيها، ورأى إذا كانت حلمية، العرب عدت هذه المفاعيل إلى ثلاثة، متى؟ إِذَا صَارَا -إذا دخلت عليهما همزة النقل وصارا- أَرَى وَأَعْلَمَا، إذاً: رأى وعلم هما الأصل، تدخل عليهما همزة النقل، حينئذٍ تصير الفعلين يتعديان إلى ثلاثة مفاعيل، حينئذٍ المفعول الأول هو الفاعل، والمفعول الثاني والثالث هما مفعولا علم الأصل -هذا الأصل-، علمت زيداً قائماً، زيداً قائماً مفعولا علم، إذا أدخلت عليه همزة، قلت: أعلمتُ-مثلاً- محمداً زيداً قائماً، أعلمتُ هذا لابد أن تسندها إلى فاعل وهو المتكلم، الفاعل الذي هو: علم زيدٌ بكراً قائماً، علم: فعل ماضي وزيدٌ: فاعله، وبكراً: مفعول أول، وقائماً: مفعول ثاني، إذا قلت: أعلمت زيداً بكراً قائماً، حينئذٍ علم زيد –الفاعل- نصب على أنه مفعول أول، وبكراً المفعول الأول في علم صار مفعولاً ثانياً في باب أعلم، وقائماً صار هو المفعول الثالث.

إذاً: تعدى إلى ثلاثة أصل الأول هو الفاعل، والثاني والثالث هما مفعولا علم، حينئذٍ كل ما تعلق بباب علم ومفعوليه يكون للثاني والثالث دون الأول، يعني: الإلغاء السابق والتعليق ونحو ذلك من حيث الحذف -جوازه اختصاراً واقتصاراً حذف أحد المفعولين أو هما معاً- كل تلك الأحكام تتعلق بالثاني والثالث دون الأول، لماذا؟ لأن الثاني والثالث هما مفعولا علم في الأصل، هما المبتدأ والخبر، وهذه الجملة كأصلها أعلم تدخل على جملة المبتدأ والخبر، فحينئذٍ يبقى الحكم مستصحباً حتى بعد دخول الهمزة، وأما الأول فهذا لا، هذا صار عمدة، صار مفعولاً أول، قبل دخول همزة النقل هو فاعل، فحينئذٍ لا يتعلق به لا إلغاء ولا تعليق ولا حذف -لا حذف اقتصاراً ولا اختصاراً- ولا غير ذلك، وإنما الحكم يكون منصباً على المفعول الثاني والثالث. إِلَى ثَلاَثَةٍ رَأَى وَعَلِمَا ... عَدَّوْا إِذَا صَارَا أَرَى وَأَعْلَمَا أشار بهذا الفصل إلى ما يتعدى من أفعال إلى ثلاثة مفاعيل، فذكر سبعة أفعال، الأصل فيها (أعلم وأرى)، وأما ما عداها فهي محمولة عليها، وإلا الأصل هو فعلان، بعضهم اختصر أو اقتصر على هذين الفعلين، وما عداهما محمولة بالقياس؛ لأنه سيأتي أنها ما عديت إلا باستعمالها بصيغة المبني للمجهول. أعْلَمَ وَأَرَى فذكر أن أصلهما علم ورأى، وأنهما بالهمزة يتعديان إلى ثلاثة مفاعيل؛ لأنهما قبل دخول الهمزة عليهما كانا يتعديان إلى مفعولين: علم زيدٌ عمراً منطلقاً، ورأى خالدٌ بكراً أخاك، فلما دخلت عليهما همزة النقل زادتهما مفعولاً ثالثاً، هذا المفعول الأول هو الفاعل، هو الذي كان فاعلاً بهما قبل دخول الهمزة, والثاني والثالث هما اللذان كانا منصوبين بهما وهما المبتدأ والخبر، فإذا دخلت عليهما الهمزة، قلت: أعلمتُ زيداً عمرواً منطلقاً، وأريت خالداً بكراً أخاك، وهذا هو شأن الهمزة؛ أنها تصير ما كان فاعلاً مفعولا، وما كان لازماً متعدياً، وما كان متعدياً إلى واحد متعدياً لاثنين، وما كان متعدياً إلى اثنين صار متعدياً إلى ثلاثة. وَمَا لِمَفْعُولَيْ عَلِمْتُ مُطْلَقَا ... لِلثَّانِ وَالثَّالِثِ أَيْضاً حُقِّقَا

يعني: إذا صارت أمامك ثلاثة مفاعيل قد يلتبس، أيي المفاعيل هذه التي يتعلق بها التعليق والإلغاء والحذف ونحو ذلك، كل ما سبق من أحكام علم؟ نقول: الثاني والثالث، لماذا؟ لأن الأول أصله فاعل؛ لدخول همزة النقل نصب على أنه المفعول الأول، والمفعول الأول في باب علم هو الثاني في باب أعلم، والمفعول الثاني في باب علم هو المفعول الثالث في باب أعلم، حينئذٍ يتعلق الحكم بالثاني والثالث دون الأول، ولذلك قال: (ومَا)، يعني والذي -هذا مبتدأ،- (حُقِّقَا) هذا خبره، وما ثبت أو حقق لمفعولي -هذا صلة متعلق بمحذوف-، والذي لمفعولي، والذي ثبت لمفعولي علمتُ بدون همزة نقل، مُطْلَقَا: بدون استثناء الأحكام السابقة، لِلثَّانِ وَالثَّالِثِ من مفاعيل أعلمَ وأرى أيْضاً حُقِّقَا، فيجوز حينئذٍ حذفهما معاً اختصاراً إجماعاً، هذا في الثاني والثالث، يجوز حذفهما معاً اختصاراً إجماعاً، وفي حذف أحدهما اختصاراً ما سبق من الخلاف، ويمتنع حذف أحدهما اقتصاراً إجماعاً، وفي حذفهما معاً اقتصاراً الخلف السابق، ويجوز إلغاء العامل بالنسبة إليهما فقط دون الأول، ولذلك تقول: عمروٌ أعلمتُ زيداً قائمٌ، ما حكمه هنا؟ عمروٌ أعلمتُ زيداً قائمٌ، هذا ماذا نسميه؟ إلغاء، ما الدليل؟ الرفع؛ لأنه لو بقي كما هو لقلت: عمراً أعلمتُ زيداً قائماً، لكن لما رفعت الأول (عمروٌ) لتوسط العامل، و (قائمٌ) خبره تعين أعلمتُ أن يكون متعدياً لواحد، فنُصب الأول على أصله، ثم الثاني والثالث ارتفع رجع إلى ما كان عليه، ولذلك لم يرفع زيداً، أعلمتُ زيداً؛ لأنه ليس مفعول أول ولا ثاني، والتعليق والإلغاء إنما يكون للثاني والثالث، أما الأول زيداً بقي كما هو منصوب: عمروٌ أعلمتُ زيداً قائمٌ، حصل إلغاء هنا بالتوسط، لماذا نصب زيداً والأصل ألا تعمل أعلمت في اللفظ؟ نقول: لأن زيداً هذا ليس هو المفعول الثاني، ولا الثالث، وإنما هو مفعولٌ زِيدَ بدخول همزة النقل على علِم، عمروٌ أعلمتُ زيداً قائمٌ. ويجوز التعليق عنهما فتقول: أعلمت زيداً لعمروٌ قائم، يعني: الذي سبق معنا من المواضع الستة التي تكون معلِّقة للفعل، إنما توجد فاصلة بين (أعلم) وبين المفعول الثاني، أعلمت زيداً لعمروٌ قائمٌ، دخلت لام الابتداء، وهي مما له الصدر، وحينئذٍ وجب التعليق، وكان التعليق هنا حاصلاً للمبتدأ والأول. إذاً: وَمَا لِمَفْعُولَيْ عَلِمْتُ مُطْلَقَا ... لِلثَّانِ وَالثَّالِثِ أَيْضَاً حُقِّقَا ومَا يعني: والذي ثبت. لِمَفْعُولَيْ عَلِمْتُ مُطْلَقَا: مُطْلَقَا هذا حال من الضمير المستتر في المجرور العائد على (مَا) لِمَفْعُولَيْ.

لِلثَّانِ وَالثَّالِثِ من مفاعيل أعلم ورأى، وأما المفعول الأول فلا يجوز فيه تعليق الفعل عنه، لا يعلق عنه، فلا يقال: أعلمت لزيدٌ عمروٌ منطلقٌ، هذا لا يصح، لماذا؟ لأنك علقت المفعول الأول والتعليق إنما هو خاص بالمفعول الثاني والثالث، فيبقى المفعول الأول على حاله، وإذا أردت التعليق تدخل الحرف أو الاسم المعلِّق بعد المفعول الأول، حينئذٍ يختص بالمفعول الثاني والثالث، وأما الأول فيبقى على حاله منصوباً، ولذلك في المثال السابق ما ذكره الشارح أنه أدخل لام الابتداء على المفعول الثاني، أعلمت زيداً لعمروٌ منطلقٌ، أما أعلمتُ لزيدٌ عمروٌ منطلقٌ نقول: هذا لا يصح، بل يبقى الأول على حاله، أعملتُ زيداً لعمروٌ قائمٌ، ومثال حذفهما للدلالة أن يقال: هل أعلمتَ أحداً عمراً قائماً؟ تقول: أعلمتُ زيداً، هذا وقع في جواب سؤال، وحذف المفعول الثاني والثالث معاً. ومثال حذف أحدهما للدلالة أن تقول في هذه الصورة: أعلمتُ زيداً عمراً أي: قائماً، حذفت الثالث، أو: أعلمتُ زيداً، قائماً أي عمراً قائماً، فحذفت الثاني. إذاً: كل الأحكام السابقة تتعلق بالثاني والثالث، وأما الأول وإن كان منصوباً لأعلم إلا أنه ليس أصله المبتدأ والخبر، والأحكام السابقة كلها متعلقة بما أصله المبتدأ والخبر. والذي لِمَفْعُولَيْ: ثبت لِمَفْعُولَيْ عَلِمْتُ بدون همزٍ ورأيت كذلك مُطْلَقَا بدون تفصيلٍ وبدون استثناء لِلثَّانِ وَالثَّالِثِ يعني: ثابت حُقِّقَا لِلثَّانِي، لِلثَّانِ هذا متعلق بقوله: حُقِّقَا، وحُقِّقَا هذا فعل ماضي مغير الصيغة والألف هذه للإطلاق، حقق للثاني والثالث، يعني: ثبت، التحقيق هنا بمعنى الثبوت، فثبت بالثاني والثالث من الإلغاء والتعليق ومنع الحذف من غير دليل وجوازه لدليل ثابت للثاني والثالث من؟؟؟ أعلم وأرى. وَإِنْ تَعَدَّيَا لِوَاحِدٍ بِلاَ ... هَمْزٍ فَلاِثْنَيْنِ بِِهِ تَوَصَّلاَ هذا استطراد من الناظم، وهو أنه قد سبق أن بيَّن (علِم) العرفانية ولم يذكر (رأى) البصرية. إِنْ تَعَدَّيَا لِوَاحِدٍ: عَلِمَ إما أن تتعدى لواحد، وإما أن تتعدى لاثنين، إن تعدت لاثنين عرفنا الحكم أنها بهمزة النقل تصير متعدية إلى ثلاثة، بقي علم بمعنى عرف: ((لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا)) [النحل:78]، علمت زيداً يعني: عرفت زيداً، رأيت زيداً، رأيت (رأى) البصرية، إذا تعدت لواحد حينئذٍ تصيره همزة النقل متعدياً إلى اثنين. وَإنْ تَعَدَّيَا لِوَاحدٍ: الضمير هنا تَعَدَّيَا يعود إلى (علم ورأى)، ومتى يتعديان لواحد؟ إذا كانت علم بمعنى عرف –عرفانية-: لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَهْ ... ... تَعْدِيَةٌ لِوَاحِدٍ مُلْتَزَمَهْ. وَإنْ تَعَدَّيَا لِوَاحدٍ: هو لم يذكر رأى التي تتعدى إلى واحد، وإنما ذكر علم العرفانية وذكر ظن التي بمعنى اتهم، حينئذٍ الضمير راجع إلى شيء مذكور، وإلى شيء معلوم في الذهن. وَإنْ تَعَدَّيَا: يعني: علم ورأى.

لِوَاحدٍ: يعني: لمفعول واحد، وهذا إنما ذكره في الباب السابق أن علم العرفانية تتعدى لواحد، لِعِلْمِ عِرْفَانٍ، ثم قال: تَعْدِيَةٌ لِوَاحِدٍ مُلْتَزَمَهْ، فحينئذٍ رأى البصرية لم يذكرها هو، حينئذٍ يقول: وَإنْ تَعَدَّيَا، أي: علم ورأى البصرية، فأشار بالضمير إلى شيء مذكور فيما سبق وإلى شيء معلوم يوجبه الموقِّف الشارح. لِوَاحدٍ: وذلك فيما إذا كانت (علم) عرفانية و (رأى) بصرية. بِلا هَمْزٍ: كانت التعدية بلا همز؛ لأن الهمزة قد تجعل اللازم يتعدى لواحد، ولكن هنا تعدى بنفسه إلى واحد. فَلاِثْنَيْنِ بِِهِ تَوَصَّلا: فَلاِثْنَيْنِ الفاء واقعة في جواب الشرط، فَلاِثْنَيْنِ بِِهِ، يعني: بالهمز توصلا، توصلا علم ورأى إلى اثنين وهما متعديان لواحد بالهمز هذا مراده، فَلاِثْنَيْنِ بِِهِ يعني: لمفعولين اثنين تَوَصَّلا الضمير هنا يعود إلى رأى وعلم، تَوَصَّلا بِِهِ، يعني بالهمز، فلما كان دون الهمز متعدياً لواحد، فحينئذٍ تعدى بالهمزة إلى اثنين. وَإنْ تَعَدَّيَا -رَأَى وَعَلِمَا- لِوَاحدٍ بِلا: هذا متعلق بقوله: تَعَدَّيَا بِلا هَمْزٍ، يعني: بغير همز .. لاَ هنا بمعنى غير ليست حرفية، بل هي اسم، وإعرابها يظهر على ما بعدها. هَمْزٍ: الكسرة هذه كسرة عارية، وكسرةُ همزٍ هذه مقدرة، ولا هذه الإعراب فيها مقدر وظهر على ما بعدها. بِلا هَمْزٍ: بأن كانت رأى بصرية وعلم عرفانية، فَلاِثْنَيْنِ بِِهِ -هذا جواب الشرط- تَوَصَّلا بِِهِ، بِهِ: متعلق بتَوَصَّلا، والاِثْنَيْنِ متعلق بتَوَصَّلا، توصلا بالهمز لاثنين لمفعولين اثنين، توصلا لما علمت، فتقول: أريت زيداً الهلال، رأيت الهلال فعل وفاعل ومفعول به، أريت زيداً الهلالَ، تعدى إلى اثنين، زيداً هذا مفعول أول، والذي جاء به هو همزة النقل، والهلالَ هذا مفعول ثاني، فصيرت المفعول لرأى مفعولاً ثانياً وزادته مفعولاً أولاً، وهو الفاعل، وأعلمته الخبر، أعلمتُ زيداً الخبر، تعدى إلى اثنين، أعلمتُ يعني: أعلمتُ زيداً الخبرَ، علمَ زيدٌ الخبرَ، علمَ فعل ماضي، وزيدٌ فاعله والخبرَ هذا مفعول به، بمعنى عرف، إذا دخلت همزة النقل صيرت الفاعل مفعولاً أول، أعلمت زيداً الخبرَ، إذاً: تعديا لاثنين بواسطة همزة النقل، والأصل فيهما: (علم) العرفانية و (رأى) البصرية إنْ تَعَدَّيَا لِوَاحدٍ، وليستا حينئذٍ من هذا الباب، ولو تعديا لاثنين: أعلمت زيداً الخبرَ، لا يقال: بأن أعلم من باب علِمَ مما يتعدى لمفعولين، نقول: لا، ليست من هذا الباب، وكذلك رأى البصرية ليست من هذا الباب. وليستا حينئذٍ من هذا الباب، ولا من الباب الذي قبله؛ لأن المفعول الثاني غير الأول. ويشترط في المفعولين اللذين تدخل عليهما علم ورأى أن يكونا مبتدأً وخبراً في الأصل، وهذا ليس مما أصلهما المبتدأ والخبر، حينئذٍ يكون من باب: (كسا وأعطى). وليستا حينئذٍ من هذا الباب ولا من الباب الذي قبله؛ لأن المفعول الثاني غير الأول، فهو من باب (كسا وأعطى)، وهذا ما أشار إليه بقوله: وَالثَّانِ مِنْهُمَا كَثَانِ اثْنَيْ كَسَا ... فَهْوَ بِهِ فِي كُلِّ حُكْم ٍذُوْ ائْتِسَا

باب: كسا وأعطى فعل يتعدى إلى مفعولين في أصله دون همزة نقل، ولكن ليس أصل، المفعولين المبتدأ والخبر، ولذلك ما يتعدى إلى مفعولين في الجملة قسمان: قسم يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وهذا باب ظن وأخواتها، وقسم يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر. بُابُ كَسَا وَأَعْطَى: أعطيت زيداً درهماً، نقول: هذا من باب كسا، أعطيت زيداً درهماً، ليس أصل المفعولين مبتدأ وخبر، لا يصح أن يقال: زيد درهمٌ، ما يصح التركيب هذا، حينئذٍ أعطيت زيداً درهماً، زيداً آخذ، والدرهم هذا مأخوذ، ففرق بينهما. وَالثَّانِ: الثاني هذا مبتدأ، مِنْهُمَا: من هذين المفعولين السابقين -باب عرف ورأى-، كَثَانِ، هذا خبر، وَالثَّانِ مِنْهُمَا كَثَانِ اثْنَيْ كَسَا، يعني: كثاني اثنين مفعولي كسا، أي: المفعول الثاني من هذين المفعولين كالمفعول الثاني من باب كسا، المفعول الثاني من باب علم التي هي بمعنى عرف، ورأى التي بمعنى أبصر، الثَّانِ مِنْهُمَا كَثَانِ اثْنَيْ كَسَا، يعني: كالثاني من مفعولي كسا، فحينئذٍ ما الذي يترتب عليه؟ يجوز فيه الحذف اختصاراً واقتصاراً، يعني: يحذف بدليل وبدون دليل، لا يشترط فيه، بخلاف الثاني من باب علم. إذاً: هذا الثاني من باب علم يعني عرف، نقول: هو من باب كسا، يجوز فيه الحذف اختصاراً واقتصاراً بدليل وبدون دليل. ثانياً: يمتنع فيه ما جاز في مفعولي علمت المتعدية إلى اثنين من إلغاء وتعليق وغير ذلك من الأحكام الجائزة فيه، إذاً: يجوز حذفه اختصاراً واقتصاراً، بدليل وبدون دليل، ثانياً: يمتنع فيه كل الأحكام السابقة من التعليق والإلغاء ونحوهما. إذاً: فرق بين هذا الباب وبين باب علم، (فَهْوَ) أي: الثاني من هذين المفعولين (بِهِ) يعني: بالثاني من مفعولي باب كسا، (فِي كُلِّ حُكْم ٍذُوْ ائْتِسَا) في كل حكم له ثابت له، (ٍذُوْ ائْتِسَا) يعني: يقتدي به، صاحب ائتساء صاحب اقتداء.

إذاً: الثَّانِ من باب علم بمعنى عرف ورأى البصرية الثَّانِ مِنْهُمَا لا يأخذ حكم الثاني من باب علم، وإنما يأخذ حكم الثاني من باب كسا وأعطى، والفرق بين البابين واضح، أن الثاني في باب علم هذا عمدة أصله خبر، وأما الثاني من باب كسا وأعطى لا، أصله فضلة، فرق بين النوعين، فذاك عمدة، وهذا مثل: ضربت زيداً، زيداً هذا يجوز حذفه، حينئذٍ فرَّق الناظم بينهما، (وَالثَّانِ مِنْهُمَا) أي: من هذين المفعولين، (وَالثَّانِ) أي: المفعول الثاني، (مِنْهُمَا) من هذين المفعولين، من باب علم بمعنى عرف ورأى بمعنى أبصر، (كَثَانِ) هذا خبر، (كَثَانِ اثْنَيْ مفعولي كَسَا)، وبابه من كل فعل يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر كما ذكرناه، (فَهْوَ) أي: الثاني هذا (بِهِ)، بالثاني من مفعولي باب كسا فِي كُلِّ حُكْم ٍذُوْ ائْتِسَا، يعني: ذو اقتداء، فيمتنع أن يُخبَر به عن الأول، لا تنحل الجملة فيخبر به عن الأول، ويجوز الاقتصار عليه وعلى الأول، ويمتنع الإلغاء، وجوز بعضهم الإلغاء في مسألة استثناها، قيل: إلا في التعليق، فقد يعلق المفعول الثاني من باب علم العرفانية، ورأى البصرية: ((رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى)) [البقرة:260]، (رَبِّ أَرِنِي)، رأى هنا بصرية، (أَرِنِي) يريد الرؤيا، ((وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) [البقرة:260]، ((رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى))، ((أَرِنِي)) الياء هذه مفعول أول، ((تُحْيِ الْمَوْتَى)) [البقرة:260] تُحْيِ، هذه مفعول ثاني، أين وقعت الجملة كيف؟ وقعت بين الفعلين، قال بعضهم: إن هذا تعليق، وهذا محل إشكال، ولذلك الناظم أطلق ولم يستثن شيئاً، بمعنى أن بعضهم يرى أن التعليق قد يدخل الثاني في باب رأى وعلم إذا تعدت إلى اثنين وكانت رأى بصرية وعلم عرفانية، على كلٍ أذكره من باب ذكر الشيء: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ)) [الفيل:1]، والناظم رحمه الله تعالى أطلق ذلك.

قال وأشار في هذين البيتين إلى أنه إنما يثبت لهما هذا الحكم إذا كانا قبل الهمزة يتعديان إلى مفعولين، وأما إذا كانا قبل الهمزة يتعديان إلى واحد، كما إذا كانت رأى بمعنى أبصر، رأى زيدٌ عمراً، وعلم بمعنى عرف، علم زيدٌ الحقَّ، حينئذٍ يتعديان بعد الهمزة إلى مفعولين، فيصير الفاعل مفعولاً أول، أرَيْتُ زيداً عمرواً، وأعلمت زيداً الحق، لا يقال زيدٌ عمروٌ، ولا زيدٌ الحقُّ، لذلك ليس أصلهما المبتدأ والخبر، حينئذٍ لا يكونان من هذا الباب، والثاني من هذين المفعولين كالمفعول الثاني من مفعولي كسا وأعطى، كسوت زيداً جبة، الصحيح أن يقال: كسوت زيداً، وكسوت جبة، وأعطيت زيداً درهماً؛ لكونه لا يصح الإخبار به عن الأول؛ لأنه ليس بخبر في الأصل، فيمتنع حينئذٍ أن يخبر به عن الأول؛ لأن هذه لا تدخل على الجملة الاسمية التي أصلها مبتدأ وخبر، فلا تقل: زيدٌ الحقُّ، ولا زيدٌ درهمُ، وفي كونه يجوز حذفه مع الأول، وحذف الثاني وإبقاء الأول، وحذف الأول وإبقاء الثاني، وإن لم يدل على ذلك دليل، يعني: ولو كان اقتصاراً، فمثال حذفه: أعلمتُ وأعطيتُ، إذا أراد أن يخبر بأنه مجرد عِلْم معرفة، أعلمت وأعطيت، هذا يجوز لا بأس به، ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)) [الليل:5]، (أَعْطَى)، حذف المفعولين، لماذا؟ لأن المراد هنا الإخبار بمجرد الإعطاء، بقطع النظر عن المعطى أو المعطي: ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى)) أعطى ماذا؟ حذف المفعولين؛ لأنه لا حاجة لذكر المفعولين، ولذلك إذا أريد العموم حينئذٍ يحذف المتعلِّق، وحذف المتعلِّق -ومنه هذا مفاعيل متعلقة-، حذف المتعلق يفيد العموم. ومثال حذف الثاني وإبقاء الأول: أعلمتُ زيداً، وأعطيتُ زيداً: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ)) [الضحى:5]، رَبُّكَ فاعل، ويُعْطِيكَ مثل أعطيت زيداً درهماً، المحذوف هنا المفعول الثاني وليس الأول، والكاف هذا في محل نصب مفعول أول؛ لأنه لم يتعلق به بفائدة. ومثال حذف الأول وإبقاء الثاني: ((حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ)) [التوبة:29]، يعني: يعطوكم: ((حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ)) [التوبة:29]، حتى يعطوكم الجزية، حذف الكاف، وهذا كثير. وَكَأَرَى السَّابِقِ نَبَّا أَخْبَرَا ... حَدَّثَ، أَنْبَأَ، كَذَاكَ، خَبَّرَا هذا من باب القياس، وإلا الأصل بعضهم حصر أرى وأعلم فحسب، ولذلك سائر الأفعال السابقة وهي ثلاثة عشر فعلاً لم يأت فيها الكلام من أنها تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، مع أن بعضها يتعدى إلى مفعول، ويتعدى إلى مفعولين، ومع ذلك لا يقال فيها لإجراء الأحكام المتعلقة هنا في همزة النقل. وَكَأَرَى السَّابِقِ نَبَّا: نَبَّا هذا مبتدأ، وَكَأَرَى خبر مقدم، السَّابِقِ، نعت له، السابق المراد به المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل، فيما عرفت من الأحكام، لا كأرى المتأخرة، وهي المتعدية إلى اثنين، السَّابِقِ، عندنا رأى هنا ثنتان، رأى سابقة ورأى متأخرة، رأى السابقة هي التي أشار إليها بقوله: وَلِرَأَى الرُّؤْيَا انْمِ مَا لِعَلِمَا ... طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ ...... ورأى الثانية أشار إليها بقوله:

وَإنْ تَعَدَّيَا لِوَاحدٍ بِلا هَمْزٍ: الأولى تتعدى إلى مفعولين أصالة، والثانية: تتعدى إلى مفعولين بالتبع. وَكَأرَى السَّابِقِ: يعني: لا المتأخرة، وهي المتعدية إلى اثنين، نَبَّا وأَخْبَرَا وحَدَّثَ، وأَنْبَأَ، وكَذَاكَ، خَبَّرَا، خبر كذاك، خبر: هذا مبتدأ متأخر وكَذَاكَ هذا خبر متقدم. وهذه ألحقت بِرَأَى؛ لأنها تضمنت معناها، تضمنت معناها، وهذه الأفعال الخمسة الأصل فيها أن تصل إلى الثاني بحرف الجر، هذا الأصل فيها قياس اللسان العربي؛ أن تصل إلى الثاني بحرف الجر، وقد يحذف حرف الجر، حينئذٍ ينتصب على نزع الخافض إن قيل به، ولم يسمع أنهم عدوها إلى ثلاثة، إلا وهي مبنية للمجهول كما سيأتي في الأبيات، لم يسمع، مع أن الناظم هنا ذكرها مبنية للمعلوم، حدث، أخبر، نبأ، أنبأ، خبر، كلها ذكرها بصيغة المبني للمعلوم، مع أنه لم يسمع فيها، وإنما سمع فيها كونها ناصبةً للمفاعيل إذا كانت مغيرة الصيغة، فمن باب القياس إذا بنيت للمفعول حينئذٍ الأصل فيما بني للمفعول أن يكون له معلوم، ضُرِبَ الأصل فيه ضَرَبَ، عُلِمَ الأصل فيه عَلِمَ .. إلى آخره، فما دام أنه سُمِع بناؤها للمجهول دل على أن لها أصل، وهو المعلوم، وإن لم يُنقَل حينئذٍ نستدل بالبناء للمجهول على المعلوم، لكن هذا من باب القياس؛ لأن بعضها (زُكِمَ) مثلاً هذا مبني للمجهول وليس له معلوم، زُكِمَ من الزكام، نقول: هذا مبني للمجهول، هل له معلوم؟ ليس له معلوم، فلا يلزم إذا سمع نَبَّا وأَخْبَرَا أنه مبني مجهول أن يكون له معلوم، لكن أكثرهم على هذا فنمشي معه. ويجوز أن تتعدى إلى ثلاثة وأن تبنى للفاعل ولو لم يسمع؛ لأنه أمر مقيس. نُبِّئْتُ زُرْعَةَ والسفاهَةُ كاسمِها ... يُهدِي إِلى غَرائبَ الأَشعار (نُبِّئْتُ زُرْعَةَ) نبئ هو قال: نَبَّأَ-ابن مالك-، مع كون الشاهد نُبِّئْتُ، التاء هذه مفعول أول وهي نائب الفاعل وزُرْعَةَ هذا مفعول ثاني: وَمَا عَلَيْكِ إِذَا أُخْبِرْتِنِي دَنِفَاً: (أُخْبِرْتِنِي) التاء هذه مكسورة، الياء هذه هي المفعول الأول، ودَنِفَاً هي المفعول الثاني، وأين الثالث! هو قال: (وَكَأرَى السَّابِقِ)، يعني: التي تتعدى إلى ثلاثة، (نُبِّئْتُ زُرْعَةَ)، زُرْعَةَ هذا الثاني، (والسفاهَةُ كاسمِها يُهدِي)، يُهدِي الجملة هذه في محل نصب مفعول ثالث. وَمَا عَلَيْكِ إِذَا أُخْبِرْتِنِي دَنِفَاً التاء نائب فاعل، والياء مفعول ثاني، والثالث دَنِفَاً، وأُخْبِرْتِنِي هذا مغير الصيغة. أوْ مَنَعْتُم مَا تُسْأَلُونَ، فَمَن ... حُدِّثْتُمُوهُ لَهُ عَلَينَا الوَلاَءُ حُدِّثْتُمُوهُ، الواو هذه نائب فاعل، والهاء، في محل نصب مفعول ثاني، له علينا الولاء الجملة اسمية في محل نصب مفعول ثالث. وَأُنْبِئْتُ قَيْساً وَلَمْ أَبْلُهُ –اختبره- ... ... كَمَا زَعَمُوا خَيْرَ أَهْلِ الْيَمَنْ وَأُنْبِئْتُ هذا مغير الصيغة والتاء نائب فاعل، قَيْساً مفعول ثاني، خَيْرَ أَهْلِ هذا مفعول ثالث.

وَخُبِّرْتُ سَوْدَاءَ الْغَمِيمِ مَرِيضَةً: خُبِّرْتُ سَوْدَاءَ، هنا على معنى الباء، خبرت بأن سوداء. خُبِّرْتُ سَوْدَاءَ الْغَمِيمِ مَرِيضَةً، خُبِّرْتُ نائب فاعل للتاء، وسَوْدَاءَ هذا مفعول ثاني ومَرِيضَةً مفعول ثالث. وإنما قال المصنف: ووَكَأرَى السَّابِقِ؛ لأنه تقدم في هذا الباب أن أرى تارة تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، وتارة تتعدى إلى اثنين، وكان قد ذكر أولاً أرى المتعدية إلى ثلاثة فنبه على أن هذه الأفعال الخمسة مثل: أرى السابقة وهي المتعدية إلى ثلاثة لا مثل أرى المتأخرة وهي المتعدية إلى اثنين. اَلْفَاعِلُ لما أنهى المبتدأ وما يتعلق به من النواسخ، شرع في ذكر الأصل الثاني في باب المرفوعات، هو عمدة، كما أن الشأن في المبتدأ أنه عمدة وهو مرفوع، ولذلك سبق الخلاف أي: النوعين يقدم؟ منهم من قدم المبتدأ؛ لأنه أصل للفاعل، ومنهم من عكس؛ لأن الفاعل أصل للمبتدأ: ((وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)) [البقرة:148]. اَلْفَاعِلُ: يعني: هذا باب بيان الفاعل، الفاعل في اللغة هو من أوجد الفعل، فهو أعم من الفاعل اصطلاحاً عند النحاة؛ لأن العلاقة دائماً بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي العموم والخصوص المطلق، فكل فاعل اصطلاحي هو فاعل لغوي ولا عكس؛ لأن كل من أوجد الحدث فهو فاعل: زيدٌ قائمٌ، قائمٌ هذا حدث اسم فاعل، من الذي أوجده؟ زيد، إذاً: هو فاعل، فاعل في المعنى وهو صحيح، لكنه لا يسمى عند النحاة فاعلاً؛ لأن لهم شروطاً لابد من اعتبارها، واصطلاحاً خاص ولا مشاحة في الاصطلاح، حينئذٍ نقول: ما الفاعل عند النحاة وماذا أراد المصنف هنا بالفاعل، هل كل من أوجد الفعل –الحدث-؟ لا، إنما أراد نوعاً أخص من مطلق الفاعل عند اللغويين. والمراد به عنده أن الفاعل: هو اسم صريح أو مؤول بالصريح، أسند إليه فعل أو مؤول به، مقدم عليه بالأصالة؛ واقعاً منه أو قائماً به، هذه كلها قيود، اسم صريح أو مؤول بالصريح، أسند إليه فعل، بعضهم يزيد: فعل تام، أو مؤول به مقدم عليه بالأصالة واقعاً منه أو قائماً بهه. قوله: اسم، إذاً: الفاعل لا يكون إلا اسماً، ولذلك سبق معنا أن من علامات الأسماء كونها فاعلة، فإذا حكمت على الشيء بأنه فاعل، فاحكم عليه بأنه اسم، إذاً: كل فاعل اسم ولا عكس، فأخرج بقوله (اسم) الحرفَ، فلا يكون فاعلاً إذا قُصد معناه، وأما إذا قصد لفظه فيجوز أن يكون فاعلاً، فلذلك تقول: دخلت (قد) على الفعل، (قد) هنا فاعل هي حرف في الأصل، نعربها فاعل، دخلت السين، دخلت الباء، الباء هي اسم والسين اسم، دخلت سوف، نقول: هذا حرف في الأصل، لكنه صار علماً، حينئذٍ صار فاعلاً. إذاً: دخلت قد: وَالفِعلُ مَا يَدخُلُ قَدْ والسّينُ ... عَليهِ مِثلُ بَانَ أَو يَبِينُ هكذا قال الحريري.

والفِعلُ مَا يَدخُلُ قَدْ: قَدْ هنا فاعل، إذاً (اسم) أخرج الحرف، وهذا إذا قَصد معناه، وأما إذا قصد لفظه فيقع فاعلاً ولا إشكال، كذلك أخرج الفعل، فلا يكون الفعل فاعلاً البتة، لا يكون الفعل فاعلاً البتة؛ لأنه لا يسند بين فعلين كما سبق، الإسناد إنما يكون بين اسمين أو اسم وفعل، وأما فعل إلى فعل هذا لا وجود، وهذا محل وفاق، لماذا؟ لأن الأفعال أوصاف في المعنى، فإذا كان كذلك حينئذٍ كل صفة تقتضي وتستلزم موصوفاً، فإذا قلت: جاء ضرب على أن ضرب فاعل، معناه مثل قام زيدٌ، زيدٌ محل للقيام، فإذا قلت: جاء ضربَ، بمعنى (ضرب) أنه فاعل أنه محل للمجيء، وهو صفة، والضرب صفة، والصفة كما يقال: عرضٌ لا يقوم بالعرض. إذاً: يمتنع إسناد فعل إلى فعل، إلا إذا قصد لفظه حينئذٍ يصير علماً، فتقول: دخل ضرب على الاسم فرفعه ونصبه، فضرب حينئذٍ صار فاعل، دخل ضربٌ، دخل ضربَ، يجوز فيه الوجهان كما سبق. اسم إذاً: أخرج الحرف والفعل إذا قصد معناهما، أما إذا قصد لفظهما حينئذٍ صارا علمين معرفتين، فيجوز حينئذٍ أن يأتي فاعله. وخرج كذلك الجملة الفاعل لا يكون جملة، وهو كذلك على مذهب البصريين، وهذه المسألة محل نزاع، الصحيح هو مذهب البصريين؛ أن الجملة لا تقع فاعلاً البتة، وقيل: تقع فاعلاً مطلقاً، نحو يعجبني يقوم زيدٌ -التركيب فيه رِكَّة قليلاً-، حينئذٍ نقول: لابد من تقدير، إما على من يُجَوَّز السبك بدون سابك كقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:6]، إذا لم يقل بأن همزة التسوية سابك، إن جُوِّزَ حينئذٍ يكون: يعجبني قيام زيد، وهذا المعنى الذي يقتضيه التركيب، حينئذٍ إما أن يقال: بأن سابك ثم محذوف والتقدير: يعجبني قيام زيد، وإما أن يقال: التركيب ليس له أصل. وقيل: تقع إن علِّق عنها فعل قلبي بمعلِّق، والصواب هو الأول أنه لا تقع الجملة. إذاً (اسم) أخرج هذه الثلاثة الأشياء، فلا يقع فاعلاً البتة في اصطلاح النحاة.

قال: صريح أو مؤول بالصريح، هذا تقسيم للاسم، والصريح المراد به ما لا نحتاج في جعله فاعلاً إلى تأويل –مباشرة-، ما لا نحتاج إلى جعله فاعلاً بتأويل، أو (أن) وما دخلت عليه المؤولات التي أخذناها –السوابك-، حينئذٍ نقول: قام زيدٌ، زيدٌ اسم صريح، قام الزيدان، الزيدان اسم صريح، قام الزيدون، الزيدون اسم صريح، قامت هند، هند اسم صريح .. وهَلُمَّ جرًّا، فحينئذٍ ما نطق به ولفظ نقول: هذا اسم صريح، لما قابله بالمؤول، والمؤول هذا خاص بنوع معين حينئذٍ لزم أن نجعل في الاسم الصريح الضمير بنوعيه، البارز والمستتر؛ لأنه يكون فاعلاً، قم، هذا فعل أمر وفاعله ضمير مستتر، إذا قلنا الفاعل هو اسم صريح أو مؤول بالصريح، فهو لا هذا ولا ذاك، ليس باسم ينطق به، وليس بمؤول حينئذٍ ماذا نصنع؟ يخرج عن الحد، والحد لابد أن يكون جامعاً مانعاً، حينئذٍ لابد من إدخاله، نقول: لما قابل الاسم الصريح بالمؤول علمنا أن الاسم الصريح يدخل فيه الاسم الظاهر والضمير المستتر بنوعيه وجوباً وجوازاً وكذلك الضمير البارز: ما فهم المسألة إلا أنا، أنا هذا فاعل، ما فهم المسألة إلا أنا، أنا فاعل، هل هو اسم صريح، هم يَعنُون الاسم الصريح الذي يظهر إعرابه عليه، كزيد والزيدان وهند ونحوها، حينئذٍ نقول: لما قابل الصريح بالمؤول علمنا أن الصريح يشمل ثلاثة أشياء: الاسم الظاهر والضمير المستتر جوازاً، والضمير المستتر وجوباً، والضمير البارز، -أربعة أشياء-: ما فهم المسألة إلا أنا، هذا مثلها. اسم صريح أو مؤول بالصريح، مؤول بالصريح يعني: شيء يؤول ويرجع إلى الاسم الصريح، وهذا إنما يكون إذا دخل على اللفظ فعل أو نحوه، جملة اسمية ونحوها؛ إذا دخل عليها موصولٌ حرفي، وسبق أن الموصولات التي تسبك مع ما بعدها بمصدر خمسة: (أنَّ)، و (أنْ)، و (ما)، و (كي)، و (لو)، هذه خمسة، يجوز أن يأتي فاعل هنا مسبوكاً بواحد من هذه الخمسة ثلاثة فحسب، وهي: (أنَّ)، و (أنْ)، و (ما)، وأما (كي)، و (لو) فيمتنعان في هذا الموضع: ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51]، يكفي إنزالنا، إذاً: ((أَنَّا أَنْزَلْنَا)) (أنْ) حرف مصدري، أُوِّلَت مع ما بعدها بمصدر وقع فاعلاً، وسبق أن من مواضع وجوب فتح همزة (أنَّ) أن تقع فاعلاً، وذكرنا هذا المثال. الثاني: (أنْ) المصدرية: يعجبني أن تذهب، يعجبني: فعل ومفعول به، أن تذهب: جملة، أين الفاعل؟ لابد من فاعل، نقول: أن المصدرية وما دخلت عليه في تأويل فاعل: يعجبني ذهابك. الثالث: (ما) المصدرية، سرني ما صنعت، سرني صنعك، إذاً: هذه ثلاثة سوابك.

الأول: (أنَّ)، و (أنْ) التي تدخل على الفعل المضارع، وكذلك الثالث (ما) المصدرية، وأما (كي) و (لو) فيمتنعان، أما امتناع كي؛ لأنها لا تكون مصدرية إلا إذا سبقت بـ (لا) لفظاً أو تقديراً، فحينئذٍ إذا سبكت مع ما بعدها بمصدر وجب أن يكون هذا المصدر مجروراً، جئت لكي أكرمك، نقول: هذا يؤول بمصدر، لكن لا يمكن أن يكون فاعلاً؛ لأنك لو أولته بمصدر، قلت: جئت لإكرامك، جررته باللام الملفوظ بها أو المقدرة، إذاً: صار مجروراً، فكل (كي) المصدر بعدها يكون مجروراً، والفاعل لا يكون مجروراً البتة، إذاً: امتنع أن تكون (كي) في محل فاعل. وأما لو فالغالب المطرد أنها تأتي بعد وَدَّ أو يَوَدُّ، وود أو يود يطلب مفعولاً به ((وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ)) [آل عمران: 69]، ودوا إضلالكم، وقع مفعولاً به منصوب. إذاً: المصدر المنسبك من (لو) وما بعدها لا يقع إلا منصوباً هذا في الغالب المطرد؛ لأنه يقع بعد ود ويود، وهذان يطلبان مفعولاً به لا فاعلاً، إذاً: يمتنع أن يكون الفاعل منسبكاً من كي وما بعدها ولو وما بعدها، فاقتصرنا على الثلاث الأُوَل وهي المتفق عليها، وهي: أ (نَّ)، و (أنْ)، و (ما) المصدرية. اسم صريح أو مؤول بالصريح، مؤول بالصريح، آل الشيء يؤول بمعنى أنه رجع، فإذا قلت: ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا)) [العنكبوت:51]، نقول: هذا ليس هو عينه فاعل، وإنما كونه يرجع إلى اسم صريح والاسم الصريح هو الفاعل، وإلا الذي تلفظ به -أَنَّا أَنْزَلْنَا- ليس هو الفاعل، بل هو جملة، لكن مآل هذه الجملة أن ترجع إلى اسم صريح، فإذا عرفت حينئذٍ الاسم الصريح المصدر المنسبك من (أنَّ) وما دخلت عليه حينئذٍ نقول: هذا هو الفاعل، أما اللفظ نفسه لا تقل فاعل، وإلا لو كان كذلك لقلنا: اسم يشمل الجملة، فإذا صح قصدها لفظاً أنها فاعل لصح وقوع الجملة فاعلاً، ونحن نمنع نقول: بل لابد أن يكون اسماً، فإذا جاء يعجبني أن تذهب، أن تذهب ليست هي الفاعل، تنفي، تقول: ليست بفاعل، هي عينها لفظها ليست بفاعل، لكن تؤول إلى كونها فاعلاً، والشيء إذا آل إلى الشيء كان غيره ليس هو عينه. أسند إليه فعل: بمعنى أنه مسنداً إليه، والفعل مسند، هذا أخرج المبتدأ؛ لأن المبتدأ لا يسند إليه فعل؛ لأن المبتدأ: زيدٌ قائمٌ، زيدٌ اسم صريحٌ ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184]، اسم مؤول بالصريح، إذاً: دخل معنا المبتدأ. أسند إليه فعل، أخرج المبتدأ؛ لأن المبتدأ لا يسند إليه فعل، وإنما يسند إليه اسم مفرد أو جملة، اسم مفرد: زيدٌ قائم، زيدٌ أخوك، فصار زيد مسنداً إليه، والفاعل كذلك مسندٌ إليه، قام زيدٌ، زيدٌ مسند إليه، والمبتدأ مسند إليه، إذاً: اشتركا في كون كل منهما مسنداً إليه، إلا أنهما افترقا: أن الفاعل أسند إليه مسند يكون فعلاً، وأما المبتدأ فيسند إليه ما ليس بفعل، إما مفرد وإما جملة.

أسند إليه فعل، بعضهم قيده بكونه تاماً احترازاً من: كان زيدٌ، احترازاً من اسم كان؛ لأن كان ترفع المبتدأ، حينئذٍ زيدٌ بعد كان هذا اسم صريح أسند إليه فعل، لكنه ليس بتام، بل هو ناقص، هكذا قال الكثير؛ وفيه نظر لأن كان لا تدخل على المفرد، وإنما تدخل على الجملة، فحينئذٍ كان أسندت إلى مضمون الجملة لا إلى زيد، ليست مسندة إلى زيد، فحينئذٍ لا نحتاج إلى الاحتراز عن اسم كان؛ لأنه ليس داخلاً معنا أصلاً، لم يدخل في الحد؛ لأن كان ما بعدها -الاسم المرفوع- هو جزء من مدخولها، وليس هو كل المدخول، حينئذٍ تقول: زيدٌ قائمٌ أردت تقييد الخبر للموصوف وهو المبتدأ المخبر عنه كونه في الزمن الماضي، فقلت: كان زيدٌ قائماً: وَنَحْو كُنْتُ قَائِمَاً كَانَ الَّذِيْ ... قَيَّدَتْ الْمَنْصُوْبَ لاَ الْعَكْسُ احْتُذِيَ (كان) قيدت القيام بكونه وقع في الزمن الماضي، وليس العكس بكون قائماً هو الذي قيد (كان)، وهذا بحث بياني يأتي في محله، كُنْتُ قَائِمَاً كَانَ الَّذِيْ ... قَيَّدَتْ الْمَنْصُوْبَ، (كان) هي التي قيدت المنصوب لاَ الْعَكْسُ احْتُذِيَ فيه خلاف، لكن الصواب ما ذكره السيوطي في عقود الجمان. إذاً: أسند إليه فعل تام، قال بعضهم تام، نقول: لا حاجة إلى وصف الفعل بالتمام؛ لأن كان وأخواتها لم تسند إلى الاسم حقيقة، وإنما أسندت إلى مضمون الجملة، فالاسم أسند إليه باعتبار اتصافه بالخبر، الاسم في باب كان أسند إليه باعتبار اتصافه بالخبر، وهذا معنى مضمون الجملة؛ لأن مضمون الجملة هو أن يأتي بالخبر مشتقاً ونضيفه إلى الاسم، على ما ذكرناه في الاشتقاق. أسند إليه فعل: نقول: مطلقاً، الإسناد هنا مطلقاً، سواء كان على وجه الإثبات، أو على وجه النفي أو على وجه التعليق أو الإنشاء؛ لأن الأصل في الفاعل أن يصدق عليه إحداث، حدث يوجد شيء، فإذا قلت: لم يضرب زيدٌ أسند إليه فعل من حيث الإيجاد؟ الإثبات؟ ليس فيه إثبات ليس عندنا ضرب، ضرب زيدٌ ضرب، وقع منه الضرب، حينئذٍ أسند إليه على جهة الإثبات، هذا واضح ودخوله لا إشكال فيه، لكن لم يضرب زيدٌ عمراً، لم يحصل ضرب أصلاً، فكيف نقول: فاعل ومفعول؟! اصطلاح، هذا من قبيل الاصطلاح، وإلا ليس عندنا فاعل ولا مفعول، لم يضرب زيدٌ عمراً، ما حصل ضرب والحمد لله، ليس عندنا ضارب ولا مضروب، حينئذٍ الإسناد هنا إسناد بالنفي، وله توجيه يأتينا في باب المفعول به. إذاً: دخل معنا الإسناد إذا كان على وجه النفي، أو التعليق: إنْ ضرب زيدٌ عمراً عاقبته، هنا حصل فعل من الفاعل، لكنه على جهة التعليق فهو قريب من الإثبات والنفي. أو الإنشاء: هل قام زيدٌ؟ استفهام، هل قام زيدٌ نقول: هذا استفهام لم يقع لم يحصل، هذا الأصل فيه أنه يقع في المستقبل.

إذاً: قوله: أسند إليه فعل، نقول: مطلقاً على وجه الإثبات أو النفي أو التعليق أو الإنشاء، فدخل الفاعل في نحو: لم يضرب زيدٌ وإنْ ضرب زيدٌ .. إلى آخره، وهل قام زيدٌ، والمتبادر من الإسناد، الإسناد أصالة، فخرج من التوابع البدل والمعطوف بالحرف، هذا إذا كان على نية تكرار العامل، قلنا: البدل على نية تكرار العامل، جاء زيدٌ أخوك، إذا أعربنا أخوك بدل، ما العامل فيه؟ ليس هو العامل الأول، لا، عامل آخر، حينئذٍ نقول: أخوك أسند إليه فعل، لكن لا نعربه فاعل، هل هو داخل معنا أو لا؟ نقول: المراد بالإسناد هنا أصالة؛ لأن الإسناد إلى أخوك هذا جاء تبعاً، جاء تبعاً لكونه وقع بدلاً، ولكن لو كان مجرداً عن البدلية لجاء على الأصل، فالإسناد قد يكون إسناداً أصلياً وقد يكون تبعياً، والذي يكون فاعلاً هو الإسناد الأصلي، احترزنا عن التبعي وهذا الذي معنا يدخل بابين: البدل والعطف بالحرف؛ لأننا إذا قلنا: العطف بالحرف على قول من يرى أن العامل فيه ليس الأول، جاء زيدٌ وعمروٌ، عمروٌ الثاني مرفوعٌ بماذا؟ على القول بأنه بـ (جاء) جديد ليس هو الأول، جاء زيد وجاء عمروٌ إذاً: أسند فعل إلى اسم صريح، فالأصل أن يكون فاعلاً، لكن نقول: هنا الإسناد عرضي تبعي؛ لكونه معطوفاً بالواو على ما سبق، وكذلك: جاء زيد أخوك، أخوك هذا بدل، نقول: البدل على نية تكرار العامل، ما هو العامل؟ جاء، إذاً جاء أخوك، صار مسند ومسند إليه، وأخوك صار فاعل، وهو بدل، نقول: لا، هنا الإسناد عرضي، وليس بأصالة، ولذلك نقيد: أسند إليه فعل على جهة الأصالة. فخرج من التوابع البدل والمعطوف بالحرف؛ لأن الإسناد فيهما تبعي، وأما بقية التوابع فلا إسناد فيها، والمراد بالإسناد هنا ولو غير تام، ليدخل فاعل المصدر وفاعل اسم الفاعل، إذا قلت: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:251]، لفظ الجلالة قلنا في المعنى فاعل، هنا هل عندنا إسناد -دَفْعُ اللَّهِ-؟ ليس عندنا إسناد في اللفظ، هل يمكن إدخاله هنا؟ نقول: إذا كان المراد الإسناد التام فنعم، وإن كان المراد مطلق الإسناد ليشمل الإسناد الناقص، حينئذٍ دخل معنا: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) [البقرة:251]، وكذلك: زيدٌ قائمٌ، قائمٌ قلنا: هذا اسم الفاعل يرفع ضميراً مستتراً، إذاً ضمير مستتر، مثل: قامَ زيدٌ قامَ، قامَ هذا فيه ضمير مستتر فاعل ولا إشكال، زيدٌ قائم، قائمٌ هذا اسم فاعل يرفع ضميراً مستتراً، هل فيه إسناد بين فعل أو ما جرى مجرى الفعل، واسم؟ نقول: نعم فيه إسناد، لكنه ليس تاماً.

إذا اشترطنا التمام في قولنا: أسند إليه فعل، خرج فاعل المصدر وفاعل اسم الفاعل، ولو قلنا مطلق الإسناد دخل معنا فاعل المصدر وفاعل اسم الفاعل، والثاني هو المراد، إذاً: قوله: أسند إليه فعل، ولو غير تام، لماذا؟ ليدخل فاعل المصدر وفاعل اسم الفاعل؛ لأن فاعل المصدر: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) [البقرة:251] ليس فيه كـ (قام زيدٌ)، هذا في الظاهر ليس فيه إسناد، لكنه هو في الأصل يؤول إلى الإسناد: لولا أن يدفع الله، هو في قوة هذا، لولا أن يدفع الله، إذاً صار فاعلاً، وكذلك قائم فيه ضمير مستتر، ولا نعربه أنه فاعل، نقول: زيدٌ قائم مبتدأ وخبر، ولا نقول: قائم خبر والفاعل ضمير مستتر .. هذا خطأ ليس بصحيح كما ذكرناه سابقاً، حينئذٍ الفاعل الموجود هذا نقول: فيه فاعل، لكن الإسناد هنا ناقص ليس بإسناد تام، فهو فاعل اصطلاحاً أيضاً. أو مؤول به، أي مؤول بماذا؟ أسند إليه فعل، يعني: الذي يرفع الفاعل إما أن يكون فعلاً أو مؤولاً بالفعل، والأصل في العمل للأفعال هذا هو الأصل، فيرفع الفاعل فعل، ثم قد يرفعه ما فيه رائحة الفعل، كما مثل الناظم هنا: مُنِيراً وَجْهُهُ، ((مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)) [النحل:69] أَلْوَانُهُ هذا فاعل، والرافع له مُخْتَلِفٌ، ليس هو فعل، وإنما هو مؤول بالفعل، والذي يرفع الفاعل ثمانية أشياء: الفعل، وهذا هو الأصل، الثاني: اسم الفاعل، الثالث: الصفة المشبهة، الرابع: صيغة المبالغة، الخامس: المصدر، السادس: اسم المصدر، السابع: اسم التفضيل، -هذا قلة-، الثامن: اسم الفعل: هَيْهَاتَ الْعَقِيقُ، وبعضهم يعد الجار والمجرور والظرف: أفي الدار زيدٌ؟ ((أَفِي اللَّهِ شَكٌّ)) [إبراهيم:10]، أعندك عمروٌ؟ حينئذٍ عمروٌ وزيدٌ نقول: هذا فاعل؛ لأن الجار والمجرور متعلق بمحذوف هو استقر، وكذلك الجار. إذاً: اسم صريح أو مؤول بالصريح أسند إليه فعل أو مؤول به، عرفنا المؤول بالفعل؛ يعني: كل ما يعمل عمل الفعل ويطلب فاعل، وليس هو بالفعل، مثلما ذكرناه سابقاً.

مقدم عليه بالأصالة، مقدم عليه بالأصالة، مقدم عليه يعني: على العامل، -على ما أسند إليه من الفعل أو المؤول بالفعل-، مقدم عليه بالأصالة، يعني: الذي يقدم هو العامل، قام زيدٌ، لو قلت: زيدٌ قام، خرج عن كونه فاعلاً، وإنما هو مبتدأ والجملة تكون خبراً عنه، مقدم عليه بالأصالة، خرج نحو: قائمٌ زيدٌ، زيدٌ قام، قام زيدٌ، نقول: هذا مقدم عليه بالأصالة من جهة الفعل، قام فعلٌ وزيدٌ هذا فاعل، اسم صريح أسند إليه فعل مقدم عليه، وهذا لا إشكال فيه، فلو تقدم زيد على قام خرج عن كونه فاعلاً: ((مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)) [النحل:69]، أَلْوَانُهُ، هذا فاعل، مُخْتَلِفٌ هذا عامل ليس بفعل، قائمٌ زيداً ما إعرابه؟ قائمٌ خبر، وزيدٌ مبتدأ، إذاً: قدم هنا المؤول بالفعل على اسم صريح، وليس بفاعل له، لماذا؟ لأنه قُدم هنا عرضاً؛ لأن مرتبته التأخير، وليس هو مبتدأ، عندما تقول: قائم زيدٌ ليس كل واحد منهما في مرتبته التي جعل له في لسان العرب، وإلا أصل التركيب: زيدٌ قائمٌ، زيدٌ هو المقدم، وقائمٌ هو المتأخر، حينئذٍ لو قدمت وأخرت قائمٌ زيدٌ لا نقول بأن قائم هنا متقدم على المبتدأ؛ لأن التقدم هنا طارئ عارض ليس بأصلي، حينئذٍ قوله: مقدم عليه، يعني: الفعل مقدم على الفاعل، قام زيدٌ؛ ليكون فاعلاً. وإما إن قُدم الوصف على الاسم الصريح لا بالأصالة وإنما بالعرض، كقائم زيد حينئذٍ لا يجعله فاعلاً، بخلاف أقائمٌ الزيدان، فرق بين أقائم الزيدان، وقائم زيدٌ، أقائم الزيدان، قائم هذا مبتدأ والزيدان فاعل، لماذا لا نجعله مثل قائم زيدٌ؟ لأن قائم هناك مبتدأ جاء في مرتبته جاء في وضعه اللغوي، وأما الزيدان فهذا جاء كذلك في وضعه لأنه فاعل وقد تلاه، وأما قائم زيدٌ ليس في محله، ففرق بين الجملتين. مقدم عليه بالأصالة، واقعاً منه، أخرج نحو: ضُرِبَ زيدٌ، زيدٌ هذا اسم صريح أسند إليه فعل مقدم عليه بالأصالة، لكنه ليس واقعاً منه، بل واقعاً عليه. أو قائماً به: هذا لإدخال بعض الأفعال التي لا يتكون واقعة من فاعليها: مات عمروٌ، إذا قلت: ضربَ زيدٌ وقام عمروٌ واضح أن الحدث القيام والجلوس والضرب وقع منهم، تكلم، لا إشكال، سكت لا إشكال، لكن مات هو لم يحدث شيء، حينئذٍ نقول: هذا الحدث هل ينسب إلى عمرو؟ نقول: نعم ينسب إليه، لكن من جهة الاصطلاح، ولذلك ليُدخل في الاصطلاح الفاعل الاصطلاحي، قالوا: قائماً به، وقام به الحدث، ولم يقم منه، فحينئذٍ نقول: هو فاعل اصطلاحاً، إذا وجدت هذه القيود حكمنا عليه بكونه فاعلاً. قال الناظم: اَلْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ أَتَى ... زَيْدٌ مُنِيراً وَجْهُهُ نِعْمَ الْفَتَى لم يذكر الحد، وإنما ذكر التعريف، فحينئذٍ زيدٌ من قولك: أتى زيدٌ، زيدٌ اسم صريح، أسند إليه فعل، وهو أتى، مقدم عليه -أتى مقدم على زيد- بالأصالة، وواقعاً منه، كذلك مُنِيراً وَجْهُهُ، وَجْهُهُ نقول: هذا اسم صريح أسند إليه ما في معنى الفعل مؤول بالفعل وهو مُنِيراً صفة مشبهة مقدم عليه بالأصالة واقعاً منه، يعني: إن كان الإنارة هذه لها حدث، أو قائماً به، إذا كانت الإنارة ليست من فعله.

اَلْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ أَتَى -مَرْفُوعَيْ أَتَى زَيْدٌ- مُنِيراً وَجْهُهُ نِعْمَ الْفَتَى هو ذكر ثلاثة أمثلة، وقال: كَمَرْفُوعَيْ أَتَى، مَرْفُوعَيْ مثنى، مَرْفُوعَيْ أَتَى زَيْدٌ، وعندنا مرفوعات، (زيد ووجهه والفتى)، لماذا قال: كَمَرْفُوعَيْ؟ لأنه أراد المرفوع بالفعل وشبه الفعل فحسب، وزاد نعم الفتى من باب التتميم والإفادة أيضاً، وإلا الأصل مَرْفُوعَيْ أَتَى زَيْدٌ مُنِيراً وَجْهُهُ، فزيد فاعل والعامل فيه أَتَى، فهو فعلٌ متصرف، ووَجْهُهُ مُنِيراً، مُنِيراً هذا عامل فيه فهو صفة مشبهة، نِعْمَ الْفَتَى: هو عين أَتَى زَيْدٌ، إلا أن أَتَى هذا متصرف، ونِعْمَ هذا جامدٌ، كذلك الفاعل زَيْدٌ والْفَتَى ليسا مضافين، ووَجْهُهُ مضاف إلى الهاء، وزَيْدٌ كذلك معرب بالحركات الظاهرة، والْفَتَى معرب بالحركات المقدرة. إذاً: عامل الفاعل قد يكون فعلاً جامداً كنِعْمَ الْفَتَى، وقد يكون الفعل متصرفاً كـ (أتى زيدٌ)، وقد يكون الفاعل معرباً بحركات مقدرة، وقد يكون معرباً بحركات ظاهرة وهو الأصل فيه. اَلْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ الفعل والصفة من قولك: أَتَى زَيْدٌ، عدَّ فاعلي أتى ونعم واحداً؛ لأن الرافع في كلٍ فعل، إذاً: أدمج نِعْمَ الْفَتَى مع أَتَى زَيْدٌ؛ لأن الرافع هنا فعل، وأما مُنِيراً فهو صفة مشبهة أو ما جرى مجرى الفعل. اَلْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ الفعل والصفة من قولك: أَتَى زَيْدٌ. مُنِيراً وَجْهُهُ، هذا وصف جاري مجرى الفعل مؤول بالفعل. نِعْمَ الْفَتَى جامد، وقال المكودي: نِعْمَ الْفَتَى تتميم للبيت. لكن فيه فائدة، وهي: أنه أشار إلى أن العامل قد يكون فعلاً جامداً، وفيه تنبيه على أن فعل الفاعل قد يكون غير متصرف، وأن إعراب الفاعل قد يكون مقدراً. اَلْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ أَتَى: قال الشارح: لما فرغ من الكلام على نواسخ الابتداء شرع في ذكر ما يطلبه الفعل التام من المرفوع، وهو الفاعل أو نائبه. وسيأتي. فأما الفاعل فعرفه ثم قال: وحكمه الرفع؛ لأن الناظم قال: اَلْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ: إذاً هو مرفوع، إذاً: عرفنا حقيقة الفاعل –تعريفه-، ثم يرد السؤال: ما حكمه؟ نقول: الرفع، فهو مرفوع، ويكون مرفوعاً بحركة أو بحرف، والحركة قد تكون ظاهرة وقد تكون مقدرة، تكون ظاهرة كما في: أَتَى زَيْدٌ، وقد تكون مقدرة كما في: نِعْمَ الْفَتَى، هذا هو الأصل في الفاعل أنه مرفوع، كما أن المفعول يكون منصوباً، سمع في كلام العرب: "خَرَقَ الثَّوبُ المِسْمَارَ"، و "كَسَرَ الزُّجَاجُ الحَجَرَ"، خرقَ الثوبُ المسمارَ: الثوبُ فاعل، والمسمارَ مفعول به-في اللفظ إذا نظرنا إلى حركات الإعراب-، خرق الثوبُ بالرفع، على أن خرق أسند إليه، والمسمارَ مفعول به، وكسر الزجاجُ بالرفع على أنه فاعل، الحجرَ على أنه مفعول به.

إذاً: رفع الفاعل ونصب المفعول، لو أخذناه بظاهره فسد المعنى، ولكن حينئذٍ نقول: المراد هنا إبدال الحركات، يعني: أبدلت حركة الفاعل من الرفع إلى النصب، والعكس في المفعول، ولا نعرب: خرق الثوب بأنه فاعل، لا، وإنما نقول هنا: مفعول أعطي الرفع، والمسمارَ هو الفاعل، إذاً: نصب الفاعل، ورفع المفعول، وكسر الزجاجُ الحجرَ، الحجرَ هذا فاعل، فأعطي ماذا أعطي النصب؛ لوضوح المعنى حصل هذا الخلط وحصل هذا الإبدال، لكن هل هو قياس؟ نقول: لا، هذا يسمع ولا يقاس عليه، كما أنهم نصبوا الفاعل والمفعول جمعياً، ورفعوا الفاعل والمفعول جميعاً، نقول: هذا التبديل وهذا التحريف ليس بقاعدة مطردة، وإنما الأصل في الفاعل أن يكون مطرداً، ثم هذا الفاعل إذا عرفنا حكمه وأنه يرفع على الأصل قد يُجَر بالإضافة، والمضاف إما أن يكون مصدراً وإما أن يكون اسم مصدر، قد يجر بالإضافة، ثم المضاف قد يكون مصدراً وقد يكون اسم مصدر، مصدراً مثل ماذا؟ كالمثال السابق: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:251]، لَوْلا حرف امتناع لوجود، ((دَفْعُ اللَّهِ)) نقول: هذا مبتدأ، دَفْعُ مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه، ((النَّاسَ)) مفعول به، لأي شيء؟ لدفع لأنه مصدر، والمصدر هنا أضيف إلى فاعله، هل نسميه فاعلاً وهو مضاف إليه؟ المشهور في اصطلاح النحاة: نعم، لكن من حيث المعنى لا من حيث الإعراب، وبعضهم يتجوز أيضاً، يقول له محلان: محلٌ جر، وهو بالإضافة، ومحل رفع، وهو كونه فاعلاً، هذا جائز وهذا جائز، إذاً: تسميته فاعلاً مع كونه مجروراً هو المشهور عند النحاة، وقيل: لا يسمى فاعلاً اصطلاحاً، ومثله المجرور بحرف جر زائد، وأما إضافته لاسم المصدر هذا جاء في حديث: (مِنْ قُبْلَهِ الرَّجُلِ امْرأَتَهُ الْوُضُوء) -إن صح-، (مِنْ قُبْلَهِ الرَّجُلِ امْرأَتَهُ الْوُضُوء)، قُبْلَهِ، هذا اسم المصدر أضيف إلى الرَّجُلِ، امْرأَتَهُ، مثل الناس هناك فهو مفعول به، حينئذٍ نقول: هذا من إضافة اسم المصدر إلى الفاعل، الرَّجُلِ هذا فاعل في المعنى، بل هو فاعل أيضاً في الاصطلاح عند الكثير، إذاً: يجر الفاعل لفظه بإضافة إما إضافة مصدر أو إضافة اسم المصدر، وقد يجر بالباء الزائدة أو من، وهذا ما يعبر عنه بزيادة لازمة وزيادة غير لازمة، يعني: قد يدخل الحرف على الفاعل، حينئذٍ نقول: زيد حرف على الفاعل، ثم هذه الزيادة قد تكون لازمة لا تنفك في حال من الأحوال، وقد تكون غير لازمة؛ وذلك واجب في أفعِل الذي على صورة فعل الأمر، يعني: في باب التعجب: ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38]، أحسن بزيدٍ، زيدٍ هذا مجرور في اللفظ، لكنه فاعل، والباء هذه زائدة، وهذه الزيادة لازمة، لا يوجد أحسِن في باب أفعل التفضيل إلا وفاعله مجرور بالباء، إذاً: نقول: هذه الزيادة لازمة، أحسِن بزيدٍ، الباء حرف جر، وزيدٌ فاعل مرفوع ورفعه ضمه مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، إذاً نقول: هو فاعل، وهو مجرور في اللفظ إلا أنه في التقدير مرفوع، لماذا؟ لكون أَسْمِعْ لا يكون فاعلها إلا مجروراً بالباء، وهذه الزيادة نقول: زيادة لازمة، بمعنى أنها لا تنفك عنه في حال من الأحوال:

أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظى بِحاجتِهِ ... ومُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبوابِ أَنْ يَلِجا أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ: مثلها، وكذلك الغالب في فاعل كَفَى: ((وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) [النساء:79]، ((وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا)) [النساء:45]، كَفَى فاعلها في الغالب، وهذه زيادة ليست بلازمة؛ لأنه سمع انفكاكها عنه، كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، كَفَى بِاللَّهِ، الباء حرف جر زائد، ولفظ الجلالة فاعل كَفَى مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، هل الزيادة هذه لازمة؟ نقول: لا لأنه سمع تجريده من الباء: كَفَى الشَّيْبُ وَالإسْلاَمُ لِلمرْءِ نَاهِيَاً: كَفَى الشَّيْبُ: بالاسم الظاهر دون باء، دل على أنه يجوز تجريد فاعل كفى عن الباء، وشذَّ جر الفاعل بالباء فيما عدا أفعِل في التعجب وفاعل كفى: (أَلَمْ يَأْتِيْكَ والأَنباءُ تَنمِي ... ... ... بَمَا لاقَتْ لَبُونُ بني زِيَادِ) والأَنباءُ تَنمِي، بما (ما) فاعل دخلت عليه الباء، لكن هذا شاذ، يعني: يحفظ ولا يقاس عليه، بخلاف فاعل كَفَى، وفاعل أَسْمِعْ. ومن الزيادة غير اللازمة، زيادة (مِن): ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19]، بَشِيرٍ هذا فاعل لجاء، وجر بـ (من) الزائد، صلة توكيد، حينئذٍ نعرب بَشِيرٍ فاعل مرفوع ورفعه ضمه مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. إذاً: يجر الفاعل بـ (مِن) الزائدة، وهذه (مِن) التي هي لبيان الجنس يشترط فيها أن لا تكون إلا بعد نفي أو شبه نفي، وهذا سيأتي في باب حروف الجر، لكن نستفيد هنا: إذا عطف على الفاعل المجرور بهذا الحرف، حينئذٍ يراعى فيه محلان: محل الرفع ومحل الجر، مثلما ذكرناه في قولهم: لا رجلا، حينئذٍ يجوز الرفع على محله، حتى يجوز في تابعه الجر حملاً على اللفظ، والرفع حملاً على المحل: ما جاءني من رجل كريمٍ، وكريمٌ، ما جاءني من رجلٍ كريمٍ بالجر، تبعاً للفظ، وكريمٌ باعتبار المحل، مثل: لا رجلَ ظريفاً، وظريفٌ. فإن كان المعطوف معرفة تعين رفعه، ما جاءني من عبدٍ ولا زيدٌ، لا يصح ولا زيدٍ، لماذا؟ لأن العطف على مجرور (من)، ومجرور (من) الزائدة هنا لا يكون إلا نكرة، وحينئذٍ يتعين أن ينظر فيه إلى اللفظ. إذاً: الأصل في الفاعل أنه مرفوع، ثم قد يخرج عن الرفع لسبب من الأسباب المذكورة، منها ما هو قياس، ومنها ما هو ليس بقياس، وما ليس بقياس قد يكون شاذاً، كما في نصبه، أو أن يزاد عليه حرف وليس في المواضع التي حفظت في لسان العرب، وذلك كما في أفعِل التعجب، وكفى، وكذلك زيادة من، ذاك في الباء، وهذا في زيادة (مِن).

قال: والمراد بشبه الفعل المذكور اسم الفاعل نحو: أقائم الزيدان، والصفة المشبهة: زيد حسنٌ وجهه، والمصدر: عجبت من ضرب زيد بدون تنوين، واسم الفعل: هيهات العقيق، هيهات اسم ورفع لكنه اسم فعل، والظرف والجار والمجرور: زيدٌ عندك أبوه، هذا يرفع عند كثير من النحاة، بل نسبه ابن هشام إلى المحققين؛ أنه إذا قيل: عند زيدٌ، زيدٌ لا تعربه مبتدأ، وإنما تعربه فاعل لفعل محذوف: عندك استقر زيدٌ، أو استقر عندك زيدٌ، فزيدٌ عندك أبوه، أبوه هذا فاعل وفي الدار غلاماه، ولذلك قوله تعالى: ((أَفِي اللَّهِ شَكٌّ)) [إبراهيم:10]، هذا فاعل لفعل محذوف. وأفعل التفضيل كذلك: مررت بالأفضل أبوه، فأبوه مرفوع بالأفضل. إذاً: قوله: اَلْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ أَتَى ... زَيْدٌ مُنِيراً وَجْهُهُ نِعْمَ الْفَتَى دل بهذين المثالين على حقيقة الفاعل، وأن حكمه الرفع. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

45

عناصر الدرس * وجوب ذكره بعد الفعل * تجريد عامله من علامة تدل على التثنية والجمع * إلحاق بعض العرب العامل علامة تثنية أوجمع * حذف عامله إذا دل عليه دليل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ فَإِنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ وَإِلاَّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ ما سبق في البيت السابق بيَّن فيه حدَّ الفاعل لكن بالمثال كما جرى عليه في سائر الأبواب، أكثرها يبين الحدَّ بالمثال وحينئذٍ تأخذ من المثال الأحكام المتعلقة من حيث إثبات الحقيقة. قوله: اَلْفَاعِلُ الَّذِي، اَلْفَاعِلُ: مبتدأ، الَّذِي: خبره، كَمَرْفُوعَيْ هذا صلة الموصول، وأَتَى زَيْدٌ ومُنِيراً وَجْهُهُ ونِعْمَ الْفَتَى هذه متعاطفات على قوله: أَتَى زَيْدٌ، وأَتَى زَيْدٌ هذه في محل نصب لقولٍ محذوف، يعني: كقولك أتى زيد. كَمَرْفُوعَيْ أَتَى، أشار بهذا إلى أن العامل في الفاعل هو الفعل، وهذا هو الصحيح من قول جمهور النحاة، إذ في المسألة أربعة أقوال والصواب: أن الفعل أو ما كان في معنى الفعل هو العامل في الفاعل وليس الفاعلية كما ظنه البعض، وليس هو والمفعول ترافعا -كل منهما طلب رفع الآخر أو نصب الآخر-. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ فَإِنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ وَإِلاّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ بين في هذا البيت مسألتين وحكمين يتعلقان بالفاعل. أما المسألة الأولى: فهي وجوب تأخير الفاعل عن عامله، يجب أن يتأخر، لا يجوز أن يتقدم، وأشار إليها بقوله: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ. المسألة الثانية: وهي يجب ذكر الفاعل ولا يجوز حذفه، أشار إليها بقوله: فَإِنْ ظَهَرْ ... ... ... فَهْوَ وَإلاَّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ: فَاعِلٌ هذا مبتدأ مؤخر. وَبَعْدَ: متعلق بمحذوف خبر مقدم. بَعْدَ فِعْلٍ وشبهه -شبه الفعل-، لأن الفاعل ليس خاصاً بالفعل، وإنما ذكر أو خص الفعل لأنه الأصل. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ: أي يجب أن يكون الفاعل بعد الفعل، لأن الفعل وفاعله كجزئي كلمة، ولا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها، قام زيد، قالوا: هاتان الكلمتان في منزلة كلمة واحدة -كجزئي كلمة-، مثل: غلام زيد، وزيد لا يجوز أن يتقدم على غلام، مثله زيد في: قام زيد لا يجوز أن يتقدم على قام، ما الدليل على أنه كجزئي كلمة؟ نقول: أولاً: دلالة الفعل على الفاعل دلالة التزامية، بمعنى: أن الفعل يدل على الحدث، وهذا يستلزم محدث فاعل، إذ لا يمكن -وهو ممتنع عقلاً- أن يوجد حدث بدون فاعل، هذا ممتنع، وحينئذٍ نقول: قام زيد، زيد هذا فاعل لقام، اقتضاه وطلبه واستلزمه لماذا؟ لأن القيام لا يتصور هكذا بدون محدث، قام يدل على قيام فحسب لا يدل على ذات، فحينئذٍ نقول: دلالة الفعل على الفاعل دلالة التزامية، وهي دلالة لفظ على خارج عن مسماه لازم له، وحينئذٍ ليس من مسمى قام أو يقوم أو قم الفاعل، ليس من مسماه، وإنما هو لازم له، وإذا لزمه حينئذٍ لا ينفك عنه البتة، لا بد أن يوجد.

ثانياً: أن الفعل يسكَّن مع تاء الفاعل، (ضربْتُ)، وسبق تعليله عند الجمهور بأن التسكين هنا لدفع كراهة توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، هما كلمتان، العرب تكره أربع متحركات في كلمة واحدة، لا بد أن يكون فيها ساكن، لا بد أن يكون الثاني أو الثالث ساكن، وحينئذٍ إذا قيل: قمت وضربت، ضرَبْتُ الأصل ضَرَبَتُ، كيف العرب تكره أربع متحركات في كلمة واحدة وليس عندنا كلمة واحدة أربع متحركات؟، ضرب هذه كلمة، والتاء كلمة مستقلة، لما اتصلت بها وكانت لازمة لها من جهة المعنى اعتبرت التاء كأنها حرف من ضرب فكأنها أربعة أحرف، والعرب تكره توالي المتحركات فيما هو أربعة أحرف، هذا دليل على أنهم نزلوا الفاعل كجزء من الكلمة فاعتبر حرفاً وهو التاء هنا ومثله الاسم الظاهر، هذا دليل ثاني على أن الفاعل كجزء من الفعل، أنه يسكن له آخر الماضي لاتصاله به، وإنما سكن لدفع توالي أربع متحركات فيما هو كلمة واحدة في الأصل، وفيما هو كالكلمة الواحدة، وهو الفعل مع فاعله، هذا تعليل وله وزنه عندهم. ثالثاً: في الأمثلة الخمسة وهذا أوضح، الأمثلة الخمسة نقول: يفعلان، تفعلان، يفعلون، تفعلون، تفعلين. هذه تعرب بثبوت النون، الزيدان يضربان، يضربان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، أين النون؟ بعد الألف، ما حقيقة الإعراب؟ أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة، قلنا: هذا بيان لمحل الإعراب. يضربان، أين ظهر الإعراب؟ بعد الألف، وهذه الألف فاعل، إذاً: نُزِّلَ الفاعل مُنَزَّلةَ الكلمة فظهر بعده ثبوت النون، هذا يدل على أن (يضربا) هي كلمتان في الحقيقة، لكن جعلت الثانية مُنَزَّلةً من الأولى مُنَزَّلةَ الجزء من كله، ولذلك ظهر الإعراب بعد الألف، (يضربان)، وهذا واضح بين أن الفاعل كالجزء من فعله، بهذه الأدلة الثلاثة قال: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ، والتعليل: أن الفعل وفاعله كجزئي كلمة، ولا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها، هذا مذهب جماهير النحاة من البصريين ومن وافقهم من الكوفيين، وحينئذٍ تقول: قام زيد، قام الزيدان، قام الزيدون، لا بد أن يكون بعده، وأشار إلى ذلك بقوله: وَبَعْدَ فِعْلٍ، فإن تقدم حينئذٍ خرج عن كونه فاعلاً، لا نقول: التركيب لا يصح، لا. يصح، لكن لا يصح على كونه فاعلاً، وأما على جعله مبتدأً وما بعده خبر فلا بأس، زيد قام، قام زيد، لو قال قائل: قام زيد، قام: فعل ماضي وزيد فاعل، أنا أريد أن أقدم، أقول: زيد قام، زيد: فاعل مقدم على عامله، وقام: فعل مؤخر، يجوز أو لا يجوز؟ لماذا؟ لأن شرط الفعل والفاعل أن يكون العامل متقدماً على الفاعل، فإن تقدم المعمول –الفاعل- على عامله خرج عن كونه فاعلاً، صار مبتدأً. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ: إذاً وجوب تأخير الفاعل عن عامله، لماذا؟ لأن الفاعل كجزء من الكلمة، حينئذٍ نُزِّلَ مُنَزَّلةَ الجزء فصار كالصدر والعجز، والعجز لا يتقدم على صدره.

وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ: إذاً فهم منه أن الفعل لا بد له من فاعل، وفُهم من قوله: بَعْدَ، الترتيب -أن الفاعل لا يكون إلا بعد الفعل-، وسيأتي أن بعض الأفعال قد لا تحتاج إلى فاعل، استثناء، بعض الأفعال قد لا تحتاج إلى فاعل من الفعل المؤكِّد، لو قلت: قام قام زيد، يجوز هذا، (أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ احْبِسِ احْبِسِ)، أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ، قام قام زيد، قام: فعل ماض، وقام الثاني مؤكِّد، وزيد فاعل للأول، الثاني قام هل له فاعل؟ ليس له فاعل. كذلك بعض الأفعال التي اتصلت بها ما الكافة "قَلَّ" و "طالَ" و "كثُر" .. قَلَّمَا وكَثُرَ مَا وطَالَمَا هذه أفعال ليس لها فاعل على المشهور عند النحاة، لأن (ما) هذه كافة كفتها عن طلب الفاعل، وقيل: بل (ما) هذه مصدرية، وحينئذٍ تؤول مع ما بعدها فيكون فاعل، وهذا أقيس. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ: وكذلك المحذوف، -الفاعل المحذوف- للتخلص من التقاء الساكنين، نقول: الفعل ليس له فاعل باعتبار النطق، وإن كان المحذوف لعلة كالثابت عند النحاة، لكن من حيث الشيء المحسوس .. وقد سبق أن الجملة قد ينظر إليها من جهة الحس، يعني ما يلفظ به، وحينئذٍ قد يحذف بعض أنواع الفاعل، ومنها: ((لَتُبْلَوُنَّ)) [آل عمران:186] مثلاً، الواو حذفت، إذا أُكِّد الفعل المسند إلى ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المؤنثة المخاطبة، وحينئذٍ يحصل التقاء ساكنين ويحذف الفاعل، ولذلك يقال: اتَّقُوا اللَّهَ، اتقوا أنتم الله، هذا نقول: ضمير مستتر. نريد أن نأتي بواو ساكنة بعدها ساكن حتى يحذف من أجل التخلص من التقاء الساكنين، مثل: أبو العباس، أبو العباس قلنا: الواو هذه محذوفة، سمعوا القول، الناس سمعوا القول، سمعوا: الواو هذه فاعل، وحينئذٍ التقى الساكنان وحذفت في النطق، والمحذوف للتخلص من التقاء الساكنين هذا محذوف لعلة وحينئذٍ يكون كالثابت، لكن هذا يذكر في مثل هذه المواضع، ما حذف –الفاعل- للتخلص من التقاء الساكنين سواء كان لوجود النون، نون التوكيد الثقيلة كما في: "تَرَيِنَّ"، "لَتُبْلَوُنَّ"، أو: الناس سمعوا كذا، حينئذٍ نقول: التقى الساكنان. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ فَإنْ ظَهَرْ فَهْوَ: هنا حصل اتحاد في الظاهر اللفظي بين الشرط ومشروطه، والأصل التخالف. فَإنْ ظَهَرْ: الفاعل فهو الفاعل، إذاً: جواب الشرط ما الذي فيه جديد؟ فَإنْ ظَهَرْ: يعني بدأ ونطق به الفاعل فهو الفاعل، إذا ظهر الفاعل فهو الفاعل قطعاً، لا بد من تخالف جواب الشرط مع الشرط، فذهب الشراح إلى مسلكين، إما أن نقول: فإن ظهر أي: وجد في اللفظ فهو ذاك، وهذا تقدير الأشموني وهو جيد. والمكودي ذهب إلى قوله: فإن ظهر ما هو فاعل في المعنى فهو الفاعل في الاصطلاح. فَإنْ ظَهَرْ يعني: في التركيب، ما هو فاعل في المعنى فهو فاعل في الاصطلاح.

أجيب: بأنه يشمل المبتدأ وغيره، يعني: هذا غير جامع، أجيب: بأن قوله: فإن ظهر في المعنى أنه فاعل باعتبار الشروط السابقة ليس مطلقاً، وحينئذٍ لا بد من التأويل لئلا يتحد جواب الشرط مع فعل الشرط، ولذلك لما هناك في الحديث: {فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} من كانت هجرته إلى الله ورسوله قصداً وعملاً، فهجرته إلى الله ورسوله ثواباً وأجراً، إذاً: اختلفا، لا بد من التقدير؛ لأن جواب الشرط لا يكون عين فعل الشرط، لأن الشيء يكون معلقاً على شيء مغاير لا على نفسه، إن جاء زيد جاء زيد، إن جاء زيد أكرمته، أما: إن جاء زيد جاء زيد، إن جاء عمرو جاء عمرو، نقول: هذا متحد، وحينئذٍ لا بد من المغايرة. فَإنْ ظَهَرْ: يعني وجد في اللفظ ونطق به فهو ذاك، أي: الفاعل الاصطلاحي، مثل قام زيد، نقول: هذا ظهر في اللفظ، قام: فعل ماضي، وزيد: اسم صريح -نُطِق به-، وقام الزيدان، قام الزيدون، قامت هند، قمتُ، نقول: هذا ظهر في اللفظ. وَإلاّ وإن لم يظهر في اللفظ لا بد أن يقدر، لأنه لا ينفك الفعل عن الفاعل، لأن الدلالة عقلية، وهنا اشترك النقل مع العقل، فنقول: الدلالة عقلية لا يمكن أن ينفك الفعل عن فاعل. إن لم يظهر في اللفظ، فََضَمِيرٌ، فهو ضمير مستتر، وَإلاّ وإن لم يظهر في اللفظ، فََضَمِيرٌ، ضمير هذا خبر مبتدأ محذوف، يعني: فهو ضمير. اسْتَتَرْ: هذا صفة له، نحو: قم، نقول: لم يظهر عندنا فاعل، لم ننطق بفاعل، أين الفاعل؟ نقول: هنا أسند الفعل إلى ضمير مستتر، وسبق معنا في أول الكتاب كَلاَمُنَا لَفْظٌ، قلنا: اللفظ هو الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية، قلنا هنا: لا بد أن ندخل الضمائر المستترة من أجل أن نحكم عليها أنها فاعل، نحن لا نحكم على فاعل إلا إذا كان اسماً صريحاً أو مؤول بالصريح، وهذه ليست باسم، فحينئذٍ لا بد من التأويل والتكلف والتعسف حتى ندخل هذه الألفاظ. فـ قم نقول فيه: ضمير مستتر؛ لأنه وإن لم يكن لفظاً منطوقاً به إلا أنه في قوة اللفظ، فهو صَوْتٌ مُصَوَتٌ بالقوة وليس بالفعل، إذ اللفظ منه ما هو أفراد محققة وأفراد مقدرة، هكذا قيل. قم وزيد قام، قام هو، وهند قامت، يعني هي، وحينئذٍ إذا لم يوجد لفظ يصح أن يكون فاعلاً اصطلاحياً لا بد من التقدير، لكن لا بد من التقدير على المواضع السابقة، متى نقول واجب الاستتار ومتى نقول جائز الاستتار ومتى نحكم عليه بأنه ضمير بارز ومتى نحكم عليه بأنه ضمير مستتر! إذاً: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ فَإِنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ وَإِلاّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ قال الشارح: حكم الفاعل التأخر عن رافعه، وهو الفعل أو شبهه نحو: قام الزيدان، وزيد قائم غلاماه، غلاماه هنا فاعل لقائم، وقام زيد، ولا يجوز تقديمه على رافعه، الزيدان قام لا يصح، ولا الزيدون قام لا يصح، بل لا بد أن تقول: الزيدان قاما بالألف، والزيدون قاموا بالواو، ولا زيد قام على أن يكون زيد فاعلاً مقدماً، بل على أن يكون مبتدأً، التركيب صحيح، لكن من جهة كونه مبتدأً لا فاعلاً. والفعل بعده رافع لضمير مستتر، زيد قام هو، هذا مذهب البصريين.

وأما مذهب الكوفيين فجوزوا تقديم الفاعل على المفعول: مَا لِلجمالِ مَشْيُهَا وَئِيدَاً ... أَجَنْدَلاً يحْمِلْنَ أمْ حَدِيدَا قالوا: هنا قدم الفاعل على عامله: مَشْيُهَا وَئِيدَاً. مَا لِلجمالِ، مَا: اسم استفهام مبتدأ، لِلجمالِ: هذا خبر، مَشْيُهَا: بالرفع، وَئِيداً: هذا حال من الجمال، ما للجمال حالة كونها وئيداً مشيها، فمشيها فاعل لوئيد فعيل، حينئذٍ تقدم على عامله، قالوا: يجوز مطلقاً في جميع التراكيب أن يكون الفاعل مقدماً على عامله، فحينئذٍ قام زيد فعل وفاعل، زيد قام، زيد إما أن يكون فاعلاً، إما أن يكون مبتدأ وخبره ما بعده، فيجوز عندهم وجهان في زيد قام، زيد فاعل مقدم، وقام هذا فعل مؤخر وليس فيه ضمير، وزيد: مبتدأ، وقام: هذا جملة خبر، لأنه مسند إلى ضمير مستتر، فحينئذٍ نقول: الصحيح الذي لا ينبغي التعويل على غيره أنه لا يجوز أن يتقدم الفاعل على عامله، لأنه يؤدي إلى اللبس، هل هذا مبتدأ أو فاعل! لأن ثَمَّ فرقاً عند النحاة وغيرهم بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية، الجملة الفعلية تدل على التجدد والحدوث، وأما الجملة الاسمية فتدل على الثبوت والاستمرار. إذاً: لا يمكن أن يجوَّز الأمران ثم نقول اعرب ما شئت أو اعتقد ما شئت، هذا مبتدأ أو فاعل. وأما ما استدلوا به: مَشْيُهَا وَئِيدَاً هذا سهل تأويله: ما للجمال وئيداً مشيها، ما للجمال نقول: وئيداً مشيها، مشيها هذا مبتدأ، ما دام أنه مرفوع نجوز أنه مبتدأ، وئيداً هذا حال من الخبر المحذوف، مشيها ثابت أو ثبت وئيداً أو يكون أو يوجد، قدر له ما شئت، فوئيداً حال من الفاعل المستتر في الخبر المحذوف. مَشْيُهَا: كائن أو ثابت وئيداً، أو وجد وئيداً، لا إشكال، وحينئذٍ هو حال من فاعل الخبر المحذوف، التقدير: مشيها يكون أو يثبت وئيداً، إذاً جاز تأويله، هذا المراد، جاز تأويله على وجه صحيح، وحينئذٍ لا يتعين أن يكون فاعلاً مقدماً، نعم لو جيء بأمثلة لا يجوز فيها إلا أن يكون فاعلاً له شأن آخر، وأما إذا أمكن التأويل فحينئذٍ نرجع إلى التأويل، لأنه لا يمكن أن ننظر في القرآن من أوله إلى آخره والسنة وما ورد في أشعار العرب كلها العامل مقدم والفاعل مؤخر، ثم العقل والنظر يقتضي ذلك، ونأتي بمثل هذا البيت والبيتين والثلاثة ثم ننسف هذه القاعدة من أصلها. إذاً نقول: الصواب أنه لا يجوز تقدم الفاعل على عامله. واستدل البصريون على أنه لا يجوز تقديم الفاعل على فعله بوجهين: أحدهما: أن الفعل وفاعله كجزئي الكلمة الواحدة كما ذكرناه سابقاً. وثانيهما: أن تقديم الفاعل يوقع في اللبس بينه وبين المبتدأ، إذ فرق بين الجملة الاسمية ودلالتها والجملة الفعلية ودلالتها. وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ فَإِنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ وَإِلاَّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ

هل ثَمَّ قسم ثالث من أنواع الفاعل؟ بعضهم رأى أن ثَمَّ قسماً ثالثاً وهو الفاعل المحذوف، بعض التراكيب قلنا: يحذف منها الفاعل وجوباً، لا يجوز ذكر الفاعل معها البتة، وحينئذٍ هل هو قسم ثالث أم لا؟ من نظر إلى لسان العرب من حيث الوضع: الأصل في كل فعل أن يكون له فاعل حينئذٍ يصير هذا الحذف عرضاً، والتأصيل والتقعيد إنما يكون بالأصول لا بالفروع. هذا أولاً. ثانياً: ينظر إلى أن الفاعل الذي حذف لعلة والمحذوف لعلة كالثابت بأنه موجود، وحينئذٍ يدخل في قوله: بَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ، يعني ما حذف لعلة تصريفية كالواو من: "لَتُبْلَوُنَّ" أو "تَرَيِنَّ" الياء، وحينئذٍ نقول: هذا داخل في قوله: بَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ، وهذا لا إشكال فيه. وأما: (أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ)، حينئذٍ نقول: أتاكِ لا فاعل له، هل هو بأصل الوضع أم بطروء عليه؟ الثاني. لو قلت: أتاكَ لا بد من فاعل: أتاك زيد، نقول: هذا فعل اقتضى فاعلاً، إذاً: في هذا التركيب على جهة الخصوص لكونه مؤكداً، والفعل المؤكد لم يقصد فيه الإسناد أصالة، ما قصد فيه الإسناد، وإنما قصد فيه تأكيد المعنى الذي دل عليه الفعل السابق، وحينئذٍ نقول: القسمة ثنائية: فعل ظاهر وفعل مستتر. لم يذكر الناظم القسم الثالث وهو الفاعل المحذوف لندرته ولا حكم له، وكلها قابلة للنقاش، يعني ما قيل فيها أنها محذوفة، وسيأتي شيء منها. وتظهر فائدة الخلاف في غير الصورة الأخيرة وهي صورة الإفراد، نحو: زيد قام، فتقول على مذهب الكوفيين: الزيدان قام بالإفراد، ما تقول: قاما بالألف، وعلى مذهب البصريين: الزيدان قاما بالألف، والزيدون قاموا، وأما مذهب الكوفيين لا، الزيدان قام، والزيدون قام، -حتى أنها ركيكة-. الزيدون هذا فاعل مقدم، وقام: هذا فعل مؤخر، وهذا ما يتحد. وَجَرِّدِ الْفِعْلَ إِذَا مَا أُسْنِدَا ... لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ الشُّهَدَا وَقَدْ يُقَالُ سَعِدَا وَسَعِدُوا ... وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ أشرنا إلى هذه المسألة في كلامنا على المبتدأ الذي هو النوع الثاني، أن الأصل في الفعل أن يجرد عن علامة تدل على تثنية الفاعل أو جمعه، فتقول: قام زيد، زيد هذا فاعل وهو مفرد، وإذا ثني الفاعل بقي الفعل على إفراده كما هو، لأن الحدث واحد، الجنس واحد، قام الزيدان، فالزيدان قد اشتركا في إحداث قيام وهو شيء واحد دل عليه لفظ قام، وليس هما قيامين حتى نحتاج إلى تثنية قاما وإنما هو شيء واحد، فيلزم الإفراد مع الفاعل المثنى، فتقول: قام –بالإفراد- الزيدان كما تقول: قام زيد.

وكذلك إذا أسند الفعل إلى فاعل جمعاً وهو: قام الزيدون، الزيدون هذا فاعل وهو جمع، لا تقل: قاموا الزيدون إشارة إلى أن الفاعل جمع، لا، وإنما يلزم الإفراد، هذا هو اللغة السائدة في لسان العرب: أنه إذا أسند الفعل إلى فاعل مثنىً أو جمعاً وجب تجريد الفعل من علامة تدل على التثنية أو على الجمع، وهذا يفارق ما إذا أسند الفعل إلى فاعل مؤنث، وحينئذٍ يلزمه وجوباً أو جوازاً -كما سيأتي- أن يتصل بالفعل علامة تدل على تأنيث الفاعل، قامت هند، هند: فاعل وهو مؤنث، حينئذٍ اتصل بالفعل علامة تدل على تأنيث الفاعل، هل مثله إذا كان الفاعل مثنى يتصل بالفعل علامة تدل على أنه مثنى مثل التاء، وإذا كان الفعل جمعاً اتصل بالفعل علامة تدل على أنه جمع؟ لا، ليس هما سيان. أولاً: لأن إلحاق التاء بالفعل لغة عامة سائدة في لسان العرب، فليست هي لغة خاصة بفرد أو قبيلة أو نحو ذلك. ثم أن الزيدان والزيدون يدل على التثنية بذاته، فلا لبس، أما هند فهذا قدر مشترك بين المذكر والمؤنث، يعني علم لمذكر وهو علم لمؤنث، وحينئذٍ إذا قيل: قام هند وأردت به المؤنث حصل لبس، وكلما حصل لبس لا بد من دفعه في لسان العرب، فثمَّ فرق بين إلحاق الفعل تاءً تدل على تأنيث الفاعل فيما إذا كان الفاعل مؤنثاً، وبين أن يلحق الفعل علامة تثنية تدل على تثنية الفاعل أو جمع تدل على جمع الفاعل، ففرق بين هذا وذاك. ثم أمر ثالث: وهو أن تأنيث الفعل قد يكون واجباً -في بعض الصور-، قد يكون التأنيث واجباً وذلك إذا كان الفاعل مؤنثاً تأنيثاً حقيقياً ولم يفصل بينه وبين عامله بفاصل، حضرت هند، قامت هند، هذا واجب ليس بجائز. وأما لغةُ من ألحق علامة التثنية فهو جائز، يجوز عندهم: قاما الزيدان وقام الزيدان، ويجوز عندهم: قاموا الزيدون وقاما الزيدون، وحينئذٍ فرق بين ما وجب وبين ما جاز، هذه المسألة أشار إليها بقوله: وَجَرِّدِ الْفِعْلَ، جَرِّدِيعني: عرِّه ولا تلحقه علامة تثنية ولا علامة جمع. وَجَرِّدِ الْفِعْلَ: الذي هو عامل في الفاعل، وهل الوصف مثله؟ هل الوصف مثله إذا رفع فاعلاً، أقائم الزيدان، مثله؟ نعم. إذاً خص الفعل لماذا؟ لكونه أصلاً، ومثله الوصف الرافع لفاعل، ولذلك سبق معنا: وَالثَّانِ مُبْتَدَاً وَذَا الْوَصْفُ خَبَرْ ... إِنْ فِي سِوَى الإِفْرَادِ طِبْقَاً اسْتَقَرّْ احترازاً من هذه المسألة: أقائمان الزيدان، الثاني مبتدأ والأول خبر، لماذا؟ لئلا يلحق بالوصف وهو عامل في الفاعل علامة تدل على التثنية، ومثله: أقائمون الزيدون. وَجَرِّدِ الْفِعْلَ: عرِّه الْفِعْلَ وما عمل عمله أو ما جرى مجراه، جرده من ماذا؟ من علامة التثنية والجمع، لا تلحقه علامة وهي حرف يدل على التثنية، أو حرف يدل على الجمع، متى؟ إذَا مَا أُسْنِدَا لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ: إذَا أُسْنِدَا، مَا: هذه زائدة. يا طالبا خذ فائدة ** بعد إذا (ما) زائدة إذَا مَا أُسْنِدَا: الألف للإطلاق. لاِثْنَيْنِ: يعني لفاعل مثنى يدل على اثنين. أَوْ جَمْعٍ: أو فاعل يدل على جمع.

كَفَازَ الشُّهَدَا: فاز الشهداء، نقول: فاز هذا مفرد، فاز زيد وفاز الشهيدان وفاز الشهداء، الفعل واحد مفرد في الجميع سواء كان مفرداً الفاعل أو مثنىً أو جمعاً ((قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ)) [المائدة:23]، ((وَقَالَ الظَّالِمُونَ)) [الفرقان:8]، ((وَقَالَ نِسْوَةٌ)) [يوسف:30] كلها في القرآن، فدل على أن إفراد الفعل مع كون الفاعل متعدد سواء كان مثنىً أو جمعاً، هذا هو اللغة الفصحى وعليه التعويل. وَقَدْ يُقَالُ سَعِدَا وَسَعِدُوا ... وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ وَقَدْ: للتقليل، قليل، سمع في طي وغيرها أنهم يلحقون الفعل علامة تثنية إذا كان الفاعل مثنى وعلامة جمع إذا كان الفاعل جمعاً، فيقولون: قاما الزيدان، قام: فعل ماض، والألف حرف تثنية مبني على السكون لا محل له من الإعراب، لا تعربه فاعل، والزيدان: فاعل. قاموا الزيدون، قاموا، قام: فعل ماضي مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة، مناسبة الضمير أو حرف الجمع؟ حرف الجمع، هذا تزيده هناك في الفعل الماضي. والواو هذا حرف دال على الجمع مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ليس هو الفاعل، وإنما هو مثل: قامت –التاء-. قاموا الزيدون، فالزيدون هذا فاعل يعتبر عند من نطق بهذا التركيب. وَقَدْ يُقَالُ: وهي لغة قليلة، سَعِدَا هذا نائب فاعل لـ: يقال، بناه للمجهول، لأنها لغة قليلة، ولذلك دل عليها بقوله: قد. وَقَدْ يُقَالُ سَعِدَا وَسَعِدُوا ... وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ قَدْ يُقَالُ: سَعِدَا الشهيدان، ووَسَعِدوا الشهداء مع الجمع ومع التثنية، يلحق علامة تثنية وعلامة جمع، لكن ليس مطلقاً وإنما قيده: وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ. يعني: هذه اللغة القليلة لها صورتان: في اللفظ واحدة، وفي التقدير مختلفتان، إذا قلت: قاما الزيدان، ثَمَّ صورة مشتهرة شهيرة، وثَمَّ صورة هي لغة قليلة رديئة، بالنظر إلى الألف هذه: قاما الزيدان، إن جعلتها حرفاً ليست بضمير فحينئذٍ أسندتَ قاما إلى الزيدان، هذا هو الذي أشار إليه الناظم بأنه لغة قليلة، وأنه مخالف للفصيح المشتهر في لسان العرب، متى؟ إذا أسندت الفعل إلى الاسم الظاهر الزيدان، وحينئذٍ لا يكون للفعل فاعلان، إذا قلت بأن الفاعل هو الزيدان امتنع أن يكون الألف فاعل قطعاً، الفاعل له واحد، فحينئذٍ قاما الزيدان إذا أسند الفعل للاسم الظاهر امتنع جعل الألف -ألف التثنية- فاعلاً، ولك صورة أخرى أن تقول: قاما الزيدان، قاما قام: فعل أسند إلى الألف وحينئذٍ صارت ضميراً اسماً فاعلاً، والزيدان صار مبتدأً مؤخراً ليس هو الفاعل، ففَصلتَ بين قام والزيدان، جعلتَ قام مسنداً إلى الألف، تقول: الزيدان قاما هذه الألف فاعل ضمير، لك في مثل هذا التركيب قاما الزيدان أن تجعل الألف هذه ضميراً، فإذا جعلتها ضميراً أعربتها فاعل، وحينئذٍ استوفى قاما فاعله وبقي الزيدان منفصل، وإذا انفصل حينئذٍ له توجيهان في الإعراب: إما أن يكون بدلاً من الألف من الضمير، وإما أن يكون مبتدأً مؤخراً، وجملة قاما في محل رفع خبر مقدم، ولذلك اللغة الرديئة ليست بإسناد قاما إلى الألف، وإنما قيدها بقوله:

وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ لا زال مسنداً مع إلحاق الفعل علامة التثنية، وإلحاق الفعل علامة جمع، وحينئذٍ القلة هنا ومخالفة الفصيح ليس بالتركيب نفسه، وإنما بإسناد قام إلى الاسم الظاهر مع كونه ملحقاً بألف التثنية. وَجَرِّدِ الْفِعْلَ: من علامة التثنية. إذَا مَا أُسْنِدَا: الألف للإطلاق. لاِثْنَيْنِ أَوْ جَمْعٍ كَفَازَ الشُّهَدَا فَازَ الشهيدان وفَازَ الشُّهَدَا، وقد يقال في لغة قليلة: سعدا الزيدان أو الشهيدان بالألف، يعني لم يجرد من ألف التثنية مع كونه مسنداً إلى الاسم الظاهر، وكذلك: سعدوا الزيدون أو الشهداء مع كون الفعل مسنداً إلى الاسم الظاهر، وبين هذا بقوله: وَالْفِعْلُ الواو هذه واو الحال وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ مُسْنَدُ: وَالْفِعْلُ مُسْنَدٌ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ يعني: لا زال، بَعْدُ، ما إعرابها؟ متعلق بماذا؟ بَعْدُ متعلق بـ: مُسْنَدُ، مُسْنَدُ بعد، يعني لا زال أنه مسند للاسم الظاهر، هذا الذي يعتبر لغة قليلة. مذهب جمهور العرب أنه إذا أسند الفعل إلى ظاهر مثنى أو مجموع وجب تجريده من علامة تدل على التثنية أو الجمع، فيكون كحاله إذا أسند إلى مفرد، فتقول: قام الزيدان وقام الزيدون وقامت الهندات كما تقول: قام الزيدون، لا فرق بين الإسناد إلى المفرد وإلى المثنى وإلى الجمع باعتبار الفعل نفسه. ولا تقول -على مذهب هؤلاء-: قاما الزيدان ولا قاموا الزيدون ولا قمن الهندات، فتأتي بعلامة في الفعل الرافع للظاهر على أن يكون ما بعد الفعل مرفوعاً به، وما اتصل بالفعل من الألف والواو والنون حروف تدل على تثنية الفاعل أو جمعه بل على أن يكون الاسم الظاهر مبتدأً مؤخراً والفعل متقدم، وما اتصل به اسماً في موضع رفع به، والجملة في موضع رفع خبراً عن الاسم المتأخر. ويحتمل وجهاً آخر: هو أن يكون ما اتصل بالفعل مرفوعاً به فاعل يعني، وما بعده بدل الذي هو الزيدان، هذا وجه ولا بأس به. ومذهب طائفة من العرب وهم بنو الحارث بن كعب ونسب إلى طيء كذلك: أن الفعل إذا أسند إلى الظاهر مثنى أو مجموع أتي فيه بعلامة تدل على التثنية أو الجمع، فتقول: قاما الزيدان وقاموا الزيدون وقمن الهندات، فتكون الألف والواو والنون حروف تدل على التثنية والجمع، كما كانت التاء في: قامت هند، حرف تدل على التأنيث عند جميع العرب. والاسم الذي بعد الفعل المذكور مرفوع به كما ارتفعت هند بقامت، ومن ذلك قوله: تَوَلّى قِتَالَ المَارِقِينَ بِنَفْسِهِ ... وَقَدْ أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ: الألف هذه ألف التثنية حرف، ومُبْعَدٌ وَحَمِيمُ، مُبْعَدٌ: هذا فاعل. والأصل أن يقول القياس: وقد أسلمه مبعد، فهذه اللغة لا تمنع مع المفردين أو المفردات المخاطبة.

هنا إشكال في الاستدلال بهذا البيت، نحن نقول: إذا أسند الفعل إلى مثنى، وحينئذٍ: قَدْ أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ، وحميم هذا ليس فاعلاً اصطلاحاً، أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ كأنه قال: قام زيد، حينئذٍ أسند إلى مفرد، والنحاة إنما يذكرون إذا أسند الفعل إلى مثنىً، هل مرادهم المثنى الاصطلاحي أو ما هو أعم من ذلك؟ لا، مرادهم الاصطلاحي، مراد النحاة المثنى الاصطلاحي، لكن إذا استدلوا على هذه اللغة أتوا بهذا البيت: أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ، وهذا فيه إشكال من حيث إن الفعل مسند إلى مفرد. وأما من حيث المعنى فحينئذٍ المعطوف والمعطوف عليه في قوة الاثنين، ولذلك قلنا: أصل المثنى الزيدان جاء زيد وزيد، هذا الأصل، فاختصاراً قيل الزيدان؛ لما ذكرناه سابقاً. أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ، وحينئذٍ ألحق بالفعل علامة تدل على التثنية، والفاعل مركب من جهة المعنى لا من جهة الاصطلاح، وحينئذٍ إذا أسند الفعل إلى مثنىً اصطلاحاً أو معنىً ألحقت هذه اللغة بالفعل علامة تثنية، ليس خاصاً بالمثنى فقط، لاِثْنَيْنِ قال: لاِثْنَيْنِ، المراد المثنى هذا الذي عليه أكثر الشراح وكتب النحو، ولذلك يمثلون: قام الزيدان، وأما أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ فليس مطابقاً لما ذكر. تَوَلَّى قِتَالَ المَارِقِينَ بِنَفْسِهِ ... وَقَدْ أَسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ (يَلُومُونَنيِ فيِ اشْتِراءِ النَّخِيلِ أَهْلىِ ... ) يلومونني: الواو هذه علامة جمع، وأَهْلىِ هو الفاعل، حرف يدل على الجمع. (رَأَيْنَ الْغَوَانِي ... )، رَأَيْنَ النون هذه نون الإناث، والْغَوَانِي: هذا فاعل، حرف يدل على جمع الإناث. قال: فـ: مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ مرفوعان بقوله: أَسْلَمَاهُ، وهذا يدل على ما ذكرناه، وإن كان أكثر النحاة على غير ذلك. مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ: مرفوعان بقوله: أَسْلَمَاهُ، ليس هو فاعل اصطلاحاً، وإنما الأول مرفوع بـ: أسلما، والثاني معطوف عليه، وفي المعنى هو فاعل، كما قلنا في باب ضارب، قلنا: أحدهما فاعل اصطلاحاً والثاني فاعل معنىً لغةً، ضارب زيد عمراً، هذه تدل على المفاعلة مشاركة، ضارب زيد عمراً، المشاركة تقتضي أن كلاً من زيد وعمرو ضارب ومضروب، ما تقع المضاربة إلا هكذا، ضارب زيد فزيد هذا فاعل اصطلاحاً، وهو مفعول لأنه وقع عليه شيء من الضرب، وعمراً هذا مفعول وقع عليه وهو ضارب أيضاً، إذاً كلاً منهما إما فاعل اصطلاحاً وهو مفعول به في المعنى، وكذلك قد يكون مفعولاً به في الاصطلاح وهو فاعل في المعنى، هذا مثله: مُبْعَدٌ وَحَمِيمُ كلاهما فاعل، لكن لغة ليس اصطلاحاً، وأما الاصطلاح فهو خاص بالأول. وإنما قال: وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ لينبه على أن مثل هذا التركيب إنما يكون قليلاً إذا جعلت الفعل مسنداً إلى الظاهر الذي بعده، وأما إذا جعلته مسنداً إلى المتصل به من الألف والواو والنون وجعلت الظاهر مبتدأ أو بدل من الضمير فلا يكون ذلك قليلاً بل هو مشهور. وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا ... كَمِثْلِ: زَيْدٌ فِي جَوَابِ: مَنْ قَرَا

قلنا: يحذف الفاعل كما سبق وكذلك يحذف الفعل، وهل يحذفان معاً؟ لا يمكن أن يحذفان معاً أبداً، وإنما يحذف الفاعل فقط، والأصل ذكره، ولذلك تُعَدُّ المواضع التي يحذف فيها الفاعل، وذكرها بعضهم أنها خمسة. أولاً: لا يجوز حذف الفاعل بل يجب ذكره، وعليه البصريون، وذهب الكسائي إلى جواز حذف الفاعل لدليل كالمبتدأ والخبر، ويستثنى مواضع يجوز فيها حذف الفاعل، ... أولاً: مع رافعه تبعاً له، من باب التبعية. إذاً: قد يحذفان معاً. إذا قيل: من ضربت؟ زيداً، زيداً مفعول به لفعل محذوف، تقديره: ضربتُ، إذاً حذفت الفعل مع فاعله، إذاً قد يحذف أو لا؟ نقول: قد يحذف مع رافعه تبعاً له، زيداً لمن قال: من ضربت؟ ثانياً: فاعل المصدر: ((أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)) [البلد:14] ((يَتِيمًا)) إطعامه يحذف هذا. الثالث: المؤكد بالنون كما ذكرناه: "لَتُبْلَوُنَّ" فاعل فعل اثنين مؤنث أو الجماعة. ((فَإِمَّا تَرَيْنَ)) [مريم:26] الفاعل محذوف هنا، أو إذا حذف للتخلص من التقاء الساكنين. كذلك نقول أيضاً: الاستثناء المفرغ، ما قام أحد إلا زيد، وهذا من المواضع التي يحذف فيها الفاعل. كذلك التعجب في نحو: ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] أَبْصِرْ بهم حذف الثاني لدلالة الأول عليه، الذي على صورة الأمر إذا كان معطوفاً على مثله. كذلك فاعل الأفعال المكفوفة بـ (ما)، طالما، قلما، كثر ما، المشهور عند النحاة أنها ليس لها فاعل، كفت بـ (ما) لا تطلب فاعلاً، وذهب بعضهم -وهو أقيس- أن (ما) مصدرية تؤول مع ما بعدها بمصدر. إذاً: يحذف متى؟ مع رافعه -تبعاً لرافعه-. ثانياً: فاعل المصدر. ثالثاً: المؤكد أو التخلص من التقاء الساكنين. رابعاً: الاستثناء. خامساً: التعجب. سادساً: فاعل الأفعال المكفوفة. قال: وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا بمعنى: أن الفاعل قد يلفظ دون عامله، وهذا قد يكون جائزاً وقد يكون واجباً، وأشار إليه بقوله: أُضْمِرَا، فـ أُضْمِرَا هنا استعمله بمعنى المحذوف، وهذا كما سبق في قوله: اسْتَكَنْ: وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ اسْتَكَنْ هناك مجاز عن الحذف، هنا أُضْمِرَا الأصل فيه أنه يكون مستتراً، هذا الاستتار هو الإضمار، وحينئذٍ نقول: أراد بالإضمار هنا الحذف، ثم قد يكون هذا الحذف جائزاً وقد يكون واجباً. وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا أي: حذف إما جوازاً وإما وجوباً، ومثل للجواز بقوله: كَمِثْلِ: زَيْدٌ فِي جَوَابِ مَنْ قَرَا؟ مَنْ قَرَأ؟ زيد، من صلى اليوم؟ محمد، فنقول: محمد هذا فاعل لفعل محذوف تقديره: صلى محمد.

من قرأ؟ زيد، زيد قرأ. ومراد المصنف هنا المثال فقط، يعني يجوز أن يعرب زيد في هذا المثال فِي جَوَابِ مَنْ قَرَا فاعلاً، مع كونه مرجوحاً، والأرجح أن يعرب مبتدأً؛ لأن الأصل في الجواب أن يكون مطابقاً للسؤال، فإذا قدرت اسماً من عندك مثلاً (زيد) يحتمل أنه مبتدأ وفاعل، انظر في السؤال هل هو جملة فعلية أو جملة اسمية! لا بد أن يكون الجواب مطابقاً له، إن كان جملة فعلية قدرت فعلاً صار فاعلاً، وإن كان جملة اسمية قدرته مبتدأً حذف خبره، وحينئذٍ: من قرأ؟ قرأ من؟ من قرأ؟ من: مبتدأ اسم استفهام، وقرأ: خبر، زيد قرأ، هذا التقدير، هذا أفصح، زيد قرأ، فزيد مبتدأ، هذا أرجح. وَالشَّأنُ لاَ يُعتَرَضُ المِثَالُ ... إِذْ قَدْ كَفَى الفَرضُ والاِحتِمَالُ والشَّأنُ والحال عند أرباب التصنيف والعلم لاَ يُعتَرَضُ المِثَالُ، إذ قد يكفي الفرض والاحتمال، إِذْ قَدْ كَفَى الفَرضُ والاحتِمَالُ، ما دام أنه محتمل لأن يعرب فاعلاً فلا بأس، لكن نبين فقط. وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا ... كَمِثْلِ: زَيْدٌ فِي جَوَابِ سائلٍ مَنْ قَرَا؟ وكذلك في جواب نفي: ما حضر أحد، بلى زيد، ما حضر أحد اليوم، بلى محمد، فمحمد هنا فاعل وهو وقع في جواب نفي، وكذلك في جواب استفهام محقق، مثل: هل قام زيد؟ قام زيد نعم، من الذي قام؟ زيد، زيد ماذا يكون هنا مبتدأ أو فاعل؟ من الذي قام؟ هذا مثل من قرأ. وأيضاً في الاستفهام المقدر: ((رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ)) [النور:37] رِجَالٌ، قالوا: هذا الأفصح فيه أن يعرب فاعلاً لفعل محذوف. ((يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ)) [النور: 36، 37] يُسَبَّحُ على قراءة البناء للمفعول، ((يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ)) كأنه قال: من المسبِّح؟ قال: رِجَالٌ، على ما ذهب إليه الناظم، فلا يصح جعل رجال نائب فاعل لأنهم مسبِّحون لا مسبَّحون، يُسبَّح له، رجال، رجال لا يصلح أن يكون نائب فاعل؛ لأنهم مسبِّحون، هم الفاعلون، وأما مسبَّحون هذا ليس هو شأن الرجال. إذاً: رجال فاعل لفعل محذوف دل عليه استفهام مقدر، دل عليه: ((يُسَبَّحُ لَهُ)) فقال قائل: من يسبح له؟ فقال: رجال، أي: يسبح رجال. إذا دل دليل على الفعل جاز حذفه، وهذه قاعدة عامة كما ذكرناه ولا نحتاج أن نعيدها دائماً، ما لا يدل عليه دليل الأصل لا يجوز حذفه إلا ما يستثنى.

إذا دل دليل على الفعل جاز حذفه وإبقاء فاعله، كما إذا قيل لك: من قرأ؟ تقول: زيد، التقدير: قرأ زيد، وقد يحذف الفعل وجوباً إذا فسر بـ (ما) بعد الفاعل من فعل مسند إلى ضميره أو ملابسه، إذا فسر بما بعد الفاعل من فعل مسند إلى ضميره، مثل ماذا؟ ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ)) [التوبة:6]، ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) [الانشقاق:1]. إذا وقع الاسم بعد (إن) الشرطية أو (إذا) الشرطية فحينئذٍ يتعين أن يكون ما بعدها فاعل، والذي دل على ذلك المفسِّر بعده مع أن (إن) الشرطية و (إذا) الشرطية لا يليهما الجملة الاسمية البتة، وإنما لا يليهما إلا الفعل، فإذا وجد في التركيب ما قد تبع أو جاء تالياً لـ (إن) الشرطية أو (إذا) حينئذٍ لزم أن نعرب الاسم مبتدأ وما بعده خبر، وعلى مذهب الكوفيين من جواز تقدم الفاعل على فعله يجوز عندهم أن يعرب مبتدأً، ويجوز أن يعرب فاعل، وهو مرجح. ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) اسْتَجَارَكَ أَحَدٌ، حينئذٍ أَحَدٌ هذا يصلح أن يكون فاعلاً لقوله: ((اسْتَجَارَكَ))، وعلى القاعدة: يجوز تقديم الفاعل على عامله، إذاً: إِنْ أَحَدٌ، أَحَدٌ هذا فاعل بناءً على القاعدة السابقة: مَشْيُهَا وَئِيدَاً، وحينئذٍ نقول: أَحَدٌ هذا فاعل، وإذا أعرب فاعل حينئذٍ لم يتلو (إن) اسم، وإنما تلاه فعل، هذا هو الأصل، إذاً: وافق الكوفيون البصريين في أن (إن) لا يليها إلا الفعل، ولكن لجواز أن يقدم الفاعل على الفعل أعربوا أَحَدٌ أنه فاعل. إذاً النتيجة: أن (إن) هنا لا يليها إلا الفعل، وخالفناهم في صحة القاعدة والاستدلال، لما امتنع أن يكون أَحَدٌ فاعلاً عند البصريين، إذاً لا بد من تقدير فعل محذوف، هذا الفعل ما حكمه، جائز الحذف أم واجب الحذف؟ واجب الحذف، لماذا؟ لأن الذي دل عليه الملفوظ، ولذلك قلنا في الضابط: إذا فسر بما بعد الفاعل من فعل مسند إلى ضميره أو ملابسه، هذا هو الذي دلنا على الفعل المحذوف، هو الذي فسره، فإذا قدرناه امتنع أن يجمع بين المفسِّر والمفسَّر فصار واجب الحذف. وَإِنْ أَحَدٌ، (وإن استجارك أحد من المشركين استجارك)، هذا التركيب، لكن لا يفصح به إلا في مقام التعليم، وأما عند الإعراب فلا، غلط، فلا تقل: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك لا، لأنه لا يجمع بين الجملتين، استجارك واستجارك لا يجمع بينهما إلا في مقام التعليم، وحينئذٍ: استجارك الملفوظ به الموجود في الآية دل على استجارك المحذوف، ولما امتنع الجمع بينهما حينئذٍ صار حذفه واجباً. ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) [الانشقاق:1] السَّمَاءُ على مذهب الكوفيين فاعل للفعل المتأخر انشَقَّتْ ولا إشكال. إذاً: ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) أصلها: إذا انشقت السماء، إذاً لم يتل إذا إلا فعل، عند البصريين لا، إذا انشقت السماء انشقت، صار واجب الحذف لماذا؟ لأنه لا يجمع بين المفسِّر والمفسَّر، هذان قولان متقابلان.

وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنه يجوز أن يكون التالي لـ (إن) و (إذا) مبتدأً، جوز أن يكون السَّمَاءُ وأَحَدٌ مبتدأ، وما بعده خبره له، وإِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ، إِذَا السَّمَاءُ: مبتدأ، وانشَقَّتْ: الجملة في محل رفع خبر، وهذا ليس بجيد، ولذلك اتفق البصريون والكوفيون على أنه لا يلي هذين الشرطيين (إن وإذا) إلا الفعل. إذاً قوله: وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ فِعْلٌ أُضْمِرَا ... كَمِثْلِ: زَيْدٌ فِي جَوَابِ: مَنْ قَرَا؟ أراد أن الرافع للفاعل قد يكون محذوفاً جوازاً إذ دل عليه دليل، وكذلك وجوباً. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

46

عناصر الدرس * تأنيث عامله وحكم التأنيث * إتصال الفاعل بعامله. وصور وجوب الإتصال * متى يجب تقديم المفعول على الفاعل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: لا زال الحديث في باب الفاعل، وقد عنون له الناظم رحمه الله تعالى بقوله: الفاعل. وقد ذكر رحمه الله تعالى الحدَّ بالمثال كما ذكرناه سابقاً في قوله: الْفَاعِلُ الَّذِي كَمَرْفُوعَيْ أَتَى ... زَيْدٌ مُنِيراً وَجْهُهُ نِعْمَ الْفَتَى وحقيقة الفاعل أُخذت من المثال، وهذه طريقة الناظم رحمه الله تعالى؛ يعرِّف بالمثال، وهو مُعْتَبَر عند المتقدمين أنهم يعرِّفون الشيء بالمثال، ولذلك قال سيبويه: الاسم كـ: زيد والفعل كـ: قام والحرف كـ (إذا)، عرَّفه بالمثال، وهذا لا بأس. وهنا قال: أَتَى ... زَيْدٌ مُنِيراً وَجْهُهُ نِعْمَ الْفَتَى عدد الأمثلة لما ذكرناه بالنظر إلى عامل الفاعل، وقد يكون فعلاً -وهو الأصل-، وقد يكون وصفاً وهو فرع مُنِيراً وَجْهُهُ، ثم الفعل قد يكون متصرفاً وقد يكون جامداً. ذكر في هذا الباب سبعة أحكام للفاعل، أشار إلى الأول -وهو الرفع- بقوله: كَمَرْفُوعَيْ، وهذا يشمل: الرفع الظاهر والرفع المقدر والرفع المحلي، ويشمل الرفع إذا كان بحركة أو بحرف. الرفع الظاهر واضح، والرفع المقدر كذلك إذا كان مقصوراً أو منقوصاً أو مضافاً إلى ياء المتكلم: جاء غلامي نقول: هذا مقدر الحركة فيه، جاء الفتى مثل ما ذكر الناظم: نِعْمَ الْفَتَى، وقد يكون محلياً وذاك فيما إذا كان الفاعل مبنياً أو كان مؤولاً بالصريح، أو إذا كان محلياً أو .. المحلي إذا كان مؤولاً بالصريح أو كان مبنياً، فقط في هذين البابين. وأما إذا كان مجروراً بحرف الجر الزائد كـ (الباء ومن) وحينئذٍ يكون من المقدر أو المحلي؟ قلنا: فيه نزاع، والصواب أنه من المقدر. هذا الحكم الأول وهو الرفع. والثاني: وجوب تأخيره عن عامله، وأشار إليه بقوله: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ. الثالث: لا بد منه في الظاهر وإلا مستتر، وأشار إليه بقوله: فَإنْ ظَهَرْ ... ... فَهْوَ وَإلاّ فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ والرابع: تجريد الفعل إذا أسند لمثنىً أو جمع، ومثله الوصف، إنما يذكر الفعل دائماً لأنه أصل في العمل، وأشار إليه بقوله: وَجَرِّدِ الْفِعْلَ .. البيتين. وقلنا: هذا هو الأصل في لسان العرب أنه يجرد، وَقَدْ يُقَالُ سَعِدَا وَسَعِدوا قلنا: هذه لغة بني الحارث أو نسبت إلى طي، ولكنها ليست بالمشهورة، فلا يحمل عليها فصيح الكلام، يعني: إذا جاء في القرآن ما ظاهره أنها لغة طي أو لغة أَكَلُوني الْبَرَاغِيثُ أو {يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ}، سمها بما شئت؛ إذا جاء ظاهر القرآن على هذه اللغة لا ينبغي إعرابه؛ لأن الألف أو الواو حرف وما بعده فاعل، ولذلك جاء قوله: ((وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)) وَأَسَرُّوا: -بالواو- النَّجْوَى: مفعول به، الَّذِينَ ظَلَمُوا، وهذا ظاهره مثل: قاموا الزيدون -ظاهره مثله-؛ لكن نقول: ينبغي -هنا- أن يجعل (الَّذِينَ) بدل أو جملة: أَسَرُّوا النَّجْوَى خبر مقدم، ولا ينبغي حمله على هذه اللغة.

وكذلك: ((ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)) كَثِيرٌ: هذا مبتدأ مؤخر، وعَمُوا: بالواو، وظاهره أنه على لغة: أَكَلُوني الْبَرَاغِيثُ، وحينئذٍ ينبغي حمله على ما ذكرناه، ومثله: {يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ} يَتَعَاقَبُونَ –بالواو-، مَلاَئِكَةٌ، نقول: هذا يجب حمله على ما ذكرناه. إذاً: الرابع: تجريد الفعل إذا أسند لمثنى أو جمع. الخامس: أنه يحذف الرفع جوازاً إذا دل عليه دليل، وأشار إليه بقوله: وَيَرْفَعُ الْفَاعِلَ ... البيت -هذا الخامس-. والسادس -وهو ما وقفنا عليه- وأشار إليه بقوله: وَتَاءُ تَأنِيثٍ، والمراد به: أن الفعل إذا كان الفاعل مؤنث حينئذٍ يؤنَّث الفعل باعتبار فاعله –مطلقاً- سواء كان مؤنثاً تأنيثاً حقيقياً أو كان تأنيثاً مجازياً، وحينئذٍ نقول: يلحق بالفعل علامة تدل على تأنيث الفاعل، قلنا: ثَمَّ فرق بين أن نلحقه علامة تدل على تأنيث الفاعل، وبين أن نلحقه علامة تدل على أنه مثنى أو جمع، إذ الأول -علامة تأنيث الفاعل- هذه مجمع عليه في سائر لغات العرب، ليست خاصة بلغة دون لغة. كذلك قد يلتبس الفاعل: قام هند، هند هذا علم لمذكر وقد يقال لمؤنث، يسمى به ذاك وذاك، كذلك زيد قد يسمى به مذكر ومؤنث، حينئذٍ إذا لم نأت بعلامة تدل على أنه مؤنث وقعنا في لبس وحينئذٍ لا بد من التأنيث. ثالثاً: أن التأنيث قد يكون واجباً في بعض الأحوال كما سيأتي: وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ ... الخ، وحينئذٍ نقول: هذا واجب في بعض أحواله، وأما في لغة من ألحق بالفعل علامة تثنية أو جمع لا يوجبونه، وإنما هو جائز أن نقول: قاما الزيدان وقام الزيدان على الأصل، فدل على أنهم يعرفون هذه اللغة الأصل، وإنما ألحقوا العلامة -علامة التثنية أو الجمع- بالفرعية. إذاً: يؤنَّث الفعل له إذا كان مؤنثاً بتاء ساكنة في آخر الماضي، وبتاء المضارع في أول المضارع، فيقال: قامت هند فيؤنث، ويقال: هند تقوم، تقوم هند؛ التاء هذه للتأنيث اكتفاءً بحرف المضارعة، ولا تتصل به تاء التأنيث الساكنة. قال رحمه الله: وَتَاءُ تَأْنِيثٍ تَليِ المَاضِي إِذَا ... كَانَ لأُِنْثَى كَأَبَتْ هِنْدُ الأَذَى وَتَاءُ تَأنِيثٍ تَلِي المَاضِي: تاء تأنيث ساكنة أصالة، وهي علامة من علامات الماضي: وَمَاضِيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ -كما سبق-. تَلِي المَاضِي: التَّاءُ مبتدأ، وهو مضاف وتَأنِيثٍ مضاف إليه وتَليِ - هي- التاء جملة في محل رفع خبر، والماضي هذا مفعول به سُكِّن للوزن، مَاضِيَ أصله الماضيا، يجب تسكينه من أجل الوزن، وحينئذٍ نقول: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الضرورة. إذَا كَانَ لأُِنْثَى: إذا كان الماضي مسنداً لأنثى.

كَأَبَتً هِنْدُ الأَذَى: أَبَتْ أبى امتنع، أَبَتْ هِنْدُ، هند هذا فاعل وهو مؤنث، وحينئذٍ نقول: تلحقه تاء تدل على أنه مؤنث، هذه التاء هي ميزة وعلامة للفعل الماضي، وهي خاصة بالفعل الماضي لا تدخل على الفعل المضارع، ولا تدخل على فعل الأمر، لا تلحق الفعل المضارع لاستغنائه بتاء المضارعة، وكذلك لا تدخل الأمر لاستغنائه بالياء في المفرد والنون في الجمع، قومي: الياء هذه للمؤنث، كذلك: قمن؛ النون هذه للمؤنث، فاكتفينا بالياء والنون عن إلحاقه بتاء التأنيث الساكنة، فهي خاصة بالفعل الماضي. وَتَاءُ تَأنِيثٍ: قلنا: من إضافة الدال للمدلول، يعني: تدل على تأنيث مدخولها، والمراد هنا: تدل على تأنيث الفاعل، ولسنا في مقام ذكر الفعل بجعلها علامة، هنا تَاءُ تَأنِيثٍ أخص، المراد به: تاء تأنيث تدل على تأنيث الفاعل، وسبق في مقام العلامات قلنا: تاء تأنيث تدل على تأنيث المسند إليه، هناك نعمم وهنا نخصص، والأولى أن نخصص هنا، نقول: تاء تأنيث ساكنة أصالة فلا يضر تحريكها لعارض تدل على تأنيث الفاعل، وحينئذٍ هي خاصة به. تَلِي المَاضِي: يعني تتصل بالماضي، -الفعل الماضي-، ومثله الوصف، لكن اللاحقة له حركتها حركة إعراب؛ لأنها ليست ساكنة بل هي متحركة، أقائمة هند، نقول: أقائمة هذا مبتدأ، وهو معتمِد على استفهام، وحينئذٍ ما بعده فاعل، فهند فاعل رفعه قائمة، ما حكم التأنيث هنا؟ نقول: لا بد من التأنيث، بماذا يؤنث؟ بتاء التأنيث الساكنة؟ لا، وإنما يؤنث بالتاء المتحركة المربوطة، نقول: أقائمة؛ التاء هذه تاء تأنيث، دلت على تأنيث الفاعل. إذاً: تَلِي المَاضِي كذلك الوصف إذا رفع الفاعل، وحينئذٍ إذا تلت الماضي، تكون متأخرة عنه: قامت هند. وهل يؤنث الفعل المضارع؟ نقول: نعم يؤنث، ولكن التاء تكون فيه تاء المخاطبة التي هي تقوم -تاء الخطاب-، هذه الحرف -حرف المضارعة- أغنى عن استجلاب تاء زائدة على مجرد هذه التاء، لماذا؟ لأنك لو قلت: قومت تقومت هند يعني: جمع فيه علامتا تأنيث، وهذا ممتنع: أن يكون في اللفظ الواحد علامتان على مدلول واحد، فحينئذٍ إذا وجدت علامة متقدمة اكتفينا بها عن علامة مستجلبة. وَتَاءُ تَأنِيثٍ: ساكنة. تَلِي المَاضِي: وكان حقها ألا تلحقه؛ لأن معناها في الفاعل، إلا أن الفاعل لما كان كجزء من الفعل جاز أن يدل بالفعل على معنىً في الفاعل، كما جاز أن يتصل بالفاعل علامة رفع الفعل في الأمثلة الخمسة -هذا مثل ما ذكرناه يضاف إلى ما سبق-. لماذا اتصلت تاء التأنيث بالفعل؟ هي لتأنيث الفاعل، حينئذٍ الأصل تتصل بالفاعل لا تتصل بالفعل، إذا قيل: قامت هند؛ هند هو الفاعل، والتاء هذه جاءت لتدل على أن الفاعل مؤنث، إذاً: الأصل تلحق المعمول، هذا الأصل، لماذا ألحقت بالعامل؟ لأن الفاعل كجزء من الفعل، كما ذكرناه، وهذا دليل ثالث يضاف إلى ما سبق. كالنون التي تكون علامة للرفع في الأمثلة الخمسة، وهذا يدل على أن الفاعل كجزء من الفعل، وكأن الفاعل مع فاعله كلمة واحدة، ولذلك إذا أنث الفاعل جيء بعلامة اتصلت بالفعل، وهذا دليل على أنهما امتزجا.

وَتَاءُ تَأنِيثٍ تَلِي المَاضِي إِذَا كَانَ -الماضي- لأُِنْثَى: يعني مسنداً لفاعل هو أنثى؛ لتدل على تأنيث الفاعل، كقولك: أَبَتْ، أبى: فعل ماض، وهند: هذا فاعل، هندُ بمنع الصرف، يجوز فيه وجهان، والمنعُ أحَقْ كما سيأتي: والمنعُ أولى، وإلا يجوز أن يقول: هندٌ وهندُ بالمنع للصرف وبصرفه، والمنعُ أحَقْ. أَبَتْ هِنْدُ الأَذَى: أَبَتْ أبى: فعل ماضي، والتاء: هذه حرف دال على تأنيث الفاعل مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وهند: فاعل، نقول: هند فاعل مؤنث، ما الذي دلنا؟ وجود التاء السابقة المتصلة بالفعل، وانظر التاء هنا اتصلت بالفعل ولم تتصل بالفاعل. الأَذَى: نقول: هذا مفعول به. وكذلك إذا كان الفاعل مجازياً -مجازي التأنيث-، طلعت الشمس، كما تقول: أبت هندُ، وهذا فيه مثال يتعلق بالفاعل إذا كان مؤنث تأنيثاً حقيقياً، والمؤنث الحقيقي: هو ما له فرج أو يبيض كما سبق، وأما ما ليس له فرج فحينئذٍ نقول: هذا تأنيث مجازي وليس بتأنيث حقيقي، مثل: الشمس، ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا))، ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)) أعاد الضمير عليها مؤنثاً فدل على أنها مؤنثة، وحينئذٍ تقول: طلعت الشمس. إذاً: إذا كان الفاعل مؤنثاً سواء كان تأنيثاً حقيقياً أو مجازياً حينئذٍ اتصلت بالفعل الماضي علامة تدل على أنه مؤنث، أخبرنا بهذا البيت بالاتصال فحسب من حيث هو، ولكن هذه التاء قد تكون لازمة وقد تكون جائزة، يعني: التأنيث قد يكون واجباً وقد يكون جائزاً، بهذا البيت لم يشر إلى هذا، وإنما مراده مجرد أصل المسألة وهي: أنه تلحق الفعل علامة تدل على تأنيث الفاعل وهو ما ذكرناه. إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لحقته تاء ساكنة تدل على كون الفاعل مؤنثاً، ولا فرق في ذلك بين الحقيقي والمجازي، قامت هند وطلعت الشمس، لكن لها حالتان: حالة لزوم وحالة جواز, متى يجب التأنيث ومتى يجوز؟ يجب في موضعين اثنين وما عداهما فهو جائز، إذا حفظ الموضعان الواجبان حينئذٍ عرفت الجائز، يجب في موضعين ويجوز في أربعة مسائل. وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ ... مُتَّصِلٍ أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ شرع باللزوم وهو ما يجب تأنيثه من الفعل، متى يجب التأنيث؟ قال: وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ ... مُتَّصِلٍ -هذه المسألة الأولى-. أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: -هذه المسألة الثانية- وحصرها في الموضعين بقوله: إِنَّمَا تَلْزَمُ، يعني: يجب اتصال هذه التاء بالفعل إذا كان من المسألتين المذكورتين، وحينئذٍ قوله: (إِنَّمَا) أفاد الحصر، ولذلك غير هذين الموضعين لا يجب فيها التأنيث، وإنما يجب في هذين الموضعين فحسب. إِنَّمَا؛ قلنا: حصر فلا تلزم التاء في غير هذين الموضعين. وَإِنَّمَا تَلْزَمُ هذه التاء من الأفعال.

فِعْلَ مُضْمَرِ: فعل فاعل مضمر، يعني: النظر هنا إلى الفاعل؛ لأننا نحكم بوجوب اتصال التأنيث أو بجوازها بالنظر إلى الفاعل، ننطلق من الفاعل، هل هو مؤنث أو لا؟ إن كان مذكر لا نحتاج، وإن كان مؤنث حينئذٍ هل هو مؤنث تأنيث حقيقي أو لا؟ وننطلق من الفاعل، هنا قال: وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ: يعني فعل فاعل مضمر –ضمير-، سواء كان ضميراً مستتراً أو ضميراً بارزاً. مُتَّصِلٍ: لا منفصل، متصل به يعني: بالفعل، وإنما يكون كذلك إذا عاد الضمير إلى متقدم، لأن الفاعل إذا كان متأخراً عن الفعل لا يمكن أن يكون في الفعل ضمير مستتر أو بارز إلا على لغة أَكَلُوني الْبَرَاغِيث، وحينئذٍ نقول: إذا قال: تلزم التاء فعل فاعل مضمر؛ حينئذٍ تعين أن يكون الفعل قد أسند إلى ضمير مستتر أو بارز، وهذا إنما يكون إذا تقدم عليه المؤنث، فتقول: هند قامت –بالتأنيث-، لماذا؟ لأن الفعل هنا (قام) أسند إلى فاعل ضمير يرجع إلى مؤنث، بقطع النظر عن كونه مؤنثاً حقيقياً أو مجازياً، (الشمس طلعت) –بالتأنيث-، واجب التأنيث هنا، لأن الفعل أسند إلى فاعل ضمير يعود إلى مؤنث بقطع النظر عن كونه مجازي أو حقيقي، وحينئذٍ إذا أسند الفعل إلى ضمير يرجع إلى مؤنث وجب تأنيث الفعل مطلقاً بدون نظر إلى نوع هذا التأنيث. وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمرِ: يعني فعل فاعل مضمر، فعلاً مسنداً إلى ضمير، سواء كان الضمير مستتراً أو بارزاً، الزيدان قاما، الهندان قامتا، أين التأنيث؟ قامتا أُنِّث، ما حكم التأنيث هنا؟ واجب، لماذا؟ لأن الفعل أسند إلى فاعل ضمير، أين هو الضمير؟ الألف، الألف هذه فاعل ترجع إلى مؤنث حقيقي التأنيث، وحينئذٍ نقول: الهندان قامتا فالتأنيث واجب. مُتَّصِلٍ به، يعني: بالفاعل لا منفصل، وهل يتصور الانفصال؟ نقول: نعم، يتصور الانفصال، لو قال: هند ما قام إلا هي، ما نقول: هند ما قامت إلا هي، لا يصح هذا، لماذا؟ لأن الفاعل الحقيقي هنا مذكر محذوف، وهو: ما قام أحد إلا هي، وحينئذٍ هنا رجع الضمير وهو (هي) إلى متقدم وقد أسند الفاعل إليه، ما قام إلا هي، هي: هذا هو الفاعل، لكن في المعنى يعني تحليل معنى تقدير معنى نقول: الأصل أن الفاعل هنا مذكر وهو لفظ أحد، كما سيأتي هناك في: ما استثني بـ (إلا): كَمَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلاَ. أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل، ولا فرق في ذلك بين المؤنث الحقيقي والمجازي، فتقول: هند قامت، وهند تقوم (هي)، تقوم هذا التأنيث واجب، التاء هنا واجبة، والشمس طلعت، والشمس تطلع، نقول: التأنيث هنا واجب، والفعل المضارع واجب. ولا تقل: قام ولا طلع، هند قام، الشمس طلع لا يصح، بخلاف طلعت الشمس إذا تأخر وقامت هند، نقول: هذا واجب التأنيث، ومثله إذا تقدم، وأما الشمس نقول: هذا مجازي التأنيث إذا تأخر عن عامله جاز فيه الوجهان، وأما إذا تقدم صار من النوع الواجب. إذاً: النوع الأول مما يجب فيه التأنيث: أن يسند الفعل إلى ضمير مستتر أو بارز متصل به يعود إلى مؤنث بقطع النظر عن كونه مجازياً أو حقيقياً.

الموضع الثاني أشار إليه بقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: بمعنى أنه مؤنث تأنيث حقيقي، إذا أسند الفعل إلى اسم ظاهر وهذا الاسم مؤنث تأنيثاً حقيقياً بمعنى أن له فرج، كما قال هنا: مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: يعني صاحبة فرج، وهذا هو المؤنث الحقيقي، نحو: قامت هند وقامت الهندان وقامت الهندات، قامت هند وقامت الهندان هذا متفق عليه، وأما قامت الهندات؛ هذا محل نزاع، وسيأتي في موضعه. إذاً: أَوْ: هذه (أَوْ) للتنويع. مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: أو فعل أسند إلى فاعل ظاهر متصل، أو فعلاً مسنداً إلى ظاهر، فحينئذٍ نقول: يجب تأنيث الفاعل، وهذا مقيد بالبيت الذي يليه. وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ تَرْكَ التَّاءِ فِي ... نَحْوِ أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ يعني: ولم يفصل بين عامله مطلقاً، لم يفصل بينه وبين عامله، ولم يكن العامل نِعْم وبئس، ليس كل مؤنث حقيقي التأنيث أسند إليه فعل صار واجباً لا، بل لا بد أن يكون متصلاً به، فتقول: قامت هند؛ متصل بالعامل، أما إذا قلت: حضرت اليوم هند؛ هذا يجوز فيه الوجهان للانفصال. أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ: يعني أن يسند الفعل إلى اسم ظاهر. ذَاتَ حِرِ: يعني مؤنث تأنيث حقيقي، والحِرِ: المراد به الفرج، يعني: صاحبة فرج، يعني تلد، سواء كان من العقلاء أو من غيرهم، وحينئذٍ نقول: هذا مما يجب فيه التأنيث وهو المؤنث الحقيقي، بشرط الاتصال، وأُخذ هذا الشرط من البيت الذي بعده، وبشرط: أن يكون العامل غير نِعْم وبئسِ: وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا .. سيأتي مستثنى. إذاً: بهذين القيدين، حينئذٍ يجب التأنيث، وهذه كلها محل وفاق لا خلاف فيها. الثاني: أن يكون الفاعل ظاهراً متصلاً. حقيقي التأنيث، نحو: قامت هند، وهو المراد بقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ، وأصل حِرِ: حِرِحٌ، فحذفت لام الكلمة، وفهم من كلامه أن التاء لا تلزم في غير هذين الموضعين، فلا تلزم في المؤنث المجازي الظاهر فتقول: طلع الشمس وطلعت الشمس، ولا في الجمع على ما سيأتي تفصيله. إذاً: يجب تأنيث الفاعل في موضعين اثنين لا ثالث لهما، وأشار إلى الحصر بقوله: وَإِنَّمَا، وحينئذٍ نقول: هذه شروط له، لكن ينبغي تقييد الثاني: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ بشرطين: الاتصال، وهذا مفهوم من البيت الذي يليه، وكذلك: أن يكون الفاعل نِعمْ وبئس، وحينئذٍ نقول: جاز نعمت المرأة هند ونعم المرأة هند، مع أن المرأة هذه ذَاتَ حِرِ صاحبة فرج، ومع ذلك جاز فيه الوجهان، هذا مستثنى لما سيأتي في محله. وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ تَرْكَ التَّاءِ فِي ... نَحْوِ أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ قلنا: السابق: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ بشرط الاتصال، فإن انفصل؟ قلنا: مسألتان موضعان يجب فيهما التأنيث، انتهينا منهما، الآن سيشرع في جائز التأنيث. وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ: فصل ماذا؟ العامل عن المؤنث الحقيقي، أما المؤنث المجازي وإن كان داخلاً في كلامه إلا أنه سواء فصل أو لم يفصل حينئذٍ يجوز فيه الوجهان: طلعت الشمس وطلع الشمس، وإن لم يفصل، حتى لو فصل نقول: طلعت الشمس وطلع الشمس؛ يجوز فيه الوجهان.

أما الحقيقي التأنيث إذا اتصل بعامله ولم يكن نِعْم وبئس وجب التأنيث، إذا فصل بينهما قلنا: جاز التأنيث وجاز تركه، والإثبات أجود، يعني: التأنيث أجود، لذا قال: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ. بِنْتُ: هذا ذَاتَ حِرِ، فالأصل فيه وجوب التأنيث، أتى ما قال: أتت، لو أنث لقلنا: أتت، ويجوز ترك التأنيث فتقول: أتى القاضي بنت الواقف، فصل بين العامل والفاعل وهو بنت الواقف بالمفعول به، فلو تأخر تقول: أتى بنت الواقف القاضي وجب التأنيث، وجب التأنيث لاتصال هذا بعامله، وأما إذا فصل بينهما حينئذٍ نقول: جائز التأنيث، وهذا محل وفاق أيضاً. وَقَدْ يُبِيْحُ: قد هنا للتقليل. يُبِيْحُ: هنا جمع بين الإباحة وقد التي تفيد التقليل، دل على أن الإثبات أجود وأولى من الحذف، فأتت القاضي بنت الواقف أفصح من قولنا: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ، لماذا؟ لكون الأصل في المؤنث الفاعل المؤنث الحقيقي أنه يؤنث، هذا الأصل فيه، فإذا فصل بينهما جوَّز الترك ولم يكن هو الأفصح والأشهر، وإنما بقاؤه على ما هو عليه هو الأولى، لأنه لا زال فاعلاً، بالفصل لم ينفك عنه وصف الفاعل، فبقاؤه فاعل وهو مؤنث والعامل فعل فحينئذٍ الأصل بقاء ما كان على ما كان. بالفصل جوز ترك التأنيث، وحينئذٍ نقول: قوله: وَقَدْ يُبِيْحُ: قد للتقليل، يُبِيْحُ: هذا أفاد منه الإباحة، للتعبير بـ (قَدْ) والإباحة إشعار بأن الإثبات أجود. وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ: هذا فاعل يبيح. الْفَصْلُ: هذا أيضاً يقيد بالبيت الذي يليه، بأن يكون الفصل بغير (إلا)، إن كان الفصل بـ (إلا) فله حكم آخر. إذاً: كلها مرتبطة ببعضها البعض. قَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ بغير (إلا) بين الفعل وعامله الظاهر الحقيقي التأنيث ترك التاء، أي تاء؟ تاء التأنيث السابقة، فـ (أل) هنا للعهد الذكري. قد يبيح الفصل بغير (إلا) بين الفعل وعامله الظاهر الحقيقي التأنيث ترك التاء، فلا يؤنث، كما في فعل مسند إلى ظاهر مؤنث حقيقي نحو قولك: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ، فبنت الواقف: هذا مؤنث حقيقي التأنيث، وأتى: فعله، وجرد عن التأنيث للفصل بينه وبين معموله الفاعل بالمفعول. بِنْتُ الْوَاقِفِ الواقف يعني صاحب الوقف. إذا فصل بين الفعل وفاعله مؤنث حقيقي بغير (إلا) جاز إثبات التاء وحذفها، والأجود الإثبات كما أشار إليه بـ (وَقَدْ يُبِيْحُ)، فتقول: أتى القاضي بنت الواقف، والأجود: أتت، وتقول: قام اليوم هند، والأجود: قامت. إذاً: هذا البيت يعتبر استثناء وتخصيص لقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ لأن قوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ يُفهِم أنه متى ما كان المؤنث حقيقي التأنيث وهو فاعل وجب التأنيث مطلقاً فصل أو لا، وسواء فصل بـ (إلا) أو بغير (إلا)، جاء بهذا البيت ليقيد المطلق الذي سبق. وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإِلاَّ فُضِّلاَ ... كَمَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلاَ وَالْحَذْفُ: يعني للتاء من فعل مسند إلى ظاهر مؤنث حقيقي التأنيث مَعْ فَصْلٍ بين الفعل والفاعل بِ (إِلاَّ) فُضِّلاَ، الحذف فضلا على الإثبات، عكس الفصل السابق، الإثبات فضل على الحذف.

إذاً: لا بد من تقييد البيت السابق، وقد يبيح الفصل بغير (إلا)؛ لأن الحكم مختلف، لا بد من تقييده بالبيت الذي بعده، وقد يبيح الفصل بغير (إلا). وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ: يعني بين الفعل والفاعل بِإلاَّ، فُضِّلاَ: على الإثبات، وهذا خلاف ما عليه الجمهور، جمهور النحاة على أنه إذا كان الفاصل هو (إلا) وجب التذكير، التذكير واجب، لا يجوز فيه الوجهان، يجب تجريد الفعل من علامة تدل على تأنيث الفاعل، فإذا قيل: ما قام إلا هند، هذا المثال: ما قام إلا هند، قام: فعل، وهند: فاعل، وفصل بينهما بـ (إلا) ما قام إلا هند، الجمهور يعللون وجوب التذكير بأن (هند) ليست بفاعل في الحقيقة؛ لأن الأصل: ما قام أحد إلا هند، وحينئذٍ كان من باب الاستثناء المفرَّغ، وحينئذٍ وجب تذكير الفعل لكون الفاعل مذكراً، وهند هذا يعتبر بدلاً مما قبله، ولذلك الجمهور على خلاف ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله تعالى. وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإلاَّ فُضِّلاَ على الإثبات. كَمَا: كقولك: مَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلاَ - فَتَاةُ ذَاتَ حِرِ -، إذاً: مؤنث تأنيث حقيقي، فصل بينه وبين عامله بـ (إلا)، وحينئذٍ فيه قولان: جماهير النحاة على وجوب تجريده من علامة التأنيث، وذهب ابن مالك في قلة من النحاة إلى أنه لا بأس أن يؤنث، بل التأنيث جائز لكن الحذف أجود، ولذلك قال: وَالْحَذْفُ فُضِّلاَ، الألف هذه للإطلاق. كَمَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلاَ معناه: ما زكا أحد إلا فتاة ابن العلا، ويجوز: ما زكت إلا فتاة ابن العلا، ما قامت إلا هند بالتأنيث، بالوجهين عند ابن مالك رحمه الله تعالى والحذف أجود، وخصه الجمهور بالشعر، أما في النثر فهو ممنوع. قال: وإذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث بـ (إلا) لم يجز إثبات التاء عند الجمهور أياً كان الفاعل، لم يجز إثبات التاء عند الجمهور، فتقول: ما قام إلا هند وما طلع إلا الشمس، ولا يجوز: ما قامت إلا هند ولا: ما طلعت إلا الشمس، وقد جاء في الشعر كقوله: فَمَا بَقِيَتْ إلاَّ الصُّدُورُ الجَرَاشِعُ فقول المصنف: إن الحذف مفضل على الإثبات يشعر بأن الإثبات أيضاً جائز وليس كذلك، ومذهب ابن مالك رحمه الله تعالى له أصل في لسان العرب، بل له أصل في القرآن، قال تعالى: ((فَأَصْبَحُوا لا تُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)) -في قراءةٍ- ((لا تُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)) مساكن هذا جمع، فحينئذٍ يؤنث ويترك، وقد أنث مع وجود الفصل هنا بـ (إلا). كذلك قوله تعالى: ((إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةٌ وَاحِدَةً)) صَيْحَةٌ: هذا مؤنث تأنيث مجازي، ومراد المصنف هنا: وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإلاَّ فُضِّلاَ؛ ما يشمل النوعين، سواء كان المؤنث مؤنثاً حقيقياً أو مؤنثاً تأنيثاً مجازياً، ولذلك ابن عقيل مثل بمثالين للنوعين: ما قام إلا هند وما طلع إلى الشمس، حينئذٍ دل على أن مراده عام، حينئذٍ الاستدلال بهذه الآية: ((فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)) استدلال صحيح، فلا يقال بأنه مؤنث مجاز. وكذلك في قوله: ((إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةٌ وَاحِدَةً)) نقول: مؤنث مجازي لكنه مراد، فصل بينه وبين عامله بـ (إلا).

مَا بَرِئَتْ مِنْ رِيبَةٍ وَذَمِّ ... فيِ حَرْبِنَا إلاَّ بَنَات العَمِّ مَا بَرِئَتْ مِنْ رِيبَةٍ وَذَمٍّ، جاء في الشعر تأنيثه مع الفصل بـ (إلا) وهذا مؤنث تأنيثاً حقيقياً. إذاً: قول ابن مالك له أصل، ولذلك هو معتبر لكنه في قلة، نقول: نعم يجوز التأنيث مع الفصل بـ (إلا) ولو كان المؤنث تأنيثاً حقيقياً لكنه على قلة والحذف أجود من الإثبات، وخصه الجمهور بالشعر خاصة؛ لأنه سمع في الشعر فحسب، لكن قراءتان ثابتتان. إذاً: وَالْحَذْفُ: يعني التأنيث إذا كان الفاصل (إلا) خاص بالشعر، نص عليه الأخفش، وجوزه ابن مالك رحمه الله تعالى في النثر والشعر، كما هنا. وَالْحَذْفُ: هذا مبتدأ. مَعْ فَصْلٍ: هذا متعلق بقوله: َالْحَذْفُ بِإلاَّ: هذا جار ومجرور متعلق بفُضِّلاَ. فُضِّلاَ: الجملة خبر المبتدأ والألف للإطلاق، يعني: فضل على الإثبات. ثم قال: والْحَذْفُ قَدْ يَأْتِي بِلاَ فَصْلٍ وَمَعْ ... ضَميرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ وهذا مخصوص بالشعر، يعني: لا يجوز على إطلاقه، حكى سيبويه: قال فلانة، هنا قال: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ هذا كله تخصيص لما سبق. أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ هل يقال: قام هند؟ لا يصح، حَكى سيبويه: قال فلانة، إذاً: أسقطت التاء مع المؤنث تأنيث حقيقي والفاعل ليس نِعْم وبئس وليس ثَمَّ فاصل لا (إلا) ولا غيرها، والأصل في مثل هذا التركيب وجوب التأنيث، هذا الأصل فيه، وحينئذٍ لو قيل بأنه سائغ ما وجب التأنيث، لو قلنا: قال فلانة؛ هذا قياسي، وحينئذٍ: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ نقول: نسقطه من أصله، نجعله في الجائز ولن نجعله في الواجب، ولكن نقول: هذا يسمع ولا يقاس عليه، فهو محفوظ. أشار إليه بقوله: والْحَذْفُ، يعني حذف التاء من فعل مسند إلى ظاهر مؤنث حقيقي قَدْ يَأْتِي: قَدْ للتقليل، يَأْتِي مع الظاهر الحقيقي التأنيث بلا فَصْلٍ شذوذاً، قد يأتي شذوذاً لا بد من التقدير: والْحَذْفُ وَمَعْ ضميرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ وَمَعْ: يعني والحذف مع الإسناد إلى الضمير ذي التأنيث المجازي في شعر وقع، بمعنى: أنه إذا أسند الفعل إلى ضمير عائد إلى مؤنث مجازي قلنا: هذا يجب التأنيث، لكنه وقع في الشعر بدون تأنيث، قال الشاعر: فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها ... وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقَالَهَا وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ؛ الأصل أن يقول: أبقلت بالتاء، مثل: الشمس طلعت، لكن نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، بل يجب أنه إذا عاد الضمير إلى مؤنث مطلقاً وجب التأنيث. وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ: هذا أمكن تأويله بأن الضمير هنا عائد على محذوف، أي: ولا مكان أرض أبقل، إذاً: أمكن تأويله، فإذا أمكن تأويله حينئذٍ لا نأتي للقاعدة فنخدشها. والضمير في إبْقَالَهَا يكون للأرض، فأمكن تأويله. إذاً: وَالْحَذْفُ قَدْ يَأْتِي بِلاَ فَصْلٍ؛ وذلك فيما إذا أسند الفعل إلى اسم ظاهر حقيقي التأنيث، مثل: قام هند، نقول: هذا قد يأتي في الشعر وهو شاذ، وما حكاه سيبويه: قال فلانة؛ شاذ يحفظ ولا يقاس عليه.

وكذلك: جاء إسناد الفعل إلى ضمير عائد لمؤنث مجازي، والأصل وجوب التأنيث، ولم يؤنث، وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ، وحينئذٍ نقول: هذا خاص بالشعر ولا يقاس عليه، وهذه كلها مسائل متفق عليها. والْحَذْفُ قلنا: هذا مبتدأ. قَدْ يَأْتِي الجملة خبر. بِلاَ فَصْلٍ متعلق به. وَمَعْ ... ضَمِيرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ ووَقَعْ: يعني الحذف ضَمِيرِ ذِي المْجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ َمَعْ: هذا متعلق بوَقَعْ، وفِي شِعْرٍ: متعلق بِوَقَعْ، وَمَعْ: مضاف، وضَمِيرِ: مضاف إليه، وضَمِيرِ: مضاف، وذِي: بمعنى صاحب مضاف إليه، وَالمْجَازِ: يعني التأنيث المجازي وهو ما ليس له فرج، وفِي شِعْرٍ هذا متعلق بوَقَعْ أيضاً. قال: قد تحذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل، وهو قليل جداً، حكى سيبويه: قال فلانة، وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي وهو مخصوص بالشعر، مثال ما ذكرناه. وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ ... مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ وَالتَّاءُ: أي: تاء التأنيث السابقة. مَعْ جَمْعٍ: هذه حال من التاء، يعني: متعلق بمحذوف حال، حال كونه مع جمع. كيف مع جمع؟ يعني: دالة على تأنيث فاعل وقع جمعاً، هذا المراد به، إذا كان الفاعل جمعاً حينئذٍ المصنف هنا يرى أنه مما يجوز فيه الوجهان: التأنيث وعدم التأنيث، واستثنى جمع المذكر السالم فحسب فيجب فيه التذكير، تقول: قام الزيدون، ولا يصح أن يقال: قامت الزيدون. قوله: وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ: يعني مع فعل مسند إلى جمع؛ لأن الإسناد هنا -إسناد التاء إلى الفاعل- نقول: هذا ليس هو الأصل، وإنما الاتصال يكون بالفعل. وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ: قلنا: َالتَّاءُ مبتدأ، وَمَعْ: هذا متعلق بمحذوف حال، وهو مضاف، وجَمْعٍ: مضاف إليه. مع فعل مسند إلى جَمْعٍ، وحينئذٍ نقول: الجمع في اللغة: ما دل على جماعة أو دل على متعدد، وهنا أطلق الجمع، حينئذٍ: كل ما دل على جمع فهو داخل هنا، داخل في هذا الحكم، فيشمل الجموع الاصطلاحية والجموع اللغوية، الجموع الاصطلاحية هي جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم وجمع التكسير المذكر وجمع التكسير المؤنث، هذه أربعة، ويزاد عليه ما دل على متعدد وجمع وجماعة وهو اسم الجمع واسم الجنس الجمعي، هذه ستة مما يدل على الجمع لا يكاد يخرج عنها البتة. وحينئذٍ نقول: ما يدل على الجمع محصور في هذه الستة: اسم الجنس الجمعي، مثل: كلِم وكلمة، تمر وتمرة، اسم الجنس الجمعي قلنا: الذي يفرق بينه وبين واحده بالتاء أو بالياء، وحينئذٍ نقول: تمر وتمرة، تمر هذا اسم جنس جمعي، شجر وشجرة، بقر وبقرة، نبق ونبقة، سدر وسدرة، روم ورمي، كمإٍ وكمأة، لبن ولبنة نقول: هذا اسم جنس جمعي. اسم الجمع وهو ما دل على جمع ولا واحد له من لفظه مثل: قوم، نسوة، نساء، رهط، إلى آخره. جمع التكسير لمذكر كرجال وغلمان ونحو ذلك. جمع تكسير لمؤنث كزيود وهنود. جمع مذكر سالم واضح. جمع المؤنث السالم واضح.

هذه الستة فيها خلاف بين البصريين والكوفيين، البصريون يرون أن الجموع الأربعة: اسم الجمع واسم الجمع الجنسي وجمع التكسير بنوعيه، هذه أربعة يجوز فيها الوجهان: التأنيث وتركه، وما عداهما وهو جمع المذكر السالم فيجب فيه التذكير قولاً واحداً عندهم، وجمع المؤنث السالم يجب فيه التأنيث قولاً واحداً عندهم مراعاة لمفرده، قالوا: الزيدون هذا جمع واحده سلِم في الجمع، بالنظر إلى سلامة واحده في الجمع إذاً يعامل من حيث التذكير والتأنيث وإسناد الفعل إليه معاملة المفرد، فكما أننا نقول: قام زيد ولا يصح أن نقول: قامت زيد؛ كذلك في الجمع نقول: قام الزيدون ولا يصح أن نقول: قامت الزيدون. وكذلك في جمع المؤنث السالم قالوا: هو سالم في الجملة سلم مفرده واحده في الجمع، فكما تقول: قامت هند ولا يصح أن تقول: قام هند؛ كذلك يجب أن يقال: قام الهندات، ولا يجوز أن يقال: قام الهندات بترك التاء. إذاً: هذان النوعان مستثنيان. مذهب الكوفيين الجواز في الجميع بدون استثناء، الستة الأنواع يجوز فيها الوجهان، فيصح عندهم فيما انفرد به المذهب الكوفي عن البصري أن يقال: قامت الزيدون وقام الزيدون، وقام الهندات وقامت الهندات بالوجهين. إن أُنِّثَ على المذهبين فمراعاة لمعنى الجماعة، وإن ذُكِّر فمراعاة لمعنى الجمع، يعني: بالتأويل، قال الصحابة قالت الصحابة، بعضهم يستشكل: لماذا نقول أحياناً قالت الصحابة! نقول: قالت جماعة الصحابة بالتأويل، قال الصحابة بترك التاء، قال جمع الصحابة، وحينئذٍ الصحابة هذا اسم جمع أو جمع تكسير؟ مختلف فيه، وحينئذٍ نقول: هذا أو ذاك يجوز فيه الوجهان. ((قَالَتْ الأَعْرَابُ))، ((إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ)) بترك التاء، هذا من حجج الكوفيين. مذهب أبي علي الفارسي استثنى جمع المذكر السالم فحسب من الجموع السابقة الستة، فأوجب فيه التذكير وجوز الوجهين في جمع المؤنث السالم وفاقاً للكوفيين دون البصريين، وحينئذٍ المذاهب ثلاثة، الناظم رحمه الله تعالى ماذا اختار من هذه المذاهب؟ الظاهر أنه مذهب أبي علي الفارسي، ولكن الأشموني وغيره أبوا إلا حمل كلامه على مذهب البصريين. فقوله: وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ؛ أطلق الجمع هنا كل جمع. كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ: إحدى اللبن لبنة، يعني: مؤنث تأنيث مجازي، مثل الشمس، تقول: سقط اللبنة وسقطت اللبنة، مثل: طلع الشمس وطلعت الشمس، يجوز فيها الوجهان. وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ كالتاء مع إحدى اللبن، أطلق الناظم في كل الجموع، فشمل جمع المؤنث السالم وجمع المذكر واسم الجمع واسم الجنس وجمع التكسير بنوعيه. قال: سِوَى السَّالِمِ مِنْ مُذَكَّرٍ: استثنى جمع المذكر السالم.

إذاً: جمع المؤنث السالم عند الناظم يجوز فيه الوجهان، فتقول: قامت الهندات وقام الهندات، وهذا مذهب أبي علي الفارسي، ولكن لما لم يكن هذا مشهوراً إلا عن الكوفيين وأرادوا حمل ابن مالك على مذهب البصريين قدروا محذوفاً: سوى السالم من مذكر والسالم من مؤنث على أنه حذف للواو مع ما عطفت، وهذا ضعيف؛ لأن المذهب موجود مستقر، وهو مذهب أبي علي الفارسي، وله أدلته، وهو موافق لمذهب الكوفيين، وإنما خالفهم في مسألة واحدة فحسب، فهو داخل في مذهب الكوفيين إلا أنه في مسألة واحدة خالفوه. وحينئذٍ نقول: الناظم هنا يرى أن جمع المؤنث السالم يجوز فيه الوجهان، وأما تحميله ما لم يحتمل نقول: هذا فيه بعد. وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ: نقول: حق كل جمع أن يجوز فيه الوجهان وهو التأنيث والترك، هذا الأصل فيه. حق كل جمع أن يجوز فيه الوجهان، إلا أن سلامة نظم الواحد في جمعي التصحيح الذي هو المؤنث والمذكر أوجبت التذكير في نحو: قام الزيدون، والتأنيث في نحو: قامت الهندات، وخالف الكوفيون فيهما، يعني: في الوجهين، ووافقهم في الثاني أبو علي الفارسي، واحتجوا بقوله تعالى: ((آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)) بَنُو هذا هم احتجوا به على أنه جمع مذكر سالم، وحينئذٍ أنث مع وجود الفصل، فيدل على أنه جمع مذكر سالم وقد ألحقت به التاء، لكن جواب هذا نقول: بأن (بني) هذا ليس بجمع مذكر سالم، هذا ملحق بجمع المذكر السالم. كذلك: ((إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ)) جَاءَكَ ما قال: جاءتك، فُصِل بينهما، هم احتجوا بهذا على أنه يجوز ترك التاء مع المؤنث إذا كان حقيقي التأنيث وهو جمع مؤنث سالم. وقال: جَاءَكَ ولم يقل: جاءتك، فدل على جواز الترك، وأجيب: بأنه تُرك التأنيث للفاصل هنا. وقوله: فَبَكَى بَنَاتِي، كما قال الشاعر: فَبَكَى بَنَاتِي شَجْوَهُنَّ وَزَوْجَتِي ... والظَّاعِنُونَ إِلَيَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا بَكَى بَنَاتِي، بَنَاتِ قالوا: هذا جمع مؤنث سالم، أو جمع تكسير، وهم يريدونه على أنه جمع مؤنث سالم، وفيه إشكال، فحينئذٍ قال: بَكَى ولم يقل: بكت، فدل على أنه يجوز ترك التأنيث مع جمع المؤنث السالم. وأجيب: بأن البنين والبنات لم يسلم فيهما نظم الواحد. إذاً لو قيل: بأن بعضه جمع مذكر إلا أنه ليس بحقيقي. إذاً: أجيب بأن البنين والبنات لم يسلم فيهما نظم الواحد، وبأن التذكير في: ((جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ)) بالفصل، أو لأن الأصل: النساء المؤمنات، والنساء هذا مما يجوز فيه الوجهان؛ لأنه اسم جمع، أو لأن (أل) مقدرة باللاتي وهو اسم جمع. ((إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ)) (أل) هذه مقدرة باللاتي، وحينئذٍ جاز فيه الوجهان: الترك وعدمه وهو التأنيث. وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ ... مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ

إذا أسند الفعل إلى جمع فإما أن يكون جمع سلامة لمذكر أو لا، فإن كان جمع سلامة لمذكر لم يجز اقتران الفعل بالتاء فنقول: قام الزيدون ولا يجوز: قامت الزيدون، إلا على مذهب الكوفيين فيجوزون الأمرين، وما عداه من الجمع فيجوز فيه الأمران، ولذلك جاء في القرآن: ((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)) قَوْمُ هذا اسم جمع. ((وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ)) كَذَّبَ بدون التاء. ((قَالَتْ الأَعْرَابُ)) ويقال: أورقت الشجر وأورق الشجر. ((وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ)) و ((غُلِبَتْ الرُّومُ)) نقول: هذه كلها يدل على جواز الفعل التأنيثي والتركي. وإن لم يكن جمع سلامة لمذكر بأن كان جمع تكسير لمذكر كالرجال أو لمؤنث كالهنود أو جمع سلامة لمؤنث كالهندات؛ جاز إثبات التاء وحذفها، جاز إثبات التاء على التأويل بالجماعة، وحذفها على التأويل بالجمع، فتقول: قام الرجال وقامت الرجال، قام الرجال أي: قام جمع الرجال، وقامت الرجال أي: قام جماعة الرجال، وقام الهنود وقامت الهنود وقام الهندات وقامت الهندات، فإثبات التاء لتأوله بالجماعة وحذفه لتأوله بالجمع. إذاً: الناظم هنا يرى العموم، واستثنى جمع المذكر السالم، وهذا مذهب أبو علي الفارسي. وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى مَعْ جَمْعٍ: قلنا مضاف ومضاف إليه وهو حال. سِوَى: هذا نعت لجمع. سِوَى السَّالِمِ مِنْ مُذَكَّرٍ: لما قال: سِوَى السَّالِمِ؛ يحتمل أن يدخل معه جمع المؤنث؛ لأنه قد يوصف بكونه سالماً. مِنْ مُذَكَّرٍ: هذا متعلق بالسالم احترازاً من المؤنث. كَالتَّاءِ: والتاء مبتدأ. كَالتَّاءِ: هذا خبر. مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ قوله: كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ، قد يقال: بأن (إِحْدَى اللَّبِنْ) يجوز فيه الوجهان، وأيهما أرجح؟ إذا قيل: طلع الشمس وطلعت الشمس؟ التأنيث أرجح، وهنا عدم التأنيث أرجح في الجمع مطلقاً، عدم التأنيث أرجح جمع التكسير وغيره، وحينئذٍ نقول: ((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)) أو (كَذَّبَتْ قَوْمُ) نقول: هذا يجوز فيه الوجهان، وترك التأنيث أرجح من التأنيث. هنا قال: كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ: سوَّى بينهما في كونه يجوز التذكير والتأنيث دون نظر إلى الأرجحية؛ لأن اللبن هذه يجوز فيها الوجهان والتأنيث أرجح. وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ والترك نقول: يجوز فيه الوجهان والترك أرجح، إذاً: فرق بينهما. قوله: كَالتَّاءِ: أي في أصل الجواز، فلا يرد اختلافهما في الرجحان حيث تقدم رجحان الإثبات في المجاز، وهنا العكس، فجمع التكسير مطلقاً والجمع بألف وتاء لمذكر واسم الجمع واسم الجنس الجمع حذف التاء أجود معها، وللسيوطي في الأربعة استواء الأمرين، استواء الأمرين عند السيوطي، على كلٍ؛ خلاف. وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ ... مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتَاةُ اسْتَحْسَنُوا ... لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ

هذا أيضاً تخصيص لقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ، قلنا هناك: نقيد العامل بأن لا يكون نِعْم وبئس، لأن فاعل نِعم وبئس يقصد به الجنس، والجنس في أصله مذكر، ولما كان في معنى الاستغراق للأفراد صار في معنى الجمع فجاز تأويله بالمذكر وتأويله بالمؤنث، يعني: جمع أو جماعة. وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا الْحَذْفَ: هذا مفعول به، لقوله: اسْتَحْسَنُوا، يعني: رأوه حسناً، هو مستحسن وإن كان الإثبات أحسن منه، وحينئذٍ اسْتَحْسَنُوا: ليس المراد أنه مرجح لا، وإنما هو حسن في نفسه، ولا يلزم منه أن يكون هو أحسن من حيث الترك. وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ: يعني في قولك: نِعْمَ الْفَتاةُ، وهو ما كان الفاعل فيه مؤنثاً حقيقي التأنيث وأسند إلى نِعْمَ وأخواتها، وهو كل فاعل مسند إلى جنس المؤنث الحقيقي. اسْتَحْسَنُوا: رأوه حسناً. لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ: هذا بيان للعلة، لفظ الجنس مذكر، ويجوز التأنيث على مقتضى الظاهر؛ لأنه في ظاهره امرأة، نعم المرأة نعم الفتاة في اللفظ هو مؤنث حقيقي، ولكن في المعنى نقول: (أل) هذه للجنس، وإذا كان كذلك حينئذٍ فيه معنى الجماعة، وإذا كان كذلك صار ملحقاً بالجمع في المعنى. نَعْم الفتاة، نعمت الفتاة، نعمت الفتاة هذا باعتبار اللفظ، نِعْم الفتاة باعتبار المعنى؛ لأن (أل) هذه للجنس، فتفيد استغراق الأفراد وحينئذٍ صار مذكراً. لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ فِيهِ: في ماذا؟ في الفاعل الْفَتاةُ، في فاعل نِعْم وبئس لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ -ظاهر-، فالمسند إليه الجنس، و (أل) في الفتاة جنسية، خلافاً لمن زعم أنها عهدية. إذاً: هذا النوع نقول: يجوز فيه الوجهان، وليس بواجب، فهو استثناء من قوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ بأنه إذا كان العامل نِعْم وبئس جاز الوجهان والإثبات أولى وأرجح. وَالْحَذْفَ: قلنا: هذا مفعول به للتاء. فِي نِعْمَ الْفَتاةُ: في فعل مسند إلى جنس مؤنث حقيقي. اسْتَحْسَنُوا: يعني رأوه حسناً، وهو مستحسنٌ في نفسه وإن كان الإثبات أحسن منه؛ لأَنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ، ظاهر واضح، بين لكل سامع أن المراد جنس المرأة وجنس الفتاة. إذاً: الحاصل: أن الفعل ومثله الوصف إذا أسند إلى فاعل وهذا الفاعل مؤنث؛ حينئذٍ تلحق أو يلحق الفعل علامة تدل على تأنيثه، ثم هذه العلامة قد تكون لازمة واجبة وقد تكون جائزة. واللازم يكون في موضعين: أولاً: المؤنث الحقيقي الذي ليس مفصولاً بينه وبين عامله، وليس عامله نِعْم وبئس. إذاً: المؤنث الحقيقي الذي ليس مفصولاً وليس عامله نِعْم وبئس. ثانياً: أن يكون ضميراً مستتراً عائد إلى مؤنث مطلقاً، يعني: سواء كان حقيقي أو مجازي. والجائز يكون في أربعة مسائل: الأول: أن يكون المؤنث اسماً ظاهرياً مجازي التأنيث، طلع شمس وطلعت الشمس، وجاء في القرآن: ((قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ))، ((جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ)) هذا وذاك، والتأنيث أرجح في هذه. الثاني: أن يكون المؤنث اسماً ظاهرياً حقيقي التأنيث فصل من عامله بغير (إلا)، "حضرت الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ"، والتأنيث أرجح. الثالث: أن يكون العامل نِعْم وبئس.

الرابع: أن يكون الفاعل جمعاً على التفصيل السابق. ثم قال: وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أَنْ يَتَّصِلاَ ... وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلاَ وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلاَفِ الأَصْلِ ... وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ هذا أراد أن يبين علاقة المفعول بفاعله من حيث التقديم والتأخير. الأصل في الفاعل أن يتصل بعامله؛ لأنه جزء منه كما سبق، إذا قلت: ضرب زيد. والأصل في المفعول أن ينفصل عن العامل بالفاعل، هذا الترتيب المنطقي العقلي، تأتي بالعامل أولاً والحدث ثم الذي فعل الحدث ثم الذي وقع عليه الحدث، هذا الذي جاء في لسان العرب وهو الذي يوافقه المنطق السليم، ولذلك قال: وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِل أَنْ يَتَّصِلاَ يتصل بالفعل، ليس المراد أن يتصل كالضمير البارز لا، المراد ألا يفصل بينهما فاصل، ألا يقع المفعول بينه وبين عامله، فلا يقال: ضرب عمْراً زيد. وَالأَصْلُ: هذا مبتدأ. فِي الْفَاعِل: متعلق أََنْ يَتَّصِلاَ في محل رفع خبر المبتدأ، والمراد بالأصل هنا الغالب الراجح، أي: الكثير، وإن سمع غيره لكن هذا هو الذي يبين المراتب، فرتبة العامل أولاً ثم رتبة الفاعل ثم رتبة المفعول. وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَتَّصِلاَ بالفعل؛ لأنه كجزء منه، ((وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)) هذا الأصل. وَالأَصْلُ فِي المَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلاَ، هذا مفهوم من الشطر السابق؛ لأنه إذا قال: وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَتَّصِلاَ اتصل بعامله، إذاً: لن يقع المفعول فاصلاً بينهما، سيقع المفعول منفصل، هذا قطعاً، إذاً ماذا زادنا بقوله: وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلاَ؟ ليس فيه شيء جديد. وَالأَصْلُ: هذا مبتدأ، يعني: الغالب الراجح. فِي الْمَفْعُولِ: المفعول به. أَنْ يَنْفَصِلاَ: يَنْفَصِلاَ عنه عن العامل بالفاعل لأنه فضلة، وشأن الفضلات تكون في الأطراف، تقول: ضرب زيد عمْراً. وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلاَفِ الأَصْلِ: خلاف الأصل ما هو؟ تقدم المفعول وتأخر الفاعل. وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلاَفِ الأَصْلِ قَدْ: هنا للتقليل أو للتحقيق؟ يحتمل هذا وذاك، منهم من حملها على التقليل، ومنهم من حملها على التحقيق، فيقدم المفعول على الفاعل إما جوازاً وإما وجوباً، وقد يمتنع ذلك. قَدْ يُجَاءُ: هنا أضمر نائب فاعل؛ لأنه يختلف باختلاف المتكلم. بِخِلاَفِ الأَصْلِ: ما هو الأصل؟ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَتَّصِلاَ، وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلاَ، ((وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ)) النُّذُرُ هذا فاعل، وآلَ: مفعول به تقدم، فصل بين العامل وفاعله بالمفعول به، ثم هذا قد يكون واجباً وقد يكون جائزاً، الأصل فيه الجواز. إذاً: يمتنع في ماذا؟ نقول: يمتنع في ثلاث مسائل: الأول: ما ذكره الشارح: إذا كان المفعول اسم شرط، أو اسم استفهام، بمعنى: أنه إذا كان له الصدارة في الكلام. وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ ويمتنع تقدم الفاعل على المفعول لما تقرر سابقاً: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ.

وأما المفعول فحينئذٍ يجوز لعدم التباسه بالمبتدأ أن يتقدم على العامل، ((فَرِيقاً هَدَى)) هدى فريقاً، فريقاً هدى، عمْراً ضرب زيد، وحينئذٍ نقول: جاز تقدم المفعول على الفاعل، وحينئذٍ أيضاً مثل السابق يجوز ويجب. قال الشارح: الأصل أن يلي الفاعل الفعل من غير أن يفصل بينه وبين الفعل فاصل؛ لأنه كالجزء منه، ولذلك يُسَكَّنُ له آخر الفعل، إن كان ضمير متكلم أو مخاطب نحو: ضربتُ وضربتَ، وإنما سكنوه كراهة توالي أربع متحركات، وهم إنما يكرهون ذلك في الكلمة الواحدة، فدل ذلك على أن الفاعل مع فعله كالكلمة الواحدة. وَالأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلَ من الفعل بأن يتأخر عن الفاعل، ويجوز تقديمه على الفاعل إن خلا مما سيذكره، فتقول: ضرب زيداً عمرو، زيداً: هذا مفعول به تقدم على الفاعل، وهذا معنى قوله: وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلاَفِ الأَصْلِ. وأشار بقوله: وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ؛ إلى أن المفعول قد يتقدم على الفعل، وهذا نوعان كما أن الأول نوعان، يعني كل منهما قد يكون جائزاً وقد يكون واجباً. وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلاَفِ الأَصْلِ ... وَقَدْ يَجِي الْمَفْعُولُ قَبْلَ الْفِعْلِ يجب تقديمه إذا كان المفعول مما له صدر الكلام كاسم الشرط واسم الاستفهام، مثل ماذا؟ أي رجل ضربتَ؟ ضربت أي رجل، ضربت التاء هذا فاعل، وأي رجل تقدم على العامل، ما حكمه؟ نقول: يجب تقديمه، لماذا؟ لأنه له صدر الكلام، وهذا محل وفاق. أياً تضرب أضرب، ((أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)) نقول: هذا شرط وهو مفعول به وجب تقديمه على عامله. الثاني: أن يكون المفعول ضميراً منفصلاً ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) أصلها: نعبدك، تقدم هنا المفعول على الفاعل -على العامل- وجوباً، لماذا؟ لأنه لو تأخر لاتصل، وقد أريد بهذا التركيب القصر والحصر، وهذا لا يوجد مع الاتصال، فوجب الانفصال، ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) فلو أخر المفعول للزم الاتصال وكأنه يقال: نعبدك، فيجب التقديم لإرادة الحصر، بخلاف قولك: الدرهم إياه أعطيتك؛ فإنه لا يجب تقديم (إياه)؛ لأنك لو أخرته لجاز اتصاله وانفصاله على ما تقدم في باب المضمرات، وهو باب سلنيه وسلتنيه. الموضع الثالث: أن يكون العامل في المفعول واقعاً في جواب (أما)، ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) -هذا التركيب- ((فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) نقول: الْيَتِيمَ هنا واجب التقديم؛ لأنه تلا (أمَّا)، وهذا سيأتي في موضعه. إذاً: في هذه الثلاث المواضع يجب تقديم المفعول على العامل. ((وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)) هذا تقديراً، وهذا سيأتي في محله. والثاني: ما يجوز تقديمه وتأخيره نحو: ضرب زيد عمْراً. ثم قال رحمه الله تعالى: وَأَخِّرِ الْمَفْعُولَ إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ ... أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ أَخِّرِ الْمَفْعُولَ أَخِّرِ: هذا أمر، والفاعل أنت.

الْمَفْعُولَ: مفعول به، الْمَفْعُولَ هنا إعرابه: مفعول به، أخره عن ماذا؟ عن الفاعل، وحينئذٍ يجب البقاء على الأصل، هذا ما فيه التزام الأصل، فيجب أن يكون الفاعل متقدماً والمفعول متأخراً على محله، متى؟ إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ، إِنْ حُذِرْ لَبْسٌ، إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ، لَبْسٌ: هذا نائب فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، بسبب خفاء الإعراب وعدم القرينة وسبق أنه إذا كانا معرفتين أو مبنيين أو موصولين أو مقصورين حينئذٍ يتعين أن يكون الأول مبتدأ والثاني خبر، لماذا؟ لأنه لو قدم الخبر على المبتدأ التبس، وهنا كذلك، لو قال: ضرب موسى عيسى؟ ما يُعرَف لو قَدَّمَ وأَخَّرَ من الفاعل ومن المفعول، لكن لو التزم أن يقدم الفاعل على المفعول: ضرب موسى عيسى؛ عرفت أن موسى هو الفاعل وعيسى هو المفعول. إِنْ لَبْسٌ حُذِرْ: حينئذٍ نقول: هذا فيه لبس، لماذا؟ لعدم التمَيُّز، أما إذا وجدت قرينة معنوية أو لفظية حينئذٍ نقول: جاز التقديم، لفظية مثل لو وصفته: ضرب موسى العاقلُ عيسى، ضرب عيسى العاقلَ موسى، لما وصفت العاقلَ بالنصب عرفت أنه مفعول به، هذا جائز، وكذلك إذا كانت قرينة معنوية، مثل ماذا؟ أرضعت الصغرى الكبرى، أيهما مفعول؟ الصغرى مفعول، لماذا؟ لأن الأصل الكبرى هي التي ترضع الصغرى، أرضعت الصغرى الكبرى؛ تعلم أن الأول هو مفعول به وليس بفاعل. إذاً: بسبب خفاء الإعراب وعدم القرينة، إذ لا يعلم الفاعل من المفعول والحالة هذه إلا بالرتبة كما في: ضرب موسى عيسى، وأكرم ابني أخي، ابني أخي: إعراب مقدر لا يعرف إلا إذا جعلت الفاعل في مرتبته والمفعول في مرتبته. فإن أمن اللبس لوجود قرينة جاز التقديم نحو: ضربت موسى سلمى، هذا يحتمل الضارب والمضروب، وأما إذا قلت: ضربت بالتاء عرفت أن هذا الفاعل مسند إلى سلمى، كما قال هنا. أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ إذاً: يجب تأخير المفعول به، متى؟ إن خشي التباسه بالفاعل، فيجب حينئذٍ أن نلتزم كل مرتبة في مرتبتها، ولا يجوز التقديم ولا التأخير إلا بقرينة. أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ: بمعنى أن الفاعل يكون ضميراً، ضربت زيداً، ما حكم تأخير المفعول هنا؟ واجب؛ لأنه لا يمكن أن يفصل بين ضرب والتاء، متى ما أمكن الاتصال لا يجوز الانفصال. وَفِي اخْتِيَارٍ لاَ يَجِيءُ المنُْْفَصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ المُتَّصِلْ وحينئذٍ نقول: يجب هنا أن يكون الفاعل متصلاً؛ لأنه ضمير، ولذلك قال: أَوْ أُضْمِرَ يعني: جيء به ضميراً إذا كان الفاعل ضميراً غير محصور، أي: وأخر المفعول عن الفاعل أيضاً وجوباً إن وقع الفاعل ضميراً غير منحصر، نحو: أكرمتك وأهنت زيداً، أهنت التاء، أكرمتك الكاف هنا مفعول به، والتاء: فاعل، لا يمكن التقديم والتأخير. غَيْرَ مُنْحَصِرْ: يعني إذا لم يكن ثَمَّ حصر، كما في قولك: ما ضرب زيداً إلا أنا، انفصل لإرادة الحصر صار فاعلاً، فهو متأخر بعد (إلا). أَوْ أُضْمِرَ الْفَاعِلُ غَيْرَ مُنْحَصِرْ؛ لأن الفصل يؤدي إلى انفصال الضمير مع إمكان اتصاله. وَمَا بِإلاَّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ ... أَخِّرْ

هذا النوع الثالث، وهذا يشمل الفاعل والمفعول به، يجب تأخير الفاعل إذا كان محصوراً، ويجب تأخير المفعول به إذا كان محصوراً. وَمَا بِإلاَّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ أَخِّرْ يعني: أَخِّرْ مَا انْحَصَرْ بِ (إِلاَّ) أو بِ (إِنَّمَا)، مَا: هذه مفعول به في محل نصب، وبـ (إِلاَّ) إو بـ (إِنَّمَا) هذا متعلق بقوله: انْحَصَرْ، انحصر بـ (إلا) أو بـ (إن) وسبق معنا أن المحصور سواء كان مبتدأ أو خبر أو فاعل أو مفعول إذا كان بـ (إلا) يكون ما بعد (إلا)، وإذا كان بـ (إنما) يكون متأخراً. المحصور منهما من الفاعل أو المفعول وجب تأخيره مطلقاً هنا لم يفصل الناظم، وفيه ثلاثة مذاهب. وَمَا بِإِلاَّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ ... أَخِّرْ وَقَدْ يَسْبِقُ إِنْ قَصْدٌ ظَهَرْ قد يتقدم إذا دلت قرينة عليه، وهذا إنما يكون إذا كان الحصر بـ (إِلاَّ)، أما بـ (إِنَّمَا) فلا، بـ (إِنَّمَا) لا يكون متميزاً، إذا قلت: إنما ضرب زيدٌ عمْراً؛ أيهما المحصور فيه؟ عمْراً، لو قدمته؟ ما يتبين فيحصل لبس، لكن: ما ضرب زيد إلا عمْراً؛ معلوم أن عمْراً هذا محصور فيه، لو قلت: ما ضرب إلا عمْراً زيد بتقديم (إلا عمْراً) هذا واضح أنه مع (إلا) أنه هو المحصور. إذاً: وقد يسبق المحصور فاعلاً كان أو مفعولاً غير المحصور. إِنْ قَصْدٌ ظَهَرْ: وهذا يكون مع (إلا). قال الشارح: إذا انحصر الفاعل أو المفعول بـ (إِلاَّ) أو بـ (إِنَّمَا) وجب تأخيره، وقد يتقدم المحصور من الفاعل أو المفعول على غير المحصور إذا ظهر المحصور من غيره، يعني: إذا قصد حصر المفعول وجب تأخيره، ووجب تقديم الفاعل، إذا قصد حصر المفعول وجب تأخيره وتقديم الفاعل، فتقول: ما ضرب زيد إلا عمْراً، فعمْراً هذا محصور فيه في كونه مضروباً، وقد يكون لزيد مضروب آخر، أما عمرو هو المضروب فقط دون غيره، وأما زيد قد يكون له مضروب آخر. ما ضرب زيد إلا عمْراً، وإنما ضرب زيد عمْراً، عمْراً هذا مفعول به وهو محصور؛ لأنه جاء بـ (إنما) والذي يكون محصوراً بـ (إنما) يكون متأخراً -هو الثاني-، وأما بـ (إلا) فهذا يكون بعد (إلا). وإذا قصد حصر الفاعل وجب تأخيره وتقديم المفعول: ما ضرب عمْراً إلا زيد، فزيد: هذا متأخر وهو مرفوع بعد (إلا) وهو فاعل وهو محصور فيه. وإنما ضرب عمْراً زيد، فزيد هذا متأخر بعد (إنما) وحينئذٍ يكون محصوراً. وقوله: وَقَدْ يَسْبِقُ إِنْ قَصْدٌ ظَهَرْ قد يسبق منهما من المحصور بـ (إلا) أو بـ (إنما) إذا ظهر القصد، وهذا لا يتصور إلا في المحصور بـ (إلا)، وأما المحصور بـ (إنما) فلا، يبقى على الأصل. ولا يظهر القصد إلا في المحصور بـ (إلا)، وأما المحصور بـ (إنما) فقد لا يعلم حصره إلا بتأخيره. قال الشارح: فمثال المحصور بـ (إنما) قولك: إنما ضرب عمْراً زيد، أي: لا ضارب له غيره، وقد يكون لزيد مضروب آخر. ومثال المفعول المحصور بـ (إنما): إنما ضرب زيد عمْراً، أي: لا مضروب له غيره، وقد يكون لعمرو ضارب آخر. ومثال الفاعل المحصور بـ (إلا): ما ضرب عمْراً إلا زيد. ومثال المفعول المحصور بـ (إلا): ما ضرب زيد إلا عمْراً.

ومثال تقدم الفاعل المحصور بـ (إلا) قولك: ما ضرب إلا عمرو زيداً، هذا واضح. الأصل فيه التأخير: ما ضرب زيداً إلا عمرو؛ لأنه يجب تأخيره، ولكن لما علم فحينئذٍ نقول: جاز تقديمه. إذاً: نقول: المحصور بـ (إنما) لا خلاف في أنه لا يجوز تقديمه، وأما المحصور بـ (إلا) ففيه ثلاثة مذاهب: مذهب أكثر البصريين والفراء وابن الأنباري أنه لا يخلو، إما أن يكون المحصور بها فاعلاً أو مفعولاً، فإن كان فاعلاً امتنع تقديمه، وإن كان المحصور مفعولاً جاز تقديمه على التفصيل، مع كون الناظم أطلق. والثاني: مذهب الكسائي أنه يجوز تقديم المحصور بـ (إلا) فاعلاً كان أو مفعولاً لأمن اللبس فيه بخلاف (إنما)، وهذا واضح بين وهو الظاهر، وعليه كلام الناظم رحمه الله تعالى. المذهب الثالث -مذهب بعض البصريين-: أنه لا يجوز تقديم المحصور فيه بـ (إلا) فاعلاً كان أو مفعولاً، والصواب ما ذهب إليه الكسائي رحمه الله تعالى. وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ ... وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ أشار بهذا البيت أنه قد يجب تقديم المفعول به على الفاعل إذا اتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول به؛ لأن الأصل والقاعدة في الضمير أنه يعود إلى متقدم، إما مذكور وإما دال عليه بقرينة، إما أن يكون مذكور: زيد قام؛ هذا عاد إلى مذكور، أو دل عليه الحال مثلاً: ((اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ)) هُوَ عاد إلى -الضمير لا يرجع إلى الأسماء-، هنا (اعْدِلُوا) جملة أي: العدل المفهوم من الفعل، {وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وهو أي: الشارب ولا يشرب الخمر، هو؛ نقول: مرجع الضمير الشارب المفهوم من السياق. وكذلك قد يكون بالحال: ((كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي)) بَلَغَتْ يعني: الروح. إذاً: الحاصل: أن الضمير لا بد أن يكون مرجعه متقدماً، ولا يجوز أن يكون مرجعه متأخراً، لماذا؟ لأن وقع الضمير في لسان العرب هو ما ذكرناه، وهذا بالاستقراء التام لما ورد في النصوص، حينئذٍ إذا رجع إلى متأخر فإما أن يرجع إلى متأخر لفظاً ورتبة أو رتبة فحسب. الثاني: جائز، إذا رجع إلى متأخر في الرتبة دون اللفظ هذا جائز، وإذا رجع إلى متأخر لفظاً ورتبة هذا ممنوع إلا في ست مواضع. وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ شَاعَ: هذا كثير أو قليل؟ هنا اتصل بالمفعول به ضمير يعود على الفاعل، الأصل: خَافَ عُمَرُ رَبَّهُ، لا إشكال فيه، خَافَ عُمَرُ رَبَّهُ، رَبَّهُ: اتصل به ضمير مفعول به يعود إلى متقدم في الرتبة واللفظ، هل يجوز تقديم المفعول به المتصل بضمير يعود على الفاعل أن يتقدم على الفاعل؟ نقول: نعم يجوز، لماذا؟ لأنه وإن عاد إلى متأخر في اللفظ إلا أنه متأخر في الرتبة. خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ رَبَّهُ: هذا متأخر في اللفظ دون الرتبة، فمرجع الضمير إلى متأخر في اللفظ دون الرتبة هذا جائز. خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ عُمَرْ: فاعل، تقدم المفعول به هنا فعاد الضمير على متأخر في اللفظ، أما في الرتبة فلا؛ لأن رتبة الفاعل التقدم، وحينئذٍ هذا لا بأس به وهو شائع في كلام العرب. ((وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ)) هذا مثله، هذا جائز وجاء في فصيح الكلام.

وَشَاعَ: أي كثر وظهر تقديم المفعول على الفاعل إذا اتصل به ضمير يعود على الفاعل ولم يبالغ بعود الضمير على متأخر؛ لأنه متقدم في الرتبة. وَشَذَّ نَحْوُ: شَذَّ تقديم الفاعل إذا اتصل به ضمير يعود على المفعول لعوده على متأخر لفظاً ورتبة. زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ، نقول: نَوْرُهُ؛ هذا فاعل، اتصل به ضمير يعود إلى الشجر وهو مفعول به، إذاً: عاد على متأخر في اللفظ والرتبة، وهذا مختلف فيه، قيل: يجوز في الشعر والنثر مطلقاً، وقيل: يجوز في الشعر لا في النثر، وهذا ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله تعالى. وقيل: يمتنع في الشعر والنثر. إذاً: قيل: يجوز مطلقاً ويمتنع مطلقاً، وقيل: يجوز في الشعر لا في النثر. إذاً: وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ؛ هذا جائز وموجود في لسان العرب، بل موجود في فصيح الكلام وهو القرآن. وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ زَانَ نَوْرُهُ: المراد النور إزهار الشجرة، يقال: نورت الشجرة تنويراً وأنارت أي: أخرجت نورها. نَوْرُ: هذا فاعل اتصل به ضمير يعود إلى متأخر في اللفظ والرتبة، وهذا ممتنع إلا في ست مسائل: الأولى: أن يكون الضمير مرفوعاً بـ (نِعْمَ وبابه) نِعْم رجلاً زيد، باب (نِعْمَ) أن يكون الضمير مرفوعاً بنعم وبابه، نعم رجلاً زيد، أين الفاعل؟ مستتر، أين مرجعه؟ زيد، متأخر، وظرف رجلاً زيد؛ مثله. الثاني: أن يكون مرفوعاً بأول المتنازعين المعمول ثانيهما، (جَفَوْنيِ وَلَمْ أَجْفُ الأخِلاّءَ إنَّنِي)، وهذا سيأتينا. الثالث: أن يكون مخبراً عنه بخبر يفسره، ((إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا)) هِيَ: مبتدأ، وحَيَاتُنَا الدُّنْيَا: هذا خبر، هي؛ الضمير يرجع إلى الحياة، إذاً: رجع إلى متأخر. رابعاً: ضمير الشأن والقصة، وهذا سبق معنا مراراً ((هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)). خامساً: أن يجر برُبَّ، رُبَّهُ فَتَى، رُبَّه: مرجع رُبَّ يكون متأخراً وسيأتي في حروف الجر. سادساً: أن يبدل منه المفسر، نحو: ضربته زيداً، زيداً بدل من ضربته، ضربته زيداً، مرجع الضمير (ضربته) المتأخر وهو مفسر للضمير. إذاً: هذه ست مواضع يجوز فيها لغة وهو فصيح مرجع الضمير أن يكون متأخراً، وما عداها يعتبر شاذاً، وهو الذي أشار إليه بقوله: وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

47

عناصر الدرس * شرح الترجمة (النائب عن الفاعل) ـ * أحكام ما ينوب عن الفاعل (المفعول به) ـ * صورة بناء فعل النائب عن الفاعل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ. بعدما بين لنا أحكام الفاعل ذكر ما ينوب عنه وعنون بهذا العنوان المختصر وهو النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ، وهذه العبارة أولى مما يعبر به عند بعضهم بِالْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، من جهتين: أولاً: أن تلك العبارة فيها طول: الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فهي ست كلمات، وأما النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ هذه ثلاث كلمات في الجملة. كذلك الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ يصدق على ديناراً من نحو: أعطي زيد ديناراً أعطي هذا فعل ماضي مغير الصيغة وزيد هذا نائب فاعل، وديناراً هذا مفعول لم يسم فاعله، فحينئذٍ دخل فيه ما الأصل خروجه، وعدم صدقه على الظرف وغيره مما ينوب عن الفاعل، النائب عن الفاعل هذا أعم، وأما المفعول الذي لم يسم فاعله فحينئذٍ نحتاج إلى الظرف الذي لم يسم فاعله، والمصدر الذي لم يسم فاعله، والجار والمجرور الذي لم يسم فاعله؛ لأننا خصصنا الحكم بالمفعول به، وحينئذٍ خرج الظرف والجار والمجرور والمصدر، ولذا قلنا: النائب عن الفاعل أعمل، وأجيب بأنه صار علماً بالغلبة، المفعول الذي يسم فاعله صار علماً بالغلبة، مثل جمع المؤنث السالم، حينئذٍ المفعول سمي مفعولاً باعتبار الأصل؛ لأنه لا ينوب المصدر والجار والمجرور ولا الظرف إذا وجد المفعول؛ فهو سيدهم، وحينئذٍ إذا وجد المفعول به امتنع إقامة غيره كما هو مذهب البصريين خلافاً للكوفيين. فإذا قيل: الْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ عبر بالأصل فحينئذٍ صار علماً بالغلبة على ما ينوب عن الفاعل، ومع ذلك فالأولى أن يقال: النائب عن الفاعل لما ذكرناه، هي أخصر من حيث الكلمات وتصدق النائب عن الفاعل، ويدخل فيه المفعول ويدخل فيه الجار والمجرور والظرف بنوعيه المكاني والزماني، ويدخل فيه المصدر، وكذلك لا يصدق على ديناراً: أعطي زيد ديناراً بخلاف الجملة السابقةز النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ. يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ ... فِيمَا لَهُ كَنِيلَ خَيْرُ نَائِلِ يحذف الفاعل لغرض من الأغراض اللفظية أو المعنوية، وبحث هذه المسألة يعتني بها البيانيون، لماذا يحذف الفاعل ويناب عنه غيره! ولكن في الجملة نقول: يحذف الفاعل إما لغرض لفظي وإما لغرض معنوي، أما الأسباب اللفظية فهذه كثيرة منها: القصد للإيجاز في العبارة -الاختصار-، ((فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ)) لا شك أن الذي يعاقب به الإنسان قد لا يمكن حصره، فحينئذٍ حذف الفاعل هنا وأنيب المفعول به منابه من أجل الاختصار، ومنها المحافظة على السجع الكلام المنثور كما ذكر ابن هشام ذلك في شرح القطر، ومثل له بقوله: "مَنْ طَابَتْ سَرِيرَتُهُ حُمِدَتْ سِيرَتُهُ"، يعني حمد الناس سيرته؛ إذ لو ذُكر الفاعل لطالت الفاصلة، ولم تكن موافية لما سبق، كذلك المحافظة على الوزن في الشعر؛ إذ لو ذكر الفاعل قد ينكسر معه الوزن وقد يطول به الكلام، ويمثلون لذلك بقول الأعشى:

عُلِّقتُهَا عَرَضَاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً ... غَيْرِى وَعُلِّقَ أُخْرَى غيرَها الرَّجُلُ ثلاثة أفعال كلها مبنية للفاعل، عُلِّقتُهَا: يعني أحبها، عَرَضَاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً غَيْرِى وَعُلِّقَ أُخْرَى غيرَها الرَّجُلُ، حينئذٍ لو ذكر الفاعلِينَ هنا، حينئذٍ لما استقام له الوزن. وأما الأسباب المعنوية فكثيرة، منها كون الفاعل معلوماً للمخاطب ((خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) معلوم أن الخالق هو الله عز وجل، فيحذف حينئذٍ الفاعل للعلم به بين المخاطب والمتكلم، كذلك كونه مجهولاً للمتكلم لا يعرفه: "سُرِقَ الَمَتَاعُ "، سرق السارق المتاع هذا الأصل، هنا لم يحذف لكونه لا يمكن أن يوجد الفعل، لا، يمكن أن يوجد باسم فاعل مشتق من مصدر الفعل، سُرق سَرق، السارق متاعي، لكن إذا قيل: سرق السارق متاعي، أو سرق اللص متاعي .. ليس فيه كبير فائدة، لن يسرق إلا اللص، ولن يسرق إلا السارق، ولذلك لما قيل: سرق متاعي علمنا أنه سارق، وعلمنا أنه لص؛ إذ ليس سارق وليس بلص، نقول: هذا معلوم من السياق. كذلك رغبة المتكلم في الإخفاء: تُصدق بألف دينار، أراد نفسه مثلاً ولم يرد أن يخبر بأنه الذي تصدق، تُصدق بألف دينار، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تعظيم للفاعل لئلا يقترن به ما هو حقير، خلق الخنزير، خلق الحمار، خلق إبليس .. معلوم أن إبليس والخنزير والحمار هذه مما يستقذر منها. كذلك رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجري بذكره: ادُّعِيَت النُّبُوَّةُ، يريد احتقار المدعي، فيحذف الفاعل حينئذٍ، ومنها خوف المتكلم من الفاعل فيعرض عن ذكره، لا يريد أن يبين، قيل: ارتُكب كذا، أو فُعل كذا، ويخشى من الفاعل هو يعلمه لكن يخفيه من أجل خوفه على نفسه. وغير ذلك من المعاني التي يتكلم عنها البيانيون وحذفُهُ للخَوفِ والإِبهَامِ ... والوَزنِ والتَّحقِيرِ والإِعظَامِ والعِلمِ والجَهَلِ والاقتِصَارِ ... والسَّجعِ والوِفَاقِ والإِنكَارِ وغير ذلك من الأغراض التي يتكلم عنها البيانيون، وإنما غرض النحاة هنا في بيان الأحكام، ما الذي ينبني على الكلمة إذا حذف الفاعل وأنيب المفعول أو غيره منابه! قال: يَنُوبُ مَفْعُولٌ، يَنُوبُ هذا فعل مضارع ومَفْعُولٌ فاعل-المفعول هنا فاعل-. مَفْعُولٌ بِهِ إن كان موجوداً، وإن لم يكن موجوداً حينئذٍ ينوب غيره، فليس كلامه هنا على إطلاقه وينوب مفعول به إن كان للفعل مفعولاً واحداً، وينوب عن الفاعل مفعول أول إن كان له أكثر من مفعول، وسيأتي خلاف في المفعول الثاني. إذاً قوله: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ، نقول: إن وجد المفعول في الكلام، وإن لم يوجد حينئذٍ عدل إلى ما ينوب عنه، كذلك مَفْعُولٌ بِهِ: نقول: هذا قد يصدق على المفعول حقيقة وهو فيما إذا كان الفعل له مفعولاً واحداً ضرب زيد عمراً، لا شك أنه مفعول واحد، فتقول: ضُرب عمروٌ، وسيأتي البحث فيما إذا كان متعدياً إلى اثنين سواء كان من باب كسى، أو باب علم، أو متعدي إلى ثلاثة.

عَنْ فَاعِلِ حذف لغرض لفظي أو معنوي، فِيما لَهُ يعني: في الذي استقر له –للفاعل- من الأحكام السابقة؛ لأنه سبق أن الفاعل له الرفع، وسبق أن الفاعل يكون بعد الفعل ولا يتقدم عليه، سبق أن الفاعل لا بد من ذكره أو استتاره لا يحذف، سبق أن الفاعل لا بد من تجريد العامل من علامة تدل على تثنيته أو جمعه، فيما إذا كان مثنىً أو جمعاً، سبق أن الفاعل لا بد من تأنيث الفعل له إن كان مؤنثاً حقيقياً بالشرط السابق، وقد يجوز ذلك، سبق أن الفاعل قد لا يتقدم على فاعله، لا بد من تأخره .. وغير ذلك من الأحكام، وهذه بخلافها للمفعول، المفعول الأصل فيه أن يكون منفصلاً عن العامل، وهنا سيكون متصلاً به، الأصل في المفعول أنه منصوب، والأصل في المفعول أنه يجوز تقدمه على العامل، الأصل في المفعول ألا يراعى من جهة كونه مؤنثاً أو لا! ليس له علاقة، العامل لا علاقة له، ضرب زيد هنداً، بخلاف ضربت هند زيداً لا بد من التأنيث إذا كان الفاعل مؤنثاً، حينئذٍ نقول: الأحكام السابقة كلها التي ثبتت للفاعل تثبت للمفعول به، فكان فضلة صار عمدة، كان منصوباً صار مرفوعاً، كان جائز التقدم على العامل صار واجب التأخر، كان الأصل فيه أن ينفصل عن العامل صار الأصل فيه أو الاستحقاق أن يتصل بالعامل، كان الأصل ألا يراعى من جهة التأنيث، فحينئذٍ صار واجب المراعاة من جهة التأنيث: ضرب زيد هنداً، ضُربت هند وجب التأنيث من أجل المفعول به، إذاً كل الأحكام السابقة للفاعل تثبت للمفعول إذا أنيب مناب الفاعل. كالرفع، والعمدية، ووجوب التأخير، ووجوب ذكره، واستحقاقه الاتصال بالعامل، وكونه كالجزء منه -كان منفصلاً صار كالجزء بدليل أنه يسكن له آخر الفعل الماضي، تأنيث الفعل- لتأنيثه على التفصيل السابق، وإغنائه عن الخبر في نحو: أمضروب العبدان، أغنى هنا عن الخبر، وهو نائب فاعل. وتجريد العامل من علامة التثنية والجمع على اللغة الفصحى كما سبق. يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ ... فِيما لَهُ: يعني في الذي استقر له من الأحكام فِيما لَهُ: استقر له، لَهُ هذا متعلق بمحذوف صلة الموصول فيما يعني في الذي استقر له من الأحكام؛ للفاعل من الأحكام السابقة التي بيناها. كَنِيلَ: كقولك نِيلَ خَيْرُ نَائِلِ: أصلها نال زيد خَيْرُ نَائِلِ، حذف الفاعل الذي هو زيد وأنيب خَيْرُ منابه، فارتفع، كان منصوباً فصار مرفوعاً، كان خيرَ بالنصب، صار خيرُ، كان منفصلاً عن العامل نَائِلِ صار متصلاً به، كان جائز التقدم، نال زيد خير نائل، خير نائل نال زيد، هذا جائز، لكن لما ارتفع على أنه نائب فاعل امتنع. إذاً كل الأحكام قد ثبتت لنائب الفاعل. كَنِيلَ خَيْرُ نَائِلِ: يقال نلته المعروف وأنلته ونولته، أي: أعطيته، والاسم النوْل والنوَال، وليس خيرَ نائل، الظاهر أنها ليست أفعل التفضيل ولا مصدراً وإنما هو بمعنى المال، ((إِن تَرَكَ خَيْرَاً)) يعني مالاً، ونائل اسم فاعل، فالمعنى أُعطي مال شخص نائل، أي معطٍ، إذاً نِيلَ، نقول: هذا مغير الصيغة كما سيأتي، وخَيْرً هذا نائب عن الفاعل المحذوف؛ إذ الأصل نال زيد خير نائل.

فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ وَالمُتَّصِلْ: بعد أن بين لنا أن المفعول ينوب مناب الفاعل في الأحكام السابقة كلها، حينئذٍ إذا ناب فالأصل بقاء الفعل على ما كان عليه، إذا قيل: ضرب زيد عمراً، حذفت الفاعل وهو زيد وأعطيت الأحكام كلها السابقة لعمرو، فقلت: ضرب عمرو، رفعت عمراً بعد أن كان منصوباً واتصل بالعامل بعد أن كان منفصلاً، حينئذٍ التبس بالفاعل، ضرب زيد ضرب عمرو، ما الذي أدرانا أن هذا نائب وهذا فاعل! فأوجب النحاة على ما استعمل في لسان العرب من تغيير الصيغة للدلالة على أن ما بعده نائب فاعل وليس بفاعل، فمنذ أن ينطق بالفعل في أول الكلام تعلم أن الذي سيذكر بعده نائب فاعل وليس بفاعل، منذ أن تقرأ أو تسمع ضُرب تعلم أن زيد الذي يليه نائب فاعل، ما الذي أدرانا؟ تغيير الصيغة. إذاً: يجب تغيير الصيغة من أجل تمييز النائب -نائب الفاعل- عن الفاعل؛ لأنه لو لم تغير الصيغة لالتبس ذا بذاك، فقيل: ضرب زيد عمرو، ضرب عمرو، حينئذٍ ما حصل حذف وأين النائب؟ وما الذي دلنا على هذا؟ فلذلك وجب تغيير الصيغة، والأبيات التي ستأتي معنا كلها في بيان الأحكام المتعلقة بالفعل من أجل الحكم على أن ما بعده نائب فاعل وليس بفاعل، وهذه كلها في الجملة متفق عليها ليس فيها خلاف. فقال رحمه الله: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ: إذاً للانتقال. يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ ... فِيمَا لَهُ كَنِيلَ خَيْرُ نَائِلِ ثم ينتقل إلى الفعل، نقول: لماذا؟ لبيان أن الفعل يجب تغييره تغيير صيغته من أجل تأكيد الحكم على أن ما بعد الفعل نائب فاعل وليس بفاعل. فَأَوَّلَ: هذه الفاء للتفريع، يعني إذا ناب المفعول مناب الفاعل يتفرع على ذلك وجوب تغيير الصيغة، ولا تتركه هكذا ضرب زيد عمراً، ضرب عمرو؛ لأنك لو تركته دون أن تضم أوله لالتبس بالفاعل. فَأَوَّلَ -الفاء هذه للتفريع- الْفِعْلِ اضْمُمَنْ: اضْمُمَنْ: هذا فعل أمر اتصل به نون التوكيد الخفيفة، فهو مبني معها على الفتح. أَوَّلَ الْفِعْلِ: هذا مفعول به مقدم، والأصل في الفعل المؤكد ألا يتقدم معموله عليه، جماهير النحاة على ذلك إلا في مقام الضرورة كالبيت هنا، وإلا الأصل اضْمُمَنْ أَوَّلَ الْفِعْلِ، لا يجوز أن يتقدم، فإذا أعرب مثل هذا التركيب (أَوَّلَ) مفعول به لـ (اضْمُمَنْ) وهو مؤكد، سواء كان مؤكداً بالنون أو بقد أو باللام أو نحو ذلك، لا يجوز أن يتقدم معموله عليه إلا في مقام الضرورة كالوزن ونحو ذلك. هنا أَوَّلَ: نقول هذا مفعول به مقدم على اضْمُمَنْ وهو العامل فيه. فَأَوَّلَ الْفِعْلِ: المراد بأول الفعل (فاء الفعل)؛ لأن ضَرَبَ على وزن فَعَلَ، فاء الفعل هي الأول، وعين الفعل هي الثاني، ولام الفعل هي الثالث، وهذه اصطلاحات عند الصرفيين، يسمون الأول من الكلمة الأصلية الحرف الأصلي يسمى فاء الفعل؛ لأنه مقابل للفاء في الوزن، فيقال: ضرب على وزن فعل، ففعل ضرب، الضاد هي فاء الفعل، والراء هي عين الفعل، والباء هي لام الفعل. فاضْمُمَنْ أَوَّلَ الْفِعْلِ، يعني فاء الفعل الذي هو الحرف الأصلي، وهذا المراد به في الثلاثي كما سيأتي. فَأَوَّلَ الْفِعْلِ: أي فاء الكلمة -الفعل الذي تبنيه للمفعول-.

اضْمُمَنْ: مطلقاً سواء كان ماضياً أو مضارعاً، فأطلق قوله: الْفِعْلِ ليشمل الماضي والمضارع؛ لأن الحكم عام. فكل فعل مغير الصيغة في هذا الباب أوله مضموم قطعاً، ثم الضم قد يكون ملفوظاً به وقد يكون مقدراً، فاضْمُمَنْ ولو تقديراً، كما في قيل وبيع كما سيأتي؛ لأن قيل أصله مضموم الأول، وبيع أصله مضموم الأول، فحينئذٍ ضُم لكنه مقدر، وبيع ضُم لكنه مقدر، إذاً اضْمُمَنْ مطلقاً، سواء كان الفعل ماضياً أو مضارعاً فالحكم عام، حينئذٍ تقول: ضرب، ضُ .. ضممت الأول، يُضرب، يُـ .. تضم حرف المضارعة، وهذا الحكم قلنا عام يشمل فيما إذا كان الأول مكسور فيما هو الثلاثي المعل العين كما سيأتي في قيل وبيع، فحينئذٍ يكون الضم مقدراً، أو كان ملفوظاً به وهو الأصل، إذاً عمم القاعدة في الأول فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ: يعني سواء كان الفعل ماضياً أو مضارعاً اضْمُمَنْ، ولو تقديراً، ولو مثل بنيِلَ خَيْرُ نَائِلِ جيد. وَالمُتَّصِلْ بِالآخِرِ اكْسِرْ: أما ما قبل الآخر ففيه تفصيل بين النوعين الماضي والمضارع؛ لأن الأمر هنا لا يتصور أن يدخل معنا، لماذا؟ لأن فاعله لا يحذف، لا يمكن أن يحذف بل هو ضمير مستتر واجب الاستتار، فحينئذٍ بقي الأمر متردداً بين الماضي والمضارع، فإذا قيل: بأن الماضي والمضارع يضم أولهما بقي التفريق بينهما فيما قبل الآخر، أما الآخر فهذا يكون محلاً للإعراب والبناء، بقي حكم الصرف معلقاً بما قبل الآخر، فإن كان ماضياً قال: اكْسِرْ، واكسر المتصل بالآخر في مضيٍ، متصل بالآخر ما هو؟ الذي قبل الآخر، المتصل يعني: الحرف المتصل بالآخر الذي هو قبل الآخر، ضَرَب الراء هذه متصلة بالآخر وهي الباء، في الماضي تقول: ضُرِب فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، ثم اكسر ما قبل آخره ضُرِب، وأما الباء فهي حركته حركة بناء. واكْسِرْ الحرف المُتَّصِلْ هذا مفعول به وقف بالإسكان للروي مفعول مقدم لقوله: اكْسِرْ، اكْسِرْ المُتَّصِلْ، يعني الحرف المتصل. بِالآخِرِ: هذا متعلق بالمتصل، متصل بالآخر يعني الذي يكون آخر الكلمة وهو محل إعراب أو بناء، المتصل به الذي قبله. فِي مُضِيٍّ: هذا تخصيص –تقييد-، ليس الحكم كالأول فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ! لا، هنا تفصيل، أوَّل عمم وأطلق وهنا فصل، وهذا تستدل به على أنه أراد بقوله: الفعل، فَأَوَّلَ الْفِعْلِ العموم؛ لأنه إذا أطلق -هذا حتى في الفقهيات- إذا أطلق الحكم في مسألة، ثم جاء في المسألة التي تليها فصّل بين ما يمكن إدخاله في المسألة الأولى، تعمم الأولى وتخصص الثانية، هنا قال: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، قد يقول قائل: هذا ليس نصاً في أن المضارع داخل فيه، أو أن الحكم خاص بالماضي، نقول: لا، كونه فصل قال: فِي مُضِيٍّ، ثم قال: وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ، في المتصل بالآخر، علمنا أن قوله: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ، أنه عام، وهذا كثير في الفقه هناك. وَالمُتَّصِلْ بِالآخِرِ -منه- اكْسِرْ، هذا أمر وجوباً ولو تقديراً، كـ (رُدَّ) فيما هو ثلاثي مُضَعَّف، رُدَّ فِي مُضِيٍّ، هذا قيد أفاد أن قوله: أَوَّلَ الْفِعْلِ عام، وأن هذا الحكم خاص بالماضي دون المضارع.

اكْسِرْ: نقول: ضُرِب، أصلها ضَرَب مفتوحة الراء، فجعلت الفتحة كسرة، تقول: ضُرِب، إذاً تغيرت صيغة الفعل الماضي. ضَرَب، صار ضُرِب ضُمَّ أوله وكسر ما قبل آخره، وهذا واضح فيما إذا كان مفتوحاً .. ضرَب، فعَل العين مفتوحة الراء مفتوحة، إذا كان مثل علِم اللام مكسورة في أصلها، فحينئذٍ إذا قيل اللام مكسورة في أصلها، إذا قلت: عُ ضممت أوله، لِ كسرت ما قبل الآخر أو نبقيه كما هو؟ قولان للنحاة، والظاهر أنها ما كان مكسور قبل الآخر يبقى على كسرته، لا نحتاج أن نقول هذه الكسرة محدثة وأسقط الكسر السابق، هو محتمل، لكن نقول: المراد هنا التمييز تمييز الفعل من أجل الحكم على أن ما بعده نائب فاعل، فحينئذٍ حصل بوجود الكسر فأغنت هذه الكسرة عن إحداث كسرة أخرى، فإذا قيل: عُلِم قد يرد السؤال: هذه الكسرة هل هي الكسرة الأصلية في عُلِم أم أنها كسرة محدثة مثل ضُرِب، نقول: الظاهر أنها هي الأصل، وليست محدثة. اكْسِرْ: نقول هذا ظاهره فيما إذا لم يكن مكسوراً في الأصل كضَرَب، فإن كان مكسوراً في الأصل كعلِم، فإما أن يقال: يُقدر زوال الكسر الأصلي وأتي بكسر بدله، هذا فيه تكلف، بمعنى أنه يقال هذه الكسرة ليست هي كسرة علِم، بل كسرة محدثة جديدة، وتلك قد سقطت، أو يقال المراد الكسر إذا لم يكن مكسوراً في الأصل، واكْسِرْ إذا لم يكن مكسوراً في الأصل، وهذا جيد وأحسن، ومناسب للقواعد التي تكون منطقية، ويقبلها العقل، حينئذٍ نقول: واكْسِرْ إذا لم يكن مكسوراً، فإن كان مكسوراً بقي على كسره ولا نحتاج إلى التكلف. والكسر هو الكثير في لسان العرب، ومنهم من يسكنه لغة، ضُرِبَ يقول: ضُرْبَ زيد بإسكان الثاني، والكثير المشهور هو كسره، ويجوز تسكينه فيقال: ضُرْبَ، عُلْمَ زيد، يعني عُلِم، ومنهم من يفتحه في معتل العين، ويقلب الياء ألفاً، رُئِيَ زيد، يفتح ما قبل الآخر وهو الهمزة، فحينئذٍ نقول: تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصار رُؤى، رؤى زيد. إذاً: الصحيح يكون فيه لغتان: نحو ضُرِب فيه لغتان: كسر ما قبل الآخر وهو الأفصح والأكثر، وتسكينه. وأما إذا كان معتل اللام مثل رأى رؤي، ففيه ثلاث لغات، الأولى الكسر رئي، ثم رؤى الذي هو الإسكان، ثم فتح ما قبل الآخر فتقلب الياء ألفاً رأي، تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فحينئذٍ قلبت ألفاً وصار رؤى، رؤى زيد، ففيه ثلاث لغات، لكن المشهور ما ذكره الناظم هنا رحمه الله تعالى. فِي مُضِيٍّ: قلنا هذا متعلق بقوله: اكْسِرْ، كَوُصِلْ، وصل زيد وصلت الشيء، الأصل وصلت، وصل مثل ضرب .. وصلت الشيء ووصل الشيء ضُم أوله وكسر ما قبل آخره حقيقة، فحذف الفاعل وأقيم المفعول به مقامه، فتغير فَعَل بفتح أوله فُعِل، هذا إذا كان ماضياً. إن كان مضارعاً أشار إليه بقوله: وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا ... كَيَنْتَحِي الْمَقُولِ فِيهِ يُنْتَحَى وهذا كما ذكرنا لا خلاف فيه بين النحاة، كل هذه المسائل متفق عليها، وهي المسائل المأخوذة من فن الصرف؛ لأنه لا علاقة للنحاة بأول الفعل ولا أوسطه، وإنما يتعرضون لهذه الأبحاث وإن لم تكن من فنهم من أجل إتقان الباب فحسب؛ لأنه لا يتم معرفة نائب الفاعل إلا بذكر هذه المسائل.

وَاجْعَلْهُ: يعني المتصل بالآخر. مِنْ مُضَارِعٍ: عرفنا حكم الماضي، إذاً ليس للاحتراز، وإنما هو لبيان الواقع. مُنْفَتِحَا: يعني مفتوحاً، وهذا مفعول ثاني لقوله: اجْعَلْ، والهاء هذه مفعول أول. وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا: ولو تقديراً كـ (يُقال)، قال يقالُ يقولُ .. ضُمَّ أوله وفُتِح ما قبل آخره، صار يُقْوَلُ يُفْعَلُ مثل: يُضربُ، يُقتلُ، هذه مغير الصيغة، فيقال: يُقْوَلُ، أريد قلب الواو ياء، فنقلت حركة الواو إلى ما قبلها، من أجل أن ندعي أن الواو تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، أو نقول: اكتفاء بجزء العلة؛ لأن العلة مركبة هنا، لا بد من تحرك الواو وانفتاح ما قبلها، فإذا قيل: يُضرَب، يُقْوَلُ تحركت الواو ولم يفتح ما قبلها، ماذا نفعل؟ تكلف الصرفيون لهذا القلب علة أخرى وهي: أن الواو قد نقلت إلى ما قبلها، حينئذٍ صار النظر إلى فعلين: يُقْوَلُ واو مفتوحة، ثم لما نقلوا الفتحة إلى ما قبلها صار (يَق) تحركت الواو ثم سكنت الواو، بالنظرين قبل النقل وبعد النقل قالوا: تحركت الواو في يُقْوَلُ، وانفتح ما قبلها في يَقْوَلُ، وحينئذٍ قلبت ألفاً، وهذا فيه تكلف، والأصح أن يقال: اكتفاء بجزء العلة، لماذا؟ لأنه سمع كذا، يُقَالُ لا يوجد يُقْوَلُ أبداً، وإنما هذه فلسفة من أجل معرفة أن هذه الألف منقلبة عن واو، وهو صحيح متفق على أن هذه الألف منقلبة عن واو، كيف انقلبت؟ نقول: نحن عندنا قاعدة أن الواو لا تقلب ألفاً إلا إذا تحركت وانفتح ما قبلها، قال: قوَل، تقول: تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألف، باع بيَع تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً. هنا ليس عندنا تحرك الواو وانفتح ما قبله، فقالوا: إذاً نتكلف علة من أجل تمكين هذه الواو من قلبها ألفاً، إذاً إذا قيل: يقال، ما قبل الأخير هو الواو المنقلبة ألفاً. قال: وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا أين الانفتاح هنا؟ ليس فيه فتحة، وإنما نقول: هنا مقدر؛ لأنه قبل قلب الألف واواً. وَاجْعَلْهُ: يعني اجعل المتصل بالآخر يعني ما قبل الآخر مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا ولو تقديراً كـ (يُقال)، اجْعَلْهُ الضمير هنا مفعول أول مُنْفَتِحَا مفعول ثاني، مِنْ مُضَارِعٍ متعلق باجْعَلْهُ. كَيَنْتَحِي: يعني كقولك في مثال ذلك ينتحي، هذا من الانتحاء وهو الاعتماد، المبني للمعلوم.

يَنْتَحِي بإثبات الياء، يَنْتَحِي أصلها ينتحيا، حينئذٍ تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصار يَنْتَحِي، هذه ألف ويَنْتَحِي هذه ياء، نقول: تحركت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، حينئذٍ يَنْتَحِي هذا مضارع مبني للمعلوم، يَنْتَحِي هذا مضارع مغير الصيغة، والأولى أن يعبر في مثل هذا التركيب بمغير الصيغة وإن انتشر عند الكثير بأنه مبني للمجهول لسببين: أولاً: المبني للمجهول هذا فيه تخصيص لغرض واحد من أغراض حذف الفاعل؛ لأنه كما سبق حذف الفاعل ليس خاصاً بالمجهول، هل كلما حذف الفاعل معناه للجهل به؟ قلنا: قد يخاف من ذكره، قد يكون معلوماً ((خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) معلوم هذا؟ مقطوع العلم هذا، لا خالق إلا الله، حينئذٍ ليس إذا قيل: مبني للمجهول فيه حصر لغرض حذف الفاعل في الجهل به، وهذا غلط ليس بصحيح، بل قد يحذف للعلم به، قد يحذف للخوف منه، قد يحذف لمصلحة ألا يصرح به، قد يحذف للتعظيم، للتحقير .. إلى آخره، ليس للجهل به. ثم إذا جئنا في حكم شرعي وإذا جئنا نطبق مثل هذا الإعراب في بعض الآيات التي يكون فيها الرب جل وعلا هو الفاعل الذي حذف، هذا لا يجوز نقول: ((خُلِقَ الإِنسَانُ)) خُلِقَ مبني للمجهول! هذا لا يجوز، ولو اصطلح النحاة على هذا، لماذا؟ لأنه لا يدَّعى أن الله عز وجل مجهول، ((خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) خُلِقَ، نقول: هذا فعل مبني للمجهول، أين المجهول؟ ليس عندنا مجهول، فلا يلتبس؛ لأنه كثير ما يقول النحاة مبني للمجهول! لا، نقول: مغير الصيغة، فعل ماضي مغير الصيغة، فعل مضارع مغير الصيغة، ومبني للمجهول هذه إن استعملت فرآها إنسان لا يستعملها في مثل هذه المواضع. إذا كان المحذوف النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة مثلاً والقول منسوب إليه، أو الملائكة .. حينئذٍ نقول: لا، لا ينبغي بل لا يجوز أن يقول: مبني للمجهول؛ لأن التجهيل هذا صعب. وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ مُنْفَتِحَا ... كَيَنْتَحِي الْمَقُولِ فِيهِ: الْمَقُولِ يجوز فيه وجهان: مَقُولِ على أنه نعت ليَنْتَحِي؛ لأنه قصد لفظه، كَيَنْتَحِي الأولى أن يجعل الكاف هنا داخلة على اسم، يَنْتَحِي هذا قصد لفظه، وإنما نقدر القول فيما إذا كان جملة، يعني لو قال: كَيَنْتَحِي زيد عمرو كقولك، أما إذا جاء بالفعل نفسه نقول: هذا قصد لفظه فصار علماً، فالكاف هنا داخلة على اسم، فلا نحتاج إلى التقدير. كَيَنْتَحِي الْمَقُولِ: نعت له. الْمَقُولِ فِيهِ: (فِيهِ) هذا نائب فاعل المقول، يعني اسم مفعول، يَنْتَحِي هذا محكي بالقول؛ لأن المقول والقول وما تصرف منه قلنا هذا يتعدى، هذا الأصل، حينئذٍ يكون نائب فاعل ليس فيه، وإنما ينتحى هو المحكي بالمقول. ويجوز الْمَقُولِ فِيهِ يَنْتَحِي، الْمَقُولِ مبتدأ، ويَنْتَحِي هذا خبر، يجوز هذا ويجوز ذاك. الْمَقُولِ فِيهِ يَنْتَحِي، لكن إذا قيل: الْمَقُولُ بالرفع يكون الترتيب للبيت هكذا: وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ كَيَنْتَحِي ... مُنْفَتِحَا الْمَقُولِ فِيهِ يُنْتَحَى

هذا أولى، إذا جُعِل مرفوعاً يكون تقدير البيت: وَاجْعَلْهُ مِنْ مُضَارِعٍ كَيَنْتَحِي .. حينئذٍ كَيَنْتَحِي هذا متعلق بقوله: مُضَارِعٍ، مُنْفَتِحَا هذا مفعول ثاني، وإذا قيل: الْمَقُولِ فيبقى على ما ذكره الناظم رحمه الله تعالى. إذاً: الماضي والمضارع إذا أريد صوغهما لنائب الفاعل حينئذٍ يضم الأول (فَ)، ثم ننظر إلى ما قبل الآخر فالماضي نكسره لفظاً أو تقديراً ويجوز لغةً تسكينه، وإذا كان معتل اللام جاز فتحه، فصار فيه ثلاث لغات، وما قبل المضارع يفتح ولو تقدير، وهذا محل وفاق والحمد لله. وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ ... كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ بِلاَ مُنَازَعَهُ وهذا أيضاً محل وفاق. وَالثَّانِيَ: يعني الحرف الثاني، هذا منصوب على الاشتغال، وهذا سيأتينا: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ، اجْعَلْهُ الضمير هنا راجع إلى الثاني، لكنه نصبه حينئذٍ تعين أن يكون الأول من باب الاشتغال. وَالثَّانِيَ: يعني اجعل الثاني، والمراد بالثاني هنا الحرف -الحرف الثان-ي. التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: تَا الْمُطَاوَعَهْ المراد بها حصول الأثر من الأول للثاني، قد تتصل بالفعل الماضي تاء تسمى تَا الْمُطَاوَعَهْ، والمراد بها قبول الأثر، أو حصول الأثر من الأول للثاني، يعبر بالحصول والقبول لا شك، هذا وذاك، يقال: حصول الأثر من الأول للثاني، أو قبول الأثر من فعل سابق وحصوله نتيجة لتأثيره، علَّمتُه فتعلم، علمته: حصل تعليم مني، فقبل العلم فتعلم، أما إذا لم يقبل لا يصح أن يقال: فتعلم؛ لأنه لم يقبله، كسَّرته فتكسَّر، إذاً تكسر حينئذٍ قلنا قبل الأثر، إذا لم يتكسر لا يقال: تكسر، إذا كسرت الزجاج كسرته كسرته تقول: كسّرته فتكسَّر، إذا لم يتكسَّر لا يصح أن يقال: تكسَّر، التاء هذه تدل على أن ثم تأثير من خارج لهذا المحل، فقبله ذلك المحل، إذا قبل وجاءت التاء، قلنا هذه تَا الْمُطَاوَعَهْ. قال: وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: وتا المطاوعة هذه لا تتصل إلا بالفعل الماضي، وإذا كان كذلك خصصنا هذا البيت بالفعل الماضي لأنه لا تأتي في الفعل المضارع. هذا في الماضي لا في المضارع؛ لأن تَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ لا يكون ثانياً في المضارع بل ثالثاً فيه؛ لزيادة حرف المضارعة قبلها؛ لأنه قال: وَالثَّانِيَ، هذا لا يتصور في المضارع وإنما يتصور في الماضي فحسب. وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: الذي يتلو تَا الْمُطَاوَعَهْ: حينئذٍ تَا الْمُطَاوَعَهْ تكون أولاً، وحكمها معلوم مما سبق فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، الكلام الآن ليس في تَا الْمُطَاوَعَهْ، تَا الْمُطَاوَعَهْ داخل في قوله: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، حينئذٍ حكمها الضم؛ لأنها أول الفعل فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ مطلقاً، أي فعل ماضي سواء كان مجرداً كضرب، أو دخلت عليه تاء المطاوعة أو همزة الوصل كانفعل، أو استفعل .. كل فعل ماضي أوله مضموم، وتعلَّم وتكسَّر أوله التاء وهي تاء المطاوعة؛ إذاً ليس الحكم المراد به هنا تاء المطاوعة، وإنما المراد به الثاني الذي يتلوه.

وَالثَّانِيَ: يعني الحرف الثاني التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: قصره للضرورة. كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ: بدل من أن يقول: كتاء المطاوعة قال: كالأول من باب التفنن، وإلا الأصل أن يقول مثلها، يعني فيأخذ الحكم الثاني التالي تا المطاوعة الذي يتلوها، أن يأخذ حكمها، قال: كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ، قد يظن الظان بأن قوله: كَالأَوَّلِ أن ثم فرقاً بين تاء المطاوعة والأول! لا، هي عينها؛ كأنك تقول: تَعلَّم، تُعلمِّ، ماذا صنعت؟ ضممت الأول على الأصل، الأصل تعلَّم، ما القاعدة؟ فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، وما قبل الآخر وَالمُتَّصِلْ بِالآخِرِ اكْسِرْ فِي مُضِيٍّ كَوُصِلْ. إذاً: تعُلِّم كسرت ما قبل الميم وهو اللام. الفائدة في هذا البيت أن ماكان مفتتحاً بتاء المطاوعة وهو فعل ماضي الثاني يتبع الأول، فتقول: تُعُلِّم .. ضممت العين كما ضممت التاء، تدحرج تُدُحرج، تكسر تُكُسر، إذاً ضممت الثاني مع الأول. تغافل تُغُوفِل كسرت الفاء على الأصل، وَالمُتَّصِلْ بِالآخِرِ .. ، تَقَاَتلَ تُقُوتِلَ، تضاربا تضوربا .. إذاً ما كان مفتتحاً بالتاء وهو وزنان: تَفَعَّّل وتَفَاعَلَ، يتبع الثاني الأول، فتقول: تُفُعِّل وتُفُوعِل. وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ بِلاَ مُنَازَعَهُ بِلاَ مُنَازَعَهُ: يعني بلا خلاف في هذه المسألة وفي غيرها، ولذلك قال المكودي أن هذا تتمة للبيت، يعني ليس فيه قائدة. إذاً: وَالثَّانِيَ: هذا منصوب على الاشتغال. والتَّالِيَ: هذا نعت له. تَا الْمُطَاوَعَهْ: التَّالِيَ هذا اسم فاعل دخلت عليه أل فينصب، يعني الذي تلا، والفاعل فيه ضمير مستتر يعود على الثاني، الحرف الثاني، الذي تلا .. تلا ماذا؟ تلا تاء المطاوعة، فتاء هذا مفعول به للتالي. كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ: اجعله كالأول، الهاء مفعول أول وكَالأَوَّلِ هذا متعلق بمحذوف، مفعول ثاني مقدم على اجْعَلْهُ، يعني مفعول ثاني لاجعله، بِلاَ مُنَازَعَهُ. وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: قلنا المراد هنا في الماضي، هذا الحكم متعلق بالماضي لا في المضارع، لماذا؟ لأن التالي لتا المطاوعة لا يكون ثانياً في المضارع البتة، بل ثالثاً فيه لزيادة حرف المضارعة قبلها، إذا قلت: تعلَّم، تعلَّم فعل ماضي، أَدخل عليه حرف المضارعة يتعلم، هنا قال: وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ: الذي يتلو تا المطاوعة يكون ثانياً، الذي يأتي بعده. يَتَعَلّـ .. التالي لتاء المطاوعة جاء ثالثاً وهو العين ولم يكن ثانياً، (يَتَ) حرفان، (عَ) جاء ثالثاً، إذاً الذي تلا حرف المطاوعة جاء ثالثاً ولم يأت ثانياً، فالحكم حينئذٍ لا يتصور في المضارع، يعني ضم الثاني الذي يتلو تا المطاوعة لا يتصور في الفعل المضارع ولو دخلت عليه تا المطاوعة، لماذا؟ لأنها لا تكون ثانياً، بل يكون ثالثاً، يعني الذي يتلو تا المطاوعة يكون ثالثاً.

لزيادة حرف المضارعة قبلها فالتالي لتاء المطاوعة في المضارع باقٍ على ما كان عليه في المبني للفاعل، تقول: يَتعلم، يُتعلم بقي كما هو، يَتعلم زيد المسألة، تُتَعَ .. بقيت العين كما هي، يَتعَ، يُتعَ بقيت العين كما هي مفتوحة، والحكم حينئذٍ يكون خاصاً بالماضي. وَالثَّانِيَ التَّالِيَ: والثاني من الفعل الماضي المفتتح بتاء المطاوعة، قيل: وشبهها من كل تاء مزيدة، فالحكم حينئذٍ -ولذلك اعترض على الناظم هنا أن الحكم ليس خاصاً بتاء المطاوعة فحسب، بل كل فعل ماضي على وزن تفعَّل أو تفاعَل، وهذا ضبطه أحسن؛ لأن تكبَّر على وزن تفعَّل، لكن التاء ليست للمطاوعة، ومع ذلك نقول: تُكُبِّر على زيد، فحينئذٍ نقول: الكاف هنا ضمت تابعة للتاء، طيب ليست تاء المطاوعة هي شبيهة بها؛ لأنه على وزن تفعّل، ويقال: تخيّر تُخيّر، الحكم عام-. إذاً قوله: تا المطاوعة جرى على الغالب، ولو قيل من باب أن التاء هنا الثاني يضم تابعاً للأول إذا كان من باب تعلم، تفعّل وتفاعل .. إذاً ضبطه بباب تفعّل وتفاعل أجود من أن يقال بأن أوله تاء المطاوعة؛ لأنه قد يكون أوله تاء من باب تفعل وليس التاء فيه تاء المطاوعة مثل تكبّر وتخير. وَالثَّانِيَ التَّالِيَ تَا الْمُطَاوَعَهْ ... كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ بِلاَ مُنَازَعَهُ قيل: لئلا يلتبس بالمضارع الذي للفاعل، يعني المبني للفاعل، هكذا عُلل، لكن السماع هو الذي يقدم. كَالأَوَّلِ اجْعَلْهُ: فيقال: تُدحرج الحجر، وتغوفل عن الأمر بإتباع الثاني الأول في الضم. بِلاَ مُنَازَعَهُ: قلنا هذا جار ومجرور متعلق بقوله: اجعله. إذاً هذا ما كان في أوله تاء المطاوعة على ما ذكره الناظم، وقلنا نعمم البيت ونقول: ما كان على وزن تفعّل وتفاعَل. انتقل إلى ما كان أوله همز الوصل، وهذا أيضاً خاص بالماضي؛ لأن المضارع لا يكون في أوله همز الوصل، المضارع لا يفتتح بهمز الوصل البتة. وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ ... كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ كَاسْتُحْلِي وَثَالِثَ: هذا أيضاً منصوب بالاشتغال؛ لأنه قال: اجْعَلَنَّهُ، وهذا مؤكد والهاء هنا ضمير وهو مفعول أول والمفعول الثاني كَالأَوَّلِ، مثل السابق .. كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ، كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ، الفرق بينهما أن الثاني مؤكد والتوكيد هنا لا وجه له، يعتبر حشواً، إلا إذا كان ثم خلاف الله أعلم، لا أعرف الخلاف في هذه المسائل. وَثَالِثَ: يعني وثالث الفعل، أي: الماضي، الزائد على أربعة أحرف؛ لأنه لا يكون كذلك إلا إذا كان زائداً على أربعة أحرف؛ لأن همزة الوصل لا تلحق المضارع والماضي الثلاثي والرباعي. الرباعي همزته همزة قطع، أكرم وأخرج، همزته أفعل همزة قطع، والثلاثي ضرب ليس فيه همزة أصلاً، والمضارع ليست فيه همزة وصل. إذاً قوله: وَثَالِثَ الفعل الَّذِي أي: في الماضي الزائد على أربعة أحرف، أما الثلاثي لا يتصور فيه همزة؛ لأنها زائدة، إذا كان ثلاثياً حينئذٍ اقتضى أن يكون كل الحروف أصلية: ضرب، وعلم وظرف .. إلى آخره، كلها حروف أصلية لا يتصور فيها زيادة، لما ذكرناه سابقاً أن أقل ما يوضع عليه الفعل هو ثلاثة أحرف وكذلك الأسماء.

أي الماضي الزائد على أربعة أحرف؛ لأن همزة الوصل لا تلحق المضارع البتة كله، ولا الماضي الثلاثي ولا الرباعي. فاختص بثلاثة أبواب من باب الفعل المضارع: انفعل انطلق، افتعل اجتمع، استفعل استخرج .. ثلاثة أبواب. انفعل انطلق، افتعل اجتمع من باب اجتمع، استفعل استخرج. حينئذٍ انفعل إذا أردت الفعل المغير الصيغة ماذا تصنع، ما هو الأول هنا؟ همزة الوصل. ما حكمها؟ الضم، فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ. (انفَ) .. ضممنا الأول. وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ ... كَالأَوَّلِ: ما هو الثالث هنا؟ انفَ، الفاء -فاء الكلمة-، اتبع ثالث انفعل لأوله، وهو الهمز، فقيل: انطُلق، ما قبل الآخر كما هو، اللام قبل الآخر كما هي، انطُلق لزيد، اجتُمع، استُخرج، استُغفر .. نقول: هذه كلها مغير الصيغة وهي مما على وزن انفعل وافتعل واستفعل، حينئذٍ الثالث يأخذ حكم الأول. وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ: ثالث الفعل الذي بهمز الوصل، يعني الذي بدأ وافتتح بهمز الوصل. فهم منه أن ذلك لا يكون إلا ماضياً لأن المضارع لا يفتتح بهمزة الوصل كما سبق. كَالأَوَّلِ اجْعَلَنَّهُ كَاسْتُحْلِي: كَالأَوَّلِ يعني مضموماً، اجْعَلَنَّهُ لئلا يلتبس بالأمر في بعض أحواله. كَاسْتُحْلِي: اسْتُحْلِي الأصل استحلى، حينئذٍ ضم أوله (الهمزة)، و (استُ) التاء ثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ يتبع كالأول بالضم فقيل: استُحلي .. حينئذٍ كسر ما قبل آخره كما هو الأصل. إذاً القاعدة في هذا الباب نقول: كالسابق: يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، لا فرق بين ضرب وبين استفعل، وانطلق، وتفعَّل، وتفاعل .. كلها مشتركة في حكم واحد وهو: ضم أوله وكسر ما قبل الأخر، هذا حكم عام ليس خاص بما هو سوى تفعل وغيرها! لا، بل الحكم عام من أول الباب إلى آخره يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، هذا فيما إذا كان ماضياً، والمضارع يفتح ما قبل آخره، الماضي يزاد على ذلك إن كان أوله تاء المطاوعة كما قال الناظم، وقلنا من باب تفعّل أو تفاعل، نزيد على ضم الأول وكسر ما قبل الآخر حكماً وهو إلحاق الثاني بالأول، فصار فيه ثلاثة أحكام ضرب فيه حكمان: ضم الأول وكسر ما قبل الآخر. نزيد عليه حكماً في باب تفعّل وهو إتباع الثاني للأول، نزيد عليه حكماً ثالث في باب استخرج وانطلق وهو إتباع الثالث للأول. وَثَالِثَ الَّذِي: ثَالِثَ قلنا: هذه منصوب على الاشتغال، الذي: يعني ثالث الفعل الذي بدأ بهمز الوصل. كَالأَوَّلِ: يعني كالحرف الأول. اجْعَلَنَّهُ كَاسْتُحْلِي: وهذا يجعلنا نرجع هناك فنقول: قوله: فأول الفعل، الأولى ألا نقيده بفاء الكلمة، بل نقول: أول الفعل مطلقاً، يعني أول ما ينطق بالفعل، لماذا؟ لأن انطلق، قلنا الطاء هنا هي فاء الكلمة، والهمزة هذه زائدة، جعلناها أول الفعل، لذلك قال هنا: وَثَالِثَ الَّذِي بِهَمْزِ الْوَصْلِ ... كَالأَوَّلِ: التي هي همزة الوصل.

فحينئذٍ الثالث هو فاء الكلمة، انطًُلق انفُع .. إذاً صارت هي فاء الكلمة، هذا يجعلنا نصحح المعلومة هناك، فنقول: قوله: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، لا نعممه بل نقول: أول الفعل الشامل لفاء الكلمة وغيرها فيما إذا كان مزيداً بهمزة الوصل أو حرف المطاوعة فهو عام، إذاً أَوَّلَ الْفِعْلِ المراد به أول ما ينطق به سواء كان فاء الكلمة أو حرفاً زائداً كتاء المطاوعة أو همزة الوصل. وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ ... عَيْنَاً وَضَمٌّ جَا كَبُوعَ فَاحْتُمِلْ وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ، وَضَمٌّ جَا، هذه ثلاث لغات في الفعل الماضي المبني للمفعول ثلاثي معل اللام خاص بباب قال وباع، هذا ثلاثي معل العين؛ لأن قال أصله قَوَلَ، وباع أصله بَيَعَ .. قَوَلَ، هذا معتل، وقال مُعل، فرق بين التسميتين، وإن كان ابن عقيل يقول: ثلاثي معتل العين، فيه نظر هذا، بل يقال: معل العين، ولا يقال معتلاً، لماذا؟ لأن معتل العين ما كانت عينه واواً أو ياءً، ولا تقلب مثل عَوِرَ، وصَيِدَ .. نقول: عور عينه معتل، هذا معتل، لكن قال، نقول: معل، لماذا؟ لأن حرف العلة قلب ألفاً، إذا حصل الإعلال -إعلال بالقلب- سمي معلاً، دخله الإعلال. وإذا لم يحصل فيه إعلال حينئذٍ يسمى معتلاً، إذاً قَوَلَ نقول معتل، فأعلت عينه هكذا نقول: قول معتل العين، فأعلت عينه، يعني قلبت ألفاً. هذا النوع مثله: باع بَيَعَ .. هذا معتل العين بالياء، فأعلت عينه فقلبت ألفاً لتحركها في الموضعين وانفتاح ما قبلها: قَوَلَ تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً، وكذلك بَيَعَ تحركت الياء وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً. هذا النوع الذي قال فيه: وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ: هاتان لغتان فصيحتان قرئ بهما في المتواتر. فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: اكْسِرْ فَا، اشْمِمْ فَا، ثُلاَثِيٍّ إذاً لا رباعي ولا خماسي ولا سداسي، أُعِلّ لا معتلاً وإنما هو مما قلبت عينه ألفاً، إذاً خرج: عَوِرَ وصَيِدَ واعْتَوَرَ .. حينئذٍ نقول: هذه ليست داخلة؛ لأنها معتلة والناظم قد قل: أُعِلّ. حينئذٍ قال: اكْسِرْ الفاء، فتقول: قيل وبيع. واشْمِمْ وهو أن تأتي بحركة بين الكسرة والضمة كما سيأتي، وهذا يعرف باللفظ لا بالكتابة. وَضَمٌّ جَا قُولَ وبُوعَ، فيه ثلاث لغات: إخلاص الكسر، وإخلاص الضم، والإشمام وهو لغة مركبة بين اللغتين. لغة الضم قُولَ وبُوعَ هذه قليلة جداً، ولذلك لم ترد في القرآن، وأما قيل بإخلاص الكسر وبالإشمام هذه متواترة. وَاكْسِرْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: فقل: قيل، قلنا أصل قيل وبيع هذا الباب لم يخرج عن الأصل، وإنما اكسر واشمم وضم، هذا باعتبار النهاية، وأما باعتبار الأصل فهو من باب ضُرب على الأصل، يعني ليس استثناء بل هو: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ وَالمُتَّصِلْ ... بِالآخِرِ اكْسِرْ فِي مُضِيٍّ، قاعدة عامة حتى في باب قال وباع، لكن هنا حصل إعلال تركيب، فلما حصل إعلال في النطق في النهاية حصل اختلاف لغات، فالخلاف هنا ليس خلافاً في تطبيق قواعد، وإنما هذه لغة لفلان وهذه لغة من بني فقعس، وهذه لغة مشهورة عند الحجازيين، وهلم جرَّا.

حينئذٍ نقول: قال أصله قُوِلَ، وباع أصله بُوِعَ، قيل أصل قُوِلَ؛ لأنه من قوَل ضرب، ماذا تصنع؟ اعتمد الأصل قَوَلَ، ضم الأول القاف واكسر ما قبل الآخر، تقول: قُوِلَ كضُرب، هنا نظران: استثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى القاف بعد سلب القاف حركتها، لماذا؟ عندنا الآن إعلال بالنقل، نقل حركات تنقل حركة إلى موضع آخر، عندنا الواو مكسورة، ومعلوم أن الواو إذا كسرت استثقلت الواو، أردنا نقلها إلى القاف، القاف مشغولة بالضم، لا يمكن أن ننقل كسرة الواو إلى القاف إلا بعد أن نزحلق حركة القاف، زحلقناها حذفناها، فنقلنا الكسرة إلى القاف، فقيل: قِو .. يعني سكنت الواو وكسر ما قبل الآخر، والقاعدة: أنه إذا سكنت الواو وكسر ما قبل آخرها وجب قلبها ياء فقيل: قِيلَ، إذاً قيل هذا أصله من باب فُعِل ضُرِب، أصله قُوِلَ كضُرِب استثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما قبلها، هذا نسميه إعلال بالنقل، الإعلال بالنقل لا يتم إلا إذا كان الحرف الذي قبل المنقول إليه منقول عنه ساكن، لا بد أن نحذف حركة القاف، فنقلنا الحركة صار قِوْل سكنت الواو وانكسر ما قبلها فوجب قلبها ياء، هذا إعلال بالقلب، فدخله إعلالان: إعلال بالنقل، وإعلال بالقلب. باع: بِيِعَ، الأصل بُيِعَ، استثقلت الكسرة على الياء –ثقيلة- لأن الكسرة عبارة عن ياء، والياء عبارة عن كسرتين، هذا فيه ثقل، حصل إعلال بالنقل، حينئذٍ نقلنا بعد إسقاط حركة الباء، أصلها بُيِعَ صار بِيعَ، سكنت الياء وكسر ما قبلها، صحت الياء ليس عندنا إعلال بالقلب كما هو الشأن هناك، هناك سكنت الواو وكسر ما قبلها، والقاعدة أنه يجب قلب الواو ياء، لا تبقى الواو هكذا يجب قلبها، أما بِيعَ بعد نقل كسرة الياء إلى ما قبلها صحت الياء، لا تقلب، تقلب إلى أي شيء؟! هي ياء، الياء يناسبها ما قبلها كسرة، وأما هنا قِوْلَ ما يناسب الواو أن يكون ما قبلها مكسورة، وإنما يناسب الياء، حينئذٍ حصل هنا في بِيعَ حصل فيه إعلال بالنقل فحسب، هذه اللغة التي هي الأشهر، ولذلك قدمها الناظم: وَاكْسِرْ هي أعلى اللغات في هذا الباب، ثُلاَثِيّ، معلل عين، كسر فائه هذا هو الأفصح والأشهر. وَاكْسِرْ، فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ عَيْناً وَضَمٌّ جَا: هو نفس اللغة السابقة، وإن كان نسبت إلى بني دبير من بني فقعس وهما من فصحاء بني أسد، أصلها قُوِلَ وبُوِعَ، نفسها، قُوِل قلنا استثقلت الكسرة على الواو، حذفت مباشرة لم تنقل، فصار قُوْلَ، بُوْعَ مثله، فصحت الواو؛ لأن ما قبلها مضموم وليس بمكسور، لو كان ما قبلها مكسور لما صحت الواو، صحت بمعنى: بقيت على حالها لم تقلب، تسمى واواً صحيحة. بيع أصلها بُيِعَ، احذف الكسرة، بُيْعَ سكنت الياء وضم ما قبلها، لا يناسبها، وجب قلب الياء واواً عكس اللغة السابقة، القلب هناك في قِيل ليس في بِيعَ، وهنا القلب في بوع لا في قُوْلَ، فسكنت الياء وضم ما قبله فوجب قلب الياء واواً فقيل: بُوْعَ. إذاً قُوْلَ وبُوْعَ بصحة الياء في قُوْلَ وبقلب الياء واواً في بُوْعَ، هذه لغة ثانية، والإشمام بينهما. وَاكْسِرْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: يعني اكسر كسراً خالصاً قيل، ليس مشوباً بضمة.

وَاكْسِرْ كسراً خالصاً فَا ثُلاَثِيٍّ، هذا شمل مفتوح العين نحو: باع ومكسور العين نحو خاف؛ لأنه أطلق: فَا ثُلاَثِيٍّ، والثلاثي قد يكون من باب فعَل أو فعِل أو فعُل، وهنا عام الحكم في باب فعَل وفعِل. فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: (أُعِلّ) صفة لثلاثي، عَيْناً هذا تمييز، واوياً كان الثلاثي أو يائياً، واوياً مثل قال، ويائياً مثل باع وغِيض. وَضَمٌّ جَا: وَضَمٌّ هذا مبتدأ، وإن كان نكرة سوغ الابتداء به كونه في معرض التفصيل، وَضَمٌّ للفاء -فاء الثلاثي المعل العين-، جَا بدون همز، لغة جا يجي، جاء هذا لغة فصيحة، وجَا بالقصر لغة أيضاً، لا نقول ضرورة، جَا يجي. جَا كَبُوعَ: جا في بعض اللغات كبوع، مثل بوع. فَاحْتُمِلْ: يعني قبل واغتفر. وفيه إشارة إلى ضعف هذه اللغة بالنسبة للغتين الأوليين؛ لأن الكسر والإشمام لغتان فصيحتان وقرئ بهما في المتواتر، وأما الإشمام هنا فالمراد به عند النحاة الإتيان على الفاء بحركة بين الضم والكسر، بأن يؤتى بجزء من الضمة قليل سابق وجزء من الكسرة كثير لاحق، ومن ثم تمحضت الياء، يعني لم تقلب، لو قيل: قُيِلَ يعني صحت الياء، لو كانت الضمة هذه خالصة لوجب قلب الياء واواً كما قلبت هناك بالضمة الخاصة قلبت الواو ياءً. تمحضت الياء وقيل: كسرة مشوبة بشيء من صوت الضمة، وَاكْسِرْ إذاً: إخلاص الكسر، فيقال: قِيل وبِيع، ومنه قوله: حِيكَت عَلَى نِيرَين إِذ تُحَاكُ ... تَختَبِطُ الشَّوكَ ولاَ تُشَاكُ هذا حِيكت، وورد أيضاً في وراية حِوْكَت باللغتين: حيكت، حِوْكَت أصلها حُوِكَت، استثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما قبلها بعد إسقاط حركة الحاء، وصار حِوْ سكنت الواو وانكسر ما قبلها فوجب قلبها ياءً فقيل: حيكت، إذاً الياء هذه منقلبة عن واو، وليست ياءً أصلية بذاتها وإنما منقلبة عن أصلها، وحِوْكَت على الرواية الثانية أصلها حُوِكَت، فعل مثل ضرب، استثقلت الكسرة على الواو فحذفت، ليس عندنا إعلال فبقيت كما هي، لماذا لم تقلب ياء؟ لأنها لا تقلب ياء إلا إذا كسر ما قبلها، وهنا ضم ما قبلها فصحت، قيل: حُوكَت. ابن عقيل لم يرتب الأشهر، الأولى أن يقدم الإشمام على إخلاص الضم، ولذلك الناظم أراد عيناً أن يقدم الكسر، ثم الإشمام، ثم الضم .. كأن الأول والثاني لغتان فصيحتان، ولذلك قرئ بهما في المتواتر، وأما ضم هذا ما ورد في القرآن، وإخلاص الضم قُول وبُوع. لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئاً لَيْتُ؟ ... لَيْتَ شَبَاباً بُوعَ فَاشْتَرَيْتُ بُوع الأصل بُوِعَ، استثقلت الكسرة على الواو فحذفت وبقيت الضمة وبقيت الواو ليس عندنا إعلال بالقلب. ثم قال: والإشمام هو الثالث: الإتيان بالفاء بحركة بين الضم والكسر ولا يظهر ذلك إلا في اللفظ ولا يظهر في الخط، قريء في السبعة.

إذاً وَاكْسِرِ هذا فعل أمر، أَوَ اشْ .. أصلها أَشْمِمْ، هنا الهمزة أين ذهبت؟ نقول: بنقل حركة الهمزة إلى الواو أَوَ .. أصل الواو هنا ساكنة، أَوَ حرف مبني على السكون، هنا حركت أَوَ اشْ .. من أين جاءت نقول: حركة الواو هذه؟ أصلها أو أشمم، أشمم من أشمَّ، حينئذٍ نقول: أريد التخفيف بحذف الهمزة، لكن عندنا همزة حرف وهي حرف حلقي ثقيل، ومحرك، قالوا: إذاً لا بد من التدرج، لا نحذفها هكذا بحركتها، وإنما نلقي حركتها إلى ما قبلها إذا كان ساكناً، فقال: أَوَ اشْ .. تحركت الواو بالفتحة، هذه الفتحة من أين جاءت؟ هي حركة الهمزة المحذوفة تخفيفاً. إذاً أَوَ اشْمِمْ نقول: بنقل حركة الهمزة إلى الواو، أَوَ اشْمِمْ (فا) هذا تنازع فيه اكسر واشمم، سيأتينا التنازع عاملان سلطا على معمول واحد، فَا ثُلاَثِيٍّ، يعني فاء ثلاثي، فا مضاف، وثلاثي مضاف إليه وهو مفعول به، وقلنا هذا يشمل الثلاثي هنا مفتوح العين كبَاعَ فَعَل، ومكسور العين خاف، خِيف أصلها خُوِفَ فُعل ضُرب، استثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ما قبلها، فقيل: خِوْ .. سكنت الواو وكسر ما قبلها فوجب قلبها ياء. خُوف مثل بُوع، خُوِف استثقلت الكسرة على الواو فحذفت، فبقيت كما هي. فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ: أُعِلّ هو يعني الثلاثي، بمعنى أن عينه معتلة فقلبت، يعني غيرت عينه، حصل إعلال بالقلب، تنبه إلى الفرق بين معتل ومعل، هذا الصحيح. أُعِلّ بمعنى غيرت عينه، فخرج المعتل الذي لم تغير عينه نحو: عَوِر، وصَيِد، واعتور .. فإنه إذا بني للمفعول سلك به مسلك الصحيح، وستبقى كما هي صيد وعور كما هو، لا يرد فيه اللغات الثلاث، وإنما ذاك خاص بالمعل. وَضَمٌّ جَا -في بعض اللغات- كَبُوعَ فَاحْتُمِلْ: فدل على أنه مغتفر في هذا المحل، وهو ضعيف في نفسه، وهذا يدل على أن القرآن محمول على أفصح اللغات، هذه دائماً إذا مر معنا أفصح تجد أن القرآن يأتي دائماً بالأفصح، هنا الكسر والإشمام وارد في القرآن، وأما بُوع مع أنها موجودة لغة، ولذلك قال ابن عقيل: وهي لغة بني دَبِير، والصبان دُبَير يقول بالتصغير، وبني فقعس وهما من فصحاء بني أسد، ومع ذلك لم يرد حرف واحد بصحة الواو أو الياء، والإشمام كما ذكرنا. وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ ... وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ: يعني في اللغات الثلاث السابقة: قِيل، وقُول، والإشمام. إذاً يضم أوله ضماً خالصاً: قُولَ، ويكسر كسراً خالصاً، وثم ما هو بين المنزلتين، لغة مركبة بين الثنتين. قد يلتبس الفعل الماضي إذا أسند -وهو مبني للمعلوم- إذا أسند للمتكلم أو المخاطب، قد يكون في أوله مضموماً، أو مكسوراً، فحينئذٍ إذا جيء به وهو مبني للمعلوم مكسوراً، وقد جاز في المبني للمجهول أو مغير الصيغة الكسر يحصل لبس بين الموضعين.

باع قلنا مبني للمجهول، ماذا نقول فيه؟ كيف نغير الصيغة؟ نقول: بِيعَ، بيع العبد، العبد هذا نائب فاعل، طيب، ائت بباع وهو مسند إلى تاء المتكلم ماذا تقول؟ بِعتُ، بِيعَ، أول الحرف الفاء هذا مكسور، في المسند إلى المتكلم وهو مبني للمعلوم وفي المغير الصيغة، حينئذٍ لا يدرى إذا قيل: بِعتَ يا عبد، هذا للمخاطب، قد يأتي مثل صُمتُ مثال آخر، بعت يا عبد، هل هذا مبني للمعلوم أو مبني للمجهول؟ لأنك تقول: بِعتَ الثوب وبِعتَ يا زيد الثوب، بِعتَ هذا مسند إلى تاء المخاطب وهي فاعل، وقد يقال: بِعتَ يا عبد، بمعنى أنه مَبِيع وقع عليه البيع، ما الذي يميز هذا عن ذاك؟ قالوا: هنا وقع لبس، فحينئذٍ وجب تغييره إلى الضم أو الإشمام، فلا تقل: بِعتَ يا عبد، وإنما تقل: بُعتَ، فالسامع حينئذٍ إن كان يفهم يعلم أن هذا الفعل مسند إلى نائب الفاعل وليس إلى الفاعل، فتقول: بُعتَ يا عبد ولا تقل: بِعت يا عبد. وَإِنْ بِشَكْلٍ: من هذه الأشكال الثلاثة: إخلاص الكسر، وإخلاص الضم، والإشمام الأصل فيه لا يرد، لا يرد هنا الإشمام؛ لأنه واضح، لأنه لا يكون في المبني للمعلوم، وإنما الضمة والكسرة هي المحتملة. المراد بالشكل هنا الكيفية الحاصلة للفظ، ولا مانع من إطلاقه على الإشمام، هو كيفية لا شك، مثل إخلاص الضم وإخلاص الكسر، والكسرة المشوبة بالضمة، نقول: هذا لا بأس أن يطلق عليه بأنه شكل، هذا شكل وهذا شكل وهذا شكل؛ لأنه نطق بحرف بصيغة معينة، لكن الإشمام لا يخاف به اللبس، فالأحسن أن نفسره هنا بشكلي الضم والكسر. وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ: المراد به إخلاص الضم وإخلاص الكسر؛ لأن الإشمام وإن سمي شكلاً إلا أنه لا يخاف منه اللبس أبداً؛ لأنه منذ أن يشم الكسرة ضمة، حينئذٍ علمنا أنه مبني لما لا يسمى فاعل. وَإِنْ بِشَكْلٍ -من هذه الأشكال- خِيفَ لَبْسٌ: خِيفَ أصله خُوِفَ، هذا مبني للمجهول، لَبْسٌ هذا نائب فاعل، أي بين الفعل المبني للفاعل والفعل المبني للمفعول، فيلتبس النائب عن الفاعل بالفاعل، بسبب شكل، حينئذٍ قال: يُجْتَنَبْ، يعني وجب تركه، الذي يحصل به اللبس وجب تركه، يعني ما كان في المغير الصيغة موافقاً للمبني للمعلوم وجب تركه في المغير الصيغة؛ لأن عندنا ثلاثة أشياء: كسر، وضم، وإشمام، إذا حصل اللبس بالكسر وجب اجتناب الكسر، فيبقى عندنا الضم والإشمام، وإذا حصل اللبس بالضم وجب الكسر والإشمام كما سيأتي في كلام الشارح. وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ: حينئذٍ بسبب شكل تُرك ذلك الشكل الموقع في اللبس واستُعمل الشكل الذي لا لبس فيه، ولذلك قال: يُجْتَنَبْ، قال في الصبان: حيث لا قرينة. مثاله: بيع العبد، إذا أسندته إلى ضمير المخاطب فقلت: بِعتَ يا عبد بإخلاص الكسر لم يعلم، هل هو فاعل أو نائب فاعل، بِعت يا عبد، ما يُدرَى هل هو فاعل أو نائب فاعل، فيُترك الكسر ويُرجع إلى الضم أو الإشمام فيقال: بُعتَ يا عبد، وكذلك خاف إذا أسند إلى تاء الضمير تقول: خِفت، أنا يعني، أفاد: أنه إذا بني للمفعول، إن كسرت حصل اللبس، خِفتُ أنا، خِفتَ هذا يحتمل أنه للمخاطب فاعل، فحينئذٍ تقول: خُفتَ، إذا خُفتَ عند الناس هذه صيحة، إلا اللهم إذا كان المراد بها البناء للمعلوم.

خُفتَ الفعل هنا مغير الصيغة، يتعين عند الناظم أن نأتي بالضمة أو الإشمام، ولا يجوز خِفت؛ لأن خِفت هذا مسند إلى الفاعل، فإذا قلت: خِفت على الأصل في اللغة، أنه يجوز إخلاص الكسر في مغير الصيغة، حينئذٍ التبس ومعلوم أن القاعدة الكبرى عند العرب دفع الإلباس، وهذه قعد بها حتى في الأشباه والنظائر السيوطي وفرع عليها مسائل -دفع الاجتناب والإلباس هذا من أغراض القواعد العامة في لسان العرب-، حينئذٍ وجب العدول عن خِفت إلى خُفتَ دفعاً للإلباس. وطُلتُ: أي غلبته في المطاولة يجتنب فيه الضم لئلا يلتبس بطُلت المسند الفاعل من الطُول ضد القصر، إذاً كل ما احتمل أنه إما مسند إلى الفاعل أو نائب الفاعل وجب العدول إلى غيره. وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ: يُجْتَنَبْ ظاهر كلامه وجوب اجتناب الشكل الملبس، يعني يجب ولا يجوز استعماله، هذا رأي الناظم وهو الظاهر، وقد صرح به في شرح الكافية، وظاهر كلام سيبويه: جواز الأوجه الثلاثة، -ولو وقع لبس، هذا مذهب سيبويه،- وظاهر كلام سيبويه جواز الأوجه الثلاثة مطلقاً، ولم يلتفت لالتباس لحصوله في نحو: مختار وتضار ((غَيْرُ مُضَارِ)) -هذا يجوز، فهذا من المجمل عند الأصوليين-في الاسم والفعل والاجتناب أولى وأرجح، عند سيبويه لا يجب وإنما هو أولى وأرجح، وهذا مذهب الكثير من النحاة، الجمهور على هذا تبعاً لسيبويه، إذَا قَالَتْ: حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا، هذه حجتهم. وابن مالك رحمه الله تعالى يرى أنه إذا وقع اللبس حينئذٍ قاعدة العرب المطردة أنه يجب دفع اللبس، وهذا من حيث التأصيل قياسه هو السليم، أنه يجب ترك ما يلبس بغيره، ورأي سيبويه أنه موجود في مضار، وتضار، لكن هناك ضرورة لا بد منه. وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ. قال ابن عقيل: إذا أسند الفعل الثلاثي المعتل العين بعد بنائه للمفعول -أيضاً المعل- العين-؛ لأن القاعدة ما زالت فيما سبق: وَاكْسِرْ أَوَ اشْمِمْ فَا ثُلاَثِيٍّ أُعِلّ جوَّز لك ثلاث لغات، ثم قد يقع اللبس في بعضها، قال: وَإِنْ بِشَكْلٍ من الأشكال الثلاثة السابقة فالحكم ما زال بفاء الثلاثي المعلّ. بعد بنائه للمفعول إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب فإما أن يكون واوياً أو يائياً. قال أو باع إما هذا وإما ذاك. فإن كان واوياً نحو: سام من السَوم وجب عند المصنف كسر الفاء أو الإشمام، إذاً وجب اجتناب الضم، إذا كان واوياً وجب اجتناب الضم؛ لأنه إذا أسند في الفاعل بقي على أصله وهو الضم. وعُدِل إلى الكسر أو الإشمام، فتقول: سِمت ولا يجوز الضم فلا تقول: سُمت؛ لأن سُمت هذا مبني للفاعل، وإذا أردت البناء للمجهول أو مغير الصيغة تقول: سِمتُ؛ لئلا يلتبس بفعل الفاعل فإنه بالضم ليس إلا: سُمتُ العبد، وإن كان يائياً نحو باع من البيع وجب عند المصنف اجتناب الكسر؛ اليائي وجب اجتناب الكسر؛ لأنه هو الذي يقع اللبس مع الفاعل، والواوي وجب اجتناب الضم؛ لأنه الذي يقع الالتباس مع الفاعل. وجب عند المصنف ضمه أو الإشمام فتقول: بُعت ولا يجوز الكسر فلا تقول: بِعت لئلا يلتبس الفعل بالفاعل فإنه بالكسر فقط نحو: بِعت الثوب. لكن لو وجد قرينة ما المانع! بِعتَ يا عبد.

وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ: حَبّ ما نوع هذا فعل ثلاثي مضعَّف، مدغم، أصله حبَبَ مثل مدَّ وشدَّ. وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ، وردّ من كل فعل ثلاثي مضاعف مدغم، شدّ نقول: هذا مضاعف، بمعنى أن عينه ولامه من جنس وأدغمت العين في اللام فقيل: شدّ .. شدد، كذلك مدّ وحبَّ وردَّ، نقول: هذه كلها فعل ثلاثي مضعَّف. اللغات الثلاث التي في: (قِيل وبِيع) في (حبَّ وردَّ)، حبَّ حِبَّ .. حبَّ هذا ماضي مسند إلى الفاعل، إذا أردت صيغته لنائب الفاعل مغير الصيغة، حُبَّ مثل قُولَ، أصلها حُبِبِ، حِبَّ بالكسر، بقي الإشمام حبَّ يعني تأتي بالكسرة مع حركة الفم بالضم، حبَّ. الثلاث اللغات السابقة موجودة في هذا الفعل. وَمَا لِبَاعَ: يعني والذي، هذا مبتدأ، والذي لباع، والذي استقر لفاء باع، بَاعَ هذا من اللفظ تأخذ أنه ثلاثي أعلت عينه، معل العين من الثلاثي باب باع، يُعنون هكذا، مثلما يقال: باب نصر، وباب فتح إلى آخره، وحسب، نقول: باب باع، هنا في هذا المقام المراد به الثلاثي معل عين، يجوز فيه ثلاث لغات، هذه اللغات الذي استقر لباع لفاء باع، قَدْ يُرَى (قَدْ) للتقليل، قَدْ يُرَى فيه قلة، قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ بإسكان الباء، حب للوزن، وردَّ من كل فعل ثلاثي مضاعف مدغم، ولكن الجمهور على أنه يجب الضم فحسب، والناظم هنا سوغ الكسر مع الإشمام لوروده في القرآن، وإلا الجمهور على أنه يجب فيه الضم فحسب، جمهور النحاة ليس عندهم إلا حُبَّ ورُدَّ وشُدَّ ومُدَّ .. هذا مغير الصيغة، بالضم على القاعدة: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ. وحينئذٍ ما قبل الآخر مكسور أو لا؟ أنت تقول: مُدَّ أصله مُدِدَ، شُدَّ أصله شُدِدَ، لكن الكسرة من أجل الإدغام حذفت، يسكن ما يمكن الإدغام إلا بإسكان الأول، وحذفت الكسرة وأدغمت الدال في الدال، قيل: شُدَّ ومُدَّ. فوجب فيه لغة واحدة عند النحاة وهي الأصلية شُدَّ ومُدَّ وحُبَّ .. إلى آخره. وعند ابن مالك رحمه الله وقلة من النحاة أنه من باب باع، فيجوز فيه ثلاث لغات. لكن الأفصح هنا الضم، هناك في باب باع قلنا: ثلاث لغات، الأفصح إخلاص الكسر، ثم الإشمام، ثم إخلاص الضم، هنا العكس: الأفصح الضم، ثم الإشمام، ثم الكسر. لكن الأفصح هنا الضم حتى أوجبه بعضهم وهو الجمهور، أوجب الضم لا غير، والصحيح الجواز فقد قرأ علقمة: ((رُدَّتْ إِلَيْنَا))، ((وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا)) رِدوا بالكسر، ثبت، إذا ثبت انتهينا، ثبتت قراءة حينئذٍ نقول: جاز لغةً أن يكسر أول المضاعف في مغير الصيغة، ((وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا)) فحينئذٍ نقول: رِدَّ هذا فعل ماضي مغير الصيغة، والواو هذا نائب فاعل ((بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا)) نقول: هذا مغير الصيغة، وكسر أوله لغة، حينئذٍ هذا من باب إخلاص الكسر ((وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا)) نقول: هذا فعل ماضي مغير الصيغة والواو فاعل، ((رُدَّتْ إِلَيْنَا)) نقول: هذا فعل ماضي مغير الصيغة. إذاً قوله: وَمَا لِبَاعَ: يعني والذي استقر لباع.

قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ: يعني يجوز في فاء الفعل الثلاثي المضاعف ما جاز في فاء باع من كسر وإشمام وضم، وقوله: قَدْ يُرَى هذا مفهومه أن ذلك قليل، ومَا هذا مبتدأ، وَقَدْ يُرَى الجملة خبر والمفعول الأول ونائب الفاعل ضمير مستتر ولِنَحْوِ هذا مفعول ثاني. حَبّ نحو: فاء حب، قد بالمضاف، إذاً: قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ، يعني لمثل، لِنَحْوِ بمعنى: مثل، حبّ ليس لكله وإنما فاء حَبّ، فيقال: حَبَّ وحُبَّ وحِبَّ، بالكسر مع الإخلاص. قال ابن عقيل: وقوله: وَمَا لِبَاعَ قَدْ يُرَى لِنَحْوِ حَبّ معناه أن الذي ثبت لفاء باع من جواز الضم والكسر والإشمام يثبت لفاء المضاعف نحو: حِب فتقول: حُب وحِب وإن شئت أشممت، هذا عند ابن مالك رحمه الله تعالى، ومن اعتبر قراءة علقمة، ومن لم يعتبرها أوجب الضم وهم الجمهور، لا يجوز إلا حُب في المضاعف، والصواب ما ذكره الناظم. وَمَا لِفَا بَاعَ لِمَا الْعَيْنُ تَلِي ... فِي اخْتَارَ وَانْقَادَ وَشِبْهٍ يَنْجَلِي ما كان من الفعل المعتل العين على وزن افتعل أو انفعل، سبق الحكم هناك في انطُلِق، اجتُمع، هذاك الصحيح، وهنا المعتل معتل العين إن شئت قل: معل العين، إذا كانت عينه معلة، اختار أصله انفعل اختِور، فالألف هذه منقلبة عن واو، والواو هي العين؛ لأن اختار وزنه انفعل، انفَ .. اختَ، انفعل، حينئذٍ نقول: الألف هذه هي عين الكلمة، انفعل اختَوَر، فالواو تحركت وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً فهو معل، كذلك انقاد، قاد يقود، حينئذٍ نقول أصل انقاد انقَوَد، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً. إذاً العين هنا معلة، قال الناظم: حكم هذا الفعل كالفعل الثلاثي معل العين، يجوز فيه ثلاثة أوجه: وَمَا لِفَا بَاعَ: (وَمَا) مبتدأ، (لِفَا بَاعَ) يعني: والذي استقر لِفَا جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والذي استقر لِفَا بَاعَ ونحوه مما سبق من جواز الأوجه الثلاثة، ثابت لِمَا الْعَيْنُ تَلِي، ثابت للذي العين تلي، الْعَيْنُ مبتدأ، وجملة تَلِي خبر.

ما الذي تليه العين في باب اختار، الذي تليه العين وليس هو الذي يتلو العين، أين العين؟ عرفنا العين اختار هي الألف، ما الذي تليه؟ تلت التاء، إذاً الأوجه الثلاثة تكون في تاء اختار، وَانْقَادَ القاف، فحينئذٍ تقول في اختار إذا بنيته للمجهول اختِير تي تُو .. اختار أصله اختَوَر، افتعل، فالعين مفتوحة التي هي واو، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، إذا أردت إسناده إلى نائب الفاعل فحينئذٍ تقول: اختار إذا كسرت التاء اختِير .. لماذا؟ لأنه يجوز في ما كان على وزن افتعل، معل العين يجوز في تاء ثلاثة أوجه، فحينئذٍ إذا كسرت التاء الواو التي هي عين لا يناسبها إلا أن تقلب ياءً، فوجب قلب الواو ياءً لمناسبة الكسرة التي قبلها، كما قلنا هناك في قِول، الواو لا يمكن أن توجد واو بعد كسرة، وإنما يناسبها ما قبلها الضمة، فحينئذٍ قُول قلنا: قِو لا يجوز، بل يجب قلب الواو ياءً، هنا اختِو يجب قلب الواو ياء، فقيل: اختِير، اختُور .. صحت الواو لماذا؟ لأن الضمة التي على التاء قبل الواو وهي مناسبة للواو، فيقال: اختِير بقلب الواو ياء لمناسبة الكسرة التي قبلها، فيقال: اختُور. انقِيد، انقِو كسرة ثم واو، وجب قلب الواو ياء، انقُود: صحت الواو لأن ما قبلها ضمة. وَمَا لِفَا بَاعَ لِمَا الْعَيْنُ تَلِي: لِمَا أي: للحرف الذي تليه العين. فِي اخْتَارَ: أي في كل فعل على وزن افتعل. وَانْقَادَ: أو انفعل، ولو المضاعفين كاشتدَّ وانهلَّ، فإن اللغات الثلاث تجري في ذلك، وإن أوهم كلام المصنف خلافه؛ حيث اقتصر على التمثيل بالمعل فحسب، الحكم عام، لكن الكثير هو هذا: اخْتَارَ وَانْقَادَ. وَشِبْهٍ يَنْجَلِي: هذا معطوف على اخْتَارَ وَانْقَادَ، لو قيل: وَشِبْهٍ يَنْجَلِي مبتدأ وخبر كان أفيد، وَشِبْهٍ لذين اخْتَارَ وَانْقَادَ، يَنْجَلِي: يعني ينكشف ويتضح أمره. إذاً القاعدة، المراد هنا: ما كان من الفعل المعتل العين على وزن افتعل أو على وزن انفعل يجوز في الحرف الذي تليه العين ما جاز في فاء باع من الأوجه الثلاثة السابقة. قال ابن عقيل: أي يثبت عند البناء للمفعول لما تليه العين من كل فعل يكون على وزن: افتعل أو انفعل وهو معتل العين، معل العين يعني، ما يثبت لفاء باع من جواز الكسر والضم وذلك نحو: اخْتَارَ وَانْقَادَ، انظر اختار الحرف الأول ما حكمه؟ إذا قلت: اختِير، هذا مبني لما لم يسمَ فاعله، أو قل: مغير الصيغة. فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ، هنا قال: اختِير، هذا استثناء لما سبق، وكان الأولى أن الناظم ينبه عليها؛ لئلا يدخل في القاعدة السابقة. ما يثبت لفاء باع من جواز الكسر والضم نحو: اخْتَارَ وَانْقَادَ، وشبههما فيجوز في التاء والقاف ثلاثة أوجه: الضم: اُختور بضم الهمزة، واُنقود بضم الهمزة كذلك، والكسر: اِختير بكسر الهمزة، واِنقيد والإشمام وتحرك الهمزة بمثل حركة التاء والقاف، فتكون مثلها. وإن أوهم كلام المصنف لزوم الضم مطلقاً؛ لأنه أطلق أولاً أن الفعل يضم أوله واقتصر هنا على جريان الأوجه الثلاثة فيما قبل العين.

قد يقال أن الأصل الضم، لكن لمناسبة التاء كسرت في انقِيد واختِير، وهناك قيل: اختُور وانقُود على الأصل، وإنما يعلل ما جاء على خلاف الأصل، فيقال: انقِيد لمناسبة الياء؛ لأن الانتقال من ضم إلى كسر هذا فيه ثقل. هذا ما يتعلق بتغيير صيغة الفعل، وهو بحث صرفي بحت، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

48

عناصر الدرس * ما ينوب عن الفاعل (الظرف والمصدر والجار والمجرور) وشروط الكل * ما يقدم عند اجتماع هذه الأنواع * هل يجوز إنابة المفعول الثاني مناب الفاعل * إذا رفع النائب فحكم بقية المتعلقات النصب. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ السؤال: آخر الفاعل، الأخ يقول: كأنك مررت عليها مختصر جداً، وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَتَّصِلاَ وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلاَفِ الأَصْلِ ... وَالأَصْلُ فِي المَفْعُولِ أنْ يَنْفَصِلاَ ..................................... الجواب: إن وجدنا فرصة مررنا عليها إن شاء الله. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: لا زال الحديث في النائب عن الفاعل، وذكر الناظم في مقدمة الباب الأحوال التي تعتري الفعل من أجل تغييره ليكون ما بعده نائب فاعل، وهذا قلنا: من أجل التمييز، حكم واجب يتميز به نائب الفاعل عن غيره، لذلك الفعل قسمان: مبني للمعلوم، ومبني للفاعل، مبني للمعلوم، يعني: الذي يكون بعده فاعل، والمبني لما لم يسم فاعله، هذا يكون بعده نائب فاعل، فقدم هنا الفعل وما يتعلق به على أحكام النائب من حيث ما يجوز نيابته وما لا يجوز، وابن هشام رحمه الله في التوضيح عكس، قدم الأبيات التي ستأتي معنا: وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أوْ مِنْ مَصْدَرِ ... أَوْ حَرْفِ جَرٍّ: تكلم عن هذه، ثم بعد ذلك ختم بالكلام على الصيغ، يعني: كأنه ينكت على الناظم أن هذه المسألة تتقدم على مسألة تغير الفعل، وهذا قد يقال: بأن النظر في الفعل هذا مهم جداً، وهو يميز ما بعده، حينئذٍ قد يكون داخلاً في مفهوم نائب الفاعل؛ لأنه إذا قال: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ، بين الأصل الذي هو المفعول به، وما بعده فهو محمول عليه، الظرف والمصدر والجار والمجرور هذا محمول على المفعول به، ولذلك إذا وُجد المفعول به، حينئذٍ لا تنوب هذه الأشياء، لا ينوب واحد منها، لأن ابن مالك رحمه الله تعالى بين، أن النائب -نائب الفاعل- يكون الأصل فيه أنه مفعول به، قال: (فِيمَا لَهُ) يعني: من الأحكام، ومثَّل له، ثم بين الصيغة التي تعتريه، حينئذٍ إلى هنا يكاد أن يكون الباب قد انتهى، ولم يبق إلا مسألة واحدة وهي مهمة، وهي: ما الذي ينوب عن الفاعل إذا لم يكن في الكلام مفعول به! فقط، وهذه فرعية ليست بأصلية، حينئذٍ ما جرى عليه الناظم أولى من تقديم الكلام على الصيغ من الكلام على ما ينوب عن الفاعل، وهو أربعة أشياء: المفعول، والمصدر، والظرف، والجار والمجرور، وهذا واضح بين ولا تنكيت على الناظم. قال رحمه الله تعالى: وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أَوْ مِنْ مَصْدَرِ ... أَوْ حَرْفِ جَرٍّ بِنِيَابَةٍ حَرِي أشار في هذا البيت إلى أن الذي ينوب عن الفاعل واحدٌ من أربعة أشياء، قدم في أول الباب المفعول به، -وهذا هو الأصل-، والثاني: ما أشار إليه بقوله: مِنْ ظَرْفٍ، والثالث: ما أشار إليه بقوله: مِنْ مَصْدَرِ، والرابع: ما أشار إليه بقوله: أَوْ حَرْفِ جَرٍّ، فهذه الأربعة الأشياء هي التي تنوب عن الفاعل: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ فاكتفى به، ثم بين إذا لم يوجد المفعول به حينئذٍ يكون واحداً من هذه الثلاثة الأشياء. وَقَابِلٌ: هذا مبتدأ. مِنْ ظَرْفٍ: متعلق به. أوْ مِنْ مَصْدَرِ أَوْ حَرْفِ جَرٍّ: معطوفات على الأوائل.

بِنَيِابَةٍ حَرِي: بِنِيَابَةٍ جار ومجرور متعلق بقوله: حَرِي، وحَرِي بمعنى حقيق أو جدير، وحَرِي هذا خبر المبتدأ. وَقَابِلٌ مما ذكر حَرِيٌّ بِنِيَابَةٍ عن الفاعل، بعد تغير الصيغة. قوله: وَقَابِلٌ فيه إشارة إلى أن ما ذكره من هذه الأشياء الثلاثة، منها ما هو قابل، ومنها ما ليس بقابل، وهو الأمر وهو كذلك، يعني: ليس كل مصدر، وليس كل حرف جر، وليس كل ظرف ينوب عن أن الفاعل، بل منه ما هو صالح للنيابة، ومنه ما ليس بصالح للنايبة. إذاً: قَابِلٌ نقول: هذا له مفهوم؛ لأنه صفة، قابل من ظرف غير القابل لا ينوب، قابل من مصدر، غير القابل لا ينوب، قابل من حرف جر، غير القابل لا ينوب، حينئذٍ ما الذي يقبل ويصلح أن يكون نائباً عن الفاعل، وما الذي لا يصلح؟ القول هنا كالقول في النكرة إذا أريد أن يبتدأ بها، فما أفاد جاز الابتداء بِهِ وَلاَ يَجُوزُ الاِبْتِدَا بِالنَّكِرَهْ مَا لَمْ تُفِدْ، فإن حصلت الفائدة بأي وجه من الوجوه، نقول: حصل أو صح الابتداء بالنكرة، وهنا: ما كان مبهماً من الظروف أو من المصادر، أو من المجرورات، حينئذٍ نقول: هذا لا يفيد فائدة، وإذا انتفت الفائدة حينئذٍ لا يصلح أن يكون نائباً عن الفاعل، وإذا حصلت الفائدة حينئذٍ نقول: قد وجدت الفائدة، فمتى يكون الظرف مفيداً، ومتى يكون المصدر مفيداً؟ نقول: القابل للنيابة من الظروف والمصادر هو المتصرف المختص؛ لأن الظرف ينقسم كما سيأتي: وَمَا يُرَى ظَرْفَاً وَغَيْرَ ظَرْفِ ... فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ وَغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ ... ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا مِنَ الْكَلِمِ الظرف ينقسم إلى متصرف وغير متصرف، والمقصود به هنا بالتصرف، ليس هو التصرف في نوعي الفعل، هناك تصرف ما يأتي منه الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل وغيره، وأما هنا فالمراد بالمتصرف وغير المتصرف، هو أن النظر في الظرف الأصل فيه أنه ملازم للنصب على الظرفية، فما لزم النصب على الظرفية، حينئذٍ نقول: هذا غير متصرف؛ لأنه لا يجوز أن يخرج إلى الرفع، حينئذٍ التزمت العرب نصبه، وما كان كذلك حينئذٍ لا يجوز رفعه، لا يجوز أن يكون نائباً عن الفاعل فيكون له حكم الرفع، هذا الذي يلزم النصب على الظرفية، مثل: (عند) وعِندَ فِيهَا النَّصبُ يَستَمِرُّ. و (عِندَ) تمتاز من جهة إمكان إخراجها عن النصب على الظرفية إلى حالة واحدة، وهي الجر بـ (من)، فإذا كان كذلك حينئذٍ لا يسلب عنها وصف عدم التصرف، بل هي غير متصرفة، فيشمل غير المتصرف نوعين: متصرف محض لا يمكن أن يخرج عن النصب على الظرفية، وهذا مثل: عوْضُ، وقطُّ، وإذا .. ونحوها، ومتصرف قد يخرج عن النصب على الظرفية، لكن إلى حالة واحدة، وهي الجر بـ (من) مثل: عند وعِندَ فِيهَا النَّصبُ يَستَمِرُّ ... ... لكِنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ هذا سماه ابن مالك شبه المتصرف، وهو داخل فيه، حينئذٍ عند ومثلها: (ثَمَّ)، نقول: هذه غير متصرفة، وإن خرجت عن النصب على الظرفية إلى الجر بـ (من)، لكن نقول: هذا لا يسلب عنها الوصف.

النوع الثاني: الذي هو المتصرف هو ما يقبل تأثير العوامل فيه، فتارة يرفع على أنه مبتدأ ويأتي فاعل ويأتي خبر، ويأتي اسم إن، ويأتي خبر إن، مثل كلمة: يوم، وحين، وساعة، ووقت، وزمن، ودهر، وبرهة، هذه أسماء زمان –ظروف-، وكذلك من جهة الأماكن نقول: الشام، ومسجد، وأرض، نقول: هذه كلها قابلة لأن تكون تارة مبتدأً وتارة خبراً، وتارة اسم إن، وخبر إن واسم كان وخبر كان، هذا يوم مبارك، إن يومنا يوم مبارك، وقع اسم إن ونحوها، نقول: هذا التقلب لتأثير العوامل، وتغيراتها، نقول: هذا هو المتصرف في الظروف، حينئذٍ ما لم يكن متصرفاً لا يصلح أن يكون نائباً عن الفاعل، فالمتصرف كدهر وزمن وساعة وبرهة ووقت .. نقول: هذا يصلح أن يكون نائباً عن الفاعل، وأما ما لزم النصب على الظرفية، نقول: هذا يمتنع وقوعه نائب فاعل. المختص وغير المختص؛ لأنه قال: هو المتصرف المختص، عرفنا المتصرف من الظروف. المختص من الظروف هو المعين، وهذا إما أن يكون بعلمية أو بإضافة أو بـ (أل) أو وصف، أو نحو ذلك كما سيأتي في محله. حينئذٍ إذا قيل: صِيم رمضانُ، نقول: رمضان هذا ظرف زمان، وهو مختص، حينئذٍ نقول: اختصاصه حصل بالعلمية؛ لأنه اسم مسماه الشهر المعلوم، كذلك: صِيم يوم الاثنين مثلا، نقول: يوم هذا مضاف حصل الاختصاص له بالإضافة. أو تقول صيم هذا اليوم، اليوم هذا بدل مما سبق، وحينئذٍ صارت (أل) عهدية، وكذلك الوصف: صيم يوم شديد، أو يوم مبارك، نقول: حصل له اختصاص، ما لم يكن كذلك حينئذٍ لا يصلح أن يكون نائباً عن الفاعل، فلا يقال: صيم زمن، ولا صيم دهر، نقول: هذا لا يصلح لماذا؟ لكونه غير مفيد، فلابد أن يكون مختصاً، ولابد أن يكون متصرفاً، وأما المتصرف من المصادر، فالمراد به كذلك ما يلزم النصب على المصدرية، مثل: معاذ الله، وسبحان الله، نقول: هذه كلمات مما تلزم النصب على المصدرية، وحينئذٍ لا يصح رفعها؛ لأن العرب التزمت نصبها على المصدرية، هذا غير المتصرف: سبحان الله ومعاذ الله، وأما المتصرف فهذا شأنه شأن الظرف، مثل: ضَرْب وقتْل، نقول: هذا مصدر (ضرب، قتل، خروج، جلوس)، نقول: هذا غير لازم لحالة واحدة، تارة يأتي فاعل، وتارة يأتي مفعول به .. إلى آخره، حينئذٍ نقول: هذا يقبل العوامل وتأثير العوامل، فإن دخل عليه عامل يقتضي رفْعَه رفَعَه، وإن دخل عليه عامل يقتضي نصْبَه نصَبه .. وهَلُمَّ جَرّاً، نقول: هذا متصرف. وأما المختص من المصادر، فالمراد به ما دل على عدد ونحو ذلك، المختص من المصادر ما كان دالاً على العدد أو على النوع، ضُرِب ضربتان، أو ضُرِبَ ضربٌ شديدٌ، ضربتان نقول: هذا مختص، لأنه دال على اثنين، على ضربتين، فهو مختص بالعدد، كذلك النوع: ضُرِبَ ضربٌ شديد، هذا نوع، أو ضُرِب الضَّربُ، هذا بـ (أل) العهدية. إذاً: قَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أَوْ مِنْ مَصْدَرِ: نقول: القابل للنيابة من الظروف والمصادر هو المتصرف المختص، والمتصرف من الظروف ما يفارق النصب على الظريفة والجر بـ (مِنْ)، فهما قسمان لا ثلاثة، متصرف وغير متصرف، والذي يتصرف فقط بالجر إلى الجر بـ (من) نقول: هذا غير متصرف، ولو كانت (عند) أو (ثَمَّ).

ومن المصادر ما يفارق النصب على المصدرية، والمختص من الظروف ما خصص بشيء من أنواع الاختصاص كالإضافة يوم الخميس مثلاً، والصفة: يوم حارٌ أو يومٌ بارد، وكذلك العلمية: رمضان مثلاً وشعبان ونحو ذلك، ومن المصادر ما يكون لغير مجرد التوكيد، كأن يكون دالاً للعدد أو النوع؛ لأن المفعول المطلق سيأتينا ثلاثة أنواع: ما يدل على العدد، ما يدل على النوع، كذلك المؤكِّد، ما لم يكن مؤكِّداً حينئذٍ صح أن يكون نائباً عن الفاعل. إذاً: وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ: ليس كل ظرف، بل الظرف المختص المتصرف، والظرف غير المختص لا يصح أن يكون نائباً عن فاعل. وكذلك مِنْ مَصْدَرِ: وكذلك مختص متصرف، فما لم يكن متصرفاً من النوعين لا يصلح أن يكون نائب فاعل: جُلِسَ عند الأمير، يصلح أو لا يصلح؟ لا يصلح، ((وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ)) [الأعراف:149] يصلح، سير بزيد، بزيد هذا جار ومجرور سيأتينا أيضاً: ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ)) [الحاقة:13]، نَفْخَةٌ، نقول: هذا على قول البعض: نائب فاعل، وهو مصدر، ((نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ)) [الحاقة:13]، وَاحِدَةٌ تأكيد؛ لأن النفخ هذا فعل يدل على الواحدة، وأؤكد بقوله: وَاحِدَةٌ، من باب التوكيد. وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أوْ مِنْ مَصْدَرِ ... أَوْ حَرْفِ جَرٍّ: بعضهم قدر: أو مجرور حرف جر، لماذا؟ لأنه إذا قيل: مُرَّ بزيد، بزيد جار ومجرور الباء حرف جر، وزيد اسم مجرور بالباء، ما الذي ناب عن الفاعل؟ هنا ثلاثة احتمالات: إما الباء وحده وإما زيد وحده، وإما هما معاً، عند جماهير البصريين أن النائب هو زيد فقط ليس الباء، وعند الفراء: الباء فقط، وعند بعضهم -وهم قلة-: المجموع -الباء ومدخوله- وهو الصحيح، أنه الجار والمجرور معاً هو الذي ناب عن المفعول، وهذا فيما لم يكن الحرف زائد، فإن كان زائداً فمحل وفاق أن المجرور هو الذي يكون نائباً عن الفاعل. إذاً: أَوْ حَرْفِ جَرٍّ قدر الأشموني هناك: أو مجرور حرف جر، ليوافق مذهب البصريين: أن المجرور هو الذي ينوب عن الفاعل؛ لأنه قال: وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أوْ مِنْ مَصْدَرِ، أو مجرور حرف جر، حينئذٍ المجرور هو الذي ناب عن الفاعل. كذلك يكون حرف الجر قابل للنايبة وقد لا يكون قابلاً، مثل الظرف والمصدر، متى يكون قابلاً ومتى لا يكون؟ القابل للنايبة من المجرورات: هو الذي لم يلزم الجار له طريقة واحدة، يعني: لا يلزم طريقة واحدة كما سيأتينا في باب حروف الجر، القابل للنايبة من المجرورات: هو الذي لم يلزم الجار له طريقة واحدة، حرف الجر بعضه لا يدخل إلا على اسم الزمان، وبعضه لا يدخل إلا على الاسم الظاهر، وبعضه لا يدخل إلا على المقسم به، وبعضه على الاستثناء .. هذا خاص، نقول: هذا لزم طريقة واحدة، مثل النصب على الظرفية في (عند) و (ثَمَّ)، نقول: هذا غير قابل للنايبة، وأما لا يختص حينئذٍ نقول: هذا يجوز أن يكون نائباً عن الفاعل. الذي لم يلزم الجار له طريقة واحدة في الاستعمال كـ: (مذ ومنذ ورب وحروف القسم والاستثناء وحتى .. ) ونحو ذلك، هذا أولاً.

ولا دل على تعليل كاللام والباء، اللام والباء قد تأتي للتعليل؛ لأنه مبني على سؤال مقدر، ولذلك امتنع أن ينوب المفعول لأجله، وكذلك الحال والتمييز عن نائب الفاعل؛ لأن هذه إنما تقع في جواب سؤال مقدر، وإذا وقعت في جواب سؤال مقدر، حينئذٍ صار في قوة الجملة المنفصلة، وإذا كان كذلك حينئذٍ لم يكن متصلاً بالجملة التي يكون فيها الفاعل محذوفاً فينوب عنه، فهو في قوة جملة منفصلة، يعني: كأنك إذا أنبت الحال أو المفعول لأجله كأنك أتيت بهذا اللفظ من جملة منفكة عن الجملة التي حذف فيها الفاعل، لماذا؟ لأنه في الغالب -وهذا ضابط له-، أنه يكون جواباً لسؤال مقدر: جاء زيد راكباً، جاء زيدٌ كيف؟ راكباً، وما وقع في جواب سؤال الأصل فيه أنه في جملة منفصلة، فلذلك امتنع. ولا دل على تعليل كاللام والباء؛ لأنه مبني على سؤال مقدر فكأنه من جملة أخرى، وبهذا يعلل منع نيابة المفعول لأجله والحال والتمييز، فيبقى على أصله. إذاً: أَوْ حَرْفِ جَرٍّ، القابل منه ما لا يختص بحالة واحدة، لا يلزم طريقة واحدة، مثل رب أو القسم ونحو ذلك. أَوْ حَرْفِ جَرٍّ بِنَيِابَةٍ حَرِى: قلنا: مذهب البصريين أن نائب الفاعل هو المجرور فقط، ولذلك حاول الشراح أن يجعلوا كلام الناظم موافقاً لمذهب البصريين، ولو ترك على ظاهره قد يقال بأنه موافق لمذهب الفراء، وهو أنه حرف الجر، وهو من أغربها، غريب جداً أن يقال بأن حرف الجر وحده هو النائب، لماذا؟ لأن نائب الفاعل أنيب مناب الفاعل، والحرف ليس فيه معنى في نفسه، فكيف يقال: بأن الباء هي نائب الفاعل هذا غريب! فالحرف عندهم يكاد يكون متفق عليه أنه لا يدل على معنى في نفسه، وإذا كان الأمر كذلك، حينئذٍ لا يمكن أن ينوب عن الفاعل، حينئذٍ المحتمل من القولين: إما أن يقال: بأنه الجار والمجرور -وهذا أولى-؛ لأنهما كالجزء الواحد كالكلمة الواحدة، وإما أن يقال بمذهب البصريين وهو المجرور فقط. إذاً: أَوْ حَرْفِ جَرٍّ: نقول: تقدير مجرور حرف جر، إما ليكون موافقاً لمذهب البصريين، وإما أن يكون موافقاً للمذهب الذي اختاره الناظم في غير هذا الكتاب، وهو أن الجار والمجرور معاً هما نائب الفاعل، وهذا أولى، أولى بالتقعيد والتفصيل. إذاً: نقول –كقاعدة-: المجرور بحرف جر زائد لا خلاف بين النحاة في إنابته، لا خلاف أنه ينوب عن الفاعل إذا جر بحرف جر زائد، مثل ماذا؟ ما ضرب من أحدٍ، نقول: من هذه زائدة، مثل: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3]، و ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19]، مثلها، حينئذٍ نقول: ما ضرب، وهذا مغير الصيغة، مِنْ حرف جر زائد، هكذا نقول في إعرابه، أحدٌ نائب فاعل.

إذاً: نعرب المجرور فقط، فنقول: نائب فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، مثلما نقول: ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] إذاً: لا نقول: الجار والمجرور هنا .. أو الجار لوحده، أو .. لا، باتفاق أن المجرور الذي دخل عليه حرف الجر الزائد أنه نائب الفاعل، وأما الحرف هنا فوجوده وعدمه سواء من حيث الإفادة، وإنما جيء به من حيث التأكيد، إذاً: حرف الجر الزائد لا دخل له في هذا الباب، فقوله: حَرْفِ جَرٍّ، المراد به الأصلي، حرف الجر الأصلي، وأما الزائد: فالمجرور قولاً واحداً هو نائب الفاعل، فإن جر بغير زائد -حرف جر أصلي- وهو الذي عناه الناظم، ففيه أربعة مذاهب: الأول وعليه الجمهور: أن المجرور هو النائب في محل رفع، أن المجرور لوحده دون حرف الجر هو النائب، فإذا قيل: مُرَّ بزيدٍ زيدٍ هو نائب الفاعل، حينئذٍ الباء دخلت على أي شيء وماذا أفادت، وهل أثرت أو لا؟! أسئلة لا أجوبة عليها، هذا القول به عسير، وعليه الجمهور أن المجرور هو النائب في محل رفع. الثاني: أن النائب ضمير مبهم مستتر في الفعل، وجعل مبهماً ليحتمل ما يدل عليه الفعل من مصدر أو زمان أو مكان، إذ لا دليل على تعيين أحدها وعليه ابن هشام، وهذا فيه تكلف واضح بين. الثالث: أن النائب حرف الجر وحده في محل رفع -وهذا غريب- في محل رفع كما أنه وحده بعد الفعل المبني للفاعل في محل نصب، نحو: مررت بزيد، وهذا مذهب الفراء، وهو أغربها، إذ الحرف لا معنى له، القياس هنا فاسد، القياس مُرَّ بزيد، كقولك: مررت بزيدٍ، بزيد النحاة يقولون: هذا في المعنى مفعول به، لكن لا يعرب مفعول به، يعني: سبق معنا تعيين أو التكرار على أن حلَّ المعنى قد يكون باعتبار الإعراب، وقد يكون باعتبار المعنى فحسب، يعني: ترك النظر إلى الكلام –التركيب-، قد يؤخذ أشياء ومقدَّرات ومحذوفات .. إلى آخره، من جهة تصحيح المعنى، وفهم المعنى العام للفظ سواء كان آية أو حديث أو بيت شعر أو نحو ذلك، وقد يكون لا، ثم تقديرات تصحيح الإعراب نفسه، لا يصح الإعراب إلا بهذا المقدر، نقول: على حذف مضاف، وهذا سبق فيه: باب شرح كلام، هذا باب شرح الكلام وشرح ما يتألف منه الكلام. فإذا قيل: مُرَّ بزيدٍ، زيدٍ هذا مفعول به؛ لأن الأصل مررتُ زيداً، هذا صحيح، مررت زيداً، في المعنى هو مفعول به؛ لأن المفعول به هو ما يقع عليه فعل الفاعل، وهنا قد وقع عليه المرور، ولكن لما كان الفعل قاصراً لازماً غير متعدٍ بنفسه تعدى بحرف جر، فإذا قيل: مررت بزيدٍ، مررت فعل وفاعل، بزيدٍ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: مر، حينئذٍ لا نتعرض لكونه مفعولاً به أو لا، لكن نائب الفاعل .. لا، نائب الفاعل حكمٌ على اللفظ قبل المعنى؛ لأننا نحذف الفاعل لفظاً، وأما المعنى هذا لا دخل لنا فيه، ونقول: ضرب زيدٌ عمراً، حذفنا زيد، إذاً: عمروٌ صار نائب فاعل، إذاً لابد أن يكون لفظ وله أحكام تعتري اللفظ والمعنى، المعنى يكون تابعاً له، فحينئذٍ إذا قيل: مُرَّ بزيد الباء هي حرف جر، هي التي نابت عن الفاعل، وما المعنى الذي أدته الباء مثلما أدت غيره، تقول: هذا فاسد ليس بصحيح، إذاً: هذا مذهب الفراء.

الرابع: النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل وبه قال السهيلي، وهذا ضعيف أيضاً، الصواب: أنه الجار والمجرور معاً. مذهب البصريين أن نائب الفاعل هو المجرور فقط، ومذهب المصنف -ابن مالك رحمه الله تعالى- كما في التسهيل والكافية أنه مجموع الجار والمجرور، ذكره في التسهيل وفي الكافية أنه مجموع الجار والمجرور، وهذا أصح. وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أوْ مِنْ مَصْدَرِ ... أَوْ حَرْفِ إذاً: أَوْ حَرْفِ جَرٍّ لابد من التقدير، لكن لا لنجعل كلام الناظم موافقاً لمذهب البصريين، وإنما من أجل أن يوافق كلامه في التسهيل وفي شرح الكافية، أو الكافية نفسها، حينئذٍ نقول: أَوْ حَرْفِ جَرٍّ، ظاهره أنه موافق لمذهب الفراء وهو باطل، حينئذٍ نقول: لابد من التقدير: أو مجرور حرف جر، حينئذٍ وافق مذهبه هو بأن النائب عن الفاعل الجار والمجرور معاً: بِنَيِابَةٍ حَرِى. وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هَذِي إِنْ وُجِدْ ... فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ وَقَدْ يَرِدْ قال الشارح: أشار في هذا البيت إلى أنه إذا لم يوجد المفعول به أقيم الظرف أو المصدر أو الجار والمجرور مقامه، وشرط في كل واحد منها أن يكون قابلاً للنيابة، لكن ما ذكر أنه إذا لم يوجد المفعول، وهذا سينص عليه في البيت الذي سيأتي، إنما هذه تبرع بها في هذا المقام؛ لأنه سيأتي فقول ابن عقيل: أشار في هذا البيت إلى أنه إذا لم يوجد المفعول به أقيم الظرف، نقول: هذا ليس من هذا البيت، إنما هذه حشوة أو تبرع بها، إنما بالبيت الذي يليه، وإنما أشار أن الظرف ينوب عن الفاعل إذا حذف، والمصدر كذلك ينوب والجار والمجرور كذلك ينوب عن الفاعل إذا حذف، ويشترط فيها –الثلاثة- أن تكون قابلة للنيابة، يعني: صالحة للنيابة، وما عدا ذلك لم يفد البيت شيئاً آخر. وشرط في كل واحد منها أن يكون قابلاً للنيابة؛ لأنه علقه على وصف، والشيء المعلق على الوصف يأخذ حكمه طرداً وعكساً، حينئذٍ نثبت له قابلية بشرطه ونفيه عنها إذا لم توجد، فمتى ما كان صالحاً الظرف صحت نيابته، ومتى لم يكن نفينا عنه النيابة.

وإنما يشترط في الظرف أن لا يكونا مبهمين، -قوله مِنْ ظَرْفٍ هذا يشمل ظرف المكان وظرف الزمان فهو عام، ولذلك أطلقه-أن لا يكونا مبهمين أن يكونا متصرفين، كذلك المصدر أن لا يكون مؤكداً، وأن لا يكون غير متصرف، والجار والمجرور أن لا يلزم طريقة واحدة كحروف القسم وغيرها، واحترز بذلك من أن يكون قابلاً للنيابة أي: صالحاً لها، واحترز بذلك مما لا يصلح للنيابة، كالظرف الذي لا يتصرف، والمراد به ما لزم النصب على الظرفية: سحر، إذا أريد به سحر يوم بعينه، ونحو: عندك، فلا تقل: جُلس عندك، ولا رُكب سحر؛ لئلا تخرجهما عما استقر لهما في لسان العرب من لزوم النصب، وهذا كما سبق هناك في: كفى بهندٍ، وحبذا هندٌ، قلنا: التزمت العرب تذكيرها، حينئذٍ لا يجوز إدخال التاء عليها، تاء التأنيث، قلنا: لا تلتحق بأربعة أنواع من الفعل، منها أفعال الاستثناء، وكفى بهند وحبذا، حينئذٍ نقول: هذه لا يجوز، لماذا؟ لأن العرب التزمت تذكيرها، بمعنى: أننا وقفنا مع السماع، فمادام أن العرب التزمت تذكيرها، ولم ينقل إلينا أنها أنثت وقفنا معها، كذلك هنا، نفس العلة، نقول: مادام أن العرب التزمت نصب هذه الألفاظ ولم يسمع في حرف واحد أنها رفعت، حينئذٍ نقول: نلتزم ما التزمت به العرب، وهو الأصل، والتعديد يكون فرعاً، وأحياناً النحاة قد يعجز بعضهم عن التعليل أو البحث عن علة واستنباط ... لئلا تخرجهما عما استقر لهما في لسان العرب من لزوم النصب، وكالمصادر التي لا تتصرف نحو: معاذ الله، فلا يجوز رفع معاذُ، لا يقول: معاذُ الله، نقول: هذا لا يصح، لما تقدم في الظرف، وكذلك ما لا فائدة فيه من الظروف والمصادر، يعني: غير المختص؛ لأن المصدر والظرف قد يكون مختصاً وقد يكون غير مختص يعني: مبهم، فلا يقال: سِير وقتٌ نقول: هذا لا يصح، ولا ضُرِبَ ضربٌ، ولا جُلسَ في دار، هذا لا يفيد؛ لأنه لا فائدة في ذلك، ومثال القابل من كل منها قولك: سير يوم الجمعة، وضرب ضرب شديد ومُرَّ بزيدٍ، هنا حصل الاختصاص في الجار والمجرور بكونه معرفة، أو أن يكون نكرة صالحة للابتداء بها، ويشترط فيه ما ذكرناه سابقاً أن لا يكون ملازماً لطريقة واحدة، وأن لا يكون دالاً على التعليل كاللام والباء. ثم قال رحمه الله: وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هَذِي إِنْ وُجِدْ ... فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ وَقَدْ يَرِدْ هذا ما أشار إليه سابقاً ابن عقيل، وهو أن هذه ليست مطلقة هكذا، كأنه شرط زائد وقابل من ظرف، متى يقبل؟ بكونه متصرفاً مختصاً، مطلقاً ولو وجد المفعول به؟ نقول: لا، المفعول به سيد هذه الثلاثة، إذا وجد تعين أن يكون هو الرئيس هو نائب الفاعل، إذا تخلف لم يوجد في الكلام حينئذٍ جاء الخلاف: أي هذه الثلاثة أولى! وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هذِي: وَلاَ يَنُوبُ فعل مضارع مرفوع، يَنُوبُ بَعْضُ هذِي: المشار إليه الظرف، والمصدر، والمجرورات. إِنْ وُجِدْ فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ: بل تتعين إنابته، لا يجوز -على مذهب البصريين-، لا يجوز أن يقام الظرف مع وجود المفعول به، ولا يجوز أن يقام المصدر مع وجود المفعول به، ولا يجوز أن يقام الجار والمجرور مع وجود المفعول به، بل يتعين إقامة المفعول به، ولا يعدل عن ذلك.

وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هذِي إِنْ وُجِدْ: بعض هذا الظروف والمصادر والمجرورات، إِنْ وُجِدْ فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ: فِي اللَّفْظِ، لماذا عين في اللفظ؟ لما ذكرناه، قد يكون ثم مفعول به في المعنى، لكن لا نلتفت إليه، لماذا؟ لأننا إذا قيل مثلاً-كالمثال السابق الذي ذكره-: سير يوم الجمعة بزيدٍ، مثلاً، إذا قيل: يوم الجمعة هذا ظرف، وبزيدٍ، إذا نظرنا في الجملة من حيث المعنى قلنا: لا يجوز أن يقام يوم الجمعة مقام الفاعل، لأنه وجد مفعول به في المعنى وهو زيد، كما ذكرناه سابقاً، مررت زيداً، هذا الأصل، فزيد مفعول به في المعنى نعم، لكن ليس هذا المراد، المراد مفعول به في اللفظ، يعني: تعربه هذا مفعول به، وأما المعاني لا، لا التفات لها، وإلا لو كان الأمر كذلك لقيل: سير يوم الجمعة بزيد، بزيد هو نائب الفاعل، ولا يجوز أن يكون يوم الجمعة هو نائب فاعل؛ لأن زيد مفعول به في المعنى ليس هذا المراد لا، العبرة باللفظ هنا: وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هذِي إِنْ وُجِدْ ... فِي اللَّفْظِ: احتراز عما لو وجد في المعنى، بأن كان الفعل يطلب المفعول به، لكن لم يذكر في اللفظ فلا يمتنع إنابة غيره، كذلك إذا حذف -هذا الذي أشار إليه-، إذا حذف حينئذٍ نقول: العبرة بالملفوظ. في اللفظ وَقَدْ يَرِدُ: قد للتقليل، وقد يرد إنابة واحد من هذه الأشياء الثلاثة: الظروف والمصادر، والجار والمجرور مع وجود المفعول به وهو مذهب الكوفيين، لكنهم محجوجين كما سيأتي. وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هذِي إِنْ وُجِدْ ... ... ... فِي اللَّفْظِ: إذا فقد المفعول به، لم يوجد في الكلام، جاز نيابة كل واحد من المصدر أو المجرور أو الظرف، أنت مخير، وهذا ظاهر كلام الناظم؛ لأنه لم يفضل بعضها على بعض، ولم يقدم بعضها على بعض، بل سوى بينها في الحكم: وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أَوْ مِنْ مَصْدَرِ ... أَوْ حَرْفِ جَرٍّ بِنِيَابَةٍ حَرِي –حكى-. ثم قال: وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هذِي إِنْ وُجِدْ ... فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ: حينئذٍ دل على أنه إذا لم يوجد في اللفظ مفعول به ناب أي واحد من هذه الثلاثة. فقيل: لا أولوية لواحد منها، يعني: لا نفضل بعضها على بعض، وإنما هي سواء. وقيل: المصدر أولى، إذا وجد في الكلام غير المفعول به -ظرف ومصدر وجار ومجرور-، أيها أولى؟ قالوا: المصدر أولى، لماذا؟ لأنه أشرف جزئي مدلول العامل، مدلول العامل ما هو؟ الزمان والحدث، والحدث هو المصدر، حينئذٍ صار المصدر أقرب إلى العامل؛ لأنه أحد جزئي مدلول العامل؛ لأن العامل يدل على شيئين مركب من حدثٍ، وهو مدلول المصدر وزمن. إذاً: إذا وجد مصدر وظرف وجار ومجرور الأولى أن يجعل المصدر، لأنه أحد جزئي مدلول العامل.

وقيل: المجرور، قيل: إذا وجد المصدر والمجرور والظرف فالأولى أن نقدم المجرور، لماذا؟ قال: لأنه مفعول به بواسطة الجار، -نظروا إلى المعنى،- قيل: المجرور؛ لأنه مفعول به بواسطة الجر، وقيل: ظرف المكان، إذا وجد ظرف المكان فهو أولى، لكونه أشبه بالمفعول به منهما، أقرب الأشياء الموجودة بالمفعول هو ظرف المكان لاشتراكهما في أن الفعل يدل عليهما بدلالة التزام، وهذا سبق معنا: أن ضربتُ زيداً، ضربتُ هذا يدل بدلالة التزام على مفعول؛ لأن الضرب حدث، حينئذٍ سبق معنا: أن دلالة الفعل على الفاعل التزامية، على المفعول من بابٍ أولى، إذا دل الفعل على الفاعل بدلالة التزام، على المفعول أولى؛ لأن الذي يحدث الحدث هذا مقدم على محله، فحينئذٍ نقول: محل الحدث هو المفعول به، إذاً: دل ضرب على المفعول به دلالة التزام، هذا الضرب أين يوجد؟ لابد له من ظرف زماني وظرف مكاني، ظرف الزمان دل عليه بالصيغة: فعل قام الزمن الماضي، يقوم مضارع -حال يعني-، قم هذا في المستقبل. إذاً: دل بهيئته بصيغته على الزمن، فهي دلالة وضعية، دلالته على المكان لابد من مكان، أين يوجد الظرف في الهواء؟! لابد من مكان يقع عليه الظرف، حينئذٍ نقول: دلالته على المكان دلالة التزامية، انظر الظرف نوعان: مكاني وزماني، الفعل يدل على الزمان بالوضع بالصيغة، كونه على وزن كذا، فَعَل وفَعُل .. كل الذي يدرس في الصرف دلالة زمانية، أما الدلالة المكانية خارجة عن اللفظ، حينئذٍ دل الفعل على المفعول به بدلالة التزام، ودل على ظرف المكان بدلالة التزام، إذاً: اشتبها، كل منهما أشبه الآخر، وهذا التعليل فيه نظر. لأن الفعل يدل على المفعول، والظرف المكاني بالالتزام، والصواب: أنه ما كان المعنى أتم به كان مقدماً، يعني: ينظر إلى المعنى؛ لأنه ليس ثم مرجح بين هذه الأمور، وكل الأقوال التي ذُكرت نعم في نفسها، نقول: تعليلات صحيحة، لكنها لا تقتضي أن يكون دائماً في كل تركيب أن يقدم المصدر؛ لأنه أحد مدلولي العامل، ولا أن يقدم الجار والمجرور لأنه مفعول به في المعنى، لا، نقول: ننظر إلى المعنى، إن استقام المعنى أكثر كان له مكانة بجعل الظرف نائب فاعل فهو مقدم، أو جار ومجرور فهو مقدم، أو مصدر فهو مقدم، دون أن نجعل قاعدة مطردة. وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هذِي إِنْ وُجِدْ ... ... فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ -بل يتعين إنابته- وَقَدْ يَرِدُ قال الشراح: ضرورة أو شذوذاً، يعني: لابد من تأويله كما نص الشارح، لابد أن يؤول، مع كونه جاء في قراءة.

مذهب البصريين إلا الأخفش -الأخفش هذا بصري يخالف كثير، لذلك دائماً يقال: الأخفش الأخفش؛ لأنه يخالف البصريين- أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله مفعول به ومصدر وظرف وجار ومجرور، تعين إقامة المفعول به مقام الفاعل، ضُرِب زيدٌ ضرباً شديداً يوم الجمعة أمام الأمير في داره، مشوار! ضُرِب: هذا فعل ماضي مغير الصيغة، زيدٌ نائب فاعل، هو مفعول به، الأصل: ضربَ عمروٌ زيداً إلى آخره، فحذف عمرو، فأقيم المفعول به مقامه، حينئذٍ يبقى كل شيء في محله، لا يمكن أن يتعدى الظرف، والمفعول يتقدم عليه أبداً، رتبته أعلى لا يرفع رأسه، فيبقى المفعول به هو النائب؛ لأنه صار عمدة، كان فضلة فحينئذٍ صار عمدة، فكل منهما يتنافس، لكن لا يتقدم على المفعول به، فرُفِع المفعول به فصار زيدٌ، ضُرب زيدٌ انتهينا، ماذا بقي؟ ضرباً شديداً مصدر، يوم الجمعة ظرف زمان، أمام الأمير مكان، في داره جار ومجرور، هذه كلها تبقى كما هي، ولا يجوز أن يعرب واحدٌ منها مفعول به، فلا يقال: ضُرِبَ زيداً ضربٌ شديدٌ على إنابة المصدر، ولا يجوز أن يقال: ضُرِبَ زيداً ضرباً شديداً يومُ الجمعةِ، ولا يجوز أن يقال: ضُرِبَ زيداً ضرباً شديداً يوم الجمعة أمامُ الأمير، أو في داره على أنه هو نائب الفاعل؛ كل ذلك لا يجوز على مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره، وهو موجود مطلقاً تقدم أو تأخر، اتصل بالعامل أو لا، مطلقاً يجوز، واحتجوا بقراءة أبي جعفر: (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، يُجْزِيَ، هذا فعل مغير الصيغة، (قَوْماً) هذا بالنصب، ليس عندنا إلا مفعول وجار ومجرور، ويَجْزِيَ هذا مغير الصيغة، لابد من نائب فاعل، ولابد أن يكون إما قَوْماً وإما بِمَا، وبقي المفعول على حاله، قَوْماًً بالنصب، فدل على أنه لم يُنب عن الفاعل إذ لو أُنيب لرُفع.

قال: (لُيَجْزِيَ قَوْم) بالرفع، لكن ما قال: (قومٌ) قال: (قوماً)، فدل على أن النائب هنا الجار والمجرور، (بِمَا)، فأخذ الكوفيون قاعدة عامة مطردة: أنه يجوز في كل مفعول به وجد مع ظرف أو إلى آخره أن يناب غير المفعول مع وجوده، وهذه من المآخذ على مذهب الكوفيين، لماذا؟ الكوفيون ليسوا كالبصريين قطعاً، البصريون محققون إن صح التعبير، لأن البصريين يقعدون قاعدة في النظر العام المطرد الكثير في لسان العرب، ثم ما خرج إن أمكن تأويله أولوه ليوافق القاعدة المطردة، وما لم يمكن حكموا عليه بالشذوذ والضرورة، قاعدة مطردة المذهب من أوله إلى آخره على هذا، النظر والتقعيد والتأصيل على المطرد الغالب في لسان العرب، فما خرج من ذلك مخالف للقياس المطرد، -لذلك سموه قياساً-، وما خالف حكموا عليه بأنه شاذ، ثم ما أمكن تأويله حملوه على السابق، وإلا حكموا عليه بالشذوذ، الكوفيون لا، يكاد لو جاءت مائة بيت كلها مختلفة كل بيت، قالوا: يجوز .. يجوز يجوز، هذه مشكلة ما ينضبط النحو بهذه الصورة، حينئذٍ النظر في المفعول به، يعني: في القرآن وفي السنة وفي الأشعار .. إلى آخره، لا يكاد أن يخرج إذا وجد المفعول به أن يبقى المفعول منصوباً ويناب غيره، قليل جداً هذا، لا يمكن أن يجعل قاعدة، وإنما نقول: القاعدة المطردة الفصيحة التي ينبغي التعويل عليها، هي: أنه لا يناب إلا المفعول به إن وجد، وإن ورد قليلاً، حينئذٍ قد يقال بأنه إما شاذ إذا لم يصح في قراءة معينة، وإما أن نقول: هذا يصح لغة لكنه قليل ليس بالمطرد، يعني: يُلجأ إليه عند الحاجة إما من جهة المعنى أو من جهة أخرى، فينظر فيه نظر خاص، لكن لا يجعل قاعدة مضطردة بأنه مساوٍ لتلك القاعدة، هذا ليس بجيد. إذاً: مذهب الكوفيين مستدلين: (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا). وقول الشاعر: لَمْ يُعْنَ بِالعَلْيَاءِ إلاّ سَيِّداً ... ولاَ شَفَى ذَا الغَيِّ إِلاَ ذُو هُدَى لَمْ يُعْنَ بِالعَلْيَاءِ: بالعلياء جار ومجرور نقول: هذا نائب فاعل. إلاّ سَيِّداً: إلا سيدٌ دل على أنه لم يُنِب سَيِّداً إذ لو أنابه لرفعه، ومذهب الأخفش التفصيل، الكوفيون: سواء تقدم أم تأخر يعني اتصل بالعامل أو انفصل يجوز، مذهب الأخفش: لا، إذا تقدم غير المفعول به عليه جاز إقامة كل واحد منهما، ضُرِبَ في الدار زيدٌ، ضُرِبَ في الدار زيداً؛ لأنه تأخر، فلما فصل بين العامل والمفعول به في الدار جاز أن يناب في الدار أو المفعول أنت مخير. وإن لم يتقدم تعين إقامة المفعول به: ضُرِبَ زيد في الدار، إذا تقدم اتصل بالعامل تعين أن يكون هو نائب الفاعل، وهذا أقرب من مذهب الكوفيين، لكن يرده الآية: (لِيَجْزِيَ قَوْماً)، المفعول به متصل هنا بالعامل. على كلٍ الأصل القاعدة المطردة: هو أنه لا يناب إلا المفعول به، وإن على جهة القلة أنيب غير المفعول به لا بأس به، ولذلك قال: وَقَدْ يَرِدُ. وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ مِنْ ... بَابِ كَسَا فِيمَا الْتِبَاسُهُ أُمِنْ فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ ... وَلاَ أَرَى مَنْعَاً إِذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ

وَبِاتِّفَاقٍ: الآن انتقل إلى المفعول الثاني والثالث مما يتعدى، سبق أننا أشرنا في قوله: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ، قلنا: هذا مفعول واحد، وقد يكون ثم تفصيل يأتي في محله فيما إذا كان مفعولاً ثانياً أو ثالثاً إلى آخره. هنا شرع فيه، ما يتعدى إلى مفعولين، ذكرنا فيما سبق أنه على نوعين، منه ما ينصب المبتدأ والخبر، وهو باب ظن وأخواتها، ومنه ما لا ينصب المبتدأ والخبر، يعني: ما ليس أصل المفعولين المبتدأ الخبر، وهو باب كسا وأعطى، هذا هو المقصود، بقي نوع واحد مما يتعدى إلى مفعولين، لكنه ليس تعدياً أصلياً، وإنما هو بإسقاط حرف الجر، اخترت الرجال محمداً، هذا تعدى إلى واحدٍ بنفسه محمداً، والرجال بنزع الخافض، أصلها: اخترت من الرجال محمداً، هذا يتعدى إلى مفعولين اختار، حينئذٍ نقول: هذا لم يتعد بنفسه أصالة، وإنما جعل باعتبار النهاية، أي: أنه بعد ما أسقط، -وبعضهم يحمل قوله تعالى: ((وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)) [الأعراف:155]، يعني: من قومه: ((وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)) قَوْمَهُ مفعول به، ((وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا)) يعني: من قومه، قَوْمَ هذا مفعول به، لكن ليس مفعول أصالة، وإنما هو بنزع الخافض، ونزع الخافض هذا سيأتينا بحثه إن شاء الله هناك. وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ مِنْ ... بَابِ كَسَا فِيمَا الْتِبَاسُهُ أُمِنْ هذا أراد فيه ما تعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، إذا أردنا أن ننيب، هل ننيب الأول أو ننيب الثاني، أو هما معاً، أو لا هذا ولا ذاك؟ يحتمل أربعة أوجه، لا هذا ولا ذاك هذا بعيد فاسد، هما معاً، هذا سيأتي أنه: وَمَا سِوَى النَّائِبِ ممَّا عُلِّقَا ... أن الفاعل لا يتعدد، كذلك ما ناب عنه، فلا يتعدد نائب الفاعل، فلا يمكن أن يناب المفعولان، بقي الاثنان، الأول: باتفاق أنه يجوز في باب كسا، والثاني: هو الذي محل خلاف. وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ مِنْ ... بَابِ كَسَا فِيمَا الْتِبَاسُهُ أُمِنْ مِنْ بَابِ كَسَا، وهو كل فعل نصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ولم ينصب أحدهما بإسقاط الجر، وهذا ذكرناه في اخترت. فبالأول خرج باب ظن، ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وبالثاني: خرج نحو: اخترت الرجال زيداً، إذاً باب كسا وأعطى، كل فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ويتعدى إليهما بنفسه لا بواسطة حرف جر ثم يسقط. وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ: المصنف هنا نقل الاتفاق وقيل هذا الاتفاق مخروق، نقل الإجماع دائماً هذا عسير. قال: وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ مِنْ ... ... بَابِ كَسَا: يعني: الثاني يجوز إنابته عن الفاعل إذا حذف، ويبقى الأول على نصبه، متى؟ قال: فِيمَا الْتِباسُهُ أُمِن: مفهومه: إذا لم يؤمن الالتباس لا يجوز أن يناب الثاني مناب الفاعل. وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ: قد ينوب المفعول الثاني، الثَّانِ ما إعرابه؟ فاعل مرفوع ورفعه ضمة المقدرة على الياء محذوفة، هذا تخفيف-الثَّانِ-، على الياء المحذوفة.

وَبِاتِّفَاقٍ: نقول: هذا متعلق بقوله: يَنُوبُ، قَدْ يَنُوبُ ِباتِّفَاقٍ، الثَّانِ: هذا فاعل، مِنْ بَابِ كَسَا، هذا حال من الفاعل من الثَّانِ، فِيمَا الْتِباسُهُ أُمِن، يعني: في الذي الْتِباسُهُ: مبتدأ، أُمِن: خبر المبتدأ والجملة لا محل لها صلة الموصول، يعني: في تركيب أمن فيه التباس، فإذا وجد لبس وجب إقامة الأول، هذا مفهوم ما ذكرناه. وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ مِنْ ... ... بَابِ كَسَا: يعني: أن النحاة اتفقوا على جواز نيابة المفعول الثاني من باب كسا، وذلك مع أمن اللبس، هذا مراده بالبيت؛ أن النحاة اتفقوا على جواز نيابة المفعول الثاني من باب كسا، فتقول: كسوت زيداً جبة، كُسي زيداً جبةٌ، جبةٌ هو المفعول الثاني، يجوز؟ قالوا: يجوز باتفاق، كُسي زيدٌ جبةً هذا إنابة الأول، محل وفاق هذا، كسي زيداً جبةٌ، هل فيه لبس؟ ليس فيه لبس، أعطي زيدٌ درهماً إنابة الأول، أعطي زيداً درهمٌ إنابة الثاني، فيه لبس؟ أعطي زيدٌ عمراً، أعطي زيداً عمروٌ، فيه لبس عمرو وزيد من الآخذ ومن المأخوذ، إذا قلت: أعطي زيدٌ عمراً، فزيد الآخذ، وعمراً مأخوذ، إذا عكست قلت: يجوز، قلت: أعطي زيداً عمروٌ صار عمرو هو الآخذ وزيداً هو المأخوذ التبس المعنى، حينئذٍ في مثل هذا التركيب: أعطي زيداً عمروٌ لا يجوز إقامة الثاني، بل يتعين إقامة الأول، لوجود اللبس، فيقال: أعطي زيدٌ عمراً واجب هذا، ولا يجوز أن يقال: أعطي زيداً عمروٌ، وأما أعطي زيدٌ درهماً والعكس نقول: هذا صحيح وجائز، لأمن اللبس، هذا ما أراده الناظم. يعني: أن النحاة اتفقوا على جواز نيابة المفعول الثاني من باب كسا، وذلك مع أمن اللبس، وفهم من سكوته عن الأول -ما تكلم عن الأول- وفهم من سكوته عن الأول أنه يجوز نيابته باتفاق لدخوله في عبارته السابقة: (يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ)، حينئذٍ ترجع تقول: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ هذا إذا كان له مفعول واحد، والمفعول الأول من باب كسا، وهذا محل وفاق. والثاني على رأي الناظم هنا فيما إذا أمن التباسه. وفهم من سكوته عن الأول أنه يجوز نيابته باتفاق لدخوله في عبارته السابقة: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ. إذاً: الحاصل نقول: إذا تعدى الفعل لأكثر من مفعولين، فنيابة الأول جائزة باتفاق، ونيابة الثالث قيل ممتنعة باتفاق والصواب أن فيها خلافاً، الثالث، هذا سيأتي إن شاء الله، ممتنعة باتفاق، والصواب: أن بعضهم أجاز نيابة الثالث إن لم يلبس سيأتي تفصيله، وفي باب كسا إن ألبس إقامة الثاني امتنع اتفاقاً، الثاني إن ألبس نيابته امتنع، مثل: أعطي زيدٌ عمراً، هذا واجب النصب، أعطي زيداً عمروٌ هذا باتفاق لا يجوز لوجود اللبس، لا تدري من الآخذ ومن المأخوذ التبست الأمور، وإن لم يلبس، الناظم حكى الاتفاق على الجواز، إن لم يلبس أمن اللبس، ابن مالك نقل الإجماع الاتفاق، وإن كان بعضهم يفصل بين الاتفاق والإجماع.

وإن لم يلبس جاز مطلقاً، وقيل: يمتنع مطلقاً، وقيل: إن لم يُعتَقَد القلبُ، وقيل: إن كان نكرة يعني: الثاني، والأول معرفة، هذه أربعة أقوال، ابن مالك يقول: بِاتِّفَاقٍ، والخلاف موجود، هذا مثل الفقهيات هناك، إجماع! وترى المسألة مبثوثة وفيها خلاف سابق. وعلى القول بالجواز، فقال البصريون: إقامة الأول أولى، إذا قيل بالجواز مع أمن اللبس، وهذا هو الظاهر، إذا أمن اللبس نقول: جائز، لكن إذا قيل بالجواز أيهما أولى؟ كسي زيدٌ جبةً، أو كُسي زيداً جبةٌ أيهما أولى أو ذاك؟ قيل: الأول أولى، إقامة الأول أولى، وقيل: إن كان الأول نكرة فإقامته قبيحة، وإن كان معرفتين استويا في الحسن. على كل في مثل هذا الصواب أن يقال: ينظر إلى المعنى، إذ لا ينفك النحو عن البيان، فإذا اقتضى المعنى البياني البلاغي إقامة الأول أقيم، وإن اقتضى المعنى إقامة الثاني أقيم الثاني، ولا نقول يرجح مطلقاً هكذا، لا، وإنما نقول: ينظر إلى المعنى وهذا أجود، لذلك لا انفكاك هذا عن ذاك. وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِ مِنْ ... بَابِ كَسَا فِيمَا الْتِبَاسُهُ فِيمَا الْتِباسُهُ يعني: في تركيب أمن فيه التباس، فإن لم يؤمن رجعنا للأصل وهو المنع. قال ابن عقيل: إذا بني الفعل المتعدي إلى مفعولين لما لم يسم فاعله، فإما أن يكون من باب أعطى أو من باب ظن. فإن كان من باب أعطى، وهو المراد بهذا البيت، فذكر المصنف أنه يجوز إقامة الأول منهما وكذلك الثاني، يجوز الاثنان. قال: ذكر المصنف: يجوز إقامة الأول منهما، أين ذكره؟ هو يقول: الثَّانِي، وَبِاتِّفَاقٍ قَدْ يَنُوبُ الثَّانِي، ما قال الأول، لكن قلنا هذا بالمفهوم، بالمفهوم دل على أن الأول باتفاق يجوز إنابته، هذا لا خلاف فيه، وكذلك الثاني بالاتفاق، فتقول: كُسِي زيدٌ جبةً، كُسِي فعل ماضٍ مغير الصيغة، وزيدٌ نائب فاعل، وجبةً مفعول الثاني: وزيدٌ تقول: نائب فاعل، لكن في المعنى هو المفعول الأول، وجبة هو المفعول الثاني، فالنظر في المعنى مفعول -في زيد-، والنظر إلى اللفظ والإعراب هو نائب فاعل، مع كون المفعول له حكم المغاير للفاعل من حيث الإعراب، هذا منصوب وهذا مرفوع، هذا فضلة وهذا ليس بفضلة، وحينئذٍ المعنى شيء والإعراب شيء آخر، لا يلزم منهما كل منهما يلزم الآخر لا، قد يتمم المعنى الإعراب وقد يكون العكس. وأُعطي عمروٌ درهماً: أُعطي فعل ماضي مغير الصيغة، وعمروٌ نائب فاعل، ودرهماً مفعول ثاني، وإن شئت أقمت الثاني: أعطي عمراً درهمٌ وكسي زيداً جبةٌ لعدم اللبس، هذا إن لم يحصل لبس بإقامة الثاني، فإذا حصل لبس وجب إقامة الأول: أعطيت زيداً عمراً، هنا يجب أن تقول: أعطي زيدٌ عمراً، ولا يجوز العكس، لا يجوز إقامة الثاني؛ لئلا يحصل لبس؛ لأن كل واحد منهما يصلح أن يكون آخذاً بخلاف الأول. قال: ونقل المصنف الاتفاق (وَبِاتِّفَاقٍ) نقول: نقل الاتفاق هذا فيه نظر، فمذهب الكوفيين منع إقامة الثاني إذا كان نكرة والأول معرفة، وقيل: بالمنع مطلقاً، هذا في الجملة ثلاثة أقوال. فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ ... وَلاَ أَرَى مَنْعَاً إِذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ

فِي بَابِ ظَنَّ: هذا الباب الثاني، وهو ما إذا تعدى إلى مفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر، وكذلك أرى فيما إذا تعدى إلى مفعولين بهمزة النقل وأصلهما المبتدأ والخبر، فحينئذٍ الأول هذا مفعول به حقيقة، والثاني والثالث هما في الأصل مبتدأ وخبر، فالحكم هنا يتعلق ببابين، باب ظن وباب أعلم. الْمَنْعُ اشْتَهَرْ: يعني: المنع في إقامة الثاني اشتهر في البابين مطلقاً، اشتهر عن النحاة. وَلاَ أَرَى مَنْعاً إذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ: إذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ إذا بان المعنى واتضح، ولم يحصل لبس حينئذٍ لا داعي لأن يقال بالمنع إذ الأصل الجواز، الأصل في باب المفعول به جواز أن يكون نائباً عن الفاعل سواء كان الأول أو الثاني أو الثالث هذا الأصل، يحذف الفاعل فينوب عنه المفعول به، والمفعول به قد يتعدد، حينئذٍ الأصل الجواز، إقامة الأول أو الثاني دون الأول أو العكس أو الثالث، نقول: الأصل الجواز، متى يمنع؟ نقول: إن حصل لبس، إن لم يحصل لبس نرجع إلى الأصل، والأصل بقاء ما كان على ما كان. فِي بَابِ ظَنَّ .. الْمَنْعُ اشْتَهَرْ: الْمَنْعُ مبتدأ واشْتَهَرْ الجملة خبر، وفِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى متعلق به. الْمَنْعُ: من إقامة المفعول الثاني، لا زال الحديث في إقامة المفعول الثاني، وأما الأول هذا سبق بيانه، الأول قلنا: هذا متفق عليه. المنع من إقامة المفعول الثاني اشتهر عن النحاة مطلقاً، سواء أمن اللبس أو لا، قالوا: مطلقاً، لا يجوز إقامة المفعول الثاني في باب ظن، وإن أمن اللبس فلا يجوز عندهم ظُنَّ زيداً قائمٌ، ظننت زيداً قائماً، ظُنَّ زيدٌ قائماً، هذا واجب عندهم، ظُنَّ زيداً قائمٌ لا يجوز حرام -نحواً يعني-. حينئذٍ ظُنَّ زيداً قائمٌ هنا أقيم الثاني مع أمن اللبس، لو قيل: ظُنَّ زيداً عمروٌ قد يقال: بأنه وقع فيه لبس، من الظان ومن المظنون إلى آخره، حينئذٍ نقول: وقع اللبس فيمنع، أما إذا لم يقع لبسٌ ظُنَّ زيداً قائمٌ نقول: الأصل الجواز. فلا يجوز عندهم ظُنَّ زيداً قائمٌ، كذلك في باب أعلم، ولا أُعْلِمَ زيداً فرسك مسرجاً، أعلمتُ زيداً فرسك مسرجاً. إذاً: فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ قلنا: هذا اشتهر عن النحاة، وإن أمن اللبس، فلا يجوز عنده: ظُنَّ زيداً قائمٌ، هذا في باب ظن فيما أصله مبتدأ وخبر، وكذلك ولا أُعْلِمَ زيداً فرسك مسرجاً، هنا أقام المفعول الثاني، هذا لا يجوز عندهم، لماذا؟ لأنه مفعول ثاني سيأتي التعليل، وعلى كلام ابن مالك رحمه الله: وَلاَ أَرَى مَنْعاً إذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ: هنا ليس فيه لبس، إذا ظهر المعنى ولم يحصل التباس، حينئذٍ الأصل الجواز، فيجوز إقامة الأول: أُعْلِمَ زيدٌ فرسك مسرجاً، ويجوز إقامة الثاني، ونقل الإجماع على منع الثالث وفيه خلاف. فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ: يعني: أن نيابة المفعول الثاني من باب ظن وهو ما هو خبر في الأصل، والمفعول الثاني من باب أرى، -قصد أعلم، لكن ما جاء، هو الأصل أن يعبر بأعلم، لكن ما جاء به الوزن، فجاء بأرى،- وأصله المبتدأ اشتهر منعه عند النحاة.

ووجهه -وجه المنع في باب ظن- أنه خبر في الأصل، والنائب عن الفاعل مخبر عنه فتنافيا، لأن المفعول الثاني خبر في الأصل، هذا في باب ظن: ظُنَّ زيدٌ قائماً، هذا الأصل، ظُنَّ زيداً قائمٌ هذا يمتنع قائمٌ بالرفع؛ لأنه خبر في الأصل، وإذا جعلته نائب فاعل صار مخبراً عنه، كيف الشيء يكون خبراً، وهو مخبر عنه؟ قالوا: هذا تنافٍ فيمنع، وهو اجتهاد. ووجه المنع في باب رأى أن المفعول الأول مفعول به حقيقة، الذي ذكرناه، المفعول الأول: أعلم زيدٌ عمراً فرسه مسرجاً، زيداً الأول هذا نقول: هو مفعول به؛ لأنه كان فاعلاً قبل دخول همزة النقل، الثاني والثالث أصلهما المبتدأ والخبر، حينئذٍ إذا وجد الأول صار الثاني والثالث كوجود الظرف والمصدر مع المفعول؛ لأن الأول مفعول حقيقة، والثاني ليس مفعولاً حقيقة ولا الثالث، فإذا وجدت هذه الثلاثة، حينئذٍ تعين أن يقام الأول، لأنه مفعول به حقيقة، والثاني والثالث منصوبان على أنهما مفعولان أيضاً، لكن الثاني والثالث كالمصدر والظرف مع المفعول، فلا يقام المصدر ولا الظرف مع وجود المفعول به حقيقة، هذه علة المنع عند الجمهور. في باب ظن وباب أرى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ: الْمَنْعُ مبتدأ واشْتَهَرْ الجملة خبر، وعرفنا التعليل وجه المنع في باب رأى؛ أن المفعول الأول مفعول به حقيقة، فينزل المفعول الثاني والثالث مع الأول منزلة الظرف والمجرور مع وجود المفعول به فامتنع، كأنه عمم القاعدة: وَلاَ يَنُوبُ بَعْضُ هَذِي إِنْ وُجِدْ ... فِي اللَّفْظِ مَفْعُولٌ بِهِ وَقَدْ يَرِدْ فالحكم يصير حينئذٍ عام. وَلاَ أَرَى مَنْعاً: هنا أطلق الناظم صحة وقوع الثاني نائب فاعل بعد حذفه: وَلاَ أَرَى مَنْعاً، منعاً من ماذا؟ من إقامة الثاني، ثم إقامة الثاني في باب ظن قد يكون جملة، فهل الحكم عام أم أنه خاص بما ليس جملة؟ سبق أن نائب الفاعل لا يكون جملة، كما أن الفاعل لا يكون جملة، ولذلك أُخذ على الناظم الإطلاق هنا قيل: أن إطلاقه يدخل فيه المفعول الثاني في باب ظن إذا كان جملة وليس الأمر كذلك، لابد من التخصيص. وَلاَ أَرَى مَنْعاً: من إقامة الثاني مقام الفاعل إذا حذف، هذا عام، يشمل ماإذا كان جملة وما إذا كان مفرداً، مع أنه يمتنع إقامة الجملة مقام الفاعل، -أخذ على الناظم ذلك-، يشترط لإنابة المفعول الثاني مع أمن اللبس أن لا يكون جملة، فإن كان جملة امتنعت إقامته أو إنابته اتفاقاً.

وَلاَ أَرَى مَنْعاً إذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ: فهم من كلامه: أنه لا خلاف في جواز إنابة المفعول الأول في الأبواب الثلاثة كلها كما سبق، الأول في باب كسا، وفي باب ظن، وفي باب أرى، كلها جائزة أن يناب الأول مناب الفاعل، فيكون نائب فاعل ولا إشكال فيه، وقد صرح به في شرح الكافية كما سبق، يعني: أنه إذا كان الفعل متعدياً إلى مفعولين الثاني منهما خبرٌ في الأصل كظن وأخواتها، أو كان متعدياً إلى ثلاثة مفاعيل كأرى وأخواتها، فالأشهر عند النحويين أنه يجب إقامة الأول، سواء كان من باب ظن، أو من باب أعلم وأرى، أما أعلم وأرى واضح أنه مفعول به حقيقة، وأما باب ظن؛ لأنه مبتدأ والمبتدأ مخبر عنه في المعنى، ونائب الفاعل مخبر عنه في المعنى فاتفقا، بخلاف الثاني فهو خبر في الأصل، ونائب الفاعل مخبر عنه، فكيف يكون الشيء خبراً ويكون مخبرٌ عنه! هذا محل نظر. ويمتنع إقامة الثاني في باب ظن، والثاني والثالث في باب أعلم، فتقول: ظُنَّ زيدٌ قائماً، ظُنَّ هذا فعل أمر أو ماضي؟ ماضي، لم لا يكون أمر؟ لا يدخل معنا فعل أمر: فَأَوَّلَ الْفِعْلِ اضْمُمَنْ قلنا: هناك الفعل ماضي ومضارع فقط، الأمر لا وجود له، وظُنَّ في الصيغة في اللفظ موافق للأمر، موافق ظُنَّ يا زيدُ كذا، وظُنَّ زيدٌ قائمٌ نقول: هذا في اللفظ موافق مثل: خُصَّ. ظُنَّ زيدٌ قائماً، ظُنَّ هذا فعل ماضي مغير الصيغة مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، زيدٌ نائب فاعل وقائماً هذا مفعول ثاني لـ (ظُنَّ)، ولا يجوز أن تقول: ظُنَّ زيداً قائمٌ بإقامة الثاني ونصب الأول هذا غير جائز، لما ذكرناه من علة. أُعلِمَ زيدٌ فرسك مسرجاً هذا أقيم فيه الأول، أعلمت زيداً فرسك مسرجاً، أعلمت زيداً حذفت التاء، أُعلِمَ زيدٌ أقمنا الأول، فرسك مسرجاً: فرسك مفعول ثاني، بقي كما هو ومسرجاً مفعول ثالث بقي كما هو، هذا متعين عند الجمهور، ولا يجوز إقامة الثاني: أُعلِمَ زيداً فرسُك مسرجاً، برفع فرسُك، ونصب زيداً الذي هو المفعول الأول، ونصب مسرج الذي هو المفعول الثالث، هذا لا يجوز عندهم، ولا إقامة الثالث، فتقول: أُعلِمَ زيداً فرسَك مسرجٌ، برفع الثالث هذا غير جائز عند الجمهور، ونقل ابن أبي الربيع الاتفاق على منع إقامة الثالث، ونقل الاتفاق أيضاً ابن المصنف، لكن هذا كله فيه نظر، وذهب قوم منهم المصنف إلى أنه لا يتعين إقامة الأول لا في باب ظن ولا في باب أعلم، لكن يشترط أن لا يحصل لبس، وهذا أصح، في باب النيابة كما ذكرنا حتى في المفاعيل ينظر إلى المعنى، إن كان المفعول الأول إقامته أجود من حيث المعنى البياني البلاغي أقيم، وإن كان الثاني كذلك وإن كان الثالث، لا نكون ظاهريين هكذا، لابد من النظر إلى القاعدة مع المعنى البياني، فتقول: ظُنَّ زيداً قائمٌ وأُعلِمَ زيداً فرسُك مسرجاً، هذا كله جائز.

وأما إقامة الثالث من باب أعلم فنقل الاتفاق على منعه، وليس كما قيل، يعني: أجازه بعضهم حيث لا لبس، وهذا صحيح أيضاً، وأما كونه خبراً .. وإلى آخره، نقول: هذه التعليلات كلها قبل دخول أعلم، فلما دخلت أعلم حصل فيه نوع تغير، وإلا لو كان المعنى قبل دخول أعلم وبعده سيان مستويان من كل وجه لا فائدة من وجود أعلم لا بالهمزة ولا بالفعل نفسه، بل نقول: ثم تغير حصل بعد دخول أعلم وأرى غير المعنى ولو من جهة التمام عما كان عليه سابقاً. فلو حصل لبس تعين إقامة الأول في باب ظن وأعلم، نعم، لو حصل لبس تعين الأول، لابد من ضبطها، لو حصل لبس تعين إقامة الأول في باب ظن وأعلم، كما هو الشأن في باب كسا، فلا تقل: ظُنَّ زيداً عمروٌ، على أن عمروٌ هو المفعول الثاني، ولا أُعلِمَ زيداً خالدٌ منطلقاً، لو غيرت وبدلت: خالداً، وخالدٌ .. إلى آخره، قد يحصل نوع لبس، حينئذٍ إذا حصل اللبس تعين إقامة الأول. فِي بَابِ ظَنَّ وَأَرَى الْمَنْعُ اشْتَهَرْ ... وَلاَ أَرَى مَنْعَاً إِذَا الْقَصْدُ ظَهَرْ هذا النظم قالوا فيه أمور، أولاً: حكاية الإجماع، فالإجماع الاتفاق. الأصل أن الإجماع هو اتفاق، إذاً: أخذنا الاتفاق جنساً في حد الإجماع، كاصطلاح عند الأصوليين الاتفاق هو الإجماع والإجماع هو الاتفاق ولا خلاف بينهم، لكن قد يعبر بعض الفقهاء بكلمة اتفاق على ما اصطلحوا عليه، إما اتفاق أرباب المذهب، إما اتفاق الأصوليين فحسب، إما اتفاق النحاة .. إلى آخره، فيكون أخص من حيث الاصطلاح، أما الحجة الشرعية الذي هو قسيم للكتاب والسنة فالإجماع هو الاتفاق، فإذا قيل: اتفقوا –الفقهاء- بمعنى أجمعوا، وإذا قيل أجمعوا بمعنى اتفقوا فلا فرق بينهما. هنا حكى الاتفاق، وقلنا: المسألة فيها خلاف، قال: وَبِاتِّفَاقٍ، إذاً: نأخذ على النظم أنه حكى الإجماع. ثانياً: عدم اشترط كون الثاني من باب ظن ليس جملة، قال: وَلاَ أَرَى مَنْعاً، وهذا فيه خلل؛ لأنه ولا أرى منعاً من إقامة الثاني مطلقاً ولو كان جملة، وهذا ممنوع باتفاق. الثالث: إيهام أن إقامة الثالث غير جائزة باتفاق، هذه ثلاثة أمور ذكرها للتوضيح مما أخذ على الناظم. وَمَا سِوَى النَّائِبِ مِمَّا عُلِّقَا ... بِالرَّافِعِ النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا إذا عرفنا أن الفعل يتعدى إلى مفعولين أو أكثر وأنبنا واحداً من هذه المفاعيل، فما حكم المفاعيل الأخرى؟ قلنا: القاعدة: أن نائب الفاعل جرى مجرى الفاعل، والفاعل لا يتعدد، فكذلك نائب الفاعل لا يتعدد، فإذا قلنا: ظُنَّ زيدٌ، أقمنا الأول، الثاني حكمه واجب النصب، لا نقل: ظُنَّ زيدٌ قائمٌ فحينئذٍ زيدٌ هذا نائب فاعل أول، وقائمٌ نائب فاعل ثاني، لا، يبقى المنصوب على حاله، والعامل فيه ظُنَّ، وأُعْلِمَ، أُعْلِمَ زيدٌ أقمنا الأول، فرسك مسرجة، يبقى الثاني والثالث منصوب، وهذا ليس خاص بالمفاعيل، بل يشمل الظروف والمصادر والمفعول المطلق، كل ما يتعلق به الفعل إذا أقيم نائب الفاعل بقي الباقي على أصله. وَمَا سِوَى النَّائِبِ ممَّا عُلِّقَا ... بِالرَّافِعِ النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا

وَمَا هذا اسم موصول بمعنى الذي، والذي سِوَى النَّائِبِ، والذي استقر سِوَى النَّائِبِ، يعني: سوى ذلك النائب، ممَّا هذا متعلق بما تعلق به سِوَى، والذي استقر سوى ذلك النائب ممَّا عُلِّقَا بِالرَّافِعِ، بمعنى عمل فيه الرافع، علقناه بالرافع، ظُنَّ زيدٌ، زيدٌ هذا رفعناه وعلقناه بالعامل وهو ظُنَّ؛ لأن العلقة والارتباط والعمل كل هذه مترادفة، المراد أن هذا المعمول مرتبط بهذا العامل، فزيدٌ بالرفع نقول: هذا له علاقة، وله ارتباط وكونه معمولاً لـ (ظُنَّ)، معاني واحدة، بمعنى أنه قد أثر فيه الرفعَ على أنه نائب فاعل، علق بالعامل، نقول: علقناه بالعامل، بمعنى ماذا؟ أننا أعملنا العامل فيه الرفع، قائماً علقناه بالعامل، بمعنى أننا أحدثنا وأثرنا بالعامل فيه النصبَ، هذا المراد بالتعليق: وَعُلْقَةٌ حَاْصِلَةٌ بِتَابِعِ ... كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاِسْمِ الوَاقِعِ وَمَا سِوَى النَّائِبِ ممَّا عُلِّقَا: الألف هذه للإطلاق. عُلِّقَا بِالرَّافِعِ: يعني: علق على جهة كونه مرفوعاً، والعامل حينئذٍ يكون رافعاً وناصباً، ظُنَّ زيدٌ قائماً رفع ونصب، رفع زيد على أنه نائب فاعل، ونصب قائماً على أنه مفعول ثاني له، علقنا نائب الفاعل بـ (ظُنَّ). قال: النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا .. سِوَى النَّائِبِ .. النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا-: على أصلها، النَّصْبُ هذا مبتدأ، ولَهُ هذا خبره ومُحَقَّقَا الألف هذه بدل عن التنوين، مُحَقَّقَا هذا حال، إما لفظاً إن لم يكن جاراً ومجروراً أو محلاً إن يكن جاراً، كيف هذا؟ لو قلت: ضُرِبَ زيدٌ في داره، ضُرِبَ زيدٌ يوم الجمعةِ، ضُرِبَ زيدٌ، زيدٌ هذا نائب فاعل، يوم الجمعة بقي على أصله، النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا، لفظاً أو تقديراً أو محلاً؟ لفظاً، ضُرِبَ زيدٌ يوم الجمعة، علقنا زيد بضرب على أنه نائب فاعل وهو الرافع له -ضُرِبَ-، يومَ نقول: منصوب على الظرفية العامل فيه ضُرِبَ نفسه، إذاً: رفع ونصب، والنصب هنا لفظي، ضُرِبَ زيدٌ في بيته في داره، زيدٌ هذا الرافع له ضُرِبَ، في داره بقي على أصله، وهو كونه في المحل منصوباً؛ لأنه في المعنى مفعول به وقع عليه الفعل، فحينئذٍ نقول: في داره النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا لكنه محلاً لا لفظاً. وَمَا سِوَى: مَا هذا اسم موصول بمعنى الذي يعم جميع المنصوبات كالظروف، ظروف الزمان والمكان والحال والتمييز والمفعول معه وله والمصدر، فتقول: أعطي زيدٌ درهماً يوم الجمعة أمام زيدٍ إعطاءً، أعطي زيدٌ: أعطي هذا مغير الصيغة، زيدٌ نائب فاعل، درهماً: مفعول به، الأول أو الثاني؟ الثاني: بقي على أصله منصوب؟ بقي على أصله، يوم الجمعة ظرف زمان، أمام زيدٍ مكان، إعطاءً، هذا مفعول مطلق –مؤكِّد-، حينئذٍ بقي على أصله، و (ما) شمل كل المنصوبات التي تكون في الجملة، فليس خاصاً بالمفعولات. وَمَا سِوَى ذلك النَّائِبِ مرفوع على أنه نائب فاعل، ممَّا عُلِّقَا بِالرَّافِعِ، يعني: الذي جُعل ارتباطه بالرافع له وهو الفعل مغير الصيغة، إن أعطيناه ما يرفعه على أنه نائب فاعل، طلبه على أنه نائب فاعل، ما سواه النَّصْبُ لَهُ مُحَقَّقَا، النَّصْبُ مبتدأ، ومُحَقَّقَا هذا حال من الضمير لَهُ.

حكم المفعول القائم مقام الفاعل، حكم الفاعل، فكما أنه لا يرفع الفعلُ إلا فاعلاً واحداً، كذلك لا يرفع الفعلُ إلا مفعولاً واحداً، الفاعل لا يكون إلا واحداً فالفعل لا يطلب فاعلين، نائب الفاعل أقيم مقام الفاعل، حينئذٍ لا يطلب الفعل نائبين، لأن الأصل واحدٌ لا يتعدد، ولذلك امتنع أن يُرفع ثانٍ مع نائب الفاعل. قال في التوضيح: وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع، -وعبارة ابن هشام دقيقة-، وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع؛ لأنه قال: ممَّا عُلِّقَا -الإلف للإطلاق- بِالرَّافِعِ، يعني: معناه متعلق بالرافع، طلبه على أنه نائب فاعل. وغير النائب مما معناه متعلق بالرافع واجب نصبه لفظاً إن كان غير جار ومجرور، نحو: ضُرِبَ زيد يوم الخميس أمامك ضرباً شديداً، ومن ثم نصب المفعول الذي لم يُنب في نحو: أُعطِيَ زيد ديناراً، ديناراً بقي على النصب. وأعطي دينارٌ زيداً، أو محلاً إن كان جاراً ومجروراً؛ وعلة ذلك أن الفاعل لا يكون إلا واحداً، فكذلك نائبه. ونقف على هذا. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

49

عناصر الدرس * شرح الترجمة (اشتغال العامل عن المعمول) وحد الإشتغال وأركانه * العامل في الإسم المتقدم (الشغول عنه) ـ * متى يجب نصب الإسم المتقدم؟ * ماى يجب رفع الإسم المتقدم؟ * متى يترجح نصب الإسم المتقدم؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: اشْتِغَالُ العَامِلِ عَنِ المَعْمُولِ. أي: هذا باب بيان اشْتِغَالُ العَامِلِ عَنِ المَعْمُولِ, وهذا المسمى إذا أطلق عند النحاة: باب الاشتغال, والمراد به اشْتِغَالُ العَامِلِ عَنِ المَعْمُولِ. لما أنهى ما يتعلق بالمرفوعات -ذكر العُمد المبتدأ والخبر والنواسخ, وذكر الفاعل ونائب الفاعل-, الأصل فيه أن يشرع في المنصوبات, ثم إذا أنهى المنصوبات سيذكر المجرورات, وهذا الترتيب المعهود عند النحاة. هذا الباب وسط بين المرفوعات والمنصوبات, لذلك سيأتي بعده باب التنازع ثم المفعول المطلق ويسرد المفاعيل, وهذا الباب وسط, لأن فيه حالين: حال رفع وحال نصب. حينئذٍ لما كان مشتملاً على النوعين المرفوعات والمنصوبات ناسب أن يوسطه بين المرفوعات والمنصوبات, باب اشتغال العامل وسطه بين المرفوعات والمنصوبات؛ لأن بعضه من المرفوعات, لأنه سيأتي أنه قد يرفع في بعض الأحوال على أنه مبتدأ، إذاً: له علاقة بالمرفوعات فهو مبتدأ, وبعضه من المنصوبات: (زيداً ضربته) هذا مفعول به، إذاً: هو من المفاعيل. اشْتِغَالُ العَامِلِ عَنِ المَعْمُولِ: المراد بالاشتغال هنا الإعمال, هو أن يُعمَل فِعلٌ في ضمير, ولذلك قال: العَامِلِ والمراد به هنا -العَامِلِ- أي: المشغول, عَنِ المَعْمُولِ: العامل المفسر للعامل في الاسم السابق, (زيداً ضربته) هذا المراد هنا, هذا العامل مفسر للعامل في (زيداً) , زيداً هذا اسم متقدم تلاه فعل, هذا الفعل قد عمل في ضمير يعود على الاسم المتقدم, فيسمى هذا العامل ماذا؟ اشتغل عن المعمول الذي هو الاسم المتقدم, اشتغل بضمير عائد على ذلك الاسم المتقدم. إذاً: اشتغال العامل, عرفنا العامل ما المراد به؟ وهذا سبق معنا أنه ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص من رفع أو نصب أو خفض أو جزم, عن المعمول المقصود به هنا المشتغَل عنه, يعني: الاسم المتقدم. حقيقة هذا الباب -قبل أن ندخل في الأبيات- أن يتقدم اسم كما ذكره ابن عقيل: ويتأخر عنه فعل، مثل: (زيداً ضربته) , (زيداً) اسم متقدم, وتأخر عنه فعل وهو (ضرب) , هذا الفعل قد عمل في ضمير ذلك الاسم المتقدم ضربته, أين مرجع الضمير؟ زيد, زيدٌ هو الاسم المتقدم, زيداً ضربته، إذاً: تقدم اسم وتلاه فعل, هذا الفعل متعد ينصب, لابد أنه ينصب, لو كان لازماً لما دخل في الباب معنا, حينئذٍ قد عمل هذا الفعل في ضمير, هذا الضمير يرجع إلى الاسم المتقدم, مثل هذا التركيب: (زيداً ضربته) هو باب الاشتغال بالشروط الآتية, زيداً ضربته.

إذاً: عمل في ضمير ذلك الاسم المتقدم , أو في سببيه, المراد به أن يعمل في اسم ظاهر مضاف إلى ضمير يعود إلى الاسم المتقدم, (زيداً ضربت أخاه) , (ضربت): فعل وفاعل, و (أخاه): هذا مفعول به, وهو مضاف والضمير مضاف إليه, أين مرجع الضمير؟ زيد الذي هو الاسم المتقدم, هل عمل فيه ضرب؟ لا لم يعمل فيه مباشرة, وإنما عمل في اسم ظاهر, وذلك الاسم الظاهر قد عمل في الضمير العائد للاسم المتقدم, هذا يسمى سببياً عندهم, إذا كان العامل قد عمل في اسم ظاهر, وهذا الاسم الظاهر قد أضيف إلى ضمير يعود إلى الاسم المتقدم يسمى سببياً. ولذلك قال: أن يتقدم اسم ويتأخر عنه فعل, قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في سببيه, إما مباشرة وإما أن يكون الضمير مضافاً إليه, والفعل قد عمل في المضاف, ولذلك قال: وهو المضاف إلى ضمير الاسم السابق, مثاله: (زيداً ضربته) , نقول: (زيداً) هذا يجوز فيه وجهان: الرفع والنصب, الرفع على أنه مبتدأ, والجملة التي تليه في محل رفع خبر, والنصب على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوباً, يفسره الفعل المذكور الذي لفظ به, ولذلك قال: اشْتِغَالُ العَامِلِ, أي عامل؟ ضربته, عَنِ المَعْمُولِ, اشتغل عنه بالضمير أو بالاسم الظاهر المضاف إلى الضمير. اشْتِغَالُ العَامِلِ المراد بالعامل هنا الفعل المفسر, عَنِ المَعْمُولِ يعني المشتغل عنه, وهو الاسم المتقدم. إذاً: عندنا في هذا التركيب (زيداً ضربته) عندنا أركان ثلاثة: مشغول عنه, وهو الاسم المتقدم، ومشغول وهو العامل نصباً أو رفعاً, وهو الفعل المتأخر، ومشغول به وهو الضمير الذي تعدى إليه الفعل بنفسه, نحو: (زيداً ضربته) , أو بالواسطة (زيداً مررت به) , أو بالواسطة سواء كان حرف جر أو كونه قد عمل في اسم ظاهر, وذلك الاسم الظاهر مضافاً إلى الضمير, هذه ثلاثة أركان, لابد من وجودها فيما يصح أن يحكم عليه بأنه من باب الاشتغال: أولاً: مشغول عنه، ثانياً: مشغول، ثالثاً: مشغول به, لكل واحد من هذه الثلاثة الأركان شروط, لا يصح هكذا مطلقاً, وإنما لا بد من شروط, أما الشروط المتعلقة بالاسم المتقدم وهو المشغول عنه فخمسة عند النحاة مشهورة: أولاً: أن يكون واحداً لا متعدداً, واحداً إما باللفظ وإما بالمعنى, لأنه قد يتعدد في اللفظ دون المعنى, (زيداً وعمراً ضربتهما) , العطف هنا جعل الاثنين في معنى الواحد, حينئذٍ نقول: هذا غير متعدد, وإن تعدد في اللفظ إلا أن معناهما في المعنى واحد, (زيداً ضربته) , هذا هو الأصل, أن يكون واحداً, (زيداً وعمراً ضربتهما) , هذا جائز, كيف وهو متعدد في اللفظ؟ نقول: نعم, قد يتعدد في اللفظ دون المعنى, (زيداً درهماً أعطيته) , هذا لا يصح لكونه متعدداً في اللفظ والمعنى. إذاً: الشرط الأول: أن يكون واحداً لا متعدداً, وهذا قلنا يدخل تحته ثلاثة أقسام: إما أن يكون متعدداً في اللفظ والمعنى, وهذا ممنوع. وإما أن يكون متعدداً في اللفظ لا في المعنى, مثل: (زيداً وعمراً ضربتهما) , نقول: هذا جائز. وإما أن يكون واحداً ملفوظاً به؛ (زيداً ضربته) , نقول: هذا هو الأصل فيه, وأما (زيداً درهماً أعطيته) , نقول: هذا لا يصح.

الثاني: أن يكون متقدماً, فإن تأخر حينئذٍ نقول: ليس من باب الاشتغال, (ضربته زيداً) , (زيداً) هذا يجوز فيه وجهان, إما النصب وإما الرفع, إن رفعته جعلته مبتدأً متأخراً, والجملة قبله خبر, (ضربته زيدٌ) , الأصل: (زيدٌ ضربته) , قدمت وأخرت المبتدأ عن الخبر, أو قدمت الخبر على المبتدأ, (ضربته زيداً) , (زيداً) نقول هذا بدل من الضمير؛ لماذا لا يكون من باب الاشتغال؟ نقول: لا يصح؛ لأن شرط الاشتغال أنه يكون متقدماً, أن يكون الاسم المشغول عنه متقدماً, فإن تأخر خرج عن باب الاشتغال. الثالث: قبوله للإضمار, -يعني: يرجع إليه ضمير, ليس كل اسم يصح أن يرجع إليه ضمير- قبوله للإضمار, فلا يصح الاشتغال عن الحال والتمييز والمصدر المؤكد والمجرور بما لا يجر المضمر كـ (حتى) هذه كلها نقول: لا يصح الاشتغال عنه؛ لأنها لا تقبل الإضمار. الرابع: أن يكون مفتقراً لما بعده, فليس من الاشتغال: (في الدار زيد فأكرمه) , لا نقول: (زيد) هنا من باب الاشتغال وإن تقدم؛ لأنه ليس مفتقراً لما بعده, يمكن أن يقال: (في الدار) خبر, و (زيد) مبتدأ, (فأكرمه) هذه جملة مستأنفة, ولكن (زيداً ضربته) , (زيداً) لوحده هكذا لا يمكن أن يكون كلاماً لوحده, بل لا بد أن يكون متمماً له ما بعده, حينئذٍ صار مفتقراً. إذاً: الشرط الرابع في المشغول عنه: كونه محتاجاً ومفتقراً لما بعده, فليس من الاشتغال: (في الدار زيدٌ فأكرمه). الخامس: كونه مختصاً لا نكرة محضة, من بابٍ أولى أن يكون معرفة؛ لأنه إذا رفع ليس له إلا محل واحد وهو الابتداء, فلو كان نكرة محضة ورفع بالابتداء, قلنا: لا يصح (رجلاً فأكرمه) , لا يصح أن نقول: هذا من باب الاشتغال؛ لأنه لا يصح أن يقال: (رجل فأكرمه)؛ لأن (رجلٌ) هذا لا يبدأ به, حينئذٍ لا بد أن يكون معرفة أو نكرة مختصة؛ لأنه لو رفع لرفع على الابتداء, وما يكون نكرة محضة لا يصح أن يقع مبتدأ. ليصح رفعه على الابتداء, ولذلك إذا تعين نصبه, بعضهم يرى أنه لا يكون من هذا الباب كما سيأتي. فنحو: (رجلاً أكرمته) تعين فيه النصب, ومثلها: ((وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا)) [الحديد:27] (رَهْبَانِيَّةً) هذا نكرة لا يمكن أن يكون مبتدأً يعني: لا يجوز فيه الوجهان, الذي هو باب الاشتغال, باب الاشتغال لا بد من تجويز الوجهين, الرفع على الابتداء والنصب على المفعولية, فإن تعين رفعه سيأتي أنه ليس من باب الاشتغال, وإن تعين نصبه كذلك فيه قولان: هل هو من باب الاشتغال أو لا؟ (رَهْبَانِيَّةً) نقول هنا يتعين نصبه؛ لأنه لا يصح رفعه, لأنه لو رفع لرفع على أنه مبتدأ وهذا نكرة, والنكرة لا تقع مبتدأً, هذه خمسة شروط لا بد من توفرها في المشغول عنه. وأما شروط المشغول وهو الفعل, فاثنان:

أولاً: أن يكون متصلاً بالمشغول عنه, يعني: ألا يفصل بينه وبين الاسم السابق شيء, (زيداً ضربته) , لا بد أن يكون متصلاً به, لو قال: (زيداً أنت تضربه) ما صح أن يكون من باب الاشتغال, لوجود الفاصل بين الاسم المتقدم والفعل, لابد أن يكون متصلاً به, وهذا بخلاف الوصف كما سيأتي, هذا شرط في الفعل, ألا يفصل بينه وبين الاسم السابق فاصل, فإن انفصل منه بفاصل لا يكون لما بعده عمل فيما قبله لم يكن من باب الاشتغال. الثاني: كونه صالحاً للعمل فيما قبله, وذلك إذا كان فعلاً متصرفاً أو اسم فاعل أو اسم مفعول, مختص بهذا, وإن نص الناظم في أول الباب على الفعل: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... فالوصف مثله, ولذلك سيأتي في آخر الباب: وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ وَصْفاً ... دل على أن الوصف المراد به اسم الفاعل واسم المفعول, اسم المفعول قد لا يتعدى وقد يتعدى. المراد هنا بالمفعول الذي يتعدى إلى أكثر من مفعول؛ لأنه لو تعدى إلى مفعول واحد لتعين أن يكون ذلك المفعول نائب فاعل, فيشترط في المفعول أن يتعدى لأكثر من واحد, وأما مطلق اسم المفعول فلا؛ لأنه ليس كل اسم مفعول ينصب لا بد أن يكون ناصباً هنا, لابد أن يكون العامل ناصباً, فلو لم ينصب حينئذٍ نقول: ليس من باب الاشتغال في شيء. واسم المفعول له حالان: قد يكون ناصباً وقد لا يكون, متى يكون ناصباً؟ إذا كان متعدياً لأكثر من واحد (الدرهمَ أنت معطاه) الدرهمَ الدرهمُ يجوز فيه الوجهان, (أنت معطاه) معطى هذا يتعدى إلى اثنين. بأن يكون فعلاً متصرفاً أو اسم فاعل أو اسم مفعول, وهذا بشرطه كما سيأتي لا بد أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال. هذان شرطان لابد من توفرهما في الفعل نفسه. ويشترط في المشغول به وهو الضمير شرط واحد, وهو ألا يكون أجنبياً من المشغول عنه, بمعنى أن يعود إلى الاسم المتقدم, فإن لم يعد عليه صار أجنبياً عنه؛ لأنه لا بد من رابط, فيصح أن يكون ضمير المشغول عنه نحو: (زيداً ضربته) أو (مررت به) , ويصح أن يكون اسماً ظاهراً مضافاً إلى ضمير المشغول عنه نحو: (زيداً ضربت أخاه) أو (مررت بغلامه) هذه شروط لا بد من تحققها في هذه الأركان الثلاثة. إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمَحَلّ فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا ... حَتْمَاً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا هكذا عرفه بهذين البيتين المعقدين. إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ: (إِنْ مُضْمَرُ) أولاً: الأعراب ثم المعنى, (إِنْ) هذا حرف شرط, (مُضْمَرُ) هذا فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور وهو شَغَلْ, (إِنْ) شغل مضمر اسم, (مُضْمَرُ) مضاف و (اسْمٍ) مضاف إليه, (سَابِقٍ) نعت لاسم (فِعْلاً): - سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ -, شغل فعلاً, إذاً: مفعول مقدم لشغل, شغل هذه الجملة لا محل لها من الأعراب لأنها مفسرة, (شَغَلْ عَنْهُ بِنَصْبِ) عنه بنصب جاران ومجروران متعلقان بشغل, (بِنَصْبِ لَفْظِهِ) نَصْبِ مضاف, ولَفْظِهِ مضاف إليه, (أَوِ الْمَحَلّ) معطوف عليه.

(فَالسَّابِقَ) الفاء واقعة في جواب الشرط (إِنْ مُضْمَرُ) ما النتيجة؟ ما الجواب؟ قال: (فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ) السَّابِقَ هذا منصوب على الاشتغال, انصب السابق, وانصبه هذه جملة لا محل لها من الأعراب, مفسرة للفعل المحذوف, انصبه بماذا؟ بِفعْلٍ, إذاً: جار ومجرور متعلق بقول: انصبه, (بِفعْلٍ أُضْمِرَا) أُضْمِرَا الألف للإطلاق, وأُضْمِرَا هذا فعل مغير الصيغة, والضمير يعود إلى فعْلٍ , بِفعْلٍ أُضْمِرَا؛ لأنه نعت له, ولا بد جملة النعت أن تشتمل على ضمير يعود على المنعوت عليه كالخبر, فإن لم تكن لا يصح, هنا أضمرت جملة وقعت نعتاً، إذاً: لابد من رابط, مثل جملة الخبر, أين الرابط؟ أُضْمِرَا نائب الفاعل, فأضمرا فيه ضمير وهو نائب الفاعل يعود على فعل, (أُضْمِرَا حَتْماً) إضماراً حتماً, يعني: واجباً, إضماراً حتماً مفعول مطلق, أو حتم حتماً (مُوَافِقٍ بِفعْلٍ أُضْمِرَا) مُوَافِقٍ هذا نعت بعد نعت موافق؛ لأنه اشترط في الفعل شرطين: أن يكون مضمراً, وأن يكون موافقاً. أُضْمِرَا قلنا نعت في محل جر, مُوَافِقٍ جاء مفرداً, حينئذٍ جاء مجروراً, (لِمَا قَدْ أُظْهِرَا) لِمَا جار ومجرور متعلق بموافق, (قَدْ أُظْهِرَا) الجملة صلة الموصول لا محل لها من الأعراب, لِمَا قَدْ أُظْهِرَا) يعني: للمظهر. (قَدْ أُظْهِرَا) الألف هذه للإطلاق, أُظْهِرَا فعل ماضي مغير الصيغة, ونائب الفاعل يعود على الفعل, موافق للذي قد أظهرا، لـ (ما) الموصولة، لابد من أن يرجع إلى الموصول نفسه. (مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا) (ما) تصدق على الفعل, (أُظْهِرَا) ما الذي أظهرا؟ هو الفعل, ليس على الفعل وإنما على (ما) الصادق بالفعل, فأظهرا فيه ضمير يعود على (ما) فحينئذٍ ما تفسر بفعل, فعِيد عليه. إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ ........... إِنْ شَغَلْ ضمير اسم سابق يعني: ضمير يعود على اسم سابق, شغل ماذا؟ فعلاً, عَنْهُ: عن الاسم السابق, بمعنى أنه شغله عن نصبه, فلولا وجود هذا الضمير المتصل بالفعل لتسلط عليه فنصبه, فالضمير هنا الذي يعود على الاسم السابق شغل الفعل؛ لأن الفعل الواحد المتعدي إلى مفعول واحد لا ينصب إلا مفعول واحد, ولا ينصب مفعولين, فإما أن يقال: (زيداً ضربت أو زيداً ضربته) فيكون الثاني مفعول للفعل, إما هذا وإما ذاك, لا يمكن أن يكون (زيداً ضربته) الضمير والاسم الذي هو مرجع الضمير لا يمكن أن يكونا مفعولين للفعل نفسه, لماذا؟ لأن الفعل الواحد أولاً وهو ضرب لا يتعدى إلى مفعولين, ثم لا يعمل العامل الواحد في الاسم وفي ضميره, لا في الاسم ولا في ضميره, يعني: معاً في وقت واحد, نقول: هذا ممتنع. إذاً: يمتنع أن يكون زيداً معمولاً لـ (ضربته). (إِنْ مُضْمَرُ) إن ضمير (اسْمٍ سَابِقٍ) شغل فعلاً عَنْهُ) عن الاسم السابق (بِنَصْبِ لَفْظِهِ) بِنَصْبِ الباء هذه اختلف الشراح فيها على قولين:

منهم من جعلها بمعنى عن, ومنهم من جعلها بمعنى السببية, ويختلف المعنى على المعنيين, على المرجح أنها بمعنى عن (بِنَصْبِ لَفْظِهِ)، حينئذٍ يكون قوله: (عَنْهُ بِنَصْبِ) عن نصب لفظه, يكون بنصب هذا بدل اشتمال مما قبله من (عَنْهُ -من ضمير عنه-, بإعادة العامل بمعناه. (عَنْهُ) عن نصبه, بِنَصْبِ هذا نقول: بدل اشتمال من الضمير في (عَنْهُ) بإعادة العامل لا بلفظه وإنما بمعناه, لأن (عَنْ) هذه لفظاً ومعنىً واضح المجاوزة, (بِنَصْبِ) قلنا الباء هنا بمعنى (عن). إذاً: هي العامل فيه في الضمير السابق, أعاده مرة أخرى لكن بالمعنى لا باللفظ نفسه, (عَنْهُ) عن (بِنَصْبِ لَفْظِهِ) أي: الاسم السابق (أَوِ الْمَحَلّ). بهذا المعنى أعدنا الضمير في لفظه على الاسم السابق, (أَوِ الْمَحَلّ) أل هذه نائبة عن المضاف إليه, أو محله. حينئذٍ قوله: (بِنَصْبِ لَفْظِهِ) أي: بنصب لفظ الاسم السابق كما لو قلت: (زيداً ضربته) لو أسقطت الضمير هذا لنَصب الاسم لفظاً, (أَوِ الْمَحَلّ) فيما إذا كان الاسم السابق لا يظهر فيه الإعراب بأن يكون مبنياً (هذا ضربته .. هذا ضربت) لو أسقطت الضمير لعمل ضربت في محل هذا, حينئذٍ اللفظ والمحل يرجعان إلى الاسم السابق, فمراد الناظم هنا (بِنَصْبِ لَفْظِهِ) يعني: لفظ الاسم السابق فيما لو تسلط عليه العامل, وهذا فيما إذا كان معرباً (أو محله) فيما إذا كان مبنياً, وهذا لا إشكال فيه, والمثالان واضحان, (زيداً ضربته) (هذا ضربته) الأول ينتصب لفظاً, والثاني ينتصب محلاً. وقيل: الباء سببية, يعني: بسبب نصبه, فحينئذٍ تكون متعلقة بقوله: (شَغَلْ) , بسبب نصبه، إذاً انشغل الفعل بسبب نصب ماذا؟ الضمير نفسه, فقوله: بِنَصْبِ لَفْظِهِ, أي: الضمير، أو محله, أي: الضمير, كيف يُنصب الضمير لفظاً؟ أو ينصب محلاً؟ قالوا: إن تعدى بنفسه (ضربته) هنا نصب لفظاً, وإن تعدى إليه بحرف الجر فحينئذٍ نصب محلاً (زيداً مررت به) به قلنا: الباء هنا داخلة على المفعول به, والضمير هذا مرجعه إلى الاسم المتقدم, حينئذٍ نصبه (مر) الذي هو الفعل لكن محلاً لا لفظاً, وأما (زيداً ضربته) هذا نصبه لفظاً, وهذا المعنى فيه نوع ركاكة لماذا؟ لأنه باتفاق, وإن سُوِّغ إطلاق أن الضمير ينصب لفظاً لكنه ليس إلا على التأويل؛ لأن الضمير لا ينصب لفظاً وإنما هو دائماً معرب محلاً, وحينئذٍ يتعين حمل قوله: (ِنَصْبِ) يعني: عن نصبه, عن نصب لفظه أي: الاسم المتقدم, ولا نرجع الضمير إلى الضمير, بِنَصْبِ لَفْظِهِ أي: لفظ الضمير أو محله أو محل الضمير نقول: هذا فيه نوع ركاكة, وابن عقيل مشى على هذا, وصاحب التوضيح والأشموني على الأول, وهو أظهر. إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... عَنْهُ. يعني: عن اسم سابق شغل بماذا؟ بِنَصْبِ لَفْظِهِ يعني: عن نصب لفظه, إن شغل بالضمير عن نصب لفظه, أو محله أو بسبب نصب لفظه -لفظ الضمير أو محل الضمير-, وجهان: والأول أولى.

فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ: يعني: الاسم المتقدم انصبه وجوباً أو راجحاً مع جواز الرفع أو مرجوحاً مع ترجيح الرفع أو مستوياً, هذه أربعة أحوال داخلة في قوله: فانصبه؛ لأن أحوال الاسم المتقدم خمسة كما سيأتي, وبقي الرفع والظاهر أن الناظم أسقطه, قد يكون عمداً لأنه ليس من باب الاشتغال, وقد يقال بأنه نص على النصب لأن الأصل في الاشتغال هو النصب, هو الأصل, حينئذٍ ذكر الأصل وبقي الرفع وهو فرع, ولو وجب الرفع فيكون من باب الفرعية. فَالسَّابِقَ يعني: الاسم السابق, الفاء واقعة في جواب الشرط, فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ, انْصِبْهُ إما كما ذكرنا، انْصِبْهُ للأمر وللإباحة, مقابلة للمنع الصادقة بالإيجاب, إما وجوباً فيما إذا تعين نصبه, وإما جوازاً راجحاً, وإما جوازاً مرجوحاً, وإما مستوياً, يعني يجوز فيه الوجهان, وترك الرفع عمداً أو لأنه سيأتي ذكره فيما سينص عليه من الأحوال الخمسة, ولذلك السيوطي قدره, فالسابق ارفعه على الابتداء أو انصبه ليدخل هذه الحالة الخامسة, ولكن لا نحتاج إلى هذا. انصبه بماذا؟ قال: بِفعْلٍ أُضْمِرَا فعل مضمر يعني محذوف وهذا الفعل المحذوف قد يكون محذوفاً على جهة الوجوب وقد يكون محذوفاً على جهة الجواز، والمختار أنه لفعل محذوف وجوباً, ثم إذا حذفناه وجوباً ماذا نفسره؟ بأي دليل؟ نقول: أحسن ما يحال عليه في القرينة هو اللفظ المذكور بعد, يعني: يفسره العامل المذكور في الجملة (زيداً ضربته) فنقول: زيداً هذا انصبه, إن نصبته تنصبه بفعل محذوف وجوباً تقديره ضربت, من أين أخذته؟ من ضربته الذي هو عمل في العامل المشغول بالضمير العائد على الاسم المتقدم, ضربت زيداً ضربته, هذا التقدير (ضربت زيداً ضربته) فالحذف واجب, والتقدير يكون مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا ولذلك قال: حَتْماً مُوَافِقٍ ذلك الفعل المضمر لِمَا يعني: للفعل الذي قَدْ أُظْهِرَا, إما لفظاً ومعنىً, وإما معنى. إذاً: باب الاشتغال أن يتقدم اسم وهذا الاسم له شروط ذكرناها ويتأخر عنه فعل, هذا الفعل يعمل في ضمير يعود على الاسم المتقدم, لو أسقط هذا الضمير لتسلط هذا العامل على الاسم المتقدم فنصبه على أنه مفعول له, فإن لم يصح أن ينصب على أنه مفعول له خرج من باب الاشتغال, ولذلك سيأتي أن وجوب الرفع ليس من باب الاشتغال على الصحيح, وإنما تذكر من باب تتميم القسمة فحسب, فكل ما وجد فيه هذا الضابط حينئذٍ قلنا هذا من باب الاشتغال, متى؟ إذا حذف الضمير حينئذٍ إذا صح أن يتسلط العامل على الاسم المتقدم فينصبه على أنه مفعول به له صح أنه من باب الاشتغال, فإن لم يصح نصبه على أنه مفعول له خرج من باب الاشتغال, ولذلك إذا تعين رفعه قلنا: ليس من باب الاشتغال في شيء؛ لأن باب الاشتغال الأصل فيه النصب, لابد أن ينصب ولو كان راجحاً أو مرجوحاً حينئذٍ نقول لا بد من أن ينصب فإذا تعين الرفع خرج عن أصل الباب.

إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ: مُضْمَرُ اسْمٍ, مضاف ومضافاً إليه, الظاهر والمتبادل من الاسم، الاسم الواحد لأنه نكرة في سياق الإثبات, ففيه تنبيه على أن شرط المشغول عنه أن يكون اسماً واحداً، يعني ولو كان متعدداً في اللفظ لكن الاعتبار بالمعنى (فزيداً وعمراً ضربتهما) هذا يعتبر اسماً واحداً لأن العطف صير الثاني مع الأول كالشيء الواحد, والواو هنا لمطلق الجمع, حينئذٍ نقول: هو واحد في المعنى, وإن كان في اللفظ متعدداً, وأما إذا تعدد في اللفظ والمعنى هذا فيه خلاف لكن الجماهير على المنع: (زيداً درهماً أعطيته) نقول: هذا ليس من باب الاشتغال, فلا يجوز أن يقال: زيداً درهماً أعطيته إياه؛ لأنه لم يسمع وأجازه الأخفش. إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً أو بمثله وهو اسم الفاعل واسم المفعول, وسيأتي بقوله: وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ وَصْفاً ... ! شَغَلْ: شَغَلْ هذا فعل ماضي, والفعل الماضي إما أن يتعدى بنفسه, وإما أن يتعدى بواسطة حرف الجر, شَغَلْ: يعني اشتغل بضمير، إما بنفسه مثل ضربته, وإما بواسطة حرف الجر, مثل: زيداً مررت به, أو بملابس ضمير الاسم كأن يكون الاسم الظاهر مضافاً إلى ضمير يعود إلى الاسم المتقدم زيداً ضربت أخاه, هذه حالة ثالثة لا بد من إدخالها؛ لأن أخاه نقول: هذا عمل فيه الفعل, نصبه, حينئذٍ نقول: نصبه على أنه مفعول به له, لكنه أضيف إلى ضمير يعود إلى الاسم المتقدم. شغل عنه بنصب لفظه, قلنا: بِنَصْبِ لَفْظِهِ, بنصب يحتمل أن تكون الباء سببية متعلقة بشغل, وضمير لفظه للضمير, والمراد بنصب لفظ الضمير بتعدي الفعل إليه بلا واسطة, -بحرف الجر-, إذا تعدى إليه الفعل مباشرة ضربته قالوا هنا نصب الضمير لفظاً, وإذا تعدى إليه بواسطة حرف الجر فحينئذٍ قلنا هذا منصوب محلاً وهو المراد بقوله: أَوِ الْمَحَلّ (أل) هذه نائبة عن المضاف إليه، يعني بدل عن الضمير. فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ: قلنا إما إن نقدر فَالسَّابِقَ ارفعه على الابتداء وانصبه, يعني: نجمع بين الأحوال الخمسة, وإما أن نجعل الحكم خاصاً هنا بالأحوال الأربعة التي يجوز فيها النصب أو التي ينصب فيها الاسم المتقدم سواء كان على جهة الوجوب أو لا. انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا: إضماراً. حَتْماً: يعني واجباً؛ لأن الفعل الملفوظ به كالعوض من اللفظ به فلا يجمع بينهما، وجب حذفه, ولا يجوز ذكره إلا في مقام التعليم، يعني: لا يجوز ذكره مع ما بعده إلا في مقام التعليم، وأما لوحده فلا بأس فتقول: زيداً ضربته ضربت زيداً فقط, زيداً هذا مفعول به لفعل محذوف وجوباً تقديره: ضربت زيداً, وتسكت، وضربته الثاني هذه جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب, لا يجمع بين ضربت زيداً وضربته؛ لأن الثانية مفسِرَة والأولى مفسَرَة, ولا يجمع بين المفسِّر والمفسَّر. الأولى: ضربت زيداً معوَّض عنها, والثانية عِوَض, ولا يجمع بين المعوَّض والمعوَّض عنه؛ لأن الفعل الملفوظ به كالعوض من اللفظ به فلا يجمع بينهما لأن الجمع ينافي العوضية, أنت ما عوضت إلا من أجل حذفه, عدم وجوده, حينئذٍ إذا ذكر الأصل أن يحذف الثاني, إما هذا وإما ذاك, العوض أو المعوض عنه, فلا يجمع بينهما في اللفظ البتة.

بِفعْلٍ أُضْمِرَا: إضماراً الألف هذه للإطلاق. حَتْماً: يعني: واجباً. مُوَافِقٍ: ذلك الفعلُ المضمر لما قد أظهرا, إما لفظاً ومعنىً, مثل: ضربت زيداً ضربته, نقول: هذا موافق للملفوظ به في اللفظ والمعنى, وإما معنىً دون لفظ زيداً مررت به, هل يصح أن أقول: مررت زيداً؟ يمتنع هذا؛ لأنه لا يتعدى بنفسه, فزيداً منصوب لكنه لا يمكن أن يكون منصوباً بـ (مرَّ) لأن (مرَّ) لا يتعدى بنفسه, وإنما نفسره بلفظ موافق لـ (مرَّ) في المعنى, جاوزت زيداً مررت به, والمجاوزة والمرور بمعنى واحد, جاوزت وهذا يتعدى, جاوزت زيداً مررت به, فسرناه من معناه دون لفظه, لا بد من هذا، إذ تقديره جاوزت زيداً مررت به, ويشترط في الفعل المفسِّر ألا يفصل بينه وبين الاسم السابق, كما ذكرناه, زيداً ضربته لا يصح زيداً أنت ضربته, لا يفصل بينهما. فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا ... حَتْمَاً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا قال ابن عقيل: الاشتغال أن يتقدم اسم ويتأخر عنه فعل قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في سببيه, المراد بالسبب المضاف, اسم ظاهر يضاف إلى ضمير يعود إلى الاسم المتقدم, حينئذٍ الضمير الذي يعمل فيه الفعل, إما أن يعمل فيه مباشرة ضربته, وإما أن يتعدى إليه بحرف الجر مررت به, وإما أن يعمل الفعل في اسم ظاهر مضاف إلى ذلك الضمير (زيداً ضربت أخاه) أو مررت بغلامه أو ضربت غلامه حينئذٍ نقول هذا له حكم واحد. فمثال المشتغل بالضمير زيداً ضربته وزيداً مررت به, ومثال المشتغل بالسبب زيداً ضربت غلامه, وهذا هو المراد بقوله: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ .. الخ، والتقدير -تقدير البيت-: إن شغل مضمر اسم سابق فعلاً عن ذلك الاسم بنصب المضمر لفظاً، يعني تعدى الفعل إليه بنفسه, هذا مراده, تعدى إليه الفعل بنفسه, نحو: زيداً ضربته, أو بنصبه محلاً يعني تعدى الفعل إليه بالحرف, نحو: زيداً مررت به, فكل واحد من ضربت ومررت اشتغل بضمير زيد, لكن ضربت وصل إلى الضمير بنفسه, ومررت وصل إليه بحرف الجر, فهو مجرور لفظاً, -هذا غريب-, فهو مجرور لفظاً ومنصوب محلاً, في اللفظ لا يقال بأنه مجرور لأن الجر هو الكسر, والكسر هنا محلي وليس بلفظ, مررت به, به الكسرة هذه ليست كسرة جر, وإنما هي كسرة بناء, فقوله: فهو مجرور لفظاً ومنصوب محلاً, وكل من ضربت ومررت لو لم يشتغل بالضمير لتسلط على زيد كما تسلط على الضمير, فكنت تقول: زيداً ضربت, إذا أسقطت الضمير, زيداً ضربت, فتنصب زيد ويصل إليه الفعل بنفسه كما وصل إلى ضميره, وتقول بزيد مررت, فيصل الفعل إلى زيد بالباء كما وصل إلى ضمير، ويكون منصوباً محلاً كما كان الضمير. وقوله: فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ .. الخ, معناه أنه إذا وجد الاسم والفعل على هيئة مذكورة فيجوز لك نصب الاسم السابق, واختلف النحويون في ناصبه, والمشهور أنه الفعل المحذوف وجوباً.

فذهب الجمهور إلى أن ناصبه فعل مضمر وجوباً؛ لأنه لا يجمع بين المفسَّر والمفسِّر, ويكون الفعل المضمر موافقاً في المعنى لذلك المظهر, وهذا يشمل ما وافق لفظاً ومعنى, زيداً ضربته, إنَّ التقدير: ضربت زيداً ضربته, وما وافق معنىً دون لفظ كقولك في زيداً مررت به, إنَّ التقدير: جاوزت زيداً مررت به, وهذا التقدير اللفظي لا يكون إلا في صورة واحدة, وهي فيما إذا عمل فيه بنفسه, يعني اتصل الضمير بالعامل، ضربته, هذا الذي يصح أن يكون لفظاً ومعنى, وما عداه حينئذٍ يفسر بالمعنى دون اللفظ, يعني: يكون العامل موافقاً للمذكور في المعنى دون اللفظ, متى يبقى؟ إذا توصل إليه بحرف الجر, أو عمل في اسمٍ مضافٍ إلى ضميرٍ يعود إلى ذلك المتقدم, وهذا هو الصحيح, المذهب الأول هو الصحيح وعليه الجماهير, أن الفعل المذكور مفسِّر للفعل المحذوف. المذهب الثاني: وهو منسوب للكوفية؛ أنه منصوب بالفعل المتأخر بعد المذكور, وهذا غريب, كيف يجتمع عامل واحد على معمولين من جهة واحدة, هذا مفعول وهذا مفعول, لأن ضرب هذا لا يتعدى إلا لمفعول واحد, فحينئذٍ إما أن يكون المتقدم أو المتأخر واحد منهما, وأما أن يتسلط فيهما نقول: لا, منصوب بالفعل المذكور بعده, واختلف هؤلاء على قولين: فقال قوم, وزعيمهم الفراء, إنه عامل في الضمير وفي الاسم معاً, نقول: هذا ضعيف جداً, فإذا قلت: زيداً ضربته, كان ضربت ناصباً لزيد وللهاء, ورُدَّ هذا المذهب بأنه لا يعمل عامل واحد في ضمير اسم, ومُظهَرِه، ووجه آخر أن ضرب يتعدى إلى مفعول واحد فقط, فحينئذٍ إما هذا وإما ذاك, فلا ينصب مفعولين ولو كان أحدهما ضميراً والثاني مرجع الضمير, لا بد من تعيين واحد منهما, إما هذا وإما ذاك. وقال قوم, وزعيمهم الكسائي: هو عامل في الظاهر والضمير ملغى, وهذا فاسد؛ لأن الضمير اتصل هنا, والضمائر لا تتصل إلا بعاملها, فدل على أنه معمول, ضربته, الضمير اتصل بالعامل هذا دليل على أنه معمول له, إذاً: كيف يلغى، هو مطلوب له, يقتضيه العامل فكيف يلغى؟ نقول هذا لا. ورد بأن الأسماء لا تلغى بعد اتصالها بالعوامل, إذاً: الصواب: أنه منصوب بفعل مضمر وجوباً يفسره العامل المذكور إما لفظاً ومعنىً وإما معنىً دون اللفظ. فالاسم السابق إن نصبته، تقول هو مفعول به لفعل محذوف وجوباً تقديره ضربت زيداً ضربته, وإن رفعته -وهو جائز- زيد ضربته، زيد مبتدأ وجملة ضربته في محل رفع خبر المبتدأ. ما جاز فيه الوجهان هو من باب الاشتغال, فإن تعين الرفع خرج عن باب الاشتغال, إن تعين النصب هذا محل نزاع كبير, ثم قال: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا ... يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَإِنْ وَحَيْثُمَا هذا الاسم المتقدم (زيد) له خمسة أحوال: إما أنه يجب النصب, وإما أنه يجب رفعه, وإما أنه يجوز فيه الوجهان: الرفع والنصب, ثم هذا على ثلاثة أحوال: إما أن يجوز فيه الوجهان, ويكون النصب أرجح على الرفع, أو بالعكس يجوز فيه الوجهان والرفع أرجح على النصب, وإما أن يستوي فيه الوجهان, هذه خمسة. وجوب النصب, وجوب الرفع, جواز الوجهين والنصب أرجح, جواز الوجهين والرفع أرجح, جواز الوجهين واستواء النصب والرفع.

وَالنَّصْبُ حَتْمٌ يعني: الحالة الأولى التي يجب فيها النصب, وَالنَّصْبُ حَتْمٌ متى؟ قال: إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ. إِنْ تَلاَ السَّابِقُ: يعني وقع الاسم السابق بعد أداة تختص بالفعل, وما اختص بالفعل لا يجوز أن يكون ما بعده مرفوعاً, فلا بد أن يكون منصوباً, فحينئذٍ تعين أن يكون الاسم السابق منصوباً، إذا تلا هذا الاسم أداةً تختص بالفعل, هذه الحالة الأولى وهي وجوب النصب, أن يقع الاسم السابق بعد أداة لا تدخل إلا على الفعل. وَالنَّصْبُ حَتْمٌ: النَّصْبُ مبتدأ, وحَتْمٌ خبر, واجب يعني, -الحتم والواجب والفرض بمعنى واحد-، متى؟ (إِنْ) هذا قيد شرط ليس مطلقاً, وَالنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ يعني: تبع الاسم السَّابِقُ, السَّابِقُ فاعل تلا (مَا) اسم موصول بمعنى الذي, أداة أو شيئاً يَخْتَصُّ. (ما) قلنا مفعول به, يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ الجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول, أين جواب الشرط؟ فـ: النَّصْبُ حَتْمٌ، إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ فَالنَّصْبُ حَتْمٌ، فالنصب واجب, دل عليه الجملة السابقة. كَإِنْ وَحَيْثُمَا, والذي يختص بالفعل أربعة أنواع, مثل الناظم لواحد منها, كَإِنْ وَحَيْثُمَا, وهو أدوات الشرط. إذاً: أدوات الشرط مما يختص بالفعل مطلقاً, قد يكون بعدها ماض وقد يكون بعدها مضافاً, ليس كل أدوات الشرط تكون عاملة. وأدوات التحضيض, وأدوات العرض, وأدوات الاستفهام غير الهمزة, هذه أربعة أنواع تختص بالفعل, نحو: إن زيداً لقيته فأكرمه, إن زيداً لقيته زيداً لقيته, لو قلت: زيدٌ لقيته هذا من باب زيد ضربته مثله، إذاً من باب الاشتغال أو لا؟ اسم متقدم تلاه فعل اشتغل بضمير لقيته, ضمير يعود على اسم متقدم لو أسقطناه لتفرغ للاسم السابق فنصبه على أنه مفعول به, لقيت زيداً, زيداً لقيته. هنا سبق الاسم (زيداً)، سبقه إن الشرطية, فحينئذٍ وجب أن يكون الاسم التالي لإن منصوباً، لماذا؟ لأننا لو رفعناه لجوزنا وقوع الجملة الاسمية بعد إن الشرطية, وهو ممتنع, لا يجوز أن يقع بعد أدوات الشرط الجملة الاسمية، بل لا بد أن يكون جملة فعلية, فحينئذٍ يتعين النصب فتقول: إن زيداً لقيته فأكرمه, فأكرمه هذه جملة الجواب. إن زيداً لقيته هذا واجب النصب, حينئذٍ تقول: زيداً مفعول به لفعل محذوف وجوباً يفسره الفعل المذكور إن لقيت زيداً لقيته. وحيثما عمراً لقيته فأهنه, عمراً لقيته مثل السابق, وهلا بكراً ضربته, وأين زيداً وجدته، وألا زيداً أكرمته, (ألا) حرف تحضيض, حينئذٍ نقول: زيداً هذا منصوب بفعل محذوف وجوباً, فالنصب هنا حتم واجب, لماذا؟ لأن الاسم المتقدم تلا –تبع- ما يختص بالفعل, فلا يجوز رفع الاسم السابق على أنه مبتدأ؛ لأنه لو رفع حينئذٍ لخرجت هذه الأدوات عما وضعت له من الاختصاص بالفعل, والاختصاص بالفعل يرفعه، رَفعُ الاسم على أنه مبتدأ, لكن نقول: يجوز أن يقال: إن زيد لقيته, امتنع الرفع على الابتداء؛ لأنه تلا أداة الشرط فإذا تلاها حينئذٍ أخرجناه عن ما وضعت له في لسان العرب, وهو إن لا يتبعها إلا الفعل, لكن لو رفعناه على أنه فاعل لفعل محذوف هل خرجت إن عن وضعها في لسان العرب؟ لا.

إذن: قوله: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ أي: فيمتنع الرفع على الابتداء, فالممنوع هنا رفع الاسم المتقدم على أنه مبتدأ إذا تلا أدوات الشرط, أو أسماء الاستفهام أو أدوات التحضيض أو أدوات العرض، نقول: يمتنع رفع الاسم لا مطلقاً، وإنما يمتنع رفعه على أنه مبتدأ, وأما لو رفع على الفاعلية, وأنه لفعل محذوف وجوباً نقول: هذا جائز لأنه لم يخرج الأدوات عما وضعت له في لسان العرب. ويجوز رفعه بالفاعلية لفعل مضمر مطاوع للظاهر, فقول الناظم: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ, أي: فيمتنع الرفع على الابتداء, الناظم هنا مثَّل بـ (إن) و (حيثما) قد يفهم منه أنه سائغ مطلقاً, أن يقع الاشتغال بعد أدوات الشرط مطلقاً في الشعر وفي النثر, لكن هذا فيه تفصيل, ليس على إطلاقه، ولذلك قال ابن هشام: وتسوية الناظم بين (إن) و (حيثما) مردوداً. لا يقع الاشتغال بعد أدوات الشرط والاستفهام إلا في الشعر, وأما في النثر -الكلام- فلا يليها إلا صريح الفعل, لا بد من النطق به لا يكون محذوفاً, في الكلام لا يليها إلا الفعل الصريح, صريح الفعل إلا إذا كانت أداة الشرط (إذا) مطلقاً, يعني: سواء تلاها فعل ماضي, أو مضارع, أو (إن) والفعل الماضي, يعني في النثر من أدوات الشرط يستثنى (إذا) و (إن)، (إذا) مطلقاً يعني سواء تلاها فعل ماضي أو تلاها فعل مضارع, و (إن) بشرط أن يتلوها فعل ماضي فحسب, فيقع في الكلام نحو: إذا زيداً لقيته, أو تلقاه فأكرمه, إذا زيداً لقيته هذا فعل ماضي تلا إذا, أو إذا زيداً تلقاه هذا فعل مضارع يجوز هذا وذاك، فأكرمه, فحينئذٍ نقول: زيداً هذا مفعول به لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور, وقع بعد (إذا) , وهو في الأصل لا يقع إلا في الشعر, لكن يستثنى (إذا) في النثر كما أنها في الشعر. وإن زيداً لقيته فأكرمه, إن زيداً لقيت، ولا يصح إن زيداً تلقاه, لا يصح لماذا؟ لأن (إن) في النثر لا يتلوها إلا الماضي, وأما المضارع فلا، بخلاف (إذا) , (إذا) مطلقاً و (إن) بشرط. ويمتنع في الكلام إن زيداً تلقاه فأكرمه, ويجوز في الشعر. قال ابن هشام: وتسوية الناظم بين (إن) و (حيثما) مردود, إذاً: (حيثما) لا تقع إلا في الشعر, لا تقع في النثر, و (إن) تقع في النثر، إذاً: التسوية بينهما مردودة, هكذا قال ابن هشام رحمه الله في الأوضح, وأجيب عن رده بأن التسوية بينهما في وجوب النصب, وفي مطلق الاختصاص بالفعل, وإن كان أحدهما أقوى من الآخر, يعني: (إن) أقوى من (حيثما) لأن الاسم ينتصب بعدها في النثر وفي الشعر, بخلاف (حيثما) فهي خاصة بالشعر دون النثر فلا تقع في النثر. إذاً: قوله: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا ... يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ .......... !! وذلك كأدوات الشرط كَـ (إِنْ وَحَيْثُمَا).

أي: يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل وهي أربعة أنواع كما سبق بيانه, ولكن انتبه أن الأصل في هذا الباب -باب الاشتغال- جواز الرفع والنصب, يجوز فيه الوجهان, فإذا امتنع الرفع حينئذٍ هل يقال بأنه من باب الاشتغال أو لا هذا محل نزاع, ولذلك هذه الصورة بعضهم أخرجها من باب الاشتغال؛ لأنك إذا قلت: إن زيداً لقيته فأكرمه, هنا لا يصح أن يقال زيدٌ, فكل ما تعين فيه الرفع دون النصب أو النصب دون الرفع, نقول هذا مخالف لأصل الشرط في باب الاشتغال أنه يجوز نصبه ويجوز رفعه, ولذلك الحالة التي تكون أصلاً هي جواز الوجهين دون ترجيح أحدهما على الأخرى. وَالنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا, يعني: شيئاً مفعول به, يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ, فالنصب واجب, كَـ (إِنْ وَحَيْثُمَا). أشار المصنف إلى القسم الأول بقوله: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ، ومعناه أنه يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل كأدوات الشرط, نحو: (إن) و (حيثما) , فتقول: إن زيداً أكرمته أكرمك, وحيثما زيداً تلقه فأكرمه, هذا مثال مصطنع, فيجب نصب زيداً في المثالين ولا يجوز الرفع على أنه مبتدأ إذ لا يقع الاسم بعد هذه الأدوات مطلقاً على مذهب البصريين, وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها, فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء متمسكاً بقول القائل: لا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ ... إِنْ مُنْفِسٌ رفع بعد (إن) الشرطية, وتمسك به من قال بأنه يجوز أن يعرب مُنْفِسٌ هنا مبتدأ وجملة أَهْلَكْتُهُ خبر, مثل: زيد ضربته, وهذا جوابه أمران: أولاً: جمهور الرواة لهذا البيت بالنصب, ولذلك منع البصريون صحة رواية الرفع, سلمنا أنها ثابتة وصحيحة يمكن تأويله, وكل ما أمكن تأويله على وجه صحيح لا يمكن أن يجعل قاعدة أو استثناء من قاعدة تخالف الأصل, كل ما أمكن تأويله بوجه صحيح لا يمكن أن يجعل أصلاً يعارض الأصل المطرد, فإذا كان الأصل المطرد هو عدم وقوع المبتدأ بعد أدوات الشرط, هذا هو الغالب, حتى في القرآن، حينئذٍ إذا جاء ما ظاهره أنه مبتدأ لا بد من التأويل, لكن دون تكلف, هنا أمكن التأويل، إِنْ مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ إن هلك منفس, لا بأس أن يكون موافقاً للمذكور وإن لم يكن في اللفظ لأنه في المعنى, أهلكت منفساً هذا متعدي, وأهلكته هذا متعدي, إذاً: لا يمكن أن نقدر المتعدي وإنما نقدر اللازم, وهو موافق له في اللفظ والمعنى لا في العمل. إنْ مُنْفِسٌ: إن هلك منفس, فـ (منفس) هذا فاعل لفعل محذوف وجوب يفسره المذكور, مثل: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [التوبة:6] لا بأس به, مثل: ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) [الانشقاق:1].

إذاً: إنْ مُنْفِسٌ, نقول: روي بالنصب إِنْ مُنفِسَاً, وهو رواية سيبوية وجمهور البصريين, ومنع البصريون صحة رواية الرفع, فإن صحت فهو فاعل لفعل محذوف تقديره: إن هلك منفس, وتقدير ابن عقيل فيه نظر؛ لأنه قال: فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء كقول الشاعر تقديره: إن هلك منفس, كيف ابتداء هذا؟ لعله في سقط أو شيء, أجاب البصريون أو كذا, أما بهذا التركيب خلل, يقول: وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء كقول الشاعر: لا تجزعي إن منفس. إذاً: منفس هذا مبتدأ لا نحتاج إلى تقدير, تقديره: إن هلك منفس, لعله في سقط, في سقط قطعاً, لأنه ليس فيه تقدير إذا كان مبتدأ صار منفس مبتدأ, وأهلكته جملة خبر, ليس عندنا تقدير, لكن هذا على مذهب البصريين, لعله سبق معهم قلم, إن لم يكن ثم سقط. وَإِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا بِالإِبْتدَا ... يَخْتَصُّ فَالرَّفْعَ الْتَزِمْهُ أَبَدَا هذه وجوب الرفع, وذكرها بعد وجوب النصب للاشتراك في مطلق الوجوب, وإن كان الأصل في هذه كما صححه ابن هشام وغيره أنها ليست من باب الاشتغال, وإنما تذكر من باب تتميم القسمة فحسب, وإلا أبوابه أو مسائله أربعة لا خمسة, وإذا أسقطنا وجوب النصب كما قال بعضهم صار ثلاثة, وهي ما ترجح فيه النصب وما ترجح فيه الرفع مع جواز النصب, وما جاز فيه الوجهان على السواء, هذا قطعاً باب الاشتغال, وأما ما تعين رفعه قطعاً ليس من باب الاشتغال, والنصب إذا تعين هذا في النفس منه شيء, هل هو من باب الاشتغال أو لا! بعضهم أخرجه, لأنه لابد أن يجوز فيه الوجهان وإلا خرج. وَإِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا بِالإِبْتدَا ... يَخْتَصُّ فَالرَّفْعَ ............... !! إِنْ تَلاَ السَّابِقُ يعني: الاسم السابق عكس المسألة السابقة, إِنْ تَلاَ السَّابِقُ عندنا بعض الأدوات يختص بالفعل, وبعض الأدوات والحروف, -وأقول: أدوات ليشمل الاسم والحرف-, بعض الأدوات يختص بالاسم لا يدخل على الفعل، كما أن الأول يختص بالفعل فلا يدخل على الاسم. وبعضها يدخل عليهما، على الفعل وعلى الاسم, وهذا نوعان: ما يدخل على الفعل والاسم والأكثر دخوله على الفعل, ما يدخل على الفعل والاسم والأكثر دخوله على الاسم, ما غلب دخوله على الفعل مع جواز دخوله على الاسم, ما غلب دخوله على الاسم مع جواز دخوله على الفعل, ما اختص بالفعل وجب نصب الاسم بعده, ما اختص بالاسم وجب رفع الاسم بعده؛ لأنه لا يتلوه فعل فكيف نقدر الفعل بعده! هذا متعذر, كما أن هناك في (إذا) و (إن) لا يجوز أن يرفع بالابتداء؛ لأن هذه لا يتلوها إلا فعل, فكيف يتلوها الاسم! هذا باطل, كذلك هنا عكس هذه الأدوات تختص بالمبتدأ لا تدخل على غير المبتدأ, فحينئذٍ إذا رفعناه كنا على الأصل, فإذا نصبناه حينئذٍ أخرجناها عن الأصل الذي وضعت له في لسان العرب, وهذا ممتنع, فتعين رفعها. وَإِنْ تَلاَ: يعني تبع، السَّابِقُ: السَّابِقُ هذا صفة لموصوف محذوف في المعنى لكن هنا إعرابه فاعل, مَا: مفعول به، يَخْتَصُّ بِالإِبْتدَا: لا محل لها من الأعراب, بِالإِبْتدَا هذا جار ومجرور متعلق بـ: يَخْتَصُّ, وجملة يختص بالابتداء هذه صلة الموصول لا محل لها من الأعراب.

فالرَّفْعَ: هذا منصوب على الاشتغال, مثل الذي معنا، ابن مالك قال: فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ. فالرَّفْعَ الْتَزِمْهُ, يعني التزم الرفع، أَبَدَا مطلقاً في كل الأوقات, إذا تلا الاسم السابق ما يختص بالمبتدأ حينئذٍ وجب الرفع, وجب الرفع للاسم ولا يجوز نصبه. والذي لا يعمل ما بعدها فيما قبلها اثنا عشر نوعاً: الأول: أدوات الشرط بلا استثناء. الثاني: أدوات الاستفهام بلا استثناء ومنه: (كم) الاستثنائية, نصوا عليها. الثالث: أدوات التحضيض بلا استثناء. الرابع: أدوات العرض بلا استثناء. الخامس: لام الابتداء. السادس: (كم) الخبرية. السابع: الحروف الناسخة, ما يدخل على المبتدأ. الثامن: الأسماء الموصولة, ومنها (أل) الموصولة, نصوا عليها. التاسع: الأسماء الموصوفة بالعامل المشغول, زيد رجل ضربته. العاشر: بعض حروف النفي وهي (ما) مطلقاًَ, نحو: زيد رجل ما ضربته, و (لا) بشرط أن تقع في جواب قسم, نحو: زيد والله لا أضربه, فإن كان حرف النفي غير (ما) و (لا) نحو: زيد لم أضربه, أو كان حرف النفي هو (لا) وليس في جواب القسم, نحو: زيد لا أضربه, فإنه يترجح الرفع ولا يجب؛ لأنها حينئذٍ لا تفصل ما بعدها عما قبلها لأنها لو فصلته لما عمل ما بعدها فيما قبلها لا يفسر عامل. الحادي عشر: أسماء الأفعال. الثاني عشر: فاء السببية، هذه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وَإِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا بِالِابْتدَا يَخْتَصُّ: يعني: ما يختص بالابتداء. فالرَّفْعَ: الفاء واقعة في جواب الشرط. الْتَزِمْهُ أَبَدَا: وجب الرفع على الابتداء، فتخرج المسألة عن هذا الباب إلى باب المبتدأ والخبر، إذا وجب الرفع خرجت المسألة هذه من باب الاشتغال إلى باب المبتدأ والخبر، نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، زيد هذه إذا الهجائية كما سبق هناك في تقدير خبر المحذوف، فإذا الأسد حاضر، فإذا الأسد، ففي الحضرة الأسد، فإذا زيد، زيد حاضر، أو فإذا زيد يضربه عمرو، فإذا زيد، زيد: هذا الاسم المتقدم، يضربه عمرو، يضرب عمرو زيداً، إذاً اشتغل بضمير يعود للاسم المتقدم، هنا تعين الرفع ولا يجوز النصب، لأن الاسم المتقدم تبع ووقع بعد أداة لا يليها إلا المبتدأ فتعين الرفع، وإذا كان كذلك فحينئذٍ نقول: ما دام أن الرفع تعين حينئذٍ لو ألغي الضمير لما تسلط على الأول، لو حذفت الضمير: فإذا زيد يضرب عمرو لا بد من إحداث وتقدير مفعول به غير الأول، لماذا؟ لأنك لو سلطته على الأول للزم أن تكون الجملة تالية لـ (إذا)، وحينئذٍ إذا قلت: فإذا زيداً يضرب عمرو تلا (إذا) الجملة؛ لأن المتقدم في نية التأخير، كأنك قلت: فإذا يضرب عمرو زيداً، وهذا ممتنع.

إذاً: لو أُسقط الضمير لما تسلط على الاسم المتقدم، إذاً خرج من باب الاشتغال، وباب الاشتغال شرطه: أنه لو فُرِّغ العامل عن العمل في الضمير لنصب الاسم المتقدم مباشرة، وهنا لو فُرِّغ لا ينصبه، لأنه لو نصبه صار مفعولاً به متقدماً وحقه التأخير، كأنك قلت: فإذا يضرب عمرو زيداً، وهذا ممتنع ما خرجنا عن الأصل، لا بد أن يتلو إذا اسم -جملة اسمية-، وحينئذٍ لا بد من رفعه، ثم إذا ألغي الضمير لا بد من تقدير مفعول به غير الأول، إذاً خرجت عن باب الاشتغال وإنما تذكر هنا من باب تتميم القسمة فحسب. فلا يجوز نصب زيد؛ لأن إذا الفجائية لا يليها فعل ولا معمول فعل، لأنه لو تلاها معمول فعل هو في قوة تقدم الفعل، بل هو الظاهر، وقيل: هذه المسألة من هذا الباب، ولذا عدها الناظم هنا؛ لأن العامل صالح للعمل في الاسم السابق لذاته، والمنع من عمله لعارض، نقول: لا، هذا فيه تكلف، والصواب أن المنع لذاته، لأننا نتكلم عن تركيب معين، لا نتكلم عن معنى ثم نوجد له تراكيب لا، التركيب موجود، نطقنا به: فإذا زيد، وحينئذٍ هل ينطبق عليه حد الاشتغال أو لا؟ نقول: لا ينطبق عليه، فلم يوجد أولاً حد الاشتغال ثم وجدت التراكيب، لا، العكس هو الصواب، التراكيب موجودة، ثم وجد حد الاشتغال فنطبق وننزل حد الاشتغال على التراكيب، وحينئذٍ نقول: التركيب سابق والحد لاحق، هذا هو الظاهر. وَإِنْ تَلاَ: يعني تبع الاسم. السَّابِقُ مَا: شيئاً أداة. بِالِابْتدَا يَخْتَصُّ فالرَّفْعَ الْتَزِمْهُ أَبَدَا كَذَا: أي مثل هذه المسألة في التزام الرفع. إِذَا الْفِعْلُ تَلاَ مَا لَمْ يَرِدْ ... مَا قَبْلُ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ كَذَا إِذَا الْفِعْلُ تَلاَ مَا لَمْ يَرِدْ: الْفِعْلُ ما إعرابه؟ الْفِعْلُ فاعل، ما دليله؟ إذا لا يليها إلا الفعل. إذاً: إذا تلا الفعل تلا، إذا تلا الفعل مَا: شيئاً، مَا لَمْ يَرِدْ مَا قَبْلُ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ: يعني: لا يعمل ما بعده فيما قبله، وحينئذٍ نقول: إذا وقع الاسم بعد أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها فحينئذٍ تعين رفع الأول، لماذا؟ لأن ما لا يعمل لا يفسر عاملاً، إذا لم يعمل فيه كيف نفسر العامل الذي يكون منصوباً، بماذا نفسره! فإذا تعذر العمل تعذر التفسير، فكلاهما مبني بعضه على بعض. كَذَا إذَا الْفِعْلُ: يعني المشتغل عنه. تَلاَ: تبع أداة. لَمْ يَرِدْ مَا قَبْلُ: ما قبله يعني، مَا: فاعل، قَبْلُ، قبله مَعْمُولاً هذا حال من فاعل يَرِدْ. لِمَا بَعْدُ وُجِدْ: لما وجد بعده، فما وجد بعد الأداة لا يكون عاملاً فيما قبله، فانتفى أن يكون الاسم المتقدم معمولاً لما بعد الأداة. قال الشارح: أشار بهذين البيتين إلى القسم الثاني وهو ما يجب فيه الرفع، فيجب رفع الاسم المشتغل عنه إذا وقع بعد أداة تختص بالابتداء، كـ (إذا) التي للمفاجأة، خرجتُ فإذا زيدٌ يضربه عمرو برفع زيد، ولا يجوز نصبه؛ لأن (إذا) هذه لا يقع بعدها الفعل لا ظاهراً ولا مقدراً.

وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا ولي الفعلَ المشتغلَ بالضمير أداةٌ، لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، كأدوات الشرط، والاستفهام، و (ما) النافية، والتحضيض، والعرض، ولام الابتداء، وكم الخبرية، والحروف الناسخة، والأسماء الموصولة، والاسم الموصوف بالعامل المشغول، وبعض حروف النفي، وأسماء الأفعال، وفاء السببية، هذه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها نحو: زيد إن لقيته فأكرمه، زيد هذا يمتنع أن يكون منصوباً، هناك: إن زيداً لقيته. انتبه. إن زيداً تقدم العامل على الاسم، هنا العكس تقدم الاسم على العامل: زيدٌ إن لقيته، لو حذف الضمير لقيتُ هل ينتصب زيد بـ لقيت؟ هل يصح أن نقول: زيداً إن لقيت فأكرمه؟ لا يصح، لأن (إن) من أدوات الشرط، وأدوات الشرط لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، لا يصح، وإذا كان كذلك لا يصح أن يفسر عاملاً قد عمل في الاسم المتقدم، فحينئذٍ يتعين أن يكون زيد مرفوعاً بالابتداء وما بعده الجملة في محل رفع خبر المبتدأ، ولا يجوز نصبه البتة، لأنه وقع بعده أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. ولا يجوز نصبه، يجب رفعه؛ لأن ما لا يصلح أن يعمل فيما قبله لا يصلح أن يفسر عاملاً فيما قبله، وإلى هذا أشار بقوله: كَذَا إذَا الْفِعْلُ تَلاَ .. إلى آخره، أي: كذلك يجب رفع الاسم السابق إذا تلا الفعل شيئاً لا يرد ما قبله معمولاً لما بعده، ومن أجاز عمَل ما بعد هذه الأدوات في ما قبلها، فقال زيداً ما لقيت، أجاز النصب مع الضمير بعامل مقدر فيقول: زيداً ما لقيت لكنه مرجوح لما ذكرناه سابقاً. إذاً: هاتان المسألتان تحت القسم الثاني: وهو ما يجب فيه رفع الاسم المتقدم، ونقول: الصواب إسقاطه من باب الاشتغال، لانتفاء شرط الاشتغال وهو أنه إذا أسقط الضمير تسلط العامل على الاسم المتقدم فنصبه، وهذا ممتنع هنا في هاتين المسألتين. وَاخْتِيرَ نَصْبٌ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ ... وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ عَلَى ... مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ هذا ما يجوز فيه الوجهان ويترجح النصب، لأنه قال: اخْتِيرَ، اختُورَ، اخْتِيرَ هذا فعل ماضي مغير الصيغة. إذاً: نَصْبٌ: هذا نائب فاعل. وَاخْتِيرَ نَصْبٌ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ: أي رجح النصب على الرفع في ثلاث مسائل سيذكرها الناظم رحمه الله تعالى. أولاً: إذا تلا الاسم ما دل على الطلب. زيداً اضربه، قلنا أولاً: زيد ضربته، واضح أن ضربت هذا فعل وفاعل وليس بطلب، لكن لو كان طلباً أو ما يدل على الطلب وهو عام كما سيأتي حينئذٍ يترجح النصب. فيجوز فيه الوجهان: زيداً اضربه، زيدٌ اضربه، إن رفعت فهو مبتدأ والجملة بعده خبر. وسبق معنا أنه يجوز إيقاع الجملة الطلبية خبراً عن المبتدأ في قول الجمهور، مع كون الأصل أن تكون الجملة خبرية وهي محتملة للصدق والكذب.

ويجوز: زيداً اضربه، والتقدير: اضرب زيداً اضربه، فهو مفعول به لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور، ولكن يترجح النصب هنا فراراً عن مخالفة القياس ومخالفة من خالف في المسألة، فالأرجح أن يقال: زيداً اضربه؛ لأنه لا إشكال، ليس عندنا إشكال لا من جهة المخالف من النحاة، ولا من جهة مخالفة القياس، أما إذا قيل: زيدٌ اضربه وقعنا في مشكلة، وهي أن بعضهم يمنع إيقاع الجملة الطلبية خبراً عن المبتدأ، هذا واحد. ثانياً: الأصل والقياس أن تكون جملة الخبر جملة خبرية محتملة للصدق والكذب، فحينئذٍ وقوع الجملة الخبرية طلبية مخالف للقياس، فترجح النصب لهذه الحيثية. وَاخْتِيرَ نَصْبٌ: أي اختير نصب إذا وقع اسم الاشتغال قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ، والمراد بذي طلب يعني صاحب طلب، المراد به هنا: الأمر والنهي والدعاء. زيداً اضربه أمر، زيداً لا تضربه نهي، زيداً ليضربه عمرو أمر بواسطة، اضربه هذا أمر مباشرة، زيداً ليضربه عمرو، هذا أمر وكذلك بَعْدَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ، فحينئذٍ دل على الطلب بلام الأمر، فليس خاصاً باضربه. زيداً ليضربه عمرو، زيداً لا تضربه، اللهم عبدك ارحمه، ارحمه دعاء، فعل دعاء، اللهم عبدك لا تؤاخذه، دعاء أيضاً، وزيداً غفر الله له، هذا خبر في معنى الطلب. إذاً قوله: ذِي طَلَبْ: عام، بَعْدَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ عام يشمل ما كان طلباً بذاته بنفسه أو بواسطة، ويشمل ما كان بصيغته خبراً وفي المعنى طلب، مثل: زيداً غفر الله له، يعني: اغفر، اللهم اغفر لزيد هذا الأصل. وهذا عام سواء كان الطلب طلب فعل أو طلب ترك، باللفظ والمعنى كان الطلب، أو بالمعنى فقط، هذا مثل زيداً غفر الله له، هذا طلب بالمعنى فقط دون اللفظ، فحينئذٍ يدخل فيه ما كان بصيغة الخبر، والمعنى المراد به الطلب. وخرج ما صورته صورة الطلب ومعناه خبر. محمد أجمِل به، هذا صورته صورة الطلب لكنه معناه معنى الخبر، لأن أجمل وإن كان على صيغة فعل أمر إلا أنه فعل ماضي، فليس داخلاً في قوله: ذِي طَلَبْ، يستثنى منه التعجب إذا كان بصيغة أفعِل. وَاخْتِيرَ نَصْبٌ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ قَبْلَ: هذا متعلق باخْتِيرَ، اخْتِيرَ نَصْبٌ، يعني للاسم السابق. قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ ذِي: بمعنى صاحب، صاحب طلب، فهو عام يشمل كل ما ذكرناه. قال الشارح: إذا وقع بعد الاسم فعل دال على طلب، -يعني بالصيغة أو بالأداة- كالأمر والنهي والدعاء، وهذا المراد في هذا الباب بالطلب، زيداً اضربه وزيداً لا تضربه وزيداً رحمه الله، فيجوز رفع زيد ونصبه، والمختار النصب، لأننا لو رفعناه لجعلنا الجملة الطلبية خبراً عن المبتدأ، وهذا خلاف القياس، ثم خروجاً من الخلاف. والمسألة الثانية مما يختار فيه النصب: وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ يعني: إذا وقع الاسم بعد أداة يغلب دخولها على الفعل. قلنا: الأدوات منها ما يختص إما بالفعل وإما بالاسم، عرفنا حكمهما، وإما أنه يجوز دخولهما على النوعين، إلا أنه يكثر ويغلب دخولها على الفعل دون الاسم أو العكس، ما كثر دخوله على الفعل حينئذٍ إذا جاء الاسم بعدها رجحنا النصب باعتبار أن الأكثر يتلوها فعل. وَبَعْدَ: أي اختير نصب قبل وبعد، بَعْدَ هذا معطوف على قَبْلَ.

وَبَعْدَ مَا: مَا يعني أداة. إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ: إِيلاَءُ هذا مبتدأ، وغَلَبْ؟؟؟، إِيلاَءُ هذا يتعدى إلى مفعولين، أضيف هنا إلى مفعول من المفعولين، والْفِعْلَ مفعول ثاني أو أول؟ محيي الدين يراه مفعول ثاني، إِيلاَؤُهُ حينئذٍ يكون الضمير أضيف إلى المفعول الثاني، إِيلاَءُ مصدر أضيف إلى مفعوله الثاني، والْفِعْلَ مفعول أول، أو العكس: إِيلاَؤُهُ أضيف إلى المفعول الأول، والْفِعْلَ هذا مفعول ثاني، هذا جرى عليه محيي الدين، لكن الصواب العكس: إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ، الْفِعْلَ هذا مفعول أول، لأنه في المعنى فاعل، وسبق معنا في الباب السابق أن ما كان في معنى الفاعل وهو مفعول به هذا هو الذي يكون الأول ولا يكون الثاني، في باب أعطى وكسى وأعلم، أعلمتُ زيداً عمراً بكراً، نقول: الأول هو فاعل في المعنى، وهنا الذي يلي مَا إِيلاَؤُهُ غَلَبْ، ما الذي يكثر إيلاء الحرف منه؟ هو الفعل، فالفعل حينئذٍ يكون فاعلاً في المعنى. بَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ: يعني غلب إيلاء الفعل له، فصار الفعل مفعول أول، لأنه فاعل في المعنى، هذا أولى، فيكون إِيلاَؤُهُ الضمير هذا هو المفعول الثاني والْفِعْلَ مفعول أول. وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ: أي بعد ما الغالب عليه أن يليه فعل، وهو أربعة أشياء، الذي يدخل على الاسم ويغلب دخوله على الفعل أربعة أشياء: همزة الاستفهام و (ما) و (لا) و (إن) النافيات، أربعة: (ما) النافية، و (إن) النافية و (لا) النافية وهمزة الاستفهام، ما زيداً لقيته، ما: نافية، زيداً زيدٌ يجوز الوجهان؛ لأن (ما) هذه ليست خاصة بالفعل أو خاصة بالاسم حتى يتعين الرفع أو النصب، فيجوز الوجهان لجواز دخوله على النوعين، لكن نرجح النصب، لأن أكثر دخول (ما) على الفعل، أكثر ما تدخل (ما) على الفعل، ومثلها الهمزة، لا زيداً ضربته ولا عمرو، لا زيداً ضربته، لا زيد لا زيداً، يجوز الوجهان، لكن يترجح النصب؛ لأن الفعل أكثر ما يكون بعد (لا)، إن زيداً ضربته، إن: هذه نافية، يعني: ما زيداً ضربته في قوة (ما). زاد بعضهم: حيث المجرد من (ما) نحو: اجلس حيث زيداً ضربته، هذه (ما) إذا دخلت على حيث تعين أن تكون شرطية، وأما إذا لم تدخل لا. اجلس حيث زيداً ضربته، فكثر دخول حيث على الفعل. إذاً: وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ: يعني بعد ما الغالب عليه أن يليه فعل وهو أربعة كما ذكرناه. وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ عَلَى ... مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ قال الشارح: وكذلك يُختار النصب إذا وقع الاسم بعد أداة يغلب أن يليها الفعل كهمزة الاستفهام: أزيداً ضربته؟ بالنصب والرفع، والمختار النصب، فإن فصلت الهمزة فالمختار الرفع: أأنت زيد ضربته؟ أأنت زيد تضربه؟ إلا في نحو: أكلَّ يوم زيداً تضربه، هنا فصل بين الهمزة والاسم، لكن بالظرف، قالوا: هذا مغتفر يتوسع فيه. وأما: أأنت زيداً تضربه؟ أأنت زيدٌ تضربه؟ نقول: هنا الرفع أرجح. وقال الأخفش: أخوات الهمزة كالهمزة، نحو: أيهم زيداً ضربه؟ إذاً سوى بين المسائل كلها، لم يجعل الحكم خاص بالهمزة، والصواب أن الهمزة هي التي يكثر دخولها على الفعل وما عداه على الأصل.

وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ عَلَى ... مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ وَبَعْدَ عَاطِفٍ: بَعْدَ هذا معطوف على قوله: وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ، على المتأخر. وَبَعْدَ عَاطِفٍ: يعني بعد حرف عاطف، ولو غير الواو وإن كان الأشهر هو الواو، وسوى بعضهم الفاء بها. وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ: يعني بلا فاصل بينه وبين الاسم الاشتغال، يعني: أن يقع الاسم السابق بعد حرف عطف، وعمرو وزيد وقع بعد حرف عطف، معطوف هذا على جملة مَعْمُولِ فِعْلٍ، يعني معطوف على جملة فعلية، قام زيد وعمرو، عمرو -هذا الشاهد- بَعْدَ عَاطِفٍ وقع الاسم المشغول عنه بعد عاطف، وعمرو أكرمته، عمرو أكرمته هذا من باب الاشتغال أو لا؟ باب الاشتغال ما جاز فيه الوجهان ولو ترجح الرفع، عمرو أكرمته نقول: من باب الاشتغال؛ لأنك لو أسقطت الهاء الضمير نصبت الأول، وعمراً أكرمته، وعمراً أكرمت، أكرمت عمراً، وعمراً أكرمت إذاً من باب الاشتغال ولو رفعت، وعمرو أكرمته، إذاً: قام زيد وعمرو أكرمته، نقول: وَبَعْدَ عَاطِفٍ أي: وقع الاسم وهو عمرو في المثال بعد عاطف. بِلاَ فَصْلٍ: لم يأت فاصل بين الواو وبين الاسم المتقدم. عَلَى مَعْمُولِ فِعْلٍ: هنا على تقدير: على جملة معمول فعل مستقر، يعني الفعل أو الجملة المعطوف عليها لم تقع خبراً عن مبتدأ، احترازاً من الجملة الكبرى ذات الوجهين. قام زيد وعمرو أكرمته، هذا المثال الذي ينطبق عليه ما ذكرناه، وحينئذٍ نقول: وعمرو يجوز فيه الوجهان: الرفع والنصب، ويترجح النصب على الرفع؛ لأنك لو رفعت قلت: قام زيد وعمرو أكرمته، عطفت جملة اسمية على جملة فعلية، وهذا حصل فيه تخالف. وإذا نصبت: وعمراً أكرمته، وأكرمت عمراً، إذاً: عطفت فعلية على فعلية، وهذا مناسب أن يعطف فعلية على فعلية، التوافق في التعاطف أولى، التناسب في التعاطف أولى من التخالف، وحينئذٍ يرجح النصب على الرفع. وَبَعْدَ عَاطِفٍ: يعني حرف عاطف ولو غير الواو. بِلاَ فَصْلٍ: بينه وبين الاسم المتقدم احترازاً به من نحو: قام زيد، وأما عمرو فأكرمته، قام زيد وأما عمرو، فصل بين الواو وعمرو بـ (أما)، هنا قال: بِلاَ فَصْلٍ احترازاً من هذه المسألة، فإنها حينئذٍ يترجح فيها الرفع على النصب، إذا فصل بين الواو والمعطوف، أو الاسم المتقدم -المشغول عنه-، إذا فصل بين الحرف -حرف العطف- والمعطوف بـ (أما)، وحينئذٍ: قام زيد وأما عمرو أكرمته يترجح فيه الرفع. فالرفع فيه أجود ما لم يرجِّح النصب مرجِّح، فيما إذا وقع ما بعده جملة طلبية: قام زيد وأما عمرو فأكرمه، وأما عمرو فأكرمه أو: وأما عمراً فأكرمه؟ عمراً بالنصب. وَاخْتِيرَ نَصْبُ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ. إذاً: دل على أن: فأكرمه، مرجِّح للنصب على الرفع، إذا لم يكن فيه مرجح للنصب فالرفع أرجح. فالرفع فيه أجود ما لم يرجِّح النصب مرجِّح، كوقوع الاسم قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ، كأكرم زيداً وأما عمراً فأهنه.

قال الرضي: ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إلا مع أما، لكونها في غير محلها لأنه يرد إشكال: قام زيد وأما عمرو فأكرمه، وأما عمراً فأكرمه بالنصب، قلنا: الفاء هذه سببية، أو الواقعة في جواب الشرط، وكلاهما على هذا أو ذاك لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، فكيف حينئذٍ نقول: وأما عمراً بالنصب؟ نقول: فاء السببية أو الشرطية الواقعة في جواب الشرط لا يعمل ما بعدها فيما قبلها إذا وقعت في محلها، وأما إذا لم تقع في محلها كهذا المثال حينئذٍ نقول: خرجت عن هذا الضابط؛ لأن الأصل في الفاء أن تلي (أما)، هذا الأصل فيها، فحينئذٍ إذا زحلقت لتحسين اللفظ قيل: هذه لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، ولذلك قال الرضي: ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إلا مع (أما) لكونها في غير محلها، أو إذا كانت زائدة، فإن لم يكن كذلك فالرفع أجود، لأن الكلام بعد (أما) مستأنف مقطوع عما قبله. إذاً قول الناظم: وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ هذا احتراز مما إذا فصل بين الواو والاسم المتقدم (أما)، حينئذٍ يترجح الرفع، فتقول: قام زيد وأما عمرو أكرمته، إذا وجد مرجح للنصب للاسم الواقع بعد (أما) حينئذٍ نقول: يترجح النصب على الرفع، قام زيد وأما عمراً فأكرمه، إذاً: وجد مرجح للنصب على الرفع. يرد إشكال: كيف يفسَّر العامل المتقدم في عمراً والعامل المتأخر قد وقع بعد فاء السببية أو فاء واقعة في جواب الشرط؟ نقول: هذه ليست في محلها، وحينئذٍ نقول: إذا حكمنا بكونها ليست في محلها لا يعطى حكمها الأصلي، أو نحكم عليها بأنها زائدة. بِلاَ فَصْلٍ عَلَى مَعْمُولِ فِعْلٍ: احترز به من العطف على جملة ذات وجهين، وهذا سيأتي أنه يجوز فيها الوجهان، والجملة ذات الوجهين هي ما كانت جملة اسمية وخبرها جملة فعلية، زيد قام أبوه، هذا سيأتي فيما يجوز فيه الوجهان. والذي معنا الآن: قام زيد، جملة فعلية بحتة، ولذلك قال: عَلَى مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ، يعني: غير مبني على اسم، متأصل، ليس متمماً لغيره، بخلاف: زيد قام أبوه، لو عطف على قام أبوه نقول: هذا غير مستقر، لماذا؟ لأنه بني على اسم قبله، لأنه جُعل خبراً لمبتدأ، وأما: قام زيد وعمرو نقول: هذه قام زيد ليس مبنياً على سابق، بل هو مستقر، يعني متأصل لوحده. أَوَّلاَ: يعني سابق فلم يسبقه شيء. وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ عَلَى ... مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ أَوَّلاَ: هذا ظرف متعلق بمستقر، احترز به من العطف على جملة ذات وجهين أي: معطوفاً على جملة مصدرة بالفعل، هذا المقصود هنا، جملة مصدرة بالفعل. فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ: الفعل هو الأول وليس محمولاً على غيره، بخلاف زيد قام أبوه، فليست من هذه المسألة كما سيأتي. قال الشارح: وكذلك يُختار النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية. إذاً قول الناظم هنا: على معمول فيه تجوّز، فيه تساهل، وإلا الأصل: على جملة معمول؛ لأنك إذا عطفت عمرو هل تعطفه على قام زيد أو على زيد فقط؟ على قام زيد، ليس على زيد فحسب، لماذا؟ لأننا رجحنا النصب لتوافق المعطوف والمعطوف عليه، تعطف جملة على جملة، لو رفعت لعطفت جملة اسمية على فعلية.

إذاً: إذا رجحنا النصب لكونه عطف جملة على جملة إذاً قوله: عَلَى مَعْمُولِ وهو مفرد واحد فيه تجوز، لا بد من حذف مضاف، على جملة معمول فعل، وحينئذٍ لا فائدة من ذكر المعمول؛ لأن كل فعل لا بد له من معمول. إذاً قوله: عَلَى مَعْمُولِ فِعْلٍ أي: على جملة معمول، ولذلك قال الشارح: تقدمته جملة فعلية ولم يفصل بين العاطف والاسم، قام زيد وعمراً أكرمته، قام زيد: جملة فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلاَ لم يحمل على غيره، لم يجعل خبراً لمبتدأ، بل هو أول ما فتح به الكلام. وعمراً، هذا اسم وقع بعد عاطف بلا فصل، تلاه مباشرة، أكرمته، يجوز رفع عمرو ونصبه، يجوز فيه الوجهان، والمختار النصب، وحينئذٍ لتُعطف جملة فعلية على جملة فعلية، والتناسب في العطف أولى من التخالف، فلو فُصل بين العاطف والاسم كان الاسم كما لو لم يتقدمه شيء، لأن (أما) تقطع ما بعدها عما قبلها، يكون الكلام مستأنف، قام زيد وأما عمرو، الواو واو الاستئناف، ليست بعاطفة إلا على تقدير، وحينئذٍ نقول: فصلت (أما) ما بعدها عما قبلها، فالكلام مستأنف جديد. نحو: قام زيد وأما عمرو فأكرمته، فيجوز رفع عمرو ونصبه، والمختار الرفع؛ لأن الكلام بعد (أما) مستأنف مقطوع عما قبله، وتقول: قام زيد وأما عمراً فأكرمه، فيختار النصب كما تقدم، لأنه وقع قبل فعل دال على الطلب، وهذه الحالة هو القسم الثالث. ونقف على هذا. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

50

عناصر الدرس * متى يجوز الوجهان في الإسم المتقدم؟ * متى يترجح رفع الإسم المتقدم؟ * أحوال الضمير المشغول به * قد يكون الوصف عاملاَ مشغولا به * اتصال الضمير بتابع الإسم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم: اشْتِغَالُ العَامِلِ عَنِ المَعْمُولِ، وعرفنا أن هذا الباب إنما وسطه بين المرفوعات والمنصوبات لأنه يشمل بعضاً من المرفوعات وبعضاً من المنصوبات، يعني: بعضه مرفوع وبعضه منصوب، بعضه مرفوع إما على جهة الوجوب، وإما على جهة الرجحان، وبعضه منصوب إما وجوباً وإما رجحاناً. عرَّفه بقوله: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمَحَلّ وعرفنا أن قوله: عَنْهُ؛ المراد بالضمير هنا الاسم السابق، وأما بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمَحَلّ، فاللفظ والمحل للاسم السابق على الصحيح، للاسم السابق لا للمضمر، لأنَّ نصبه محلي أبداً، هذا ما ذهب إليه ابن هشام في التوضيح وكذلك الأشموني، وهو الظاهر المناسب؛ لأن الضمير لا يقال فيه أنه مجرور أو أنه منصوب، إنما يقال: في محل نصب، ولذلك في قوله: بِنَصْبِ لَفْظِهِ: أي بنصب لفظ الاسم السابق كزيداً ضربته. أَوِ الْمحَلّ: يعني محل الاسم السابق ينصب، مثل هذا ضربته، ووجه بعضهم بِنَصْبِ لَفْظِهِ أي: نصب لفظ المضمر، بِنَصْبِ لَفْظِهِ أي: لفظ ذلك المضمر، أَوِ الْمَحَلّ يعني: محل ذلك المضمر، وحينئذٍ يحتاجون إلى تأويل، فمرادهم إذا قيل: كيف ينصب لفظ المضمر! قالوا: لا، إذا تعدى إليه بنفسه حينئذٍ نصبه لفظاً، هذا كناية، ضربته هاهنا منصوب لفظاً؛ لأن الفعل تعدى إليه بنفسه، فإذا تعدى إليه بغيره بواسطة حرف: مررت به؛ قالوا: هنا منصوب محلاً، وهذا فيه نوع تكلف، وهو الذي سار عليه ابن عقيل وغيره من الشراح، المكودي مشى على الأول وجوز الثاني. إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ: إن ضمير اسم سابق. فِعْلاً شَغَلْ: شغل ذلك المضمر. عَنْهُ: عن الاسم السابق. بِنَصْبِ لَفْظِهِ: أي الاسم السابق أو المحل. فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ: قلنا: الصواب أنه منصوب بفعل مضمر وجوباً يفسره المذكور، فهو موافق له في اللفظ والمعنى أو في المعنى دون اللفظ، لأنه قد يتعين ألا يفسر بالمذكور، مثل: زيداً مررت به، مرَّ هذا لا يتعدى بنفسه، فلا يقال: مررت زيداً إلا على الشذوذ كما سيأتي، مررت زيداً لا يصح، فحينئذٍ كيف نفسره ونحن نقول: لا بد أن يكون مضمراً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا، موافق له، نقول: نعم، قد يكون موافقاً له في المعنى دون اللفظ، جاوزت زيداً مررت به، إذاً: مرَّ وجاوز بمعنىً واحد. هذا الاسم السابق قلنا: له خمسة أحوال: إما أنه يجب نصبه -لازم النصب-، وإما أنه جائز النصب، وإما أنه لازم الرفع، وإما أنه جائز الرفع، وإما أنه مستوٍ في الطرفين، يعني: يجوز نصبه ورفعه على سواء دون ترجيح. قال الناظم: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا ... يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ كَإِنْ وَحَيْثُمَا هذه المسألة الأولى، والأبيات في هذا الباب تحتاج إلى أن إعادة النظر فيها من جهة الإعراب من أجل ضبطها، وإلا فيها نوع ركة.

وَالنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا ... يَخْتَصُّ: هذه المسألة الأولى وهي وجوب النصب، متى؟ إن تلا الاسم السابق أداة تختص بالفعل، وحينئذٍ ما يختص بالفعل لا يليه إلا فعل، سواء كان ملفوظاً به أو مقدراً، وهنا يكون مقدراً؛ لأن الاسم المنصوب السابق فعله واجب الحذف، فلزم أن يكون مقدراً. لا يختص بالفعل ولا يدخل على الاسم، قلنا: هذه أربعة أنواع: أدوات الشرط وأدوات الاستفهام، وهذه خاصة بالشعر، لا يقع الاسم بعدها منصوباً على الاشتغال إلا في الشعر خاصة إلا إذا مطلقاً وإن بماض، وما عداها فلا، كذلك أسماء الاستفهام. وهنا يرد السؤال -كما أورده البعض-: كيف نقول أدوات الاستفهام خاصة بالفعل ونحن نقول: أين زيد، لأننا مثَّلنا أين زيداً وجدته؟ قلنا: زيداً هذا واجب النصب، وجدته: عمل في ضمير يعود على السابق، لماذا وجب النصب؟ لوقوعه بعد أداة لا يليها إلا الفعل، ونحن نقول: أين زيد؟ زيد: مبتدأ مؤخر، وأين: خبر مقدم، هل هذا تعارض؟

أين زيد؟ ليس عندنا فعل هنا، لم تختص بالفعل، هي نفسها خبر، فهي جملة اسمية، وهنا: أين زيداً وجدته؟ نقول: الجواب عن هذا سهل، وهو أن اختصاص أسماء الاستفهام بالفعل إذا ذكر الفعل، وأما إذا لم يذكر الفعل فلا، ليست خاصة بالفعل، وإنما لها فلسفة عند النحاة والبيانيين، هي خاصة بالفعل إذا ذكر، ولذلك يقال: هل زيد قائم؟ هنا دخلت على جملة اسمية، هل قام زيد؟ فعلية، هل زيد قام؟ هذا ليس فصيح، على جعل زيد مبتدأ وقام خبر ليس بفصيح، بل يُلَحَّن ويُغَلَّظ عند البيانيين، لماذا؟ لأن (هل) إذا وجد الفعل في حيزها حينئذٍ اختصت به ولا يفصل بينها وبين الفعل فاصل البتة، فيتعين لتخريج هذا التركيب أن نقول: زيد فاعل لفعل محذوف، هل قام زيد قام؟ إذاً: هل زيد قام كيف تعربه؟ نقول: هل: حرف استفهام، وزيد: فاعل لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور، لماذا قدرناه فاعل لفعل محذوف؟ لأن (هل) إذا وجد الفعل اختصت به، حينئذٍ قوله: سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ؛ قلنا: هذا مثَّل به للمشترك، المثال الصحيح في المشترك: هل زيد قائم؟ دخلت على الجملة الاسمية، هل قام زيد؟ دخلت على الجملة الفعلية، أما هل زيد قام؟ غلط، إلا على تأويل أن يكون زيد فاعل للفعل محذوف، وحينئذٍ اختصاص أدوات الاستفهام بالفعل نقول: إذا وجد في حيزها، يعني: ذكر لفظ الفعل في الجملة التي بعدها، فلا يجوز أن يفصل بين (هل) والفعل البتة إلا على ما ذكرناه، وحينئذٍ يليها الفعل إما لفظاً: هل قام زيد، وإما تقديراً: هل زيد قام، إذاً: لا إشكال في قولنا: بأن أدوات الاستفهام مما يختص بالفعل، هذا مقيد بما إذا ذكر الفعل، وأما إذا لم يذكر حينئذٍ نقول: تدخل على الجملة الاسمية، ولذلك وفاقاً عند النحاة أنهم إذا مثلوا للحرف المشترك مثلوا بـ (هل)، ثم إذا جاءوا في هذا الموضع قالوا: هل زيداً ضربته، قالوا: يجب النصب هنا؛ لأن الاسم المتقدم تلا ما يختص بالفعل، وهذا ليس بتعارض ليس بتناقض، هل زيد قائم؛ دخلت على جملة اسمية ولا إشكال، هل قام زيد؛ دخلت على جملة فعلية، هل زيداً ضربته، حينئذٍ نقول: هذا من باب الاشتغال، فالاسم المتقدم تقدم عليه أداة تختص بالفعل، كيف تختص بالفعل وهي؟؟؟، نقول: هل زيد قائم؟ نقول: لوجود الفعل وهو ضربت، فلما وجد الفعل دل على أن (هل) هنا متمحضة للفعلية، فهي خاصة به، فلا يلتبس هذا بذاك. إذاً: أدوات الاستفهام هل هي من خصائص الفعل؟

نعم، أدوات الاستفهام هنا في هذا الباب نقول: من خصائص الفعل، كيف نقول من خصائص الفعل، بمعنى أنه لا يليها إلا فعل، أين زيداً لقيته؟ هل زيداً ضربته؟ نقول: هذه في هذا المقام لوجود الفعل بعدها تعين أن تكون أدوات الاستفهام -غير الهمزة-، أدوات الاستفهام خاصة بالفعل، وأما هناك: سِوَاهُمَا الْحَرْفُ كَهَلْ؛ نقول: هناك نمثل بـ (هل) للمشترك بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية، لكن لا نمثل إلا بما هو خالص الجملة الاسمية، هل زيد قائم؟ ولا نقول: هل زيد قام مثال للجملة الاسمية، زيد قام، نقول: مبتدأ وخبر لا إشكال، مبتدأ زيد، وقام الجملة خبر، لكن إذا دخلت عليها (هل) ليست اسمية، بل هي فعلية، هل زيد قام؟ زيد: فاعل لفعل محذوف، لماذا نقدر؟ لأن (هل) هنا وجد في حيزها الفعل فتخلصت له، فهي مختصة به إذا وجد، إذا لم يوجد حينئذٍ صارت داخلة على الجملة الاسمية والجملة الفعلية، إذاً: لا تعارض. إذا تلا الاسم المتقدم ما يختص بالفعل تعين نصبه، لماذا؟ لئلا نخرج هذه الألفاظ –الأدوات- الخاصة بالفعل عما وضعت له في لسان العرب. وَإنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا بِالاِبْتِدَا ... يَخْتَصُّ فالرَّفْعَ الْتَزِمْهُ أَبَدَا هذا خاص بالقسم الثاني، وهو ما وجب فيه النصب، وقلنا: الصواب إخراجه من باب الاشتغال، وإنما ذكره الناظم وغيره، ابن الحاجب لم يذكره أصلاً في الكافية، لمَّا ذكره غيره من باب تتميم القسمة فحسب؛ لأن المحتمل من جهة الصناعة النحوية الاسم المتقدم خمسة أوجه، منها وجوب الرفع وإن لم يكن من باب الاشتغال فلا إشكال. متى يجب رفعه؟ في مسألتين: الأولى: وَإنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا بِالاِبْتدَا، أن يتبع الاسم السابق ما يختص بالابتداء، كـ (إذا) الفجائية.

الثاني: إذا تلا الاسم -وقع بعد الاسم- أدوات لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، نقول: هذا خاص بالرفع، إن وقع بعد الاسم ما لا يعمل ما بعده في ما قبله وجب الرفع، مثل لام الابتداء مثلاً، لام الابتداء لا يعمل ما بعدها في ما قبلها حينئذٍ يتعين الرفع، في هاتين المسألتين يجب الرفع، زيد إن لقيته فأكرمه، زيد إن لقيته، زيدٌ: مبتدأ، زيداً إن لقيته، زيداً: هذا غلط، لا يجوز، لا يجوز أن نقول: زيداً إن لقيته، لماذا؟ لأن الاسم هنا تلاه (إن)، و (إن) حرف شرط، وأدوات الشرط لا يعمل ما بعدها في ما قبلها فلا يفسر عاملاً، فيجب حينئذٍ الرفع، فإذا وجب الرفع نقول: الأصل أنه خرج من باب الاشتغال بالكلية، والصبان في الحاشية ينافي هذا، يقول: لا، بل بقي على أصله، وعدم جواز النصب لعارض، عدم جواز النصب هنا لعارض، فحينئذٍ لا لذاته: زيداً لقيته، وإنما لعارض وهو دخول (إن) بعد زيد، فتعين الرفع، لكن هذا ليس بجيد، لماذا؟ لأننا كما ذكرنا أن الاشتغال حقيقته فرع، التراكيب هي الأصل، وحينئذٍ نقول: زيد إن لقيته؛ هذا التركيب هل هو من باب الاشتغال أو لا؟ نطبق عليه حد الاشتغال: وهو أنه إذا فرِّغ العامل عن الضمير هل ينصب الاسم المتقدم أو لا؟ زيدٌ إن لقيتَ؛ هل إذا أسقطنا الضمير يتعدى الفعل فينصب زيد؟ نقول: لا، إذاً: ليس من باب الاشتغال، وأما التقريرات الذهنية والتجويزات العقلية هذه لا حدود لها، وإنما العبرة بالألفاظ نفسها، وحينئذٍ نقول: الصواب ما رجحه ابن هشام رحمه الله تعالى وابن الحاجب أنه يجب إسقاط هذا القسم من باب الاشتغال. وبعضهم كذلك في ما تعين نصبه، يعني: إذا تعين نصبه حينئذٍ لا يجوز فيه الرفع، وباب الاشتغال يجوِّز الأمرين، وإن كان الأصل فيه النصب إلا أنه لا يمنع الرفع، زيدٌ ضربته زيداً ضربته، يجوز فيه الوجهان وإن ترجح الرفع، زيدٌ اضربه زيداً اضربه؛ يجوز فيه الوجهان، هذا الأصل في باب الاشتغال، فما تعين نصبه أو تعين رفعه الأصل أنه ليس من باب الاشتغال، لكن الأكثر على منع الرفع دون النصب؛ لأن الأصل في باب الاشتغال هو أنه ينصب، ولذلك لم يتعرضوا إلى إخراج هذه الأمثلة إلا بعضهم على قلة، أن ما وجب فيه النصب وجب إخراجه من باب الاشتغال، فيتعين حينئذٍ ثلاث مسائل في باب الاشتغال: وهو ما جاز فيه الوجهان على السواء، أو ترجح الرفع مع جواز النصب، أو العكس، ثلاثة مسائل فحسب هي الخاصة بباب الاشتغال، أما ما وجب نصبه فهو خارج، وما تعين رفعه فهو خارج. إنْ تَلاَ السَّابِقُ: إن تبع السابق. مَا: أداة. يَخْتَصُّ: بالابتداء، كـ (إذا) الفجائية. فالرَّفْعَ الْتَزِمْهُ: التزم الرفع –فوجب-. أَبَدَا: في مدة الزمان المتقدم على جهة التأبيد، لا يكون في حال من الأحوال منصوباً، إذاً: خرج عن الأصل. كَذَا أي: مثل السابق في التزام الرفع. إذَا الْفِعْلُ: يعني: إذا تلا الفعل. مَا: أداة.

لَمْ يَرِدْ مَا: لم يرد ما قبله معمولاً لما بعده، وهذه قلنا اثنا عشر نوعاً: كفاء السببية ولام الابتداء وأدوات الشرط والتحضيض وأدوات الاستفهام .. هذه كلها لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، قد يقول قائل: إذا لا يعمل ما بعدها في ما قبلها ننصبه ونقدر له عامل محذوف، إذا قيل: زيداً هل ضربته؛ نقول: هنا لا يصح نصب زيد، لأنه وقع بعده أداة وهو (هل) وما بعد (هل) وهو ضرب لا يعمل في ما قبله. إذاً لو قيل: زيد هل ضربتَ، ضربت بإسقاط الهاء؛ هل يتسلط ضرب على زيد الذي هو قبل (هل)؟ نقول: لا يتسلط أبداً، وحينئذٍ يتعين رفعه ولا يجوز نصبه، فإذا قيل: زيداً هل ضربته؟ نقول: هذا العامل المتأخر لم يعمل في السابق لوجود الحائل والمانع بينهما، إذا لم يعمل حينئذٍ يمتنع أن يفسَّر العامل المحذوف بالعامل المذكور؛ لأننا قلنا: فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا ... حَتْماً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا زيداً هل ضربته؟ زيداً بماذا نفسره؟ يمتنع أن يكون ضرب الثاني مفسِّر للسابق؛ لأن ما لا يعمل لا يفسر، حينئذٍ بقي مقطوعاً، وإذا بقي مقطوعاً يحتاج إلى أن يدل دليل على المحذوف، لأنه لا يصح حذف العامل إلا بدليل، وسيأتي: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِما إِنْ عُلِما: يعني الناصب للفضلة يجوز حذفه بشرط: إن عُلِما، يعني: إن دل عليه دليل، فإن لم يدل عليه دليل حينئذٍ لا يجوز الحذف، فإذا قيل: زيداً هل ضربته، زيداً نقول: هذا عامل لمعمول محذوف، ما الذي دل عليه وهو واجب الحذف؟ لم يدل عليه شيء فامتنع النصب. كَذَا إِذَا الْفِعْلُ تَلاَ مَا لَمْ يَرِدْ ... مَا قَبْلُ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ لِمَا وُجِدْ بَعْدُ. إذاً: مسائل الرفع -وجوب الرفع- ثنتان، ووجوب النصب واحدة.

وَاخْتِيرَ نَصْبُ على الرفع في ثلاث مسائل، المسألة الأولى: إذا وقع الاسم قبل فعل ذي طلب، زيداً اضربه، قلنا: الطلب هنا عام لكن نمثل بالأمر من أجل أننا شرحنا هذا فيما سبق، زيداً اضربه، زيدٌ اضربه؛ يجوز الوجهان: الرفع على أنه مبتدأ، وجملة اضربه هذه في محل رفع خبر المبتدأ، وهذا لا إشكال فيه، وجماهير النحاة على جواز إيقاع الجملة الطلبية خبراً عن المبتدأ وإن كان خلافاً للقياس؛ لأن القياس يقتضي أن تكون الجملة خبرية كاسمها، يعني: محتملة للصدق والكذب، فإن لم يكن كذلك بأن كانت إنشائية وهي ما لا يحتمل الصدق والكذب؛ الأصل في الخبر أن يكون واقعاً، إذا حكمت على شيء تحكم عليه بشيء واقع، لا تحكم عليه بشيء لم يقع، زيدٌ اضربه؛ هل هو مثل زيدٌ قائم؟ زيد: مبتدأ، قائم: خبره، حكمت على زيد بكونه قائم، القيام ثابت أو لا؟ ثابت، وصفت زيد بكونه قائم ثابت موجود القيام، وأما زيداً اضربه؛ حكمت عليه بشيء سيقع في المستقبل، إذاً: هذا خلاف القياس، وهذا القياس مرجح للنصب على الرفع، فتقول: زيداً اضربه؛ أرجح من قولك: زيدٌ اضربه؛ وإن جاز الوجهان، وإنما يكون من باب فصيح وأفصح، أفصح: زيداً اضربه، فصيح: زيدٌ اضربه؛ لأنه موافق للغة، وحينئذٍ نقول: زيداً اضربه، زيداً: مفعول به لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور، الفعل المذكور بعده، تقديره: اضرب زيداً اضربه، لا نجمع بينهما إلا في مقام التعليم، زيداً اضربه، اضرب زيداً، فزيداً: هذا مفعول به لفعل محذوف، واجب الحذف؟ واجب الحذف، لمَ؟ لأن اضربه؛ هذا عوض عنه، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، لا يجمع بين المفسِّر والمفسَّر؛ لأنك حذفت الأول زيداً، اضرب زيداً حذفت اضرب من أجل اضربه الثاني، وحينئذٍ لا يجمع بينهما، أنت عوضت عنه، وإذا عوضت عنه يبقى المحذوف كما هو على شأنه، فهو واجب الحذف لما ذكرناه. مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا: اضرب زيداً، وقلنا: هذا يكون في صورة واحدة، متى يكون المقدر المحذوف موافقاً للمذكور لفظاً ومعنىً؟ إذا اتصل الضمير بالفعل نفسه، ضربته، أما مررت به وضربت أخاه هذا لا يفسر بلفظه؛ لأنه يمتنع، لا يوجد، إذا قلت: زيدٌ ضربت أخاه، زيداً ضربت أخاه، لو قدرته من نفس اللفظ: زيداً ضربت أخاه، ضربت من أنا؟ أخا زيد، لو قدرته بمثل الملفوظ به: ضربت زيداً ضربت أخاه؛ ضربتهما معاً، هل هذا المراد؟ لا، المراد: أهنت زيداً ضربت أخاه، أهنت زيداً، لا بد أن يقدر من السياق يقتبس فعل مناسب للمقام، أهنت زيداً ضربت أخاه، يعني: أهانه بضرب أخيه، وحينئذٍ نقول: هذا يقدر من معنى الفعل المذكور الملابس للمعنى الجُمْلِي الكلي في الكلمة كلها، فزيداً اضربه نقول: اضرب زيداً كما ذكرناه. وَاخْتِيرَ نَصْبُ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ

((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)) [المائدة:38]، ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا)) [النور:2]، ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا)) [المائدة:38] هل هو من باب الاشتغال أو لا؟ قرأ السبعة بالرفع فيهما -في الموضعين-، ظاهره أنه من باب زيداً وعمْراً اضرب أخاهما، زيداً وعمْراً، ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)) [المائدة:38] تعدد اللفظ والمعنى واحد، إذاً: من باب الاشتغال، زيداً وعمْراً فاقطعوا أيديهما، اضرب أخاهما، إذاً: مثله، في الظاهر أنه مثله، ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)) [النور:2] نقول: هذا وإن كان ظاهره من باب الاشتغال إلا أنه ليس من باب الاشتغال، فالسارق والسارقة: مبتدأ محذوف الخبر، مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة، مما يتلى جار ومجرور خبر مقدم، والسارق: ليس المراد السارق والسارقة، حكم السارق والسارقة، فاقطعوا: هذه جملة مستأنفة، إذاً: ليست من باب زيداً اضربه حتى تقول يجوز فيه الوجهان، والنصب أرجح. إذا قيل بأن النصب أرجح فيما إذا تلا الاسم المشغول عنه ما دل على الطلب قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ، حينئذٍ يكون الأرجح هنا: والسارقَ بالنصب، ولماذا عُدل عن النصب وهو أرجح إلى الرفع؟ نقول رحمك الله: ليست المسألة من باب الاشتغال، بل التقدير: مما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، فالسارق والسارقة نقول: مبتدأ ومعطوف عليه، والخبر محذوف هو الجار والمجرور السابق مما يتلى عليكم، واقطعوا: هذه جملة مستأنفة، فَلَمْ يلزم الإخبار بالجملة الطلبية عن المبتدأ. إذاً: فاقطعوا ليست جملة خبرية. ولم يستقم عمل فعل من جملة في مبتدأ مخبر عنه بغيره من جملة أخرى، وهذا قول سيبويه في توجيه الآية، وذهب المبرد إلى أن (أل) موصولة بمعنى الذي، السارق (أل) هذه موصولة بمعنى الذي، وسبق معنا أن المبتدأ إذا كان فيه معنى العموم جاز ولم يجب دخول الفاء في الخبر، جاز دخول الفاء في الخبر، هي فاء السببية. الذي يأتيني فله درهم، مر معنا، الذي يأتيني: هذا مبتدأ، الذي يأتيني صلة الموصول، الفاء هذه سببية رابطة، شبِّه لما في معنى الجملة من الشرط بجملة الشرط، كأنه قال: من يأتيني له درهم، نفس المعنى، شبه به فأدخلت الفاء على الخبر، فله درهم: الجملة مبتدأ وخبر في محل رفع، الفاء هذه سببية، لا يعمل ما بعدها في ما قبلها. ((وَالسَّارِقُ)) مثل الذي، (أل) هذه موصولة، و (أل) الموصولة من صيغ العموم. صِيَغُهُ كُلٌ أَو الجَمِيعُ ... وقَد تَلاَ الَّذِي الَّتِي الفُرُوعُ السارق الذي يسرق والتي تسرق فاقطعوا أيديهما، الفاء هذه سببية، وسبق أن فاء السببة لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، على هذا التوجيه قول المبرد .. إذاً: المثال هذا داخل في الاشتغال على من جوّز أن مسألة وجوب الرفع من باب الاشتغال، لأنه وجب الرفع هنا, والسارق واجب الرفع، لماذا وجب الرفع؟ كَذَا إِذَا الْفِعْلُ تَلاَ مَا لَمْ يَرِدْ ... مَا قَبْلُ مَعْمُولاً لِمَا بَعْدُ وُجِدْ

داخل في المسألة الثانية. إذاً: من باب الاشتغال؟ من باب الاشتغال عند الصبان ومن وضع هذه المسألة في باب الاشتغال، وليست من بابه إذا قلنا: هذا ليس من باب الاشتغال، وحينئذٍ نقول: ((وَالسَّارِقُ)) هذا مبتدأ، وفاء السببية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وَاخْتِيرَ نَصْبُ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ: هذه المسألة الأولى. الثاني مما يختار فيه النصب: وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ .. الْفِعْلَ: هذا مفعول أول، وإِيلاَؤُهُ: مصدر مضاف إلى المفعول الثاني، وهذا أولى، أولى من العكس. غَلَبْ: إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ، يعني: ما كان من الأدوات يدخل على الأسماء وعلى الأفعال إلا أن دخوله على الأفعال أكثر، حينئذٍ يترجح النصب، قلنا: هذا أربعة: همزة الاستفهام (وما وإن ولا) النافيات أربعة. أزيداً تضربه؟ نقول: هذا يجوز فيه النصب والرفع، أزيداً أزيدٌ؛ الرفع على أنه مبتدأ والجملة خبر، وزيداً على أنه مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور، أتضرب زيداً تضربه، جاز الوجهان واختير النصب لكون الهمزة تدخل على الأسماء والأفعال، ولذلك استثنينا مما يختص بالفعل همزة الاستفهام، قلنا: أدوات الاستفهام كلها إلا همزة الاستفهام؛ فإنها تدخل على الأسماء والأفعال، إلا أنها أغلب على الأفعال، فإذا وقع الاسم المشغول عنه بعد همزة الاستفهام ترجح النصب ولم يجب لما ذكرناه. المسألة الثالثة مما يترجح فيه النصب: وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلاَ فَصْلٍ عَلَى مَعْمُولِ لا بد من التقدير؛ لأن العطف هنا ليس على المعمول، هذا فيه توسع من الناظم رحمه الله تعالى، على جملة معمول. مَعْمُولِ فِعْلٍ متصرف، خرج به الجامد: نعم وبئس والتعجب، هذه لا تأثير فيها في العطف، يعني: إذا عطفت على ما قبلها حينئذٍ نقول: لا تأثير لأفعال التعجب فيما بعدها، إذا عطف على فعل غير متصرف لا أثر له فيما بعده، هكذا. إذا عطف على فعل جامد غير متصرف لا أثر له فيما بعده؛ لأنه قال: عَلَى مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ: أراد بالاستقرار أنه لم يُبنَ على غيره، هذا مراده، يعني كأنه يقول: الفعل قد يكون مستقراً، أنه أريد به المعنى أصالة، ابتدئ به قام زيد؛ هذا الفعل عند ابن مالك في هذا التعبير مستقر، لماذا؟ لأنه لم يُجعل مبنياً على اسم سابق، لو قيل: زيد قام أبوه؛ قام هنا الفعل ليس مستقراً، لأنه بني على غيره، جعل خبراً عن المبتدأ، فمراده بهذا التركيب: قام زيد وعمروٌ أكرمته؛ هذا مثال، قام زيد وعمرو، عمرو انظر البيت: وَبَعْدَ عَاطِفٍ، يعني: وقع الاسم المشغول عمرو بعد عاطف ولو غير الواو. بِلاَ فَصْلٍ: لم يفصل بينهما احترازاً من (أمَّا)، (أمَّا) يجوز فيها الوجهان والرفع أجود إلا إذا وقع الفعل بعدها طلباً فيختار النصب.

إذاً: بِلاَ فَصْلٍ، وعمرو، بلا فصل، معطوف على جملة فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ، لم يبن على غيره، أَوَّلاَ يعني سابقاً ظرف، قام زيد وعمْرو أكرمته، وعمْراً أكرمته؛ يجوز الوجهان: الرفع على أنه مبتدأ والجملة خبر، وحينئذٍ يكون من عطف جملة على جملة، عطفت جملة: عمرو أكرمته على جملة: قام زيد، لكن هذا فيه نوع خدش، إذا عطفت الاسمية على الفعلية مدلول الفعلية مدلول الفعلية مغاير لمدلول الاسمية، والأولى في التعاطف بين الجمل أن تُعطف الاسمية على الاسمية والفعلية على الفعلية، وأما الفعلية على الاسمية والعكس، هذا خلاف الأصل، حينئذٍ إذا رفعت: وعمرو أكرمت عطفت ماذا على ماذا؟ اسمية على فعلية، وهنا التعاطف بين متناسبين أولى من التخالف، فرجح النصب على الرفع من أجل أن يعطف جملة فعلية على جملة فعلية، تناسب العطف أولى من التخالف، هذه ثلاث صور الآن: وجوب النصب، وأشار إليه بقوله: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ، ووجوب الرفع، وأشار إليه بقوله: وَإنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا بِالِابْتدَا يَخْتَصُّ، وجواز الوجهين مع اختيار النصب: وَاخْتِيرَ نَصْبُ، رتبها بالتنازل، وجب النصب، ثم الرفع، ثم جوب النصب ثم رجحان النصب، ثم سيذكر الآن استواء الأمرين من أعلى إلى أسفل، وجوب النصب ثم رجحان النصب ثم استواء النصب مع غيره، وقيل: فرَّق بين هذه بوجوب الرفع لما ذكرناه من أجل تتميم القسمة، والصبان يرى أنه ذكره أصالة، وإنما امتنع النصب لمانع، وهذا لا يُخرج عن باب الاشتغال والأولى ما ذكرناه. وَإِنْ تَلاَ الْمَعْطُوفُ فِعْلاً مُخْبَرَا ... بِهِ عَنِ اسْمٍ فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا وَإِنْ: حرف شرط. تَلاَ: فعل ماضي فعل الشرط. تَلاَ الْمَعْطُوفُ فِعْلاً: فِعْلاً: هذا مفعول به. مُخْبَرَا: هذا نعت لفعل. بِهِ عَنِ اسْمٍ: جار ومجرور في الموضعين متعلق بقوله: مُخْبَرَاً، مخبراً به عن اسم. فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا: هذه هي الصورة أو القسم الخامس مما يجوز فيه الوجهان: الرفع والنصب مع استواء الطرفين، يعني لا نقول: هذا أرجح من ذاك، وهذا ما يعبر عنه بالعطف على جملة ذات وجهين، يعني: كبرى ذات وجهين، الجملة عند النحاة تنقسم إلى كبرى وصغرى، الكبرى هي التي وقع الخبر فيها جملة، زيد قام أبوه، زيد: مبتدأ، قام أبوه: فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ، كل الجملة نسميها كبرى، كل الجملة من المبتدأ والخبر نسميها كبرى، جملة قام أبوه من قولك: زيد قام أبوه صغرى؛ لأنها وقعت خبراً لمبتدأ، قام زيد؟؟؟، زيد قائم لا توصف بكونها صغرى ولا كبرى، وإنما الجملة المركبة هي التي توصف بكونها كبرى أو صغرى، زيد قام أبوه، نقول: هذه يعبر عنها بأنها ذات وجهين، بمعنى: أنها اسمية الصدر فعلية العجز، صدرها وهو المبتدأ اسم، وعجزها الذي هو خبرها فعل، فهذه ذات وجهين. وَإِنْ تَلاَ الْمَعْطُوفُ: يعني وقع المعطوف جملة ذات وجهين غير تعجبية، يعني: اسمية الصدر فعلية العجز.

فِعْلاً مُخْبَرَا بِهِ مع معموله عَنِ اسْمٍ، إذا قلت مثلاً: زيد قام وعمرو أكرمته، زيد: مبتدأ، وقام: فعل، والضمير المستتر يعود على زيد، والجملة خبر، وعمرو هنا تلا المعطوف جملة ذات وجهين، ليس هو كقام زيد السابق وعمرو أكرمته، هنا تلا المعطوف جملة ذات وجهين، يعني: اسمية الصدر فعلية العجز، وحينئذٍ نقول: هنا يستوي الأمران: الرفع والنصب؛ لأنك إذا قلت: زيد قام وعمْراً نصبته –بالنصب- حينئذٍ تكون قد عطفت جملة فعلية على فعلية مراعاة للعجز، وإذا رفعت: وعمرو أكرمته على أنه مبتدأ؛ حينئذٍ عطفت اسمية على اسمية، فمثل هذا التركيب نقول: يجوز فيه الوجهان على السواء، ليس أحدهما أرجح من الآخر، إن رفعت عطفت على الصدر وهو اسم، وإن نصبت حينئذٍ صارت فعلية عطفت على العجز وهو فعل. قال ابن عقيل: فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا: الفاء واقعة في جواب الشرط. فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا فَاعْطِفَنْ: هذا أمر مؤكد، لكنه مصروف، فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا حال كونك مخيراً بين الرفع والنصب على السواء، مُخَيَّرَ وهذا معنى الإباحة استواء الأمرين فعلاً وتركاً، حينئذٍ نقول: استوى عندك الرفع والنصب وليس لأحدهما مرجح على الآخر. فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا: في اسم الاشتغال بين الرفع والنصب على السواء، بشرط: أن يكون في الثانية ضمير الاسم الأول، لا بد أن يرجع إليه؛ لأنها تعامل معاملة الجملة الخبرية، والجملة الخبرية لا بد من اشتمالها على ضمير يعود على المبتدأ. على السواء بشرط: أن يكون في الثانية ضمير الاسم الأول، وهذا الشرط لجواز نصب الاسم المشغول عنه؛ لأن جملته حينئذٍ تكون معطوفة على الخبر، معطوفة على العجز وهو فعل، على الخبر، فلا بد فيها من رابط كالخبر، إذا عطفنا على الخبر حينئذٍ لا بد من رابط؛ لأننا عطفنا على خبر والخبر يشترط فيه أن يكون مشتملاً على ضمير يعود على المبتدأ. أو تكون الثانية معطوفة بالفاء، إن لم يكن ضمير في الثانية يعود إلى الخبر حينئذٍ نقول: لا بد من اشتماله على عاطف وهو الفاء، على خصوص الفاء دون غيرها، أو تكون الثانية معطوفة بالفاء: زيد قام وعمرو أكرمته في داره، أو: فعمرو، إما بالواو وإما بالفاء، أو فعمرو أكرمته. زيد قام وعمرو أكرمته، أكرمته أكرمت من؟ عمْراً، في داره، دار من؟ دار عمرو. إذاً: اشتمل على ضمير يعود على المبتدأ. أو فعمرو أكرمته برفع عمرو ونصبه، فالرفع مراعاة للكبرى والنصب مراعاة للصغرى، إن رفعت راعيت الكبرى وهو زيد قام أبوه، وإن نصبت راعيت العجز، قام أبوه من قولك: زيد قام أبوه. ولا ترجيح؛ لأن في كل منهما مشاكلة، بخلاف: ما أحسن زيداً وعمرو أكرمته؛ فإنه لا أثر للعاطف فيه، ما أحسن زيداً وعمرو أكرمته؛ هنا لا تأثير، لأننا قلنا: يستثنى (ما) التعجبية، فلا يعطف عليها مراعاة للوجهين؛ لأن (أحسن) هنا: ما أحسن زيداً، أحسن زيداً، أحسن: فعل ماض، وما: مبتدأ، إذاً: أحسن زيداً الجملة خبر، فهي جملة اسمية.

فإن لم يكن في الثانية ضمير لاسم الأول ولم تعطف بالفاء فالأخفش والسيرافي يمنعان النصب، إن لم يكن في الجملة الثانية المعطوفة على السابقة ضمير يعود على الاسم السابق، أو تكون معطوفة بالفاء فالأخفش والسيرافي يمنعان النصب، والفارسي والناظم يجيزانه. وَإِنْ تَلاَ الْمَعْطُوفُ فِعْلاً مُخْبَرَا تَلاَ: هذا يشترط فيه ما اشترطناه سابقاً، يعني: غير المفصول بـ (أما)، وأما المفصول بـ (أما) كما ذكرناه سابقاً إن لم يكن خبره مرجحاً للنصب فالرفع أرجح، قام زيد وأما عمرو أكرمته، قلنا: عمرو هنا بالرفع أجود، لأن (أما) هذه تفصل ما بعدها عما قبلها، بمعنى: أن الكلام مستأنف مقطوع، وإذا قيل: وأما عمرو فأكرمه ترجح النصب لوجود مرجح النصب: وَاخْتِيرَ نَصْبُ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ. وَإِنْ تَلاَ الْمَعْطُوفُ فِعْلاً مُخْبَرَا: إذا بُني الفعل على اسم غير (ما) التعجبية، وتضمنت الجملة الثانية ضميره، -ضمير الأول- الاسم الأول- زيد، أو كانت معطوفة بالفاء لحصول المشاركة رفعت أو نصبت على السواء، زيد قام وعمرو أكرمته؛ فيجوز رفع عمرو مراعاة للصدر، ونصبه مراعاة للعجز. وَالرَّفْعُ فِي غَيرِ الَّذي مَرَّ رَجَحْ. غَيرِ الَّذي مَرَّ: من قوله: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ، وَإِنْ تَلاَ الْمَعْطُوفُ، ثم هنا: وَإِنْ تَلاَ الْمَعْطُوفُ، إن لم يكن من هذا ولا ذاك حينئذٍ الرفع رجح، يجوز الوجهان مع ترجيح الرفع، هذا مثل: سِوَاهُمَا الْحَرْفُ، إن لم يوجد ما يقتضي وجوب النصب أو ترجيح النصب أو ترجيح الرفع أو وجوب الرفع حينئذٍ الرفع أرجح، مثل: زيد ضربته، ضربته هذا ليس واحداً من المسائل السابقة، الصورة هذه زيد ضربته؛ ليست واحدة من المسائل السابقة وحينئذٍ نقول: يجوز فيه الوجهان، زيداً ضربته، ضربت زيداً ضربته، وزيدٌ ضربته، زيدٌ: مبتدأ، وضربته: الجملة خبر، وأي الوجهين أرجح؟ الرفع، لماذا؟ لأن النصب يقتضي التقدير، وعدم التقدير أولى من التقدير، وحينئذٍ نرجع إلى هذه القاعدة، وهذه القاعدة ما أكثر ما يستدل بها لكنها ليست مطردة، بل قد يكون التقدير أولى من عدم التقدير على حسب المعنى والسياق، هذه القواعد كلها ينبغي أن نعلم أنها محكومة بعلم البيان، فما ترجح هناك من جهة المعنى أنه أولى من غيره حينئذٍ نقول: التقدير أولى من عدم التقدير، فمثله: زيد ضربته؛ هذا يكاد يكون اتفاقاً أن الرفع هنا أرجح، لكن لو جاء حينئذٍ النصب: ((وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ)) [الإسراء:13] هذا من أي الأنواع؟ ((وَكُلَّ إِنسَانٍ)) أَلْزَمْنَا: مثل ضرب، ليس بفعل طلب، ولم يقع ما يغلب إِيلاَؤُهُ الفعل، ولم يكن بالعاطف المذكور: قام زيد وعمْراً أكرمته، إذاً: لا هذا ولا ذاك، ليس مما يختار فيه النصب، هذه مسائل محفوظة أمثلة، وما عداها يبقى على الأصل.

إذاً: ((وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ)) نقول: هذا هل هو خلاف الفصيح؟ لا، إذاً: قد يترجح النصب باعتبار المعنى، فمثل هذه إذا قال النحاة: يجوز الوجهان على السواء، نقول: نعم، على العين والرأس، متى؟ إذا لم يترجح مقتضي النصب، فإن جاء المعنى والسياق ويدل على أن النصب هنا التقدير حينئذٍ نقول: التقدير أولى من عدم التقدير، وقد يكون العكس على حسب الموضع. وَالرَّفْعُ فِي غَيرِ الَّذي مَرَّ رَجَحْ الرَّفْعُ: مبتدأ، وجملة رَجَحْ خبر، رجح على النصب بسلامة الرفع من الإضمار الذي هو خلاف الأصل. وَالرَّفْعُ فِي غَيرِ: فِي غَيرِ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: رَجَحْ. وَالرَّفْعُ رَجَحْ فِي غَيرِ الَّذي مَرَّ: مر أنه يجب معه النصب أو يمتنع أو يكون راجحاً أو مساوياً، حينئذٍ الرفع مقدم. فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ: فافعل ما أبيح، وهذا واضح مأخوذ مما سبق؛ لأنه ما بين لنا وجوب النصب أو اختيار النصب إلا من أجل أن نمتثل، فما خالف ما سبق حينئذٍ نقول: الأصل أنه يترك وَدَعْ: أي: اترك مَا لَمْ يُبَحْ، هذا من باب التأكيد فقط، لكن أخذ منه بعض الشراح -أرباب الحواشي-: أنه أراد دفع إيهام أن المرجوح ليس مقيس؛ لأنه إذا قيل: اختير نصب على الرفع، قد يرد السؤال: الرفع فيما اختير فيه النصب، فصيح؟ قياسي؟ نقول: نعم، ولذلك نقول: هذا من باب فصيح وأفصح كما نقول: صحيح وأصح، فكلاهما لا يخرج عن مطلق الصحة، هنا كذلك كلاهما لا يخرج عن مطلق القياس، وحينئذٍ نقول: النصب اختير وهو أفصح، والرفع فيه فصيح أيضاً، فلا يتوهم أنه اختير النصب حينئذٍ الرفع يكون غير مقيس أو غير فصيح، لا، بل هو مقيس، لك أن تتكلم بالرفع ولا تلام. إذاً قوله: فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ؛ دفع به توهم أن ما خالف المختار من الوجوه السابقة لا يقاس عليه، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا استنباط جيد. فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ: (مَا) إعرابها: اسم موصول، إذا قيل: إعرابها لا نقول اسم موصول إلا إذا تريد أن تتمم، يعني جواب السؤال لا يقال: ما إعراب ما؟ تقول: اسم موصول وتسكت، أنا متى أسكت، ما نوع الكلمة؟ لو قلت: ما نوع الكلمة؟ تقول: اسم موصول وتسكت، تقول: اسم موصول في محل نصب لا إشكال، اسم موصول في محل نصب مفعول به، أين العامل؟ افْعَلْ، إذاً: الفاء هذه للتفريع، يعني: يتفرع عن ذكر المسائل السابقة الخمسة لا بد من الامتثال، فَافْعَلْ: هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، هذا الأصل في لسان العرب وفي الشرع، الأمر يقتضي الوجوب. فَمَا أُبِيحَ: يعني: فافعل ما أبيح لك فيما يرد عليك من الكلام أن ترده إليه وتخرجه عليه. وَدَعْ: أي اترك مَا لَمْ يُبَحْ لك فيه ذلك، وحينئذٍ ترجع إلى الأصول. هذا هو الذي تقدم أنه القسم الرابع، وهو ما يجوز فيه الأمران ويختار الرفع، وذلك كل اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه ولا ما يوجب رفعه ولا ما يرجح نصبه ولا ما يجوِّز فيه الأمرين على السواء، وذلك نحو: زيد ضربته، فيجوز رفع زيد ونصبه والمختار رفعه؛ لأن عدم الإضمار أرجح من الإضمار.

وزعم بعضهم أنه لا يجوز النصب لما فيه من كلفة الإضمار، وليس بشيء، وكلفة الإضمار لا تمنع وإنما ترجح فقط، لا تمنع وليس بشيء فقد نقله سيبويه وغيره من أئمة العربية وهو الكثير، وأنشد أبو السعادات بن الشجري في أماليه على النصب قوله: فارِساً ما غادَرُوهُ مُلْحَماً ومنه قوله تعالى: (جَنَّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا) بكسر تاء جَنَّاتِ، والسبعة على الرفع، والمشهور: (جَنَّاتُ عَدْنٍ). وَفَصْلُ مَشْغُولٍ بِحَرْفِ جَرِّ ... أَوْ بِإِضَافَةٍ كَوَصْلٍ يَجْرِي هذا سبق معنا التنبيه على أن الضمير الذي يشتغل به الفعل؛ إما أن يكون متصلاً به، وإما أن يكون مفصولاً بحرف جر، أو مفصولاً باسم مضاف إلى الضمير، مراده بهذا البيت: ضربته، مررت به، ضربت أخاه. وَفَصْلُ مَشْغُولٍ: فَصْلُ: مبتدأ. يَجْرِي: في آخر البيت خبر. وَفَصْلُ مَشْغُولٍ: يعني فصل ضمير مشغول، مشغول بماذا؟ بعمل العامل الشاغل. وَفَصْلُ مَشْغُولٍ: يعني ضمير مشغول، -ضمير الاسم السابق- بِحَرْفِ جَرِّ مطلقاً، غير مقيد بحرف جر بخصوصه، لا، لا يختص بمررت به الباء فقط لا، قد يأتي (على) وقد يأتي (اللام) وقد يأتي (عن) .. إلى آخره، لا يختص بحرف جر؟؟؟، ولذلك أطلقه الناظم. وَفَصْلُ مَشْغُولٍ: الذي هو الضمير العائد على الاسم السابق. بِحَرْفِ جَرِّ: يفهم منه أن الأصل الاتصال، عدم الفصل؛ لأنه قال: وَفَصْلُ مَشْغُولٍ، إذاً الأصل فيه: ضربته؛ لأنه مفعول به: وَالأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أََنْ يَنْفَصِلا ... وَالأَصْلُ فِي المَفْعُولِ أنْ يَتَّصِلا هذا الأصل .. بقلب البيت طبعاً. وَالأَصْلُ فِي المَفْعُولِ أنْ يَتَّصِلا، فالأصل الاتصال. ضربته: هذا الأصل. وَفَصْلُ مَشْغُولٍ بِحَرْفِ جَرِّ جائز يجري في لسان العرب، فتقول: زيداً مررت به. أَوْ بِإِضَافَةٍ: يعني فصل بإضافة، والمراد بالإضافة ليس المعنى المصدري، المراد المضاف. بِإِضَافَةٍ: أي بمضاف أو بذي إضافة، إما بمضاف أو بذي إضافة، مثل: زيداً ضربت أخاه، فصلنا بين ضربت وبين الضمير بالاسم الذي هو المضاف، فهو عامل فيه حينئذٍ، والتقدير في مثل هذا نقول: أهنت زيداً ضربت أخاه. أَوْ بِإِضَافَةٍ: يعني بمضاف أو ذي إضافة وإن تتابعت، أو بهما. كَوَصْلٍ يَجْرِي: يَجْرِي كَوَصْلٍ، يعني: صلة الضمير بالعامل هو الأصل، وهذا يجري مجراه في كل الأحكام السابقة، فلا خلاف بين الأنواع الثلاثة، إن اتصل الضمير: زيداً ضربته، زيد ضربته، زيد مررت به، زيداً ضربت أخاه؛ كلها بمعنىً واحد، وترِد على المسائل كلها السابقة، ما يجب فيه النصب وما يترجح فيه النصب وما يجوز فيه الوجهان. كَوَصْلٍ يَجْرِي: يجري في جميع ما تقدم من الأحكام. قال: يعني أنه لا فرق في الأحوال الخمسة السابقة بين أن يتصل الضمير بالفعل المشغول به نحو: زيد ضربت، أو ينفصل منه بحرف جر: زيد مررت به، أو بإضافة: زيد ضربت غلامه أو غلام صاحبه، وإن تتابعت، قلنا هناك: أَوْ بِإِضَافَةٍ، يعني: بمضاف وإن تتابعت، بمعنى أنه مضاف إلى مضاف إلى الضمير، وهنا قال: بغلام صاحبه، غلام: مضاف، وصاحب: مضاف إليه، صاحب: مضاف، والهاء: مضاف إليه.

فيجب النصب في نحو: إنْ زيداً مررتَ به أكرمك .. إلى آخر ما ذكره من الأمثلة. وَسَوِّ فِي ذَا الْبَابِ وَصْفاً ذَا عَمَلْ ... بِالْفِعْلِ إِنْ لَمْ يَكُ مَانِعٌ حَصَلْ هناك قال: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ هل هو خاص بالفعل؟ قلنا: لا، ليس خاصاً بالفعل، وإنما ذكره هناك لأنه الأصل، إذا ذكر الفعل حينئذٍ لا يلزم منه نفي ما عداه من العوامل، قد يكون وقد لا يكون، لكن تعليق الحكم بالفعل لا يلزم منه أن الوصف لا يكون مثله، هذا الأصل، وهنا قال: وَسَوِّ: التسوية بين شيئين: بين عمل الفعل السابق في الضمير العائد على الاسم المشغول عنه وبين إذا كان العامل الشاغل للضمير وصفاً، والمراد بالوصف في هذا المقام: اسم الفاعل واسم المفعول بشرط أن يعملا؛ لأن اسم الفاعل قد يعمل وقد لا يعمل. متى يعمل؟ إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، وكذلك اسم المفعول، وقلنا: يشترط في اسم المفعول أن يكون متعدياً لأكثر من اثنين، لأن اسم المفعول قد لا يَنصب، وهنا يشترط في العامل أن يكون ناصباً، فاسم المفعول الذي يتعدى إلى واحد نقول: لا ينصب، لا بد أن يكون متعدياً لأكثر من واحد؛ لأن الأول سيبنى نائب فاعل والثاني يبقى، إذاً: قد يتسلط عليه. تنبه لهذا. إذاً قوله: لاسم مفعول؛ المراد به ليس كل اسم مفعول -لو عمل-، وإنما المراد به ما تعدى إلى أكثر من اثنين، اثنين فأكثر. وَسَوِّ: هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب. وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ: ذَا اسم إشارة. الْبَابِ: دائماً الذي يقع بعد (ذَا) -اسم الإشارة-، بدل أو عطف بيان، وجوز بعضهم النعت، فيه خلاف، بدل أو عطف بيان. و (أل) فيه تكون للعهد الحضوري، دائماً تفسر (أل) في الاسم المحلى بـ (أل) بعد اسم الإشارة بالعهد الحضوري، لماذا؟ لأن الإشارة تقتضي شيئاً محسوساً مشاراً إليه الآن. ذَا البَابِ: هذا الباب، أي: الباب الحاضر، ونحن الآن في الباب الحاضر، باب الاشتغال لا في غيره، وابن مالك انتبه هنا: إذا أراد الحكم الخاص في الباب قيده، هذه قاعدة تجعلها من قواعد الألفية: إذا أراد الحكم الخاص بباب قال: فِي ذَا البَابِ، ولاَ تُجِزْ هُنَا يعني: في باب ظن وأخواتها، وسبق معنا، وَشَاعَ فِي ذَا البَابِ إسْقَاطُ الخَبَرْ؛ يعني: باب (لا) التي لنفي للجنس، هنا قال: وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ؛ لكن هل يلزم منه النفي عما سبق؟ لا، لا يلزم منه النفي، يعني: في غير هذا الباب لا تسوِّ لا، وإنما المراد أن الأحكام المتعلقة هنا بهذا الباب لا تقس عليه غيرها، وإنما ينظر أحكام غيرها في غيرها، يعني في غير هذه الأبواب، فكل مسألة لها حكمها الخاص. وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ وَصْفاً: مفعول لـ: سَوِّ. ذَا عَمَلْ: وَصْفاً ذَا عَمَلْ، ما إعراب ذَا؟ بمعنى صاحب، نعت لوصف، والمراد بالوصف هنا اسم الفاعل والمفعول بمعنى الحال أو الاستقبال، لأنه لا يعمل إلا إذا كان كذلك، حينئذٍ شرط لنا شرطاً أول: وهو أن يكون وصفاً. إذاً: إذا كان اسم فعل لا يقع. وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ وَصْفاً وهناك قال: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً

إذاً: أخرج اسم الفعل بالقيد هناك وبالقيد هنا، فاسم الفعل لا يعمل فيما قبله، زيدٌ دَرَاكِهِ، دَرَاكِ: اسم فعل أمر، وهنا اشتغل بعامل ضمير يعود على الاسم السابق، لا نقول من باب الاشتغال، لماذا؟ لأنه يشترط في العامل أن يكون فعلاً أو وصفاً، وهذا دَرَاكِ اسم وليس بفعل وليس بوصف، إذاً: زيداً دَرَاكِهِ نقول: لا ينصب. الثاني: أن يكون عاملاً ذَا عَمَلْ. الثالث: أشار إليه بقوله: إِنْ لَمْ يَكُ مَانعٌ حَصَلْ إن لم يمنع منه مانع وهو أن يكون اسم الفاعل أو اسم المفعول محلى بـ (أل)، وإذا حلي بـ (أل)؛ (أل) هذه نوعها اسم موصول، والاسم الموصول لا يعمل ما بعده في ما قبله، إذاً: حصل مانع، لو حلي بـ (أل) نقول: زيد الضاربه لا يصح النصب: زيداً الضاربه، لماذا؟ لأن (أل) هذه موصولة ولا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وإنما تقول: زيد أنا ضاربه الآن أو غداً، زيداً زيدٌ يجوز فيه الوجهان. وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ وَصْفاً ذَا عَمَلْ ... بِالْفِعْلِ في جواز تفسير ناصب الاسم السابق، نحو: أزيداً أنت ضاربه؟ أزيداً: الهمزة للاستفهام، زيداً: هذا مفعول به لوصف محذوف وجوباً، يفسره الوصف المذكور. أضارب زيداً هذا التقدير، أضارب زيداً، زيداً: هذا مفعول به لوصف محذوف وجوباً، يفسره الوصف المذكور، تقديره: أضارب زيداً، أزيداً أنت ضاربه، أنت: هذا مبتدأ، وضاربه؟؟؟ أنت ضاربه، ضارب هل يصح أن نقول: ضارب لا محل له من الإعراب لأنه مفسر؟ ضاربه مركب تركيب إسنادي، ضاربه مثل غلامه، غلامه ما نوعه؟ ما نوع التركيب؟ مضاف ومضاف إليه، كل كلمتين نُزِّلَ ثانيهما مُنَزَّلَةَ التنوين مما قبله، حينئذٍ لا يصح أن يقال: ضارب هذا لا محل له من الإعراب لأنه مفسر، وإنما العبرة هنا بالجملة: أنت ضاربه، فالجملة مفسرة لا محل لها من الإعراب. أزيداً أنت ضاربه أو مكرم أخاه أو مارٌّ به، زيد أنت مارٌّ به، أو محبوس عليه، تريد الحال أو الاستقبال، فإن كان الوصف غير عامل لم يجز أن يفسر عاملاً، فلا يجوز: أزيداً أنت ضاربه أمس، ضاربه أمس نقول: هذا لا يجوز، لماذا؟ لكونه ليس بمعنى الحال أو الاستقبال. إذاً: أشار في قوله: وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ وَصْفاً ذَا عَمَلْ ... ... بِالْفِعْلِ أن الوصف له حكم الفعل من حيث أن يكون الاسم الذي قبله مشتغلاً عنه. وَسَوِّ في ذَا الْبَابِ وَصْفاً ذَا عَمَلْ ... ... بِالْفِعْلِ لكن قيده بقوله: إِنْ لَمْ يَكُ، وهذا شرط ثالث: إِنْ لَمْ يَكُ مَانعٌ: يَكُ أصلها: يكن: وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ وَهْوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ إذاً: يَكُ أصلها يكن، وتامة أو ناقصة هنا؟ تامة، إِنْ يَكُ مَانعٌ، تامة، يوجد مانع، تنظر في المعنى، إن صح أن تقدر: يوجد أو حصل أو يثبت؛ حينئذٍ (كان) هذه تامة، تعتبر تامة. إن لَمْ يَكُ: إن لم يوجد مَانعٌ حَصَلْ، حَصَلْ هذه الجملة نعت لِمَانِعٍ، ثم مانع هذا فاعل، ولو كانت (كان) ناقصة؛ حينئذٍ احتجنا إلى خبر، ثم هذا الاسم – مَانعٌ- نكرة، وفي الأصل (كان) تدخل على المبتدأ، أين المخصِّص؟ أين الخبر؟ هذا يحتاج إلى؟؟؟ إذاً: (كان) نقول: هذه تامة.

إِنْ لَمْ يَكُ مَانعٌ: مَانعٌ هذا فاعل يَكُ وهي تامة، وحَصَلْ: نعت له، حاصل يمنعه من ذلك، كوقوعه صلة (أل) لامتناع عمل الصلة فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملاً، فلا يجوز: زيداً أنا الضارب. إذاً: يشترط في الوصف الذي يلحق بالفعل في هذا الباب ثلاثة شروط: الأول: أن يكون وصفاً، وهذا خاص باسم الفاعل واسم المفعول، هذا الذي يذكره النحاة بكثرة: اسم الفاعل واسم المفعول، ومحيي الدين زاد الأمثلة كالمبالغة وينظر فيه. وخرج به اسم الفعل والمصدر؛ فإن واحداً منهما لا يسمى وصفاً. الشرط الثاني: أن يكون هذا الوصف عاملاً النصب على المفعولية لاطراد، فإن لم يكن بهذه المنزلة لم يصح، وذلك كاسم الفاعل لمعنى الماضي والصفة المشبهة واسم التفضيل، وهذا يأتي في محله إن شاء الله، لكن المراد: أن اسم الفاعل إنما يعمل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، وإذا اعتمد على نفي أو شبهه إذا تقدمه، وهنا: أأنت، أنت، أزيداً أنت ضاربه؛ اعتمد على استفهام، والثاني عندنا ضارب اثنان، أزيداً أنت ضاربه، زيداً قلنا: اعتمد على استفهام، لأنه لا يكون ناصباً إلا إذا كان معتمداً، أزيداً، أضارب زيداً، لا إشكال وجود الاستفهام، والثاني لا بد أن يكون معتمداً على شيء، ضاربه قلنا: عمل في الضمير، اعتمد على أنت وهو مبتدأ، وسيأتي معنا إن شاء الله. الثالث: ألا يوجد مانع، فإن وجد ما يمنع من عمل الوصف فيما قبله لم يصح في الاسم السابق نصبه على الاشتغال. ومن الموانع: كون الوصف اسم فاعل مقترناً بـ (أل)؛ لأن (أل) الداخلة على اسم الفاعل موصولة، وقد عرفت أن الموصولات تقطع ما بعدها عما قبلها، فيكون العامل غير الفعل في هذا الباب منحصراً في اسم الفاعل واسم المفعول، هذا المشهور عند النحاة. وَسَوِّ فِي ذَا الْبَابِ وَصْفاً ذَا عَمَلْ ... بِالْفِعْلِ إِنْ لَمْ يَكُ مَانعٌ حَصَلْ وَعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعِ ... كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاِسْمِ الْوَاقِعِ عُلْقَةٌ: المراد به الضمير هنا، عُلْقَةٌ: ضمير حَاصِلَ بِتَابِعِ، والتابع المراد به التابع الاصطلاحي: النعت وعطف البيان والنسق، بمعنى: أنه قد لا يكون الضمير متصلاً بالفعل نفسه كضربته ولا تعدى إليه بحرف الجر: مررت به، ولا مضافاً إلى اسم ظاهر مضاف إلى الضمير، زيداً ضربت أخاه قد لا يكون، إنما يكون الضمير متصلاً بالنعت أو عطف البيان أو عطف النسق. وَعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ: يعني موجودة بِتَابِعِ. كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاِسْمِ الْوَاقِعِ: يعني النعت الواقع شاغلاً، للفعل بالنصب عن نصب الاسم المتقدم، فإذا قلت مثلاً: زيداً ضربت رجلاً يحبه، زيداً ضربت رجلاً، إلى هنا الأمثلة السابقة تقف على هذا الحد، زيداً: هذا اسم متقدم، ضربت: فعل وفاعل، رجلاً: مفعول به لضربت، أين الضمير؟ لا يوجد، يحبه: الجملة صفة لرجل. إذاً: أين وجد الضمير، في الاسم الذي اشتغل به العامل أو في التابع للاسم الذي اشتغل به العامل؟ الثاني، مثله؟ مثلة. وَعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعِ: يعني وجدت في التابع ولم توجد في الاسم المعمول للفعل نفسه.

كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاِسْمِ الْوَاقِعِ: شاغلاً للفعل نفسه، فالأصل أن يكون متصلاً برجل، لكن رجل هذا ما اتصل به الضمير، وإنما اتصل الضمير بنعته وهو يحبه، جملة يحبه في محل نصب نعت لرجلاً، فالحكم واحد سيان، وحينئذٍ تكون العلقة التي الضمير يحصل بها الربط بين الاسم المشغول عنه وبين العامل الذي شغل الضمير، يكون واحد من أربعة أشياء: أولاً: ضميره المتصل بالعامل؛ زيداً ضربته. الثاني: ضميره المنفصل من العامل بحرف جر؛ زيداً مررت به. الثالث: ضميره المنفصل من العامل باسم مضاف؛ زيداً ضربت أخاه. هذه كلها الأمثلة السابقة على هذا النمط، زاد في هذا البيت: الرابع: أن يكون الضمير متصلاً باسم أجنبي، أُتبع بتابع مشتمل على ضمير الاسم، فالنعت هنا (يحبه) اشتمل على ضمير يعود على الاسم المتقدم؛ زيداً ضربت رجلاً يحبه، فنقول: رجلاً هذا الأصل فيه أن يكون معمولاً لضربت متصلاً به ضمير يعود على الاسم المتقدم، لكنه ما اتصل به، وإنما اتصل بالنعت، والنعت والمنعوت كالشيء الواحد، وحينئذٍ نُزِّل الثاني مُنَزَّلَةَ الأول، يعني لما اتصل بالثاني وهو النعت كأنه اتصل بالمنعوت، فالحكم واحد، زيداً ضربت رجلاً يحبه. إذاً: أن يتصل باسم أجنبي أتبع بتابع مشتمل على ضمير الاسم، بشرط: أن يكون نعتاً أو عطفاً بالواو أو عطف بيان، أما البدل فلا يتأتى هنا، لا يصح أن يقال: زيداً ضربت عمْراً أخاه، أخاه يجوز فيه وجهان: عطف بيان وبدل كل من كل، عطف بيان لا إشكال داخل فيما سبق، وأما إذا أُعرب بدلاً خرجت المسألة عن باب الاشتغال، لماذا؟ لأن البدل على نية تكرار العامل، فهما جملتان، وجملة الاشتغال جملة واحدة. إذا قلت: زيداً ضربت عمْراً أخاه، أخاه: بدل، كأنك قلت: ضربت أخاه، فالعامل فيه ليس هو عين العامل في السابق، بخلاف النعت وعطف البيان وواو النسق، فالعامل حينئذٍ يكون هو الأول السابق، وأما البدل فلا، الصحيح أنه على نية تكرار العامل. فإن قدرت (الأخ) بدلاً، بطلت المسألة، رفعت أو نصبت، هكذا قال ابن هشام في التوضيح، إلا إذا قلنا: عامل البدل والمبدل منه واحد صح الوجهان، وهذا على القول الثاني، إذا قيل: عامل البدل والمبدل منه واحد حينئذٍ صح، وأما قوله: ِتَابِعِ؛ فهو خاص بالنعت وعطف البيان وعطف النسق وخصه بعضهم بالـ؟؟؟، كابن هشام في التوضيح، وبعضهم أطلقه. وَعُلْقَةٌ: هذا مبتدأ. حَاصِلَةٌ: صفة –نعت-. بِتَابِعِ: متعلق بحاصل، إذاً: أطلق التابع والمراد به الخصوص ولذلك اعترض عليه، إطلاقه في التابع يوهم أن ذلك جائز في جميع التوابع وليس كذلك، لأنه يشمل البدل، بل هو مخصوص بالنعت والبيان والنسق، وأجيب بأنه أطلقه لصدق التابع للبعض لكونه نكرة في الإثبات فلا تعم، -الجواب ضعيف، بل الصواب الاعتراض في محله-. بِتَابِعِ: نقول: التابع هنا الاصطلاحي جنس، يشمل خمسة أنواع، دخل البدل وحينئذٍ نقول: نحتاج إلى إخراجه، هل ذكر الناظم شيئاً يخرجه؟ نقول: لا، حينئذٍ توجه النقد، وأما كونه أطلقه لصدقه ببعض أفراده نقول: ما يصح هذا، هذا فيه إيهام. وَعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعِ: جار ومجرور متعلق بقوله: حَاصِلَةٌ. :

هذا خبر المبتدأ، وَعُلْقَةٌ كَعُلْقَةٍ: اتحد المبتدأ والخبر، يجوز أو لا يجوز؟ هل يصح أن نقول: زيدٌ كزيدٍ؟ لا يصح، وَعُلْقَةٌ كَعُلْقَةٍ، نقول هنا: ليس علقة كعلقة، وإنما كل منهما مخصوص بمغاير للآخر، فلو قال: زيد العالم كزيد الكريم وهما شخصان صح، لكن زيد كزيد لا يصح، رجل كرجل لا يصح. وَعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعِ ... كَعُلْقَةٍ: هذا خبر، جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر. كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ: هذا نعت. الاِسْمِ: الذي نصبه المشغول السابق. الْوَاقِعِ: يعني شاغلاً، والمراد هنا أي: وضمير حاصل بتابع كضمير حصل بعد الفعل المشغول، والمعنى: أن الفعل إذا عمل في اسم وأتبع ذلك الاسم بتابع مشتمل على ضمير يرجع على الاسم السابق؛ فإنه يجري مجرى الضمير بالاسم الذي عمل فيه المشهور، لأن الأصل أن الضمير يتصل بالعامل، فإن لم يتصل يتوسل إليه بحرف الجر أو بمضاف، إن لم يكن هذا ولا ذاك حينئذٍ يكون الضمير متصلاً بالنعت، والنعت والمنعوت صفة والموصوف كالشيء الواحد، فما اتصل بالنعت كأنه اتصل بالضمير. تقدم أنه لا فرق في هذا الباب بين ما اتصل فيه الضمير بالفعل، نحو: زيداً ضربته، وبين ما انفصل بحرف الجر: زيداً مررت به، أو بإضافة: زيداً ضربت غلامه، هذا الواصل. وذكر في هذا البيت: أن الملابسة بالتابع كالملابسة بالسبب، وقلنا: المراد بالسب هو الاسم الظاهر المضاف إلى ضمير ذلك الاسم المتقدم، وهو مثل زيداً ضربت أخاه هذا يسمى سببياً، لفظٌ عمل فيه الفعل وأضيف إلى ضمير يعود إلى السابق، ومعناه: أنه إذا عمل الفعل في أجنبي، المراد بالأجنبي هنا أي: لا ارتباط بينه وبين الاسم السابق ولا ضمير فيه يعود عليه. زيداً ضربت رجلاً يحبه، ضربت رجلاً، رجلاً؛ هل فيه علاقة بينه وبين الاسم السابق زيد؟ ليس بينهم علاقة، هو أجنبي عنه، هذا المراد بكونه أجنبي، فليس بينهما ارتباط، فالرجل وزيد متغايران، كل منهما أجنبي عن الآخر. وأتبع بما اشتمل على ضمير الاسم السابق، من نعت؛ زيداً ضربت رجلاً يحبه، جملة (يحبه) صفة لرجلاً، فاتصل بالضمير كأنه اتصل بالموصوف. أو عطف بيان: زيداً ضربت عمْراً أباه، أباه الضمير يعود على زيد، زيداً: هذا مفعول به لفعل محذوف، ضربت عمْراً أباه، عمْراً هذا أجنبي باعتبار زيد، وأباه: الضمير هذا يعود على زيد. أو معطوف بالواو خاصة، قيده هنا كما هو الشأن في التوضيح، زيداً ضربت عمْراً وأخاه، حصلت الملابسة بذلك كما تحصل بنفس السبب، فَيُنَزَّلُ زيداً ضربت رجلاً يحبه أي: يحب زيداً مُنَزَّلَةَ زيداً ضربت غلامه وكذلك الباقي. وحاصله: أن الأجنبي إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق جرى مجرى السبب. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

51

عناصر الدرس * شرح الترجمة (تعدي الفعل ولزومه) ومعنى التعدي * علامة الفعل المعدي وأثره * علامة الفعل اللازم من حيث الوزن والمعنى * تعدي الفعل الازم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: تَعَدِّي الفِعلِ وَلُزُومُهُ أي: هذا باب بيان الفعل المتعدي ولزومه. تَعَدِّي الفِعلِ من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: الفعل المتعدي، لأنَّ الفعل يوصف بكونه متعدياً ويوصف بكونه لازماً، وحينئذٍ إذا أضفنا تعدي الفعل أو لزوم الفعل نقول: هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، فالفعل موصوف والصفة هي تعدي. أي الفعل المتعدي بنفسه بحسب الوضع، لأننا أردنا أن نفرق بين الفعل المتعدي والفعل اللازم، وهذا كالتوطئة، أو إن صح جَعلُ هذا الباب بباب المفعول به لأنه ذكره بقوله: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ ثم ذكر التنازع، ثم ذكر المفعول المطلق، فدل على أنه أراد بهذا الباب أن يبين الفعل المتعدي أصالة بحسب الوضع لا بالذي يكون بإسقاط حرف الجر، أو يكون مفعولاً به في المعنى، وإن ذكرها على جهة التبع في الباب، وحينئذٍ إذا كان المراد به الفعل المتعدي أصالة، حينئذٍ نقول: بحسب الوضع لا بحسب ما يعتريه من معنى، لأن البيانيين هناك لهم نظر في التعدي واللزوم مغاير للتعدي واللزوم عند النحاة، بينهما فرق.

هناك قد يُنَزَّل المتعدي مُنَزَّلَة اللازم لأغراض معنوية عندهم، وقد يُنَزَّل اللازم مُنَزَّلَة المتعدي العكس، كل منهما يجري مجرى الآخر، ولذلك قعد لها السيوطي في الأشباه والنظائر: إجراء اللازم مجرى المتعدي، قاعدة، وقعَّد أيضاً أظنه في نفس القاعدة: إجراء المتعدي مجرى اللازم، العكس: إجراء اللازم مجرى المتعدي، وإجراء المتعدي مجرى اللازم، لكن هذا ليس له علاقة من حيث الإعراب، إنما ينتفي اللازم، لا يطلب مفعولاً وإن كان في أصل الوضع هو يطلب مفعولاً: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [الزمر:9] يَعْلَمُونَ الأصل فيه أنه متعدي لكن في هذا التركيب لازم، لا تقل: المفعول به محذوف أو نبحث عنه .. لا، المراد: من اتصف بصفة العلم فحسب، ليس عندنا تعدي ((هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) أين المفعول به؟ يَعْلَمُونَ، هذا يتعدى إلى مفعول، يعرفون، أو يعلمون إذا كانت بمعنى اليقين والاعتقاد، نقول: لا، لا تقدر هذا ولا ذاك، سواء كانت بمعنى معرفة فلا مفعول لها أول، أو كانت بمعنى اعتقد فليس لها مفعولان، لماذا؟ لأنه أجري في هذا التركيب المتعدي مجرى اللازم، هل هذا المراد هنا؟ لا، ليس هذا المراد، المراد بحسب الوضع بالنظر إلى استعماله الأصلي في لسان العرب، ولذلك نقول: تَعَدِّي الفِعْلِ أي: الفعل المتعدي بنفسه بحسب الوضع؛ أما لو أجري اللازم مجرى المتعدي وإن أخذ أحكامه لكنه ليس بحسب الوضع، أو أجري المتعدي مجرى اللازم فلا مفعول له، لكن له مفعول باعتبار الوضع، كالمثال الذي ذكرناه، لأنه المراد عند الإطلاق؛ إذا أطلق المفعول المتعدي انصرف إلى هذا، لا المتعدي بحرف الجر؛ لأنه سيأتي: وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ، متعدي لكنه ليس هو الذي إذا أطلق انصرف اللفظ إليه أو المعنى إليه، لماذا؟ لأن المتعدي يراد به معنىً خاص عند النحاة، وهو ما نصب مفعولاً به، ضربت زيداً، ضربت نقول: هذا فعل متعدي، وأما مررت بزيد؛ تعدى إلى المفعول، مر: يطلب مفعولاً في المعنى، ولكن لم يصل إليه بنفسه، وإنما وصل إليه بواسطة وهو حرف الجر، حينئذٍ نقول: مر؛ متعدي، كيف متعدي؟ نقول: متعدي في المعنى لأنه يطلب مفعولاً به، ووصل إليه بحرف الجر، هل هذا المراد إذا أطلق تعدي الفعل؟ لا، ليس مراداً، لا يدخل معنا ما تعدى إلى مفعوله بحرف جر. ولا المتعدي بنفسه بواسطة إسقاط الخافض، هذا مثل اخترت القوم الرجال زيداً، اخترت الرجال زيداً، زيداً تعدى إليه بنفسه، والرجال تعدى إليه بواسطة إسقاط حرف الجر، والأصل اخترت من الرجال زيداً، اخترت من الرجال تعدى إلى أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر، قد يسقط حرف الجر وحينئذٍ يتعدى إليه بنفسه، فيكون الناصب له هو الفعل كما سيأتي خلافاً لمذهب الكوفيين.

وَلُزُومُهُ: هذا معطوف على تعدي بالرفع، تَعَدِّي مرفوع هذا، تَعَدِّي الفِعلِ، تَعَدِّي: هذا مبتدأ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف وهو أولى، هذا باب تعدي الفعل، لكن الذي أردته أن تقول: تعدي مبتدأ أو خبر مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، تعدي الفعل، أنت ما تقول: تعديي الفعل، إنَّما: تعدي الفعل. إذاً: مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، تَعَدِّي: مضاف، والفِعلِ: مضاف إليه. وَلُزُومُهُ، أي: لزوم الفعل أيضاً من إضافة الصفة إلى الموصوف، والتعدي واللزوم يتصف بهما الفعل والاسم، فيقال: هذا اسم متعدي كضارب، وتقول: هذا اسم لازم كجالس، سيأتينا أن اسم الفاعل يعمل عمل فعله، إن كان متعدياً رفع ونصب، وإن كان لازماً رفع ولم ينصب، فهو يعمل عمل الفعل. إذاً: يوصف الفعل بكونه متعدياً وكذلك لازماً، ويوصف الاسم بكونه متعدياً ولازماً، إلا أن الوصف الفعلي هو الأصل؛ لأن عمل اسم الفاعل واسم المفعول محمول على الفعل، فحينئذٍ صار فرعاً فيه. تَعَدِّي الفِعلِ وَلُزُومُهُ: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ قسَّم لك الناظم الفعل إلى قسمين: إما متعدي وإما لازم، فالقسمة عنده محصورة في اثنين لا ثالث لهما، حينئذٍ أورد بعضهم (كان وأخواتها) وبعض الأفعال المتعدية بنفسها وبحرف جر، يعني: تارة تتعدى بحرف جر وتارة تتعدى بنفسها. فـ (كان وأخواتها) هذه ترفع وتنصب، كان زيد قائماً، كان: فعل ماضي، وزيد: اسمها، وقائماً: خبرها، هل نصف (كان) بكونها متعدية لأنها نصبت؟ إن قيل: بأن الاسم هنا فاعل حقيقة كما قد قيل به، وقائماً مفعول به حقيقة كما قد قيل به فلا إشكال في كونها متعدية، وإن قيل: لا، بل يسمى الاسم فاعلاً مجازاً، وقائماً يسمى مفعولاً به مجازاً، والأصل أن (كان) لا تنصب مفعولاً به البتة ولذلك لا يعرب مفعولاً به، وحينئذٍ صارت ناقصة، ولذلك جمهور النحاة على إثبات الواسطة بين المتعدي واللازم، فعندهم الأفعال ثلاثة: متعدي ولازم -وهذه التي اعتنى بها الناظم في الأبيات-، ولا متعدي ولا لازم، لا يوصف بهذا ولا بذاك وهو (كان وأخواتها). بقي نوع جاء فيه تعديه بالحرف وجاء تعديه بنفسه، شكرته وشكرت له؛ جاء هذا وذاك. نصحته ونصحت له، هذا تعدى بنفسه شكرته ونصحته وتعدى بحرف الجر، إذا تعدى بنفسه فهو متعدي، وإذا تعدى بحرف الجر فهو لازم، لأننا قلنا: الأصل هنا في التقسيم والتقعيد والتأصيل المراد به المتعدي بالوضع، وأما المتعدي بالحرف فليس داخلاً معنا، قلنا: تعدي الفعل ولزومه المراد بالمتعدي هنا ما تعدى بحسب الوضع بنفسه، مباشرة تعدى إلى المفعول فنصبه، ضربت زيداً، أما مررت بزيد وإن كان مفعولاً به في المعنى إلا أنه ليس مراداً هنا.

شكرته؛ تعدى بنفسه، إذاً: هو متعدٍ، شكرت له هذا مثل: مررت بزيد، لازم؟ لازم، كيف شكر ينصب بكونه لازماً وينصب بكونه متعدياً؟ قيل: بأنه داخل في الواسطة، لا ينصب بكونه متعدياً ولا لازماً، وقيل: ينصب بهما معاً، وقيل بالتفصيل: الأصل فيه اللزوم، الأصل: شكرت له، وشكرته فرع لا أصل، لأنه يجوز حذف الحرف وهو اللام من باب التوسع والاختصار ثم يتصل الضمير بالفعل، وهذا يسمى الحذف والإيصال، حذف لأي شيء؟ للحرف، والإيصال؟ للضمير، اتصل بالفعل، وحينئذٍ الأصل فيه: شكرت له، ثم حذفت اللام فاتصل الضمير بالعامل، ونصحت له؛ هذا الأصل، إذاً: هي لازمة لا متعدية، قيل: متعدية والحرف زائد أيضاً، وقيل: لازم وحذف الحرف توسع من باب الحذف والإيصال. وقيل: شكرت له؛ الحرف زائد، لكن لا داعي أن نقول: زائد، وإنما نقول: من باب التوسع أولى، يعني الحذف والإيصال أولى من الحكم بكونه زائداً، لأن الزيادة خلاف الأصل، والأصل في الحرف أنه أصلي، ثم باب الحذف والإيصال كثير هذا مطرد، يحذف الحرف ويتصل الضمير بعامله الأصلي، وحينئذٍ: شكرته، شكرت له، الأصل: شكرت له وشكرته فرع، ونصحت له هو الأصل، ونصحته نقول: هذا فرع لا أصل. الجمهور على أن (كان وأخواتها) واسطة بين اللازم والمتعدي، يعني: لا نصفها بكونها لازمة ولا نصفها بكونها متعدية، وسيأتي أن الناظم أخرج (كان وأخواتها) من هذه الأعلام التي ذكرها فيما سيأتي. وقال بعضهم: التحقيق أن الواسطة هو الفعل الذي يأتي تارة متعدي وتارة لازم، مثل: شكر ونصح، لكن هذا ليس بجيد، ذكره بعض المعاصرين من مشايخنا. وشكر؛ إن كانت متعلقة بالنعمة -فائدة هذه- إن كانت متعلقة بالنعمة فهي متعدية بنفسها، ((اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ))، اشْكُرُوا نعمته، في القرآن، غالب هذا، إذا كان متعلَق الشكر النعمة تعدت بنفسها، وإن كان متعلق الشكر المنعم تعدى إليه باللام، ((اشْكُرُوا لِي))، ((اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ)). شكر إن كانت متعلقة بالنعمة فهي متعدية؛ ((اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ))، وإذا تعلق شكر بالمنعم به حينئذٍ تعدى بحرف الجر، هذا هو الأكثر، هذا الغالب، قد يكون عكس، لكن الأكثر فيه هو ما ذكرت: أنه إذا كان الشكر متعلقاً بالنعمة تعدى بنفسه بدون لام، ((اشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ))، شكرته، وإن كان المراد به المنعم نفسه حينئذٍ الأكثر أن يتعدى بالحرف، ولو وجد فهو خلاف الأصل. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ الناظم رحمه الله تعالى لم يجر مجرى الجمهور، وهو في تقسيم الفعل إلى ثلاثة أقسام: متعدي ولازم ولا متعدي ولا لازم، يعني: واسطة بين الطرفين، لذلك قال: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى بينه، ثم قال: وَلاَزِمٌ غيْرُ المُعَدَّى، غير المعدى لازم، فحكم على كل ما لم يوجد فيه علامة المتعدي بأنه لازم، فدخل فيه (كان)، لكن الصواب أنه لم يقصد (كان) البتة وإنما عنى غير (كان) وهو القسمين المشهورين: المتعدي واللازم. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ: عَلاَمَةُ: مبتدأ وهو مضاف، والْفِعْلِ: مضاف إليه. الْمُعَدَّى: نعت للفعل.

ذكر لنا علامة ولم يذكر لنا الحد؛ لأنه كما سبق أن الناظم كثيراً ما يجري بذكر العلامات وذكر الأمثلة، وحينئذٍ الضوابط عنده أعم من الحدود والتعاريف، وهذا أجود، أسهل بالنسبة للطالب، فعلامة الفعل المعدى أن تصل به هاء غير مصدر، يعني: يتصل به ضمير، هذا أولاً، مرجع هذا الضمير لا يكون مصدراً بل يكون غير مصدر، إن اتصل بالفعل ضمير غير عائد على مصدر فهو متعدي، وإلا فهو لازم. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ أَنْ تَصِلْ: (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر عن المبتدأ. أَنْ تَصِلْ هَا: هَا هذا مفعول. غَيْرِ مَصْدَرٍ: ضمير راجع إلى غير مصدر. بِهِ: يعني بالفعل، هذا جار ومجرور متعلق بقوله: تَصِلْ. نَحْوُ عَمِلْ: الخير عمله زيد، عمله اتصل بعمل ضمير، مرجع الضمير ما هو؟ خير، هل هو مصدر؟ لا، إذاً هو فعل متعدي، فلو كانت عائدة على المصدر حينئذٍ لا يصح أن يحكم عليه بهذه العلامة بأنه متعدي. الضربُ ضربته زيداً، ضرب هو متعدي في نفسه، لكن ما علامته في هذا التركيب؟ أن نجعل الهاء هنا ضميراً عائداً على غير المصدر أم أنها عائدة على المصدر؟ ضربته مرجع الضمير الضرب، والضرب ما نوعه؟ مصدر هنا، إذاً نقول: الضربُ ضربته، الهاء هذه لا تدل على أنه متعدي، لماذا؟ لأنه اتصل به ضمير يعود على مصدر، حينئذٍ كيف نعربه ضربته، الهاء؟ نقول: مفعول مطلق؛ لأنه عاد على المصدر، ضربت ضرباً فمرجع الضمير على المصدر، وحينئذٍ نقول: الهاء هنا في محل نصب مفعول مطلق، وليست مفعولاً به. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى إلى مفعول به فأكثر. أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ، فإنك تقول: الخير عمله زيد، فهو معمول. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى: يتعدى إلى نصب المفعول به، وما عدا المفعول به لا يشترط في نصبه أن يكون الفعل متعدياً، الحال والتمييز والمفعول المطلق والمفعول لأجله والمفعول معه، ما عدا المفعول به لا يشترط أن يكون الناصب له فعلاً متعدياً، لماذا؟ لأن الفعل اللازم يشترك مع المتعدي في نصب الحال، جاء زيد: فعل وفاعل، جاء هذا هل ينصب مفعولاً به؟ لا ينصب. جاء زيد راكباً، راكباً نَصَب، كيف تقول: هذا غير متعدي؟ نقول: لا، متعدي وغير متعدي في نصبه للمفعول به، وأما ما عدا المفعول به ليس له دخل في الحكم على الفعل بكونه متعدياً أو لا؛ لأن الحال والتمييز وبقية المفاعيل تُنصب بالمتعدي وتُنصب باللازم، إذاً: لا فرق بينهما بما ذكر، وإنما الفرق يكون بخصوص المفعول به فحسب؛ لأن المعنى يقتضي ذلك، لأن الفعل اللازم يدل على قيام حدث بفاعله لم يتعدَ. الحدث نوعان: حدث له علاقة بالغير، كالضرب والقتل مثلاً، وحدث يتعلق بالشخص نفسه، الأول –المتعدي- هذا لا بد من محل يظهر عليه أثر الفعل وهو الحدث، والثاني: يدل على قيام الحدث بفاعله فحسب، قام زيد، زيد اتصف بالقيام، أما ضرب زيد لا بد أن الضرب يتعدى إلى غيره فيحتاج إلى مفعول به، حينئذٍ كل ما نصب مفعولاً به فهو فعل متعدي، سواء كان مفعولاً واحداً أو أكثر.

وكل ما نصب حالاً أو تمييزاً أو بقية المفاعيل غير المفعول به لا يشترط فيه أن يكون متعدياً؛ لأن الحال يُنصب باللازم، كقولك: جاء زيد راكباً، راكباً: هذا حال، والعامل فيه (جاء) وهو لازم. وضربت زيداً راكباً، راكباً: هذا حال من التاء أو من زيد، وقد نصبه فعل متعدي. إذاً قوله: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى إلى مفعولٍ به فأكثر، يريد أن يميز لنا هذا النوع، وأما المعدى إلى حال وتمييز ونحوه هذا لا يختص بالفعل المعدى الاصطلاحي. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى إلى مفعول به فأكثر، أما بقية المفاعيل فيعمل فيها المتعدي واللازم. قوله: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ؛ هل المراد به الفعل التام أم ما يشمل الناقص؟ الفعل كما أنه ينقسم إلى متعدي ولازم كذلك ينقسم إلى تام وناقص، والناقص المراد به ما لا يكتفي بمرفوعه وهو (كان وأخواتها)، والتام هو الذي يكتفي بمرفوعه. قوله: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ؛ هل المراد به الفعل التام فيختص بما عدا كان أو مطلق الفعل فيدخل فيه الناقص فتكون (كان) عند الناظم من الفعل المتعدي؟ عَلاَمَةُ الْفِعْلِ؛ هل المراد به التام؟ إذا قيل: الفعل التام خرجت (كان)، إذاً: ليست متعدية، وليست لازمة، أو حكم عليها بكونها لازمة؛ لأنه قال: وَلاَزِمٌ غيْرُ المُعَدَّى. وإن قلنا: المراد بقوله الفعل؛ -مطلق الفعل- ليشمل التام والناقص إذاً: (كان) عنده من المعدى -مما يتعدى-، حينئذٍ يكون قائماً منصوب بـ (كان) على أنه مفعول به، نقول: الجواب أراد به التام فحسب، التام، ولم يرد به ما يشمل الناقص. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ: أي: التام؛ لأنه فرَّع عليه بعد ثبوت الوصف له بالعمل، أثبت له الوصف بكونه متعدياً، فإذا ثبت قال: فَانْصِبْ بِهِ، أين يرجع هذا؟ فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ ... عَنْ فَاعِلٍ دخلت (كان)؟ لا، إذاً: هذه قرينة واضحة بينة على أن الناظم أراد بقوله: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ التام دون (كان)، ولذلك بعضهم قال: بأن الناظم أراد بهذا الباب: المفعول به وهو أول المنصوبات كما سيأتي. إذاً: علامة الفعل التام وليس المراد به ما يشمل الناقص للقرينة التي ذكرناها سابقاً. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ: أي التام، بقرينة قوله: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ. كذلك لتقدم الكلام على (كان) الناقصة، سبق أنه عنون ببابٍ تام ذكر فيه ما يتعلق بكل أحكام (كان وأخواتها) حينئذٍ إذا قال الفعل هنا، فالمراد به ما عدا ما سبق، هذا هو الأصل، حينئذٍ إذا فُسِّر الفعل بالتام صارت (أل) هنا للعهد الذهني وهو ما عُهِد مصحوبها ذهناً، لا ذكري ولا حضوري. عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ أن تصل به هَاءَ غَيْرِ مَصْدَرٍ .. نَحْوُ عَمِلْ هذه علامة، العلامة الثانية: أن يصاغ منه اسم مفعول تام، يصاغ من الفعل نفسه اسم مفعول تام، إن صحَّ فهو متعدي، وإن لم يصح فهو الثاني وهو اللازم.

أن يصاغ منه اسم مفعول تام أي: مستغن عن حرف الجر، مثل ضرب، لو قال: ضرب؛ هل هو لازم أو متعدي؟ قد يقال: زيد ضربته عادت الهاء هنا غير مصدر على زيد وهو ليس بمصدر، هذه علامة، زيد مضروب صار اسم مفعول وتام، بمعنى: أنه لم يفتقر إلى جار ومجرور، خرج زيد، خرج هذا هل هو لازم أو متعدي؟ صل به الهاء، الخروج خرجه زيد، ليس متعدي؛ لأن الهاء هنا هاء المصدر، زيد مخروج به: غير متعدي، لأن اسم المفعول ليس تاماً، لم يستغن عن الجار، ولذلك نقول: مخروج به لا بد من به، أو إليه، فلما لم يستغن عن حرف الجر دل على أنه ليس بتام، وإذا لم يكن تاماً حينئذٍ لم يكن فعلاً متعدياً. إذاً: ثَمَّ علامتان تدل على أن الفعل متعدي أو لا، تختبر الفعل، أولاً: تصل به ضمير، هذا الضمير لا يعود على المصدر، وسيأتي (هاء) الظرف و (هاء) السكت. والثانية: أن تصوغ من الفعل اسم مفعول على وزن مفعول بشرط أن يكون تاماً، بمعنى: أنه لا يفتقر إلى حرف جر، فإن صح حينئذٍ حكمت عليه بأنه متعدي، إن لم يصح فهو الثاني قطعاً وهو لازم غير معدى. هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ فإنك تقول: الخير عمله زيد، فهو معمول، بخلاف خرج فلا يقال: زيد خرجه عمرو، وإنما يقال: الخروج خرجه عمرو، هذا يصح؛ لأن (هاء) هذه هاء المصدر، فهي ليست مفعولاً به، الخروج خرجه عمرو، أما زيد خرجه عمرو لا يصح، وإنما يقال: أخرجه عمرو، أو خرَّجه، لا بد من تضعيف، ولا هو مخروج،- زيد مخروج، لا يصح هذا، وإنما: مخروج به، أو مخروج إليه، مخروج: اسم مفعول،- ولا هو مخروج، بل مخروج به، أو إليه، فلا يتم إلا بالحرف. قال ابن عقيل: ينقسم الفعل إلى متعدٍّ ولازم، فالمتعدي: هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر، وقلنا: إذا أطلق المتعدي انصرف إلى هذا، مع كون الذي يصل إلى المفعول في المعنى بحرف الجر هو المتعدي في المعنى، ولكن هذا قول ابن مالك: وَعَدِّ لاَزِماً، إذاً: يتعدى، وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ، فدل على أن ما وصل إلى مفعوله بحرف الجر هو متعدي، لكنه لا يطلق عليه بأنه متعدي هكذا بإطلاق؛ لأن الاصطلاح خاص بما ذكرناه. هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر؛ ضربت زيداً، نصبه، واللازم ما ليس كذلك، وهو ما لا يصل إلى مفعول إلا بحرف جر، نحو: مررت بزيد، أو لا مفعول له أصلاً، لا يطلب مفعولاً مثل: قام زيد، جلس عمرو، ما يحتاج إلى مفعول، فإن احتاج إلى مفعول في المعنى حينئذٍ عدَّيناه بحرف جر، وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ.

ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه فعلاً متعدياً وواقعاً؛ لأن الحدث وقع على المفعول به، سمي واقعاً، ومجاوزاً؛ لأن الحدث تجاوز الفاعل إلى المفعول به، ضرب زيد: أوقع زيد الضرب ثم تجاوز إلى المفعول به، وما ليس كذلك يسمى لازماً وقاصراً وغير متعدٍّ، ويسمى متعدياً بحرف الجر، إذا سمي متعدي لا بد من تقييده؛ لأن المقصود باللازم: الإخبار بحصول الحدث من الفاعل، -هذا هو المقصود-، المقصود بالفعل اللازم: الإخبار بحصول الحدث من الفعل. وقد قلنا: الحدث نوعان: حدث لا يتعدى، قام زيد ليس له أثر في الغير، أما ضرب حينئذٍ نقول: هذا يتعدى إلى الغير، قتل زيد لا بد من مقتول وإلا لا يكون قاتلاً، ضرب زيداً لو ضرب هكذا في الهواء لا يسمى ضارباً، هذا لعب، لا بد من مفعول به يصدق عليه وقوع الضرب، وأما اللازم لا، إنما يدل على إخبار بحصول حدث من الفاعل. وعلامة الفعل المتعدي أن تصل به هاء تعود على غير المصدر، فإن عادت على مصدر لا يعتبر علامة وهي هاء المفعول به. الباب أغلقته، أغلقته: هذا فعل متعدي بدليل اتصال هاء ضمير تعود على غير المصدر وهو الباب، والباب ليس بمصدر، هذا جثة، إذاً: أغلقته؛ تقول: هذا مفعول به، لأنه اتصل به ضمير يعود على الباب والباب ليس مصدراً، واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر، هاء المصدر هذه تتصل باللازم وبالفعل المتعدي. الضرب ضربته زيداً والخروج خرجه زيد؛ اتصلت به هذا وذاك، الضرب ضربته زيداً، الضرب المعهود بيني وبينك، ضربته زيداً، والخروج خرجه زيد، أيضاً قد يكون (أل) هنا للعهد، اتصلت (هاء) التي تعود على المصدر بالفعل اللازم وهو خرج كما أنها اتصلت بالفعل المتعدي. وما كان مشتركاً بين نوعين متقابلين لا يصلح علامة لتمييز أحدهما عن الآخر كما ذكرناه في علامات الاسم والفعل والحرف، فما كان علامة للاسم لا بد أنه لا يدخل على الفعل، وما كان علامة للفعل لا يمكن أن يدخل على الاسم، إذ لو دخل عليهما لما صح أن يسمى علامة، هنا هاء غير المصدر علامة على أن الفعل متعدي، إذاً: لا يمكن أن تدخل على اللازم، لو دخلت عليه ما صح أن تسمى علامة. إذاً: احترز بـ (هاء) غير المصدر من (هاء) المصدر؛ فإنها تتصل بالفعل المتعدي واللازم، فلا تدل على تعدي الفعل، فمثال المتصل المتعدي: الضرب ضربته زيداً، ضربته هذا نائب عن المفعول المطلق في محل نصب وليس مفعولاً به؛ لأنه كأنه يقال: ضربت زيداً ضرباً، ضرباً هذا تقدم واتصل به ضمير يعود عليه، فكأنه ناب عن المفعول المطلق، ولا تقل: مفعول به، أي: ضربت الضرب زيداً، ومثال المتصل باللازم: القيام قمته، قمته الضمير هنا عاد على القيام، قام زيد هذا لازم، اتصل به هنا الضمير (هاء) لكنها ليست (هاء) غير المصدر؛ لأنها تعود على المصدر وهو القيام، القيام قمته أي: قمت القيام. أما (هاء) الظرف فهذه تتصل بالمتعدي واللازم، الليل قمته، قمته الضمير هنا يعود على الليل، إذاً صار ظرفاً، والنهار صمته، ولم يذكرها المصنف؛ لأن اتصال ضمير الظرف بالفعل إنما على سبيل التوسع في حذف حرف الجر، والأصل: الليلَ قمت فيه، -الحذف والإيصال-، الليلَ قمت فيه والنهارَ صمت فيه، فيكون من باب الحذف والإيصال.

كذلك قيل: (هاء) السكت هذه تتصل بالقسمين: الفعل اللازم والمتعدي، حينئذٍ نقول: (الهاء) كم نوع؟ هاء المصدر، هاء الظرف، هاء السكت، هاء غير ما ذكر من الثلاثة، أَيُّ أنواع الهاءات علامة على كون الفعل متعدي؟ الرابع، ألا تكون هاء الظرف ولا هاء السكت ولا هاء المصدر بل تكون هاء غير ما ذكر من الثلاثة، وإنما لم يذكر المصنف هاء الظرف والثانية هذه لقلتها، ولأنها على الحذف والإيصال، فلا يرد عليها قوله: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ شمل هاء السكت وهاء الظرف، لأنها ليست هاء المصدر، لكن ليس بوارد على المصنف. إذاً قوله: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ تَصِلْ: أي ولو بحسب الأصل، فلا يرد على عكس التعريف الأفعال اللازمة للبناء للمفعول؛ لأنها صالحة لذلك بحسب الأصل، ضُرِب زيد، ضرب، لو أردنا أن نحكم عليه هل هو متعدي أو لازم؟ نقول: هو باعتبار الأصل قابل لهاء غير المصدر، وهنا ضُرِب عند البصريين فرع ضَرَب فَعَل، خلافاً للكوفيين، الكوفيون عندهم ضُرِب هذا أصل مستقل بنفسه، وعند البصريين وهو الأصح أن فُعِل فرع فَعَل، فضُرِب عند الكوفيين وضع مرتين، ضَرَب على وزن فَعَل مبني للمعلوم، ووضع مرة ثانية فُعِل ضُرِب، حينئذٍ لا نقول: يضم أوله ويكسر ما قبل آخره .. الخ، هذا ينبني على القول بأن المبني للمجهول -إن صح التعبير-، فرع الأصل -المبني للمعلوم، وإن قيل: كل منهما أصل حينئذٍ لا ترد المسألة، فضُرِب فرع ضَرَب، ودائماً التقعيد والتأصيل إنما يتعلق بالأصول لا بالفروع، فتقول: ضُرِب أصله ضَرَب، إذاً: يتصل بها غير مصدر، وأما ضُرب نفسه لا تحكم عليه، وإنما تحكم على أصله، فتقول: زيد ضربه عمرو اتصل به هاء غير مصدر، إذاً: هو متعدي، أما ضُرِب زيد؛ هذا لا ينصب هنا، لا يتعدى إلى مفعول به، لأن زيد كان مفعولاً به، وحينئذٍ الحكم على الأصل لا على الفرع. التقعيد والتأصيل إنما يكون على الأصول لا على الفروع، وضُرِب هذا فرع. إذاً: أَنْ تَصِلْ هَا غَيْرِ: أن تصل أنت، أن تصل به. هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ: أي: ولو بحسب الأصل، -الوضع يعني-، فلا يرد على عكس التعريف، الأفعال اللازمة للبناء للمفعول، لأنه صار لازماً غير متعدي، ضُرِب زيد، لأنها صالحة لذلك بحسب الأصل، فهي متعدية، واستعمالها لازمة للبناء للمفعول عارض بعد الوضع، فلا يقال: بأن ضُرِب زيدٌ لازم؛ لأنه لم ينصب مفعولاً به، نقول: لا، هو باعتبار الأصل متعد لقبوله علامة هاء غير المصدر، والمراد: أن تصل من غير توسع بحذف الجار، فلا يرد على طرد التعريف الليلةَ قمتها، والنهارَ صمته والدار دخلتها؛ لأنه على الحذف والإيصال. الليل قمت فيه، والدار دخلت فيها، حذف الجار واتصل الضمير بما قبله. فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ ... عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ

هذا شروع في حكم الفعل المتعدي، حكمنا على الفعل بأنه متعدي ثم ماذا؟ يبقى كما هو أم أنه يطلب ما يقتضيه؟ لا بد أن يكون له أثر، إذا كان فعلاً متعدياً لا بد أن يكون له تأثير، والتأثير إنما يطلب مفعولاً به، واحداً أو أكثر على حسب نوع الفعل. فَانْصِبْ بِهِ: أي بالفعل المتعدي، دل على أن المفعول به يُنصب بالفعل نفسه، وهذا أرجح الأقوال، أصح الأقوال أن المفعول به منصوب بالفعل، وثَمَّ أقوال أخرى ضعيفة. ضربت زيداً، نقول: (ضرب) هنا عمل في الفاعل الرفع، وعمل في المفعول به النصب، هذا هو الصحيح، وأما أنهما بالمفعولية أو أنهما ترافعا، الفاعل نصب المفعول والمفعول نصب .. هذه كلها أقوال اجتهادية. والأصل في الفعل، إذا قررنا أن الأصل في العمل للفعل حينئذٍ كل ما أمكن تعليقه بالفعل فهو مقدم، هو أرجح، هذه قاعدة في الترجيح: كل ما أمكن تعليقه بالفعل وصح الكلام معه فهو أرجح، حينئذٍ وجد عندنا فعل ووجد مفعول به، ونعلم أن الضرب وهو حدث لا بد له من مكان يقع عليه. إذاً: العامل إنما يعمل ليتمم معناه، هذا معنى العمل ارتباط بين العامل والمعمول، إن قيل: عمل فيه؛ ما معنى عمل فيه؟ بمعنى: أن العامل لا يتم معناه إلا بهذا المعمول، وهذا واضح بين. ضرب زيداً، زيداً: مفعول به؛ لأن (ضرب) يحتاج إلى محل يقع عليه الحدث، فهو المفعول به، إذاً: لا نحتاج أن نقول بالفاعلية وإلى ما يذكره البعض. فَانْصِبْ بِهِ: أي بالفعل المتعدي. مَفْعولَهُ: أي مفعول؟ المفعول المطلق وإلا المفعول معه أو لأجله أو به؟ المفعول إذا أطلق في المنصوبات انصرف إلى المفعول به، إذا أطلق دون أن يقيد حينئذٍ انصرف إلى المفعول به، وإن سمي المفعول المطلق هناك لا باعتبار الاستعمال وإنما باعتبار القيد، لماذا سمي مفعولاً مطلقاً؟ مطلقاً عن القيد، لم يقال: مفعول به، ولم يقال: مفعول معه، أو لأجله، أو فيه، أطلق عن القيد، قيل: مفعول فقط، فيصدق حينئذٍ بهذا الاعتبار على المفعول المطلق الخاص، وأما هنا فالمراد بالمفعول المفعول به، ولذلك أطلقه الناظم. فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ: هذا هو الأصل، وما سمع من رفعه: خرق الثوبُ المسمارَ، خرق المسمارُ الثوبَ، فالثوب هو المفعول به، رفع: خرق الثوبُ، مرفوعاً، نقول: هذا يسمع ويحكى ولا يقاس عليه، وهو مسموع، -باتفاق أنه مسموع-، تأخذ منه فائدة: وهو أنه ليس كل ما سمع يصير فصيحاً أو يطرد معه القياس، نقول: لا، قد يسمع الشيء ويكون ثابتاً في لسان العرب لكنه لا يكون هو المستعمل، ولذلك نحكم على نوع من الألفاظ أو التراكيب بأنه شاذ، يعني: شاذ مخالف للقياس -القواعد والأصول-، وهذا يدل عليه؛ لأنه لا يقول قائل: بأنه يرفع المفعول به وينصب الفاعل كما ذكرناه سابقاً، لا، لا أحد يقول بهذا، ومع كونه سمع هل نستثنيه من القاعدة؟ نقول: لا، ليس كل ما سمع يؤصل له قاعدة أو يستثنى من أصل، بل يبقى على وصفٍ، وهو كونه شاذ، إذاً الشاذ لا بد من وجوده وهو ما انفرد، خرج عن الأصل.

إذاً: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ: المفعول به منصوب، واجب النصب، إلا إذا دخل عليه حرف جر زائد فحينئذٍ يكون منصوباً تقديراً لا لفظاً ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ)) [النساء:64] رَسُولٍ: مفعول به، أرسلنا رسولاً، دخلت عليه (من) الزائدة، وحينئذٍ نقول: رَسُولٍ: مفعول به منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. ((مِنْ رَسُولٍ)) لا تقل: جار ومجرور متعلق بأرسل، فاسد، مثله مثل: ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19]. إذاً: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ ... عَنْ فَاعِلٍ إن لم ينب ذلك المفعول عن فاعل فارفعه، لماذا؟ لأن نائب الفاعل مرفوع، نحو: تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ، الكتب جمع كتاب فُعُل ويسكن الثاني لغة كُتْب، الكتب تدبرت: فعل وفاعل، الكتبُ تدبرتها، إذاً: هو فعل متعدي، تعدى هنا إلى الكتب فنصبها على أنها مفعول به. إذاً: العامل تدبر وهو فعل، والكتبَ منصوب بالعامل وهو مفعول به، والفتحة هنا فتحة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الروي أو الض؟؟؟. إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ: فإن أنيب عن فاعله حينئذٍ أخذ حكمه وهو الرفع، فيكون الحكم عليه بكونه مفعولاً به باعتبار المعنى والأصل لا باعتبار الحال، هو في الحال ليس مفعولاً به، لأن المفعول به فضلة، وضُرِب زيدٌ، زيدٌ هذا عمدة، وفرق بين النوعين: الفضل والعمدة. أما باعتبار الأصل قبل النيابة فهو مفعول به وهو فضلة. فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ ذلك المفعول عَنْ فَاعِلٍ ... نَحْوُ تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ قال رحمه الله: شأن الفعل المتعدي أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله، نحو: تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ، فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدم، تُدُبِّرَت الكتبُ، تَدَبَّرْتُ: التاء فاعل، حُذِفت، قيل: تُدُبِّرَت الكتبُ والتاء للتأنيث. وقد يُرفع المفعول ويُنصب الفاعل عند أمن اللبس، كقولهم: خرق الثوبُ المسمارَ، ولا ينقاس ذلك بل يقتصر فيه على السماع، وهذا شاذ قياساً لا استعمالاً؛ لأنه مستعمل في لسان العرب. والأفعال المتعدية على ثلاثة أقسام: ما يتعدى إلى مفعولين، وهذا تحته قسمان، ما يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، الثاني: ما يتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، الأول: باب ظن وأخواتها، والثاني: باب كسى وأعطى، مر معنا كثيراً هذا. القسم الثاني: ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل: كأعلم وأرى. القسم الثالث: ما يتعدى إلى مفعول واحد وهو الكثير، هذا في لسان العرب أكثر، ما يتعدى إلى مفعول واحد كضرب ونحوه. وَلاَزِمٌ غيْرُ المُعَدَّى غيْرُ المُعَدَّى: مبتدأ مؤخر. وَلاَزِمٌ: هذا خبر مقدم، نفهم من هذه العبارة: أن القسمة ثنائية عند الناظم؛ إما معدى وإما لازم، لأنه حكم على المعدى بأنه ما قبل أو اتصلت به هاء غير مصدر، إن لم تقبل فهو غير معدى، طيب، غير المعدى يحتمل أنه لازم ويحتمل أنه واسطة، لكن حكم عليه هنا بكونه لازماً، فدل على أن القسمة ثنائية عندهم، هذا هو ظاهر العبارة. وَلاَزِمٌ غيْرُ المُعَدَّى وعرفنا معنى اللازم وهو ما لا يتعدى .. ما لا ينصب مفعولاً به.

وَلاَزِمٌ غيْرُ المُعَدَّى: غير المعدى لازم، واللازم يسمى قاصراً وغير مجاوز وغير واقع لما ذكرناه؛ لأن المراد به الإخبار عن حصول حدث فحسب، فلا يفتقر إلى مفعول. ........................... وَحُتِمْ ... لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا ... كَذَا افْعَلَلَّ وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا أَوْ عَرَضاً أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى ... لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتدَّا أراد أن يبين لنا مواضع الحكم على الفعل بكونه لازماً؛ لأنه قد ينظر إلى المعنى وقد ينظر إلى الوزن، باعتبار الوزن؛ كل ما كان على وزن فَعُل فهو لازم، هذا باعتبار الوزن، كل ما كان على وزن افْعَنْلَلَ: اقْعَنْسَسَا، نقول: هذا لازم، كل ما دل على طبيعة وسجية هذا باعتبار المعنى، إذاً: قد نحكم على الفعل اللازم إما باعتبار معناه وإما باعتبار وزنه. قال هنا: وَحُتِمْ: يعني لزم. وَحُتِمْ لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا: السجايا جمع سجية، والمراد به: ما يلازم الفاعل بلا انفكاك، يعني صفة تقوم بالفاعل لا تنفك عنه في حال من الأحوال، طبيعة وجبلة خِلقة، لا تنفك عنه في حال من الأحوال، نقول: هذا يسمى سجية، أفعال السجايا كلها لازمة لا تتعدى. كَنَهِمْ: مثل الناظم هنا بنهم، نهم إذا كان كثير الأكل، كثير الأكل هذا صفة لازمة، بمعنى لا يكون في الصباح قليل الأكل وفي المساء كثير الأكل، فنهم على وزن فعِل وهي صفة لازمة سجية، كونه على وزن فَعِل نرد به على من قال بأن أفعال السجايا كلها على وزن فَعُل، وهذا ليس بصحيح، بل منه ما كان على وزن فَعُل ومنه ما كان على وزن فَعِل؛ لأن القاعدة العامة في الفعل الماضي الثلاثي: أنه إما أن يكون من باب: فَعَل أو فَعِل أو فَعُل ثلاثة لا رابع لها. فَعَل بفتح العين وفَعِل بكسر العين وفَعُل بضم العين، الأكثر فَعَل ثم يليه في الرتبة فَعِل فهو أقل من فَعَل، ثم يليه في الرتبة الثالثة فَعُل، فَعُل باعتبار فَعِل قليل، فَعِل باعتبار فَعُل كثير، فَعِل باعتبار فَعَل بفتح العين قليل، فَعَل باعتبار الجميع كثير، وهو الأكثر، ولذلك أكثر الأفعال في لسان العرب لو فتحت القاموس من أوله إلى آخره تجدها على وزن فَعَل، ثم أقل منه على وزن فَعِل، ثم القليل على وزن فَعُل، هذا من حيث الصيغة، من حيث التعدي واللزوم: فعَل لكثرته في لسان العرب واستعماله، فالأكثر في الأحداث المتعلقة بين الناس أن تكون متعدية؛ لأن الأصل في الكلام إنما جيء به للإخبار والتخاطب مع بعضهم البعض، وحينئذٍ الأحداث المتعدية لما كثرت وكثر فعََل الذي هو خفيف بفتح العين، كثر فيه التعدي، فالتعدي فيه كثير، واللزوم قليل، إذاً: يأتي فَعَل لازماً ويأتي متعدياً. فَعِل بكسر العين -الكسر ثقيل-، خف من جهة الاستعمال، ولذلك اللزوم فيه أكثر من التعدي، فَعُل لثقله بضم العين صار كله لازماً، لا يكون متعدياً البتة، إلا ما ذكره البيانيون من جعل كل فعل دال على اللزوم ينقل إلى باب فعُل، علُم وضرُب هذا يأتي في محله، حينئذٍ نقول: فعَل قسمان: متعدي ولازم، والتعدي أكثر من اللزوم. فعِل قسمان: متعدي ولازم، واللزوم فيه أكثر من التعدي. فعُل لا يكون إلا لازماً.

إذاً: إذا جاء معك على وزن فعُل فاحكم عليه بأنه لازم. فعِل وفعَل يحتمل الوجهين، فلا بد من النظر في المعنى. نهِم على وزن فعِل. إذاً: ماجاءك على وزن فعِل وهو دال على سجية فاعلم أنه لازم، لأنه قال: وَحُتِمْ ... لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ وهو على وزن فعِل، فدل على أن ما كان على وزن فعِل بكسر العين وهو دال على سجية فهو لازم. لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ: كَنَهِمَ كَذَا افْعَلَلَّ: اقشعر واطمأن واشمأز، كل ما كان على هذا الوزن فهو لازم، إذاً: هذا حكم عليه باعتبار الوزن. وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: يعني والذي شابه اقْعَنْسَسَ. وَالْمُضَاهِي: هذا معطوف على افْعَلَلَّ، اشمأز. اقْعَنْسَسَا: الألف هذه للإطلاق. الْمُضَاهِي: يعني الذي ضاهى، فهو اسم فاعل محلى بـ (أل) فيتعدى إلى مفعول. فاقْعَنْسَسَا: قيل: إنه مفعول به. وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: يعني الذي شابه اقْعَنْسَسَا، ومراده احْرَنْجَمَ، احْرَنْجَمَ هذا لازم، احْرَنْجَمَت الإبل إذا اجتمعت، حينئذٍ شبَّه احْرَنْجَمَ بـ اقْعَنْسَسَا، والأصل عند الصرفيين أن اقْعَنْسَسَا ملحق بـ احْرَنْجَمَ –العكس-. الْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: إذا جعلنا اقْعَنْسَسَا مفعولاً به حينئذٍ المراد هنا الْمُضَاهِي الذي شابه اقْعَنْسَسَا، ما مراده بالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا؟ احْرَنْجَمَ، وعند الصرفيين: اقْعَنْسَسَا ملحق بـ احْرَنْجَمَ، فاقْعَنْسَسَا شابه احْرَنْجَمَ لا العكس، حينئذٍ الأولى أن يجعل اقْعَنْسَسَا هنا فاعل، والمفعول محذوف، وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا، الأولى جعله فاعلاً والمفعول محذوف، أي: المضاهيه اقْعَنْسَسَا، فصار اقْعَنْسَسَا مُشَبَّه، واحْرَنْجَمَ مُشَبَّهٌ به. وعلى ظاهر اللفظ إذا جعلنا اقْعَنْسَسَا مفعولاً به صار اقْعَنْسَسَا مُشَبَّهَاً به واحْرَنْجَمَ مُشَبَّه، وهكذا عكس. وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: يعني: والذي ضاهاه اقْعَنْسَسَا، الذي ضاهاه: شابهه اقْعَنْسَسَا، والمراد به احْرَنْجَمَ؛ لأنه هو الأصل، وأما اقْعَنْسَسَا فهذا فرع ليس بأصل، وهو كذلك لازم. وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا: أي: المشابه في الوزن افْعَنْلَلَ، هكذا نفسره نحو: احْرَنْجَمَ، هو الأصل. الْمُضَاهِي: المضاهيه اقْعَنْسَسَا، واقْعَنْسَسَا إنما ضاهى افْعَنْلَلَ واحْرَنْجَمَ، فدل بهذا على نوعين: أصل وفرع. إذاً: الْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا؛ أي: المشابه في الوزن افْعَنْلَلَ نحو: احْرَنْجَمَ، يقال: احْرَنْجَمَت الإبل أي اجتمعت، وما ألحق به وهو وزن افْعَنْلَلَ، اقْعَنْسَسَا ملحق بـ احْرَنْجَمَ. وما أُلحق به وهو وزن افْعَنْلَلَ بزيادة إحدى اللامين، نحو: اقْعَنْسَسَا البعير إذا امتنع من انقياد، افْعَنْلاَ: (افْعَنْ لاَ) هذا بزيادة النون والألف الأخيرة، نحو: احرنبا الديك إذا انتفش عند القتال، احرنبا الديك على وزن افْعَنْلاَ، واسلنقا الرجل إذا نام على ظهره، هذه كلها ملحقة بباب احْرَنْجَمَ، وهذه مفصلة في متن البناء.

المراد: أن ما كان على وزن اقْعَنْسَسَا واحْرَنْجَمَ وما ألحق بهما أو بـ احْرَنْجَمَ نقول: هذا فعل لازم، من أين أخذناه؟ من الوزن، لا باعتبار المعنى وإنما هو بالوزن. وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا اقْتَضَى: يعني طلب. نَظَافَةً: يعني دل على نظافة مثل: طهر، وضؤ، نقول: طهر دل على نظافة، ونظف دل على نظافة. أَوْ دَنَسَا الألف للإطلاق، دنِس دنَس، دنِس على وزن فعِل، نقول: هذا ضد الطهارة دنِس يعني: الخبث، الشيء الخبيث ضد الطهارة، دنِس زيد إذا كان خبيثاً، ونجُس وقذُر، نجُس ذكره البعض، الصبان ضبطه بجواز ضم العين: نجُس ينجُس هل يرد أو لا؟ يرد، نعم، الصحيح. نجُس ينجُس، نجَس ينجُس، وبعضهم جوّز: نجِس كذلك، نجُس ثابت في اللغة، ولذلك ضبطه بضم العين الصبان، وكذلك الأشموني وفي التوضيح ومحيي الدين، وكذلك السيوطي في شرح الألفية وفي حاشية الغزي عليها كلهم ضبطوه بنجُس، فهو ثابت لغة، حينئذٍ يكون مضارعه على وزن يفعُل، لا يفعَل ولا يفعِل، لماذا؟ لأنه باطراد أن مضارع فعُل يفعُل، بخلاف فعَل؛ فقد يكون يفعُل وقد يكون يفعَل، قد يكون يفعُل بضم العين وقد يكون يفعَل، وأما نجُس نقول: هذا ثابت؛ لأن بعضهم ذكر نجَس ينجُس، فعَل يفعُل، نقول: نعم، هذا الأكثر نجَس بالفتح، وأما نجُس فهو ثابت لا إشكال فيه. وَمَا اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا: كنظُف ووضؤ ودنِس ونجُس وقذُر وطهُر، كلها نقول: هذه أفعال لازمة؛ لأن معانيها إما أن تدل على نظافة وإما أن تدل على دنس. أَوْ عَرَضاً: العرض هذا ضد الجوهر، وهو ما ليس حركة جسم من معنىً قائم بالفاعل غير ثابت فيه، يعني: ما يأتي ويزول مقابل لأفعال السجايا، السجايا هذه ثابتة لازمة مستقرة مثل: نهم، وأما العرض فهو يأتي مثل المرض، فتقول: مرِض زيد، نقول: هذا مرِض دل على المرض، المرض هذا في الغالب في الأصل أنه يأتي ويزول فهو عارض، كذلك تقول مثلاً: كسِل زيد بالكسر، كسِل على وزن فعِل، الكسل في الغالب أنه يأتي ويزول، وقد يكون سجية عند البعض. ونشط كذلك على وزن فعِل، وفرح وحزِن هذه كلها على وزن فعِل، فهي أعراض تأتي وتزول، حزِن الحزن يأتي ويزول، النشاط، الكسل، المرض، الفرح كلها تأتي وتزول، نقول: كل فعل دل على عرض وهو على وزن فعِل حينئذٍ نحكم عليه بأنه لازم. أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى لِوَاحِدٍ طَاوَعَ: وطاوع أن يكون الأول أثر، تأثير في الثاني، فيحصل أثر من الأول للثاني، كسرته فانكسر نقول: انكسر هذا مطاوع، مطاوع لواحد احترازاً مما طاوع ما تعدى لاثنين، مثل: علَّمت زيداً الحسابَ فتعلَّّم الحسابَ، تعلم الحساب نقول: هذا مطاوع لاثنين، والناظم قال: أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى لِوَاحِدٍ مثل: كسرتُ الزُّجاجَ فانكسر الزجاجُ، كسرتُ الزُّجاجَ: فعل وفاعل ومفعول به متعدي إلى واحد. فـ انكسر الزجاج: انكسر على وزن انفَعَل، وسبق معنا في الصرف: أن كل ما كان على وزن انفَعَل فهو لازم، هذا هو الأصل فيه.

فانكسر الزجاج: هذا مطاوع لكسر، وحينئذٍ نقول: انكسر -الكلام في انكسر لا في كسرتُ-، كسرت الزجاج هذا متعدي لواحد، طاوعه انكسر، يعني: قبل الأثر، أنت كسرت، يحتمل أن هذا لو كسرت الآن، تكسر تكسر قد يقبل وقد لا يقبل، إذا لم يقبل ما صار مطاوعاً، إذا قبله تقول: انكسر الخشب، أو انكسر الزجاج، إذاً صار مطاوعاً، لكن مطاوع لما يتعدى إلى واحد، أما إذا كان متعدياً إلى اثنين فلا. علمته النحو فتعلم النحو، إذاً: علمته النحو صار متعدي إلى مفعولين، فتعلم، استجاب، فتعلم صار مطاوعاً لما تعدى لاثنين فتعدى لواحد، المطاوع لما تعدى لواحد صار لازماً، ينقص، إن كان متعدياً لواحد طاوعه نَقَص صار لا يتعدى إلى مفعول، إن كان المطاوَع بفتح الواو يتعدى لاثنين؛ المطاوِع ينقص واحد ويصير يتعدى إلى واحد. علمته النحو فتعلم النحو؛ نقص. كسرت الزجاج فانكسر؛ انتهى، لماذا؟ لأنه طاوع متعد لواحد، وهذا الذي قصده الناظم وهو لازم. إذاً: .... أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى ... لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتدَّا مد الحبل تعدى إلى واحد، فامتد الحبل؛ انتهى ليس له مفعول، لأنه طاوع واحداً. فلو طاوع ما يتعدى الفعل لاثنين تعدى لواحد كعلمته الحساب فتعلمه. إذاً قوله: وَلاَزم غيْرُ المُعَدَّى: أي ما سوى المعدى هو اللازم إلا واسطة، ويسمى قاصراً؛ لقصوره على الفاعل وغير واقع وغير مجاوز لذلك، ثم اللازم منهما يستدل على لزومه بمعناه، ومنه ما يستدل على لزومه بوزنه، لو نظرنا هنا في المعنى لأنه ما رتبها: لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا: هذا بالمعنى، اقْتَضَى نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا أَوْ عَرَضاً: هذا بالمعنى، افْعَلَلَّ وَالْمُضَاهِي اقْعَنْسَسَا، .. أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتدَّا: هذا الظاهر أنه بالوزن. وَلاَزِمٌ غَيْرُ المُعَدَّى وَحُتِمْ ... لُزُومُ أَفْعَالِ السَّجَايَا كَنَهِمْ وَكَذَا افْعَلَلَّ: افعلل اقشعر افعلل. وَالْمُضَاهِي: أي المشابه. اقْعَنْسَسَا: الألف للإطلاق، واقْعَنْسَسَا الأول نعربه فاعل، أي: المضاهيه اقْعَنْسَسَا، فاقْعَنْسَسَا مضاهي احَرَنْجَمَا، فـ احَرَنْجَمَا هو اللازم هو الذي عناه هنا، يصدق عليه الْمُضَاهِي، ثم اقْعَنْسَسَا وما ألحق به ملحق بـ احَرَنْجَمَا. وَمَا اقْتَضَى: يعني والذي –فعل- اقْتَضَى: أفاد أو دل. نَظَافَةً أَوْ دَنَسَا أَوْ عَرَضاً أَوْ طَاوَعَ المُعَدَّى ... لِوَاحِدٍ كَمَدَّهُ فَامْتَدَّا قال: كَنَهِمْ، وبعضهم ألحق به حمِق وحمُق، حمِق وحمُق فيه وجهان: إن كان حمُق فلا إشكال، واضح من حيث الصيغة، وأما حمِق بالكسر حينئذٍ نحتاج النظر في المعنى؛ لأنه ليس كل فَعِل يكون لازماً، فباعتبار المعنى الدال على السجية صار لازماً، أما إذا كان حمُق فهو من باب فَعُل، يستدل عليه بجهتين: كونه على وزن فعُل وكونه دالاً على سجية، فاجتمع فيه المعنى والوزن، وأما حمِق فوجد فيه المعنى فقط دون الوزن. كنهم الرجل إذا كثر أكله، يعني: فرَط وأفرط في الأكل. وكذا شجُع وجبُن وقبُح وطال وقصُر.

قال الشارح: اللازم هو ما ليس بمتعد، وهو ما لا يتصل به هاء ضمير غير المصدر، -هذه علامة ذكرها ابن هشام أول العلامات، ذكر اثني عشر علامة، عد ما سبق وأضاف إليه: ألا يتصل به هاء ضمير غير المصدر، وهذا معلوم مما سبق؛ لأنه قال: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ، إذاً: إذا لم تتصل به فهو لازم. والعلامة الثانية: ألا يُبنى منه اسم مفعول تام، هذه علامة على كونه لازماً، يعني: يفتقر إلى جار ومجرور مثل: مخروج؛ هذا ليس بتام، وحينئذٍ نقول: خرج زيد، ما الدليل على أنه لازم ليس متعدياً؟ نقول: اسم المفعول منه مخروج به أو مخروج إليه، حينئذٍ لا يستقل بنفسه، بل لا بد من حرف جر. وذلك خرج، فلا يقال: زيد خرجه عمرو ولا هو مخروج، وإنما يقال: الخروج خرجه عمرو بإعادة الضمير هنا إلى مصدر، وهو مخروج به أو مخروج إليه فصار لازماً-، ويتحتم اللزوم لكل فعل دال على سجية -وهي الطبيعة- نحو: شرُف وكرُم وظرُف ونهم بالكسر،-انتبه لهذا؛ لأن بعضهم -وهذا مشتهر عند بعضهم-: أن كل ما كان على وزن فعُل فهو سجية وما عداه فلا، لا، نقول: قد يكون من باب فعِل وهذا مثَّل به الناظم هنا-، وكذا كل فعل على وزن افْعَلَلَّ، اقشعر، اطمأن، أو على وزن افْعَنْلَلَ: اقْعَنْسَسَا واحْرَنْجَمَ، أو دل على نظافة: طهُر الثوب ونظُف، أو دل على دنس: دنِس الثوب بالكسر فعِل ووسِخ، أو دل على عرض: مرِض زيد واحمَر، أو كان مطاوعاً لما تعدى إلى مفعول واحد نحو: مددت الحديد فامتد، ودحرجت زيداً فتدحرج، تدحرج زيد، والكلام في الثاني لا في الأول. واحترز بقوله: لواحد مما طاوع المتعدي إلى اثنين؛ فإنه لا يكون لازماً، بل يكون متعدياً إلى مفعول واحد، فَهَّمتُ زيداً المسألة ففهمها، يعني: فهم المسألة، تعدى إلى واحد، هذا لا يكون لازماً، وعلمته النحو فتعلمه، تعلم النحو تعدى إلى واحد. إذاً: ما كان مطاوعاً لمتعدٍّ لواحد صار لازماً، وما كان مطاوعاً لمتعدٍّ لاثنين صار قاصراً على واحد. وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ ... وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ ... مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا لما بين لك حقيقة اللازم، الآن بين حكمه، الأصل في اللازم إما أن يكون قاصراً على نفسه فلا يفتقر إلى مفعول في المعنى، قام زيد، انتهينا، قام: فعل ماضي، وزيد: فاعل، هل يحتاج القيام بأن يكون ثَمَّ ما يقع عليه القيام؟ الأصل لا، قام زيد اكتفى بنفسه، وقد يكون ثَمَّ ما يفتقر إلى مفعول في المعنى، مرّ زيد، مر بمن؟ لا بد المرور والمجاوزة تتعلق بشيء آخر، إذاً: لا بد من مفعول، فمرّ هذا من حيث المعنى يفتقر إلى مفعول به، فحينئذٍ يتعدى إليه بحرف الجر، تقول: مررت به وغضبت عليه، وقال هنا: وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ

وَعَدِّ لاَزِماً: الفعل إذا طلب مفعولاً من جهة المعنى ولم يصل إليه بنفسه لضعفه عنه عدي إليه بحرف الجر، وهذا إنما يكون في اللازم، ولذلك إذا قيل: ضعفه، يعني ليس الضعف من حيث العمل، وإنما الضعف من حيث المعنى؛ لأن الحدث هنا قلنا: لا بد من النظر فيه؛ هل يتعدى الحدث أم لا؟ فإن تعدى لا بد أنه يقتضي ما يقع عليه، وإلا بقي على أصله وهو اللزوم. وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ عده بحرف جر، ويختلف، كل فعل في لسان العرب قد يختص بحرف جر دون غيره، وهذا مرجعه إلى فقه اللغة، يعني ينظر في القواميس هذه الأفعال استعملت متعدية بأي الحروف؟ ليست المسألة عشوائية هكذا تعدي فيما شئت لا، لا بد من النظر في لسان العرب، ما عدي بـ (إلى) اقتصر به، ولذلك لما اختص بعضها بحروف جاءت مسألة التضمين، جاءت مسألة التضمين لماذا؟ لأنه قد يعد فعل بغير حرف وضع له في لسان العرب، وحينئذٍ نقول: ضمنه كذا، وهذا مر معنا في أول الألفية: وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ، قلنا: في (أستعين) لا يتعدى بـ (في) وإنما يتعدى بـ (على)، ((وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ))، ((وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا))، إذاً: ضمنه معنى استخير؛ لأن استخار يتعدى بـ (في). لماذا نقول هذا؟ لأننا في لسان العرب لم نجد الاستعانة ومشتقاتها متعدية إلا بـ (على)، أو (الباء) ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) فحينئذٍ إذا عدي بغير الحرف الذي وضع له في لسان العرب لا بد من القول بأنه مضمن؛ لأن المسألة ليست عشوائية تضع ما شئت من الحروف، لا بد من قيد. بِحَرْفِ جَرِّ: ذهبت بزيد، الباء هنا للتعدية، وزيدٍ في المعنى مفعول به؛ لأنه في قوة أذهبته، وأذهب هذا يتعدى بنفسه، هو موازٍ له، من حيث المعنى موازي، لماذا؟ لأن ذهبت بزيدٍ من حيث العمل هو لازم، لكن من حيث المعنى هو متعدي، فوازنه أذهبته من حيث اللفظ والمعنى، فسرته بما يوافق المعنى من حيث اللفظ والمعنى كذلك، فأذهبته: هذا متعدي معنىً ولفظاً، وذهبت: هذا متعدي من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، وحينئذ: وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ حكم اللازم أن يتعدى بالجار، نحو: عجبت منه، ومررت به، وغضبت عليه. وقوله: لاَزِمَاً: يعني ولو بالنسبة إلى ما يتعدى إليه بحرف الجر، فيدخل المتعدي إلى المفعول الثاني بحرف الجر، سمَّى يتعدى إلى مفعولين: أحدهما يتعدى إليه بنفسه، والثاني بحرف الجرن سميت ابني بمحمد، سميت ابني محمداً، يجوز أن يتعدى للثاني بنفسه ويجوز أن يتعدى إليه بحرف الجر، المثال في الثاني -إذا تعدى إليه بحرف الجر-، حينئذٍ ننظر إلى سمَّى باعتبارين: باعتبار تعديه إلى الأول بنفسه لا إشكال فيه، والثاني تعدى إليه بحرف الجر، نقول: بهذه النظرة أو بهذا الاعتبار نعامله معاملة اللازم، وإن تعدى إلى الأول بنفسه، لكن لما احتاج إلى الثاني أن يتعدى إليه بحرف الجر عاملناه معاملة اللازم، ولذلك قوله: وَعَدِّ لاَزِمَاً؛ يشمل ما لا يتعدى أصلاً، مررت بزيد، أذهبت بزيد، ويشمل المفعول الثاني فيما يتعدى إلى مفعولين إذا كان يتعدى إليه بحرف الجر.

إذاً: ولو بالنسبة إلى ما يتعدى إليه بحرف الجر فيدخل المتعدي إلى المفعول الثاني بحرف الجر، يدخل في الجملة هنا، قد يحذف حرف الجر ويبقى عمله، لكن نحكم عليه بكونه شاذاً، قد يحذف حرف الجر ويبقى عمله، يبقى عمله: مررت بزيد، مررت زيدٍ، زيدٍ؛ نقول: هذا مجرور بالباء المحذوفة، هل يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله؟ نقول: الصواب: لا، لماذا؟ لأن الحرف وهو ملفوظ به ضعيف -عامل ضعيف-، لأن الأصل في الحروف كلها بلا استثناء ألا تعمل، فإذا أُعملت حينئذٍ صارت فرعاً، وإذا كانت فرعاً يقيد في إعمالها أن تكون ملفوظاً بها، فإن لم يلفظ بها وحذفت حينئذٍ ازداد الحرف من حيث العمل ضعفاً وضعفاً وضعفاً، فامتنع أن يعمل وهو محذوف، فتقيد إعماله بذكره، فإن حذف فالأصل في المجرور أن ينتصب، ولذلك يقال: مررت زيداً، وأما ما حكي عن رَؤْبَةُ: كَيفَ أَصْبَحْتَ؟ قال: خَيْرٍ، يعني بخير، هذا يحفظ ولا يقاس عليه، كَيفَ أَصْبَحْتَ؟ قال: خَيْرٍ، يعني بخير، حذف حرف الجر وأبقى المجرور كحاله كما هو، نقول: هذا ضعيف، يعني يحفظ ولا يقاس عليه بل هو شاذ. إذاً: قد يحذف حرف الجر ويبقى الجر شذوذاً، أَشارَتْ كُلَيْبٍ بالأَكُفِّ الأَصابِعُ، أَشارَتْ كُلَيْبٍ، يعني: أشارت إلى كليب، حذف (إلى) وأبقى كليب كما هو مجرور، نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه، وهو شاذ. ................................ ... وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ ... ....................................... قسَّم لنا المحذوف -إن حذف حرف الجر- إلى نوعين: قياسي وسماعي، قياسي مطرد يقاس عليه، وسماعي. إذاً: قد يحذف الحرف وينصب المجرور، وهذا قيل: ثلاثة أقسام، وقيل: قسمان، قسمه ابن هشام في التوضيح إلى ثلاثة أقسام، واعترض بأن الأولى أن يجعل قسمين: سماعي كما قال الناظم هنا: نَقْلاً، إذاً: سماعي، يعني منقول، وبـ (أَنَّ) و (أَنْ) يَطَّرِدُ، إذاً قياسي، قابَل هذا بذاك فدل على أن القسمة ثنائية، وهذا أولى، وابن هشام جعلها ثلاثة: الأول: سماعي جائز في النثر، مثَّل له بـ: نصحته وشكرته، نصحته وشكرته، أصلها قلنا: نصحت له، هذا لازم، ثم حذف حرف الجر واتصل الضمير بالعامل فانتصب على أنه مفعول به له. إذاً: حذف حرف الجر وانتصب. وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ: الضمير هو منجر في المحل، لما حذف اللام اتصل الضمير بشكر فانتصب على أنه مفعول به له. كذلك: نصحته، أصلها: نصحت له، هو لازم، والمتعدي فرع عنه؛ لأن الأصل نصحت له حذفت اللام ثم اتصل الضمير بالعامل، والأكثر ذِكرُ اللام: ((وَنَصَحْتُ لَكُمْ)) جاء في القرآن، ((أَنْ اشْكُرْ لِي)). النوع الثاني: سماعي خاص بالشعر، كقول القائل: (كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ)، الثعلب: فاعل، عَسَلَ الطَّرِيقَ، يعني: عسل في الطريق، حذف (في) ثم نصب ما بعده، هذا سماعي؛ لأنه ليس من القسم المطرد الآتي ذكره. وقوله: آلَيتُ حَبَّ الْعِرَاقِ الدَّهرَ أَطعَمُهُ آلَيتُ: حلفت يعني، حلفت على حب العراق، آلَيتُ حَبَّ الْعِرَاقِ، حذف على وانتصب ما بعده بنزع الخافض.

الثالث: القياسي، وذلك في (أنَّ) بالتشديد و (أنْ وكي) ثلاثة، الناظم ذكر ثنتين وبقي عليه الثالث، والأولى جعله قسمين موقوف على السماع ومطرد كما قال الناظم هنا. إذاً: وَإِنْ حُذِفْ حرف الجر. فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ: واجب، يجب نصب المنجر؛ لأنه لا يبقى على حاله، لأننا لو أبقيناه على حاله لوقعنا في محذور كبير؛ وهو إعمال حرف الجر وهو محذوف، وهذا منكر، يجب عدم القول به، فحينئذٍ يتعين نصب المجرور، فتقول: مررت زيداً، كيف أصبحت؟ خيراً، هذا الأصل فيه، لكن هذا يسمع في ألفاظ وتحفظ ولا يقاس عليها، وإنما القياس يكون في المطرد فحسب. وَإِنْ حُذِفْ: يعني وإن حذف بإسكان الفاء، مجزوم بـ (إن) لأنه فعل ماضي، حذف: فعل ماضي، سكنه هنا من أجل الروي. وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ: الفاء واقعة في جواب الشرط، والنصب هذا مبتدأ. لْلِمُنْجَرِّ: جار ومجرور خبر، فالنصب للمنجر وجوباً، وناصبه عند البصريين الفعل، وعند الكوفيين إسقاط الحرف، إذا قلت: مررت زيداً هذا منصوب، والأصل فيه: مررت بزيد، ما الناصب له؟ نقول: الفعل مر، وهذا مذهب البصريين، وإسقاط الحرف هو العامل فيه على مذهب الكوفيين، ويضعفوا الثاني: أن إسقاط الحرف عدم، وإذا كان كذلك حينئذٍ صار العامل معنوياً، وسبق قاعدة: أنه لا يصار إلى العامل المعنوي إلا عند عدم إمكان تعليق الحكم بالعامل اللفظي؛ لأن العامل المعنوي ضعيف في نفسه، عدم، ليس بشيء كيف ينصب؟ كيف يرفع؟ كيف يجر؟ نقول: الأصل عدمه، فهو عدم، والعدم لا يحدث شيئاً، فمتى ما أمكن تعليق الحكم هنا -العمل نصب أو رفع أو جر- بلفظ ملفوظ به فهو أولى ومرجح، ولذلك انحصر العامل المعنوي في اثنين لا ثالث لهما كما سبق بيانه. وَإِنْ حُذِفْ: يعني حرف الجر. فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ: بالفعل، على مذهب البصريين. نَقْلاً: يعني منقولاً، فهذا نقلاً، هل هو راجع للحذف أو للنصب؟ وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ نَقْلاً: عندنا أمران: إما الحذف وإما النصب، ظاهر الكلام في النصب وليس الأمر كذلك، بل المراد به الحذف. قوله: نَقْلاً؛ ظاهره أنه راجع للنصب وليس كذلك، بل هو راجع لحذف حرف الجر، وأما النصب فليس بنقل، وإنما هو الحذف، لأنَّ كلامنا فيه: هل يجوز حذف حرف الجر أو لا؟ نقول: نعم، يجوز من جهتين: سماعاً ومقيساً. إذاً: نَقْلاً؛ نقول: هذا المراد به أن الحذف منقول في لسان العرب، وحينئذٍ يسمع ولا يقاس عليه. متى يحذف حرف الجر؟ نقول: لا يحذف إلا في ما هو قياس مطرد، وهو ما أشار إليه بقوله: وَفِي أَنَّ: أخت إنَّ، وأنْ الناصبة للفعل المضارع، وزد عليها كي، هذه ثلاثة أحرف يجوز حذف حرف الجر الداخل عليها قياساً مطرداً، يعني تستعمله في لسانك مطلقاً، تتكلم به، وأما المنقول سماعاً لا، لا تتكلم به، وإنما إذا سمعته في كلام العرب تحمله على أنه شاذ ولا تقس عليه. وَفِي أَنَّ: يعني وحذف حرف الجر في (أنَّ وأنْ) يَطَّرِدُ، مطرد، يعني: يوجد كثير فهو مطرد قياساً.

مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ: يعني إذا أمن اللبس، مفهومه: إذا لم يؤمن اللبس ليس بمطرد؛ لأن القاعدة كما سبق وعليها يجري ابن مالك رحمه الله تعالى: أن أمن اللبس وعدمه لا بد من تعليق الأحكام عليها، فما جاز حذفه وأبهم المعنى لا يجوز؛ لأنه يوقع في لبس، وما حذف ولم يوقع في لبس، حينئذٍ نقول: الأصل فيه الجواز، كما سبق في المفاعيل. مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ: إذاً: مفهومه إذا لم يؤمن اللبس لا يجوز حتى مع (أنَّ وأنْ وكي). كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا: عجبت، عجب يتعدى بـ (من)، عجبت من زيد. عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا: (أنْ) هذه حرف مصدريي. ويَدُوا: هذا بمعنى يعطوا الدية، عجبت من أن يدوا، هذا الأصل، فحذفت (من) وبقي أَنْ يَدُوا، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، حينئذٍ هل نقول: منصوب أو مجرور؟ هذا يأتي الخلاف فيه في كلام الشارح. إذاً: وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ ... مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ فإن خيف اللبس امتنع الحذف، كما في رغبت، رغب يتعدى بـ (في) ويتعدى بـ (عن) والمعنى يختلف، رغبت فيه أحببته، رغبت عنه كرهته، اختلف المعنى، حينئذٍ: رغبت؛ هل يجوز أن يحذف مدخول حرف الجر، وحينئذٍ نقول: يرغب يقوم زيد؟ لا يجوز، لماذا؟ لعدم أمن اللبس. رغبت أن يقوم زيد، هذا التركيب، هذا يحتمل: رغبت في قيام زيد، ورغبت عن قيام زيد، فلما أوقع في لبس امتنع الحذف، فيجب أن يذكر الحرف: رغبت في أو عن، لا بد من ذكره. فإن حذف، لا بد من التماس معنىً أعم روعيت فيه المصلحة ودفعت تلك المفسدة، وهو كقوله: -يعني أجيب بهذا عن قوله-: ((وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)) تَرْغَبُونَ في أو عن؟ هذا محتمل، وإذا قلنا: مع أمن اللبس شرطٌ، حينئذٍ: ما لا يؤمن معه اللبس لا يجوز الحذف، وكيف حذف في الآية؟ قيل: المراد به إفادة العموم، فروعي العموم وقدم على المفسدة الحاصلة، وهذا جواب لبعضهم. إذاً: رغبت في أن تفعل، أو عن أن تفعل، نقول: هذا لا يجوز حذف (في) ولا (عن). وأما قوله: ((وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)) فيجوز أن يكون الحذف فيه بقرينة، أو لإفادة العموم. نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ: يعني حذف الجار والمجرور بطولهما بالصلة. مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا قال الشارح: تقدم أن الفعل المتعدي يصل إلى مفعوله بنفسه، وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف الجر نحو: مررت بزيد، وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعول بنفسه –شذوذاً-، مررت زيداً، ومنه جاء: تَمُرُّونَ الدِّيارَ أي: بالديار، هذا يحفظ ولا يقاس عليه. ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير (أنَّ وأنْ) -وزد عليها (كي) -؛ لأن اللام تحذف، لكي؛ تحذف اللام قبلها، لا نقول منوية فتقدر، وهذا من المواضع التي يجوز فيها قياساً-، بل يقتصر فيه على السماع، (كي المصدرية) جئتك كي تقوم، يعني: لكي تقوم، حذف اللام نقول: هذا قياس، وقلَّ من نبه عليه كما ذكر ابن هشام رحمه الله تعالى.

بل يقتصر فيه على السماع، وذهب أبو الحسن -الأخفش الصغير- إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياساً بشرط: تعين الحرف ومكان الحذف، -لكنه مرجوح-، تعين الحرف، ما هو الحرف؟ أن يكون متعين، يعني: هذا الفعل لا يتعدى إلا بهذا الحرف، لا يحتمل وجهين مثل: رغب في وعن، لا يحتمل إلا حرفاً واحداً. ومكان الحذف: نعرف أن الحذف حُذف من هذا المكان، فإن احتمل، لا، إن احتمل عدم التخصيص بالحرف نقول: لا، مثل: بريت القلم بالسكين، هذه الباء باء الآلة والسكين آلة، أيهما يبرى الأول بالثاني؟ القلم يبرى بالسكينن إذاً لو قال: بريت القلم السكينَ؛ جاز، لأن السكين هنا آلة ولا يدخل على الآلة إلا باء الآلة فهو متعين، ثم الحرف هنا لا يحتمل: بريت بالقلم أو بريت بالسكين لا يحتمل، إذاً: تعين المكان وهو قوله السكين، وتعين الحرف؛ لأن السكين هذا آلة ولا يدخل عليه إلا الباء باء الآلة، هذا جائز. فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف، رغبت في زيد بيناه، فلا يجوز حذف في؛ لأنه لا يدرى حينئذٍ هل التقدير رغبت عن زيد أو في زيد، وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز: اخترت القوم من بني تميم، اختار هذا يتعدى إلى اثنين أحدهما بنفسه والثاني بحرف، وقد يجوز إسقاط الحرف ونصبه على المفعولية، مثل: اخترت الرجال زيداً، اخترت القوم من بني تميم، لا يصح حذف (من) اخترت القوم بني تميم؛ لأنه فرق، اخترت من القوم بني تميم أو اخترت من بني تميم القوم، هذا مختلف، وإذا اختلف حينئذٍ لم يجز الحذف. نحو: اخترت القوم من بني تميم فلا يجوز الحذف، فلا تقول: اخترت القوم بني تميم، لا يجوز حذف الحرف، إذ لا يدرى هل الأصل: اخترت القوم من بني تميم أو اخترت من القوم بني تميم، أما اخترت الرجال محمداً، يجوز؛ لأنه مقطوع أن محمداً مختار من الرجال، اخترت من الرجال محمداً. إذاً: اخترت، لا يجوز أن تقول: اخترت القوم من بني تميم، إذ لا يدرى هل الأصل اخترت القوم من بني تميم أو اخترت من القوم بني تميم، لاحتمال اللبس، وأما اخترت الرجال محمداً نقول: هذا متعين؛ لأن محمد واحد والرجال هذا متعدد، فحينئذٍ لا بأس بحذف حرف الجر. وأما (أنَّ) بالتشديد فرع (إنَّ)، و (أنْ) بالتخفيف فيجوز حذف حرف الجر معهما قياساً مطرداً، بشرط: أمن اللبس، كقولك: عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا، يعني: من أن يدوا، حذفت (من)؛ لأن المعنى واضح، لأن (عجب) لا يتعدى إلا بـ (من)، عجبت من أن يدوا، أي من أن يعطوا الدية. ومثال ذلك مع (أنَّ) بالتشديد: عجبت من أنك قائم، عجبت أنك قائم لا بأس به، فإن حصل لبس لم يجز الحذف، رغبت في أن تقوم، رغبت في أنك قائم، فلا يجوز حذف في لاحتمال أن يكون المحذوف (عن) فيحصل لبس. واختُلف في محل (أنَّ وأنْ) عند حذف حرف الجر، فذهب الأخفش إلى أنهما في محل جر، وذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب، وجوز سيبويه الوجهين؛ لأن كلاً منهما له دليل معتبر. ذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب؛ لأنه الأقيس. وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ ** نَقْلاً

إذاً: عجبت أن تقوم نقول: هذا محتمل للنصب والجر، حمله على المسموع أولى؛ لأنه لما حذف في المسموع المنقول ولو كان سماعياً، لما انتصب علمنا أن (أنَّ) إذا حذف منها حرف الجر أنه في محل نصب. الثاني: بكونهما في محل جر نظروا إلى محل رُبَّ، وسيأتي أن رُبَّ تحذف ويبقى عملها: ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ، لَيْلٍ أي: رُبَّ ليل، بقي الحذف، فقيس عليه حرف الجر إذا حذف وكان مدخوله (أنَّ وأنْ) أيهما أولى بالقياس؟ ما سمع منصوباً ولو كان شاذاً في باب حذف حرف الجر، أو حرف منفك خارج عن الباب، أيهما أولى؟ لا شك أن قياسه على المذكور في الباب نفسه أولى ولو كان شاذاً. فمن قال بأنه في محل جر قاسه على مجرور رُبَّ؛ لأن رُبَّ تحذف ويبقى عملها، الذي سوغ القياس هنا، لماذا خاصة رُبَّ؟ لأنه يجوز قياساً حذف رُبَّ وإبقاء عملها، وهنا يجوز قياساً حذف حرف الجر السابق لـ (أنَّ وأنْ) ويبقى عمله على الأصل، لكن نقول: هناك شيء بعيد وشيء قريب كلاهما له حظ من النظر، ولذلك سيبويه ذهب إلى تجويز الوجهين؛ لأن كل دليل صحيح، لكن هناك دليل أقوى من دليل، ونظره أبعد، وهو القول بكونهما في محل نصب؛ لأن القياس على شيء في نفس الباب أولى من القياس على شيء في باب خارج ولو كان القياس صحيحاً، يعني مستوفي للشروط والأركان، فحينئذٍ يترجح أن يكون محلهما النصب. وحاصله: أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف الجر، ثم إن كان المجرور غير (أنَّ وأنْ) لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعاً، وإن كان (أنَّ وأنْ) جاز ذلك قياساً عند أمن اللبس، وهذا هو الصحيح. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

52

عناصر الدرس * حالات المفعول الأول والثاني من حيث التقديم والتأخير * حالات حذف الفضلة (مع تعريف الفضلة والعمدة) ـ * حالات حذف عامل الفضلة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فما زال الحديث في الباب الذي عقده الناظم رحمه الله تعالى في: تَعَدِّي الفِعلِ وَلُزُومُهُ. قال رحمه الله تعالى: وَالأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنًى كَمَنْ ... مِنْ أَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ أَلْبِسَنْ .. أَلْبِسُنْ يجوز فيها الوجهان. وَالأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ: أراد أن يبين لنا بعض مراتب المفاعيل في تقديمها على بعض؛ لأن لبعض المفاعيل الأصالة في التقدم على بعض، وحينئذٍ الأصل التزام ما جاء في لسان العرب، فما قدم من جهة كونه فاعلاً في المعنى على ما هو مفعول به في المعنى هذا هو الأصل، وحينئذٍ يتبع الأصل، نقول: لبعض المفاعيل الأصالة في التقدم على بعض، إما بكونه مبتدأً في الأصل، فما كان مبتدأً في الأصل هو الأولى بالتقدم، وهذا في باب (ظن وأخواتها) ظننت زيداً قائماً، نقول: زيداً هذا مفعول أول، وقائم: هذا مفعول ثاني، أيهما أولى بالتقديم؟ زيد أولى بالتقديم، لماذا؟ لكونه مبتدأً في الأصل. إذاً: إذا كان المفعول مبتدأً في الأصل فله أحقية التقدم باعتبار أصله قبل دخول (ظن) ظننت زيداً قائماً، وقد يلتزم هذا الأصل فيما إذا قال: ظننت زيداً عمْراً كما سبق بيانه. أو فاعلاً في المعنى، يقدم على ما كان مفعولاً في المعنى، وهو الذي عقد له هذا البيت، أعطيت زيداً درهماً، أعطيت: فعل وفاعل، وزيداً: مفعول أول، وردهماً: مفعول ثان. أي المفعولين أولى بالتقديم؟ نقول: ما كان فاعلاً في المعنى؛ لأن الفاعل متقدم على المفعول في الرتبة، فما كان فاعلاً في المعنى أولى بالتقديم على ما كان مفعولاً في المعنى، وحينئذٍ زيد هو الآخذ، والدرهم هو المأخوذ، حينئذٍ زيد فاعل في المعنى فهو أولى بالتقديم على المفعول في المعنى. أو غير مقيد بحرف لفظاً أو تقديراً والآخر مقيد، وهذا في باب اختار، نقول: اخترت زيداً القوم، اخترت زيداً من القوم، زيداً: هذا مفعول أول لاختار، والقوم: مفعول ثاني، أيهما أولى بالتقديم؟ غير المقيد بحرف أولى، لأن المقيد بحرف أدنى، وإذا كان أدنى فرتبته حينئذٍ التأخير، فزيداً نقول: هذا مفعول به تعدى إليه اختار بنفسه مباشرة، وأما قوماً؛ فهذا مقيد بحرف الجر، إما ملفوظاً في نحو: اخترت زيداً من القوم، ملفوظ به. وإما مقدراً فيما إذا حذف: اخترت زيداً القومَ، ظننت زيداً قائماً، أعطيت زيداً درهماً، اخترت زيداً القومَ أو من القومِ، هذه مفاعيل النظر فيها باعتبار المعاني، فحينئذٍ الأولى بالتقديم هو ما كان فاعلاً في المعنى أو ما كان مبتدأً في الأصل أو ما كان غير مقيد بحرف جر لفظاً أو تقديراً. قال الناظم: وَالأَصْلُ: ما المراد بالأصل هنا؟ الراجح، يطلق ويراد به الراجح، الراجح سَبْقُ فَاعِلٍ: الأَصْلُ مبتدأ، وسَبْقُ فَاعِلٍ، سَبْقُ: خبر، وهو مضاف وفَاعِلٍ مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، فالفاعل فاعل، في اللفظ مفعول به وهو فاعل في المعنى.

والأصل أن يسبق فاعل معنىً، يسبق ماذا؟ يسبق المفعول في المعنى، ولذلك قال: فَاعِلٍ مَعْنًى: هذا منصوب بنزع الخافض، أي: أنه فاعل في المعنى، وليس المراد هنا الفاعل اصطلاحاً؛ لأنه لو كان اصطلاحاً كيف نتحدث عنه في باب المفعول به! هذا تعارض، حينئذٍ الفاعل معنىً، يعني في المعنى، منصوب على نزع الخافض. الأصل أن يسبق فاعل في المعنى، يسبق ماذا؟ مفعولاً في المعنى، وهذا إنما يكون في باب (كسى) لماذا؟ لأن باب (ظن) الأول مبتدأ في المعنى والثاني خبر في المعنى، وحينئذٍ ليس المراد هنا باب (ظن وأخواتها) وإنما المراد به: ما تعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر وهو باب (كسا وأعطى) كما سبق معنا مراراً. وَالأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ: أن يسبق فاعل. مَعْنًى: أي في المعنى، منهما المفعول معنى، مثل ماذا؟ قال: كَمَنْ من قولك: ألبِسُنْ بضم السين أمراً للجماعة ليطابق قوله: مَنْ زارَكُمْ، زاركم هذا جمع، فكيف يقال: ألبِسَن، ألبِسَن مفرد، وزاركم، زاركم أنتم، إذاً جمع، وحينئذٍ نقول: السين هنا بالضم، ويجوز فتحها على أن الميم للتعظيم: زاركم أنتم وهو واحد، وإذا كانت الميم هنا للتعظيم صح أن يقال: أَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ. كَمَنْ: (مَنْ) هذا فاعل في المعنى وهو مفعول أول في التركيب الذي ذكره: أَلْبِسَنْ (مَنْ)، زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ، عندنا لابس وعندنا ملبوس، اللابس هو الفاعل في المعنى وهو (من)، والملبوس هو نسج اليمن، إذاً: الأولى بالتقديم: من زاركم، (منْ) اسم موصول بمعنى الذي أو الذين على الاحتمالين السابقين. زارَكُمْ: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. نَسْجَ الْيَمَنْ: نقول: هذا مفعول ثاني لألبسن، هو مفعول في المعنى ومفعول في الإعراب، وأما: من زاركم؛ فهذا فاعل في المعنى مفعول في الإعراب، هل يجوز أن يقال: ألبسن نسج اليمن من زاركم؟ يجوز، لماذا؟ لعدم وجود ما يقتضي التزام الأصل. وَيَلْزَمُ الأَصْلُ لِمُوجِبٍ عَرَا وحينئذٍ نقول: الأصل هنا غير واجب الإلزام، فيجوز التقديم والتأخير، فيقال: ألزمن نسج اليمن من زاركم، والأولى أن يقدم ما هو فاعل في المعنى، وحينئذٍ القياس تقديم (من) على نسج، لو خولف القياس نقول: جائز، ولكنه ترك الأولى ولذلك قال: الأصل الراجح الذي ينبغي استصحابه في كل التراكيب، وحينئذٍ لو رجع عن هذا الأصل ولم يعتبره مع عدم وجود ما يقتضي أو يلزم استصحاب الأصل نقول: هذا على الأصل وهو جواز الطرفين، إما تقديم هذا أو ذاك. مِنْ أَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ: يعني منسوج اليمن، نسج هذا مصدر بمعنى اسم المفعول، فإن (من) هو اللابس، فهو فاعل في المعنى، ونسج اليمن هو الملبوس فهو مفعول في المعنى، ويجوز العدول عن هذا الأصل، فيقدم ما هو مفعول في المعنى على ما هو فاعل في المعنى، فيقال: ألبسُن نسج اليمن من زاركم، وهذا لا إشكال فيه. إذاً: وَالأَصْلُ سَبْقُ فَاعِلٍ مَعْنًى كَمَنْ ... مِنْ أَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ

نقول: ترتيب مفعولي الفعل المتعدي لاثنين ليس أصلهما المبتدأ والخبر باعتبار الفاعل في المعنى فهو المفعول الأول، وما كان مفعولاً في المعنى فهو المفعول الثاني، ينبغي اعتبار هذا، ولذلك هناك: وَبَعْدَ مَا إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ إِيلاَؤُهُ الْفِعْلَ: الفعل يلي الأداة، إذاً: الفعل صار مفعولاً أول؛ لأنه هو الفاعل في المعنى، أولى من إعرابه مفعولاً ثانياً لما ذكرناه الآن. ثم إن المفعول الأول في ذلك -في هذا القسم وهو ما كان أصلهما ليس مبتدأً وخبر- على ثلاثة أقسام: قسم يجب فيه تقديم ما هو فاعل في المعنى. وقسم يجب فيه تأخيره. وقسم يجوز فيه الوجهان. الحكم واحد في المفاعيل كلها: إما واجب التقديم، وإما واجب التأخير، وإما جواز الوجهين، إما أن يلتزم الأصل، وإما أن يخالف الأصل وكل منهما واجب، أو جواز الطرفين، وأشار بهذا البيت إلى القسم الثالث وهو ما جاز فيه الطرفان، يعني: تقديم ما هو مفعول في المعنى وتأخير ما هو فاعل في المعنى، لعدم وجود ما يقتضي التزام الأصل، لأننا قلنا: الأصل تقديم ما هو فاعل في المعنى، قد يجب هذا الأصل. لِمُوجِبٍ: يعني لسبب خارجٍ، فإن لم يكن ثَمَّ سبب رجعنا إلى الأصل. قال الشارح: إذا تعدى الفعل إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبراً في الأصل، فالأصل تقديم ما هو فاعل في المعنى، نحو: أعطيت زيداً درهماً، زيداً: هذا مفعول أول، ودرهماً: مفعول ثاني، يجوز أن تقول: أعطيت درهماً زيداً؛ لعدم وجود ما يقتضي التزام الأصل، فحينئذٍ نقول: زيداً في المعنى هو فاعل هو الآخذ، ودرهماً: هذا مأخوذ، فدل على أن ما كان فاعلاً في المعنى هو المفعول الأول، وما كان مفعولاً في المعنى هو المفعول الثاني، فالأصل تقديم زيد على درهم؛ لأنه فاعل في المعنى، لأنه آخذ للدرهم. وكذا كسوت زيداً جبة، من الآخذ للكسوة؟ زيد، والجبة؟ هي مأخوذة، إذاً: زيد هو مفعول أول؛ لأنه فاعل في المعنى، والجبة هي مفعول ثاني لكونها مفعولاً في المعنى. وأَلْبِسَنْ مَنْ زارَكُمْ نَسْجَ الْيَمَنْ مَنْ: مفعول أول، ونَسْجَ: مفعول ثاني، والأصل تقديم (مَنْ) على نَسْجَ الْيَمَنْ؛ لأنه اللابس، ويجوز تقديم ما ليس فاعلاً معنى لكنه خلاف الأصل. وَيَلْزَمُ الأَصْلُ لِمُوجِبٍ عَرَا ... وَتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ حَتْماً قَدْ يُرَى وَيَلْزَمُ الأَصْلُ يعني: وقد يلزم الأصل، يَلْزَمُ: هذا فعل مضارع، والأَصْلُ فاعله. لِمُوجِبٍ: هذا متعلق بيلزم، جار ومجرور متعلق بقوله: وَيَلْزَمُ، يلزم لموجب، إن وجد هذا الموجب المقتضي السبب والعلة، عَرَا بمعنى: أنه طرأ على الأصل، لماذا؟ لأنه سبق معنا أن الأصلَ، الأصلُ فيه الجواز، فحينئذٍ ننظر فيه من جهتين: تقديم ما هو فاعل في المعنى، ثم لزومه نقول: هذا خروج عن الأصل، التزام الأصل أصل أم فرع؟ التزام الأصل فرع ليس بأصل؛ لأن الأصل تقديم ما هو فاعل في المعنى على ما هو مفعول في المعنى، يجوز أن تقدم وتؤخر، أنت مخير بين هذا وذاك.

إذا وجب هذا الأصل حينئذٍ نقول: هذا خروج عن القياس؛ لأن الأصل عدم الالتزام، وإذا وجب التبديل بتأخير ما هو فاعل في المعنى حينئذٍ نقول: خالف من جهتين، خالف الأصل بكونه يتقدم المفعول في المعنى على الفاعل في المعنى، ثم التزامه وإيجابه هذا قدر زائد. وَيَلْزَمُ: يعني يجب ويتحتم. الأَصْلُ: السابق، ما هو الأصل السابق؟ تقديم الفاعل في المعنى على المفعول في المعنى. لِمُوجِبٍ عَرَا: يعني لسبب طرأ ووجد، منها ثلاثة -المشهورة عند النحاة- وقل من ذكر رابعاً: كخوف اللبس، خوف اللبس: أعطيت زيداً عمْراً، زيداً: هذا مفعول أول، وعمْراً: مفعول ثان، وحينئذٍ لو أُخر المفعول الأول وهو زيد لالتبس الآخذ بالمأخوذ، لو التزمنا الأصل وهو كون زيد مفعولاً أول وهو فاعل في المعنى اتضحت الصورة، زيد آخذ وعمرو مأخوذ، زيد آخذ فهو فاعل في المعنى، وعمرو مأخوذ، إذاً: أعطيت زيداً عمْراً؛ هذا جاء على الأصل، فحينئذٍ إذا بُدل وقيل: أعطيت عمْراً زيداً ماذا يستفيد السامع؟ يستفيد أن عمْراً آخذ، وأن زيداً مأخوذ، إذاً: حصل لبس وحصل خلل. إذاً نحو: أعطيت زيداً عمْراً؛ خوف اللبس وجب التزام الأصل وهو تقديم المفعول الأول وهو زيد وهو فاعل في المعنى على المفعول الثاني وهو عمرو وهو المفعول في المعنى. الثاني: كون الثاني محصوراً فيه، ما أعطيت زيداً إلا درهماً، حينئذٍ لو قدم وأخر: ما أعطيت درهماً إلا زيداً حصل انتكاس في المعنى، فصار زيداً محصوراً فيه وصار درهم لا، ما أعطيت درهماً إلا زيداً، ما أعطيت زيداً إلا درهماً، إذا قيل: ما أعطيت زيداً إلا درهماً يعني: زيد لم يأخذ إلا درهم، وغير زيد؟ لا ينفى عنه الحكم، قد يكون آخذ درهم ودرهمين وثلاثة وعشرة، وأما إذا قلت: ما أعطيت درهماً إلا زيداً عكسنا، يعني: لم يأخذ إلا زيد وغير زيد لم أعطه شيئاً، حصل انتكاس في المعنى، وحينئذٍ يلزم اتباع الأصل والتزام الأصل وهو تقديم ما هو فاعل في المعنى على ما هو مفعول به في المعنى. ما أعطيت زيداً إلا درهماً، ومثله: إنما أعطيت زيداً درهماً، زيداً: هذا مفعول أول، ودرهماً: مفعول ثاني، الأول فاعل في المعنى والثاني مفعول به في المعنى، لا يجوز التقديم والتأخير لوجود اللبس. أو -الحالة الثالثة-: ظاهراً والأول ضمير متصل، يكون الثاني اسماً ظاهراً والأول ضمير متصل، لا بد من التزام الأصل، هذا لا إشكال فيه واضح، مثل: ضربني زيد، نقول: هنا يجب تأخير الفاعل لكون المفعول به متصل، ضمير متصل، لو فصلته حينئذٍ خالفت القياس. وَفِي اخْتِيَارٍ لا يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أنْ يَجِيءَ المُتَّصِلْ كذلك: ضربت زيداً التزم الأصل، التاء هنا فاعل، وزيداً: مفعول به، هل يمكن تقديم زيد على التاء؟ لا يمكن؛ لأنه ضمير متصل، ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)) إنا أعطيناك، أعطى –باب أعطى-، أَعْطَيْنَاكَ الكاف هذا مفعول أول؛ لأنه فاعل في المعنى هو آخذ، والْكَوْثَرَ مأخوذ، هل يجوز تقديم الْكَوْثَرَ على الكاف؟ لا يجوز، لأنه متصل. وَفِي اخْتِيَارٍ لا يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ ... إذَا تَأَتَّى أنْ يَجِيءَ المُتَّصِلْ

إذاً: في هذه الأحوال الثلاث، يجب التزام الأصل وهو تقديم ما هو فاعل في المعنى على ما هو مفعول في المعنى: خوف اللبس أعطيت زيداً عمْراً، كونه محصوراً ما أعطيت زيداً إلا درهماً، إنما أعطيت زيداً درهماً، الثالث: كونه ضميراً متصلاً والثاني اسماً ظاهراً، ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)). وَيَلْزَمُ الأَصْلُ: يعني السابق وهو تقديم الفاعل في المعنى. لِمُوجِبٍ: لسبب ومقتضٍ وعلة. عَرَا: يعني وجد أو طرأ. وَتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ قد يرى حتماً. ترك ذاك الأصل ما هو الأصل؟ تقديم ما هو فاعل في المعنى، كيف نتركه؟ بأن نؤخر المفعول الأول ونقدم المفعول الثاني. حَتْماً: واجباً، قَدْ يُرَى. وَتَرْكُ: ترك هذا مبتدأ، وَتَرْكُ ذَاكَ، تَرْكُ: مضاف، وذَاكَ: مضاف إليه. والأَصْلِ: بدل أو عطف بيان. قَدْ يُرَى: قَدْ للتقليل. إذاً: ترك الأصل قليل باعتبار الأصل، قَدْ للتقليل، قَدْ يُرَى، يُرَى هو نائب فاعل، أي: ترك هذا الأصل. حَتْماً: هذا حال من نائب الفاعل، أي: قد يرى واجباً، ترك الأصل قد يرى واجباً، وذلك كما إذا كان الذي هو فاعل في المعنى محصوراً، لو كان الذي هو فاعل في المعنى محصوراً نحو: ما أعطيت الدرهم إلا زيداً، زيداً: هذا فاعل في المعنى وهو محصور، وحينئذٍ لزم تأخيره، كما سبق معنا: وَمَا بِإلاَّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ ... أَخِّرْ مطلقاً بلا تفصيل، كل ما كان محصوراً بـ (إلاَّ) أو بـ (إِنَّمَا) لزم تأخيره. إنما أعطيت درهماً زيداً، زيداً محصور فيه، وحينئذٍ يلزم من هذا تقديم المفعول في المعنى على الفاعل في المعنى فيعكس، يقدم المفعول الثاني على المفعول الأول، وكذلك التزمه في الإعراب، تقول: ما أعطيت درهماً إلا زيداً، أعطيت: فعل وفاعل، ودرهماً: مفعول ثاني، وزيداً: مفعول أول مؤخر، وحكم التأخير هنا واجب؛ لكونه محصوراً فيه. إذاً: كما إذا كان الذي هو فاعل في المعنى محصوراً نحو: ما أعطيت الدرهم إلا زيداً، أو ظاهراً والثاني ضميراً متصلاً: الدرهم أعطيته زيداً، مثل: ضربني زيد، ما حكم ضربني زيد؟ وجوب تقديم المفعول به على الفاعل وتأخير الفاعل، لماذا؟ لكون الفاعل اسماً ظاهراً والمفعول ضميراً متصلاً، وحينئذٍ لا يجوز أن يقال: ضرب زيد إياي، لا يصح؛ لأنك لو أردت الترتيب الأصلي تقديم الفاعل على المفعول قلت: ضرب زيد إياي، إياي: هذا مفعول جاء في محله، لكن نقول: لا، هذا لا يجوز، متى ما تأتى وأمكن أن يؤتى بالضمير متصلاً فلا يعدل عنه إلى المنفصل، فتقول: ضربني زيد بتقديم المفعول به على الفاعل وجوباً، الدرهم أعطيته زيداً، زيداً آخذ أو مأخوذ؟ آخذ، إذاً: هو فاعل في المعنى، أعطيته: الضمير يعود إلى الدرهم والدرهم مأخوذ. إذاً: الهاء نقول: في محل نصب مفعول ثاني، وزيداً: منصوب على أنه مفعول أول، تقدم المفعول الثاني على المفعول الأول، المفعول في المعنى على الفاعل في المعنى وجوباً لكون المفعول الثاني ضميراً متصلاً والمفعول الأول اسماً ظاهراً، وللقاعدة السابقة وَفِي اخْتِيَارٍ إلى آخره نقول: يجب أن يتصل الضمير بعامله، الدرهم أعطيته زيداً.

أو ملتبساً بضمير الثاني، نحو: أسكنت الدار بانيها، أسكنت بانيها الدار، باني هو الفاعل في المعنى هو الذي يبني، والدار: مفعول في المعنى مبنياً، وهنا قال: أسكنت الدار بانيها؛ وجب تأخير المفعول الأول لاشتماله على ضمير يعود على المفعول الثاني وهو متأخر في اللفظ والرتبة، هذا الأصل، الأصل أسكنت بانيها الدار حينئذٍ وقعنا في محذور؛ وهو عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، في اللفظ نطق به متأخراً، وفي الرتبة لأنه مفعول ثاني، ورتبة المفعول الثاني متأخرة عن رتبة المفعول الأول. إذاً: عاد الضمير على متأخر في الرتبة واللفظ، وهذا ممنوع إلا في ست مسائل، وحينئذٍ نقول: وجب تقديم المفعول الثاني الذي هو مفعول في المعنى على المفعول الأول وهو فاعل في المعنى. أسكنت الدار بانيها، وحينئذٍ هذه ثلاث مسائل يجب فيها ترك الأصل، كما أن ثَمَّ ثلاث مسائل يجب فيها التزام الأصل. فلو كان الثاني ملتبساً بضمير الأول كما في: أعطيت زيداً ماله، زيداً: مفعول أول وهو فاعل في المعنى، ماله: مفعول ثاني، هل يصح أن يقال: أعطيت ماله زيداً؟ يصح، ما وجهه؟ أعطيت ماله زيداً، ماله: الضمير يعود على زيد، زيد أين هو؟ متقدم ومتأخر، متأخر في اللفظ ومتقدم في الرتبة، جائز أو لا؟ جائز، إذا عاد الضمير على متأخر في اللفظ دون الرتبة فهو جائز، في اللفظ دون الرتبة: ((وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ)) رَبُّهُ: هذا فاعل متصل بضمير يعود على إبراهيم، هنا مفعول به واجب التقديم؛ لأنه لو أخرته فقلت: (وإذ ابتلى ربه إبراهيم) عاد الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة وهذا ممنوع، وأما إذا عاد على متأخر في اللفظ دون الرتبة فهذا جائز. إذاً: أحكام الضمير ثلاثة: إما أن يعود -وهو الأصل- أن يعود على متقدم في الرتبة واللفظ، وحينئذٍ نقول: هذا هو الأصل، مثل: إذا عاد على متقدم في اللفظ والرتبة: زيد ضربته، ضربته الضمير هنا يعود على متقدم في اللفظ والرتبة، اللفظ لأننا نطقنا به متقدماً باعتبار النطق، وفي الرتبة لأنه مبتدأ والجملة خبر إذا رفعنا، زيد ضربته، فعاد الضمير على متقدم في الرتبة واللفظ. على متأخر في اللفظ والرتبة، هذه الحال الثانية، هذا ممتنع لا يجوز إلا في ست مسائل ذكرناها عند قوله: وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ ... وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ ست مسائل وسيأتي منها باب التنازع. بقي حالة ثالثة وهي وسطى: أن يعود الضمير على متأخر في اللفظ دون الرتبة، رتبته متقدمة لكنه في اللفظ نطق به متأخراً وحينئذٍ نقول: هذا جائز، مثل: أعطيت زيداً ماله، ماله هذا ضمير يعود على متقدم في الرتبة واللفظ وهو زيداً، أعطيت زيداً ماله: الضمير يعود على زيد، وهو متقدم في الرتبة؛ لأنه مفعول أول، وماله: مفعول ثاني، وفي اللفظ نطق به متقدماً، لو وسطته قلت: أعطيت ماله زيداً؛ حينئذٍ عاد على متأخر في اللفظ دون الرتبة، لكونه متقدماً في الرتبة، هذا نقول: جائز. وَيَلْزَمُ الأَصْلُ لِمُوجِبٍ عَرَا ... وَتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ حَتْماً قَدْ يُرَى وَتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ: السابق، يعني: بتقديم المفعول في المعنى على الفاعل في المعنى قد يرى حتماً يعني: محتوماً.

قال الشارح: أي يلزم الأصل وهو تقديم الفاعل في المعنى إذا طرأ ما يوجب ذلك وهو خوف اللبس، نحو: أعطيت زيداً عمْراً فيجب تقديم الآخذ منهما ولا يجوز تقديم غيره لأجل اللبس، إذ يحتمل أن يكون هو الفاعل، وإذا وقع الاحتمال حينئذٍ لا بد من الرجوع إلى الأصل. وقد يجب تقديم ما ليس فاعلاً في المعنى وتأخير ما هو فاعل في المعنى، أعطيت الدرهمَ صاحبه، الدرهمَ بالنصب، أعطيت الدرهم صاحبه، صاحب هو آخذ، هو فاعل في المعنى، والدرهم مأخوذ. إذاً: صاحب؛ هذا مفعول أول، والدرهم: مفعول ثاني، وجب تأخيره وتقديم المفعول في المعنى؛ لأنه اتصل بضمير يعود على متأخر في اللفظ والرتبة وهو ممنوع، ولا يمكن تصحيح هذا الكلام إلا بتأخير المفعول الأول ليعود على متقدم في اللفظ دون الرتبة، أعطيت الدرهم صاحبه؛ عاد على متقدم في اللفظ فحسب دون الرتبة، لأن رتبته متأخرة عنه، فلا يجوز تقديم صاحبه وإن كان فاعلاً في المعنى، فلا تقل: أعطيت صاحبه الدرهم لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة وهو ممتنع، والله أعلم. حكم المبتدأ مع خبره فيما سبق، إذا وقع مفعولين كحكم الفاعل في المعنى مع المفعول في المعنى، الحكم واحد، قد يجب التزام الأصل، قلنا: الأصل أن يكون المبتدأ هو المفعول الأول، -سبق تقريره-، والخبر هو المفعول الثاني، قد يجب التزام الأصل وقد يمتنع، فالأحوال ثلاثة حينئذٍ وتؤخذ أحكامها مما سبق. ظننت زيداً قائماً، زيداً: هذا مفعول أول، لماذا حكمنا عليه بأنه مفعول أول؟ لأنه مبتدأ ليس فاعلاً في المعنى، ما كان أصلهما المبتدأ والخبر لا نقول فاعل في المعنى، إذاً: ظننت زيداً، زيداً حكمنا عليه بأنه مفعول أول لكونه مبتدأ في المعنى، وقائماً: مفعول ثاني لكونه خبر، ورتبة المبتدأ متقدمة على رتبة الخبر، هل يجوز: ظننت قائماً زيداً؟ يجوز، ليس فيه لبس؛ لأنه يعلم الأول من الثاني، المحكوم عليه من المحكوم به. ووجوبه في نحو: ظننت زيداً عمْراً، زيداً: هذا مفعول أول، وعمْراً: مفعول ثاني، في أصلهما مبتدأ وخبر، زيد عمرو قلنا: يصح أو لا؟ السيهلي قال: لا، لا تختص هذه الأفعال بدخولها على المبتدأ والخبر، وعرفنا أن الصواب أنها خاصة بالمبتدأ والخبر، وزيد عمروٌ المراد به: زيد كعمْرٍ، وهذا مبتدأ وخبر، وحينئذٍ المراد به التشبيه، فلا يجوز تقديم المفعول الثاني على الأول لئلا يلتبس؛ لأن ثَمَّ فرقاً بين قولك: زيدٌ كعمروٍ وبين قولك: عمروٌ كزيدٍ، فرق بين المشبه والمشبه به، تشبه من بمن؟ لا شك أن المشبه أدنى من المشبه به، -هذه قاعدة- إلا على التشبيه المقلوب. فزيد كعمروٍ حينئذٍ نقول: يلتزم فيه تقديم المبتدأ على الخبر، ولا يصح أن يقال: عمروٌ كزيدٍ، إذا دخلت (ظن) عليه حينئذٍ نقول: ظننت زيداً عمْراً على التشبيه أيضاً، فلا يجوز أن يتقدم المفعول الثاني وهو عمْراً على الأول، لماذا؟ لوقوع اللبس. وامتناعه في نحو: ظننت في الدار صاحبها، ظننت صاحبها في الدار، في الدار هذا لا يمكن أن يكون مبتدأً؛ لأنه شبه جملة، وشبه الجملة لا يقع مبتدأً البتة؛ لأنه متعلق بمحذوف، وهذا المحذوف إما أن يكون اسم فاعل وإما أن يكون اسم مفعول، وعليهما لا يصح أن يكون مبتدأً.

إذاً: الظرف والجار والمجرور لا يصح واحد منهما أن يعرب مبتدأً البتة. إذاً: ظننت في الدار صاحبها؛ الأصل قبل دخول (ظن): صاحبُها في الدار، عاد الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، صاحبُها: مبتدأ وهو مضاف والهاء مضاف إليه، في الدار: هذا جزء خبر؛ لأنه متعلق بمحذوف -بعض الخبر-. إذاً: عاد الضمير على بعض الخبر. كَذَا إذا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِيناً يُخْبَرُ حينئذٍ عاد على بعض الخبر، على ملابس الخبر. لتصحيح هذا التركيب، وهو امتناع عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة وجب تقديم الخبر، في الدار صاحبها؛ نقول: هذا من المواضع التي يجب فيها تقديم الخبر على المبتدأ، وتأخير المبتدأ. إذا دخلت (ظن) على هذا التركيب وهو مبتدأ وخبر التزم الأصل قبل دخول (ظن) لأن الحكم واحد، ولذلك سبق أن ما ثبت في باب المبتدأ والخبر، عينه ما ثبت في باب كان وأخواتها وإن وأخواتها وظن وأخواتها، هذا هو الأصل إلا ما اختصت به الأبواب في بعض المسائل والأحكام المخالفة للأصل، وإلا الأصل واحد. صاحبها في الدار، ظننت صاحبها في الدار، ظننت في الدار صاحبها؛ وجب التقديم كما وجب في الأصل. إذاً: (ظن وأخواتها) كذلك الحكم فيها سيان، ولكن الناظم هنا ذكر ما يتعلق بمفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر؛ لأن مفعولي (ظن وأخواتها) يعلم مما سبق، وإلا الأصل أن هذه الأحكام الثلاثة: التزام الأصل، امتناع التزام الأصل، جواز الوجهين؛ هذه تسري في النوعين: ما كان أصلهما المبتدأ والخبر، وما ليس أصلهما المبتدأ والخبر، فليس الحكم خاصاً بهذه المفاعيل، فلا يظن شيء. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ ... كَحذْفِ مَا سِيقَ جَوَاباً أَوْ حُصِرْ وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ أَجِزْ: فعل أمر. وَحَذْفَ: هذا مفعول به متقدم. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ: أجز حذف فضلة، حذف فضلة أجز لا غيره، للاهتمام أو للحصر؟ هذا ينبني على مسألة: وهو أن العمدة -ما ليس فضلة-، وسيأتي تفسيره، العمدة كالفاعل هل يجوز حذفه أو لا؟ لا يجوز، لماذا؟ لأنه عمدة، والعمدة لا يجوز حذفها، هذا على مذهب البصريين، وأجاز الكسائي ومن تبعه، جواز حذف العمدة الفاعل، وعلى رأي المصنف: وهو أن الفعل يتلوه فاعل، فإن لم يكن وجب الاستتار، حينئذٍ يدل على أن الناظم يرى عدم جواز حذف الفاعل: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ فَإنْ ظَهَرْ ... فَهْوَ وَإلاّ -إن لم يظهر، ما قال: اتركه محذوفاً- فََضَمِيرٌ اسْتَتَرْ: دل على أنه لا بد منه، إما ظاهراً وإما مستتراً، إذاً: لا يجوز حذفه البتة عند المصنف إلا المسائل المستثناة التي ذكرناها سابقاً. إذاً: قوله: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ: للحصر لا للاهتمام، حذف فضلة لا عمدة، أجز حذف فضلة، وأما العمدة فلا يجوز حذفها، والفضلة اشتهر عند النحاة بأنه خلاف العمدة كما قال ابن عقيل، والعمدة ما لا يستغنى عنه، يعني: لا يصح الكلام بدونه، لا يستغنى عنه، مثل: الفاعل ونائبه والفعل والمبتدأ والخبر، هذا لا يستغنى عنه؛ لأن أقل الكلام يتألف من ماذا؟ أقَلُّ مَا مِنْهُ الْكَلامَ رَكَّبُوا ... اسْمَانِ أَوْ اسْمٌ وفِعْلٌ كَاْرْكَبُوا

إلى هنا الصحيح، ما بعده لا، وحينئذٍ نقول: أقل ما يتألف منه الكلام اسمان أو اسم وفعل، وفي الجملة الاسمان مبتدأ وخبر، والاسم والفعل، فعل مبني للمعلوم وفاعله أو مبني لما لم يسم فاعله ونائبه، إما هذا أو ذاك. إذاً: المبتدأ عمدة فلا يجوز حذفه، هذا الأصل إلا بدليل –قرينة-، هذا لا إشكال فيه، والكلام فيما هو بدون قرينة، والخبر عمدة، الفاعل عمدة، فعله رافعه عمدة، نائب الفاعل عمدة كذلك رافعه عمدة. ما عدا هذا عندهم يسمى فضلة، ولذلك قال: والعمدة ما لا يستغنى عنه، يعني: في أقل ما يتألف منه الكلام، والفضلة: ما يمكن الاستغناء عنه كالمفعول به، ما يمكن الاستغناء عنه هذا يسمى فضلة، هذا المشهور عند النحاة، ولكنه هذا الحد ضعيف، والصواب أن يقال: الفضلة ما ليس ركناً في الإسناد، والعمدة ما هو ركن في الإسناد، ركن في الإسناد يعني: يزول الكلام لأن هذا شأن الركن، تزول الماهية بزواله: وَالرُّكنُ جُزءُ الذَّاتِ وَالشَّرطُ خَرَج. وحينئذٍ نقول: الركن داخل في الماهية، إذا زال زالت الماهية، فما كان داخلاً في أصل الكلام هو المبتدأ والخبر والفعل وفاعله أو نائبه، نقول: هذا يسمى عمدة. إذاً: ما ليس ركناً في الإسناد هو الفضلة، والركن الفعل والفاعل أو نائبه والمبتدأ والخبر. إذاً: ما ليس ركناً في الإسناد هذا يشمل ما يمكن الاستغناء عنه وما لا يمكن؛ لأن بعض الفضلات لا يصح الاستغناء عنها البتة، لا يمكن ولو كانت فضلة، لو حكم عليها فضلة، ولذلك الحال باتفاق أنها فضلة، ((وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً)) مرحاً ما إعرابه؟ حال، يستغنى عنه؟ لا يستغنى عنه، لو استغني عنه حذف تقديراً: (وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ) قف مكانك، صار النهي عام عن كل مشي مع كون الحال هنا مقيدة للعامل: ((وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً)) غير المرح مباح ليس منهياً عنه، إذاً: يستغنى عنها؟ يستغنى عن الحال؟ لا يستغنى عنها مع كونها فضلة، والصواب: أنه لا يعرَّف الفضلة بكونه ما يمكن الاستغناء عنه؛ لأن بعض أنواع التمييز قد يستغنى وبعضه لا يستغنى، كذلك النعت والبدل وعطف البيان بعضهم قد لا يستغنى عنه وهي فضلات، كلها فضلات، كل ما عدا باب المبتدأ والخبر والفعل والفاعل ونائب الفاعل كلها فضلات، المنصوبات كلها فضلات والمجرورات كلها فضلات، هذا لا يمكن أن يقال: كلها يستغنى عنها بالكلام، لا، نقول: منه ما يستغنى عنه يصح الكلام بدونه ومنها لا، وحينئذٍ نقول: الصواب أن الفضلة ما ليس ركناً في الإسناد، والركن المراد به الفعل والفاعل أو نائبه المبتدأ والخبر، وما عدا ذلك فضلات سواء استغني عنها أم لا. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ: لكن مراده بالفضلة هنا، وحذف فضلة المراد به: ما عدا مفعولي باب (ظن) مما ليس بعمدة؛ لأنه سبق أن باب (ظن) للمفعولين حكم خاص، قال: ولاَ تُجِزْ هُنَا، يعني: في باب (ظن) بِلاَ دَلِيلِ ... سُقُوطَ مَفْعْولَيْنِ أوْ مَفْعُولِ إذاً: لهما حكم خاص من جهة الاقتصار والاختصار على ما بيناه سابقاً.

هنا قال: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ؛ المراد به: المفعول من غير باب (ظن)؛ لأنه قد يقال: بأن الناظم قد يعمم، إذا لم يقيد الحكم ببابه قلنا: قد يستفاد منه التعميم، إذاً قال: وَشَاعَ فِي ذَا البَابِ هذا الباب، إذاً حكم خاص. ولاَ تُجِزْ هُنَا: أي في هذا الباب، وإذا عمم –أطلق-، فالظاهر أنه يريد الأبواب كلها. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ... تَقُولُ زَيْدٌ وحينئذٍ نقول: هذا حكم عام، هذا الظاهر، هنا قال: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ؛ الظاهر أنه عام، إذاً: لا بد من تقييده بما عدا مفعولي (ظن)، لماذا؟ لأن (ظن) أصل المفعولين المبتدأ والخبر، فهما عمدة لا يستغنى عنهما، هذا الأصل، وأما باب (كسا وأعطى) هذا سيأتي أنه يجوز حذف المفعولين اقتصاراً واختصاراً، بخلاف باب (ظن) فالحكم يختلف؛ لأن المفعول الأول في باب (ظن) مبتدأ فهو عمدة، ولذلك العمدة قد يكون عمدة في الحال وقد يكون عمدة باعتبار الأصل، عمدة في الحال: زيد قائم، زيد عمدة في الحال الآن يعني في النطق، وقائم: هذا عمدة كذلك خبر حال، ظننت زيداً قائماً، نقول: زيداً هذا عمدة باعتبار الأصل، وقائماً: هذا عمدة باعتبار الأصل،، إذاً: النظر في العمدة يكون من جهتين. إذاً: قوله: أجز حذف فضلة، المراد بالفضلة: ما ليس بعمدة. أَجِزْ: اختصاراً أو اقتصاراً، يعني: يجوز حذف الفضلة سواء كان من باب الاقتصار أو الاختصار، وقلنا: الفرق بينهما أن حذف الاقتصار بالقاف هو حذف بلا دليل، بلا قرينة، تحذفها هكذا ولا يدل عليها شيء، والاختصار لا يكون الحذف إلا بدليل. إذاً: فرق بين النوعين. هنا حكم عام قال: أَجِزْ؛ فالجواز مطلق، وحينئذٍ أجاز الحذف مطلقاً سواء كان من باب الاقتصار أو من باب الاختصار، سواء كان دال عليه دليل بعد الحذف أو لا، مطلقاً، لو قال: ضربت وسكت نقول: يجوز، يجوز أن يحذف المفعول به ولو لم يذكره ولو لم يعلمه السامع، لماذا؟ لأنه فضلة وليس عمدة في الأصل، فيقول: ضربت، لكن ظننت قائماً؛ لا، ظننت زيداً، لا، لا بد من دليل؛ لأن أصل زيداً من ظننت زيداً وقائماً كذلك أصله عمدة، فلا يجوز حذفه إلا بدليل على التفصيل السابق الذي ذكرناه فيما سبق. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ: مراده بالجواز هنا عدم الامتناع، الجواز المراد به عدم الامتناع، فيصدق بالوجوب، يعني: يجب الحذف، وهذا سيأتينا مثاله في باب التنازع، فيصدق بالوجوب: ضربت وضربني زيد، ضربت، ضربته وضربني زيد؛ حُذف الضمير من الأول وجوباً. إذاً: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ: المراد به ما يقابل المنع، فيصدق بالوجوب. إذاً: حذف الفضلة قد يكون جائزاً وقد يكون واجباً، واجباً في مثل: ضربت وضربني زيد، ضربتُ هذا محل الشاهد، الأصل: ضربته؛ حذف الهاء وجوباً كما سيأتي في باب التنازع. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ

يَضِرْ: بكسر الضاد ويجوز ضمها: يضُر، يضِر يضُر، يجوز ضمها على أن الفعل أجوف واوي، أو على أنه مضعف وُقِف عليه في القافية بالتخفيف، بالسكون يعني، ضرَّ يضِرُّ يضرَّ لكن الكسر أنسب هنا؛ لأنه قال: أَوْ حُصِرْ، يضُر يضِر يجوز الوجهان، لكن يضِر أنسب لئلا يحصل التباس بين نهاية الشطر الأول والثاني، لأنه قال: حُصِرْ يَضِرْ. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ إِنْ لَمْ يَضِرْ: حذفها كما هو الأصل، الأصل فيها عدم الإضرار بعد الحذف، وإنما يكون الحذف لعلة، هذا الأصل فيه، فكل ما ذكر من الأغراض اللفظية أو المعنوية لحذف الفاعل هي عينها في حذف المفعول مطلقاً، حذف الفضلة، إن لم يضر حذفها، وحينئذٍ حذف الفضلة إما لغرض لفظي وإما لغرض معنوي، لغرض لفظي كتناسب الفواصل، قالوا: ((مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)) ما قلاك، حذف المفعول قلاك، حذف من أجل التناسب، تناسب الفواصل، وهذا غرض لفظي. ((إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى)) لمن يخشاه، حذف المفعول به لأجل التناسب. والإيجاز كما: ((فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا)) تفعلوا ماذا؟ ((وَلَنْ تَفْعَلُوا)) ماذا؟ حذف المفعول في الفعلين من أجل الإيجاز. وإما معنوي كاحتقاره، كما في قوله تعالى: ((كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ)) أي الكافرين، حذف المفعول به قيل: لاحتقاره هنا. أو استهجانه، أو العلم به، أو الجهل به، أو تعظيمه، أو الخوف منه، فيحذف المفعول لما يحذف له الفاعل من الأغراض اللفظية أو المعنوية السابقة. إِنْ لَمْ يَضِرْ: فإن ضر حينئذٍ امتنع حذفه، فإن ضر امتنع حذفه. كَحذْفِ مَا سِيقَ جَوَاباً أَوْ حُصِرْ كَحذْفِ: المثال هنا لأي شيء؟ إن لم يضر أو لما ضر؟ ظاهر الكلام هنا: إِنْ لَمْ يَضِرْ ... كَحذْفِ مَا سِيقَ جَوَاباً أَوْ حُصِرْ ظاهر الكلام أنه لما لم يضر، لكن الظاهر الصحيح عكسه، كأن التقدير: إن لم يضر فإن ضر امتنع وذلك كحذف، وحينئذٍ التمثيل هنا للحذف الضار. كَحذْفِ مَا: يعني فضلة. سِيقَ جَوَاباً: سيق هذا مغير الصيغة، مثل قيل ساق يسوق سُوِقَ هذا الأصل، سيق بكسر السين، ساق يسوق أي: باب قال يقول. جَوَاباً: هذا مفعول ثاني لسيق، وسيق هذا فيه نائب فاعل. كَحذْفِ مَا: يعني مفعول. سِيقَ جَوَاباً؛ لسؤال سائل: من ضربت؟ ضربت زيداً، فيصح أن يقول: ضربت زيداً ويصح أن يقول: زيداً، المهم أن يذكر المفعول به سواء ذكر الناصب أو لا. وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِما فحينئذٍ لا بد أن نقول: زيداً، لو قيل له: من ضربت؟ قال: ضربت وحذفه ما استفدنا شيء، ما حصل الجواب. إذاً: لا بد أن يحصل الجواب بذكر المفعول، والمفعول به هنا فضلة ولا يستغنى عنه، لا يمكن أن يستغنى عنه؛ لأنه لم يحصل الجواب إلا بذكره بقطع النظر عن العامل ذكر أو لا. إذاً: كَحذْفِ مَا سِيقَ جَوَاباً: لسؤال سائل: من ضربت؟ ضربت زيداً، أو زيداً، وحينئذٍ نقول: زيداً هذا مفعول به لا يجوز حذفه واجب؛ لأنه لو حذف ضر، ضر بماذا؟ لم يحصل الجواب للسؤال، فبقي السؤال معلقاً دون الجواب، وهذا باطل.

أَوْ حُصِرْ: يعني حصر المفعول به، كان محصوراً فلا يجوز حذفه، مثل ما ضربت إلا زيداً، زيداً هذا مفعول به محصور بعد (إلا) لا يجوز حذفه، لا تقول: ما ضربت إلا زيداً، بمعنى: أنه نفي الضرب مطلقاً عن غير زيد وأُثبت لزيد. ما ضربت إلا زيداً؛ أُثبت الضرب لخصوص زيد ونفي عما عداه، لو قال: ما ضربت وحذف المفعول به نفي الضرب مطلقاً وهو قد ضرب زيد، إنما ضربت زيداً، زيداً هذا محصور فيه، لا يصح أن نقول: إنما ضربت، ضربت من؟ كل الناس، هذا ممتنع، بعض الناس، من هم؟ لا بد من التعيين. أو حُذف عامله، نحو: إياك والأسدَ، احذر، تحذير، هذا منصوب على التحذير، إياك: هذا مفعول به لفعل محذوف وجوباً، هل يجوز حذفه؟ لا يجوز حذفه. إذاً: في هذه المواضع الثلاث لا يجوز حذف الفضلة البتة؛ إذا كان جواباً لسؤال، أو كان محصوراً، أو كان منصوباً على التحذير أو الإغراء. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ قوله: فَضْلَةٍ؛ عرفنا الآن بالأمثلة السابقة المفعول الواحد. قوله: فَضْلَةٍ؛ يشمل المتعدي إلى واحد، نحو: ضربت، والأمثلة السابقة عليه، ويدخل فيه أيضاً يدخل فيه الأول من المتعدي إلى الاثنين، مثل ((وَأَعْطَى قَلِيلاً)) قَلِيلاً هذا مفعول ثاني حذف الأول، وأعطاك، أو أعطاه نقول: هذا حذف فيه الأول، والثاني كقوله: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ)) يعطيك ماذا؟ حذف، حُذف الثاني، ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ)) والأول والثاني معاً، نحو: ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى)) فهذا يجوز حذف المفعولين اقتصاراً واختصاراً، ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى)) أعطى يتعدى إلى اثنين، أين المفعولان؟ لم يذكرا. ويجوز حذفهما ولو بدون قرينة، ولو لم يعلمه السامع، لا يشترط فيه ذكر قرينة إلا في باب (ظن)؛ لأنه عمدة في الأصل، وأما هذا لا، هذا داخل في قوله: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ؛ فهو مطلق. وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ ... كَحذْفِ مَا سِيقَ جَوَاباً أَوْ حُصِرْ الفضلة خلاف العمدة، والعمدة: ما لا يستغنى عنه. وهذا ليس بجيد؛ لأن ما لا يستغنى عنه قد يكون فضلة، ومثله ما كان واقعاً في جواب سؤال، زيداً لا بد منه لا يستغنى عنه، ما ضربت إلا زيداً؛ هذا لا يستغنى عنه وهو فضلة عندهم، وحينئذٍ ما لا يستغنى عنه فيه نظر. والفضلة ما يمكن الاستغناء عنه كالمفعول به، فيجوز حذف الفضلة إن لم يضر، كقولك في ضربت زيداً: ضربتُ، جائز هذا، تقول: ضربت، أكلت، ليس شرطاً أنك تخبر الناس ماذا أكلت، تقول: أكلت والحمد لله، وحينئذٍ تحذف المفعول ولا يشترط ذكره، قد لا يعلم السامع بالمفعول، لا يشترط فيه قرينة، وحينئذٍ نقول: أكلت، ضربت، شربت، يكفي، شربت ماذا؟ تحذف المفعول ولا تخبر، نقول: هذا حذف فيه المفعول بدون قرينة ولا يشترط فيه قرينة.

وكقولك في أعطيت زيداً درهماً: أعطيتُ، أعطيتُ زيداً درهماً؛ حذفت المفعولين، اقتصاراً أو اختصاراً جائز، ومنه قوله تعالى: ((فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)) حذف المفعولين، وأعطيت زيداً: هذا حُذف الثاني، ومنه قوله تعالى: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ)) يُعْطِيكَ رَبُّكَ؛ حذف الثاني، وأعطيت درهماً أعطيت من؟ هذا لا يشترط فيه ذكره، أعطيت درهماً المراد: أني أخبرك أني أعطيت درهماً، أعطيت من؟ هذا ليس إليك، لا يشترط فيه أن يكون عالماً بالمحذوف. ومنه: ((حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ)) حتى يعطوكم الجزية. فإن ضر حذف الفضلة لم يجز حذفها كما إذا وقع المفعول به في جواب سؤال نحو: أن يقال: من ضربتَ؟ فتقول: ضربت زيداً، أو وقع محصوراً: ما ضربت إلا زيداً، فلا يجوز حذف زيداً في الموضعين إلا يحصل في الأول الجواب ويبقى الكلام في الثاني دالاً على نفي الضرب مطلقاً، والمقصود نفيه عن غير زيد فلا يفهم المقصود عند حذفه. وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا، أولاً قال: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ يعني: المفعول به ما عدا مفعولي ظن، هذا الكلام في المفعول نفسه، والمفعول لا بد أن يكون منصوباً بعامل، والعامل قد يكون اسماً وقد يكون فعلاً، وحينئذٍ نقول: يجوز حذف الناصب، الآن الكلام في الناصب ليس في الفضلة، وإنما ما نصب الفضلة، هل يجوز حذفه أم لا؟ الأصل الجواز، لكن بشرط أن يدل عليه دليل، هنا اشترطنا القرينة مع الحذف، يعني: لا يحذف إلا بقرينة، وفي السابق قلنا: لا يشترط فيه قرينةك وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ: مطلقاً بلا دليل وبدليل اقتصاراً واختصاراً، هنا لا، لا يحذف اقتصاراً وإنما يحذف اختصاراً وهو ما كان بدليل، لماذا؟ لأن السابق ليس عمدة فلا يجب ذكره، هذا الأصل. وأما الناصب إذا كان فعلاً فهو عمدة، والعمدة لا يحذف بلا دليل، ولذلك قال هنا: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِما لا بد من هذا القيد، فإن لم يعلم لا يجوز حذفه البتة. وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا النَّاصِبُهَا: الغلامُ زيدٍ، يصح؟ هل يصح دخول ناصبها؟ ناصبها: مضاف ومضاف إليه، الإضافة لا تجامع (أل)، الغلامُ زيدٍ هذا لا يصح، كونه وصفاً، وهذا سيأتينا إن شاء الله. وَوَصْلُ (ألْ) بِذَا المُضَافِ مُغْتَفَرْ، فيه شروط. إذاً: النَّاصِبُهَا: يعني الذي نصبها، هذا مراده؛ لأنه في قوة الجملة الفعلية.

وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا: يعني ناصب الفضلة، فالضمير هنا يعود على قوله: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ، على المضاف إليه، فأعاد الناظم هنا الضمير على المضاف إليه، وهذا على الصحيح أنه جائز، أنه يجوز عود الضمير على المضاف إليه، وقيل: لا؛ لأن المضاف إليه كجزء من كلمة، كالدال من زيد والياء من زيد، فلا يجوز عود الضمير على بعض الكلمة، والمضاف والمضاف إليه بعد الإضافة صار كجزءٍ واحد، وحينئذٍ نقول: عود الضمير على المضاف إليه كعوده على دال زيد، والصواب: لا؛ لأن غلام زيد وإن كان في المعنى كالكلمة الواحدة إلا أنه في الحقيقة كلمتان، بدليل: إجراء الإعراب على محلين، جاء غلام زيد، كم إعراب هنا؟ غلام زيد كم إعراب؟ فيه إعرابان، فيه محلان: أولاً: غلامُ على أنه فاعل، والمقتضي للرفع هو جاء، والميم حرف الإعراب، يعني محل الإعراب. زيدٍ: مضاف إليه، هذا مجرور. إذاً: الأول مرفوع والثاني مجرور اختلفا، فدل على أنهما ليسا كلمة واحدة حقيقية، حينئذٍ لا بد من الفصل. إذاً: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا أعاد الضمير على المضاف إليه وهو جائز. وَيُحْذَفُ: هل المراد بالحذف هنا الحذف الواجب أم الجائز؟ الجائز، لماذا؟ وَقدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا، دل على أن المراد بقوله: وَيُحْذَفُ؛ جوازاً، ولا يشمل الواجب؛ لأنه فصله عنه. وَيُحْذَفُ: أي يجوز حذفه؛ لأنه في مقابلة الحذف الواجب. النَّاصِبُهَا: يعني الذي نصبها. إِنْ عُلِمَا: يعني بالقرينة، إن علما بالقرينة، وإذا حذف فقد يكون حذفه جائزاً نحو: ((قَالُوا خَيْراً)) ((مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً)) يعني: أنزل ربنا خيراً، خَيْراً هذا مفعول به حُذف ناصبه، هل دل عليه دليل؟ نقول: نعم، لا بد من دليل. ((قالوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً)) يعني: أنزل خيراً، قالوا: أنزل خيراً. ((وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ)) يعني: بل أتبع ملة إبراهيم، فملة نقول: هذا منصوب على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره: أتبع. القرطاسَ، إذا رأيت رجل يسدد سهماً، القرطاسَ: هذا مفعول به لفعل محذوف جوازاً. إذاً: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا نقول: اشترط في حذف الناصب علمه دون حذف الفضلة؛ لأنه أحد ركني الإسناد وعمديته، فلا يستغني الإسناد عنه حتى يحذف بلا دليل بخلاف الفضلة، الفضلة يحذف بدليل وبدون دليل، وأما ناصب الفضلة فلا يحذف إلا بدليل؛ لأنه عمدة وركن في الإسناد. وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا وإذا أردنا تقديره حينئذٍ، قلت مثلاً: زيداً، ضربت من؟ زيداً، حذفت، إذا أردت تقديره أين تقدره، متأخر أو متقدم؟ متقدم، لماذا؟ لأنه الأصل، بقطع النظر عن كونه مطابقاً للسؤال. ضربتَ من؟ من ضربتَ؟ زيداً، الأصل في المعمول أن يكون متأخراً عن العامل، فإذا جئت تقدره حينئذٍ تقدم العامل على المعمول، فتقول: ضربتُ زيداً، وكذلك في قوله: ((قَالُوا خَيْراً)) المفعول به يجوز تقديمه على العامل، خيراً أنزل، أنزل خيراً؛ يجوز الوجهان، لكن لا تقدره إلا قبله؛ لأنه عامل وهو الأصل.

وإذا حُذف فالأصل تقديره في مكانه الأصلي، إذا حذف الناصب حينئذٍ تقدره في مكانه الأصلي، ما هو مكانه الأصلي؟ التقديم؛ لأن العامل رتبته مقدمة على المعمول، لأن العامل يقتضي، يطلب، وحينئذٍ نحتاج إلى أن يكون متقدماً على معموله، إلا لمانع أو مقتضي، إلا لسبب يعني، فإن وجد السبب حينئذٍ لا نقدره في مكانه الأصلي بل نؤخره، فالأول الذي هو لمانع نحو: أيَّهم رأيته، نقول: هذا من باب الاشتغال، أيَّ: بالنصب، إذا جئنا نقدر لا نقول: (أيَّ) منصوب بفعل محذوف تقديره: رأيت أيَّ؛ لا، تؤخره، أيَّهم رأيتَ، رأيتَه؟ فإذا جئت تقدر تجعله بعد المفعول به، لماذا؟ لأن أيَّهم الاستفهام له الصدارة في الكلام، فلا يتقدم عليه عامله، ولذلك نقول هنا: يقدر لمانع، يقدر في غير مكانه الأصلي بأن يكون تالياً لمعموله، وليس معمولُه تالياً أو تابعاً له، فلا تقل: رأيت أيَّهم، وإن كان هذا هو الأصل لأنه مفعول به، لكن نقدره متأخراً لما ذكرناه. أيَّهم رأيته؛ إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله لأن لها حق الصدارة. ونحو: ((وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ)) وَأَمَّا ثَمُودَ بالنصب، قراءة من نصب، وحينئذٍ نقول: ثمودَ هذا مفعول به لفعل محذوف تقديره: أما ثمود هدينا فهديناهم، نؤخره؛ لأن (أَمَّا) لا يتلوها فعل لا لفظاً ولا مقدراً، وحينئذٍ خالفنا لمانع، لوجود (أما)، فنقول: أما ثمود هدينا لا نقول: هديناهم، لا، هديناهم نحتاج تقدير آخر. ثمودَ هدينا هديناهم، إذاً: دل عليه المذكور لكن لا يتقدم على المفعول، إذ لا يلي (أما) فعل. كذلك نحو: في الدار زيد، أين نقدر؟ إذا أردنا أن نجعل زيد مبتدأ قطعاً لا يحتمل غيره، وفي الدار خبر وقلنا: الخبر هنا متعلق بـ استقر على الصحيح مثلاً، كيف نقدر؟ في الدار: جار ومجرور متعلق بمحذوفٍ خبر تقديره: في الدار زيد استقر، هكذا تقدره: في الدار زيد استقر؛ لأنك لو قلت: استقر في الدار؛ صار زيد فاعل، وإذا أردته مبتدأ حينئذٍ تقدَّم الفعلُ -الجملة الفعلية- على المبتدأ، وإذا قلت: في الدار استقر زيد لم تخرج عن المشكلة، ولا تخرج عنها إلا بتأخير التقدير، فتقول: في الدار زيد استقر، ولذلك في الدار زيد قلنا: يجوز فيه وجهان: زيد على أنه مبتدأ، حينئذٍ إذا قدرنا المتعلق وجب تأخيره، وإذا قلنا: فاعل؛ حينئذٍ يجب تقديمه إلا على مذهب الكوفيين من جواز تقدم الفاعل على الفعل، فإذا أعربنا زيد فاعل هكذا نقول: في الدار متعلق بـ استقر، تقديره: استقر في الدار زيد، فزيد: فاعل، وفي الدار: متعلق به. أو تقول: في الدار استقر زيد، زيد: فاعل. هذا واضح بين. في الدار زيد استقر؛ على مذهب البصريين يتعين أن يكون زيد مبتدأ، وعلى مذهب الكوفيين من جواز تقدم الفاعل على الفعل يجوز فيه الوجهان. إذاً: في الدار زيد نقول: يجب تأخير متعلق الجار عن زيد إن قدرته فعلاً؛ لأن الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ في مثل هذا، ونحو: إنَّ خلفك زيداً، هذه المواضع نذكرها استثناءً من الأصل، الأصل أنه إذا حذف الناصب –متعلَّق- إذا حذف أن يقدر، ويقدر قبل المعمول، زيداً ضربت زيداً، إلا في بعض المسائل يؤخر عنه.

إنَّ خلفك زيداً، ما إعراب إن خلفك زيداً؟ إن: حرف نصب، خلفك: ظرف متعلق بمحذوف. قدره فعلاً، لو قلت: (إنَّ استقر خلفك) مشكلة هذه، دخلت (إنَّ) على الجملة الفعلية، ثم إذا جعلته أيضاً خبراً مقدماً سبق معنا: وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ، فالخبر إذا كان جملة فعلية لا يتقدم على الاسم. إذاً: يتعين أن تقول: إن خلفك زيداً استقر، تؤخره؛ لأنه هو الخبر، والخبر إذا كان جملة ولم يكن ظرفاً أو جاراً ومجروراً لا يجوز أن يتقدم على الاسم. وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيبَ إلاَّ فِي الَّذِي ... كَلَيْتَ فِيهَا أَوْ هُنَا غَيْرَ الْبَذِي خبر إِنَّ لا يتقدم على اسمها، إلا إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، فإذا قدرته: إن استقر خلفك زيداً؛ صار جملة فعلية، فصل بين (إن واسمها) وهذا ممتنع، أو: إن خلفك استقر زيداً كذلك، وحينئذٍ يتعين تأخيره: إن خلفك زيداً استقر، لئلا يلي (إن) الفعل؛ لأنه ممنوع. ونحو: إن خلفك زيداً، فيجب تأخير المتعلَّق مطلقاً اسماً كان أو فعلاً؛ لأن مرفوع (إنَّ) لا يسبق منصوبها مطلقاً، إلا إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً ثم هو متعلق بمحذوف. إذاً: لا بد من تأخيره عند التقدير، بخلاف: كان خلفك زيد، زيد: اسم كان، وخلف: متعلق بمحذوف خبر (كان)، تقديره: كان استقر خلفك زيد، يصح؟ يصح؛ لأنه يجوز الفصل بين (كان) واسمها بالجملة الفعلية، لما جاءت جاز التقدير وهو الأصل في محله، فيجوز تقديم المتعلَّق ولو كان فعلاً؛ لأن خبر (كان) يجوز تقديمه مع كونه فعلاً، والثاني الذي هو لمقتضي، هذا لمانع، قلنا: يتأخر. المقتضي مثل البسملة ليس فيه مانع، وإنما ثَمَّ معنىً يقتضي تأخير المتعلق: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أقرأ، قلنا دائماً في شرح البسملة: الجار والمجرور متعلق بمحذوف فعل، قلنا: متأخر، هذا هو الشاهد، متأخر، لماذا متأخر؟ يمتنع تقديمه؟ لا، لا يمتنع، ليس ثَمَّ مانع من تقديمه، وإنما المعنى الذي نريده وهو الحصر لا يحصل إلا بالتأخير، إفادة الحصر. إذاً: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا: بالقرينة. عُلِمَا: الألف هذه للإطلاق، فإن لم يعلم لا يجوز حذفه؛ لأنه ركن في الإسناد، ثم إذا أردنا حذفه لقرينة، ثم أردنا تقديره فالأصل أنه يكون متقدماً على الفضلة، هذا هو الأصل، إلا لما ذكر من المواضع فحينئذٍ يعدل عن الأصل. وَقدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا: الألف هذه للإطلاق.

وَقدْ يَكُونُ حَذْفُهُ: قد للتقليل أو التحقيق؟ يحتمل هذا ويحتمل ذاك، يحتمل أنها للتقليل ويحتمل أنها للتحقيق، إن أريد الحكم نفسه، هو نفسه في عينه دون اعتبار بالسابق فهي للتحقيق، يعني: الحكم محقق هذا، موجود في لسان العرب أن يحذف الناصب ويكون حذفه واجب، لكن لو نظرنا إلى قوله: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا الحذف الجائز هنا، فإذا بالحذف الجائز كثير، والحذف الواجب قليل، صارت (قد) هنا للتقليل، وحينئذٍ يكون فيه استعمال الحرف الواحد مشترك في معنيين، وهذا الصواب أنه جائز، عند الأصوليين الصواب أنه يجوز حذف المشترك في معنييه إن لم يكن بينهما تنافي: ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) نقول: هنا مشترك ولا يجوز حمله على معنيين؛ لأنهما متضادان. وأما إذا لم يكونا متضادين فالصواب الجواز، وعليه الشافعي رحمه الله تعالى. وَقدْ يَكُونُ حَذْفُهُ: أي حذف الناصب. مُلْتَزَمَا: يعني واجباً، كما في باب الاشتغال: فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا ... حَتْماً إذاً: باب الاشتغال من المواضع التي يجب فيها حذف الناصب، زيداً اضربه، اضرب زيداً، اضرب هو الناصب وجب حذفه. والنداء كذلك: يا زيد، أصلها: أدعو زيداً، حذفه واجب؛ لأنه أنيب عنه ياء، وحينئذٍ لا يجمع بين العوض والمعوض. وكذلك التحذير والإغراء بشرطه، وما كان مثلاً نحو: الكلاب على البقر، يعني: أرسل، الكلاب: هذا مفعول به لفعل محذوف واجب الحذف؛ لأن الأمثال تُحكى كما هي، فلا يجوز تقدير المحذوفات. إذاً: حذف الناصب نقول: الأصل فيه الجواز إن علم، ثم قد يكون الحذف ملتزماً، بمعنى: أنه واجب لا يجوز ذكره البتة، وهذا في مواضع معدودة. قال الشارح: يجوز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل، نحو أن يقال: من ضربت؟ فتقول: زيداً، يعني ضربت زيداً، ضربت زيداً ولا تقل: زيداً ضربت؛ للقاعدة السابقة: أن التقدير إنما يكون في محله الأصلي، مكانه الأصلي. التقدير: ضربت زيداً، فحذف ضربت لدلالة ما قبله عليه، وهذا الحذف جائز، وقد يكون واجباً كما تقدم في باب الاشتغال: زيداً ضربته، التقدير: ضربت زيداً ضربته، فحذف ضربت وجوباً كما تقدم. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

53

عناصر الدرس * شرح الترجمة (التنازع في العمل) وحد التنازع مع بعض الشروط * أي العاملين أولى بالعمل في باب التنازع؟ * حكم معمول العامل المهمل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحَمدُ لله رَبِّ العالَمِين، والصلاة والسلام على نبيِّنا مُحمَّد، وعلى آله وصَحبه أجمعين، أمّا بَعدُ: قال الناظِم -رَحمَه الله تعالى-: (التَّنَازُعُ فِي العَمَل): البيت في الباب الأخير: وَيُحْذَفُ النَّاصِبُهَا إِنْ عُلِمَا ... وَقَدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزَمَا وذكرت أن الألف هنا للإطلاق، لا بل هي عِوَضٌ عن التنوين؛ يعني: (كان) ناقِصة، و (حذفُه) هذا اسمها، و (مُلْتَزَماً) هذا خبرها، حينئذٍ تكون هذه الألف بدلاً عن التنوين. قال الناظِم: (التَّنَازُعُ فِي العَمَل)، لما بيَّن لك الفعل المُتَعَدِّي من الفعل اللازِم؛ حينئذٍ كان الأصل في العامل أن يَطلب معمولاً واحداً، هذا الأصل فيه، فما اقتضَى رَفْع فاعلٍ، أو نَصْبَ مفعولٍ حينئذٍ لا يتعدَّى إلا إلى فاعل، أو مفعول بِه واحد فحَسْب. والعامل -كما سبق بيانه-: ما أوجب كونَ آخِر الكلمة على وجه مخصوص: من رَفْعٍ، أو نَصْبٍ، أو خَفْضٍ، أو جَزمٍ. (ما) شيءٌ؛ سواء كان معنوياً، أو لفظياً، (أَوْجَب) بمعنى أنه اقتضَى؛ لأن العامل إنما يعمل لكونه مقتضياً لما بعدَه، فالمعمول يكون متمِّماً لمعناه. (ما أَوْجَب كون آخر الكلمة على وجهٍ مخصوص)، والمراد بالوجه المخصوص: الرفع، والنصب، والخفض، والجزم، العامل يَقتضِي مَعمولاً، وهو: ما يَظهر فيه أثرُ الإِعراب لفظاً أو تقديراً، والعَمَل: هو الذي يَقتضيه العامل، فالعامِل الذي يَطلب فاعلاً حينئذٍ يقتضي الرفع على الفاعلية، والعامِل الذي يَقتضِي مفعولاً بِه حينئذٍ يَقتضِي النَّصْبَ على المفعولية، هذا الاقتضاء -الذي يعبر عنه بالطلب- هو العمل، العملُ إنما يكون في آخر الكلمة، له ارتباط بالعامل. إذاً عندنا عامِل، وعندنا معمول، وعندنا عَمَل، فقام زيدٌ، (قام) هذا فعل، وهو العامل، عَمِل الرفع في زيد، لماذا؟ لأن (قام) فعلٌ لازِم، والفعل اللازِم يَطلب فاعِلاً، إذاً طلبُه للفاعل اقتضى رفْع زيدٍ على أنه فاعِل له، هذا هو العمَل، فقام زيد تمَّم معناه، لو قيل: (قام) هكذا لوحده نقول: هذا الكلام ناقص ليس بِتامّ، إذا قيل: (زيد) حينئذٍ نقول: تمَّم معناه، وهذا معنى العمل، معنى العمل: أنه يتمِّم معناه، ولذلك قد يُشكِل على الطالب الجارُ والمجرور متعلق بماذا؟ إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ ... قَبْلُ ... يَختلفون: هذا يَرى أن الجار والمجرور متعلِّق بكذا، وآخَر يقول: متعلِّق بكذا، السبب في الخلاف: هو أن هذا الجار والمجرور .. أيُّ اللفظين يتمِّم معناه أكثر؟ وأي اللفظَين هو مُفتقِر إليه في تمام معناه؟ فما رأيتَه أنه متمِّم لمعناه، وأنه أحوج لئن يتعلَّق به الجار والمجرور؛ حينئذٍ صار معمولاً له، فقل: الجار والمجرور متعلِّق بكذا، فلا يَلتَبِس عليك من حيث المعنى، فتنظر في المعنى: هذا العامل يقتضي الجار والمجرور، أو العامل الثاني، لو علَّقناه بهذا ماذا يكون المعنى؟ ولو عَلَّقناه بما سبق ماذا يكون المعنى؟

حينئذٍ ما كان أنسب من المعاني فهو أولى به؛ لأنه قد يَتنازع عاملان فأكثر في جار ومجرور، أو ظرف، فالمعنى هو الذي يَقتضِي ذلك، حينئذٍ نقول: (قام) اقتضى رفع (زيد) على أنه فاعل له، و (زيد) معمول لـ (قام)، معمول لأنه فاعل، والرفع الذي هو ضَمَّةٌ في آخِر (زيد) هو العمل، دليل العمل على مذهب الكوفيِّين، وهو العمل على مذهب البصريِّين من جَعْل الإعراب لفظياً، وهو دليل العمل من جَعْله معنوياً. هذا العامل من شروطه: أنه لا يَتعدَّد عاملان على معمول واحد من جهة واحدة، لا يمكن أن يوجد عاملان يَطلبان فاعلاً واحداً من جهة واحدة، حينئذٍ لا يَجتمع عاملان على معمول، ولا يكون معمولٌ لعاملَين البَتَّةَ. فإذا كان كذلك؛ حينئذٍ ما وجد وظاهره أنه تَسلَّط عاملان على معمولٍ واحدٍ -والأصل المنع- لكن جاء في لسان العرب ما ظاهره أن ثَمّ عاملَين يطلبان معمولاً واحداً، وهذا الاسم الظاهر، أو المعمول الذي يَقتضيه الفعل الأول والفعل الثاني .. لا يمكن أن يجتمعا؛ للقاعدة السابقة: أنّ ما كان مُتمِّماً لفعل لا يكون مُتمِّماً للآخر من الجهة نفسِها، أو من الحيثية نفسِها، وحينئذٍ نقول: إذا اجتمع عاملان على معمول واحدٍ فما العمل؟ هذا الذي عَقَد له النحاةُ باب التنازُع في العمل، حينئذٍ الباب السابق ذَكَر فيه التعدِّي واللزوم، وكل واحد منهما يأخذ نَصيبه من الأسماء الظاهرة، فاللازِم يَطلب فاعلاً واحداً ولا يَطلب فاعِلَين، والفاعل الذي طلبه الفعل اللازم لا يَطلبه فعل آخَر، وكذلك المفعول به إذا نَصبه فعلٌ مُتعدٍّ، حينئذٍ لا يَطلبه فعلٌ آخر، إن وُجِد في لسان العرب ما ظاهره التنازُع والتجاذُب بين العوامل على معمول واحد -والأصل المنع-؛ ماذا نصنع؟ عَقَد النحاة هذا الباب من أجْل حلّ هذه المشكلة، فقالوا: باب التنازُع في العمل، تَنَازُع: تَفاعُل، والمراد به التجاذُب. إذاً الأصل في الباب أنه على خلاف الأصل؛ لأن الأصل ألا يَتسلط عاملان على معمول واحد، وألا يَقتضي ويَطلب عاملان معمولاً واحداً، هذا هو الأصل، حينئذٍ جاء الباب على خلاف الأصل، ولذلك بعضُهم يرى أن هذا الباب مُولَّد عند النحاة، يعني: ليس له أصل في لسان العرب، لكن ليس الأمر كذلك، هو من حيث الأصل موجود، وأما من حيث التفريعات فهذا فيه بعضُ النظَر. التنازُع في اللغة: التجاذُب، (التَّنَازُعُ فِي العَمَل) هكذا أطلقه الناظِم، ويسمَّى: بابَ الإِعمال. تنازُع: تَفاعُل، مأْخُوذ من تَجاذُب، كلٌّ منهما يَجذِب ذلك الاسم ليكون معمولاً له، والآخَر يدخل عليه ويريد أن يكون ذلك الاسم الظاهر معمولاً له، حينئذٍ وقع بينهما نزاع. (في العَمَل) في اقتضاء كل منهما فاعلاً، أو مفعولاً، أو اقتضاء واحد منهما فاعلاً والآخَر مفعولاً، قد يَتحدُّ من حيث الطلب أن يكون فاعلاً، وقد يَختلف من حيث الأول يَطلب فاعلاً، والثاني يطلب مفعولاً كما سيأتي. وأما في الاصطلاح: فالمراد به من حيث الحقيقة: أن يَتقدم عاملان على معمولٍ، كلٌّ منهما طالِب له من جهة المعنى.

(أن يتقدَّم) -لا بد من شرط التقدُّم- (يتقدم عاملان على معمول، كلٌّ منهما طالب له من جهة المعنى)، فإذا قلت: قام وقعد زيد، (قام وقعد) عاملان، و (زيد) معمول، (قام) يطلب (زيد) على أنه فاعل له، يَطلبه من جهة المعنى؛ يُريد أن يتمِّم معناه، و (قعد) يطلب (زيد) على أنه معمول له، ولا يمكن أن يجتمعا على معمولٍ واحد، حينئذٍ وقع التجاذُب بين العاملين كلٌّ منهما يطلب (زيد) على أنه فاعل له. (تقدم عاملان) وهذا شرط في باب التنازع، و (أن يتأخر معمول، كلٌّ من هذين العاملَين طالبٌ لهذا المعمول من جهة المعنى)، فـ (قام) يطلب (زيد) على أنه فاعل له، و (قعد) يطلب (زيد) على أنه فاعل له، إذاً وقع التنازُع بين عاملَين على معمول واحد، ولا يمكن أن يكون (زيد) فاعلاً لهما معاً، هذا متعذِّر، بعيد؛ لماذا؟ لأنه -كما قررنا- أنه لا يجتمع عاملان على معمول واحد. وعَرَّفه بعضٌهم: بأنه عبارة عن توجه عاملين ليس أحدهما مؤكِّداً للآخَر. إلى معمولٍ واحد متأخرٍ عنهما، مثل: ضربتُ وأكرمتُ زيداً، هو كالسابق إلا أن السابق طَلبَ المعمول على أنه مرفوع، قام وقعد زيدٌ، ضربتُ وأكرمتُ زيداً، (زيداً) هذا معمول متأخر، تقدَّم عليه ضربتُ وأكرمتُ، كلٌّ منهما يَطلب مفعولاً به، وليس عندنا إلا لفظ واحد، (ضربتُ) تسلَّط عليه؛ يريده أنه مفعول له، و (أكرمتُ) يريده مفعولاً له، لا يمكن أن يجتمعان معاً، فيكون (زيداً) معمولاً لهم، حينئذٍ نقول: هذا وقع فيه التنازُع. (ليس أحدُهما مؤكِّداً للآخَر) هذا احترازاً من الفعل المؤكِّد؛ لأنه في الحقيقة لا يطلب ما بعده على أنه فاعل له، مثل ما قِيل: أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ لو قيل: قام قام زيدٌ، (قام) الأول هذا فعل، وهو فعل تامٌّ يطلب فاعلاً، وبعده اسمٌ ظاهر (زيدٌ)، (قام) الثانية هذا فعل، لكنه لا يطلب فاعلاً، حينئذٍ هل وقع تنازع؟ لم يحصل تنازُع؛ لأن الثاني لم يتوجه إلى (زيد) بطلبه فاعلاً له؛ لأن الفعل المؤكِّد خالٍ عن الفاعل؛ كما ذكرناه فيما سبق وأنه لا فاعل له، حينئذٍ (قام) الثانية هذه لم تتسلَّط على (زيد)، لم تطلبه على أنه فاعلٌ له، ولذلك استُثنيَ فقيل: ليس أحدُهما مؤكِّداً للآخَر. وقال في التَّوضيح في بيان حقيقتِه: (أن يتقدَّم فعلان متصرِّفان، أو اسمان يشبهانِهما، أو فعلٌ واسمٌ يشبهه، ويتأخر عنهما معمول غيرُ سَبَبي مرفوع، وهو مطلوب لكل منهما من حيث المعنى)، هذه شروط وقيود لا بد منها ستأتي معنا في أثناء الشرح. إذاً حقيقة باب التنازع: أنه يتوجَّه عاملان إلى معمول واحد؛ بشرط أن يَتقدَّم المعمولان، وأن يتأخر المعمول، وهذا كشرح مُوجَز وإلا فالأصل أنه لا يشترط في الأولَّين أن يكون اثنين؛ بل قد يكون عاملان فأكثر، وكذلك المعمول قد يكون معمولاً واحداً فأكثر، وإنما المراد تصوير المسألة فَحَسب. أن يتقدم عاملان، فإن كان عاملاً واحداً لم يقع تجاذُب، ولم يقع تنازُع، إذاً لا بد من اثنين فأكثر، يتقدَّمان على معمول واحدٍ فأكثر، فحينئذٍ كل واحدٍ من هذه العوامل يَطلب ذلك الاسم الظاهر على أنه معمولٌ له، ويُنازعه الثاني فيطلبه على أنه معمول له، حينئذٍ ماذا نصنع؟ هذا الذي سيأتي معَنا في هذا الباب.

إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ وَالثَّانِ أَوْلَى عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَهْ ... قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَملْ وَاخْتَارَ عَكْسَاً غَيْرُهُمْ ذَا أُسْرَهْ باب التنازُع يُعتَبَر من الأبواب الصَّعبة، فهو أصعب من باب الاشتغال، فكلاهما فيهما من الصعوبة ما قد؟؟؟. (إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ) (إن) حرف شَرط، (عاملان) هذا فاعل لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور: (إِنْ اقْتَضَى عَامِلاَنِ). اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ: (عملاً) هذا مفعول به لـ (اقْتَضَى). (فِي اسْمٍ) هذا جار ومجرور متعلِّق بقوله (عَمَلْ)، عملاً في اسم، وعلَّقه بعضهم بقوله: (اقْتَضَى فِي اسْمٍ)، لكن الأولى أن يعلق بـ (عَمَلْ)، وسبب التوجه هنا من كونه عُلِّق بـ (اقْتَضَيَا) دون (عَمَلْ)؛ لأن (عَمَلْ) هذا مَصْدَر، والمَصدر يكون متعلَّقا للجار والمجرور والظرف، لكن بشرط ألا يتقدَّم المعمول على العامل. فإذا عُلَّق شيء بالمصدر، أو اسم المصدر، يُشترط في صحَّة إعماله ألا يتقدَّم عليه، ويمتنع أن يتقدّم عليه، وهنا تقدَّم (فِي اسْمٍ) على (عَمَلْ)، لكن من باب الضرورة في النظم فحَسْب، وإلا الأصل أن يقال: عملاً في اسم، (إِنْ اقْتَضَيَا) طلبا عملاً في اسمٍ، (فِي اسْمٍ) هذا جار ومجرور متعلِّق بقوله: (عَمَلْ)؛ لأنه مَصْدر، والأصل فيه ألا يتقدَّم، فإن تقدَّم في مثل هذا التركيب نقول: هذا من قبيل الضرورة. وأما تعليقُه بـ (اقْتَضَى) هذا فيه ضَعْف من جهة المعنى؛ لأن الاقتضاء ليس للاسم، وإنما الاقتضاء للعمل، ثم العمل يكون في الاسم لا في فعل، ولا في حرف، (فِي اسْمٍ) هذا معلَّق بـ (عَمَلْ) ليس معلَّقاً بـ (اقْتَضَيَا)؛ لأن الاقتضاء الذي هو طلب الفعل يطلب (عملاً)، عملاً .. محَلُّ العمل يكون في الاسم، إذاً صار جاراً ومجروراً متعلِّق بقوله: (عَمَلْ)، و (عَمَلْ) هذا مفعولٌ به وُقِف على السكون على لغة رَبيعة. (قبلُ) يعني: قبل الاسم، هذا حال، حال كونهما قبل ذلك الاسم. (إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا) إنِ اقتضَى عاملان حال كونهما قبل ذلك الاسم، فحينئذٍ اشترط الناظم أن يكونا متقدِّمَين، أن يكون العاملان متقدِّمَين، فإن تأخرا، أو توسَّطا، أو توسَّط أحدُهما خرَج عن باب التنازُع، بل لا بدَّ أن يتقدَّما: قام وقَعَد زيدٌ، ضربتُ وأكرمتُ عَمْراً، لا بدَّ أن يَتقدَّما. فإن قيل: عَمْراً ضربتُ وأَكرمتُ، ليس من باب التنازُع وسيأتي، لو قيل: ضربتُ زيداً وأَكرمتُ؛ توسَّط بينهما الاسم، ليس من باب التنازُع، بل لا بدَّ من أن يَتقدَّم العامِلان، ويتأخر الاسمُ. (فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ)، فالعمل لواحد منهما، وهذا محل وفاق اتفاق بين النحاة، لا يمكن أن يكون الاسمُ معمولاً للعاملَين، بل لا بدَّ أن يكون واحداً منهما هو الذي يأخذ الاسم الظاهر، والثاني حينئذٍ نُضْمِر له ضميراً: إما مذكوراً، وإما محذوفاً على التفصيل الآتي.

إذاً (فَلِلْوَاحِدِ) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، (فالْعَمَلْ) هذا مبتدأ مؤخَّر، (لِلْوَاحِدِ) جار ومجرور متعلِّق بمحذوف خَبر مقدَّم، (مِنْهُمَا) هذا حال من الواحد، حال كونِه منهما لا من غيرِهما، هذا قطعاً؛ لأن التجاذُب إنما حصل بين العاملَين على هذا المعمول، هذا تعريف ابنِ مالك رحمه الله تعالى، وهو واضِح. (إِنْ عَامِلاَنِ) .. (إِنْ اقْتَضَيَا) طَلب، والاقتضاء يفسَّر بمعنى الطلب، (إن اقتضى عاملان عملاً في اسمٍ قبلُ)، يعني: حال كون العاملَين قبلَ الاسم الظاهر، فالعمل للواحد منهما دون الآخر، وهذا مقطوع به باتفاق، إمّا الأول أو الثاني، ولذلك أجمع البصريون والكوفيون على أنه يجوز إعمال أي واحد منهما، أعملتَ الثاني أو أعملتَ الأول كلُّه جائِز، وإنما اختلفوا في الأرجح والأَولى والأَقيس ما هو؟ على قولين. (وَالثَّانِ أَوْلَى)، (وَالثَّانِي) يعني: إعمال الثاني (أَوْلَى) من إعمال الأولِ عند أهل البصرة .. عند البصريِّين، (وَاخْتَارَ عَكْساً) وهو: إعمال الأول دون الثاني (غَيْرُهُمْ)، وهم طائفتان اثنتان متقابلتان، إذا قال: عند أهل البصرة، ثم قال: غيرُهم؛ تَعيَّن أن يكون المراد بالغير أهلُ الكوفة؛ لأنه لا اعتبار بغيرهم، ولذلك أكثر ما يُذكَر البصريون والكوفيون، وأما الأندلسيون والمِصريون فهذا خلافُهم سهْل. (وَاخْتَارَ عَكْساً) (اخْتَارَ) هذا فعل ماضي، و (عَكْساً) هذا مفعول بِه، من هذا وهو: أنّ الأول أَولى، (غَيْرُهُمْ) غيرُ البصريين وهم الكوفيون، (ذَا أَسْرَهْ) هذا حال من فاعل (اخْتَارَ)، اختار غيرُهم عكساً، اخْتَارَ عَكْسًا غَيْرُهُمْ، اختار غيرُهم عكساً، (غَيْرُهُمْ) هذا فاعل، حالَ كونِهم (ذَا أَسْرَهْ) يعني: صاحِب أَسره، وهو الجماعة القوية، فيها قوة، قيل: لكون الذين اختاروا هذا القول أكثر، وقيل: وصَفَهم بهذا لئلا يُظَنّ بأنه قال: (غَيْرُهُمْ)؛ أنه تضعيف لقولهم؛ لا، هو محتمِل، هذا محتمِل، والأول محتمِل، كلاهما محتملان؛ إلا أن الأرجح هو مذهب البصريين. (وَالثَّانِ) أي: إعمال الثاني؛ على حذف مضاف، وهو مبتدأ، (أَوْلَى) خبره، (ثَّانِ) مبتدأ، و (أَوْلَى) خبره، (ثَّانِ) على حذف مضاف، يعني: إعمال الثاني؛ لأننا لا نحكم على الثاني من حيث هو، هنا نقول: على تقدير مضاف؛ لأنك لو قلتَ: الثاني مبتدأ؛ حينئذٍ الثاني من حيث هو لا من حيث العمل (أَوْلَى)، ونحن نحكُم عليه من حيث الإعمال، إعمال الثاني أولى من إعمال الأول، لماذا؟ قالوا: لِقُرْبِه، القريب أولى، أكرمتُ وضربتُ زيداً، قالوا: (زيداً) هذا مفعول به للثاني دون الأول، (أكرمتُ وضربتُ) كلاهما تجاذبا في طلب (زيدٍ) على أنه مفعول له، على مذهب البصريين الثاني أولى، وهو (أكرمتُ)، والأول سيأتي أنه يُقدَّر له ثم يُحذَف.

(وَاخْتَارَ عَكْسَاً غَيْرُهُمْ) اختار غيرهم وهم الكوفيون (عَكْسَاً) وهو: إعمال الأول أولى من إعمال الثاني؛ لماذا؟ قالوا لِسَبْقِه؛ لأنه سَبَق، (ضربتُ) نطقتَ به أولاً، إذاً الاسم الظاهر الأولى أن يُقدَّر له، و (أكرمتُ) هذا جاء ثانياً، حينئذٍ الثاني دَخيل على الأول، فإذا جاء الاسم الظاهر (زيداً) فالأول أولى؛ يُعطَى، والثاني -لأنه دخيل- حينئذٍ يُقدَّر له. إذاً: أكرمتُ وضربتُ زيداً، (زيداً) مفعولٌ لـ (أكرمتُ) الأول على مذهب الكوفيين، ومفعولٌ لـ (ضربتُ) الثاني؛ العامل الثاني على مذهب البصريين. (إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ) قوله: (إِنْ عَامِلاَنِ) قلنا: ليس المراد تحديد الاثنين فَحَسْب، وإنما المراد مفهوم الأقل، يعني: لا يكون واحداً؛ إذْ لو كان واحداً خرج عن باب التنازُع، قام زيدٌ ضربتُ زيداً، ليس فيه تنازُع، وإنما المراد عاملان فأكثر، حينئذٍ يَرِد ثَمّ ثلاثة عوامل قد يطلبوا معمولاً واحداً، قد يكون التنازُع بين أكثر من عاملَين، وقد يتعدد التنازُع فيه؛ ولذلك جاء في الحديث: {تُسَبِّحون، وتَحْمَدون، وتُكَبِّرون دُبُرَ كلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين}، تُسبّحون دُبُرَ كل صلاة، تَحمَدون دُبُرَ كلِّ صلاة، تُكَبِّرون دُبُرَ كلّ صلاة، إذاً (دُبُرَ) هذا ظَرف؛ تنازع فيه العوامل الثلاثة السابقة. كذلك: (ثلاثاً وثلاثين) هذا مفعول مطلق .. نائِب عن مفعول مُطْلَق؛ عَدَدي، تنازعه الثلاثة الماضية، الأفعال الثلاثة: تُسبِحون، وتَحمدون، وتُكبرون. إذاً؛ وقع التنازُع بين ثلاثة أفعال على معمولَين؛ فوقع ماذا؟ التخالُف بين الاثنين، صار الأول متعدِّداً أكثر من اثنين، وصار الثاني أكثر من اثنين، فقول الناظم: (إِنْ عَامِلاَنِ) لا مفهوم له من حيثُ الكَثْرة. وقوله: (فِي اسْمٍ) أخذ المَكُودِي بأنه لا يكون تنازُعاً إلا في اسم واحدٍ، وليس له سَبْق في ذلك، بل الصواب: أنه لا مفهوم له، فقول الناظم: (فِي اسْمٍ) ليس له مفهوم بأنه إذا كان أكثر من اثنين خرج عن باب التنازُع، نقول: لا، ولذلك جاء في الحديث: {دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ}، وهما معمولان وقع فيه التنازُع، وهما اسمان ليس اسماً واحداً. (إِنْ عَامِلاَنِ) فأكثر، إذاً لا مفهوم له من حيث الزيادة، وله مفهومٌ من حيث الأقل، يعني: لا يكون أقلَّ من عامِلَين، فإن كان أقل من عاملين خرج من باب التنازع، فإن كان ثلاثة حينئذٍ نقول: هذا من بابٍ أولى؛ التجاذب فيه أعظم. (إِنْ عَامِلاَنِ) المراد به: فعلان، أو اسمان، أو اسمٌ وفعل، بشرط أن يكون فعلاً متصرفاً، أو ما جرى مجراه، فعلاً متصرفاً لا جامداً، أو ما جرى مجراه، إذاً الحرف .. لا يكون التنازع بين حرفين البتة، ولا بين حرف وغيره، ولا بين جامد وغيره، ولا بين جامدين من بابٍ أولى، ولا جامدٍ وحرف، لا يقع التنازع، وإنما المراد بالعاملين هنا: الفعلان المتصرفان، أو الاسمان المُشْبِهان للفعلِ، أو الفعل والاسم. قد يقع تنازع بين فعل واسم كل منهم يطلب اسماً ظاهراً.

قد يكون العاملان المتنازعان فعلين، ويشترط حينئذٍ أن يكونا متصرفين؛ احترازاً من الجامد، ستأتي العلة، ((آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)) [الكهف:96]، (آتُونِي أُفْرِغْ) عاملان طلبا قِطْراً، (أُفْرِغْ) هذا يتعدى إلى واحد، طلب قطراً على أنه مفعول له، (آتُونِي) يطلب اثنين: الأول: (الياء)، والثاني (قِطْراً)، إذاً تنازع فيه (آتُونِي) و (قِطْراً)، فأُعمل الثاني، وأضمر في الأول. أْتُونِي هذا فعل وفاعل، ومفعولٌ أول، ويحتاج إلى ثانٍ فسُلِّط على (قِطْراً)، و (أُفْرِغْ) هذا فعل وفاعل يحتاج إلى مفعول، وتأخر عنهما (قِطْراً) وكُلٌّ منهما طالب له، إذاً طلبه (آتُونِي) على أن ينصبه مفعولاً ثانياً له، وطلبه (أُفْرِغْ) على أنه مفعول له، كل منهما طالب له على أنه منصوب له، وإن كانت جهة النصب منفكة؛ لأن ذاك يطلبه على أنه مفعول ثاني (آتُونِي)، و (أُفْرِغْ) يطلبه على أنه مفعول، وليس له إلا مفعولاً واحداً، حينئذٍ الجهة انفكت من حيث نوعية النَّصْب، ومن حيث العمل فهي واحدة. إذاً تسلط عاملان متصرفان .. فعلان متصرفان، (آتُونِي) متصرف، و (أُفْرِغْ) متصرف. وقد يكونان اسمين، ويشترط فيهما حينئذٍ أن يكونا جاريين مجرى الفعل، يعني: بمعنى الفعل -ما فيه رائحة الفعل-؛ لأنه سيرفع وينصب، ولا يرفع ولا ينصب إلا المشتقات التي هي فيها معنى الفعل -رائحة الفعل-؛ لأن الأصل في العمل هو للفعل، فحينئذٍ إذا أُعمِل الاسم لا بد وأن يكون فيه معنى الفعل؛ ليصح تعديه، وإلا الأصل أن يكون الفعل هو الذي يختص بالعمل، فحُمل عليه الاسم إذا وجد فيه معنى الفعل، فيقتضي .. يطلب ما يطلبه الفعل. ولذلك إذا تنازع اسمان حينئذٍ يُشترط فيهما أن يكونا جريا مجرى الفعل، والذي يجري مجرى الفعل هنا في هذا الباب: بأن يكونا اسمي فاعل، يكون الأول اسم فاعل، والثاني اسم فاعل، وكل منهما عامل، وهذا سيأتي باب خاص في إعمال اسم الفاعِل: (عُهِدْتَ مُغِيثَاً مُغْنِياً مَنْ أَجَرْتَهُ)، (عُهِدْتَ) هذا بالبناء للمجهول وتاء الخطاب، (مُغِيثَاً) هذا اسم فاعل أغاث يغيث فهو مغيث، (مُغْنِياً) هذا أغنى يغني فهو مغني، إذاً هو اسم فاعل، إذاً: مُغِيثَاً مَنْ أَجَرْتَهُ، يطلبه على أنه مفعول له، ومُغْنِياً مَنْ أَجَرْتَهُ يطلبه على أنه مفعول له. إذاً تنازع اسما فاعل على اسم واحد وهو (مَن أَجَرْتَهُ)، وأعمل الثاني، هنا في هذا التركيب أعمل الثاني، فـ (مَنْ) اسم موصول تنازعه كل من مغيث ومغنٍ. أو بأن يكونا اسمي مفعول؛ لأن اسم المفعول كذلك يعمل لكن بشرطه، كقول القائل: قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ فَوَفّى غَرِيمَهُ ... وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنَّىً غَرِيمُهَا (وَعَزَّةُ): هذا مبتدأ، (مَمْطُولٌ مُعَنَّىً): خبر بعد خبر، (غَرِيمُهَا): نائب فاعل، (مَمْطُولٌ): هذا اسم مفعول يطلب نائب فاعل، و (مُعَنَّىً): هذا اسم مفعول يطلب نائب فاعل، حينئذٍ لا بد من توجه واحد منهما. الشاهد هنا: أن اسمي مفعولٍ تنازعا في اسم ظاهر، وأعمل الثاني هنا.

أو بأن يكونا مصدرين، الأول والثاني مصدران، والمصدر يعمل لكن بثمانية شروط، ستأتي في محلها -إن شاء الله تعالى-، المصدر يعمل بثمانية شروط، كلما بعد الاسم عن معنى الفعل ازدادت الشروط، ولذلك إعمال اسم الفاعل شروطه أقل، وكذلك اسم المفعول؛ لأنه دال على ذات وعلى وصف، أما المصدر فلا، كقولك: (عجبتُ من حبِّك وتقديرك زيداً)، (حُبِّكَ) حبِّ: هذا مصدر مضاف إلى الفاعل حينئذٍ يطلب مفعولاً به، و (تقديرك) -تقديرك أنت-، مضاف إلى الفاعل، مثل ((لَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)) [البقرة:251] مثله، ((لَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ))، حبِّك زيداً، تقدِيرك زيداً، إذاً زيدا هذا اسم ظاهر متأخر وتقدم عليه مصدران كل منهما يطلبه على أنه مفعول به له. إذاً قد يكون العاملان اسمي مصدر. أو بأن يكون اسمي تفضيل: زيدٌ أضبط الناس وأجمعهم للعلم. زيدٌ أضبط، أفعل تفضيل، أضبط للعلم، وأجمعهم للعلم، (للعلم) هذا إما أن يتعلق بـ (أجمع)، وإما أن يتعلق بـ (أضبط)، تنازع فيه اسما تفضيل، فأُعمِل الثاني. أو بأن يكونا صفتين مشبهتين، (زيدٌ حذرٌ وكريمٌ أبوه)، (زيد) مبتدأ و (حذر) خبر و (كريم) هذا معطوف عليه، (حذرٌ) صفة مشبهة ترفع فاعلاً، مثل (حسنٌ وجهه) مثلها، (حذِرٌ) فَعِلٌ و (كريم) فعيل صفة مشبهة، تطلب أبوه على أنه فاعلٌ لها، حينئذٍ تنازع صفتان مشبهتان على اسمٍ ظاهرٍ واحد، حذِرٌ أبوه، كريمٌ أبوه، كل منهما يريده على أنه فاعل له. أو بأن يكونا مختلفين؛ بأن يكون الأول اسم فعل، والثاني اسم فيه معنى الفعل، أو العكس، فمثال الفعل واسم الفعل: قوله: ((هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ)) [الحاقة:19]، (هَاؤُمُ) (هاء) هذا اسم فعل أمر بمعنى خذ، و (الميم) علامة الجمع (هَاؤُمُ)، والأصل (هاكم)، أبدلت الكاف (واواً) ثم الواو (همزة) فصار (هَاؤُمُ .. اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ). إذاً (هَاؤُمُ) هذا اسم و (اقْرَؤُوا) هذا فعل تنازع كِتَابِيهْ، كتابي، خذ كتابي، اقرأ كتابي، كل منهما طلبه على أنه مفعول له وأعمل الثاني، فالقرآن من أوله إلى آخره يرجح مذهب البصريين، كل من ورد من أمثلة أعمل فيه الثاني، ولذلك هناك: ((أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً))، قطرا مفعول لأفرغ، هنا (كتابي) هذا مفعول لـ (اقْرَؤُوا) ليس للأول. ومثال الفعل والمصدر: قول القائل: لَقَدْ عَلِمَتْ أُولَى المُغيرَةِ أَنَّني لَقِيتُ ... فَلَمْ أنْكِلْ عَنِ الضَّرْبِ مَسْمَعاً (مَسْمَعاً) هذا اسم رجل، (لَقِيتُ الضَّرْبِ مَسْمَعاً) الضَّرْبِ هذا مصدر طلب مَسْمَعَاً على أنه مفعولٌ له، ولَقِيتُ طلب مَسْمَعاً على أنه مفعول له، تنازعا كل من الفعل والمصدر، حينئذٍ إذا عرفنا أن مراد الناظم بقوله: (إِنْ عَامِلاَنِ) أنهما يكونا فعلين، أو اسمين، أو مختلفين؛ بشرط أن يكون الاسم شبيهاً بالفعل، بمعنى أنه يعمل عمل الفعل، وكل اسم مما ذُكر يُرْجَع إلى بابِه، فنعرف ما شروط إعمال اسم الفاعل، وما شروط إعمال اسم المفعول، وما شروط إعمال اسم التفضيل، والمصدر ونحو ذلك.

وهذه هي الصعوبة في النحو، لا بد أنك إذا أردت أن تُعرب هذه المواضع السابقة أن تستحضر شروط الإعمال في كل الأبواب، وهذا صعب؛ لأنه يحتاج إلى ممارسة، لا تثبت المعلومات إلا بالممارسة، ولذلك قد يُدرس النحو سهل، لكن عند التطبيق تأتي الفضائح، لماذا؟ لأنه إذا أراد أن يُعرِب حينئذٍ لا بد أن يستحضر الأول، يعني الآن لو أردنا أن نُعرب كل ما سبق .. هذا كله لا بد أن يكون مستحضر، يأتيك مبتدأ، يأتيك خبر، يأتيك كان واسمها، وشروط .. تقديم .. تأخير .. وجوب تقديم .. جواز .. أشياء كلها لا بد أن تكون مستحضرة في الذهن، إذا لم تكن لا تستطيع أن تعرب أبداً، وإذا لم تستحضرها -لا على جهة الشرح والإيصال هذا له لغة الخاصة-، وإنما على جهة التطبيق؛ أن تعرف النتيجة الخلاصة، هذه ثمانية شروط .. إلى آخره، لا بد أن تعدها عداً، حينئذٍ يسهل معك النحو، وأما هكذا فبينك وبينه بُعدَ المِشْرقََين. حينئذٍ نعلم أنه لا تنازع بين حرفين، لا يقع التنازع بين حرفين عند الجمهور .. أكثر النحاة على هذا، وخالف الصبّان قال: لا، قال بل قد يقع تنازع بين حرفين؛ لماذا؟ قالوا: لضعف الحرف، الحرف ضعيف، ولفقد شرط صحة الإضمار في المتنازعين، إذ الحروف لا يضمر فيها؛ لأنه سيأتي إذا أعملنا الثاني أضمرنا في الأول، حينئذٍ إذا أعملنا الحرف الثاني نضمر في الأول، والإضمار لا يكون في الحرف. إذاً شرط صحة التنازع ليست موجودة بين حرفين، إذاً لا تنازع بين حرفين، وإذا جاء حرفان متكرران حينئذٍ يكون من باب التأكيد: لاَ لاَ أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا لاَ لاَ، (لا) الثانية هذه تأكيد للأولى، وليس عندنا أنه طلب ما بعده، إذاً لا تنازع بين حرفين ولا بين حرفٍ وغيره يعني: بين حرف وفعل مثلاً، أو حرف واسم نقول: لا؛ لا تنازع بين حرفين ولا بين حرفٍ وغيره. ولا بين فعلين جامدين، لا يقع بين نعم وبئس مثلاً، يطلبان ما بعدهما؛ للفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، وإذا فُصِل بينهما حينئذٍ ضعُف العامل؛ لأنك إذا أعملت الثاني أضمرت في الأول، حينئذٍ نقول الفصل بين العامل الجامد والآخر الجامد بمعمول هذا يضعفه؛ لأنه هو في نفسه ضعيف. إذاً؛ ولا بين فعلين جامدين، والعامل الجامد ضعيف، فلا يقوى على العمل وهو مفصول من معموله، ولهذا يلزم من جوَّز تنازع الجامدين أن يعمل الثاني في لفظ المفعول؛ لأنه هو المتصل به، حينئذٍ خَرج من باب التنازع، يعني من جوَّز إعمال الجامدين الفعلين يلزمه إعمال الثاني، فإذا أُلزم بإعمال واحد دون الآخر خَرج من باب التنازع؛ لأن باب التنازع شرطه: أنه يجوز إعمال الأول دون الثاني، أو الثاني دون الأول، إذا ألزم بواحدٍ منهما خرج من باب التنازع، كما ذكرناه في الاشتغال هناك. إذاً شرط صحة التنازع ألا يتعين الأول، وألا يتعين الثاني، فإن تعين الأول بطل التنازع، وإن تعين الثاني بطُل التنازع، إذا أعملنا الجامدين حينئذٍ يتعين أن يكون الثاني عاملاً في الاسم الظاهر؛ فبطل أنه من باب التنازع. ولا جامد وغيره؛ متصرف، ولا بين اسمين غير عاملين، ولا بين فعل متصرف وآخر جامد، أو فعل متصرف واسم غير عامل.

إذاً يحصر قوله: (إِنْ عَامِلاَنِ) في الفعل وشبه الفعل، ويشترط في الفعل أن يكون متصرفاً. ويشترط في العاملين شرط آخر وهو: أن يكون بينهما ارتباطٌ، لا بد من ارتباط، لو كانا هكذا مجردين: قام قعد زيدٌ، قام قعد نقول: ليس بينهما ارتباط، ليس بينهما علاقة، لا بد أن يكون ثم علاقة بين قعد قام إما بالعطف وهو أكثر، أو يكون الثاني معمولاً للأول، يعني: الأول عامل للثاني، ((آتُونِي أُفْرِغْ)) (أُفْرِغْ) هذا فعل مضارع مجزوم؛ لوقوعه في جواب طلب وهو: ((آتُونِي))، إذاً عمل الأول في الثاني، وإذا عمل فيه صار معمولاً، وصار مرتبطاً به. الثالث: أن يكون جواباً للأول: ((يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ))، حينئذٍ نقول: هذه الثلاثة وهي: كونه معطوفاً بالواو، أو كونه معمولاً له ولو كان فعلاً، أو كان واقعاً في جوابٍ نقول: حصل ارتباط بين المتنازعين، بين العاملين. ويشترط في العاملين أيضاً: أن يكون كل واحد منهما موجهاً إلى المعمول من غير فسادٍ في اللفظ، أو في المعنى، فيَخْرُج حينئذٍ ما ذكرناه سابقاً: أَتَاَكَ، أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ احْبِسِ، احْبِسِ (أَتَاَكَ، أَتَاَكَ) الثاني لا يطلب ما بعده على أنه فاعل له، لأنه مجرد عن الإسناد، ما جيء به من أجل الإسناد، وإنما جيء به من أجل تأكيد المعنى العام للسابق، (أَتَاَكَ أَتَاَكَ) هذه فعلٌ يراد به الإسناد، حينئذٍ إذا أُريد به الإسناد يكون (اللاَّحِقُونَ) فاعلاً له، وأتاك الثاني لا فاعل له، لماذا لا فاعلاً له؟ لأنه لم يطلب فاعلاً، لماذا لم يطلب فاعلاً؟ لأنه ما جيء به من أجل الإسناد والإخبار، وإنما جيء به من أجل تأكيد المعنى السابق. كذلك خَرَج قول امْرِئ القَيْس: وَلَو أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي -وَلَمْ أَطْلُبْ- قَلِيلٌ مِن الَمَالِ كَفَانِي وَلَم أَطْلُبْ .. قَلِيلٌ .. قَلِيلاً، في ظاهره أنه من باب التنازع، كَفَانِي قَلِيلٌ مِن الَمَالِ، طلبه على أنه فاعل له، وَلَمْ أَطْلُبْ قَلِيلٌ مِن الَمَالِ، الظاهر أنه تقدم عاملان وتأخر عنهما اسمٌ ظاهر، كَفَانِي يطلب قليل على أنه فاعل، وَلَمْ أَطْلُبْ يطلبه على أنه مفعول به، نقول هذا ليس من باب التنازع؛ لأننا لو أجريناه على باب التنازع لفسد المعنى، لماذا؟ لأنه قال وَلَو أَنَّ مَا أَسْعَى .. الذي، (ما) ليست نافية، وَلَو أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي قَلِيلٌ مِن الَمَالِ، (لَو) هذه تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره، حينئذٍ إذا دخلت على مُثْبَت نفتْه، وإذا دخلت على منفي أثبتته، عكس، امتناع الشيء لامتناع غيره، (وَلَوْ أنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ)، أن الذي أسعى لأدنى معيشة كفاني، هذا منفى أو مثبت؟ قبل دخول (لو) مثبت، بعد (لو) منفي، إذاً نفَى أن يسعى لأدنى معيشة. (وَلَمْ أَطْلُبْ) هذا منفي، دخلت عليه (لَوْ) أثبتته، أَطْلُبْ قَلِيلاً مِن الَمَالِ، لو جعلناه متنازَع: كفاني وأَطْلُبُ على قَلِيلٌ لحصل التنافي والتضاد؛ لأنه نفى أن يسعى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ، ثم قال: أَطْلُبُ قَلِيلاً مِن الَمَالِ، قليل المال هو أدنى معيشة، حصل تضارب: نفى وأثبت.

إذاً لا بد من القول بأن أَطْلُبُ هنا لا يطلب قَلِيلاً، وإنما هو طالبٌ لمفعولٍ محذوف: ولم أطلب الملك، يعني: الملك هو أعلى معيشةٍ، هذا الذي يطلبه في الدنيا، وأما أدنى معيشة فهو قليل المال هذا، فحينئذٍ لا تنافي بينهما: وَلَو أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي قَلِيلٌ مِن الَمَالِ .. ولم أطلب الملك، إذاً لا تنافي بينهما، لكن لو جعلنا الأول منفي والثاني مثبت كفاني قليل من المال، ثم نقول: لم أطلب قليلاً من المال، نقول هذا بينهم تعارض. الحاصل: أنه ليس كل عاملين متقدمين يكون بعدهما اسم ظاهر لا بد من صحة المعنى بتسليط العاملين على الاسم الظاهر، يعني لا نكون ظاهرية، كلما رأينا عاملين واسماً ظاهراً قلنا هذا من باب التنازع، لا انظر للمعنى؛ لأنه لو تسلط العاملان على الاسم الظاهر قد يحصل تناقض وتعارض .. تضارب، فإذا كان كذلك حينئذٍ لا بد من فك التنازع، فيُجعل لأحدهما مفعولاً محذوفاً، ويعلَّق المذكور بأحدهما، فـ (كَفَانِي قَلِيلٌ) قَلِيلٌ فاعل كَفَانِي، وأَطْلُبُ لم يطلب (قَلِيلٌ)، وإنما طلب مفعولاً محذوفاً. ويشترط في العاملين أن يكونا متقدمين على المعمول، هذا شرط صحة باب التنازع، فإن تأخر أو توسط أحدهما، أو توسط الاسم الظاهر بطل، يعني: خرج عن باب التنازع. فإن تقدم المعمول؛ فإما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً، فإن كان مرفوعاً: زيدٌ قام وقعد؛ تقدم اسم ظاهر وتأخر عاملان، كلٌ منهما يطلب فاعلاً، هل يصح أن نجعل قام وقعد مسلطين على زيد المتقدم؟ الجواب: لا، وحينئذٍ نقول: زيدٌ مبتدأ، وقام فعل ماضي، وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على زيد، والجملة خبر، وقعد فعلٌ ماضي، وفاعله مستتر، والجملة معطوفة على ما سبق، ليس من باب التنازع، فنرفع الأول على أنه مبتدأ، ثم نُعرب الفعل على أصله، ونقدر فيه الضمير. فلا عمل لأحد العاملين فيه، بل كل واحد منهما عاملٌ في ضميره، وإن كان منصوباً: زيداً ضربت وأهنت، حينئذٍ يكون (زيداً) مفعولا به لضربت –الأول-، ونقدر للثاني محذوفاً، ولا يكون من باب التنازع، زيدا ًضربت وأهنت، إذاً صح أن يجعل الأول عاملاً في الاسم المتقدم، لماذا؟ لأنه يصح أن يتقدم المفعول به على عامله، لو قلت هكذا ابتداءً: زيداً ضربت صح؟ صح، حينئذٍ نقول: تقدم المفعول به على عامله، فحينئذٍ إذا جاء الاسم منصوباً، ثم جاء بعده عاملان؛ جعلناه معمولاً للعامل الأول، وقدرنا للثاني، زيداً ضربتُ وأهنت؛ فالعامل فيه هو أول العاملين. وأما إذا توسط: ضربتُ زيداً وأهنتُ، زيداً يكون لأهنت أو لضربت؟ ضربتُ من باب أولى؛ لأننا إذا جعلناه له في قولنا: زيداً ضربتُ وأهنتُ؛ فمن بابٍ أولى أذا تأخر، فضربتُ زيداً هذه جملة، وأهنت يعني أهنت زيداً، أهنته تقدر له ضمير، فيجوز حذفه. فهو معمول للسابق عليه منهما، وللمتأخر عنه معمول محذوف يدل عليه المذكور. إذاً (إِنْ عَامِلاَنِ) عرفنا ما يتعلق بالعاملين، المهم أن نعرف أنه فعل وفعل أو اسم واسم فيه معنى الفعل، أو فعلٌ متصرف واسمٌ فيه شبه الفعل، هذا أهم شيء. ثم أن يكونا متقدمين لا متوسط أحدهما ولا متأخرين، فإن كانا كذلك بطل باب التنازع.

(إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا) يعني: طلبا، لو طلب أحدُهما دون الآخر، لو طلب أحدُهما الاسم الظاهر دون الآخر خرج من باب التنازع، مثل ماذا؟ أَتَاكِ، أَتَاكِ الَّلاحِقُونَ، الثاني إذا كان مؤكِّداً للأول حينئذٍ لم يطلب معمولاً: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيقُ، (هَيْهَاتَ) هذا اسم فعل ماضي يطلب فاعلاً، (العَقِيقُ) اسم ظاهر متأخر، نجعله فاعلاً لأي منهما؟ للأول، والثاني توكيد، إذاً ليس من باب التنازع، تقول: ليس من باب التنازع؛ لأن هيهات الثاني لم يؤتَ به من أجل الإسناد، وإنما جيء به من أجل تأكيد معنى الفعل السابق، إذاً لم يقتضِ ما بعده على أنه فاعل له، لم يطلب فاعل، وشرط التنازع أن يكون العاملان كل منهما يطلب ما بعده، يعني: يريده، يريده إما فاعلاً وإما مفعولاً به وإما مجروراً، يعني مفعولاً به منصوباً يعني في اللفظ أو في المحل على قول. (اقْتَضَيَا) يعني طلبا، خرج به الفعل المؤكِّد؛ لأنه إنما يُذكر لتقرير الأول لا للإسناد فلا يكون مقتضياً للعمل. (إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ)، (فِي اسْمٍ) يعني اسم ظاهر، أو ضمير منفصلٍ مرفوع، أو منصوب، أو متصلٍ مجرور، في اسم ظاهر يعني: كزيد مثلاً، أو ضمير منفصلٍ مرفوع، أو منصوب أو متصلٍ مجرور، وسواء كان واحداً أو اثنين، وسواء كان مفردا أو مثنى .. عَمِّم، (فِي اسْمٍ) ليس له مفهوم، نعم (فِي اسْمٍ) ليس بحرف، وليس بفعل، وإنما هو اسم المقابل للحرف والفعل، هذا لا إشكال فيه .. واضح، أما هل له من حيث العدد .. نقول: لا مفهوم له، بل في اسم أو اسمين أو أكثر، في اسم ظاهر، أو ضمير؛ سواء كان بارزاً أو متصلاً، سواء كان مرفوعاً أو منصوباً، فالحكم عام، وهناك المكودي قال: ظاهره أنه في اسم واحد، فإن تعدد خرج عن باب التنازع، وهذا ليس بصواب، هذا المفهوم كما قال المَلَّوي: يجب إسقاطه، لا اعتبار له. (فِي اسْمٍ عَمَلْ) (عَمَلْ) سواء كان العمل متَّفَقا أو مختَلفاً، متَّفِقا متفَقا، مختلِفا مختلَفا، يعني: متفق في ماذا؟ كل منهما يطلب مرفوعاً: قام وقعد أخوك، كل منهما يطلب مرفوعاً، ضربتُ وأكرمتُ زيداً، كلاً منهما يطلب منصوباً، ضربتُ وضربني زيدٌ، ضربتُ يطلب منصوباً، وضربني يطلب فاعلاً، إذاً اختلف أو لا؟ اختلف، إذاً (عَمَلْ) المراد بالعمل هنا سواء كان متفَقاً بين العاملين في كونه رفعاً، أو نصباً، رفعاً كقام وقعد أخوك، أو نصباً نحو ضربت وأكرمت زيداً، أو مختلفين ضربت وضربني زيد، زيد طلبه الأول على أنه مفعول له، والثاني على أنه فاعل، إذاً اختلفا، هذا يريده منصوب، وهذا يريد أن يرفعه، حصل بينهما نزاع. (إِنْ عَامِلاَنِ) فأكثر (اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ): هنا العاملان يشترط فيهما أن يكونا مذكورين، لا بد، أن يكونا مذكورين بمعنى أنهما ملفوظ بهما، فلا تنازع بين محذوفين، لو قال قائل: من ضربتَ وأكرمتَ؟ فقال: زيداً. من ضربتَ وأكرمتَ؟ قال: زيداً، من باب التنازع؟ ليس من باب التنازع لماذا؟ لأن شرط باب التنازع أن يكون العاملان مذكورين، فإذا حذفا خرج من باب التنازع.

فلا تنازع بين محذوفين نحو: زيداً في جواب من ضربتَ وأكرمتَ؛ لأن الجواب على سَنَن السؤال، والأصل: ضربتُ زيداً وأكرمتُ زيداً، فذُكِر مفعول أحد العاملين المقدرين وحُذف مفعول الأخَر؛ من باب دلالة الأوائل على الأواخر أو العكس، لا من باب التنازع، يعني: لو قال في الجواب: زيداً، كيف نُعربه؟ نقول: هذا إما أنه مفعولٌ به للأول ضربت، أو للثاني، والأحسن نجعله للثاني، فحينئذٍ صار مفعولاً لفعلٍ واحدٍ، والعامل الأخر ضربت نقدر له مفعولاً به، حُذف لدلالة الثاني عليه، للعلم به؛ لاتحاد محل الضرب والإكرام، فلما قال: من ضربتَ وأكرمت؟ قال: زيداً، كأنه قال: أكرمت زيداً، وضربت الثانية أين مفعولها؟ محذوف لدلالة المذكور عليه، إذاً لا يكون من باب التنازع. ولا بين محذوف ومذكور، قسمة ثلاثية: مذكوران، محذوفان، أحدهما محذوف والثاني مذكور، ولا بين محذوف ومذكور، كقولك في جواب هذا السؤال السابق: أكرمتُ زيداً، لو قال: من ضربتَ وأكرمتَ؟ قال: أكرمتُ زيداً، ذكر أحد العاملين وحذف الأخر، حينئذٍ لا يكون من باب التنازع. إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ ... قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَملْ إذاً باتفاق أنه يجوزُ إعمال الأول دون الثاني، أو الثاني دون الأول، أنت بالخيار، أنت مخير بين هذا وذاك، ولكن الأولى أن يُجعل الثاني؛ لأنه قريب وكذلك ما ورد في القرآن -وهو أفصح الكلام- جاء فيه إعمال الثاني، ولم يُعمل فيه الأول. (وَالثَّانِ) يعني: إعمال الثاني (أَوْلَى) من إعمال الأول (عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَهْ)؛ لقربه، لأنه قريب فهو أولى، (وَاخْتَارَ عَكْساً) وهو إعمال الأول دون الثاني (غَيْرُهُمْ) هذا فاعل (اخْتَارَ)، والمراد به الكوفيون. كذلك مما استدل به البصريون على ترجيح الثاني: أنه لو أُعمل الأول لاحتجنا الإضمار، لو أُعمل الأول لفُصل بين العامل ومعموله بجملةٍ قبل تمامها؛ لأنك إذا قلت: قامَ وقعدَ زيدٌ أعملتَ الأول، قام زيدٌ، فصلت بينهما بجملة قبل تمام الجملة، يعني: عطفت على الأول قبل تمام الجملة، وهذا خلاف الأولى، خلاف القياس، إنما يعطف على الجملة بعد تمامها، قام زيد وقعد عمرو، هذا هو، وأما (قام) ثم تعطف عليه (وقعد)، ثم تأتي بزيد وهو فاعل الأول هذا خلاف القياس. قال الشارح: التنازع: عبارة عن توجه عاملين إلى معمول واحدٍ، يعني عاملين فأكثر إلى معمول واحد فأكثر، نحو ضربتُ وأكرمتُ زيداً، تنازع عاملان كل منهما يطلب زيداً على أنه مفعول له، فكل واحد من ضربت وأكرمت يطلب زيداً بالمفعولية، وهذا معنى قوله: (إِنْ عَامِلاَنِ) إلى آخره، وقوله (قَبْلُ) معناه أن العاملين يكونان قبل المعمول كما مثلنا. ومقتضاه: أنه لو تأخر العاملان لم تكن المسألة من باب التنازع، وفيه خلاف، لكن أكثر النحاة على أنها ليست من باب التنازع. وقوله: (فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ) معناه أن أحد العاملين يعمل في ذلك الاسم الظاهر، والآخر يُهمَل عنه، ويعمل في ضميره، كما سيذكره المصنف.

ولا خلاف بين البصريين والكوفيين أنه يجوز إعمال كل واحد من العاملين في ذلك الاسم الظاهر، ولكن اختلفوا في الأولى منهما، وذهب البصريون إلى أن الثاني أولى به لقربه منه، ولعدم الفصل بالجملة، ولعطفه قبل تمام الجملة. وذهب الكوفيون إلى أن الأول أولى به؛ لتقدمه، وأيضاً لنسلم من الإضمار قبل الذكر؛ لأنك إذا قدرت في الأول: قاما وقعد أخواك؛ وقعنا في مشكلة وهي: أن (قاما) الضمير يعود إلى (أخواك)، حينئذٍ عاد على متأخر في اللفظ والرتبة، لكن هذا مما استثني في باب التنازع كما سبق، لكنه خلاف الأولى، خلاف القياس؛ لأن القياس أن يعود على ما سبق. إذاً ذهب الكوفيون إلى أن الأول أولى به لتقدمه وسبقه من الإضمار قبل الذكر يعني سلامته. يشترط في المعمول هنا أربعة شروط، المعمول الاسم الذي يأتي هذا نذكره: الأول: ألا يكون ضميراً مستتراً. الثاني: -عند بعضهم- ألا يكون ضميراً متصلاً بعامله، نحو: لقيتُ، وأكرمَك. الثالث: أن يكون متأخراً عنهما كما ذكرناه. الرابع: أن يكون هذا الاسم قابلاً للإضمار، فلا تنازع في الحال ولا في التمييز؛ لأن كل واحد منهما لا يكون نكرة، وهذه بعضُها فيها خلاف. وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا ... تَنَازَعَاهُ والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا كَيُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا ... وَقَدْ بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا تَنَازَعَاهُ) عندنا عاملان إذا أعملتَ الأول أو الثاني حينئذٍ وجب إضمار الفاعل في المهمل، هنا عندنا المهمل اصطلاح خاص، ليس المهمل يعني مهمل عن العمل، لا، المهمل الذي لم يسلط على الاسم الظاهر، نسميه: مهملاً، ليس المراد أنه لا عمل له، لا، المراد هو الذي لم يعمل في الاسم الظاهر مع توجهه إليه في المعنى، لكنه يعمل، إذا قلت مثلاً قام وقعد أخواك، لو قلنا أخوك ما ظهر الفرق لأنه ضمير مستتر، (قام وقعد أخواك) نمثل بالمثنى والجمع، (قام) هذا يطلب أخواك على أنه فاعل، (قعد) يطلب أخواك على أنه فاعل، نعمل الأول أو الثاني؟ نبدأ بالأول، نُعمل الأول، حينئذٍ نقول: قام أخواك هذا فاعل له، وقعد نضمر فيه ضميراً دالاً على التثنية (قام وقعدا أخواك) أضمرنا، أعملناه في ضمير ما تنازعاه، والذي تنازعاه ما هو؟ أخواك، حينئذٍ قعد يطلب فاعلاً والفاعل لا بد من ذكره لا يحذف، لا يجوز لا يمكن حذفه، خلافاً للكسائي ومن تبعه فحينئذٍ وجب الإضمار في الثاني إضمار ماذا؟ الفاعل، إذاً: (قام وقعدا أخواك)، (قعدا أخواك)، (أخواك) هذا فاعل لقاما، وفاعل قعد (الألف)، أضمرناه من أجل أننا أهملناه يعني فصلناه عن الاسم المذكور الظاهر؛ لأننا قلنا لا يجتمع عاملان على معمول واحدٍ، حل هذه المشكلة أن نجعل الاسم الظاهر لواحد وهو قام، ونجعل للثاني فاعل آخر، إذاً فككنا الجهة فصارت الجهة منفكة. قعدا بالألف، اعكس، أعمل الثاني، (قاما –بالألف- وقعد أخواك): وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ سواء كان الأول أو الثاني، أعمله في ماذا؟

فِي ضَميِرِ مَا تَنَازَعَاهُ، وهذا الظاهر صنيع المصنف أنه يريد به الفاعل؛ لأنه سيأتي: وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بِمُضْمَرٍ، ثم قال: بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ، فالظاهر به الفاعل، أو يزاد عليه المنصوب من الثاني. وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

54

عناصر الدرس * تتمة لحكم معمول العامل المهمل * إذا حصل لبس في الإضمار فيجب الإظهار. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد .. عرفنا الآن حقيقة التنازع، ثم قال الناظم في قوله -رحمه الله تعالى-: وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَمِيرِ مَا ... تَنَازَعَاهُ والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا كَيُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا ... وَقَدْ بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ): (الْمُهْمَلَ) مهمل اسم مفعول من الإهمال، أُهمِل يُهمَلُ فهو مُهمَلٌ المراد به الترك، هل المراد به الترك المطلق أو مطلق الترك؟ الترك مطلقاً يُهمل مطلقاً، أو مطلق الترك؟ الثاني، مطلق الترك، بمعنى أنه يعمل في بعض الأحوال، ولذلك قال: (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ) كيف هو مهمل ثم قال: أعمِل المهمل؟ هذا دليل على أنه مهمل من جهة دون جهة، والمراد به أنه لا يتسلط على الاسم الظاهر فينصبه أو يرفعه، وإنما نجعل له ضميراًَ، إما أن يكون مرفوعاً، وإما أن يكون منصوباً، ولذلك قال: إذا أعملت الثاني وأهملت الأول لم تجعل الظاهر له معمولاً، حينئذٍ ماذا تفعل؟ وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ -الأول- الذي لم تسلطه على الاسم الظاهر فِي ضَمِيرِ مَا تَنَازَعَاهُ، يعني في ضميرٍ يعود على الاسم المتنازع فيه. (والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا) يعني إن كان هذا الضمير مرفوعاً على أنه فاعل، حينئذٍ التزم ذكره، وإن كان مفرداً، حينئذٍ التزم إفراده ليطابق المفسر، وإذا كان مثنىً التزم تثنيته ليطابق المفسر، وكذلك الجمع، حينئذٍ على هذا نجعل البيت عام، وما بعده تخصيص له. (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ) مطلقاً سواء كان يحتاج إلى مرفوع، أو إلى منصوب، سواءٌ كان الأول أو الثاني مطلقاً، وسيأتي تخصيص الأول بأنه لا يعمل إلا في المرفوع دون المنصوب، ويبقى الثاني مطلقاً يعمل في المرفوع وفي المنصوب، وسيأتي مزيد بيان. (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ) عرفنا المهمل هو الذي لم يعمل في الاسم الظاهر مع توجهه إليه في المعنى، حينئذٍ يُعمل في ضميره العائد على ذلك الاسم؛ لأنه إما أن يسلط على الاسم الظاهر، وهذا قد أعطيناه الثاني مثلاً، حينئذٍ الأول كيف نفعل معه؟ نعطيه ضميراً يعود على الاسم الظاهر، حينئذٍ توافقا، كلٌ منهما عمل في الاسم، لكن ذاك في مظهره وهذا في مضمره، كلاهما قد عملا في الاسم، لكن واحد -الذي أعملناه ظاهراً- هذا الذي سلطناه على الاسم الظاهر، والثاني الذي أهملناه ولم نسلطه على الاسم الظاهر أعملناه في ضميره. (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ) مطلقاً سواء كان الأول أو الثاني، أهملت الأول وأعملت الثاني، أو أعملت الأول وأهملت الثاني. (فِي ضَمِيرِ) يعني ضمير، (مَا) يعني الاسم المتنازع فيه. و (الْتَزِمْ): أعمِل المهمل في ضمير ما تنازعاه وجوباً إن كان عمدةً، كالفاعل ونائب الفاعل. (والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا) التزما (مَا) شيئاً وحكماً قد الْتُزِمَا، (الألف) هذه للإطلاق، يعني بمطابقة الضمير للظاهر، لابد أن يكون مطابقاً له، قامَ وقعدَ أخوكَ، حينئذٍ إذا أعملت الظاهر، فالأول يكون فيه ضمير مستتر، إذا أعملت الثاني فالأول يكون فيه ضمير مستتر، قاما وقعد أخواك، قاموا وقعد إخوتك، مطابق أو لا؟

إن كان مثنى -الاسم الظاهر- فالضمير يكون مثنى، والضمير هنا يسمى مفسَّراً بفتح السين، والاسم الظاهر يكون مفسِّراً، وشرط المفسَّر والمفسِّر التطابق، تذكيراً وتأنيثاً إفراداً وتثنيةً وجمعاً كالمبتدأ والخبر لا بد منهما، فلذلك لابد أن يكون الفاعل الذي يرفعه المهمل مطابقاً للاسم الظاهر، فإن كان مثنى ثُنِّي، وإن كان جمعاً جُمِع. قاموا وقعد إخوتك، أعملت الثاني في الاسم الظاهر، ثم تُعمل الأول في ضميرٍ عائدٍ على الاسم الظاهر، حينئذٍ لا بد من المطابقة، قاموا (بالواو)؛ لأن المرجع وهو إخوتك جمع فلا بد من التطابق، أما قام وقعد إخوتك، وتعمل الأول على أنه في ضميرٍ مستتر نقول هذا لا يصح؛ لأنه غير مطابق؛ لأن الضمير المستتر مفرد، هذا الأصل فيه، وإذا اتصل به ألف الاثنين والاسم الظاهر جَمْع، كذلك لم يحصل التطابق قاما وقعد إخوتك لم يحصل، وإنما لا بد من التطابق فتقول: قاموا (بالواو) وقعد إخوتك. إذاً يعني من مطابقة الضمير للظاهر، ومن حذف الفضلة وإثبات العمدة، حذف الفضلة ليس مطلقاً فيه تفصيل سيأتي، وإنما المراد به من الثاني، الثاني يجب إثباته مطلقاً، الثاني إذا أهمل وجب إعماله في ضمير الاسم الظاهر مطلقاً، سواء كان مرفوعاً أو منصوباً إلا على مذهب الكوفيين من جواز حذفه. ومن حذف الضمير في بعض الأحوال وتأخيره في بعضها، وما صلح لوقوعه على جميع ما ذكر، إذاً (والْتَزِمْ مَا): أي الأحكام التي التزمت، وسيأتي تفصيل بعضها، وأهم ما يعتنى به أن ما كان فاعلاً يجب ذكره، سواء أهملت الأول وأعملت الثاني أو بالعكس، لابد من إضمار الفاعل؛ لأن الفاعل لا يحذف. مثَّل الناظم لإعمال كل من الأول دون الثاني، أو بالعكس، فقال: (كَيُحْسِنَانِ) (الكاف) هذه للتمثيل، أي كقولك: يُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا (الألف) للإطلاق، يُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَ، أصلها يحسن ويسيء ابناك، مثل قام وقعد، يحسن ويسيء ابناك، ابناك هذا فاعل إما للأول وإما للثاني. هنا الناظم في المثال الأول أعمل الثاني، حينئذٍ تقول: (يُسِيءُ) فعل مضارع مرفوع و (ابْنَاكَا) هذا فاعلٌ، فاعل لأي شيء؟ للثاني، ماذا بقي للأول؟ (يُحْسِنَ)، لا بد من أعماله في ضميرٍ يعود على الاسم الظاهر. (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا تَنَازَعَاهُ)، وما تنازعاه هنا: (ابْنَاكَا) إذاً مثنى، وإذا كان فعلاً مضارعاً حينئذٍ صار من الأمثلة الخمسة، فتقول: (يحسن) تضيف عليها (الألف) فصار (يحسنا)، فرفعه حينئذٍ يكون بثبات النون؛ لأنه على وزن يفعلان، فصار يُحْسِنَانِ، (يحسن) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل وهو ضمير يعود على الاسم الظاهر، إذاً أعملت الثاني في الاسم الظاهر وهو َيُسِيءُ، وأهملت الأول، أهملته بمعنى أنك لم تسلطه على الاسم الظاهر، ثم أعملته في ضميرٍ يعود على الاسم الظاهر، لماذا؟ لأنه فعل وكل فعلٍ لا بد له من فاعل فقلت: يُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا. وَقَدْ بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا:

(بَغَى وَاعْتَدَا عَبْدَاكَا) (الألف) للإطلاق، (بغى واعتدى) كل منهما فعلان تقدما وطلبا عَبْدَاكَا على أنه فاعل، أَعمَل الأول وهو (بَغَى)، حينئذٍ تقول: (بَغَى) فعلٌ ماضي، و (عَبْدَاكَا) هذا فاعلٌ لبغى. و (اعْتَدَيَا) اعتدى هذا أهمله، بمعنى أنه لم يسلطه على الاسم الظاهر، فوجب حينئذٍ أن يضمر فيه ضميراً وهو فاعل يعود على الاسم الظاهر، فقال: وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا، اعْتَدَيَا (الألف) هذه فاعل، إذاً أعمل الأول وأهمل الثاني، عكس المثال السابق. المثال الثاني وهو: (بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا)، إهمال الأول وإعمال الثاني، هذا متفقٌ عليه، المثال هذا متفق على جوازه بين الكوفيين والبصريين، وأما الأول فمختلف فيه، منعه الكوفيون؛ لأنهم يمنعون الإضمار قبل الذكر في هذا الباب، الإضمار قبل الذكر: هنا إذا قيل يُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا، يحسنان: هنا ضمير قبل الذكرِ -أضمر قبل الذكر-، والأصل الذكر قبل الإضمار، هذا الأصل يُذكر اللفظ بالاسم الظاهر، ثم يأتي ضميره فيرجع الضمير على متقدم في اللفظ والرتبة، هذا هو الأصل. أما إضمارٌ قبل الذكر يلزم منه عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبةً، وهذا في الأصل ممنوع، وهنا يُحْسِنَانِ عاد الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، إذاً خلاف القياس، ولذلك منعه الكوفيون، وبناءً على مذهب الكسائي -جواز حذف الفاعل- قال: يحسن ويسيء ابناك، أعمل الثاني وحذف الفاعل من الأول لماذا؟ تفادياً لهذه الخطورة وهي أن يضمر قبل الذكر، فحذف الفاعل، لكون الضمير يعود على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، أما الثاني: - بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا -: (بغى عبداك واعتديا)، (اعْتَدَيَا) هذا عاد على متأخر في اللفظ دون الرتبة، لذلك لم يختلف فيه، (بغى عبداك واعتديا) هذا تركيب الكلام، حينئذٍ لما أضمر في الثاني اعْتَدَيَا، نقول عاد على عَبْدَاكَا في اللفظ والرتبة، أو في اللفظ فحسب؟ في اللفظ فحسب ليس في الرتبة؛ لأن رتبته تالية لقوله بَغَى: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعلٌ، هذا الأصل، بغى عبداك واعتديا حينئذٍ: بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا عاد الضمير من اعْتَدَيَا إلى متأخرٍ في اللفظ دون الرتبة، وهذا جائز عند الطائفتين، ولذلك اتفقوا على هذا المثال واختلفوا في الأول؛ لأن يُحْسِنَانِ يعود على متأخرٍ وهو: ابْنَاكَا، وهو فاعل وَيُسِيءُ، ويسيء متأخرٍ عن يحسن. إذاً نقول المثال الثاني متفقٌ على جوازه، والأول منعه الكوفيون؛ لأنهم يمنعون الإضمار قبل الذكر في هذا الباب، فذهب الكسائي إلى وجوب حذف الضمير من الأول، ولو كان فاعلاً يجب حذفه، تفادياً للإضمار قبل الذكر وهذا ممنوع في هذا الباب وفي غيره، وجمهور البصريين على الاستثناء؛ لأنه من المواضع الستة التي يستثنى فيها عود الضمير على متأخر؛ لأنه مسموع في لغة العرب، رُبَّهُ فِتيةً، نِعم رجلاً، جاء فيه، وجاء في هذا الباب كما سيأتي حينئذٍ يغتفر في هذا الباب عود الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، هذا نقول مستثنى في هذا الباب، وهي أبواب ستة قياسية، وما عداها فهو سماعي يحفظ ولا يقاس عليه. إلى وجوب حذف الضمير من الأول والحالة هذه تمسكاً بقول ..

هذا بناءً على جواز حذف الفاعل عندهم، وإذا منعناه نقول حينئذٍ الأصل مرفوض، وهو أنه يجوز حذف الفاعل، حينئذٍ نقول عندنا أمران حذف فاعل أو إثباته وعود الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، هنا مفسدتان وأي المفسدتين أعظم؟ حذف الفاعل أعظم، حينئذٍ لا نرتكب المفسدة الكبرى من أجل دفع الصغرى، بل العكس هو الصواب، فنضمر في الأول ولو عاد على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، ولا نقول بقول الكسائي بأنه يحذف الفاعل؛ لأن حذف الفاعل حذف لأحد ركني الإسناد، فبقي الكلام بغير فاعل. تمسكاً بقول الشاعر: تَعَفَّقَ بِالأرْطَى لَهَا وَأرَادَهَا ... رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُم وَكَلِيبُ قال: تَعَفَّقَ بِالأرْطَى لَهَا وَأرَادَهَا رِجَالٌ، (رِجَالٌ) هذا اسم ظاهر تقدم عليه عاملان تَعَفَّقَ وأرَادَهَا، ما قال تعفقوا، وما قال أرادوا، ورجال هذا اسم ظاهر، فدل على أنه أعمل الثاني، وحذف الفاعل من الأول أو العكس. إما أن نجعل (رِجَالٌ) هذا فاعل لـ (تَعَفَّقَ)، (تَعَفَّقَ) معناه استتر، (بِالأرْطَى) هذا شجرٌ، (لَهَا) للبقرة الوحشية، (وَأرَادَهَا رِجَالٌ فَبَذَّتْ) أي غلبت، (نَبْلَهُم) سهام، (كَلِيبُ): فعيل، كعبد يجمع على عبيد، (كَلِيبُ) جمع كلب. إذاً (تَعَفَّقَ رِجَالٌ) (أرَادَهَا رِجَالٌ) أعمل واحداً منهما ولم يضمر في الثاني الفاعل، فدل على أنه لا يُضمر، وهذا قد نطق به، فصيح. ووجهه أنه لم يضمر في واحد من تَعَفَّقَ وَأرَادَهَا، فلم يقل: تعفقوا على إعمال الثاني أو أرادوا على إعمال الأول. وقال الفراء إن أتفق العاملان في طلب المرفوع فالعمل لهما ولا إضمار، نحو يحسن ويسيء ابناك، يعني إن اتفقا في طلب فاعل وهو مرفوع حينئذٍ لا إضمار، فتقول يحسنُ ويسيءُ ابناك، وإن اختلفا أضمرته مؤخرا، نحو ضربني وضربت زيداً هو، ضربني هو هذا أخره -وهذا سيأتي معنا-، والمعتمد ما عليه البصريون، هذا هو القول المعتمد ما ذهب إليه البصريون، وهو وجوب إضمار ضمير الرفع في الأول عند إعمال الثاني؛ لأن العمدة يمتنع حذفها: (وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ)، إذاً العمدة لا يجوز حذفها، هذا هو الأصل. ولأن الإضمار قبل الذكر الذي احتج به -فروا منه الكوفيون-، قد جاء في غير هذا الباب: رُبَّهُ رجُلاً، (رُبَّهُ) مجرور رب (ها) ضمير عاد على رجلاً، وهو متأخر في اللفظ والرتبة، مغتفر في باب: رُبَّ (رُبَّهُ فِتيةً)، (فِتيةً): هذه تمييز ورجع إليه مجرور رُبَّ، حينئذٍ نقول هذا مغتفر؛ لأنه عاد على متأخر في اللفظ والرتبة، ونِعم رجلاً زيدٌ، (نِعم) فيها فاعل ضمير مستتر يعود على رجلاً وهو تمييز. وقد سُمع أيضاً في هذا الباب من ذلك ما حكاه سيبويه من قول بعضهم: ضربوني وضربت قومك، ضربوني (بالواو) وضربت قومك، حينئذٍ أعمل الثاني فنصب قومك، وأضمر في الأول الفاعل، فقال: ضربوني، إذاً سمع في باب التنازع، ومنه قوله (جَفَوْني ولمْ أَجْفُ الأَخِلاَّءَ)، يعني جفوني الإخلاء، (الواو) هنا تعود على الأخلاء حينئذٍ أَضمر في الأول الفاعل وأعمل الثاني في الأخلاء. وما استدلوا به مؤول، وكل ما احتمل التأويل بوجه سائغ، إذاً حمل عليه ولا يعترض به على الأصل.

إذاً: (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا)، (مَا)، يعني الاسم المتنازع فيه. تَنَازَعَاهُ أي العاملان، وجوباً إن كان عمدة. والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا من الأحكام المذكورة من حيث التطابق بين المفسِّر والمفسَّر، من الإفراد والتثنية والتذكير والتأنيث والجمع، ومن حيث التزام ذكر العمدة، وحذف الفضلة مما يمكن الاستغناء عنه. كَيُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا حيث أعمل الثاني وأضمر في الأول، وإضماره في الأول، وعوده على متأخر في اللفظ والرتبة هذا مغتفر في هذا الباب. وَقَدْ بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا أعمل الأول وأضمر في الثاني، وكلا الإضمار في هذين المثالين إضمار للفاعل، وعلى مذهب البصريين أنه يجب، وعلى مذهب الكوفيين أنه جائز؛ لأنه يجوز حذف الفاعل عندهم، وهو مذهب الكسائي ومن تبعه. وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاَ قال ابن عقيل: أي إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر، قال: أحد، لم يعين الثاني أو الأول؛ لأن الحكم عام: وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ مطلقاً، سواء كان الأول أو الثاني، إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر، وأهملت الآخر عنه، فأعمل المهمل في ضميرٍ عائدٍ على الظاهر، في ضمير الظاهر يعني في ضمير عائدٍ على الظاهر، والتزم الإضمار، يعني الإتيان به مضمراً، إن كان مطلوب العامل مما يلزم ذكره ولا يجوز حذفه كالفاعل ونائب الفاعل، ولذلك أتى بالـ (كاف) هنا ليست استقصائية، وإنما للتمثيل. إذاً تلتزم الإضمار متى؟ إذا كان مطلوب العمل واجب الذكر وهو الفاعل، أو نائب الفاعل، وذلك كقولك: يُحسن ويسيء ابناك، فكل واحد من يحسن ويسيء يطلب ابناك بالفاعلية، على أنه فاعلٌ له يُحسن ابناك، ويسيء ابناك، كلٌ منهما يطلب (ابناك) بالفاعلية، فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الأول فاعله، تقول (يحسنان ويسيء ابناك)، أضمرت في الأول، والثاني أعملته في الظاهر، ولا إشكا، تعربه كما هو، يُحْسِنَانِ: فعل مضارع مرفوع ورفعه ثبوت النون والألف فاعل، وَيُسِيءُ ابْنَاكَا: فعل وفاعل ولا إشكال. فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الأول، فاعله فتقول: يُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا، وكذلك إن أعملت الأول وجب الإضمار في الثاني: (يحسن ويسيئان ابناكا)،أعملت الأول وأضمرت في الثاني، عكس المسألة السابقة، حينئذٍ لا إشكال فيه، يعني لا ينازع الكوفيون في هذا المثال، إذا قلت: (يحسن ويسيئان ابناك)؛ لأنك أضمرت في الثاني، وإذا أضمرت في الثاني حينئذٍ عاد على متأخرٍ في اللفظ دون الرتبة؛ لأن (ابْنَاكَا) هذا متعلق بـ (يحسن)، وهو حقه التقديم، (يحسن ويسيئان ابناك)، (ابْنَاكَا) هذا معمولٌ ليحسن، إذاً هو متقدم في الرتبة، جاء بعده يسيئان، إذاً عاد الضمير على متقدم في الرتبة دون اللفظ، ورجع إلى متأخر في اللفظ دون الرتبة، عبِّر بهذا أو ذاك، ومثله (بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا)، وإن أعملت الثاني في هذا المثال المتأخر، قلت: (بغيا واعتدى عبداك)، (بغيا): أضمرت في الأول وأعملت الثاني.

ولا يجوز ترك الإضمار في هذا المقام يعني الفاعل، فلا تقول (يحسن ويسيء ابناك) لا يجوز هذا، خلاف للفراء، ولا: بغى واعتدى عبداك؛ لأن تركه -يعني ترك الإضمار- يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل ملتزم الذكر، وقد قال لك: (والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا)، فوجب حينئذٍ التزام ذكر الفاعل، وأجاز الكسائي ذلك على الحذف بناءً على مذهبه في جواز حذف الفاعل، وقلنا: هذا مذهب ضعيف، وأجازه الفراء على توجه العاملين معاً إلى الاسم الظاهر، وهذا بناءً منهما على منع الإضمار في الأول عند إعمال الثاني، فلا تقل: يحسنان ويسيء ابناك، هذا ممنوع عندهما، فراراً من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا الذي ذكرناه عنهما هو المشهور من مذهبهما في هذه المسألة .. وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ ... وَأَخِّرَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ هذا كالاستثناء مما سبق، ما سبق قال: (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا تَنَازَعَاهُ) مطلقا، سواءٌ كان ما تنازعاه على أنه فاعل مرفوع، أو على أنه مفعول به منصوب، أو على أنه مجرور مطلقاً، وهذا فيه تفصيل ليس على إطلاقه. (وَلاَ تَجِىءْ): هذا نهي، (مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ): أَوَّلٍ بالصرف هذا للوزن، صرفه للوزن، (مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً) إذاً إذا أهملت الأول فلا تضمر فيه إلا الفاعل فحسب، وأما المفعول به والمجرور فيجب حذفه: (بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ)، حينئذٍ قوله: (وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ)، وهذا يشمل إذا كان المهمل هو الأول، أعمله فِي ضَميِرِ مَاتَنَازَعَاهُ، إذا كان الأول يطلب فاعلاً حينئذٍ أعمله في ضميرٍ على أنه فاعل، وإذا كان الأول يطلب مفعولاً أعمله في ضميرٍ يعود على ذلك الاسم الظاهر، فيكون مفعولاً، قال لا هذا ليس مراد. العموم السابق مخصص بهذا البيت، وإنما يختص إعمال الأول المهمل بإضمار الفاعل فحسب، وأما المفعول والمجرور يجب حذفه، قال: بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ .. الزم حذفه، فلا تقل حينئذٍ: ضربت وضربني زيدٌ، ضربني هذا متأخر، أعملت الثاني ضربني ورفعت زيد على أنه فاعل له، والأول ضربت ماذا يحتاج؟ يحتاج مفعولاً به، هو قال: وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا تَنَازَعَاهُ، الأول افتقر إلى مفعول به، فالأصل أن يقال: ضربته وضربني زيدٌ، لكن قال: لما كان الأول هذا اتصل به ضمير منصوب وجب حذفه.

وعند كثير من النحاة أنه لا يحذف هكذا ابتداءً، وإنما يعمل في الضمير ثم يحذف، يعمل في الضمير، تقول: ضربته ثم تحذفه، ولكن نقول ابتداءً، يجب ألا يتصل به قبل أن يتصل به ثم نحذفه؛ لأن هذا من باب التكلف، إذاً إذا كان الأول يفتقر إلى ضمير منصوب نقول: الزم حذفه، وتقول: مررت ومر بي زيدٌ، ولا تضمر فتقول: مررت به ومر بي زيد؛ لأن الأول مررت يفتقر إلى مفعول به في المعنى يتعدى إليه بحرف جر، هذا الذي يفتقر إليه، فالأصل أن تقول: مررت به ومر بي زيدٌ؛ لأنك أعملت الثاني، مر بي زيدٌ، زيد فاعل، فتحتاج أن تضمر في الأول فتقول: مررت به، لكن نقول: وجب حذفه لأنه فضلة، كذلك لا يقال: ضربته وضربني زيدٌ، يجب حذفه لماذا يجب حذفه؟ قالوا: لأن القاعدة أنه لا يجوز عود الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبةً، وإنما استثنينا الفاعل لأنه عمدة، والضرورة تقدر بقدرها، فحينئذٍ يستثنى الفاعل ويبقى ما عداه على الأصل، إذاً: وافقوا الكسائي وغيره، وافقوا الكوفيين هنا؛ لأن الضمير عاد على متأخر، ضربته يعود على زيد، هذا ممنوع، لكن: يُحْسِنَانِ وَيُسِيءُ ابْنَاكَا، قالوا هذا فاعل، إذاً نخرِم القاعدة من أجل تمكين الفعل من الفاعل، -البصريون فقهاء في النحو-، نخرم القاعدة، صحيح، كلام سليم، نخرم القاعدة من أجل إبقاء الفاعل مع فعله؛ لأنه ركن في الإسناد، المعنى أنه لا بد منه، لا يجوز حذفه، فأخرمنا القاعدة من أصلها فقلنا: يستثنى، فيعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبةً، ولا نبالي بهذا الخلل وهذه المفسدة، وأما ضربته هذا فضلة، والأصل في الفضلة أنه ليس بركنٍ في الإسناد، إذاً لا نخرم القاعدة فنحذفه ونقول، لا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبةً، -هذا نِعمَ الفِقهُ-. إذاً قال: وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ يعني من العمل، بِمُضْمَرٍ هذا متعلق بقوله: (تَجِىءْ)، ولا تجئ بمضمر مع أولٍ قد أهملا يعني مهمل. (لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً)، (لِغَيْرِ) جار ومجرور متعلق بقوله: أُوهِلاً، بمضمر أوهلا لغير رفعٍ، يعني صار أهلاً لغير رفعٍ وهو: المنصوب والمجرور؛ لأن الضمائر ثلاث: مرفوع، منصوب، مجرور، لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً: يعني صار أهلاً لغير رفعٍ، وذلك إذا كان منصوباً أو مجروراً. وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ بضمير لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً وهو المنصوب والمجرور. بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ: يجب حذفه مطلقا من الأول. لكن قيده قال: (إِنْ يَكُنْ غَيرَ الْخَبَرْ)، إِنْ يَكُنْ ذلك المنصوب (غير خبر) وهو الفضلة، (غَيرَ خَبَرْ): هذا استثناء المفعول الثاني من باب ظن، واستثناء خبرِ كان، استثنى الناظم منصوبين فضلتين؛ لأنهما عمدة في الأصل، وما كان عمدة في الأصل يجب مراعاة ذلك الأصل، فإذا نُصب حينئذٍ لا نقول: المنصوبات فضلات فيجب حذف أي منصوب، لا بل ننظر إلى الأصل، فما كان الأصل أنه عمدة يراعى بعد طروء تغيير الإعراب عليه، كما هو الشأن في خبر كان، كان مرفوعاً ثم نُصبَ، وكذلك اسم كان، كان منصوباً ثم رُفعَِ، وكذلك المبتدأ في المفعول الأول في باب ظن كان مرفوعاً ثم نُصبَ، كذلك المفعول الثاني، نقول: هذه كلها عُمد، حينئذٍ لا يجوز حذفها البتة.

(إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ)، إذاً استثنى من الأول -فيما يجب إضماره-، إن كان خبراً في الأصل. اعتُرض على الناظم بشيئين اثنين لم يذكرهما، أولاً: إذا كان يحصل لبسٌ عند حذف الفضلةِ؛ لأن شرط الحذفِ: إن لم يقع اللبسُ بعد الحذفِ، وكلامُ الناظم هنا مطلق أو خاص؟ لأنه قال: وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ -منصوبٍ يعني- بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ مطلقاً، سواء أُمن اللبس معه أم لا، فاللفظ عام، والصحيح أنه يقيد بما إذا أُمن اللبسُ، وأما إذا لم يؤمن اللبس فلا يجوز حذفه، هذا ثانياً. يرِد عليه ثالثاً: المفعول الأول في باب ظن؛ لأنه استثنى الخبر، والمفعول الأول في باب ظن مبتدأٌ، فالعلة الموجودة في استثناءِ الخبرِ لكونه عمدة في الأصل، هي عينها موجودة في المفعول الأول بكونه عهدة في الأصل وهو مبتدأ، فإذا وجدت العلة حينئذٍ نقول: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا انتفى حذف الخبر لكونه عمدة في الأصل، فيلزم الحكم نفسه في المفعول الأول في باب ظن أن ينتفي حذفه، لكونه عمدة في الأصل، لأنه مبتدأ، فيستدرك على الناظم هاتين المسألتين؛ لأنه قال: (بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ) إن يكن هذه الفضلة ليس خبراً، وهذا يكون في باب كان، وفي باب ظن، بقي عليه المفعول الأول في باب ظن، وبقي عليه المفعول الذي ليس خبراً ثم قد يحصل لبسٌ بحذفه، وهذا لا يجوز حذفه. إذاً: إن كان غير خبرٍ، وغير فضلةٍ يحصل بها اللبس، وغير مفعولٍ، أول يجب حذفه، فإن كان خبراً، أو إن كان فضلة يحصل به اللبسُ، أو كان مفعولاً أول لـ (ظن)، لا يجوز حذفه، ولا يجوز أن يتقدم، وإنما يجب تأخيره، قال: (وَأَخِّرَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ)، الذي استثناه أولاً: إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ يعني لا تحذفه، وإنما تؤخره في آخر الجملة، وسيأتي التعليل. (وَأَخِّرَنْهُ) يعني اذكره مؤخراً مضمراً وجوباً: إن يكن ذلك الضمير عمدة بأن كان هو الخبر لكان –كان وأخواتها-، أو المفعول الأول لظن، أو فضلة إن حذفت أوقع في لبس، هذه ثلاثة أشياء، هذه لابد من استثنائها، حينئذٍ إذا استثنيت من عدم حذفها من الأول ماذا نصنع بها؟ نذكرها مؤخراً، نؤخرها إلى آخر الجملة مثل: كنتُ وكانَ زيدٌ صديقاً إياهُ، هنا نُعمل الأول أو الثاني؟ المسألة مفروضة في إعمال الثاني، إذاً (كنتُ) كان واسمهما، أين خبرها؟ الأصل أنه لا يجوز حذفهُ، لا تقل (كُنتهُ) لا يجوز، وإنما تؤخره بعد كانَ زيدٌ صديقاً، أعملتَ الثاني: كان زيد صديقاً، صديقاً هذا متنازع فيه، كنتُ صديقاً، كانَ زيدٌ صديقاً، إذاً اسم متنازع فيه بين كان الأولى، وكان الثانية، أعملت الثانية: كانَ زيدٌ صديقاً، والأول كنتُ، أين الخبر؟

قال: يجب إضمارهُ، فحينئذٍ إما أن يضمر متصلاً وإما أن يضمر متأخراً، قال: لا يجوز إضماره متصلاً، فلا تقل: كنتهُ وكانَ زيدٌ صديقاً، وإنما تقول: كنتُ وكانَ زيدٌ صديقاً إياهُ، حينئذٍ إذا قلت: إياهُ متأخراً، عاد الضمير على متقدمٍ في الذكر دون الرتبة؛ لأن رتبة إياهُ كنتهُ، لو قلت: كنتهُ عاد الضمير على زيد، وهو خبر كان الثانية، حينئذٍ عاد الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، تفادياً لهذا المحذور وجب تأخيره فقلت: كنتُ كانَ زيدٌ صديقاً إياهُ، حينئذٍ عاد الضمير على متقدمٍ في اللفظ دون الرتبة؛ لأن إياه متقدمٌ في الرتبة، رتبته بعد كنتُ، وزيد هذا متأخر، إذاً عاد عليه في اللفظ دون الرتبة، وهذا جائز، من أجل تفادي عود الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، حينئذٍ وجب تأخير الضمير؛ لأن عندنا أمران: إما أن يحذف، وهو عمدة في الأصل، وإما أن يبقى في محله، فيعود على متأخر في اللفظ والرتبة، وكلاهما ممتنع، لو حذفته حذفت ما هو عمدة في الأصل، وهذا ممتنع، ونحن قلنا: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ، لا بد أن يكون فضلة ليس بعمدة، فتفادياً لهذه لا بد من ذكره، فإن ذكرته في محله (كُنتهُ) وقعت في محذور آخر، وهو: عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبةً، إذا وجب تأخيره تفادياً لهذه القاعدة. وظنَّنِي وظننتُ زيداً عالماً إياهُ، (إياه): هذا خبر الأول (ظنني)، (ظنني إياهُ) وظننتُ زيداً عالماً، أعملتَ الثاني: زيداً عالماً، مفعولان لـ (ظننتُ)، والأول (ظنني) المفعول الأول الياء، المفعول الثاني محذوف، الأصل أنه يجب إضماره فتصله بالعامل، لكن من أجل أن يعود على متأخرٍ لفظاً ورتبة، حينئذٍ وقعنا في محذور فوجب تأخيرهُ، تقول (ظنني إياه) هذا الأصل، وظننت زيداً عالماً، فوجب التأخير لما ذكرناه، هذا مثال لـ (إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ)، الأول لـ (كان)، والثاني لباب (ظن). وظننت منطلقة وظنتني منطلقاً هند إياها، ظننت منطلقة: ظننت هنداً منطلقةً، هذا الأصل، وظنتني منطلقاً هندٌ، أعمل الثاني وهو: منطلقاً هندٌ، وأضمر في الأول المفعول؟؟؟. إذاً: المثال الأول لخبرٍ، هو لـ (كان)، والمثال الثاني لخبرٍ، هو باب (ظن)، بقي المفعول الأول لباب (ظن)، لو قلت: ظننتُ منطلقةً الأصل ظننتُ هنداً منطلقةً، منطلقةً هذا المفعول الثاني (لظننت)، وظنتني منطلقاً هندٌ، (ظنتني) الياء هذا هو مفعول أول، وهند هي الفاعل، ومنطلقاً هذا المفعول الثاني، ما هو الاسم المتنازع فيه؟ هندٌ هو المتنازع فيه، يريده الأول على أنه مفعول أول، ويريده الثاني على أنه فاعل، فأعطيناه الثاني على أنه فاعل، فأضمرنا في الأول، يجب الإضمار، مع كون كلام الناظم أنه مما يجب حذفه، لكن نقول: هذا يستدرك عليه، فتقول (ظننت منطلقةً وظنتني منطلقاً هندٌ إياها)، هذا مثال للمفعول الأول الذي لا يجوز حذفه، ويُستدرك فيه على الناظم. مثال ما يوقع في اللبس، وهو ليس خبراً: (استعنتُ واستعان عليَّ زيدٌ بِهِ)، (بِهِ) هو المتعلق باستعان الأول، إن قلت استعان به، الضمير عاد على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، حينئذٍ لو حذفته، قلتَ: استعنتُ واستعان علي زيدٌ، استعان علي زيدٌ واضح، لكن استعنتُ به أو عليه؟

لو حذفت الضمير لأوقع في لبسٍ، فلا يدرى هل أنت استعنت به أو عليه، لكن وجب ذكره دفعاً للوقوع في اللبسِ، فوجب أن يُضمر متأخراً؛ لئلا يعود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، فتقول: استعنت واستعان علي زيدٌ به. إذاً .. بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ ... وَأَخِّرَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ لأنه منصوب فلا يضمر قبل الذكر، وعمدةٌ في الأصل فلا يُحذف، لا يضمر قبل الذكرِ فيجب تأخيرهُ، هل نحذفه من أصله؟ لا، نقول: هو عمدة في الأصل فيجب ذكره. وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ: إذا أهمل الأول حينئذٍ تضمر فيه الفاعل، ما عداه يجب حذفه، أو تأخيره، إذاً لا يضمر في الأول المهمل إلا الفاعل فقط، وما عدا الفاعل -المنصوب، والمجرور-، إما أن يكون عمدةً أو لا، إن كان عمدة وجب تأخيره، وإن لم يكن عمدة، إما أن يحصل لبس بحذفه أو لا، إن حصل لبسه: مثل الخبر، وإلا: بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ، هذا مع الأول. وأما الثاني: فيضمر معه مطلقاً بدون استثناء سواءٌ كان فاعلاً، أو منصوباً، أو مجروراً، لماذا؟ لأنك أعملت الأول وأهملت الثاني، فإذا أضمرت الفاعل عاد على متقدمٍ لفظاً ورتبة، إذا أضمرت المنصوب عاد على متقدمٍ لفظاً ورتبة، إذا أضمرت المجرور عاد على متقدمٍ في اللفظ والرتبة. إذاً ليس عندنا محذوف، وهذه العمليات كلها من أجل دفع أن لا يعود الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، فجاء التصحيح بما ذكر، وأما إذا أُهمل الثاني فأَضمر فيه ما شأت، وعند جمهور البصريين لا يجوز حذفه، ولو كان منصوباً أو مجروراً. (وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ)، يعني مع الفعل العامل الأول، (قَدْ أُهْمِلاَ)، (قَدْ): للتحقيق، (أُهْمِلاَ): الألف للإطلاق، يعني أُهمل من العمل، لم يعمل الأول في الاسم الظاهر، ولم يُهمل من العمل مطلقاً، لا، بل نُعمله في ما يحتاجه. قَدْ أُهْمِلاَ. بِمُضْمَرٍ: لاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ بِمُضْمَرٍ. لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً: يعني جعل أهلاً، صار أهلاً لغير الرفعِ، والمراد به النصبُ والجر لفظاً أو محلاً، (بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ): الزم حذفه، يجب حذفه، (إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ): إن كان خبراً لا يجوز حذفه، ومع ذلك لا يجوز اتصاله به؛ لأنه لو اتصل به لعاد الضمير على متأخرٍ في اللفظ والرتبة، بل أخره، تُؤخره إلى ما بعد نهاية الجملة. (وَأَخِّرَنْهُ) وجوباً (إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ). قوله: (إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ) يُوهم أن ضمير المتنازع فيه، إذا كان المفعول الأول في باب (ظن) يجب حذفه وليس كذلك؛ لأنه لم يستثن إلا الخبر، والمفعول الأول ليس بخبر ومع ذلك هو عمدة؛ لأنه مبتدأ في الأصل، حينئذٍ لا يجوز حذفه. (إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ)، غير خبر في الأصل لأنه حينئذٍ فضلة، فلا حاجة إلى إضمارها قبل الذكر.

قال الشارح: وذكر هنا في هذا المقام، أنه إذا كان مطلوب الفعل المهملِ غير مرفوع، -المرفوع سبق ذكره-، بل منصوب، أو مجرور، الطالب إما أن يكون طالباً لمرفوع، أو منصوب، أو مجرور، تقرر عندنا وجوب إضمار المرفوع ولا إشكال، وليس عندنا اعتراض بالقاعدة التي ذكرناها؛ لأن هذا الباب مما يستثنى من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، يبقى معنا المنصوب، والمجرور، فلا يخلوا: إما أن يكون عمدة في الأصل، أو لا، لا يخلوا هذا المنصوب، إما أن يكون عمدة في الأصل أو لا، متى يكون عمدة في الأصل؟ إذا كان خبراً لكان، أو مفعولاً ثانياًً لـ (ظن)، أو مفعولاً أولاً لـ (ظن)، هذا عمدة، عبر الشارح عمدة، وعبر الناظم بخبر، أيهما أعم؟ الشارح أعم لأنه عبر بالعمدة. قال إما أن يكون عمدة في الأصل، وهو مفعول (ظن) وأخواتها؛ لأنه مبتدأ في الأصل، أو خبر وهو المراد بقوله:- (إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ)، بالتعميم مع الاستدراك عليه وإِلا الخبر خاص، وهو قد عمم. أو لا فإن لم يكن كذلك، إن لم يكن عمدة، فإما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني، فإن كان الأول لم يجز الإضمار، لم يجز الإضمار في الأول لماذا؟ لأننا لو أضمرنا لعاد الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة فتقول: ضربت، ولا تقل ضربته، تحذف الضمير ضربت وضربني زيدٌ، ومررت ولا تقل مررت به، بل تقول مررتُ وتحذف (الباء) مع مدخولها، ومر بي زيدٌ ولا تُضمر، فلا تقل ضربتهُ وضربني زيدٌ ولا مررتُ به ومر بي زيدٌ. وقد جاء في الشعر ضرورةً فيحفظ ولا يقاس عليه: إذا كُنْتَ تُرْضِيهِ، وَيُرْضيكَ صاحبٌ، صاحبٌ هذا اسم ظاهر متنازع فيه، طلبه الأول: تُرْضِيهِ على أنه مفعول به له، وطلبه الثاني: يُرْضيكَ على أنه فاعل، فأُعمل الثاني لذلك رفُع، لو أُعمل الأول لقيل صاحباً، وإنما أُعمل الثاني، حينئذٍ افتقر الأول إلى ضميرٍ منصوب، الأصل فيه عدمُ جواز ذكره، بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ، لكنه صرح به هنا نقول شذوذاً، يعني يحفظ ولا يقاس عليه. وإن كان الطالب له هو الثاني وجب الإضمار، فتقول: ضربني وضربتُه زيدٌ، ضربتهُ زيدٌ، زيدٌ هذا فاعل لضربني الأول، والثاني يفتقر إلى مفعول به، حينئذٍ عاد الضمير على متأخرٍ في اللفظ دون الرتبة، وهذا لا إشكال فيه، ومر بي ومررت به زيدٌ، مر بي زيدٌ أُعمل الأول حينئذٍ احتجنا إلى الإضمار في الثاني، ولا يجوز الحذف فلا تقول ضربني وضربت ُزيدٌ، لا يجوز الحذف من الثاني، بل يجب ذكره، ولا مر بي ومررت زيدٌ، وقد جاء في الشعر كقوله:

(بِعُكَاظَ يُعْشِي النّاظِرِينَ ... إذَا هُمُ لَمَحُوا ... ) الأصل لمحوه، حذف الضمير هنا من باب الضرورة، يعني شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، كما شذ عمل المهمل الأول في المفعول المضمر الذي ليس بعمدة في الأصل، إذاً يُعْشِي إذَا هُمُ لَمَحُوهُ هذا هو الأصل، وحذف الضمير هنا، نقول: هذا شذوذ، يعني يحفظ ولا يقاس عليه، والجمهور على أنه لا يجوز الحذف لغير ضرورة؛ وذلك لأن ذكره لا يترتب عليه الإضمار قبل الذكر، فيجب حينئذٍ ذكره، لأنه حذف من الأول لئلا يخرم القاعدة، وهذا ليس فيه إضمارٌ قبل الذكر، وفي حذفه فسادٌ؛ لأنه قد يقال إذا كان فضلةً فلماذا لا يحذف، (وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ) لماذا لا يحذف؟ قالوا: إذا حذفناه مع كونه فضلة يحصل فساد، وهو أنه يُهيئُ العامل لما بعده، يعني يراه الناظر كأن العامل قد تهيئ للعمل فيما بعده، وهذا فيه مفسدة. وفي حذفه فسادٌ، وهو تهيئة العامل للعمل ثم قطعه عنه من غير سبب موجب له، وقيل حذف هذا الضمير جائز في سعة الكلام؛ لأنه فضلة، وهذا هو الظاهر -والله أعلم- وهو مذهب الكوفيين أنه يجوز حذفه، وأما هذه العلة فليست بواضحة بينة. قال الشارح: هذا كله إذا كان غير المرفوع ليس بعمدة في الأصل، فإن كان عمدة في الأصل فلا يخلو، إما أن يكون الطالب له هو الأول أو الثاني، فإن كان الطالب له هو الأول، وجب إضماره مؤخراً؛ لأنه لا يجوز حذفه لأنه عمدة ثم إذا أضمرناه متقدماً وقعنا في محذور، علاج هذا المحذور تأخيره، فوجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، حينئذٍ وجب تأخيره لئلا نحذفه، فتقول: (ظنني) و (ظننت) زيداً قائماً إياه، (ظنني) (الياء) هذا مفعول أول، (ظنني) إياه و (ظننت) زيداً قائماً، (ظنني إياه) الضمير يعود على زيد، إذاً عاد على متأخر لفظاً ورتبة فلا يجوز، ما العلاج؟ وجب تأخيره، (ظنني) و (ظننت) زيداً قائماً إياه، وإن كان الطالب له هو الثاني أضمرته متصلاً كان أو منفصلاً، فتقول: ظننتُ وظنَنِّيهِ زيداً قائماً، الطالب له الثاني؛ لأنك أعملت الأول، (زيداً قائماً) هذان معمولان لـ (ظننت) الأول، (ظننتُ) زيداً قائماً، ثم أضمرت في الثاني، ولا يجوز حذفه؛ لأنه عمدة في الأصل، و (ظننتُ) و (ظنَّنِي) إياه زيداً قائماً، (ظننتُ) زيداً قائماً، زيداً قائماً للعامل الأول، و (ظنَّنِي) إياه نقول: هنا وجب الإضمار ولا نقول بالتأخير لماذا؟ لأنه وإن عاد على متأخر في اللفظ إلا أنه متقدمٌ في الرتبة.

ومعنى البيتين أنك إذا أهملت الأول، لم تأتِ معه بضمير غير مرفوع وهو المنصوب والمجرور، -هذه خلاصة- إذا أهملت الأول لا تأتي معه بضميرٍ إلا ضمير رفعٍ فحسب، فلا تقول: ضربته وضربني زيدٌ، ولا مررت به ومر بي زيدٌ، بل يلزم الحذف، فتقول: ضربتُ وضربني زيدٌ ومررتُ ومر بي زيدٌ، إلا إذا كان المفعول خبراً في الأصل، فإنه لا يجوز حذفه بل يجب الإتيان به مؤخراً، فتقول: (ظنني) و (ظننت) زيداً قائماً إياه، ومفهومه -انظر شرحه على موافق اللفظ، لم يستثن إلا الخبر مع أنه في الشرح الأول عمم-، مفهومه: أن الثاني يؤتى معه بالضمير مطلقاً مرفوعاً كان أو مجروراً أو منصوباً، عمدةً في الأصل أو غير عمدة، -وهو كذلك-، وعند جمهور البصريين لا يجوز حذفه مطلقاً -الثاني-، سواء كان منصوباً أو مجروراً، إذاً عرفنا المراد بالبيتين: وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْعٍ أُوهِلاً بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ ... وَأَخِّرَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ هذا البيت الثاني منتقد بما ذكرناه. تنبيه: اقتضى كلامه أنه يُجاءُ بضمير الفضلة مع الثاني المهمل، نحو ضربني وضربته زيدٌ ومر بي ومررت بهما أخواكَ لدخوله تحت قوله: وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ ولم يخرجه وهو كذلك، -كما ذكرناه-، وأنه يجوز حذفه لمفهوم قوله: والْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا، يجوز حذفه، وهذا لم يُلتزم ذكرُه لأنه فضلة، وخصه بعضهم بالضرورة؛ لأن في حذفه تهيئة العامل للعمل، وقطعه عنه لغير معارض ورجحه في التوضيح ونسبه للجمهور، أنه لا يجوز حذفه -الثاني-، سواء كان منصوباً أو مرفوعاً، وهو فيه ثلاثة مذاهب: إذا كان خبر كان، والمفعول الثاني من باب ظن، فيه ثلاثة مذاهب. ويشترط لحذف الفضلة من الأول المهمل أمن اللبس، ولم يذكره الناظم لعلمه مما سبق، فإن خيف اللبس وجب التأخير، كالمثال الذي ذكرناه: استعنت واستعان علي زيدُ به، وأما منصوب كان وظن، وهذا فيه ثلاثة مذاهب أولها: جواز الإضمار -كالمرفوع- مقدماً، ثانيها: وجوب تأخيره وهما في النظم، ثالثها: جواز حذفه وعليه الكوفيون؛ لأنه مدلولا عليه بالمفسِّر، وهو أقوى المذاهب لسلامته من الإضمار قبل الذكر ومن الفصل، أي الفصل بين العامل الأول المهمل ومعموله إذا أضمر مؤخراً، وهذا هو الظاهر؛ لأنه داخل تحت القاعدة: وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إن لم يضر، فإذا علم من المفسِّر، حينئذٍ جاز حذفه من الثاني، -الكلام في الثاني- جاز حذفه إذا دل عليه دليل، وما لم يجز، حينئذٍ بقينا على الأصل. وَأَظْهِرِ انْ يَكُنْ ضَمِيرٌ خَبَرَا ... لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ الْمُفَسِّرَا نَحْوُ أََظُنُّ وَيَظُنَّانِي أَخَا ... زَيْداً وَعَمْراً أَخَوَيْنِ فِي الرَّخَا هذه خرجت من باب التنازع -الحمد لله-، ليست من باب التنازع، وإنما تُذكر من باب العلم بالشيء فحسب، وعنوان المسألة -حتى نفهم-، إذا كان المتنازع فيه مثنىً أو جمعاً، في باب ظن، لكنه في الأصل خبرٌ عما لا يطابقه، هذا عنوان المسألة.

انظر في المثال في البيت الثاني، لننطلق منه: أََظُنُّ وَيَظُنَّانِي أَخَا زَيْداً وَعَمْراً أَخَوَيْنِ -أمثله غريبة-، أََظُنُّ: الشيخ ابن العثيمين عندما وصل إلى هذين البيتين قال: نحذفها؟ أََظُنُّ: هذا عامل أول، يَظُنَّانِي: عامل ثاني، زَيْدَاً وَعَمْراً أَخَوَيْنِ، هنا ما هو المتنازع فيه؟ زيداً أخوين، إذاً عاملان تنازعا في اسمين، هذا يرد على المكودي فيما سبق، أُعمل الأول، لاحظ المثال، هو مثال ما يتعداه: أََظُنُّ زَيْداً وَعَمْراً أَخَوَيْنِ، (أََظُنُّ) هذا فعل مضارع ناسخ، (زَيْدَاً) هذا مفعوله الأول، (عَمْرَاً) معطوف عليه، أَخَوَيْنِ هذا مفعول ثاني، إذاً أعملنا الأول، ماذا نصنع في الثاني؟ وَيَظُنَّانِي أَخَا، (أََظُنُّ) يطلب أَخَوَيْنِ، وهو الاسم الذي تنازعا فيه على أنه مفعول ثاني، (وَيَظُنَّانِي) يظن هذا يطلبه على أنه فاعل، فقلت: أظن زيداً وعمراً أخوين، إذا أردت إعمال الأول -وهذا هو ظاهر النظم-، أضمرت في الثاني المفعول الثاني، لا طلبه على أنه مفعول ثاني، ليس فاعلاً على أنه مفعول ثاني، يظنانِ إياه، الأصل في باب التنازع من أجل أن يصح أنه من باب التنازع، أن يعمل المهمل في ضمير: وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَميِرِ مَا تَنَازَعَاهُ لا في اسم ظاهر، لو أعمل في اسم ظاهر خرج من باب التنازع، لكن هنا خرج من باب التنازع لماذا؟ لأن يَظُنَّانِي اعمل في اسم ظاهر، والأصل أنه يُعمل في ضمير، لكن إذا أردنا إعمال الضمير هذا ممتنع على الوجهين، وجه الامتناع أنك تقول ويظنانِ إياه، هذا الأصل، حينئذٍ إياه نقول الضمير إياه هذا مفرد، طابق يظنانِ الياء، لا بد من التطابق هنا؛ لأن الياء في محل نصب مفعول أول، وهو مبتدأ، وإياه هذا مفعول ثاني وفي الأصل خبر، إذاً لابد من التطابق بين المبتدأ والخبر سواء كان في الحال أو في الأصل، فما كان مفرداً –المبتدأ- وجب أن يكون الخبر مفرداً، هنا يَظُنَّانِي الياء للمفرد، إياه مفرد، تطابقا، إذاً لا إشكال من حيث تطابق الضمير مع المبتدأ المفعول الأول، لكن وقعت المشكلة في: إياه أخوين، هذا لا يصلح؛ لأن إياه هذا مفسَّر بفتح السين، وأخوين هذا مفسِّر، ولا بد من التطابق، حينئذٍ يمتنع أن نقول إياه، لابد أن نأتي بضمير يطابق المبتدأ ويطابق المفسِّر، وهنا إذا قلنا إياه طابق المبتدأ لكنه خالف المفسِّر، يظنانِي إياهما طابقنا أخوين، خالف ال؟؟؟، مشكلة، إذاً ماذا نصنع؟ قالوا نأتي باسم ظاهر، فإذا جئنا باسم ظاهر، خرجت المسألة من باب التنازع، فقيل يظناني أخاً، أخاً هذا المفعول الثاني ليظنان، ولماذا خرجت من باب التنازع؟ لأن شرط إعمال المهمل أن يكون في ضمير لا في اسم ظاهر، فإن أعمل في اسم ظاهر، حينئذٍ فسد.

هنا قال: (وَأَظْهِرِ)، يعني ضمير المتنازع ائْتِ به اسماً ظاهراً ولا تضمره أظهر، أظهر هذا عكس أضمر، حينئذ أظهر يعني ائْتِ به اسماً ظاهراً لا ضميراً، إِنْ يَكُنْ ضَمِيرٌ خَبَرَا، إِنْ يَكُنْ ضَمِيرٌ لو أضمر، ضمير باعتبار الأصل، قلنا الأصل يظنانِ إياه إياهما هذا الأصل أنه مضمر، لكن قال: إِنْ يَكُنْ ضَمِيرٌ هذا اسم يكن، لو أضمر خبراً في الأصل: لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ الْمُفَسِّرَا، يعني لمبتدأ لا يطابق المفسِّرا، المبتدأ عندنا الياء مفرد، والمفسِّر مثنى، إذاً لا يمكن، إذا لم يتطابق المبتدأ والمفسِّر لا يمكن أن نأتي بضمير يوافق الطرفين، فنقول: الياء مفرد، هنا مبتدأ في الأصل والمفسِّر مثنى، فلا بد من ضمير يعود عليهما معاً في وقت واحد ويوافق الاثنين هذا ممتنع. (لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ الْمُفَسِّرَا): مُفَسِّرَا الألف للإطلاق، مفسِّر المرجع وهو الاسم الظاهر. لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ الْمُفَسِّرَا: يعني لمبتدأ لا يطابق المفسِّرا، وإذا لم يتطابقا حينئذٍ لا بد من إخراجها عن باب التنازع لإعمال المهل في الاسم الظاهر، نحو المثال الذي ذكرناه. فِي الرَّخَا: هذا تتميم. تقرير المثال الذي ذكرناه، وهو قوله: أَخَوَيْنِ نقول تنازع فيه أظن؛ لأنه يطلبه مفعولاً ثانياً، أخوين في المثال هذا تنازع فيه أظن؛ لأنه يطلبه مفعولاً ثانياً، إذ مفعوله الأول زيداً، وَيَظُنَّانِي؛ لأنه يطلبه مفعولاً ثانياً، فأُعمل فيه الأول: أظن زيداً وعمراً -معطوف عليه- أخوين، أُعمل فيه الأول، وبقي يَظُنَّانِي يحتاج إلى المفعول الثاني، فلو أتيت به ضميراً مفرداً فقلت: أظن ويظناني إياه زيداً وعمراً أخوين، لكان مطابقاً للياء غير مطابق لما يعود عليه وهو أخوين، ولو أتيت به ضميراً مثنىً، فقلت: أظن ويظنانِ إياهما زيداً وعمراً أخوين، لم يطابق الياء الذي هو خبرٌ عنه، فتعين الإظهار فخرجت المسألة من باب التنازع؛ لأن كلاً من العاملين قد عمل في ظاهر، هذا مثل ضربتُ زيداً وأكرمتُ زيداً، فلا فرق بينهما. إذاً أُعمل الأول، فزيداً وعمراً أخوين مفعولا أََظُنُّ، وأخاً هذا ثاني مفعولي وَيَظُنَّانِي، وجيء به مظهراً لتعذر إضماره؛ لأنه لو أضمر فإما أن يضمر مفرداً مراعاة للمخبر عنه في الأصل، وهو الياء من وَيَظُنَّانِي، فيخالف مفسِّره، وهو أخوين في التثنية، وإما أن يثنى مراعاة للمفسِّر فيخالف المخبر عنه وكلاهما ممتنع عند البصريين. إذاً (وَأَظْهِرِ انْ يَكُنْ ضَمِيرٌ خَبَرا) يعني في الأصل. (لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ الْمُفَسِّرا) في الإفراد والتذكير وفروعها، لتعذر الحذف بكونه عمدة، والإضمار بعدم مطابقة، فتعين الإظهار. وتخرج المسألة من هذا الباب، هذا الكثير على أن المسألة خرجت، لكن الصبَّان نازع، قال: خرجت في بعضها دون بعض. قال هنا: وتخرج المسألة من هذا الباب أي بالنسبة إلى لمفعول الثاني، لا بالنسبة إلى المفعول الأول، -وهذا فيه كلفة، بل الصواب أنها خرجت مطلقاً، وأما التفصيل بين مفعولين، وأنه داخل في الباب وهذا خارج هذا فيه تكلف-، فأعملنا في مثالنا الأول وأضمرنا في الثاني ضميره وهو الألف في يَظُنَّانِي، -على كل هذا ليس بقول وجيه-.

قال ابن عقيل: أي يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهراً إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسره -إذا لم يطابق المفسِّر وجب إظهاره-، لكونه خبراً في الأصل عما لا يطابق المفسِّرا، كما إذا كان في الأصل خبراً عن مفرد ومفسِّره مثنى، المفسِّر الاسم الذي حصل التنازع فيه مثنى أو جمع، نَحْوُ أََظُنُّ وَيَظُنَّانِي أَخَا زَيْداً وَعَمْراً أَخَوَيْنِ، فزيداً مفعول أول لأظن، وعمراً معطوف عليه، وأخوين مفعول ثاني لأظن، والياء مفعولٌ أول ليظنانِ فيحتاج إلى مفعول ثاني، فلو أتيت به ضميراً فقلت: أظن ويظنانِي إياه زيداً وعمراً أخوين، لكان إياه مطابقاً للياء في أنهما مفردان، ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو أخوين؛ لأنه مفرد وأخوين مثنى، فتفوت مطابقة المفسِّر للمفسَّر، وذلك لا يجوز، وإن قلت: أظن ويظنانِي إياهما زيداً وعمراً أخوين، حصلت مطابقة المفسِّر للمفسَّر، وذلك لكون إياهما مثنى، وأخوين كذلك، ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني الذي هو خبر في الأصل، للمفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل، لكون المفعول الأول مفرداً، وهو الياء، والمفعول الثاني غير مفرد وهو إياهما، ولا بد من مطابقة الخبر للمبتدأ، فلما تعذرت المطابقة مع الإضمار -مطابقة المبتدأ ومطابقة المفسِّر- وجب الإظهار، فتقول: أظن ويظنانِي أخاً، (أخاً) هذا مفعول ثاني ليظنانِ، فزيداً وعمراً أخوين: مفعولا أظن والياء مفعول يظنانِي الأول، وأخاً مفعوله الثاني، ولا تكون المسألة حينئذٍ من باب التنازع، -خرجت-؛ لأن كلاً من العاملين عمل في ظاهر، وهذا مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون الإضمار مراعىً به جانب المخبر عنه -ضعيف هذا-. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

55

عناصر الدرس * شرح الترجمة (المفعول المطلق) وحده وعلاقته بالمصدر * العامل في المفعول المطلق * ماالأصل في الإشتقاق؟ * أنواع المفعول المطلق من حيث الفائدة * ماينوب عن المفعول المطلق. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: المَفْعُولُ المُطْلَقُ، هذا شروع منه في بيان المنصوبات كما ذكرنا سابقاً، ولذلك قدَّم بابين سابقين: تَعَدِّي الفِعلِ وَلُزُومُهُ، وكذلك: بابُ التَّنازُعِ، إذ كل منهما له علاقة بالعمل. فبين لنا أن الفعل يطلب مفعولاً، وذكر المفعول به، حينئذٍ إن اعتُبر ذكر المفعول أصالة في ذلك الباب، حينئذٍ يكون هذا الباب هو الثاني، من باب المنصوبات، وإن اعتبر أنه من باب الاستطراد كما قال بعضهم، حينئذٍ نقول هذا هو الباب الأول في المنصوبات، والأولى أن يجعل ذاك له علاقة بالمفعول به؛ لأنه قال: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى ثم قال: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعُولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ فبين أن المفعول منصوب إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ: تَدَبَّرْتُ، وهذا يدل على أنه أراد المفعول به، ولذلك قلنا: علامة الفعل أي: الفعل التام، ولم يدخل فيه الناقص؛ لأنه أراد أن يمهد لنا ما هو العامل الأصلي في المفعول به، وإن لم يكن مقصوراً عليه؛ لأن الوصف قد ينصب مفعولاً، ((إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ)) [الطلاق:3]-قراءة التنوين-: ((إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ))، كذلك المصدر: انصب عجبت من ضربك زيداً، زيداً هذا منصوب، على كلٍ هو ذكر الفعل لأنه يعمل بالأصالة، وما عداه فهو محمول عليه بالفرعية. المفاعيل عند النحاة على الصحيح خمسة: مفعول به، ومفعول مطلق، ومفعول له، ومفعول فيه، ومفعول معه، هذا هو الصحيح أنها خمسة: مفعول به، ومفعول مطلق، ومفعول له، ومفعول فيه، ومفعول معه، سيذكرها الناظم على هذا الترتيب. ونقص الزجاج منها: المفعول معه، فجعلها أربعة لا خمسة، نقص المفعول معه، فجعله مفعولاً به، يعني أدمج بين بابين، المفعول معه، والمفعول به. ونقص الكوفيون منه: المفعول له، وجعلوه من باب المفعول المطلق، أدمجوا بابين: المفعول له، -المفعول لأجله-، والمفعول المطلق سيان عند الكوفيين، فالمفاعيل عندهم أربعة، وزاد السيرفي سادساً، وهو المفعول منه، وهذا سبقك ((وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)) [الأعراف:155] أي: من قومه، قَوْمَهُ قال: على معنى (من) فهو مفعول منه. وسمى الجوهري المستثنى مفعولاً دونه، فهي ستة عندهم، والمستثنى الأصل فيه أنه مستقل، هومنصوب لا شك، لكنه ليس من المفاعيل. قال: المَفْعُولُ المُطْلَقُ، يعني مطلق عن القيد، الإطلاق والقيد متقابلان، إذا قيل: مطلق معناه مطلق عن القيد؛ لأنه يقع عليه اسم المفعول من غير تقييد بحرف جر، لا يقال: مفعول به، مفعول معه؛ لأن تلك أما أن يقيد بحرف جر، وإما أن يقيد بظرف: مفعول معه ظرف، مفعول له جار، كلها مقيدة، إلا هذا النوع، فلذلك سمي مطلقاً، يعني مطلقاً عن القيد، إما بحرف، وإما بظرف؛ لأنه يقع عليه اسم المفعول من غير تقييد بحرف جر.

ولهذه العلة قدَّمه ابن الحاجب عن المفعول به، وهو أولى، لأنه أولى ما يسمى مفعولاً هو المفعول المطلق، وقدمه على المفعول به، وقيل: سمِّي مفعولاً مطلقاً؛ لأن حمل المفعول عليه لا يُحوِجُ إلى صلة؛ لأنه مفعول الفاعل حقيقة: ضربتُ ضرباً، ضرباً هو مفعول الفاعل حقيقة، ضربتُ ما الذي أحدث الفاعل هنا؟ أحدث ضرباً، فهو المفعول حقيقة، بخلاف ضربتُ زيداً، زيداً ليس هو مفعول الفاعل، مفعول الفاعل هو الضرب، والمفعول به ليس هو المفعول حقيقة للفاعل، وإنما هو زيد، وهو شيء مغاير للضرب، كذلك المفعول معه سرتُ والنيلَ، النيلَ ليس هو فعل الفاعل السير، وإنما هو شيء مغاير له، وكذلك المفعول فيه: صمت يوم الخميس، يوم الخميس ليس هو عين الصوم، بل هو ظرف له، إذاً ليس مفعولاً حقيقة، وإنما الذي يكون مفعولاً حقيقة، هو المَفْعُولُ المُطْلَقُ: ضربتُ ضرباً، ضرباً هو الحدث الذي دل عليه ضربت، فهو جزء من الفعل، فهو المفعول حقيقة. سمي مفعولاً مطلقاً لأن حمل المفعول عليه لا يحوج إلى صلة، فلا يقال: مفعول به، ولا مفعول معه الخ؛ لأنه مفعول الفاعل حقيقة، بخلاف سائر المفعولات، فإنها ليست بمفعول الفاعل، وتسمية كل منها مفعولاً إنما هو باعتبار إلصاق الفعل به، أو وقوعه لأجله، أو فيه، أو معه على حسب العلة التي ذُكر ذلك المفعول، إما لكونه مع الفاعل، وإما لكونه ظرفاً له، وإما لكونه علةً له، الخ ما ذكر. فلما كان مقارناً له حينئذٍ قُيِّد بحرف أو ظرف، وهذا لا، مخالف له، فلذلك احتاجت في حمل المفعول عليها إلى التقييد بحرف الجر بخلافه، وبهذا استحق أن يقدم عليها في الوضع. ولذلك ابن مالك بقوله: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ، إنما ذكره من باب الاستطراد، وهذا أول المفاعيل وهو المفعول المطلق، يرِدُ عليه أنه ذكره في باب تعدي الفعل ولزومه، نقول هناك ذكره استطراداً، هذا وجه لبعضهم. المَفْعُولُ المُطْلَقُ: زاد في شرح الكافية في الترجمة: وهو المصدر، وهذا كثير ما يعبر به النحاة عن المفعول المطلق، هل هو المصدر؟ نعم. هو المصدر، لذلك عرفه الناظم هنا، بدأ بالمصدر، المفعول المطلق ثم قال: الْمَصْدَرُ، كأنه قال: وهو المصدر، ثم عرَّف المصدر، هذا بناءً على مسألة مختلف فيها، هل المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً؟ أم يكون مصدراً وغير مصدرٍ؟ فمن اشترط المصدرية، صدَّر تعريف المفعول المطلق بالمصدر، ومن لم يشترط المصدرية قال: هو اسم، عمم، حينئذٍ يرد الخلاف في النائب عن المفعول المطلق، هل هو مفعول مطلق حقيقة أم أنه نائب عنه وليس بحقيقة؟ هذا ينبني على الخلاف في اشتراط المصدرية في المفعول المطلق، فمن اشترط المصدرية، حينئذٍ قال: تلك نائبة عن المفعول، ليست مفعولاً حقيقةً، وإنما هي نائبة، وهذا ظاهر صنيع الناظم؛ لأنه قال: المفعول المطلق: الْمَصْدَرُ عرَّفه، ثم قال: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ عن المصدر، مَا عَلَيْهِ دَلّ، فدل على أن النائب ليس بمفعولٍ مطلقاً حقيقة، وإنما هو نائب عنه، وعليه يشترط في المفعول المطلق أن يكون مصدراً.

وإذا لم نشترط حينئذٍ نقول: كل ما أعرب مفعولاً مطلقاً فهو مفعول مطلق، كل ما انتصب على المفعولية المطلقة سواء كان مصدراً أو لا، فهو مفعول مطلق، والأشهر هو الأول، أن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، وما ذُكر من النيابة فهو نائب عنها، فحينئذٍ تقول: هذا نائب عن المفعول المطلق، وليس بمفعول مطلق، والمصدر أعم مطلقاً من المفعول المطلق، إذا قيل بأن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، حينئذٍ تصير العلاقة بين المفعول المطلق والمصدر العموم والخصوص المطلق، كل مفعول مطلق مصدر ولا عكس: ضربتُ ضرباً، (ضرباً) هذا مصدر ومفعول مطلق. وقد ينفرد المصدر، ولا يكون مفعولاً مطلقاً، كلامك كلام حسن، هذانِ مصدران مبتدأ وخبر، وليسا بمفعولٍ مطلق، وقد ينفرد المفعول المطلق بالنيابة، ولا يصدق عليه أنه مصدر، وقيل -على القول الثاني-، تكون العلاقة بين المفعول المطلق والمصدر: العموم والخصوص الوجهي، والذي ذكرناه العموم والخصوص المطلق، السابق. إذاً: قد تكون العلاقة بين المصدر والمفعول المطلق العموم والخصوص المطلق، حينئذٍ نفتقر إلى مادتين: مادة الاجتماع ومادة الافتراق، مادة الاجتماع ضربتُ ضرباً، مفعول مطلق ومصدر، وحينئذٍ إذا انفرد النائب ليس بمفعول مطلق، جِدَّ كُلَّ الجِدِّ، هذا ليس بمفعول مطلق، بل هو نائب، إذا خرج عن الحد، ويوجد المصدر، ولا يكون مفعولاً مطلقاً مثل: كلامك كلام حسن، هذا بناءً على أن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، فالنائب حينئذٍ ليس بمفعول مطلقاً، وإنما يطلق عليه من باب التجوز. وإذا قلنا: الأمر أعم لا يشترط فيه المصدرية، حينئذٍ صارت العلاقة العموم والخصوص الوجهي، فنحتاج إلى ثلاث مواد: مادة الاجتماع، ومادتي الافتراق، مادة الاجتماع: ضربتُ زيداً ضرباً شديداً، نقول: ضرباً نقول: هذا اجتمع فيه أنه مصدر ومفعول مطلق. وينفرد المصدر عن المفعول المطلق بماذا؟ كلامك كلام حسن، هذان مصدران، وليس بمفعول مطلق، ينفرد المفعول المطلق –النائب-، هذا عنده مفعول مطلق حقيقة، جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، هذا كل ليس بمصدر، وإنما هو مفعول مطلق. إذاً: إذا اشترطنا المصدرية، حينئذٍ النائب ليس بمفعول مطلق حقيقة، وإنما هو من قبيل التجوز، فالعلاقة حينئذٍ بين المصدر والمفعول المطلق العموم والخصوص المطلق، إذا لم نشترط المصدرية، فحينئذٍ: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ ينوب عنه في تأدية ما يؤديه المصدر، فيكون مفعولاً مطلقاً حقيقةً، حينئذٍ تكون العلاقة بين المصدر والمفعول المطلق العموم والخصوص الوجهي، يجتمعان في مادة، ويفترق كل واحد منهما في مادة أخرى. إذاً: المصدر أعم مطلقاً من المفعول المطلق؛ لأن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، بناءً على أن ما يقوم مقامه مما يدل عليه خَلَفٌ عنه، وهو الأصل -المصدر هو الأصل-، وذاك خَلَفٌ عنه، إذاً: ليس بمفعول مطلق، إنما نائب عن المفعول المطلق، وفرق بين أن يكون الشيء نائباً، وبين أن يكون حقيقةً، وهو مفعول مطلق.

وقيل: المصدر والمفعول المطلق بينهما عموم وخصوص من وجه، يجتمعان في الصورة إذا نصب على أنه مفعول مطلق، وينفرد المصدر فيما إذا خرج عن المفعول المطلق، وينفرد المطلق فيما إذا كان نائباً عن المصدر، مثل (كل) وهو مفعول مطلق حقيقة. يجتمعان في: ضربته ضرباً، وينفرد المصدر في: ضَرْبُكَ ضَرْبٌ أليم، وينفرد المفعول فيما ينوب عن المصدر، أما حقيقة المفعول المطلق، فنقول: هو المصدر، الفضلة، المسلط عليه عامل من لفظه، أو من معناه، هذا شمل النوعين اللفظي، والمعنوي، والمعنوي هذا فيه خلاف هل هو مفعول مطلق أم لا؟ والجمهور على أنه مفعول مطلق. المصدر، الفضلة، المسلَّط عليه عامل من لفظه، أو من معناه، مسلَّط عليه عامل من لفظه، يعني وافق المصدر عامله في اللفظ، والمعنى معاً، يعني في الحروف والمعنى: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) [النساء:164] كلَّمَ تَكْلِيمًا، جلستُ جلوساً، قعدت قعوداً، ضربت ضرباً، نقول: هذا مصدر، وافق العامل في الحروف وفي المعنى، هذا محل وفاق أنه مفعول مطلق، ويُعَنْوَنُ له باللفظي، أو في معناه نحو: قعدت جلوساً، جلوساً هذا منصوب على أنه مفعول مطلق عند الجمهور، وسيأتي الخلاف فيه، هل العامل فيه الملفوظ أم لا؟ على رأي ابن مالك رحمه الله تعالى هنا، أن جلوساً منصوب بقعدت، قعد وجلس في المعنى واحد، وفي الحروف والمادة مختلفان، إذاً: جلوساً هذا منصوب بعاملٍ هو مفعول مطلق، منصوب بعامل، وافقه هذا المصدر في المعنى دون الحروف، ولذلك قلنا: المسلَّط عليه عامل من لفظه، وهو اللفظي، أو من معناه مثل: قعدت جلوساً، فـ ((كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) توافقا في اللفظ والمعنى، في الحروف -في المادة-، والمعنى، فـ (تَكْلِيمًا) هذا مفعول مطلق والعامل فيه (كَلَّمَ) وهو موافق له في اللفظ والمعنى: قعدت جلوساً، على قول الجمهور سيأتي الخلاف فيه، جلوساً هذا مفعول مطلق، وعلى رأي ابن مالك والمازني والمبرد أنه منصوب بالفعل المذكور، والجمهور يقدرون له موافق للفظه، فهو منصوب بالفعل المذكور. حينئذٍ نقول: وافقه في المعنى دون الحروف؛ لأن الجلوس والقعود بمعنى واحد، وأما الحروف فهما مختلفان. وتَأَلَّيْتُ حِلفةً، اللية هي الحلف، تَأَلَّيْتُ حِلفةً، حِلفةً نقول: هذا مفعول مطلق، والعامل فيه تألى، وهو موافق له في المعنى دون الحروف. المَصْدَرُ الفَضْلَةُ خرج بالفضلة ما إذا كان المصدر عمدة، قد يكون المصدر عمدة؛ لأنه قد يأتي فاعل، وقد يأتي مبتدأً، وقد يأتي خبراً، وقد يأتي اسم إن أو خبر إن، أو اسم كان، أو المفعول الأول، أو خبر كان، أو المفعول الأول في باب ظن، أو الثاني، إلى آخره، قد يقع عمدة أصالة في الحال، أو بما هو الأصل: كلامك كلام حسن، كلامك مبتدأ، وهو مصدر، وكلام حسن هذا خبر، كلامك كلام حسن، كلامك ما العامل فيه؟ مبتدأ العامل فيه: الابتداء، هل هو من لفظه ومعناه، أو من معناه دون لفظه؟ لا هذا، ولا ذاك؛ لأنه شيء معنوي، لا حروف له، لأنه ما ليس للسان فيه حظ، هذا ضابط العامل المعنوي، والابتداء منه، جعلك الاسم أولاً لتخبر عنه ثانياً.

إذاً كلامك نقول: هذا مبتدأ، والعامل فيه الابتداء، كلام حسن، كلام، هذا خبر، العامل فيه كلامك وهو المبتدأ. وَرَفْعُوا مُبْتَدَأً بِالإبْتِدَا ... كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالمُبْتَدَا إذاً الخبر مرفوع بالمبتدأ، وهنا العامل فيه موافق له في اللفظ والمعنى، كلامك كلام حسن، مثل ضربتك ضرباً، وافقه في اللفظ والمعنى، هل نقول أنه مفعول مطلق؛ لأنه موافق له في اللفظ والمعنى مثل: ((كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا))؟ لا، لماذا؟ لأن كلامك كلام حسن، كلام حسن هذا عمدة لأنه خبر، وإذا كان كذلك لا يمكن أن يكون فضلة؛ لأن الفضلة ما ليس بعمدة، إذاً هنا تسلَّط على الخبر عامل من لفظه ومعناه، ولم يعرب مفعولاً مطلقاً لم ننصبه على المفعولية المطلقة لماذا؟ لانتفاء شرط الفضلة. كذلك: جَدَّ جِدُّهُ يعني: نشط أمره، جَدَّ فعل ماضي، وجِدُّهُ هذا مصدره، تسلط عليه عامل من لفظه ومعناه، ومع ذلك لم ينتصب على المفعولية المطلقة؛ لكونه عمدة، ويشترط في المفعول المطلق أن يكون فضلة، وهذا ليس بفضلة، وحقيقة الفضلة: ما ليس ركناً في الإسناد، وهنا الفاعل، وذاك الخبر، ركنان في الإسناد، فـ: كلامك وجده سُلِّط عليهما عامل من لفظهما، وهما الفعل والمبتدأ، وليس من المفعول المطلق في شيء. إذاً: عرفنا هو المصدر، لا بد أن يكون مصدر، فإذا أخذنا المصدر جنساً في حد المفعول المطلق، ما ليس بمصدر ليس بمفعول مطلق، هذه قاعدة مطردة، إذا عرَّفنا وذكرنا الجنس، حينئذٍ كل ما ليس من الجنس ننفي عنه المحدود، فنقول: العلاقة بين المفعول المطلق والمصدر -دائماً بين المحدود والجنس- العلاقة بينهما العموم والخصوص المطلق؛ لأننا أخذناه قيداً في حد المفعول المطلق، حينئذٍ تقول: المفعول المطلق هو المصدر، إذاً كل مفعول مطلق هو مصدر من غير عكس، يرد: جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ تقول: هذا نائب عن المفعول المطلق، ونحن نحد المفعول المطلق حقيقة أصالة، وهذا قد ناب عنه، حينئذٍ لا إشكال. إذاً كل ما ليس بمصدر ليس بمفعول مطلق، كل ما كان مصدراً وليس بفضلة ليس بمفعول مطلق، كل ما كان مصدراً فضلة، ولم يكن موافقاً لعامله في اللفظ والمعنى، أو في المعنى دون اللفظ ليس بمفعول مطلق، هذه القيود كلها أشبه ما تكون شروطاً تبين لنا حقيقة المفعول المطلق. عرَّفه في الأوضح بقوله: هو اسم -صدره بالاسم؛ لأنه لا يشترط فيه أن يكون مصدراً، على هذا التعريف إذا قلنا: لا يشترط أن يكون فيه مصدر، والنائب عن المفعول المطلق هو مفعول مطلق حقيقة، حينئذٍ نصدر الحد بكونه اسماً-.

هو اسم يؤكد عامله أو يبين نوعه أو عدده. هذا بيان لأنواع، وأغراض، والفوائد التي يؤتى من أجلها بالمفعول المطلق، لماذا جيء به؟ بعض النحاة يدخل هذه الأنواع الثلاثة في الحد، والأولى إخراجها؛ لأنها أنواع، إذا عرفنا حقيقة المفعول المطلق، حينئذٍ نقول: يتنوع إلى كذا، كما نقول: الكلمة قول مفرد، ثم هي ثلاثة أقسام. إذاً لا ندخل الاسم -حقيقة الاسم- والفعل والحرف في داخل حد الكلمة، بل نحد الشيء ثم نقول: يقسم إلى كذا وكذا، نقول: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وينقسم إلى خبر وإنشاء. إذاً القسمة لا تدخل في الحد، هذا أولى من صنيع ابن هشام -رحمه الله تعالى-. وليس خبراً ولا حالاً، -هذا الذي أردتُه-، وليس خبراً ولا حالاً، نحو ضربت ضرباً، هذا مثال لمؤكد عامله، ضربت ضرب الأمير للمبين للنوع، ضربت ضربتين للمبين للعدد، بخلاف ضربك ضربٌ أليم، هذا مبين للنوع، لكنه ليس بمفعول مطلق، ضربك ضربٌ أليم، مثل كلامك كلام حسن، ولا حالاً نحو: وَلَّى مُدْبِرًا، هذا قد يقال: بأنه مثل قعدت جلوساً، نقول: لا؛ لأن هذا حال، وإنما جيء بها لبيان صفة صاحب الحال؛ لأنها قيد لعاملها، ووصف لصاحبها، ففرق بين المفعول المطلق وبين الحال. وَلَّى مُدْبِرًا هذا حال مؤكدة، وافق فيها المنصوب هنا، العامل في المعنى دون اللفظ، لكن نقول: فرق بين الحال والمفعول المطلق، ويفرق بينهما بمعرفة حقيقة الحال ما هي كما سيأتي في محله. وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدراً، هكذا قال بعد هذا التعريف، صدره بالاسم ثم قال: وأكثر ما يكون المفعول المطلق مصدراً. إذاً قد يكون المفعول المطلق ليس مصدراً، مثل: جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، وعلى هذا معناه أن جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، ((فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)) [النساء:129] هذا مفعول مطلق حقيقة، ولا تقل: نائب عن المفعول المطلق، والصحيح أنه نائب عن المفعول المطلق. والمصدر اسم الحدث الجاري على الفعل، فخرج بهذا القيد اسم المصدر، إذا قيل: حقيقة المفعول المطلق المصدر، معلوم أن ثَمَّ فرقاً بين المصدر واسم المصدر، وسيعقد لهذا باباً في الأخير إن شاء الله تعالى، سيعقد باباً للفرق بين المصدر واسم المصدر، ثم عمل كل منهما. المصدر ما وافق فعله في الحروف كلها: أعطى إعطاءً، نقول: هذا مصدر، وإذا نقص حرف من المصدر، انتقل من المصدر إلى اسم المصدر، من اسم المصدر يعني أن لا نطلق عليه مصدراً إلى عنوان جديد، وهو اسم المصدر فتقول: أعطى عطاءً أين الهمزة إعطاءً عطاءً؟ كلاهما مصدران في الأصل لأعطى، إلا أنه لما نقص حرف عطاءً، سميناه اسم مصدر، ففرق بين المصدر واسم المصدر، المصدر يكون موافقاً لفعله في عدد الحروف، المادة لا شك فيها في الاثنين، أما المصدر لا بد أن يكون موافقاً لعدد الحروف فلا ينقص حرفاً، قد يزيد لا إشكال، أكرم إكراماً، إكرا .. زاد، أكرم إكراماً زاد حرفاً، لكن لا ينقص، فإن نقص حينئذٍ سميناه اسم مصدر.

هل يأتي اسم المصدر مفعولاً مطلقاً؟ الجواب: لا، وإنما يكون نائباً، اغتسلت غسلاً، اغتسلت اغتسالاً، قال: اغتسلت غسلاً، غسلاً هذا نقول: نائب عن المفعول المطلق لماذا؟ لكونه اسم مصدر، والشرط هنا أن يكون مصدراً، فانتفى، المصدر قد يكون مصدراً صريحاً، وقد يكون مؤولاً بالصريح، مصدر صريح ننطق به كما هو: كلامك كلاماً حسن، ضربت زيداً ضرباً، ضرباً هذا مصدر صريح، والمصدر المؤول بالصريح ((وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) [البقرة:184] قلنا: المبتدأ قد يكون اسماً صريحاً، وهو الذي لا يحتاج في جعله مبتدأً إلى تأويل، وقد يكون اسماً مؤولاً بالصريح، وهو فيما إذا احتجنا إلى جعله مبتدأً إلى تأويل: يعني المؤولات السابقة -الثلاث الأول-، فحينئذٍ نقول: ((أَنْ تَصُومُوا)) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، جعلنا المصدر هذا مبتدأ. هل يكون المفعول المطلق مصدراً مؤولاً؟ الجواب: لا، لا يكون. إذاً نقيد المصدر بالصريح احترازاً من المؤول بالصريح، فإنه لا يكون مفعولاً مطلقاً. قال الناظم -رحمه الله تعالى-: اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ إذاً أراد أن يعرف لنا المصدر؛ لأن المفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً، كيف تحكم عليه بأنه مصدر وأنت لا تعرف المصدر، وإن كان هذا باب سيأتي، (أبنية المصدر)، والأصل أنه بحث صرفي، لكن سيذكره الناظم في محله، لكن من حيث المعنى ما المراد بالمصدر؟ لاشك أن الفعل مركب، مركب من حدث ومن زمن، كل فعل ماضي أو مضارع أو أمر، لا بد وأنه مشتمل على شيئين اثنين، شيئين اثنين من حيث الوضع لا من حيث دلالة التزام، هذا شيء آخر، كلامنا في الوضع، يعني ما يدل عليه الفعل بالمطابقة، حينئذٍ قام، قام يدل على قيام وزمن ماضٍ، ويقوم يدل على قيام وزمن في الحال، وقم يدل على طلب قيامٍ حدثٍ في الزمن المستقبل. إذاً دلالة قام على الشيئين، نقول: دلالة مطابقة، وهذه من المهمات تحفظها، دلالة قام على القيام الذي هو الحدث والزمن بالمطابقة، دلالته على الحدث فحسب، تضمن: دَلاَلةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وافَقَهْ وجُزئِهِ تَضَمَناً ....... ... يَدْعُونَها دَلالَةَ المُطَابَقَةْ إذا دل على جزئه، على جزء الفعل الزمن دون الحدث أو العكس، فهي دلالة تضمن. إذاً دلالته على الاثنين نقول: دلالة مطابقة، ودلالته على شيء واحد منهما دون الآخر دلالة تضمن، إن دل على المصدر نقول: المصدر يؤخذ من الفعل بالمادة، يعني: كيف نقول: الفعل هذا للماضي وهذا للمستقبل وهذا للحال؟ ونقول: هذا مأخوذ من مصدر كذا، وهذا مأخوذ من مصدر القيام، وهذا مأخوذ من مصدر الجلوس أو القعود؟ نقول: دلالة الفعل على المصدر بالمادة، يعني بالحروف، كيف تعرف أن هذا مأخوذ من القيام، قام ويقوم وقم؟ نقول: مأخوذ من القيام، القيام هو المصدر، ما الذي دلنا التخرص؟ نقول: لا هذا مأخوذ من المادة يعني من الحروف: القاف والألف والميم، كذلك صام مأخوذ من الصيام أو الصوم، حينئذٍ نقول: دل عليه بالمادة بالحروف.

وأما دلالته على الزمن فهذه مأخوذة بالصيغة، وهذه مبحثها عند الصرفيين، ما كان على وزن كذا فهو ماضٍ، وما كان على وزن كذا فهو مضارع، وما كان على وزن كذا فهو أمر، حينئذٍ يحدد الماضي، ولذلك له عند التجرد له ثلاثة أوزان فَعَل فَعِل فَعُل، كذلك المضارع: يَفْعُل يَفْعِل يَفْعَل، ثم بزيادة أحرف المضارعة، الأمر، حينئذٍ نقول: بهذه الصيغ، هي التي تدل على الفعل على الذي دل عليه الفعل، فمعرفة الزمن من جهة الصيغة، ومعرفة المصدر من جهة المادة. بقي دلالته على شيئين اثنين: الفاعل والمكان، فهي دلالة التزامية؛ لأن اللفظ لا يدل على المكان، وكذلك على الفاعل، لا يدل على الفاعل، اللفظ قام لا يدل على الفاعل، ولا يدل على المكان، فدلالة الفعل على الزمن أقوى من دلالة الفعل على المكان؛ لأن دلالة الفعل على الزمن دلالة تضمنية بالمطابقة بالوضع، أصل الوضع، ودلالته على المكانة، دلالة التزامية، دلالته على الفاعل، دلالة التزامية، لازم له، ولذلك بعضهم يجعل هذا الجزء في وضع الفعل فيقول: الفعل مركب من ثلاثة أشياء، ليس من شيئين، مركب من ثلاثة أشياء: المصدر والزمن والنسبة إلى فاعلٍ ما، هذه النسبة إلى فاعلٍ ما، مأخوذة بدلالة الالتزام، لكن هل هي مرادة عند الواضع وضعاً أم التزاماً، هذا محل نزاع، والأشهر أنه بدلالة التزام، وأن الفعل يدل على شيئين اثنين فقط. اَلْمَصْدَرُ -أراد أن يعرفه- اسْمُ: يعني هو، اسْمُ يدل على مَا سِوَى الزَّمَانِ، ما هو سِوَى الزَّمَانِ؟ هو الحدث؛ لأنه ليس عندنا إلا اثنان، إما زمان وإما حدث، مَا سِوَى الزَّمَانِ هو الحدث، والمصدر اسم الحدث، والحدث ما هو؟ هو ما يقوم به الفاعل، ما يفعله الفاعل، يعني: نحن نبحث عن ألفاظ، ومدلول الألفاظ قائمة بحركات الناس وسكناتهم، إذا قلت: نام، النوم أين يحدث في الفم أم خارج الفم؟ إذا قلت: نام، النوم له حقيقة، نام زيدٌ، فقلت: زيد، زيد أين هو في فمك أم خارج؟ إذاً المعاني التي تدل عليها الألفاظ، هذه موجودة في الخارج في الواقع، والألفاظ هذه أدلة عليها. اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ يعني: اسم الحدث الجاري على الفاعل، فإذا قلت: ضربٌ، نقول: ضربٌ هذا مصدر، نحن قلنا: الحدث، أين هو الحدث؟ إذا قلت: ضربٌ، ضربٌ هذا في فمك، ما يصدق عليه ضربٌ أين هو؟ في الخارج، إذاً ليس هو بلغو، الذي يكون محسوساً اسمه ضرب، ضربٌ اسمه مصدر. إذاً المصدر اسم مسماه اللفظ، سبق معنا أن الكلمة قد تطلق ويكون مسماها ذات كزيد، أو معنىً كعلم، وعقل، وقد يكون مسماها لفظاً، تقول: زيدٌ كلمةٌ، كلمة في هذا التركيب اسم، مسماه لفظ زيد، هنا إذا قلت: مصدراً، قتلٌ مصدر، ضربٌ مصدر، أكلٌ مصدر. إذاً مصدر هذا اسم، مسماه اللفظ، وأما اللفظ المسمى الذي هو الضرب، اسم الحدث الجاري الواقع من الشخص نفسه. اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ .. وهو الحدث.

إذاً المصدر اسم الحدث الجاري على الفعل، اسم مسماه اللفظ، يعني ليس المراد به القتل نفسه هو المسمى المصدر، لا، ليس هذا. كلمة مصدر ليس مسماه القتل نفسه، أو الضرب نفسه، أو النوم، أو الأكل، أو الشرب، لا، ليس هذا، وإنما اسم مسماه اللفظ الدال على الحدث نفسه، فتقول: مصدر مسماه القتل، والقتل مسماه حقيقة القتل نفسه، الذي تراه تدركه بالنظر أو بالفعل، ففرق بين دلالة الشيء على اللفظ ودلالة الشيء على المعنى. اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ يعني: يدل على ما سوى الزمان، اَلْمَصْدَرُ هذا مبتدأ، واسْمُ هذا خبره، ومَا في محل جر مضاف إليه، وسِوَى متعلق بمحذوف صلة (ما)، يعني الذي استقر. سِوَى الزَّمَانِ يعني غير الزمانِ. مِنْ مَدْلُولَيِ هذا في موضع حال، نصب حال من الضمير المستتر في الصلة، يعني استقر سوى الزمانِ حال كونه من مدلولي الفعل، ثَنَّى مَدْلُولَيِ؛ لأن الفعل ليس له إلا مدلولان: الحدث والزمان. قال: اَلْمَصْدَرُ اسْمُ. إذاً عبر بكون المصدر اسم، اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ، ما هو سِوَى الزَّمَانِ؟ الحدث. إذاً المصدر اسم الحدث، تأخذ من هذا البيت أن المصدر اسم الحدث، وأما الحدث نفسه فهو الذي يدرك بالحس، اسمه: اللفظ الذي وضع له في لسان العرب. كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ، أَمِنْ هذا مصدر، أَمن يأمن أمناً، كضرب يضربُ ضرباً. أَمِنْ هذا اسمه مصدر، والأمنُ اسم مسماه الأمن، حقيقة الأمن نفسه، فرق بين الاثنين، كأمنٍ من مدلولي أمن، وقتلٍ من مدلولي قتل، وضربٍ من مدلولي ضرب، وشرب من مدلولي شرب، وهَلُمَّ جَرّاً. إذاً اَلْمَصْدَرُ اسْمُ (مَا): مَا حدث مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ، فـ (ما) واقعة على حدث. قال الشارح: الفعل يدل على شيئين: الحدث والزمان، يدل عليهما، يعني بالوضع ليس مطلقاً؛ لأن دلالة الالتزام معتبرة هنا، وهو يدل على الفاعل بدلالة الالتزام، ويدل على المكان بدلالة الالتزام، فقام يدل على قيام في زمن ماضي، ويقوم يدل على قيام في الحال، أو الاستقبال، هذا على المشهور أنه حقيقة في الحال والاستقبال، والصواب أنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، هذا الصحيح لماذا؟ لأنه إذا أريد الاستقبال لا بد من قرينة، إما (لن) أو (السين) أو (سوف) .. إلى آخره، وما افتقر أو احتاج إلى قرينة، هذا فرع ما لا يحتاج إلى قرينة، وإذا أُطلق الفعل المضارع حُمِل على الحال، وقم يدل على طلب قيام في الاستقبال، والقيام هو الحدث، وهو أحد مدلولي الفعل، وهو المصدر، وهذا معنى قوله: مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ .. فكأنه قال: المصدر اسم الحدث كَأَمْنٍ، -وهذا حق-، المصدر اسم الحدث كَأَمْنٍ، المصدر اسم. إذاً الاسم أعم من المصدر، فكل مصدر اسم ولا عكس. إذاً من علامات الاسم كونه مصدراً، إذا ثبت أنه مصدر فهو من علامات الاسم. والمفعول المطلق: هو المصدر المنتصب توكيداً لعامله، أو بياناً لنوعه أو عدده، نحو: ضربتُ ضرباً، وسرتُ سَيرَ زيدٍ، وضربتُ ضربتين. ثم قال: بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أوْ وَصْفٍ نُصِبْ

أراد أن يبين المفعول المطلق ما العامل فيه، قال: قد ينصب بالفعل وهو الأصل، وينصب بالوصفِ، وهو اسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة، واختلف في أفعل التفضيل، والصفة المشبهة. أو بمثله وهو المصدر. إذاً المفعول المطلق ينصب بمثله، يعني: بمصدر مثله، لفظاً ومعنىً، أو معنىً دون لفظٍ، يعني: يعمل المصدر في المصدر، فينصبه على أنه مفعول مطلق له، ثم قد يكون المفعول المطلق، موافقاً للعامل المصدر، في اللفظ والمعنى معاً، أو في المعنى دون اللفظ ((فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا)) [الإسراء:63] جَزَاءً مفعولٌ مطلق، العامل فيه جَزَاؤُكُمْ، ((فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ)) وقع خبراً، وهو مصدر موافقٌ له (جَزَاءً) في اللفظ والمعنى. ولو معنىً دون لفظٍ، نحو: أعجبني قيامك وقوفاً، على ما سبق، أعجبني: فعل ومفعول به، قيامك فاعل، وهو مصدر مضاف إلى فاعل، وقوفاً هذا مصدر، عمل فيه قيامك، كل منهما مصدر، مثل قعدتُ جلوساً، قيامك وقوفاً، نقول: وقوفاً هذا مفعول مطلق، والعامل فيه المصدر، وهو موافق له في المعنى دون اللفظ؛ لأن القيام والوقوف بمعنى واحد. بِمِثْلِهِ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: نُصِبْ، نصب بمثله يعني: المفعول المطلق -المصدر السابق-، ينصب بمثله، وهو المصدر، سواء كان موافقاً له في اللفظ والمعنى كالآية المذكورة، أو في المعنى دون اللفظ كالمثال المذكور. أَوْ للتنويع. فِعْلٍ فيكون العامل في المفعول المطلق فعل، كقوله: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) [النساء:164]، ويشترط في الفعل الذي ينصب مفعولاً مطلقاً، أن يكون متصرفاً، وأما الجامد فلا، الجامد مثل (نعم) و (بئس)، و (عسى)، و (ليس)، وفعل التعجب، هذه لا تنصب مفعولاً مطلقاً. أن يكون تاماً، أن لا يكون ناقصاً، فكان وأخواتها هل تنصب مفعولاً مطلقاً؟ الجواب: لا. أن لا يكون مُلغىً عن العمل، وهذا فيما إذا كان ظن وأخواته، اإذا توسطت ورجحنا الإلغاء، أو تأخرت ورجحنا الإلغاء، هذا الأصل فيه، أو يكون متقدماً فيلغى من جهة اللفظ فحسب. إذا ثلاثة شروط يجب أن تتوفر في الفعل الذي ينصب المفعول المطلق، وهل يشترط فيه أن يكون متعدياً؟ لا يشترط في المفعول الذي يُنصب بفعلٍ أن يكون متعدياً إلا نوعاً واحداً، وهذا ذكرناه، ولذلك قلنا: الحال لا يشترط فيها أن يكون العامل فيها متعدياً، ومثَّلنا بقوله: جاء زيدٌ راكباً، قلنا: راكباً هذا حال، والعامل فيه جاء، وهو لازم ليس بـ بمتعدي: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ، قلنا: ينصب الفعل المتعدي المفعول، وما عداه لا يتعدى إلى مفعول به البتة، وأما سائر المفاعيل هذا لا يشترط فيها التعدي، بل تكون مع اللازم، ومع المتعدي. إذاً بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أوْ وَصْفٍ ((وَالصَّافَّاتِ صَفًّا)) [الصافات:1] صَفًّا: هذا مفعولٌ مطلق موافقٌ لعامله في اللفظ والمعنى، والعامل فيه الصَّافَّاتِ، وهو اسم فاعل جمع صاف، وكذلك ((وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا)) [الذاريات:1] ذَرْوًا مفعولٌ مطلق ((فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا)) [المرسلات:2] عَصْفًا مفعولٌ مطلق .. إلى آخر.

فالعامل فيه وصف، وهو مضروب ضرباً، ضرباً هذا مفعولٌ مطلق، والعامل فيه مضروبٌ، وهو اسم مفعول. يشترط في الوصف الذي ينصب المفعول المطلق شرطان: أحدهما أن يكون متصرفاً، فالجامد لا ينصب مفعولاً مطلقاً، ثانيهما أن يكون اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو صيغة مبالغة، هذه ثلاثة، فإن كان اسم تفضيل لم ينصب المفعول المطلق بغير خلافٍ فيما نعلم، -جوَّزه بعضهم،- وأما قول الشاعر: أَمَّا المُلُوكُ فَأنتَ اليَوْمَ أَلأَمُهُمْ ... لُؤْمًا وَأَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَبَّاخِ أَلاَمُهُمْ لَؤْماً، لُؤْمًا ظاهره أنه مصدر عمل فيه أَلأَمُهُمْ، وهو أفعل تفضيل، فانتصب على أنه مفعولٌ مطلق، هذا الظاهر، والجماهير أو من حكى الإجماع على المنع، يقدره مصدراً لفعلٍ محذوف: فأنت اليوم ألأمهم تلؤم لُؤماً، تَلؤُمُ تفعُلُ، تَلؤُمُ لُؤماً، حينئذٍ لُؤماً هذا مفعول مطلق، لكن ليس العامل فيه اسم التفضيل، بل فعل مقدر من لفظه. واختلفوا في الصفة المشبهة، فحملها قوم على أفعل التفضيل، ومنعوا من نصبها المفعول المطلق، وذهب ابن هشام إلى جواز نصبها إياه مستدلاً بقول النابغة الذبياني: وَأَرَانِي طَرِبَاً فِي إِثْرِهِمْ ... طَرَبَ الوَالِهِ أو كالمُخْتَبَلْ طَرِبَاً على وزن فَعِل حَذِر، وهو صفة مشبهة. طَرِبَاً طَرَبَ الوَالِهِ مثل: ضرب الأمير. إذاً هذا في ظاهره أنه منصوبٌ بـ (طرباً)، وهو صفة مشبهة، وبقي على ظاهره ابن هشام، فجوَّز في الصفة المشبهة أن تنصب مفعولاً مطلق، لكن الجماهير على أن يقدر له مثل ما قُدِّر في: أَلاَمُهُمْ لَؤْماً، حينئذٍ التقدير يكون: أراني طرباً في إثرهم أطربُ طربَ الواله، على نحو ما قالوه في أفعل التفضيل. إذاً نُصِبْ المفعول المطلق، أو ذالك المصدر على المفعولية المطلقة بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أوْ وَصْفٍ، هذه الثلاثة الأشياء تعمل في المفعول المطلق، وأفعل التفضيل، حكي الإجماع على أنها لا تنصب المفعول المطلق، والصفة المشبهة الجماهير على المنع، وجوزه ابن هشام -رحمه الله تعالى-. نُصِبْ قال بعضهم: إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ فإن أنيب حينئذٍ رفع، كما هو الشأن في المفعول به: فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ، هنا نُصِبْ: إِنْ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَاعِلٍ غُضِب غضب شديد، غضبتُ غضباً شديداً، فأراد أن يحذف الفاعل؛ لئلا يساء به أنه سريع الغضب، قال: غُضِب –اليوم-، أو غُضب غضبٌ شديد، غضبٌ شديد هذا نائب فاعل، حينئذٍ من جوز أن يكون هذا المفعول المطلق نائب فاعل، حينئذٍ ينصب ما لم ينب عن الفاعل، فإن أنيب حينئذٍ أخذ حكم نائب الفاعل. وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ، وَكَوْنُهُ أي المصدر أَصْلاً في الاشتقاق، لِهذَيْنِ الفعل والوصف، اُنتُخِبَ يعني اختيرَ، وهذا مذهب البصريين، ومسألة المصدر والفعل المشتق منه، وأيهما مشتق من الآخر، هذه طويلة الذيل قليلة النفع، بل معدومة النفع، وكثر الكلام حولها أيهما أصلٌ للآخر، وإن كان المرجح أن المصدر أصلٌ لفرعيه: والمَصْدرُ الأَصْلُ وَأَىُّ أَصْلِ ... وَمِنهُ يَا صَاحِ اشْتِقَاقُ الفِِعْلِ

هذا الذي اختاره ابن مالك -رحمه الله تعالى-، وابن الأنباري في الإنصاف في مسائل الخلاف، عنون لهذه المسألة، وأطال النفس فيها، فمن أرادها فليرجع إليها. وَكَوْنُهُ أي المصدر، كَوْنُهُ هذا مبتدأ مضاف إلى اسمه، وهو كان، وأَصْلاً هذا خبر كان، وجملة: اُنتُخِبَ خبر المبتدأ، فكان هنا مبتدأ فتحتاج إلى خبرين: خبر باعتبارها مبتدأ، وخبر باعتبارها فعلاً ناقصاً، خبرها باعتبار كونها –كان-ناقصة أصلاً، وباعتبار كونها مبتدأ اُنتُخِبَ، ولِهذَيْنِ المراد به الفعل والوصف، متعلق بقوله: أَصْلاً، لماذا انتُخِبَ اختِيرَ؟ لأن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة، هذه أقوى حجة عند البصريين؛ أن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك دونه؛ لأن المصدر يدل على حدث فقط، والفعل يدل على حدث وزيادة، وهو الزمن، والوصف يدل على حدث وزيادة، وهو الذات، حينئذٍ نقول: الوصف يدل على الفاعل -من جهة العموم-، والحدث بدلالة المطابقة، على جزئه، الذات فقط، أو الحدث فقط نقول: دلالة تضمن، مقصودي بهذا: أن الفعل مع كونه أصل دل على الفاعل بدلالة التزام، واسم الفاعل مع كونه فرع عن الفعل، دل على الفاعل بدلالة المطابقة، وأيهما أقوى، أيُّ الدلالتين أقوى؟ المطابقة لأنها وضعية، وأما دلالة الالتزام، لا، هذه خارجة عن مسمى اللفظ، حينئذٍ دلالة الفرع على الفاعل أقوى من دلالة الأصلِ. الشاهد أن الفعل يدل على حدث وزيادة وهو الزمن، والوصف يدل على حدث وزيادة، وهو دلالة الذات، والمصدر يدل على الحدث فقط، وما دل على شيئين اثنين فرع عما دل على شيء واحد، وهذا واضح بين. وَكَوْنُهُ أي المصدر، أَصْلاً لِهذَيْنِ الفعل والوصف، اُنتُخِبَ اختِيرَ، وهو الأرجح. قال رحمه الله: ينتصب المصدر بمثله، أي بالمصدر أو بالفعل أو بالوصفِ، ومذهب البصريين أن المصدر أصلٌ، والفعل والوصف مشتقان منه، وهذا معنى قوله: وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ، أي المختار أن المصدر أصلٌ لهذين أي الفعل والوصف، ومذهب الكوفيين عكس، الفعل أصل، والمصدر مشتق منه، وهذا مردود ضعيف؛ لأنه يلزم منه أن يكون الفرع يدل على شيءٍ واحد، والأصل يدل على شيئين، وهذا خلاف المنطوق خلاف المعقول، المعقول يدل على أن الفرع يكون متضمناً للأصل وزيادة، هذا هو الأصل، فإذا عكسنا ما هو معقول ومنطوق، حينئذٍ نقول: هذا فيه نظر. وأما القول بأنه إذا جيء بالمصدر يكون ثالثاً ضربَ يضربُ ضرباً، ابن آجروم هكذا عرَّفه: الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، هذا مشكل ضرَبَ يضرِبُ ضرباً.

إذاً الأصل هو الفعل الماضي، ثم جاء ضرباً نقول: لا، هذا ليس بمطرد، وإنما اصطلح النحاة على أنهم يذكرون المصدر بعد الفعل، وليس بلازم، لو قال: ضربَ ضرباً يضربُ، ضرباً ضربَ يضربُ، يضرب ضرباً ضرب، نقول: هذا كله جائز؛ لأن الأصل الذي اتخذه النحاة من تقديم الفعل الماضي على المصدر، ليس لدلالة على أنه أصل، وإنما للذكر فحسب، أشبه ما يكون بشيء عُرفي عند النحاة فحسب، وإلا لو قدم وأخر لا بأس به، لا نقول: إذا قال: ضرباً ضربَ يضرب، وقع في محذور منكر، نقول: لا، هذا صحيح، وذاك صحيح، وإنما الأولى أن يقدم الفعل الماضي: ضرَبَ يضرِبُ ضَرْباً، الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، وهذا من باب التقريب للمبتدأ: قَتَلَ يقتُلُ قتلاً، جلسَ يجلسُ جلوساً. إذاً لا بد من الرجوع إلى معرفة أبنية المصادر، فهي مسألة توقيفية يعني: أشياء تحفظ، ويقاس عليها، منها ما هو قياسي، ومنها ما هو سماعي، والقياسي كثير، وفي باب الثلاثي السماعي كثير حتى قيل أنه لا قياسي فيه، نفى بعضهم القياس، وأظُن ابن حاجب على هذا في الشافية، ومر معنا. إذاً مذهب الكوفيين، أن الفعل أصل؟؟؟، والصحيح المذهب الأول؛ لأن كل فرع يتضمن الأصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة للمصدر كذلك؛ لأن كلاً منهما يدل على المصدر وزيادة، فالفعل يدل على المصدر والزمان، والوصف يدل على المصدر والفاعل، هذا أرجح. تَوْكِيدَاً أَوْ نَوْعَاً يُبِينُ أَوْ عَدَدْ ... كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ أراد أن يبين لنا بعد ما بين حقيقة المفعول المطلق، ما هي الفوائد والأغراض التي يؤتى بالمفعول المطلق من أجلها؟ قال: ثلاث فوائد: تَوْكِيدَاً، أَوْ نَوْعاً، أَوْ عَدَدْ، إما أن يجاء بالمفعول المطلق ليؤكد عامله، أو يبين نوعه، أو يبين عدده، إما هذا، وإما ذاك. كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ قسمهُ إلى ثلاثة أنواع، ومثَّل بمثالين، مثَّل للعدد بقوله: سَيْرَتَيْنِ، وللنوع بقوله: سَيْرَ ذِي رَشَدْ. قوله: تَوْكِيدَاً هذا مفعولٌ مقدم لقوله: يُبِينُ، (يبين توكيداً او نوعاً)،بإسقاط همزة أو للوزنِ، تَوْكِيدَاً أوْ نَوْعاً يُبِينُ، يُبِينُ هذا فعل مضارع، وتَوْكِيدَاً هذا مفعول به مقدم عليه، و (أَوْ) حرف عطف، ونَوْعَاً معطوف على المنصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب. إذاً أول غرض وأول حكمة وفائدة لمجيئنا بالمفعول المطلق، أنه يكون مؤكِّداً، مؤكِّداً لأي شيء؟ يطلق النحاة مؤكِّداً لعامله فتقول: ضربتُ ضرباً، ضرباً هذا مؤكِّد للعامل، وهو الضرب. توكيداً لعامله، والأولى أن يقال: لمعنى عامله.

المؤكِّد لعامله أي لمعنى عامله، ثم المراد بمعنى عامله المصدر، المراد به بعض الفعل، بعض العامل، وليس كل العامل لماذا؟ لأنك إذا قلت: ضربتُ ضرباً، ضرباً هذا تأكيد للعامل، وهو ضرب، مؤكِّد له توكيداً لفظياً أو معنوياً؟ التوكيد المعنوي محصور في النفس والعين، وتلك الألفاظ الخمسة، هذا ليس واحداً منها، حينئذٍ هو لفظي، إذاً صار تأكيداً لفظياً حينئذٍ لا بد أن يكون المؤكَّد والمؤكِّد متحدين في المعنى، كلٌ منهما مدلوله شيء واحد، لا يكون المؤكِّد دالاً على شيء واحد، والمؤكَّد دالاً على شيئين اثنين، وإذا نظرنا إلى (ضرباً) أنه توكيد بضربَ، ضَرْب يدل على شيء واحد؛ لأنه مصدر، وضَرَبَ يدل على شيئين اثنين، ومن شرط التأكيد اللفظي التطابق في المعنى، فلا بد أن يكون المؤكِّد، وهو ضرباً مطابقاً للمعنى الذي دل عليه المؤكَّد وهو ضرَبَ، فحينئذٍ لابد من جعل ضرْباً مؤكِّداً للمصدر الذي دل عليه ضربَ لا لجميع ضرَبَ، فهو مؤكِّد لبعض الفعل العامل، وليس لكله، أما قلنا: الفعل مركب من شيئين زمن ومصدر؟ إذاً ضرباً هذا مؤكِّد للزمن؟ لا، ليس مؤكِّداً للزمن، وإنما هو مؤكِّدٌ للمصدر، إذاً تطابقا أو لا؟ تطابقا، لابد من التأويل، وهذا فقه عجيب. ضربتُ ضرباً، ضرباً نقول: هذا مؤكِّد للمصدر الذي دل عليه ضَربَ لا لمجموع ضَربَ؛ لأننا لو جعلناه مؤكِّداً لمجموع ضرب، وهو مركب من شيئين، لتخالف عندنا المؤكِّد، والمؤكَّد، وهذا فساد، فحينئذٍ نقدر أن ضرباً مؤكِّد للمصدر فنقول: ضربتُ ضرباً، كأنه قال: أحدثتُ ضرباً ضرباً، ضربتُ ضرباً في قوة قولك: أحدثتُ ضرباً ضرباً، فضرباً ضرباً نقول: الثاني هو المؤكِّد، وضرباً الأول هو الذي دل عليه الفعل، إذا أردنا حل الجملة نقول: أحدثت ضرباً ضرباً؛ لأن ضَربَ معناه أحدثت ضرباً، أكلتُ أحدثتُ أكلاً، نمتُ أحدثتُ نوماً .. إلى آخره، فضَربَ أحدثتُ ضرباً ضرباً، جاء مؤكِّداً للمصدر. إذاً توكيد لمعنى عامله أي للمصدر الذي دل عليه العامل. المؤكِّد لعامله: أي لمصدر عامله الذي تضمنه ليتحد المؤكِّد والمؤكَّد، فنجعله مؤكِّداً للمصدر الذي دل عليه العامل، إذ ذالك شرطٌ في التوكيد اللفظي الذي هذا منه، ضربتُ ضرباً نقول: هذا توكيد لفظي. إذاً القسم الأول المفعول المطلق المؤكِّد، هذا نقول: توكيدٌ لفظي، وليس توكيداً معنوياً. فمعنى قولك: ضربتُ ضرباً أحدثتُ ضرباً ضرباً، والمراد إفادته التوكيد من غير بيان نوعٍ أو عدد؛ لأن المراد تأكيد المصدر فحسب، وأما الضرب هذا يتنوع، الضرب منه قبيح منه حسن منه شديد مؤلم، منه ضعيف، منه بين بين، إذاً أنواع هو، وكذلك قد يكون ضربة، وضربتين، وضربات، وعشر ضربات، نقول: هذا المراد بالمؤكِّد هنا اللفظي بيان تأكيد المصدر فحسب بقطع النظر عن نوعه وعدده؛ لأن هذا له قسمان مستقلان. من غير بيان نوعٍ أو عدد، وإلا فالتوكيد لازم للمفعول المطلق مطلقاً، كل الأنواع فيها نوع توكيد، وإن كان لا يقصد، وسمي توكيداً؛ لأنه لم يفد غير ما أفاده الفعل الناصب له. إذاً تَوْكِيدَاً المراد إفادته التوكيد من غير بيان نوعٍ أو عدد.

المؤكِّد إذا جيء به ضربتُ ضرباً، المراد به التوكيد من غير تعرض لعدد أو بيان نوع؛ لأن كلاً منهما قد وضع له قسم مستقل، وإلا فالتوكيد لازم للمفعول المطلق مطلقاً، يعني الأقسام الثلاثة كلها مؤكِّدة، لكن لما تمحض القسم الأول للتوكيد عُنوِن له بهذا العنوان، ولما كان مراعاة بيان النوع في القسم الثاني مع التوكيد جُعل مبيناً للنوع، ولما كان الغالب أو المراد أو المقصد من العدد بيان العدد مع التأكيد، جُعل عنواناً له وترجمةً له، وإلا الثلاثة كلها من المؤكِّدات، لكن المؤكِّد الأول النوع الخاص؛ لأنه تمحض للتأكيد، ولم يأت لبيان عددٍ، ولا بيان نوعٍ، حينئذٍ سمي مؤكِّداً، وإن كان لا يقصد، وسمي توكيداً؛ لأنه لم يفد غير ما أفاده الفعل الناصب له، ضربتُ ضرباً ما زاد شيئاً، أحدثت ضرباً ضرباً لم يزد أي شيء، بخلاف ضربتُ ضرب الأمير، وضربتُ ضربتين، فيه زيادة على ما دل عليه المصدر، أما ضربتُ ضرباً ليس فيه زيادة. والمؤكِّد صورته، أو حقيقته، وضابطه: أن يكون مصدراً منكراً، ضرباً، ضربتُ ضرباً، هذا مصدر منكر، غير مضاف ولا موصوف؛ لأنه لو أضيف أو وصف حينئذٍ تعين، صار فيه نوع تخصيص، وهو المراد به أن يكون اسم جنس مبهم كما سيأتي. سواء كان عامله فعلاً نحو: ضربتُ ضرباً، أم وصفاً نحو: أنا ضاربٌ زيداً ضرباً، ضرباً هذا نقول: مفعول مطلق، والعامل فيه الوصف كما سبق، وسواء كان من مادته كالمثالين السابقين أم كان العامل من مادة مرادف لمادته، -هذا كما ذكرناه-: أعجبني قيامك وقوفاً، وقوفاً نقول: هذا مصدر مفعولٌ مطلق، والعامل فيه السابق. نحو: قعدتُ جلوساً –السابق-، وأنا قاعدٌ جلوساً. تَوْكِيدَاً أوْ نَوْعاً. إذاً تَوْكِيدَاً يبين المصدر إذا ذُكر مع عامله توكيداً، نحو: اضرب ضرباً. أوْ نَوْعَاً يعني أو يبين المصدر نوعاً، يعني بيان نوع العامل؛ لأن العامل يختلف، له أنواع فيما يكون له أنواع، فحينئذٍ يجاء بالمفعول المطلق للدلالة على نوع العامل، ما نوعه؟ نقول: هذا له صور، وصوره عديدة، أشهرها أن يكون مصدراً مضافاً، إذا أُضيف المصدر، حينئذٍ نقول: هذا مُبينٌ للنوع، كالمثال الذي ذكره الناظم: سِرْتُ سَيْرَ ذِي رَشَدٍ، السير يختلف، ذي رشد، وغير الرشد، قال: سِرْتُ سَيْرَ ذِي رَشَدٍ، إذاً خصص العامل، سِرْتُ هذا مطلق، فيه إطلاق، سير ذي رشد وغيره، فلما جاء سَيْرَ ذِي رَشَدْ نقول: هذا بيَّن نوع العامل. إذاً الأول أن يكون مصدراً مضافاً، ومنه المثال الذي ذكره الناظم.

الثاني: أن يكون المصدر مقروناً بـ (أل) سواء كانت (أل) عهدية، أو كانت جنسية دالةً على الكمال: اجتهدتُ الاجتهادَ، الاجتهادَ: هذا مفعول مطلق، و (أل) هذه يحتمل أنها عهدية، يعني اجتهدت الاجتهاد الذي بيني وبينك معهود، إما أنه قوي وإما أنه ضعيف .. إلى آخره، يعني يحتمل، أو: اجتهدت الاجتهاد يعني الاجتهاد الكامل، هذا إذا جعلنا (أل) جنسية للدلالة على الكمال، حينئذٍ في النوعين: العهدية والجنسية، نجعل هنا المصدر مبيناً لنوع العامل؛ لأن اجتهدتُ .. -وهذا الاجتهاد يختلف له صور عديدة جداً-، فإذا قال: الاجتهاد اجتهدتُ الاجتهاد المعهود بيني وبينك إما قوةً، أو ضعفاً، أو توسطاً، حينئذٍ نقول: هذا تخصيص له في بعض أفراده، والذي دل على ذلك (أل) العهدية، وإن كان المراد به كمال الاجتهاد، حينئذٍ نجعل (أل) هذه جنسية دالة على الكمال. ثالثاً: أن يكون المصدر موصوفاً، ضربتُ زيداً ضرباً شديداً، شديداً هذا صفة لـ (ضرباً)؛ لأن الضرب أنواع، فإذا قلت: شديداً، حينئذٍ وصفته، بينت نوع العامل. أن يكون المصدر موصوفاً: ضربت زيداً ضرباً شديداً. الرابع: أن يكون المفعول المطلق وصفاً مضافاً إلى المصدر: رضيتُ عن زيدٍ أجملَ الرِّضا، هنا وصفٌ مضاف إلى الرِّضا، وهو مصدر، وهذا سيأتي أنه من باب النيابة. أن يكون المفعول المطلق وصفاً مضافاً إلى المصدر: رضيتُ عن زيدٍ أجملَ الرِّضا، نقول: أجملَ الرِّضا هذا نائب عن المفعول المطلق، وهو مضاف إلى المصدر، ما نوعه؟ نقول: مبين للنوع. الخامس: أن يكون المفعول المطلق اسم إشارة منعوتاً بمصدرٍ مُحلى بـ (أل): أكرمتُكَ ذلك الإكرامَ، أكرمتُكَ ذلك -ذاك-، ولا يشترط أن يوصف كما سيأتي، فحينئذٍ نقول: ذاك أو ذلك هذا مفعول مطلق، وصف بالمصدر. السادس: أن يكون المصدر نفسه دالاً على نوع من أنواع عامله: رجعتُ القهقرى، رجعتُ، الرجوع هذا يختلف أنواع، والقهقرى هذا مصدر، وهو بنفسه، بلفظه بمعناه بصيغته دال على نوع من أنواع العامل. سرتُ الخبَبَ. السابع: أن يكون المفعول المطلق لفظ (كل)، أو (بعض) مضافاً إلى المصدر ((فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)) [النساء:129] كُلَّ هذا نائب عن المفعول المطلق كما سيأتي، وهو مضاف مصدر، ضربتُ زيداً بعض الضربِ، بعض الضربِ هذا مضاف إلى المصدر. الثامن: أن يكون المفعول المطلق (اسم آلة) للعامل: ضربته سوطاً، الأصل ضربتهُ ضربَ سوطٍ حُذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وانتصب انتصابه، هذه بعضها من النائب، وبعضها مما هو أصل.

إذاً أوْ نَوْعاً يُبِينُ، المراد بالمصدر إذا دل على نوع عامله بوجه من الوجوه إما بإضافة وإما بعلمية، وإما بـ (أل)، وإما بوصف، وإما أي شيء يدل على التخصيص، حينئذٍ نقول: هذا مبين للنوعِ، فالفرق بينه وبين التوكيد، أن التوكيد يأتي مطلقاً هكذا (ضرباً)، لا يتصل به أي شيء لا إضافة، ولا (أل)، ولا .. إلى آخره، كل ما ذكر لا يتصل بهذا المصدر، حينئذٍ نقول: هذا مؤكِّد، ضربت ضرباً، ولذلك قلنا: ضرباً يشترط فيه أن يكون مصدراً منكراً غير مضاف، ولا موصوف، ولا محلىً بـ (أل)، والمبين للنوع، حينئذٍ كل ما اتصل به مما يفيد تخصيص ذلك المصدر، حينئذٍ لو قيل بأنه كل ما أفاد شيئاً من خصائص العامل فهو نوعي. أَوْ عَدَدْ، هذا النوع الثالث، أَوْ عَدَدْ يعني المصدر المسوق مفعولاً مطلقاً لبيان عدد عامله، مثل ما مثل الناظم: سَيْرَتَيْنِ، سِرْتُ سَيْرَتَيْنِ؛ لأن السير قد يختلف، سَيرٌ في أول الليل، سَيرٌ في آخر الليل، سَيرٌ خفيف، سَيرٌ قوي، سَيرُ ذي رشدي، سَيرُ سفيه. إذاً سَيْرَتَيْنِ: يعني مرتين. إذاً المفعول المطلق، قد يكون مبيناً لعدد عامله، يعني: عدد مرات إيقاع العامل، فإن وقع مرة واحدة قال: ضربتُ ضربةً بـ (التاء)، إن وقع مرتين قال: ضربتُ ضربتين، إن وقع مرات ضربت ضربات، إذاً بيَّن عدد وقوع العامل. وهذا يكون في ثلاث صور: أن يكون مصدراً مختوماً بتاء الوحدة، ضربته ضربة. أن يكون مصدراً مختوماًَ بعلامة تثنية أو جمع، ضربته ضربتين أو ضربات، ومنه مثال الناظم. ثالثاً: أن يكون المفعول المطلق اسم عدد مميزاً بمصدر، اسم عدد مثل: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)) [النور:4] ثَمَانِينَ هذا اسم عدد مميز بمصدر، حينئذٍ نقول: هذا نائب عن المفعول المطلق. في هذه الصور الثلاث يُحدَد العددي، كما حُدِّد النوعي في ثماني صور، وأما التوكيدي فليس له إلا صورة واحدة، وهي كونه منكراً غير مضاف ولا موصوف. تَوْكِيدَاً أَوْ نَوْعاً يُبِينُ أَوْ عَدَدْ ... كَسِرْتُ سَيْرَتَيْنِ سَيْرَ ذِي رَشَدْ قال الشارح: المفعول المطلق يقع على ثلاثة أحوال: أن يكون مؤكِّداً، وهو ما جرد عن الوصف وعن الإضافة: ضربت ضرباً، والثاني أن يكون مبيناً للنوع: سِرْتُ سَيْرَ، سير هذا مصدر، والمصدر اسم جنس مبهم، هذا الأصل فيه، اسم جنس مبهم يعني يحتاج إلى تفصيل، وهو يقع على القليل، والكثير كـ: ماء، وعسل، وخل، وزيت، قلنا: هذا اسم جنس إفرادي يقع على القليل والكثير، كذلك اسم الجنس المبهم كضرب يقع على القليل والكثير، تقول: ضرب زيد ضرباً أبهمت، وهذا (ضرباً) يحتمل ضرباً قليلاً كثيراً مرةً مرتين عشراً، مؤلم غير مؤلم، محتمل للكل، فهو اسم جنس مبهم. سرت سيراً حسناً، للوصف. أن يكون مبيناً للعدد، من لفظ المصدر، هذا الأصل فيه: ضربته ضربةً من نفس المصدر، ضربتين ضربات، أما ثمانين جلدة هذا من النائب عن المصدر. إذاً هذه ثلاثة أنواع للمفعول المطلق.

بعضهم قسمه إلى قسمين، قال: مبهم ومختص، نفسها، المبهم هو التوكيدي؛ لأنه اسم جنس مبهم، ووجه الإبهام الاحتمال -غير معين-، ضربت ضرباً قلنا: هذا غير معين، والمختص على قسمين: معدود وغير معدود، المعدود العددي، والغير معدود هو النوعي. وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّ ... كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ قَدْ يَنُوبُ عَنْهُ: عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق. الظاهر من صنيع الناظم هنا رحمه الله، أنه يخص المفعول المطلق بالمصدر؛ لأنه قال: المَفْعُولُ المُطْلَقُ، ثم: اَلْمَصْدَرُ اسْمُ .. إلى آخره، ثم قال: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ، يَنُوبُ عَنْهُ عن المصدر في الانتصاب على أنه مفعول مطلق ما سيذكره، وقَدْ هنا للتحقيق. وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ عن المصدر، يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّ: ما دل عليه، مَا هذه فاعل لينوب. ما دل عليه، على المصدر، دَلّ يعني بمغايرة له في اللفظ، ودال عليه بالمعنى، لا بد أن تكون ثم مغايرة بين الدال والمدلول، إذ لو كان ثم مطابقة لصار عينه هو، ضربت ضرباً، إذاً لا بد أن يغاير المفعول المطلق للمصدر في اللفظ، ولو كانا مصدرين مثل: وَافْرَحِ الْجَذَلْ، الْجَذَلْ هذا مصدر، لكنه ليس مطابقاً لعامله وهو: وَافْرَحِ في المادة، مع كون: الْجَذَلْ هو معنى الفرح، الْجَذَلْ هذا نقول: نائب عن المفعول المطلق مع كونه مصدر، لكنه ليس موافقاً للأول، لعامله في اللفظ والمعنى. وهنا ابن مالك -رحمه الله تعالى- مثل بهذا المثال للنائب، وقد سبق معنا: قعدتُ جلوساً، جلوساً هل هو مفعول مطلق أو لا؟ إن جعلناه مفعولاً مطلقاً، فالجمهور على أنه مفعول مطلق لعامل محذوف من لفظ مذكور: قعدتُ وجلستُ جلوساً، الجمهور على هذا، وعند السيرافي والمازني والمبرِّد أنه منصوب بالفعل المذكور، فحينئذٍ إذا جعلنا من شرط المفعول المطلق، المطابقة للعامل في اللفظ والمعنى، حينئذٍ: وَافْرَحِ الْجَذَلْ ليس بمفعول مطلق، وإنما هو نائب عن المفعول المطلق، وصنيع الناظم هنا يدل على الثاني، أنه نائب وليس بمفعول مطلق، ولذلك قال: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ، ثم قال: وَافْرَحِ الْجَذَلْ مثَّل بهذا النوع، مِثل قعدتُ جلوساً، هو نفسه، قعدتُ جلوساً، جلوساً نائب عن المفعول المطلق؛ لأنه غير مطابق، وَقَدْ قلنا: للتحقيق، يَنُوبُ عَنْهُ: عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق، مَا هذه واقعة على النائب، عَلَيْهِ دَلّ، عَلَيْهِ الضمير يعود على المصدر، ودَلّ هذه صلة مَا، وعَلَيْهِ جار ومجرور متعلق بـ (دَلّ).

وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ أي عن المصدر المتأصل في المفعولية المطلقة، وهو ما كان من لفظ عامله، لا مطلق المصدر، حتى يرد أن المفعول المطلق في وَافْرَحِ الْجَذَلْ مصدر، المراد هنا في النيابة عن المصدر، مصدر ناب عن مصدر، المصدر المتأصل في باب المفعولية المطلقة ما كان موافقاً لعامله في اللفظ والمعنى، هذا هو الأصل، فإن خالف فليس بأصل بل هو نائب عنه، حينئذٍ نقول: القاعدة هنا، الأصل في المفعول المطلق أن يكون من لفظ العامل فيه ومعناه، هذا الأصل؛ فالأصل في المفعول المطلق أن يكون من لفظ العامل فيه ومعناه، نحو ضربت ضرباً، وقد ينوب عنه ما دل عليه من مغاير لفظ العامل فيه، نحو: جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ الذي ذكره الناظم هنا، جِدَّ هذا فعل أمر، كُلَّ الْجِدِّ، كُلَّ هذا لفظ مضاف إلى المصدر، ليس هو مصدر، وإنما اكتسب معنى المصدرية من المضاف إليه؛ لأن كُلَّ هذه باعتبار مضاف إليه، إن أضيفت إلى زمن فهي ظرف زمان، وإن أضيفت إلى مكان فهي ظرف مكان، وإن أضيفت إلى مصدر فهي مصدر، إذاً مصدر بالقوة، إذاً هو في قوة المصدر؛ لأنه ليس من لفظ الفعل. جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، فكلُّ –بالنصب- منصوب على أنه مفعول مطلق، وليس من لفظ جِدَّ، لكنه دال عليه لإضافته إلى لمصدر الذي هو من لفظ الفعل، ومثله وَافْرَحِ الْجَذَلْ، فإن الجذل هو الفرح. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين ... !!!

56

عناصر الدرس * ما يجوز تثنيته وجمعه من أنواع المفعول المطلق (أنواع المفعول المطلق من حيث التثنيه والجمع) ـ * حالات حذف عامل المفول المطلق. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله، والصلاة، والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. قال الناظم رحمه الله تعالى: وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّ ... كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ هذا شروع منه في بيان النائب عن المفعول المطلق، وَقَدْ يَنُوبُ، قَدْ هذا حرف تحقيق، يَنُوبُ فعل مضارع، وعَنْهُ هذا متعلق به، والضمير يعود إلى المصدر، ومَا اسم موصول بمعنى الذي فاعل، ودَلّ عَلَيْهِ، عَلَيْهِ متعلق بـ (دَلّ)، و (دَلّ) هذه جملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، ثم مثل بـ: جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ، وهذا بناءً -كما ذكرنا- أن قوله: عَنْهُ يعني عن المصدر، ثم مثل بمصدر: وَافْرَحِ الْجَذَلْ ناب عنه، إذاً ناب مصدر عن مصدر، وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ: عن المصدر، ثم قال: وَافْرَحِ الْجَذَلْ، إذاً الجذل هذا نائب عن المصدر، وهو مصدر، إذاً ناب مصدر عن مصدر، لأن الأصل في المفعول المطلق أن يكون موافقاً لعامله في اللفظ والمعنى، فإن خالف، بأن وافق في المعنى دون اللفظ، عند ابن مالك -رحمه الله تعالى-: نائب عن المفعول المطلق، وليس بمفعول مطلق. إذاً الأصل في المفعول المطلق، أن يكون من لفظ العامل فيه ومعناه، وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ يعني عن المصدر المتأصل في المفعولية المطلقة، وهو ما كان من لفظ عامله لا مطلق المصدر، حتى يرد أن المفعول المطلق في قوله: افْرَحِ الْجَذَلْ مصدر، هنا ناب مصدر عن مصدر، نعم، وهو مسلم به، لأن المراد بالمصدر الذي نيب عنه، المصدر الموافق لعامله في المعنى واللفظ، والمراد بالمصدر الذي وقع نائباً هنا: ما وافق في المعنى دون اللفظ، ولا شك أن الثاني دون الأول، لا شك أن ما وافق في اللفظ والمعنى أعلى رتبة، وما وافق في المعنى دون اللفظ هذا أدنى، فلا يرد حينئذٍ قوله: افْرَحِ الْجَذَلْ بأنه مصدر. والأصل في المفعول المطلق، أن يكون من لفظ العامل فيه ومعناه نحو: ضربت ضرباً، ضرباً، هذا من لفظ العامل ومعناه. وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ ما دل عليه من مغاير لفظ العامل فيه، ينوب عنه -عن المصدر الموافق للفظ عامله ومعناه- مغاير للفظ عامله، موافق له في معناه، يعني النوع الثاني، وهو: افْرَحِ الْجَذَلْ، نحو: جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، فكُلَّ منصوب على أنه مفعول مطلق، وليس من لفظ جِدَّ، جِدَّ كُلَّ، كُلَّ جِدِّ، إذاً ليس موافقاً له في اللفظ, مع أنه في المعنى موافق له، لماذا وافقه، وهو لفظ كل؟ نقول: كل القاعدة فيها، -وهذا سيأتينا في باب الإضافة إن شاء الله-، القاعدة فيها أن حكمها حكم المضاف إليه، يعني هل هي ظرف؟ هل هي مصدر؟ هل هي اسم زمان؟ نقول: العبرة بالمضاف إليه، إن أضيفت إلى اسم زمان فهي ظرف زمان، إن أضيفت إلى اسم مكان فهي ظرف مكان، إن أضيفت إلى مصدر فهي مصدر. إذاً جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ هذا فيه معنى المصدر، وافق جِدَّ في المعنى دون اللفظ، تقول: كيف وافقه وهو لفظ كل، والأصل فيه أنه ليس مصدر؟ تقول: لإضافته إلى المصدر اكتسب معنى المصدرية، فهو موافق للعامل في المعنى دون اللفظ

فكُلَّ منصوب على أنه مفعول مطلق، وليس من لفظ جِدَّ، لكنه دال عليه لإضافته –انظر- قال: دال عليه، دال على معنى العامل، لإضافته إلى المصدر، الذي هو من لفظ الفعل، ومثله: افْرَحِ الْجَذَلْ، الْجَذَلْ هو الفرح، كأنه قال: افرح الفرح، أو اجذل الجذل، حينئذٍ نقول: هنا وافق عامله في المعنى دون اللفظ، على رأي ابن مالك هذا ليس بمفعول مطلق، وإنما هو نائب عن المفعول المطلق، وعلى رأي الجمهور أن الجذل هذا مفعول مطلق لعامل محذوف من لفظه: افرح واجذل الجذل. إذاً الجذل هذا مثل اضرب ضرباً، حينئذٍ صار مفعولاً مطلقاً، فلا بد من التأويل، أما على جعل الجذل معمولاً لـ: افرح، هنا يرد رأي ابن مالك -رحمه الله تعالى-، هذا على رأي المازني والمبرد. وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّ ... كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ وَافْرَحِ الْجَذَلْ مثل بنوعين، وهو ما أنيب فيه المصدر الموافق للعامل في المعنى دون اللفظ، كالجذل أي: الفرح، وما كان لفظُ كُلَّ مضافاً إلى المصدر، هذان نوعان، ونقول: ينوب عن المصدر ما يدل عليه من الكلية، والبعضية، يعني لفظ كل وما رادفها، ولفظ بعض وما رادفها؛ بشرط إضافتهما إلى المصدر لاكتساب معنى المصدرية من المضاف إليه دون لفظه، كـ: كل، وعامة، وجميع، وبعض، ونصف، وشطر، نقول: هذه كلها إذا أضيفت إلى المصدر، حينئذٍ اكتسبت المصدرية من المضاف إليه، فصح إنابتها عن المفعول المطلق. مضافين إلى المصدر هذا قيد، الكلية والبعضية، كل ما دل على الكلية والبعضية سواء كان لفظ كل، وما رادفه، كـ: عامة وجميع، ولفظ بعض، وما رادفه، كـ: شطر ونصف، بشرط أن يكونا مضافين على المصدر، نحو: كَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، وكقوله تعالى: ((فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)) [النساء:129] الْمَيْلِ ---هذا مصدر، أضيف إليه كل، وضربته بعض الضرب، إذاً الأول والثاني: الكلية والبعضية. الثالث الذي ينوب: المصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور، وهو ما مثل له الناظم بقوله: افْرَحِ الْجَذَلْ، فالجذل هذا مفعول مطلق عند الجمهور، ثم في العامل فيه قولان: سيبويه والجمهور على أنه فعل محذوف من لفظ المصدر: افرح واجذل الجذل، ومذهب المازني والمبرد والسيرافي، على أنه بالعامل المذكور، هذا إذا أعربناه مفعولاً مطلقاً، وبعضهم جعله مفعولاً لأجله، وبعضهم جعل المصدر حالاً بتأويل المشتق، والمشهور هو الأول.

إذاً المصدر المرادف لمصدر العامل نقول: هذا نائب عن المفعول المطلق على رأي ابن مالك -رحمه الله تعالى-، قعدت جلوساً، فجلوساً هذا نائب عن المصدر في باب المفعول المطلق؛ لأنه نائب عن مصدر الفعل الموجود، قعدت قعوداً، هذا الأصل، قعدت قعوداً، لم يأت بـ (قعوداً)، وإنما ناب عنه ما هو من معناه دون لفظه، مرادف له في المعنى دون اللفظ، ومنه: "أحْبَبْتُهُ مِقَةً"، مِقَةً هو بمعنى المحبة، مِقَةً، حينئذٍ نقول: مِقَةً هذا مصدر ومِقَ، فحينئذٍ نقول: هذا نائب مناب المفعول المطلق؛ لأن الأصل أحببته محبة، فلم يأت باللفظ المرادف، باللفظ المطابق لمصدر العامل، وإنما جاء بمرادفه، وَافْرَحِ الْجَذَلْ، فالجلوس نائب مناب القعود لمرادفته له، والجذل نائب مناب الفرح، لمرادفته له في المعنى دون اللفظ. الرابع -ما ينوب مناب المصدر-: اسم الإشارة، نحو ضربته ذلك الضرب، ضربته ذلك، الأصل ضربته الضرب، وهذا سبق معنا أنه من صور المبين للنوع؛ لأنه قال: ضربته الضرب، فأنيب (ذلك) اسم الإشارة مناب الضرب، ثم أبدل أو وصف أو عطف عليه المصدر، وهل هو شرط فيه أم لا؟ محل نزاع، والمشهور: لا، إذاً ضربته ذلك، ذلك نقول: هذا نائب عن المفعول المطلق، الأصل أن يقول: ضربته الضرب؛ لأنه مشار إليه، معرفة، هذا الأصل، ذلك أليس (ذا) من المعارف؟ حل محل الضرب، والضرب هذا مُحلًى بـ (ال)، وهو من المفعول المطلق المبين للنوع. وزعم بعضهم أنه إذا ناب اسم الإشارة مناب المصدر، فلا بد من وصفه بالمصدر كما مثلنا، وفيه نظر، يعني: لا يشترط أن ينصب بالمصدر، فمن أمثلة سيبويه: ظننت ذاك، -ابن عقيل دائماً يحتج بفعل سيبويه فحسب-، ظننت ذاك، ذاك، هذا مفعول مطلق، أين الحجة؟ أي: ظننت ذاك الظن، فذاك إشارة إلى الظن، ولم ينصب به، وهو مذهب الجمهور، مذهب الجمهور أنه لا يشترط، فلو قال: ظننت ذاك، اكتفينا، لو قال: الضرب، حينئذٍ هذا يعتبر من باب التأكيد بالمعنى. الخامس: ينوب عن المصدر ضميره، هذا ذكرناه في: عَلاَمَةُ الْفِعْلِ الْمُعَدَّى أَنْ تَصِلْ ... هَا غَيْرِ مَصْدَرٍ بِهِ نَحْوُ عَمِلْ فإن كانت هاء المصدر قلنا: هذه نائبة عن المفعول المطلق؛ ضربته زيداً، زيداً: هذا بدل من الضمير ضربته زيداً، وليس مفعولاً مطلقاً، المفعول المطلق الضمير، وهذا النائب، ضربته زيداً، زيداً هذا ليس مفعولاً مطلقاً، ليس مفعولاً به بل هو بدل من الضمير، والضمير هذا نقول فيه: نائب عن المفعول المطلق؛ لأنه هاء المصدر، وهاء المصدر هذه لا تدل على أن الفعل متعدي. إذاً ضميره، قال: ينوب عنه ضميره، ضربته زيداً، أي: ضربت الضرب زيداً، ومنه قوله تعالى: ((لا أُعَذِّبُهُ)) [المائدة:115] أي العذاب ((أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)) [المائدة:20]. السادس: ينوب عنه ما دل على العدد: ضربته عشرين ضربة، لكن يشترط فيه أن يكون له مميز مصدر، عشرين ضربة: ((فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)) [النور:4]، أما الثمانين هكذا لا، لا بد من تمييز يكون مصدراً.

السابع: اسم الآلة: ضربته سوطاً أو عصًى، والأصل ضربته ضرب سوط، فحذف المضاف وهو الضرب، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه، فقيل: ضربته سوطاً، وهو مطرد في آلة الفعل دون غيرها، فلا يجوز ضربته خشبة، آلة الفعل يعني الذي يكون آلة، ضربته سوطاً، السوط معروف أنه آلة لكن الخشبة ليست معروفة أنها آلة للضرب، وإنما هو السوط، كذلك ينوب عنه الصفة نحو: سرت أحسن السير، واشتمل الصماء، يعني الشملة الصماء، حذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه، وضربته ضرب الأمير اللص، والأصل ضرباً مثل ضرب الأمير، فحذف الموصوف ثم المضاف، فأقيم المضاف إليه مقامه. تاسعاً: ينوب عنه مشارك له في مادته، يعني: في حروفه، وهذا ثلاثة أقسام: اسم مصدر مثل: اغتسلت غسلاً، غسلاً هذا مشارك له في المادة، لكن ليس من كل وجه، واسم عين، ومصدر لفعل آخر، هذه ثلاثة أشياء: اسم عين، ومصدر لفعل آخر، «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ .. إنباتا»، لكن ما قال: إنباتا .. قال: ((نَبَاتًا))، هذا مثال لاسم المصدر، مثل اغتسلت غسلاً، ((وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا)) [المزمل:8]، الأصل تبتلاً، والأصل إنباتاً وتبتلاً. عاشراً: دال على نوع منه، نحو: قعد القرفصاء، القرفصاء هذا ما ذكرناه أولاً في صورة من صور المبين للنوع، قلنا: إذا دل بلفظه على نوع من أنواع العامل قلنا: هذا مبين للنوع، هنا بين أنه مما ينوب فيه المصدر عن المفعول المطلق، إذ ليس كل مصدر مفعولاً مطلقاً، ليس كل مصدر يكون مفعولاً مطلقاً، قرفصاء هذا اسم عين دال بنفسه على نوع من أنواع الجلوس؛ جلست جلسة القرفصاء، ورجع القهقرى، كذلك هذا اسم دال على نوع من أنواع الرجوع. الحادي عشر: (ما) الاستفهامية، هذه تنوب مناب المفعول المطلق، نحو: ما تضرب زيداً، ما استفهامية، أي: أيَّ ضرب تضربه؟ الثاني عشر: (ما) الشرطية، نحو: ما شئت فاجلس، أي: أيَّ جلوس شئته فاجلس. هذه اثنا عشر مما ينوب عن المصدر المتأصل في باب المفعولية المطلقة، وليس كل مصدر يكون متأصلاً في باب المفعولية المطلقة، وإنما هو خاص بما وافق العامل في اللفظ والمعنى، وأما ما لم يوافقه فهذا محل نزاع، والناظم جعله من النائب، وهو قعدت جلوساً، وافرح الجذل. ثم قال رحمه الله: وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدَا ... وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ وَأَفْرِدَا هذه الثلاثة الأنواع السابقة، منها ما يجوز جمعه وتثنيته باتفاق، ومنها ما يمتنع تثنيته وجمعه باتفاق، ومنها ما فيه خلاف. قال: وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدَا: يعني النوع الأول لذا قال فيه: تَوْكِيداً أوْ نَوْعاً يُبِينُ، النوع الأول: لا يجوز تثنيته ولا جمعه، فلا تقول: ضربت زيداً ضربين ضروباً، لا يثنى ولا يجمع؛ لأنه قائم مقام الفعل، تكرير الفعل؛ كأنه قال: ضربت ضربت، أليس هو مؤكد لأحد جزئي الفعل؟ بلى، حينئذٍ نقول: هو في قوة تكرار الفعل، ضربت ضربت، والفعل لا يثنى ولا يجمع، وهذا محل وفاق، ليس فيه خلاف.

وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ، وحد ما لتوكيد، إذاً مَا هذه في محل نصب مفعول به، لِتَوْكِيدٍ يعني وما سيق من المصادر لِتَوْكِيدٍ، وتَوْكِيدٍ هذا متعلق بمحذوف صلة الموصول، مَا هذه واقعة على المصدر المؤكِّد، لِتَوْكِيدٍ هذا متعلق بمحذوف صلة الموصول، سيق من المصادر، فَوَحِّدْ يعني اجعله واحداً، أَبَدَا: في مدة الأزمنة القادمة، تأبيد للماضي والمستقبل، أَبَدَا، فحينئذٍ لا يثنى ولا يجمع، والعلة ما ذكرناها أنه بمنزلة تكرير الفعل. أيضاً من جهة أخرى أن ضرباً هذا اسم جنس مبهم، واسم الجنس يدل على الحقيقة قلَّت أم كثرت. إذا قيل: ماء هذا اسم جنس إفرادي يعني يدل على الحقيقة قل الماء أو كثر، القطرة تقول: هذا ماء، تأتي عند النهر تقول: هذا ماء، عند البحر تقول: هذا ماء. إذاً لفظ واحد صدق على القليل والكثير، الضرب أياً كان نوعه تقول: هذا ضرب هذا ضرب، إذاً اسم جنس مبهم. إذا كانت الحقيقة شيئاً واحداً، حينئذٍ هل يوجد فرد آخر من أجل أن يضم إليها فيثنى؟ لا يوجد، إذاً يمتنع وجود فرد آخر، وشرط التثنية والجمع، أن يكون لمتعدد، لشيء موجود في الخارج، له وجود في الخارج، وأن يكون له مرادف في اللفظ، زيد وزيد، هذا زيد موجود وهذا موجود، إذاً فردان، فقلت: الزيدان، زيد وزيد وزيد قلت: الزيدون، إذاً الأفراد موجودة، أما ضرب المراد به اسم الجنس –الحقيقة-، والحقيقة شيء واحد سواء كانت في الذهن أو في الخارج في ضمن أفرادها، حينئذٍ هذه لا تقبل التعدد، قلنا: الكلي وجوده وجود ذهني، ولا يقبل التعدد، وإنما التعدد يكون باعتبار الآحاد والأفراد، ووجود الآحاد والأفراد إنما يكون في خارج الذهن لا في داخل الذهن. إذاً يمتنع تثنية المصدر المؤكِّد وجمعه لسببين: أولاً: أنه بمنزلة تكرير الفعل ضربت ضربت، والفعل لا يكرر .. لا يثنى، ولا يجمع. ثانياً: ضرباً المصدر المؤكِّد هذا اسم جنس مبهم، وهو دال على الحقيقة، وما دل على الحقيقة فهو شيء واحد لا يقبل التعدد فليس ثَمَّ فرد آخر نحتاج إلى ضمه إلى هذا الفرد فنثنيه أو نجمعه. وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ .. وَثَنِّ وَاجْمَعْ إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ ... قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ ثَنِّ غيره، وَاجْمَعْ غيره، أعملنا الثاني أو الأول؟ لو أعمل الأول ثَنِّ غَيْرَهُ وجب أن يضمر في الثاني عند جمهور البصريين، لو أعمل الأول وَثَنِّ غَيْرَهُ، غيره مفعول به لـ ثَنِّ، وجب الإضمار في الثاني، وهو وَاجْمَعْ، وجب الإضمار في الثاني وهو: وَاجْمَعْ، هنا لم يضمر، دل على أنه أعمل الثاني، ولم يعمل الأول، حينئذٍ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ، غَيْرَهُ هذا مفعول لـ َاجْمَعْ، وَثَنِّ هذا وجب حذفه: وَلاَ تَجِىءْ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلاَ ... بَلْ حَذْفَهُ الْزَمْ سواء قلنا حذفه ابتداء أم أتينا به ثم حذفناه، بعضهم يقول: تضمر فيه أولاً ثم تحذفه، وهذا أو ذاك، المهم النتيجة أنه يجب حذفه. إذاً وَثَنِّ غيره، المصدر المؤكِّد، وَاجْمَعْ غير المؤكِّد هذا يصدق غيره -غير المؤكد شيئان-؛ لأن القسمة ثلاثية، إن لم يكن مؤكِّداً فهو إما نوعي وإما عددي.

إذاً على كلام الناظم أنه يثنى ويجمع العددي فتقول: ضربت ضربتين وضربات، ثنيت وجمعت، وهذا محل وفاق أنه جائز، والثاني: النوعي هل يثنى ويجمع؟ هذا محل خلاف، المشهور جوازه، وظاهر كلام سيبويه المنع، والصحيح جوازه قال تعالى: ((وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)) [الأحزاب:10] جُمع أو لا؟ الظُّنُونَ جاء بـ (أل) هذا مبين للنوع؛ لأن المحلى بـ (أل)، دائماً المصدر محلى بـ (أل) مبين للنوع، وهنا جمع باعتبار آحاده، حينئذٍ الظن يختلف، فلما اختلف وله أحاد وأفراد جُمع «وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ» المختلفة الممنوعة يعني، هذا يظن كذا، وهذا الآخر يظن، حينئذٍ نقول: هذه ظنون ((وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)) [الأحزاب:10] فلما جاء في القرآن، وجب أن نقول أنه جائز، وهو قول الجمهور أنه يثنى ويجمع، ولو خالف سيبويه في هذا. وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ يعني غير المؤكِّد. وَأَفْرِدَا: و (أفردن) نون التوكيد الخفيفة، وَأَفْرِدَا لماذا قال: وَأَفْرِدَا وهو معلوم أنه مفرد؟ تحصيل حاصل تتمة للبيت؟ لئلا يُتوهم أن الإفراد خاص بالمؤكِّد؛ لأنه قال: وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ –أفرد- وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ .. لو سكت لُتوهم أن غير المؤكِّد لا يُفرد، بل لا يكون إلا مثنًى أو جمعاً. وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدَا، إذاً أفرد المؤكِّد، وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ مفهومه: أن غير المؤكِّد لا يفرد؛ دفعاً لهذا الوهم قال: وَأَفْرِدَا على الأصل، فنص عليه دفعاً لما يتوهم. فـ أَفْرِدَا نص عليه وهو الأصل، دفع لما قد يتوهم أنه لا يجوز إفراده، بل الصواب أنه على الأصل. قال الشارح: لا يجوز تثنية المصدر المؤكِّد لعامله ولا جمع، بل يجب إفراده، ضربت ضرباً، وذلك لأنه بمثابة تكرر الفعل: ضربت ضربت، والفعل لا يثنى ولا يجمع، وأما غير المؤكِّد وهو المبين للعدد والنوع فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه، فأما المبين للعدد فلا خلاف في جواز تثنيته وجمعه، وبعضهم خصه بالمختوم بتاء الوحدة ضربت ضربتين ضربات، مختوم بتاء الوحدة هذا مشهور ضربت ضربتين وضربات؛ لأنه كتمرة وكلمة، وأما المبين للنوع فالمشهور أنه يجوز تثنيته وجمعه إذا اختلفت أنواعه. لا بد من اختلاف الأنواع؛ لأنه إذا كان نوعاً واحداً يجمع بأي سبب؟ ويثنى بأي سبب؟ لا بد من الاختلاف، نحو سرت سيري زيدٍ الحسنَ والقبيحَ، (سيري زيد) ثنَّاه باعتبار أن زيداً له سيرين قبيح وحسن، والآية واضحة وبينة ((وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)) [الأحزاب:10]، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياساً، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا اختيار الشلوبين، والمشهور الجواز وهو أولى للآية السابقة. وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ ... وَفِي سِوَاهُ لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ عامل المصدر على ثلاثة أقسام: الأول: ممتنع الحذف، لا يجوز حذفه يجب ذكره. الثاني: جائز الحذف. الثالث: واجب الحذف. من هذه الأبيات إلى آخر الباب، سيتحدث عن عامل المصدر. انتهينا من المصدر .. من المفعول المطلق، والكلام عن المفعول المطلق قصير عند النحاة.

إذاً العامل المؤكِّد قال: وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ، وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ -عامل المصدر المؤكِّد- امْتَنَعْ يعني لا يجوز حذفه، بل يجب ذكره، قيل: لأنه إنما جيء به لتقوية عامله، وتقرير معناه، جيء به لتقرير العامل، ثم يحذف العامل؟ هل هذا مقبول؟ هذا ليس مقبولاً، جيء به من أجل تقوية العامل: ضربت ضرباً، جئنا بـ ضرباً من أجل ضربت ثم نحذفه؛ لأنه إنما جيء به لتقوية عامله وتقرير معناه، والحذف ينافي ذلك، فوجب ذكره، وَحَذْفُ عَامِلِ –المصدر- الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ، وكذا يمتنع تأخيره عن مؤكِّده، بخلاف عامل النوعي والعددي فلا يمتنع تأخيره عنهما، يعني هل يجوز أن يتقدم المؤِّكد على العامل؟ الجواب: لا، لا يحذف ولا يتأخر عن المصدر المؤكِّد، بخلاف النوعي والعددي يجوز تقديمه ويجوز تأخيره. وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ ... وَفِي سِوَاهُ سوى حَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ وهو عامل النوعي والعددي لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ متسع لدليل. وَفِي سِوَاهُ: يعني في غيره، يعني حذف عامل سواه، سوى المؤكِّد، لِدَلِيلٍ هذا جار ومجرور متعلق بـ مُتَّسَعْ، لدليل عليه، مُتَّسَعْ، مُتَّسَعْ هذا اسم مفعول بمعنى المصدر، فهو اسم مصدر أي اتساع، لكن بقيد لِدَلِيلٍ للقاعدة العامة، أن ما جاز حذفه، لا بد وأن يكون ثَمَّ قرينة تدل عليه بعد الحذف وإلا فالمنع. لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ هذا عند الجميع، جائز، يجوز حذف عامل العددي وعامل النوعي، وَفِي سِوَاهُ لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ. قال رحمه الله: المصدر المؤكِّد لا يجوز حذف عامله؛ لأنه مسوق لتقرير عامله وتقويته، والحذف مناف لذلك، يعني لدفع المجاز عنه، لكون المجاز لا يؤكَّد، على المشهور، جوزه بعضهم، لكن المشهور أن المجاز لا يؤكَّد، وإنما يؤكَّد الحقيقة؛ لأنها هي التي يرد فيها الاحتمال، وأما غير المؤكِّد فيحذف عامله بالدلالة عليه، يعني دلالته على معنى زائد على العامل؛ لأن المصدر المؤكِّد هنا ليس فيه معنًى زائداً على معنى عامله، ضربت ضرباً، ضرباً ليس فيه معنًى زائداً على معنى العامل، أما ضربت ضرباً شديداً هذا فيه معنًى زائداً على معنى عامله فجاز حذف العامل، ضربت زيداً ضربتين أو ضربات نقول: ضربتين أو ضربات، هذا فيه زيادة على معنى العامل، وهو وقوع الضرب أصلاً ثم عدد الضرب، ضربتين أو ضربات فأقل الجمع ثلاثة، فحينئذٍ فيه معنى العامل وزيادة، بخلاف المؤكد ليس فيه إلا معنى العامل ليس فيه زيادة، ولذلك امتنع في الأول المؤكِّد، ولم يمتنع في الثاني، وأما غير المؤكد فيحذف عامله للدلالة عليه، ثم هذا الحذف قد يكون جوازاً، وقد يكون وجوباً، كأن تقول لمن قدم: قدوماً مباركاً يعني: قدمت قدوماً مباركاً .. حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، نقول: هذا مفعول مطلق عامله محذوف مبين للنوع، هل يجوز حذف عامله؟ نقول: نعم قرينة، وما هي القرينة هنا؟ ما نوعها؟ حالية؛ يعني: هو الآن قادم للحج، حال قلت: حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً قبولاً، حينئذٍ تقول: هذا بقرينة الحال جاز حذف العامل.

كذلك إذا قيل: ما جلست؟ تقول: بلى جلوساً طويلاً، بلى جلستين، نقول: هذا كله لوقوعه في جواب سؤال، وكل ما وقع في جواب سؤال، حينئذٍ نقول: يجوز حذف العامل. قال: وجاز حذف العامل فيما ذكر، لدلالة المصدر على معنًى زائدٍ على معنى العامل، دلالة المبين للنوع والعدد على معنًى زائدٍ على معنى العامل، فأشبه المفعول به فجاز حذف عامله، إذاً حصل له شبه بالمفعول به؛ لأن المفعول به لا يدل على مطلق ما دل عليه العامل، وإنما هو محل لوقوع الحدث، فالمحذوف جوازاً مثل له، ثم قال: وقول المصنف -ابن الناظم اعترض والده قال: هذا سهو، قوله: وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ سهو منه-، ابن الناظم قالوا: وعق أباه في شرح ألفيته، هكذا قيل، اعترضه، أشد الناس على صاحب الألفية ابنه رحمه الله، وهو بياني ونحوي على مستوى، فقالوا: عق أباه -في شرح الألفية-. قال: قوله: وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ سهو منه؛ لماذا؟ -هو سهو منه هو نفسه ابن الناظم، وليس سهواً من ابن مالك رحمه الله، وإنما هو الذي سها-، ضرباً زيداً قال: ضرباً زيداً، إذا قيل: بأن حذف عامل المؤكد ممتنع، ونحن نقول: ضرباً زيداً ((فَضَرْبَ الرِّقَابِ)) [محمد:4] ضرباً زيداً أي: اضرب ضرباً زيداً، فهو مؤكِّد له، وهو محذوف، فكيف تقول: أنه يمتنع حَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ؟ قولك: ضرباً زيداً مصدر مؤكد، وعامله محذوف وجوباً كما سيأتي، قال ابن عقيل: ليس بصحيح، يعني قول ابن الناظم في الحكم على الشطر الأول بأنه سهو منه ليس بصحيح، وما استدل به وهم منه، لأن ضرباً هذا ليس مصدراً مؤكِّداً لعامل محذوف، بل مصدر أنيب مناب العامل، ففرق بينهما كما بين السماء والأرض، ضرباً نقول: هذا مصدر أنيب مناب العامل، وليس هو مؤكداً حتى نقول: الأصل اضرب ضرباً. قال ابن عقيل في الرد عليه: وما استدل به على دعواه من وجوب حذف عامل المؤكد بما سيأتي ليس منه، وذلك لأن ضرباً زيداً ليس من التأكيد في شيء، بل هو أمر خال من التأكيد، ليس من باب التأكيد، بمثابة اضرب زيداً، كأنه قال: اضرب زيداً، حذف اضرب ثم أقيم المصدر مقامه، أين التأكيد؟ ليس فيه تأكيد، وإنما ناب مصدر عن فعله، وهذا لا إشكال فيه، فليس فيه تأكيد؛ لأنه واقع موقعه، فكما أن اضرب زيداً لا تأكيد فيه، كذلك ضرباً زيداً، وكذلك جميع الأمثلة التي ذكرها ليست من باب التأكيد في شيء؛ لأن المصدر فيها نائب مناب العامل، دال على ما يدل عليه، وهو عوض عنه، ولذلك نقول: لا يجوز ذكره؛ لأن ضرباً عوضاً عن اضرب، ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه، ويدل على ذلك عدم جواز الجمع بينهما، ولو قيل بأن: ضربت ضرباً يجوز حذف العامل، حينئذٍ هل يمتنع أن يجتمع معه؟ لا يمتنع، لو قلنا: يجوز ضربت ضرباً، فهل تقول: ضرباً -حُذف عامله-؟ نقول: أنت مخير بين أن تقول: ضربت ضرباً، وبين أن تقول: ضرباً، ولا يمنع من الجمع بين العامل والمعمول، المصدر المؤكد، لكن في هذا المقام ضرباً زيداً لا يصح، فدل على المغايرة بينهما، إذاً تلك مسألة وهذه مسألة أخرى.

ويدل على ذلك عدم جواز الجمع بينهما، ولا شيء من المؤكِّدات يمتنع الجمع بينها وبين المؤكَّد، ومما يدل أيضاً على أن ضرباً زيداً ونحوه ليس من المصدر المؤكِّد لعامله، أن المصدر المؤكِّد لا خلاف في أنه لا يعمل، ضربت ضرباً لا يعمل في ما بعده، وهذا الذي معنا هنا ضرباً زيداً، زيداً الصحيح أنه معمول لـ ضرباً المصدر؛ الصحيح أنه معمول له. واختلفوا في المصدر الواقع موقع الفعل، هل يعمل أو لا؟ والصحيح أنه يعمل، فزيداً في قولك: ضرباً زيداً منصوب بـ (ضرباً) على الأصح، وقيل أنه منصوب بالفعل المحذوف وهو اضرب، حينئذٍ ناب عنه في الدلالة على المعنى والعمل معاً، وإذا قيل: بأنه عمل فيما بعده، في المعنى فحسب، اضرب ضرباً زيداً، حذفنا اضرب، ناب عنه ضرباً في المعنى فقط أو في المعنى والعمل؟ ينبني على القول بجواز إعماله أو لا، إن قلنا: يجوز إعماله، فحينئذٍ ناب مناب الفعل في المعنى فحسب، وإن قلنا: لا، لا يجوز إعماله، حينئذٍ ناب منابه في العمل والمعنى معاً، هذا مراده. إذاً قول ابن الناظم: أنه سهو، سهو منه هو .. وَفِي سِوَاهُ لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ. ثم قال رحمه الله: وَالْحَذْفُ حَتْمٌ مَعَ آتٍ بَدَلاَ ... مِنْ فِعْلِهِ كَنَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاَ هذا شروع في القسم الثالث، وهو ما يجب حذفه، أشار إلى القسم الأول، وهو ما يمتنع حذفه بقوله: وَحَذْفُ عَامِلِ الْمُؤَكِّدِ امْتَنَعْ، وأشار إلى القسم الثاني، وهو ما يجوز حذفه بقوله: وَفِي سِوَاهُ لِدَلِيلٍ مُتَّسَعْ، ثم قال: وَالْحَذْفُ حَتْمٌ، هذا النوع الذي يجب فيه حذف عامل المصدر، يعني يجب حذف عامل المصدر في ستة مواضع، سيذكرها الناظم كلها في الأبيات القادمة. الموضع الأول: أشار إليه بقوله: وَالْحَذْفُ حَتْمٌ مَعَ آتٍ بَدَلاً ** مِنْ فِعْلِهِ .. وَالْحَذْفُ مبتدأ، وحَتْمٌ هذا خبر، يعني الحذف واجب، متى؟ مَعَ آتٍ بَدَلاً، والحذف للعامل حتم مع آت بدلاً، مَعَ هذا ظرف متعلق بقوله: حَتْمٌ. مَعَ آتٍ: مَعَ مضاف، وآتٍ مضاف إليه. بَدَلاَ حال من الضمير المستتر في آتٍ، آت حال كونه بدلاً من فعله. مِنْ فِعْلِهِ جار ومجرور متعلق بقوله: بَدَلاَ. وهذا يقع على نوعين: سماعي وقياسي، بمعنى أنه إذا أنيب المصدر عن العامل، وجب حذف العامل، آتٍ بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ إذا جاء المصدر قائماً مقام الفعل، حينئذٍ نقول: هذا المصدر قد عوض به عن الفعل، فصار الفعل معوضاً عنه، فلا يجوز الجمع بينهما، فيجب حذف العامل. قد يقام المصدر مقام فعله فيمتنع ذكره معه، وهذا نوعان: الأول: ما لا فعل له، نحو ويل زيد، هذا منصوب على المفعولية ولا فعل له، ليس له فعل، ويل كلمة تهديد، وويحه بالنصب على المفعولية، فيقدر له عامل من معناه، نحو قعدت جلوساً، مثل جاوزت زيداً مررت به، يقدر له فعل من معنى العامل.

الثاني: ما له فعل، وهو نوعان: إما أن يكون واقعاً في الطلب، وإما أن يكون واقعاً في الخبر، واقعاً في الطلب، وهو ما ذكره هنا: كَنَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاَ، وهذا يشمل، يكون مقيساً في الأمر والنهي والدعاء، وبعد الاستفهام المقصود به التوبيخ، أربعة مواضع، ذكرها ابن عقيل في الشرح: الأمر والنهي والدعاء والاستفهام المقصود به التوبيخ، هذه في الطلب، وهي أربعة أنواع. وأما الخبر فهذا سماعي قليل، وهو الذي ذكره الناظم في الأبيات الآتية. إذا قوله: مَعَ آتٍ بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ سماعاً وقياساً، سماعاً في ألفاظ محفوظة، وقياساً في الأربعة الأمور المذكورة: الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام الذي يراد به التوبيخ، وما عداه فهو سماعي. إذاً نقول: ما له فعل، الذي له فعل قسمان: واقع في الطلب، وهو الوارد دعاءً: سقياً، ورعياً، وكيَّاً، وجدعاً، هذه كلها دعاء إما له وإما عليه، هذه نقول: مفعول مطلق حذف عاملها وجوباً. أو أمراً ونهياً، أو مقروناً باستفهام توبيخي، سيأتي أمثلتها في الشرح. وواقع في الخبر -النوع الثاني- قلنا: الأول واقع في الطلب، والثاني واقع في الخبر، وذلك في مسائل أحدها مصادر مسموعة كثر استعمالها، ودلت القرائن على عواملها، هذا سماعي يحفظ، ولا يقاس عليه، كقولهم عند تذكر نعمة وشدة: حمداً وشكراً لا كفراً، نقول: هذه تحفظ، ولا يقاس عليها، عواملها محذوفة وجوباً، وصبراً لا جزعاً، وعند ظهور أمر معجب: عجباً نقول: هذا منصوب على المفعولية المطلقة، وعامله محذوفٌ وجوباً، وعند خطاب مرضي عنه أو مغضوب عليه: أفعله وكرامة، أفعله -يعني أنا- وكرامة، ولا أفعله ولا كيداً ولا هماً. ثانيها أن يكون تفصيلاً لعاقبة، وهو الذي سيذكره الناظم -رحمه الله تعالى-. إذاً الأول سماعي الواقع في الخبر، والثاني ما سيذكره الناظم، وهو قوله: تفصيلاً .. إلى آخره. قال الشارح: يحذف عامل المصدر وجوباً في مواضع منها: إذا وقع المصدر بدلاً من فعله، وهذا الذي عنون له بقوله: مَعَ آتٍ بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ، وهو مقيس في الأمر، هذا الأول، والنهي، هذا الثاني، والدعاء، هذا الثالث، والمصدر الواقع بعد الاستفهام المقصود به التوبيخ. إذا ناب مصدر عن فعل في باب الأمر قلنا: هذا واجب حذف عامله، لو قال: قياماً لا قعوداً، قياماً يعني قم قياماً، قياماً نقول: هذا مصدر ناب مناب فعله، وهو قم، حينئذٍ صار واجب الحذف؛ لأن قياماً قد عوض عنه، ولا يجمع بينهما، لا يجمع بين العوض والمعوض، لا قعوداً، لا تقعد، قعوداً هذا في باب النهي، والدعاء نحو سقياً لك، أي: سقاك الله، وراعياً لك، وجدعاً لك، وكياً لك، هذه كلها مصادر محذوفة العوامل، يجب حذفها؛ لأنها عوض عنها، ومنه ((فَضَرْبَ الرِّقَابِ)) [محمد:4] أي: اضربه ضرب الرقاب نقول: هذا واجب الحذف، هذا الأول والثاني والثالث.

وكذلك يحذف عامل المصدر وجوباً إذا وقع المصدر بعد الاستفهام المقصود به التوبيخ؛ أتَوَانِياً وَقَدْ علاك المَشِيبُ؟ أتتوانى وقد علاك المشيب، أتَوَانِياً نقول هنا: مصدر (توانياً) وقع بعد استفهام، والمراد بالاستفهام التوبيخ، من المعنى أتَوَانِياً وَقَدْ علاك المَشِيبُ؟ أتتوانى، يعني: تتأخر عن الطاعة مثلاً، وقد علاك المشيب، ومثلك يتقدم، نقول: هذا استفهام مقصود به التوبيخ. ويقل حذف عامل المصدر وإقامة المصدر مقامه في الفعل المقصود به الخبر، هذا قليل إلا ما ذكره الناظم فيما سيأتي من أبيات، أفعل وكرامة، يعني: أكرمك كرامة، فالمصدر في هذه الأمثلة كلها، في الدعاء وغيره منصوب بفعل محذوف وجوباً، والمصدر نائب منابه في الدلالة على معناه. إذاً وَالْحَذْفُ حَتْمٌ يعني واجب لعامل المصدر، منه: مَعَ آتٍ بَدَلاً، مع مصدر آتٍ بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ؛ لأنه لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل منه، إذاً قوله: بَدَلاً أشار إلى علة وجوب حذف العامل، قوله: بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ فيه إشارة إلى علة وجوب حذف العامل، وهو أنه بدل عنه، والبدل لا يجمع مع المبدل منه، ثم هو على نوعين كما ذكرناه. وذلك: كَنَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاَ، اللَّذْ لغة في الذي، وهو صفة لسابقه، كَانْدُلاَ قصد لفظه، هذا فعل أمر مؤكَّد، والنون هذه نون التوكيد، أشار به إلى قول القائل: فَنَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ نَدْلَ الثَّعَالِبِ، نَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ، نَدْلاً هذا مصدر أنيب مناب الفعل في الأمر، اندل ندلاً، نَدْلاً نقول: هذا مصدر أقيم مقام عامله فوجب حذفه؛ لأنه بدل عنه، فَنَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ، زُرَيْقُ: يا زريق، هذا اسم رجل، والمال هذا مفعول به لـ (ندلاً) اندل ندلاً، إن قلنا أنه هو العامل، وإذا ناب عن عامله في المعنى دون العمل، حينئذٍ صار منصوباً بالعامل المحذوف، مثل ضرباً زيداً، زيداًَ هذا دائماً نقول: هذا معمول لضرباً، حينئذٍ يكون ضرباً ناب عن فعله في المعنى والعمل، وإما أن يكون منصوباً، -وهذا الصحيح-، بـ (اضرب) المحذوف، وحينئذٍ ضرباً ناب عن فعله في المعنى دون العمل فحسب، هذا مثله، فندلاً المال، المال أن يكون منصوباً بندلاً، فندلاً حينئذٍ ناب مناب الفعل في المعنى والعمل، وإما أن يكون منصوباً بالفعل العامل المحذوف، أندل -فهو فعل أمر- المال، حينئذٍ ندلاً هذا ناب مناب الفعل في المعنى دون العمل. قال ابن عقيل: فندلاً نائب مناب فعل الأمر وهو اندل، والندل هو الخطف، خطف الشيء بسرعة، وزريق منادى، أصلها يا زريق، وزريق اسم رجل، وأجاز المصنف أن يكون مرفوعاً بـ ندلاً، وهذا فيه نظر؛ لأن اندل فعل أمر، وفعل الأمر لا يرفع اسماً ظاهراً، قم زيدٌ لا يصح هذا، قم يا زيدُ، وإذا حذفت يا النداء قلت: قم زيد، زيد هذا منادى، وحرف النداء محذوف، ولا يمكن أن يكون مرفوعاً بالفعل المذكور؛ لأنه فعل أمر، وفعل الأمر لا يرفع اسماً ظاهراً.

قال هنا: وأجاز المصنف أن يكون مرفوعاً بندلاً، وفيه نظر؛ لأنه إن جعل ندلاً نائباً مناب فعل الأمر للمخاطب، والتقدير اندل، لم يصح أن يكون مرفوعاً به؛ لأن فعل الأمر إذا كان للمخاطب لا يرفع ظاهراً، فكذلك ما ناب منابه، وإن جُعِل نائباً مناب فعل الأمر للغائب ليندل، والتقدير: ليندل، صح أن يكون مرفوعاً به، لكن المنقول أن المصدر لا ينوب مناب فعل الأمر الغائب، وإنما المخاطب فحسب، وإنما ينوب مناب فعل أمر المخاطب نحو ضرباً زيداً، أي اضرب زيداً. إذاً وَالْحَذْفُ حَتْمٌ -واجبٌ- مَعَ آتٍ بَدَلاً مِنْ فِعْلِهِ يعني مع المصدر الذي جاء نائباً مناب الفعل، كَنَدْلاً في قول القائل: نَدْلاً زُرَيْقُ المَالَ. اللَّذْ كَانْدُلاً: الذي مثل كَانْدُل، نَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاً، الألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، ما العبارة هذه: كَنَدْلاً اللَّذْ كَانْدُلاً؟ ما مراده؟ كَنَدْلاً هو أراد مثال أراد البيت، كَنَدْلاً الذي نطق به في البيت، كَنَدْلاً المصدر الذي أقيم مقام الفعل، ثم صرح، قال: اللَّذْ، المصدر الذي كَانْدُلاً، يعني مثل كَـ انْدُل، وهو فعل أمر مثله، قام مقامه، في المعنى والعمل، أو في المعنى فحسب؟ على الخلاف المذكور. إذاً كَانْدُلاً نقول: هذا المراد به فعل الأمر، ونَدْلاً المراد به المصدر، كَنَدْلاً المصدر الذي جاء في البيت، اللَّذْ الذي، كَانْدُلاً قصد لفظه، فالكاف هذه داخلة على الاسم. وَمَا لِتَفْصِيلٍ كَإمَّا مَنَّا ... عَامِلُهُ يُحْذَفُ حَيْثُ عَنَّا هذا الموضع الثاني، -كلها تعداد أمثله-، الموضع الثاني الذي يجب فيه حذف العامل، وهو ما كان كقوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) [محمد:4] فَإِمَّا مَنًّا، منًّا هذا مفعول مطلق، فإما تمنون منًّا، وَإِمَّا فِدَاءً وإما تفدون فِدَاءً، في مثل هذا التفصيل إذا جاء المصدر حينئذٍ يكون عامله محذوفاً وجوباً، بشرط أن يكون مسبوقاً بجملة -لا مفرد-، ثم أن يكون تفصيلاً لعاقبة ما تقدمه يعني أثر، ((حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ))، يعني: إذا أكثرتم فيهم القتلى ((فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا)) [محمد:4] فَشُدُّوا الْوَثَاقَ يعني الأسر، ((فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) إذاً المن والفداء تفصيل لقوله: ((فَشُدُّوا الْوَثَاقَ))، ((فَشُدُّوا الْوَثَاقَ)) جملة متقدمة، وأريد ما بعدها بالتفصيل، هذه ثلاثة شروط: أن يقع للتفصيل؛ لا بد من التفصيل، أن يكون بعد جملة لا مفرد، أن تكون الجملة متقدمة لا متأخرة، إن انتفت هذه الشروط الثلاثة حينئذٍ نقول: ليس من هذا الباب.

وَمَا لِتَفْصِيلٍ كَإمَّا مَنَّا، وَمَا لِتَفْصِيلٍ، والذي سيق من المصادر لِتَفْصِيلٍ لعاقبة ما قبله، وهي الفائدة المترتبة على ما قبله، والحاصلة بعده كقوله: إمَّا مَنَّا إشارة إلى الآية السابقة، عَامِلُهُ هذا مبتدأ ثاني، يُحْذَفُ هذا خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، وهو قوله: والذي لتفصيلٍ، حَيْثُ عَنَّا هذا متعلق بـ (يُحْذَفُ)، عَنَّا الألف للإطلاق، بمعنى عرض، ولكن يشترط فيه ما ذكر في الآية إذاً والذي، هذا عطف على وجوب حذف عامل المصدر، الذي جاء للتفصيل، يعني أن المصدر إذا أتي به في تفصيل، وجب حذف عامله، إذا وقع تفصيلاً لعاقبة ما تقدمه، هذا الشرط الأول، والشرط الثاني أن يكون جملة لا مفرداً، لِزيداً سفر، فإما صحةٌ وإما اغتنامُ مالٍ -بالرفع وليس بالنصب- كقوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) [محمد:4] فـ مَنَّا وفِدَاءً مصدران منصوبان بفعل محذوف وجوباً، والتقدير -والله أعلم- فإما تمنون مَنَّا، وإما تفدون فِدَاءً، وهذا معنى قوله: وَمَا لِتَفْصِيلٍ أي: يحذف عامل المصدر المسوق للتفصيل، حَيْثُ عَنَّا أي عرض، إذاً لا بد من توفر الشروط الثلاثة: أن تكون الجملة متقدمة لا متأخرة، وأن تكون جملة، ثم أن يكون الكلام الذي جاء بعد الجملة للتفصيل لعاقبة ما حصل وسبق، فهذا المراد بالموضع الثاني: وَمَا لِتَفْصِيلٍ يعني والذي سيق من المصادر لتفصيل، لِتَفْصِيلٍ هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والذي سيق من المصادر، لِتَفْصِيلٍ يعني لتفصيل عاقبة ما سبق، كَإمَّا مَنَّا: كَإمَّا هذا حال من الضمير المستتر في سيق الذي قدرناه صلة الموصول، كَإمَّا حال منه، كـ ((إِمَّا مَنًّا بَعْدُ)) [محمد:4] مَنًّا هذا مفعول مطلق، -نعربه حتى المثال هنا-، عَامِلُهُ يُحْذَفُ: مبتدأ وخبر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول، يُحْذَفُ حَيْثُ عَنَّا من باب التكميل، حيث عرض، حيث جاء، حيث ثبت، يحذف العامل وجوباً، لما ذكر من أنه بدل من اللفظ بعامله، والتقدير كما ذكرناه سابقاً. ثم قال: كَذَا مُكَرَّرٌ وَذُو حَصْرٍ وَرَدْ ... نَائِبَ فِعْلٍ لاِسْمِ عَيْنٍ اسْتَنَدْ

الموضع الثالث، وبعضهم قال: الرابع، كَذَا مُكَرَّرٌ، مكرر كذا، يعني: مصدر مكرر، كَذَا، مُكَرَّرٌ مبتدأ مؤخر، مُكَرَّرٌ كَذَا، كَذَا أي في الحكم السابق بكونه واجب الحذف، وَالْحَذْفُ حَتْمٌ .. كَذَا مُكَرَّرٌ، ورد نائب فعل مسند إلى اسم عين، وَرَدَ هذا المصدر المكرر، ورد نائب فعل. إذاً الكلام الآن في كل مصدر ناب مناب الفعل. قلنا: الخبري إما سماعي وإما قياسي، السماعي ما ذكرناه أولاً، أفعل وكرامة، والقياسي ما بدأ به بقوله: وَمَا لِتَفْصِيلٍ، وهذا منه، وهو أن يكون المصدر مكرراً، وهذا التكرار للمصدر أن يكون المصدر قد ناب عن فعل، هذا الفعل وقع خبراً، خبراً عن مبتدأ اسم عين، المبتدأ قلنا: قد يكون اسم عين، وقد يكون اسم معنى، جوهر ومعنىً –عرض-، إذا كان جوهراً -اسم عين- زيد يسير سيراً سيراً، نقول هنا: يجب حذف العامل، وهو: يسير، فحينئذٍ تقول: زيد سيراً سيراً، هذا مثال للمكرر، زيد هذا مبتدأ، وهو اسم عين جوهر ذات، سيراً هذا ناب مناب فعل، هذا الفعل وقع خبراً لزيد، وكُرِّرَ، لمَّا كُرِّرَ قام مقام الفعل، فلو قيل: زيد سيراً دون تكرار جاز حذفه، وجاز ذكره، جاز فيه الحذف والذكر، لكن لمَّا كُرِّرَ، حينئذٍ وجب حذفه، إذاً كَذَا مُكَرَّرٌ، ورد نائب فعل مسند إلى اسم عين، وَذُو حَصْرٍ أيضاً وَرَدَ نَائِبَ فِعْلٍ لاِسْمِ عَيْنٍ اسْتَنَدْ، كلا المسألتين في التكرار والحصر، ناب فيهما المصدر مناب فعل وقع خبراً عن اسم عين، إنما أنت سيراً سيراً، إنما أنت سيرٌ هذا الأصل، إنما أنت تسير سيراً، تسير هذا وقع خبراً لأنت، وهو جثة -اسم عين-، فلما وقع محصوراً: إنما أنت سيراً، حينئذٍ نقول: الحصر قام مقام الفعل الذي حذف، فحينئذٍ وجب حذفه، فسيراً هذا قائم مقام الفعل، وهذا الفعل وقع خبراً لأنت. إذاً قوله: كَذَا مُكَرَّرٌ في الحكم، كذا في الحكم، كَذَا هذا خبر مقدم، ومُكَرَّرٌ مبتدأ مؤخر، وَذُو حَصْرٍ إما بإلا وإما بإنما، وَرَدَ نَائِبَ فِعْلٍ، ورد كل منهما، من المكرر والمحصور نائب فعل. عرفنا أن الأصل في هذا الباب كله، نيابة المصدر عن الفعل. لاِسْمِ عَيْنٍ يعني لمبتدأ هو اسم عين، اسْتَنَدْ يعني صار مسنداً لاسم العين، وإذا كان مسنداً لاسم العين فهو خبر.

قوله: وَرَدْ، الأصل أن يقول: وردا نائبي فعل لاسم عين استندا، هذا الأصل، إذا قلت: الزيدان -زيد وزيد- قام أو قاما؟ قاما، زيد وزيد قاما، كما تقول: الزيدان قاما، واجب التثنية أو جائز؟ يجب أن يطابق الضمير وهو فاعل لمفسِّره؛ لأن الزيدان هذا مفسِّر، وقاما الألف هذه مفسَّر، إذاً لا بد من المطابقة، إذا كان المرجع مثنىً، وجب أن يكون تفسير الألف هنا –الضمير- بالتثنية، وإذا كان جمعاً وجب أن يأتي بالواو، الزيدون قاموا، هنا قال: مُكَرَّرٌ وَذُو حَصْرٍ، ذكر اثنين، الأصل أن يقول: وردا نائبي فعل لاسم عين استندا، الجواب أن يقال: بأنه (ورد) كل منهما، حينئذٍ رد الضمير بما ذكر، يعني: أوَّل، على التأويل، ورد ما ذكر نائب فعل، فحينئذٍ إذا رَدَّ الضمير، وأرجع الضمير مؤوِلاً بالمذكور، لا يشترط فيه المطابقة، كأنه قال: ورَدَ كل منهما، ولا يحتاج إلى التثنية، إذا أولنا بالمذكور -اللفظ المذكور- هذا وارد حتى في القرآن، حينئذٍ نقول: هذا النوع من إرجاع الضمير إلى المعنى -الشيء المذكور السابق-، والمذكور شيء واحد، ورد ذلك المذكور، حينئذٍ نقول: لفظ المذكور هذا شيء واحد، فرد إليه الضمير مفرداً. كَذَا مُكَرَّرٌ وَذُو حَصْرٍ بإلا أو بإنما، وَرَدَ نائب فعل، وَرَدَ صفة، نَائِبَ فِعْلٍ هذا حال من فاعل وَرَدَ، لاِسْمِ عَيْنٍ اسْتَنَدْ، استند لاسم عين، متعلق بـ استند، واستند هذا نعت لفعل، نَائِبَ فِعْلٍ استند لاِسْمِ عَيْنٍ، أنت سيراً سيراً، وإنما أنت سيراً سيراً، فالتكرار عوض من اللفظ بالفعل، والحصر ينوب مناب التكرار، فلو لم يكن مكرراً ولا محصوراً جاز الإضمار والإظهار، نحو أنت سيراً، أنت سيراً يجوز فيه الإظهار والإضمار، وكذلك أنت تسير سيراً جاز فيه الإضمار والإظهار؛ لأنه غير محصور، فإن استند لاسم معنىً، لا لاسم عين، حينئذٍ وجب فيه الرفع على الخبرية، لو قال: أَمرُك سيرٌ سيرٌ، سيرٌ سيرٌ: خبر، أمرك: مبتدأ، لماذا لا نقول مثل ما قلنا: زيد سيراً سيراً؟ لأنه أخبر به عن اسم معنى، أمر ليس بجثة، حينئذٍ وجب الرفع على الخبرية، وإنما سيرك سير البريد، هنا محصور، لكنه لما وقع خبراً لاسم معنى، حينئذٍ وجب الرفع. إذاً قوله: لاِسْمِ عَيْنٍ هذا شرط، فإن انتفى حينئذٍ وجب الرفع على الخبرية لما ذكرناه، فيجب أن يرفع على الخبرية هنا لعدم الاحتياج إلى إضمار فعل، بخلافه بعد اسم العين؛ لأنه يؤمن معه اعتقاد الخبرية، إذ المعنى لا يخبر به عن العين إلا مجازاً، وهذا سبق معنا: زيد عدل، قلنا: عدل هذا معنى، لا يخبر به عن الذات، إلا مجازاً كقوله: فإِنما هىَ إِقْبالٌ وإِدْبارُ، أي: ذات إقبال، وذات إدبار.

قال الشارح: أي كذلك يحذف عامل المصدر وجوباً، إذا ناب المصدر عن فعل استند لاسم عين، يعني عن فعل صار خبراً، أي أخبر به عنه، وكان المصدر مكرراً، أو محصوراً، فمثال المكرر: زيد سيراً سيراً، والتقدير زيد يسير سيراً، فحُذف يسيرُ وجوباً لقيام التكرير مقامه، ومثال المحصور: ما زيد إلا سيراً، وإنما زيد سيراً، والتقدير: ما زيد إلا يسير سيراً، -والأصل لا يُمثَّل بالتكرار-، وإنما زيد يسير سيراً، فحذف يسير وجوباً لما في الحصر من التأكيد القائم مقام التكرير، فإن لم يكرر ولم يحصر لم يجب الحذف؛ زيد سيراً، وهذا جائز الذكر وجائز الحذف، زيد يسير سيراً، فإن شئت حذفت يسير، وإن شئت صرحت به. إذاً النوع الثالث: إذا كان المصدر مكرراً أو محصوراً ووقع نائب مناب فعل، وهذا الفعل قد أخبر به عن اسم عين، بهذه الشروط حينئذٍ يجب حذف العامل، إن انتفت أو انتفى بعضها، حينئذٍ رُفِع أو نُصِب لا على المفعولية المطلقة. وَمِنْهُ -وهذا الموضع الرابع والخامس-: وَمِنْهُ مَا يَدْعُونَهُ مُؤَكِّدَا ... لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَالْمُبْتَداَ نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ عُرْفَا ... وَالثَّانِ كَابْنِي أَنْتَ حقَّاً صِرْفَا

وَمِنْهُ أي: مما وجب حذف عامله، والحَذْفُ حَتْمٌ، مِنْهُ أي من المصدر الذي حذف عامله حتماً، مَا يَدْعُونَهُ، مَا مبتدأ بمعنى الذي، يصدق على مصدر، -مصدرٌ بالرفع-، يَدْعُونَهُ مُؤَكِّدَاً يسمونه موكِّداً، مُؤَكِّدَاً مفعول ثاني، والهاء مفعول أول؛ لأن سمى يتعدى إلى اثنين، الثاني قد يتعدى إليه بنفسه وقد يتعدى إليه بالباء، يسمونه مؤكِّداً، أو يسمونه بالمؤكِّد، يجوز فيه الوجهان، وَمِنْهُ مَا أي المصدر الذي حذف عامله حتماً، يَدْعُونَهُ يسمونه، مُؤَكِّدَاً هذا مفعول ثاني، إما لِنَفْسهِ أو لغَيْرِهِ، يعني له قسمان: قسم يسمى مؤكداً لنفسه، وقسم يسمى مؤكداً لغيره، فَالْمُبْتَداَ الفاء فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، الْمُبْتَداَ ما هو المبتدأ؟ يعني المفتتح به بالتقسيم، هنا لف ونشر مرتب، فَالْمُبْتَداَ الذي هو المؤكد بنفسه، نَحْوُ مثل، لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ عُرْفَا، عُرْفَاً هذا مصدر، أنيب مناب الفعل، ما هو الفعل؟؟؟؟ اعترافاً مصدر أو نائب أو اسم المصدر؟ اعترفت عرفاً أو اعترافاً؟ عرفاً اسم مصدر، إذاً هنا من باب التوسع قال: عرفاً مصدر، نسميه مصدر لا بأس، لَهُ عَلَيَّ، لَهُ هذا خبر مقدم، وأَلْفٌ هذا مبتدأ مؤخر، وعَلَيَّ هذا حال من الضمير المستتر المتعلق به لَهُ، لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ يعني: ألف دينار أو درهم أو ريال، عُرْفَاً أي اعترافاً، ما الفرق بين الجملة وبين مدلول المصدر؟ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، لك علي ألف، اعترافاً، ما الفرق بين الجملة: له علي ألف، وبين اعترافاً؟ هي نفسها، ما هو الاعتراف؟ له علي ألف، وما هو له علي ألف؟ الاعتراف، إذاً فيه معنى جديد؟ لا، مدلول المصدر هو عين الجملة، مدلول المصدر الاعتراف، هو عين الجملة، ولذلك سمي مؤكِّداً لنفسه، فالجملة هي معنى المصدر، وهو أن يسبقه جملة لا تحتمل غيره، يعني غير الاعتراف، لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ عُرْفَا، قال ابن عقيل: من المصدر المحذوف عامله وجوباً ما يسمى المؤكد لنفسه، والمؤكد لغيره، فالمؤكد لنفسه: الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره -نصاً فيه-، ليس ثم احتمال لغير معنى الاعتراف في قولنا: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، هذا يسمى مؤكداً لنفسه؛ لأنه وقع بعد جملة لا تحتمل غير معنى المصدر، فإن احتملت غيره -غير المعنى الذي دل عليه المصدر-، حينئذٍ إذا جيء بالمصدر صار مؤكداً لغيره، وذلك إذا وقع بعد جملة تحتمله وغيره، يعني: ليست نصاً في مدلول معنى المصدر.

كَابْنِي أَنْتَ حقَّا، حقاً هذا مصدر، لو قال: أنت ابني، ابني هذا يحتمل أنه ابني بالفعل، ويحتمل أنه مثل ابني، في الحنو والشفقة والمعاملة، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، إذاً هذه الجملة ليست نصاً في أحد المعنيين، بل هي محتملة لهذا ومحتملة لذاك، إذا قال: أنت ابني حقاً صارت نصاً بأن المراد بالبنوة هنا حقيقية، فليست من باب الشفقة ونحوها، نقول: هذا المصدر حقاً مؤكِّدٌ لنفسه أو لغيره؟ لغيره وهو الجملة، بخلاف السابق فهو مؤكد لنفسه، إذاً المصدر الواقع مؤكداً إما أن يؤكد نفسه، وإما أن يؤكد غيره، وكلاهما شرطهما أن يقعا بعد جملة، لا بد، إلا أن المؤكد لنفسه، أن تكون الجملة نصاً، لا تحتمل غير ما دل عليه المصدر، والمؤكد لغيره، أن يقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره، فليست نصاً في معنى مدلول المصدر، كَابْنِي أَنْتَ حقَّاًً. وَالثَّانِ، وهو المؤكد لغيره، وهو ما وقع بعد جملة لها محتمل غيره فتصير به نصاً، كَابْنِي أَنْتَ حقَّاً، ابْنِي هذا خبر، وأَنْتَ هذا مبتدأ، وحقَّاًهذا مفعول مطلق، حُذف عامله وجوباً؛ أحُقُّه حقاً أي: المذكور، كما حذف هناك: أعترف اعترافاً أو عرفاً، صِرْفَاً هذا نعت للمصدر، حينئذٍ صار مبيناً للنوع أي خالصاً، وسمي بذلك -مؤكداً لغيره-؛ لأنه أثر في الجملة بخلاف الأول لم يؤثر في الجملة، عُرْفَاً ما أثَّر في الجملة؛ لأن الجملة لا تحتمل غيره، فإنما جيء به من باب تأكيد نفسه، وأما الثاني فهو أثَّر في الجملة؛ لأنه أثَّر في الجملة فكأنه غيرها؛ لأن المؤثِّر غير المؤثَّر فيه، والمؤثَّر فيه هو الجملة، والمؤثِّر هو المصدر. قال: فالمؤكد لنفسه: هو الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ عُرْفَاً، أي: اعترافاً، اسم المصدر عرفاً، والمصدر اعترافاً، فاعترافاً مصدر منصوب بفعل محذوف وجوباً، والتقدير: أعترف اعترافاً، لماذا وجب حذفه؟ لأنه صار مؤكداً لنفسه، ما ضابطه؟ وقوعه بعد جملة لا تحتمل غيره، ويسمى مؤكداً لنفسه؛ لأنه مؤكد للجملة قبله، وهي نفس المصدر، بمعنى أنها لا تحتمل سواه، وهذا هو المراد بقوله: فَالْمُبْتَداَ، أي: فالأول من القسمين المذكورين في البيت الأول، والمؤكد لغيره: هو الواقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره، فتصير بذكره نصاً فيه: أَنْتَ ابْنِي حقَّاً، فحقاً مصدر منصوب بفعل محذوف وجوباً، والتقدير أحقه حقاً، وسمي مؤكداً لغيره؛ لأن الجملة قبله تصلح له ولغيره .. إلى آخره. كَذَاكَ ذُو التَّشْبِيهِ بَعْدَ جُمْلَهْ ... كَلِي بُكَاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ هذا الموضع السادس مما يجب فيه حذف عامل المصدر، إذا كان المصدر المراد به التشبيه (المصدر التشبيي). كَذَاكَ ذُو التَّشْبِيهِ بَعْدَ جُمْلَهْ ... كَلِي بُكَاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ

كَذَاكَ أي مما يلزم إضمار ناصبه: المصدر الذي يقع تشبيهاً، وهو المصدر المشعر بالحدث الدال على أمر يتجدد، لا على أمر راسخ ثابت، وهذا شرط فيه: أن يكون المصدر دالاً على الحدوث لا على الثبوت، فإن دل على أمر راسخ ثابت، خرج عن الأصل، كَذَاكَ ذُو: كَذَاكَ هذا خبر مقدم، ذُو التَّشْبِيهِ هذا مبتدأ مؤخر، الواقع بَعْدَ جُمْلَهْ، بَعْدَ جُمْلَهْ هذا حال، بَعْدَ جُمْلَهْ وهذه الجملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه –سيأتي-، كَلِي بُكَاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ، بُكَاءَ بالنصب، هذا محل الشاهد، وقع بعد جملة، ما هي الجملة؟ لِي بُكَاً، لِي خبر مقدم، وبُكَاً هذا بالقصر مبتدأ مؤخر، إذاً بُكَاءَ وقع بعد جملة، هذه الجملة مشتملة على فاعل المصدر في المعنى، أين هو؟ الياء، لِي بُكَاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ، من الذي بكى بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ؟ لِي الياء، إذاً اشتملت الجملة السابقة على الفاعل في المعنى، والمراد بالمصدر هنا: التشبيه بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ، إذاً مصدر تشبيهي، وأطلق بعضهم عليه أنه علاجي، بمعنى أنه يدل على الحدوث، شيء بعد شيء، ليس بأمر راسخ، وقع بعد جملة، هذه الجملة فيها ما هو عامل للمصدر المنصوب، وهو قوله: بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ، هذا كم شرط؟ أن يكون مصدر تشبيهي، أن يقع بعد جملة، أن تكون الجملة مشتملة على فاعل ذلك المصدر في المعنى، أن لا يكون في الجملة ما يصلح للعمل في المصدر، حينئذٍ إذا كان فيه كذلك قلنا: خرجت المسألة من أصلها. فالشروط التي تشترط في صحة حذف هذا العامل وجوباً سبعة: الأول: أن يكون مصدراً. والثاني: أن يكون علاجياً. والثالث: أن يكون المراد به التشبيه -هذه ثلاثة موجودة في قول ابن مالك: بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ-. والرابع: أن يكون السابق عليه جملة - لِي بُكَاً-. والخامس: أن تكون هذه الجملة مشتملة على فاعل المصدر، ليس نصاً –لفظاً-، إنما بالمعنى. والسادس: أن تكون هذه الجملة مشتملة على معنى المصدر- لِي بُكَاً-. والسابع: أن لا يكون في هذه الجملة ما يصلح للعمل في المصدر. حينئذٍ إذا توفرت هذه الشروط السبعة، وجب النصب على أنه مفعول مطلق، والعامل فيه محذوف، فإن لم يكن مصدراً؛ لو قال قائل: لِزيدٍ يدٌ يدُ أسدٍ، هذا تشبيه، لِزيدٍ يدٌ يدُ أسدٍ، يدُ أسد أو يدَ أسد؟ نقول: يدُ أسد، لماذا؟ لأنه ليس بمصدر. أن يكون مشعراً بالحدوث –علاجياً-، لو قال: له عِلمٌ عِلمُ الحكماء، عِلمُ الحكماء أو عِلمَ الحكماء؟ عِلمُ؛ لأن العلم هذا صفة راسخة ثابتة، وهنا الشرط أن يكون علاجياً، بمعنى أنه يدل على الحدوث. أن يكون المراد به التشبيه بخلاف: لهُ صَوتٌ حَسَنٌ، -لهُ صَوتٌ مثل لهُ بُكَا-، صوتٌ حسنٌ أو صوتاً حسناً؟ بالرفع؛ لأنه لم يُرد به التشبيه. أن يكون سابق عليه جملة بخلاف: صوتُ زيدٍ صوتُ حمار، صوتَ حمار أو صوتُ حمار؟ بالرفع؛ لأنه لم يتقدمه جملة بل تقدمه مفرد. أن تكون هذه الجملة مشتملة على فاعل المصدر بخلاف: عليه نَوحٌ نَوحُ الحمام، عليه الضمير هنا ليس للنائح، وإنما للمنُوح، فلم تكن بينهما علاقة.

أن تكون الجملة مشتملة على معنى المصدر بخلاف: له ضربٌ صوتُ حمار، هذه منفكة، له ضرب صوت حمار، لم تشتمل الجملة على معنى المصدر، بخلاف: لِي بُكَاً بُكَاءَ، فمعنى المصدر موجود في ضمن الجملة. وأن لا يكون في هذه الجملة ما يصرف العمل في المصدر، مثل: أنا أبكي بكاء ذات عضلة، لو قال: أنا أبكي، لقلنا: لا نحتاج إلى أن نجعل العامل محذوفاً، متى ما أمكن أن يعلق العامل بالمذكور فهو الأصل، ولا يعدل إلى الحذف إلا إذا تعذر تعليقه بالمذكور. كَذَاكَ أي مثل ما سبق في وجوب حذف العامل، ذُو التَّشْبِيهِ يعني المصدر ذو التشبيه، الواقع بَعْدَ جُمْلَةٍ بالشروط التي ذكرناها. كَلِي بُكَاً، لِي هذا خبر مقدم، وبُكَاً هذا قصره للضرورة. بعضهم يقول: البكاء بالقصر هو سيلان الدموع، وبالمد رفع الصوت. كَلِي بُكَاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ، لِي بُكَاً الكاف هنا إذا أدخلناها على الجملة، حينئذٍ الأولى أن نجعل الجملة -الجار والمجرور- متعلقاً بمحذوف صفة لجملة، لأنه قال: بَعْدَ جُمْلَةٍ كَلِي بُكَاً، هو لم يذكر الشروط وإنما ذكرها في المثال، حينئذٍ صارت الجملة مقيدة لا مطلقة، لو قلنا: بعد جملة، وذلك كَلِي بُكَاً فصلناها عن السابق، حينئذٍ الشروط قد لا تكون مقرونة بالجملة، والأولى أن نجعلها صفة لقول الجملة. قال الشارح: لِي بُكَاً بُكَاءَ ذَاتِ عُضْلَهْ أي: صاحبة داهية، أو قيل: ممنوعة من النكاح، وقيل: ذَاتُ عُضْلَهْ أي شدة، ضبطها في التوضيح: أن يكون فعلاً علاجياً تشبيهياً بعد جملة مشتملة عليه وعلى صاحبه،- هذا مختصر لكل الشروط السابقة-؛ أن يكون فعلاً علاجياً تشبيهياً بعد جملة مشتملة عليه وعلى صاحبه.

قال الشارح: أي كذلك يجب حذف عامل المصدر إذا قصد به التشبيه، لا بد أن يكون ذو تشبيه، قصد به التشبيه، فإن لم يقصد به التشبيه خرج عن المسألة، بعد جملة، فإن وقع بعد مفرد لا يكون له الحكم، مشتملة على فاعل المصدر في المعنى، فاعل معنى المصدر كالياء في مثال المصنف، نحو: لزيد صوت صوت حمار، لزيد هذا خبر مقدم، وصوت هذا مبتدأ مؤخر، صوتَ حمار نقول: هذا مصدر تشبيهي، وهو مسبوق بجملة، وهذه الجملة متضمنة لفاعل المصدر وهو زيد، لزيد صوت صوت حمار، صوت الحمار هذا لزيد، كذلك هو فاعل في المصدر، وهذا المصدر -صوت حمار- بدل من اللفظ في فعله، وعامله محذوف وجوباً، وله بكاء بكاء الثكلى، وصوتَ حمار مصدر تشبيهي، وهو منصوب بفعل محذوف وجوباً، ولم نجعله منصوباً بقوله: كَلِي بُكَاً؛ لأن كَلِي بُكَاً، ولزيد ضرب، لا يصلح للعمل؛ لأن شرط إعمال المصدر أن يكون بدلاً من الفعل، أو أن والفعل كما سيأتي ((لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) [البقرة:251] لولا أن يدفع الله، إذا صح أن يؤتى بالفعل، وأن ما دخلت عليه صح إعمال الفعل، وهذا أبرز شروط إعمال المصدر، سيأتي في محله، والتقدير يُصوِّتُ صوت حمار، وقبله جملة، وهي: لزيد صوت، وهي مشتملة على الفاعل في المعنى، وهو زيد، وكذلك: بكاء الثكلى منصوب بفعل محذوف وجوباً، والتقدير يبكي بكاء الثكلى، فلو لم يكن قبل هذا المصدر جملة، وجب الرفع، نحو: صوته صوت حمار، وبكاؤه بكاء الثكلى، بكاءُ بالرفع، وكذا: لو كان قبله جملة، وليست مشتملة على الفاعل في المعنى: هذا بكاء بكاء الثكلى، وهذا صوت صوت حمار. ولم يتعرض المصنف في هذا الشرح للمفهوم التمثيلي، إذاً الشروط كلها مأخوذة من المثال. إذاً هذه ست مواضع يجب فيها حذف عامل المصدر، وكلها قياسية، وأما النوع الأول في الخبر فهو سماعي، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... !!!

57

عناصر الدرس * شرح الترجمة (المفعول له) وحده وحكمه * حالات المفعول له من حيث التجرد وعدمه * شرح الترجمة (المفعول فيه وهو المسمى ظرفاَ) ـ * حد الظرف وعلامته. وجكم ماأتي صورته * حكمه ,عامله , وحكم عامله. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد. قال الناظم -رحمه الله تعالى-: المَفْعُول لهُ. وهذا هو الباب الثاني من باب المنصوبات، حيث قدم المفعول المطلق، قلنا: كما سبق أنه أولى المفاعيل بالتقديم، وهنا قدم المفعول له على المفعول فيه، ورتبها كما ذكرناه سابقاً، المفعول به ذكره قيل استطراداً في باب تعدي الفعل ولزومه، ثم عنون للمفعول المطلق، ثم المفعول له، ثم المفعول فيه، ثم المفعول معه، هنا قدم المفعول له على المفعول فيه، هل هو مقصود؟ الظاهر أنه مقصود لأنه أدخلُ منه في المفعولية، يعني: المفعول له من حيث المفعولية وعدمها هو أقرب، بل هو مفعول الفاعل حقيقة؛ لأنه إذا قيل: ضربت زيداً تأديباً، تأديباً هذا فعل من؟ فعل الفاعل وأقرب إليه، وأما المفعول فيه: صمت يوم الخميس، يوم الخميس هذا ليس فعل الفاعل، بل هو ظرف، كذلك: جلست أمامك، أمامك هذا ظرف حينئذٍ هو منفك عن فعل الفاعل، هو ظرف لفعل الفاعل، الحدث الذي وقع فيه، وأما المفعول له لا، مثل: جُدْ شُكْرَاً، الشكر فعل الفاعل نفسه، إذاً هو أدخل إلى المفعولية من المفعول فيه. لأنه أدخل منه في المفعولية لكونه مفعول الفاعل حقيقة، وأقرب إلى المفعول المطلق بكونه مصدراً، بل قال الزجاج والكوفيون: أنه مفعول مطلق كما سبق؛ يعني المفعول لأجله -المفعول له- هذا مفعول مطلق عند الكوفيين، إذاً ليس بأصل، وإنما هو تابع للمفعول المطلق، حينئذٍ أقرب ما يكون باباً بعد المفعول المطلق، هو المفعول فيه للعلتين المذكورتين. المَفْعُولُ لَهُ، ويقال: المفعول من أجله، والمفعول لأجله، ثلاثة أسماء، والمسمى واحد.

المَفْعُولُ لَهُ: لَهُ الضمير هذا يعود إلى (أل)، ألـ مفعول له، الضمير يعود على (أل)، إن جعلنا (أل) موصولة، إذا قلنا: (أل) موصولة فالضمير يعود إليها، وإذا قلنا: (أل) ليست موصولة كما هو قول بعضهم، حينئذٍ الضمير لا بد له من مرجع، أين مرجعه؟ موصوف محذوف: الشيء الذي فُعِل له، أو الشيء المفعول، لا نقدر الذي؛ لأنهم لا يرون أنها موصولة، الشيء المفعول له، الضمير عاد على الشيء موصوف محذوف، والصواب الأول أن الضمير يعود إلى (أل) وهي موصولة؛ لأن المفعول هذا مفعول وهو صفة، وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ (ألْ) حينئذٍ نقول: المفعول يعني الذي فُعل له الفعل، وهذا متى؟ هذا قبل جعله علَماً، قبل جعله علماً نبحث في الضمير، وأما بعد جعله علماً حينئذٍ صار الضمير (الهاء) هنا (كالدال) من زيد؛ لأننا أخذنا المفعول له مركب هذا، (له) نقول: المفعول له، (له) هنا هذا نائب فاعل، حينئذٍ نقول: الضمير قبل جعله علَماً هو اسم مستقل، و (اللام) حرف جر، والمفعول هذه كلمتان، ثم نُقل اللفظ نفسه فصار علماً، مثل: تَأَبَّطَ شَرّاً، تَأَبَّطَ شَرّاً نقول: فعل وفاعل ومفعول به، متى؟ قبل جعله علماً، أما بعد جعله علماً فهو لفظ مفرد، لو سمي رجل بـ قام زيد أو زيد قائم، وشاب قرناها، حينئذٍ نقول: هذه قبل جعلها علماً نبحث فيها من حيث الفاعل وعدمه، من حيث مرجع الضمير وعدمه، وأما بعد جعلها علماً، حينئذٍ تمحضت بالعلمية، وسلخ منها معنى الفاعل والمفعول ومرجع الضمير، وكونه كلمتين أو أكثر، كل هذا بعد العلمية ينسلخ منه هذا التركيب. إذاً: المَفْعُولُ لَهُ نقول: الضمير هنا بعد جعله علماً لا مرجع له؛ لأنه صار كالدال من زيد. المفعول له ولأجله ومن أجله: حقيقته -من باب التعريف قبل الولوج في الأبيات- نقول: هو المصدر المعلِّل لحدث شاركه وقتاً وفاعلاً، هذه أشبه ما تكون بأركان أو شروط، بمعنى أنه يتحقق بها وجود المفعول له، إن وجدت مجتمعة قلنا: هو مفعول له، وإن فقد بعضها حينئذٍ لا يصح وصفه، بكونه مفعولاً له، وفيه خلاف: هل إذا جر ما زال كونه مفعولاً له أو لا؟ سيأتينا. إذاً المصدر .. المفعول له هو المصدر، إذاً لا بد أن يكون مصدراً، والمصدر سبق معنا أنه اسم الحدث الجاري على الفعل، فحينئذٍ ما لم يكن مصدراً لا يكون مفعولاً له، فالعلاقة بين المفعول له والمصدر: العموم والخصوص المطلق، فكل مفعول له مصدر من غير عكس، يعني: لا يلزم أن يكون كل مصدر مفعولاً له؛ لأنه يأتي مبتدأ ويأتي خبر .. إلى آخر ما ذكرناه سابقاً، فحينئذٍ إذا كان مفعولاً له لزم أن يكون مصدراً. المُعَلِّل يعني: الذي يفيد علة الفعل، مفهومه أن ليس كل مصدر يكون معلِّلاً، إذاً المصدر هذا عام، وإذا كان عاماً نحتاج إلى فصل لإخراج بعض أفراده، وهو كون المصدر على نوعين: مصدر معلِّل، يعني: يذكر لبيان علة فعل الشيء: جئتُ إكراماً لك، إكراماً هذا مصدر بيَّن علة المجيء، فنقول: هذا مصدر معلِّل، وإذا لم يكن كذلك حينئذٍ لا يصلح أن يكون مفعولاً له.

المصدر المعلِّل لحدث، الذي هو العامل فيه سواء كان فعلاً أو مصدراً أو وصفاً، شاركه وقتاً وفاعلاً بمعنى أن ذلك المصدر المعلل، شارك الفاعل في الوقت لم يتأخر عنه، بل في وقتٍ واحدٍ، وكذلك الفاعل للحدث هو الفاعل للمصدر المعلل، فاجتمعا في الزمن واجتمعا في الفاعل، وهذا سيأتي في محترازته كلها. مثاله قوله تعالى: ((يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ)) [البقرة:19] حَذَرَ هذا مصدر معلِّل ذُكر لبيان علة جعل أصابعهم في أذانهم، لم جعلوا أصابعهم في أذانهم؟ حَذَرَ الْمَوْتِ، ولذلك ضابط المعلِّل: أن يقع في جواب (لِمَ)، ضبطه الحريري في الملحة: وَغَالِبُ الأَحوَالِ أَن تَرَاهُ ... جَوَابَ لِمْ فَعلْتَ مَا تَهوَاهُ فضابط المصدر المعلل: أنه يصح أن يقع في جواب (لِمَ)، لِمَ يجعلون أصابعهم في آذانهم؟ حذر الموت، جئتُ إكراماً لك، لِمَ جئت؟ إكراماً لك، ضربتُ ابني تأديباً، لِمَ ضربت ابنك؟ تأديباً، إذا وقع في جواب (لِمَ). وَغَالبُ الأَحَوالِ -ليس غالب .. ، لا مفهوم له، بمعنى أنه في غير الغالب يأتي بغير جواب (لِمَ)، وإنما ذكره هكذا، لا مفهوم له-، وَغَالبُ الأَحوَالِ أَن تَرَاهُ -بل في كل الأحوال-، جوَابَ لِمْ فعلْتَ مَا تَهوَاهُ، بإسكان الميم للوزن. إذاً: ((يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ}}، نقول: (((((هذا منصوب على المفعولية، فهو مفعول له -من أجله-، فـ (((((مصدر منصوب ذكر علةً لجعل الأصابع في الأذان، وزمنه -وزمن الجعل واحد-، الزمن واحد، وفاعلهما أيضاً واحد وهم الكافرون، الذين حذروا الموت هم الكافرون، ويجعلون (الواو) هذه؟؟؟ الكافرون، فالفاعل واحد والوقت واحد، يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ هل يعني أصابعهم كلها -كل الأصبع يدخل في الأذن أم بعضه؟ هذا من باب إطلاق الكل مراداً به الجزء، عند من يرى المجاز يقول: مجاز مرسل علاقته الكلية والجزئية، يعني: أطلق الكل مراداً به الجزء. قال الناظم -رحمه الله تعالى-: يُنْصَبُ مَفْعُولاً لَهُ الْمَصْدَرُ إِنْ ... أَبَانَ تَعْلِيلاً كَجُدْ شُكْرَاً وَدِنْ وَهْوَ بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحِدْ ... وَقْتَاً وَفَاعِلاً وَإنْ شَرْطٌ فُقِدْ فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ .. فَاجْرُرْهُ بِالَّلاَمِ –نسختان-. فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ وَلَيْسَ يَمْتَنِعْ ... مَعَ الشُّرُوطِ كَلِزُهْدٍ ذَا قَنِعْ يُنْصَبُ هذا بيان لحكم المفعول له، وأن حكمه النصب، هل ينصب جوازاً مع بقية الشروط .. مع استيفاء الشروط أم أن الشروط لبيان جواز النصب؟ إن توفرت الشروط وجدت حينئذٍ لك اختياراً إن شئت أن تنصبه، وإن شئت أن تجره باللام، نقول: يُنْصَبُ المراد به جوازاً، وأن المفعول له ليس من المنصوبات واجبة النصب، بخلاف المفعول به لا يجوز إلا نصبه إلا إذا دخلت عليه (مِن) حرف جر زائد، وكذلك الحال لا يجوز نصبه إلا على قولٍ: جئت بمبكرٍ، مثل (مِن)، والتمييز في الجملة، فالأصل فيها أن النصب فيها واجب، المفعول به واضح، وكذلك الحال والتمييز بعضه قد يكون مجروراً، وبعضه يكون منصوباً، بعضه واجب النصب، وبعضه جائز النصب.

الحاصل أن قوله: يُنْصَبُ المراد به جوازاً لا وجوباً، ف حينئذٍ الباب كله من أوله إلى آخره البحث فيه في جواز النصب، فإذا استوفى المفعول له شروطه على الوجه المرضي عندهم -خمسة شروط- حينئذٍ نحكم عليه بأنه يجوز نصبه ويجوز جره باللام. يُنْصَبُ المصدر، يُنْصَبُ هذا فعل مضارع مغير الصيغة، ومَفْعُولاً لَه هذا حال من المصدر، ينصب المصدر حال كونه مفعولاً له، اَلْمَصْدَرُ هذا نائب الفاعل، مَفْعُولاً لَه تقدمت الحال على صاحبها، وهذا جائز، ينصب المصدر حال كونه مفعولاً له، وما الناصب له؟ أطلق الناظم هنا، لم يعين الناصب للمفعول له، فنقول: العامل فيه الفعل قبله؛ إن كان فعل، إن وجد فعل، الفعل قبله على تقدير حرف العلة عند الجمهور من البصريين، الفعل قبله -قبل المفعول له- على تقدير حرف العلة عند جمهور البصريين، فعليه في حقيقته هو من المفعول به بعد نزع الخافض، وكأنه مفعول به، لكن نزع حرف الجر، ضربت ابني تأديباً يعني: لتأديبٍ، هذا الأصل، حذف حرف العلة، ثم انتصب، وسبق أن المجرور إذا حذف حرف الجر حينئذٍ ينتصب ما بعده: وَعَدِّ لاَزِمَاً بِحَرْفِ جَرِّ نَقْلاً ........ ... وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ ومنه هذا الباب باب المفعول له، وهو أنه في الأصل مجرور بحرف علة، حرف الجر وهو حرف تعليل، فلما حذف حرف العلة حينئذٍ انتصب، فحقيقته هو من المفعول به. وقال الزجاج: ناصبه فعل مقدر من لفظه، والتقدير جئتك، لو قال: جئتك إكراماً، جئتك أكرمك إكراماً، صار من باب المفعول المطلق، ولذلك الزجاج والكوفيين يرون أنه من المفعول المطلق، لماذا؟ لأن العامل فيه ليس هو الفعل المذكور، وإنما هو فعل مقدر من لفظ المصدر المذكور، وإذا كان كذلك صار مثل جلست قعوداً، جلست وقعدت قعوداً، قعدت جلوساً، قعدت وجلست جلوساً، جئت إكراماً لك، جئت أكرمك إكراماً، فحينئذٍ نقدر له فعلاً من لفظ المصدر المذكور، وعليه فهو مفعول مطلق. وقال الكوفيون: ناصبه الفعل المتقدم عليه؛ لأنه ملاقٍ له في المعنى، مثل قعدت جلوساً، وعليه أيضاً فهو مفعول مطلق عند من أعرب جلوساً في قعدت جلوساً مفعولاً مطلق، على مذهب الكوفيين، هو ما قبله، المصدر الذي قبله؛ لكونه ملاقٍ له في المعنى، الفعل الذي قبله لكونه ملاقٍ له في المعنى، وإذا لاقاه في المعنى حينئذٍ صار من باب قعدت جلوساً، فقعدت جلوساً هذا مفعول مطلق كما سبق، خلافاً لابن مالك الذي قال: وَافْرَحِ الْجَذَلْ يكون من باب النيابة، حينئذٍ يكون كذلك من باب المفعول المطلق، وهذا توجه تأويلهم للباب كله وجعله للباب السابق. يُنْصَبُ مَفْعُولاً لَه الْمصْدَرُ.

إذاً عرفنا حكمه وعرفنا حقيقته، بيَّن الشروط التي هي داخلة في حقيقة المفعول ل، هـ بحيث إن وجدت حينئذٍ جاز لك أن تنصبه، وإن انتفت أو انتفى واحد منها حينئذٍ امتنع نصبه، فَفَقْدُ الشرط له أثر في المنع، ووجود الشروط مستوفية حينئذٍ ليس له أثر في إيجاب النصب، وإنما له أثر في تجويزه، فهي شروط مجوِّزة لا موجبة بخلاف النفي، فإذا انتفت الشروط كلها أو بعضها، حينئذٍ نقول: سقط النصب، لا يجوز النصب، يمتنع، وأما إذا وجدت حينئذٍ الوجود ليس له تأثير من حيث إيجاب النصب. (إِنْ) هذا شرط، أَبَانَ تَعْلِيلاً هذا شرطٌ الأول. ثم قال: وَهْو بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحِدْ شرطٌ ثاني، وَقْتاً وَفَاعِلاً ذكر شرطين. أَبَانَ تَعْلِيلاً هذا الثالث، بقي واحد وهو المصدر، الأول أشار إليه بقوله: الْمصْدَرُ ينصب المصدر مفعولاً له، فإن لم يكن مصدراً حينئذٍ لا ينصب على المفعولية. إِنْ أَبَانَ تَعْلِيلاً، يعني: إن أظهر تعليلاً، يعني بيَّن هذا المصدر علة الحدث الذي وقع، جئت، لم جئت؟ قال: إكراماً، فحينئذٍ نقول: وقع هذا المصدر لبيان علة ذكر الحدث. هذه الشروط ظاهرها أنها شروط لنصبه، وأنه عند جره يسمى مفعولاً له، لذا قال: إن أبان تعليلاً وعطف ما بعده، ثم قال: وَإنْ شَرْطٌ فُقِدْ فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ، فَاجْرُرْهُ ما هو؟ المفعول له، هذا الظاهر فاقد الشرط، حينئذٍ هل يسمى مفعولاً له مع استيفاء شروطه وجره بلام التعليل، أو لا يسمى إلا إذا كان منصوباً؟ لِزُهْدٍ ذَا قَنِعْ ذا قنع زهداً، زهداً بالنصب لا شك أنه مفعولاً له، لو قال: ذا قنع لزهد مع استيفاء الشروط فجره (باللام) هل هو كذلك يسمى مفعولاً له أم خرج عن المفعولية فصار جاراً ومجروراً؟ نقول: ظاهره أن هذه شروط لنصبه، وأنه عند جره يسمى مفعولاً له كذلك، يعني: بعد جره، والجمهور على أنه حينئذٍ مفعول به إذا جُرَّ بـ (اللام)؛ لأنه رجع إلى أصله، قلنا: هو انتصب على نزع الخافض، فهو في الأصل مفعول به، فإذا جُرَّ بـ (اللام) خرج عن كونه مفعولاً له، فرجع إلى أصله وهو المفعول به، والجمهور على أنه حينئذٍ مفعول به، وعليه هذا الشروط لتحقق ماهية المفعول له. إذاً هذه الشروط لبيان حقيقة المفعول له، وحينئذٍ إذا جر بـ (اللام) قلنا: رجع إلى أصله وهو أنه مفعول به ولا يسمى مفعولاً له.

وقوله: إِنْ أَبَانَ يعني: أن أظهر، تَعْلِيلاً أي أظهر علة الشيء الذي هو الحدث الذي وقع، أي الباعث على الفعل سواء كان غرضاً، نحو: جئتك جبراً لخاطرك، علة الشيء قد يكون الشيء غرضاً، جئت جبراً لخاطرك، إذاً غرض، شيء في النفس، يعني: إرادة سابقة، أو لا يكون كذلك، لا يكون غرضاً، مثل: قعدت عن الحرب جبناً، هل هو مثل الأول؟ جئت جبراً لخاطرك، يعني: هنا بيَّن الإرادة التي كانت سبباً في المجيء، وأما: قعدت جبناً، الجبن هذا لازم له، لا يكون غرضاً، لا يقصد مثل المجيء، حينئذٍ يكون عاماً للنوعين، فقد يكون المفعول له غرضاً، وذلك فيما إذا كانت الإرادة سابقة للفعل نفسه، جئت جبراً لخاطرك، حينئذٍ الجبر هذا -جبر الخاطر- هو علة في حصول المجيء، فلو لم يكن ما حصل المجيء، وأما الجبن فهو ملازم له، الجبان جبان، لا يكون في وقت جبان وفي وقت آخر ليس بجبان، الشجاعة صفة لازمة، والجبن صفة لازمة، وهي من أفعال السجايا جَبُنَ، ولذلك نقول: فَعُلَ، إذاً هو من أفعال السجايا فهو صفة لازمة، أو لا، كـ: قعدت عن الحرب جبناً. إِنْ أَبَانَ تَعْلِيلاً فيشترط في المصدر الذي ينصب على المفعولية على أنه مفعول له أن يكون معلِّلاً، لكن يشترط فيه أن يكون مغايراً للفظ عامله، إذ لو كان مطابقاً للفظ عامله لصار مفعولاً مطلقاً، هذا قيد لا بد من زيادته، يشترط أن يكون من غير لفظ الفعل، فإن كان نحو حِيلَ محِيلاً، محيلاً نصب على المصدرية، يعني: صار مفعولاً مطلقاً. إِنْ أَبَانَ تَعْلِيلاً هذا القيد الثاني، والشرط الثاني. قيل: لا يصح جعله شرطاً للنصب وهو كونه معلِّلاً، كونه معلِّلاً قيل: لا يصح جعله شرطاً للنصب لماذا؟ إذ إبانة التعليل من حقيقة المفعول له، فليست شرطاً خارجاً عن ماهية المفعول له، فرق بين الركن والشرط، الركن ما كان داخلاً في جزء الماهية، والشرط خارج عنه، حينئذٍ كونه معللاً هو داخل في ماهية المفعول له، وإذا كان كذلك لا يجعل شرطاً؛ لأننا إذا جعلناه شرطاً حكمنا عليه بأنه ليس داخلاً في الماهية: وَالرُّكنُ جُزءُ الذَّاتِ والشَّرطُ خَرَج، نقول: الطهارة شرط لصحة الصلاة، والفاتحة ركن، فرق بين الطهارة وقراءة الفاتحة، الفاتحة تكون في الماهية داخلة، والشرط يكون خارجاً.

كونه معللاً هل هو ركن أم شرط؟ الظاهر أنه ركن بمعنى أنه داخل في ماهية المفعول له، حينئذٍ كيف نقول: هو شرط؟ قيل: لا يصح جعله شرطاً للنصب؛ إذ إبانة التعليل من حقيقة المفعول له، فالجواب: أن المصدر إن أبان تعليلاً في المعنى ينصب حال كونه في الاصطلاح يسمى بالمفعول له، يعني: ينظر له من جهتين، نحكم عليه أولاً بأنه معلِّلاً، هذا معنى لغوي قبل الدخول في الاصطلاح، فحينئذٍ ننصبه على أنه مفعول له، ويسمى حينئذٍ مفعولاً له في اصطلاح النحاة، إذاً قبل الحكم عليه بأنه منصوب مفعول له ننظر نظر سابق وهو أنه هل هو مفيد للتعليل أم لا؟ فحينئذٍ الشرط هنا شرط لتحقيق الاسم فحسب، ليس شرطاً في إيجاد المفعول له من حيث هو، فنقول: ننظر في المصدر هل أبان تعليلاً أو لا؟ إن أبان تعليلاً حينئذٍ صح أن نحكم عليه في اصطلاح النحاة بأنه مفعول له، فحينئذٍ صار هذا الشرط سابقاً لوجود اصطلاح النحاة وهو المفعول له، صار ممهداً كالتوطئة مثل ما ذكرنا في زيد في التثنية والجمع، قلنا: لا تثنى ولا يجمع الأعلام، بل لا بد أن يكون نكرة، ثم نقول: الذي يجمع هذا الجمع كعامر علم كيف نشترط فيه أنه علم، ثم نقول: لا يجمع العلم؟ قلنا: شرط العلمية توطئة لجمعه، فهو شرط سابق، وأما التنكير فهو شرط بالفعل، كأنه ذاك في الأول شرط بالقوة ليهيئ الكلمة لأن تكون صالحة للجمع، يعني: تنظر في القواميس وتنظر في ما جاء في لسان العرب، هذا جامد هذا علم، حينئذٍ إذا حكمت عليه بأنه علم من أجل أن تُجوِّز لنفسك جمعه ثم تُنَكِّرُهُ، فالتنكير شرط للإقدام، وأما الحكم عليه بكونه علماً، هذا شرط لتهيئة اللفظ من أجل جمعه، هو نفس الكلام هنا. فالحكم عليه بكونه معلِّلاً شرط لتهيئة اللفظ من أجل صدق مصطلح النحاة وهو مفعول له على هذا اللفظ، إِنْ أَبَانَ تَعْلِيلاً. كَجُدْ شُكْرَاً مثل بمثالين، جُدْ شُكْرَاً، شُكْرَاً هذا مصدر، وقد أبان تعليلاً فإنَّ معناه جد لأجل الشكر، وهو واقع في جواب لِمَ، لِمَ حصل منك الجود؟ شُكْرَاًً. وَدنْ أي طاعة، هذان مثالان: جُدْ شُكْرَاً مثال، وَدنْ هذا أمر، دان يدين دِن، بمعنى اخضع، حذف مفعوله لدليلٍ، وفيه فائدة أنه يجوز حذف المفعول له لدليلِ، وَدنْ طاعة، فهو مثال ثاني بمعنى اخضع، حذف مفعوله لدليل. ثم قال: وَهْوَ بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحِدْ فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ ........ ... وَقْتَاً وَفَاعِلاً وَإِنْ شَرْطٌ فُقِدْ ............................... وَهْوَ أي المصدر المعلِّل، لا تقل: المفعول له، المصدر المعلِّل؛ لأننا ما زلنا نترقى في استيفاء الشروط من أجل النصب، حكمنا عليه بكونه مصدراً، ثم معلِّل، بقي شرطان، وهو كونه متحداً مع الحدث ومشاركاً له وَقْتَاً وَفَاعِلاً.

وَهْوَ أي المصدر المعلِّل، بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحِدْ، بِمَا (الباء) بمعنى مع، يعني: مع ما يعمل فيه متحد، مُتَّحِدْ هذا خبر وَهْوَ، وَهْوَ، بإسكان (الهاء) للوزن، وَهْوَ أي المصدر المعلل، متحد بما يعمل فيه، وما الذي يعمل فيه؟ الحدث إما أن يكون في ضمن الفعل أو الوصف أو المصدر، وَهْوَ بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحِدْ، وَهْوَ أي المصدر المعلل، مُتَّحِدْ مع ما يعمل فيه وَقْتاً يعني في وقتٍ، منصوبٌ على نزع الخافض، وَفَاعِلٍ كذلك منصوب على نزع الخافض، ويحتمل أنهما تمييزان. وَقْتاً وَفَاعِلاً بمعنى أنه يشترط أن يكون وقت إيقاع المصدر هو وقت إيقاع الحدث، العامل فيه، ضربت ابني تأديباً، أن يكون التأديب في زمن الضرب، وأن يكون فاعل التأديب، وفاعل الضرب واحد، فإن انتفيا أو انتفى واحد منهما حينئذٍ انتفى وصف المفعول له، ورجع إلى أصله، وهو من وجوب جره بحرف التعليل. وَهْو بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحِدْ وَقْتاً وَفَاعِلاً .. لم يذكر هنا كونه قلبياً، هذا شرط خامس قد زاده البعض، كونه قلبياً، يعني: المصدر أن يكون قلبياً، احترازاً من أفعال الجوارح، فإذا كان المصدر مبيناً لفعل من أفعال الجوارح، جئتك قراءة للعلم، قراءةً هذا مصدر معلل متحد مع الحدث فاعلاً ووقتاً، وُجِدت فيه الشروط الأربعة، لكن قراءة هذا ليس بعمل قلبي، وإنما هو عمل بالجوارح، قالوا: هذا ليس مصدراً، لا يصح نصبه على أنه مفعول له لماذا؟ لأن القراءة فعل من أفعال الجوارح والحواس، ويشترط في المصدر المنصوب على المفعولية له أن يكون قلبياً، قيل: استغنى عن اشتراط كونه قلبياً لاشتراط اتحاد الوقت، لأن أفعال الجوارح لا تجتمع في الوقت مع الفعل المعلِّل، كأنه اكتفى بقوله: وقتاً، وَهْوَ بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحِدْ وَقْتاً، هذا يدل على أن المصدر لا يكون إلا قلبياً؛ لأنه لا يجتمع مع الحدث -الفاعل له- في الوقت إلا إذا كان قلبياً، وأما أفعال الجوارح فلا يتصور فيها ذلك الاجتماع في الزمن، فبهذا استغني عن اشتراط كونه قلبياً؛ لأن أفعال الجوارح لا تجتمع في الوقت مع الفعل المعلِّل، فلا يصح حينئذٍ قولك: جئتك قراءة للعلم.

إذاً اشترط بعضهم؛ وهذا منسوب للمتأخرين؛ أنه لا يكون الفعل أو المصدر منصوباً على المفعولية له إلا إذا كان قلبياً؛ لأن العلة هي الحاملة على إيجاد الفعل، هذا تعليل آخر، العلة هي الحاملة على إيجاد الفعل، لماذا جئت؟ المجيء ما وقع إلا من أجل الغرض، والغرض هذا أين محله؟ القلب، ثم هل هو سابق عن الفعل أو مقارن أو لاحق؟ سابق، يوجد أولاً الإرادة، ثم بعد ذلك يوجد الفعل، الإرادة سابقة على الفعل، لا شك في هذا، حينئذٍ نقول: العلة هي الحاملة على إيجاد الفعل، والحامل على الشيء متقدم عليه، وأفعال الجوارح ليست كذلك، وردَّه الرضي -رَدَّ هذا الشرط-؛ بأنه لا يشترط في المصدر أن يكون قلبياً؛ لأنهم اتفقوا على جواز إعراب (إصلاحاً) من قول: جئتك إصلاحاً لأمرك، وضربته تأديباً، التأديب هذا شيء حسي، وإصلاحاً هذا شيء حسي كذلك، واتفقوا على أنهما منصوبان على المفعولية مفعول له، كيف نشترط أن يكون قلبياً، ونحن اتفقنا على جواز جئتك إصلاحاً لأمرك وضربته تأديباً، والأصل عدم التقدير، قد يقال بأنه ضربته لإرادة التأديب، وجئتك لإرادة إصلاح أمرك، فالأصل عدم التقدير، مادام أنه حُكِم عليه بأنه مفعول له فالأصل تنزيل المصطلح على اللفظ لا على المضاف المقدر. ورَدَّه الرضي بجواز جئتك إصلاحاً لأمرك، وضربته تأديباً، اتفاقاً، حينئذٍ قال تنصيصاً على هذا: المفعول يكون على ضربين - يعني المفعول له-: ما يتقدم وجوده على مضمون عامله، حينئذٍ يكون من أفعال القلوب، نحو: قعدت جُبناً، لا شك أن الجُبْنَ هذا سابق عن القعود، موجود أولاً ثم قعد، ما حمله على القعود إلا الجبن، فهو سابق. الثاني ما يتقدم على الفعل تصوراً في الذهن فحسب لا في الوجود، ما يتقدم على الفعل تصوراً، أي: يكون غرضاً ولا يلزم كونه فعل القلب، نحو ضربته تقويماً، وجئته إصلاحاً، ضربته تأديباً أو تقويماً وجئته إصلاحاً. إذاً قد يكون المفعول له ليس فعل قلب، وقد يكون كذلك، وأما اشتراطه مطلقاً في كل مفعول له، فهذا محل نظر. وَهْوَ بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحِدْ: وَهْوَ أي المصدر المعلل، مُتَّحِدٌ بِمَا يعني مع ما يَعْمَلُ فِيهِ، وَقْتَاً يعني في الوقت، وفي الفاعل، فإن انتفت المصدرية انتفى المفعول له، وإن انتفى التعليل انتفى المفعول له، وإن انتفى كونه متحداً مع ما يعمل فيه في الوقت انتفى المفعول له، والرابع مثله، ولذلك قال: وَإِنْ شَرْطٌ فُقِدْ فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ، وَإنْ شَرْطٌ من هذه الشروط المذكورة، فُقِدْ يعني: لم يوجد، فَقدُ الشيء إنما يكون بعد وجوده، هذا الأصل، لكن مراده هنا لم يتوفر من أصله، فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ يعني فاجرره وجوباً، لا يجوز نصبه على أنه مفعول له، بل يجب جره بالحرف، والمراد بالحرف هنا حرف التعليل، وفي بعض النسخ فاجرره بـ (اللام)، المراد بها (لام) التعليل، وأطلقها لأنها هي الأصل في الباب، وما عداها محمول عليها، وإلا فحروف التعليل: (اللام) و (من) و (الباء) و (في) هذه أربعة، وزاد بعضهم: (الكاف)، وزاد بعضهم (على)، لكن المشهور هذه الأربعة التي تدخل على المفعول له أصالةً قبل دخول الحرف.

فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ وجوباً، فاجرره بـ (اللام) وجوباً، وما يقوم مقامها، والظاهر أن النسخة بـ (اللام) هي مراد المصنف؛ لأنه قال بعد ذلك: وَقَلَّ أَنْ يَصْحَبَهَا الْمُجَرَّدُ وقل أن يصحبها ما هي؟؟؟؟ هذا الظاهر والله أعلم، أوله بعضهم: قل أن يصحبها حرف الجر بتأويل الكلمة، يَصْحَبَهَا يعني الكلمة أوَّل حرف، فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ فاجرره بالكلمة، التي هي حرف، فأول الحرف بالكلمة وأعاد الضمير عليها بالتأويل، فهذا فيه بُعد، إذاً فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ أو بـ (اللام) نقول: سيان، لكن الظاهر هي بـ (اللام)، ولذلك هي التي شرح عليها الأشموني بـ (اللام)، وأما التي شرح عليها المكودي بالحرف، على كل هذا وذاك ليس بقرآن. فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ وَإنْ شَرْطٌ فُقِدْ، مثال ما فقد المصدرية نحو قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا)) [البقرة:29] هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ (اللام) هذه (لامُ) التعليل فتحت من أجلِ -الأصل فيها الكسر، لتأديبٍ مكسورة هذا الأصل فيها،- فتحت هنا من أجل دخولها على الضمير (له) (لك) فحرف الجر هنا يفتح، فإن المخاطبين هم العلة في الخلق، ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ)) [البقرة:29] لم خلق؟ لكم، إذاً صح أن يقع في جواب لِمَ، فالخلق هو الحدث، وهو معلل، والعلة هو المخاطبون بهذه الآية، وخفض ضميرهم بـ (اللام)؛ لأنه ليس مصدراً فقال: (لَكُمْ)، إذاً مثال ما انتفى فيه المصدرية قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ)) [البقرة:29]، ومثال ما فقد اتحاد الزمن قول الشاعر: فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا ... لَدَى السِّتْرِ إِلا لِبْسَةَ الْمُتَفَضِّل النَّوْمُ هو علة، جِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ، يعني خلعت، لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا، خلع الثياب لمَ؟ لمَ خلعت؟ للنوم، فالنوم علة، إذاً النوم مصدر، وهو معلل، والفاعل واحد، حينئذٍ نقول: ما الذي فقد هنا؟ هو اتحاد الزمن؛ لأن خلع الثياب سابق على النوم، لا يكون مع النوم، حينئذٍ نقول: جئت وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا، لِنَوْمٍ وجب جره بـ (اللام) مع كونه مصدراً معللاً لماذا؟ لفقد شرط اتحاد الوقت، إذ خلع الثياب هذا سابق على النوم مع كون الفاعل واحداً. ومثال فقد اتحاد الفاعل قول الشاعر: وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلّلَهُ الْقَطْرُ وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ، الذكرى هي علة عرو الهزة، تذكر فحصلت له هزة، كمثل العصفور إذا جاء عليه مطر ينتفض، هذا مثلها، إذا تذكرها انتفض، سبحان الله! فإن الذكرى هي علة عرو الهزة، وزمنهما واحد، الزمن واحد، ولكن اختلف الفاعل، ففاعل العرو هو الهزة، وفاعل الذكرى هو المتكلم؛ لأن المعنى لذكري إياكِ، فلما اختلف الفاعل وجب جره بـ (اللام).

وَإنْ شَرْطٌ فُقِدْ ... فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ، هل يتصور فقد شرط التعليل؟ لا يتصور، حينئذٍ وَإنْ شَرْطٌ فُقِدْ: المصدرية واتحاد الوقت واتحاد الفاعل، وأما التعليل لا يتصور أن يفقد من هذه الشروط؛ لأنه لا يجب جره بـ (اللام)، كيف يفقد التعليل ثم نوجب جره بحرف تعليل! هذا ممتنع، تناقض هذا، حينئذٍ نقول: وَإنْ شَرْطٌ فُقِدَ إلا التعليل، حينئذٍ لا بد من أن يكون موجوداً، وإلا لما وجب جره بـ (اللام). فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ أو بـ (اللام)، وما يقوم مقامها، وهو: (من) و (في) و (الباء)، سرى زيد للماءِ أو للعشبِ، هذا (اللام)، ((كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ)) [الحج:22] مِنْ غَمٍّ، (من)، {إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها}، إذاً: إن فقد شرطاً من هذه الشروط ما عدا التعليل وجب جره بـ (اللام)، أو ما يقوم مقامها. ثم قال: وَلَيْسَ يَمْتَنِعْ مَعَ الشُّرُوطِ، ما هو الذي لا يمتنع؟ الجر أو النصب؟ الجر بالحرف -حرف التعليل-، وَلَيْسَ الذي هو: فاجرره بـ (الحرف) أو بـ (اللام)، ليس جره بـ (اللام) يمتنع –ممتنعاً-، متى؟ مع الشروط المذكورة بل يجوز، كقولك: لِزُهْدٍ ذَا قَنِعْ، ذا اسم إشارة، وقَنِعْ فعل ماضي، والفاعل مستتر، لِزُهْدٍ: ذا قنع زهداً، هذا الأصل، فهو مصدر معلل موافق لعامله في الوقت وفي الفاعل، الوقت واحد، القناعة والزهد في وقت واحد، والفاعل واحد، فحينئذٍ نقول: الأصل فيه أنه ينصب على المفعولية، ويجوز جره بـ (اللام)، وفيه جواز تقديم المفعول له على عامله، قال: لِزُهْدٍ ذَا قَنِعْ تقدم على العامل، فدل على جواز تقديم المفعول له على عامله منصوباً كان أو مجروراً، زهداً ذا قنع، ذا قنع زهداً، لزهد ذا قنع، ذا قنع لزهد، هذا أو ذاك، سواء كان منصوباً أو مجروراً يجوز تقديمه، والأصل فيه التأخير. قال الشارح: المفعول له هو المصدر المفهم علة المشارك لعامله في الوقت والفاعل، نحو: جُدْ شُكْراً، فشكراً مصدر، وهو مفهم للتعليل، وضابط كونه مفهماً للتعليل أن يصح أن يقع في جواب لِمَ فعلت كذا؟ وَغَالِبُ الأَحَوَالِ أَنْ تَرَاهُ ... جوَابَ لِمْ فَعَلْتَ مَا تَهْوَاهُ لأن المعنى جد لأجل الشكرِ، ومشاركٌ لعامله، وهو جد في الوقت؛ لأن زمن الشكرِ هو زمن الجود، وفي الفاعل؛ لأن فاعل الجود هو المخاطب، وهو فاعل الشكرِ، كذلك ضربت ابني تأديباً، فتأديباً مصدر وهو مفهم للتعليل، إذ يصح أن يقع في جواب لمَ فعلت الضرب؟ فهو مشاركٌ لضربت في الوقت والفاعل، وحكمه جواز النصب.

إذاً قوله: يُنْصَبُ مَفْعُولاً لَه الْمصْدَرُ جوازاً لا وجوباً، ولو مع استيفاء الشروط، استيفاء الشروط هذه للتجويز لا للإيجاب، إن وجدت فيه هذه الشروط الثلاثة؛ أعني المصدرية وإبانة التعليل واتحاده مع عامله في الوقت والفاعل، جعلهما شرطاً واحداً، ولم يذكر كونه قلبياً، والظاهر أنه يسقطه، فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين جره بحرف التعليل، وهو (اللام) أو (من) أو (في) أو (الباء)، فمثال ما عدمت فيه المصدرية قولك: جئتك للسمن، لا يصح أن تقول: جئتك السمن والعسل، يعني: ما جاء بي إلا من أجل السمن، هذا لا يصح لماذا؟ لأن السمن ليس مصدراً، والعسل كذلك ليس مصدراً، ((وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ)) [الرحمن:10]، الأَنَامِ ليس مصدراً. ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت: جئتك اليوم للإكرام غداً، جئتك اليوم حصل المجيء اليوم، والإكرام المترتب على المجيء سيكون غداً، إذاً انفصلا في الزمن، ومثله: تأهبتُ السفر، لا يصح، وإنما تقول: تأهبتُ للسفرِ، تأهبتُ السفرَ، السفرَ هو علة للتأهب لكنه سابق عليه، حينئذٍ مثل: نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا. ومثال ما لم يتحد معامله في الفاعل: جاء زيدا لإكرام عمر له، جاء زيد لإكرام من؟ عمرو له، جئتك محبتك إياي، المحبة وقعت لمن؟ محبتك إياي، جئتك فاعل المجيء أنا، جئتك، محبتك إياي، المحبة ليست مني، لابد أن يقع مدلول المصدر من المتكلم، جد شكراً، جدتُ شكراً، الجود والشكر مني أنا، متحد، وأما هنا جئتك محبتك إياي، وجب جره بـ (اللام)؛ لأن المحبة ليست مني، ليست فعلي أنا، وإنما هو فعل المخاطب، ((وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ)) [الأنعام:151] ما الذي فقد؟ مِنْ إِمْلاقٍ فقرٍ، هذا مثَّلوا له بفقد كونه قلبياً، بخلاف خَشْيَةِ إِمْلاقٍ، وقد انتفى الاتحادان في قوله: ((أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)) [الإسراء:78] لا الوقت ولا الفاعل، ((أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)) فدلوك الشمس ليس فاعله مقيم الصلاة، حينئذٍ انتفى فيه شرط اتحاد الوقت والفاعل. ولا يمتنع الجر بالحرف مع استكمال الشروط نحو: ذا قنع لزهد، وزعم قومٌ أنه لا يشترط في نصبه إلا كونه مصدراً فحسب مع التعليل، وأما اتحاد الوقت واتحاد الفاعل وكونه قلبياً، هذه الشروط كلها محدثة عند المتأخرين، وأما المتقدمون فليس عندهم هذه الشروط، ولذلك نص السيوطي في همع الهوامع على هذا. قال في الهمع: شرط الأعلم والمتأخرون مشاركته لفعله في الوقت والفاعل، ولم يشترط لذلك سيبويه ولا أحد من المتقدمين، فجوزوا اختلافهما في الوقت واختلافهما في الفاعل.

إذاً المفعول له على مذهب المتقدمين لا يشترط فيه إلا المصدر المعلل فحسب، وأما عند الأعلم والمتأخرين فلا بد من استيفاء كونه متحداً مع عامله في الوقت والفاعل، ولم يشترط ذلك سيبويه ولا أحد من المتقدمين فجوزوا اختلافهما في الوقت واختلافهما في الفاعل ((هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا)) [الرعد:12] على عدم الاشتراط خوفاً هذا مفعول له، (فبظلم حرمنا)، فبسبب ظلمهم، ((مِنْ إِمْلاقٍ)) [الأنعام:151] سابق حينئذٍ يصير مفعولاً لأجله جر باللام، {في هرة} هذا إذا لم نشترط المصدرية كذلك. وَقَلَّ أَنْ يَصْحَبَهَا الْمُجَرَّدُ ... وَالْعَكْسُ فِي مَصْحُوبِ أَلْ وَأنْشَدُوا لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ عَنِ الْهَيْجَاءِ ... وَلَوْ تَوَالَتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ عَنِ الْهَيْجَاءِ ... وَلَوْ تَوَالَتْ هذا من التضمين، ولذلك إذا أعددت الأبيات تسقط هذا البيت، لا تعده، إذا أعددت الألفية سيأتينا بيتان أو ثلاثة كلها من قبيل التضمين ليست من كلامه، لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ عَنِ الْهَيْجَاءِ هذا بيت شعر ضمَّنه الألفية، وليس من صنعه، ولذلك لا يعد، تتركه وتسير إلى ما بعده، فانتبه لهذا. وَقَلَّ قليل، أَنْ يَصْحَبَهَا الْمُجَرَّدُ: المفعول له المستكمل للشروط المتقدمة له ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون مجرداً، يعني مجرداً عن الألف واللام والإضافة، ضربت ابني تأديباً، تأديباً مجرد عن (أل) ومجرد عن الإضافة. الثاني: أن يكون محُلىً بـ (أل) ضربت ابني التأديب. الثالث: أن يكون مضافاً، جئتك ابتغاء الخير، ((حَذَرَ الْمَوْتِ)) [البقرة:19]، هذا مضاف.

حينئذٍ نقول: المستكمل للشروط من المفعول له لا يخرج عن هذه الأحوال الثلاثة، وإذا جوزنا دخول حرف التعليل عليه، حينئذٍ في لسان العرب بالنظر إليه، دخول لام التعليل على هذه الأنواع الثلاثة ليست في مرتبة واحدة، بل دخولها على المجرد قليل، والكثير نصبه دون دخول (اللام) عليه، والمحلى بـ (أل) دخولها عليه كثير، وتجريدها عنه قليل، والمضاف لم يذكره الناظم فدل على أنه مستوي الطرفين، يعني لا يرجح فيه دخول (اللام) أو عدمه، وهذا بالنظر للاستقراء، وأكثر النحاة على هذا؛ أنه إذا كان مجرداً فحينئذٍ نصبه أكثر من جره باللام، وإذا كان محلىً بـ (أل) فجره بـ (اللام) أكثر من نصبه، يعني: إذا جئت به مجرداً من (أل) حينئذٍ أيهما أفصح -كلاهما فصيح-، لكن أيهما أفصح؟ أن تدخل عليه (اللام) أو تتركه كما هو منصوباً؟ لأنه يجوز هذا ويجوز ذاك، أيهما أولى وأفصح وأقرب إلى سعة اللسان العربي؟ أن تجرده من (اللام) فتقول: ضربت ابني تأديباً، أفصح من لتأديبٍ مع جواز الوجهين، والحكم بفصاحة الوجهين كذلك، إلا أن أحدهما أفصح من الآخر، فإذا قلت: ضربت ابني التأديب بـ (أل) حينئذٍ للتأديب أفصح من التأديب فحسب هكذا، لماذا؟ لأن ما وافق الأكثر هو الأفصح، ولذلك سبق معنا أن القياس المطرد في لسان العرب هو الذي يُقَعَّد عليه، وهو الذي يحكم عليه بكونه أفصح أو فصيح، لكن ما لم يكن مطرداً ينظر فيه يعني يوقف معه، هل هو نادر؟ هل هو قليل؟ هل ندورته تخالف الأصل العام؟ ينظر فيه على حسب حاله، وأما الأصل فهو المطرد العام يكون. وَقَلَّ قليل، أَنْ يَصْحَبَهَا الْمُجَرَّدُ: الْمُجَرَّدُ هذا فاعل يَصْحَب، قَلَّ الْمُجَرَّدُ أَنْ يَصْحَبَهَا الضمير يعود إلى اللام أو الحرف لتأويل الكلمة؛ لأن (الهاء) هنا مؤنث، مرجعه لابد أن يكون مؤنثاً، و (اللام) هنا كالأصل إذا قلنا: الحرف مذكر هذا إلا باعتبار كونه كلمة، الحرف كلمة، كما أن الاسم كلمة، والفعل كلمة، حينئذٍ نقول: بتأويل الحرف بكونه كلمة، أرجع الضمير إليه مؤنثاً، وهذا لا إشكال فيه، لكن لو قيل: فَاجْرُرْهُ بـ (اللام) وما يقوم مقامه هذا أحسن، بعضهم يرى أنه لو رجح بالحرف أولى ليعم (من) و (الباء) و (في)، نقول: كذلك يعم غيرها فيحدث في لبس وإيهام؛ لأنه قال: فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ ولم يقيده بكونه حرف تعليل، إذاً حروف الجر كلها دخلت ففيه إيهام أيضاً، حينئذٍ نقول: فَاجْرُرْهُ بـ (اللام) أرجح من هذه الجهة كونه خاصاً، وذكر الأصل والإحالة على الفرع هذا مستقيم، كما يقال: فارفعه بالفعل مثلاً، قد يرفع بالوصف قد يرفع بالمصدر، هذا لا ينفي، وإنما يذكر الأصل، ويحال على الفرع، وهنا ذُكر الأصل فَاجْرُرْهُ بـ (اللام) وأحيل على الفرع، هذا لا إشكال، ويرجحه كذلك أنه إذا قلنا: فَاجْرُرْهُ بِالْحَرْفِ نقول: هذا لم يقيده بكونه حرف التعليل فيختص بالأربعة الأحرف، وإنما أطلقه، وإذا أطلقه فحينئذٍ نقول: هذا فيه إشكال.

وَقَلَّ أَنْ يَصْحَبَهَا أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل قَلَّ، الْمُجَرَّدُ فاعل يصحب، أَنْ يَصْحَبَهَا أن يصحب المجردُ (اللامَ)، وَقَلَّ أَنْ يَصْحَبَهَا الْمُجَرَّدُ الْمُجَرَّدُ فاعل يصحب، (والهاء) ضمير متصل مفعول به، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل قَلَّ، قلَّ صحبة المجرد لها، هكذا التقدير: قلَّ صحبة المجرد لها، يعني لـ (اللام)، وَالْعَكْسُ ثابت، وهو كثرة صحبتها للمصدر المعلل، أو إن شئت قل: للمفعول له، كثرة صحبتها بمعنى كثر دخول (اللام) على المحلى بـ (أل)؛ لأنه قال: وَالْعَكْسُ فِي مَصْحُوبِ أَلْ، ومصحوب (أل) هو ما بعد (أل)، التأديب، تأديب هو المصدر المعلل دخلت عليه (أل)، حينئذٍ دخول اللام لتعليل (أل) أو مصحوب (أل)؟ مصحوب (أل)، ولو قال: لمَ دخلت عليه (أل) لا يوجد إشكال؛ لأن (أل) هنا تنزل منزلة الجزء من الكلمة فلا اعتبار لها، حينئذٍ هل هي مُعرِّفة أو لا؟ إذا دخلت أل على تأديباً؟ نقول: نعم الصواب أنها معرِّفة، وذهب بعضهم إلى أنه نكرة، و (أل) زائد، والصحيح أنها معرِّفة، وكذلك يتعرف بالإضافة. وَالْعَكْسُ فِي مَصْحُوبِ أَلْ يعني: كثُر صحبتها، وقلَّ نصبه، وَأنْشَدُوا: لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ، أنْشَدُوا على أي شيء يريد أن يستدل الآن؟ على عدم دخول (أل) على المحلى بـ (أل) يعني نصب المحل بـ (أل)، أنشدوا، هذا قليل أو كثير؟ قليل، أراد أن يستدل على القليل، وأما الكثير فهو كاسمه كثير موجود، وأما القليل أراد أن يستدل عليه، وأنشدوا عليه الذي هو قلة النصب. لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ الخوف، يعني لأجله، عَنِ الْهَيْجَاءِ بالمد والقصر، وهي الحرب، وَلَوْ تَوَالَتْ تتابعت، زُمَرُ الأَعْدَاءِ جمع عدو، والزمر جمع زمرة، والمراد بها جماعات الأعداء. لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ لا أقعد لأجلِ الجبنِ، فحينئذٍ الجبن نقول: هذا مصدر معلل متحد مع عامله مشارك له في الوقت والفاعل، نصب على أنه مفعول له، ودخلت عليه (أل)، والأكثر استعمالاً دخول (اللام) عليه، لا أقعد للجبنِ، هذا الأصل، ولكن سمع تجريده من (أل) وهو قليل، فينصب على الأصل، وَقَلَّ أَنْ يَصْحَبَهَا الْمُجَرَّدُ ... وَالْعَكْسُ .. الْعَكْسُ المراد به العكس اللغوي، وليس العكس الاصطلاحي المنطقي، إنما المراد به العكس اللغوي الذي هو خلاف، يفسر بالخلاف، وَالْعَكْسُ يعني خلاف المذكور السابق، وهو كثرة أَنْ يَصْحَبَهَا، وقلة أن يُنصَب، وَأنْشَدُوا يعني: النحاة، استدلالاً على هذا، لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ، الجبن الخوف، يقال: رجل جبان وامرأة جبان، يتحد فيها النوعان، عَنِ الْهَيْجَاءِ ... وَلَوْ تَوَالَتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ.

قال: كلها الأنواع الثلاثة، وأما المضاف تركه الناظم، فيفهم من كلامه أنه يستوي فيه الأمران؛ لأنه بَيَّن قلة اتصالها بالمجرد، وكثرة اتصالها بالمحلى وسكت عن المضاف فدل على أنه استوى فيه الأمران، ولذلك جئتك ابتغاء الخير، وفهم من كلامه استواء الأمرين في المضاف، وصرح به في التسهيل ((يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ)) [البقرة:265] ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ بالنصب، لم تدخل عليه (اللام)، ((وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)) [البقرة:74]، مِنْ هذه من تعليلية، وخَشْيَةِ اللَّهِ هذا في الأصل مفعول له، وهو مضاف، إذاً جُرَّ بالحرف، وكذلك نُصِب، ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، وسبق ((حَذَرَ الْمَوْتِ)) [البقرة:19]، والأكثر في القرآن النصب، وإن سوَّى بينهما الناظم هنا، وهو المشهور عند النحاة، لكن في القران الأكثر النصب، فإذا كان كذلك؟؟؟ قال: وكلها يجوز أن تجر بحرف التعليل، لكن الأكثر فيما تجرد عن (الألف) و (اللام) والإضافة النصب، المجرد منهما الأكثر فيه النصب، ضربتُ ابني تأديباً، تأديباً هذا مجرد من (أل) ومن الإضافة، ويجوز جره ضربتُ ابني لتأديبٍ، جائز، وزعم الجزولي أنه لا يجوز جره، وهو خلاف ما صرح به النحويون، وما صحب (الألف) و (اللام) بعكس المجرد، فالأكثر جره، ويجوز نصبه ضربت ابني للتأديبِ، أكثر من ضربت ابني التأديبَ، ومما جاء فيه منصوباً ما أنشده المصنف: لاَ أَقْعُدُ الْجُبْنَ عَنِ الْهَيْجَاءِ .. البيت، فالجبن مفعول له، أي لا أقعد لأجلِ الجبنِ، ومثله قوله: فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْماً إِذَا رَكِبُوا ... شَنُّوا الإِغَارةَ فُرْسَاناً ورُكْبَانَا أين الشاهد؟ الإِغَارةَ، دخلت عليه (أل) ومع ذلك نصب. وأما المضاف فيجوز فيه الأمران: النصب والجر على السواء، ضربتُ ابني تأديبه ولتأديبه، وهذا قد يفهم من كلام المصنف، بل يفهم؛ لأنه لما ذكر أنه يقلُّ جر المجرد ونصب المصاحب (للألف) و (اللام)، علم أن المضاف لا يقلُّ فيه واحد منهما، بل يكثر فيه الأمران، ومما جاء منصوباً قوله تعالى: ((يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ)) [البقرة:19] جاء بالنصب، ومنه قوله: وأَغْفِرُ عَورَاءَ الكَرِيمِ ادّخارَهُ .. ادّخارَهُ هذا مضاف إلى الهاء وأُعْرِضُ عَن شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمَا ادّخارَهُ يعني: لادخاره، هذا مضاف إلى الضمير، إذاً المفعول له هو: المصدر المعلل المشارك لعامله وقتاً وفاعلاً، وكذلك يزاد أن المصدر هناك لا يكون مؤولاً بالصريح، وإنما يكون مصدراً صريحاً، كذلك من أحكامه: أنه لا يجوز تعدده منصوباً أو مخفوضاً، إلا بإبدال أو عطف.

وشروطه خمسة: كونه مصدراً، فلا يجوز: جئتك السمن والعسل، كونه قلبياً عند كثير من المتأخرين، كالرغبة ونحوها، فلا يجوز: جئتك قراءة للعلم، ولا: قتلاً للكافر، القتل من أعمال الجوارح، وأجاز الفارسي: جئتك ضرب زيد، يعني لتضرب زيد، ثالثاً: كونه علة غرضاً كان كالمحبة أو غير غرض، مثل: قعد عن الحرب جبناً، رابعاً: اتحاده بالمعلَّل به وقتاً، فلا يجوز: تأهبتُ السفرَ، خامساً: اتحاده بالمعلَّل به فاعلاً، فلا يجوز: جئتك محبتُك إياي، فهذا لا يجوز أن ينصب على أنه مفعول له. ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: المَفْعُولُ فِيهِ وهُوَ المُسَمَّى ظَرْفاً. ذكر لنا عنوانين، يعني هذا الذي سيذكره له اصطلاحان: مفعول فيه والظرف، وهذا عند البصريين -يسمى المفعول فيه والظرف-، وكذلك سماه الفراء محلاً، فهو كذلك هو محل، لأن يوم الخميس مثلاً وقع فيه الصوم، والأمام وقع فيه الجلوس فهو محل، والكسائي وأصحابه صفة واشتهر عن الكوفيين مفعولاً فيه، وافقوا البصريين في التسمية الأولى، ونازعوا في تسميته ظرفاً، لهم علل. وقدمه على المفعول معه هنا، لقربه من المفعول المطلق، لكونه مستلزماً له في الواقع، إذ لا يخلو الحدث عن زمان ومكان، لأن المفعول المطلق قلنا: هو في الأصل حدث، مصدر، ضربت ضرباً، إذاً هذا أقرب إلى الفعل؛ لأنه أحد جزئي الفعل، والحدث يستلزم محلاً يقع فيه إما مكاناً وإما زمناً، بل الفعل يدل على الزمن بدلالة التضمن، ويدل على المكان بدلالة الالتزام، إذاً هو أقرب، يستلزمه الفعل، وما استلزمه الفعل يكون أقرب، لكون مستلزماً له في الواقع، إذ لا يخلو الحدث عن زمان ومكان، ولأن العامل يصل إليه بنفسه لا بواسطة حرف ملفوظ بخلافه، المفعول معه لا يكون هكذا جرداً بين العامل والمعمول، سرت (وو) والنيل لا يجوز حذف الواو هنا، بل بعضهم رأى أن العامل توصل إلى المعمول بواسطة هذه (الواو)، إذاً ما توصل العامل إليه بنفسه، صمت يوم الخميس دون (واو) هذا أقوى مما توصل إليه العامل بحرف سواء كان مذكوراً أو لا، لكن في المفعول معه لا يجوز حذفه. المَفْعُولُ فِيهِ: يقال في الضمير ما قيل في المفعول له، وهو -أي المفعول له- المسمى والمعنون له عند النحاة البصريين ظرفاً، فيسمى ظرفاً، وأطلق الظرف، ويشمل نوعيه: ظرف الزمان وظرف المكان، والظرف أخص من اسم الزمان، وأخص من اسم المكان، كل منهما أخص؛ لأن اسم الزمان: كل لفظ دل على زمن، واسم المكان: كل لفظ مدلوله المكان، وأما الظرف لا، بل هو اسم زمان مقيد، وظرف المكان: اسم مكان مقيد، حينئذٍ أراد أن يعرِّف الناظم المقيد دون المطلق؛ لأنه لا التفات إلى اسم الزمان من حيث هو، ولذلك نقول: يوم -لوحدها هكذا- هو اسم زمان، قد يكون ظرفاً وقد لا يكون. إذاً يومٌ أعم من كونه ظرفاً، لجواز انفكاكه عنه، إذا قيل: لفظ يوم يجوز أن يكون ظرفاً، مثل: صمت يوم الخميس، ويجوز أن لا يكون ظرفاً كقوله: ((إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا)) [الإنسان:10] ((وَاتَّقُوا يَوْمًا)) [البقرة:48] ليس بظرف هنا، فحينئذٍ نقول: ما جاز أن يكون ظرفاً وغيره أعم من مما اختص بالظرف.

الظَّرْفُ وَقْتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا ... فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا اَلظَّرْفُ في اللغة: الوعاء، وهذا مناسب لظرف الزمان وظرف المكان؛ لأن ظرف الزمان وعاء للحدث باعتبار كونه زمناً يقع فيه، وظرف المكان وعاء للحدث باعتباره كونه مكاناً له. إذاً كل منهما وعاء، مثل الكأس يكون وعاءً للماء، فهذا ظرف (كأس)، والماء مظروف، كذلك الزمن يكون للحدث ظرفاً، فيكون الحدث الذي هو الصوم قد وقع في الزمن، وكذلك يكون قد وقع في المكان مثله، المعنى واحد، ولذلك المعنى اللغوي يكون أعم من المعنى الاصطلاحي. وأما في الاصطلاح فقال: اَلظَّرْفُ وَقْتٌ يعني اسم وقت، اَلظَّرْفُ مبتدأ، ووَقْتٌ هذا خبره، المراد اسم وقت، أَوْ للتنويع والتقسيم، مَكَانٌ أي اسم مكان، ودائماً قلنا: الجنس يكون أعم من المحدود، ما هو المحدود؟ ظرف، اسم الوقت؟ جنس. إذاً يكون أعم على ما ذكرناه، كل ظرف زمان اسم وقت، ولا عكس، كل ظرف مكان اسم مكان، ولا عكس.

إذاً عندنا أربعة أشياء: اسم زمان، وظرف زمان، اسم مكان، وظرف مكان. ليس كل لفظ دل على زمن يكون ظرف زمان، وليس كل لفظ دل على مكان يكون ظرف مكان، انتبه لهذا، الطلاب يخطئون، فحينئذٍ نقول: اسم الزمان مثل: يوم، يأتيك ((وَاتَّقُوا يَوْمًا)) [البقرة:48] هذا مفعول به «هذا يومٌ مبارك» ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ)) [المائدة:119] هذا يوم، جاء خبر، يوم العيد يوم مبارك، هذا جاء مبتدأ، حينئذٍ كيف جاء مبتدأ، والظرف لا يكون إلا منصوباً؟ نقول: هنا ليس بظرف، بل هو اسم زمان وقع مبتدأً، ولا تنافي بينهما، وإنما الذي يتنافى أن يكون ظرف زمان ويقع مبتدأً؛ لأنه لا بد له من متعلق ينصبه، والأصل فيه أن يكون فعلاً، فكيف يكون فعلاً وهو مبتدأ هذا فيه تنافي؟، إذاً َقْتٌ نقول: هذا المراد به اسم وقت، وهو ما دل على زمن، كيوم وساعة وحين ووقت، أَوْ مَكَانٌ أي اسم مكان، و (أَوْ) هنا للتنويع، فدل على أن الظرف ينقسم إلى قسمين: ظرف زمان، وظرف مكان، فأدخل القسمة في الحد، وَقْتٌ أَوْ مَكَانٌ نقول: الكلمتان هاتان شملت الظرف وغير الظرف، فأراد إخراج غير الظرف، اسم الزمان الذي لا يكون ظرفاً، واسم المكان الذي لا يكون ظرف مكان، قال: ضُمِّنَا فِي، يعني ضمن ذلك اسم الزمانِ معنى (فِي)، والمراد بـ (في) الظرفية، والمراد أنه يلاحظ معنى الظرفية، وهي الوعاء، الظرف وعاء، حينئذٍ (في) تدل على الظرفية، ما المراد؟ نقول: الماء في الكوز، الماء في الكأس، دلت (في) هنا على أن الكأس ظرف قد حوى الماء، هنا كذلك إذا دل اسم الزمان واسم المكان باعتبار تضمين معنى (في)، على أن اسم الزمان صار ظرفاً لغيره، واسم المكان صار ظرفاً لغيره صار ظرفاً حينئذٍ، وأما إذا لم يكن كذلك حينئذٍ لا نحكم عليه بكونه ظرف زمان ولا ظرف مكان، إذا استطاع أن يفهم من لفظ اسم الزمان أو اسم المكان معنى الظرفية وملاحظة الظرفية، حينئذٍ نقول: هذا ظرف زمان أو ظرف مكان، وأما إذا لم يكن كذلك فهو باقٍ على أصله، ((اتَّقُوا يَوْمًا)) [البقرة:48] هل اليوم ظرف للتقوى؟ هل هو على معنى (في)؟ لا؛ لأن التقوى لو كانت على معنى (في)، لصار يوماً هنا منصوباً على الظرفية، فصار المراد إيجاد التقوى في ذلك اليوم، فيكون ذلك اليوم وعاءً للتقوى، حينئذٍ خرجت التقوى من الأمر بها في الدنيا، صارت مؤجلة إلى الآخرة، ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ)) [البقرة:281]، وإنما المراد اتقوا نفس اليوم، نفس اليوم هو المتقى. إذاً ليس على معنى (في)، لكن لو قلت: صمت يوم الخميس، يوم الخميس صار ظرفاً للصوم، كأنه قال: صمت في يوم الخميس، فمعنى الظرفية هنا ملاحظ، لا يشترط التصريح بلفظ (في) حتى نحكم عليه بأنه ظرف زمان أو مكان، لا، وإنما تلاحظ المعنى الذي تدل عليه (في)، وهو الظرفية فحسب سواء أمكن التصريح أو لا، يعني: لا يشترط إذا قلت: صمت يوم الخميس، هل هو ظرف أولا؟ قال: اصبر صمت في يوم الخميس، صح، نقول: لا، لا يشترط فيه، وإنما هل التركيب هنا على معنى الظرفية أو لا؟ هل يوم الخميس وعاء للصوم؟ إن كان نعم فهو ظرف، وإلا فلا.

إذاً قوله: ضُمِّنَا (الألف) هذه نائب فاعل، و (في) .. ضُمِّنَا، فُعِّلَ، هذا مغير الصيغة يتعدى إلى اثنين، الأول هو الذي ناب عن الفاعل، وهو الألف، والثاني (فِي)، فِي حرف قصد لفظه، وإذا قصد لفظه صار علماً، إذاً (فِي) مفعول به، ضُمِّنَا الوقت، اسم الوقتِ، واسم المكان معنى (في)، معنى (في) هو الظرفية، ومعنى تضمنه: معناها إشارته إليه، يعني: اللفظ يشير إلى معنى الظرفية، وهو كونه وعاءً للحدث الذي دل عليه العامل، سيأتي: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، يعني: بالحدث الذي وقع فيه، سواء كان هذا الحدث في ضمن فعلٍ أو وصفٍ أو مجرد، فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، حينئذٍ نقول: معنى (في) هو الظرفية، ومعنى تضمنه معناها إشارته إليه، لكونه في قوة تقديرها، وإن لم يصح التصريح بها في الظروف التي لا تتصرف، كـ (عند)، جئت عند زيد، جئت عند صلاة العصر، نقول: (عند) هنا منصوب على الظرفية، وملاحظ فيه معنى الظرفية، إذا قلت: صمت يوم الخميس، يمكن أن يقال: صمت في يوم الخميس، فتصرح بـ (في)، لكن بعض الظروف التي لا تتصرف، التي ملازمة للظرفية وشبه الظرفية هذه لا يصح التصريح بها أبداً؛ لأنها لا تُجر أصلاً بحرف الجر، وإن جُرَّت فإنما يختص بحروف الجر (من) فحسب، وما عداها فلا، فـ (عند) هذا ملازم للظرفية، جئت عند صلاة العصر، ملاحظٌ أن عند صلاة العصر مضمنٌ معنى (في)، وهو الظرفية وأن المجيء كان في ذلك الزمن، فالزمن الذي هو عند صلاة العصر؛ لأن (عند) تكون اسم زمان واسم مكان باعتبار المضاف إليه مثل (كل)، عند المسجد صارت ظرف مكان، عند صلاة العصر، عند الصباح، عند المساء، صارت ظرف زمان، حينئذٍ جئت عند صلاة العصر، يعني: وقت صلاة العصر صار ظرفاً للمجيء، لكن هل يصح أن يقال: جئت في عند صلاة العصر، كما تقول: صمت في يوم الخميس؟ لا يصح. إذاً لا يشترط تضمين معنى (في) أن يصرح بها، هذا لم يقل به أحد من النحاة. ضُمِّنَا معنى (في)، إذاً أخرج كل اسم زمان، واسم مكان ليس بظرف، إذ اسم الزمان واسم المكان، أعم من الظرف.

بِاطِّرَادٍ المراد به أن يكون مطرداً، يعني: في كل تركيب، إن كان في بعض التراكيب دون بعض، نقول: هذا ليس بظرف مكان ولا بظرف زمان، احترازاً عن بعض الألفاظ من أسماء المكان المختصة، سيأتي أنه لا ينصب على الظرفية إلا اسم المكان المُبهَم، وأما المُختَص فلا ينصب على الظرفية، سُمِعَ بعض الألفاظ: دخلت الدارَ، الدارَ هذا اسم مكان، هنا ضمن معنى (في)، لكنه ليس مطرداً في كل تركيب مع سائر الأفعال، بل هو في فعل خاص دخلت، سمع دخل مع الدارِ فقط، سكنت الشامَ، يعني في الشامِ، هذا الأصل، لم يسمع لفظ الشام وهو لفظ اسم مكان مختص منصوب على الظرفية في الظاهر، -وفيه خلاف سيأتي-، أنه متضمن لمعنى (في) إلا مع سكنت، طيب وغير سكنت؟ يرجع إلى أصله، وهو أنه يجر بحرف الجر بحسبه، حينئذٍ نقول: هذه الألفاظ المسموعة في لسان العرب، وهي أسماء مكان، نقول: ليس تضمين معنى (في) معها إلا مع ألفاظ معينة من الأفعال، فحينئذٍ متى يكون ظرف زمان أوظرف مكان؟ إذا ضُمِّن معنى (في) مع كل فعل، وأما إذا اختص ببعض الأفعال دون بعض، نقول: لا هذا خلل خدش في الحكم عليه بكونه ظرف زمان أو ظرف مكان. إذاً قوله: بِاطِّرَادٍ هذا مراده بأن يتعدى إليه سائر الأفعال، ولذلك قال: واحترز بقوله: بِاطِّرَادٍ من نحو دخلتُ البيتَ، وسكنتُ الدارَ، وذهبتُ الشامَ مما انتصب بالواقع فيه، فإن كل واحد من البيت والدار والشام متضمن معنى (في)، ولكن تضمنه معنى (في) ليس مطرداً لماذا؟ لأنه اسم مكان مختص، واسم مكان مختص لا يتضمن معنى (في) بالأصل، وإنما تكون هذه الألفاظ مسموعة، يعني: تحفظ ولا يقاس عليها. إذاً قوله: بِاطِّرَادٍ احترز به من هذه الألفاظ، وإذا قيل بأن البيت والدار والشام اسم مكان مختص، حينئذٍ هو ليس بظرف؛ إذ لا يطرد نصبُه مع سائر الأفعال، إذ لا يقال: نمت البيت، على أنه ظرف مكان، وإنما سكنت البيت، سكنت الدار فقط، وإنما نمت الدار، يعني نمت في الدار هذا لا يقال، لماذا لا يقال؟ لأن الأصل فيه المنع، وإنما جُوِّز سكنت الدار لكونه سماعياً فحسب، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يُحترز عنه فلا يقال: نمت البيت، ولا قرأت الدار، وصليت المسجد، يعني: صليت في المسجد، وهذا لا يطرد مع سائر الأفعال، وإنما هو سمع في ألفاظ محدودة فحسب، وعليه لا يحتاج إلى قيد: بِاطِّرَادٍ، فقوله: بِاطِّرَادٍ هذا قيدا لا يُقَيَّدُ به، بل يجب حذفه، فالدار من قوله: دخلت الدار ليس بظرف، وفي نصبه إذا قلنا: ليس بظرف، حينئذٍ ننصبه على ماذا؟ دخلت الدار بالنصب، ظاهره على أنه ظرف مكان، نقول: لا، فيه ثلاثة مذاهب للنحاة: الأول: أنه انتصب نصب المفعول به بعد إسقاط الخافض على وجه التوسع والمجاز، وهذا مذهب ابن مالك رحمه الله تعالى، أنه مفعول به، انتصب بعد نزع الخافض منه.

الثاني: أنه مفعول به حقيقة، وأنه دخل معه -دخلت الدار- دخل معه متعدٍ بنفسه، وهذا بعيد؛ لأن دخل ليس متعدياً، دخلتُ الدار مفعول به حقيقةً، ودخل هذا متعدي مثل ضربت، هذا بعيد، المذهب الأول أقرب، وهو مذهب ابن مالك رحمه الله، أنه لازم، ولكنه تعدى إلى المفعول بحرف الجر مثل مررت بزيد، ثم حذف حرف الجر من باب التوسع، أسقط فانتصب، وهذا قريب لا إشكال فيه. الثالث: أنه ظرف، وأُجري مُجرى المبهم من ظرف المكان، إذاً الثالث أنه ظرف وأجري مجرى المبهم من ظرف المكان؛ لأنه اسم مكان مختص، وإذا كان كذلك لا ينتصب على الظرفية. القول الثالث: أنه ظرف عُومِل معاملة المبهم؛ لأنه لا ينتصب من أسماء المكان إلا المبهم، حينئذٍ على المذاهب الثلاثة هذه، هل قوله: بِاطِّرَادٍ يجري قيداً للاحتراز أم يكون لغواً؟ فأما على الثاني والثالث فلا يحتاج إلى قيد الاطراد على المذهب الثاني، وهو كونه دخل متعدياً بنفسه، وأنه مفعول به حقيقة لا نحتاج إلى الاطراد، لماذا؟ لأنه أخرجه بقوله: ضمِّن معنى (في) والمفعول به لا يتضمن معنى (في)، إذا قلنا بأنه مفعول به حقيقة، فحينئذٍ نقول: لا نحتاج إلى قيد الاطراد، لأن قوله: ضمِّن معنى (في) أخرج المفعول به؛ لأن المفعول به ينتصب لا على معنى (في)، وكذلك على الثالث، وهو أنه ظرف، حينئذٍ دخل معنا بقوله: ضمِّن معنى (في). إذاً فأما على الثاني والثالث فلا يحتاج إلى قيد الاطراد؛ لأنه إن كان ظرفاً فهو داخل في الظروف، على قوله: معنى (في)، وإن كان مفعولاً به حقيقة فلا يحتاج إلى قيد الاطراد؛ لأنه ليس على معنى (في)، وأما على الأول، وهو رأي الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى، فيحتاج إلى قيد الاطراد، وعليه قوله: بِاطِّرَادٍ ليس حشواً -هذا المراد-، ليس حشواً، بل أراد أن يحترز عن هذا النوع دخل البيت؛ لأن ابن عقيل يقول: فيه نظر، والصواب أنه على مذهبه هو، أنت الآن إذا شرحت، إذا كان ثم قيود، والناظم له مذهب، وأنت تخالفه، حينئذٍ (احترازات) لا تنتقدها إلا باعتبار مذهبه المختار عنده، لا تشرح من رأسك هكذا، وتقول: هذا يخرج به كذا وهذا .. إلى آخره، وتعلل، وتضعف، لا، ما مذهبه؟ مذهب ابن مالك في هذه الألفاظ المنصوبة، وهي أسماء مكان مختصة، أنها مُشَبَّهة بالمفعول به، فالأصل فيها أنها على حذف حرف الجر توسعاً فانتصب ما بعده. وأما على الأول فيحتاج إلى قيد الاطراد، فإن نصبه على التوسع والمجاز حكم اللفظ فلا يخرجه ذلك عن معنى (في)، وهذا هو الذي اعتبر الناظم إلى قيد الاطراد خلافاً إلى ما ذهب إليه الشارح. اَلظَّرْفُ وقتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا ... فِي بِاطِّرَادٍ دون لفظها لو صُرِّح بـ (في) صمت في يوم الخميس، يوم الخميس ظرف أم اسم زمان؟ فيه خلاف، والصحيح أنه ليس بظرف، شرط الحكم على اسم الزمان أنه ظرف ألا يُصرّح بـ (في)، ألا ينطق بها، وإنما يلاحظ معناها فحسب، فإذا قال: صمت في يوم الخميس نقول: في يوم جار ومجرور متعلق بصمت. ويشترط في اسم الزمان أن يُسقط الحرف فيقول: صمت يوم الخميس؛ لأنه منصوب، نحن الآن نتكلم في باب المفعول فيه وهو منصوب، من باب المنصوبات، فإذا قلت: في يوم الخميس أخرجته عن كونه ظرف زمان.

إذاً (في) ضُمِّن معنى (في) دون لفظها، فإن نطق به فحينئذٍ نقول: خرج عن كونه ظرف زمان. بِاطِّرَادٍ عرفنا ماذا أراد به، باطراد ما أعرابه؟ ضمِّن معنى (في)، ثم هذا -مضمن معنى (في) - قد يكون في كل تركيب، وقد لا يكون، إذاً متعلق بقوله: ضُمِّنَا، ضمِّن باطراد معنى (في)، فإن ضمن معنى (في) لا باطراد كـ: سكنت الدار، وسكنت الشام نقول: هذا ليس بظرف زمان، وليس بظرف مكان، إذاً المراد هنا بِاطِّرَادٍ متعلق بقوله: ضُمِّنَا، كأنه قال: ضمِّنا باطراد معنى (في) احترازاً مما ضمن معنى في لا باطراد، وهو ما ذكرنا فيه المذاهب الثلاثة. كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا، امْكُثْ هُنَا، ما إعراب هُنَا؟ ما نوعه؟ هو يريد أن يمثل إلى أي شيء؟ وَبِهُنَا أوْ هاهُنَا أشِرْ، هُنَا قلنا: اسم موضع، إشارة إلى موضع مكان، إذاً اسم مكان، ضمن معنى (في)، يعني (في) هنا، لا تصرح فيها (في هنا)، وإنما يلاحظ فيها معنى الظرفية، فحينئذٍ نقول: هُنَا منصوب على الظرفية المكانية؛ لأنه اسم مكان ثم ضمن معنى (في) وبِاطِّرَادٍ، وجد فيه الحد بكامله. أَزْمُنَا: أزمناً جمع زمان، والزمان هذا اسم زمان، ولكنه هنا ظرف زمان؛ لأنه اسم زمان ضمن معنى (في) باطراد، مع كل فعل. امْكُثْ في أزمن، فالزمان باعتبار تعدده هنا يكون محلاً للمُكث، كما أن المكان الموضع يكون محلاً للمُكث، فالمُكث الذي هو فعل الفاعل يكون المكان له وعاء، هنا في هذا الموضع، كذلك الزمان يكون له وعاء. اَلظَّرْفُ وقتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا ... فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا هُنَا: هذا اسم مكان، وأَزْمُنَا: اسم زمان انتصبا على الظرفية الزمانية والظرفية المكانية. قال الشارح: عرَّف المصنف الظرف بأنه زمان أو مكان ضمن معنى (في) باطراد، نحو امكث هنا أزمنا، فـ هُنَا ظرف مكان، وأَزْمُنَا ظرف زمان، وكل منهما تضمن معنى (في)، لأن المعنى امكث في هذا الموضع، وفي أزمن، وإذا قيل: تضمن معنى (في) سبق معنا هناك: كالشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا ... والمَعْنَوِيِّ في مَتَى وَفِي هُنَا قلنا: الشبه المعنوي أن يتضمن الاسم معنى حرف، فكان موجباً للبناء، وهنا إذا قلت: هُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا تضمن معنى (في) وهو حرف، اسم تضمن معنى حرف، فالأصل فيه أن يكون مبنياً، هل هذا إلزام أما لا؟ إذا قلنا: ضمن معنى (في)، إذاً اسم تضمن معنى الحرف، ومتى الاستفهامية اسم تضمن معنى همزة الاستفهام، ومتى الشرطية اسم تضمن معنى إن الشرطية، وهَلُمَّ جَرًّا، وهنا اسم تضمن معنى (في) الظرفية، وأَزْمُنَا اسم تضمن معنى (في) الظرفية، الجواب: أنَّ تضمن معنى الحرف إنما يكون موجباً للبناء في البناء اللازم، وهذا سبق معنا أن ثَمَّ فرقاً بين اللازم والعارض، العارض كالمبني (يا زيد) نقول: زيد هذا ليس مبنياً في الأصل، وإنما دخلت عليه ياء فبني، إذاً صار منادى، هذا عارض، كذلك سيأتينا في باب الإضافة، أنه قد تبنى بعض الألفاظ باعتبار المضاف إليه فاكتسب البناء منها، مثل حين، سيأتي معنا.

ما كان البناء فيه عارضاً، إذا ضمن معنى الحرف لا يكون موجباً للبناء، وإنما تضمينه معنى الحرف يكون موجباً ومقتضياً للبناء إذا كان البناء فيه لازماً، ولذلك العلل الأربعة السابقة قلنا تلك يُعَلَّل بها المبني اللازم واجب البناء، مطرد في كل لفظ، وأما هنا لا، ليس مطرداً، نحن نقول: أزمن زمان، زمان هذا في كل تركيب يكون زمان مضمن معنى (في)؟ لا، ألا تقول: هذا زمن مبارك، زمن صار خبراً، صمت يوماً، يوماً قلنا: هذا يخرج عن الظرفية، يكون مبتدأ إلى آخره إذا كان مبتدأ هل هو مضمن معنى الحرف؟ ليس مضمناً معنى الحرف، إذاً ما كان بناؤه لازماً وضمن معنى الحرف، صار تضمينُ الحرف له هو علة البناء، وما كان مضمناً لمعنى الحرف في وقت دون وقت، حينئذٍ لا نقول: هذا موجب للبناء، لا، فلا يعارض بين هذا وبين ما سبق، ما كان مضمناً معنى الحرف موجباً للبناء هو البناء اللازم، وأما ما كان مضمناً معنى الحرف في وقت دون وقت كظرف الزمان واسم الزمان، نقول: هذا ليس موجباً للبناء. لأن المعنى امكث في هذا الموضع في أزمن، نقول: لا يقتضي البناء، إذ المراد أن يكون الحرف منظوراً إليه، لكن الأصل في الوضع ظهوره، هذا تعليل الأشموني، واحترز بقوله: ضمن معنى (في) مما لم يتضمن من أسماء الزمان أو المكان معنى (في)، كما إذا جعل اسم الزمان أو المكان مبتدأً أو خبراً نحو: يوم الجمعة يوم مبارك، يوم مبتدأ، ويوم الثاني خبر، ويوم عرفة يوم مبارك، والدار لزيد، فإنه لا يسمى ظرفاً والحالة هذه، ((وَاتَّقُوا ؤ تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) [البقرة:281] يَوْمًا، كذلك ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) [الأنعام:124] حَيْثُ، فإنهما ليس على معنى (في) وانتصابهما على المفعول به، وناصب حَيْثُ يعلم محذوفاً، لأن اسم التفضيل لا ينصب –بالإجماع-، قيل بالإجماع ونوزع فيه، وبمعنى في دون لفظها نحو: سرت في يوم الجمعة، وكذلك ما وقع منهما مجروراً: سرت في يوم الجمعة، وجلست في الدار إذا نطق بها، خرج عن كونه ظرفاً على الصحيح، على أن في هذا ونحوه خلافاً في تسميته ظرفاً في الاصطلاح، والصواب أن الظرف يكون منصوباً، عند، قبل، تحت .. إلى آخره، وإذا خرج عن النصب خرج عن الظرفية، وإذا صرح بـ (في) حينئذٍ صار اسماً مجروراً، تقول: في حرف جر ويوم اسم مجرور بـ (في) والجار والمجرور متعلق بكذا، تعربه كـ لزيدٍ، للدار، ولا تقول: هذا ظرف، وكذلك ما نصب منهما مفعولاً به: بنيت الدار، وشهدت يوم الجمل، وهذا لا يسمى ظرفاً، كذلك لو كان على معنى (في) ولم يكن ما بعده اسم زمان ولا اسم مكان، ((وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)) [النساء:127] (في)، إذا كان على معنى (في) يعني: في نكاحهن، النكاح ليس اسم زمان ولا اسم مكان، واحترز بقوله: بِاطِّرَادٍ ما ذكرناه سابقاً بأنه يتعدى إليه سائر الأفعال مع بقاء تضمنه لذلك الحرف.

وبعدما شرح كلام الناظم قال: هذا تقرير كلام المصنف وفيه نظر؛ لأنه إذا جُعلت هذه الثلاثة ونحوها منصوبة على التشبيه بالمفعول به لم تكن متضمنة معنى (في)؛ لأن المفعول به غير متضمن معنى (في)، وكذلك ما شُبِّه به، فلا يحتاج إلى قوله: بِاطِّرَادٍ ليخرجها، فإنها خرجت بقوله: ما ضمن معنى (في). هذا الاعتراض أجبنا عنه بما سبق، أن المراد بإسقاط حرف الجر ثم صار الحكم لفظياً لا معنوياً، فاحتجنا إلى الاحتراز فقلنا: بِاطِّرَادٍ، هذا على مذهب الناظم؛ لأنه أعرب (دخلت الدار) مشبه بالمفعول به، حينئذٍ صار الحكم لفظياً؛ لأنه أُسقط الحرف وبقي الأصل على ما هو عليه: الظَّرْفُ وَقْتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا ... فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ مُظْهَرَا ... كَانَ وَإِلاَّ فَانْوِهِ مُقَدَّرَا فَانْصِبْهُ وجوباً، إذاً يجب نصبه، ولذلك عده من المنصوبات، ما الناصب له؟ قال الناظم: بِالْوَاقِعِ فِيهِ، وما الواقع فيه؟ هو الحدث. إذاً مفهومه أنه لا ينصب إلا بالمصدر، والفعل لا يكون ناصباً له، والوصف لا يكون ناصباً له، هكذا اعتُرض على الناظم؛ لأنه قال: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، ما هو الذي وقع فيه؟ المصدر، إذا قلت: صمت يوم الخميس، يوم الخميس هذا ظرف زمان، ما الذي وقع فيه؟ الصوم. إذاً انصبه بالصوم، والصوم مصدر، هذا ظاهر العبارة، فاعتُرض عليه بأن الفعل يكون ناصباً، والوصف يكون ناصباً، كما أنه يُنصب بالمصدر، والجواب عن هذا أن يقال: إذا قيل: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، يعني بالحدث، وهذا لا يلزم منه أن يكون اللفظ دالاً على الحدث بالمطابقة فحسب، بل ما دل على الحدث بالمطابقة وهو المصدر أو بدلالة التضمن وهو الفعل والوصف. إذاً أراد شيئاً مدلولاً عليه بدلالتين: دلالة المطابقة، وهو الصوم مثلاً، ودلالة التضمن وهو الفعل والوصف. إذاً الجواب سهل. فَانْصِبْهُ: الضمير في قوله: فَانْصِبْهُ للظرف، وهو اسم الزمان أو المكان، وفِيهِ - بِالْوَاقِعِ فِيهِ- لمدلوله وهو نفس الزمان أو المكان، وأراد بِالْوَاقِعِ فِيهِ: دليله، من فعل وشبهه؛ لأن الواقع هو نفس الحدث، وليس هو الناصب، أراد التأويل؛ لأن كلامه: فَانْصِبْهُ يعود الضمير هنا على الظرف وهو اسم الزمان والمكان، بِالْوَاقِعِ فِيهِ، فِيهِ هذا راجع لمدلوله، وهو نفس الزمان أو المكان، وأراد بِالْوَاقِعِ فِيهِ - فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ- دليله من فعل وشبهه؛ لأن الواقع هو نفس الحدث، وليس هو الناصب، فحينئذٍ نقول: ينصب بما وقع فيه مدلوله، ما هو مدلول الفعل؟ الحدث، ما هو مدلول المصدر؟ الحدث، ما هو مدلول الوصف؟ الحدث، إذاً ينصب بماذا؟ بما وقع فيه -في اسم الزمان أو المكان- مدلوله، وهذا يشمل الفعل وشبهه. الحاصل أن عبارته فيها نوع ركاكة من جهة الشمول، الفعل والمصدر والوصف معًا، وظاهره أنها خاصة بالمصدر، فأرادوا التأويل.

فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ من فعل وشبهه، مُظْهَرَا كان الواقع فيه، وَإِلاَّ فَانْوِهِ مُقَدَّرَا يعني: يُنصب الظرف بعامل، وهذا العامل قد يكون فعلاً وقد يكون مصدراً وقد يكون وصفاً، ستأتي الأمثلة، ثم قد تكون هذه العوامل مذكورة، وقد تكون محذوفة، ثم إذا كانت محذوفة، إما محذوفة على وجه الجواز، وإما محذوفة على وجه الوجوب، هذه أقسام ثلاثة: مذكور، محذوف جوازاً، محذوف وجوباً. حكم ما تضمن معنى في من أسماء الزمان والمكان النصب، والناصب له ما وقع فيه وهو المصدر، -هذه ظاهرة عبارة المصنف-، ما وقع فيه وهو المصدر، نحو عجبت من ضربك زيداً يوم الجمعة عند الأمير، عجبتُ: فعل وفاعل، من ضربك: من حرف جر، وضربك: هذا مصدر مضاف إلى الفاعل، ضربك، زيداً: مفعول به لضرب وهو مصدر، يوم الجمعة: يعني في يوم الجمعة منصوب على الظرفية، والعامل فيه المصدر ضربك، ضرب هو العامل في يوم الجمعة على أنه ظرف زمان، عند الأمير منصوب على الظرفية، والعامل فيه المصدر. أو الفعل: ضربت زيداً يوم المجمعة عند الأمير، ضربت زيداً يوم المجمعة .. في يوم الجمعة، إذاً هو ظرف زمان، والناصب له الفعل ضربت، كذلك عند .. عند الأمير: هذا ظرف مكان، والناصب فيه الفعل. أو الوصف أنا ضارب زيداً اليوم عندك، اليوم هذا ظرف زمان منصوب بضارب وهو وصف، كذلك عندك ظرف مكان منصوب بالوصف وهو ضارب. إذاً عمل في الظرف بنوعيه المصدر والفعل والوصف، والناظم خصص الكلام بالمصدر، نقول: مراده مدلول المصدر وهو الحدث، وهذا الحدث يدل عليه المصدر بالمطابقة، والفعل والوصف بدلالة التضمن، فلا اعتراض على الناظم. وظاهر كلام المصنف أنه لا ينصبه إلا الواقع فيه فقط، وهو المصدر، وليس كذلك، -هذا اعتراض-، وليس كذلك؛ لأن العبارة ظاهرها أنه لا ينصبه إلا المصدر، لكن مادام أمكن تأويله تأويلاً سائغاً حينئذٍ لا يُعترض عليه، بل ينصبه وهو وغيره كالفعل والوصف، والناصب له إما مذكور كما مُثِّل أو محذوف جوازاً، مثلاً يقال: متى جئت؟ يومَ الجمعة، كم سرت؟ فرسخين، وهذا العامل فيه محذوف، فهو جواز، يصح أن تذكره ويصح أن تحذفه. أو وجوباً، وهذا يكون في ست مسائل، يحذف عامل الظرف بنوعيه وجوباً في ست مواضع: إذا كان صلة، أو نعتاً، أو حالاً، أو خبراً، سواء كان خبراً في الحال، أو في الأصل، هذه أربعة، الخامس: أن يكون مشغولاً عنه، السادس: ما سُمع في لسان العرب في الأمثال ونحوها، هذه ست مواضع يجب فيها حذف عامل الظرف بنوعيه. أولاً: صفة، إذا وقع الظرف صفة، مررت برجل عندك، عند بالنصب، ما العامل فيه؟ محذوف، مررت برجل استقرَّ عندك، أو مُستقرٍّ عندك، بالجر -تقدره بالجر-، تقول: برجلٍ، إذا قدرته اسماً تعربه على حسب ما قبله؛ لأنه صفة تقول: برجلٍ مستقرٍّ أو برجلٍ كائنٍ بالجر، عندك، فعند هذا منصوب بالعامل المحذوف سواء كان فعلاً أو اسماً، واجب الحذف، لا يجوز ذكره، كذلك إذا وقع صلة، جاء الذي عندك، جاء الذي، الذي فاعل، وعند صلة الموصول، ما هي؟ أين هي؟ نقول: الظرف هنا: وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِى وُصِلْ بِهِ

نقول: هذا صلة الموصول، لكنه متعلق بمحذوف تقديره: استقر، واجب أن يكون فعلاً، ولا يجوز مستقر أو كائن؛ لأن صلة الموصول لا تكون إلا فعلاً. إذاً: جاء الذي عندك، نقول: واجب الحذف، أو حالاً، مررت بزيدٍ عندك، زيدٍ كائناً -بالنصب- عندك أو استقر عندك، وعامله حينئذٍ يكون محذوفاً وجوباً. أو خبراً في الحال، أو في الأصل، نقول: زيد عندك، زيد مبتدأ، وعندك خبر، وهو ظرف متعلق بمحذوف واجب الحذف: وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أوْ بِحَرْفِ جَرْ ... نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ أوِ اسْتََقَرْ كما سبق. وظننت زيداً عندك، عندك هذا مفعول ثاني يجوز أن تقدره فعلاً أو اسماً، ظننت زيداً استقر عندك، ظننت زيداً مستقراً عندك، مستقراً بالنصب تقدره، لا تقدره مستقرٌ، بعض الطلاب يجعلها: كائنٌ أو استقر، كل ما جاء تقدير يقول: كائن، كائن، سواء كان السابق مجرور أو منصوب، لا، تعربه على حسب ما قبله، هذه أربعة أحوال. أن يكون مشغولاً عنه يوم الخميس صمت فيه: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمحَلّ صمت فيه عمل في ضمير يعود على الاسم المتقدم، يوم الخميس أين العامل؟ صمت يوم الخميس صمت فيه. السادس: مسموعاً بالحذف، يعني سمع اللفظ هكذا محذوفاً، نحو قولهم: حينئذٍ الآن، الآن هذا ظرف، منصوب على الظرفية أين عامله؟ محذوف وجوباً، لماذا؟ لأنه هكذا سمع، إذا سمع من الأمثال يبقى كما هو، أي كان ذلك حينئذٍ واسمع الآن. إذاً قوله: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، يعني: من فعل وشبهه ومصدرٍ، فيشمل الثلاثة. مُظْهَرَاً كان الواقع فيه، وَإِلاَّ يعني: وإن لم يكن ظاهراً بل كان محذوفاً من اللفظ جوازاً أو وجوباً، فَانْوِهِ مُقَدَّرَا، فَانْوِهِ يعني: اعتقد أنه مقدر، مقدراً هذا حال من الضمير في: فَانْوِهِ، فَانْوِهِ يعني: العامل، مُقَدَّرَاً حال كونه مقدراً. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

58

عناصر الدرس * أقسام الظرف من حيث الإبهام وا لتخصيص وحكم كل * أقسام الظرف من حيث التصرف وعدمه * ماينوب عن الظرف. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: ما زال الحديث في باب المفعول فيه وهو المسمى ظرفاً، عرفه الناظم بقوله: اَلظَّرْفُ وقتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا ... فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا قلنا: الظرف هو اسم زمان -اسم وقت-، أو مكان، وهذا يشمل الظرف وغير الظرف، فحينئذٍ احتجنا إلى إخراج غير الظرف، قال: ضُمِّنَا معنى في، ثم قال: بِاطِّرَادٍ مراده الاحتراز من المكان المختص المنصوب بدخل ونحوه، وهذا بناءً على إعرابه عنده هو -رحمه الله تعالى- فإنه يرى أنه مفعول به بعد إسقاط الخافض، على وجه التوسع والمجاز، حينئذٍ بناءً على هذا هو اشترط بِاطِّرَادٍ من أجل إخراج ما ذُكِر، فحينئذٍ يحتاج إلى قيد الاطراد، فإن نصبه على التوسع والمجاز حكم اللفظ، فلا يخرجه ذلك عن معنى في، وهذا هو الذي اعتبر الناظم إلى قيد الاطراد، كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا. ثم بيَّن العامل فيه، فقال: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، من فعل أو شبهه، مُظْهَرَاً كَانَ ذلك الواقع، وَإِلاَّ فَانْوِهِ مُقَدَّرَا، بمعنى أنه قد يكون ناصبه اللفظ الدال على المعنى الواقع فيه، فقد يكون فعلاً، وقد يكون اسم فعل، وقد يكون مصدراً، قد يكون وصفاً .. إلى آخره. ثم له ثلاث حالات: أن يكون مذكوراً كالأمثلة السابقة، أن يكون محذوفاً جوازاً، كما إذا وقع في جواب سؤال، بمعنى أنه إذا دل عليه دليل، والثالث أن يكون محذوفاً وجوباً، وهذا في ست مسائل ذكرناها سابقاً. ثم قال -رحمه الله-: وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ وَمَا ... يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إِلاَّ مُبْهَمَا نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا ... صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ كَمَرْمَى مِنْ رَمَى وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ: الوقت -اسم الزمان- ينقسم إلى مبهم ومختص، واسم المكان كذلك ينقسم إلى مبهم ومختص، كُلُّ وَقْتٍ سواء كان اسم رمان أو اسم مكان، المختص من اسم الزمان ما دل على مُقدَّر معلوم، يعني ما دل على مقدار من الزمن معلوم، له أول وله آخر، هذا نسميه مختصاً، وإذا لم يدل على زمن معين حينئذٍ نسميه مبهماً، مثل: حين ووقت وساعة ولحظة وزمن، نقول: هذه ألفاظ هي اسم زمان، لكنها ليست مختصة، لأنها لا تدل على وقت له أول وآخر، زمن، لو قال: سرت زمناً، ما هو هذا الزمن متى يبتديء؟ ومتى ينتهي؟ من أي يوم؟ من أي شهر؟ نقول: هذا غير معلوم. سرت لحظة، سرت وقتاً .. ساعة .. -ليس الساعة المعهودة-، ساعة، حينئذٍ نقول: هذا مبهم؛ لأنه لا يدل على وقت معين.

وأما المختص فهو ما دل على مُقدَّر معلوماً كان، وهو المعرَّف بالعلمية: صمت رمضان، رمضان نقول: هذا اسم زمان مختص لماذا؟ لأنه علم على الشهر المعلوم، واعتكفت يوم الجمعة، هذا علم عند بعضهم؛ لأن الجمعة المضاف إليه علم على اليوم المعلوم، فصار من باب إضافة المسمى إلى الاسم، يوم اسمه الجمعة، اليوم هو المسمى، والاسم هو الجمعة، يكون من باب إضافة المسمى إلى الاسم، أو بـ (أل) كان معرفاً أو مختصاً بـ (أل)، نحو سرت اليوم، وأقمت العام، سرت اليوم هذا إذا كان بينك وبين المخاطب عهد فينصرف إليه وإلا يحمل على اليوم الحاضر، كذلك أقمت العام في مكة، يعني مثلاً هذا العام، أو بالإضافة جئت زمن الشتاء، وبعضهم يمثل: صمت يوم الخميس، على أنه مضاف ومضاف إليه فتخصص بالإضافة، أو غير معلوم وهو النكرة نحو صمت يوماً أو يومين أو أسبوعاً أو وقتاً طويلاً، نقول: هذا غير معلوم، لكنه فيه نوع اختصاص لما ذكر معه، إذا قال: صمت يوماً، اليوم له أول وآخر، صمتُ معلوم الصوم يقع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، إذاً له أول وله آخر، هذا اختصاص، بخلاف زمن ولحظة وساعة ليس لها أول ولا آخر، لكن يوم له أول وآخر، فمن حيث الابتداء والانتهاء فهو مختص، وبعضهم عدَّه في المبهم؛ لأنه إذا قال: صمت يوماً، أيُّ يومٍ هذا؟ يوم السبت أو يوم الأحد، مبهم، فيه إبهام، وبعضهم راعى عدم التعيين من حيث اليوم فأعده في المبهم، وهذا الظاهر أنه أولى، وبعضهم راعى أنه مبتدأ له أول وله أخر فعده في المختص. كذلك أسبوعاً هذا مبتديء من يوم الجمعة إلى يوم الخميس، هذا هو الأسبوع الشرعي، وأما من السبت إلى الجمعة هذا اصطلاحي، يبتديء من يوم الجمعة، أول يوم في الأسبوع هو يوم الجمعة، وينتهي بالخميس، فحينئذٍ نقول: إذا قال: صمت أسبوعاً، عرفنا أوله وآخره، لكن أي أسبوع هذا؟ من أي شهر؟ هذا فيه نوع إبهام. إذاً له ملحظ من جهة الاختصاص من حيث له ابتداء وانتهاء، وله ملحظ من جهة الإبهام في عدم تعيين هذا الأسبوع أي أسبوع هو؟ وكذلك سرت وقتاً طويلاً حصل اختصاص بماذا؟ سرت يوماً طويلاً، بالنعت بالصفة، إذاً هو في نفسه نكرة غير معلوم، لكن حصل له نوع اختصاص بالوصف، هذا ما يتعلق بالمختص، اسم زمان مختص، قد يكون بـ (أل)، قد يكون بالعلمية، قد يكون بالصفة .. بالوصف يعني، قد يكون بالإضافة، هذه أربعة أشياء تفيد الاختصاص. إن لم يكن كذلك بأن لا يدل على شيء معين ليس له أول ولا آخر اعتبرناه مبهماً، وقيل: المختص من ظرف الزمان ما يقع جواب متى، متى جئت؟ يوم الخميس، مختص، متى تسافر؟ شهر محرم، وهكذا، ما وقع في جواب متى فهو مختص، وما كـ: يوم الخميس، والمعدود، يقع في جواب كم، كم سرت؟ سرت يومين، هذا معدود، والمبهم ما لا يقع في جواب متى ولا كم، وهذا رأي ابن هشام في قطر الندى؛ قسَّم اسم الزمان إلى ثلاثة: مختص ومعدود ومبهم، والصواب إدخال المعدود في المختص؛ سرت يوماً أو يومين أو أسبوعاً أو وقتاً طويلاً، هذا معدود بالجملة وهو مختص، هذا الظاهر، ولو قسَّم هذا التقسيم الثلاثي أيضاً لا بأس.

قال: وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ، الوقت بنوعيه، اسم الزمان بنوعيه المختص والمبهم، قَابِلٌ ذَاكَ، الذي هو النصب على الظرفية. إذاً كل اسم زمان يصح أن ينصب على الظرفية بشرطه السابق، إذا ضمن معنى: فِي بِاطِّرَادٍ، إذا ضمن معنى: فِي بِاطِّرَادٍ صح نصبه ولا ينظر إلى التفصيل بين كونه مختصاً أو مبهماً. يعني اسم الزمان يقبل النصب على الظرفية، مبهماً كان نحو سرت لحظة، نقول: لحظة هذا ظرف زمان، ما نوعه مختص أو مبهم؟ مبهم، هل ضمن معنى فِي بِاطِّرَادٍ؟ نعم، ضمن معنى فِي بِاطِّرَادٍ، سرت ساعة كذلك مِثلُهُ، أو مختصاً إما بإضافة نحو سرت يوم الجمعة، اعتبره مضافاً، وبعضهم اعتبره علماً، أو بوصف سرت يوماً طويلاً، أو بعدد سرت يومين، أدخل العدد في المختص وهو أظهر. وَمَا يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا: اسم المكان كذلك نوعان: مختص ومبهم، قال: وَمَا يَقْبَلُهُ يعني النصب على الظرفية، الْمَكَانُ يعني اسم المكان، إِلاَّ مُبْهَمَا لا مختصاً، والمراد بالمختص هنا ما له صورة وحدود محصورة، أرض لها حدود لها أول وآخر، الدار المسجد البلد المدينة، نقول: هذه مختصة لها أول ولها آخر له أقطار وحدود. إذاً ما كان له أقطار وحدود محصورة، نقول: هذا اسم مكان مختص كالمسجد والبلد والدار ونحو ذلك، والمبهم ما ليس كذلك ما ليس له أقطار محصورة، مثل أرض، الأرض هذه تصدق على الأرض كلها، ليس لها حدود، وقيل: هو ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماة، وهذا سيأتي في الجهات والمقادير، أنه لا يبين المراد إلا بالتمييز أو ما بعدها، حينئذٍ هو مفتقر في بيان صورته وحقيقته ومسماه بما بعده. إذاً ما كان مختصاً لا يصح نصبه على الظرفية، إذا كان اسم مكان مختص لا يصح نصبه على الظرفية، فإن جاء في لسان العرب ما هو منصوب وهو اسم مكان مختص، قلنا: هذا الذي ذكرناه سابقاً: سكنت الشام، الشام هذا محدود، دخلت البلد، نقول: هذا محدود، نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه، هو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، ولذلك الناظم بقوله: بِاطِّرَادٍ أخرجه، ولا نقول: هو منصوب على الظرفية، وإنما نقول: هو منصوب على التشبيه بالمفعول به، أو أصله مفعول به دخل عليه حرف جر فأُسقِط فانتصب على المفعولية، يعني مفعول به، إما هذا أو ذاك، وأما كونه ظرفاً، وحُمِل على الظرف المبهم، هذا فيه نوع تكلف، وإلا الأصل أن اسم المكان المختص لا ينتصب على الظرفية مطلقاً. قال: وَمَا هذه نافية، وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ، وَكُلُّ هذا مبتدأ، وَقْتٍ هذا مضاف إليه، قَابِلٌ هذا خبر المبتدأ، كُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ، والفاعل ضمير مستتر هو، (ذَاكَ)، المشار إليه النصب على الظرفية؛ لأنه قال: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ، فأعاد الضمير على ما سبق، على اسم الإشارة (ذاك)، و (ذَاكَ) مثل الضمير لا بد له من مرجع، والمرجع المراد به النصب على الظرفية المفهوم من قوله: فَانْصِبْهُ بِالْوَاقِعِ فِيهِ.

ثم قال: وَمَا يَقْبَلُهُ، (مَا) نافية، يَقْبَلُهُ الضمير يعود إلى النصب على الظرفية، الْمَكَانُ فاعل يقبل، إلا مُبْهَمَاً استثناء، وهذا حصر، يعني إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه، فلما كان اسم المكان على نوعين: مبهم ومختص، والذي يقبل النصب على الظرفية هو المبهم دون المختص حصره فيه، ونفاه عن المختص، فقال: وَمَا نافية، يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا، هذا حال من الفاعل وهو الْمَكَانُ، إِلاَّ مُبْهَمَاً يعني: لا يقبل النصب على الظرفية المكان في حال من الأحوال إلا في حال كونه مبهماً. نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا ... صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ، الظاهر أن الناظم مثَّل للمبهم بثلاثة أشياء: أولاً الجِهَاتِِ، والثانيالمَقَادِيرِعلى قولٍ، الظاهر أنها عنده من المبهم، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ هذا إما أن يكون معطوفاً على الجِهَاتِِ، فحينئذٍ يكون داخلاً في المبهم، وإما أن يكون معطوفاً على (مُبْهَمًا)، فحينئذٍ صار المستثنى مما ينصب على الظرفية وهو مكان شيئان: أن يكون مبهماً، ويقابله قسم آخر وهو ما صيغ من الفعل، هذا محتمل، هذا وذاك، لكن إذا نظرنا في: مَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ هذا قد يكون مختصاً، جلست مجلس زيد، وجلست مجلساً، فحينئذٍ قد يكون مختصاً وقد يكون مبهماً، وإن كان الأكثر فيه الإبهام. نَحْوُ الجِهَاتِِ: هذا مثال للمبهم، وهو ما ليس له أقطار تحويه، نحو الجهات الست، وكل لفظ دل على الجهات الست فهو داخل فيها، ليس المراد ألفاظاً ستة، لا، المراد كل ما دل على الجهات نحو أمام ووراء ويمين وشمال وفوق وتحت، وما أشبهها في الشياع كمكان وجانب، هذه كلها تدل على الجهات، ((وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)) [يوسف:76] فَوْقَ، نقول: هذه منصوب على الظرفية، وهو من الجهات الست، ((وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)) [يوسف:76]، ((قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا)) [مريم:24] تَحْتَكِ، نقول: هذا منصوب على الظرفية المكانية، ((وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)) [الأنفال:42] هذا منصوب على الظرفية المكانية، ((وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ)) [الكهف:79] وَرَاءَهُمْ بالنصب على الظرفية المكانية، ((وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ)) فقال: ((ذَاتَ الْيَمِينِ)) ثم قال: ((تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ)) [الكهف:17]، فحينئذٍ هذه الجهات الست نقول: من قبيل المبهم. وَالمَقَادِيرِ: يعني ونحو المقادير، وهذا من المبهمات على رأي أحد المذاهب.

جَعْلُ المقادير من المبهم أحد مذاهب النحاة، وهذا ظاهر صنيع الناظم هنا، أنه مبهم، والثاني أنها من المختص؛ لأن فيها نوع علم نوع تحديد؛ لأن الميل مثلاً مقدار معلوم من المسافة وكذا البواقي، وقيل: غلوة، كيلو، متر، ونحو ذلك هذه معلومة لها أول ولها آخر، حينئذٍ هي معلومة المقدار، لكنها مجهولة الصفة، معلومة المقدار، الميل كم يسوى؟ الكيلو كم مقداره؟ نقول: هذه معلومة المقدار، لكن كيلو من أي شيء؟ من الأرض، من السمن، من العسل، من أي شيء، نقول: هذا مجهول الصفة، أما مقداره؛ الكيلو معلوم، وأما الصفة فهي مجهولة. إذاً تنازعه أمران، فقيل: أنه من المختص باعتبار أن له أول وآخر، له حدود، فحينئذٍ نقول: هذا شيء معلوم، لو قال: عندي كيلو، نقول: هذا معلوم المقدار، لكن كيلو من أي شيء، ما صفته؟ حصل نوع جهل. إذاً المذهب الثاني: الناظم اختار أنه من المبهم مطلقاً، لم يعتبر معلومية المقدار، وإنما نظر إلى الصفة، والمذهب الثاني أنها من المختص؛ لأن الميل مثلاً مقدار معلوم من المسافة، وكذا البواقي. والمذهب الثالث وصححه أبو حيان: أنها شبيهة بالمبهم من حيث إنها ليست شيئاً معيناً في الواقع، فإن الميل مثلاً يختلف ابتداؤه وانتهاؤه وجهته بالاعتبار، فهي مبهمة حكماً، يعني لو قيل: ميل، من أي شيء؟ له أول وآخر من حيث هو، لكن من أين ابتدأت الميل، من أي أرض، من أي بقعة، أين انتهاؤه؟ أين جهته؟ هذه مجهولة، حينئذٍ هو في نفسه مختص معلوم، ومن حيث الصفة هو مجهول، فأعطاه حكم المبهم، فقال: المبهم نوعان: مبهم حقيقة، ومبهم حكماً، المبهم حقيقة هو الجهات، والمبهم حكماً هو المقادير، هذا وسط، ويحتمل أن المصنف جرى على هذا وأراد بالمبهم ما يشمل المبهم حكماً. نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ: نحو غلوة وميل وفرسخ وبريد، نقول: جلست فوق الدار وسرت غلوة، فتنصبهم على الظرفية. وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ: هذا الثالث، وكما ذكرنا إما أنه داخل تحت المبهم، فيكون معطوفاً على قوله: الجِهَاتِِ، وإما أن يكون مبايناً –قسيماً- له، فحينئذٍ يكون معطوفاً على مُبْهَمًا، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، معطوف على الجهات فيكون من المبهم، وقيل: من المختص، وعليه فيكون وَمَا صِيغَ معطوفاً على مُبْهَماً، والتقدير: إلا في حال كونه مبهماً أو مصوغاً من الفعل، جعلنا المستثنى شيئين، إذا جعلناه معطوفاً على مُبْهَمًا، وَمَا يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ، قسمان، وإذا جعلناه معطوفاً على الجِهَاتِِ، نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا، يكون معطوفاً على الجِهَاتِِ، فهو في محل جر، ما موصولة في محل جر، فحينئذٍ استثنى فقط المبهم، فنحكم على ما صيغ من الفعل، أنه مبهم مطلقاً بلا تفصيل، والأظهر أنه معطوف على (مُبْهَمًا). وأما ما صيغ من المصدر نحو مجلس، مجلس زيدٍ ومقعده، فهذا مما توافق فيه المصدر والعامل، يعني: ما كان على وزن مَفعَل أم مَفعِل، كما سيأتي.

(وَمَا) يعني والذي، صِيغَ يعني أُخذ، اشتُق، مِنَ الْفِعْلِ، مِنَ الْفِعْلِ، هل الفعل أصل في الاشتقاق؟ مَا صِيغَ يعني: ما اشتق من الفعل، هل ظاهر العبارة مراد مَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ يعني ما اشتق؟ نقول: قام صيغ من القيام، وأكل صيغ من الأكل، يعني: أخذ من المصدر، وهذا الذي ذهب إليه الناظم: وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ. إذا عُلِم ذلك فحينئذٍ إذا جاءت مثل هذه العبارات، لا نقول: وظاهر كلام الناظم أن ما صيغ من الفعل مشتق من الفعل، لا، وإنما نقدر له مضافاً يناسب مذهبه، مَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ من مادة الفعل، ومادة الفعل تدل على المصدر كما سبق، فلا بد من التقدير، ما صيغ من مادة الفعل العامل فيه كمرمى من مادة رمى، مرمى ليس مشتقاً من رمى؛ لأن رمى فعل، ومرمى اسم مكان، فحينئذٍ لا يشتق من الفعل، وإنما يشتق من المصدر، فإذا كان كذلك فلا بد من التأويل، ولا نقول: ظاهره أنه مشتق من الفعل، وهو خلاف الصواب، بل نقول: ظاهر كلام الناظم يوافق ما اختاره سابقاً: وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ، والأحكام تؤخذ من مظانها، هذه قاعدة حتى في الشرع، إذا اشتبه أمر، حكم بحكم، وعندنا ما فصَّل الحكم في محله، فحينئذٍ إذا التبس واحتمل يكون ما سيق لبيان الأحكام الشرعية في محله في مظانه مقدماً على غيره، إذا جاء حكم شرعي حديث كامل يتحدث عن بيع العينة مثلاً، وجاء حديث آخر في فضائل أو في أحكام أخرى، وفيه إشارة محتملة إلى ما يخالف الآخر، لا نقول: هذا يعارض ذاك، بل نقول: ذاك مقدم، الخالص الذي سيق في محله مقدم على ما هو محتمل، وهذا له أمثلة كثيرة. إذاً: وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ يعني من مادة الفعل، كَمَرْمَى مِنْ رَمَى، يعني: من مادة رمى، ومرمى هذا اسم مكان على وزن مَفعَل، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ كَمَرْمَى مِنْ رَمَى، قال: وأما ما صيغ من المصدر نحو مجلس زيد ومقعده، فشرط نصبه قياساً أن يكون عامله من لفظه، لا بد أن يتفقا: وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً أَنْ يَقَعْ ... ظَرْفاً لِمَا فِي أَصْلِهِ مَعَهْ اجْتَمَعْ

يعني: لا بد أن يكون العامل فيه ما اجتمع معه في الاشتقاق، جلست مجلس زيد، جلست ومجلس اتفقا في الحروف، أما جلست مقعد زيد لا، لا يصح، لماذا؟ لعدم التوافق في المادة، لا بد أن يكون العامل المسلط على ما صيغ من الفعل، ما كان على وزن مفعَل، لا بد أن يكون العامل فيه من لفظه، جلست مجلس زيدٍ، صحيح، وهو منصوب وهو قياسي، جلست مقعد زيد، لا، نقول: هذا لا يصح، لا يصح نصبه على الظرفية، لماذا؟ لفقد الشرط وهو كونه لم يجتمع مع العامل فيه في أصله، يعني في المادة التي اشتق منها، وشرط نصبه قال: قياساً أن يكون عامله من لفظه، نحو قعدت مقعد زيد، وجلست مجلس عمرو، فلو كان وأنا جالس مجلس زيد، جالس مجلس، وافقه وهو نوعه اسم فاعل، جالس مجلس زيد، قاعد مقعد زيد، وهَلُمَّ جرًّا، وأعجبني جلوسك مجلس زيد، قعودك مقعد زيد، العامل فيه المصدر، قد يكون العامل فيه الموافق له في حروفه مادته، قد يكون فعلاً وقد يكون اسم فاعل وصفاً، وقد يكون مصدراً، قعدت مقعد زيد وجلست مجلس عمرو، فلو كان عامله من غير لفظه تعين جره بـ (في)، جلست في مرمى زيد، ولا يصح أن تقول: جلست مرمى زيد، لا يصح هذا، لا يوافق اللسان العربي، وإنما تقول: جلست في مجلس زيد، جلست في مقعد زيدٍ، ليس في مجلس زيد، إذا اختلفا في المادة حينئذٍ وجب جره بـ (في)، فلا تقول: جلست مرمى زيد إلا شذوذاً، وقد ورد ذلك في قولهم: هُوَ مِنِّى مَقْعَدَ القَابِلَةِ، مقعدَ بالنصب أين عامله؟ ومَزْجَرَ الكَلْبِ ومَنَاطَ الثّرَيَّا، أي: كائن مقعد القابلة، إذاً كائن هو العامل، ومقعد هنا منصوب على الظرفية نقول: شذوذاً، لماذا؟ لفقد شرط القياس، فإنما يصح القياس فيما إذا اتفقا العامل والمعمول في الحروف، فإن اختلفا ونصب على الظرفية نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، إن أردت استعماله ابتداءً فجُره بـ (في)، من أجل أن توافق ما جرى، وفي مَزْجَرَ الكَلْبِ، أي كائن مقعد القابلة ومزجر الكلب ومناط الثريا، هذا كله متعلق بمحذوف ليس من لفظ المذكور، فحينئذٍ نقول: نصبه على ذلك يعتبر شاذاً يحفظ ولا يقاس عليه، والقياس هو مني في مقعد القابلة، وفي مزجر الكلب وفي مناط الثريا، يعني بالتصريح بـ (في)، ولكن نُصب شذوذاً، وعامله الاستقرار وليس مما اجتمع معه في أصله، ولا يقاس عليه خلافاً للكسائي. وإلى هذا أشار بقوله: وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً أَنْ يَقَعْ ... ظَرْفاً لِمَا فِي أَصْلِهِ مَعَهْ اجْتَمَعْ شَرْطُ: لا بد من تحققه، ما يلزم من وجوده الوجود، ولا يلزم من عدمه عدم. وَشَرْطُ: هذا مبتدأ وهو مضاف وكَوْنِ مضاف إليه، ذَا: هذا اسم الكون، مَقِيسَاً خبر الكون، وَشَرْطُ مبتدأ أن يقع وقوعه ظَرْفاً نقول: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ، وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا المشار إليه المصوغ من مادة الفعل مَرْمَى، شَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً، والقياس معناه أن يكون مطرداً، أن تستعمله في كلامك المنثور دون أن تقف على ما سمع في لسان العرب، وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً، مَقِيسَاً يقاس عليه: إِنَّمَا النَّحْوُ قِيَاسٌ يُتَّبَعْ ... وَبِهِ فِي كُلِّ عِلْمٍ يُنتَفَعْ

وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مَقِيسَاً، هذا قلنا: خبر، أَنْ يَقَعْ ظَرْفاً هذا حال من فاعل يقع، لِمَا متعلق بِهِ، يعني لفعل، لِمَا اسم موصول بمعنى الذي يصدق على فعل، لِمَا لفعلٍ اجْتَمَعْ معه في أصله، ما المراد بالأصل؟ فِي أَصْلِهِ المراد به الحروف الأصلية، التي تكون قدراً مشتركاً بين المصدر والفعل، وسبق معنا أن الفعل يدل على المصدر بمادته، يعني: بحروفه، الفعل يدل على الفعل بمادته يعني بحروفه، إذا قلت: قام مشتق من القيام هكذا من رأسك أم بدليل؟ الأول أم الثاني؟ الثاني لا شك بدليل، ما الدليل؟ نقول: اجتماعه معه مع المصدر القيام؛ لأن القيام هذا محفوظ في لسان العرب، القيام والصوم والأكل والمشي والنوم والشرب، هذه محفوظة مصادر، حينئذٍ كون شرب مشتقاً من الشرب نقول: هذا دل عليه المادة وهي الحروف، هنا قال: ظَرْفاً لِمَا اجْتَمَعْ، هذه صلة ما، لِمَا اجْتَمَعْ مَعَهْ هذا متعلق بـ اجتمع، فِي أَصْلِهِ يعني في الحروف الأصلية، أي لما اجتمع معه في أصل مادته، هذا التركيب، لما يعني الذي، اجتمع معه في أصل مادته، أي: وشرط كون نصب ما اشتق من المصدر مقيساً أن يقع ظرفاً لما اجتمع معه في أصله، أي: أن ينتصب بما يجامعه في الاشتقاق من أصل واحد، كمجامعة جلست بمجلس في الاشتقاق من الجلوس، وأصلهما واحد وهو الجلوس. قال ابن عقيل: وظاهر كلام المصنف أن المقادير وما صيغ من الفعل مبهمان، نحو الجهات متفق عليه، لذلك قال: نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا صِيغَ، الجهات لا إشكال فيها، وأما المقادير وما صيغ من الفعل قال: ظاهر كلام الناظم أنه مبهمان، أما المقادير فمذهب الجمهور أنها من الظروف المبهمة، وافق الجمهور؛ لأنها وإن كانت معلومة المقدار فهي مجهولة الصفة. إذاً لم يلتفتوا إلى كونها معلومة المقدار، وإنما نظروا إلى كونها مجهولة الصفات، حينئذٍ جعلوها مبهمة حقيقة، ورأي أبي حيان هناك وجيه، أن تجعل مبهمة حكماً، بمعنى أنه لا يتجاهل كونها مختصة من حيث المقدار، لأنها معلومة، الميل معلوم والفرسخ معلوم والبريد معلوم ولها أول ولها آخر، وهذا حقيقة المختص، فحينئذٍ نقول: كونها مجهولة الصفة لا يخرجها عن كونها مختصة، وكونها مختصة لا يجعلها مختصة مع جهلنا بالصفة، فنعطيها حكماً وسطاً وهي كونها مبهمة حكماً، وذهب أبو علي الشلوبين إلى أنها ليست من الظروف المبهمة؛ لأنها معلومة المقدار كما سبق أنه هو المذهب الثاني. وأما ما صيغ من المصدر فهذا قد يكون مبهماً وقد يكون مختصاً، إذا أضفته حصل له اختصاص جلست مجلس زيدٍ، هذا واضح أنه مختص، كما تقول: هناك يوم الخميس جعلته مختصاً بالإضافة، هذا مثله، زيد هذا علم، ومجلس هذه نكرة، استفاد التعريف، إذاً هو مختص، وهذا حقيقة المختص، جلست مجلساً هذا مبهم؛ لأنه لم يضف، وظاهر كلامه أيضاً أن مرمى مشتق من رمى، وليس هذا على مذهب البصريين، كيف ليس هذا؟! هو قرر في السابق هذا،

قال: وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ، صرح به، وهذا محتمل، فكيف نقول: هذا ليس على مذهب البصريين؟ فإن مذهبهم أنه مشتق من المصدر لا من الفعل، الصواب أن كلامه فيه احتمال نعم لكن مُفسَّر بما سبق، يعني: الاحتمال الوارد بقوله: وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ لا نجعله مخالفاً لما ذهب أولاً، بل ما ذهب إليه أولاً هو المحكم، وهذا متشابه، فنحمل المتشابه على المحكم، فنقدر له مضاف هنا من مادة الفعل. إذا تقرر أن المكان المختص وهو ما له أقطار تحويه لا ينتصب ظرفاً فاعلم أنه سُمِعَ نصب كل مكان مختص مع دخل وسكن، مع فعلين: دخل وسكن، ونصب الشام مع ذهب، دخلت البيت وسكنت الدار وذهبت الشام، واختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب ذكرناها في السابق، وزاد بعضهم مذهباً رابعاً، الصواب منها أنها منصوبة على المفعول كما قال ابن مالك -رحمه الله تعالى-: مفعول به بنزع الخافض، ولا إشكال فيه. إذاً وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ، يعني: ينصب على الظرفية، اسم الزمان بنوعيه المختص والمبهم، وَمَا يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا وما صيغ من الفعل فهو شيئان، والجهات والمقادير، نقول: الجهات هذا مبهم حقيقةً، والمقادير هذا مبهم حكماً، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ نقول: هذا قد يكون مبهماً وقد يكون مختصاً، وَشَرْطُ كَوْنِ ذَا مقِيساً أن يكون موافقاً للعامل فيه. بقي مسألة وهي متى نقول: مَفعَل -يعني اسم الزمان واسم المكان-؟ هذه مبحثها في فن الصرف، لكن نذكرها باختصار تتميماً للباب، اسم الزمان والمكان من الثلاثي على وزن مَفعَل، وقد يأتي على وزن مَفعِل، متى يكون على وزن مَفعَل بفتح الميم وإسكان الفاء وفتح العين مَفعَل، إن كان المضارع مضموم العين أو مفتوحها، متى يكون مضموم العين؟ إذا كان ماضيه فَعَل أو فَعِل؛ لأن فَعَل يأتي منه المضارع على ثلاثة أنواع: فَعَل يَفعَل، وفَعَل يَفعِل وفَعَل يَفعُل، وفَعِل يأتي منه المضارع على اثنين فَعَل يَفعِل، هذا على خلاف القياس وفَعِل يَفعَل بالفتح، ولم يرد فَعِل يَفعُل، وفَضِل يَفضُل شاذ، أو من تداخل اللغتين، وفَعُل لم يسمع فيه إلا يَفعُل، فَعُل يَفعُل، ولم يسمع فيه فَعُل يَفعِل، ولا فَعُل يَفعَل، وما سمع من ذلك فهو شاذ، رحبتك الدار. إذاً نقول: إن كان المضارع مضموم العين، وهذا فيما إذا كان ماضيه فعُل أو فعَل، هل مضموم العين يأتي من فَعِل؟ مضموم العين يَفعُل ليس له إلا ماضيان،: فعَل وفعُل فقط، ليس له إلا ماضيان، ولذلك قد يستدل بالمضارع على الماضي كما ذكرناه في كان، قلنا: كان هذا محتمل أنه كَوَن، كَوِن كَوُن، يحتمل؛ لأن الألف هذه منقلبة عن واو، طيب كيف نستدل كيف نصحح كيف نعرف؟ ننظر في المضارع، فحينئذٍ المضارع يَكُونُ أصله يَكْوُنُ: يفعُل، إذاً يفعُل ليس من باب فَعِل، إذاً يمتنع أن يكون كان كَوِن، سقط، بقي كَوَن أو كَوُن، فَعَل يَفعُل هذا يكون في اللازم الذي يدل على السجايا والأفعال الطبيعية الخلقية، وليس كان منها، بل قيل: أنها لا تدل على حدث أصلاً، إذاً سقط فعُل كوُن، بقي بقي كوَن، فنستدل بالمضارع على حركة عين الماضي.

الحاصل: إن كان المضارع مضموم العين أو مفتوحها أو معتل اللام مطلقاً، سواء كان مضمومها أو مفتوحها أو مكسورها، كمنصَر، منصَر أصله نَصَر يَنصُر، إذاً مضموم العين ينصر يفعُل وماضيه فعَل، حينئذٍ يأتي منه اسم المكان واسم الزمان على وزن مفعَل، كمنصَر، مذهب: ذهب يذهب على وزن يفعَل، إذاً هو مفتوح العين، كذلك: مرمى رمى يرمي، هذا من معتل اللام مطلقاً، ولو كان مكسور العين يَرمِيُ يَفعِلُ، هذا الأصل فيه، فحينئذٍ نقول: جاء منه اسم الزمان واسم المكان على وزن مفعَل، بفتح العين، وموقى، وقى يقي، مثل وعد يعِد، حينئذٍ نقول: هذا جاء على وزن مفعَل، ومسعى سعَى يسعَى، ومقام قام يقوم، ومخاف خاف يخاف، ومرضى، إذا قيل: خاف أصله مَخْوَف، صار على وزن مخاف، أصله مَخْوَف، أُرِيدَ قلب (الواو) (ألفاً)، فحصل فيه ما حصل في يقال هنا، فحينئذٍ ألقيت الحركة إلى ما قبلها، وقيل: تحركت باعتبار الآن، وسكن ما قبلها باعتبار الأصل، يعني بالنظرين، فقلبت (الواو) (ألفا). وعلى مفعِل .. إذاً على مفعَل إذا كان مضموم العين في المضارع أو مفتوح أو معتل اللام مطلقاً، سواء كان مضمومها أو مفتوحها أو مكسورها، وأما على وزن مفعِل، إن كانت عين مضارعه مكسورة، أو مثالاً مطلقاً، في غير معتل اللام؛ لأن معتل اللام السابق قلنا: يأتي منه على وزن مفعَل، كمجلِس جلس يجلس، يجلس على وزن يَفعِل، حينئذٍ يأتي اسم الزمان والمكان منه مجلس، ومبيع وموعد وميسر وموجب، ومن غير الثلاثي يكون وزنه وزن المفعول مكرم ومستخرج ومستعان. ثم قال: وَمَا يُرَى ظَرْفَاً وَغَيْرَ ظَرْفِ ... فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ وَغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ ... ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا مِنَ الْكَلِْمِ هذا سبق معنا أن الظرف ينقسم إلى نوعين: متصرف وغير متصرف، المتصرف هو الذي يخرج عن الظرفية، بمعنى أنه قد يأتي مبتدأ، قد يأتي فاعلاً، قد يأتي نائب فاعل، اسم إن، خبر إن .. إلى آخره، يأتي في جميع المواضع، أو في جملتها، نقول: هذا ظرف متصرف، صمت يوماً، هذا ظرف، نجد أن يوماً هذا يأتي مبتدأ ويأتي خبر ويأتي مفعول به، حينئذٍ نقول: هذا متصرف، والذي يلزم الظرفية ولا يخرج عنها البتة، مثل: إذا وقط وعَوضُ، هذه أبداً لا تجر لا بمن ولا بغيرها، ولا تقع لا مبتدأ ولا خبراً ولا ولا .. إلى آخره، جميع المحال منفية عنها، فحينئذٍ نقول: هذا ملازم للظرفية. بقي نوع وهو ما يخرج عن الظرفية إلى شيء واحد وهو الجر، ثم الجر ليس بكل حرف بل بحرف واحدٍ وهو مِن، وهو قبل وبعد ولدن وعند، هذه تخرج عن الظرفية، فحينئذٍ تجر بـ (من)، من قبل، من بعد، حينئذٍ دخلت عليها من، من لدن، من عند: وَعِندَ فِيهَا النَّصْبُ يَستَمِرُّ ... لَكِنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ هذا يعبر عنه بأنه متصرف أو غير متصرف؟ إن جعلنا القسمة ثنائية قلنا: غير متصرف، ونجعل غير متصرف منه ما هو خارج عن الظرفية إلى الجر بمن فقط، وإن جعلناها ثلاثة أقسام: متصرف، ملازم للظرفية لا يخرج عنها أصلاً، ما هو شبيه بالظرف، يعني ما هو ملازم للظرفية أو شبهها. وَمَا يُرَى ظَرْفاً وَغَيْرَ ظَرْفِ ... فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ

وهذا تعريف واضح بين، ابن مالك في بعض الأبيات قراءتها شرحها، فحينئذٍ نمرها. وَمَا يُرَى: والذي هذا مبتدأ، يُرَى مغير الصيغة، ظَرْفاً مفعول ثاني لـ يُرَى، يُرَى ظَرْفاً وَغَيْرَ ظَرْفِ، فَذَاكَ (الفاء) هذه ما نوعها؟ هذه مراراً وقفنا معها، المبتدأ إذا كان صيغة عموم أو فيه معنى العموم، حسُن أن يدخل في المبتدأ الفاء تشبيهاً له بالشرط، الذي يأتيني فله درهم، (الفاء) هذه رابطة، رابطة للخبر بالمبتدأ، لما في المبتدأ من معنى عموم، إما أن يكون لفظه لفظ عموم ككل والذي، وإما أن يكون فيه معنى العموم، وهنا (مَا) اسم موصول بمعنى الذي، فهي من صيغ العموم، لاشك، حينئذٍ وقوع (الفاء) في جوابها، استحساناً، جوازاً لا وجوباً، وأما وقوعها في الشرط على التفصيل فهذا واجب. وَمَا يُرَى ظَرْفاً: ظَرْفاً هذا مفعول ثاني، وَغَيْرَ ظَرْفِ، مَا يُرَى ظَرْفاً وما يرى من أسماء الزمان والمكان ظرفاً تارة وغير ظرف أخرى، هكذا حل البيت، وما يرى من أسماء الزمان والمكان ظرفاً تارة وغير ظرف أخرى؛ لأنه لا يرى ظرفاً وغير ظرف في وقت واحد، (الواو) تدل على مطلق الجمع، فلو كنا ظاهرية وقفنا مع النص، لقلنا: وما يرى ظرفاً وغير ظرف في وقت واحد، نقول: لا، ليس هذا المراد، بل لا بد من فك الجهتين؛ لأنه يمتنع أن يكون ظرفاً وغير ظرف في وقت واحد، كيف يكون ظرفاً على معنى فِي بِاطِّرَادٍ ثم لا يكون ظرفاً لا على معنى في؟ تناقض، فلا بد من فك الجهة. وَمَا يُرَى ظَرْفاً تارة وَغَيْرَ ظَرْفٍ أخرى، فَذَاكَ الفاء رابطة للخبر بالمبتدأ، فَذَاكَ أي الذي يكون ظرفاً وغير ظرف بالاعتبار السابق مبتدأ ثاني، ذُو يعني صاحب، تَصَرُّفٍ هذا خبر المبتدأ الثاني، والجملة المبتدأ والخبر في محل رفع خبر المبتدأ الأول، وهو (مَا). فِي الْعُرْفِ ما أعرابه؟ تصرف في العرف متعلق به، إذا أشكل عليك انظر في ما يتمم المعنى، لو قيل: فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ، فذاك في العرف ذو تصرف، فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي الْعُرْفِ، يحتمل هذا وذاك؛ لأن اسم الإشارة يكون متعلقاً للجار والمجرور والظرف، وتصرف هذا تفعل مصدر، وهو كذلك يكون متعلقاً للجار والمجرور، هذا جائز وهذا جائز، لكن تعليقه بالتصرف هو أولى. فِي الْعُرْفِ، يعني: عرف النحاة كيوم ومكان، يوم هذا نقول: متصرف، ومكان هذا كذلك نقول: متصرف، تقول: سرت يوماً، وجلست مكاناً، هذا منصوب على الظرفية الزمانية والمكانية، ويستعمل مبتدأ، يومُ الجمعة يومٌ مبارك، ومكانُك حسنٌ، رفع بالابتداء، إذاً صار مبتدأً، وجاء فاعلاً، جاء يومُ الجمعة، وارتفع مكانُك، إذاً تبدل باعتبار المحال، فلما خرج عن الظرفية إلى الابتداء والفاعل .. إلى آخره، حينئذٍ حكمنا عليه بأنه متصرف.

وَغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ ظَرْفِيَّةً، وَغَيْرُ ذِي صاحب التَّصَرُّفِ منهما -أسماء الزمان والمكان- الَّذِي لَزِمْ ظَرْفِيَّةً، كقط وعوض، أَوْ للتنويع والتقسيم، شِبْهَهَا أو لزم ظرفية أو شبهها، لو عطفناه على ظرفية شبهَها بالنصب، لو قلنا: (أو) حرف عطف، وشبهَها معطوف على ظرفية فسد المعنى، لأن (أو) هنا للتقسيم، فالثاني يقابل الأول، طيب كيف يكون المعنى؟ الذي لزم ظرفية، ثم الذي لزم شبه الظرفية، ولم يكن ظرفاً، هل هذا مراد؟ عند تكون ظرفية، وتكون شبه ظرف، متصرفة، وشبه المتصرفة، لو قلنا: (أو) شبهها هكذا دون تقدير لصار القسمة ثنائية: ظرفية ثم شبه الظرفية، إذاً عند ولدن وقبل وبعد لا تكون إلا شبه ظرف، وليس هذا مراد؛ لأنها تكون ظرفية، إذا لم تجر بمن، وتكون شبيهاً بالظرف إذا جرت بمن، هذا المراد. إذاً أَوْ شِبْهَهَا نقول: هذا معطوف على منصوب محذوف مع عامله، أو لزم ظرفية أو شبهها، معطوف على محذوف تقديره: أو لزم ظرفية أو شبهها، وهو عند ونحوه، فإنه يلزم أحد هذين الأمرين، إما هذا أو ذاك، ولا يجوز أن يكون معطوفاً على ظرفية المنصوبة المنطوق بها، إذ يلزم عليه أنه يلزم شبه الظرفية فقط، وهذا معنى فاسد، انظر الإعراب له أثر في المعنى، لو قلت: ظرفية أو شبهها أو حرف عطف شبهها معطوف على ظرفية، والمعطوف على المنصوب منصوب، فسد المعنى، ولذلك الصناعة النحوية مرتبطة بالمعنى، ولن تجيد إذا أردت المعاني في فن النحو إلا بدراسة البلاغة معه، متلازمان، يعني: لن تفهم حقيقة الفهم وتخرج عن الظاهرية في الإعراب، لن تكون كذلك إلا إذا درست علم المعاني على جهة التفصيل. وَغَيْرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ ظَرْفِيَّةً، هذا النوع الأول، يعني: لا يخرج عن النصب على الظرفية البتة، لا يدخل عليه مِن ولا غيرها، لا يكون مبتدأ ولا فاعل ولا خبر ولا ولا .. إلى آخره، جميع المحال التي يكون فيها المتصرف قط وعوض وإذا، لا تكون كذلك. أو لَزِمْ ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا، وهو ما خرج عن الظرفية إلى شيء واحد وهو الجر بـ (من)، لأن الجر هذا تصرف، نوع تصرف، ثم الأصل فيه أنه يجر بكل حرف، لكن لما جر بـ (مِن) على جهة الخصوص، قلنا: هذا نوع قصور، فلم يتصرف كامل التصرف، لا في الجر، في الخروج إليه، ولا في كونه يقع مبتدأ وما ذكر. ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا مِنَ الْكَلْمِ: هذا متعلق بشبهها، ويكون الكلم واقع على (مِن)، ويجوز أن يتعلق بالظرفية، فيكون الكلم واقع على الظرف، يعني التي تستعمل أو شبهها. غير المتصرف هو الملازم للظرفية، إذا جعلناهما قسمين وهو أولى: متصرف وغير متصرف، غير متصرف هو الملازم للظرفية، وهو على نوعين: ما لا يخرج عنها أصلاً كـ قط وعوض، تقول: ما فعلته قط، ولا أفعله عوض، قط لما مضى، وعوض للمستقبل، ولها شروط، وما يخرج عنها إلى شبهها وهو الجر بالحرف (مِن) خاصة، نحو قبل وبعد ولدن وعند، فهي غير متصرفة مع أن (مِن) تدخل عليهن، ثم الظرف المتصرف، منه المنصرف ومنه غير المنصرف، والظرف غير المتصرف منه المنصرف وغير المنصرف.

إذاً كل منهما يدخله الصرف وعدمه، يعني: ينون يأتيه التنوين، ينون وقد لا ينون، والأكثر فيهما -في النوعين- أن يكونا منصرفين. ثم الظرف المتصرف، منه منصرف كيوم وشهر وحول، ومنه غير منصرف وهو غدوة وبكرة علمين لهذين الوقتين قصد بها التعيين أو لم يقصد، ولا ثالث لهما، قليل متصرف غير المنصرف لم يحفظ إلا غدوة وبكرة، ولا ثالث لهما، قاله في شرح التسهيل: وزِيدَ ضحوة فإنها لا تنصرف للعلمية والتأنيث. والظرف غير المنصرف، منه منصرف وغير منصرف، فالمنصرف نحو سحر وليل ونهار وعشاء وعتمة ومساء وعشية، غير مقصود بها كلها التعيين، وغير منصرف نحو سحر مقصوداً به التعيين، ومن العرب من لا يصرف عشيةً في التعيين. إذاً الحاصل أن المنصرف المتصرف وغير المتصرف كل منهما ينقسم إلى منصرف، يعني: يدخله التنوين، وقد لا يدخله التنوين، والمطرد أن يكون منصرفاً إلا في ألفاظ محفوظة. قال في الشرح: والذي لزم الظرفية أو شبهها: عند ولدن، والمراد بشبه الظرفية أنه لا يخرج عن الظرفية إلا باستعماله مجروراً بـ (مِن) خاصة دون غيرها، نحو خرجت من عند زيد: وَعِندَ فِيهَا النَّصْبُ يَستَمِرُّ ... لَكِنَّهَا بِمِنْ فَقَطْ تُجَرُّ ولا تجر (عند) إلا بـ (مِن) فلا يقال: خرجت إلى عنده، وقول العامة: خرجت إلى عنده، خطأ، العامة كاسمهم. وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ ... وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ عرفنا اسم الزمان واسم المكان، ظرف الزمان وظرف المكان، قَدْ يَنُوبُ عنهما مصدر، قَدْ يَنُوبُ عنهما في ماذا؟ في النصب على الظرفية، كما نيب هناك في باب المفعول المطلق، قد ينوب المصدر هناك، وافْرَحْ الجَدَلِ على رأي ابن مالك، ناب المصدر مناب المفعول المطلق، فهو مصدر، وافْرَحْ الجَدَلِ، قعدت جلوساً، جلست قعوداً، هذا عند ابن مالك -رحمه الله- من باب النيابة، هنا قَدْ يَنُوبُ المصدر عن ظرف الزمان، وقد ينوب عن ظرف المكان إلا أنهما ليسا على مستوى واحد، بل بعضها مقيس، وبعضها سماعي، وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ يعني عن ظرف مكان لا بد من التقدير، ليس عن لفظ مكان، وإنما عن ظرف مكان، مَصْدَرُ، قَدْ يَنُوبُ: قَدْ للتقليل، قد ينوب مصدر عن ظرف مكان، فينتصب بانتصابه على الظرفية، فنقول: هذا مصدر ناب مناب الظرف -ظرف المكان-، حينئذٍ نقول: هو منصوب على الظرفية: جلست قرب زيدٍ، أصل التركيب: جلست مكانَ قربِ زيدٍ، حذف مكان وهو المضاف، مكان منصوب على الظرفية، جلست مكانَ منصوب على الظرفية؛ لأنه بمعنى في، جلست في مكان، حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه، فحينئذٍ نقول: جلست قرب زيد، قرب نقول: منصوب على الظرفية المكانية، أصالة أو بالنيابة؟ بالنيابة، أي: مكانَ قربِ زيد، فحذف المضاف وهو مكان، وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعرب إعرابه وهو النصب على الظرفية، ولا ينقاس ذلك لقلته. إذاً هو سماعي، في باب ظرف المكان سماعي لا يقاس عليه، فتقول: جلست قرب زيد لا إشكال؛ لأنه سمع، فتلفظ بما نقل، وما لم ينقل حينئذٍ تتركه: .............................. ... فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ

فلا تقل: آتيك جلوس زيد، يعني مكان جلوس زيد، لماذا؟ لأنه لم يسمع، لم تنطق العرب بقولهم: آتيك جلوس زيد. وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ: وَذَاكَ ما هو؟ ينوب مصدر عن ظرف الزمان، إنابة المصدر عن ظرف الزمان يكثر في لسان العرب، وإذا كثر الشيء صار مقيساً، إذاً يقاس عليه، بخلاف إنابة المصدر عن ظرف المكان، فحينئذٍ يكون سماعياً. وَذَاكَ يَكْثُرُ: وَذَاكَ مبتدأ، يَكْثُرُ خبر، فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يحتمل، ذَاكَ أي المشار، هذا فيه معنى الفعل دون حروفه، ويتعلق به جار ومجرور، ذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ، يكثر في ظرف الزمان، يحتمل هذا وذاك، لكن أيهما أليق بالمعنى؟ يكثر في ظرف الزمان، الذي هو إنابة المصدر عن ظرف الزمان كثير. وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ، قلنا: قد للتقليل، ثم قال: وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ دل على أن قَدْ قطعاً محمولة على التقليل، فحينئذٍ نفسر المعنى -معنى قد- وهي حرف مشترك نفسره بالتقليل، ويكثر إقامة المصدر مقام ظرف الزمان، نحو: آتيك طلوع الشمس وقدوم الحاج وخروج زيد، أيضاً على حذف مضاف، والأصل: وقت طلوع الشمس ووقت قدوم الحاج، ووقت خروج زيد، وحذف المضاف، وأعرب المضاف إليه بإعرابه، وهو مقيس في كل مصدر، لكن شرطه إفهام تعيين وقت أو مقدار، ليس على إطلاقه، لابد أن يكون المعنى واضحاً، يعني: أن يفهم، إذا قلت: آتيك طلوع الشمس، لا بد أن يفهم تعيين وقت أو مقدار، نحو: كان ذلك خَفوق النجم، أي: غروب الثريا، وطلوع الشمس، وانتظرته نحر جزور، يعني: وقت أو مقدار، وحلب ناقة، أي: مقدار حلب ناقة، والأصل وقت خَفوق النجم، ووقت طلوع الشمس ومقدار، -مقدار انظر-، لم نقل: وقت، وإنما قلنا: مقدار نحر جزور، ومقدار حلب ناقة، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وهنا ذكر المصدر مما ينوب عن اسم الزمان واسم المكان، وليس خاصاً بالمصدر، بل ينوب عنه أيضاً صفته وعدده وكليته أو جزئيته، جلست طويلاً من الدهر شرقي مكان، ما نوعه؟ أين الإنابة هنا؟ أين حصلت؟ في أي لفظ؟ جلست طويلاً من الدهر شرقي مكان، هذا مما ناب فيه الصفة عن الظرف، وسرت عشرين يوماً، عشرين نقول: هذا ناب العدد فيه عن ظرف الزمان، سرت عشرين بريداً، مشيت جميع اليوم، جميع هذا ناب عن الزمان، مشيت جميع البريد، مكان، كل اليوم، بعض اليوم، كل البريد، بعض البريد، نقول: هذا مما ينوب، لكن القاعدة أنه ينوب عنه صفته وعدده وكليته أو جزئيته، كل، لفظ كل يعني وبعض، وكما سبق أنه إذا أضيف إلى المصدر صار معناه مصدراً، وإذا أضيف إلى اسم الزمان كل يوم كل مكان صار ظرف زمان أو ظرف مكان، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

59

عناصر الدرس * شرح الترجمة (المفعول معه) وحده * حكمه والعامل فيه * أحوال الإسم الواقع بعد واو المعية. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم -رحمه الله تعالى-: المَفْعُوُلُ مَعَهُ، يعني الذي فُعِلَ معه الفعل. مَعَهُ: هذا كما ذكرنا في السابق أنَّ الضمير، إما أنه يعود إلى (أل) -وهذا هو الصحيح- قبل جعله علماً فيعود إلى (أل)؛ لأنها موصولة، ومن نفى أنها موصولة حينئذٍ أرجعه إلى موصوف محذوف -الشيء الذي-، الشيء المفعول معه الفعل، والصواب هو ما ذكرناه، وهذا قبل جعله علماً. أخَّر هذا الباب، وهو الباب الأخير من المفاعيل؛ لأن العامل هنا في المفعول معه لا يصل إليه إلا بواسطة، بواسطة (الواو)، لذا قال: يُنْصَبُ تَالِي الوَاوِ، فإذا حذفت (الواو) حينئذٍ خرج عن كونه مفعولاً معه، فصار إما مفعولاً به .. الخ، ولابد من ذكر (الواو) ولا يجوز حذفها، فحينئذٍ دل على أن (الواو) معتبرة في النصب، ولذلك جعله متأخراً. وهذا الباب الصواب أنه قياسي، بمعنى أنه يحفظ ما نقل عن لسان العرب ويستنبط منه الأحكام، فيقاس عليه، هذا هو الصحيح. ومذهب أبي الحسن الأخفش أنه سماعي، بمعنى أنه ليس قياسياً، بمعنى أنه يحفظ ما ورد في لسان العرب ولا يقاس عليه، كيف وهو موجود في القرآن؟ الصواب أنه قياسي، وقيل المفعول معه مفعول به -كما سبق-، مفعول به لفعل محذوف، أي سِرْتُ وَلاَبَسْتُ النِّيلَ، سِرْتُ والنِّيلَ، قال: النيل هذا مفعول به والعامل فيه محذوف، سِرْتُ وَلاَبَسْتُ النِّيلَ، حينئذٍ كل ما جاء منصوباً بعد (الواو) لابد من التقدير، وهذا فيه تكلف. المَفْعُوُلُ مَعَهُ: حقيقته هو اسم فظلة بعد (واو) أريد بها التنصيص على المعية، مسبوقة بفعل، أو ما فيه حروفه ومعناه، هذا حقيقة المفعول معه تجمع الشروط التي ذكرها النحاة، اسم فظلة بعد (واو) أريد بها التنصيص على المعية مسبوقةٍ -هذا بيان شرطه- بفعل، أو ما فيه حروفه ومعناه. اشترطنا الاسم، إذاً كل ما كان مفعولاً معه، فهو اسم من غير عكس، لماذا؟ ما القاعدة هنا؟ الاسم جنس، والعلاقة بين الجنس في الحد والمحدود العموم والخصوص المطلق -في كل حد-، يوجد في أي فن العلاقة بين الجنس المأخوذ جنساً في حد المذكور يكون بينه وبين المحدود العموم الخصوص المطلق. إذاً كل ما كان مفعولاً معه فهو اسم، فخرج بالاسم الحرف، وخرج به الفعل وخرج به الجملة، فلا يكون شيء من ذلك مفعولاً معه، والحرف واضح؛ لأن الكلام هنا فيما له معنى والحرف ليس له معنى. وخرج به الفعل المنصوب بعد (الواو) في نحو: (لاَ تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ اللَّبَنَ)، لاَ تَأْكُلِ السَّمَكَ وَتَشْرَبَ، بالنصب على أن (الواو) (واو) المعية، والفعل منصوب بعدها بأن مضمرة وجوباً بعد (الواو)، و (الواو) هنا على معنى الجمع لاَ تَأْكُلِ السَّمَكَ مع شرب اللبن، حينئذٍ نقول: وَتَشْرَبَ هذا وقع بعد (واو) الجمع هل نعربه مفعولاً معه؟ الجواب لا، لماذا؟ لأن المفعول معه لا يكون إلا اسماً وهذا فعل إذاً الفعل المنصوب بعد (واو) المعية ليس مفعولاً معه وإن دل على معنى الجمع.

كذلك خرج بالاسم الجملة الحالية: (جَاءَ زَيْدٌ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ) أي مع طلوع الشمس، (الواو) واو الحال، وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ مبتدأ وخبر، والجملة في محل نصب حال، جَاءَ زَيْدٌ مع طلوعِ الشمسِ، هل نقول أنه مفعول معه؟ نقول: لا؛ لأنه ليس باسم، قوله: اسم أخرج الحرف، فلا يرد، لا يدخل معنا أصالة، وخرج به الفعل المضارع المنصوب بعد (واو) المعية، كالمثال المذكور، وخرج به الجملة الحالية، كَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ من قولك: (جَاءَ زَيْدٌ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ). اسم فظلة خرج به العمدة، إذاً الاسم إما أن يكون فظلة وهو ما ليس ركناً في الإسناد، وإما أن يكون عمدة، وهو ما هو ركن في الإسناد. خرج بذكر الفضلة ما بعد (الواو) في نحو (اشترك زيدٌ وعمرٌ)، اشترك، افتعل وهذه تدل على فاعلين في المعنى: تضارب زيدٌ وعمرٌ، اختصم زيدٌ وعمرٌ، اشترك محمد وخالد، نقول: هذه الأفعال تدل على المشاركة، لا يقال: اختصم زيدٌ ونسكت لا، اختصم زيد مع من؟ زيد وعمرو، تضارب زيدٌ لوحده؟ وخالدٌ، وهكذا، حينئذٍ نقول: ما بعد (الواو) وإن كان مفيدً للجمع إلا أنه عمدة، كيف عمدة؟ يعني لا يستغنى عنه في الكلام. فإنه عمدة؛ لأن الفعل لا يستغني عنه. اسم فظلة بعد (واو)، خرج بذكر (الواو) ما بعد (مع)، لو جيء بـ (مع) نفسها نحن نقول: (واو) تدل على المعية، حذفنا (الواو) وجئنا بلفظ (مع)، حينئذٍ نقول: ليس بمفعول معه لماذا؟ لأن الشرط أن يكون الملفوظ، أو الدال على المعية هو (الواو)؛ لأن العرب هكذا نطقت، ليس من عندنا، وإنما العرب نطقت بهذا حينئذٍ قلنا: لابد من (الواو) وإلا (مع) أصرح وأدق من (الواو)، ولكن يرِد على أن (مع) هذه ظرفٌ فما بعدها يكون مضافاً؛ لأنها تلزم الإضافة. إذاً خرج بذكر (الواو) ما بعد (مع) في نحو: (جَاءَنِي زيْدٌ مَع عَمْروٍ) مَع عَمْروٍ، نقول: عَمْروٍ هذا مضاف إليه (ومع) مضاف، وكذلك ما بعد (الباء) في نحو: (بِعْتُكَ الدارَ بأثاثها)، (الباء) هنا بمعنى (مع)، بِعْتُكَ الدارَ بأثاثها، يعني مع أثاثها. وبذكر التنصيص على المعية: (جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ) (الواو) هنا محتملة للعطف ومحتملة للمعية، ولذلك يجوز برجحانٍ أن ينصب ما بعدها، جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ، جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْراً، جائز، لكنه مرجوح، والرفع أرجح -العطف أرجح-؛ لأنه متى ما أمكن العطف دون ضعف فهو راجح، وما عداه فهو مرجوح، حينئذٍ: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرا، ً جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ، نقول: يجوز الوجهان إلا أن الرفع أرجح لإمكان العطف دون ضعفٍ. إذاً بذكر التنصيص على المعية نحو: جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْروٌ إذا أُريد بها مجرد العطف. مسبوقةٍ بفعلٍ أو ما فيه حروفه ومعناه، هذا فيه تنصيص على العامل في المفعول معه، وهو أنه لا يكون إلا فعلاً، أو ما فيه معنى الفعل وحروفه، وهو الوصف والمصدر، حينئذٍ ينصب المفعول معه بالفعل سِرْتُ والنِّيلَ، ينصب المفعول معه باسم الفاعل أنا سائر والنيلَ، ينصب بالمصدر (أعجبني سيرُكَ والنيلَ) نُصِب بالمصدر.

حينئذٍ نقول: العامل مخصوص وهو أنه إما أن يكون فعلاً، أو ليس بفعل، لكنه فيه معنى الفعل وحروفه، إذاً ما لم تكن مسبوقة بشيء وكانت الواو دالة على المعية حينئذٍ لا ينصب: (كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتُهُ) -بالرفع- ولا يجوز النصب خلاف لـ (الصيمري) لماذا؟ لأنه لم يسبق (الواو) هنا فعل ولا ما فيه معنى الفعل وحروفه، حينئذٍ كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتُهُ نقول: لعدم الفعل وما في معناه لا يجوز النصب، ولا نقول: كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتَهُ -بالنصب-، لا كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتُهُ معطوف على (كُلُّ) -فهو مرفوع- وكُلُّ: مبتدأ، والخبر محذوف -مقترنان- والدليل: وَبَعْدَ وَاوٍ عَيَّنَتْ مَفْهُومَ مَعْ ... كَمِثْلِ كُلُّ صَانِعٍ وَمَا صَنَعْ هو هذا، كُلُّ صَانِعٍ وصِنْعَتُهُ، وليس (صَنْعَتَهُ) بالفتح لا، لا يجوز، لماذا؟ لأنه لم يسبق لا بفعل ولا ما فيه معنى الفعل وحروفه، ولا يجوز: هذا لك وأباكَ بالنصب، هذا لك وأباك، (الواو) واو المعية، أباك منصوب على أنه مفعول معه، نقول أين الفعل؟ ليس فيه فعل، وإنما سبق بـ (هذا)، وهو اسم إشارة وهو فيه معنى الفعل دون حروفه؛ لأنَّ (أشار) هذا فيه معنى أُشير وإذا كان فيه معنى أُشير حينئذٍ هذا معنى الفعل، لكن أين حروفه؟ حينئذٍ يتعين: هذا لك وأبيك معطوف على المجرور (الكاف)، هذا لك وأبيك، ولا يجوز هذا لك وأباك بالنصب على أنه مفعول معه؛ لأنه وإن تقدم عليه ما فيه معنى الفعل إلا أنه ليس فيه حروفه، ويشترط إن لم يتقدم الفعل أن يتقدم عليه -على (الواو) - ما فيه معنى الفعل وحروفه؛ لأن اسم الإشارة فيه معنى الفعل وهو أٌشير دون حروفه، فهو عامل معنوي وهو ضعيف. إذاً المفعول معه اسم خرج الفعل والجملة الحالية، والحرف فضلة أخرج به العمدة بعد (واوٍ) أخرج به (مع) أُريد بها التنصيص على المعية محتمل العطف التنصيص على المعية يعني لا يحتمل العطف (جاء زيدٌ وعمرٌ) هنا نقول: يحتمل المعية ويحتمل العطف مسبوقة بفعل، أو ما فيه حروف ومعناه هذا بيان للعامل. قال الناظم: يُنْصَبُ تَالِي الوَاوِ مَفْعُولاً مَعَهْ ... فِي نَحْوِ سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ بِمَا مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ ... ذَا النَّصْبُ لاَ بِالْوَاوِ فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ يُنْصَبُ قدم الحكم على حقيقة المفعول معه، لماذا؟ لأنه يتكلم في أبواب المنصوبات، قد يكون هذا عذرٌ له؛ لأنه يتحدث في باب المنصوبات، وإلا الأصل أنه يذكر حقيقة الشيء، ثم يقال حكمة كذا، أما أن يعنون بالمفعول معه، ثم يبدأ بالحكم، نقول: هذا خلاف الأصل؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وهذا متفق عليه بين العقلاء، تتصور الشيء ثم تحكم عليه، أما مباشرة تحكم دون أن تتصور، هذا خلاف العقل قبل أن يكون خلاف الشرع. يُنْصَبُ الاسم الفضلة تَالِي الوَاوِ مَفْعُولاً مَعَهْ: يُنْصَبُ ما حكم النصب هنا؟ هل هو كالسابق هناك في المفعول له، بأن يكون جوازاً مطلقا؟ قلنا ننظر في المفعول معه، فإذا به قد يتعين نصبه، وقد يترجح نصبه مع جواز العطف، وقد يترجح العطف مع جواز النصب.

إذاً: له حالان، قد يكون واجب النص، ب وقد يكون جائز النصب، إذاً يُنْصَبُ لم يأتِ بالفعل -فعل الأمر- وجاء بالفعل المضارع ليعم الحالين، وهما الجواز -مطلق الجواز- سواءٌ كان مع الرجحان أو المرجوحية فيدخل فيه نوع واحد. يُنْصَبُ: وجوباً فيما إذا تعين النصب على المفعولية، فحينئذٍ يتعين حمل اللفظ على عدم العطف. يُنْصَبُ جوازً ووجوباً تَالِي الوَاوِ، ما هو تالي الواو؟ الاسم الفضلة الذي يقع بعد الواو، تَالِي (الوَاوِ): فيه إشارة إلى أنه لا يجوز الفصل بين (الواو) -واو المعية- والمفعول معه، لا يجوز، إذاً فيه أشارة إلى عدم جواز الفصل بين (الواو) والمفعول معه ولو بالظرف، يعني لا يتوسع يقال بأن الظروف والجار والمجرور يتوسع فيهما ما لا يتوسع في غيرهما، نقول: لا الحكم عام؛ لأنه لم يسمع. ولو بالظرف لِتَنَزُّلِ (الواو) هنا مع المفعول مُنَزَّلَةَ الجار والمجرور، كما أنه لا يفصل بين حرف الجر ومجروره، كذلك لا يفصل بين واو المعية والمفعول معه، ويجب ذكر هذه (الواو) إذ لم يثبت في لسان العرب حذفها. إذاً قوله: تَالِي الوَاوِ يُنْصَبُ هذا فعل مضارع مغير الصيغة، تَالِي هذا نائب فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، تَالِي في الرسم تثبت الياء، والإعراب يتبع الملفوظات لا المرسومات، فترسم الشيء، تكتبه (ياءً)، ثم في النطق ما تلفظ (بالياء)، (الياء) ثابتة أمامك تَالِي، تكتبها ما تحذفها، إذا جئت تعرب وأنت تنظر في الكتاب: يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ)، تَالِي أثبت (الواو) في الكتابة، فيخطئ الطالب، فيقول: مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على الياء -المذكورة يعني-، لا ليست مذكورة، هي مذكورة في الرسم في الكتابة، الخط، وأما في اللفظ فهي محذوفة، حينئذٍ تعرب ما تنطق به، وأما ما لا تنطق به ولو كتبته -والأصل كتابته-، حينئذٍ لا يتبعه، فالإعراب يتبع الملفوظات لا المرسومات. يُنْصَبُ إذاً الاسم الفضلة، تَالِي (الوَاوِ): قلنا إشارة إلى عدم جواز الفصل بين (الواو) والمفعول معه، وأيضاً أنها لا تحذف إذ لم يسمع في لسان العرب حذفها. يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ)، قال: مَفْعُولاً مَعَهْ، اختصر، (والواو) هذه لها قيود كما عرفنا، تَالِي (الوَاوِ) التي بمعنى (معَ)؛ لأن (الواو) قد تكون عاطفة، وقد تكون للمعية، فهي محتملة، وإذا أطلقنا هذا اللفظ تَالِي (الوَاوِ) هكذا، نقول: فيه إشكال، بل نأخذ القيود من المثال، لذا قال: سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ. إذاً تَالِي (الوَاوِ) التي بمعنى (مع)، التالية لجملةٍ ذاتِ فعلٍ أو شبهه، مما فيه حروف الفعل ومعناه -لنتمم التعريف بذكر المحذوف-، تَالِي (الوَاوِ) التي بمعنى (معَ)، التالية لجملةٍ ذاتِ فعلٍ أو شبهه، مما فيه معنى الفعل وحروفه، فِي نَحْوِ: كما، يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ) مَفْعُولاً مَعَهْ، مَفْعُولاً مَعَهْ ما إعرابه؟ يُنْصَبُ هذا مغير الصيغة، نصبتُ تالي (الواو)، انتهينا، يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ) حال كونه مَفْعُولاً مَعَهْ، حال من نائب الفاعل، كما فِي نَحْوِ " سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ: سِيرِي هذا فعل أمر مبني على حذف النون، ما هو الدليل؟

لأن مضارعه يجزم بحذف النون، فالأمر منه يكون مبنياً على حذف النون، تسيرين مثل تضربين، تضربين هذا يجزم بحذف النون، والقاعدة -وإن كان فيها بعض النظر- أن فعل الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه لو كان معرباً، سِيرِي إذاً فعل أمر مبني على حذف النون، (والياء): ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وَالطَّرِيقَ: (الواو) هذه واو المعية، الطَّرِيقَ هذا اسم فضلة وقع بعد (واو) هي نص في المعية، مسبوق بفعلٍ: سيري، إذاً نقول: هو مفعول معه. مُسْرِعَهْ: هذا حال من فاعل سِيرِي، سِيرِي هذا مثال للفعل، ومثله أنا سائرٌ والنيلَ، وأعجبني سيرُك والنيلَ. قال: بِمَا مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ ... ذَا النَّصْبُ ذَا: مبتدأ اسم إشارة، النَّصْبُ بدل أو عطف بيان أو نعت، يجوز فيه ثلاثة أوجه، ذَا النَّصْبُ كائن بِمَا سَبَقْ مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ، ذا النصب كائن بما سبق؛ لأن بِمَا هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، بالذي سبق هذا صلة ما، مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ هذا متعلق بقوله سَبَقْ، وهذا ما قررناه في الحد: مسبوقة بفعل أو ما فيه معنى الفعل وحروفه. بِمَا مِنَ الْفِعْلِ: هنا أطلق الفعل فيشمل الفعل الظاهر والمقدر والمتعدي واللازم، والمتعدي، لماذا نصَّ على المتعدي؟ لأن المفعول معه كالمفعول لأجله وغيره، لا يشترط في نصبه أن يكون بفعل متعدي، بل خصه بعضهم بالعكس، خص المفعول معه بأنه لا ينصب إلا باللازم، ولذلك النحاة في مثل هذه المواضع يقولون: ينصب بالفعل المتعدي على الصحيح، غريب هذا على الصحيح، لماذا؟ لأن هناك من ينازع فيقول لا، لا ينصب إلا بالفعل اللازم، فحينئذٍ الصحيح أن الفعل المتعدي كاللازم، إذاً الظاهر والمقدر والمتعدي على الصحيح خلافاً لمن شرط اللزوم، لماذا شرط الزوم؟ لئلا يلتبس بالمفعول به؛ لأنه لو نصبه المتعدي التبس بالمفعول به، هذا غريب، كيف التبس بالمفعول به! ونحن نقول شرطه بعد (الواو)، هذا غريب! لئلا يلتبس بالمفعول به، والناقص ككان بناءً على أنها مشتقة، وأنها تدل على الحدث. إذاً كان تنصب المفعول معه، إذاً: بِمَا مِنَ الْفِعْلِ مطلقاً سواء كان لازماً أو متعدياً على الصحيح، وسواء كان تاماً أو ناقصاً، فكان ترفع المبتدأ وتنصب الخبر وتنصب المفعول معه كذلك، سواء كان الفعل ظاهراً ملفوظاً به أو مقدراً، وإنما (الواو) هي التي لا يجوز حذفها، وَشِبْهِهِ: يعني مثله، وشبه الفعل المراد به ما فيه رائحة الفعل، هذا الأصل، ولكن هنا زِيدَ عليه أن يكون فيه حروفه، وهذا المقام يكاد يكون مستثنى، وإلا الأصل أن ما فيه رائحة الفعل -معنى الفعل-، يعمل عمل الفعل، وهنا زيد عليه قيد وهو أن يكون فيه حروف الفعل؛ لأنه أقوى، والمراد به اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، شِبْهِهِ المراد به اسم الفاعل واسم المفعول والمصدر سَبَقْ هذا قلنا هذا صلة (ما)، حينئذٍ نأخذ منه أنه لا يجوز أن يتقدم المفعول معه على عامله، وهذا محل وفاق؛ لأنه قال: ذا النصب بما سبق من الفعل.

إذاً لو تأخر لا يجوز، لو توسط فيه خلاف، لو توسط يعني الاسم، لو قيل مثلاً: والنيلَ سرتُ، نقول: هذا ممنوع، سار والنيلَ زيدٌ، سار زيدٌ والنيلَ، سار والنيلَ زيدٌ، هذا فيه خلاف والصواب منعه كما سيأتي. إذاً قوله سَبَقْ فيه إشارة إلى أنه لا يتقدم المفعول معه على عامله، وهذا محل وفاق. لاَ (بِالْوَاوِ): يعني ليس منصوباً (بالواو)، سرتُ والنيلَ على قول الجرجاني -عبد القاهر- سرتُ والنيلَ، النيلَ هذا مفعول معه منصوب والناصب فيه (الواو)، والفعل ماذا صنع؟ لا شيء له، الفعل لم ينصب وإنما نصب المفعول معه (الواو) فحسب، لذلك قال ابن مالك: لاَ (بِالْوَاوِ)، وهذا ليس من عادته أنه ينفي العامل في القول المقابل، خاصة إذا كان ضعيفاً، لكن قيل: ذكر هذا، والذي سوغ له أنه تأدب معه؛ لأنه قال: فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ، هذا الذي سوغ له، فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ، أَحَقّْ هذا أفعل تفضيل، إذاً حقٌّ وأحق، إذاً هذا القول ليس بذك الضعيف، ولذلك وصفه بكونه حق تنزلاً، وإنما الذي رجحه وهو أنه ينصب بالفعل وشبهه هو الأحق، يعني الأولى والمختار، وقيل تأدب معه، ولذلك نفى هذا القول، لا (بالواو). فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ يعني المختار، خلافاً للجرجاني في دعواه أن النصب (بالواو)، إذ لو كان كذلك لوجب اتصال الضمير بها، لو قال: جئتُ وكَ، لا يصح هذا، إذ لو كانت عاملة .. الحرف إذا عمل اتصل به الضمير، (إنه) (له) (لك) (لنا) نقول: الحرف إذا عمل اتصل به الضمير، لا بد في تركيب أو تركيبين يتصل به الضمير، إن اتصل به دل على أنه عامل، وهذا من الأدلة على أن (إِنَّ) تعمل، (إنه)، ((إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ)) [طه:14]، حينئذٍ نستدل بهذا -اتصال الضمير بالعامل- على أن العامل قد عمل، إذ لا يتصل الضمير إلا بعامله، الضمائر لا تتصل إلا بعواملها. إذ لو كان كذلك -كان نصب المفعول معه (بالواو) - لوجب اتصال الضمير بها، فيقال: جلستُ وكَ كما يتصل بغيرها من الحروف العاملة نحو: (إنك) و (لك) وذلك ممتنع، -حتى عندهم- وذلك ممتنع باتفاق، وأيضاً هي حرف مختص بالاسم، غير منزل منزلة الجزء، فحقه ألا يعمل إلا الجر، كحروف الجر.

إذاً هذا قول ضعيف لا يعول عليه، أقوى منه أن يقال: الفعل بواسطة (الواو) هذا قول أخر، أن الفعل بواسطة (الواو) هو الذي نصب، فحينئذٍ العامل مركب من شيئين: فعل و (واو)، كما قيل في الاستثناء أنه منصوب بالفعل بواسطة (إلا)، وقيل: لا، بـ (إلا) كما سيأتي، ولذلك ابن مالك قال: مَا اسْتَثْنَتِ (الاَّ) .. دل على أنها هي العامل، وهذا هو الظاهر كما سيأتي، ولا بالمخالفة، لا (بالواو) على قول الجرجاني، ولا بالمخالفة في رأي الكوفيين، مخالفة ما بعدها لما قبلها خلافاً للكوفيين، إذ هي معنىً من المعاني ولم يثبت النصب بالمعاني، وإنما ورد الرفع هناك والتجرد في باب الفعل مضارع، قلنا: يرفع بتجرده عن الناصب الجازم هذا عامل معنوي، كذلك في الابتداء عامل معنوي، لكن لم يثبت عامل معنوي في النواصب، وإنما هو خاص بالمرفوعات، وإنما ثبت الرفع بها في الابتداء والتجرد في الفعل المضارع، ولو صح لقيل: جاء زيدٌ بل عمراً، لو صح أن المخالفة لها أثر وتعمل، لقيل: ما جاء زيدٌ بل عمراً بالنصب؛ لأن ما بعد بل مخالف لما قبلها؛ لأنها عامل، وهو ممنوع اتفاقاً. (ولا) محذوف، يعني ليس العامل محذوف، والتقدير: سرتُ ولابستُ النيلَ، فيكون حينئذٍ مفعولاً به، خلافاً للزجاج فيما ذكرناه سابقاً أن هذا الباب ليس بمفعول معه، وإنما هو مفعول به. إذاً: بِمَا مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ ... ذَا النَّصْبُ لاَ بِالْوَاوِ فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ فِي الْقَوْلِ الأَحَقّْ: يعني المختار، إشارة أن الأحق ليس على بابه، بل هو بمعنى الحق؛ لأن مقابله باطلٌ لا حقٌ، قيل: عبر بالأَحَقِّ تأدباً مع عبد القاهر؛ لأنه دون علم المعاني والبيان، أول من دونه. على كُلٍّ: يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ) مَفْعُولاً مَعَهْ، يُنْصَبُ هذا فعل مضارع مغير الصيغة، يُنْصَبُ تَالِي (الوَاوِ)، تَالِي: مضاف، (والواو): مضاف إليه وهو نائب فاعل، مَفْعُولاً مَعَهْ، مَفْعُولاً: هذا حال من نائب الفاعل، فِي نَحْوِ سِيرِي وَالطَّرِيقَ مُسْرِعَهْ، حينئذٍ من المثال نأخذ القيود السابقة، وَالطَّرِيقَ: الطَّرِيقَ هذا اسم فضلة وقع بعد (واو) أُريد بها التنصيص على المعية مسبوقة بفعل وهو سِيرِي. ثم بين أن الفعل هو العامل، أو شبه الفعل مما فيه حروفه ومعناه هو العامل في المفعول معه، وليس (بالواو) خلاف للجرجاني ولا بالمخالفة، خلافاً للكوفيين، ولا بكونه مفعولاً به لفعل مقدر خلافاً للزجاج. وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ ... بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ الْعَرَبْ هذا البيت قيل: أنه جواب لسؤال؛ لأنه يرد أنك قلت: بِ (مَا) مِنَ الْفِعْلِ وَشِبْهِهِ سَبَقْ ذَا النَّصْبُ .. جاء في لسان العرب: ما أنت وزيداً؟ زيداً مفعولاً معه، وكيف تكون؟ وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ؟ كيفَ أنْتَ وقَصْعَةً .. قَصْعَةً هذا مفعول معه وسبقه كيف أنت، ليس فيه فعل ولا معنى الفعل وحروفه، ما أنت وزيداً جاء بعد ما استفهامية، وكيف الاستفهامية، فما الجواب؟ هذا اعتراض على ما سبق، جواب سؤال مقدر تقديره: قد نصبت العرب على المعية من غير تقدم فعل أو شبهه بعض ما ذكرنا، فما جوابه؟ فقال:

وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ ... بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ الْعَرَبْ فإذا قيل: ما أنت وزيداً، العامل محذوف، ولذلك قلنا: بما من الفعل ظاهراً أو مقدراً، وإنما يكون كذلك بعد (ما) الاستفهامية، (ما) أنت وزيداً، ما كنت وزيداً، وزيداً: الواو نص في المعية، زيداً مفعول معه، حينئذٍ كنت لما حذفت كان انفصل الضمير، مثل: أمَّا أنْتَ بَرًّا السابق، أمَّا أنْتَ بَرًّا أما كنت .. الخ ما ذكرناه، هنا ما أنت وزيداً .. ما كنت وزيداً؟ ما استفهامية، كنت وزيداً حذفت كان، وانفصل الضمير فارتفع، ما أنت وزيداً، إذاً زيد هذا مفعول معه لفعل وليس لأنت وهو جامد، وإنما هو منصوب بفعل محذوف تقديره كان، وكذلك في قوله: كيف أنت؟ كيف تكون وقصعةً؟ وحذف (تكون) وهو فعل مضارع وفصل الضمير الذي كان مستتراً وهو اسم تكون، حينئذٍ صار قصعة هذا منصوب بتكون المحذوفة. وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ ... بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ بَعْضُ الْعَرَبْ وَبَعْدَ (مَا): هذا متعلق بقوله: نَصَبْ، بَعْدَ منصوب على الظرفية، متعلق بقوله: نَصَبْ، وَبَعْدَ مضاف و (مَا) مضاف إليه قصد لفظه، و (مَا) مضاف واسْتِفْهَامٍ مضاف إليه، من باب إضافة الدال إلى المدلول، أوْ بَعْدَ كَيْفَ نَصَبْ، بَعْضُ الْعَرَبْ: هذا فاعل نَصَبْ، هذا فيه إشارة إلى أن الرفع أرجح في مثل هذه التراكيب، ولذلك نُقِل الرفع، ونقل النصب، والرفع أكثر، وهو اللغة الأفصح -أفصح اللغتين-، ولذلك قال: بَعْضُ الْعَرَبْ، نسبه إلى البعض، وهذا يدل على أن ما نطق به بعض العرب دون الكل يكون أدنى في الرتبة، والأفصح ما نُقل أكثر وهو: رفع ما أنت وزيدٌ –بالرفع-، ما أنت وزيدٌ، إذاً لا نحتاج إلى تقدير، وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ؟ نقول: هذا لا يحتاج إلى تقدير. أوْ كَيْفَ نَصَبْ بِفِعْلِ كَوْنٍ: أي بفعل مشتق من لفظ الكون، سواء كان ماضياً، أو مضارعاً، ولذلك سيبويه قدر بعد (ما) الاستفهامية كان بصيغة الماضي، وقدر بعد كيف مضارع كان، فحينئذٍ هل يلتزم هذا؟ أم المراد بِفِعْلِ كَوْنٍ يعني مادة الكون، سواء قدرنا في الموضعين كان ماضية أو بصيغة المضارع، أو بدلنا ما قاله سيبويه، فنقدر الماضي في تكون والمضارع في ما الاستفهامية؟ ظاهر كلام الناظم هنا العموم؛ لأنه قال: بِفِعْلِ كَوْنٍ أطلق ولم يعين الماضي ولا المضارع، فحينئذٍ قدر ما شئت، والمحفوظ عن سيبويه أنه قدر مع (ما) الاستفهامية: (كان)، وقدر مع كيف: تكون، وبعضهم التزم هذا، قال: لا يجوز مع (ما) الاستفهامية إلا (كان)، ومع كيف إلا (تكون)؛ لأن سيبويه هكذا قدره، هذا التعليل؛ لأن سيبويه هكذا قدره. وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ ... بِفِعْلِ كَوْنٍ .. أي بفعل مشتق منه لفظ الكون، وإذا صلح الكلام لتقدير غيره كـ تصنع وتُلابس، جاز تقديره على الصحيح، فلا يختص بالكون، وإن كان الناظم ظاهر عبارته ما ذكرناه، سيبويه قدر الفعل من لفظ الكون في الموضعين، بعد (ما) الاستفهامية وكيف، قدر لفظ الكون -الفعل منه-، وجعل الفعل مضارعاً بعد كيف، وماضياً بعد ما، ثم اختلف أتباع سيبويه في تقدير فعل من مادة الكون في موضعين:

الموضع الأول: في تعيين الماضي أو المضارع في أيهما؟ هل يستويان أم يختلفان؟ الموضع الثاني: في كان التي قدرها سيبويه، هل هي تامة؟ أم ناقصة؟ أما الموضع الأول: هل يجوز الفعل مع (ما) مضارعاً، مع كون سيبويه نطق به ماضياً؟ ومع كيف ماضياً، مع كون سيبويه نطق به مضارعاً؟ أم يلتزم تقديره ماضياً مع (ما)، وتقديره مضارعاً مع (كيف) كما قدره سيبويه؟ هذا محل النزاع بينهم. فقال السيرافي: يجوز تقدير الماضي والمضارع جميعاً مع كل منهما، هذا ظاهر كلام الناظم وهو أقرب، وقيل: لا يجوز، بل كما قدره سيبويه، هؤلاء أتباع سيبويه بإحسان، لا يجوز إلا كما قدره سيبويه، كان في الاستفهام بعد (ما)، وتكون بعد (كيف)، وقيل: لا يجوز بل كما قدره سيبويه. الموضع الثاني: هل (كان)، و (يكون) فعلان تامان أم ناقصان؟ يعني في هذا الموضع، إذا قلنا: ما أنت وزيداً، وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ؟ ما تكون وزيداً؟ وكيف تكون وقصعةً؟ إذا قدرناه بالمضارع في الموضعين، هل هذه كان تامة أم ناقصة؟ قيل: ناقصة، وهذا أصح؛ لأنه الأصل، وأمكن التقدير، أو إيجاد اسم كان وجعل المذكور خبراً، أو ما قبلة، وهذا أصح، وقيل -وهو رأي الفارسي-: إنهما تامان، يعني في الموضعين، ففاعلها ضمير مستتر، و (ما) تكون نائبة عن مصدر مفعول مطلق، يعني إذا قيل: ما أنت وزيداً؟ ما تكون وزيدا؟ ً أين أسمها؟ قال: فاعلها ضمير مستتر -على الرأي بأنها تامة، و (ما) منصوبة على أنها مفعول مطلق، سبق معنا أن الذي ينوب عن المفعول المطلق (ما) الاستفهامية و (ما) الشرطية، هنا ما تكون وزيداً؟ قال: تكون فيه فاعل ضمير مستتر، و (ما) ماذا نعربها؟ قال: في محل نصب مفعول مطلق مقدر، والتقدير: أيَّ كونٍ من الأكوان كنتَ وزيداً؟ وكيف تكون .. تكون هذا مسند إلى فاعل ضمير مستتر، وكيف .. قال: في محل نصب حال. وإذا قلنا: كان تامة، حينئذٍ الاسم يكون الضمير المستتر، و (ما) الاستفهامية المقدمة هذه نجعلها في محل رفع خبر كان، ومثله كيف. بِفِعْلِ كَوْنٍ مُضْمَرٍ: هل الإضمار واجب أم جائز؟ المشهور أنه واجب، فلا يجوز حينئذٍ ذكره؛ لأنه هكذا سمع عن العرب، وهذا أولى؛ لأن هذا التركيب خارج عن القياس، وإذا كان خارجاً عن القياس، حينئذٍ نقول: يبقى على أصله. وَبَعْدَ (مَا) اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ: بعد هذين الموضعين. نصب بعض العرب بفعل كونٍ مضمرٍ وجوباً وقيل جوازاً، نصبوا ماذا؟ قال: نصب بعض العرب، أين المفعول؟ نصب بعض العرب مفعولاً معه بعد (ما) استفهام؛ لأننا شرطنا فيما سبق - بِمَا مِنَ الْفِعْلِ إلى أخره- أنه لا ينصب مفعولاً معه إلا بعد الفعل وشبهه، وهنا نصبوا مفعولاً معه، لو لم نحكم بأنه مفعولاً معه حينئذٍ قلنا: المسألة ليست داخله، لكن نحن سلَّمنا أن قولهم: ما أنت وزيداً .. زيداً مفعول معه، ولذلك صح الاعتراض به، حينئذٍ نحاول أن نُخَرِّجه على ما يوافق القواعد، فقلنا: هذا العامل فيه محذوف فهو ما قدره سيبويه. إذاً: وَبَعْدَ مَا اسْتِفْهَامٍ أوْ كَيْفَ نَصَبْ بَعْضُ الْعَرَبْ مفعولاً معه، دون ذكر فعل أو شبه الفعل، لكن الجواب أنه يقدر بفعل مشق من الكون وهو مضمر وجوباً وقيل جوازاً.

قال الشارح: حق المفعول معه أن يسبقه فعل، أو شبهه، كما تقدم تمثيله، وسمع من كلام العرب نصبه بعد (ما) وكيف الاستفهاميتين من غير أن يلفظ بفعل، ما أنت وزيداً؟ أي ما شئنك وزيداً؟ ما يكوم شئنك وزيداً؟ نحو ما أنت وزيداً، وكيفَ أنْتَ وقَصْعَةً مِن ثَرِيدٍ، فخرجه النحويون على أنه منصوب بفعل مضمر مشتق من الكون والتقدير: ما تكون وزيداً. إذاً زيداً العامل فيه تكون (والواو) هذه واو المعية، واسمها ضمير مستتر يعود على (ما)، وما هذه في محل نصب خبر تكون، على جعلها ناقصة، وإذا قلنا تامة فـ (ما) حينئذٍ تكون نائبة عن المفعول المطلق .. وكيف تكون وقصعةً، قصعة هذه مفعول معه و (الواو) واو المعية، وتكون هذه إن جعلناها ناقصة حينئذٍ اسمها ضمير مستتر، وكيف في محل نصب خبر مقدم، وإذا جعلناها تامة حينئذٍ (كيف) تكون في محل نصب حال. فزيداً وقصعةً منصوبان بتكون المضمرة، واسم (كان) مستكن وخبرها ما تقدم عليها من اسم استفهام، فلما حُذف الفعل من اللفظ انفصل الضمير. وَالْعَطْفُ إِنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ ... وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ يَجِبْ ... أَوِ اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ تُصِبْ هذه أحوال الاسم الواقع بعد واو المعية، الذي يمكن أن يعرب مفعولاً معه، له ثلاثة أحوال: قسم يترجح عطفه على النصب على المعية، يعني يجوز فيه الوجهان والعطف أرجح. القسم الثاني: يجوز فيه الوجهان، والنصب أرجح. والقسم الثالث: يمتنع فيه العطف، وهذا الذي ذكره الناظم -رحمه الله تعالى-، أشار إلى الأول بقوله: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ. الْعَطْفُ: مبتدأ، إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ، ضَعْفٍ .. ضُعْفٍ يجوز فيه الوجهان، أَحَقْ: يعني أرجح من النصب على المعية، متى؟ إن يمكن العطف، والقاعدة هنا في باب المفعول معه، لما كانت (الواو) أصلاً في العطف قبل تضمينها معنى (معَ)، والتنصيص على ذلك، الأصل فيها أنها عاطفة، وجعلها نصاً في المعية خروجاً بها عن الأصل. إذاً القاعدة في الباب: كل ما أمكن العطف دون ضعف في الإعراب -الصناعة النحوية- أو فساد المعنى، فهو أولى ومُرجَّح، ولذا قعَّد هذه القاعدة: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ من جهة المعنى أو من جهة اللفظ، يعني الصناعة الإعرابية أَحَقْ من النصب على المعية، لماذا؟ لأن (الواو) أصل وضعها بالعطف، وكونها نصاً في المعية خروج بها عن أصلها، فإرجاع الشيء إلى أصله أولى، وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ، والضعف هنا المراد به ضعف لفظي صناعي، يعني يخالف القواعد العامة عند النحاة، أو من جهة المعنى، يصح من جهة الإعراب، لكن من جهة المعنى يكون فيه فساد لو عطفنا، الْعَطْفُ: مبتدأ، وأَحَقْ: هذا خبر، بِلاَ ضَعْفٍ يعني بغير ضعف، هذا جار ومجرور متعلق بقوله يُمْكِنْ، و (لاَ) هنا بمعنى غير، وضعف هذه الكسرة كسرة عارية، يعني انسحبت من (لا).

والعطف أحق، يعني وأرجح من النصب على المعية، نحو جاء زيدٌ وعمروٌ، قلنا: جاء زيدٌ وعمروٌ، يحتمل أن (الواو) هنا يراد بها مجرد العطف، ويحتمل أن يراد بها المعية، حينئذٍ نقول يجوز فيه الوجهان، جاء زيدٌ وعمراً، جاء: فعل ماضي، وزيد: فاعل، (الواو): واو المعية، عمراً: مفعول معه، هذا جائز، جاء زيدٌ وعمروٌ، زيد: فاعل، الواو حرف عطف، وعمرو معطوف على ما سبق، خرج عن المعية، أيهما أرجح؟ جاء زيد وعمرو، لماذا؟ لأنه أمكن العطف دون ضعف في المعنى ولا في اللفظ، لو عطفناه: جاء زيدٌ وعمرو هل خالفنا نصاً أو قاعدة نحوية أو أصلا مطرداً؟ لا، لم نخالف شيئاً، ولم نقع في خلاف، بل هذا هو الأصل، فحينئذٍ نقول: الأصل العطف، والنصب هذا فرعٌ، وجئت أنا وزيد .. جئت أنا وزيداً، العطف أرجح، هل يجوز النصب وزيداً؟ يجوز لماذا رجحنا العطف؟ للقاعدة: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ، هل يفسد المعنى لو عطفنا: جئت أنا وزيدٌ؟ لا يفسد المعنى، هل خالفنا قاعدة؟ لم نخالف قاعدة، لو قال: جئتُ وزيدا .. وزيدٌ .. ً ما جاء بـ (أنا)، جئتُ (أنا)، أنا تأكيد وزيداً .. وزيدٌ، قلنا: وزيدٌ أرجح من وزيداً، طيب جئت وزيداً؟ نقول: هنا النصب أرجح، لماذا؟ لأننا لو عطفنا لعطفنا على الضمير المرفوع المتصل دون تأكيده، وهذا سيأتي أنه خلاف ما عليه الجمهور، لو قلت: جئت وزيداً، هذا الأرجح، لماذا تركنا العطف وصار مرجوحاً؟ لأننا لو رفعنا قلت: جئت وزيدٌ، زيدٌ صار معطوفاً على (التاء)، إذاً خالفنا قاعدة وهو أنه لا يعطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد تأكيده، جئت أنا وزيدٌ، جاز. إذاً: جئت أنا وزيد أرجح من جئت أنا وزيداً، لماذا؟ لصحة المعنى أولاً، وليس فيه خلاف -فساد معنى-، ثم لم نخالف قاعدة، بخلاف فيما لو لم يُؤكَّد الضمير المرفوع المتصل، جئتُ أنا وزيدٌ، ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] وَزَوْجُكَ .. وَزَوْجَكَ، يجوز فيه الوجهان، ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) لو قال: اسكن وزوجُكَ النصب أرجح؛ لأننا لو رفعنا، رفعنا على ضمير مستتر قبل تأكيده، -ضمير مستتر وهو متصل- قبل تأكيده، ((اسْكُنْ أَنْتَ)) أكَّدنَاه ((وَزَوْجُكَ)) أكَّدنَاه ((وَزَوْجَكَ)) جاز الوجهان والرفع أرجح لعدم فساد المعنى ولعدم مخالفة قاعدة نحوية، وأما: اسْكُنْ وَزَوْجُكَ خالفنا، فالنصب أرجح من الرفع. برفع ما بعد (الواو) على العطف لأنه الأصل، -الأصل في هذه الأمثلة كلها-؛ لأنها الأصل، وقد أمكن بلا ضعف ويجوز النصب على المعية هنا. إذاً الضابط في هذا القسم، وهو ترجيح العطف على النصب على المعية مع جواز النصب على المعية، أنه متى ما أمكن العطف دون وقوع في فساد في المعنى، أو مخالفة أصل نحوي، ولو باعتبار المخالف، نقول: الرفع أرجح، متى؟ إذا أمكن العطف دون ضعف، وهذا الضعف موجه إلى جهتين، إما في المعنى وإما في اللفظ، والمراد باللفظ مخالفة الصناعة الإعرابية.

وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ، ما الذي زاده؟ ألا يمكن أخذ هذا الحكم من الشطر السابق: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ؟ مفهومه إن لم يمكن العطف، فالنصب أحق وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ يعني أرجح، وهو المختار، مفهومه: إذا لم يمكن العطف؟ قد يكون النصب واجباً، وقد يكون مختاراً. إذاً قوله: وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ هو تصريح ببعض مفهوم الشطر السابق؛ لأن المفهوم له عموم، -هذه مسألة أصوليه- المفهوم له عموم ولذلك يخصص، النَّصْبُ مُخْتَارٌ: نَّصْبُ مبتدأ، مُخْتَارٌ: هذا خبره، وَالنَّصْبُ على المعية مختار لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ، ماهو النسق؟ عطف النسق، يعني العطف (بالواو)، ضَعْفِ في عطف النسق، إما من جهة المعنى، وإما من جهة اللفظ، يعني إما أن يكون المانع من العطف معنوياً، وإما أن يكون مانعاً لفظياً، من جهة المعنى كقوله -لو قال قائل-: كن أنت وزيداً كالأخِ .. كن أنت وزيدٌ كالأخ .. يجوز فيه الوجهان والنصب أرجح، من جهة الصناعة النحوية الإعراب القواعد، كن أنت أكَّده، وزيدٌ إذاً لا محذور، ليس فيه محذور من جهة القواعد الإعرابية، كن أنت أكَّده، لو قال: كن وزيدٌ قلنا: مرجوح، وزيداً هو الراجح، لكن قال: كن أنت إذاً أكده، ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) مثله، لكن كن أنت وزيداً كالأخ لو رفعنا ماذا يكون المعنى؟ كن أنت وزيدٌ، زيدٌ دخل في كونه مأموراً وليس هو مراد للمتكلم، أنا أخاطبك أنت كن أنت وزيداً، زيداً ليس بمأمور ليس مخاطب، لو رفعت حينئذٍ دخل في كونه مخاطباً بقوله: كن وليس هذا مراد، هذا فساد من جهة المعنى، حينئذٍ نعدل عن هذا لئلا يدخل تحت الخطاب بكن، نعدل إلى النصب فلا يكون ثم عطف، فالأرجح حينئذٍ يكون النصب، الأرجح: كن أنت وزيداً كالأخِ، كن أنت وزيداً بالنصب أرجح، لماذا؟ لحصول خلل في المعنى؛ لأنه لو عُطف لكان مأموراً والمخاطب هنا أنت، وليس زيداً، أنا ما خاطبت زيداً ولا أمرت زيداً فليس بمأمور، فحينئذٍ نقول: هذا حصل فيه فساد في المعنى دون اللفظ؛ لأنك لو عطفت زيداً على الضمير في كن لزم أن يكون زيدٌ مأموراً وأنت لا تريد أن تأمره، وإنما تريد أن تأمر مخاطبك بأن يكون معه كالأخِ. ومثله ما مثل به الأشموني وغيره وهو مشهور: لو تُرِكَتِ النًاقَةُ وفَصيلَها لَرَضَعَها، لو تركت الناقة وفصيلها، يعني مع فصيلها، قالوا: هنا النصب أرجح، لماذا؟ لأننا لو أردنا العطف (وفصيلُها) لأدى ذلك إلى تكلف وتعسف في التقدير، وما كان كذلك حينئذٍ نعدل عنه إلى النصب. أي مع فصيلها، والعطف ممكن في هذا التركيب على تقدير: لو تركت الناقةَ ترأم فصيلها وتُرك فصيلُها يرضعها لرضعها، مشوار حتى نصل إلى العطف، كن أنت وزيداً كالأخ هذا أوضح، وأما من جهة اللفظ نحو: جئت وزيداً، هذا أرجح من جئت وزيدٌ، لماذا؟ لأننا لو عطفنا لوقعنا في محذور، وهو أننا عطفنا على ضمير رفع متصل قبل تأكيده، إذاً ترجح النصب، جئتُ وزيداً واذهب وعمراً .. اذهب وعمروٌ النصب أرجح، لماذا؟

لو عطفنا، عطفنا على الضمير قبل تأكيده، وهو مرجوح؛ لأن العطف على الضمير المتصل لا يقوى إلا مع الفصل، ولا فصل فالمختار النصب. إذاً: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ .. وَالنَّصْبُ على المعية مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ، إما من جهة المعنى كما ذكرناه، وإما من جهة اللفظ. وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقُّ، قلنا: يعني أرجح من النصب على المعية؛ لأنه يقال: جاء زيدٌ وعمروٌ وجئت أنا وزيدٌ و ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ))؛ لعدم الخلاف في جوازه بخلاف النصب إذ قيل: سماعي، ولصيرورة العمدة في النصب فضلة، ولأن الأصل في الواو العطف، ومحل جواز الأمرين إذا اقصد المتكلم مطلق النسبة، فإن قصد التنصيص على المعية تعين النصب، وإن قصد عدم التنصيص عليها فبقاء الاحتمال تعين الرفع .. هذا استثناء مما سبق: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقُّ يعني إذا قصد المتكلم التنصيص على المعية حينئذٍ ترجح النصب، وإن قصد العطف ترجح العطف، وإن لم يقصد حينئذٍ هذا محل الترجيح، هذا محل الترجيح أنه إذا لم يتعين، محل جواز الأمرين إذا قصد المتكلم مطلق النسبة، يعني ما تدري ما مراده، هل مراده العطف أو مراده النصب على المعية؟ حينئذٍ تجوز الوجهين، أما إذا علمت بقرينه حالية بأنه يريد أن ما بعد (الواو) منصوب على المعية فالنصب أرجح، أو أنه معطوف فالرفع أرجح على الأصل، فإن قصد التنصيص على المعية تعين النصب، وإن قصد عدم التنصيص عليها وبقاء الاحتمال تعين الرفع، إذاً محل الجواز هنا إذا لم تدل قرينة على مراد المتكلم بإرادة واحد من الوجهين. وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ يَجِبْ: هذا النوع الثالث ما يمتنع فيه العطف، وهذا نوعان: ما يتعين أن يكون مفعولاً معه، يعني يجب أن يكون مفعولاً معه، والثاني: ما يمتنع أن يكون مفعولاً معه. وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ يَجِبْ، متى لا يجوز؟ لمانع، ثم المانع هذا -في كل الأحوال- إما أن يكون لفظياً، وإما أن يكون معنوياً، يعني إذا فسد المعنى بالعطف حينئذٍ رجعنا إلى النصب، وإذا فسد المعنى بالنصب رجعنا إلى العطف، فهو مُراعى، فساد المعنى لا بد من اعتباره، وكذلك إذا امتنع العطف رجعنا إلى النصب، وإذا امتنع النصب رجعنا إلى الرفع، فالمُحكَّم هنا المعنى والقواعد العامة الاصطلاحية عند النحاة. وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ لمانع معنوي أو لفظي، المانع المعنوي مثل (سرتُ والنيلَ) ما حكم نصبه على المفعولية هل يجوز العطف؟ لا يجوز، لماذا؟ النيل لا يسير، إذاً لا يوصف ما بعد (الواو) بما دل عليه الفعل، بمعنى أنه لا يشارك ما قبله في الفعل، (سرتُ والنيلَ) أنا الذي أسير، والسير وصفٌ لي، والنيل؟ لا يسير، إذاً لا يمكن العطف، فحينئذٍ نقول: يتعين النصب سرت والنيلَ هذا واجب النصب، مشيتُ والحائطَ .. هل نقول الحائطُ يمشي؟ لا يصح، ومات زيدٌ وطلوعَ الشمسِ، لو عطفت فسد المعنى، مات زيدٌ وطلوعُ الشمس، طلوع الشمس مات؟ لا يصح؛ لأن العطف على نية تكرار العامل، فيوصف ما بعد (الواو) بما قبلها.

مما لا يصح فيه مشاركة ما بعد (الواو) منه لما قبلها في حكمه، والمانع اللفظي نحو: مالكَ وزيداً؟ وما شئنُك وعمراً؟ مالك وزيداً؟ (ما) (لك)، (لك) اللام حرف جر، و (الكاف) ضمير مجرور (باللام) وزيداً .. وزيدٌ، نقول: هنا يتعين زيداً -على رأي-، وسيأتي أن الناظم يرجح أنه يجوز، عطف الضمير المجرورِ بحرف جر لا يجوز إلا مع إعادة الخافض، يعني حرف الجر، إذا قلت: مالك وزيدٌ، إذا عطفت وجب أن تقول: مالك ولزيدٍ؛ لأنك لا تعطف على مدخول (اللام) إلا بإعادة (اللام) والنصب عندهم ممنوع، ولذلك لا يعتبروا القراءة المشهورة: ((تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)) [النساء:1] وَالأَرْحَامِ بالكسر قالوا: هذا لا يصح، لماذا؟ لأنه مخالف للقواعد، لو كان معطوفاً على الضمير لقال: تسائلون به وبالأرحام، لا بد أن يأتي (بالباء) مرة أخرى، لا يجوز ولذلك يتعين النصب، وسيأتي معنا أنه يجوز العطف دون إعادة الخافض، لكنه قليل، استدلالاً بالقراءة المشهورة. ما لك وزيداً؟ وما شئنك وعمراً؟ لأن العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ممتنع عند الجمهور -جمهور البصريين-، لا بد من إعادة الخافض ((تَسَاءَلُونَ بِهِ وبَالأَرْحَامَ)) إذا أردت الخفض، وإلا إذا لم تعد الباء حينئذٍ يتعين النصب، وأما والأرحامِ دون إعادة الباء هذا ممنوع عندهم، والصواب جوازه كما سيأتي. ولابد من إعادة حرف الجر ((وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)) [المؤمنون:22] ((وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ)) لا بد أن تأتي بـ (على) مرة أخرى، فتعين النصب على المعية، وقمتُ وزيداً لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد التوكيد بضمير منفصل ((لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الأنبياء:54] ((لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ))، عطف على (كُنتُمْ) وهو الضمير المتصل بعد التأكيد. إذاً هنا يتعين النصب إذا فسد المعنى، أو خالف قاعدة من أصلها، نقول: لا بد من النصب. وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ .. امتنع العطف إما لمانع معنوي، مثل ماذا؟ سرتُ والنيلَ، أو لمانع لفظي، مثل ماذا؟ مالك وزيداً، يجب النصب هنا.

يَجِبْ ... أَوِ اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ تُصِبْ: وَالنَّصْبُ على المعية إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ لمانع معنوي أو لفظي يَجِبْ، يَجِبْ هذا خبر وَالنَّصْبُ، أَوِ قد يمتنع العطف والنصب على المعية، هذا وجه رابع، يمتنع الوجهان لا عطف، ولا نصب على المعية، اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ لائق بالمقام تُصِبْ: عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بارداً، عَلَفْتُها: فعل وفاعل (والهاء): مفعول أول، تِبْناً: مفعول ثاني، وَمَاءً: هذا لا يصح العطف، ولا يصح النصب على المعية، لماذا؟ لأن الماء لا يُعلف، لا يصح الماء أن يعلف، وإنما العشب هو الذي يعلف، علفتها تبناً وسقيتها ماءً، سقيتها ماءً اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ لا ئقٍ ملائم للمقام تُصِبْ، يعني تصب الحكم الصحيح، فحينئذٍ خرج عن كونه مفعولاً معه، وخرج عن كونه معطوفاً؛ لأنه هو يأتيك منصوب، فلا يمكن فيه النصب؛ لامتناع أن يكون الماءُ معلوفاً، وكذلك لا يصح النصب على المعية لما ذكرناه، إشارة إلى ما امتنع فيه العطف والنصب على المعية. قال: وإن لم يمكن عطفه تعين النصب على المعية أو إضمار فعل يليق به، لكن المشهور أنه حتى على المعية في هذا التركيب لا يصح، ونص على ذلك ابن هشام في الأوضح. عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بارداً: العطف ممتنع، قال ابن هشام في الأوضح: العطف ممتنع لانتفاء المشاركة، وماءٌ ينتفي أن يشارك تبناً، عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً لا يصح المشاركة. والنصب على المعية ممتنع كذلك لانتفاء المصاحبة في الأول، وانتفاء فائدة الإعلام بها في الثاني، هذا لأنه جمع بين مثالين: وزُجَّجْنَ الحوَاجبَ والعُيُونَا، يعني كحلن العيون لا بد من التقدير، فأُوِّل العامل المذكور بعامل يصح انصبابه عليهما، فأُوِّل عَلَفْتُها: أنلتها، لكن ليس هذا الذي رجحه ابن مالك -رحمه الله تعالى-، يعني يجوز أن يقال بالتضمين علفتها يعني أنلتها، وأنال هذا يشمل العشب -التبن- ويشمل الماء، حينئذٍ لا يختص بواحد منهما، بل يَنصَبُّ على الاثنين وهذا لا إشكال فيه، لكن يبقى المسألة في: هل يضمن الفعل معنى فعل آخر أو لا؟ المسألة خلافية. فأُوِّل عَلَفْتُها بـ أنلتها، وزُجَّجْنَ بزينا كما ذهب إليه المازني والمبرد وغيرهما. أَوِ اعْتَقِدْ إِضْمَارَ عَامِلٍ ملائم لما بعد الواو ناصبٍ له تُصِبْ، أي وسقيتها ماءً، وكحلن العيونا، وهذا مذهب الفارسي والفراء، وهو الذي اختاره الناظم هنا رحمه الله تعالى. إذاً: وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ لمانع معنوي أو لفظي يَجِبْ، أَوِ اعْتَقِدْ: هذا عطف على يجب، وهذا فيه مشكلة، وهي عطف الطلبي على الخبري، إما أن يقال: بأن الناظم يرى الجواز وإما من التأويل، إما أن يقال: بأن الناظم هنا قال: أَوِ اعْتَقِدْ، هذا أمر، يَجِبْ، حينئذٍ إما أن نؤول الأول أو نؤول الثاني.

وَالنَّصْبُ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْعَطْفُ أوجب أَوِ اعْتَقِدْ، هكذا أوَّله المكودي، أوجب أَوَّلَ الأول بطلبي، إذاً هو خبرٌ في معنى الطلب، إذاً حصل التطابق، .. عطف على يَجِبْ من عطف الإنشاء على الإخبار للضرورة، إما أن يقال بأنه للضرورة وبذلك أجاب الصبان في الحاشية بأنه ضرورة، أو يقال: جرياً على القول بجوازه، أو يَجِبْ في معنى أوجب -وهذا أولى-، يَجِبْ في معنى أوجب، فحينئذٍ عطف طلبي لفظاً ومعنىً على طلبي معنىً دون لفظٍ. إذاً: عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً، لا يجوز فيه الوجهان. قال الشارح: فماءً منصوب على المعية أو على إضمار فعل يليق به، -تجويز المعية هذا فيه كلام طويل- والتقدير وسقيتها ماءً بارداً، وكقوله تعالى: ((فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ)) [يونس:71] هذا يمتنع أن يكون عطفاً، فقوله: شُرَكَاءَكُمْ، لا يجوز عطفه على أَمْرَكُمْ؛ لأن العطف -عطف النسق- على نية تكرار العامل، إذ لا يصح أن يقال: أجمعت شركائي، وإنما يقال: أجمعتُ أمري وجمعتُ، فرقٌ بين أجمع -هذا في المعنى- وجمعتُ -هذا في المحسوس-، والأمر معنوي والشركاء محسوس، فلا يقال: أجمعتُ أمري وجمعت شركائي، فشركائي منصوب على المعية، والتقدير -والله أعلم- فأجمِعوا أمركم مع شركاءكم، أو منصوب بفعل يليق به، والتقدير: فأجمعوا أمركم واجمعوا، أجمعوا بهمزة القطع، واجمعوا هذا أمرٌ من جمعتُ، شركاءكم. إذاً الأقسام تكون ثلاثة في لجملة: قسم يجوز فيه الوجهان ويترجح العطف: وَالْعَطْفُ إنْ يُمْكِنْ بِلاَ ضَعْفٍ أَحَقْ. وقسم ثاني: يجوز فيه الوجهان والنصب أرجح: وَالنَّصْبُ مُخْتَارٌ لَدَى ضَعْفِ النَّسَقْ. الثالث: ما يمتنع فيه العطف فيتعين فيه النصب، بقي قسم: وهو ما يتعين فيه العطف، ومثَّلنا له فيما إذا لم يسبق اللفظ عاملٌ لا فعل ولا شبه الفعل: كل رجل وضيعتُه نقول: هذا واجب العطف ولا يجوز فيه النصب على المعية لعدم تقدم الفعل وشبهه، كذلك اختصم زيدٌ وعمروٌ، واجب العطف ولا يجوز النصب هنا، بخلاف جاء زيدٌ وعمراً جائز، أما اختصم زيدٌ وعمروٌ لا؛ لأن الفعل هنا لا يقع من واحد، جاء زيدٌ وعمروٌ قبله أو بعده قلنا: يجب العطف ولا يجوز النصب. قال ابن هشام: الحالات خمس على جهة التفصيل، الأول: وجوب العطف كما في كل رجلٍ وضيعتُه، ونحو اشترك زيدٌ وعمروٌ، وجاء زيدٌ وعمروٌ قبله أو بعده. ثانياً: رجحانه نحو جاء زيدٌ وعمروٌ لأصالة العطف وإمكانه بلا ضعف. ثالثاً: وجوب المفعول معه وذلك في نحو: مالك وزيداً، ومات زيدٌ وطلوعَ الشمس، لامتناع العطف في الأول من جهة الصناعة، وفي الثاني من جهة المعنى. رابع: رجحانه، يعني مع جواز العطف، قمتُ وزيداً، وكن أنت وزيداً كالأخِ، هذا في الأول للضعف الصناعي، وفي الثاني من جهة المعنى. خامساً: امتناعهما معاً -هذا الشاهد- امتناعهما معاً، يعني لا يجوز العطف ولا النصب على المعية، ومثَّل له بـ: عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاءً بارداً، وزُجَّجْنَ الحوَاجبَ والعُيُونَا.

هذه المفاعيل كلها: المفعول المطبق وبه والمفعول فيه ولأجله ومعه، إذا اجتمعت كلها في تركيب واحد: قُدِّم المفعول المطلق، ثم المفعول به، -يعني أولوية ليس وجوباً- أولوية أن يقدم المفعول المطلق، ثم المفعول به الذي تعدى إليه العامل بنفسه ثم الذي تعدى إليه بواسطة الحرف، ثم المفعول فيه الزماني ثم المكاني، الزماني مقدم على المكاني، لماذا؟؟؟؟ ولذلك عمل الفعل في الظرف بنوعيه، يرد السؤال لماذا فصلنا: وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ .. وأما المكاني فلا؟ نقول: لأن الفعل دلالته على الزمان أقوى، يدل عليه بالتضمن والالتزام، وأما دلالته على المكان فبالالتزام ولذلك عمل فيه على نية النسبة إلى مكان ما. إذا قلنا: قام زيدٌ، القيام أين يقع؟ لا بد له من مكان دل عليه قام نسبة إلى مكانٍ ما، أما التعيين هذا يرجع إلى تخصيص الفاعل نفسه، وأما الفعل دل إلى نسبة إلى مكان ما مبهم، ولذلك عمل في المبهم دون المختص؛ لأنه لا يدل عليه بالوضع وإنما يدل عليه بدلالة التزام، ثم إن دل عليه بدلالة التزام إنما يدل عليه على جهة الإبهام؛ لأنه قام يستلزم مكاناً ما، لا يستلزم أن يكون في طائرة أو في دور ثاني أو على الأرض أو على بساط، هذا التعيين يكون بفعل الفاعل نفسه، وأما الفعل لا، إنما يستلزم مكاناً ما، وهذا مكاناً ما هو الإبهام، فلذلك عمل فيه، الشاهد هنا: الزماني مقدم على المكاني، ثم المفعول له ثم المفعول معه –متأخر-. ضربتُ ضرباً زيداً بسوطٍ نهاراً هنا تأديباً وطلوعَ الشمس –أمروها كما جاءت-، ضربتُ ضرباً هذا مفعول مطلق، زيداً مفعول به، بسوطٍ تعدى إليه بحرف، نهاراً ظرف زمان، هنا؟؟؟، تأديباً مفعول لأجله، وطلوع الشمس؟؟؟ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... !!!

60

عناصر الدرس * شرح الترجمة (الاستثناء) ـ وحده وأدواته * حكم الاسم المستثنى بـ (إلا) وبيان بعض المصطلحات * حكم المستثنى إذا تقدم * حكم الاستثناء المفرغ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: الاِسْتِثْنَاءُ. الاِسْتِثْنَاءُ هذا من أبواب المنصوبات وهو تابعٌ لما سبق، وليس كله من المنصوبات، وإنما بعضه منصوب وبعضه مرفوع، أو يتبع ما قبله، إذَاً: الاستثناء في بعض أحواله هو من المنصوبات، ومراده بالاستثناء هنا: المستثنى، لأن الاستثناء مصدر: استثنى يستثني استثناءً، فهو مستثنٍ ومستثنى، والمراد به اسم مفعول، فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول. باتفاق الاستثناء نقول، أي: المستثنى، وليس المراد به المعنى المصدري هنا، وإنما المراد به اللفظ، لأن الذي يُنصب هو اللفظ، وأما الاستثناء فهذا معنى من المعاني، والمعاني غير قابلة للرفع ولا للنصب ولا للخفض، فالإعراب إنما يكون للألفاظ وأما المعاني فلا، لذلك نقول: الاستثناء المراد به هنا المستثنى فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول وهو مجازٌ مرسل عند أرباب المجاز بدليل ذكره في المنصوبات. الاستثناء نقول: السين والتاء زائدتان، وهو في اللغة: مأخوذٌ من الثني وهو رد بعض الشيء إلى بعضه كثني الحبل، ثني الحبل إذا رَدَّ بعضه على بعض، وهذا ما يسمى أو أطلقه بعضهم بالعطف، إذاً المستثنى معطوفٌ عليه بإخراجه من حكم المستثنى منه كأنه رجع إليه، قام القوم إلا زيداًَ، كأنه عطف ورجع إلى المستثنى منه فأخرج منه زيداً، هذا وجه المناسبة إذا قيل: بأن المراد به العطف، لأن المستثنى معطوفٌ عليه بإخراجه من حكم المستثنى منه، أو بمعنى الصرف، لأنه مصروف عن حكم المستثنى منه: قام القوم، إثبات القيام للقوم، إلا زيداً، إذاً: انصرف زيد عن أن يصدق عليه الحكم السباق. إذاً: الاستثناء في اللغة إما أن يكون بمعنى العطف، وإما بمعنى الصرف وكلاهما محتملٌ في هذا المكان، وأما في الاصطلاح فالمشهور عند النحاة وعند أكثر الأصوليين، لأن المبحث هنا مشترك بين الأصوليين والنحاة، ثَم فوارق، بعني بعض المسائل قد يتفق فيها الأصوليون مع النحاة، وبعضها قد يختلفون، ونحن ندرس الآن الاستثناء عند النحاة، إلا ما فيه خطأ واضح بَيِّن نُبَيِّن، وأما في مبحث الأصوليين هناك قد يختلفون مع النحاة في كثير من المسائل فلا يختلط الأمر هنا وهناك، ثَمَ مرجحات هناك لبعض المسائل دونها هنا، والأصل أن يكون المبحث متحد، فما أصاب هناك فحينئذٍ ينبغي أن يصيب هنا، والعكس بالعكس، لماذا؟ لأن المبحث واحد، لأن بحث الأصوليين كما يكون في الكتاب والسنة من أجل إثبات ما يحتج به، كذلك فيما يستنبط به من الكتاب والسنة، وهذا مبناه على الركن الأساس والقاعدة الكبرى لسان العرب .. لسان العرب هو أساس أصول الفقه، فمن قوي في هذا اللسان قوي هناك، والعكس بالعكس: من ضَعُف ضَعُف هناك.

ولذلك نورد كلمة الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات، يقول: " من كان مبتدئاً في علوم اللغة فهو مبتدئٌ في الشريعة، ومن كان متوسطاً فهو متوسط في الشريعة، ومن كان منتهياً في علم اللغة فهو منتهٍ في الشريعة " وهذا هو الشاطبي شارح الألفية، وهو الشاطبي صاحب الاعتصام، وهو الشاطبي صاحب الموافقات، لا تعارض بين هذه العلوم عند الأوائل بخلاف هذا الزمان. الحاصل: أن الاستثناء مبحثه مشترك بين الأصوليين والنحاة، والأصل ما رُجح هناك أن يُرجح هنا، والعكس بالعكس، إذ ثَمَ توافق بينهما. وأما في الاصطلاح قال: هو الإخراج بـ (إلا) أو إحدى أخواتها، لما كان داخلاً أو مُنزَّلاً مُنَزَّلةَ الداخل، الإخراج: هذا جنس يشمل الإخراج بالاستثناء، والإخراج بالصفة، والإخراج بالبدل، والإخراج بالشرط، والإخراج بالغاية، هذه الخمس كلها من المخصصات المتصلة عند الأصوليين، وكلها مما يحصل به الإخراج: أكلت الرغيف ثلثه، حصل الإخراج بثلثه وهو بدل، أخرج الثلثين. كذلك الصفة: أَكرِم الطلاب المجتهدين، حصل إخراج غير المجتهدين بالمجتهدين وهو صفة، كذلك الشرط: اقتل الذمي إن حارب، إن حارب نقول: هذا شرط، ((ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)) [البقرة:187] نقول: هذا مخرجٌ لما بعده، فهو إخراج. الاستثناء: قام القوم إلا زيداً، هذه كلها مخصصات متصلة، دخلت في قولنا: الإخراج .. هو إخراجٌ بـ (إلا) أو إحدى أخواتها هذا اختص بالاستثناء، أخرج البدل: أكلت الرغيف ثلثه، وأخرج الصفة: أكرم الطلاب المجتهدين، وأخرج الشرط: اقتل الذمي إن حارب، والغاية: ((ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)) [البقرة:187] إذاً: هذه كلها قد أُخرجت بقولنا: بـ (إلا) أو إحدى أخواتها. (إلا) هي أم الباب، ولذلك يُقدر غيرها بها، يُقال: ليس بمعنى: غير .. ليس بمعنى: إلا، وغير جاءت مستثناة أو أداة استثناء لأنها بمنزلة (إلا) وسوى وخلا وعدا، كل هذه تُفسر بـ (إلا) فصارت أم الباب، ولذلك الكلام فيها أكثر من كلامٍ في غيرها. بـ (إلا) أو إحدى أخواتها، لِما كان داخلاً حقيقةً أو مقدراً، داخلاً يعني: في المستثنى منه، وهو زيد، من قولك: إلا زيداً كان داخلاً في القوم، لأنك حكمت بثبوت القيام للقوم، ثم استثنيت .. أخرجت زيد من الحكم، فنفيت عنه القيام، هذا الأصل، فيكون المثبت لما بعد (إلا) نقيض ما أثبت لما قبلها، وما قبل (إلا) أثبت له القيام، وعدم القيام مثبتٌ لما بعده، وهو زيد، إذاً: حصل بينهما تعارض، ذاك مثبتٌ له، وذاك منفي ما أُثبت لما قبل (إلا). إذاً نقول: الأصل أنه داخل، دخل زيد في القوم فأُثبت له القيام، ثم أُخرج من القوم بدلالة (إلا) وجعلت (إلا) قرينة دالةً على أنه لم يُرَد بالحكم السابق، هذا المراد بالإخراج .. هذا ظاهر الإخراج عندهم، ويشمل قوله (داخلاً): ما كان حقيقةً أو مقدراً ويعنُون به الاستثناء المُفَرَّغ، والاستثناء المُفَرَّغ: هو ما لم يُذكر فيه المستثنى منه، ويكون مسبوقاً بنفي: ما قام إلا زيدٌ، هنا ليس عندنا إخراج في الأصل، إلا أنهم قالوا: هذا الموضع مما حُذِفَ فيه الفاعل، ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، فحينئذٍ أعرب زيد بدل من الفاعل المحذوف عند بعضهم.

وقولنا (داخلاً) -لما كان داخلاً- نقول: حقيقةً أو مقدراً ليشمل الاستثناء المُفَرَّغ، أو مُنَزَّلاً مُنَزَّلة الداخل ويعنون به: المنقطع، لأن الاستثناء ينقسم إلى قسمين: استثناءٌ متصل، وهو ما كان بعد (إلا) من جنس أو إن شئت قل: بعض المستثنى منه، وإن لم يكن كذلك فهو منقطع، ما كان منقطعاً هذا مختلفٌ فيه عند أهل العلم، وهناك مبحث عند الأصوليين هل هو مما جاء به لسان العرب أو لا؟ المذهب عند الحنابلة المشهور أنه ليس بحقيقة، وإنما هو مجاز، ولذلك يُقدر (إلا) - وإن كان هذا عند جمهور البصريين - يُقدر بـ (لكن) فحينئذٍ صار الكلام منفصلاً عما قبله، قام القوم إلا حماراً، لكن حماراً قام، هذا الأصل، والمذهب عندنا -عند الحنابلة- لا يعتبر من الاستثناء، وإنما يكون مجازاً، إذاً: الإخراج بـ (إلا) أو إحدى أخواتها لما كان داخلاً أو مُنَزَّلاً مُنَزَّلة الداخل. لمَّا أُورد اعتراض عليهم بهذا الحد، لأن فيه إشكال، إذا قيل: إخراج لما كان داخلاً .. داخلاً في ماذا؟ في المستثنى منه، إذا قلنا بهذا أنه دخل ثم أخرج حصل تناقض، وهو كيف نثبت له حكماً ثم ننفيه في وقتٍ واحد، قام القوم ومنهم زيد، أثبتنا له القيام، ثم قلت: إلا زيداً، نفيت عنه القيام، هذا تناقض. قالوا: ويلزم منه بهذا الاعتبار الكفر ثم الإيمان، هذا إن صح، لقولنا: لا إله إلا الله، إذ لو دخل لفظ الجلالة في: لا إله، نفيت عنه الأولوهية، إله: هذا اسم جنس، يصدق على الإله بحق، وعلى الإله بباطل، إذا قيل: لا إله وشمل ما بعد (إلا) إذاً نفيت عنه الألوهية، وهذا كفر .. ردة، ثم قلت: إلا الله، أثبت له الألوهية، إذاً: أنت نافٍ ومثبت، يعني: جمع بين الكفر والإيمان، نقول: هذا لا يصح، إذاً: هذا محل إشكال، كيف يُفسر الاستثناء بالإخراج؟ ثم قد نقع في تناقض في مثل: قام القوم إلا زيداً، نثبت القيام لزيد وهو فردٌ من أفراد القوم، ثم بعد ذلك نخرجه، ونقول: إلا زيداً ونثبت له نقيض حكم ما قبل إلا، وكذلك في قوله -وهذا واضح بَيِّن- في كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، إذا قلنا: الله وهو ما بعد إلا داخلٌ في المستثنى منه وهو إله، إذاً نفينا عنه الألوهية، هناك زيد وقوم نفيت أثبت الأمر سهل، لكن هنا: لا إله، إذا قلنا بدخول لفظ الجلالة -الله عز وجل- في المنفي، حينئذٍ لزم منه نفي الأولوهية عن الله عز وجل، وهذا باطل، فكيف نقول: دخل ثم أخرج؟ هذا محل إشكال.

أجيب عندهم -لما كان داخلاً-، أي: في مفهوم اللفظ لغةً، اللفظ من حيث هو يشمل، إذا قلت: إله دخل فيه الرب، وهو كما ذكرنا أنه من أسماء الأجناس، لذلك لا يصدق على الإله بحق دون الباطل ولا العكس، بل يطلق على هذا وهذا، لأن المراد به إله فِعَال بمعنى: المفعول أي: المعبود، وهذا يشمل المعبود بحق أو المعبود بباطل، إذاً: إله من حيث هو في مفهوم اللغة دخل فيه المستثنى وهو الله عز وجل، وإذا قلت: القوم، دخل فيه زيد، لفظ القوم من حيث اللغة يشمل زيد وغيره، أي: في مفهوم اللفظ لغةً، وإن كان خارجاً من أول الأمر في النية، كيف هذا؟ يقولون: في مفهوم اللغة المستثنى داخلٌ في المستثنى منه، هذا قبل إدخاله في جملة الاستثناء، ثم لما أدخلته أنت أخرجت الفرد الذي تريد استثنائه بالنية، إذاً: على هذا سلموا من الاعتراض، فحينئذٍ إذا قال: قام القوم، هو لم يرد زيداً، ثم قال: إلا زيداً، فلما نوى بقلبه عدم دخول الفرد آحاد زيد، لا بد من نصب قرينة لفظية تدل على تلك النية وعدم الإرادة، فجعلوا: إلا زيداً قرينة تدل على عدم إرادة زيد، إذاً: لم يدخل، هذا مسلك لبعضهم في الخروج من هذا المأزق. وقيل: المراد بإخراج ما كان داخلاً إظهارُ خروج ما يتوهم دخوله، فلا ينافي ما قالوه إنه يجب ملاحظة خروج المستثنى من أول الأمر، بحيث يكون المستثنى منه مستعملاً فيما عدا المستثنى .. أن يكون القوم مستعملاً فيما عدا زيد، إذاً: هذا شرطٌ عندهم، لكن العبارة التي عبروا بها عن اصطلاح الاستثناء قد لا تفصح عن هذا المراد، وهو أنهم أرادوا بالإخراج أنه مخرجٌ قبل اللفظ .. قبل التركيب بالنية، وجعلوا: إلا زيداً، هذا قرينة دالة على أن النية مخصصة لزيد قبل التركيب. خروج المستثنى من أول الأمر بحيث يكون المستثنى منه مستعملاً فيما عدا المستثنى، والاستثناء قرينةٌ على ذلك، لئلا يلزم التناقض بإدخال الشيء ثم إخراجه والكفر ثم الإيمان. إذاً: لهم مخرج وهو أنهم إما أن يُقال بأن المستثنى منه استعمل في غير إرادة المستثنى، بمعنى: أن القوم أطلق على ما عدا زيد، حينئذٍ استعمل المستثنى منه في غير المستثنى، وإما أن يقال بأنه حصل تخصيص بالنية قبل التركيب، وهذا أو ذاك، الحد لا يُوفِي بالمذكور، ولذلك الأولى أن يُعبر بما عبر به ابن قدامة في الروضة وتبعه صاحب القواعد: بأنه قولٌ متصلٌ يدل على أن المذكور معه غير مرادٍ بالقول الأول، هذا لفظٌ يصحح العبارة التي انتشرت: الإخراج بـ (إلا) أو إحدى أخواتها، لأن الإخراج لا يكون إلا لشيءٍ قد دخل، هذا الأصل، ثم كونه أخرج بالنية، الحد لا يدل على هذا، وكون المستثنى منه مستعملاً فيما عدا المستثنى العبارة لا تدل .. هل يفهم هذا من هذه العبارة، الإخراج بـ (إلا) أو إحدى أخواتها؟!

نقول: هذا لا يدل عليه، لكن إذا قلنا: قولٌ متصلٌ يدل على أن المذكور معه غير مرادٍ بالقول الأول، قولٌ: هذا لفظ، المراد به (إلا) أو إحدى أخواتها، متصلٌ: يعني لا منفصل، يدل على أن المذكور معه: الذي هو المستثنى بعد (إلا) غير مرادٍ بالقول الأول الذي هو المستثنى منه، وهذا أولى، لأن الصحيح أن المستثنى لم يدخل في مفهوم المستثنى منه، لا حقيقةً من جهة اللفظ ولا في الحكم. مذهب سيبويه وجمهور البصريين: أن المستثنى لم يندرج في المستثنى منه ولا في حكمه، إذاً: الله – هذا أهم شيء عندنا – لا إله إلا الله، الله نقول: هذا لم يندرج في هذه الكلمة، ونحن لا أتكلم في مفردات، إنما نتكلم عن تركيب، والإجابة هناك تتعلق بالمفردات قبل التركيب، وهذا وجه الضعف فيه، ونحن نتحدث عن تركيبٍ، لا إله إلا الله، هل الله دخل في إله أم لا؟ إذا قلنا: إخراج ظاهره نعم، لأنه -لا يكون الإخراج إلا بعد الإدخال هذا الأصل فيه، هذا مأخذ اللسان العربي، نحن نقول: لا، الله لم يدخل أصلاً في هذا التركيب: لا إله، لا من جهة اللفظ ولا من جهة الحكم، لا من جهة اللفظ لأن إله قبل تركيبه وإن شمل (الله) إلا أنه في هذا التركيب لا، نقول: إله يصدق على الله .. الإله بحق وعلى غيره، فحينئذٍ: لا إله، نقول: هذا خاصٌ بالباطل، فنفيت الألوهية عن كل ما عدا الله عز وجل وأثبتت له، فحينئذٍ نقول: لم يدخل أصلاً في المستثنى منه وهو إله اسم لا، ولم يدخل في حكمه وهو نفي الألوهية، ثم أُثبت لما قبل (إلا) نقيض حكمها لما بعده. مذهب سيبويه: أن المستثنى لم يندرج في المستثنى منه ولا في حكمه، ومذهب الكسائي: لا يندرج فيه وهو مسكوتٌ عنه، هذا باطل، بل الصحيح أنه مثبتٌ له نقيض حكم ما قبل إلا، وأما أنه مسكوت عنه نقول: لا. إذاً (قولٌ) المراد به: صيغة الاستثناء، متصل: أخرج المنفصل، فالاستثناء لا يستقل عن الجملة، يدل على أن المذكور معه، أي: المستثنى المذكور مع صيغة الاستثناء غير مرادٍ بالقول الأول وهو المستثنى منه، وهذا واضح وبَيِّن على ما ذكرناه. إذاً: إذا قيل: قام القوم إلا زيداً، نقول: لفظ (إلا) قولٌ متصلٌ بالجملة - إذ لا يستقل الاستثناء - يدل على أن المذكور معه وهو زيداً غير مرادٍ بالأول لا في اللفظ ولا في الحكم، لم يندرج في المستثنى منه لفظاً ولا في الحكم، وأما قول الصبان: أنه اندرج في مفهوم اللفظ لغةً، نقول: هذا ليس بوارد هنا، لماذا؟ لأننا لا نبحث في المفردات، نحن نبحث في الاستثناء والمستثنى، وهذا إنما يكون متى؟ بعد التركيب. فكون (إله) يشمل الإله بحق والإله بباطل قبل إدخاله اسم (لا) وأما بعده نقول: لا، لم يدخل لفظ الجلالة (الله) في هذه الكلمة .. كلمة التوحيد، لم يدخل في لفظ (إله) هنا، إذ لو دخل حينئذٍ لزم أن يصدق عليه الحكم، وهو نفي الألوهية، وهذا كلامٌ لا بد من تحريره. إذاً قوله: متصلٌ، يدل على أن المذكور معه غير مرادٍ بالقول الأول. قال الناظم رحمه اله تعالى: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ ... وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ

أدوات الاستثناء .. عرفنا الاستثناء، نقول: له أدوات ثمانية: منها ما هو حرف، ومنها ما هو اسمٌ، ومنها ما هو فعل، ومنها ما هو مشتركٌ بين الحرفية والفعلية. حرفان وهما: (إلا) عند الجميع و (حاشا) عند سيبويه، (إلا) عند الجميع باتفاق يعني. وفعلان وهما: (ليس) و (لا يكون)، (ليس) على الصحيح، و (لا يكون) هذه محل وفاق. ومترددان بين الفعلية والحرفية، وهما: (خلا) عند الجميع، و (عدا) عند سيبويه. واسمان، وهما (غير) و (سوى) بلغاتها. إذاً: هي أربعة أقسام من حيث الجملة: حرفٌ، واسمٌ، وفعلٌ، ومشترك بين الحرف والفعل. مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ: قدم الكلام على الاستثناء بـ (إلا) لأنها هي الأصل، وغيرها يُقدر بها، ولذلك بدأ بها فقال: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ، مَا: مبتدأ، واسْتَثْنَتِ الاَّ .. الاَّ: قُصِد لفظه وهو فاعل، والمراد (الاَّ) هنا الاستثنائية لا الوصفية، إذ قد تقع (إلا) موقع غير، فحينئذٍ يوصف بها تكون نعتاً لما بعدها: ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)) [الأنبياء:22] يعني: غير الله، فحينئذٍ صار ما بعدها (الله) مرفوع على العارية، وإلا الأصل: (إلا) بمعنى: غير، وهي وقعت نعتاً في هذا التركيب، والمراد هنا (إلا) الاستثنائية التي يقع بها الاستثناء لا الوصفية. مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ: مَا: مبتدأ هي اسمٌ موصولٌ، اسْتَثْنَتِ: هذه جملة الصلة لا محل لها من الإعراب، والعائد محذوف، ما استثنته (إلا) وهذا جائزٌ كما سبق معنا. مَا اسْتَثْنَتْهُ إِلاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ، يعني: مع كلامٍ، تَمَامٍ بمعنى: التام، غيرِ مُفَرَّغٍ موجباً كان أو غير موجب، يَنْتَصِبْ: هذا خبر مَا. هنا البحث في باب (إلا) بأن يُقال: ينقسم الكلام عندهم في هذا المحل إلى تامٍ ومفرغ، ويعنون بالتام: ما ذُكِرَ فيه المستثنى منه، والمستثنى منه قد يكون فاعلاً، وقد يكون مفعولاً به، وقد يكون مجروراً: قام القوم إلا زيداً، القوم: مستثنىً منه، ووقع فاعلاً، ما رأيت القوم إلا زيداً، القوم: مستثنىً منه ووقع مفعولاً به، ما مررت بالقوم إلا زيدٍ .. إلا زيداً، بالقوم: وقع مجروراً. إذاً: إذا ذكر المستثنى منه في التركيب سمي تاماً .. سمي الكلام تاماً، بقطع النظر عن كونه منفياً أو لا، هذا إذا ذكر المستثنى منه، وإن حذف في الكلام سمي مُفرَّغاً، يعني: فُرغ العامل لما بعد (إلا) مثل ماذا؟ ما قام إلا زيدٌ .. ما رأيت إلا زيداً، ما مررت إلا بزيدٍ، نقول: أين القوم؟ حذفت في الجميع، هذا يسمى استثناءً مُفرَّغاً، وهذا الاستثناء المفرَّغ لا يكون إلا منفياً، لا يكون موجباً، لا يُقال: قام إلا زيد، رأيت إلا زيداً، فهذا لا يُقال، وإنما يُقال: ما رأيت، وما قام، وسيأتي علته.

والاستثناء الذي يعتبر كلاماً تاماً وهو ما ذُكِرَ فيه إلا المستثنى منه قد يكون موجباً، بمعنى: أنه لم يسبقه نفيٌ ولا شبه النفي، والمراد بشبه النفي الاستفهام والنهي، ثم الكلام التام إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه أو إن شئت قل: بعضه، هذا يُسمى: استثناءً متصلاً، لماذا؟ لأن ما بعد (إلا) من جنس ما قبل (إلا) قام القوم إلا زيداً، زيد من جنس القوم، إذاً: هذا يسمى: استثناءً متصلاً، لأن ما بعد (إلا) بعض مما قبل (إلا). وإن كان من غيره ليس بعضاً منه ولا من جنسه يُسمى استثناءً منقطعاً، قام القوم إلا حماراً، قالوا: الحمار ليس من جنس القوم، زيد نعم من جنس القوم، لكن حمار ليس من جنس القوم، إذاً: هذا يسمى استثناءً منقطعاً. إذاً القسمة هكذا: كلامٌ تام بِذِكر المستثنى منه، ثم هذا يكون موجباً بأن يكون مثبتاً، ويكون منفياً بنفيٍ أو شبهه وهو الاستفهام والنهي، ثم مفرَّغ وهذا ما لم يذكر فيه المستثنى منه ولا يكون إلا منفياً، ثم الأول قد يكون متصلاً، وقد يكون منقطعاً، والمتصل هو ما كان المستثنى بعضاً من المستثنى منه أو جنساً، والمنقطع: ما كان المستثنى ليس من جنس المستثنى منه ولا بعضاً منه، مثل: قام القوم إلا حمار، هذا على المشهور، وإلا فيه نقد، وسيأتينا إن شاء الله. إذاً: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ: حكم الأول المتعلق بـ (إلا) وجوب النصب، وذلك إذا كان الاستثناء بـ (إلا) خاصة دون غيرها من أدوات الاستثناء، وبأن كان الكلام تاماً موجباً، بمعنى: أنه لم يتقدمه نفيٌ ولا شبه النفي، وهذا مقيدٌ هنا بالاشتراط بمقابله، لأنه قال: وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ، دل على أن الأول قوله: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ دون نفيٍ وهو الموجب. إذاً: اشتراط الإيجاب في الأول مأخوذٌ باشتراط النفي في الثاني، مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ كلامٍ تامٍ غير مُفرَّغٍ لأن التام هو الذي ذُكِر فيه المستثنى منه. يَنْتَصِبْ: هذا مطلقاً، سواءٌ كان موجباً أو منفياً، قام القوم إلا زيداً، نقول: زيداً هذا من جنس القوم، والكلام هنا تامٌ وهو موجب، ما قام القوم إلا زيداً، هل قام القوم إلا زيداً، لا يقم القوم إلا زيداً، نقول: هنا نفيٌ، والكلام تام وجب النصب، هذه الحالة الأولى من أحوال (إلا): وجوب النصب، ولذلك قال: يَنْتَصِبْ، يعني: وجوباً، وهو خبر (ما). وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ ... إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ .. وَبَعْدَ نَفْيٍ: لا زال الكلام في الكلام التام، فحينئذٍ الكلام التام يُفصَّل فيه بين ما إذا كان متصلاً أو منقطعاً.

وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ: وهذا متعلَّقه التمام لما سبق: انْتُخِبْ أو انْتَخِبْ: يصح بالوجهين، انْتُخِبْ يعني: اختير إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ، إذاً: حصل التفصيل بين المنقطع والمتصل فيما إذا كان الكلام تاماً منفياً، فلما فَصَّل في الثاني دل على أن قوله: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ مطلق، يقيد بالموجب ثم يعُم المتصل والمنقطع، فالمتصل في الموجب والمنقطع حكمهما واحد: وهو وجوب النصب، وأما في المنفي مع التمام حينئذٍ يُفصَّل فيه: فإن كان متصلاً قال: انْتُخِبْ إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، بأن يكون تابعاً لما قبله، ما قام القوم إلا زيدٌ، بالرفع على أنه بدل بعض من كل، ما رأيت القوم إلا زيداً، زيداً بالنصب لا على الاستثناء، وإنما لكونه بدلاً مما قبله -بدل بعضٍ من كل-، ما مررت بالقوم إلا زيدٍ، زيدٍ: هذا بدل من القوم، والبدل من المجرور مجرور، هذا إذا كان متصلاً: تامٌ .. منفي .. متصل، وجب فيه .. اختير الإتباع، مع جواز النصب، فيجوز فيه الوجهان إلا أن أحدهما أرجح من الآخر. وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ، يعني: إذا كان تاماً منفياً وجب فيه نصب المنقطع، ما قام القوم إلا حماراً، هذا عند الحجازيين واجب النصب، إذاً: الاختيار بين الإتباع والنصب فيما إذا كان تاماً منفياً متصلاً، وإذا كان منقطعاً حينئذٍ وجب النصب. وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ: وَعَنْ تَمِيمٍ: هذا خبر مقدم، وإِبْدَالٌ: هذا مبتدأ، وَقَعْ: هذا نعت، وفِيهِ: متعلقٌ به، إبدالٌ وقع فيه عن تميمٍ. إبدالٌ وقع فيه: فيه الضمير يعود على الجميع، أو وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ؟ المنقطع، وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ أي: المنقطع إِبْدَالٌ وَقَعْ، إذاً: محل الخلاف بين الحجازيين والتميميين في المنقطع .. فيما إذا كان تاماً منفياً، الحجازيون يوجبون النصب: ما قام القوم إلا حماراً، والتميميون يجوزون الإتباع مع النصب، إلا أن الإبدال عندهم جائز وإن كان قليلاً، ولذلك نَكَّر الناظم إِبْدَالٌ. ما قام القوم إلا حمارٌ: حمارٌ هذا بدل عند بني تميم، بدل بعض من كل من قوله: القوم، وعند الحجازيين واجب النصب، إذاً: التام المنفي نقول: فيه تفصيل عند الحجازيين بين المتصل والمنقطع، ما كان متصلاً جاز فيه وجهان: النصب وهو مرجوح، والإتباع وهو راجح، ولذلك قال: انْتُخِبْ، إتْبَاعُ ما معنى إتباع؟ يعني: أن يُتبع الثاني الأول، ما بعد (إلا) يأخذ حكم ما قبلها، فإن كان مرفوعاً رفع، مثل: ما قام القوم إلا زيدٌ، وإن كان منصوباً نصب: ما رأيت القوم إلا زيداً، وإن كان مجروراً جر ما مررت بالقوم إلا زيدٍ، مع جواز النصب في الجميع، وأما المنقطع الذي يكون ما بعد (إلا) ليس من جنس ما قبلها، ليس بعضاً منه، عند الحجازيين يجب فيه النصب، فيقولون: ما قام القوم إلا زيداً، ولا يصح عندهم إلا زيدٌ، وجوَّز فيه بنو تميم إلا زيدٌ كسابقه. إذاً: التفريق عند من بين المتصل والمنقطع؟ عند الحجازيين فقط، وأما عند التميميين فهما سيان لا فرق بينهما، لا فرق بين المتصل والمنقطع في هذا المقام.

إذاً: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ: هذا أشار به إلى الحال الأولى من الاستثناء بـ (إلا) وهو وجوب النصب، متى يجب النصب؟ إذا كان الكلام تاماً موجباً مطلقاً، ما المراد بمطلقاً؟ سواءٌ كان متصلاً أو منقطعاً، قام القوم إلا زيداً، هل يصح: إلا زيدٌ؟ لا، لأن النصب واجب، قام القوم إلا حماراً؟ واجب النصب، نحن نقول: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ أطلق الناظم هنا، يعني: الكلام التام، أطلقه، حينئذٍ يشمل المنقطع والمتصل، ونقيده بالموجب لأنه قيد ما بعده، فدل على أن مراده بقوله: مَعْ تَمَامٍ: الموجب، يَنْتَصِبْ موجَباً كان أو غير موجِبٍ، وسيأتي الاستثناء فيما بعده، إذاً: هذه الحالة الأولى. وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ ... إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ: انْتَخِبْ ... إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، يعني: إذا كان الكلام تاماً منفياً متصلاً جاز فيه وجهان: الإتباع والنصب، الإتباع على أنه بدل بعض من كل، ما قام القوم إلا زيدٌ، زيدٌ: هذا بدل بعض من القوم، مع جواز النصب، ما قام القوم إلا زيداً. وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ: إذا كان تاماً منفياً، حينئذٍ نقول: في المنقطع واجب النصب عند الحجازيين، ما قام القوم إلا حماراً، ولا يجوز عندهم إلا حمارٌ بالرفع، وجوزه بنو تميم. نعود إلى الأبيات: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ، يعني: مع كلامٍ تمامٍ غير مُفرَّغ، يَنْتَصِبْ، إلا أن النصب مع الموجب واجبٌ اتفاقاً، سواءٌ كان المستثنى متصلاً: وهو ما كان بعضاً من المستثنى منه أو منقطعاً، وهو ما لم يكن بعضاً من المستثنى منه، وسواءٌ كان متقدماً على المستثنى منه أو متأخراً، هذا عام يشمله اللفظ، لو قيل: قام إلا زيداً القوم، هذا سيأتي أنه واجب النصب، إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه دون العامل: قام إلا زيداً القوم وجب النصب، وقام إلا حماراً القوم، أيضاً واجب النصب، هذا تشمله العبارة، مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مطلقاً سواءٌ تقدم على المستثنى منه أو تأخر في محله فالنصب واجب، قام إلا زيداً القوم، قام إلا حماراً القوم. ويشمل ما إذا كان الاستثناء متصلاً، أو منقطعاً فالحكم عام. وَبَعْدَ نَفْيٍ: بَعْدَ هذا منصوب على الظرفية متعلق بقوله: انْتُخِبْ، يعني: كأنه قال: وانتُخب إتباع ما اتصل بعد نفيٍ أو كنفيٍ، متعلق بقوله: انْتُخِبْ، وإِتْبَاعُ بالرفع على أنه نائب فاعل، وإذا ضُبِطَ: انْتَخِبْ صار فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت وجوباً، وإِتْبَاعُ: صار بالنصب، وهذا موافق لقوله: يَنْتَصِبْ، لكن المشهور انْتُخِبْ ِمُغيَّر الصيغة.

وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ، يعني: اختِيِر بَعْدَ نَفْيٍ ولو معنًى دون لفظٍ، أَوْ كَنَفْيٍ: وهو النهي والاستفهام المؤول بالنفي وهو الإنكاري، مثاله بعد النفي لفظاً ومعنًى: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، هذا مثالٌ للنفي معنًى ولفظاً، ما قام أحدٌ إلا زيدٌ بالرفع، وهذا كلامٌ تام منفي، ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، وما رأيت أحداً إلا زيداً، وما مررت بأحدٍ إلا زيدٌ، ومثاله بعد النفي معنًى دون لفظٍ، لأن قوله: وَبَعْدَ نَفْيٍ أطلق الناظم، فيشمل ما إذا كان منفياً لفظاً ومعنًى، وذلك فيما إذا صُدِّرَ بحرفٍ من حروف النفي مثل: (ما)، ويشمل أيضاً ما إذا كان منفياً في المعنى دون اللفظ، مثَّلوا له بقول الشاعر: وَبِالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ ... عَافٍ تَغَيَّرَ إِلاَّ النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ عافٍ تَغَيَّرَ إلاَّ النُّؤْيُ .. عافٍ تَغَيَّرَ، قالوا: تَغَيَّرَ هذا فيه معنى النفي دون اللفظ، بمعنى: أنه لم يبق على حاله، وهذا فيه نفيٌ لكنه من جهة المعنى، فإن تَغَيَّرَ بمعنى: لم يبق على حاله، ومثال شبه النفي: لا يقم أحدٌ إلا زيدٌ، لا يقم: هذه لا ناهية، ويقم: هذا فعل مضارع سلطت عليه لا الناهية فجزم، وهل قام أحدٌ إلا زيدٌ؟ ((وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)) [آل عمران:135] هذا استفهام إنكاري مشربٌ بالتحدي، لا أحد يغفر الذنوب إلا الله. حينئذٍ نقول: قوله كَنَفْيٍ يشمل ما إذا كان النفي باللفظ والمعنى معاً، وذلك فيما إذا كان اللفظ مصرَّحاً به: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، ويشمل ما إذا كان النفي معنًى دون لفظٍ، مثل المثال الذي ذكره الأشموني: عَافٍ تَغَيَّرَ إِلاَّ النُّؤْيُ، نقول: هذا استثناء تامٌ، منفي أو موجب؟ نقول: منفي، مع أنه لم يتقدمه حرف نفي، لأنه قال: عَافٍ تَغَيَّرَ إِلاَّ النُّؤْيُ، تَغَيَّرَ نقول: بمعنى لم يبق على حاله، إلاَّ: جاء الاستثناء هنا مسبوقاً بنفي لكنه من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ ... إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، يعني: لما قبل (إلا) في إعرابه، وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ. وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ، أي: في المنقطع، إِبْدَالٌ .. هنا نكَّرَه لماذا؟ إشعاراً بقلة ذلك عندهم، وَقَعْ، يعني: كالمتصل، إبدالٌ وقع كالمتصل، يعني: في المنقطع كالمتصل. وقوله: انْتُخِبْ إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، أفهم أن النصب جائز، وقد قرئ في السبع: ((مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)) [النساء:66] نحن نقول: انْتُخِبْ إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ وهذا متصل: مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلاً، الأرجح الرفع وقرئ به، وجاء أيضاً: إلا قليلاً بالنصب، دل على أنه جائز، إذاً: هذا فصيح وهذا فصيح، كلاهما فصيح، إلا أن ما كان أكثر وخاصةً إذا كان أكثر القراء عليه يكون من قبيل: فصيح وأفصح.

إذاً قوله: انْتُخِبْ إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ أفَهَم أن النصب جائز، وقد قرئ في السبع: ((مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)) [النساء:66] ((وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)) [هود:81] إِلَّا امْرَأَتَكَ بالنصب، وَلا يَلْتَفِتْ: هذا شبه نفيٍ، وهو نهي، ((وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)) [هود:81] هذا تامٌ، المستثنى منه مذكور، وهو مسبوقٌ بشبه النفي بالنصب. وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ: قيل تميم لم يجوزوه هكذا مطلقاً وإنما شرطوا في جواز الإبدال عندهم: أن يمكن تسليط العامل على المستثنى، إذا أمكن أن يسلط العامل على المستثنى جاز فيه الإبدال، وإلا فوافقوا الحجازيين في وجوب النصب، إذاً: وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ بشرط إمكان تسليط العامل على المستثنى، فإن لم يمكن وجب النصب اتفاقاً، نحو: مَا زَادَ هَذَا المالُ إلاّ مَا نَقَصَ، ما: هذه مصدرية، هل يصح أن يُقال: زاد نقص؟! لا يصح، إذاً: لا يصح أن يسلط العالم على ما بعد (إلا) فوجب النصب عندهم، وما نفع زيدٌ إلا ما ضرَّ، ما: مصدرية، حينئذٍ تكون مؤولة مع ما بعدها بمصدر، نقول: هذا واجب النصب عند تميم، لأنه لا يقال: نفع ضر، نفع ضر هذا لا يجتمعان. إذ لا يقال: زاد النقص ولا نفع الضُر، وحيث وجد شرط الإبدال فالأرجح عندهم النصب أيضاً، إذا وجد شرط الإبدال حينئذٍ لا يستويان كذلك، بل الإبدال يكون مرجوحاً والنصب يكون أرجح. إذاً: وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ نقول: بشرط أن يمكن تسليط العامل على ما بعد (إلا) فإن أمكن حينئذٍ جاز فيه الوجهان: الإبدال والنصب، والنصب أرجح. قال الشارح: " حكم المستثنى بـ (إلا) النصب إن وقع بعد تمام الكلام الموجب سواءٌ كان متصلاً أو منقطعاً، نحو: قام القوم إلا زيداً " زيداً: هذا مستثنًى من القوم، وهو من جنسه، فدل على أنه متصل، ثم هو كلامٌ تام ذُكِر المستثنى منه، وهو كلامٌ موجب لم يسبقه نفيٌ ولا شبه النفي، إذاً: وجب نصب زيد، وضربت القوم إلا زيداً، ومررت بالقوم إلا زيداً، لماذا عدد الأمثلة؟ الرفع والنصب والجر، وأيضاً يحتمل أنه أراد أن يبين المستثنى منه في الكلام التام قد يكون مرفوعاً، وقد يكون منصوباً، وقد يكون مجروراً، وقام القوم إلا حماراً، وضربت القوم إلا حماراً، ومنه الآية السابقة: ((فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)) [البقرة:249] كلام موجب، ومررت بالقوم إلا حماراً، فزيداً في هذه المُثُل منصوبٌ على الاستثناء، وكذلك حماراً. الناظم قال: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ، وعرفنا أن المستثنى بعد (إلا) منصوب، فحينئذٍ ما العامل فيه؟ ظاهر كلام الناظم أن العامل هو (إلا) لأنه نسب الاستثناء إلى (إلا)، وهذا وإن كان شيئاً معنوياً إلا أن الأصل في الحرف إذا أثر في المعنى وكان ثَمَ عمل أن يكون العمل منسوباً إليه، هذا هو الأصل، كالشأن في حروف الجر لما عَدَت معاني الأفعال إلى الأسماء، حينئذٍ أثرت في المعنى فاختصت بالجر، هذا الأصل فيها: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ.

قال ابن عقيل: " والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة (إلا) " يعني: الفعل، واختار المصنف في غير هذا الكتاب: أن الناصب له (إلا) بل الظاهر أنه في هذا الكتاب كذلك أن الناصب له (إلا) لأنه قال هنا: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ، وسيأتي: وَأَلْغِ إِلاَّ ذَاتَ تَوْكِيدٍ يعني: ألغ إعمالها، فدل على أن ابن مالك رحمه الله تعالى يرى أن (إلا) هي الناصبة، هذا الظاهر. قام القوم إلا زيداً، زيداً: هذا منصوب بـ (إلا) وليس منصوباً بالقوم، وهذا إذا نظرنا إلى المعنى السابق: قولٌ متصلٌ يدل على أن المذكور معه غير مراد بالأول، نقول: هذا يؤيد أن النصب إنما يكون بـ (إلا) لا بالفعل، لماذا؟ لأن المعنى الذي قبل (إلا) هذا مهجور، قام القوم: فيه إثبات القيام للقوم، إلا زيداً: فيه نفيٌ، إذاً: حصل نفي القيام عن زيد بـ (إلا) لا بالفعل، والذي يحصل به التأثير في المعنى هو الأصل أن يكون عاملاً، ولذلك الأرجح أن يُقال: بأن المستثنى منصوب بالحرف نفسه (إلا) لماذا؟ لأن المعنى الذي هو الاستثناء حصل بها، ثم من جهة النفي والإثبات لأنه يُثبت لما بعد (إلا) نقيض حكم ما قبلها، نقول: الأصل في العامل السابق ألا يكون له تأثير، لأن قام زيداً، كيف يؤثر فيه والقيام منفي عن زيد، لو قال: قام زيدٌ، زيدٌ متصفٌ بالقيام الذي دل عليه قام، أما قام القوم إلا زيداً، زيداً: هذا مُخرَجٌ كليةً من المستثنى منه الذي أضيف إليه القيام ومن الحكم، ُحينئذٍ يكون الأولى أن يكون الناصب له (إلا) وهذا ظاهر كلام الناظم رحمه الله تعالى. وقيل: الناصب هو الفعل الواقع قبل (إلا) باستقلاله دون واسطة إلا، وقيل: بواسطة (إلا)، وقيل: فعلٌ مقدر استثني، وهذا ضعيف، قام القوم أستثني زيداً، لماذا ضعيف؟ لأنه كما سبق -القاعدة حتى نكون مطردين-: إذا أمكن تعليق العمل بملفوظ لا يُعدَل عنه إلى محذوف، ومن قال بأنه بالفعل بواسطة (إلا) أقرب إلى الصواب من قوله: بأنه بمحذوف، والصواب أن نقول: أنه بـ (إلا). واختار المصنف أن الناصب له (إلا) لأنها حرفٌ مختصٌ بالأسماء وهذا هو الصواب، غير مُنَزَّل مُنَزَّلة الجزء، يعني: ليس كـ (أل) أل: هذه إذا دخلت على الاسم نُزِّلت مُنَزَّلة الجزء منه، والحرف المختص بالاسم قد يُنَزَّل مُنَزَّلةَ الجزء، وقد لا يُنَزَّل مُنَزَّلةَ الجزء، إذا نُزِّلَ مُنَزَّلةَ الجزء لا يعمل البتة .. يُهمل، لماذا؟ لأنه صار جزء الكلمة، كالزاي من زيد، وإذا كان كذلك حينئذٍ بعض الشيء لا يعمل فيه .. جزء الشيء وبعضه لا يعمل فيه، كما قيل في أحرف المضارعة هناك: يضرب مرفوعٌ بالياء، العامل فيه الياء أحرف المضارعة، نقول: لا، هذا ضعيف، لماذا؟ لأن أحرف المضارعة صارت جزء من الفعل، وجزء الشيء لا يعمل فيه، بدليل تخطي العامل لها: لم يضرب، دخل العامل (لم) ثم الياء عامل هي في نفسها، والأصل فيها أن (لم) يظهر إعرابها أو طلبها على الياء، فلما ظهر على آخر الفعل دل على أن الياء مُنَزَّلة مُنَزَّلةَ الجزء من الكلمة.

كذلك: الرجل .. رجل، تقول: مررت بالرجل، حينئذٍ أين ظهر أثر الباء؟ ظهر في آخر رجل، دل على أن كلمة: الرجل، قبل التركيب إدخال (أل) على كلمة: رجل، هما كلمتان، لذلك لو سئلت: الرجل كم كلمة؟ تقول: كلمتان، ما تقول: كلمة واحدة، كلمتان: (أل) حرف تعريف، (أل) مثل: في، ولم، وقد، والسين، وسوف، مثلها إذا قيل: سوف يصلي، كم كلمة هذه؟ كلمتان واضحة، لكن: الرجل .. العالم .. نقول: هذه كلمتان، لكن لما امتزجت (أل) بمدخولها بمصحوبها امتزاج الجزء بكله تعداها العامل، إذا قلت: مررت بالرجل .. جاء الرجل .. رأيت الرجل، أين ظهرت الحركات؟ على اللام، فلو كانت (أل) معتبرة في ذاتها وأنها كلمة مستقلة لظهر عليها أو كانت مقدرة. حينئذٍ نقول: (إلا) هنالم تُنَزَّل مُنَزَّلَة الجزء من مدخولها، إذاً: لو نُزِّلت مُنَزَّلة الجزء لما صح أن نقول: إنها ناصبة، لكن لما كانت منفكة عنها كانفكاك حروف الجر عن المدخول وهو الاسم حينئذٍ صح أن يُقال: بأنها عاملة، لأنها حرفٌ مختص، هذا أولاً، يعني: مختصٌ بالأسماء، ثم غير مُنَزَّل مُنَزَّلة الجزء، وما كان كذلك فهو عاملٌ، -هذه مقدمات- فيجب كذلك في (إلا) أن تكون عاملة ما لم تتوسط بين عاملٍ مفرَّغٍ ومعموله فتُلغى، ما قام إلا زيدٌ، هذا سيأتي أنه مُفرَّغ، لماذا؟ لأن (إلا) هنا لا عمل لها: وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إِلاَّ لِمَا ... بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوِ الاَّ عَدِمَا فحينئذٍ (إِلاَّ) ملغاة هنا، فنستثني هذه الحالة بحيث إن (إِلاَّ) لا تكون عاملة، وذلك فيما إذا فُرِّغَ العامل لما بعد (إلا) وهذا خاصٌ بالاستثناء المفرَّغ كما سيأتي، ما لم تتوسط بين عاملٍ مُفرَّغ ومعموله فتلغى وجوباً إن كان التفريغ محققاً، نحو: ما قم إلا زيدٌ، وجوازاً إن كان مقدراً نحو: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، فإنه في تقدير: ما قام إلا زيدٌ. التفريغ سيأتي أنه محقق: ما قام إلا زيدٌ، هذا محقق، لأنه لم يُذكر المستثنى منه، قد يذكر ويكون في قوة المحذوف: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، ماذا استفدت من كلمة: أحد؟ لا شيء، قالوا: هذا استثناءٌ مفرَّغ لكنه تقديراً، ولذلك الأكثر في هذا التركيب: أن يحذف الفاعل، وسبق معنا: ما قام إلا هندٌ، أن جماهير النحاة: على أنه لا يؤنث، لماذا؟؟؟؟ قلنا: المفصول بغير (إلا)، إذا فُصِل بغير (إلا) جاز فيه الوجهان: حضر اليوم هندٌ، وحضرت اليوم هندٌ، هذا جاز فيه الوجهان إذا كان الفصل بغير (إلا)، لكن إذا فُصِل بـ (إلا)؟ عند الجماهير لا يجوز تأنيثه خلافاً لابن مالك، لماذا؟

لأن الفاعل في الحقيقة هو محذوف أحد، فهو مُذَكَّر لذلك لا يجوز تأنيثه، تأنيث: ما قام إلا هندٌ، كتأنيث: قامت زيدٌ، وهذا لا يصح، حينئذٍ: ما قام إلا هندٌ، هذا أصله ما قام أحدٌ إلا هندٌ، فهندٌ بدلٌ من الفاعل المحذوف، وليست هي الفاعل حتى نقول: يجوز فيه الوجهان، هذا التركيب نقول: قد يكون مفرَّغاً حقيقةً إذا لم يُذْكر المستثنى منه، وقد يكون تقديراً فيما لو ذُكِرَ والأصل فيه حذفه أو لم يفد فائدة، مثل لو قال: ما رأيت أحداً إلا زيدٌ، لأن أحداً مبدلٌ منه، والمبدل منه في نية الطرح، وإنما لم تعمل الجر، إذا قيل: (إلا) لماذا عملت الاستثناء –النصب- والأصل فيما اختص أن يعمل الجر؟ لأن عمل الجر بحروفٍ تضيف معاني الأفعال إلى أسماء وتنسبها إليها، و (إلا) ليست كذلك، فإنها لا تنسب إلى الاسم الذي بعدها شيئاً بل تخرجه من النسبة، فلما خالفت حروف الجر لم تعمل عملها، والأحسن أن يُقال: إنما لم تعمل الجر لموافقتها الفعل في المعنى، كأنه قال: أستثني، ولذلك لفظ: أستثني عند الأصوليين من أدوات الاستثناء، بخلافه عند النحاة: حُرُوفُ الاسْتِثْنَاء وَالْمُضَارِعُ ... ... ... مْنِ فِعْلٍ الاسْتِثْنَاء وَمَا يُضَارِعُ حُرُوفُ الاسْتِثْنَاء وَالْمُضَارِعُ: أستثني، هذا من المخصصات عند الأصوليين، لكن عند النحاة لا، إذاً: لما ضُمِّنت أو دلت (إلا) على معنى الفعل حينئذٍ عملت النصب، كما هو الشأن في؟؟؟ حرفٌ ضُمِّنَ معنى الفعل فنصب، ما هو؟ (إنَّ) النواسخ، قلنا: (إنَّ) عملت النصب لماذا؟ الأصل أنها تعمل الجر، لكن لما أشبهت الفعل لفظاً ومعنًى في اللفظ لأنها على ثلاثة أحرف وأربعة وخمسة إلى آخره، ومعنًى: أُؤكد .. أُشَبِّه .. أستدرك، إلى آخره، لما أشبهته في المعنى عملت النصب، وإلا الأصل في الحرف إذا اختص باسمٍ أن يعمل الجر، إذا عمل النصب أو الرفع لا بد من سؤال: لماذا خرج عن الجر؟ والغالب في مثل هذا النوع: أنه يدل على معنى الفعل، فهنا: قام القوم إلا زيداً، في قوة قولك: قام القوم أستثني زيداً، إذاً: دلت (إلا) على معنى: أستثني، ويؤكد هذا أن الأصوليين عَدَّوْا استثني، من المخصصات: حُرُوفُ الاسْتِثْنَاء وَالْمُضَارِعُ ... ... ... مْنِ فِعْلٍ الاسْتِثْنَاء وَمَا يُضَارِعُ إذاً: الأحسن أن يُقال: إنما لم تعلم الجر لموافقتها الفعل في العمل. إذاً: الصحيح أن المستثنى منصوب بـ (إلا) فقط، ليس بالفعل استقلالاً، ولا بالفعل بواسطة (إلا)، ولا بـ (أستثني) محذوفاً، فالمذاهب أربعة، الصواب ما ذكرناه، وهو ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله تعالى هنا وفي غير هذا الكتاب، لأنه قال: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ نسب إليها الاستثناء، ثم قال: وَأَلْغِ إِلاَّ، دل على أن (إلا) هي العاملة. قال: والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة (إلا)، هذا رأي ابن عقيل رحمه الله تعالى، واختار المصنف: أن الناصب له (إلا) لكن نسبه في غير هذا الكتاب، وهذا ليس بظاهر، بل الظاهر أنه حتى في هذا الكتاب اختار أن (إلا) هي الناصبة.

وزعم أنه مذهب سيبويه والمُبَرِّد، وهذا معنى قوله: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ، أنه ينتصب الذي استثنته (إلا) مع تمام الكلام إذا كان موجباً، سواءٌ تقدم المستثنى أو تأخر .. سواءٌ كان متصلاً أو منقطعاً، فإن وقع بعد تمام الكلام الذي ليس بموجَبٍ وهو المشتمل على النفي أو شبهه، والمراد بشبه النفي النهي والاستفهام، فإما أن يكون الاستثناء متصلاً أو منقطعاً، وعرفنا أن المتصل: هو ما كان مستثنى من جنس المستثنى منه، يعين: بعضه، والمنقطع: ما كان مستثنى من غير جنس المستثنى منه، هذا من باب التيسير، وإلا الأصح أن يُقال: الاستثناء المتصل: أن يُحكم بنقيض الحكم على ما بعد (إلا)، يعني: بنقيض الحكم السابق، بشرط أن يكون من جنسه: هو الحكم بنقيض الحكم على جنس ما حكمت عليه أولاً، لأن ثَمَ إشكال: إذا قيل: بأنه لا يكون استثناءً متصلاً أو منقطعاً إلا باعتبار ما كان من الجنس أو عدمه: ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى)) [الدخان:56] هذا من أي الأنواع، منقطع أو متصل؟ من قبيل قام القوم إلا زيداً، موت وموت .. موت شيء واحد، قيل وقيل، لذلك وقع نزاع بين العلماء، قيل: متصل وقيل منقطع، والصواب أنه منقطع، لماذا؟ لأن المراد هنا الحكم على ما بعد (إلا) بنقيض ما حكمت عليه أولاً، ماذا حكمت على الأول؟ (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) عدم الموت هذا الحكم، (إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى) الموت، هذا خلاف، أو نقيض؟ هذا خلاف وليس بنقيض، ويشترط في صحة الاستثناء المتصل: أن يكون الحكم على ما بعد (إلا) نقيضاً ليس خلافاً، لماذا؟ لأن المستثنى منه هنا هو عدم الموت في الآخرة، ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ)) [الدخان:56] ونقيض عدم الموت في الآخرة هو ذوقه في الآخرة، ونقيض ذوقه في الدنيا عدم ذوقه في الدنيا والآن التقابل حصل بماذا؟ عدم ذوقه في الآخرة لكونهم ذاقوه في الدنيا، إذاً: هذا خلاف وليس بنقيض، إذ لو قال: لا يذوقون فيها إلا الموت، ثم أثبت الموت في الآخرة حصل التناقض، إذاً: نقيض عدم ذوقه في الدنيا ذوقه في الدنيا لا في الآخرة، لأن عندنا اعتبارين: آخرة ودنيا، كلاهما منفصلان، في الدنيا موت، ذوقه وعدم ذوقه: نقيضان، في الآخرة: ذوقه وعدم ذوقه نقيضان، إذا جعلت المقابلة بين ذوق وعدم ذوق بين دنيا وآخرة خلافان ليسا بنقيضين، ولذلك الصواب أن يُقال: الاستثناء المتصل هو الحكم بنقيض الحكم على جنس ما حكمت عليه أولاً، وهنا حكمت على الجنس، الموت هو الموت واحد لا يتعدد، هو خروج الروح من الجسد، حينئذٍ هنا نقول: لا يذوقون فيها الموت إلا الموت، ظاهره على التعريف المشهور: أن الاستثناء المتصل ما كان بعضاً أو جنساً من جنس المستثنى منه، نقول: هذا استثناء متصل، لكن نقول: لا بد من اجتماع أمرين: أن يكون من الجنس، وزيادةً على ذلك: المخالفة في الحكم، بأن يكون المحكوم عليه المستثنى بنقيض لا خلاف .. نقيض ما حكمت عليه قبل (إلا) وهذا لا يتوفر في الآية. وغيره منقطعٌ، وهو صادق بأمرين –المنقطع-، إذاً: المنقطع أن تحكم على غير الجنس ما حكمت عليه أولاً أو بغير نقيضه، فيشمل صورتين -المنقطع-:

أن تحكم على الجنس نفسه من جنسه، لكن لا بنقيض الحكم، هذا منقطع، وإنما يكون بخلافه ونحو ذلك. أو تحكم ولو بالنقيض، لكن لا على الجنس، حينئذٍ نقول: هذا منقطع، إذا كان المستثنى من غير الجنس نقول: هذا منقطعٌ، وإذا كان الحكم بغير النقيض، نقول: هذا منقطع، فيصدق بالصورتين. وأما المتصل فلا بد من اجتماع القيدين معاً: أن يكون من الجنس، والحكم بالنقيض، لا بد من هذا، وهذا مبحثه في الأصول. فإن وقع بعد تمام الكلام الذي ليس بموجَبٍ: وهو المشتمل على النفي أو شبهه، والمراد بشبه النفي: النهي والاستفهام، فإما أن يكون الاستثناء متصلاً أو منقطعاً، والمراد بالمتصل: أن يكون المستثنى بعضاً مما قبله، ويُزاد عليه: أن يحكم على المستثنى بنقيض حكم المستثنى منه، وإلا لا يكون استثناءً متصلاً، ولذلك هناك: ((لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ)) توفر فيه هذا الحد، لأن الموت شيء واحد، ما بعد (إلا) بعض مما قبل (إلا) لكنه استثناء منقطع لانتفاء القيد الثاني. وبالمنقطع: أن لا يكون بعضاً مما قبله، وقد يكون بعضاً لكنه متصل، فإن كان متصلاً جاز نصبه على الاستثناء، وجاز إتباعه لما قبله في الإعراب، وهو المختار، جاز فيه وجهان: النصب والإتباع، وإذا كان إتباعاً حينئذٍ المختار عند البصريين والحالة هذه: أن يكون بدل بعضٍ من المستثنى منه، وعند الكوفيين: عطف نسقٍ لأن (إلا) عندهم من حروف العطف في الاستثناء خاصة .. في هذا الموضع، إلا: حرف عطف، ما قام القوم إلا زيدٌ، ما قام القوم: فعل وفاعل، إلا: حرف عطف، زيدٌ: معطوفٌ على ما قبله، هذا عند الكوفيين، يعني: مثل قولك: ما جاء زيدٌ ولا عمروٌ، الواو: حرف عطف، ولا: زائدة، مثلها عند الكوفيين: أن ما بعد (إلا) يعتبر من عطف النسق، لأن (إلا) عندهم من حروف العطف في الاستثناء خاصة، بمنزلة (لا) العاطفة التي تعطي لما بعدها ضد حكم ما قبلها. ورده الجمهور باطراد نحو: ما قام إلا زيدٌ، قالوا: هذا مطرد، يعني: يصح في لسان العرب أن تقول: ما قام إلا زيدٌ، ولو كانت (إلا) حرف عطف للزم أن يلي حرف العطف العامل بلا فاصل، لا يصح أن يُقال: ما قام وزيدٌ، يلي حرف العطف العامل، لما ولي باطراد: ما قام إلا زيدٌ، عرفنا أن (إلا) هذه ليست حرف عطف، إذاً: ورد الجمهور مذهبهم باطراد، نحو: ما قام إلا زيدٌ، وليس لنا حرف عطفٍ يلي العامل باطراد.

وإذا تعذر البدل على اللفظ أبدل على الموضع، عند البصريين: إذا كان الأصل: ما قام القوم إلا زيدٌ، قلنا: البدل هنا يكون تابعاً للمبدل منه، قد يتعذر لو قال: ما رأيت من أحدٍ إلا زيد، أو ما قام من أحدٍ إلا زيد، كيف نُبْدل؟ أولاً: هل يتعذر الإبدال على اللفظ هنا: إلا زيدٍ، ما قام من أحدٍِ إلا زيدٍ، هل يصح؟ هذا سبق شرحناه لماذا؟ من: زائدة، ومدخولها: نكرة ولا تكون إلا في شبه النفي، وإذا أبدلت منه حينئذٍ قد أبدلت معرفة من نكرة، هذا لا يجوز أن يكون مدخول (من) الزائدة التي لا تقع إلا في النفي أو شبهه أن يكون معرفةً، فإذا قلت: ما قام من أحدٍ إلا زيدٍ، حينئذٍ كأنك أدخلت (من) الزائدة على زيد وهو معرفة وهذا ممنوع، إذاً: هنا تبدل على الموضع، ما قام من أحدٍ إلا زيدٌ، هنا تعذر الإبدال على اللفظ، فترجع إلى المعنى. إذاً: قد يتعذر الإبدال هنا عند البصريين على اللفظ فحينئذٍ نرجع إلى المعنى. ما جاءني من أحدٍ إلا زيدٌ، ولا أحدَ فيها إلا زيدٌ، لا يصح أن تبدل، لأن مدخول (لا) النافية للجنس لا يكون إلا نكرة، فلو أبدلته منها حينئذٍ أدخلته على المعرفة، وما زيدٌ شيئاً إلا شيءٌ لا يُعبئ به، برفع ما بعد (إلا) فيه، ونحو: ليس زيدٌ بشيءٍ إلا شيئاً، هل يصح إلا شيءٍ؟ ليس زيدٌ بشيءٍ .. وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ .. خبر ليس، وخبر ليس تدخل عليه الباء بشرط ماذا، مراعاةً لأي شيء؟ مراعاةً للنفي، ولذلك قلنا: تدخل على (ما) النافية سواءٌ كانت حجازية أو تميمية على الصحيح، فحينئذٍ: ما زيدٌ بقائمٍ، ليس زيدٌ بقائمٍ، هنا دخلت الباء لكونها واقعةً في خبر (ليس) و (ما) النافيين. لو قلت: ليس زيدٌ بشيءٍ إلا شيءٍ، ما بعد (إلا) له نقيض حكم ما قبله، ما قبله منفي، وما بعده مثبت، فلو قلت: إلا شيءٍ بالخفض كأنك أدخلت الباء عليه، وهذا ممنوع لا يجوز أن تدخل الباء على مثبت، وإنما تدخل على منفي، ليس زيدٌ بشيءٍ إلا شيئاً بنصبه، هذا متعيِّن، لأن من والباء، لا يزادان إلا في النفي، و (ما) و (لا) لا يقدران عاملتين بعده. إذاً: إذا كان متصلاً جاز فيه الوجهان عند الحجازيين، الإبدال على أنه بدل بعض من كل، لا على أنه عطف نسق، وهذا مرجوح كما ذكرناه، والمشهور أنه بدلٌ من متبوعه، وذلك نحو: ما قام أحدٌ إلا زيدٌ، وإلا زيداً، ولا يقم أحدٌ إلا زيدٌ وإلا زيداً، وهل قام أحدٌ إلا زيدٌ وإلا زيداً، فيجوز فيه الوجهان إلا أن البدل أرجح من النصب، فيجوز في زيد أن يكون منصوباً على الاستثناء، وأن يكون منصوباً على البدلية من: أحد، وهذا هو المختار. وإن كان الاستثناء منقطعاً تعين النصب عند جمهور العرب، فتقول: ما قام القوم إلا حماراً، ولا يجوز الإتباع، وأجازه بنو تميم. فتقول: ما قام القوم إلا حماراً، وما ضربت القوم إلا حماراً، وما مررت بالقوم إلا حمارٍ، يعني: بالإتباع.

إذاً: في الاستثناء المنقطع نقول: عند بني تميم ليس على إطلاقه، بل بشرط أنه هل يمكن تسليط العامل على ما بعد (إلا) أو لا؟ إن أمكن حينئذٍ جاز فيه الإتباع، وإن لم يمكن حينئذٍ وجب فيه النصب كالحجازيين، في الاستثناء المنقطع إن لم يمكن تسليط العامل على المستثنى وجب النصب اتفاقاً، نحو المثال الذي ذكرناه: مَا زَادَ هَذَا المالُ إلاَّ مَا نَقَصَ، إذ لا يُقال: زاد النقص، وكذلك: ما نفع زيدٌ إلا ما ضر، لا يُقال: نفع الضر، وإن أمكن تسليطه فالحجازيون يوجبون النصب، وعليه قراءة السبعة: ((مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ)) [النساء:157] قالوا: الظن ليس من جنس العلم، هذا المشهور، فحينئذٍ إذا كان ليس من جنسه صار منقطعاً، وهنا قد نُصِب: ((مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ)) [النساء:157] اتباع بالنصب على الاستثناء، وهو استثناءٌ منقطع، إذاً نقول: الأصل فيه الجواز. وتميمٌ ترجحه، وتجيز الإتباع كقول القائل: وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أنِيسُ ... ... إِلاَّ اليَعَافِيرُ وإِلاَّ الْعِيسُ نقول: هذا استثناءٌ منقطع، لأن الأنيس الأصل فيه .. من الغنم والإبل والبقر، أو البشر؟ البشر، وبلدة لَيْسَ بِهَا أنيسُ يعني: يستأنس به، ولا يستأنس إلا بالبشر، إِلاَّ اليَعَافِيرُ وإِلاَّ الْعِيسُ. إذاً: وهذا هو المراد بقوله: وَانْصِبْ مَا انْقَطَعَ، أي: انصب الاستثناء المنقطع، إذا وقع بعد نفيٍ أو شبهه عند غير بني تميم، وأما بنو تميم فيجيزون إتباعه، وفي المنقطع (إلا) عند البصريين بمعنى: لكن. فمعنى البيتين: أن الذي استثني بـ (إلا) ينتصب إن كان الكلام موجباً ووقع بعد تمامه، وقد نبه على هذا التقييد بذكره حكم النفي بعد ذلك، وإطلاق كلامه يدل على أنه ينتصب سواءٌ كان متصلاً أو منقطعاً، متقدماً أو متأخراً، وإن كان غير موجب انْتُخِبْ، أي: اختيِر إتباع ما اتصل، ووجب نصب ما انقطع عند غير بني تميم، وأما بنو تميم فيجيزون إتباع المنقطع. وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ فِي النَّفْيِ قَدْ ... يَأْتِي وَلَكِنْ نَصْبَهُ اخْتَرْ إِنْ وَرَدْ هذا فيما إذا تقدم المس تثنى على المستثنى منه، يعني قيل: ما قام إلا زيداً القومُ، قدمت المستثنى على المستثنى منه، سبق مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ، قلنا: إذا كان موجباً تقدم أو تأخر وجب النصب. إذاً: الكلام هنا قال: وَغَيْرُ نَصْبٍ، إذاً: غير النصب وهو: الإتباع؛ لأنه إما إتباع وإما نصب، إما نصب على الاستثناء، وإما إتباع، غَيْرُ نَصْبٍ إذاً: المراد به الإتباع، وهذا لا يأتي في الكلام التام الموجب، وإنما يكون في الكلام التام المنفي، ولذلك قال: وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ فِي النَّفْيِ .. فِي النَّفْيِ: قيده، ولم يقل: وشبهه اتكالاً على ما سبق؛ لأنه قال: وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ، فحينئذٍ نقول: شبه النفي لم يُعِدْه هنا اتكالاً على ما سبق. وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ، غَيْرُ: هذا مبتدأ وهو مضاف، ونَصْبِ: مضاف إليه، ونَصْبِ: مضاف، وسَابِقٍ: بالتنوين مضاف إليه، فِي متعلق بقوله: يَأْتِي.

وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ فِي النَّفْيِ قَدْ يَأْتِي في النفي، احترازاً من الموجب، إذاً: في النفي غير نصب سابقٍ: ما قام إلا زيداً القومُ، يجوز؟ لا يجوز .. وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ فِي النَّفْيِ، يعني: في الكلام التام الموجب، غَيْرُ نَصْبٍ .. قَدْ يَأْتِي، إذاً: يجوز بل هو الأصل، وغير النصب هو الذي يكون فرعاً: ما قام إلا زيدٌ القوم، هذا المراد بهذا البيت: إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، وكان الكلام تاماً منفي غير موجب، حينئذٍ إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه جاز فيه وجهان: النصب وهو الأرجح، وجاز فيه الإبدال .. الإتباع على الرفع أو النصب أو الخفض، ولذلك قال: قَدْ يَأْتِي .. غَيْرُ نَصْبٍ قَدْ يَأْتِي، قَدْ: هنا للتقليل، إذاً: الأصل فيه النصب. وَلكِنْ نَصْبَهُ اخْتَرْ إِنْ وَرَدْ: صرح بالمفهوم، قوله: وَلكِنْ نَصْبَهُ اخْتَرْ إِنْ وَرَدْ هذا مفهوم من قوله السابق: وَغَيْرُ نَصْبٍ إذاً: وَغَيْرُ نَصْبٍ يعني: نصب مستثنىً سابق على المستثنى منه .. فِي النَّفْيِ: احترز به عن الإيجاب، فإنه يتعين فيه النصب كما سبق، قَدْ: للتقليل، يَأْتِي: على قلةٍ بأن يُفرَّغ العامل له ويُجعل المستثنى منه تابعاً له، فيُقال: ما قام إلا زيدٌ القومُ، قيل: القومُ هنا على البدل المقلوب، إما أن يُقال: بأن القوم عام أريد به الخاص، وإما أن يُقال: بأنه بدل على المقلوب. وَغَيْرُ نَصْبٍ: هذا البيت تقييدٌ لقوله: وَبَعْدَ نَفْيٍ، كأنه قال هناك: وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبَ إتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ، بشرط: أن لا يتقدم المستثنى على المستثنى منه. وَغَيْرُ نَصْبٍ، أي: النصب على الاستثناء، فيشمل الغير نصبه على الإتباع؛ لأن الإتباع قد يكون بالرفع، وقد يكون بالنصب، وقد يكون بالخفض، إذاً: غَيْرُ نَصْبٍ أي: النصب على الاستثناء، فيشمل الغير نصبه على الإتباع، وَغَيْرُ نَصْبٍ وفي بعض النسخ: وَغَيْرَ نَصْبٍ سَابِقٌ .. قَدْ يَأْتِي ماذا يكون إعرابه؟ سَابِقٌ: هذا مبتدأ، فِي النَّفْيِ قَدْ يَأْتِي حال كونه غَيْرَ نَصْبٍ، إذا نُصِب غَيْرَ نَصْبٍ سَابِقٌ، سَابِقٌ: هذا مبتدأ، وقَدْ يَأْتِي الجملة خبر، وغَيْرَ بالنصب على أنه حال، لكن المشهور هذا الذي ذكره ابن عقيل. وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ، يعني: سابق المستثنى منه فِي النَّفْيِ .. قَدْ: للتقليل هذا خبر، قَدْ يَأْتِي: خبر المبتدأ، ونَصْبٍ هنا المراد به: مصدر بمعنى اسم المفعول، والمستثنى منه حينئذٍ يكون بدل كل من المستثنى، وقد كان المستثنى بدل بعض منه، بدل كل من المستثنى، كيف يُعرب؟ قال ابن عقيل: " إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه، فإما أن يكون موجباً أو غير موجب، فإن كان موجباً وجب نصب المستثنى نحو: قام إلا زيداً القوم " وهذا لو قدمه هناك كان أولى، مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ، يكون الحكم عام في قوله: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ. وإن كان غير موجب وهو الذي عناه بهذا البيت، فالمختار نصبه يعني: مع جواز إبداله .. إتباعه، فتقول: ما قام إلا زيداً القومُ .. ما قام إلا زيداً: منصوبة على الاستثناء، القومُ: هذا مستثنى منه ولا إشكال فيه، ومنه قول الشاعر:

فَمَا لِيَ إِلاَّ آلَ أَحمدَ شِيعَةٌ ... وَمَا ليَ إِلاَّ مَذهَبَ الحقِّ مَذْهبُ وقد روي رفعه، فتقول: ما قام إلا زيدٌ القومُ. فَمَا لِيَ إِلاَّ آلَ أَحمدَ شِيعَةٌ ... وَمَا ليَ إِلاَّ مَذهَبَ الحقِّ مَذْهبُ روي بالوجهين: بالنصب وبالرفع. قال سيبويه: حدثني يونس: أن قوماً يوثق بعربيتهم، يقولون: ما لي إلا أخوكَ ناصرٌ .. ما لي ناصرٌ إلا أخوكَ، الأصل: ما لي ناصرٌ إلا أخوكَ .. أخاكَ، يجوز فيه الوجهان، والإتباع هو المختار: ما لي ناصرٌ إلا أخوكَ. وأعربوا الثاني بدلاً من الأول على القلب، البدل لا يكون أعم من المبدل منه -هذا الأصل-، إذا قلت: ما قام القومُ إلا زيدٌ، زيدٌ: بدل بعض من كل، ولا شك أن زيد فرد من القوم لا إشكال فيه، لكن: ما قام إلا زيدٌ القومُ، البدل لا يكون أعم من المبدل منه، فكيف نفعل هنا؟ قالوا: هذا يُعرب على البدل لكن على القلب، فيكون المتأخر هو المبدل منه والمتقدم هو البدل. وأعربوا الثاني بدلاً من الأول على القلب، ووجهه: " أن العامل فُرِّغ لما بعد (إلا) وأن المؤخر عامٌ أريد به الخاص " هكذا قال ابن هشام في الأوضح، يعني: أَوَّلَ الثاني: ما قام إلا زيدٌ، القوم على أنه عامٌ أريد به الخاص، وهذا يتنافى مع تعريف الاستثناء بأنه إخراج، إذا كان الثاني عامٌ أريد به الخاص إذاً: كأنه قال: ما قام إلا زيدٌ زيدٌ، وإنما أطلق اللفظ العام: القوم مراداً به: الخصوص، هذا فيه بُعد، فصح إبداله من المستثنى لكنه بدل كل. وجاء قوله: فَإنَّهُمُ يَرْجُونَ مِنْه شَفاعَةً ... إِذَا لم يَكُنْ إِلاَّ النَّبِيُّونَ شَافعُ إذا لم يكن شافعٌ إلا النبيون: بالرفع على أنه بدل، -وهذا لا إشكال- بدل بعض من كل، فلما تقدم: إِلاَّ النَّبِيُّونَ على شَافعُ المستثنى منه حينئذٍ نقول: شَافعُ هذا بدل من النَّبِيُّونَ، إما أن يُقال: بأنه عام أريد به الخاص، وإما أن يقال: بأنه بدل على القلب، فيكون نبيون: هو بدل، وشافع: هو المبدل منه، على التقديم والتأخير. إذاً: قوله وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ: الذي هو الرفع، أو النصب، أو الخفض؛ لأنه يصدق عليه؛ لأن البدل قد يكون بالرفع، وقد يكون بالنصب، وقد يكون بالخفض، غير النصب يعني: على الاستثناء، وقد يكون منصوباً على التبعية، لو قال قائل: ما رأيت إلا زيداً القومَ، كم وجه في: إلا زيداً، هنا؟ في اللفظ ليس له إلا النصب؛ لأنك إذا أبدلته نصبته؛ لأن القومَ: منصوب، وإذا نصبته على الاستثناء نصبته إذاً، إذاً داخلٌ فيه أو لا؟ غَيْرُ نَصْبٍ يعني: على الاستثناء، ولا يمنع النصب على البدلية، وأما الرفع والخفض فهذا واضح.

وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ ما هو السابق؟ المستثنى، سابق على ماذا؟ على المستثنى منه، إذاً: نصب السابق هو الأصل، غير نصبه هذا هو الفرع، وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ نصب مستثنىً سابقٍ على المستثنى منه، إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه غير النصب وهو: الرفع أو النصب أو الخفض لا على الاستثناء قَدْ يَأْتِي، قَدْ: هذا للتقليل، وَلكِنْ نَصْبَهُ على الاستثناء اخْتَرْ، اختر نصبه على الاستثناء، إِنْ وَرَدْ لأنه الفصيح الشائع في لسان العرب، فالأفصح حينئذٍ يكون النصب، إِنْ وَرَدْ أي: السابق أي: أردت وروده منك بالتكلم به، إِنْ وَرَدْ يعني أنت إن تكلمت به وورد على لسانك فاختر نصبه، أو ورد في لسان العرب، حينئذٍ اختر الحكم بكونه منصوباً، إن ورد في لسانك أنت بالتكلم به، حينئذٍ تتكلم به منصوباً، وإن كان على غيرك فاحكم، إن ورد منصوباً فاحكم عليه بالنصب وهو الاختيار، فمعنى البيت: إنه قد ورد في المستثنى السابق غير النصب وهو الرفع، وهو الرفع: هذا فيه نظر .. تخصيص ابن عقيل فيه نظر، لماذا؟ لما ذكرناه .. غَيْرُ نَصْبٍ: يصدق بالرفع وبالنصب لا على الاستثناء وبالخفض، وذلك إذا كان الكلام غير موجب، نحو: ما قام إلا زيدٌ القومُ، ولكن المختار نصبه، وعلم من تخصيصه ورود غير النصب بالنفي، أن الموجب يتعين فيه النصب كما ذكر هو، نحو: قام إلا زيداً القومُ. بقي النوع الثالث لأحوال (إلا) وهو: الاستثناء المُفرَّغ وهو: أن لا يُذْكر المستثنى منه، يُحذف من الكلام: ما قام إلا زيدٌ، فحينئذٍ (إلا) وجودها وعدمها سواء، إذا قلنا: هي الناصبة في مثل هذا التركيب (إلا) ملغاة، بمعنى: أنها لا عمل لها، فتقول: ما قام إلا زيدٌ، قام: فعل، وزيدٌ: فاعل، ما رأيت إلا زيداً، رأيتُ: فعل وفاعل، وزيداً: مفعول به، و (إلا) ملغاة، ما مررت إلا بزيدٍ، دخلت الباء على زيد و (إلا) ملغاة، هذا الاستثناء المُفرَّغ. وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ: بالتنوين، الأصل سَابِقٌ إلاَّ: مضافٌ ومضاف إليه، لكن نونه هنا من أجل الوزن، وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ، يُفَرَّغْ: هذا مُغيِّر الصيغة، سَابِقٌ: نائب فاعل، سَابِقٌ إلاَّ: إلاَّ قُصِد لفظه مفعول به لسابق، سَابِقٌ إلاَّ يعني: وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ من ذكر المستثنى منه؛ لأنه لا يتصور أن لا يتقدم عليه فعل هذا الأصل، فحينئذٍ: ما قام إلا زيدٌ، نقول: سابق (إلا) قد فُرِّغ وهو حذف المستثنى منه يعني: لم يذكر المستثنى منه، وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ من ذكر المستثنى منه لِمَا بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا .. عَدِمَا .. عُدِمَا يجوز فيه الوجهان.

لِمَا بَعْدُ: يُفَرَّغْ لما بعدُ يعني: بعد (إلا) إذاً: بَعْدُ وهذا مبنيٌ على الضم، وإذا أردنا كشفه وإرجاع المضاف إليه لما بعده أي: بعد (إلا) أو بعد السابق، جوزه بعضهم، إذاً: (لِمَا) نقول: هذا متعلق بقوله: يُفَرَّغْ، بَعْدُ: هذا صلة ما، يعني: للذي بعدُ، يَكُنْ السابق كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا، (مَا) هذه مصدرية، و (لَوِ) مصدرية، والمصدري لا يلي المصدري، فإما أن نقول: (ما) زائدة أو (لو) زائدة واحد منها، لأن (ما) مصدرية لا يتلوها حرف مصدري مثلها، حينئذٍ (ما) زائدة أو (لو) أصلية، (ما) أصلية (لو) زائدة واحد منها. (ما) هنا يجوز أن تكون مصدرية و (لو) زائدة، ويجوز العكس أي: يكن كعدم (إلا) كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا .. أي: يكن كما لو عُدم (إلا) يعني: كعَدم (إلا) أي: كذي عَدَمِ (إلا) في الحكم، يعني: لا في الوجود؛ لأنها ملفوظٌ بها، وإنما المراد به الحكم. وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ لِمَا بَعْدُ، يعني: لما بعد (إلا)، يَكُنْ لما بعد (إلا) وهو: الاستثناء من غير تمام، قسيم قوله سابقاً: مَا اسْتَثْنَتِ الاَّ مَعْ تَمَامٍ، يَكُنْ كَمَا، يكن أي: السابق، كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا، يعني: كعَدم إلا، فأجرِ ما بعدها على حسب ما يقتضيه حال ما قبله من إعرابٍ، ولا يكون هذا الاستثناء المفرَّغ إلا بعد نفيٍ أو شبهه؛ لأنه يمتنع أن يقال: قام إلا زيدٌ .. رأيتُ إلا زيداً هذا ممتنع في العادة، إذا قال: قام في الإيجاب، يعني: لماذا النحاة اشترطوا في الاستثناء المفرَّغ أن يكون بعد نفي، ولا يتصور وجوده في الإيجاب؟ إلا على رأي ابن الحاجب في مسائل مستثناة. لو قال قائل: قام إلا زيدٌ معناه: قام كل الناس إلا زيد، رأيت إلا زيداً يعني: رأيت جميع الناس إلا زيداً وهذا متعذر، ما يمكن أن يقال: رأيت كل الناس إلا زيداً، ولذلك اشترطوا أن يكون .. أن يصح الكلام ويصح الاستثناء، ولذلك ابن مالك شرط في حد الاستثناء: أن يكون مفيداً، فلو لم يكن مفيداً قال: لا يسمى: استثناءً، خرج عن لسان العرب، ومثَّل لذلك بقوله: قام القوم إلا ناساً، نقول: هذا ليس استثناءً؛ لأنه ليس فيه فائدة، قام القوم إلا رجلاً، قال: هذا ليس فيه فائدة، وإن كان نوزع في هذا. إذا استثني بـ (إلا) وكان الكلام غير تام: وهو الذي لم يُذكر فيه المستثنى منه، فلا عمل لـ (إلا) بل يكون الحكم عند وجودها مثله عند فقدها، ويسمى: استثناءً مفرَّغاً، وشرطه: كون الكلام غير إيجابٍ، بل يكون مسبوقاً بنفيٍ أو شبهه، ومنعوا وقوعه بعد الإيجاب لامتناع: ضربتُ إلا زيداً في مجرى العادة، إذ معناه: ضربتُ جميع الناس إلا زيداً، بخلاف: ما ضربتُ إلا زيداً، هذا فيه نفي وحصر، نفي الضرب عن غير زيد، هذا يمكن أن يقول: ما ضربت الناس، ما ضربتُ إلا زيداً يمكن، ما ضرب أحداً إلا زيداً، لكن: ضربت إلا زيداً، يعني: ضرب كل الناس ما ترك أحد إلا زيد، هذا بعيد! فجوِّز الأول دون الثاني: وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ لِمَا ... بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا

يَكُنْ كَعَدَمِ (إلاَّ) يعني: في الحكم كونها ناصبةً دون في الحكم والمعنى معاً، وهذا عند غير الكسائي، أما هو فيجيز النصب في نحو: ما قام إلا زيد، بناءً على مذهبه من جواز حذف الفاعل، يعني: الكسائي يجوِّز: ما قام إلا زيداً بالنصب، لأنه يرى كما سبق جواز حذف الفاعل. كَمَا لَوِ الاَّ: (إلاَّ) نائب فاعل، لأي شيء؟ .. كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا، لَوِ: هل يتلوها اسمٌ؟ فعل لا يتلوها الاسم، بل لا بد من فعلٍ صريح: ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)) [القلم:9] .. ((يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ)) [البقرة:96] صريح، فإن لم يكن حينئذٍ هي مثل (إنْ) الشرطية، و (إذا) الشرطية. إذاً: (إلاَّ) هنا نقول: نائب فاعل، إذا جعلنا عُدِمَا مغيِّر الصيغة فهو نائب فاعل دل عليه الفعل المذكور، وإذا قلنا: عَدِمَا كما ضبطه البعض، حينئذٍ صار الفاعل ضمير مستتر، وصار (إلاَّ) مفعولاً به. (إلاَّ) مرفوعٌ بفعل محذوف يفسره عُدِمَا، وهذا بناء على أن عُدِمَا لما لم يسم فاعله، أما على قراءته بالبناء للمعلوم والفاعل ضمير مستتر فيه يعود إلى السابق أو ما بعده، فـ (إلا) منصوبٌ على المفعولية لا مرفوعٌ على نيابة الفاعل. المفرَّغ مثل ماذا؟ جاء في القرآن؟ نعم، نفي نحو: ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)) [آل عمران:144] كذلك: ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)) [النور:54] وشبه النفي: ((وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)) [النساء:171]، الاستفهام الإنكاري: ((فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)) [الأحقاف:35] وهذا هو الاستثناء المفرَّغ ولا يقع في كلامٍ موجب، فلا تقل: ضربتُ إلا زيداً خلافاً لابن الحاجب له تفصيل: أن يكون ما بعد (إلا) فضلة، أن تحصل به فائدة .. إلى آخره، لكنه مرجوح، والصواب ما عليه الجمهور. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

61

عناصر الدرس * حكم (إلا) إذا تكررت للتوكيد * حكم (إلا) إذاتكررت لغير توكيد * حكم المستثنى بـ (غير) ـ * فائدة الفرق بين (إلا وغير) وأوجه نصب (غير) بين النحاة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد: سبقَ الحديثُ عن أحوال (إلا) من وجوب النصب، والحالة الثانية من رجحان الإتباع على النصب، الحالة الثالثة وهي التي أشار إليها بقوله: وَإِنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلاَّ لِمَا ... بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا أو عَدِمَا، يجوز فيه الوجهان، وهذا الاستثناء المفرغ، وهو أن يكون الكلامُ غيرَ تامٍ، يعني لا يذكر فيه المستثنى منه -يحذف-، ثم حينئذٍ تكون (إلا) مُلغاة وجودها وعدمها سواء، ثم يُسلَّط العامل ما قبلَ (إلا) على ما بعد (إلا) فيرفعُهُ فاعلاً إن كان يطلب فاعلاً، وينصبُه مفعولاً إن كان يطلبُ مفعولاً، ويجرّه بحرف جر ويدخلُ عليه مباشرة. النُّحاةُ حكموا بأنه يصحُّ التفريغُ لجميع المعمولات بالأصالة إلا المصدر المؤكَّد، فلا يجوزُ: ما ضربتُ إلا ضرباً، قالوا هذا لا يجوزُ، لماذا؟ لكونه مصدراً مؤكَّداً، هذا المشهور، وبعضهم زاد الحال والتمييز، وأما قوله تعالى: ((إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) [الجاثية:32] هذا مصدر مؤكَّد، كيف نقولُ لا يُفرَّغ العامل للمصدر المؤكَّد ثم نقول: يقول تعالى: ((إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) [الجاثية:32]؟ قالوا: هذا مؤول قيل التنوينُ للتعظيم، حينئذٍ يكون مُبيِّناً للنوع لا مؤكِّداً، ((إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) [الجاثية:32] ظناً عظيماً، حينئذٍ صارَ التنوين للتعظيم، إذا ًصار موصوفاً وإذا صار موصوفاً خرجَ عن كونه مصدراً مؤكِّداً، والمنع إنما يتحققّ أو يَنصَبُّ على المصدر المؤكَّد. وقيل (إلا) مؤخَّرة من تقديم والأصل وقوعُها قبل العامل، إن نحن إلا نظنُّ ظناً، إذن لم يكن من تفريغِ العامل للمصدر. وأما قوله تعالى: ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)) [التوبة:32] قيل هذا استثناء مُفرَّغ، وظاهرهُ إيجاب، وشرطُ الاستثناء المُفرَّغ أن يكونَ منفيِّاً، ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)) [التوبة:32] يقال: هذا ظاهره استثناء مفرغ وهو إيجاب، قالوا: كذلك هذا مُؤوَّل، لم يرد الله، ويأبى الله: أي لم يرد الله إلا أن يتمَّ نوره إذن الأصل في الاستثناء المفرغ أن يكون منفياً، وهذا قول جمهور النحاة، والعلَّةُ كما ذكرناها سابقاً، أنه يستحيلُ عادةً أن يقول: ضربتُ إلا زيداً، حينئذٍ يصدقُ الضرب على كل الناس إلا زيد، ورأيتُ إلا زيداً؛ يعني رأيت الناس كلهم إلا زيداً، وهذا محال أن يرى كلَّ الناس ويستثني زيداً، يمكن زيد أنه لم يراه، لكن كل الناس يراهم نقول هذا بعيد.

وذهبَ ابن الحاجب إلى أنه يصحُّ وقوع الاستثناء بعد الإيجاب بشرطين: أن يكون ما بعد إلا فضلة لا يكون عمدة، والثاني أن تحصلَ فائدة، كأن يكونُ المستثنى منه محصوراً في نفسه، وذلك كقولك: ذاكرتُ إلا يومَ الجمعة، فإن كان عُمدة نحو: حضرَ إلا زيد، هذا لا يجوز؛ لأنه عُمدة، والشرطُ أن يكون فضلة، أو لم تحصل فائدة نحو (ضربتُ إلا زيداً) لم يجز الاستثناء المفرغ، إذن جوَّزَ ابن الحاجب أن يكون الاستثناء المفرغ من إيجاب، لكن بشرطين، الأول: أن يكونَ فضلة لا يكون عمدة، "ما حضر إلا زيد"، أما "حضر إلا زيد" فلا يصحّ؛ لأن زيداً هذا عمدة، وكذلك أن تحصل به فائدة، "رأيتُ إلا زيداً" لم تحصل به فائدة، وسبقَ أن ابن مالك -رحمه الله- اشترطَ في صحة الاستثناء الباب كله من أصله أن يكون مُفيداً. فإن لم يكن مُفيداً نحو: ما حضر الناس إلا رجلا، أو ما حضر القوم إلا أُناساً، قال: هذا لا يجوز، لعدم فائدة، ونُوزِع في ذلك. إذن الاستثناء المفرَّغ يُشترَط فيه أولاً: أن يكونَ المستثنى منه محذوفاً لا يكون موجوداً في الكلام. ثانيا: أن يكون مَنفياً، فلا يتأتّى في الإيجاب؛ خلافاً لابن الحاجب، وما اشترطه فيه نظر، وأما ما جاء في ظاهر القرآن ((إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)) [الجاثية:32] ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)) هو مؤُوَّل على ما ذكرناه. قال -رحمه الله تعالى-: وَأَلْغِ إِلاَّ ذَاتَ تَوْكِيدٍ كَلاَ ... تَمْرُرْ بِهِمْ إِلاَّ اَلْفَتَى إِلاَّ اَلْعَلاَ وَأَلْغِ (إِلاَّ) هذا شروعٌ من الناظم في بيان ما إذا كُرِّرت (إلا)، الكلام السابق كله في ما إذا أُفرِدت (إلا)، يعني الكلام هنا كالكلام في: عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ ... مُفْرَدَةً جَاءَتْكَ أَوْ مُكَرَّرَهْ إذن لا النافية للجنس قد تكون مفردة، "لا رجلَ في الدار"، وقد تكون مُكرَّرة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، الكلام في (إلا) كذلك يعني قد تُكرَّر (إلا)، فيقال: "جاء القوم إلا زيداً إلا بكراً إلا عمراً إلا خالداً إلا محمداً"، هنا كُرِّرت (إلا) .. ما الحكم هنا؟ هل كله للاستثناء أم ثَم تفصيل؟ ما هو المستثنى ما الذي يجب نصبُه ما الذي يجب إتباعه أو يجوز إتباعه؟ هذا شروعٌ من الناظم في بيان (إلا) إذا كُرِّرت، (إلا) قد تُكرَّر لمجرد التوكيد، يعني لا يُقصد بها إلا مجرد التوكيد لا الاستثناء؛ لا الإخراج، حينئذٍ إذا كان الأمرُ كذلك فوجودُها وعدمُها سواء، ولذلك قال: وَأَلْغِ إِلاَّ من حيث ماذا؟ من حيث العمل ومن حيث الإخراج، يعني لفظاً ومعنى، عملاً ومعنى، حينئذٍ ليسَ لها فائدة، إلا مجرّد التوكيد كالحرف الزائد، وإن كان الحرف الزائد يعمل، لكن إلا هنا لا تعمل، ولذلك قال: وَأَلْغِ (إِلاَّ)، هذا فيه دليل واضح بيّن على أن الناظم يَرى أن (إلا) هي العاملة، هي عاملة النصب بخلاف ما يُنسَب إليه في هذا الكتاب بأنه يرى أن العامل هو الفعل بواسطة (إلا)، الصواب أنه قال وَأَلْغِ (إِلاَّ) بعدما قال: مَا اسْتَثْنَتِ (إِلاَّ) نسَبَ إليها الاستثناء، وهذا صحيح، وإذا كان الأمر كذلك حينئذٍ إذا أثّرت من جهة المعنى لزم من ذلك أن يكون العمل منسوباً إليها.

وَأَلْغِ (إِلاَّ): إلغاؤُها أن لا تنصب، وَأَلْغِ (إِلاَّ): إِلاَّ قُصِد لفظه، أَلْغِ هذا فعل أمر والفاعل ضمير مُستتر وجوباً تقديره أنت، و (إِلاَّ) قُصِد لفظه وهو مفعول به، أَلْغِ إِلاَّ يعني إلغاءها أن لا تنصب، وَأَلْغِ (إِلاَّ) ذَاتَ: بالنصب، دلَّ على أن (إلا) مفعول به منصوب، ونصبُهُ فتحة مُقدرة على أخره. ذَاتَ تَوْكِيدٍ، احترازاً من التأسيسية وهذا سيأتي ذكرها، ذات توكيد أي صاحبة توكيد حال من المفعول به وهو (إلا)، وهي التي يصح طرحُها والاستغناءُ عنها يعني لا تُؤثِّر في المعنى إذا حُذفت، جاء القومُ إلا زيداً إلا أخاك، هو زيد نفسه، لو قيل: جاء القوم إلا زيداً إلا أخاك، إلا زيداً أخاك، نقول وجود (إلا) وعدمها سواء من حيث الاستثناء. إذن: ذَاتَ تَوْكِيدٍ المراد به (إلا) المؤكِّدة هي التي يصحُّ طرحها والاستغناء عنها. وضابطُ هذا الباب أن يقال: إذا تلَتْ عاطِفاً بالواو خاصة، إذا تلتْ عاطِفاً إذا جاءت بعد حرف عطف، أو جاء ما بعدَها بدلاً، تلاها اسم مماثِل لما قبلها حينئذٍ يُعرَب بدلاً بأنواعه الأربعة، إذن: متى نحكم على (إلا) بأنها مؤكِّدة؟ نقول: في بابين اثنين، أولاً: التكرار يكون للتوكيد يأتي في العطف (بالواو) خاصة، تقول: قامَ القومُ إلا زيداً وإلا عمراً، (و) وإلا، جاءت (إلا) بعد (الواو)، حينئذٍ نقول: جاء القوم إلا زيداً، (إلا) هذا مُؤسِّسة، جيء بها للاستثناء، إلا زيداً، (و) حرف عطف، (إلا) مُلغاة، وزيداً معطوف على ما قبلَه، المعطوف على المنصوب منصوب، إذن بعد (الواو) خاصّة فإن أَطلقَ بعضُهم العطف فالمراد به (الواو) على جهة الخصوص. والثاني يأتي في البدل بأنواعه الأربعة؛ بدل كل من كل، بدل بعض من كل، بدل اشتمال وبدل غلط. حينئذٍ نقول: إذا جاء الاسم بعد (إلا) إما أن يكون مُماثِلاً لما قبل (إلا) كالمثال الذي ذكره الناظم: .......... كَلاَ ... تَمْرُرْ بِهِمْ إِلاَّ اَلْفَتَى إِلاَّ اَلْعَلاَ لاَ تَمْرُرْ بِهِمْ: الاستثناء هنا تام منفي، لاَ تَمْرُرْ: شبهُ نهي، (إِلاَّ) هذه أداة استثناء مُؤسِّسة على بابها على أصلها، اَلْفَتَى هذا مستثنى من الضمير (الهاء)، ما حكمه؟ يجوزُ فيه الوجهان والإتباع أرجحُ، الإتباع هنا يكون بالجر، بِهِمْ إِلاَّ اَلْفَتَى، إذن الكسرة مُقدّرة تكون، إِلاَّ اَلْعَلاَ، العلا وصفٌ له، إلا الفتى العلا، فنقول العلا هذا هو نفسه ما قبل (إلا)، اسم مماثل له، نفسه، لكن وصف له، حينئذٍ نقولُ: اَلْعَلاَ هذا يُعتبَر بدل كل من كل، و (إِلاَّ) ملغاة؛ لأنها جيء بها مُؤكِّدة فحسب، ليس لها معنى تأسيسي بمعنى استثناء بعد استثناء، وإنما المراد به - (إلا) - المراد به التأكيد فحسب. مثال بدل الكل من الكل: لاَ تَمْرُرْ بِهِمْ إِلاَّ اَلْفَتَى إِلاَّ اَلْعَلاَ. والأصلُ لا تَمرُر بهم إلا الفتى العلا، بحذف (إلا)، فالعلا بدلٌ من الفتى وكُرِّرت (إلا) توكيداً، ومثال بدل البعض من الكل: ما أعجبني أحدٌ إلا زيدٌ إلا وجهه، إلا زيدٌ وجهُه بدل بعض من كل؛ لأن الوجهَ بعض من زيد، ما أعجبني أحدٌ إلا زيدٌ إلا وجهُهُ، إلا زيدٌ هذا على الإتباع وهو أرجح، إلا وجهُهُ نقول: هذا بدل بعض من كل.

ولو أُلغيت (إلا)، كـ "ما أعجبني أحد إلا زيدٌ وجهُهُ" فالمعنى صحيح ثابت. ومثال بدل الاشتمال "ما سرّني أحد إلا زيدٌ إلا أدبُه إلا علمُه إلا خلقُه"، ما سرّني أحد إلا زيدٌ، إلا زيداً، بدل أو النصب؟ النصبَ على الاستثناء ويجوز فيه الإتباع، إلا أدبه، (إلا) هذه مُؤكِّدة وجودُها وعدمُها سواء، يعني لم تُفد تأسيساً؛ لم تُفد استثناءً بعد استثناء، حينئذٍ نقول: هي مُؤكِّدة، وما بعدها: اشتمال مما قبله. "ما سرّني أحدٌ إلا زيدٌ أدبُهُ"، كما تقول "أعجبني زيدٌ علمُه"، علمُه: بدل اشتمال مما قبله، ومثالُ بدلِ الغلط "ما أعجبني إلا زيدٌ إلا عمروٌ" غَلِط، عمرٌو زيدٌ هذا بدل غلط، حينئذٍ نقولُ ما أعجبني إلا زيد، زيد: فاعل، ما أعجبني إلا زيد، إلا عمرو، (إلا) مُلغاة، وعمرو بدل غلط مما سبقَ، سيأتي بدل الغلط هل هو من فصيح الكلام أولا؟ قيل أنه من اصطناع النحاة، لو قيل "ما أعجبني أحد إلا زيد إلا عمر"، ما أعجبني أحدٌ إلا زيد، زيد: مُستثنى من السابق حينئذٍ نقولُ الوجهُ إعرابه بدل بعض من كل، "ما أعجبني أحد إلا زيد، عمرو" (إلا) عمرو، (إلا) مُلغاة وعمرو هذا بدل غلط مما سبق. وَأَلْغِ إلاَّ يعني لا تنصب، ذَاتَ تَوْكِيدٍ، يعني صاحبة توكيد، تقوية، التوكيد في اللغة من إثبات الشيء بقوة، وهذا سبقَ معنا، التوكيد بمعنى التقوية. كَلاَ تَمْرُرْ بِهِمْ إِلاَّ اَلْفَتَى: هذا مُستثنى من الضمير المجرور (بالباء)، (إِلاَّ) زائدة لمجرّد التأكيد، اَلْعَلاَ: بدل كل من الفتى، والتقدير إلا الفتى العلا، وهذا مماثِل لما قبلَها. إذن نقول: ضابطُ (إلا) التوكيدية أنها تأتي في بابين اثنين فحسب، وذلك إذا سبقَها (واو)، قامَ القومُ إلا زيداًَ وإلا عمرواً، نقول (إلا) هذه مُلغاة للتأكيد. ثانيا: تأتي في باب البدل بأنواعه الأربعة: بدل كل، بدل بعض، بدل اشتمال، بدل غلط. قال الشارح: وَأَلْغِ إلاَّ ذَاتَ، إذا كُرِّرت إلا لقصد التوكيد لم تؤثّر فيما دخلت عليه شيئا؛ لا من جهة المعنى ولا من جهة الإعراب، كيف من جهة المعنى ونحن نقول تفيدُ التوكيد؟ لم تؤثّر فيه شيئاً، المعنى الذي جِيء بها في هذا الباب هو إفادة الاستثناء وهو الإخراج، حينئذٍ هل أفادت هذا المعنى؟ الجواب: لا، إذا لم تُفد حينئذٍ العرب لا تزيد حرفاً واحداً، ليس كلمة إلا، لا تزيد حرفاً واحداً إلا لمعنى، ولذلك القاعدة المشهورة: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالباً، وهذا واضح بين، إذا كان حرف واحد، ولذلك نقولُ في البسملة: رحمن أبلغ من رحيم لماذا؟ لأن "رحمان" على خمسة أحرف، فعلان يدلُّ على الامتلاء، كغضبان وشبعان، ورحيم هذا على أربعة أحرف، فعيل. إذن زيادة المبنى تدلُّ على زيادة المعنى؛ فكيف بـ (إلا) وهي كلمة مُستقلّة، فالأصل في وضعها في هذا الباب أن تُفيدَ الإخراج، وهو الاستثناء، إذا لم تُستعمَل في هذا المعنى، حينئذٍ لا شك أنها استُعمِلت في معنى؛ لأنه لا يقول دخولها وخروجها من حيث المعنى واحد لا، لا يقولون هذا، وإنما المراد دخولها وخروجها من حيث الاستثناء لا من حيث مُطلق المعنى، هذا يلتبسُ على الطلاب، وإذا جاءت مسألة الحرف الزائد في القرآن أقاموا الدنيا.

نقول: مُطلق المعنى ليس منفياً، وإنما المنفي المعنى الخاص باللفظ، وأما مُطلق المعنى هذا يشملُ التوكيد، والمعروف أن القاعدة أن العربَ لا تزيد شيئاً سواء كان اسماً أو حرفاً إلا لفائدة، وهذه الفائدة ليست هي التي وضع لها هذا اللفظ في لسان العرب، وإنما فائدة التوكيد والاستثناء هذا واضح بين، دائماً تقول ما قامَ القومُ إلا زيداً، ثم تقول قام القوم إلا زيداً إلا العلا، العلا هذا استثناء، لا استثناء هنا، ما وجه الاستثناء؟ ليس فيه استثناء "قام القوم إلا زيداً إلا وجهه"، كيف هذا؟ نقول هذا: بدل بعض من كل، حينئذٍ نقول لم تُؤثّر فيما دخلت عليه شيئاً معنى الاستثناء الذي وضعت له في هذا الباب أصالة، والعملُ الذي هو النصب، ولذلك بعضهم قال: ذَاتَ تَوْكِيدٍ، إلغاؤها أن لا تنصبَ، وإذا لم تنصب حينئذٍ خرجت عن أصلها، ولم تُفِد غير توكيد الأولى، وهذا معنى إلغاءها، وهذا واضح، وذلك في البدل والعطف، أطلقَ الناظم هنا البدل والعطف، الصواب أن يُقالَ في البدل بأنواعه الأربعة وفي العطف بـ (الواو) خاصّة لا غير، هذا ما عليه النحاة، نحو "ما مررتُ بأحد إلا زيدٍ إلا أخيك"، أخيك: بدل من زيد، بدل كل من كل. لو حذفتَ (إلا) قلت: "ما مررتُ بأحدٍ إلا زيدٍ أخيك"، فأخيك: بدل من زيد؛ بدل كل من كل، ولم تُؤثِّر إلا شيئاً، يعني لم تُفِد فيه استثناء مستقلاً، هذا المراد، وكأنك قلتَ ما مررتُ بأحد إلا زيدٍ أخيك، ومثلُهُ كلام الناظم -رحمه الله تعالى-، وأما العطفُ كقوله "قامَ القوم إلا زيداً وإلا عمراً"، (إلا) هذه مُلغاة، والأصل إلا زيداً وعمراً، (و) بحرف العطف (الواو)، ثم كُرِّرت (إلا) توكيداً، ومنه قول الشاعر: هَل الدَّهرُ إِلاَّ لَيْلَةٌ وَنَهَارُهَا ... وَإِلاَّ طُلُوعُ الشَّمسِ ثُمَّ غِيارُهَا إِلاَّ لَيْلَةٌ وَنَهَارُها وَطُلُوعُ الشَّمسِ .. هذا الأصل، نحكمُ على (إلا) بكونها زائدة؛ لأن (الواو) سبقتها، نحكم على (إلا) بكونها ملغاة من حيث المعنى ومن حيث العمل، لسبقِها بـ (الواو)، والأصل طلوع الشمس، وكُرِّرت إلا توكيداً، ودخول (إلا) هنا ليس خاصّاً بنوعٍ من الأنواع السابقة، بل قد يدخلُ الاستثناء التام الموجب، والاستثناء المنفي والمنفصل والمنقطِع والمفرَّغ، كل ما سبقَ يصحُّ دخول (إلا) التي هي للتوكيد. وَأَلْغِ إِلاَّ ذَاتَ تَوْكِيدٍ كَلاَ تَمْرُرْ، نقول هذه الأحكام لا تختصُّ بنوع من أنواع الاستثناء بل تقع في الاستثناء في المتصل وفي المنقطع وفي المفرغ، فـ (إلا) التي للتوكيد لا تُفيدُ استثناء، وإنما جِيءَ بها للتوكيد فقط وضابطُها أن يكون ما بعدها بدلاً مما قبلَها، أو تتلو عاطفاً، وذلك بخصوص (الواو) على جهة الخصوص، وقد اجتمعَ تكرارُها في البدل والعطف في قوله: مَالَكَ مِن شَيخِكَ إِلاَّ عَمَلُهُ ... إِلاَّ رَسِيمُهُ وَإِلاَّ رَمَلُهْ

مَالَكَ مِن شَيخِكَ، قيل المراد به الجَمَل، أكثرهم على أنه الجَمَل، إِلاَّ عَمَلُهُ إلاَّ رَسِيمُهُ هذا بدل من عَمَلُهُ، وَإِلاَّ رَمَلُهْ جاءت (الواو) قبل (إلا)، حينئذٍ نقول هذا (إلا) حرف توكيد وهي مُلغاة، يعني لم تُفِد إلا التوكيد فحسب، لم تُفِد شيئاً من جهة الاستثناء –المعنى- ومن جهة العمل، والأصلُ إلا عملُه رسيمه ورملُه، فرسيمُه: بدل من عمله ورمله: معطوف على رسيمه، (إلا): كُرِّرت إلا للتوكيد. وَإِنْ تُكَرَّرْ: إذن تُكرَّر إلا للتوكيد، وعرفنا ضابطها، وَإِنْ تُكَرَّرْ لاَ لِتَوكِيدٍ .. ما الذي يقابل التوكيد؟ التأسيس، التأسيس معناهُ هنا أنها جاءت للمعنى الذي وُضِعت له في هذا الباب، وهو الاستثناء، إذا جِيءَ بها من أجل الإخراج، حينئذٍ جِيء بها في المعنى الذي وضعت له، حينئذٍ تقتضي ماذا؟ العمل أو لا؟ لا بدّ من العمل، إذن لا بد أن نُبقيها على أصلها. وَإِنْ تُكَرَّرْ (لاَ) لتأسيس لا لتوكيدٍ، وَإِنْ تُكَرَّرْ لاَ لِتَوكِيدٍ، (لا) هنا حرف عطف، أين المعطوف عليه؟ محذوف، وَإِنْ تُكَرَّرْ إلا لتأسيس لا لتوكيد، إذن القسمة ثنائية، فقوله: (لا) عطف على محذوف، أي لتأسيس لا لتوكيدٍ، حينئذٍ إما أن يكونَ الاستثناء مُفرَّغ أو لا. ........... فَمَعْ ... تَفْرِيغٍ التَّأْثِيرَ بِالْعَامِلِ دَعْ فِي وَاحِدٍ مِمَّا بِإِلاَّ اسْتُثْنِي ... وَلَيْسَ عَنْ نَصْبِ سِوَاهُ مُغْنيِ الحاصل أنه إذا كان الاستثناء مُفرّغ مثل "ما قام إلا زيدٌ إلا عمراً إلا بكراً إلا خالداً"، قال: فمع تفريغٍ دع التأثير بالعامل في واحدٍ مما استُثني بـ (إلا)، العامل يطلبُ ماذا؟ قلنا: يطلبُ ما بعد إلا إن كان طالباً للفاعل رفعه، وإن كان طالباً لمفعول به نصبَه، وإن كان طالباً لمجرور جرَّه، وهذا يطلبُ واحداً فقط، فحينئذٍ إذا تكرَّرَ الاستثناء وكُرِّرت (إلا) للتأسيس أعطينا العامل حقّه، ثم نصبنا الباقي على الأصل، فنقولُ "ما قام إلا زيدٌ"، بالرفع، إلا بكراً، إلا خالداً، إلى ما شئتَ، فننصِبُ الثاني والثالث، ونرفعُ الأول، وهل الرفعُ خاصٌّ بالأول أم إن الحكم مطلق؟ قال: فِي وَاحِدٍ، ما حدّدَهُ هل هو الأول أم الثاني أم الثالث، أنت مُخيَّر والأول أولى، ما قام إلا زيدٌ، إلا عمراً، إلا بكرًا، ما قام إلا زيدًا، إلا عمرٌو، إلا بكراً، ما قام إلا زيدًا، إلا عمرًا، إلا بكرٌ، أنت مُخيَّر. دعِ التأثيرَ للعامل في واحد والباقي تنصبُهُ على الأصل؛ لأن (إلا) ناصبه، فَمَعْ تَفْرِيغٍ التَّأْثِيرَ بِالْعَامِلِ دَعْ، فَمَعْ (الفاء) هذه واقعة في جواب الشرط وَإِنْ تُكَرَّرْ، فَمَعْ تَفْرِيغٍ (مَعْ) هذا ظرف وهو مضاف وتَفْرِيغٍ مضاف إليه، مُتعلِّق بقوله دَعْ يعني اترك، فَمَعْ تَفْرِيغٍ .. وَإِنْ تُكَرَّرْ لاَ لِتَوكِيدٍ فدعِ التأثيرَ بالعامل في واحدٍ مما استُثني بـ (إلا)؛ لأن المستثني بـ (إلا) عندك ثلاث مثلاً حينئذٍ تتركُ العمل .. عمل العامل لواحد منها، والباقي:

وَلَيْسَ عَنْ نَصْبِ سِوَاهُ مُغْنيِ، وَلَيْسَ، الواحد الذي رُفِع أو نُصِب على أنه مفعول، أو جُرّ .. ليس مغنياً عن نصب سواه، بل يُنصَب السوى الذي هو سوى ذلك الواحد الذي أشغلتَ به العامل. إذن: فَمَعْ تَفْرِيغٍ التَّأْثِيرَ، التَّأْثِيرَ هذا بالنصبِ مفعول مُقدّم لـ دَعْ، بِالْعَامِلِ، دَعْ: أي اتركه باقياً في واحدٍ مما استُثني بـ (إلا) هذا صفة لواحد، (ما) هذه موصولة واقعة على المستثنَيات، مما استُثني بـ (إلا) صلة (ما)، وَلَيْسَ ذلك الواحد عَنْ نَصْبِ سِوَاهُ، أي سوى ذلك الواحد الذي شغلتَ به العامل، مُغْنِي أصله مُغنيا، فوُقف عليها على لغة ربيعة، فلذا جعلناه خبرا لليس، ليسَ هو أي ذلك الواحد مُغنياً عن نصب سواه. ولك أن تجعل " مُغْنِي" اسم ليس، وليس مُغنٍ عن نصب سواه موجود، وهذا الأول أولى، أن تجعل مُغنيا هذا خبر ليس، واسمُ ليس ضميرٌ مستتر يعودُ على واحد على الواحد. دَعْ إي اتركه باقياً في واحدٍ، دلَّ على أن ترك العمل بـ (إلا) ليس مخصوصا بواحدٍ دون واحد، بل يجوزُ إلغاء (إلا) في الأول دون الثاني والثالث، وفي الثاني دون الأول والثالث، وفي الثالث دون الأول والثاني، كما ذكرناه من الأمثلة السابقة. مِمَّا بِـ (إِلاَّ) اسْتُثْنِي ... وَلَيْسَ عَنْ نَصْبِ سِوَاهُ مُغْنِي قوله: بِالْعَامِلِ ما المراد بالعامل هنا؟ هذا وقعَ فيه نزاع بين الشراح، هل المراد به العامل المفرَّغ الذي يكون قبل (إلا) أو المراد به (إلا) نفسُها؟ هذا محتمِل، بالعامل المفرّغ الذي هو الفعل مثلاً قبل (إلا)، أو المراد بالعامل هنا (إلا) نفسها؟ هذا يحتمل حمل العامل على ما قبل (إلا)، ما قامَ إلا زيدٌ، قام، هو الذي اقتضى رفعَ زيد أو (إلا) نفسها؟ بحملِ العامل على ما قبل (إلا)، وحمله المرادي على (إلا). أي اترك تأثيرَ إلا النصبَ في واحدٍ -وهذا فيه نوع تكلّف-، أي اترك تأثير (إلا) النصب في واحدٍ أي لا تجعلها مُؤثِّرة في واحد. ويؤيِّد الأول قوله: مِمَّا بِـ (إِلاَّ)، إذ لو كان العامل هو (إلا)، لكان القياس أن يقول: مما به. ويُؤيِّد الثاني عدمَ إحواجه إلى تقديره في دع، لأن دع هذا جعلَه ابن عقيل بمعنى اجعل، وهذا لا يُعرَف في لسان العرب. وعليه قولُهُ: فِي وَاحِدٍ، المراد اترك التأثيرَ في واحد، واجعله مؤثّراً في البقية، هذا إن أُريد بالعامل ما قبل (إلا)، فإن أُرِيد به (إلا) كان الكلام على ظاهره، أي اترك تأثير (إلا) النصب في واحدٍ، أي لا تجعلها مؤثّرة النصب في واحد واجعلها مؤثرة النصب في البقية. إذن ثَم خلاف في تفسير العامل، والظاهر أن المراد به ما قبل (إلا). وَإِنْ تُكَرَّرْ (لاَ) لِتَوكِيدٍ فَمَعْ ... تَفْرِيغٍ التَّأْثِيرَ بِالْعَامِلِ دَعْ يعني اتركه باقياً فِي وَاحِدٍ مِمَّا بِـ (إِلاَّ) اسْتُثْنِي ... وَلَيْسَ عَنْ نَصْبِ سِوَاهُ مُغْنِي يعني أن ما سوى المستثنى الذي تُلغى (إلا) معه يُنصب، ونصبه بالعامل الذي هو (إلا)، وعلى هذا الوجه حملَهُ المرادي-حمل العامل-، وحمله ابن عقيل على أنه العامل الذي قبل (إلا) وجعل (دع) بمعنى (اجعل).

قال المكّودي: وما ذكره المرادي أصوب؛ لأن فيه التنبيه على أن (إلا) هي العامل في المستثنى، وهذا قد صرّحَ به الناظم كما سبق معنا، وأيضاً أن ما قبل (إلا) قد لا يكون عاملاً في نحو "ما في الدار إلا زيدٌ إلا بكرٌ إلا عمروٌ"، حينئذٍ نقول أين العامل الذي قبل (إلا)؟ وجعلُ "دع" بمعنى "اجعل" غير معهود في اللغة، وإنما "دَع" بمعنى "اترك"، قال ابن عقيل: وإذا كُرّرت (إلا) لغير توكيد وهي التي يُقصد بها ما يُقصد بما قبلها من الاستثناء، يعني استثناء بعد استثناء، إذا كُرِّرت (إلا) فالمراد حينئذٍ بها استثناء بعد استثناء، وذلك في غير بابي العطف والبدل، ولو أُسقِطت لما فُهم ذلك، فلا يخلو إما أن يكون الاستثناء مُفرغاً أو غير مفرَّغ، فإن كان مفرَّغاً شغلتَ العامل بواحدٍ ونصبتَ الباقي، إذا كان العامل الذي قبل (إلا) مفرَّغاً تركتَه يؤثَّرُ في واحد من المستثنيات، ونصبتَ ما عدا ذلك الواحد ولا يتعيَّنُ الأول بل يترجَّح، ما قام إلا زيدٌ إلا عمراً إلا بكراً، ما قام (إلا) زيدٌ، ما قبل (إلا) وهو قامَ هذا يحتاج إلى فاعل، حينئذٍ تعطيه واحداً من هذه الثلاثة؛ إما الأول وإما الثاني وإما الثالث، أنت بالخيار، والأول أولى؛ لأنه قريب من العامل، ما قام إلا زيدٌ، ثم الباقي ماذا تصنع فيه؟ تنصبُهُ على الاستثناء، وحكمُ النصب واجب، فتقول: ما قام إلا زيدٌ بالرفع على أنه فاعل، إلا بكراً إلا عمراً، فهو واجب، ويصحُّ أن تنصب الأول وترفع الثاني تقول: ما قام إلا زيداً إلا عمروٌ إلا بكراً، ويصحَّ أن تنصب الأول والثاني وترفع الثالث، فتقول: ما قامَ إلا زيداً إلا عمراً إلا بكرٌ. ولا يتعيّنُ واحد منها بشغل العامل، بل أيَّها شئتَ شغلتَ العامل به ونصبت الباقي، وإن كان غير مُفرَّغ، استثناء غير مفرغ، فالذي أشار إليه في الأبيات الآتية: وَدُونَ تَفْرِيغٍ مَعَ التَّقَدُّمِ ... نَصْبَ الْجَمِيعِ احْكُمْ بِهِ والْتَزِمِ وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ وَجِيءْ بِوَاحِدِ ... مِنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ دُونَ زَائِدِ كَلَمْ يَفُوا إِلاَّ امْرُؤٌ إِلاَّ عَلِي ... وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ وَدُونَ تَفْرِيغٍ، يعني إذا لم يكن الاستثناءُ مفرَّغاً، دُونَ تَفْرِيغٍ هذا ظرف متعلّق بقوله احْكُمْ بِهِ دون تفريغ، إذا كان الاشتغالُ يجري في الظرف حينئذٍ يكون هذا منصوباً على الاشتغال. وَدُونَ تَفْرِيغٍ، (وَدُونَ) مضاف وتَفْرِيغٍ مضاف إليه، وَدُونَ تَفْرِيغٍ إذا كان غير مفرّغ، حينئذٍ إما أن يكون الاستثناء مُقدّماً أو مُؤخّراً لا يخلو من أحد حالين؛ إما أن يكون مقدَّما وإما أن يكون مؤخَّرا. قال: مَعَ التَّقَدُّمِ نَصْبَ الْجَمِيعِ احْكُمْ بِهِ، "قام إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً القومُ"، سبقَ معنا "قام إلا زيداً القومُ" واجبُ النصب، لعموم قوله: مَا اسْتَثْنَتِ (الاَّ) مَعْ تَمَامٍ يَنْتَصِبْ، إذن "قامَ إلا زيداً القومُ" واجبُ النصب، لو كُررت (إلا) في مثل هذا المقام؟

وجبَ النصب كذلك؛ سواء تعدّدَ الاستثناء أم لا، إذا توسَّطَ بين العامل والمستثنى منه، بمعنى أنه تقدَّمَ على المستثنى منه وجبَ النصب في الجميع، لا نقول كما قلنا في المفرّغ، نقول لا، "قام إلا زيداً إلا بكراً إلا عمراً القومُ"، تعينَ النصب، ولذلك قال: مَعَ التَّقَدُّمِ يعني تقدم المستثنى على المستثنى منه نَصْبَ الْجَمِيعِ على ماذا؟ على الاستثناء، نَصْبَ الْجَمِيعِ احْكُمْ بِهِ. زيداً مررتُ به مثله. (نَصْبَ الْجَمِيعِ) نَصْبَ هذا مفعول به لفعل محذوف وجوباً من باب الاشتغال، تقديره امضِ نصباً، لكن احكم نصباً لا يأتي، مثل جاوزتُ زيداً مررتُ به، نَصْبَ الْجَمِيعِ احْكُمْ بِهِ؛ لأن الإمضاء والحكم متقاربان. (نَصْبَ الْجَمِيعِ) هذا منصوب على الاشتغال أي امضِ نصبا، نَصْبَ الْجَمِيعِ على الاستثناء احْكُمْ بِهِ والْتَزِمِ، احْكُمْ بِهِ: (به) يعني نصب الجميع، والْتَزِمِ دلَّ على أن النصب واجب، ولماذا عطفَ والْتَزِمِ على احْكُمْ؟ لأن الحكمَ قد يكون واجباً وقد يكون جائزاً، إذن لم يتعيَّن للوجوب فهو مُحتمِل، وإذا كان محتمِلاً حينئذٍ لا بد من قرينة تدلُّ على أن المراد به الوجوب، فقال: والْتَزِمِ يعني التزم ذلك النصب ولا يجوز العدول عنه، فدلَّ على أن قوله: احْكُمْ بِهِ المراد به الوجوب، "قامَ إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً القومُ"، "ما قامَ إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً القومُ"، هذان مثالان لأي شيء؟ تنوعُ الأمثلة هنا .. "قام إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً القومُ"، مشوار طويل، "ما قام إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً القومُ"، إذن في النوعين، إذا لم يكن مُفرَّغا وتقدَّمَ المستثنى، -مُستثنيات تقدَّمت- على مُستثنى منه وجبَ النصب للجميع سواء كان الاستثناء موجباً أم لا. وَدُونَ تَفْرِيغٍ مَعَ التَّقَدُّمِ على المستثنى منه، نَصْبَ الْجَمِيعِ على الاستثناء امضِ، نَصْبَ الْجَمِيعِ على الاستثناء احْكُمْ بِهِ، قد يكون واجباً قد يكون جائزاً ثم عيّنَ الوجوب بقوله: والْتَزِمِ، والمثال ما ذكرناه. الاستثناء التامّ إذا تكرّرت فيه (إلا) لغير توكيد وكان المستثنى مقدّماً على المستثنى منه، مُستثنَيات يعني، نُصِبَ الجميع على الاستثناء. ثم قال: وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ، هذا جاءَ تفصيل في الموجَب والمنفي، وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ، أما في الإيجاب فمُطلَقاً، أي في جميعها، نحو "قامَ القومُ إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً، هذا متى؟ في الإيجاب إذا تأخَّرَ، في المتقدِّم لا تفصيلَ بين إيجاب وغيره وجبَ النصبُ مطلقاً. وَدُونَ تَفْرِيغٍ، نقول: إذا لم يكن مُفرَّغاً حينئذٍ إما أن تتقدَّمَ المستثنيات أو تتأخَّر، إما أن تتقدَّم على المستثنى منه أو تتأخَّر، إذا تقدَّمت النصب واجب بدون تفصيل مُوجَب أو لا، قام: موجَب، "إلا زيداً إلا عمراً القومُ"، (ما) هذا منفي "ما قامَ إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً القومُ".

إذا تأخَّر، "قامَ القومُ إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً" في الإيجاب كالمتقدّم، يعني يجبُ فيه النصب، إذا كان مُوجباً وتأخَّرت المستثنيات عن المستثنى منه وجبَ النصب، نَصْبَ الْجَمِيعِ احْكُمْ بِهِ والْتَزِمِ، ولذلك قال: وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ مُطلَقاً في الإيجاب. بقي المنفي، المنفي فيه تفصيل، التفصيل سيأتي في المنفي، وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ: (اللام) هنا بمعنى (مع)، يعني وانصب مع تأخير، والنصبُ واجب، وانصب وجوباً، لذلك جاء بصيغة افْعَل، وانصب وجوبا لِتَأْخِيرٍ يعني مع تأخير عنه .. عن المستثنى منه. أما في الإيجاب فمُطلقاً، يعني في جميعها .. جميع المستثنيات، تقول: قام القومُ إلا زيداً إلا بكراً إلا عمراً، واجب لأنه مستثنى تعدَّدت فيه المستثنيات وهو تامّ موجَب. وأما في غير الإيجاب فكذلك ولكن جِيءْ بِوَاحِدٍ منها، إذن " جِيءْ بِوَاحِدٍ" هذا تفصيل في المنفي بدليل قوله: " كَلَمْ يَفُوا"، وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ هذا يشمل النوعين: الإيجاب مُطلقاً بدون تفصيل، وأما المنفي فالذي عناهُ بقوله: جِيءْ بِوَاحِدٍ .. هذا نقولُ في المنفي بدليل المثال؛ لأنّ ابن مالك -رحمه الله- يُعطي الأحكام بالأمثلة، كَلَم يَفُوا إذن هذا (الواو) مذكورة مُستثنى منه؛ حينئذٍ صار كلاماً تاماً منفياً. وَجِيءْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ دُونَ زَائِدِ يعني إذا كان غيرَ مُوجَبٍ عُومِل واحد منها بدون تعيين كالمفرَّغ هناك؛ سواء كان الأول أو الثاني أول الثالث، بما كان يُعامَل به لو لم يتكرَّر الاستثناء، يعني تنظر إليه بنظرين، استثناءٌ غير مُكرَّر، ماذا تصنع فيه، إذا لم تُكرَّر (إلا) ماذا تقول؟ "ما قام القومُ إلا زيداً، إلا زيدٌ"-بالنوعين- "ما قام القومُ إلا زيداً إلا زيدٌ"، هذه حالة واحدة، إذن تُعامِل زيد هنا بالوجهين، لو كرَّرت "إلا زيداً إلا بكراً إلا عمراً"، اختر واحداً من هذه الثلاثة عامله بما لو لم تُكرر (إلا) فتعطيه الوجهين، سواء كان الأول أو الثاني أو الثالث، ما قام القوم إلا زيدٌ إلا بكراً إلا عمراً، رفعنا الأول لماذا؟ لأنه لو لم تتكرَّر (إلا) لجازَ فيه الإتباع وهو أرجح، طيب، ما قامَ القومُ إلا زيداً إلا بكراً إلا عمراً، زيداً: منصوب على الاستثناء، وإلا بكراً وإلا عمراً: منصوب على الاستثناء؛ أيهما واجب وأيهما جائز؟ إذن كلها منصوبة إلا أن الأول جائز النصب، لماذا؟ لأنه لو لم تُكرَّر (إلا) لكان الإتباع أولى وأرجح، إذن "ما قامَ القومُ إلا زيداً"، هذا منصوب، لكنه جائز النصب، إلا بكراً إلا عمراً: منصوبان لكنهما واجبا النصب. إذن أُعطِي واحدٌ منها ما يُعطاه لو انفردَ، ونُصِب ما عداه، ولا يتعينُ الأول لجواز الوجهين بل يترجَّح، انظر البيت: وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ وَجِيءْ بِوَاحِدٍ، فُهِم منه أن الواحد الذي يُجاء به يجوزُ أن يكون الأول أو الثاني أو الثالث، والأول أولى، لماذا؟

لقربه من العامل، هذا أولى لئلا يفصل بينه وبين عامله، وَجِيءْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا أي من المستثنيات المتأخِّرة في الكلام التام غيرِ الموجَب، وَجِيءْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا صفة لواحد .. مِنْهَا جارّ ومجرور متعلِّق بمحذوف صفة لواحد، وَجِيءْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا مُعرباً بما يقتضيه الحال، يعني قد يكونُ مرفوعاً وقد يكون منصوباً على الاستثناء، لكنه ليسَ بواجب النصب. كَمَا لَوْ كَانَ دُونَ زَائِدِ، كَمَا لَوْ (مَا) كافة، و (لَوْ) مصدرية، وهي على حذف مضاف، أي كحال، والتقدير: وَجِيءْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كحال وجودِه دون زائد عليه، دون زائد عليه يعني لم تُكرَّر (إلاَّ)، كأنه قِيل: ما قام إلا زيدٌ .. إلا زيداً .. جازَ فيه الوجهان، وَجِيءْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، يعني مُعرباً بما يقتضيه الحال، كَمَا لَوْ هذا حال من وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ كَانَ، (كَانَ) هذه تامة وفاعلها ضمير مستتر أي الواحد، دُونَ زَائِدِ، يعني هذا حال مِن فاعل كَانَ، دون زائد عليه ففي الاتصال تُبدِل واحداً على الراجح وتَنصِب ما عداه، ففي الاتصال تُبدِل واحداً على الراجح مع جواز النصب، وتنصب ما عداه، كَلَم يَفُوا إِلاَّ امْرُؤٌ إِلاَّ عَلِي، إلا علياً وقفَ عليه بلغة ربيعة، كَلَمْ يَفُوا إِلاَّ امْرَأً إِلاَّ عَلِي يجوز، إن رفعتَ الأول صار الثاني موقوفاً عليه بالسكون على لغة ربيعة، تَقِف على المنصوب بالسكون، وإذا نَصبتَ الأول كَلَم يَفُوا إِلاَّ امْرُؤٌ؛ لأنه يجوزُ أن تنصب الأول أو الثاني، قلنا: بِوَاحِدٍ لم يحدِّد، حينئذٍ إذا نَصبتَ الأول صار الثاني مرفوعاً على البدلية، فـ لَمْ يَفُوا، (الواو) هذه مُستثنى منه، إذن هو كلام تامّ منفي كَلَم يَفُوا، يَفُوا أصلها يُوفِئًون يُفعِلُون، حُذفت النون للجازم و (الواو) لوقوعها بين عدوتيها (الياء) و (الكسرة) فصار يَفْيُوا، نُقِلت ضمة (الياء) إلا (الفاء) بعد سلبِ حركتها ثم حُذفت (الياء) لالتقاء الساكنين، و (الواو) هذه واو الجماعة فاعل وهو مستثنى منه، إِلاَّ امْرُؤٌ هذا بدل بعض من كل، إلا علياً إلا بكراً بالنصب. إذن في الكلام التام غير الموجب تُعطي واحداً منها كما لو لم يكن التكرار موجوداً، كأنّ (إلا) لم تزد لم تتكرَّر، حينئذٍ إذا كان الاستثناء مُتصلاً جازَ فيه الوجهان، وإذا كان مُنقطِعاً حينئذٍ وجبَ فيه النصب، لو قال جاءَ القومُ إلا حماراً إلا بغلاً إلا فرساً، هذا مُنقطِع، يُنصَب الجميع؛ الأول واجب النصب لا لكونه مُكرّراً، ما بعد الثاني والثالث إلا حماراً إلا بغلاً إلا فرساً، الفرس والبغل نُصبت على الاستثناء وجوباً؛ لماذا؟ للتكرار، وأما الأولُ فحينئذٍ عُومِل معاملة المستثنى لو لم تُزَد (إلا)، وهذا الاستثناء مُنقطِع حينئذٍ وجبَ النصب، وعلى لغة بني تميم يجوزُ النصب، ويجوزُ الرفع، وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ حينئذٍ ما قامَ القوم إلا حمارٌ إلا فرساً إلا بَغلاً، هذا على لغة بني تميم، وعلى لغة أهل الحجاز: ما قامَ القومُ إلا بغلاً إلا حماراً إلا فرساً، نصبَ الجميع.

كَلَمْ يَفُوا إِلاَّ امْرُؤٌ إِلاَّ عَلِي إِلاّ بَكْراً، وفي الانقطاع يُنصب الجميع على اللغة الفصحى التي ذكرناها أولاً في الانقطاع، وأما في الاتصال فحينئذٍ تُبدِل واحداً على الراجح وتنصب ما سواه، كَمَا لَوْ كَانَ، قلنا: كَانَ هذه تامة وفاعلها ضمير مستتر، كَانَ بمعنى وُجِد، دُونَ زَائِدِ عليها على الأصل، ففي الاتصال تُبدِلُ واحداً على الراجح وتنصِبُ ما سواه. دُونَ زَائِدِ أي يُعامل واحداً منها معاملة ما مرَّ من القواعد في كونه واجب النصب مع الإيجاب والبدل في النفي إلى آخر ما ذُكر. كَلَمْ يَفُوا إِلاَّ امْرُؤٌ إِلاَّ عَلِي ... وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ هذه المستثنيات النظر فيها من جهتين: من جهة اللفظ وهي الأحكام السابقة يُنصَب يُرفع إلى آخره، لكن من جهة الإخراج والمعنى، من جهة الإخراج وَحُكْمُهَا: أي حكمُ هذه المستثنيات سوى الأول؛ لأن الأول على أصلِهِ (ما قام القوم إلا زيداً)، هذا لا شك أنه إخراج من الأول لا إشكال في هذا، استثناء على أصله على بابه، لكن إلا بكراً إلا عمراً، كيف نتعامل معها؟ هذا فيه وجهان وباعتبار نوعين، نقول: وأما بالنظر إلى المعنى وهو الذي عناهُ الناظم بقوله: وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ، فهو نوعان، أولاً: ما لا يمكن استغناء بعضِه من بعض، كزيد وعمرو وبكر، ما قام القوم إلا زيداً إلا بكراً إلا عمراً، لا يُستغنى ببعضِه عن بعض. الثاني: ما يمكن استغناءُ بعضِهِ من بعض، وهذا فيه الأمثلة المشهورة، له عندي عَشرةٌ إلا أربعةٌ إلا اثنين إلا واحداً، هذا يمكن أن يُستغنى ببعضه عن بعض، أما الأول لا؛ لأن زيد منفكّ عن الثاني عن بكر، وبكر منفكّ عن خالد، لا يمكن أن يدخل أحدهما تحت الأخر، ما قام القوم إلا زيداً إلا بكراً إلا عمراً، له عشرة إلا أربعة إلا خمسة، تقول اثنين نستخرجها من الذي قبله، والذي قبله نستخرجه من الذي قبله، هذا يمكن أن تتداخل، أما بكر وعمرو لا يدخلون تحت بعض. إذن ما يمكن استغناء بعضه عن بعض، والمثال الذي ذكرناه: له عندي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحداً، ما لا يمكن استغناء بعضه عن بعض، ففي النوع الأول -وهو ما لا يمكن استغناء بعضه من بعض- إن كان المستثنى الأول داخلاً فما بعدَه داخل، وإن كان مُخرجاً فما بعده مُخرج، إن كان الأول. النظر هنا إلى الأول قال ابن مالك: وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ يعني في المعنى المقصود، من الإخراج وعدمِه حكم الأولِ. تنظر إلى الأول في الكلام الموجب قام القوم إلا زيداً، زيداً مُخرَج أو لا؟ مُخرَج، إذن إلا بكراً إلا عمراً حكمه حكم الأول، وهو الإخراج، ما قام القوم إلا زيداً، مُخرَج أو مُدخَل؟ مدخل، إذاً ما بعده حكمُه حكمُ الأول، هذا فيما إذا لم يمكن استغناء بعضه عن بعض، وهذا مُسلَّم لا إشكال فيه، فحكمها حكم الأول، لماذا؟

لأن الأخير لا يدخلُ تحتَ الذي قبله، والذي قبلَه لا يدخل تحت الذي قبلَه، حينئذٍ يكون المردّ إلى الأول، فإذا كان الأول مُخرجاً وهذا إنما يكون في الكلام الموجب فحكمُها حكمُ الأول، وإذا كان مُدخَلاً، وهذا في الكلام غير الموجب وهو المنفي فحكمُها حكمُ الأول، إذن النوع الأول ما لا يمكن استغناء بعضه من بعض إن كان المستثنى الأول داخلاً فما بعده داخل، وذلك إذا كان مستثنًى من غير موجب، وإن كان خارجاً فما بعده خارج، وذلك إن كان مستثنًى من موجب. وفي النوع الثاني: ما يمكن استغناءُ بعضِه عن بعض، هذا فيه خلاف، قيل: الحكم كذلك وإنّ الجميع مستثنى من أصل العدد الأول، من الأول، تقول: له علي عشرةٌ إلا أربعة مُستثنًى من عشرة، إلا اثنين مُستثنى من عشرة إلا واحداً مُستثنى من عشرة، فالمردُّ يكون إلى الأول، هذا ظاهر كلام الناظم؛ أن الحكم عام في النوعين فيما يمكن استغناء بعضه عن بعض، وما لا يمكن، لأنه أَطلقَ: وَحُكْمُهَا -المُسْتَثْنَيَات- بدون تفصيل فِي الْقَصْدِ أي المعنى المقصود من إدخال وإخراج حُكْمُ الأَوَّلِ، فالمردُّ يكون للأول فيما يمكن أن يَستغني بعضه عن بعض وما لا، هذا ظاهر كلام الناظم. وقال الكسائي والبصريون: كل من الأعداد مُستثنى مما يليه، فالواحدُ مُستثنى من الاثنين الذي قبله ليس من الأول، والاثنين مما قبله وهو الأربعة، والأربعة من العشرة وهذا هو الصحيح، أن ما يمكنُ الاستغناء ببعضِه عن بعض يكون الاعتبار من الأخير، ثم يكون داخلاً فيما قبلَه فالاستثناءُ يكون منه، لا نرجعُ إلى الأول وإنما نرجعُ إلى الأخير، إلا واحداً، واحداً مُستثنى من اثنين بقي واحد، والواحد مستثنى من أربعة بقي ثلاثة، والثلاثةُ مستثناة من عشرة بقي سبعة، بهذه الصورة حينئذٍ لا نرجع إلى الأول وهذا هو الصحيح المرجَّح عند الأصوليين. وقال الكسائي والبصريون: كل مِن الأعداد مستثنى مما يليه، وهو الصحيح؛ لأن الحملَ على الأقرب مُتعيّن عند التردد، ولذلك ردّ الشيخ الأمين في نثر الورود، قول ابن مالك هنا قال: هذا غلط ليس بصحيح، ومُراده فيما يمكن الاستغناء ببعضها عن بعض لا مطلقاً، وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ، وقيل المذهبان محتملان، وعلى هذا فالمُقرُّ به في المثال السابق على القول الأول ثلاثة؛ لأنك تقول: له عندي عشرة إلا أربعة إلا اثنين إلا واحد، عشرة إلا أربعة ستة، ستة إلا اثنين أربعة، أربعة إلا واحد ثلاثة، بدأت بالتنازل، والصحيح هو العكس؛ انظر أقرَّ بثلاثة، واحد من اثنين: واحد، واحد من أربعة: ثلاثة، ثلاثة من عشرة: سبعة، فرقٌ بينهما. على القول الراجح يكون أقرّ بسبعة، وعلى رأي ابن مالك أقرَّ بثلاثة، ومحتمِلٌ لهما على الثالث. إذن: وَدُونَ تَفْرِيغٍ مَعَ التَّقَدُّمِ ... نَصْبَ الْجَمِيعِ احْكُمْ بِهِ والْتَزِمِ إن كان الاستثناءُ غيرَ مفرغ، حينئذٍ إما أن تتقدَّمَ المستثنيات على المستثنى منه أو تتأخَّر، فإن تقدَّمت بقطعِ النظر عن كونه موجباً أو مَنفياً وجبَ النصب، نصب الجميع بدون استثناء، وإن تأخَّرت حينئذٍ ننظرُ نفصِّل هل هو كلام موجب أو لا؟

إن كان مُوجباً كذلك الحكم نفس الأول، وهو وجوبُ نصب الجميع، وإن كان غير مُوجَب حينئذٍ أعطينا واحداً منها كما لو لم تَتكرَّر (إلا)، إن كان مُتصلاً جازَ فيه الوجهان والإتباع أولى، وإن كان مُنقطعا حينئذٍ وجبَ النصبُ عند الحجازيين وجازَ إبدالُه عند التميميين، وما عدا هذا الواحد المختار سواء كان أولاً أو ثاني أو ثالث، ما عداه نصبَ الجميع؛ يُنصَب. وَدُونَ تَفْرِيغٍ مَعَ التَّقَدُّمِ ... نَصْبَ الْجَمِيعِ احْكُمْ بِهِ والْتَزِمِ وَانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ وَجِيءْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كما قالَ هنا مُعرباً بما يقتضيه الحال، كَمَا لَوْ كَانَ دُونَ زَائَدِ عليها، كَـ" لم يَفُوا إِلاَّ امْرُؤٌ إِلاَّ عَلِي "، وَحُكْمُهَا أي حكم المستثنيات سوى الأول في القصد حُكْمُ الأَوَّلِ، القصد، أي المعنى المقصود من إدخالٍ وإخراجٍ حُكْمُ الأَوَّلِ، فإن كان مُخرَجاً لورودِهِ على مُوجب فهي مخرجه، وإن كان مدخلاً لورودهِ على غير مُوجَب فهي أيضاً مُدخلة. قال ابن عقيل: ومعنى قوله وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ .. إذن الأبيات كلها المراد بها حكم المستثنيات المكرّرة بالنظر إلى اللفظ، انْصِبْ .. جِيءْ؛ إلى أخره، هذا في اللفظ فقط، وأما في المعنى فمرادُه بالشطر الأخير من جهة الإدخال والإخراج أن ما يتكرَّر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم المستثنى الأول فيُثبَت له ما يُثبَت للأول من الدخول والخروج، ففي قولك: "قام القوم إلا زيداً إلا عمراً إلا بكراً"، الجميع مخرج؛ لأنه لا يمكن أن يستغني بعضها عن بعض، يعني لا يمكنُ أن نقول زيد نُخرِج منه عمرو، وبكر نُخرِجُ من عمرو، لا يمكن هذا، لا تتداخل، بخلاف عشرة اثنين أربعة .. إلى أخره هذه تتداخل، لهذا نقول: الجميع مخرجون. وفي قولك ما قام القوم إلا زيداً إلا عمرًا إلا بكراً، الجميع داخلون .. ما تعرّض لملسألة الثانية وقد ذكرناها فيما سبق، ثم قال -رحمه الله-: وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا ... بِمَا لِمُسْتَثْنىً بِإِلاَّ نُسِبَا انتهينا من (إلا)، قلنا: الأدوات من حيث الجملة -التقسيم رباعية؛ منها ما هو حرف ومنها ما هو اسم ومنها ما هو فعل ومنها ما هو مُتردّد بين الفعلية والحرفية. وهذا عندَ التفصيل ثمانية، ذكرنا (إلا) وهي حرفٌ باتفاق، ذكرَ هنا (غَيْرٍ) و (سوى)، وهذان اسمان، أما (غَيْرُ) فمحل وفاق، وأما (سِوَى) فهذه ظرف عند سيبويه. قال وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً إذن المستثنى ليس دائماً يكون منصوباً، ولذلك قلنا يذكرون المستثنى في باب المنصوبات في بعض أحواله لا مُطلقاً، ليس كلّ مستثنى يكون منصوباً، بل قد يكون مجروراً، وقد يكون منصوباً لا على الاستثناء، مثل خبر ليس ولا يكون، حينئذٍ نقولُ وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً .. كيف صار المستثنى مجروراً؟ نقول: الاستثناء هنا باعتبار المعنى؛ لأن غَيْرٍ في الأصل هي صفة، يُوصَف بها، وتدلُّ على مُغايرة ما بعدَها لما قبلها، جاءَ القوم غيرَ زيد، دلَّت على أن ما بعدها مُغايِر لما قبلها، هذا الأصل فيها أن تكون صفة، وتُحمَلُ على (إلا) فيستثنى بها؛ لأن الاستثناء فيه نَوع مُغايرة، وهذا صحيح .. قام القوم إلا زيداً، مُغايرة أو لا؟

ما بعد (إلا) مُغايِر لما قبلها، فلما كانت غَيْرٍ فيها معنى المغايرة، حينئذٍ حُملت على (إلا) فاستُثني بها وعُدَّت من أدوات الاستثناء، مَجْرُورَاً بـ (غَيْرٍ): اسْتَثْنِ هذا فعل أمر، مَجْرُورَاً هذا مفعول به، بـ (غَيْرٍ) جار ومجرور متعلق بقوله اسْتَثْنِ، مُعْرَبَا هذا حال من (غَيْرٍ)، بِمَا لِمُسْتَثْنًى بِإِلاَّ نُسِبَا، إذن (وَاسْتَثْنِ) يكون هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، مَجْرُورَاً هذا مفعول به؛ لأن المراد به اللفظ فأفادنا فائدتين أنه يكون مُفرداً وأنه يكون مجروراً، وهو ملازم للجر؛ لأن (غير) ملازمة للإضافة؛ فحينئذٍ صارَ المستثنى مجروراً، وإذا كان مجروراً فحينئذٍ لا يخرج عن القاعدة وهو: وَالثَّانِي اجْرُرْ، بخلاف المضاف فإنه قد يكون مرفوعاً وقد يكون منصوباً وقد يكون مجروراً، وأما المضاف إليه فلا يكون إلا مجروراً، ولذلك أُلتزِم هنا جرُّ المستثنى، وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بـ (غَيْرٍ). إذن مَجْرُورَاً دلَّ على شيئين، الأول كونه مفرداً؛ لأن (غير) لا تُضاف إلى الجمل إلا على قول، وكذلك أنه مُلازم للجرّ؛ ملازم للخفض، بـ (غَيْرٍ) هذا جار ومجرور متعلق بقول: اسْتَثْنِ، استثن بـ (غير) مجروراً، (مُعْرَبَا) هذا حال من (غَيْرٍ)، بـ (مَا) لِمُسْتَثْنًى، نُسِب بـ (ما) بما نُسِب لمستثنى بـ (إلا)، بـ (ما) يعني بالذي، معرباً بماذا؟ بـ (مَا)، (ما) موصولة، جار ومجرور مُتعلّق بقوله مُعْرَبَا، بـ (مَا) لِمُسْتَثْنًى بـ (إِلاَّ) نُسِبَا، بما نُسِب (الألف) للإطلاق، لِمُسْتَثْنًى بـ (إِلاَّ): يعني يُعطى غير حكم (ما) بعد (إلا) من حيث إيجاب النصب ومن حيث الجواز برجحان أو مرجوحية. فما مرّت من الأحكام المتعلقة بالمستثنى بـ (إلا) في وجوب النصب في نحو قولك: "قام القوم إلا زيداً"، ورجحانه في قولك: "ما قام القوم إلا زيداً"، وفي وجوب الرفع في نحو قولك: "ما قام إلا زيدٌ"، هذه الأحكام كلها التي بعد (إلا) تُعطى للفظ (غير) –للراء-؛ فتقول: ما قامَ القومُ غيرَ زيدٍ وغيرُ زيدٍ، غيرَ وغيرُ، لماذا؟ لأن ما بعد (إلا) لو وقعَ في مثل هذا الكلام لقلت: "ما قام القوم إلا زيداً" بالنصب فتُعطي (غير) النصب، ويجوزُ فيه الرفعُ "ما قام القوم إلا زيدٌ"، كذلك "ما قام القوم غيرُ زيدٍ"، فـ (غير) تُعامَل معاملة ما بعد (إلا).

ولذلك قال: مُعْرَبَا بـ (مَا) لِمُسْتَثْنًى بـ (إِلاَّ) نُسِبَا، (الألف) للإطلاق، بما نسب لمستثنى بإلا، والمستثنى بـ (إلا) هو ما بعدها، حينئذٍ ما جاز فيه النصب والإبدال صارت (غير) مثلها، وهذا إنما يكون في الكلام التام المنفي، وأما إذا كان مُوجباً "قام القوم إلا زيداً"، زيداً هنا واجب النصب، إذا قلتَ: "قام القوم (غيرَ) زيداً"، بالنصب واجب النصب، وسيأتي أنه على الاستثناء أو الحال أو الظرف، حينئذٍ نقول: أُعطي (غير) حكم ما بعد (إلا)، والمستثنى في الحقيقة فهو ليس (غير)، وإنما هو المجرور، لأنكَ إذا قلتَ: قام القوم غير زيد أخرجتَ زيد فهو المستثنى في الحقيقة، وليس (غير) ولكن عُومِل هنا معاملة المستثنى؛ لأن الأصل في الاستثناء أن يكون اللفظُ -الإعراب- تابعاً للمعنى؛ لأنه سيتغيّر من وجوبِ النصب إلى الإتباع، لكن تعذَّر لكون (غير) مُلازِمة للإضافة، والمستثنى وقعَ مضافاً إليه، حينئذٍ لا يمكن تحريكه بالجرّ ثم يكون منصوباً، هذا ممتنع، حينئذٍ أُعطي الحكم لـ (غير) نفسها –المضاف-، يعني مثل ما سبقَ (إلا) العارية، تقول: جئتُ بلا زاد، يعني بغير زاد، زُحْلِقت حركة (لا) إلى (زاد)، لماذا؟ لأن (لا) هنا بمعنى (غير)، ويمتنع إظهارُ الإعراب عليها، فصارَ الإعرابُ على ما بعدها، هنا العكس: "قام القوم غير زيد"، زيد هذا يمتنع إظهار الإعراب؛ لأنه مُلازم للجر، لأنه مضاف إليه ولا يخرج عنه، إذن أعطينا الحكم لـ (غير) نفسها. وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا بِمَا لِمُسْتَثْنىً بـ (إِلاَّ) نُسِبَا، يعني بما نسب لمستثنى بـ (إلا) معنى البيت أن (غيراً) يُستثنى بها مجرور بإضافتها إليها، وتكون هي معربة بما نُسِب للمستثنى بـ (إلا) من الإعراب فيما تقدّم. وقوله: مُعْرَبَا هذا قد تُبنى على الفتح في الأحوال كلّها عند إضافتها إلى المبني؛ يعني ليست مُطلقة، هذا إذا أُضيفت إلى معرب، وأما إذا أُضيفت إلى مبني فهذه لها حكم خاصّ سيأتينا في باب الإضافة، وأجازَ الفراءُ بناء (غير) على الفتح في نحو "ما قامَ غيرَ زيد"، لتضمّنها معنى (إلا) -معنى حرف-. وفي التصريح للأزهري .. ثَم فروق بين (غير) و (إلا)؛ قال: تُفارِق (غير) (إلا) في خمس مسائل؛ لأن (غير) حُمِلت على (إلا) فاستثنى بها كما استثنى بـ (إلا)، لكن ثم فوارق بين (غير) و (إلا)، خمس مسائل. الأولى: أن (إلا) لا تقعُ بعدَها الجملُ دون غير، وهذا محلُّ نِزاع، أنّ (إلا) لا تقعُ بعدها الجمل وهذا صحيح، (إلا) لا تقعُ بعدها الجملة محلّ وفاق، وأما (غير) ففيه نزاع، منهم من جَوَّز ومنهم مَن منعَ. الثانية: أنه يجوزُ أن يقال: "عندي درهمٌ غيرُ جيد" على الصفة، يعني يُوصَف بـ (غير) كما سبق، الأصل في لفظ (غير) أن يكون صفة لما قبلَه، هذا الأصل فيه، ولكن ضُمِّنت معنى (إلا) فاستُثني بها. المسألة الثانية: أنه يجوزُ أن يقال: عندي درهم غيرُ جيد، غيرُ بالرفع فيكون صفة لدرهم وأُضيف إلى جيد، ويمتنعُ عندي درهم إلا جيّدٌ، على أن يكون (إلا) صفة وهذا أيضا فيه نزاع.

الثالثة أنه يجوزُ أن يُقال: "قام غيرُ زيد"، قامَ فعل ماضي، و (غير) جاءت فاعلا هنا، وهو مُضاف وزيد مضاف إليه، قام غيرُ زيد، وهذا من الاستثناء المفرغ، ولا يجوز "قامَ إلا زيدٌ"، "قام غير زيد" هذا جائز، مع كونه لم يتقدّمه نفي، وأما قام إلا زيدٌ هذا لا يصحّ، إلا على رأي ابن الحاجب، "قام إلا زيد" هذا لا يصحُّ؛ لأنه استثناء مفرغ، ولا يكون إلا بسبقِ النفي، وأما في الإيجاب فالجمهورُ على المنع. ولا يجوزُ قام إلا زيد. الرابعة: أنه يجوزُ أن يُقال: "ما قام القوم غيرَ زيد وعمرو"، غيرُ وغيرَ بالوجهين ليسَ هذا الشاهد، المراد أن يُقال: "ما قام القوم غيرَ زيدٍ وعمروٍ"، بجر عمروٍ، وعمروٍ عطفاً على اللفظ يعني لفظ زيد، وهو مجرور لأنه مُضاف إليه، ورفعُهُ حملاً على المعنى، "ما قام القوم غيرَ زيدٍ وعمرٍو"، ويجوز أن يقال: غيرَ زيدٍ وعمرٌو بالرفع، مراعاة لمعنى زيد؛ لأنه في قوّة قولك: ما قام إلا زيدٌ وعمرٌو، لو قلتَ: ما قام القوم غير زيدٍ، هذا في قوة ما قام إلا زيدٌ وعمرٌو بالرفع، حينئذٍ ترفع عمرو، فإذا أبدلتَه أو عطفتَه على مجرور (غير) وهو في اللفظ مجرور، حينئذٍ راعيتَ المحل، مِن حيث المعنى وهو مرفوع، ويجوزُ مراعاة اللفظ، إذن الرابع: يجوز أن يقال "ما قام القوم غيرَ زيدٍ وعمروٍ وعمرٌو"، بجرِّ عمرو على لفظ زيد ورفعه حَملا على المعنى؛ لأن المعنى "ما قام إلا زيدٌ وعمرٌو"، ولا يجوز مع (إلا) مراعاة المعنى. الخامسة والأخيرة: أنه يجوزُ ما جئتُك إلا ابتغاءَ معروفك بالنصب، وأما في (غير) لا، ما جئتُك إلا غيرَ، نقول هذا لا يصح، ما جئتك غيرَ ابتغاء، لا يصحُّ، بل لا بد من إدخال الـ (لام) على غيرِ، فتقول: ما جئتُكَ لغير ابتغاء معروفك. إذن هذه خمس مسائل مما فارَقَت (إلا) (غير) و (غير) (إلا). وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا ... بِمَا لِمُسْتَثْنىً بِإِلاَّ نُسِبَا وإذا نصبنا (غير) حينئذٍ قيل بأن النصبَ على الاستثناء وهذا عليه الجمهور، وقيلَ النصبُ على الحال، وقيلَ النصبُ على الظرفية، وانتصابُ (غير) في الاستثناء كانتصاب الاسم بعدَ (إلا)، في أن نصبَ كلٍّ منهما على الاستثناء وهذا الصحيح، فحينئذٍ إذا قلتَ: "قام القوم غيرَ زيدٍ" قام القوم فعل وفاعل، وغيرَ بالنصب، تقول: غير منصوب على الاستثناء، وهو مُضاف وزيد مُضاف إليه. إذن نُعرب هنا (غير)، على أنها منصوبة على الاستثناء، ما قام القوم غيرَ زيد، نقول: (غير) هذا منصوب على الاستثناء. وإن كان العامل فيما بعد (إلا) هو (إلا)، "ما قامَ القوم إلا زيداً" قلنا الناصب له (إلا)، طيب! في باب غير: الناصب له ما قبله من فعل أو شبهه، ما قام، قامَ هو الذي نصَبَ، وفي (غير) ما في الجملة قبله من فعل أو شبهه، وإنما نُصبت على الاستثناء مع أن المستثنى هو الاسم الواقع بعدها؛ لأنه لما كان مَشغولاً بالجر لكونه مضافاً إليه جُعِل ما يستحقّه من الإعراب المخصوص، لولا ذلك على غير، على سبيل العارية، كما ذكرناه سابقاً.

إذن الأصل فيه أن يكون المضاف إليه المجرور هو الذي يستحقُّ النصب على الاستثناء، ولكن لكونه حلَّ محلَّ الملازم للخفض للجر لا ينفكُّ عنه البتة، حينئذٍ نقول: هذا مثل غلامي، غلامي إذا جاء رفعاً تكون الضمة مقدرة، وإذا جاء نصباً تكون الفتحة مقدرة، وإذا جاء خفضاً تكون الكسرة مقدرة؛ لأنه لزم حالة واحدة، كذلك مجرور (غير) فحينئذٍ ماذا نصنع؟ قالوا: نجعلُ الإعراب على غير. جُعِل ما يستحقّه من الإعراب المخصوص .. لولا ذلك على غير .. على سبيل العارية، والدليل على ذلك على أن الحركة لما بعدها حقيقة جواز العطفِ على محلّه، يجوز العطف على محلّ المضاف إليه. وقيلَ منصوبة على الحال عند الفارسي، فتؤوّل بمشتق، أي قام القوم غير زيد، أي مُغايرينَ، لا بد من تأويلها بمشتقّ لأنها حال، مُغايرين لزيد في الفعل، وأُورِد عليه أن مجرورها لا محل له حينئذٍ، وقد نصبوا المعطوف عليه مراعاة لمحله. سبقَ أنه يُعطَف على المجرور عليه باعتبار اللفظ فيجر، ويُعطَف عليه باعتبار المحل .. قد يُرفع وقد يُنصَب على حسب المحل، فحينئذٍ إذا جعلوها حالاً مُغايرين لزيد، وقد عطفوا على محلّها بالرفع، فكيف تكون حالاً؟ إذا قيلَ بأن غير منصوبة على الحالية كما هو قول الفارسي، قلنا عُطِف على محلّ مجرورِ (غير) بالرفع، وعُطِف عليه بالنصب، طيب بالنصب واضح يشترك مع الحال، وبالرفع؟ هذا يدلُّ على أن القول هذا فيه ضعف، وقيلَ: على التشبيه بظرف المكان بجامع الإبهام في كلٍّ. قال الشارح: استُعمِل بمعنى (إلا) في الدلالة على الاستثناء ألفاظٌ، منها ما هو اسم وهو (غير وسُوى وسِوى وسَواء)، ومنها ما هو فعل وهو (ليس ولا يكون)، ومنها ما يكون فعلاً وحرفاً وهو (عدا وخلا وحاشا)، وقد ذكرها المصنف كلها، فأمّا (غير) وما عُطِف عليه فحكم المستثنى بها الجر، يعني كأنّ إعرابه نُقِل إليها لشغله بالإضافة -إضافتها إليه-، وتُعرَب (غير) بما كان يُعرَب به المستثنى مع (إلا)، كلّ ما أُعطيَ به المستثنى بـ (إلا) من وجوب النصب وجواز الوجهين مع ترجيح الإبدال في المنقطع والمتصل على التفصيل السابق كذلك يُعطى لـ (غير)؛ فتقول: قام القوم غيرَ زيدٍ، غيرَ هذا منصوب على الاستثناء، وحكمُ النصب واجب؛ لأن الكلام تامّ موجب. بنصبِ غير وجوباً، كما تقولُ: "قام القوم إلا زيداً"، بنصب زيد، فتقول: "ما قام أحد غيرُ زيد"، ما إعراب غير؟ بدل .. غير زيد بدل مما سبقَ، بدل بعض من كل، واجب الرفع أو جائزه؟ جائز، لماذا؟ لأنه تامّ منفي، والتامّ المنفي يجوزُ فيه الوجهان: النصبُ على الاستثناء وهو مرجوح، والإبدال بالرفع أو النصب أو الخفض، كما تقولُ "ما قام أحد إلا زيداً"، فتقول "ما قام غيرُ زيدٍ"، ما إعراب غير؟ فاعل، حينئذٍ يكون استثناءً مفرغاً، فترفعُ (غير) وجوباً، كما تقول: ما قام إلا زيدٌ برفعه وجوباً، وتقول: "ما قام أحدٌ غيرَ حمارٍ، أو غيرُ حمار" .. يجوزُ فيه الوجهان عند بني تميم، وعند الحجازيين يتعين النصب، إذن ما قام أحدٌ غيرَ وجوباً عند الحجازين وجوازاً عند التميميين .. بنصب (غير) عند غير بني تميم، وبالإتباع عند بني تميم كما تفعل في قولك: " ما قام أحدٌ إلا حمارٌ وإلا حماراً.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

62

عناصر الدرس * اللغات في (سوى) وحكم المستثنى بها * حكم المستثنى بـ (ليس وخلا وعلا ويكون) ـ * حكم المستثنى بـ (حاشا)) واللغات فيها * شرح الترجمة (الحال) وحده وبعض المسائل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَلِسِوَىً سُوَىً سَوَاءً اجْعَلاَ ... عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ وَلِسِوَىً كـ (رضى)، سِوَى: (رِضى)، سُوَى: (هُدى)، سَوَاء: (سَمَاء)، بقي واحدة وهي: (سِوَاء) كـ (بِناء)، وهي أغربها؛ ولذلك ترَكَها الناظم، والظاهر أنه لم يذكرها عمداً. وَلِسِوَىً سُوَىً سَوَاءً: عدَّدَها بلغاتها، يعني: أراد أن يُبيِّن أن لـ (سِوَى) عدة لغات كلها بدون تفصيل، اجعل لها عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ: ما جُعل لـ (غير)، والذي جُعِل لغير هو: ما نُسِب لمستثنىً بـ (إلا)، إذن: كل ما أُعطي لغير كذلك يُعطى سِوَى، إذن لا فرقَ بينهما؛ لكن في الأول قال: وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا ... بِمَا لِمُسْتَثْنىً بِإِلاَّ نُسِبَا ولم يقل: على الأصح، وهنا قالَ: عَلَى الأَصَحِّ، والأصحُّ: أفعلُ تفضيل، قيل: مقابله الصحيح؛ تأدُّباً مع سيبويه؛ لأنه خالفَه وخالفَ شيخه الخليل في أن (سِوَى) لا تخرجُ عن الظرفية، فهي مُلازمةٌ لها، الظرفية المكانية، وخالفَهم ابن مالك رحمه الله تعالى لكثرة الشواهد في كون (سِوَى) تأتي مُبتدأً، وتأتي فاعلاً، وتأتي مجرورةً بحرف الجر، وتأتي مُضافةً، وتأتي اسم (إن)، وستأتي الشواهد كلها، هذه كلها تدلُّ على أنها مُتصرّفة، وإذا كان كذلك فحينئذٍ ليست بظرفٍ مُلازمٍ للظرفية، بل قد تأتي -وهذا قول للرماني وغيره- أنها قد تأتي ظرفاً كثيراً وغيرَ ظرفٍ قليلاً، وخصَّه بعضُهم بالشعر كما سيأتي. إذا: وَلِسِوىً سُوَىً سَواءٍ اجْعَلاَ: (اجْعَلاَ) الألفُ هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة (اجعلنْ) هذا الأصل فيها، فحينئذٍ (لسِوَىً) هذا مُتعلِّق به، والأصلُ في الفعل المؤكَّد أن لا يتقدَّمَ عليه عامله، ممنوع هذا، ولكن في مثل هذا نقول: من باب الضرورة، الفعل المؤكَّد بنون التوكيد الخفيفة والثقيلة، وكذلك ما دخلت عليه (قد) لأنها من المؤكِّدات، أو لام الابتداء، كل مؤكِّد حينئذٍ يمتنع أن يتقدّمَ معمول المؤكَّد عليه، ولكن في مثل هذه الأبيات -الشعر- يُقال فيه: من باب الضرورة. إذن: (لِسِوَىً) هذا مُتعلّق بقوله: (اجعل)، على أنه مفعولٌ ثانٍ له. عَلَى الأَصَحِّ: جار ومجرور متعلق بقوله: (اجْعَلاَ)، خِلافاً لسيبويه والخليل، أي: هو صحيح وما اختارَه الناظم أصحُّ، هو صحيح من قبيل: صحيح وأصح، وهذا من باب أن لا يخالفَ الناظمُ سيبويه فحسب، يخرِّجون هذه التخريجات من أجل أن لا يخالف الناظم سيبويه؛ لأن الأصل موافقة سيبويه وعدم مخالفته، فإذا وُجِد ما يخالف لا بد من التأويل.

(مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ) ما جُعِل لغيرٍ، (ما جُعل) هذه صلة الموصول، والألف هنا للإطلاق، (ما جُعل لغيرٍ)، والذي جُعِل لغير هو الأحكام السابقة من أحكام فيما سبق؛ لأنها مثلُها؛ (سوى وغير) مثلان بمعنى واحد، واستدلّوا على ذلك بأمرين: الأول: إجماعُ أهل اللغة على أن معنى قول القائل: (قاموا سواك) و (قاموا غيرك) المعنى واحد، إذا قلت: قاموا سواك، يعني: إلا أنت، قاموا غيرُك: إلا أنت، فالمعنى واحد. إذن: (سِوى وغير) بمعنى واحد في مثل هذا التركيب. وأنه لا أحد منهم يقولُ: إن (سِوى) عبارة عن مكان أو زمان، هكذا قيل، مع أن سيبويه ظاهر كلامه أنها ظرف، لكن قيل: بأنه لم يقل أحدٌ ممن قال بظرفيتها أنها ظرف مكان أو ظرف زمان، يعني عبارة عن المكان أو الزمان. والثاني: أن مَن حكمَ بظرفيتها حكمَ بلزوم ذلك وأنها لا تتصرفُ، ولذلك قالوا: مُلازمة للظرفية، وأنها لا تتصرّفُ البتة، وهذا ينقضُهُ ما جاء من شواهد عديدة في تصرُّف (سِوَى) بأنها تكون مبتدأً وتكون وخبراً وتكون غير ذلك .. وَلاَ يَنْطِقُ الْفَحْشَاءَ مَنْ كَانَ مِنْهُمُو ... إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلاَ مِنْ سِوَائِنَا (وَلاَ مِنْ سِوَائِنَا) دلَّ على أن (مِن) تدخل على (سوى)، كذلك جاءت قبل ذلك مجرورة، في الحديث: {دعوتُ ربي أن لا يُسلِّط على أمتي عدواً مِن سوى أنفسهم} (من سوى) من: حرف جر، و (سوى): اسم مجرور، هذا الأصل فيها، كذلك في الحديث: {ما أنتم في سواكم من الأمم ... } إلخ، كذلك القول السابق: إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلاَ مِنْ سِوَائِنَا وكذلك: فَإِنَّنِي وَالَّذِي يَحُجُّ لَهُ النّا ... سُ بِجَدْوَى سِوَاكَ لَمْ أَثِقِ ومن استعمالها مرفوعة بالابتداء: وَإِذَا تُبَاعُ كَرِيمَةٌ أَوْ تُشتَرَى ... فَسِوَاكَ بَائِعُهَا وَأَنْتَ المُشْتَرِي (سِوَاكَ) هذا مبتدأ، و (بَائِعُهَا) خبرها. وكذلك من وقوعها مرفوعةً بالفاعلية: وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَانِ ... دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا فـ (سِوَاكَ) مرفوع بالابتداء، و (سِوَى الْعُدْوَانِ) مرفوع بالفاعلية. كذلك جاءت منصوبة اسم (إن): لَدَيْكَ كَفِيلٌ بِالمُنَى لِمُؤَمِّلٍ ... وَإِنّ سِوَاكَ مَن يُؤَمِّلُهُ يَشْقَى (وَإِنّ سِوَاكَ) جاءت اسم (إن)، إذن: هذه متصرفة، هذه لا يقال بأنها ملازمة للظرفية، فـ (سواك) اسم (إن)، هذا تقرير كلام المصنف، ولذلك ذهبَ ابن مالك رحمه الله تعالى إلى أنها مثل (غير)، يُستثنى بها كما يُستثنى بـ (غير)، ولكن لا يمثِّلون لـ (سوى)؛ لأنها لا يظهرُ فيها الإعراب، بخلاف (غير)، فالراء حرفٌ صحيح غير معتل، وأما (سوى) هذا مثل: (فتى)، حينئذٍ لا يظهرُ عليها الإعراب، وإلا يُقال: قامَ القوم سوى زيدٍ، هنا النصب مُتعيِّن واجب وهو مقدر، (ما قام القوم سوى زيدٍ) يجوزُ فيه الوجهان، (ما قام سوى زيدٍ) هذا يتعيَّنُ فيه الرفع على أنه فاعل، الحكم واحد مثلها مثل (غير).

إذن: مذهبُ سيبويه وجمهورُ البصريين أن (سوى) من الظروف اللازمة، أي: الظروف المكانية، بمعنى: مكان بمعنى: عوض، فمعنى: جاء الذي سواك، في الأصل: جاء الذي في مكانك، أي: حلَّ فيه عِوضُك، ثم توسَّعوا واستعملوا (مكانك وسواك) بمعنى: عوض، وإن لم يكن ثَم حلولٌ فظرفيتُها مجازية، ولهذا لم يتصرَّفا. إذن: مذهب سيبويه أنها لا تخرج عن الظرفية بل تلازمُها، إلا في الشعر، فما جاءَ مما استدلَّ به الناظم قالوا: هذا في الشعر خاصّة، والكلام في النثر لا في الشعر؛ لأنها يُوصَل بها الموصول: جاء الذي سواك، قالوا: ولا تخرجُ عن الظرفية إلا في الشعر، وقال الرماني والعكبري: تُستعمَل ظرفاً غالباً وكـ (غيرٍ) قليلاً، قال ابنُ هشام في الأوضح: وإلى هذا أذهبُ .. قول الرماني إلى أنها تأتي ظرفاً غالباً وكـ (غيرٍ) قليلاً، وما استُشهِدَ به على خلاف ذلك يحتمل التأويل. تُفارِق (سوى) (غيراً) في أمرين؛ الأول: أن المستثنى بغير قد يُحذَف إذا فُهِم المعنى، نحو: ليس غيرُ، قامَ القومُ ليس غيرُ، ليس غيرَ، ليس غيرَِاً –بالتنوين-؛ يجوز فيها، إذن: حُذِف ما بعدَ (غير) الذي هو المستثنى بها إذا فُهِم المعنى بخلاف سوى. ثانياً: سِوى تقعُ صلةَ الموصول في فصيحِ الكلام بخلاف غير: جاء الذي سِواك، واكتفينا بها، هذا مثل: جاء الذي عندك، أو في الدار، اكتفينا بها، أين المبتدأ والخبر؟ جاء الذي استقرَّ سواك, إذن: نقدِّر لها فعلاً محذوفاً، فدلَّ على أنها ظرف، هذا عند سيبويه. إذن: نقول: (سِوى) هذه مثل (غير) عندَ الناظم، وسوَّى بينهما لما ذكرناه من الدليلين أن: قاموا سِواك وقاموا غيرُك بمعنى واحد، المراد به الاستثناء، كذلك ما ورد في الأبيات السابقة من ذكرها مبتدأً وذكرها خبراً وفاعلاً واسم (إن) .. إلى آخره، هذا التصرف التام، هذا معنى التصرف، وإذا كان كذلك هذا ينافي الظرفية. وَاسْتَثْنِ مَجْرُورَاً بِغَيْرٍ مُعْرَبَا ... بِمَا لِمُسْتَثْنىً بِإِلاَّ نُسِبَا وَلِسِوَىً سُوَىً سَوَاءً اجْعَلاَ ... عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلاَ إذن: هذان اسمان يُستثنى بهما عند الناظم، أما (غير) فمحلُّ وفاق، وأما (سوى) فهذا محلُّ نظرٍ عند سيبويه وغيره، ولذلك قالَ الشارح: وأما سِوى فالمشهورُ فيها كسر السين والقصر (سِوى)، ومن العرب من يفتح سينها (سَواء) ويمدَّ، ومنهم من يضم سينها ويقصر (سُوى) كـ (هُدى)، ومنهم من يكسِرُ سينها ويمدّ (سِواء) بالكسر كـ (بناء)، وهذه اللغة لم يذكرها المصنف لأنها غريبة وقل من ذكرها، وممن ذكرها الفاسي في شرحه للشاطبية، -هذا طُبع الآن- ومذهب سيبويه والفراء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفاً -يعني: ظرف مكان- فإذا قلت: قامَ القوم سوى زيد، فسوى عندَهم منصوبة على الظرفية ليست استثناء مثل (غير)، وهي مُشعِرة بالاستثناء، ولا تخرجُ عندهم عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر، واختارَ المصنف أنها كغير فتُعامَل بما تعامل به غير من الرفع والنصب والجر، وإلى هذا أشارَ بقوله السابق. ثم قال رحمه الله: وَاسْتَثْنِ نَاصِبَاً بِلَيْسَ وَخَلاَ ... وَبِعَدَا وَبِيَكُونُ بَعْدَ لاَ

(وَاسْتَثْنِ نَاصِبَاً): وجوباً (وَاسْتَثْنِ) أنت (نَاصِبَاً)، (نَاصِبَاً) إعرابه: حال من الفاعل المستتر في (اسْتَثْنِ)، استثنِ أنت وجوباً حال كونك ناصباً، ناصباً وجوباً للمستثنى، ولكن المستثنى هنا عيَّنَ له أربعة ألفاظ: (ليس، وخلا، وعدا، وبيكون) وشرَطَ لها (لا) النافية دون أخواتها، هذه الأربعة تكون مُستثنيات، يعني: مما يُستثنى بها، لكن لا يُسمى مستثنى، وإنما الاستثناء هنا وافق من جهة المعنى، وصارَ الإخراجُ معنى، وأما في اللفظ فلا، ولذلك تقولُ: قامَ القوم ليس زيداً، زيداً هذا: خبر ليس، لا تقل: مُستثنى ليس عندنا هنا مستثنى في اللفظ، وإنما هو من جهة المعنى فيه إخراج، قامَ القوم ليس زيداً، فـ (ليس) هذا فعل ماضي ناقص، واسمها ضميرُ مُستتِر وجوباً، وزيداً خبرها، فليس عندنا هنا مستثنى. وَاسْتَثْنِ نَاصِباً وجوباً نَاصِباً بِلَيْسَ وَخَلاَ وَبِعَدَا وَبِيَكُونُ بَعْدَ لاَ حينئذٍ تقول: قامَ القوم ليس زيداً، وقامَ القوم خلا زيداً؛ لأنه قال: ناصباً، وعدَّ منها: خلا، إذن: تنصبُ بخلا فتقول: قامَ القوم خلا زيداً، وقامَ القوم عدا زيداً، وقام القوم لا يكون زيداً، وحينئذٍ (ليسَ زيداً)، زيداً: خبر ليس، وخلا زيداً، زيداً: مفعولٌ به منصوب لخلا، و (عدا) مثلُها، ولا يكون زيداً، اسم (يكون) ضمير مستترٌ وجوباً، و (زيداً) هذا مثل (ليس) يُعتبر خبر يكون، إذن ليس عندنا مستثنى، وإنما النصب يكون مُتعيّناً في موضعين اثنين مما ذكره الناظم، وهما: (ليس ولا يكون)، وأما (خلا وعدا) فيجوزُ فيها الوجهان: النصب والخفض، وهنا إذا تجرَّدت عن (ما) فالأرجح النصب، ولذلك ذكرَها الناظم هنا مع (ليس ولا يكون)، فدلَّ على أن (خَلاَ وَعَدَا) إذا خلت من (ما) لم تسبقها (ما) الأرجح فيها النصب على الجر: فقامَ القوم خلا زيداً، أرجحُ من: خلا زيدٍ، وقامَ القوم عدا زيداً، أرجحُ من: عدا زيدٍ، وهذا يدلُّ على أن الناظم قصد هذا المعنى لقرنها أو قرن هذين الحرفين أو الفعلين بـ (ليس ولا يكون). (وَاسْتَثْنِ نَاصِباً بِلَيْسَ وَخَلاَ وَبِعَدَا وَبِيَكُونُ) بهذا اللفظ، يعني: (كان) ماضياً لا يصلح، وإنما (يكون) بهذه الصيغة، كما قال هناك: (وَقَدْ تُزَادُ كَانَ) كان بلفظ الماضي، إذن قصَدَ اللفظ، وهنا: (وبيكون) قصدَ اللفظ، بيكون: الباء حرف جر، ويكون: قُصِد لفظُه فهو اسمٌ مجرور بالباء، وجرّهُ كسرة مقدّرة على آخره منعَ من ظهورها اشتغالُ المحلّ بحركة الحكاية وهي الضمّة؛ لأنه حكاهُ مرفوعاً، (وَبِيَكُونُ بَعْدَ لاَ) النافية .. بعد (لا) النافية، ولا تُستعمَل (يكون) في الاستثناء مع غير (لا) من أدوات النفي، إذن: على خصوص (يكون) من جهة المضارع و (لا) من جهة النفي دون غيرها من أدوات النفي.

قالَ الشارح: استثنِ بليس وما بعدَها ناصِباً المستثنى، فتقول: قامَ القومُ ليس زيداً، فـ (زيداً) من قولك: "ليس زيداً ولا يكونُ زيداً": منصوب على أنه خبر ليس ولا يكون، واسمها: ضميرٌ مستتر وجوباً باتفاق، وإنما اختلفوا في المرجع، على أيّ شيءٍ يرجع؟ المشهور عندهم أنه يعودُ إلى البعض المفهوم من القوم، البعض من القوم: قامَ القوم ليس زيداً: ليسَ بعضُهم زيداً، قام القوم لا يكونُ زيداً: لا يكون البعضُ زيداً، فحينئذٍ عادَ إلى البعض المفهوم من القوم، هذا المشهور عند النحاة، وقيل: مرجعُهُ اسم فاعل، يعني وصف مفهوم من السابق، والتقدير: ليس هو أي: القائم، وهذا اختارَهُ ابن هشام في الأوضح، ليس هو، أي: القائم زيداً، ومثله اسم المفعول نحو: أكرمتُ القوم ليسَ زيداً، ليس المكرَمُ زيداً، إذن: عادَ إلى الوصف. والثالث: أن مرجعَهُ مصدر الفعل السابق العامل في المستثنى منه، فحينئذٍ: قامَ القوم خلا زيداً: خلا القيامُ، خلا هو أي: القيام، وهذا ضعيف، والسابق كذلك ضعيف، والأشهر هو الأول وهو الظاهر، أنه يعودُ إلى البعض المفهوم من الكلّ السابق: قامَ القوم ليس زيداً: ليسَ البعضُ زيداً، وهذا واضح، ولذلك قال هنا: ويضعف الوجهين الثاني والثالث، -يعني: تقديره بالوصف سواءً كان اسم فاعل أو اسم مفعول، والثالث: أنه مصدر- عدمُ الاطراد؛ لأنه لا يكونُ هناك فعلٌ نحو: القوم إخوتك ليسَ زيداً. هنا قال: والمشهور أنه عائِدٌ على البعض المفهوم مِن القوم، والتقدير: ليسَ بعضُهم زيداً، ولا يكون بعضُهم زيداً، وهو مُستتِرٌ وجوباً، وفي قولك: خلا زيداً، وعدا زيداً (زيداً) هذا منصوبٌ على المفعولية، ولو لم تتقدَّم (ما) المصدرية؛ لأنها يجوزُ فيها الوجهان، وخلا وعدا فعلان فاعلهما في المشهور الخلافُ فيهما كالخلاف في ليس، ولذلك يقول: خلا وعدا فعلان غير متصرِّفين؛ لوقوعهما موقع (إلا)، وانتصابُ المستثنى بهما على المفعولية، وفاعلهما ضميرٌ مُستتر، وفي مرجعه الخلاف في ليس، والصوابُ أنه ضميرٌ عائدٌ على البعض المفهوم من القوم، وهو مُستترٌ وجوباً والتقدير: خلا بعضُهم زيداً وعدا بعضُهم زيداً.

هذه الأربع الجمل إذا قيل: قام القومُ خلا زيداً، عدا زيداً، ليس زيداً، لا يكون زيداً، الجملة ما محلها؟ موضعُ جملة الاستثناء من هذه الأربع نصبٌ على الحال، هذا المشهور، إذن قامَ القومُ خلا زيداً، نقول: الجملة في محلِّ نصب حال، وعدا زيداً: في محلِّ نصب حال، ولا يكون وليس: في محلّ نصب حال، حينئذٍ يَرِد الإشكال في (خلا وليس وعدا): أن الجملة الحالية -كما سيأتي- إذا كانت ماضوية وجَبَ اقترانها بـ (قد)، حينئذٍ ما الإشكال هنا؟ (خلا زيداً) إذا قلنا: حال لا بدّ أن ندخل عليها (قد): قد خلا زيداً، قد عدا زيداً، قد ليسَ زيداً، وأما (لا يكون) فهي مضارعية فلا إشكال، وأما الماضوية فلا بدّ من إدخال (قد) عليها، ولم تقترن بـ (قد) في ليسَ وخلا وعدا مع كونهما ماضوية لاستثناء أفعال الاستثناء، سيأتي أن ثَم خلاف في دخول قد على الجملة الحالية إذا كانت أفعال الاستثناء، وبعضهم استثناها، حينئذٍ إذا استُثنيت لا إشكال، إذن دخول (قد) على الجملة الماضوية إذا وقعت حالاً في غير أفعال الاستثناء فلا اعتراض حينئذٍ، ومحلُّ ذلك الأفعال المتصرِّفة. وقيلَ: مُستأنفة لا موضعَ لها، نقول: لاستثناء أفعال الاستثناء، أو يقالُ: محلُّ ذلك الأفعال المتصرفة لا الجامدة، إذن يُجابُ بعدمِ دخول (قد) على خلا وعدا وليس، وهي في موضع نَصبٍِ على الحال مع كونها ماضوية، إما أن يُقال باستثناء أفعال الاستثناء، وإما أن يُقال بأن قد تُشترَط في الأفعال المتصرِّفة وأما الجامدة فلا، وقيلَ: مُستأنفة لا موضعَ لها، يعني: غير مُتعلِّقة بما قبلها في الإعراب، وإن تعلَّقت به في المعنى، تقول: قامَ القوم خلا زيداً، لا محلَّ لها من الإعراب، لا محل لها من الإعراب يعني: لا علاقة لها بما قبلَها، وإذا قيل بأنها في موضع حال حينئذٍ صارت الجملةُ مُرتبطة بما قبلها؛ لأن العاملَ في موضع الحال هو (قام)، وإذا قيلَ: لا موضع لها حينئذٍ انفصلت من جهة الإعراب لا من جهة المعنى؛ لأن المعنى تابع لا يمكن أن تنفصل، ونبَّه بقوله: (وَبِيَكُونُ بَعْدَ لاَ) وهو قَيدٌ في (يكون) فقط على أنه لا يُستعمَل في الاستثناء من لفظ الكون غير (يكون) -غير مضاف ويكون مضاف إليه- وأنها لا تُستعمَل فيه إلا بعد (لا) على جهة الخصوص دون (لم، وإن، ولن، ولما، وما). وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ إِنْ تُرِدْ ... وَبَعْدَ مَا انْصِبْ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ (سَابِقَيْ يَكُونُ) وهما: خلا وعدا، ليس ولا يكون واجبُ النصب، وأما خلا وعدا فلهما حالان: إما أن يتجرَّدا عن (ما) المصدرية، حينئذٍ فيهما وجهان: الجرُّ والنصبُ، والنصبُ أرجح، والدليل على ذلك: أن هذا رأي ابن مالك أنه عدَّها مع ليس ولا يكون، فدلَّ على أن النصب بها أرجحُ من الجرّ. الوجه الثاني فيما إذا لم تتقدَّم عليها (ما) المصدرية: الجر، حينئذٍ لك حالان: "قامَ القوم خلا زيداً"، "قامَ القوم خلا زيدٍ"، حرفُ جرّ .. سيأتي عدُّها من حروف الجر، "قامَ القوم عدا زيداً" بالنصب، "قامَ القوم خلا عدا زيدٍ"، بالجرّ، إذن جازَ فيها الوجهان والنصبُ أرجح.

قال: (وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكًُونُ) سابقي يكون في البيت السابق، قال اسْتَثْنِ نَاصِباً بِلَيْسَ، ثم قال: خَلاَ وَبِعَدَا وَبِيَكُونُ، ما الذي سبقَ (يكون) سَابِقَيْ بالتثنية؟ خلا وعدا، إذن اجرُر بهما ما بعدَهما، وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ وهما: خلا وعدا إِنْ تُرِدْ الجرّ إن أردتَ الجرّ جُرَّ بهما، لكن هنا المراد بالجر متى؟ عند التجرد، ويدلُّ على ذلك شيء آخر: أنه أحال على سابقَي يكون وهو قد ذكرهما مجرَّدتين، فدلَّ على أن شرطَ الجرِّ هو التجرد عن (ما) المصدرية، (وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ) حينئذٍ نأخذُ شرطَ التجرُّد عن (ما) المصدرية بكونه أحالَ على البيت السابق وقد ذكرهما مجرَّدتين، وفُهِم شرطُ التجريد بالإحال على لفظهما وهما خاليان من (ما)؛ لأنه قال: بِسَابِقَيْ يَكُونُ، إِنْ تُرِدْ الْجَرِّ فاجرُر، أما إذا ما أردتَ فنصبتَ حينئذٍ لك مسلك ولك مخرج، إما هذا وإما ذاك، فهو فصيحٌ في لسان عرب؛ إِنْ تُرِدْ الجرّ فإنه جائزٌ وإن كانَ قليلاً والنصبُ أرجح، هُنا لا يُلامُ من أخذَ بما دون الفصيح؛ لأن هذا وارِدٌ في لسان العرب وهذا كذلك واردٌ في لسان العرب، حينئذٍ من اختارَ الأحسن أن يتكلَّم الإنسان بما هو أفصح وأن يحملَ القرآن على ما هو أفصح، لكن إذا لم يمكن حينئذٍ على ما هو دونه وهو فصيح يعني سائغ في كلام عرب فلا إشكال، وأما: وَالخُلْفُ إِنْ كَان فَخُذْ بِالأَسْهَلِ ... فِي النَّحْوِ لاَ فِي غَيرِهِ فَالأَفْضَلِ نقول: هذا تَلاعُبٌ بالنحو ولا يُحال عليه، بل هذا من تتبّعِ الرُّخص، نقول: هذا ممنوعٌ، لماذا؟ لأن لسانَ العرب مطّرد ونحن الآن بعدَ هجر اللغات يعني لم يتكلم أرباب القرى والقبائل باللغة، حينئذٍ رجعنا إلى اللغة الأم الفصحى، وإلا لو وُجِد بنو تميم بلسانهم المحفوظ وقريش والحجازيون .. إلخ كلٌّ يتكلّمُ بلسانه، لكن إذا لم يُوجَد حينئذٍ رجعنا إلى الأفصح، وأما مثلُ هذه القواعد أنه يتتبّع الرخص وخُذ الأسهل وحينئذٍ يُحمَل القرآن على هذا نقول: لا، هذا تلاعب، هذا ليس بصحيح، بل الصواب أنه يُعمل بالأفصح وخاصّة في القرآن, القرآن لا يجوز أن يُحمَل على لغة شاذة البتة لا يجوز، ولذلك أكثر المفسِّرين على أنهم إذا جاءوا في قوله تعالى: ((وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)) [الأنبياء:3] نقول: لا يمكنُ حملُها على لغة (أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ) البتة، مع أن ظاهرها (وَأَسَرُّوا) بالواو (النَّجْوَى) مَفعولٌ به (الَّذِينَ ظَلَمُوا)، فلا بُدّ من التقديم والتأخير: (الذين ظلموا أسرّوا النجوى) لا بد من هذا، ((ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)) [المائدة:71] (عَموا) بالواو (وَصَمُّوا) بالواو فهي فاعل في الأصل، لكن نقول: لا (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) هذا مُبتدأ مؤخَّر، و (عَمُوا) الجملة خبر مُقدّم، ولا نحمله على لغة (أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ) فإنها ليست فصيحة.

وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ إِنْ تُرِدْ الجرَّ فإنه جائزٌ وإن كان قليلاً، حينئذٍ هل لهما مُتعلَّق؟ إذا جرَرنا بخلا وعدا هل هو مثل: مررتُ بزيدٍ، بزيدٍ نقول؟؟؟: الباء متعلّقة بمرّ؟ هل هي مثلها؟ قيل: نعم يتعلَّقان حينئذٍ بما قبلَهما من فعلٍ أو شبهِه، تقولُ: قامَ القوم خلا زيدٍ، خلا زيدٍ: جار ومجرور مُتعلّق بقوله: قام، مثلما تقول: مررت بزيدٍ، بزيدٍ: جار ومجرور متعلق بمر، مثله لماذا؟ لأنه حرفُ جرّ، والأصل في حرف الجر إن كان أصلياً حينئذٍ على القاعدة: لاَ بُدَّ لِلجَارِّ مِن التَّعَلُّقِ ... بِفِعلٍ أَو مَعنَاهُ نَحوَ مُرتَقِي لا بد للجار الأصلي، أما الزائد والشبيه فلا، وسيأتينا في باب حروف الجر. الحروفُ ثلاثة أقسام: جرّ أصلي وهذا الذي يحتاج إلى مُتعلّق، وأما الزائد -هذا كما نذكره دائماً: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3] ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) هذه كلّها زائدة والمراد بها التأكيد، ليس لها متعلق، لا نقول: مِنْ بَشِيرٍ جار ومجرور متعلق بـ جَاءَ، لا، بل (من) هنا دخولها وخروجها سواء يعني لا تؤثِّر، لم تنقل الفاعل عن كونه فاعل إلى كونه مجروراً، بخلاف إذا قلت: جاء زيدٌ ثم تقول: مررتُ بزيدٍ، الباء نقلت زيداً من كونه فاعلاً إلى كونه مجروراً بحرف الجر، هنا أثّرت لأنها جاءت في معناها الأصلي، وأما ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] (بَشِيرٍ) هو هو فاعل: ما جاءنا بشيرٌ بالرفع لأنه فاعل، (مِنْ بَشِيرٍ) فاعل أيضاً، فحينئذٍ لم تنقله عن أصله، وحينئذٍ نقول: هذا لا يحتاج إلى مُتعلَّق، خلا زيدٍ نقول: جار ومجرور مُتعلّق بقوله: قام الذي سبق، يتعلقان حينئذٍ بما قبلهما من فعلٍ أو شبهه على قاعدة حروف الجر؛ إذ موضعُ مجرورِها نصبٌ بالفعل أو شبهه، (مررتُ بزيدٍ) قالوا: زيد هنا في محلّ نصب؛ لأن (مرَّ) هذا من حيث المعنى يتعدّى من حيث المعنى حَدثٌ يتعدّى، لكن لا يتعدى بنفسه فاحتجنا إلى حرف جرّ، وهذا ما سبق في قوله: (وَعَدِّ لاَزِماً بِحَرْفِ جَرِّ). أما ما لا يحتاج: قام زيدٌ، يحتاج إلى تعدِّي؟ قام زيدٌ؟؟؟ بالقيام، جلس عمروٌ، لا يحتاج، أما: جلسَ زيدٌ على الكرسي يحتاج إلى تعدّي لأن الجلوس متعدّي، "قامَ زيد" غير متعدي، "مرَّ زيدٌ" مرّ بمن؟ المرور وقع على من؟ الجلوس وقع على أي شيء؟ إذن لا بدّ من حدثٍ، وهذا الحدث يتعدّى، كونُه لا يتعدّى بنفسه هذا معنى كونه لازماً، حينئذٍ إذا أردنا تعديته إلى مفعوله في المعنى لا بدّ من حرف جر: مررتُ بزيدٍ، إذن زيد في المعنى مفعول به، وهذا الذي عناهُ في المعنى مفعول به، وكذلك: جلستُ على الكرسيِّ، الكرسي هذا مفعولٌ به؛ لأنه وقعَ عليه فعل الفاعل .. ضربتُ زيداً، جلستُ على الكرسي، الكرسي وزيد لا فرقَ بينهما من جهة المعنى، مع كون الكرسي هذا مجرور بـ (على) وزيداً منصوب على أنه مفعولٌ به، والذي أثّرَ في هذا دون ذاك هو الفعلُ ذاته نفسه بالنظر إليه، ذاك مُتعدٍّ وهذا لازمٌ، والتعدي قد يكون اصطلاحاً بمعنى أنه له أثر، وقد يكون من جهة المعنى، فمرّ مُتعدٍ من جهة المعنى، وضربَ مُتعدٍ لفظاً ومعنى.

إذن: يتعلَّقان حينئذٍ بما قبلَهما من فعلٍ أو شبهه على قاعدة حروف الجر؛ إذ موضعُ مجرورِها نصبٌ بالفعل أو شبهه، وقيل: موضعُهما نَصبٌ عن تمام الكلام أي: موضعُ مجرورِهما نصبٌ ناشئٌ عن تمام الكلام أي: تمام الجملة قبلهما، فتكونُ هي الناصبة ولا تعلُّقَ بالحرف حينئذٍ. إذن: قولان؛ خلا زيدٍ متعلق بقام "قام القوم خلا زيدٍ"، فقيل لا "خلا زيدٍ" ليس متعلقاً بما قبلهم وإنما ما بعدَه في محل نصبٍ، بماذا؟ بتمام الكلام، كأنهم جعلوا تمام الكلام عاملا، إذا تم الكلام حينئذٍ نُصب ما بعده، هذا فيه إشكال والصواب هو الأول. وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ إِنْ تُرِدْ: إذن سَابِقَيْ يَكُونُ هما خلا وعدا إذا جُرِّدتا عن (ما)، فأما إذا دخلت عليهما ما فعندَ جماهير النُحاة أنه يتعين النصب ويجب، لأن ما هذه مصدرية، وإذا كانت ما مصدرية حينئذٍ لا تدخل إلا على الفعل، يعني لا تختص إلا بالفعل، فإذا كانت خلا مُحتمِلة للفعلية والحرفية حينئذٍ إذا دخلت عيلها ما المصدرية عيّنتها خصصتها للفعلية فلا يجوز ما بعدَها إلا النصب، فتقول: قام القوم ما خلا زيداً ولا يجوزُ ما خلا زيدٍ بالجر، لماذا؟ لأن ما خلا زيدٍ، زيدٍ نقول هنا جُعلت (ما) زائدة، وهذا خلافُ القياس، لأن (ما) الزائدة إنما تُزادُ بعدَ الحرفِ لا قبلَه، فَبِمَا رَحْمَةٍ .. (ما)، فَبِمَا إذن دخلت الباء ثم (ما) ثم رحمةٍ هذا قياس، "عما قليلٍ" إذن دخلت ما الزائدة بعد الحرف لا قبله، فنقول في هذا التركيب "ما خلا زيدٍ" فيه ضعفٌ من هذه الجهة. وَبَعْدَ (مَا) انْصِبْ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ، وبعدَ ما المصدرية انصِب وجوباً ليس على الجواز كما هو في الشأن إذا لم تتقدَّم عليها ما، لا؛ واجبُ النصب، ولذا قال: وَبَعْدَ مَا المصدرية انْصِبْ حتماً لأنهما تعيَّنا بها للفعلية، فلما دخلت ما المصدرية حينئذٍ صارَ (عدا وخلا) فعلين كقوله: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله بَاطِلُ .. الله هذا مفعول به، وخَلاَ هذا فعلٌ تعيّنَت في الفعلية، والفاعل ضميرٌ مستترٌ وجوباً تقديره هو؛ يعودُ على البعضِ المفهوم من الكل السابق أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ ما خَلاَ الله بَاطِلُ إذن " مَا خَلاَ الله بَاطِلُ" بَاطِلُ: هذا خبر. وموضعُ الموصول وصلته نَصبٌ بالاتفاق، لأنَّ (ما) وما دخلَت عليه .. ما مصدرية، وما المصدرية تؤوّل مع ما بعدَها بمصدر. إذن ما موضعُ هذه الصلة هنا؟ قالوا موضعُ الموصول وصلته نصبٌ بالاتفاق، فقال السيرافي على الحال؛ اتفقوا على أنه نَصبٌ واختلفوا في إعرابه، فقال السيرافي على الحال، وقيلَ على الظرف وما وقتية حينئذٍ، إذا قيلَ بأنها منصوبة على الظرف حينئذٍ ما تكون وقتيّة؛ بمعنى وقت؛ نابتْ هي وصلتها عن الوقت، فالمعنى على الأول قاموا مُجاوزِين زيداً، وعلى الثاني: قامُوا وقتَ مجاوزتهم زيداً. إذا جعلنا ما مصدرية: قاموا مجاوزين مصدر، وإذا جعلناها مؤوّلينها باسم الفاعل لأنه حال وإذا جعلناها وقتية حينئذٍ نأتي بلفظ وقت؛ قاموا وقتَ مجاوزتهم زيداً. هذا الفرق.

وعلى الأول هي حال وعلى الثاني ظرفية، وقيلَ على الاستثناء كانتصاب غير في: قاموا غيرَ زيداً. إذن هي منصوبة باتفاق، وإنما اختلفوا في وجه النصب؛ قيلَ الحال وما مصدرية، وقيلَ على الظرفية وما وقتية، وقيلَ مُنتصبة كانتصاب (غير) على الاستثناء. وَبَعْدَ مَا انْصِبْ حتماً .. انصب حتماً لأنه واجب، وقد يُقال: بأننا لا نحمله على الوجوب، لأنه قال: وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ، نقول: لا؛ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ هذا شاذٌ يُحفَظ ولا يقاس عليه، ولذلك لا نجعله قرينة لقوله انْصِبْ على أنه مُرادٌ به الجواز، وإنما المراد به الوجوب على الأصل. وَبَعْدَ مَا انْصِبْ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ ولذلك قال: وَانْجِرَارٌ أفادَ بتنكيره قلة الجر، قَدْ يَرِدْ أجاز ذلك الجرمي والربعي والكسائي والفارسي، لكن على تقدير ما زائدة لا مصدرية، يعني من جوَّزَ الجر بها مع دخول ما لا يمكن أن يقول بأن ما مصدرية على بابها، وإنما قدَّر أن ما زائدة، قاموا ما عدا زيدٍ، ما خلا زيدٍ، ما وجهه؟ ما زائدة. لكن على تقدير ما زائدةً لا مصدرية، فإن قالوا بالقياس ففاسد، إن قالوا بالقياس على غيرها لأنها تُزاد (ما) بعد الحرف .. نقول: إن قالوا بالقياس ففاسد، لماذا؟ لأنه حُمِل ما زِيدت (ما) فيه قبلَ الحرف على ما زِيدت (ما) فيه بعد الحرف. القياس في لسان العرب -هذا سينصُّ عليه الناظم في آخر باب حروف الجر- أنه قد تُزادُ ما بعد الحرف، فيبقى العمل في بعضها وبعضها يُكفّ. فحينئذٍ " فَبِمَا رَحْمَةٍ" نقول رحمة هذا مجرور بماذا؟ بالباء حرف الجر و (ما) هذه لم تكفها. حينئذٍ زيدة ما بعد الحرف، وما ادّعوه من القياس باطل للفرق بين الفرع والأصل، لم يقع تساوي بينهما، قاسوا ما زيدت فيهما قبل الحرف على ما زيدت فيه ما بعد الحرف، قاسوا ما لا نظير له على ماله نظير، نقول هذا فاسد قياسٌ فاسد لا يعول عليه، فإن قالوا بالقياس ففاسد، لأن ما لا تُزاد قبل الجار بل بعده، " عَمَّا قَلِيلٍ" واضح هذا " فَبِمَا رَحْمَةٍ"، وإن قالوا بالسماع فهو من الشذوذِ بحيث لا يُحتج به. إذن الصواب أن يُقال بأن خلا وعدا فيهما وجهان الأول: خلوهما عن (ما) فيجوز فيهما الوجهان النصب على الاستثناء والجر بكونهما حرف جر، إن جررت بهما حينئذٍ حكمت عليهما بالحرفية، وإذا نصبتَ بهما حكمتَ عليهما بالفعلية، والأرجحُ هو النصب، وإذا تقدمت ما حينئذٍ يتعينُ النصب بها، ولا يجوز الجر، وأما قوله: وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ " وَانْجِرَارٌ" هذا مبتدأ يعني انجرار بهم حينئذٍ قَدْ يَرِدْ قد بالتقليل، ونكَّر انجرار للقلة فدلَّ على أنه قليل جداً، ولذلك لا يعول عليه، إن سُمع يعتبر مما لا يُقاس عليه، فهو شاذٌ كما قال الأشموني: فهو من الشذوذ بحيث لا يُحتج به لا يُحتج به.

قال الشارح: إذا لم تتقدَّم ما على خلا وعدا فاجرُر بهما إن شئت، لأنه قال إِنْ تُرِدْ فأنت مخير أنت الذي تتكلم، حينئذٍ أردت النصب أو أردت الجر فأنت المخير، فتقول قام القوم خلا زيدٍ، حينئذٍ خلا زيدٍ فيهما الوجهان السابقان، نقول خلا حرف جر وزيدٍ مجرور مثل بزيدٍ متعلق بقوله قام، حينئذٍ يكونُ موضع خلا زيدٍ النصب، وقد يكون كذلك النصب ولا يكون متعلقاً بما قبله، وإنما يكون العامل هو خلا نفسه، وتكونُ الجملة التامّة السابقة هي عاملة النصب في ما بعدها، وعدا زيد كذلك، فخلا وعدا حرفا جرٍ، ولم يحفظ سيبويه الجر بهما، وإنما حكاه الأخفش فمِن الجر بخلا قوله: خَلاَ اللهِ لاَ أَرْجُو سِوَاكَ وَإِنَّمَا ... أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا خَلاَ اللهِ هذا جرَّ بهما وهي لم تتقدّم عليها ما، ومن الجر بعدا قوله: أَبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلاً وَأَسْراً ... عَدَا الشَّمْطَاءِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ عَدَا الشَّمْطَاءِ جرَّ بها دون تقدم (ما) عليها. فإن تقدمت عليهما (ما) وجبَ النصب: "قام القوم ما خلا زيدا"، إذن (ما) هذه مصدرية، ويكون المصدر المنسبك من (ما) والفعل بعدها في محل نصب، إما على الحالية وإما على الظرفية وإما على الاستثناء، وإذا جعلناها على المصدرية فما مصدرية، وإذا جعلناها ظرفية فما وقتية، فيُقدّر لفظ وقت، وإذا كانت استثناءً فهي مثل غير. وصلتها، فما مصدرية وخلا وعدا صلتها وفاعلهما ضمير مستتر يعود على البعض كما تقدم تقريره، وزيدٌ مفعولٌ، وهذا معنى قوله: وَبَعْدَ مَا انْصِبْ هذا هو المشهور. وزاد الكسائي الجرّ بهما بعد ما على جعلِ ما زائدة، وجعلِ خلا وعدا حرفي جرٍّ، فتقول: قام القوم ما خلا زيدٍ وما عدا زيدٍ، وهذا معنى قوله: وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ، وقد حكى الجرميُّ في الشرح الجرّ بعد (ما) عن بعض العرب، لكنه يُحفَظ ولا يُقاس عليه. وَحَيْثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ ... كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلاَنِ وَحَيْثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ. قيلَ هذا البيت من المشكل في ألفية ابنِ مالك من جهة الإعراب، لوجودِ الفاء فقط، وَحَيْثُ جَرَّا فَ .. ، هُنا أجري حَيْثُ مُجرى حيثما الشرطية، وهذا على رأي الفراء، لماذا؟ لأن الفاء واضح أنها واقعة في جواب الشرط، وإذا كان في جواب الشرط فأين الشرط؟ ليس عندنا شرط، وحيثُ ليست من أدوات الشرط، وإنما من أدوات الشرط إذا رُكبت مع ما، حيثما تستقم، حينئذٍ نقول: هنا حيثما بزيادة ما هي الشرطية، وأما حيثُ لوحدها فلا، سيأتي معنا في باب الإضافة، إذن حَيْثُ أجري الظرف مجرى الشرط فأُدخل الفاء على الجواب كقوله: " وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ". يعني معنى الشرط، أحياناً يُلاحظُ معنى الشرط فتدخل الفاء في الجواب، وهذا واضحٌ بيّن في المبتدأ، كما ذكرناه سابقاً؛ كالمثال: الذي يأتيني فله درهمٌ.

الذي: هذا مبتدأ، جملة فله درهمٌ خبر، دخلت الفاء في الخبر لماذا؟ تشبيهاً له في الشرط، لأن فيه معنى الشرط، وهو التعليق، "إن تأتيني لك درهم" هذا المعنى، ففيه تعليقُ الدرهم على المجيئ، وهذا معنى الشرط، "من جاءني أكرمته" "إن جئتني أعطيتك درهم" كذلك هنا، وَحَيْثُ جَرَّا نقول هنا: أُدخل الفاء في الجواب حملاً أو إجراءً لحيث مجرى الشرط، وقيل: لا؛ ظرفٌ متعلق بـ حَرْفَانِ هنا في هذا التركيب. كيف تعلَّق بـ حَرْفَانِ وحرفٌ هذا جامد؟ قالوا: لأنه مؤولٌ بالمشتق، ظرف متعلق بـ حَرْفَانِ لأنه في معنى محكومٌ بحرفيتهما، حَرْفَانِ يعني شيئان محكومٌ بحرفيتهما، إذن فيه معنى المشتق، ولذلك صح تعليق الظرف به، وَحَيْثُ جَرَّا .. جَرَّا: فعل ماضي مبني على الفتحة لا محل له من الأعراب، والألف هذه ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، فَهُمَا حَرْفَانِ؟ فإما زائدة وإما واقعة في جواب الشرط، إما زائدة إذا جعلنا حَيْثُ ظرف متعلق ب حَرْفَانِ تكون زائدة، لأن فاء الشرط لا يعملُ ما بعدها فيما قبلها، لو جعلنا حيثُ متعلّقة بحرفان، حينئذٍ لا يكون الفاء واقعة في جواب الشرط، لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها، وحينئذٍ كيف نعلق حيث بها؟ الصواب أن نقول: حيثُ هذه ظرف متعلق بحرفان، والفاء هذه زائدة، وهُمَا حَرْفَانِ مبتدأ وخبر باتفاقٍ، يعني إن جرّا هما حرفان باتفاق، ولو تقدّمت ما؟ نعم حتى عند من قال بتقدّم (ما) ويجوزُ الجرّ كذلك هي حرفٌ عنده، لأن ما زائدة عنده، وإذا كانت زائدة إذن ليست مصدرية، والمصدرية هي التي تُعين فعلية ما بعدها إما خلا وإما عدا. إذن "قاموا ما عدا زيدٍ" نقول عدا هنا حرف حتى عند الكسائي وغيره، "جاءوا ما خلا زيدٍ" نقول خلا هنا حرف. إذن وَحَيْثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ مطلقاً، وهذا باتفاق؛ سواءٌ دخلت عليهما (ما) أو لا عند من قال بجواز انجرار ما بعدهما فيما إذا دخلت عليهما ما. " كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلاَنِ" كَمَا هذا متعلق جار ومجرور بـ (فِعْلاَنِ)، فعلانِ فعل هذا جامد فكيف تعلق به؟ لأن المراد بالفعل هنا الاسم، ليس المراد فعل من مصدر المراد به اسم المفعول لا، فعل المراد به اسم فإذا كان كذلك صار جامداً. خلا فعل، عدا فعل، قام فعل، صار اسم مُسمّاه خلا وعدا وقام.

حينئذٍ كيف يُعلّق كما بفعلانِ؟ أيضاً مؤولٌ بالمشتق، كما هما فعلانِ، أيضاً في معنى محكومٌ بفعليتهما كما قيل في الأول حرفان، كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلاَنِ، يعني محكومٌ بفعليتهما، وإذا قيل محكومٌ صار مردّه إلى الاشتقاق أو اسم مفعول، كَمَا هُمَا: "هُمَا" مبتدأ إِنْ نَصَبَا: إن حرف شرط ونصبا؟؟؟ والألف فاعل؟ ومردهما مرجعهما خلا وعدا، فِعْلاَنِ يعني هذا خبر، هُمَا مبتدأ وفِعْلاَنِ خبر مرفوع ورفعه الألف وهذا باتفاق أيضاً، إذا نصبا هما فعلان باتفاق. وفي الحالين سواءٌ اقترنا بـ (ما) أو تجردا عنها، "قام القوم خلا زيداً" هنا نصبت إذن هي فعلٌ باتفاق، "جاء القوم عدا زيداً" لم تتقدّم عليهما (ما) إذن نقول هي فعلٌ. إذن هما إِنْ نَصَبَا فِعْلاَنِ مطلقاً سواءً تقدمت عليهما ما المصدرية أو لا، لماذا؟ لأنه لو نصبت حينئذٍ لم تكن حرف جر، لو قيل: "جاء القوم عدا زيداً، زيداً: هل يمكن أن يكون ما قبله حرف جر؟ ما يُتصوّر؛ لأن حرف الجر يجرّ لا ينصب، حينئذٍ إذا نصبت علمنا أن خلا وعدا فعلان. أي إن جررت بخلا وعدا فهما حرفا جرٍ وإن نصبتَ فهما فعلانِ، وهذا مما لا خلاف فيه: وَكَخَلاَ حَاشَا وَلاَ تَصْحَبُ مَا ... وَقِيلَ حَاشَا وَحَشَا فَاحْفَظْهُمَا

يعني هاتين اللغتين، حَاشَا الحرف الأخير على رأي سيبويه، وهي مثل خلا عند غيره. حرفٌ مطلقاً عند سيبويه لا تخرج عن الحرفية، ولكن عند الناظم وكثير من النحاء أن خلا وحشا بمعنى واحد؛ يعني تكون حرفاً وتكون فعلاً؛ تكون حرفاً يُجر بها، وفعلاً يُنصب ما بعدها، فتقول: جاء القوم حاشا زيدٍ حاشا زيداً، ولا يصح أن يُقال جاء القوم ما حاشا زيداً، لأن حاشا لا تدخل عليها ما، إذن قوله: وَكَخَلاَ حَاشَا، حاشا كخلا؛ كَخَلاَ هذا خبرٌ مقدّم، وحَاشَا هذا قُصد لفظه مبتدأ مؤخر. حاشا كخلا في ماذا؟ في جواز جر المستثنى بها ونصبه، يعني يُجرّ ما بعدها ويُستثنى بها أولاً، حاشا كخلا في كونه يُستثنى بها، هذا أولاً من جهة المعنى، لأننا نحتاج أن نثبت أن هذا الحرف مما يصح الاستثناء به، هذا أولاً من جهة إثبات الاستثناء بحاشا، ثم عملها نقول: هي مثل خلا عند الجمهور؛ بمعنى أنه يُجرّ بها ما بعدها، ويُنصب بها ما بعدها، فكما تقول جاء القوم خلا زيدٍ وخلا زيداً؛ إن جررت فهي حرفٌ، وإن نصبت فهي فعلٌ، مثلها حاشا فتقول قام القوم حاشا زيداً؛ فهي فعلٌ لأنك نصبت بها، وحاشا زيدٍ فهي حرفٌ لأنك جررت بها، ولا يتعين النصب؛ لأن النصب هناك تعين في عدا وخلا لماذا؟ لتقدم ما المصدرية عليها. إذن لخارجٍ عن مجرد اللفظ، وأما هنا فلا؛ لا يتعين النصب لأن ما المصدرية لا تدخل على حاشا، وَكَخَلاَ حَاشَا، إذن هذه ثلاثة ألفاظ خلا وحاشا وعدا يُجر بهن وينصب بهن، تكون فعلاً يعني من حيث هي بقطع النظر عن تقدم ما، خلا وعدا وحاشا يُجر بهن المستثنى، وينصب بهن المستثنى، إن جررت فهن حروف، وإن نصبت فهن أفعالٌ، إذا جررت بالثلاثة فقلت: خلاي وحاشاي وعداي بدون نون الوقاية؛ إذا جررتَ بها الياء قلت: عداي وحاشاي وخلاي، مثل لي ولك، وما إلى ذلك، وإن نصبت فبنون الوقاية؛ خلاني حاشاني عداني، إن نصبت حينئذٍ لا بد من نون الوقاية، لأنها فعل: وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ التُزِمْ ... نُونُ وِقَايَةٍ وَلَيْسي قَدْ نُظِمْ وهو الشاهد. إذن خلاني عداني حشاني، نقول: إذا نصبت بهن حينئذٍ لزمت نون الوقاية، وإذا لم تنصب حينئذٍ تقول: خلايا وعدايا وحاشايا، ويجوز في خلاك وخلاه وحاشاكا وحاشاه وعداك وعداه كون الضمير منصوباً أو مجروراً، لأن هذه الضماير تأتي في محل نصب وتأتي في محل جر، لك .. ضربتك، إذن لو جاءت بعد خلاك وخلاه، نقول هذا يحتمل النصب ويحتمل الجر، فيوجّه على الاحتمالين، وَلاَ تَصْحَبُ مَا: يعني لا تتقدم عليها ما المصدرية، وهذا مرده إلى لسان العرب، وَقِيلَ حَاشَا بدون ألف حاشا بالألف، وحاشْ، إذا وقفت عليه، وحاشَ بالفتحة فقط في حال الوصل، وَحَشَا تحذف الألف التي بين الحاء والشين تقول حشا، فَاحْفَظْهُمَا يعني احفظ هاتين اللغتين زيادةً على حَاشَا.

إذن: الجر بحاشا هو الكثير الراجح هكذا قال الأشموني: الجر بحاشا هو الكثير الراجح، ولذلك التزم سيبويه وأكثر البصريين حرفيتها، ولم يجيزوا النصب، والصحيح جوازه لسماعه، وذهب الفراء إلى أنها فعلٌ، لكن لا فاعل له، والنصب بعده إنما هو بالحمل على إلا، فيكون منصوباً بالاستثناء، إذا قيل: جاء القوم حاشا زيداً، قال حاشا فعلٌ لا فاعل له، لماذا نُصب بعدها؟ قال: حملاً على إلا الاستثنائية، ولم يُنقل عنه ذلك في خلا وعدا، ويحتمل أنه يقول بذلك في خلا وعدا أيضاً، لكنه لم ينقل عنه. إذن: المشهور أن حاشا لا تكون إلا حرف جرٍ، فتقول: قام القوم حاشا زيدٍ، بجر زيد، وذهب الأخفش والجرمي والمازني والمبرد وجماعة منهم المصنف إلى أنها مثلُ خلا تُستعمل فعلاً، فتنصب ما بعدها، وحرفاً فتجر ما بعدها، فتقول: قام القوم حاشا زيداً وحاشا زيدٍ، وحكى جماعة منهم الفراء وأبو زيد الأنصاري والشيباني النصبَ بها، ومنه قول الشاعر: (حَاشَا قَريْشاً) نصب بها، حَاشَا قَريْشاً صارت حاشا فعلاً ماضي والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره هو؛ يعود على المفهوم، يعني هذا لا بد من النظر في البيت السابق: حَاشَا قَريْشاً. وقول المصنف: وَلاَ تَصْحَبُ مَا، معناهُ أن حاشا مثل خلا في أنها تنصب ما بعدها أو تجره، ولكن لا يتقدَّمُ عليها ما، كما تتقدَّم على خلا، فلا تقول: قام القوم ما حاشا زيداً، وهذا الذي ذكره هو الكثير وقد صحبتها ما قليلاً، جاء في الحديث: {إليّ ما حاشا فاطمة}، لكن قيل هذه ما نافية وحاشا هنا استثنائية، ليست حرفاً وإنما هي فعل، وسيأتي في أقسامها وقوله: رَأَيتُ النَّاسَ مَا حَاشَا قُرَيْشاً ... ... ... فَإِنَّا نَحنُ أَفْضَلُهُم فَعَالاً يقال في حاشا: حاشا وحشى، حَاشَا تأتي في اللغة على ثلاثة أوجه: الأول: أن تكون استثنائية، وهي التي قدم الكلام عليها، وهذه حرف، أو فعلٌ على ما ذكره الناظم، وحرفٌ فقط على مذهب سيبويه، الوجه الأول أن تكون استثنائية. الثاني: أن تكون تنزيهية نحو: ((حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ))، وليست حرفاً، أي مدلولاً بها على تنزيه ما بعدها من السوء، وليست حرفاً، قال في التسهيل: ليست حرفاً بلا خلاف بل هي فعلٌ، ورُدّ بأن المبرد وابن جني والكوفيين على أنها فعل. إذن قال حرفٌ بلا خلاف؛ حكى الإجماع .. القول بحرفيتها، ولكن مذهب الكوفيين أنها فعل، والصحيح أنها اسمٌ مرادفٌ للتنزيه منصوب انتصاب المصدر الواقع بدلاً من اللفظ بالفعل، بدليل قراءة ابن مسعود: حاشا اللهِ .. بالإضافة، حَاشَ لِلَّهِ استعملها استعمال معاذ الله وسبحان الله، إذن بالإضافة، وقراءة بعضهم حاشاً لله بالتنوين أي تنزيهاً لله كما يقال: رعياً لزيدٍ، ومَن تركَ التنوين فهي مبنية عنده لشبهها بحاشا الحرفية لفظاً ومعنى، هذا النوع الثاني وهي حاشا التنزيهية، قيل: فعل، وقيل: حرف، والصواب أنها اسمٌ مثل سبحان الله ومعاذ الله، ويدل عليها قراءة ابن مسعود: حاشا الله بالإضافة، دلّ على أنه عاملها معاملة سبحان الله ومعاذ الله.

الثالث: أنها تكونُ فعلاً متعدّياً متصرفاً؛ تقول: حاشيته، بمعنى استثنيته، وهذه حاشا تُكتب بالألف .. الألف بصورة الياء لأنها رُباعية، الفرقُ بينها وبين حاشا الاستثنائية أن حاشا الاستثنائية تُكتب ألف .. عصا، وأما حاشى التي تكون فعلاً استثنائياً إنما تكتب بالياء على صورة الياء، تُكتب ألفاً وياءً لكونها رابعة. إذن خلاصة ما ذكره الناظم: أن الاستثناء يكون بأدواتٍ ثمانية؛ الأم فيها (إلا)، ثم ما بعدها فهو محمول عليها، ولذلك قد يُعرب في بعضها خبراً كما هو في ليس ولا يكون، ويُعرب مفعولاً به كما هو في خلا وعدا. بَابُ الْحَالِ قال رحمه الله: بَابُ الْحَالِ: أي هذا باب الحالِ، وهو من المنصوبات مما يجب نصبه ولا يجوز جره، وهو واجب النصب، قد سمع أو قيل: لم أجئ بمبكرٍ، لم أجي مبكراً، هذا الأصل، الأصل في الحال واجبة النصب، ولكن دخلت عليها الباء الزائدة، قيل: لم أجيء بمبكرٍ، حينئذٍ نقول الباء حرف جر زائد، مبكرٍ حالٌ منصوبٌ واجب النصبِ، وعلامته فتحةٌ مقدرة على آخره منعَ من ظهوره اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، لكن هذا يُحفظُ ولا يقاس عليه، ليس كالمبتدأ والفاعل والمفعول به هناك, هناك يجوز دخول حرف الجر الزائد عليه، وأما الحال لا، لأنها ملازمة للنصب. الْحَالُ: الألف هذه منقلبة عن واو، وأصلها حَوَلٌ فَعَلٌ تحركت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، لجمعها على أحوال وتصغيرها على حُويلة، إذن الواو رجعت، وهذا سبق معنا إذا أشكل عليك الألف هذه منقلبة عن واو أو ياء حينئذٍ ردّها إلى الجمع, الجمع يردّ الأشياء إلى أصولها، وكذلك التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فحينئذٍ يجمع حال على أحوال ويصغر حال على حويلة، واشتقاقها من التحول، ولذلك اشترط فيها الانتقال، وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا يَغْلِبُ .. لماذا؟ لأنها مأخذوةٌ من التحول، والحال يُذكّر لفظه ويؤنث، وهي في اللغة ما عليه الإنسان من خيرٍ أو شر، وعلى الوقت الذي أنت فيه، يعني يُطلق على هذا وذاك، يطلق على الوقت الذي أنت فيه، يُقال حال ويُطلق على ما عليه الإنسان من خيرٍ أو شر، ومن جهة اللفظ يُذكر ويؤنث يُقال: حالٌ وحالةٌ؛ يجوز فيه الوجهان، إلا أن تجريده من التاء أفصح، ولذلك جاء: إِذَا أعْجَبتْكَ الدَّهرَ حالٌ مِنِ امْرِىءٍ ... فَدَعْهُ وواكِلْ أَمْرَهُ واللَّيالِيَا إذن: جاء لفظ حال بدون تاء، وكذلك جاء بالتاء: عَلَى حَالَةٍ لَوْ أَنَّ في الْقَوْمِ حَاتِماً ... عَلَى جُودِهِ ظَنَّتْ بِهِ نَفسُ حَاتمِ إذن: يجوز الوجهان، والترك أفصح، إذا قيل: حالةٌ حينئذٍ وجب التأنيث مراعاةٌ للفظ، فتقول حالةٌ حسنةٌ، وتحسنت حالةُ زيدٍ، وحسنت حالةُ زيدٍ، واجب التأنيث، لأن اللفظ مؤنث، على التفصيل السابق فيما إذا كان مجازي التأنيث.

أما إذا كان مجرّداً عن التاء حينئذٍ يجوزُ فيه الوجهان، فتقول: حالٌ حسنٌ وحالٌ حسنةٌ، وتقول: "حسُن حال زيدٍ وتحسّنت حال زيدٍ"، يجوز فيه هذا ويجوز ذاك، هذا متى؟ ليس مطلقاً كما يظن البعض لا؟ هذا إذا جُرّدت عن التاء، إذا قيل حالٌ هكذا بدون تاء جاز في اللفظ التأنيث والتذكير، وأما حالةٌ بالتاء التي ذكرها بقوله: عَلَى حَالَةٍ، نقول هذه واجب، إن جاءت في موضع وجوبٍ. والحال يُذكّر لفظه وضميره ووصفه، أما إذا قيلَ حالةٌ لا إشكال فيه، الكلام في الحال .. يُذكّر لفظه وضميره ووصفه وغير ذلك، لكن الأرجح في اللفظ التذكير، التذكير أرجح من التأنيث؛ بأن يُقال: حالٌ بلا تاء، وفي غيره التأنيث، يُقال: حالٌ وحالةٌ، فيذكر لفظه ويؤنث، فيقال: هذا حالٌ وهذه حالٌ، وحالٌ حسن وحالٌ حسنةٌ، أما في الاصطلاح فقال الناظم: الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ ... مُفْهِمُ فِي حَالِ كَفَرْدَاً أَذْهَبُ ذكرَ وصفاً فضلةً منتصباً مُفهمَ في حالٍ، هذه أربعة قيود، لا بد من اجتماعها في اللفظ من أجل أن يصدق عليه أنه حال، وهنا الخلل في التعريف أنه أدخل الحكم في الحد؛ لأنه قال: مُنْتَصِبُ، هذا إن أرادَ به مجرد النصب حينئذٍ صار حكماً مجرداً؛ يعني غير مُضمّن بفصلٍ يُخرج به ما قد يدخل، فحينئذٍ صار معيباً: وَعِندَهُم مِن جُملةِ المَردُودِ ... أَنْ تُدخَلَ الأَحَكَامُ فِي الحُدُودِ لا يجوزُ أن يُذكر في الحد الحكم، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإن أُريد به الإخراج حينئذٍ لا بد من تقييد مُنْتَصِبُ لزوماً، يعني واجب النصب، وفرق بين أن يقال الشيء منصوبٌ وبين لازم النصب، لأنه إذا قيل لازم النصب نصبٌ وزيادة، وإذا قيل منتصب هذا يحتمل أنه على جهة الإيجاب ويحتمل على أنه على جهة الجواز. الْحَالُ: الحالُ أظهر في مقام الإضمار، الأفصح إذا ذُكر اللفظ مظهراً حينئذٍ فالأفصح أن تُعيد إليه الضمير وتقول: وهي أو وهو، وَصْفٌ فَضْلَةٌ وأما أن تقول الحالُ الحالُ، نقول هذا فيه تكرار إظهارٌ في مقام الإضمار يعني المقام البياني البلاغي يقتضي منك أن تُضمر هنا؛ تأتي بضمير ولا تعيد الاسم الظاهر؛ إذا أعدته هذا خلاف الفصيح، فلا بد من علة فابحثوا له عن علة. الحال وصفٌ هذا أول قيد، والوصف المراد به عند النحاة ما دل على ذاتٍ ومعنى. إذن يُشترط في أول ما يصدق عليه أنه حال أن يكون وصفاً، والمراد بالوصف هنا أن يدل على ذات ومعنى، فالوصف عند النحاة ما دل على ذاتٍ ومعنى، أو إن شئت قل: على حدثٍ وصاحبه، وهنا في هذا المقام يُفسر باسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل وصيغ المبالغة؛ خمسة أشياء. اسم الفاعل اسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل وصيغ المبالغة؛ هذه تقع حالاً كما هو معلوم.

الْحَالُ وَصْفٌ؛ إذن الوصفُ هذا نقول جنس، يشمل الخبر، ويشمل النعت، ويشمل الحال. فَضْلَةٌ والفضلة ما ليسَ ركناً في الإسنادِ، ولا نقول ما يُستغنى عنه، وإن أجابوا عن الاعتراض الوارد على هذا الحدّ، بل نقول الفضلة هي ما ليس ركناً في الاسنادِ، فخرجَ حينئذٍ الخبرُ إذا وقعَ وصفاً، "زيدٌ قائمٌ" قائمٌ هذا حال لأنه وصف من اسم فاعل، نقول لا ليس بحالٍ؛ لماذا؟ لأنه عمدة والشرط أن يكون فضلة، أقائمٌ الزيدان؟ قائمٌ هذا وصفٌ، حال؟ ليس بحال؛ لماذا؟ لأنه عمدة، ويشترط في الحال أن يكون فضلةً. إذن الفضلة أخرج العمدة، سواءٌ وقعَ الوصفُ خبراً، كما في قولك زيدٌ قائمٌ أو وقعَ الوصف مبتدأً، كما في قولك أقائمٌ الزيدان؟ الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ، إذن فَضْلَةٌ أخرجَ الخبر، مُنْتَصِبُ المراد بالنصب الظاهر والله أعلم هنا النصب اللازم، حينئذٍ هو مخرجٌ لنعتي المرفوع والمخفوض، أخرجَ النعت لأنه قد يُقال: جاءني رجلٌ راكبٌ، راكبٌ هذا نعت ليس بحال، لماذا؟ هو وصفٌ وفضلةٌ، صدق عليه أنه وصف، لأنه اسم فاعل راكب، وصدق عليه أنه فضلة، لأنه ليس بعمدة. بقي ماذا؟ مُنْتَصِبُ، إذن النعتُ في حالة الرفع خرجَ بقوله: مُنْتَصِبُ، لأنه مرفوع والحال لا يكون مرفوعاً، بل يكون منصوباً. إذن "جاءني رجلٌ راكبٌ"، لا نقول: راكب هذا حال، وإنما هو نعتٌ، "مررتُ برجل راكبٍ"، وصف فضلةٌ لكنه ليس منتصباً، إذن مُنْتَصِبُ نقول أخرجَ النعت في حالتي الرفع والجر، "مررتُ برجلٍ راكبٍ" و"جاءني رجل راكب". مُفْهِمُ فِي حَالِ بدون تنوين لأنه مضاف في حال كذا، وهذا الذي يُريد به النحاة في غير هذا الكتاب أن يكون دالاً على الهيئة، بمعنى أنه يكشف هيئة صاحب الحال؛ "جاء زيد راكباً"؛ راكباً: نقول: هذا وصف فضلة منتصبُ؛ هل هو مثل رأيت رجلاً راكباً؟ ليس مثله؛ "رأيتُ رجلاً راكباً", راكباً: هذا نعت وجاء زيدٌ راكباً, راكباً هذا حال؛ راكباً من قولك "جاء زيدٌ راكباً جيءَ به لبيان هيئة مجيء زيد، لأن المجئ محتمل، حينئذٍ "جاء زيد .. جاء راكباً ماشياً متزحلقاً" يحتمل هذا وذاك، لما قلت راكباً حينئذٍ قيدت العامل، وأخرجتَ بهذا القيد فيما إذا وقع راكباً نعتاً لرجل من جهتين: أولاً يقال بأن صاحب الحال لا يكون إلا معرفة، حينئذٍ جاء زيد راكباً يتعين أن يكون حالاً، ورأيت رجلاً ركباً, هذا يعتبر نعتاً لأن المنعوت هنا نكرة وصاحب الحال لا يكون نكرة، هذا واحد. ثانياً: يُقال بأن راكباً في " رأيت رجلاً راكباً" وهو النعت هنا جاء بيان الهيئة تبعاً لا قصداً، لا بد أن يقال بأنه فيه دلالة على هيئة الموصوف، لكن هنا جاءت الدلالة من جهة ماذا؟ من جهة كونها تابعة لا مقصودة، لئلا يلتبس بغيره الرجل ذاته، راكباً، فحينئذٍ راكباً هذا مُنصَبٌّ على الرجل نفسه، ولا علاقة له بالعامل، بخلاف الحال، ولذلك المشهور عند الأصوليين وغيرهم حتى النحاة أن الحال قيد لعاملها وصف لصاحبها؛ بخلاف النعت, النعت لا يكون إلا وصفاً لصاحبه ولا علاقة له بالعامل، إذن مُفْهِمُ فِي حَالِ: يعني في حال كذا، هنا بدون تنوين لأن المضاف إليه محذوف وهو منوي إلا حال كذا يعني في حال كذا.

الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ ... مُفْهِمُ فِي حَالِ كَفَرْدَاً أَذْهَبُ وهذا المثال سيأتي. الْحَالُ وَصْفٌ، إذن نقول: وَصْفٌ والمراد به ما دلَّ على حدثٍ وصاحبه، والوصف قد يكون صريحاً وقد يكون مُؤوّلاً بالصريح، وهنا هل المراد به العموم أم الوصف الصريح فحسب؟ نقول: المراد به ما يعمّ المؤول، لأنه سيأتي أن الحال تكون مفردة، وقد تقع جملة، وقد تقع شبه جملة، حينئذٍ الجملة وشبه الجملة مؤولان بالمفرد إذا رددناهما إلى الوصف. إذن وصفٌ أي صريح أو مؤولٌ فدخلت الجملة وشبه الجملة، والوصف جنس يشمل الحال وغيره، كما ذكرناه يشمل الخبر والنعت والحال، ويُخرج نحو القهقرى في نحو: رجعت القهقرى، لأنه ليس بوصف، القهقرى هذا اسم جامد وإن دل على وصف في نفسه لكنه ليس دالاً على ذات وحدث، حينئذٍ خرج بقولنا وَصْفٌ فهو ليس بوصف. فَضْلَةٌ أخرج العمدة كالمبتدأ في نحو: أقائم الزيدان والخبر في نحو زيدٌ قائمُ. مُنْتَصِبُ أخرجَ النعت؛ لأنه ليس بلازم النصب، والمراد منتصب وجوباً، أخرج النعت من حيث النصب بقطع النظر عن كونه لازماً، أخرج المرفوع والمجرور، جاءني رجلٌ راكب، مررت برجل راكب أخرجناه بمنتصب، كونه لازماً؛ هذا قيد على قيد، أخرجَ النعت في حال كونه منصوباً؛ رأيت رجلاً راكباً، والفرق بين النعت والحال بأن يقال النعت لتقليل الشيوع, فـ"جاءني كلّ رجل قائمٍ" قائم هذا نعت أقلُّ أفراداً من "جاءني كل رجل قائماً" عندنا حال وعندنا نعت كلاهما في المعنى وُصِف بهما رجل، مع مجوِّز هناك، إذن "جاءني كل رجل قائم" نقول هذا نعت، هذا أقلّ أفراداً من قولك جاءني كلّ رجل قائماً، هذا يصحّ أن يأتي منه الحال لأنه مخصّص؛ مثل ((فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً))، إذن صح أن يكون صاحب حال، أيهما أقل شيوعاً؟ النعت أقل شيوعاً من الحال، فعموم كلّ رجل قائمٍ باق في جميع الأشخاص، والحال مقيدة لمجيئ الجميع، فهذه مقيدة للعامل والنعت مُقيد للأفراد، إذا نظرنا إلى التقييد قلنا العامل يُقيد بالحال، وأما النعت حينئذٍ لا اعتبار له بالعامل وإنما النظر فيه في الأفراد، وهذا الفرد في النكرات والمعارف؛ إذ النعت لا يُفهم في حال، وإنما يفهم ذلك فيه من سياق الكلام، إذن دلالته على الهيئة ليس من ذات اللفظ، وإنما من سياق الكلام، ثم علاقته بالموصف فحسب دون العامل، ثم دلالته على الشيوع هو أقل شيوعاً من الحال كما ذكرناه سابقاً، فلا يُفهم من لفظه دلالة الحال، وإنما من سياق الكلام لا من لفظ النعت بخلاف الحال.

الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ، قيل الأولى أن يكون قوله كَفَرْدَاً أَذْهَبُ تتميماً للتعريف، لأن قوله مُنْتَصِبُ وهذا تعريف للشيء بحكمه، وأيضاً لم يُقيد منتصب باللزوم، فإن كان مراده فحينئذٍ يخرج النعت المنصوب؛ كرأيت رجلاً راكباً، فإنه يُفهم في حال ركوبه، وإن كان ذلك لا بطريق القصد؛ يعني دلالته على الهيئة لا بطريق القصد، فإن القصد إنما هو تقييد المنعوت فحسب، لا علاقة له بالعامل، فوقع بيان الهيئة ضمناً لا قصداً يعني في النظر إلى النعت كونه مبيناً للهيئة أو لا؛ نقول نعم هو مبين للهيئة؛ كالحال، إلا أن تبيين الهنيئة في النعت لا يتعدى المنعوت ثم هو ضمناً لا قصداً، وأما الحال فلها تعدٍّ إلى العامل وإلى نفس صاحب الحال، وبيان الهيئة يكون مقصوداً بالذات، يعني ما جيء بالحال إلا من أجل كشف الهيئة، بخلاف النعت، وإنما يُرد به تمييزه عن غيره من الأشخاص؛ "رأيتُ رجلاً راكباً" راكباً أنتَ جئتَ براكب لماذا؟ لتميّز أن الرجل منه ما هو راكب ومنه ما ليس براكب؛ أنتَ قصد ماذا؟ راكباً، إذن أردتَ تعيين الشخص وجاءت الوصفية بالركوب تبعاً لا قصداً. الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ ... مُفْهِمُ فِي حَالِ كَفَرْدَاً أَذْهَبُ هنا فيه جوازُ تقديم الحال على العامل وصاحبه، أذهب فرداً، صاحب الحال ضمير مُستتر، وأذهب هذا هو العامل. قال الشارح: عرّف الحال بأنه الوصف الفضلة المنتصبُ للدلالة على هيئته، نحو كَفَرْدَاً أَذْهَبُ، ففرداً حال لوجود القيود المذكورة فيه، وخرجَ بقوله فَضْلَةٌ الوصف الواقع عمدة، وبقوله بالدلالة على الهيئة كذلك التمييز المشتق: لله دره فارساً, هنا لم يُرد به الدلالة على الهيئة وإنما التعجب؛ كونه متعجباً منه؛ لله دره فارساً، كأنه أُعجب بفروسيته، بل التعجب من فروسيته فهو لبيان المتعجب منه لا لبيان الهيئة، وكذلك رأيت رجلاً راكباً؛ فإن راكباً لم يسق للدلالة على الهيئة، بل لتخصيص الرجل، وقول المصنف مُفْهِمُ فِي حَالِ هو معنى قول للدلالة على الهيئة. إذن الوصف جنسٌ يشمل الخبر والنعت والحال، وفضلة مخرج للخبر، ومنتصب مخرج لنعتي المرفوع والمخفوض كجاءني رجل راكبٌ ومررت برجل راكبٍ، ومُفْهِمُ فِي حَالِ كذا مخرج لنعت المنصوب كرأيت رجلاً راكباً، فإنه إنما سِيق لتقييد المنعوت وهو لا يُفهم في حال كذا بطريق القصد وإنما بطريق التبعية. وكذلك يُقال في الحال أنها على معنى في، وهذا من الفوارق بين التمييز والحال، وأن الحال إنما يكون على معنى في، والتمييز يكون على معنى من، وسبق شيئ آخر أنه يكون على معنى كيف، ضابط الحال أنه يقع في جواب كيف، جاء زيد، كيف؟ راكباً، جاء عمروٌ، كيف؟ ماشياً .. الخ. في حال كذا فهو على نية الإضافة فيُقرأ بلا تنوين، أخرجَ به التمييز في نحو "لله دره فارساً" أي من كل تمييزٍ وقع وصفاً مُشتقّاً لأنه على معنى (من) لا (في)، لأنه لبيان جنس المتعجب منه. وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا ... يَغْلِبُ لكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا

تكون الحال على أربعة أنحاء، ذكر في هذا البيت شيئين الأول: كَوْنُهُ مُنْتَقِلاً، والثاني كَوْنُهُ مُشْتَقَّا، والمراد بالانتقال هنا أن لا تكون الحال ملازمة للمتصف بها، يعني يفارقها ولا تلازمه في كل وقت، بل ينفك عنها، تقول جاء زيدٌ راكباً, راكباً هذا وصف لزيد في المعنى، وهو حال منه، زيد كل اليوم وكل السنين وهو راكب؟ أو يكون في وقت راكب وفي وقت ماشٍ؟ وفي وقت مُضطجع مُستلقٍ؟ إذن اختلفت وانفكت عنه الحال، هذا الأصل في الحال أن تكون منتقلة، فإن جاءت لازمة فهو خلاف الأصل، مُشْتَقَّا يعني من المصدر على ما ذكرناه، إما اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة وأفعل تفضيل أو أمثلة مبالغة، إن جاء جامداً حينئذٍ نقول هذا على خلاف الأصل. وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً: يعني منتقلاً عن صاحبه غير لازم له ليست بثابتة، الحال ليست كالصفة المشبهة، الصفة المشبهة تدل على الثبوت، وأما الحال فلا. وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا: مُشْتَقَّا هذا خبر بعد خبر، كَوْنُهُ الضمير هنا يعود على الحال، كونه وهو اسم كون وهو مبتدأ، حينئذٍ يحتاج إلى خبرين: خبر الكون في نفسه وخبر المبتدأ .. أين خبر الكون؟ مُنْتَقِلاً هذا خبر الكون؛ خبر أول، مُشْتَقَّا خبر ثاني، هذا على جواز تعدد خبر الكون، وإلا إن لم يصح أن يتعدد حينئذٍ لا بد من تخريجه بأن يُجعل الحال متداخلاً، يعني الثاني يكون حالاً من فاعل مُنْتَقِلاً، وأين خبر الكون مبتدأ؟ يَغْلِبُ الجملة خبر. قال: الأكثر في الحال أن تكون منتقِلة مشتقّة، ومعنى الانتقال أن لا تكون ملازمة للمتصف بها؛ نحو جاء زيد راكباً، فراكباً وصف منتقل لجواز انفكاكه عن زيد، بأن يجي ماشياً، وقد تجيء الحال غير منتقلة يعني وصفاً لازماً، "دعوتُ الله سميعاً" سميعاً: صفة لازمة لله عز وجل، لا يكون في حالٍ سميع وفي حالٍ ليس بسميع، نقول: لا هذه صفة لازمة. وكذلك خلقَ الله الزرافة يديها أطولَ من رجليها، هذه لازمة .. يديها أطول من رجليها .. في الصباح يديها أطول وفي المساء عكس؟ لا هذه صفة لازمة ولذلك قال: فَجَاءَتْ بِهِ سَبْطَ العِظَامِ كَأَنَّمَا ... عِمَامتُهُ بَينَ الرِّجَالِ لِوَاءُ فـ"سميعاً وأطولَ وسبطَ" أحوال وهي أوصاف لازمة وقد تأتي الحال جامدة، ونقف على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ... !!!

63

عناصر الدرس * إعادة شرح الترجمة (الحال) وحده * الأصل في الحال الأنتقال والإشتقاق. وقد يكون مخالفاً * الأصل في الحال (التنكير) والعمل إذاخالف * يقع الحال مصدرا منكراُ كثيراُ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: الْحَالُ، عرفنا الحال من حيث اللفظ ومن حيث المعنى اللغوي ومن حيث التذكير والتأنيث، وسبق ذلك، وعرف الناظم الحال قال: الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ ... مُفْهِمُ فِي حَالِ كَفَرْدَاً أَذْهَبُ فالحال ما جمع هذه الأوصاف الأربعة أن يكون وصفاً، والمراد بالوصف أن يكون مشتقاً، المراد به في هذا الموضع: إما أن يكون اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفةً مشبهة أو اسم تفضيل .. أفعل التفضيل أو صيغ المبالغة، هذه كلها تدل على ذاتٍ وحدث، هذا المراد بالوصف عند النحاة، وخاصةً في هذا الموضع. ويشمل قوله: وَصْفٌ سواءٌ كان الوصف صريحاً أو مؤولاً بالصريح؛ لأن الحال كما سيأتي الأصل فيها أنها مفردة، وقد تأتي جملة وقد تأتي ظرفاً .. جملة اسمية أو جملة فعلية، وكلا النوعين الجملة والظرف ومنه الجار والمجرور مؤول بالمفرد حينئذٍ نقول: مرده إلى الوصف. إذاً: وَصْفٌ سواءٌ كان صريحاً أو مؤولاً بالصريح، فدخلت الجملة وشبه الجملة، فالوصف حينئذٍ يشمل الحال وغير الحال. فَضْلَةٌ هذا أخرج العمدة؛ لأن الوصف قد يقع خبراً، وقد يقع مبتدأً، وقد يقع غير ذلك، حينئذٍ إذا وقع عمدةً لا نقول: إنه حال؛ لأن الحال من شرطها أن لا يكون ركناً في الإسناد، أقائمٌ الزيدان؟ قائمٌ: هذا وصف اسم فاعل وهو مبتدأ، وليس بحال، وأوَمضروبٌ العبدان؟ مضروبٌ: هذا اسم مفعول، فحينئذٍ نقول: ليس بحال وإن كان وصفاً؛ لأنه مبتدأ؛ لأن شرط الحال أن لا يكون ركناً في الإسناد؛ لا يكون مبتدأً ولا خبراً، زيدٌ فاضلٌ أو زيدٌ قائم .. نقول: قائم هذا ليس بحال؛ لأنه ركن في الإسناد وهو خبر، حينئذٍ كل ما كان ركناً في الإسناد لا يصدق عليه حد الحال، رجعت القهقرى: قال النحاة: القهقرى هذا مصدر يدل على معنى، خارج بقوله: وَصْفٌ؛ لأنه لما اشترط الوصفية حينئذٍ الوصفية الخاصة هنا المراد بها ما دل على ذاتٍ وحدثٍ، إذا دل على حدثٍ فقط كالمصدر حينئذٍ نقول: هذا خارجٌ ليس بحالٍ، ولذلك سيأتي أنه يقع المصدر حالاً بكثرة، ولكنه سماعي ليس بقياسي؛ لأن الأصل أن يكون الحال وصفاً، حينئذٍ رجعت القهقرى هذا قد يُقال بأنه حال؛ لأن القهقرى المراد به الرجوع إلى الخلف، فهو وصفٌ لكنه وصفٌ من حيث الدلالة على المعنى فحسب؛ لأن اللفظ المفرد قد يدل على وصفٍ مع ذات، وقد يدل على وصفٍ حدثٍ فقط لا مع ذات، الثاني هو المصدر في الأصل، والأول هو الذي نعنيه في هذا المقام، حينئذٍ وَصْفٌ أخرج به المصادر، الأصل فيه أنها لا توصف أو لا تقع حالاً، وما ورد من ذلك يعتبر سماعاً ومؤولا بالمشتق.

وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ .. مُنْتَصِبُ: هذا حكمٌ، وإدخاله في الحد خلاف الأولى؛ لأن الأصل في الحد أن يكون خالياً من الأحكام؛ لأن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، ولكن قيل بأنه أراد بالمنتصب هنا المنتصب على جهة اللزوم لا على جهة الجواز، وهذا واضح؛ لأن حكم الحال لا ينفك عنها بحال من الأحوال، فهي واجبة النصب، وسمع جرها بالباء الزائدة لكنه يعتبر سماعياً، يحفظ ولا يقاس عليه، جئت بمبكرٍ، جئت مبكراً، دخلت عليها الباء، حينئذٍ نقول: هذه الباء زائدة، ومبكرٍ هذا حالٌ منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، فالأصل فيه أن يكون لازم النصب. قيل: خرج به النعت فيما إذا كان مرفوعاً أو مخفوضاً أو منصوباً كذلك؛ لأن النعت ليس بلازم النصب، جاء رجل راكبٌ؛ راكبٌ هذا نعت، إذاً لا يمكن أن يكون حالاً؛ لأن الحال منصوب، وهذا يعتبر مرفوعاً، مررت برجل راكبٍ؛ راكبٍ بالخفض، نقول: هذا لا يمكن أن يكون حالاً؛ لأن الحال واجب النصب، يبقى الأشكال فيما إذا وقع النعت منصوباً؟ رأيت رجلاً راكباً؛ راكباً هذا نقول: نعت لرجل وليس بحال، وهذا نحكم عليه من جهتين: أولاً: بكون المنعوت هنا نكرة، وصاحب الحال لا يكون نكرة، بل لا بد أن يكون معرفة أو نكرة بمسوغ؛ لأن حكمه حكم المبتدأ. ثانياً: نقول: رجلاً راكباً, راكباً هذا النصب ليس بلازم، ولذلك يجوز أن يعدل عنه إلى الخفض مثلاً، وإلى الرفع، وأما الحال لا يمكن أن تقع في حالٍ من الأحوال إلا وهي واجبة النصب؛ جاء زيدٌ راكباً .. رأيت زيداً راكباً .. مررت بزيدٍ راكباً .. في الأحوال كلها، لكن النعت لا، يكون تابعاً لمنعوته: جاء رجلٌ راكبٌ .. رأيت رجلاً راكباً .. مررت برجلٍ راكبٍ، إذاً يتغير بتغير متبوعه؛ إن كان مرفوعاً تبعه، وإن كان مخفوضاً تبعه، وإن كان منصوباً تبعه، فالنصب لا يكون لازماً، بخلاف الحال فتلزمُ النصبَ سواءٌ كان صاحبها مرفوعاً أو مخفوضاً أو منصوباً. حينئذٍ نقول: مُنْتَصِبُ المراد به النصب اللازم، أخرج النعت؛ لأنه ليس بلازم النصب، والمراد منتصب وجوباً، فالنصب من أحكام الحال اللازمة له. مُفْهِمُ فِي حَالِ: قلنا: فِي حَالِ هذا بدون تنوين؛ يعني بترك التنوين؛ لأن المضاف إليه محذوف، وقد نوي، حينئذٍ بقي على أصله، كما سيأتي في باب الإضافة. فِي حَالِ يعني: في حال كذا، مُفْهِمُ فِي حَالِ: هذا أراد به ما اشتهر عند النحاة في التعبير من كونه للدلالة على هيئة، وهذا يُراد به أن الحال إنما تأتي لكشف الانبهام؛ إن صح التعبير، وهو الذي يعبر به النحاة .. انبهام الهيئة لا الذات بخلاف التمييز؛ فإنما يكون كاشفاً للذات نفسها لا لهيئتها، والحال يكون كاشفاً للهيئة .. للصفة التي عليها الذات, الذات تكون معلومة، ولذلك يُشترط في صاحب الحال أن يكون معرفة، إذاً الذات معلومة, فتقول: جاء زيدٌ راكباً, راكباً ما فائدتها؟ كشفت ماذا؟ كشفت هيئة زيد، وإلا زيد فهو معلومٌ بذاته، جاء رجلٌ راكبٌ، نقول: راكبٌ هذا نعت، ماذا فعل؟ هل كشف لنا الذات؟ لا، إنما بين هيئته.

السيوطي رحمه الله لم يخرج النعت بقوله: مُنْتَصِبُ، وإنما أخرجه بقوله: مُفْهِمُ فِي حَالِ، والإفهام في حال كذا على نوعين: إفهام قصدي وإفهامٌ تبعي ضمني؛ إفهامٌ قصدي: أن يكون الأصل من إيراد المتكلم للفظ .. أن يكون الأصل كشف هيئة الموصوف الذي هو صاحب الحال، وهذا خاصٌ بالحال، وأما النعت فيكون فيه انكشافٌ ورفعٌ لهيئةٍ، لكن لا بالقصد، وإنما بالتبع، وهذا فرقٌ دقيق بين النعت والحال. إذاً مُفْهِمُ فِي حَالِ أخرج النعت إذا لم نعتبر النصب قيداً لما سبق، يعني: إذا لم نعتبره فصلاً بأن قال: الحال هو وصفٌ فضلةٌ مفهم في حال، هكذا اعتبره السيوطي؛ لأن مُنْتَصِبُ هذا حكم، وليس بداخل في الحد، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يُخرج به، وإنما يُخرج بالجنس والفصول التي تكون تاليةً بعده، والمرادي جعله فصلاً؛ لأن الحال منصوب لازم، فهذا في قوة الفصل فأخرج به النعت المنصوب كما خرج به النعت المرفوع والمخفوض. إذاً مُفْهِمُ فِي حَالِ أخرج شيئين: التمييز وأخرج النعت إذا لم نخرجه بالأول. مُفْهِمُ فِي حَالِ قلنا: هذا على ترك التنوين؛ لأن المضاف إليه محذوف. مُفْهِمُ فِي حَالِ كذا أي: مبينٌ لحال صاحبه، مُفْهِمُ الإفهام هنا بمعنى البيان والإيضاح والكشف، مبينٌ لحال صاحبه أي الهيئة التي هو عليها، فإن راكباً في: جاء زيد راكباً مفهمٌ في حال الركوب لا في حال مطلقاً، راكباً في قولك: جاء زيد راكباً, راكباً هذا حال، هل كشف الحال مطلقاً أو بقيد، هل هو كاشفٌ للهيئة مطلقاً أو بقيد؟ إذا قيل: جاء زيد راكباً, راكباً هذا حال نقول: ليس مطلقاً، لم يكشف هيئة زيد مطلقاً، لماذا؟ لأنه مقيد للعامل، النظر في الحال باعتبارين: باعتبار صاحبها وباعتبار العامل، فحينئذٍ جاء زيد راكباً, راكباً هذا حال قيدٌ للعامل، وهو المجيء لأن المجيء يقع على نوعين: مجيء الركوب ومجيء بدون ركوب، هنا قيد أو لا؟ قيده، كونه في المعنى صفة لصاحب الحال، نقول: قيده بالركوب دون غيره. إذاً أثر في جهتين: تأثير بالتقييد في صاحب الحال وتقييد للعامل بكونه على وجهٍ دون آخر، لو قلت: جاء رجلٌ راكبٌ, راكب هنا نقول: هذا وصف لرجل فحسب، وليس له أي علاقة بـ (جاء)، حينئذٍ يصير جاء هذا مطلق، وجاء زيد راكباً، جاء هذا مقيد, هذا يستفيد منها الأصولي هناك في الأحكام الشرعية، فإذا كان العامل مقيداً بالحال حينئذٍ صار مخصصاً، وإذا صار النعت ليس مقيداً للحال حينئذٍ يصير مخصصاً للعامل لا للموصوف. إذاً مُفْهِمُ فِي حَالِ نقول: مبين لحال صاحبه أي الهيئة التي هو عليها، فإن راكباً في جاء زيد راكباً حال، مفهم في حال الركوب فحسب، الركوب هذا هو الذي أراده بتقييد العامل لا في حال مطلقاً، كما هو شأن النعت، فقوله: في حال كذا، الحال بمعنى الهيئة، وإضافته إلى كذا من إضافة العام إلى الخاص للبيان.

النعت إنما يؤتى به لتقييد المنعوت فحسب، ولا علاقة له بالعامل، ثَمَّ انفصال بين النوعين، هذا معنى دقيق، يحتاج إلى تأمل، وخاصةً إذا كان ينبني عليه أحكام .. إنما يؤتى به لتقييد المنعوت فهو لا يفهم في حال كذا بطريق القصد، وإنما يفهمه بطريق اللزوم؛ لأنه مبين للهيئة قطعاً، ما نستطيع أن ننفي نقول: جاء رجل راكب, راكب ليس مبيناً للهيئة؛ لأن الحال مبين للهيئة لا، نقول: فيه بيان وإيضاح وكشف للهيئة لكن بطريق التبع والضمن، لا بطريق القصد، على العكس من الحال, وإنما يُفهمه بطريق اللزوم، والمراد بالإفهام عند الإطلاق الإفهام القصدي؛ لأنه المتبادر لا الإفهام العرضي الذي يكون تابعاً. مُفْهِمُ فِي حَالِ: هنا كذلك أخرج التمييز، وإن كان التمييز أمره واضح بين، سيأتي في محله: الفوارق بين الحال والتمييز. أبرز ما يفصل بينهما أن الحال على معنى في، والتمييز على معنى من، إذاً فرق بينهما، ولذلك الحال إذا قلت: جاء زيد راكباً، يعني في حال ركوب، تقدرها هكذا بكلمة حال، ولذلك النحاة دائماً إذا أعربوا الحال قالوا: في حال كونه كذا، لا بد أن تأتي بحال؛ لأنه هيئة، فحينئذٍ إذا قلت: جاء زيد راكباً يعني: جاء زيد في حال ركوبه، جئت بفي، بخلاف التمييز فإنه يكون على معنى من، وابن هشام رحمه الله تعالى جعل الضابط للحال في شرح القطر بأنه ما جاء أو صح إيقاعه في جواب كيف، فكل حال صح إيقاعها في جواب كيف؛ حينئذٍ نعربها حال، نقول: جاء زيد راكباً، كيف جاء زيد؟ راكباً، ضربت اللص كيف؟ مكتوفاً، جاء زيد ماشياً، كيف جاء زيد؟ ماشياً، حينئذٍ ((قَائِماً بِالْقِسْطِ))، ((بِالْقِسْطِ)) قَائِماً نقول: هذا حال، هل يصح إيقاعه في جواب كيف؟ نقول: نعم وليس المراد بكيف هنا كيف المنفية في باب المعتقد؛ لأن كيف هنا المراد به إيضاح وكشف اللفظ فحسب، يعني معنى الصفة لا تكييف الصفة نفسها، فلا يلتبس هذا بذاك، فإذا قيل: دعوت الله سميعاً، كيف دعوت؟ سميعاً، هذا حال، ((قَائِماً بِالْقِسْطِ))؛ قَائِماً نقول: هذا حال وقع في جواب كيف، هل وقعنا في المحذور الذي ينفيه أهل السنة والجماعة من تكييف الصفات؟ نقول: لا، لأننا لم نقصد بهذا التكييف بيان كيفية الصفة، وإنما المراد النظر في الصفة من حيث إثباتها فحسب، نقول: قائماً، صفة، حينئذٍ صفة على أي وجه؟ على كونه حالاً، حينئذٍ جاء لسان العرب بوصف الشيء بكونه على جهة الحالية، وعلى جهة النعتية، حينئذٍ التمييز بين هذا وذاك في اللفظ فحسب؛ لا بأس بأن يقال بأنه الواقع في جواب كيف. الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ ... ... مُفْهِمُ فِي حَالِ، يعني: في حال كذا بمعنى هيئة كذا. كَفَرْدَاً أَذْهَبُ: كَفَرْدَاً أي كقولك: أذهب فرداً, فَرْدَاً هل هو وصف؟ هل هو اسم فاعل .. اسم مفعول .. صفة مشبهة .. ؟ إذاً هو مصدر، إذاً لا بد من تأويله لنرده إلى الوصف، فحينئذٍ نقول: كَفَرْدَاً أَذْهَبُ يعني منفرداً، أذهب في حال كوني منفرداً، فمنفرداً نقول: هذا اسم فاعل، منفرد: انفرد ينفرد فهو منفرد، حينئذٍ نردها إلى الوصف على التأويل كما سيأتي في قوله: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ بِكَثْرَةٍ

أَذْهَبُ: هذا هو عامل الحال، فَرْدَاً: هذا حال، في تأويل منفرداً، صاحب الحال هو الضمير المستتر في قوله: أذهب .. أنا، أذهب منفرداً، وهو وصف من حيث المعنى، وفضلة لأنه ليس بعمدة .. ليس بركن في الإسناد، وهو منتصب، كذلك واجب الانتصاب، ومفهم في حال مبين للهيئة، أذهب، كيف تذهب؟ منفرداً معك أحد .. الخ؟ حينئذٍ نقول: مُنْفَرِداً، هذا بين هيئة صاحب الحال من كونه يذهب على جهة معينة. قال: خرج بقوله: فَضْلَةٌ الوصف الواقع عمدة، زيد قائم، وبقوله: الدلالة على الهيئة التمييز المشتق؛ قد يقع التمييز مشتقاً، لكن في مسائل معدودة يأتي في محلها، والأصل في التمييز أن يكون نكرة بخلاف الحال، وهذا من الفوارق بينهما كما سيأتي. "لله دره فارساً", فارساً هذا وصف وهو فضلة، وهو منتصب، لكنه ليس مفهماً للهيئة؛ لأن المراد به التعجب: لله دره فارساً عالماً فصيحاً خطيباً، لله دره خطيباً، المراد هنا ليس الكشف والإيضاح عن الهيئة، وإنما المراد به التعجب، وهذا هو القصد الأولي، قد يقال بأنه فيه كشف هيئة نعم، لكنه ليس بالقصد، وإنما هو بالتبع, فالنظر في الفوارق بين التمييز المشتق والحال والنعت هذه متداخلة، والكل فيها لا بد وأن يكون فيه معنى الكشف والهيئة، لا بد من هذا، لكن المراد في الهيئة أن يكون الأصل .. المجيء بالحال كاشفاً للهيئة، وما عدا ذلك في التمييز المشتق وفي النعت المنصوب حينئذٍ نقول: هو مبين للهيئة، لكن بالتبع لا بالقصد ففرقٌ بين النوعين، "لله دره فارساً" فإنه تمييز لا حال على الصحيح، ولذلك وقع فيه خلاف هل هو تمييز أم لا؟ قيل: حال، إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة، لم يقصد به الدلالة على الهيئة مع أنه دل على هيئة لا بد، لكن دلالته على الهيئة ليست بالقصد الأولي، وإنما هو بالقصد التبعي، يعني: أمر تابع وليس بأصلي. بل التعجب من فروسيته، فهو لبيان المتعجب منه لا لبيان هيئته، وكذلك: رأيت رجلاً راكباً، فإن راكباً لم يسق للدلالة على الهيئة قصداً بل وقع ذلك تبعاً ضمناً، بل لتخصيص الرجل، فقول المصنف: مُفْهِمُ فِي حَالِ هو معنى قوله: للدلالة على الهيئة. إذاً الوصف جنس يشمل الخبر والنعت والحال، وفضلة مخرج للخبر، ومنتصب مخرج لنعتي المرفوع والمخفوض كجاءني رجل راكب ومررت برجل راكب، ومفهم في حال كذا مخرج للنعت المنصوب كرأيت رجلاً راكباً، فإنه إنما سيق لتقييد المنعوت فحسب، لا علاقة له بالعامل، فهو لا يُفهم في حال كذا بطريق القصد، وإنما يفهمه بطريق اللزوم. وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا ... يَغْلِبُ لكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا مُسْتَحَقَّا .. مُسْتَحِقَّا يجوز فيه الوجهان كَوْنُهُ: أي الحال، هنا قال: كَوْنُهُ ولم يقل: كونها مراعاة للأفصح؛ لأن الأفصح في إرجاع الضمير إلى لفظ الحال وهو مذكر من حيث اللفظ .. الأفصح أن يرجع إليه بالتذكير مع جواز التأنيث، كونها جائز، لكن الأفصح هنا كَوْنُهُ، رده إلى الأفصح. وَكَوْنُهُ أي الحال. مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا: ذكر وصفين للحال لا بد من وجودهما، ولكن الوجود هنا أغلبي، ليس بلازم في كل حال، بل قد تخرج الحال عما ذكره من قيدٍ.

مُنْتَقِلاً: المراد بالانتقال التحول، ولذلك قيل: الحال مأخوذة من التحول وهو التنقل. إذاً أصل اسم الحال لا بد أن يكون موجوداً في الحال الاصطلاحية، فالحال حول، مأخوذ من التحول وهو التنقل؛ حينئذٍ إما أن يكون الوصف دالاً على صفة لازمة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، وإما أن يكون العكس؛ بأن يكون الوصف دالاً على صفةٍ قابلة للزوال. ما هو ضابط الحال؟ أن تكون منتقلة. إذاً إذا جاءت الحال وصفاً لازماً لا يتغير .. ملازم لموصوفه ثابت راسخ نقول: هذا خلاف الأصل، قد تأتي، لكن خلاف الأصل، فالأصل أن تكون منتقلاً، وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً: أي عن صاحبه غير لازم له، لا ثابتاً، ومعنى الانتقال أن لا تكون ملازمة للمتصف بها؛ جاء زيد راكباً، راكباً هذا حال، نقول: الركوب وصف لزيد؛ لأن الحال في المعنى صفة، إذاً راكباً هذا وصف لزيد، زيد هل ينفك عن الركوب؟ نعم ينفك عنه، قد يكون راكباً ويكون ماشياً ويكون مضطجعاً مستلقياً ويكون زاحفاً .. إلى غير ذلك، حينئذٍ راكباً نقول: هذا وصف منتقل، هذا هو الأصل فيه، فإذا جاء الوصف لازماً ثابتاً غير منتقل؛ حينئذٍ قلنا: هذا خلاف الأصل، وقد تأتي الحال كذلك غير منتقلة، مثل ماذا؟ قالوا: دعوت الله سميعاً؛ دعوت الله فعل وفاعل ومفعول به، سميعاً هذا حال، وهو وصف .. صفة ذاتية لله عز وجل، حينئذٍ نقول: هذه الصفة الذاتية لازمة لا تنفك عن موصوفها، لا يكون الله تعالى في وقت يسمع وفي وقت لا يسمع، بخلاف الصفات الفعلية كالنزول ونحوه، حينئذٍ نقول: تلك قد تنتقل، ولا بأس بهذا القول، وإنما الكلام في الصفات اللازمة الذاتية التي لا تنفك بحال من الأحوال عن موصوفه؛ دعوت الله سميعاً؛ إذاً سميعاً هذا حال، وهل هو وصف منتقل؟ الجواب: لا، ليس وصفاً منتقلاً، كذلك خلق الله الزرافة: فعل وفاعل ومفعول به، والزرافة بفتح الزاي وتضم زُرافة زَرافة، وزُرافة أفصح، يديها أطول من رجليها، أطول هذا أفعل تفضيل، دلت على الطول، إذاً فيها معنى الوصف، وهي فضلة وهي منتصبة، مُفْهِمُ فِي حَالِ؟ نعم، لكنها ليست منتقلة؛ لأن الذي يُفهم في حال قد يكون لازماً وقد يكون ثابتاً، أطول نقول: هذا حال من يديها، يديها: هذا بدل بعض من كل، خَلَقَ اللهُ الزَّرَافَةَ, الزَّرَافَةَ مفعول به منصوب، يَدَيْهَا بدل من الزرافة، يَدَيْهَا تثنية، ولذلك نُصب .. بدل بعض من كل، أطْولَ حال من يديها، مِنْ رِجْلَيْهَا هذا جار ومجرور متعلق بقوله: أطْولَ لأنه أفعل تفضيل. إذاً أطْولَ نقول: هذا حال لازمةٌ لا تنفك عن الزرافة؛ لأنه لا تكون الزرافة في وقت يديها أطول من رجليها وفي وقت لا، بل هي ملازمة لهذا الوصف: فَجَاءَتْ بهِ سَبْطَ العِظامِ كَأَنَّما ... ... ... عِمَامتُهُ بَيْنَ الرِّجالِ لِواءُ فسميعاً وأطول وسبط أحوال، وهي أوصاف لازمة، فحينئذٍ نقول: تأتي الحال غير منتقلة بمعنى أنها وصف لازم ثابت لموصوفها، وهذا خلاف الأصل في الحال؛ لأن الأصل في الحال وصف في المعنى، وكونها مشتقة من التحول لزم منه أن تكون موجودة معدومة, موجودة وقت الوصف معدومة في غير الوصف؛ جاء زيدٌ راكباً, راكباً إذاً هو في وقت يركب، وفي وقت لا يركب.

ضبط النحاة المسائل الثلاث التي يكون فيها الوصف بالحال المنتقلة أو غير المنتقلة .. الحال متى تكون وصفاً لازماً؟ قالوا في ثلاث مسائل لا تخرج عنها. الأولى: أن يكون العامل فيها مشعراً بتجدد صاحبها؛ أن يكون العامل فيها، يعني في الحال، خلق الله الزرافة، قالوا: خلق هذا عامل مشعر بتجدد صاحبها، أي حدوثه بعد أن لم يكن، خَلْقُه لم يكن ثم كان، إذاً مشعر بتجدد صاحبها أي حدوثه بعد أن لم يكن، ومأخذ اللزوم أنها مقارنة للخلق، أي الإيجاد، فهي خِلقية جبلية لا تتغير، ولا يرد خلق الإنسان طفلاً ثم بعد ذلك يكبر، ثم بعد ذلك يشيب إلى أن يموت، نقول: هذا الخلق في كل طور هو وصف لازم، كونه طفلاً نقول: هذا خلق، هل هي صفة لازمة أو لا؟ صفة لازمة، طيب سيكبر بعد أشهر .. بعد سنة، سيمشي، نقول: في المرحلة الأولى الوصف لازمٌ له، ثم إذا انتقل إلى مرحلة ثانية .. الوصف لتلك المرحلة الثانية وصف لازم له، وليس الاعتبار بالإنسان؛ إذا قيل: ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) من أول خلقه إلى موته، وهو ضعيف، لكن الضعف يختلف، حينئذٍ نقول: الخلق هنا متغير، لكن تغيره باعتبار المراتب، وفي كل مرتبة هو وصف لازم لموصوفها، حينئذٍ لا إشكال. إذاً المراد بكون العامل هنا مشعراً بتجدد صاحبها أنه حدث بعد أن لم يكن؛ في أول المراحل حصل الخلق ثُم ثَمَّ مرتبة، في وقت تلك المرتبة نقول: الوصف له لازم، إذا انتقل انتقل إلى وصف لازم آخر، حينئذٍ انتقل من وصف ثابت راسخ إلى وصف ثابت راسخ آخر، ومأخذ اللزوم أنها مقارنة للخلق أي: الإيجاد، فهي خِلقية جبلية لا تتغير، ولا يرد خلق الإنسان طفلاً؛ لأن انتقاله من طور إلى طور بمنزلة خلق له متجدد، فتكون الحالُ الأولى لازمةً للخلق الأول والثانية والثالثة .. الخ .. متى ما كانت المراتب تعددت، هذه المسألة الأولى: أن يكون العامل فيها مشعراً بتجدد صاحبها نحو قوله تعالى: ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) والمثال السابق: خَلَقَ اللهُ الزَّرَافَةَ يَدَيْهَا أطْولَ مِنْ رِجْلَيْهَا. المسألة الثانية التي تكون فيها الحال غير منتقلة بل وصف لازم: وذلك في الحال المؤكدة، وهذا سيأتي بحثه في محله، والمؤكدة إما أن تكون مؤكدة لعاملها: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً، وقوله سبحانه: ((وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً)) نقول: هذا وصفٌ غير منتقل، وإما مؤكدة لصاحبها ((لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً)) جَمِيعاً هذا حال مؤكدة مِن (مَنْ) وهو اسم موصول، وإما مؤكدة لمضمون جملةٍ قبلها نحو قولهم: زيدٌ أبوك عطوف، حال بأنواعه الثلاثة كما سيأتي في محله، المراد هنا أن الحال المؤكدة هذه غير منتقلة، والحد الذي يُذكر في أوائل الكلام على الحال إنما المراد به الحال المؤسسة المبينة، وأما الحال المؤكدة هذه لا تستقل بمعنى. الثالثة: في أمثلة مسموعة لا ضابط لها، يعني أمثلة تُحفظ ولا يقاس عليها كقولهم: دعوت الله سميعاً، وقوله تعالى: ((أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً)) وقوله: ((قَائِماً بِالْقِسْطِ)).

إذاً في هذه الأحوال الثلاثة نقول: تأتي الحال غير منتقلة بل وصف لازم ثابت لموصوفه، أن يكون العامل فيها مشعراً بتجدد صاحبها، في الحالة المؤكدة بأنواعها الثلاث: مؤكدة لعاملها .. لصاحبها .. لمضمون جملة قبلها، الثالث: ما كان مسموعاً من مفردات وردت عن العرب، وما جاء في القرآن كذلك يكون من قبيل المسموع، ولذلك مثَّل بـ: ((قَائِمَاً بِالْقِسْطِ)). وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا: يعني من المصدر ليدل على مُنْتَصِبُ، وهذا فيه تأكيد للمعنى الذي أخذه جنساً في التعريف؛ لأنه قال: الْحَالُ وَصْفٌ، وهذا معنى الاشتقاق، فكونه مشتقاً هنا تأكيد لذلك المعنى، أو إن شئت قل: تبيين بالمراد بالوصف؛ لأن الوصف قلنا: يُطلق ويُراد به الوصف المجرد بالدلالة على الذات كرجعت القهقرى، وكذلك يشمل ما دل على ذاتٍ معنى. قوله: مُشْتَقَّا يؤكد المعنى السابق، وقد حمل بعض الشراح قوله: الْحَالُ وَصْفٌ بالمعنى الأعم، وهذا ليس كذلك، بل الصواب أن يُعين قوله: الوصف -وكلام النحاة في جميع كتبهم على هذا المعنى- أن يُقيد الوصف بكونه مشتقاً من المصدر، وحينئذٍ يكون دالاً على ذات متصفة بوصف، وأما الوصف الذي لا يدل على ذات حينئذٍ لا يكون داخلاً في الحال؛ إن جاء صار خلاف الأصل، ولذلك قال: مُشْتَقَّا يَغْلِبُ، إذاً غير الغالب في المشتق أن يكون جامداً، ولذلك قال: وَيكْثُرُ الْجُمُودُ، ثم قال: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ بِكَثْرَةٍ فدل على أن المصدر ليس مراداً بقوله: وَصْفٌ، تنبه لهذا، بعض الشراح حمل الوصف على العموم. وَكَوْنُهُ أي الحال، مُنْتَقِلاً يعني لا يلزم الموصوف؛ لأنه جيء به للدلالة على الهيئة، والهيئة الأصل فيها أنها تتبدل وتتغير، فليست وصفاً ثابتاً, مُشْتَقَّا أي من المصدر؛ لأنها وصف في المعنى، يَغْلِبُ وجوده في كلامهم؛ يعني في كلام العرب، الأكثر في استعمالهم لهذا المصطلح الذي هو الحال، أن يكون منتقلاً مشتقاً، ولكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا؛ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا بمعنى أن هذا الوصف وهو الانتقال قد يخرجون عنه في بعض كلامهم، وكذلك الوصف بالاشتقاق قد يخرجون عنه في بعض كلامهم، فما خرج من كلامهم عن ذلك الأصل المطرد -وهو الأعم- يحمل عليه. إذاً إذا تكلموا في لسان العرب أتوا بالحال منتقلة، وقد يتكلمون بالحال غير منتقلة؛ إذا جاءت غير منتقلة نردها إلى الانتقال، وكذلك إذا جاءت غير مشتقة نردها إلى الاشتقاق.

لكِنْ لَيْسَ ذلك مُسْتَحَقَّا هذا تتميمٌ للبيت قيل: لجواز الاستغناء عنه بـ (يَغْلِبُ)، يعني: كثير، يغلب وجوده في كلامهم، وقيل: ليس حشواً .. ليس تتميماً للبيت؛ لأن قوله: يَغْلِبُ قد يوهم أنه واجب في الفصيح؛ يعني: لا تتكلم بحالٍ غير منتقلة، فإن تكلمت بحالٍ غير منتقلة وقعت في الشذوذ أو غيره، وكذلك لا تتكلم بحال غير مشتقة، لا، ليس هذا المراد، وإنما المراد أن كلاً منهما فصيح؛ إلا أن الأفصح أن تكون الحال منتقلة، وأن الأفصح أن تكون الحال مشتقة، إذا لم تأت بالحال منتقلة ولا مشتقة حينئذٍ لم تخرج عن الفصيح، لذلك قال: لكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا، فدفع به توهمَ أن يكون الغالب واجباً لا يجوز العدول عنه .. دفع توهمَ أن يكون الغالب واجباً في الفصيح، وضمير لَيْسَ إما للكون، وَكَوْنُهُ، لكِنْ لَيْسَ: ليس الكون مستحقاً، وحينئذٍ يكون مستحَقاً بفتح الحاء، وإما للحال لكن ليس الحال مستحقاً، حينئذٍ يكون بكسر الحاء، لَيْسَ أين اسمها؟ ضمير مستتر، ما مرجعه؟ يحتمل وجهين: إما أن يكون الكون: وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً، إذاً كونه منتقلاً هذا محكوم به، لَيْسَ مُسْتَحَقَّا بالفتح، ولَيْسَ ذلك مُسْتَحَقَّا ليس الحال مستحقاً لكونه منتقلاً أو مشتقاً، مستحقاً بفتح الحاء على أنه اسم مفعول، والضمير فيه عائدٌ على الكون، وقيل: على الفاعل لـ (يَغْلِبُ)، أي: ليس كونه منتقلاً مشتقاً مستحقاً، ويجوز كسر الحاء على أنه اسم فاعل، ويكون الضمير فيه عائداً على الحال، ولا بد حينئذٍ من مجرورٍ محذوف، ويكون معمولاً لـ مستحقاً، والتقدير ليس الحال مستحقاً لكونه منتقلاً مشتقاً، إذا جعلناه بالكسر لا بد من مجرور محذوف، وليس ذلك مستحقاً لكونه منتقلاً مشتقاً، وإذا جعلناه لكون أو فاعل يغلب حينئذٍ لا نحتاج إلى المحذوف. إذاً: الأكثر في الحال أنها تكون منتقلة مشتقة. وقد تأتي الحال جامدة، وقد ذكر الناظم بعضاً منها؛ ذكر ثلاثاً أو أربع مسائل مما جاء فيه الحال جامداً. وَيَكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ وَفِي كَبِعْهُ مُدّاً بِكَذَا يَدّاً بِيَدْ ... مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَكَلُّفِ وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَدَاً أَيْ كَأَسَدْ وَيكْثُرُ الْجُمُودُ، يكْثُرُ، قال: هناك يَغْلِبُ، غير الغالب كثير أو قليل؟ غير الغالب الأصل أنه قليل، وهنا قال: وَيكْثُرُ الْجُمُودُ، الكثرة هنا باعتبار الاشتقاق أو الجمود؟ الجمود، إذاً هنا الكثرة نسبية فباعتبار الجامد الْجُمُودُ فِي السِِّعْرٍ نقول: هذا أكثر من غيره، فثم الجامد نوعان: يكْثُرُ فِي سِعْرٍ، فما كان هذا الباب -باب سعرٍ ونحوه يَدّاً بِيَدْ أو بِعْهُ مُدّاً بِكَذَا- نقول: هذا الباب الجمود فيه كثير من وقوع الجمود في غير هذا الباب كـ مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَكَلُّفِ .. وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَداً أَيْ كَأَسَدْ. إذاً الجمود يختلف، فالأبواب ليست متحدة، أكثر ما يكون الجمود في سعر، وما عداه من الأبواب فهو أقل، وكلاهما باعتبار غير الغالب قليل؛ كلا البابين ما كثر فيه الجمود وما قل باعتباره غير غالب قليل.

إذاً: مفهوم قوله: يَغْلِبُ؛ مفهومه أن غير الغالب يكون قليلاً، ثم هذا القليل نقول: على جهتين: كثير وقليل، والكثرة هنا نسبية باعتبار الأبواب الأخرى التي ورد فيها الجامد، ولذلك قال: وَيكْثُرُ الْجُمُودُ، الْجُمُودُ جمع جامد، والمراد بالجامد هنا ما دل على معنًى فحسب، ولم يدل على ذات، وهذا يدخل فيه المصدر، ولذلك فصله لكثرة ما ورد فيه أنه وقع حالاً. وَيكْثُرُ الْجُمُودُ أي: ويقل في غير المذكورات، يكْثُرُ الْجُمُودُ: أي جمود الحال، والجامد المراد به ما دل على معنى فقط، يعني لا يدل على ذات، في ماذا يكثر الجمود؟ قال: فِي سِعْرٍ، يعني في الحال الدال على سعرٍ، إذا جاء لفظ الحال وأعربناه حال؛ إن دل على سعر حينئذٍ نقول: هذا جامد، مثل: بِعْهُ مُدّاً بِكَذَا .. بعت البر مداً بدرهم، بِكَذَا ليس المراد (بِكَذَا) قيد، لا، بِكَذَا يعني بدرهم مثلاً، بعت البر مداً بكذا، نقول: بعت البر فعل وفاعل ومفعول به، وَمُدّاً حال منصوبة، هل هي مشتقة أم جامدة؟ نقول: جامدة، دلت على سعرٍ، بدرهم نقول: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: مداً، تعلق به لماذا وهو جامد؟ لأنه مؤول بالمشتق، بعت البر مسعِّراً بدرهم، فكأنه أوقع مُدّاً موقع مسعِّراً, مسعِّراً يجوز فيه الوجهان: بالكسر فاعل، وحينئذٍ يكون مداً حالاً من التاء بعتُ، حالاً من الفاعل، ويحتمل أنه مسعَّراً بدرهم باسم مفعول، حينئذٍ يكون الحال من البر .. من المفعول به، فيحتمل هذا وذاك. إذاً يكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ، يعني في لفظٍ دلَّ على السعر، فإذا جاءت الحال دالة على السعر حينئذٍ نقول: هي جامدة، وتؤول بالمشتق، وهذا مذهب الجمهور خلافاً لابن هشام في الأوضح، فقد جعلها جامدة غير مؤولة، وَيكْثُرُ الْجُمُودُ أي: جمود الحال في الحال الدالة على سعرٍ. كَبِعْهُ مُدّاً بِكَذَا، كَبِعْهُ الكاف هنا للتمثيل، وحينئذٍ نفهم أن ما يذكره الناظم ليس المراد به الحصر، وإنما أراد به التمثيل على ما يقع الجامد موقع الحال المشتقة، بِعْهُ مُدّاً أي: بعه البر مثلاً مداً, مُدّاً هذا حال؛ لفظٌ منصوبٌ على الحال، وهو جامد إلا أنه مؤول بالمشتق؛ لأنه في معنى مسعَّراً، ويجوز أن يقدر مسعِّراً مسعَّراً، مسعِّر اسم فاعل، فيكون حالاً من الفاعل أو بالفتح مسعَّراً فيكون حالاً من المفعول به، يعني: بعته البر مسعَّراً، فالبر مسعَّراً، بعته البر مسعِّراً أنا, أنا مسعِّراً بدرهم، مُدّاً نقول: هذا حال، وبِكَذَا صفةٌ لمد، أي كائنات بكذا، ويجوز رفع مُدٌ على الابتداء أن تقول: مُدٌ، وبِكَذَا يكون خبر، والجملة حال، بعته البر مدٌ بكذا، ما خرجنا عن الحال، بعته البر مدٌ بكذا، مدٌ بالرفع، حينئذٍ يصير مبتدأً، وبكذا متعلق بمحذوف خبر، والرابط محذوف، مدٌ منه بكذا، والجملة في محل نصب حال، إذاً انتقل من الحال المفرد إلى الحال الجملة، وكلاهما داخلان في قوله: وَصْفٌ. إذاً بعته البر مُدٌ بكذا .. مُداً بكذا، والشاهد في قوله: مُداً بالنصب.

وَفِي مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَكَلُّفِ: وَفِي يعني يكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ، وَفِي مُبْدِي، يعني: وفي حالٍ مبدي، أو في كل مبدي، مُبْدِي يعني مظهر، تَأَوُّلٍ بمشتقٍ، بِلاَ تَكَلُّفٍ وتعسفٍ، يعني الجامد إذا وقع حالاً حينئذٍ الشراح اختلفوا في كلام ابن مالك هذا؛ هل يعني ابن مالك رحمه الله أن الجامد الذي يقع حالاً منه ما يؤول بمشتقٍ ومنه ما لا يؤول بالمشتق؟ فتصير القسمة ثنائية، أم كل جامد يؤول بمشتق؟ على قولين: بعضهم قسم الجامد إلى نوعين: جامد يؤول بمشتق، وجامد غير مؤول بمشتق، والسبب في هذا: تعبيره هو قال: وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ، ثم قال: وَفِي مُبْدِي عطف، والأصل في العطف يقتضي المغايرة، إذاً ابن مالك مثل للجامد بنوعيه: جامد يكثر فيه الجمود ولم يؤول بمشتق؛ يبقى على ظاهره كما هو؛ لأن تأويله بمشتق هذا فيه تكلف فيبقى على ظاهره، وفي جامدٍ يمكن تأويله بدون تكلف وتعسف، فالقسمة ثنائية، وعلى هذا مشى ابن هشام رحمه الله تعالى في التوضيح، وأكثر الشراح لا؛ على أن الجامد نوعٌ واحد، فكل جامد يقع حالاً حينئذٍ لا بد من تأويله، وابن الناظم على هذا .. جامد ثم كل جامد يمكن تأويله بدون تكلف؛ حينئذٍ قوله: بِلاَ تَكَلُّفِ هذا صفة لبيان الواقع، فكل حال وقعت جامدة حينئذٍ أُوِّلت بمشتق، بِلاَ تَكَلُّفِ نقول: هذه صفه لازمة أو لبيان الواقع؟ يعني هل هي للاحتراز أم لبيان الواقع؟ إذا قلنا: كل جامد يؤول بمشتق فهي لبيان الواقع، وعليه يكون قوله: مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَكَلُّفِ من عطف العام على الخاص، ولذلك قال المكودي: ظاهر كلامه وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ أن الدال على سعر ليس داخلاً في مُبْدِي تَأَوُّلٍ، وليس كذلك، ظاهر كلامه -وهو الصحيح هذا ظاهر كلامه- أن الدال على السعر ليس داخلاً في المبدي للتأول، وليس كذلك بل منه، وحينئذٍ يعتذر للناظم بأنه عطف العام على الخاص، وهذا لا إشكال فيه، وابن هشام وقف مع الظاهر قال: لا بل الجامد نوعان: جامد لا يؤول وهو المبدي، وهو الدال على السعر، وعطف عليه بعض المسائل، والجامد الذي يمكن تأويله، هذا قسم آخر، فجعل القسمة ثنائية. وَفِي كل مُبْدِي أبدا الشيء إذا أظهره، تَأَوُّلٍ بمشتق، بِلاَ تَكَلُّفِ يعني بلا تعسف، مثل: يداً بيد .. ما دل على مناجزة ومقابضة، يَدًّا بِيَدْ .. بعته يَدًّا بِيَدْ، يَدًّا نقول: هذا حال، يَدًّا لوحدها، وبِيَدْ هذا جار ومجرور متعلق به، والإعراب فيه كالسابق .. يجوز فيه الوجهان: على النصب يداً كائنة مع يدٍ، وعلى الرفع يدٌ منه على يدٍ مني، إذاً ما دل على مقابضة أو مفاعلة أو مناجزة نقول: هذا حال، في الأصل أنه جامد لأن يد هذا جامد، فحينئذٍ ما مراده إذا قال: بعته يَدًّا بِيَدْ؟ يعني مقابضة أو مناجزة، إذاً ما دل على مفاعلة بين اثنين .. إذا وقعت الحال دالة على مفاعلة بين اثنين حينئذٍ نقول: هي جامدة لكن مؤولة بالمشتق.

يَدًّا بِيَدْ .. وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَداً, أَسَدَاً هذا حال وهو جامد، واضح من التمثيل أنه أراد: كر زيد شجاعاً؛ لأن المناسبة بين المشبه والمشبه به .. الوصف والموصوف المراد به هنا الشجاعة، فحينئذٍ إذا قال: كَرَّ زَيْدٌ أَسَداً فالمراد به أنه شجاع، ولذلك قال: أَيْ كَأَسَدْ، أي: مثل أسدٍ، في ماذا؟ في الشجاعة، فـ أَيْ هنا تفسيرية، وما بعدها يُعرب عطف بيان عند البصريين، وعطف نسق عند الكوفيين، ولذلك هي حرف عطف، أي: تفسيرية، ما بعدها يكون عطف بيان لما قبله عند البصريين، وعند الكوفيين لا، يجعلونها مثل الواو، كأنه قال: كر زيد أسداً أو كأسد، فما بعده يكون معطوفاً على ما قبله. وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَداً أَيْ كَأَسَدْ، فـ كَأَسَدْ، نقول: الكاف هنا اسمٌ بمعنى مثل؛ لأن الحال أصلها أن تكون وصفاً، ويجوز كونه حرفاً، فيكون قصد تفسير المعنى لا أنها الحال بنفسها. إذاً وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ يعني: قد تأتي الحال جامدة، ويكثر الجمود في الحال الدالة على سعرٍ، وهل هو مؤول بالمشتق أو لا؟ فيه قولان. وَفِي مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَعَسُّفٌ، أي: ويكثر إذا ظهر مؤولا بالمشتق غير متكلف فيه ولا متعسف. كَبِعْهُ مُدّاً بِكَذَا يَدًّا بِيَدْ، كَبِعْهُ أي: براً، مُدّاً هذا حال، يَدًّا بِيَدْ كذلك حال بعد حال، لكن على تقدير جملة، يعني بعه يداً بيد، وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَدَاً أَيْ كَأَسَدْ. قال الشارح: يكثر مجيء الحال جامدة إن دلت على سعرٍ، نحو: بعه مداً بدرهم، يعني مسعراً بدرهم، وعلى رأي ابن هشام أنه جامد لا يُؤول يبقى على حاله، فنقول: مداً، هذا جامد، وجاء استثناؤه من قولهم: إن الحال لا يكون إلا مشتقاً، حينئذٍ هو جامد، ولا نُؤوله، ولا نقول: في معنى المسعَّر أو المسعِّر، بل يبقى على حاله، فمداً حال جامدة، وهي في معنى المشتق، إذاً المعنى بعه مسعَّراً كل مد بدرهم.

إذاً ابن عقيل يرى أن قوله: مُبْدِي تَأَوُّلٍ من عطف العام على الخاص، فقوله: وَيَكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ مع التأول، إذاً وافق أكثر الشراح، وخالف ابن هشام رحمه الله تعالى، ويكثر جمودها أيضاً فيما دل على تفاعل .. مفاعلة، نحو بعته يداً بيد، يعني مناجزةً متقابضَين، أو دلت على تشبيه كالمثال الذي ذكره آخراً كَرَّ زَيْدٌ أَسَداً، أي مشبهاً الأسد، فيداً وأسداً جامدان، وصح وقوعهما حالاً لظهور تأولهما بمشتق كما تقدم، وإلى هذا أشار بقوله: وَفِي مُبْدِي تَأَوُّلٍ أي: يكثر مجيء الحال جامدةً حيث ظهر تأولها بمشتق، وحينئذٍ قول النحاة: إن الحال يجب أن تكون منتقلة مشتقة معناه أنه غالب لا لازم، وهل هذه المسائل الثلاث التي ذكرها الناظم رحمه الله تعالى محصورة في الجامد أم لا؟ لا، بل وصلت إلى العشر، وزادت على ذلك، ذكر الشارح ثلاثة أمثلة وهي فيما دل على سعر، هذا أولاً، والثاني: فيما دل على مناجزة مفاعلة مقابضة، والثالث: ما دل على تشبيه، الرابع: أن تدل الحال على ترتيب كقولك: ادخلوا الدار رجلاً رجلاً، ادخلوا الدار: فعل وفاعل ومفعول به، رجلاً رجلاً، رجلاً الأول حال وهو جامد، رجلاً الثاني هذا فيه قولان: أولاً أنه معطوف بعاطف مقدر وهو الفاء رجلاً فرجلاً، معطوف على ما قبله، رجلاً فرجلاً، القول الثاني: أنه صفة على تقدير حذف مضاف رجلاً ذا رجلٍ، إذاً الثاني لا يكون حالاً، إذا دلت الحال على ترتيب: ادخلوا الدار رجلاً رجلاً أوَّلَ أوَّلَ، فالأول اللفظ الأول هو الحال، والثاني إما أن يكون معطوفاً عليه بحذف حرف العطف وهو الفاء على جهة الخصوص، وإما أنه على حذف مضاف: ادخلوا الدار رجلٌ ذا رجلٍ أول ذا أولٍ، وضابط هذا النوع أن يذكر المجموع أولاً ثم يفصل هذا المجموع بذكر بعضه مكرراً، ادخلوا الواو مجموع .. كلهم ذكروا، ثم قال: رجلاً رجلاً. إذاً فصَّل بعد إجمال، فجاء على وجه التكرير، فالمجموع في المثال الأول هو الذي تدل الواو عليه، والحال عند التحقيق هو مجموع اللفظين، ولكنه لما تعذر أن يكون المجموع حالاً، جُعل كل واحدٍ منهم حالاً، كما في الخبر المتعدد بغير عاطفٍ في نحو قولك: الرمان حلو حامض، وذهب ابن جني إلى أن الحال هو الأول والثاني معطوفٌ عليه بعاطفٍ مقدر وهو أولى، أن لا يجعل رجلاً رجلاً .. لأنه ليس مركباً ليس مثل أحد عشر وغلام زيد حتى نقول هو في معنى كلمة واحدة لا، رجلاً رجلاً لا يمكن أن يجعل كلمة واحدة، ولا يمكن أن يجعل حالاً واحدة، وليست هي كالخبر المتعدد، بل الأول هو حال، والثاني يكون معطوفاً عليه كما ذهب إليه ابن جني.

الخامس: أن تكون الحال موصوفةً، نحو قوله تعالى: (قُرآناً عَرَبِيّاً) (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً)، سَوِيّاً .. عَرَبِيّاً هو الحال، وتسمى هذه الحال الحال الموطئة، الحال الموطئة: هي الاسم الجامد الموصوف بصفةٍ هي الحال على وجه التحقيق، فكأن الاسم الجامد قد وطئ الطريق ومهده لما هو الحال بسبب مجئه قبله، (قُرآناً عَرَبِيّاً) ((فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً))، نقول الاسم الجامد الموصوف بصفةٍ هي الحال، أين الاسم الجامد الموصوف .. ؟ بَشَراً وعَرَبِيّاً هما هما الحال، فصارت موطئة لذكر ما بعدها من الصفة، صارت موطئة كأنها ممهدة قُرآناً مهد هذا اللفظ لذكر عَرَبِيّاً، فالمقصود حينئذٍ بالذات هو كونه عَرَبِيّاً، والثاني: كونه سَوِيّاً فبشراً هذا حال موطئة وطأت ما بعدها للذكر. السادس: أن تكون الحال دالة على عدد، نحو قوله تعالى: (فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) في حال كونها أربعين. السابع: أن تدل الحال على طورٍ فيه تفصيل، هذا بسراً أطب منه رطباً .. وهذا سيأتي في أفعل التفضيل .. أن تدل الحال على طورٍ فيه تفصيل. الثامن: أن تكون الحال نوعاً من صاحبها، هذا مالك ذهباً، هذا مالك، مالك هو صاحب الحال، ذهباً هذا نوع منه .. المال ليس كله الذهب، إنما بعضه ذهب، حينئذٍ ذهباً نقول: هذا بعض من المال، أو تكون الحال فرعاً لصاحبه، هذا حديدك خاتماً، خاتم فرع؛ لأن الحديد أعم منه، وكقوله تعالى: (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً) بُيُوتاً هذا حال وهو جامد، وأعربها الزمخشري حالاً مقدرة، وقيل هذا من دقائقه، أو تكون الحال أصلاً لصاحبها، كقولك: هذا خاتمك حديداً، وكقوله تعالى: (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) طِيناً نقول هذا حالٌ تبين كونها أصل لصاحبها، (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) طِيناً هذه بينت أصله. وقد أجمع النحاة على أن المواضع التي ذكرها الناظم الثلاثة والدالة على الترتيب، يجب تأويلها بمشتقٍ، والإجماع هذا فيه نظر؛ لأن ابن هشام يخالف في هذا، يرى أن ما دل على سعرٍ هذا جامد ليس بمشتق، وما عداها .. وهو كون الحال موصوفة ودالة على عدد ودالة على طورٍ فيه تفصيل، أو تكون الحال نوعاً من صاحبها، هذه الأنواع هي التي نوزع فيها .. هل هي جامدةٌ لا يقبل التأويل أصلاً؟ أم أنها جامدةٌ وداخلة فيما سبق؟ من قسم الجامد إلى قسمين جعل الأربع الأولى في الجامد المؤول بالمشتق، وجعل البقية في الجامد الذي ليس مؤولا بمشتق، وابن هشام على هذا، لكنه أخرج من الأربع الأولى مادل على سعر، فجعله في الجامد غير المؤول, فعنده الجامد المؤول بمشتق ثلاثاً فحسب، وينفي كل جامد مؤول مشتق ماعدا الثلاثة وهي: مادل على ترتيب، ودل على مقابضة، وتشبيه، هذه الثلاث عند ابن هاشم: جامد وقابل للتأويل، وما عداه فهو جامد غير مؤول, والجماهير على خلافه أن كل جامد قابل للتأويل. قال ابن هشام: أكثر هذه الأنواع وقوعاً مسألة التسعير، والمسائل الثلاث الأول التي ذكرها ابن مالك رحمه الله تعالى بعد .. وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ .. وهي الثلاث الذي ذكرناها التي دل على تشبيه أو على مفاعلة أو على ترتيب.

ثم قال: ويُفهَم منه أنها تقع جامدة في مواضع أُخَر بقلة، نعم، وهو كذلك، لأنه قال: وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ، وما عُطَف عليه داخل في الكثرة، هذا إذا جعلنا المناط واحدا، وإذا فصَلنا بين الجملتين لا، صارت الكثرة في ما دلّ على سعر وما عداه لا، وابن هشام يرى أن البيت كله دال على الكثرة، وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ .. وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي مُبْدِي تَأَوُّلٍ، وما أبدا تأول حينئذٍ يكون مقابضةً ويكون ترتيباً ويكون تشبيهًا وما عداه فهو قليل، ولذلك قال: ويُفهَم منه أنها تقع جامدة في مواضع أُخر بقلة وأنها لا تُؤوّل بالمشتق، كما لا تؤول الواقعة في التسعير؛ يعني لا تُؤول بمشتق، وزعم ابنُه: أن الجميع مُؤوّل بالمشتق؛ يعني يردّ على ابن الناظم لأنه ادّعى أن الجميع مؤوّل بالمشتق. قال ابن هشام: وزعم ابنه أن الجميع مُؤوّل بالمشتق وهو تكلف، وإنما قلنا به في الثلاث الأول: تدلّ على تشبيه أو على مفاعلة أو ترتيب لأن اللفظَ فيها مُراد به غير معناه الحقيقي، فالتأويل فيها واجب، فحينئذٍ المسألة فيها نزاع اختر ما شئت. وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ وَفِي ... مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلاَ تَكَلُّفِ يقول هذا من عطف العام على لخاص؛ كأنه قال ويكثرُ الجمود في كل مُبدي تأولٍ بلا تكلف؛ منه ما دل على سعر وما عطف عليه. كَبِعْهُ مُدّاً بِكَذَا يَدًّا بِيَدْ ... وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَداً أَيْ كَأَسَدْ ثم قال: وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً فَاعْتَقِدْ ... تنْكِيرَهُ مَعْنى كَوَحْدَكَ اجْتَهِدْ الأصلُ في الحال أن تكون نكرة؛ قوله: وَالْحَالُ مبتدأ، أين خبره؟ هل الْحَالُ مُبتدأ ولا خبر له أو له خبر؟ الْحَالُ مبتدأ قطعاً، هل له خبر أو لا؟ الواو الذي يكون مانعاً من الخبرية ما بعدَ المبتدأ؛ لو قال: الحال وإن عرِّفَ قلنا لا؛ لابد أن نُقدّر خبراً قبلَ الواو، لكن هنا سبقَ وَالْحَالُ الواو هنا عاطفة أو استئناف، وَالْحَالُ مبتدأ؛ قيل لا خبرَ له في مثل هذا التركيب، وقيل: الخبر جملة الشرط، وقيل جواب الشرط، وقيل جملتا الجواب والشرط وهو أصح، أربعة أقوال. إذا قيل: (زيدٌ إن جاء فأكرمه)، زيدٌ: مبتدأ، ثم ما تلاه إلا جملة الشرط: إن جاء فأكرمه، أين الخبر؟ ماذا تصنع؟ جملة الشرط مُركّبة؛ يعني لا تتفك؛ لا ينفصل بعضها عن بعض؛ قيل: هذا لا خبر له، حينئذٍ أُقيمت جملة الشرط مقام الخبر؛ مثل القائم من الزيدان؛ الزيدان هذا فاعل سدّ مسد الخبر. جملة الشرط تسد مسد الخبر في مثل هذا التركيب هذا قول, وقيلَ: زيدٌ إن جاء, (إن جاء) الجملة هذه هي الخبر، وقيل: فأكرمه .. جملة الجواب، وقيل: هما معاً، والصواب: أنهما معاً، هذا الصحيح.

وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ، إذن الْحَالُ مُبتدأ؛ جملة: إِنْ عُرِّفَ لَفْظاً فَاعْتَقِدْ تنْكِيرَهُ مَعْنًى في محل رفع خبر المبتدأ؛ إِنْ عُرِّفَ يعني دخل عليه التعريف؛ عُرِّفَ: أَلْ حَرْفُ تَعْرِيفٍ، حينئذٍ التعريف هنا إما أن يكون بـ (أل)، وإما أن يكون بالإضافة، لا يتصور إلا هذا أوذاك، (أرسلها العراكَ) (ادخلوا الأولَ فالأولَ) (جاء زيدٌ وحدَه). أرسلها العراك, العراك دخلت عليها (أل)، (جاء زيدٌ وحدَه) أضيف (وحد) إلى الضمير، حينئذٍ صار معرفةً. هل التعريف هنا الذي حصلَ لهذا اللفظ –الحال-؛ هل هو معنوي مؤثّر أم أنه من جهة اللفظ فحسب؟ الثاني، ولذلك قالَ: لَفْظَاً ابن مالك هنا، وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً لا معنى؛ لأنه إذا قيل حال حينئذٍ لزم التنكير، ثم لزومه للتنكير إما يكون لفظاً ومعنى، وإما أن يكون معنى دون لفظ وهو المعرف. إذا دخلت (أل) على الحال حينئذٍ نقول: (أل) هذه زائدة أو اللفظ كله مؤوّل بالنكرة؛ يحتمل هذا ويحتمل ذاك، وإذا دخلت أو كان مضافاً كـ (وحده) حينئذٍ نقول: هذا مؤوّل بالنكرة. وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً (لَفْظَاً) هذا تمييز؛ يعني في اللفظ دون المعنى، فلو عرف معنىً نقول هذا امتنع كونه حالاً؛ لا يمكن؛ (فَاعْتَقِدْ) الفاء واقعة في جواب الشرط. إذن الاعتقاد هنا محلّه القلب. اعتقد لأن اللفظَ لا يمكن تغييره، إما إن تنطق به مباشرة نكرة، فإن نُطِق به معرفة، وهذا ليس لك أنت؛ يعني إذا جاء في لسان العرب ما هو معرفة في اللفظ حينئذٍ نقول اعتقد أنه في المعنى نكرة، وأما في اللفظ فتنطق به كما هو، فصار اعتقاد التنكير محلّه القلب، وأما اللفظُ فحينئذٍ يبقى على ظاهره، وليس لك أنت أن تبتدئ كلاما تأتي بحال معرفة، وإنما الكلامُ هنا في التخريج لما سُمِع في لسان العرب. فَاعْتَقِدْ الفاء وقع في جواب الشرط، تنْكِيرَهُ هذا مفعولٌ به، مَعْنىً هذا تمييز. فَاعْتَقِدْ تنْكِيرَهُ مَعْنًى كَوَحْدَكَ اجْتَهِدْ؛ كقولك: (اجتهد وحدك)، وَحْدَكَ هنا وحد: حال أُضيف إلى الكاف وهو معرفة فاكتسبَ التعريف؛ اجتهد وحدك: أي مُنفرداً؛ فمُنفرداً نقول: هذا حال نكرة دلَّ عليه وحدَك وهو في اللفظ معرفة: وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً أي في لسان العرب فالإتيان بها معرفةً لفظاً مقصور على السماع، وحقّ الحال أن يكون نكرة؛ لأن المقصود به بيان الهيئة، والأصل كما سبق في الاسم أن يكون نكرة، والتعريف فرعٌ عنه؛ فمتى ما أمكنَ الدلالة على الهيئة بالنكرة لا يجوزُ العدول عن النكرة إلى المعرفة؛ لأن المعرفة نكرة وزيادة؛ فحينئذٍ إذا دلّت النكرة على بيان الهيئة لماذا تعدلُ على ماهو زائدٌ عليه؟ صارت الزيادة على النكرة (أل) أو الإضافة أو العلمية أو الإشارة الخ نقول هذه صارت حشواً؛ لماذا؟ لأنه جِيءَ بها لا في محلّها؛ لأنك قصدتَ بهذه الكلمة بيان هيئة صاحب الحال؛ فإذا حصلَ بالتنكير .. بالنكرة حينئذٍ لا تعدل إلى الفرع. وحقّ الحال أن يكون نكرة؛ لأن المقصود به بيان الهيئة وذلك حاصل بلفظ التنكير فلا حاجة لتعريفه صوناً للفظ عن الزيادة والخروج عن الأصل لغير غرض.

وقد يجيءُ بصورة المعرّف بأل فيُحكم بزيادتها؛ إذا جاء بـ (أل) نحكم بزيادتها (ادخلوا الأولَ فالأولَ) يعني ادخلوا أول أول؛ فيؤوّل بالنكرة؛ كذلك اجتهد وحدك أي منفرداً. إذن نقولُ الأصل في الحال أن تكون نكرة؛ لأنه لا حاجة إلى تعريفه صوناً للفظ عن الزيادة والخروج عن الأصل لغير غرض؛ لأنه إنما يُجاء بالزيادة للدلالة على التعريف لغرضٍ ما، حينئذٍ إذا جاء محلى بـ (أل)؛ (أرسلها العراكَ) إما أن نقول بأن العراك هنا مؤوّل بنكرة (معتركة)، وإما أن يُقال بأن (أل) هنا زائدة، وكذلك إذا جاء مضافاً حينئذٍ اكتسب التعريف، (اجتهد وحدَك) حينئذٍ نقول وحدَك المراد به منفرد، ادخلوا الأول فالأول, الأول حال وما بعده معطوفاً عليه بالفاء؛ كما ذكرناه أولاً؛ والمؤوّل بالنكرة هنا قيل مجموع الاسمين؛ أي ادخلوا مترتبين، وقيل كل واحد من الاسمين يؤوّل بوصفٍ منكر؛ أي ادخلوا واحداً فواحداً، وقيل الأول أقرب إلى الثاني. إذن: هذا التعليل لماذا كان الأصل في الحال أن تكون نكرة؟ وعُلّل أيضاً بتعليل آخر إنما التزم تنكير الحال لئلا يُتوهّم كونه نعتاً؛ لأن الحال لها شبه بالخبر، ولها شبه بالنعت، فلذلك هي من حيث الأحكام مركّبة؛ لها شبه بالخبر فأخذت بعض أحكامه، ولها شبه بالنعت فأخذت بعض أحكامه؛ خوفاً من توهّم أن يكون اللفظ نعتاً لا حالا التُزِم تنكيرها، وإنما التُزم التنكير لئلا يتوهم كونه نعتاً؛ لأن الغالب كونه مشتقاً وصاحبه معرفة، هذا عند جمهور البصريين؛ أن الحال لا بد أن تكون نكرة، فإن جاءت معرفة وجب تأويلها، قال: وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً فَاعْتَقِدْ ... تنْكِيرَهُ مَعْنًى كَوَحْدَكَ اجْتَهِدْ

أي مُنفرداً، هذا مذهب جمهور النحاة؛ لئلا تلتبس بالنعت، فلذلك في (رأيتُ زيداً الراكبَ)، لو قيل: رأيتُ زيداً الراكبَ هل تريدُ به النعت أم الحال؟ هذا وقعَ فيه لبس، (رأيت زيداً الراكب) إذا لم نشترِط التنكير في الحال ما إعراب الراكب هنا؟ يحتملُ أنه نعت ويحتمل أنه حال، لكن قلتَ رأيت زيداً راكباً حصلَ تخالفٌ بين المنعوت ونعته، إذن لا يمكن أن يكون نعتاً، إذ لو كان نعتاً لوجب تعريفه؛ لأن المنعوت وهو زيد معرفة، وشرط النعت مع منعوته التطابق. إذن رأيتُ زيداً الراكبَ يمتنع أن يكون الراكب هنا حال لأن شرط الحال أن تكون نكرة، وهذا مذهب جمهور النحاة، وأجاز يونس تعريفه مُطلقاً بلا تأويل، فأجاز جاء زيدٌ الراكبَ، جاء فعل ماضي، وزيد فاعل، والراكب هذا حال، وما الفرق بينه وبين النعت؟ وهنا وقعَ إشكال. وفصّلَ الكوفيون فقالوا إن تضمّنت الحال معنى الشرط صحّ تعريفها لفظاً، نحو: عبد الله المحسنَ أفضل منه المسيئَ؛ عبد الله المحسنَ يعني إذا أحسنَ، أفضلُ منه المسيءَ؛ فالمحسن والمسيء حالان وصحّ مجيئهما بلفظ المعرفة لتأوّلهما بالشرط؛ إذ التقدير عبد الله إذا أحسنَ أفضلُ منه إذا أساء. إذن إذا تضمّنت معنى الشرط جاز التعريفُ عند الكوفيين، فإن لم تتضمن الحال معنى الشرط لم يصح مجيئهما بلفظ المعرفة؛ فلا يجوز أن يُقال جاء زيدٌ الراكبَ على أنه حال؛ لماذا؟ لأنه لا يُقال (جاء زيدٌ إن رَكِب) بالشرط لا يُقال هذا. إذن: في الحال من جهة كونها نكرة أو معرفة ثلاثةُ مذاهب؛ مذهبُ جمهور البصريين والنحاة أنه يُشترط فيها أن تكون نكرة؛ فإن جاءت معرفة وجبَ التأويل، عكسهم يونس ووافقه البغداديون أنه لا يُشترط؛ مطلقاً سواءٌ تضمنت الشرط أم لا. حينئذٍ (جاء زيدٌ الراكبَ) هذا حال، (رأيتُ زيداً الراكبَ) هذا حال، فلا يُشترَط فيها التنكير، والكوفيون على التفصيل إن تضمّنت معنى الشرط جازَ تعريفها لفظاً كالمثال الذي ذكرناه؛ وإلا فحينئذٍ لا يجوز لأنه لا يُقال جاء زيد الراكبَ. وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً فَاعْتَقِدْ ... تنْكِيرَهُ مَعْنًى .................. إذن الأصل فيها التنكير، وعُلّل بعلتين؛ الأولى أن لا يُتوهم أنه نعت؛ ففرقٌ بين النعت والحال؛ فالأصل في النعت أن يكون مُشتقّاً. حينئذٍ الأصل فيه كذلك التطابق مع منعوته، والأصل في الحال أن تكون نكرة، من أجل المفارقة بين النوعين اشتُرِط التنكير في الحال، وعُلّل بأن الأصل في اللفظ في الاسم أنه نكرة فإذا أمكن الدلالة على الغرض والفائدة من مجيئ الحال وهو الدلالة على الهيئة بالنكرة لا يُعدل عنه إلى الزيادة؛ لأن المعرفة نكرة وزيادة، إذا قيلَ (جاء زيدٌ راكباً) راكباً: هذا أفهمَ بيان وكشف وإيضاح هيئة زيد؛ حصلَ أو لا؟ حصل الغرض، إذن لماذا تزيده شيئاً زائداً على مجرد التنكير؟ تقول: جاء زيد الراكبَ زدته (أل)؟ نقول هذا يُعتبر حشواً في الكلام، كلُّ لفظٍ خروجه ودخوله لا يؤدّي معنىً حينئذٍ صار حشواً في الكلام. وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ

قيلَ هذا الأولى تقديمه على قوله: (وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً)؛ لماذا؟ لأن المصدرَ جامد وإذا كان كذلك فالأصل أن يقول: (كَبِعْهُ مُدّاً بِكَذَا) ثم يقول: (وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ) هذا الأصل فيه، لكنه فصلَ بينه وبين ما سبقَ في الجمود بقوله: (وَالْحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظَاً). وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ ما هو المصدر؟ الاسم الجاني على الحدث وهو دالٌّ على معنىً فقط لا يدل على ذات. إذن تخلّفَ فيه شرطٌ؛ وهو كونه ليس بوصف، الأصلُ في الحال أن تكون وصفاً مشتقّا دالّةً على ذات ومعنى، المصدر لا يدلّ إلا على معنى (قتل؛ ضرب؛ مشي؛ أكل؛ شرب) هذه كلها لا تدلّ إلا على معاني (عدل؛ فسق) نقول هذه كلها لا تدل إلا على معنى، ولا تدل على الذات، فالأصل حينئذٍ لا يوصف بها الذات؛ لأن الأصل في الحال أن تكون هي صاحب الحال في المعنى؛ إذا قيل جاء زيدٌ راكباً, راكباً هذا دلّ على ذات؛ زيدٌ ذات أو لا؟ ذات، وراكباً دلّ على ذات، إذن أُعيدت الذات لكنها مُبهمة في ضمن الحال، إذن هي نفسها صاحب الحال وزيادة، إذا قلت جاء زيد راكباً, راكباً هذا دلّ على ذات؛ ما هي هذه الذات؟ هي نفسها صاحب الحال؛ دلت على صاحب الحال وزيادة؛ ما هي هذه الزيادة؟ وصفه بالركوب. إذن الأصل في الحال أن تكون مُتضمّنة لصاحب الحال، طيب إذا قيل: طلع زيد بغتة .. فجأة، هذا ليس دالاً على الذات، حينئذٍ كيف تكون الحال مُتضمّنة لمعنى متضمناً لصاحب الحال؟ امتنع ذلك. وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ قيل هذا البيت الأولى تقديمه على البيت السابق لأن المصدر من الجوامد مما يُؤوّل بمشتق، وَمَصْدَرٌ يعني جامد لأنه يدلّ على حدث فقط، وَمَصْدَرٌ هذا مبتدأ، مُنكَّرٌ هذا صفة له، وهو المسوغ للابتدا بالنكرة، يَقَعْ: الجملة خبر، وحَالاً حالٌ .. حَالاً إعرابه حالٌ، إذن حَالاً هذا حالٌ متقدّمة على يقع، وهو حالٌ من الفاعل الضمير المستتر. يَقَعْ سماعاً مطلقاً عند سيبويه، وبِكَثْرَةٍ هذا متعلق بقوله يَقَعْ، ومنه قوله تعالى: (فَادْعُوهُ خَوْفاً) أي خائفين، خَوْفاً وَطَمَعاً أي طامعين. إذن وقعَ المصدر حالاً في القرآن، وكثير هذا، (فَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) خَوْفاً إعرابه أنه حال، وَطَمَعاً معطوف عليه؛ لأنه إذا تعددت الحال .. شرطُ إعرابِ الثاني حالاً أن لا يُعطف عليه بواوٍ؛ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ: كقولك: (زيد طلع بغتةً) بَغْتَةً: فعلة من البَغت؛ يعني أن يفجأك بشيء، زيد طلع بغتةً أي فجأةً، وجاء زيدٌ ركضاً؛ وقتلته صبراً، وهو عند سيبويه والجمهور على التأويل بالوصف. زيدٌ طلع بغتةً أي باغتاً؛ تأويل بالوصف؛ يعني نؤوّله باسم فاعل أو اسم مفعول، طلعَ زيد بغتةً أي باغتاً، وجاء زيد ركضاً أي راكضاً، وقتلته صبراً أي مصبوراً، وهذا يؤوّل باسم مفعول؛ قتلته أي المقتول فهنا صبراً حال من المفعول؛ أي مصبورا: يعني محبوساً.

(بِكَثْرَةٍ) قوله: بِكَثْرَةٍ دلَّ على أنه غير مقيس؛ يعني يُحفَظ ولا يُقاس عليه، وهو رأي سيبويه والجمهور. دلَّ على أنه غير مقيس وأنه خلاف الأصل؛ لأن الأصل لا يُقال فيه قليل وكثير. إذا النحاة عبّروا بالقلة والكثرة دلّ على أنه غير موافق للأصل وإنما يُقال فيه مقيس وغير مقيس، هذا الأصل فيه، وأما إذا قيل ندر، وقيل قليل أو كثير قالوا هذا خلاف الأصل. وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ لمَ قيّدَ المصدر بكونه منكراً؟ هل هو احتراز عن المعرّف؟ هل ورد المعرف وهو مصدر حال في لسان العرب؟ نقول نعم؛ له مفهومه وهو معتبر، وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ مفهومُه أن وقوع المصدر المعرف حالاً قليل في لسان العرب وهو كذلك. إذن مُنكَّرٌ نقول أرادَ به الاحتراز عن المعرف؛ لأنه ليس بكثير، وهو أراد ضبط المصدر الذي يقع حالاً بكثرة، وأما ما عدا الكثرة فهو راجع إلى القلة، وذلك ضربان –نوعان- المصدر المعرّف الذي وقعَ حالاً هذا على نوعين؛ أولاً: علم جنس كقولهم: جَاءَتِ الْخَيْلُ بَدَادِ؛ كحذامي، هذا حال وهو علم جنس للتبديد بمعنى التفرق، جاءت الخيل مُتفرّقة مُتبددة يعني، مبنيٌّ على الكسر كحذامي، ووقع حالاً لتأوله بوصف، وهو قولهم مُتبدّدا. إذن علمُ جنسٍ كبدادِ وهو كحذامي مبنيّ على الكسر، نقول جَاءَتِ الْخَيْلُ بَدَادِ أي متبددة يعني متفرقة. الثاني: أن يكون معرفا بـ (أل)؛ ليس بعلم جنس، وإنما معرفاً بـ (أل)؛ كالشاهد المشهور: أرسلها العراكَ, العراكَ دخلت أل عليها، حينئذٍ نقول هو مؤوّل بنكرة؛ أي معتركة، وزِيدَ عليه المعرف بالإضافة (جاء زيد وحدَه) أي منفرداً. إذن وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ احتراز من المعرف فإنه وقعَ في لسان العرب لكن بقلة، وهو في نوعين علم جنس كبدادِ، وجاء كذلك في النوع الثاني معرف بأل أو الإضافة. وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ بِكَثْرَةٍ كقولك زيد طلع بغتة أي باغتاً. قال ابنُ عقيل حقُّ الحال أن يكون وصفاً .. هذا الأصل فيها أن يكون وصفاً، وهو مادلَّ على معنى وصاحبه يعني الذات؛ كقائم وحسن ومضروب؛ فوقوعها مصدراً على خلاف الأصل، إذا جاءت مصدر لم تدل على الذات بل دلّت على معنى، وحيئنذٍ يكون على خلاف الأصل. إذ لا دلالة فيه على صاحب المعنى، وشرط الحال أن تكون نفسَ صاحبها في المعنى. لا بد من ذلك .. شرطُ الحال -وهو زاده ابن هشام في الأوضح- أن تكون الحال نفس صاحبها في المعنى، حينئذٍ يكون مُكرراً مبهماً، جاء زيد راكباً هذا دلَّ على الذات وهو زيد السابق، ثم زاد عليه وصف، وهو الدلالة على الركوب، وقد كثُر مجي الحال مصدراً نكرة، ولكنه ليس بمقيس لمجيئه على خلاف الأصل، وأجاز المبرد القياس عليه في النوع لا مطلقاً، نحو جاء زيد سرعة، يعني ما كان نوعاً من الفعل أجازَ المبرد قياسه، وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب على المصدرية؛ حينئذٍ يكون مفعولاً مطلقاً والعامل فيه محذوف من لفظ المصدر؛ بغتةً زيد طلع؛ طلع زيد بغتةً؛ يبغت بغتةً، حينئذٍ صارَ مفعولاً مطلقاً والعامل فيه محذوف، فيبغتُ عندهم هو الحال لا بغتة، و (جاء زيد ركضاً) أي يركض ركضاً، و (قتلته يصبر صبراً) فالحال عندهم الجملة لا المصدر.

القول الثالث- وهو مذهب الكوفيين-: أنه منصوب على المصدرية كذلك؛ مثل مذهب الأخفش والمبرد، ولكن الناصب له عندهم الفعل المذكور وهو طلع في المثال الذي ذكره الناظم لتأويله بفعل من لفظِ المصدر، والتقدير في قولك: (زيد طلع بغتةً) زيدٌ بغتَ بغتةً، وردّوه إلى المفعول المطلق، فيؤوّلون طلع ببغتَ، وينصبون به بغتةً، أو ليس على المفعول المطلق وإنما يُضمّن الفعل معنى المصدر الذي ذُكِرَ، يعني (طلع زيد بغتةً) طلعَ بمعنى بغت؛ فكأنه ضُمّن معنى بغتَ، فصارَ ناصباً للمذكور، وقيل: هي مصادر على حذف مصادر، والتقدير (طلع زيد طلوع بغتة) و (جاء مجيء ركضٍ) و (قتلته قتل صبر)، وقيل هي مصادر على حذف مضاف، والتقدير طلع ذا بغتة، وهذا المشهور عند النحاة في الإعراب، (زيد عدل) ذا عدل، (جاء زيد بغتةً) أي ذا بغتة، هذا المشهور في الإعراب، وجاء ذا ركضٍ، وقتلته ذا صبرٍ. إذن خمسة مذاهب في وقوع المصدر حالاً وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ أنه غير مقيس عند سيبويه وغيره، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

64

عناصر الدرس * مسوغات مجئ صاحب الحال نكرة * تقديم الحال على صاحبه * مسوغات مجئ صاحب الحال مضافاُ إليه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ ... لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ كَلاَ ... يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِىءٍ مُسْتَسْهِلاَ هذا شروعٌ منه في ما يتعلَّق بصاحب الحال, صاحبُ الحال يُشترَط فيه عند النحاة أن يكون معرفة بلفظه أو يكون نكرة لكنه بمسوّغ؛ لأن حكمه حكم المبتدأ، الحال في المعنى كالخبر، وإذا كان كذلك صار صاحب الحال كالمبتدأ؛ لأنه محكوم عليه، والحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، والحكم على النكرة لا يُفيد شيئاً. إذن لا بد أن يكون صاحب الحال معرفة؛ هذا وجهُ اشتراط صاحب الحال أن يكون معرفة؛ لأن الحال في المعنى مُوافقة للخبر، والخبرُ محكوم به، وإذا كان كذلك حينئذٍ يُشترَط في الحال ما اشتُرِط في الخبر، وهو كون المحكوم عليه معرفة أو نكرة لها مسوّغ. وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ .. وَلَمْ يُنكَّرْ ذُو الْحَالِ غَالِباً، وَلَمْ يُنكَّرْ: هذا مُغيّر الصيغة ومجزوم بلم، وذُو الْحَالِ، ذُو: نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الستة. إذن ذُو نقول: نائب فاعل مرفوع ورفعه الواو نيابةً عن الضمة، لأنه من الأسماء الخمسة أو الستة، وهو مضاف والْحَالِ مضاف إليه. صاحب الحال المراد به من كانت الحال وصفاً له، فحينئذٍ يُنظَر فيه إلى المعنى، جاء زيدٌ راكباً, راكباً وصف لمن؟ لزيد، ضربتُ اللص مكتوفاً، مَن المكتوف؟ قطعاً المضروب الضارب كيف يضرب وهو مكتوف؟ إذن: نقول: هذا حال من المفعول به. ذُوالْحَالِ أي صاحب الحال، وهو من كانت الحال وصفاً له، وهذا يُرجَع فيه إلى المعنى، وإذا احتملَ حينئذٍ جُوِّز الوجهان؛ ضربت زيداً راكباً، يحتمل أني ضارب وأنا راكب وزيد ماش، ويحتمل العكس؛ أنا ماشي وزيد راكب، فراكباً هذه يحتمل أنه حال من الفاعل، ويحتمل أنه حال من المفعول، فيُجوَّزُ على حسب المعنى، هنا المقاصد لها اعتبار، إذا أراد أنهما راكبان حينئذٍ يقول: ضربت زيداً راكبينِ، بالتثنية، هذا واجب؛ لأن الأصل راكباً راكباً, (راكباً) الأولى حال لزيد، و (راكباً) الثانية حال للتاء، ضربت زيداً راكباً راكباً، هذا الأصل، فإذا اتحدا لفظاً وجبَ التثنية تقول: ضربت زيداً راكبين. وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ، لَمْ يُنكَّرْ إذا لم ينكر حينئذٍ جاء معرفة. قوله: غَالِباً احترازاً من غير الغالب، حينئذٍ قد يأتي نكرةً، وهل هو سماعي أو قياسي؟ سيأتي أن سيبويه يرى العموم. الأصل في صاحب الحال أن يكون معرفة، والسرُّ في ذلك أنه في الحقيقة مُبتدأ، فنسبةُ الوصف إليه كأنه مبتدأ؛ فقولك: (جاء زيد راكباً) بمنزلة (زيد راكب)، مُبتدأ وخبر، فصاحبُ الحال شبيهٌ بالمبتدأ، وعليه فالمبتدأ لا يكونُ إلا معرفة أو نكرةً بمسوّغ. قال: إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ ... مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ .......

عرفنا إذا كان معرفة، إذا جاء نكرة حينئذٍ لا بدّ مِن مسوّغ، وذكرَ الناظم هنا أربع أوجه لتسويغ كون صاحب الحال نكرة؛ هي أربعة في الجملة، وستة عند التفصيل. إذن: حقُّ صاحب الحال أن يكون معرفة، ولا يُنكّر في الغالب إلا عند وجود مسوّغ، قد يكون هذا مراد الناظم؛ أن غير الغالب أن يكون نكرة بمسوّغ، ويحتمل أنه نكرة بدون مسوّغ، ولذلك عند سيبويه لا يُشترَط أن يكون صاحب الحال معرفة، بل يكون نكرة عنده، كما سيأتي. إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ يعني: صاحب الحال إذا كان نكرة؛ فمن المسوّغات أن يتأخّرَ صاحب الحال ويتقدّم الحال النكرة، فإن تأخّرَ كان ذلك مسوّغاً لمجيئه نكرة، إذا قلت مثلاً: رجلٌ فيها قائماً، هل يصحّ؟ لا يصحن لماذا؟ لكون صاحبِ الحال وهو رجل نكرة، إذن ماذا نصنع؟ قائماً فيها رجل أو قائم رجل فيها، قدَّمنا الحال على النكرة، فإذا قُدّمت الحال على النكرة حينئذٍ نقول: هذا مُسوّغ، يعني: مُجوِّز، سَوّغ الشيء يعني جوّزه، جَوّزَ لك أن تبتدأ بنكرة وهي صاحب حال، والأصل فيها أن تكون معرفة، كون الحال متقدمة فتأخّر صاحب الحال هذا فيه نوع إفادة, إفادةٌ ما، وسبقَ معنا هناك: (مَا لَمْ تُفِدْ)، فإن أفادت أَيَّ فائدة بحيث يكون المخاطَب مستفيداً من كلام المتكلم شيئاً ما حينئذٍ نقول: حصلت الفائدة، هذا الضابطُ فيها، مثلُهُ الحكم هنا. إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ يعني صاحب الحال، فإن تأخّرَ حينئذٍ نقول: جازَ أن يكون صاحب الحال نكرة. لِمَيّةً مُوحِشاً طَلَلُ, طَلَلُ هذا مبتدأ، وهو صاحب الحال، ومُوحِشاً هذا حال، جوّزَ كونَ صاحب الحال نكرة تقديمُ الحال عليها، لِمَيّةً مُوحِشاً طَلَلُ، مُوحِشاً هذا حال من المبتدأ، وفيه خلاف؛ سيبويه على الجواز .. أن يكون الحال من المبتدأ، والجمهور على المنع. إذن المسوّغ الأول: التأخير؛ أن يتأخَّرَ من صاحب الحال أو الحال؟ أن يتأخر صاحبُ الحال، وأن يتقدَّمَ الحال على النكرة، نقول: فيها قائماً رجلٌ، وكقول الشاعر وأنشده سيبويه: وَفِي الجِسْم مِنِّي بَيِّناً لَوْ عَلِمْتِهِ ... شُحُوبٌ وَإِنْ تَستَشْهِدي العَيْنَ تَشْهَدِ شُحُوبٌ: مبتدأ مؤخّر، وَفِي بِالجِسْم هذا خبر مُقدّم، بَيِّناً هذا حال، شُحُوبٌ بَيِّناً، بَيِّناً هذا حال، وصاحب الحال هو شُحُوبٌ، وهو مبتدأ وهو نكرة، سوَّغَ كونَ صاحب الحال نكرة تقديمُ الحال عليها، وهذا هو المسوّغ.

إذن بَيِّناً حال، وعند الجمهور أنه حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع خبراً، يعني: ليس من شُحُوبٌ، يعني: شُحُوبٌ هذا مبتدأ مُؤخّر، وبَيِّناً هذا حال، وهذا عند الجمهور لا يجوز؛ لا يجوز أن يكون الحال آتياً من المبتدأ، لا يجوز هذا؛ لأن شرط العامل في الحال أن يكون عاملاً في صاحب الحال، ومتى ما اختلفا لا يصحّ، وهنا العامل في (بَيِّناً) -إذا أعربناه حال- العامل فيه شُحُوبٌ، وهو صاحبُ الحال، والعاملُ في شُحُوبٌ وهو مبتدأ الابتداء، إذن اختلفا، إذا اختلفا لا يجوز؛ لأن شُحُوبٌ هذا مرفوع بالابتداء، والحال منصوب بالمبتدأ، ويُشترَط في صحة الحال من صاحب الحال أن يكون صاحبُ الحال مُعرباً بعاملٍ هو عينُهُ العامل في صاحب الحال، فإن اتفقا حينئذٍ نقول: هذا جائز، جاءَ زيدٌ راكباً، راكباً منصوب بـ (جاء)، أينَ صاحبُ الحال؟ زيد، مرفوع بماذا؟ بـ (جاء)، إذن اتحدا في العامل, العاملُ في صاحب الحال هو عينُه العامل في الحال، إن اختلفا لا يجوز، ولذلك امتنعَ مجيءُ الحال من المبتدأ؛ لأن المبتدأ يكون عاملاً في الحال؛ النصب، طيب ما الذي رفع المبتدأ؟ الابتداء وهو شيء مُغاير للمبتدأ، فامتنع، ولذلك هنا في مثل هذا التركيب ما استشهد به سيبويه؛ لأنه يرى صحة مجيءَ الحال من المبتدأ؛ لأنه لا يَشترِط اتفاقَ واتحاد العامل. إذن شُحُوبٌ نقول: هذا مبتدأ مؤخّر، وبَيِّناً هذا على مذهب سيبويه حال من شُحُوبٌ، والذي سوّغَ مجيء الحال من النكرة تقديمُه عليها وتأخيرُ صاحب الحال، وعندَ الجمهور بَيِّناً ليس حالاً من شحوب، وإنما حالٌ من الضمير المستتر في (بِالجِسْم)؛ جار ومجرور متعلق بقوله: مستقر أو استقر، فانتقلَ إليه الضمير فهو حال منه. عندَ الجمهور حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع خبراً؛ لامتناع مجيء الحال من المبتدأ، لا بد أن يتحدَ عامل الحال وعامل صاحب الحال، فلذا لا يُصحح الجمهور مجيء الحال من المبتدأ لاختلاف العامل: وَمَا لاَمَ نَفْسِي مِثْلَهَا ليَ لاَئِمٌ ... وَلاَ سَدَّ فَقْرِي مِثْلُ مَا مَلَكَتْ يَدِي وَمَا هذا حرف نفي، وهذا هو المسوّغ هنا، لكن باعتبار آخر، مَا لاَمَ نَفْسِي هذا مفعول به، لاَمَ فعل ماضي، ونَفْسِي هذا مفعول به، مِثْلَهَا بالنصب على أنه حال، ليَ لاَئِمٌ، لاَئِمٌ هذا صاحب الحال، مَا لاَمَ فعل ماض، لاَئِمٌ هذا فاعل، مِثْلَهَا هذا حال، ما الذي سوّغَ مجيءَ صاحب الحال نكرة؟ تقديمُ الحال عليه.

إذن إن لم يتأخّر صاحبُ الحال لا يجوزُ مجيءُ الحال منه وهو نكرة، وحينئذٍ صارَ التأخيرُ مسوّغاً له، لماذا؟ لأنه إذا تأخّرَ حصلَ نوع فائدة، مثلما قلنا هناك: في الدار رجلٌ، إذا قلت: رجلٌ في الدار، يعني: كائن في الدار، رجلٌ في الدار، في الدار رجلٌ, (رجلٌ في الدار) لا يجوز، لماذا؟ لكون (في الدار) هذا خبر، وحينئذٍ (رجل) هذا مبتدأ نكرة، وافتقار النكرة للنعت أشدُّ من افتقارها للخبر، فيُتوهّم أنه نعت لا خبر، فقُدِّم الجار والمجرور للدلالة على أنه خبر لا نعت، فحصلَ نوعُ إفادةٍ للمبتدأ، ليس فائدة تامّة؛ (في الدار رجل) (رجل في الدار) النتيجة واحدة، لكن لئلا يلتبس بالنعت، حينئذٍ صارَ تقديمٌ وتأخير، هنا كذلك، فإذا قُدِّم النكرة وهو الحال على صاحبها حصلَ نوعُ تخصيص عند السامع؛ نوعاً ما، وإن لم يكن على وجه التمام. إذن هذا هو المسوّغ الأول؛ كونه يتأخَّر؛ يعني: صاحب الحال. أَوْ يُخَصَّصْ والتخصيص هنا تحته صورتان: إما أن يُخصَّص بالوصف، وإما أن يُخصَّص بالإضافة، فيشمل صورتين: بالوصف (جاء رجلٌ طويلٌ راكباً)، (جاء رجلٌ راكباً) لا يصح؛ لأن رجل هذا صاحب الحال وهو نكرة، إذا وصفتَه حصلَ له نوع تخصيص، كما تقول .. هناك كما ذكرنا: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ، قلنا: مَصْدَرٌ هذا نكرة، وصحَّ الابتداء به لماذا؟ لكونه موصوفاً بقوله: مُنكَّرٌ، (جاء رجل طويل راكباً) نقول: راكباً هذا حال، وصاحب الحال رجل وهو نكرة، ما الذي سوّغَ كون صاحب الحال نكرة؟ وصفُهُ بطويل، كذلك بالإضافة، كما يُخصّص المبتدأ بالإضافة كذلك يُخصَّص صاحب الحال بالإضافة، (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ)، خمسُ صلوات: حصل التخصيصُ بالإضافة، هنا "فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ" سواءً أي مُستوية، وهذا حال من أربعة، أربعة ماذا؟ دنانير .. أربع سموات .. أربع أراضين .. ؟ هذا يحتمل لمّا قال: ((أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)) حينئذٍ حصلَ له نوع تخصيص، لكن فيه نوعُ إبهام، وهو تعيين هذه الأيام، حينئذٍ نقول: حصلَ نوعُ تخصيص بالإضافة "فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ"، سواءً: هذا حال من أربعة وهو نكرة؛ لأن النكرة هنا أُضيفت إلى نكرة فلم تكتسب التعريف، وإنما اكتسبت التخصيص.

ومنها أن تُخصّص النكرة بالوصف أو بالإضافة، فمثال ما تَخصّص بوصفٍ قوله تعالى: " فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا" هذا فيه نزاع طويل بينَ النحاة، ((فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ)) , كُلُّ هذا نائب فاعل، وهو مضاف، وأمرٍ هذا مضاف إليه، وهو واحد الأمور وهو صاحب الحال، حيكم نعت له، نعت، حصلَ له تخصيص بالنعت، أمراً هذا حال منه؛ حالٌ من المضاف إليه، والمضاف هنا جزء من المضاف، أمراً نقول: هذا حالٌ من المضاف إليه وهو أمرٍ، وهو نكرة؛ لأن كل هنا أُضيفت إلى نكرة ولم تكتسب التعريف، فحينئذٍ هو نكرة، وكل كما سبقَ باعتبار ما تضاف إليه؛ إن أُضيفت إلى المصدر فهي مصدر، وإن أُضيفت إلى الزمن أو المكان فهي اسم زمان أو اسم مكان وَهَلُمْ جَرَّا .. ، وحينئذٍ (كُلُّ أَمْرٍ) نقول: هذا في قوة المصدر، وهو نكرة، قيل: حكيم هذا وصف له؛ فهو المسوّغ لا الإضافة، أمراً نقول: هذا واحد الأوامر، وهو حال، وقيل: أمراً منصوب بفعل محذوف تقديره أعني أمراً من عندنا، أمراً ليس بحال وإنما هو مفعول به لفعل محذوف تقديره: أعني، ولك أن تجعلَه مفعولاً لأجله، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ لأجل أنه أمرٌ من عندنا، فهو تعليل، ولكَ أن تجعله مفعولاً مطلقاً منصوباً بفعل من معنى يُفرق، مثل قعدتُ جلوساً، على قول، والشاهد هنا أن الشارح أتى به على أنه منصوب على الحالية، أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا، فيه إشكال عند بعض النحاة. نَجَّيْتَ يَا رَبِّ نُوحَاً وَاُسْتَجَبْتَ لَهُ ... فيِ فُلُكٍ مَاخِرٍ فيِ الْيَمِّ مَشْحُونَا فيِ فُلُكِ مَاخِرٍ، فُلُكِ نقول: هذا نكرة، وصفَه بقوله: مَاخِرٍ، ثم قال: مَشْحُونَا, مَشْحُونَا هذا حال من فُلُكِ، وهو موصوف وهو نكرة. ومثال ما تَخصّص بالإضافة قوله تعالى: "فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ" أَرْبَعَةِ: هذا نكرة مضاف إلى أيامٍ، وهو نكرة، حينئذٍ لم يكتسب التعريف بل استفادَ التخصيص، سَوَاءً هذا حال، وقد يُخصّص بمعمولٍ نحو (عجبت مِنْ ضَرْبٍ أَخُوكَ شَدِيداً)، ضربٍ أخوك، شديداً هذا حال من ضربٍ وهو مصدر، وهو نكرة، أين التخصيص؟ نقول: حصلَ بالعمل، وسبقَ أن المبتدأ من المسوّغات له كونها: (وَرَغْبَةٌ فِي الخَيْرِ)، كونها عاملة سوّغَ الابتداء بها، هنا كون صاحب الحال عاملاً مُسوّغ لمجيء الحال منه وهو نكرة، عجبتُ من ضربٍ بالتنوين، أما من (ضرب أخيك) صار مضاف ومضاف إليه، من ضرب أخوك شديداً، فـ (شديداً) هذا حال من ضرب وهو نكرة، وسوّغَ مجيء الحال منه وهو نكرة كونه عاملاً.

إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ: هنا طبعاً على تكرير العامل، إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ يعني، يُوصف أو يُضَف، أَوْ لم يَبِنْ، يَبِنْ يعني يظهر الحال واقعاً، مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ: مِنْ بَعْدِ هذا مُتعلّق بقوله: يَبِنْ، يعني: يظهر ويبين، مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ أي مُشابهه، وهذا يدخلُ تحته صورتان: الاستفهام والنهي، وحينئذٍ على التفصيل هذه ستُّ مسوّغات؛ لأنه دخلَ تحت التخصيص صورتان، ودخلَ تحت مضاهيه صورتان، فالمجموعُ ست، وإذا نظرنا إلى العموم فهيا أربع. مِن المسوّغات أن تقعَ النكرة بعد نفي أو شبهه، وشبه النفي هو الاستفهام والنهي، وهو المراد بقوله: أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ. مَا حُمَّ مِنْ مَوتٍ حِمًَى وَاقِيَا ... وَلاَ تَرَى مِن أَحَدٍ بَاقِيَا مَا: نافية، حُمَّ: هذا مغير الصيغة، مِنْ مَوتٍ حِمًَى وَاقِيَا، وَاقِيَا: حال، صاحب الحال حِمًَى، حِمًَى هذا نكرة، ما المسوّغ لمجيء الحال من النكرة؟ وقوعُها في سياق النفي؛ لأن النكرة في سياق النفي تعمّ، وإذا عمّت صارت من جهة المعنى معرفة، نعم معرفة؛ من جهة المعنى صارت معرفة؛ لأنه يعمّ كل شخص يصدقُ عليه هذا اللفظ وهو داخل، ولذلك نقول: هنا العموم استغراقي، بمعنى أنه يستغرق كل الأفراد، لا يخرج عنه فردٌ من الأفراد، حينئذٍ صارَ عاماً من جهة المعنى، صار معرفةً من جهة المعنى. إذن حِمًَى نقول: صاحبُ الحال نكرة؛ سَوّغَ مجيئه نكرة كونه في سياق النفي، وَلاَ تَرَى مِن أَحَدٍ بَاقِيَا، بَاقِيَا كذلك حال، وصاحبُ الحال (أَحَدٍ) وهو نكرة، حينئذٍ نقول: سوّغَ مجيء صاحب الحال نكرة لكونه في سياق النفي، (وَلاَ) الواو حرف عطف، (لا) هذه زائدة للتأكيد، ترى إن جعلناها بصريّة حينئذٍ صحَّ التمثيل، وتكون باقياً هذا حال، و (مِن أَحَدٍ) أَحَدٍ هذا يكون صاحب الحال، وإذا جعلناها علميّة حينئذٍ صارَ (بَاقِياً) هذا مفعولاً ثانياً، ليسَ فيها شاهد، إنما الشاهد يكون في الطرف الأول. ومنه قوله تعالى: "وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ"، " إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ"، هناك الشاهد أوضح ((إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ)) كتابٌ معلومٌ لها، لَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ، لَهَا خبر مُقدّم، وكِتَابٌ مَعْلُومٌ مبتدأ وصفته، والجملةُ في محلّ نصب حال، والواو هنا هي المسوِّغة، وكذلك الفصل بإلا مُسوّغ، وما هذه نافية، لكن أرادَ هنا الشارح أن يأتي بالمثال لكون النكرة مسبوقة بنفي ((وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) , قرية هذا نكرة في سياق النفي فيعمّ، ولذلك دخلت عليه مِن الزائدة ((وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) , (قَرْيَةٍ) ما إعرابها؟ مفعول به، تضعُه من الأمثلة التي جُرّ المفعول به ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ)) رسولاً ((وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ)) وما أهلكنا قريةً، إذن هو مفعول به منصوب بفتحة مقدّرة منعَ من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، وجملة (وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ) في محلّ نصب حال، فالمسوّغ هنا في هذه الآية ثلاث: ما النافية كونه في سياق النفي، وإلا، وواو الحال.

ومثال ما وقع بعد الاستفهام: يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِياً فَتَرَى ... لِنَفْسِكَ العُذْرَ فِي إِبْعَادِها الأَمَلاَ يا صَاحِ هَلْ هذا حرف استفهام، عَيْشٌ: فاعل، حُمّ هذا مُغيّر الصيغة، وعَيْشٌ نائب فاعل، وبَاقِياً حالٌ من عيش، وهو نكرة، ما الذي سوّغَ لمجيء الحال منه وهو نكرة؟ كونه في سياق الاستفهام، والنكرة في سياق الاستفهام تعمّ، يعني: مثلما إذا جاءت في سياق النفي، وهو شبه النفي. ومثال ما وقَعَ بعد النهي قولُ المصنف: لاَ يَبْغِ أمْرُؤٌ عَلَى امْرِيءٍ مُسْتَسهِلاً، امْرُؤٌ هذا فاعل، مُسْتَسهِلاً هذا حال من الفاعل، ما الذي سوّغَ ذلك؟ كونُ امرؤ في سياق النهي. لاَ يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إِلى الإِحْجَامِ ... يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفَاً لِحَمَامِ مُتَخَوِّفَاً هذا حال، وصاحبُ الحال هو أَحَدٌ. إذن: وَلَمْ يُنكَّرْ غَالِباً يعني: في الغالب، وَلَمْ يُنكَّرْ ذُو الْحَالِ غَالِباً، ما مفهوم (في الغالب)؟ هل مجيء صاحب الحال نكرة بمسوّغ أو مجيئها بدون مُسوّغ مطلقاً؟ الظاهر الثاني، يحتمل هذا وذاك، لكن الظاهر أن المراد بغير الغالب هنا أنه نكرة بدون مُسوّغ، ولذلك قالَ ابن عقيل: واحترزَ بقوله: غالباً مما قلَّ مجيءُ الحال فيه من النكرة بلا مسوّغ من المسوّغات المذكورة، ومنه قولهم: مَررتُ بِمَاءٍ قِعْدَةَ رَجُلٍ، قعدة أي مقدارَ قعدته، فهو حال، وصاحب الحال ماءٌ، وقولهم: عليه مِئَةٌ بيضاً، جمع أبيض ليس بتمييز، إذ لو كان كذلك كان تمييز المائة مفرد، وهو مجرور وهنا جاءَ منصوباً وهو جمع، إذن ليس تمييزاً، إذن مئةٌ هذا مبتدأ، وجاءَ منه بيضاً، وأجازَ سيبويه فيها رجل قائماً، مُقدّم على المبتدأ، وجعلَ قائماً حالاً من رجل، أين المسوّغ؟ لا مسوّغ له، أجازَه سيبويه دون مسوّغ. إذن قوله: وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِباً مرادُه أنه قد تأتي النكرة بدون مسوّغ، وجاء في الحديث: {صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً وصلى وراءه رجالٌ قياماً}، قياماً هذا حال من الرجال، وليسَ له مسوّغ، ولذلك ذهبَ أبو حيان إلى أن مجيء الحال من النكرة كثيرٌ مَقيس، أبو حيان النحوي الشهير ذهبَ إلى أن مجيء الحالِ من النكرة كثير مقيس، ونقلَ ذلك عن سيبويه، إذن المسألة فيها نزاع. وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، فإن تأخَّر صارَ تأخيره مسوّغا لمجيء الحال منه، أو لم يُخَصَّصْ بوصفٍ أو بإضافة، فإن خُصِّص بواحد منهما حينئذٍ صحَّ مجيءُ صاحب الحال نكرة، أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ يعني: يظهر من بعد نفي؛ أن يكون صاحب الحال نكرة بعد نفي أو استفهام أو نهي، كَلاَ يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِىءٍ مُسْتَسْهِلاَ، فمستسهلاً هذا حال من امرؤ. إذن الأصلُ في صاحب الحل أن يكون معرفة لما ذكرناه سابقاً. الأصل في صاحب الحال التعريف، ويقع نكرةً بمسوّغ، إلا ما ذُكِر عن سيبويه وعن أبي حيان.

الحالُ له شبه بالخبر، فلذا كانت كالحكم على صاحبها، فالتزموا أن يكون صاحبُها معرفةً؛ لأنها حكمٌ عليه، والحكمُ على المجهول لا يُفيد، هذا الأصل فيه، الحكمُ على المجهول لا يُفيد وهو النكرة لذلك لا تفيد كما هو الشأن في المبتدأ والخبر، وأيضاً لدفع توهُّم السامع أنها نعتٌ ومنعوت، هذا وجهٌ آخر، وعندَ أرباب الحواشي يقولون: النكات لا تتزاحمُ، يعني: التعليل لماذا جيء به كذا وكذا لا يُقال بالخلاف، يقال بهذا وذاك. إذن الأصلُ في الحال أنه نكرة؛ لماذا؟ لأنه كالخبر، صاحب الحال؛ لأنه كالمبتدأ والمبتدأ لا يكون نكرة، هذا الأصل. كذلك فرقاً بينه وبين المنعوت والنعت؛ لأن النعت والمنعوت إذا وقعا مَعرفتينِ حينئذٍ قد يلتبسُ بصاحب الحال إذا وقعَ معرفةً، وإذا وقعا نكرتين حينئذٍ حصلَ الفرقُ بينهما؛ لدفع توهم السامع أنهما نعت ومنعوت، فإذا قيل: رأيتُ زيداً راكباً، إذن اتفقا في النصب، واختلفا في التعريف والتنكير. إذن كونُ صاحب الحال يُشترَط فيه أنه معرفة، ويُشترَط في الحال أن يكون نكرة حصلَ تمايزٌ بينه وبين النعت، إذ لو كان نعتاً لوجبَ التطابق بين النعت والمنعوت، فلا يصحُّ أن يُقال: رأيتُ زيداً راكباً، لا يصح هذا؛ لأن المنعوت زيد معرفة، وراكباً نكرة، هذا فاسد لا يصحّ، بل يجبُ فيه التطابق بين النعت والمنعوت. وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِباً ذُو الْحَالِ إِنْ ... لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَوْ يَبِنْ مِنْ بَعْدِ نَفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ كَلاَ ... يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِىءٍ مُسْتَسْهِلاَ وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ ... أَبَوْا وَلاَ أَمْنَعُهُ فَقَدْ وَرَدْ وَسَبْقَ حَالٍ هذا مفعول به لقوله: أَبَوْا، يعني أبوا أي: النحاة، وهنا حَكى، أو أشبه ما يكون حكاية لإجماع، والمرادُ به أكثرُ النحاة، وإنما نزّلَ الأكثر منزلة الكل، وإلا المراد به أكثرُ النحاة لا كلّهم، نزّلَ الأكثر منزلة الجميع، أَبَوْا ماذا؟ أبوا سَبْقَ حَالٍ مَا، مَا واقعةٌ على صاحب الحال، مَا بِحَرْفٍ جُرَّ: ما جُرَّ بحرف، صاحب حال جُرَّ بحرف، صاحبُ الحال إما أن يكون مرفوعاً وإما أن يكون منصوباً وإما أن يكون مخفوضاً، وإذا كان مخفوضاً إما أن يكون مخفوضاً بحرف أو بإضافة، صاحبُ الحال إما أن يكون مرفوعاً، جاء زيدٌ راكباً، وإما أن يكون منصوباً، رأيتُ زيداً راكباً، وإما أن يكون مخفوضاً؛ وهذا تحته صورتان: إما أن يكون مخفوضاً بإضافة أو بحرف جر.

هنا قال: سَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ إذا كان صاحبُ الحال مجروراً بالحرف أَبَوْا أن يَسبقه الحال، يعني: الحال لا تتقدّمُ على صاحب الحال. مراده في هذا البيت أن يبين أحكام الحال من حيث تقدّمه على صاحبها؛ هل يجوز أو لا؟ هنا خصّصَ الحكم بما جُرّ بحرف الجر، مفهومه أن ما كان مرفوعاً جاز أن يتقدَّم، تقول: جاء ضاحكاً زيدٌ، جاء ضاحكاً زيدٌ يصحّ أو لا؟ يصح لكون صاحب الحال مرفوعاً، وَسَبْقَ حَالٍ لصاحب حال مرفوع هذا جائزٌ باتفاق، كذلك إذا كان منصوباً؛ تقول: رأيت ضاحكاً زيداً, زيداً هذا صاحبُ الحال، وهو منصوب، هل يجوزُ أن تتقدّم الحال عليه دون العامل؟ نقول: نعم يجوز؛ لماذا؟ لكونه منصوباً، ماذا بقيَ؟ بقيَ جرُّه بحرف جرّ، مررتُ بزيدٍ ضاحكاً هل يجوز؟ لا هذا الذي عناهُ الناظم: وَسَبْقَ حَالٍ، أَبَوْا النحاةُ سَبْقَ حَالٍ .. أن تسبقَ الحال ما جُرّ بحرف يعني: صاحب حال جُرّ بحرف، فإن جُرّ بالحرف حينئذٍ امتنعَ تقديمُ الحال على صاحبها؛ مفهومُه إن كان مرفوعاً أو منصوباً فهو جائزٌ باتفاق، مفهومه إن كان مُضافاً فهو جائز لكن المفهوم هذا يجبُ إبطاله؛ لأنه من بابٍ أولى، وقع فيه الاتفاق بخلاف ما جُرّ بحرف، وَسَبْقَ حَالٍ هذا مصدر مضاف إلى فاعله، يعني: أن تسبقَ حال. سَبْقَ حَالٍ مَا، مَا في موضع نصب على المفعولية، العاملُ فيه سبق؛ لأنه مصدر، سبق حال صاحب حال، جُرَّ بِحَرْفٍ والمراد بالحرف هنا أطلقَه الناظم، ويشملُ حرفَ الجر الزائد والأصلي، لكنَّ الأول وِفاقاً غيرُ مراد، فيُخصّص الحكم حينئذٍ بحرف الجر الأصلي، فحينئذٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ .. ما جُرّ بحرف يُشترَط فيه أن يكون الحرف أصلياً، فلو كان مجروراً بحرف جرّ زائد جازَ تقديمُ الحال عليه، مثلُ ماذا؟ ما رأيتُه راكباً من رجلٍ، ما إعراب (رجل)؟ مفعول به؛ لأن الأصل ما رأيتُ رجلاً راكباً، هذا، الأصل فزيدت عليه (مِن) الزائدة في سياق النفي وهو نكرة، حينئذٍ نقول: هو مفعول به منصوب، وقُدِّم عليه الحال، هو مجرور كيف جازَ ونحن نمنع؟ نقول: المنعُ متعلَّقه حرفُ الجر الأصلي، وأما حرفُ الجر الزائد فلا، فيجوز حينئذٍ وفاقاً أن تتقدّمَ الحال على ما جُرَّ بحرف جرّ زائد، ما رأيت راكباً من رجلٍ، فمحلُّ الخلاف إذا كان الحرف غيرَ زائد، فإن كان زائداً جازَ التقديم اتفاقاً، وما ذكرَه الناظم هنا عن أكثر النحاة أنهم أبوا تقديمَ الحال على صاحب الحل إذا جُرَّ بحرف جرّ أصلي، أي: منعَ أكثرُ النحاة تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف، وأما إذا كان صاحبُ الحال مرفوعاً أو منصوباً جازَ تقديمُ الحال عليه باتفاق، والمجرور بحرف الجرّ هذا فيه مذهبان. بقيَ المجرور بالإضافة وهو ممنوع باتفاق.

إذن الأحوال أربعة: مرفوع، منصوب جائزٌ باتفاق، مضاف، والمراد هنا بالإضافة الإضافة المحضة لا اللفظية هذا ممنوع باتفاق، بقيَ ماذا؟ أن يكون صاحب الحال مجروراً بحرف جرّ أصلي فهذا محلّ النزاع، والجماهير على المنع، وهو ما حكاه الناظم عنهم، لكنه قال: وَلاَ أَمْنَعُهُ يعني يجوزُ. إذن ألحقَه بالمرفوع والمنصوب. وَلاَ أَمْنَعُهُ تبعاً لغيري، ما جاءَ بشيء من عنده، بل أُجيزه تابعاً لغيري كالفارسي وابنِ كيسان وابن بَرهان؛ إذ ذهبوا إلى جواز ذلك، وتابعهم المصنف لورود السماع بذلك. وَلاَ أَمْنَعُهُ أن يسبقَ الحال صاحبَ الحال إذا كان مجروراً بحرف جرّ أصلي، فقد ورد السماعُ به: لَئِنْ كَانَ بَرْدُ الْمَاءِ هَيْمَانَ صَادِياً ... إِليَّ حبِيبَاً إِنَّهَا لَحَبِيبُ هَيْمَانَ صَادِياً حالان من الياء المجرورة بقوله: إِليَّ، إلى ثم الياء، إليّ، إذن جار ومجرور، هو صاحبُ الحال, هَيْمَانَ صَادِياً نقول: هذا حالان من الياء. إذن جازَ تقديمها في السماع. فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ ونِسْوَةٌ ... فَلَنْ يَذْهَبُوا فَرْغَاً بِقَتْلِ حِبالِ فَرْغاً حال، بِقَتْلِ هذا جار ومجرور، والحال هنا جاءت مِن قتل، وهو صاحب الحال، فَرْغَاً حال من قَتْلِ. إذن تقدّمَ الحالُ على صاحب الحال وهو مجرور بحرف جرّ أصلية. ومذهبُ الجمهور إلى أنه لا يجوزُ تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف، حينئذٍ لا تقل: مررتُ بهندٍ جالسةً، لا تقل: مررتُ جالسةً بهند، إذا قلت: مررتُ بهندٍ نقول: هذا مجرور صاحب الحال، جالسةً هذا واجبُ التأخير، لا يجوزُ أن يتوسّطَ بين العامل وصاحب الحال، لماذا؟ لكون صاحب الحال مجروراً بحرف جرّ، والعلةُ في المنع قالوا: إن الفعلَ وصلَ إلى صاحب الحال بحرف جر، يعني: بواسطة، وصلَ الفعلُ إلى صاحب الحال بواسطة حرف الجر، والحالُ تابعة لصاحبها، وصاحبُها مجرور بحرف الجر، فكأن الحال جُرّت بنفس بذلك الحرف، وعندهم من الممنوع أن الفعل يتعدّى إلى شيئين بحرف واحد، ولا بد أن يتغير معنى الحرفين. هذه علة لكن فيها نظر. وَلاَ أَمْنَعُهُ يعني: بل أُجيزه تبعاً لغيري، فَقَدْ وَرَدْ في لسان العرب تقديمُ الحال على صاحب الحال وهو مجرورٌ بحرف جرّ أصلي، كما ذكرناه في البيتين السابقين. وذهبَ الفارسي وابنُ كيسان وابن بَرهان يعني: تابعهم الناظم في ذلك، والعلةُ عندهم يعني الجواز مع السماع، قالوا: لأن المجرورَ بالحرف مفعولٌ به في المعنى، مررتُ بهندٍ جالسة، نقول: مررتُ بهندٍ، هند هذا في المعنى مفعول به، فلا يمتنعُ تقديم حالِه عليه، كما لا يمتنعُ تقديم حال المفعول به، كما أنه إذا قلتَ: رأيتُ راكباً زيداً، زيداً هذا مفعول به صراحةً، وراكباً تقدّمَ عليه، كذلك مررتُ جالسةً بهندٍ, هندٍ هذا مفعول به في المعنى، إذن ما الفرق بينهما؟ إلا كونُ هذا جُرّ بحرف جر، وهذا يحتاج إلى دليل قوي للمنع، فالأصل فيه الجواز.

إذن وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ أَبَوْا, أبوا سبقَ حالٍ ما جُرّ بحرف، فما اسم الموصول بمعنى الذي، يصدقُ على صاحب الحال، فالمراد به صاحبُ الحال وهو مفعولٌ به لقوله: وَسَبْقَ، وهو مصدر. مفهوم المخالفة في البيت أن المرفوع والمنصوب يجوزُ تقديم الحال عليه، وصاحبه المجرور بالإضافة كذلك، فيُؤخَذ المنع من طريق الأولى، هذا قيل به، يعني: إذا مُنِع تقديمُ الحال على المجرور بحرف الجرّ فمن باب أولى أن يُمنَع إذا كان مجروراً بالمضاف؛ لأنّ الجرّ إما أن يكون بحرف وإما باسم، أيهما أصل وأيهما فرع؟ مرَّ معنا، الأصلُ هو حرف الجر، وعملُ المضافِ في المضاف إليه الجرّ، هذا من باب الفرعية، فإذا مُنِع الأصل من تقديم الحال عليه فمن باب أولى وأحرى أن يُمنَع الفرع، حينئذٍ صار محلّ وفاق، ولذلك أجمعوا على أنه يُمنَع تقديم الحال على المضاف إذا كانت الإضافة محضاً.

إذن نقول: يجبُ تأخيرُ الحال عن صاحبها إذا جُرّ صاحب الحال بحرف جرٍّ أصلي، ومن الأسباب كذلك الموجبة لتأخير الحال عن صاحبها أن يكونَ مجروراً بالإضافة، وإن دلَّ عليه بالمفهوم السابق؛ أن يكون مجروراً بالإضافة نحو عرفتُ قيامَ زيد مُسرعاً، مسرعاً: حالٌ من زيد، هل يجوزُ أن يُقال: عرفتُ مُسرعاً قيام زيد؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنه إذا مُنِع الأصل وهو ما كان مخفوضاً بحرف، فمن باب أولى أن يُمنَع الفرع، وأعجبني وجهُ هندٍ مُسفرةً، هند: مضاف إليه، مُسفرة: حال من المضاف إليه، لا يصح أن يقال: أعجبني مُسفِرةً وجهُ هند، لماذا؟ لكونه مجرورا بالمضاف، فلا يجوزُ بإجماع تقديم هذه الحال واقعةً بعد المضاف، يعني: فاصلةً بين المضاف والمضاف إليه، وأن تكون مُتقدّمة على المضاف، يعني: تحته صورتان: إما أن يُفصَل بين المضاف والمضاف إليه، وهذا ممنوع قطعاً، وإما أن يتقدّمَ الحال على المضاف، حينئذٍ لا يُقال مثلاً: عرفتُ قيامَ مُسرِعاً زيدٍ، هذا واضحٌ بيّنٌ لا يُقال؛ لأنه لا يفصل بين المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة، وكذلك لا يُقال: عرفتُ مسرعاً قيامَ زيد، فيمنع الصورتان، فلا يجوزُ بالإجماع تقديم هذه الحال واقعةً بعد المضاف؛ لئلا يلزمَ الفصل بين المضاف والمضاف إليه ولا قبله؛ لماذا؟ لأن المضاف إليه مع المضاف كالصلة مع الموصول، فكما لا يتقدّمُ ما يتعلّق بالصلة على الموصول -هذا سبقَ معنا- كذلك لا يتقدّم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف وهذا في الإضافة المحضة. سيأتي تقسيمُ الإضافة إلى نوعين: محضة ولفظية، واللفظية أن يكون المضاف اسمَ فاعل أو اسم مفعول أو صفة مُشبّهة كما سيأتي، حينئذٍ إذا كانت الإضافة محضة بأن يكون المضاف ليسَ في معنى الفعل هذا محلّ وفاق، لا يُفصَل بين المضاف والمضاف إليه بالحال، ولا تتقدّمُ الحال على المضاف أصلاً لماذا؟ لأنّ المضاف والمضاف إليه كالصلة مع الموصول، والمضافُ إليه يكون عاملاً في الحال، حينئذٍ لا يتقدّم عليه، كما أنه لا يتقدّم معمول الصلة. وأما غيرُ المحضة نحو هذا شاربُ السويقِ ملتوتاً، شاربُ اسم فاعل، السويق: مضاف إليه، إذن وقعَ المضاف اسمَ فاعل، هذه نسميها إضافة لفظية، تلك مُتصلة، ثَمَّ اتصال بين المضاف والمضاف إليه، هذه يُعبِّر عنها النحاة بأنها في معنى الانفصال، فالاتصال لفظي، والمعنى الانفصال، وأما الإضافة المحضةُ فهي مُتصلة في اللفظ والمعنى، لذلك امتنعَ الانفصال بينهما، وأما هنا في الإضافة اللفظية فهو اتصال لفظي في النطق فحسب، وأما في المعنى فلا، تقول: هذا شاربُ السويقِ ملتوتاً الآن أو غداً، فيجوزُ كما قاله في التسهيل، يعني يجوزُ تقديم الحال؛ لأن غير المحضة في نيّة الانفصال، فالمضافُ إليه فيها مفعول به، وتقديمُ حاله عليه جائز، فيصحّ أن يُقال: هذا ملتوتاً شاربُ السويق، يجوزُ لماذا؟ لأنه ليس عندنا مُضاف ومضاف إليه حقيقةً، وإنما هما في نية الانفصال، وهذا ذهبَ إليه الناظم في التسهيل، وقيلَ بالمنع كما ذهبَ إليه ابن هشام في التوضيح.

إذن كونُ صاحب الحال مضافاً إضافةً محضة يمتنعُ التقديم بالإجماع، وأما إذا كانت الإضافة لفظية فمحلُّ نزاع. ومنها أن تكون الحال محصورة، يعني: مما يجبُ فيه تأخير الحال، لا تتقدم، أن تكون الحال محصورة نحو قوله: "وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ" {6/ 48} مُبَشِّرِينَ: هذا حال، لا يجوز تقديمها، لا يقال: ما نرسِلُ إلا مبشرين المرسلين لا يصحّ؛ لماذا؟ لأن الحالَ هنا محصورة، وإذا كانت محصورة يفوتُ المعنى بتقديمها. إذا كانت الحال محصوراً فيها وجبَ تأخيرها، إذا قلت مثلاً: ما جاء زيد إلا راكباً، لا يصحّ أن يُقال: "ما جاءَ إلا راكباً زيد"، هذا ممنوع؛ لأن الحال محصورة، "إنما جاء زيد راكباً"، لا يصحّ أن يقال: "إنما جاء راكباً زيد"، هذا ممنوع لماذا؟ لكون الحال محصورة كما سبق في المفعول وفي الخبر. وَمَا بِإِلاَّ أَوْ بِإِنَّمَا انْحَصَرْ ... أَخِّرْ ................................ هذا مثله، حينئذٍ تبقى على أصلها. إذن يجبُ تأخيرُ الحال إذا جُرّت بحرف جرّ أصلي، "مررت بهند جالسةً" لا يجوز تقديمها، كذلك إذا كان صاحب الحال مُضافاً إضافة محضة -مضافاً إليه-، ونوع الإضافة إضافة محضة معنوية، يمتنعُ حينئذٍ، لا تقول: "عجبُت مسرعاً قيام زيد"، لا يصح؛ لكون الإضافة هنا إضافة محضة، أما الإضافة اللفظية فمحل نزاع بين النحاة. الثالث: أن تكون الحال محصورة؛ "ما جاء زيد إلا راكباً"، "إنما جاء زيد راكباً"، يمتنع تقديم الحال على صاحبها. وأما المرفوع والمنصوب فنقول: هذا جائز باتفاق، محلّ إجماع، وهو المفهوم، وأما المفهوم الوارد في البيت من كون المضاف يجوزُ التقديم هذا مفهومٌ باطل، وهذا بناءً على أن المفهوم له عموم، المفهوم هل له عموم أم لا؟ محلّ نزاع عند الأصوليين. هنا المفهوم عام، وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ، إذن قيّدَ الحكم بماذا؟ المنطوق أنه يُمنَع سبقُ الحال إذا كان صاحبُ الحال مجروراً بحرف، مفهوم المخالفة .. لأن الحكم هنا حكم بالمشتق، وتعليقُ الحكم بالمشتق حينئذٍ نقولُ: له مفهوم، ((السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا))، إذا لم يسرقا لا قطعَ، مفهومٌ عكسي. المفهومُ هنا يشمل ثلاثة أشياء: المرفوع والمنصوب والمضاف. حينئذٍ إذا قلنا: لا عموم للمفهوم كيف نُخصّص؟ فيردُ الاعتراض على الناظم. نقول: كان الأولى أن يستثنيه ولم يستثنه، تقول له: لا من بابٍ أولى. يقول: لا، لا يصلح لماذا؟ لأن المفهوم لا عموم له، وإذا قلنا: بأن المفهوم له عموم -وهو المرجح عند الأصوليين- حينئذٍ صحّ التخصيص، فيُخصّص المفهوم بالمضاف للإجماع، ولنا أن نقيسَه على الملفوظ من باب قياس الأولى، وهو أنه إذا مُنِع الأصل فالفرع من باب أولى وأحرى. ثم قال رحمه الله: وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ ... إِلاَّ إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ أَوْ كَانَ جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا ... أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلاَ تَحِيفَا

الأصلُ في الحال أنها لا تجوزُ من المضاف إليه، لا يجوزُ مجيءُ الحال من المضاف إليه؛ لماذا؟ لعدم صدقِ الشرط السابق، وهو عدمُ اتحاد العامل، لو قلتَ مثلاً: جاء غلام زيد مُسرعاً، غلامُ: فاعل وهو مضاف، وزيد: مضاف إليه هو صاحب الحال، مُسرعاً: حال من زيد، طيب؛ صاحب الحال زيد، ومسرعاً هو الحال، ما العاملُ في الحال؟ ما العامل في المضاف -غلام-؟ الفعل، ما العامل في المضاف إليه؟ المضاف، ما العاملُ في الحال؟ الفعل، هل حصلَ الاتحاد أم حصل الافتراق؟ حصل الافتراق. إذن لا يجوزُ أن تكون الحال آتية من المضاف إليه؛ لماذا؟ لما اشترطَه الجمهور من وجوب اتحاد العامل في صاحب الحال والحال نفسها. قال: لا يجوزُ مجيءُ الحال من المضاف إليه؛ لماذا؟ لما حصلَ من الافتراق بين عامل الحال وعامل صاحب الحال؛ إلا في ثلاث مسائل، يجوزُ إتيان الحال من المضاف إليه. وَلاَ تُجِزْ ما إعرابه؟ مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل أنت، حَالاً؟؟؟ مِنَ الْمُضَافِ: هذه صفة لحال، مِنَ الْمُضَافِ لَهْ اللامُ هنا بمعنى إلى؛ لأن مادة أضافَ تتعدى بإلى، فاللام هنا بمعنى إلى. إذن لاَ تُجِزْ حَالاً من المضاف إليه، فالكلامُ عن المضاف إليه لا عن المضاف، أما المضافُ فيأتي منه الحال لا إشكالَ فيه؛ جاء غلامُ زيدٍ مسرعاً على أنه حال، من غلام هذا لا إشكال فيه، هذا محلّ وفاق، وإنما الكلام في المضاف إليه. لاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ يعني إليه؛ لأن أضافَ يتعدّى بـ (إلى)، فاللام حينئذٍ بمعنى إلى، ما العلة؟ نقول: لوجوب كونِ العامل في الحال هو العامل في صاحبها، هذا العلة، فالحكمُ عام، لاَ تُجِزْ نهي، فلا يجوزُ أن تأتي بالحال من المضاف إليه لوجوب كون العامل في الحال هو العامل في صاحبها، وذلك يأباه، يعني: مجيء الحال من المضاف إليه يأبى أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحب الحال. يأبى جوازَ مجيء الحال من المضاف إليه؛ لأن المضاف إليه مِن حيث إنه مُضاف لا يعملُ النصب؛ إذ الحال وصاحبها كالنعت والمنعوت، وعاملُهما واحد، العامل في النعت هو العامل في المنعوت، "جاء رجل راكبٌ", راكبٌ مرفوع بجاء. زيد مرفوع بجاء؛ هذا مثله، ولذلك عندَهم أن الحال لها شبهان: شبهٌ بالنعت وشبهٌ بالخبر، فثَمَّ أحكامٌ مأخوذة من أحكام النعت مع المنعوت، وثَمَّ أحكامٌ مأخوذة من أحكام الخبر مع المبتدأ، فحقيقةُ الحال كلّها من أولها إلى آخرها مُركّبة من البابين. ثَمَّ أحكام تتعلّق بالخبر بالمبتدأ نُقِلت إلى هذا المحل، وثَمَّ أحكام مأخوذة من باب النعت.

إذن الحال وصاحبها كالنعت مع المنعوت، كما أنه يجبُ أن يكون العامل في النعت هو العامل في المنعوت فكذلك ما أشبهه وهو الحال وصاحبها، يجبُ أن يكون العامل فيهما واحد؛ لأن الشيء إذا أشبَه الشيء أخذَ حكمه. وعاملهما يعني النعت والمنعوت واحد، وهذا مذهبُ الجمهور، وهو وجوبُ كون العامل في الحال هو العامل في صاحبها، هذا مطلَق خلافاً لسيبويه، وذهبَ سيبويه إلى عدمِ وجوب ذلك؛ لأن الحالَ أشبهُ بالخبر. الجمهورُ عاملوها معاملة النعت، فأوجبوا اتحاد العامل، سيبويه شبَّهها بالخبر، حينئذٍ العاملُ في الخبر ما هو؟ المبتدأ، والعامل في المبتدأ ما هو؟ الابتداء. إذن لا يُشترط؟ هذا قياس الشبه، يعني: مما تختلفُ فيه الأنظار، ولا بأس هذا أو ذاك. وذهب سيبويه إلى عدم وجوب ذلك؛ لأن الحال أشبه بالخبر، وعامله غير عامل المبتدأ على الصحيح؛ لأن عامل المبتدأ هو الابتداء، وليسَ هو الخبر، وعامل الخبر هو المبتدأ. إذن افترقا، فحينئذٍ لماذا نُلحق الحال وصاحبها بالنعت والمنعوت مع كون ثَمَّ شبهٌ آخر بالخبر، قال: الثاني أولى من الأول، واختارَه ابنُ مالك في التسهيل، وقال: وقد يعملُ فيها غير عاملِ صاحبها خلافاً لمن منعَ. إذن مذهب سيبويه أنه لا يُشترَط اتحاد العامل في صاحب الحال وفي الحال، ولذلك جوّزَ مجيءَ الحال من المبتدأ، وجوّزَ مجيءَ الحال من المضاف إليه مطلقاً .. من المسائل الثلاث وغيرها، ليسَ عنده تفصيل، ولكن الجمهور يقولون لا بدّ من استثناء في المضاف إليه على أنه نوع مُعين ليصح أن يكون حالاً منه. إذن على مذهب سيبويه نقولُ: كلّ مُضاف إليه يجوزُ إتيان الحال منه بدون استثناء؛ لماذا؟ لأنه لا يُشترَط عنده اتحادُ العامل في صاحب الحال والحال، وأما عندَ الجمهور فلا، لا بدّ أن يكون واحداً من هذه المسائل الثلاث، وما عداها لا يجوزُ؛ فيبقى على الأصل. وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ: إليه .. هذا الأصل مطرد إلا في ثلاث مسائل: المسألة الأولى: استثناها بقوله: إِلاَّ أداة استثنى، إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ يعني: إذا كان المضاف أُجري مجرى الفعل فحينئذٍ جازَ للمضاف إليه أن يأتي بالحال منه، إذا كان المضافُ اسمَ فاعل أو اسم مفعول أو صفة مُشبّهة جازَ إتيان الحال من المضاف إليه. إِلاَّ إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ، عَمَلَهُ الضمير يعودُ هنا على الحال، أي: نصبَه، عمل الحال أي: نصبه.

إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ، اقْتَضَى يعني: طلب، الْمُضَافُ عَمَلَهْ يعني: عمل الحال وهو النصب، أي: نصبه. أي: العمل في الحال بأن كان ذلك المضاف عامل الحال، وذلك إذا كان المضاف مما يصحّ عملُه في الحال كاسم الفاعل والمصدر ونحوهما مما تضمّنَ معنى الفعل؛ فتقول: هذا ضاربُ هندٍ مجرّدةً، "ضاربُ هند" مضاف ومضاف إليه مجردةً. نقول: الأصل في المضاف إليه أن لا تأتي الحال منه، وهنا سوّغَ مجيءَ الحال من المضاف إليه مع كون الأصل المنع هو كون المضاف يعملُ عملَ الفعل، فحينئذٍ ما العامل في هند؟ هو اسم الفاعل؛ ظارب، وما العامل في (مجردةً)؟ هو اسم الفاعل أيضاً. إذن اتحدا أو لا؟ اتحدا. إذا كان المضاف يعملُ عمل الفعل صح مجيء الحال من المضاف إليه؛ لأن المضاف إليه يكونُ معمولاً للمضاف، وكذلك الحالُ تكون معمولةً للمضاف، فاتحدا، وُجِد الشرط المذكور. كذلك "أعجبني قيام زيد مسرعاً"، قيامُ نقول: هذا مصدر، والمصدر حينئذٍ ينصِب ويرفَع، قيام زيد: مضاف ومضاف إليه، زيد: هذا مضاف إليه، مسرعاً: حال من زيد، ما المسوّغ مع أن الأصل المنع؟ نقول: لأن مُسرعاً هذا منصوب بقيام، وهو مصدر وهو يعمل عملَ الفعل؛ أجري مجرى الفعل، فيه رائحة الفعل، فيه معنى الفعل، فيعملُ، وزيدٍ هو معمول له. إذن "قيام" خفضَ زيد ونصبَ الحال، ومنه ((إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعَاً)) جَمِيعَاً هذا حال، ومَرْجِعُ هذا مصدر ميمي بمعنى الرجوع والقياس فتحُ عينه كمَذهَب، هذا الأصل، مرجِع هذا مما استثني، والأصل مَرجَع بفتح العين، كمَذهَب. تقُولُ ابْنَتِي إِنَّ انْطِلاقَكَ وَاحِدَاً ... إِلى الرَّوْعِ يَوْماً، تَارِكِي لاَ أَبالِيَا إنَّ انْطِلاَقَكَ وَاحِدَاً، وَاحِدَاً: حالٌ من الكاف، انْطِلاَقَكَ، انْطِلاَقَ: اسم إن، وهو مضاف والكاف مضاف إليه، وقولها: وَاحِدَاً: حال من الكاف فهو مضاف إليه. ما الذي سوّغَ مجيء الحال من المضاف إليه؟ نقول: كون المضافِ يجري مجرى الفعل، حينئذٍ نقول: يعملُ عملَ الفعل، فيكون هو الخافض للمضاف إليه، وهو الناصب للحال. إِلاَّ إِذَا اقْتَضى الْمُضَافُ عَمَلَهْ يعني: عمل الحال، يعني: نصب الحال، فإذا نصبَ المضاف الحال اتحدا، وإما إذا كان لا عملَ له "جاء غلام زيد مسرعاً"، مسرعاً هذا ما الناصب له؟ غلام؟ هذا لا ينصب؛ لأنه ليس فيه معنى الفعل فحينئذٍ نُعلّقه بجاء، وإذا علقناه بجاءَ افترقا، فلم يُوجَد الشرط، فانتهى المثال من أصله، يعني: لا يجوز. أَوْ هذه المسألة الثانية، كَانَ المضاف جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا، يعني: المضاف والمضاف إليه باعتبار الجزئية والكلية أحدُهما جزءاً للآخر، "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا", إِخْوَانًا: هذا حال من الضمير وهو المضاف إليه (فِي صُدُورِهِم)، هنا المضاف جُزءٌ حقيقي من المضاف إليه، صُدُورِهِم هم البشر كلهم، والصدور هذه بعض من المضاف إليه. إذا كان كذلك حينئذٍ صحَّ مجيء الحال من المضاف إليه.

أَوْ كَانَ المضاف جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا ما أُضيف له، جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا الألف هذه للإطلاق، يعني: الجزء الذي أُضيف له مثل قوله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا) فـ إِخْوَانًا: هذا حال من الضمير المضاف إليه (فِي صُدُورِهِم)، وصُدُورِ: هذا مضاف، وهو جزءٌ من المضاف إليه، جزءٌ حقيقي. أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ ليس جزءاً حقيقياً، وإنما مُنزّل منزَّلة الجزء، "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" مِلَّةَ: مضاف، وإِبْرَاهِيمَ: مضاف إليه، حَنِيفًا: حال من إبراهيم، ما العلاقة بين مِلّة وإبراهيم؟ كذلك جزئية؛ لأنّ الدين جزءٌ من الشخص نفسه، وإن لم يكن جُزءاً حقيقياً، فنزّل منزَّلة الجزء، ولذلك ضابطُه أنه يصحّ الاستغناء عنه، فلو قيلَ في غير القرآن: ثم أوحينا إليك أن اتبع إبراهيم حنيفاً صحّ، إذن نقول: مثلُ الجزء ضابطُه أن يصح الاستغناء عن المضاف ثم يسلكُ التركيب مع المضاف إليه، هذه ثلاث صور استثناها الناظم من الأصل، وهو القاعدة المطردة عدمُ جواز مجيء الحال من المضاف إليه إلا إذا كان المضاف يعملُ، أُجري مجرى الفعل كاسم الفاعل واسم المفعول والمصدر. أو كان المضاف جزءاً حقيقياً من المضاف إليه، أو كان المضاف مثلَ الجزء وهو ما صحّ الاستغناء عنه به. قال أبو حيان في الصورتين الثانية والثالثة: الأولى مُتفق عليها بين النحاة، وأما الصورة الثانية وهي أَوْ كَانَ جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا ... أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ قال: لم يسبق المصنف إلى ذكرهما أحدٌ، يعني: هذا الاستثناء باطل من أصله عند أبي حيان، فتبقى الصورة الأولى هي المتفق عليها، والثانية والثالثة هذه محلّ نظر؛ إذ لم يستثنهما أحدٌ قبل المصنف. قال السيوطي: قد نقلَهما المصنف في فتاواه عن الأخفش، وقد تَبعه عليها جماعة. المراد من هذا أن الصورة الثانية والثالثة محلّ نزاع بين النحاة؛ حتى أنكرَ أبو حيان أن يكون أحدٌ قال بهما قبلَ المصنف، وإلا الأصل يبقى على المنع. وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ الْمُضَافِ لَهْ أي: إليه.

إذن البيتان هذان في مجيء الحال من المضاف إليه، الأصل فيه المنع، إِلاَّ هذا استثناء، إِذَا اقْتَضَى أي طلب، الْمُضَافُ عَمَلَهْ يعني عمل الحال وهو النصب، أَوْ كَانَ جُزْءَ أو كان المضاف جزء مَالَهُ أُضِيفَا يعني: المضاف جزء من المضاف إليه، مَالَهُ أُضِيفَا، مَالَهُ اللام هنا بمعنى إلى، ما أُضيف إليه، وحينئذٍ صار المضافُ جزءاً من المضاف إليه، أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ وهو ما يصحُّ الاستغناء به عنه، فَلاَ تَحِيفَا أي: لا تمل إلى عن ذلك إلى زيادة عليه أو نقص عنه، لا تزد على هذه الثلاث المسائل ولا تنقص؛ كما نقص أبو حيان. وإنما جاز مجيءُ الحال من المضاف إليه في هذه المسائل الثلاث لوجود الشرط المذكور وهو: اتحاد العامل في صاحب الحال مع الحال، عاملهما واحد، في المسألة الأولى واضح، قيامُ زيدٍ مسرعاً، واضح، أما الثاني والثالث ففيها نوع إشكال. أما في الأولى فواضح، وأما في الأخريتين فلأن العامل في الحال عاملٌ في صاحبها حُكماً، العامل في الحال عامل في صاحبها حكماً. إذا كان المضاف إليه والحالةُ هذه في قوّة الساقط لصحة الاستغناء عنه بصاحب الحال وهو المضاف إليه، يعني: في الصورة الثانية والثالثة لما كانَ المضاف جُزءاً من المضاف إليه أو كالجزء صحّ الاستغناء عن المضاف، وإذا صحّ الاستغناء عن المضاف صارَ العاملُ في المضاف إليه هو العامل في المضاف، وإذا كان كذلك صارَ هو العامل في الحال والله أعلم. إذن: فَلاَ تَحِيفَا هذا مأخوذ من الحيف، فَلاَ تَحِيفَا الألف هذه للإطلاق، وهو تَتميمٌ للبيت، وعلى كل فالمسالة فيها نزاع. قال ابن عقيل: فإن لم يكن المضاف مما يصحّ أن يعمل في الحال ولا هو جزء من المضاف إليه ولا مثل جُزئه حينئذٍ لم يجز أن يجيء الحال منه، فلا تقل: "جاء غلام هند ضاحكةً"، لا يصحّ، خلافاً للفارسي، وقولُ ابن المصنف رحمه الله تعالى: إن هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف ليس بجيد، فإن مذهبَ الفارسي جوازُها كما تقدم، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشجري في أماليه. وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كَمُسْرِعَا ... ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا هنا الكلامُ في عامل الحال مع اعتبارِ الحال، في السابق: وَسَبْقَ حَالٍ هل يجوزُ أن تتقدّمَ الحال على صاحبها دون العامل؟ والكلامُ الآن في تقدُّمها على العامل؛ هل يجوز أو لا؟ عامل الحال إما أن يكون فعلاً مطلقاً سواءٌ كان متصرفاً أو لا، وقد يكون شِبهَ فعل مطلقاً سواءٌ كان مُتصرّفاً أو لا، أو ما فيه معنى الفعل دون حروفه. هذه ثلاثة أنواع للعامل. ثم الأول الفعل قد يكون مُتصرّفاً وقد لا يكون، والصفة قد تكون مُتصرّفة، وقد لا تكون، وما كان فيه معنى الفعل دون حروفه هذا فيه تفصيل آتي. وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا فَجائِزٌ تَقْدِيْمُهُ ................

إذن متى يجوزُ تقديم الحال على العامل؟ ليسَ الكلام في صاحب الحال, صاحب الحال أشارَ إليه بقوله: وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ أَبَوْا, فالمرفوع والمنصوب جائزٌ تقديمهما باتفاق على الخلاف السابق، وهنا الكلامُ في الحال وتقديمه على العامل نفسه. قال: َالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا هذا الشرط الأول، أن يكون الفعل مُتصرِّفاً بمعنى أنه يأتي منه الماضي والمضارع والأمر، هذا المراد بالمتصرّف هنا، وغير المتصرّف هو الذي يلزمُ لفظ الماضي فحسب. أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا إذن هذا قيد أخرجَ الصفة التي لم تُشبه المصرف، إن كان العامل واحداً من هذين، فَجائِزٌ تَقْدِيْمُه، أي؛ تقديمُ الحال على العامل، ولذلك قال: كَمُسْرِعَا ذَا رَاحِلٌ، ذَا: مبتدأ؛ اسمُ إشارة، رَاحِلٌ: خبر وهو اسم فاعل وهو صِفَةٌ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا يعني: تتصرّف؛ لأنها باعتبار الأصل، والتصريف المراد به هنا في الصفة أن تقبلَ العلامات الفرعية، يعني: تُؤنث وتُثنى وتُجمع، ويقال: راحلةٌ وراحلان وراحلون. إذن هي مُتصرّفة، ومُسْرِعَاً هذا حال من الفاعل المستتر في رَاحِلٌ, رَاحِلٌ هو، رَاحِلٌ اسم فاعل، يرفعُ فاعلاً وهو ضمير مستتر، مُسْرِعَا: هذا حال منه، والأصل: ذا راحل مسرعاً؛ حالة كونه مسرعاً، فمُسرعا: حال من الضمير المستتر. لكون العامل راحلاً وهو صفة متصرفة جاز تقديمها على العامل؛ فقيل: مُسرِعاً ذا راحل. وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا الأصل "زيد دعا -يعني ربه- مخلصاً"، فمُخْلِصًا هذا حال من الفاعل في دعا، مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا، زيد دعا ربه مخلصاً، مُخْلِصًا هذا حال من الفاعل المستتر، زيدٌ مبتدأ، ودعا هذا الجملة خبر، والفاعلُ ضمير مُستتر يعودُ على زيد، وَمُخْلِصًا هذا حال، والمفعول به محذوف –ربه-, لمّا كان دعا فعل ماضي مُتصرّف جازَ تقديم الحال على العامل فقيل: مخلِصاً زيدٌ دعا، وهاتان الصورتان تحتَهما صورتان؛ لأنه إذا قيل: ذا راحل مسند ومسند إليه .. جملة تامة، لكونِ العامل صفة مُتصرّفة جاز تقديم الحال عليها وعلى المسند إليه؛ الذي أُسندت إليه الصفة، أسندت لـ"ذا" فمن بابٍ أولى أن تتقدّمَ على الصفة دون المسند إليه؛ فيشمل قوله: "مُسْرِعاً ذَا رَاحِلٌ"، يشمل أيضا "ذا مسرعا راحل"من بابٍ أولى؛ لأنها إذا تقدّمت على "ذا" وهو مبتدأ، فمن بابٍ أولى أن تتقدم على العامل فقط دون المبتدأ، داخِل تحته صورتان، كذلك " مُخْلِصًا زَيْدٌ دعَا"، زيد: مبتدأ، ودعا: الجملة خبر، ما دام أنه جُوِّزَ تقديم الحال على المبتدأ المسند إليه، ودعا جُملة هي مسند، فمن بابٍ الأولى أن يُفصَل بين الخبر والمبتدأ، فيُقال: "زيد مخلصاً دعا"، أيّهما أبعد وأيهما أقرب؟ " مُخْلِصًا زَيْدٌ دعَا" أبعد، فإذا جازت هذه فمن بابٍ أولى وأحرى أن يجاز "زيد مخلصاً دعا"، وإذا جاز "مسرعاً ذا راحل" فمن بابٍ أولى وأحرى أن يُقال: "ذا مسرعاً راحلٌ". وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كَمُسْرِعَا ... ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا

والبيتان تحتاج إلى مزيد شرح سنتناوله إن شاء الله تعالى. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

65

عناصر الدرس * حالات الحال مع عامله من حيث التقديم والتأخير , وأنواع عامله * تعدد الحال وصاحبها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كَمُسْرِعَا ... ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا هذان البيتان أراد الناظم رحمه الله تعالى أن يبين علاقة الحال مع عامل الحال، سبق قوله: وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ ... أَبَوْا وَلاَ أَمْنَعُهُ فَقَدْ وَرَدْ ذلك البيت تضمّنَ بيان الحال مع صاحب الحال، ولا يجوزُ إذا كان صاحب الحال مرفوعاً أو منصوباً أن تتقدّم الحال على الصاحب دون العامل، نقول: جاء ضاحكاً زيدٌ، هنا تقدمت الحال على صاحبها وهو مرفوع، وهو جائزٌ باتفاق، فتقول: رأيتُ ضاحكاً زيداً، تقدّمت الحال على صاحبها وهو منصوب، وهو جائز باتفاق, بقيَ حالان، وهما ما إذا كانت الحال مخفوضةً إما بحرف جرّ وإما بإضافة، وما كان مخفوضاً بإضافة إما أن يكون مخفوضاً بإضافةً، وهي التي تُسمى المحضة المعنوية، وإما أن تكون الإضافة لفظية، المعنوية محلّ إجماع أنه لا يجوزُ أن يتقدم الحال على المضاف، ولا أن يتوسّط بين المضاف والمضاف إليه، وأما إذا كانت لفظية ففيها نزاع؛ لأنها على نيّة الانفصال، فالمضاف إليه في نيّة أنه مفعولٌ به، هذا الأصل. وأمّا المجرور بحرف جرّ فهذا قلنا: فيه نزاع، الأكثرُ على المنع، وذهب ابنُ مالك إلى الجواز، وهو الظاهر أنه يجوز، حينئذٍ على رأي الجمهور لا يصحّ أن يُقال: مررتُ ضاحكاً بزيدٍ، مررت بزيدٍ ضاحكاً هذا واجب التأخير، وأما مررتُ ضاحكاً بزيد فهذا ممنوع عند الجمهور، وجائز عند الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى وغيره، حينئذٍ نقول: هذا النوع فيه نزاع. وأما صاحب الحال إذا كان مرفوعاً أو منصوباً فهما جائزان باتفاق، هنا الكلام في الحال مع العامل؛ هل يجوزُ أن تتقدّمَ الحال على العامل أو لا؟ هذه الحال مع عاملها على ثلاثة أقسام: واجب التقديم عليه وواجب التأخير عنه وجائزهما، جائزٌ أن يتقدّمَ وجائز أن يتأخّرَ، وهذا هو الأصل؛ لأن الأصل في هذه المسائل هو جواز التقديم والتأخير، لأن الشأن هنا كشأن الخبر مع المبتدأ، وهناك الأصل في الخبر أن يتقدَّمَ على المبتدأ إلا لمانع، حينئذٍ يُلتزَم إما التقديم وإما التأخير، وإلا الأصل هو الجواز. وهنا أُلحِق الحال بالخبر من حيث التقديم والتأخير، يجبُ تقديمُ الحال فيما إذا كان لها صدرُ الكلام، كيف جاء زيد؟ نقول: هذا واجب ولم يتعرّض له الناظم، إنما ذكرَ التقديم والتأخير، وتركَ القسم الثالث وهو وجوبُ تقديمه، وذلك فيما إذا كان له صدرُ الكلام ككيف، إذا جاءت حالاً، حينئذٍ وجبَ أن تتقدّم، جاء زيد كيف! هذا الأصل، جاء فعل، وزيد فاعل، وكيف حال من الفاعل، لكن لما كانت (كيفَ) لها صدر الكلام وجب تقديمها على عاملها.

إذن هذا أول قسمٍ، وهو وجوب تقديم الحال على العامل، وذلك فيما إذا كان الحال لها صدرُ الكلام، ومثّلَ له بهذا المثال فقط: كيف جاء زيد؟ وأما ما أشارَ إليه هنا الناظم: وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ .. إلخ، فالمرادُ به جوازُ الوجهين التقديم والتأخير، لكنه ليسَ على إطلاقه بل مُقيّد بضوابط. وَالْحَالُ إنْ يُنْصَبْ هو لا بد من نصبه، لا يكون إلا منصوباً، لكن أرادَ بهذا أن يمهِّد للفعل للعامل، إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا الألف للإطلاق، أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا الألف للإطلاق، فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُه يعني: تقديمه جائز, جَائِزٌ هذا خبر مقدّم، وتَقْدِيْمُه مُبتدأ مؤخّر. وعلى مذهب الكوفيين جَائِزٌ مبتدأ، وتَقْدِيْمُه فاعل سدَّ مسدَ الخبر. " فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ" هذا مثله، لكن نقول بالتقديم والتأخير؛ لأنه لم يعتمد على نفيٍ أو استفهام. إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا، التصريف في الفعل .. إذا كان الفعل متصرفاً هو ما استُعمِلَ منه الماضي والمضارع والأمر، يُقال فيه: فعل مُتصرِّف، الفعل من حيث التصرّف وعدمه ينقسم إلى قسمين: فعل جامد وهو ما لزِمَ لفظَ الماضي يعني: لم يأتِ منه مضارع ولا أمر كنعم وبئسَ وليسَ وعسى، نقول: هذه التزمتْ حالة واحدة وهي كونها ماضي، ولم يُسمَع لها مضارع ولا أمر، نصفُ هذا بكونه جامداً، كذلك أفعل التعجب، وأفعِلْ به، ما أحسن زيداً، هذه غير متصرفة جامدة، والمتصرّف هو ما سُمِع منه المضارع أو الأمر ثم سائر المشتقات، وهذا النوع على نوعين: إما أن يكون مُتصرّفاً تاماً، وإما إن يكون مُتصرّفاً ناقصاً. المتصرّفُ التام في المشهور عندهم ما جاء منه المضارع والأمر، الأفعال الثلاثة، ويُقال فيه: مُتصرّف تام، ثم يُزاد عليه أن يُؤتى منه باسم الفاعل واسم المفعول أفعل التفضيل، الصفة المشبهة .. صيغة المبالغة، كلما زاد من هذه قلنا: هذا زيادة في التصرف، وإذا كان استُعمِل منه الأمر فقط مع الماضي أو المضارع مع الماضي ولم يُستعمَل منه أمرٌ حينئذٍ نقول: هذا مُتصرِّف، لكنه ناقصُ التصرف. هنا قال: إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا أطلقَ التصريف فيشمل المتصرف تصرفاً تاماً والمتصرف تصرُّفاً ناقصاً. إذن يكون احترزَ به عن الجامد، فالجامدُ لا يجوزُ أن تتقدّمَ الحال على العامل، إذا عمِلَ الفعل الجامد في حال حينئذٍ التزمت التأخير، فلا يجوزُ أن تتقدّم؛ لأنه علق الحكم هنا بالفعل المتصرف ولو تصرّفاً ناقصاً. أَوْ هذا للتنويع، صِفَةٍ معطوف على فعل، بِفِعْلٍ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: يُنْصَبْ، وصُرِّفَا هذه الجملة صُرِّفَا مغير الصيغة، والضمير نائب الفاعل مستتر، والجملة في محلّ جرّ صفة لفعل، بِفِعْلٍ مُتصرّفٍ نؤولها بالمفرد، أَوْصِفَةٍ معطوف على فِعْلٍ، يعني: أو بصفة.

كذلك الصفة قال هنا: أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا الألف للإطلاق، يعني: أشبهت الفعلَ المصرفا، يعني: الفعل المتصرف، والصفة التي أشبهت الفعل المتصرّف في هذا المقام هنا وفي غيره يأتي في أبوابه .. المراد بها ما تضمّنَ معنى الفعل وحروفه؛ لأن العاملَ قد يكون عامِلاً لفظياً، وهذا فيما إذا كان في الفرع، يعني: في الفروع. إذا كانت صفة إما أنها تتضمّنَ معنى الفعل وحروفه، وإما أن تتضمّنَ معنى الفعل دونَ حروفه. نوعان الصفة، يعني: ما كان مُتضمّناً، العامل في الحال قد يكون مُتضمّناً لمعنى الفعل دون حروفه، وهذا سيأتي: وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ كَتِلْكَ ......................... ... حُرُوفَهُ ................. ................................... كَتِلْكَ, تلك هند مجرّدةً أو مسرّعةً، نقول: تلك هو العامل في الحال؛ ما نوعه؟ نقول: هذا تضمّنَ معنى الفعل وهو (أشير) دون حروفه، فحينئذٍ العاملُ هنا نقول: في المعنى هو صفة، في المعنى لا في اللفظ؛ لماذا؟ لكونه أشبهَ الفعل، أشبهَ الفعل من أي جهة؟ مِن حيث المعنى، وأما الحروف فلم يتضمّن حروف الفعل. نَزالِ مُسرعاً، نزالِ: اسم فعل، أشبهَ الفعلَ في المعنى وفي اللفظ، لماذا في المعنى؟ لأنه بمعنى انزِل، وكذلك في اللفظ؛ لأنه اشتملَ على حروف فعل الأمر وهو انزل، حينئذٍ نقول: هذا نزالِ أشبهَ الفعلَ في المعنى وفي الحروف. إذن العاملُ قد يكون معنوياً محضاً، والمراد به أنه ما تضمّنَ معنى الفعل دون حروفه، وقد يكون مُتضمِّناً لمعنى الفعل والحروف معاً. هنا أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا يعني أشبهت الفعل المصرفا، وهي ما تضمّنَ معنى الفعل وحروفه، أخرجَ ما تضمّنَ معنى الفعل فقط دون حروفه، وهذا سينصُّ عليه أنه لا يجوزُ أن تتقدّم الحال عليه، زيادة على ذلك أنها دلّت على معنى الفعل ولم تقبل حروفَه .. زيادة على ذلك أنها تقبلُ علامات الفرعية، ويقصدون بعلامات الفرعية هنا يعني الدالة على الفرعية كالتثنية والجمع والتأنيث، هذه فروع ليست أصولاً، التأنيث فرعُ التذكير، والتثنية فرعُ الإفراد، والجمع كذلك فرعُ الإفراد. إذن هذه علامات فرعية، تدلُّ على الفرعية لا على الأصول، وأما الأصلُ فهو التذكير وهو الإفراد سواءٌ كان في التثنية والجمع، والمراد هنا بالقبول أنها تقبلُ قبولاً مطلقاً، يعني: هذه الصفة المشبّهة يُشترَط فيها أمران: الأول أن تكون مُتضمّنة لمعنى الفعل وحروفه، ثانياً: أن تقبلَ علامات الفرعية مُطلقاً، يعني: غير مُقيّدة، لا بوقت دون وقت، وهذا احترازٌ من أفعل التفضيل، أفعل التفضيل لا تقبل علامات الفرعية إلا إذا دخلت عليها (أل) أو أضيفت، وإذا لم تدخل عليها (أل) أو تضف حينئذٍ لزمت الإفراد.

إذن: أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا نقول: هي ما تضمَّنَ معنى الفعل وحروفه وقبِلَ علامات الفرعية مُطلقاً، احترازاً مما قبِلَ علامات الفرعية في وقت دون وقت، وهو أفعلُ التفضيل، إذن أفعل التفضيل لا يجوزُ أن يتقدّمَ عليه الحال إلا فيما سيأتي من الاستثناء, فلا يرِدُ أفعل التفضيل عنده إنما يقبلها إذا عُرِّفَ بـ (أل) أو أضيف، وأما ما عدا ذلك فلا يقبلُ علامات الفرعية. إذن أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا لا بد من هذين القيدين، هذان القيدان يصدقان على ثلاثة: اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة. هذه هي الصفة التي أشبهت الفعلَ المتصرّف في هذا المقام، وهي ما تضمّن معنى الفعل وحروفه وقبِلَ علامات الفرعية مُطلقاً بدون استثناء، يعني بدون قيد. فَجائِزٌ تَقْدِيْمُه، إذن إن يُنصَب فَجائِزٌ تَقْدِيْمُه علّقَ الحكمَ هنا جواز التقديم بما إذا كان العامل في الحال الفعل المتصرف والصفة التي أشبهت الفعل، والاحتراز بقوله: صُرِّفَا وأَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا مما كان العاملُ فيه فعلاً جامداً، وهذا واضحٌ من قوله: بِفِعْلٍ صُرِّفَا احترازاً من الفعل الجامد، نحو ما أحسنَه مُقبِلاً، مقبلاً: حال من المفعول؛ من الهاء، هل يجوزُ أن تتقدّم (مقبلاً) على (ما أحسن)؟ نقول: لا يجوز، لماذا؟ لأن صيغة التعجب غير متصرفة جامدة، وإذا كانت غير متصرفة فلا يُتصرّف في معمولها، وكلما -هذا مرَّ معنا- كلما قوِيَ العامل تُصرِّف في معموله بالتقديم والتأخير والحذف والذكر، وكلما ضَعُفَ امتنعَ من التصرّف من التقديم والتأخير والحذف، ومن العود عليه، حينئذٍ الفعل .. لذلك الفعل يتقدم عليه عامله دونَ تفصيل، زيداً ضربتُ، لكن أسماء الأفعال .. أسماء المفعولين لا، لا بدّ من شروط وقيود؛ لأنها ضعيفة، وإذا كان كذلك حينئذٍ ما كان على الأصل فيُتصرَّف فيه التصرف التام في معمولاته.

إذن؛ الجامدُ لا تتقدّم عليه الحال، واحترز بقوله: بِفِعْلٍ صُرِّفَا منه. ما أحسنه مقبلاً، (مقبلاً) لا يجوز أن يتقدم على (أحسن)، ولا على (ما)؛ لأنه فعل جامد وهو غير متصرف، فلا يُتصرّف في معموله. أو صفة تشبهُ الجامد أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا، والصفة التي أشبهت الجامد، يعنون بها أفعل التفضيل .. اسم التفضيل، نحو هو أفصحُ الناسِ خطيباً، نقول: خطيباً هذا حال والعامل فيه أفصح، لا يجوزُ أن يتقدّم، مع كون أفصح هذا فيه معنى الفعل وحروفه، فصُحَ حينئذٍ نقول: هذا فيه معنى الفعل وحروفه، مع ذلك لا يتقدم؛ لكونه لم يقبل علامة الفرعية بإطلاق، فوُجِد فيه القيد الأول وهو كونه مُتضمّناً لمعنى الفعل مع حروفه، وبقيَ القيد الثاني وهو عدمُ قبول العلامات الفرعية مطلقاً؛ لأنه لا يقبلُ التأنيث والتثنية والجمع؛ إلا في حالين اثنين، وهما إذا حُلّي بـ (أل) أو أضيف، وما عداه فيلزمُ الإفراد؛ كذلك اسم الفعل، وهذا واضح لأنه قيده بفعل أو صفة، واسم الفعل ليس بفعلٍ ولا صفة، اسم الفعل مثل: نزالِ مسرعاً، نزالِ قلنا: فيه معنى الفعل وحروفه، حينئذٍ نقول: هل تتقدّم الحال عليه؟ هو ينصبُ الحال، ليس الكلام فيما ينصب الحال لا، اسمُ الفعل ينصب الحال، محلّ وفاق، نزالِ مسرعاً يعني: انزِلْ مسرعاً، وحينئذٍ نقول: مسرعاً: حال من الفاعل المستتر وجوباً في نزالِ، وهو اسمُ فعل، هل تتقدّمُ الحال عليه مسرعاً نزالِ؟ الجواب لا، لماذا؟ لأن ما جازَ تقديمه ما كان فعلاً مُتصرّفاً أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا، ونَزالِ اسم فعل ليس بفعل ولا بصفة، وحينئذٍ لا تتقدّم عليه الحال. أو عاملاً معنوياً، وهو ما تضمّنَ معنى الفعل دون حروفه، وهذا سينصُّ عليه الناظم: وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّرَاً لَنْ يَعْمَلاَ كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ ... ... ....................................... وهذا كما سيأتي في البيت الآتي. إذن: الفعلُ الجامد والصفة التي أشبهت الجامد واسم الفعل والعامل المعنوي هذا مما يلزمُ فيه تأخيرُ الحال، وهي ستّ مسائل سيأتي النص عليها. وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا أطلقَ الناظمُ هنا: بِفِعْلٍ صُرِّفَا، أطلقه يعني: كل فعل مُتصرّف جازَ تقديمُ الحال عليه، وهذا ليس بسديد؛ لأنه قد يعرِضُ عليه ما يمنعه من تقديمِ الحال عليه، وذلك كما إذا دخلت عليه لامُ الابتداء أو لامُ القسم أو أن يكون العاملُ صلةً لحرف مصدري، في هذه الأحوال الثلاثة يُعتبَر الفعل المتصرف ممنوعاً من تقدّم الحال عليه.

إذن بِفِعْلٍ صُرِّفَا نقول: هذا ما لم يمنع من تقديم الحال عليه مانِع، وهو واحد من ثلاثة أمور: إما أن تدخل عليه لامُ الابتداء أو لامُ القسم أو أن يكونَ العامل صِلة لحرف مصدري. لامُ الابتداء مثل ماذا؟ مثل قولك: لأصبرُ محتسِباً، ولأقومن طائعاً، لأصبِر محتسباً، محتسباً: حال من فاعل أصبر، وأصبِرُ فعلٌ مُتصرّف، هل يجوزُ أن تتقدّم الحال عليه؟ نقول: لا يجوزُ. كيف والناظمُ يقول: إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ؟ نقول: هنا منعَ منه مانع؛ لأن لامَ الابتداء، ومثلها لام القسم لا يعملُ ما بعدَها فيما قبلَها، مرَّ معنا هذا، فإذا قلت حينئذٍ: مُحتسِباً لأصبر، حينئذٍ عمِلَ أصبر في المتقدم وهو ممنوع، وكذلك لامُ القسم. لأصومنّ مُعتكفاً، وقولهم: لأصبرنّ محتسباً هذا مثّلَ به للقسم، ولامُ الابتداء نحو إني لأزورُك مُبتهجِاً، هذا المثال أحسنُ .. لام الابتداء، إني لأزورك مُبتهِجاً، مبتهجاً: حال من فاعل أزور، حينئذٍ نقول: لا يجوزُ أن يتقدّم على لام الابتداء لما ذكرناه. وكذلك لام القسم لأصبرنّ مُحتسِباً، لأقومن طائعاً؛ لأن هذين النوعين لا يعملُ ما بعدَهما فيما قبلهما. كذلك أن يكون العامل صِلة لحرف مصدري، إن لكَ أن تسافرَ راجلاً، راجلاً: العامل فيه تُسافر؛ وهو مدخول (أن) حرف مصدري، وسبقَ أن حرف المصدر لا يُفصل بينه وبين صلته، كذلك لا يتقدّم عليه البتة، حينئذٍ لا يصحُّ أن يقال: إن لك راجلاً أن تسافر، لا يتقدّم عليه لما ذكرناه. أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا كذلك أطلقهُ الناظم ولا بد من تقييده بأن لا يكون صلة لـ (أل)، أنتَ المصلي فذّاً، فذاً: حال، والعامل فيه مُصلي وهو اسم فاعل، هل يجوزُ أن تتقدّم الحال فذّاً على العامل وهو صفة أشبهت المصرفا؟ الجواب: لا، لماذا؟ والناظمُ يقول: أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا .. فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُه، نقول: هنا لا بدّ من تقييده ما لم يمنع منه مانع، والمانع هنا إذا كان صلة لـ (أل)، لأن (أل) لا يعملُ ما بعدَها فيما قبلَها، فإذا قلنا: فذاً أنت المصلي، أو أنت فذاً المصلي، حينئذٍ الصلة .. صلة (أل) عملت فيما قبلها، وهذا ممنوع كما سبقَ مراراً. إذن: إنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ما لم يمنع منه مانع من كونه مدخولاً للام الابتداء أو لام القسم، أو أن يكون العاملُ صِلة لحرف مصدري. أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا ما لم تكن صلة (أل) فإن كان صلة (أل) حينئذٍ تلزمُ التأخير فلا يجوزُ تقديمه.

فَجائِزٌ تَقْدِيْمُهُ: فَجائِزٌ قلنا: خبر، وتَقْدِيْمُهُ مُبتدأ مؤخّر، فَجائِزٌ تَقْدِيْمُهُ الضمير هنا ما قال: تقديمها على الأفصح؛ لأن لفظَ الحال هنا ذكره بدون تاء مذكر في اللفظ، والحالُ قال: فَجائِزٌ تَقْدِيْمُهُ على ذلك الناصب له، وهذا هو الأصلُ في الحال مع عاملِها، جوازُ التقديم والتأخير، هذا هو الأصل، لكن ما لم يعارضه مُعارِض، فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ هل يشملُ الحكمُ هنا فيما إذا كانت الحال جملة؟ لو قال: جاءَ زيدٌ والشمسُ طالعة، جاء: فعل متصرف، وزيد: فاعل، والشمس طالعة: مبتدأ وخبر، والواو واو الحال. إذن الحال وقعت جملةً؛ هل الحكم عام أم أنه خاصّ بالمفردات؟ هنا قال: وَالْحَالِ أطلقَ الناظم، حينئذٍ الحال، والحالُ تصدُقُ على المفرد وعلى الجملة: وَمَوْضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ ... كَجَاءَ زَيْدٌ وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ إذن يشمل الجملة، وهذا هو الصحيح؛ أنه يصحُّ تقديم الحال ولو كانت جملة، ولو كانت مُصدّرة بالواو؟ نعم؛ ولو كانت مصدرة بالواو، فتقول: والشمسُ طالعةٌ جاءَ زيدٌ، ولو كانت مصدرة بالواو. إذن؛ والحالُ مطلقاً سواءً كانت مفردة، أو جملة أو ظرفاً، فجائزٌ تقديمه. كَمُسْرِعَا ذَا رَاحِلٌ، مُسْرِعَا ذَا رَاحِلٌ، ذا راحل مسرعاً، ذَا: اسم إشارة مبتدأ، ورَاحِلٌ: اسم فاعل وهو خبر، وهو رافع لضمير مُستتر رَاحِلٌ هو يعود على ذَا، مُسْرِعَا: حال من فاعل رَاحِلٌ، وهو الخبر، لما كان رَاحِلٌ صفة أشبهت المصرّفا جازَ تقديمه على العامل. إذن أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا مثاله: كَمُسْرِعَا ذَا رَاحِلٌ، وهذا (رَاحِلٌ) اسم فاعل. إذن مُسْرِعَا حال متقدمة، وهذا جائز التقديم، فيجوزُ لك وجهان: أن تقول: ذا راحل مُسرِعاً على الأصل بتأخير الحال، ويجوزُ لك التقديم، ثم التقديم كما ذكرنا له صورتان: إما التقديم مُطلَقاً على المسند إليه في المثال المذكور، وإما على المسند فحسب دونَ المسند إليه، وهنا الناظمُ ذكَرَ تقديمه على المسند إليه، فمن بابٍ أولى أن يتقدَّمَ على المسند فحسب دون المسند إليه، فدخلَت صورتان تحت المثال الأول، مُسرِعاً ذا راحل، هذه صورة، إذا جازت هذه (ذَا مُسْرِعَاً رَاحِلٌ) من باب أولى، كذلك هذا مثال لاسم فاعل، ومجرّداً زيد مضروب، زيد مضروب مجرداً، زيد: مبتدأ، ومضروب: خبر، والضمير مستتر نائب فاعل، ومجردا: حال جازَ تقديمُه على مضروب، وهو صفة أشبهت المصرّفا، وَهَذَا تَحمِلينَ طَلِيقُ، ذا: هذا مبتدأ، وطليق: خبر، وهو صفة مشبهة، تحملين تقدّمَ عليه، طليق هو اسم فاعل، وتحملين: هذا حال منصوبة مُتقدّمة على عاملها، وجوّزَ تقديمَها كونُه صفة أشبهت المصرفا. إذن: أمثلة ثلاثية لما شملِه قوله: أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا؛ لأنه يشملُ اسم الفاعل، كمُسرعاً ذا راحل، واسم المفعول كمُجرّداً زيد مضروب، والصفة المشبهة كهذا تحملينَ طليقُ، تحملين في موضع نصب على الحال؛ لأنها الجملة، نعم، فعل وفاعل، وعامله طليق وهي صفة مشبّهة.

وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا، زَيْدٌ: مبتدأ، ودَعَا: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره هو يعود على زيد، والجملة في محلّ رفع خبر المبتدأ، وَمُخْلِصًا هذا حال مِن فاعل دَعَا، وهذا فيه تقديمُ معمول الخبر الفعلي على المبتدأ، وهذا محلّ نزاعٍ عند النحاة؛ إذا كان الخبر فعلاً سواءً كان مضارعاً أو ماضياً أو أمراً مُتعلّق معموله، هل يتقدّم على المبتدأ أو لا؟ يتقدّمُ عليه دون المبتدأ لا إشكال فيه، ولذلك اعتُرِض على الناظم هنا، قيل: لو قال: زيدٌ مخلِصاً دعا لأتى بالمقامين، مثَّلَ لتقديم الحال على العامل زيد مخلصاً دعا، دعا مخلصاً، تقدمت الحال، وجاءَ على قول الجمهور من منعِ تقديم معمول الخبر على المبتدأ، لكن تقديمُه هنا إما أن يُقال أنه من باب الضرورة وإما أن يُقال بأنه رأى جوازَ تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ، ومخلِصاً زيدٌ دعا، كذلك هذا يتضمّنُ صورتين، مادام أنه جازَ على رأي من جوّزَ تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ حينئذٍ "زيد مخلصاً دعا" من بابٍ أولى وأحرى، ومخلصاً: حال متقدمة، والذي سوّغَ تقديمه .. هو الأصل، لكن جاءَ كونه فعلاً متصرّفاً حينئذٍ لم يمتنع تقديمها. في البيتين لفٌّ ونشرٌ مُشوشّ؛ لأنه قال: إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا، قدّمَ الفعل المتصرف لأنه الأصل، ثم ثنّى بالصفة؛ لأنها فرع، ثم مثّلَ لماذا؟ للصفة وأخّرَ مثال الفعل، والأصل أن يمثّل للفعل أولاً ثم يأتي بمثال للصفة، وهذا جرى على قوله تعالى: ((يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ)) بدأ بالثاني، هذا يُسمّى لفّاً ونشراً مُشوّشاً. وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كَمُسْرِعَا ... ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا "خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ" {54/ 7} أي نوع هذا؟ أينَ الفعل؟ خُشّعاً: هذا حال؟ اسم فاعل؟ إذن هو حال خُشّعاً، إذن الحال قد يكون مُفرداً وقد يكون جمعاً. ((خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ)) أينَ صاحب الحال؟ الواو. يخرجون خُشّعاً، أَبْصَارُهُمْ هذا فاعل لاسمِ الفاعل ((خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ)) هنا لم يعتمد فكيف رفعَ؟ أليس هو مثل: فَجائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كيف رفعَ خشعاً؟ وهو لم يعتمد على نفي ولا استفهام؟ سيأتي أن اسم الفاعل لا بد من الاعتماد، لكن اعتمادُه في باب المبتدأ على جهة الخصوص، وهو كونُه أن يعتمد على نفي أو استفهام، أما في العمل مُطلَقاً هذا لو كان فاعلاً أو خبراً مُسنداً أو نحو ذلك يجوزُ أن يعملَ مُطلقاً، وهنا اعتمد لأنه مسبوقٌ بـ (يَخْرُجُونَ خُشَّعًا) إذن هو حال. إذا جاءَ اسم الفاعل حالاً عمِلَ، من مسوغات العمل أن يكون حالاً، وأن يكون خبراً؛ سواءً كان خبراً في الأصل أو خبراً لكان أو خبراً لإن .. إلخ. وهذا سيأتي في اسم الفاعل.

إذن خُشّعاً هنا كونه حالاً صارَ مُعتمداً؛ لأنه لا بدّ من عامل، وهو الآن مُتقدّم حقيقةً أو أن رتبته التأخير؟ إذن هو مُعتمِد يخرجون خشّعاً أبصارهم، هذا هو التركيب، فخشّعاً حال، حينئذٍ يعملُ فيما بعده. قال الشارح: يجوزُ تقديمُ الحال على ناصبها إن كان فعلاً مُتصرّفاً، أما غير المتصرف فهو ما لزِمَ لفظ الماضي، والمتصرّف ما استُعمِل ماضياً أو مضارعاً وأمراً. أو صفةً تشبه الفعل المتصرف، والمراد بها ما تضمّنَ معنى الفعل وحروفه، وقبِلَ التأنيث مِن غير قيد، ليسَ قبل التأنيث فحسب، لا من غير قيد؛ لأن أفعل التفضيل .. اسم التفضيل يقبل التأنيث، لكن بقيد أن يكون محلى بـ (أل) أو مضافاً، والتثنية والجمع كذلك أفعل التفضيل يقبله لكن بقيد أن يكون محلًى بـ (أل) أو مضافاً، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة؛ فمثال تقديمه على الفعل المتصرف (مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا)، فدعا: فعل متصرف، وتقدّمت عليه الحال، ومثال تقديمِه على الصفة المشبهة نحو (مُسْرِعَا ذَا رَاحِلٌ)، ذَا رَاحِلٌ صفة مشبهة، إلا إذا قصدَ بها الثبوت، اسم الفاعل إذا قُصِدَ به الثبوت حينئذٍ صحّ أن يُعتبر صفةً مشبهة، على كل هو محتمل؛ ما جاء زنة فاعل إذا قُصِد به الحدوث فهو اسم فاعل، وإذا قُصِد به الثبوت حينئذٍ عُومِل معاملة الصفة المشبهة، لكن ليسَ هو الأصل فيه، رَاحِلٌ يعني ذاهب، وهذا حدوث الظاهر يُنظر فيه. فإن كان الناصب لها فعلاً غير متصرف لم يجز تقديمُه عليه فتقولُ: ما أحسنَ زيداً ضاحكاً، لا يصحّ التقديم؛ لأن فعلَ التعجب غير مُتصرّف فهو جامد، وما كان غير مُتصرّفٍ لا يُتصرّف في معموله، وكذلك إن كان الناصبُ لها صفة لا تشبه الفعل المتصرف كأفعل التفضيل لم يجز تقديمه عليه؛ لأنه لا يُثنى ولا يُجمع ولا يُؤنث، ليس على إطلاقه، وإنما ما لم يحلى بـ (أل) أو يضف، فلم يتصرّف في نفسه فلا يتصرف في معموله، (زيدٌ ضاحكاً أحسنُ من عمرو)، لا يجوزُ؛ بل يجب تأخير الحال فتقول: زيدٌ أحسنُ من عمرو ضاحكاً، وهذا إلا ما سيأتي استثناؤه: وَنَحْوُ زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ ... عَمْروٍ مُعَاناً ............................. هذا مُستثنى، وأما أفعل التفضيل فالأصل أنه لا يعمل. قال رحمه الله تعالى: وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ وَنَدَرْ ... نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ

وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ. إذن العامل المعنوي في هذا الباب المراد به ما ضُمِّنَ معنى الفعل دون حروفه، يُسمّى عاملاً معنوياً، وليسَ هو العامل المعنوي المراد هناك في باب المبتدأ، ما هو العامل المعنوي هناك، ما حقيقته؟ ما ليسَ للسان فيه حظ، ما لا حظَّ للسان؛ يعني: لا يُنطَق به، وهو محصور على الصحيح في اثنين لا ثالثَ لهما، وهما الابتداء والتجرّد, الطلبُ هذا مُحتمِل، يأتي في محله محتمل، "قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ" {6/ 151} هذا محتمل، وما عداها لا، فلا نقول، هنا في هذا المقام العامل المعنوي المراد به ما ضُمِّن معنى الفعل دون حروفه، كَتِلْكَ اسم الإشارة، فهي مُضمّنة معنى أشير، ولكن ليس فيها شيئ مِن لفظ أُشير، ولَيْتَ مُتضمّن لمعنى الفعل أتمنى، وليسَ فيه شيئاً من حروف الفعل، وكَأَنَّ فيه معنى الفعل أُشبّه، وليسَ فيه شيء من حروف الفعل. نقول: هذه الكلمات الثلاث وغيرها .. سيأتي أنها فوقَ العشرة .. أنها تضمَّنت معنى الفعل دون حروفه، هل تعملُ في الحال؟ نقول: نعم تعمل، ليسَ البحث في هذا البيت والسابق في ما يعمل في الحال، كلّ ما كان فعلاً أو فيه رائحة الفعل يعملُ في الحال، كلّ ما كان فعلاً سواءً كان مُتعدياً أو لازماً أو فيه رائحةُ الفعل، سواء معنى الفعل مع حروفه أو معنى الفعل دونَ حروفه فهو ينصِب الحال، لا إشكال فيه، ولكن الكلام في تقديم الحال على العامل، إذا كان العاملُ قوياً جازَ. هذا خلاصتها. إذا كان ضعيفاً يعملُ بالفرعية فالأصلُ العدم إلا ما جاء به السماع.

وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ حُرُوفَهُ، عَامِلٌ هذا مبتدأ، وسوّغَ الابتداء به وصفُهُ، ضُمِّن فعل ماضي مُغيّر الصيغة، ضُمِّن، ضَمَّنَ هذا الأصل، ضُمِّن هذا فعل ماضي مغير الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعودُ على العامل، وَعَامِلٌ ضُمِّنَ، مَعْنَى هذا مفعول، وهو مضاف والفعل مضاف إليه، لاَ حُرُوفَهُ، لاَ عاطفة، ولا العاطفة تعطف ما بعدها على ما قبلها، لاَ حُرُوفَهُ، حروفَ بالنصب معطوف على مَعْنَى، مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ مُؤَخَّراً حال أو مفعول به أو مُطلَق أو مفعول لأجله أو منصوب على الظرفية أو اسم إن أو خبر كان؟ أي الأحوال هذه؟ المنصوبات كلّها؟ مُؤَخَّراً هذا حال مُتقدّم من يَعْمَلاَ، الألف هذا للإطلاق، والفاعل ضمير مستتر يعود على عَامِلٌ. إذن لَنْ يَعْمَلاَ مُؤَخَّراً مفهومُه أنه يعملُ مُتقدّماً، لن يعمل هو في الحال حال كونه مُؤخّراً، إن أُخِّر عن الحال .. وهذا يلزمُ منه أن تتقدّمَ عليه الحال، لن يعمل، فإذا لم يعمل العامل المعنوي في الحال عند تقدمها لا يلزم منه أن لا يعمل عند تأخُّرها، بل الأصل فيه أنه يعمل، وتكون الحال مُتأخِّرة عنه، فإن تقدمت امتنعَ، لماذا؟ لضعفه؛ لأنه عاملٌ ضعيف، العامل الجامد غيرُ المتصرف لا يُتصرَّف في معموله، وكذلك العاملُ الضعيف لا يُتصرَّف في معموله، ولذلك لا يصحُّ أن يتقدّمَ خبر إن على اسمها، فضلاً عن أن يتقدّمَ على (إن)، فلا يُقال: قائمٌ إن زيدا، لكون إن عامل ضعيف. كذلك لا يُقال: إن قائم زيدا؛ لماذا؟ لكون إن عامل ضعيف فلا يُتصرّف فيها، العامل الضعيف لا يُتصرَّف في معموله بالتقديم والتأخير، بل يلزم الأصلُ على ما هو عليه. إذن لَنْ يَعْمَلاَ الألف للإطلاق، مُؤَخَّراً هذا حال مقدمة. كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ، كَتِلْكَ هذا فُهِم من إدخال الكاف على تلك، تي واللام والكاف زائدتان، تي: هذا الأصل، فُهِم منه من دخول الكاف على تلك أنه مُطرد في أسماء الإشارة كلها، فكلّ أسماءِ الإشارة تعملُ في الحال، وكلها عاملٌ معنوي ضعيف، وكلها لا يجوزُ أن تتقدّمَ الحال على اسم الإشارة؛ لكونها عاملاً معنوياً وهو ضعيف. كَتِلْكَ لَيْتَ: وليتَ على حذف حرف العطف، وَكَأَنَّ. معنى البيت أن العامل في الحال إذا ضُمّن معنى الفعل دون حروفه لا يتقدّمُ عليه الحال لضعفه، ثم مثّلَ بثلاث كلمات: تلك اسمُ إشارة، وفيها معنى الفعل وهو أُشير، وليسَ فيها حروفَ الفعل الذي يُفهَم منه، وليت حرف تمني، وفيها معنى الفعل (أتمنى) دون حروفه، وكأنّ حرفُ تشبيه وفيها معنى الفعل (أشبّه) دون حروفه. كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ جاء بالكاف تمثيلاً لمدخولها، وليس حصراً لمدخولها، فالكاف تمثيلية ليست استقصائية؛ إذ العاملُ المعنوي يشملُ أسماءَ الإشارة وحروفَ التمني والتشبيه والظرف والجار والمجرور وحرف الترجي كلعل وحرف التنبيه مثل (ها) التنبيه وأدوات الاستفهام الذي يُقصَد به التعجب وأدوات النداء وأمّا هذه عشرة، كلّها نحكم عليها بأنها عامل معنوي، تعملُ في الحال؟ نعم؛ تعمل في الحال، لكن الكلام في أنه لا يجوزُ أن تتقدّم الحال على هذا العامل المعنوي.

إذن المراد بالعامل المعنوي: اللفظ الذي يعملُ بسبب ما يتضمّنهُ من معنى الفعل مثل تلك وما عُطِف عليها. وَنَدَرْ نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ، نَدَرْ هذا كالاستثناء مما سبقَ، الأصل فيه أنه لا يتقدّمُ الحال على العامل المعنوي، وَنَدَرْ أي قل، وبعضهم قال: شذَّ، وفرق بينهما، إذا قيل: قلَّ بمعنى أنه موجود في لسان العرب، وأنه قليل، ويحتملُ أن يُقاس عليه، القياسُ عليه محتمل، إذا قيل: نادر وقليل، هذا القياسُ عليه محتمل، وأما الشاذّ فلا يُقاسُ عليه. نَدَرْ أي قلّ، وقيل: شذّ، قلَّ ماذا؟ نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ، سَعِيدٌ مبتدأ، فِي هَجَرْ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، مُسْتَقِرّاً حال من الضمير المستتر في هَجَرْ؛ لأن (فِي هَجَرْ) قلنا: هذا جار ومجرور، وهو متعلّق بالاستقرار، لما حُذِف الاستقرار انتقلَ الضمير منه إلى الظرف وإلى الجار والمجرور، حينئذٍ نقول: فِي هَجَرْ فيه ضمير مستكن هو فاعل، يعودُ على سعيد، مُسْتَقِرّاً حال منه، حالٌ من ذلك الضمير الذي يعودُ على سعيد. إذن ما العامل هنا؟ العاملُ هو فِي هَجَرْ، وهو عاملٌ معنوي، هنا تقدّمَ الحال على الظرف، هذا يُعتبَر استثناءً من القاعدة السابقة: وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ وهنا عمِلَ (فِي هَجَرْ) في مُسْتَقِرّاً، هل نقول: يُستثنى حرفُ الجرّ وكذلك الظرفُ لكونهما يُتوسَّع فيهما ما لا يُتوسّع في غيرهما، حينئذٍ إذا نصبا الحال جازَ تقديم الحال عليهما أو نقول: هذا شاذّ يُحفَظ ولا يُقاس عليه؟ محل نزاع بين النحاة، وهنا عبّرَ بندر يعني أن ما ذُكِر قليل، وَنَدَرْ نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً عندك أو سعيد مُستقرّاً في هجر، ندرَ تقديم الحال على عاملها الظرف والمجرور المخبر بهما، إذا وقعا خبراً عن المبتدأ، وفصلَ هذه المسألة عما قبلها وما بعدها وإن كانت مثلها؛ لأنه قد سُمِع فيه تقديم الحال على عاملها بخلاف السابق, السابق المنعُ حصلَ استنباطاً من النحاة، أنه كتلك وليت وكأنّ وأسماء الإشارة وحروف النداء والتنبيه نقول: هذه كلها استنباط واجتهاد من النحاة أنه لا يتقدّم عليه الحال. أما هذا فقد سُمع حينئذٍ هل يُقاسُ عليه أم لا؟ وندر تقديمُه على عاملها الظرف والمجرور المخبَر بهما. توسّطُ الحال بين صاحبه وعامله إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً مُخبَراً به أجازَه الأخفش بكثرةٍ، يعني: جعلَه مَقيساً عليه كأنه أصل، ولذلك قالَ: بكثرةٍ يعني: عاملَه مُعاملة الأصل، فيجوزُ حينئذٍ كما تتقدّمَ الحال على العامل المتصرّف والصفة المشبهة، حينئذٍ يجوزُ تقديمُ الحال على العامل المعنوي بشرطِ أن يكون ظرفاً أو جارّاً ومجروراً وقعَ خبراً عن مُبتدأ، ليس على إطلاقه. وَنَدَرْ نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ فما وردَ من ذلك مسمُوعاً قالوا: يُحفَظ ولا يُقاس عليه، ولذلك فسَّر بعضُ الشراح قول ابن مالك هنا نَدَرْ بمعنى شذَّ، وإذا كان شذَّ حينئذٍ يُحفَظ ولا يُقاس عليه، وَنَدَرْ يعني: ما وردَ من ذلك مسموعاً يُحفَظ ولا يُقاس عليه. هذا هو مذهب البصريين؛ أن هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه.

إذن لا استثناء في القاعدة: وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ سواءً كان ظرفاً أو جاراً ومجروراًَ لا استثناء في القاعدة. وأجازَ ذلك الفراء والأخفش مُطلقاً، أجازوه مُطلقاً، الإطلاق هنا يُفسَّر بما سيأتي من مذهب الكوفيين، وأجازَه الكوفيون فيما كانت الحال فيه من مُضمَر، إذا كانت الحال فيه من مُضمَر من ضمير جازَ تقديم الحال على الظرف أو الجار والمجرور، أنتَ قائماً في الدار، أنتَ: مبتدأ، في الدار: خبر، قائماً: حالٌ من الضمير المستكن في الدار، جازَ تقديمه على في الدار لكون المسند إليه مُضمَر، يعني: ضمير، أي: من مُضمَر، مرجعه مُضمَر، فقائماً: حال من الضمير المستكن في العامل الذي هو الجار والمجرور، ومرجعُهُ أنت .. أنت قائماً في الدار، وقيل: يجوزُ بقوّة إن كان الحالُ ظرفاً أو حرفَ جرّ، ويضعُفُ إن إن كان غيرهما، وهذا تفصيل، لكنه ليسَ عليه التعويل، ويضعُف إن كان غيرهما وهو مذهبُه في التسهيل، يعني: مذهبَ ابن مالك رحمه الله تعالى، ومحلّ الخلافِ في جواز تقديم الحال على عاملها الظرف إذا توسَّطَ، وأما تقديمه لا، يعني: سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ كونه متوسطا بين المبتدأ والخبر هو محل الخلاف، وأما مستقراً سعيدٌ في هجر فهذا محلّ إجماع لا يجوز، والمشهورُ عند النحاة أنه شاذّ يُحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن القاعدة أن العاملَ المعنوي ضعيف، والضعيف لا يَقوى أن يُتصرَّف فيه معموله بالتقديم والتأخير، وما سُمِع قليل لا يصلح أن يكون استثناءً من القاعدة العامة. فإن تقدَّمَ على الجملة نحو (قائماً زيدٌ في الدر) امتنعت المسألة قيل: إجماعاً، وقيلَ في حكاية الإجماع نظر، ليس بصحيح، حيث أجازَ الفراء في قول القائل: فداءً لك أبي وأمّي، جوّزَ الفراء أن يكون فداءً حالاً، والعاملُ فيه: لك، فداءً لك أبي وأمي، أبي: مبتدأ مؤخّر، ولك: خبر مقدم، فداءً: حال من الجار والمجرور، لكَ فداءً، جوّزَ تقديم الحال هنا وهو فداء على لك، وهو يقتضي جواز التقديم على الجملة عنده إذا تقدّمَ الخبر، وأجازَه ابن برهان فيما إذا كان الحال ظرفاً نحو "هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ" {18/ 44} فهنالك: ظرفٌ في موضع الحال، والولاية مبتدأ، ولله خبر. إذن هذا خلاف عند النحاة. وإذا تقدّمَ على المبتدأ قيل بالإجماع المسألة ممتنعة، لكن ذكرنا خلافَ ابن برهان والفراء وغيره. إذن: وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ وَنَدَرْ ... ........................

وَنَدَرْ يعني: قلّ أو شذَّ، وهو الأحسنُ؛ لكن ابن مالك لا يُعبّر بـ (ندر) عن (شذّ) إلا في النادر، وإذا قال: ندر أو قلَّ حينئذٍ يُحمَل على أنه مسموع قليل، ومحتمل للقياس عليه، لكن الظاهر أنه شاذّ، نَحْوُ سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ، مُسْتَقِرّاً قيل: هذه حالٌ مؤكِّدة، وعليه فالمراد بالاستقرار العام، مُسْتَقِرّاً ما المراد بالاستقرار خاص أو عام؟ إذا قيل بأنها حال مؤكِّدة حينئذٍ نقول: المراد بالاستقرار العام، وقال بعضُهم: مُسْتَقِرّاً أي: ثابتاً غير متزلزل، فهو خاصّ إذ لو كان عامّاً لم يظهر. يعني قوله: مُسْتَقِرّاً هل نفسِّره بالاستقرار العام أو الاستقرار الخاص؟ لو كان عامّاً لما ذُكِر، ولذلك نفسّره بالاستقرار الخاص. إذن نقول: يجبُ تأخيرُ الحال من الأبيات الثلاثة السابقة في ستّ مسائل، يجبُ تأخير الحال، لا يجوزُ أن تتقدّمَ على عاملها في ستّ مسائل، وكلها مأخوذة من الأبيات الثلاثة السابقة: الأول: أن يكون العاملُ فعلاً جامداً؛ لأنه قيّدَه هنا قال: بِفِعْلٍ صُرِّفَا. إذن الجامد لا يجوزُ أن تتقدم الحال عليها، ما أحسنَه مُقبِلاً. الثاني: أن يكون صفةً تشبه الفعل الجامد، وهو اسم التفضيل، نحو هذا أفصحُ الناس خطيباً، هنا لا يجوزُ أن تتقدّمَ الحال على العامل وهو اسم التفضيل. الثالثة: أن يكونَ مصدراً مُقدّراً بالفعل وحرف مصدري، نحو أعجبني اعتكافُ أخيكَ صائماً، أعجبني اعتكاف أخيك أي أن يعتكف هو مؤوّل بالمصدر. رابعاً: أن يكون اسم فعل نحو نَزالِ مسرعاً، قلنا: هذا فيه معنى الفعل وحروفه، ولكن لا يجوزُ أن يتقدّم، لماذا؟ لأنه ليس فعلاً ولا صفةً. الخامس: أن يكون لفظاً مُضمّناً معنى الفعل دون حروفه، مثل العشرة التي ذكرناها: اسم الإشارة وما عُطِف عليه، وذكرَ الناظم ثلاثة. ((فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً)) خَاوِيَةً: حال، والعامل فيها تلك، فهو اسمُ إشارة لا يجوزُ تقديمه على العامل. السادس: أن يكون عامِلاً، لكن عرَضَ له مانع، يعني: فعلٌ مُتصرّف دخلت عليه لامُ الابتداء أو لامُ القسم، أو كان العامل فيه فعلا دخلَ مع حرف مصدري، والصفة المشبهة أن تكون صلةً لـ (أل). إذن في الأصل أنه يعمل لكن عرَضَ له مانع. إذن: هذه ستُّ مسائل لا تتقدّم الحال على عاملها.

قال الشارح: وقد ندرَ تقديمُها على عاملها (نحو زيد قائماً عندك)، زيد: مبتدأ، وعندك: خبر، وقائماً: حال من الضمير المستكن في عندك، والجار والمجرور نحو (سَعِيدٌ مُسْتَقِرّاً فِي هَجَرْ)، الجمهور على المنع ... جماهير النحاة على المنع للعلة السابقة، وهو كونُ الجار والمجرور والظرف عاملاً معنوياً وهو ضعيف، والضعيفُ لا يُتصرَّف فيه معمولاته، يُستثنى من المضمّن .. عندما قال بأنه مقيس يُستثنى من المضمن معنى الفعل دون حروفه أن يكون ظرفاً أو مجروراً مُخبَراً بهما .. بهذا القيد مخبر بهما، يعني: يقع خبراً، ليسَ مُطلقاً كل ظرف وجار ومجرور، لا، مخبراً بهما. بقلةٍ .. فيجوزُ بقلةٍ، هكذا عبّرَ ابن هشام في الأوضح. إذن عندَه أنه مقيس، ولذلك قال: يجوزُ بقلةٍ، يعني: على قلة. توسُّط الحالِ بين المخبر عنه والمخبر به؛ بخلاف ما إذا تقدّمَ على المخبر عنه فإنه ممتنع، قيل بالإجماع، والجماهيرُ على المنع، واستدلَ المجيز مُطلقاً بقراءة من قرأ -قراءة الحسن- ((وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌٍ بِيَمِينِهِ)) وَالسَّموَاتُ: مبتدأ، بِيَمِينِهِ: خبر، مَطْوِيَّاتٍ: بالكسر على أنه حال؛ جمع مؤنث سالم. إذن وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٍ هذه حال مُتقدّمة على (بِيَمِينِهِ) .. جوّزوا هذا. "وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا" {6/ 139} خَالِصَةً بالنصب. إذن تقدّمت، مَن أجازه مطلقاً استدل بهاتين القراءتين، وأجازَه الأخفش قياساً. وَنَحْوُ زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ ... عَمْروٍ مُعَاناً مُسْتَجَازٌ لَنْ يَهِنْ

سبقَ أنه قال: أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا قلنا: يشملُ اسمَ التفضيل؛ لأنه صفة، لكنها لم تُشبه الفعلَ المتصرف، وإن كانت فيها معنى الفعل وحروفه، إلا إنها لا تقبلُ علامة الفرعية بإطلاق، وإن قبلتها بقيدٍ. استثناء من ذاك أنه قد يعملُ اسم التفضيل لكن بقيد، وهو الذي ذكرَه الناظمُ هنا، وَنَحْو: هذا مبتدأ، مُسْتَجَازٌ هذا خبره، لَنْ يَهِنْ هذا خبر بعد خبر، زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ عَمْروٍ مُعَاناً هذا المثال، أَنْفَعُ ما نوعها؟ أَنْفَعُ صفة مشبهة؛ اسم فاعل؛ اسم تفضيل؛ أفعل التفضيل؟ أفعل التفضيل زَيْدٌ: مبتدأ، ومُفْرَدٌ: حال، وأَنْفَعُ: خبر، ومِنْ عَمْروٍ: مُتعلّق بأنفع، ومُعَاناً: حالٌ من عَمْروٍ، زَيْدٌ: مبتدأ، مُفْرَداً: حال من الضمير المستكن في أَنْفَعُ, (أَنْفَعُ) فيه ضمير مستكن، مُفْرَداً: حال منه، والعامل إذن في مفرداً؟ ما العامل فيه؟ العامل في صاحب الحال وهو الضمير المستكن هو العامل في الحال، إذن العامل في الضمير المستكن أَنْفَعُ هو نفسه اسم التفضيل، هو عينُه العامل في مُفْرَداً، وهنا تقدّمت الحال على اسم التفضيل، مِنْ عَمْروٍ: هذا مُتعلّق بأنفع، مُعَاناً: حال من عَمْروٍ. أصل التركيب (زيد أنفع في حال كونه مُنفرداً من عمرو في حال كونه مُعانًا)، وإنما كان (أَنْفَعُ) عاملاً في الحالين: لأن صاحبَ الحال الضمير المستكن وعمرو، كلاهما مُتعلّقان بأنفع، كلاهما متعلقان يعني: معمولان بأنفع، حينئذٍ جاءت الحال من صاحبي حالٍ العامل فيهما (أنفعُ)، حينئذٍ يكون العامل صاحب الحال هو العامل في الحال. إذن اتحدا؛ الحال المتقدمة (مفرداً) والحال المتأخرة (معاناً) اتحدا في كون العامل فيهما هو أنفع، والشاهد هنا ليسَ في معانا؛ لأنه مُتأخّر، هذا جاء على الأصل، الشاهد هنا في مُفرداً، كيف تقدم على (أنفع) وهو اسم تفضيل؟ قيل: استُثنيت هذه الحالة بالضابط الذي ذكره النحاةُ، وهو أن يقع اسمُ التفضيل مُتوسِّطاً بين حالين، أن يقعَ أفعلُ التفضيل مُتوسّطاً بين حالين من اسمين متحدي المعنى أو مختلفين، مُتحدي المعنى أن يكون ثَمَّ تفضيلُ شيئ في حال على نفسه في حال أخرى، زيدٌ قائماً أحسنُ منه قاعداً، هنا التفضيلُ بين شخصين أو بين شخصٍ في حالين؟ الثاني، شخص واحد، زيدٌ قائماً أحسنُ منه قاعداً، فالحالان هنا من زيد في الحقيقة، حينئذٍ نقول: هنا اتحدا من حيث المعنى، وأما (زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ عَمْروٍ مُعَاناً) فنقول: الحالان هنا من شخصين مختلفين.

إذن سواءً وقعَ أفعل التفضيل بين اسمين مُفضّلين أو مُفضّل أحدهما على الآخر، وكان الشخص واحداً مُتحدي المعنى أو كان مُختلفي المعنى. مُفضلٌ أحدهما في حالةٍ على الآخر في أخرى، كلٌّ منهما فضل على الآخر في حالةٍ ليست هي الحال الأولى، فهذا جائِزٌ، أن تتقدّمَ الحال على اسمِ التفضيل على أن اسمَ التفضيل عاملٌ في الحالين معاً المتقدمة والمتأخرة، فيكون ذلك مُستثنى مما تقدّمَ من أنه لا يعملُ في الحال المتقدمة عليه اسم التفضيل، هذا استثناءٌ مما سبقَ، وإنما جازَ ذلك هنا لأن أفعل التفضيل وإن انحطَّ درجةً عن اسم الفاعل والصفة المشبهة بعدمِ قبوله علامات الفرعية، فله مَزيّة على العامل الجامد، نعم لا شك، يعني: إذا قيل بأن أفعل التفضيل أحطُّ درجة من اسم الفاعل لكونه لم يقبل علامة الفرعية مطلقاً إلا إنه أعلى درجة من الجامد لأن فيه معنى وحروف الفعل المتصرِّف. إذن هو أدنى من اسم الفاعل وأعلى درجةً من الجامد. إذن لا يُسوّى بينهما، فله مزيّة على العامل الجامد؛ لأن فيه ما في الجامد من معنى الفعل، ويفوقُهُ بتضمّنِ حروف الفعل ووزنه، فجُعِلَ مُوافِقاً للعامل الجامد في امتناع تقديم الحال عليه إذا لم يُتوسّط بين حالين، نحو: هو أكفؤهم ناصِراً، هنا لا يجوزُ أن يتقدّمَ، عُومِل معاملة الجامد مع كونه فيه معنى الفعل وحروفه، ولكونه لم يقبل علامة الفرعية مُطلَقاً عُومِل معاملة الجامد، وجُعِل موافقاً لاسم الفاعل في جواز التقديم عليه إذا توسّطَ بين حالين. إذن ما سُمِع في لسان العرب هو المحَكَّم هنا، وهو ما جاء في أفعل التفضيل بين حالين بالاعتبار الذي ذكرناه. ثم استُثني هذا إما أن يُعلّل وإما أن يُجعَل على قياس، ولا بأس أن يُعلَل بأنه أُعطي حكمَ الجامد في ما إذا نصبَ حالاً واحداً، وأما إذا نصبَ حالين بالقيد المذكور يعني: التفضيل باعتبارين حينئذٍ أُعطي حكم اسم الفاعل. وَنَحْوُ زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ، أنفع قلنا: فيه ضمير عائدٌ على زيد، وأنفعُ قلنا: هنا في هذا المثال خبر، ومفرداً: هذا حال من الضمير في أنفع، مِنْ عَمْروٍ: هذا متعلق بأنفع، مُعَاناً: حال من عمرو، وإنما كان أنفعُ عاملاً في الحالين؛ لأن صاحبَ الحال وهو الضمير المستتر والمجرور بمن معمولان له، والعاملُ في الحال هو العامل في صاحبها. مُسْتَجَازٌ هذا خبر المبتدأ نحو، السين والتاء زائدتان أو للنسبة، أي منسوب إلى الجواز، ومَعدود من الجائز. ثم إن ما جازَ بعدَ الامتناع يجبُ هكذا قال الصبان، ما جاز بعد الامتناع لأنه مُنع أولاً: أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا، مفهومه أنه لا يعمل، ثم جوَّزنا له حالة واحدة، حينئذٍ يجبُ، ولكن الناظم قال: مُسْتَجَازٌ، فلا يُعترَض عليه بأن اللائق التعبير بالوجوب بدل الاستجازة، لكن هذا فيه نظر. لَنْ يَهِنْ يعني: لن يضعُف، وهو خبر بعد خبر.

إذن نَحْوُ هذا المثال مُسْتَجَازٌ يعني: جائز .. السين والتاء زائدة، لَنْ يَهِنْ يعني: لن يضعف بل هو فصيح، ويُقاس عليه بكثرة، ولا نقول: إنه مما ضعُفَ فيه تقديم الحال على اسم التفضيل، وهذا مذهبُ سيبويه والجمهور، سواءً اتحد الاسمان أم اختلفا، اتحد الاسمان يعني الحالان؛ بأن كان صاحبهما واحداً كالمثال الذي ذكرَه ابن عقيل (زيد قائماً أحسن منه قاعداً)، أو مختلفان كمثال الناظم الذي ذكرناه. وهذا قلنا مذهب سيبويه والجمهور، ويجبُ أن تكون حال المفضل مُقدّمة، وحالُ المفضل عليه مُتأخِّرة يعني: زادوا على ما ذكرناه، كما ذكره الناظم: زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ مِنْ عَمْروٍ مُعَانا، تكون حال المفضّل مقدمة، وحال المفضّل عليه مُتأخّرة. هنا زَيْدٌ مُفْرَداً أَنْفَعُ، مُفْرَداً هذا حالٌ من المفضل، ومُعانا حال من المفضل عليه، لا يُعكَس، لا يتقدّمَ هذا على ذاك، فلا يصح أن يُقال: " أنفعُ من عمرو معاناً زيد مفرداً"، أو نقول: " من عمرو معاناً أنفع زيد مفرداً"، التقديم والتأخير هنا ممنوع سواءً كان المفضل عليه مُتعدداً أو شخصين. وزعم السيرافي أن المنصوبين خبران منصوبان بكان المحذوفة على تقدير: إذ في الماضي وإذا في الاستقبال، يعني: لم يُسلِّم بهذا الاستثناء، وإنما أبقى العمومَ على أصله في كون اسم التفضيل لا يعملُ في حالٍ مُتقدّمة، حينئذٍ مثل هذا التركيب "زيد مفرداً أنفع من عمرو معانا" قال: "زيد إذا كان مُفرداً -فهو خبر لكان المحذوفة مع اسمها- أنفعُ من عمرو إذا كان معاناً"، جعلها خبرين لكان محذوفة مع اسمها، مع إذ في الماضي وإذا في الاستقبال. ولا يجوزُ تقديمُ هذين الحالين على أفعلِ التفضيل ولا تأخيرُهما عنه، "زيد قائماً قاعداً أحسن منه"، لا يجوز؛ لأنه بهذا التركيب الذي سُمع؛ لأنه لا يُقاس عليه، ما دام أنه خروجٌ عن أصل فيبقى على ما هو عليه، فلا تتقدّمَ الحالان ولا تتأخر، ولا يحصلُ تقديم ولا تأخير. ثم قال الناظم رحمه الله تعالى: وَالْحَالُ قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ ... لِمُفْرَدٍ فَاعْلَمْ وَغَيْرِ مُفْرَدِ صاحبُ الحال قد يتعدَّد، فتتعدّد الحال له، وقد يكون صاحبُ الحال مفرداً وتتعدد الحال له، وَالْحَالُ قَدْ يَجِيءُ، الْحَالُ: مبتدأ، وقَدْ يَجِيءُ: خبر المبتدأ، ذَا تَعَدُّدِ، ذَا حالٌ من فاعل يَجِيءُ، ذَا تَعَدُّدِ: صاحب تعدُّد، والمراد بالتعدُّد هنا التكرر، لِمُفْرَدٍ: المفرد المراد به هنا في هذا المقام غير المتكرر. إذن إذا قيل: الحال مفردة في باب الحال إذن المراد بها غير المتكررة. وَغَيْرِ مُفْرَدِ يعني: صاحب حال غير .. وَالْحَالُ قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ يعني: يجوز تعدّدُ الحال وصاحبها مفرد، لماذا؟ لما ذكرناه مراراً أن باب الحال محمول على باب الخبر والنعت، كما يجوزُ تعدُّدُ الأخبار هناك: وَأخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أوْ بِأكْثَرا ... عَنْ وَاحِدٍ ..........

كذلك جازَ هنا، فالمبتدأ هناك واحد، والأخبار مُتعدّدة، كذلك قد يكون المنعوتُ واحداً والنعوت متعددة. إذن لشبهِ الحال بالخبر والنعت جازَ أن تتعدّدَ الحال وصاحبها يكون مُفرداً؛ لأن الحال شبيهةٌ بالخبر، والخبر يتعدّدُ؛ لأنه محكوم بها على صاحبها. الخبر يتعدد لأنه محكوم بها على صاحبها، كالحكم بالخبر على المبتدأ، فلذلك قولك: "جاء زيد راكباً" هذا في قوة قولك: "زيد راكب"، يعني: المعنى الدقيق الذي يكون فارقاً بينهما، لا يُؤثِّر في أصل الجملة، الإخبار موجود جاء زيد راكباً، أنتَ أخبرت بمجيء زيد بكونه راكباً، وإذا قلت: زيدٌ راكبٌ، كذلك حصلَ، وإن كان في الحال زيادةُ قيد، حينئذٍ وفَّت هذه الجملة زيد راكباً بما وَفّت به الجملة السابقة، وكذلك شبيهة بالنعت من حيث اتصاف صاحبها بصفةٍ خاصّة والنعت يتعدّد، فالحال شبيهة به فكذلك التاء تتعدد. إذن الحال لشبهها بالخبر والنعت قد يجيءُ. قَدْ تحقيق أو تقليل؟ الظاهر أنه تحقيقُ وليس للتقليل؛ لأنه كثير، حينئذٍ تحقيق المراد أن هذا الحكم محقّق ثابتٌ. قَدْ يَجِيءُ قد للتحقيق، يَجِيءُ أي الحال، ضمير مستتر يعودُ على الحال. ذَا تَعَدُّدِ يعني: صاحب تعدد، فتقول: جاءَ زيدٌ راكباً ضاحكاً، جاء: فعل ماضي، زيد: فاعل، ضاحكاً: حال من زيد، راكباً: حال بعد حال. ويُشترَط في تعدّد الحال للمفرد أن لا يُفصَل بينهما بعاطف، فإن فُصِل بينهما بعاطف حينئذٍ صارت الحال مُفردة، لو قال: جاءَ زيدٌ ضاحكاً وراكباً, وراكباً الواو حرفُ عطف، وراكباً معطوفاً على المنصوب، والمعطوف على المنصوب منصوب؛ لأنه لا نقول إنه حال في الإعراب، وإن كان في المعنى حال لكنه في الإعراب لا نقول: حال. إذن يُشترَط في تعدّد الحال لمفردٍ أن لا يُعطَف بينهما بحرف العطف. ذَا تَعَدُّدِ قد يكون التعدّد جائزاً وقد يكون واجباً، والوجوب في موضعين اثنينِ لا ثالث لهما عند النحاة، وجوباً بعد (إما) وبعدَ (لا)، بعد (إما) نحو ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)) , شَاكِراً وكَفُوراً: حالان، تعدّدُهما واجب؛ لوقوعهما بعد (إما)، كذلك بعد (لا) مثل "جاء زيد لا خائفاً ولا آسفاً"، نقول: خائفاً وآسفاً: حالان تعددتا لصاحب حال واحد وهو زيد. وما حكم التعدد؟ نقول: واجبٌ. ما عدا هذين الموضعين فهو جائز. قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ جوازاً ووجوباً، والوجوبُ في مَوضعين، وما عداه يعتبر جائزاً.

لِمُفْرَدٍ يعني لصاحب حال مُفرَد، كالمثال الذي ذكرناه. فَاعْلَمْ: اعلم: فعل أمر، والفاعل ضمير مُستتر تقديره أنت، والجملةُ لا محلّ لها من الإعراب مُعترِضة أو معترَضة يجوزُ فيها الوجهان، والجملة المعترِضة يجوزُ عطفها بالواو والفاء، الأصل أنها لا تُعطَف، الأصل في الجملة المعترضة لا تُعطَف، لكن يجوزُ عطفها بالواو أو الفاء: " قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ"، قلنا: " هُوَ ابْنُ مَالِكِ" يجوزُ أن يكون جملة معترضة لا محل لها من الإعراب، هناك لم يفصلها بعاطف وهذا هو الأصلُ فيها، لكن هنا فصَلها بعاطف، والعاطفُ في الجملة المعترضة لا يخلو عن اثنين: الفاء والواو فحسب، وما عداه لا، ونبّه على ذلك الصبان عند قوله: هُوَ ابْنُ مَالِكِ، قال: تنبيه؛ يجوز العطف .. إلخ.

فَاعْلَمْ لمَ قال: فَاعْلَمْ؟ أتى بها لردّ قولِ ابن عصفور وهو منعُ تعدّد الحال من المفرد. ابن عصفور النحوي الشهير صاحب الشرح المقرب منعَ تعدّد الحال من مفرد فلا يُقال: "جاء زيد راكباً ضاحكاً". منعَ ابنُ عصفور هذا النوع ما لم يكن العاملُ فيه أفعلَ التفضيل، نحو "هذا بُسراً أطيب منه رطباً"، السابق يعني: المتوسّط بين حالين، والثاني عنده نعت للأول، إذا جاءَ مثل هذا التركيب عنده؛ إذا منعَ التعدد الحال فماذا يقول في "جاء زيد راكباً ضاحكاً", ضاحكاً ما إعرابه؟ الجمهورُ على أنه حال ثانية، وعنده إما إنه نعتٌ، وإما إنه حال من الضمير المستتر في الحال؛ لأن راكباً الأولى مثلاً اسم فاعل، واسم الفاعل يرفعُ ضِميراً مستتراً. إذن الحالة الثانية ليست حالاً من زيد، جاء زيدٌ ضاحكاً، ضاحكاً: حال لزيد، راكباً: ليس حالاً من زيد، وإنما حال من الضمير المستكن في اسم الفاعل الأول الحالة الأولى، وهذه يُعبَّر عنها .. يجوز عند النحاة يُعبّر عنها بالحال المتداخِلة، متداخلة أن تكون كل حال ممكن تتعدّد إلى عشرة، وكلّ حال تكون حالاً من الضمير المستكن في الحال السابقة، فإذا قال: "جاء زيد ضاحكاً راكباً قائماً نائماً"، فهذه كلها أحوال، الأخير حالٌ من الضمير المستكن في الذي قبله، والذي قبله حالٌ من الضمير المستكن في الذي قبله، وتبقى معنا حالٌ واحدة فقط، وهذا ذهبَ إليه ابن عصفور، وهو جائزٌ عند بعض النحاة على أن يُجعَل الحال الثانية مُتداخلة مع الحالة الأولى، ويُعبّر عنها بما ذكر، لكن قياسه ومنعه فيه نوع فساد. والثاني عنده نعتٌ للأول أو حال من الضمير فيه وعلة المنع .. لمَ منع؟ قال: قاسوا الحال على ظرف الزمان والمكان، وهذا غريب .. الحال أشبهُ ما يكون بالخبر أو النعت، بل التفريق بين الحال والنعت فيه نوعُ صعوبة، حينئذٍ يُعدَل عن تشبيه الحال بما هو أقربُ إليها، بل قد يكون من جنسِها إلى شيء بعيد وهو ظرف المكان، وظرف الزمان هذا فيه بُعد، فكما أن الشيءَ الواحد والشخصُ الواحد لا يكون في مكانين وزمانين، هذا يمتنعُ عقلاً، قالوا: كذلك لا يكون له حالان، وهذا بعيد، وغريب من ابنِ عصفور أن يقول هذا، لماذا؟ لأنه إذا قيل: الحال وصفٌ في المعنى فلا يمنع العقل أن يكون للشخص الواحد مائة وصف، هذا غير ممنوع، لكن كونه في مكانين في زمانين في وقت واحد هذا ممنوع. إذن فرقٌ بين المكان والزمان وبين الوصف. إذن قوله: فَاعْلَمْ لردّ قول ابن عصفور. وَغَيْرِ مُفْرَدِ ما المراد به هنا؟ قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ لِمُفْرَدٍ فَاعْلَمْ وَغَيْرِ، وَغَيْرِ معطوف على مفردِ الأول، غَيْرِ مُفْرَدِ يعني: أن يكون التعدّد لصاحب الحال.

إذن قد تكونُ الحال مُتعدّدة، وصاحبها مُفرداً، وقد تكون مُتعدّدة وصاحبها مُتعدّد كذلك، ولذا قال: غَيْرِمُفْرَدِ، وغير المفرد شمِلَ ثلاث صور، يدخلُ تحتَ قوله: غَيْرِمُفْرَدِ ثلاثُ صور: الأولى أن يكون صاحبُ الحال مُتعدِّداً والحال مجتمعة، مثل قوله تعالى: "وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ" {14/ 33} الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ .. دائبةً دائباً، هذا الأصل، فإذا اتحدَ لفظُ الحال ومعناها وجبت التثنية والجمع، إذا قلتَ: رأيتُ زيداً راكباً راكباً، راكباً: حال من زيد، راكباً الثانية: حال من الفاعل، إذن تعدّدَ صاحبُ الحال، لكونه فاعلاً ومفعولاً، وتعدّدت الحال، اتحدت في اللفظ والمعنى، وهنا لا يصحُّ أن يُقال: راكباً راكباً، وإنما يجبُ تثنية تقول: رأيتُ زيداً راكبين، ومنه ((دَآئِبَينَ)) أصلها دائبةً دائباً، فوجبت التثنية فقيل: ((دَآئِبَينَ)). إذن تعدّد صاحبُ الحال والحال مُجتَمعة، يعني: في لفظٍ واحد، لكنها في المعنى مُتعددة، والاجتماعُ هذا فرعُ الاختصار الحاصل من قوله: دائباً ودائبةً. إذن: إذا اتحدت الحال وهي المتعددة في اللفظ والمعنى وجبَ التثنية والجمع. هذه الصورة الأولى. الصورة الثانية: أن يكونَ بتفريقٍ، يعني: مُتفرّقة الحال مع إيلاءِ كلٍّ منهما صاحبه، لقيتُ مُصعِداً زيداً مُنحدِراً، عندنا (مصعِداً) و (منحدِراً)، مُصعِداً: حال من الفاعل، ومُنحدِراً: حال من المفعول به، تضعُ كلّ حال بجانب صاحبها، تُفرّقها؛ فتقول: لقيتُ مُصعداً أنا، حالٌ مني، زيداً مُفعول به مُنحدراً، أنا طالع وهو نازل، هذا المراد، لقيتُ مُصعداً زيداً مُنحدراً. إذن تفرّقت الحال وتعددت وصاحبُ الحل كذلك مُتعدّد إلا أنك فرقتَ الحال لم تجمعها سواءً معاً. الصورة الثالثة: أن تجمع كلاً منهما على حدة، لقيتُ زيداً مُصعداً مُنحدراً، جمعتَ صاحب الحال بعضهم لبعض وقلت: مُصعِداً منحدراً, مُصعداً مُنحدراً هنا إذا تعدّدت الحال وتعدّدَ صاحب الحال فإما أن تدلَّ قرينةٌ على التوزيع، حال لمن هذه؟ لو قال: لقيتُ هنداً مُصعِداً مُنحدرةً هذا واضح، مُصعِداً: حال من الفاعل ومنحدرة: بالتأنيث حال من هند، لكن "لقيتُ زيداً مصعداً منحدراً"، من المصعد ومن المنحدر؟ هذا محتمل، الجمهورُ على أن الحال الأولى للاسم الثاني، ما هو الاسم الثاني؟ المفعول به زيداً، والحال الثانية للأول، يعني: ليست على الترتيب، لقيتُ زيداً منحدراً, مُنحدِراً: حال من زيد، ومُصعِداً: حال من الفاعل، لماذا؟ قالوا: تخفيفاً للفساد الحاصل؛ لأنكَ لو جعلتَ الأولى للأول فصلتَ بين صاحب الحال والحال بأجنبي، وإذا جعلتَ الثانية للثاني فصلتَ بين الحال وصاحب الحال بالحال التي من الأول، لكن تخفيفاً لهذا الفساد نُعطي الأولى للاسم الثاني. إذن اتحدا. "زيداً منحدراً" هنا حصلَ اتصالُ الحالِ بصاحب الحال، ووقعَ الفصلُ بين الحال وصاحب الحال في الأولى، هذا أولى؛ تخفيف، ارتكابُ أدنى المفسدتين فنقول: هذا تخفيف بأن يُجعَل الحالُ الأولى للاسم الثاني والحال الثانية للاسم الأول؛ لئلا يفصلَ بين الأحوال.

إذن هذه ثلاث صور داخلة تحت قوله: وَغَيْرِ مُفْرَدِ أن يكونُ صاحب الحال متعدداً والحال مُجتمعة، "وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ". الثاني: أن يكون بتفريقٍ مع إيلاء كلٍّ منهما صاحبه، لقيتُ مُصعِداً زيداً مُنحدِراً، أن يكون بتفريق مع عدمِ إيلاء كلِّ منهما صاحبه، لقيت زيداً مصعداً منحدراً .. فيه خلاف، الصواب أن يُجعَل الحال الأول للثاني والحال الثاني للأول. قال الشارح: يجوزُ تعدّدُ الحال وصاحبها مُفرد أو مُتعدّد، فمثال الأول "جاء زيد راكباً ضاحكاً"، هنا الحال من زيد مُتعدّدة وهو راكب وضاحك، هذان معنيان مختلفان، "جاءَ زيدٌ راكباً ضاحكاً" حالان متعددان، وإذا قلتَ مثلاً: "اشتريتُ الرمان حلواً حامضاً"، حلواً: حال، وحامضاً: حال، في معنى واحد؟ نعم؛ حلواً حامضاً: هذا يُسمّونه المزّ عندهم، كأنك قلت: "اشتريتُ رماناً مُزّاً"، حينئذٍ صارَ في معنى واحد، أما (راكباً وضاحكاً) هذا نقول: حال مُتفرّقة في المعنى. فراكباً وضاحِكاً حالان من زيد والعامل فيهما جاءَ، وشرطُه أن لا يكونَ بطريق العطف، لا بدّ من التقيد، ومثالُ الثاني "لقيتُ هنداً مُصعداً مُنحدرةً"، هذا واضح أن الثاني حال من الثاني، ومُصعداً حال من الأول، فمُصعداً من التاء، ومُنحدرةً: حال من هند والعامل فيهما لقيتُ، ومنه قولُه: لَقِيَ ابْنِي أَخوَيه خَائِفَاً ... مُنجِدَيهِ فَأَصَابُوا مَغنَمَاً ابْنِي خَائِفَاً، أَخوَيه مُنجِدَيهِ، إذن خائفاً: حال من ابْنِي، ومُنجِدَيهِ: حال من أَخوَيه، فعندَ ظهورِ المعنى تُردّ كل حال إلى ما تليقُ به، وعندَ عدمِ ظهورِه يُجعَل أولُ الحالين لثاني الاسمين، وثانيهما لأول اسمين، لما ذكرناه من العلة السابقة. ففي قولك: لقيتُ زيداً مُصعِداً مُنحدِراً، مُصعِداً: حال من زيد، ومُنحدِراً: حال من التاء، وقيلَ: اجعلْ كلّ حالٍ بجانب صاحبه، "لقيتُ مُنحدراً زيداً مُصعداً"، هذا قول، والصواب ما ذكرناه أولاً؛ أنه يُجعل الأول للثاني والثاني للأول. نقفُ على هذا والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... !!!

66

عناصر الدرس * أنواع الحال من حيث التأكيد وعدمه * الأصل في الحال أن تكون مفردة وقد تكون جملة بشروط. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا ... فِي نَحْوِ لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ ... عَامِلُهَا وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ هذا شروع منه بعد أن أنهى الكلام على الحال المؤسسة, الحال عند النحاة على قسمين: حال مؤسسة, وحال مؤكِّدة. الحال المؤسِّسة هي الأصل, قالوا: وهي التي لا يُستفاد معناها بدونها؛ بدونها يعني إذا سقطت حينئذٍ سقط معناها الذي جيء به من أجلها, فإذا قيل: جاء زيد راكباً, راكباً هذه حال مبينة مؤسسة, لو حذفتها "جاء زيد" ما استفدنا المعنى الذي دلّت عليه "راكباً" من اللفظ بعد إسقاطها, "جاء زيد راكباً". هي التي لا يستفاد معناها بدونها, إذن لا بد من ذكرها, وهذه هي التي مضت من أول الباب إلى البيت الأخير السابق يتعلق بالحال المبينة وهي المؤسسة. والمؤكِّدة -وهي النوع الثاني- وهي التي شرعَ فيها الناظم هنا, وهي التي يُستفاد معناها بدونها, لأن التأكيد المراد به التقوية, والمؤكِّد والمؤكَّد الأصل يكون المؤكِّد زائداً على المؤكَّد, حينئذٍ لو أسقط المؤكِّد حينئذٍ دلّ المؤكَّد على المعنى الذي دلّ عليه المؤكِّد. إذن لم نستفد منها إلا مجرّد التقوية فحسب. وهي التي يُستفاد معناها بدونها, وهذه المؤكِّدة عند النحاة على ثلاثة أنحاء: مؤكِّدة لعاملها, ومؤكِّدة لصاحبها, ومؤكِّدة لمضمون الجملة, هذه ثلاثة أنواع وإن كان في بعضها نزاع. الأول: إما مؤكِّدة لعاملها, وهي كلّ وصف وافقَ عامله؛ إما معنى دون اللفظ، أو وافقه في اللفظ والمعنى معاً, يعني إذا جاءَ لفظ الحال موافقاً للعامل؛ إما أن يوافقَه في اللفظ والمعنى؛ وإما أن يوافقه في المعنى فحسب, كالمثال الذي ذكره الناظم هنا: (لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا). لاَ تَعْثَ: (لاَ) هذه ناهية, تَعْثَ: هذا فعل مضارع أصله تعثو, فِي الاَرْضِ: متعلّق به, مُفْسِدَا: هذا حال من الفاعل؛ لا تعث أنت مفسداً, نقول: عثى يعثو بمعنى أفسد, حينئذٍ مُفْسِدَا ما الذي زاده على المعنى؟ نقول: هذا معلوم من قوله: (لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ)؛ لأن لا تعث المراد به لا تفسد في الأرض, فمُفسداً نقول هذا أكَّد معنى عامل الحال, ووافقه في المعنى دون اللفظ. وقد تكون مؤكِّدة له وموافقة له في اللفظ والمعنى معاً, ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)) [النساء:79] أرسلناك رسولاً, رسولاً حال مؤكِّدة, مؤكِّدة لأي شيء؟ للعامل الذي هو وأرسلناك من لفظه ومعناه, لو أُسقط؛ وأرسلناك للناس: معلوم أنه أُرسِل للناس رسُولاً، ما دام أنه أُرسل حينئذٍ لزِمَ منه أن يكون رسولاً, إذن يُستفاد معناها بدونها.

إذن نقولُ: القسم الأول من المؤكِّدة، أن تؤكد عاملها، وهي كل وصف وافق عامله؛ إما معنى دون لفظ؛ كالمثال الذي ذكرَه الناظم: و (لاَ تَعْثَ فِي الأرضِ مُفْسِدَا).؛ لأن الإفساد والعثو بمعنى واحد, حينئذٍ وافَقَه في المعنى دون اللفظ, ((فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا)) [النمل:19] ضَاحِكاً حال مؤكِّدة لتبسَّم، لأنه معلوم منه إذ الابتسام نوع من الضحك, ((ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)) [التوبة:25] مُدْبِرِينَ: حال مؤكِّدة للعامل وَلَّيْتُمْ, ولى وأدبر بمعنى واحد, ولّى زيد يعني فرّ، وأدبرَ يعني فرّ, حينئذٍ اختلفا في المادة واتحدا في المعنى, أو معنىً ولفظاً نحو: ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)) [النساء:79] هذه مؤكدة لعاملها. أو مؤكِّدة لصاحبها، وهذه لم يذكرها الناظم, كقوله تعالى: ((لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)) [يونس:99] (مَنْ) صيغة عموم, فتدلُّ على كل الأفراد, لو لم يقل جَميِعاً لما أفادت الجمع؟ أفادت أم لا؟ لو لم يقل جميعاً في غير القرآن أفادت، لأنها لفظٌ يُفيدُ العموم فيَصدُق على كل الأفراد, فلما قالَ: جميعاً, "كلّ الناس جاءوا جميعاً" مثلاً, فنقول "جميعاً" هذا حال مؤكِّدة لصاحب الحال. وهنا ((لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)) (مَنْ) فاعل, (آمَنَ) فعلٌ ماضٍ, (كُلُّهُمْ) تأكيد لـ (ـمَنْ)، (جَمِيعًا) هذا منصوب على الحال. حينئذٍ نقول هذه مؤكِّدة لصاحبها. والثالث: مؤكِّدة لمضمون الجملة، وهي التي عناها بقوله: وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ. إذن قولُه: وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا مُراده القسم الأول من أنواع الحال المؤكدة، وهي ما أكَّدت عاملها سواء وافقته في اللفظ والمعنى ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)) [النساء:79]، أو وافقته في المعنى دون اللفظ. وَعَامِلُ الْحَالِ هذا مبتدأ, (عَامِلُ) مضاف و (الْحَالِ) مضاف إليه. بِهَا قَدْ أُكِّدَا، قد أُكِّد بها, (قَدْ) حرف تحقيق, (أُكِّدَا) الألف للإطلاق, (بِهَا) جار ومجرور متعلق بـ أُكِّدَا, هنا تقدّم معمول الفعل المؤكَّد, والأصل فيه المنع, لأن ما بعد (قد) الأصل لا يعملُ فيما قبلها, حينئذٍ (بِهَا) نقول متعلق بـ (أُكِّدَا) , والضمير يعود إلى عامل الحال. وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا أين الخبر؟ جملة قَدْ أُكِّدَا. فِي نَحْوِ هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: أُكِّدَا. فِي نَحْوِ قولك: (لاَ تَعْثَ فِي الأرضِ) هي في الأرض أصلُها, نُقلت حركةُ الهمزة إلى اللام في الَارض, ليس في الأَرض. (لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا): مُفْسِدَا هذا حال من الفاعل تَعْثَ, يقال: عثا يعثو عثواً, وعثا يعثى عثىً, يعني بالواو وبالألف المنقلِبة عن ياء. وذهبَ الفراء والمبرد والسهيلي إلى أن الحال لا تكونُ إلا مؤسِّسة, فالحالُ عندهم قسمٌ واحدٌ فحسب، وليست منقسمة إلى نوعين: مؤسِّسة ومؤكِّدة.

وأنكروا أن تكونَ مؤكِّدة لعاملها، وتأوَّلوا الأمثلة حتى جعلوها من أمثلة المؤسِّسة, حينئذٍ الحال عندهم قسم واحد فحسب، ليست مؤكِّدة, لأنها إنما جيء بها لبيان هيئة إما الفاعل وإما المفعول وإما المضاف إلى آخره, حينئذٍ ما دلَّ على بيان هيئة أو جيءَ للدلالة على الهيئة، فالأصلُ فيه أنه يكون مُفيداً لا يُستغنى عنه بدونه, يعني لا يمكن أن تُفيد الجملة بعد ذهاب الحال مثلما ولو وجدت الحال فيستويان .. هذا ليس عندهما, ولاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا، هذا مُؤوَّل حتى يجعلوها حالاً مؤسِّسة. ولم يتعرَّضوا لإنكار المؤكّدة لصاحبها لأنها مما ولَّدَه المتأخرون .. وليسوا بمتأخرين إنما هُم من المتقدمين, إذن: لم يُنكروا الحال المؤكِّدة لصاحبها؛ لأنها غير معروفة عند المتقدمين. وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا ... فِي نَحْوِ لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا تنقسمُ الحال إلى مؤكِّدة وغير مؤكِّدة, -هكذا قال الشارح-, فالمؤكِّدة على قسمين, وغير المؤكِّدة ما سوى القسمين, المؤكِّدة على قسمين هذا عندَ المتأخرين ليسَ مقبولاً، وإنما هي ثلاثة أقسام: فالقسمُ الأول من المؤكِّدة: ما أكَّدت عاملها، وهي المراد بهذا البيت, وهي كل وصف دلَّ على معنى عامله وخالفَه لفظاً، وهو الأكثر, أو وافقه لفظاً وهو دون الأول في الكثرة, مثالُ الأول: (لاَ تَعْثَ فِي الأَرْضِ مُفْسِدَا) , ومنه: ((ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)) ((وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) الإفساد والعثو بمعنى واحد. ومن الثاني قوله: ((وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا)) ((وَسَخَّرَ لَكُمُ)) ثم قال: ((مُسَخَّرَاتٍ)) هذا مما تعدَّد فيه صاحب الحال وجُمِعت الحال, أصلُه: سخَّرَ لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مُسخَّراً مُسخَّراً مُسخَّراً مُسخَّراً مُسخَّراً, هذا الأصل, فقيل: مُسَخَّرَاتٍ جُمِع هذا الأصل من باب الاختصار. وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ ... عَامِلُهَا وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ هذا هو القسم الثاني من الحال المؤكِّدة، وهي المؤكِّدة لمضمون الجملة يعني ما دلَّت عليه الجملة. وَإِنْ تُؤَكِّدْ الحال هي تؤكِّد .. تؤكَّد تؤكِّد. جُمْلَةً هذا مفعول به. فَمُضْمَرُ عَامِلُهَا فمُضمرٌ عاملُها, إذن تقعُ الحالُ هنا بعد جملة, واشتُرطَ في هذه الجملة أن يكون جزءاها معرفتين, وأن يكونا جامدين, وأن تكون جملة اسمية. وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً إذن ليسَ على إطلاق الجملة, وإن كانت الجملة تشملُ الجملةَ الفعلية والجملةَ الاسمية, لكن الجملة الفعلية هي التي عناها بقوله: وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا ... فِي نَحْوِ لاَ تَعْثَ فِي الاَرْضِ مُفْسِدَا

حينئذٍ اختصَّ قوله: وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ, وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً يعني: جملة اسمية؛ لأنها لو كانت فعلية لعملت في الحال, ولحاجت إلى تقدير محذوف, وهنا العامل محذوف, فالحال المؤكِّدة لمضمون الجملة هو من المواضع التي يجبُ فيها حذف عامل الحال, حينئذٍ وجبَ حذفُ عامل الحال, هذا يقتضي أن تكون الجملة ليست فعلية؛ لأنها لو كانت فعلية أو فيها ما فيه معنى الفعل لكان هو العامل في الحال, ولما احتجنا إلى تقدير محذوف ليكون هو الحال. إذن: وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ عَامِلُهَا الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، (إن)، فَمُضْمَرُ عَامِلُهَا, فَمُضْمَرُ هذا خبر مُقدَّم, عَامِلُهَا: مبتدأ مُؤخَّر, لماذا لا يجوزُ العكس؟ ماذا؟ ضمير, عاملها مضمر؟؟؟ , فَمُضْمَرُ نقول: هذا خبر مُقدَّم, عَامِلُهَا: مبتدأ مؤخَّر, كونه مضمر وجوباً, فَمُضْمَرُ عَامِلُهَا, كونه مُضمر وجوباً يعني: محذوفاً يدلُّ على أن الجملة هذه التي تؤكَّد بالحال كونها اسمية وليست فعلية لماذا؟ لأننا لو جعلناها فعلية وقدَّرنا أن فيها ما يعملُ عملَ الفعل لما احتجنا إلى عامل يكون محذوفاً, حينئذٍ تعيَّنَ أن يكونَ الفعل المذكور في الجملة السابقة وهي جملة فعلية أو ما فيه رائحةُ الفعل أن يكون هو العامل، لكن المسألة مفروضة فيما إذا لم يكن عاملاً، فحينئذٍ نجعلُ لها عامِلاً محذوفاً واجبَ الحذف, هذا دلّ على أنها جملة اسمية وليست بفعلية. جزءاها مَعرفتان، لا بدّ أن يكونَ المبتدأ والخبر معرفتين، لماذا؟ قالوا: هذا كذلك مأخوذ من كلام الناظم من تسميتها مؤكِّدة أو مؤكَّدة؛ لأن الشيء لا يُؤكَّد إلا إذا كان معلوماً، وإذا لم يكن معلوماً حينئذٍ لا يصح تأكيدُه, ولذلك سبقَ أن صاحبَ الحال يُشترَط فيه أن يكون معرفة أو ما هو قريب من المعرفة، وهو النكرة الذي جِيءَ بمسوِّغ معه ليصحّح كونه صاحب حال, حينئذٍ إذا لم تكن الجملة معروفة معلومة حينئذٍ لا تُؤكَّد، لأنه لا يؤكَّد إلا ما كان معروفاً معلوماً، فدلَّ على أن جزئي الجملة معرفتان. جامدان: وهذا الشرط الثالث؛ يعني كل منهما جامد ليس بمشتق؛ لأنه لو كان مُشتقاً لكان هو العامل, لو وُجد واحدٌ منهما المبتدأ أو الخبر اسم فاعل أو اسم مفعول, أو صفة مُشبَّهة حينئذٍ لكان هو العامل في الحال، ونحن فرضنا المسألة في جملة لا عاملَ فيها بحيث نجعلُ العامل محذوفاً واجبَ الحذف. جامدان: مأخوذ من كون الحال مؤكِّدة للجملة لأنه إذا كان أحدُ الجزأين مُشتقاً أو في حكمه كان عاملاً في الحال, فكانت مؤكِّدة لعاملها لا للجملة. إذن: يُشترَط في هذه الجملة التي تؤكَّد, وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً أي: اسمية .. جزءاها معرفتان جامدان, اسمية لأنه عنى بقوله: وَعَامِلُ الْحَالِ بِهَا قَدْ أُكِّدَا الجملة الفعلية، حينئذٍ لم يبقَ مُقابلاً لها إلا الاسمية، لأن ما أكَّد مضمون الجملة قسيم لما أكَّد عامل الجملة.

الحال المؤكِّدة لعاملها هذا قسم, والحال المؤكِّدة لمضمون الجملة هذا قسم, تعينَ في الأولى أن تكون فعلية, لأن الحال أكَّدت العامل, والعاملُ لا يكون إلا فعلاً أو ما فيه رائحة الفعل, هذه قسيمة لها، دلَّ على أنها اسمية, كذلك هما جامدان وجزءاهما معرفتان. وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً وإن تؤكِّد الحال هي، الضمير يعود على (الحال). جُمْلَةً عرفنا قوله جملة, هذا يُشترَط فيه أن تكون اسمية, جزءاها معرفتان جامدان, والتعليل كما سبق. فَمُضْمَرُعَامِلُهَا: يعني محذوف, عاملها محذوف. وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ: يعني لفظ الحال يُؤخَّر, هذا من المواضع التي ذكرناها في الست المسائل التي يجبُ فيها أن تكون الحال مُؤخَّرة عن عاملها أو عن صاحبها. وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ: وَلَفْظُهَا (الواو) هذه استئنافية, يعني: الجملة مُستأنفة أفادت حُكماً غير معلوم من السابق. وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ يعني لفظ الحال يُؤخَّر عن الجملة فلا يتقدَّم الجملة ولا يتوسَّط الجملة. وَلَفْظُهَا يُؤَخَّرُ عن الجملة وجوباً أيضاً، لضعف العامل؛ لأنَّ العاملَ ضعيف فيجبُ تأخيره عما هو كالعوض منه وهو الجملة, كأن الجملة عوض عن العامل حينئذٍ لا تتقدَّم الحال عليه. وأيضاً لأنها مؤكِّدة, حال مؤكِّدة, والمؤكِّد بعد المؤكَّد. قال الشارح: هذا هو القسمُ الثاني من الحال المؤكِّدة, وهي ما أَكدت مضمون الجملة, ما المرادُ بضمون الجملة؟ المُسند والمسند إليه, ما المراد بمضمون الجملة؟ يعني مدلول الجملة, ليسَ هو اللفظ "زيد أخوك", المراد كون زيد أخاك, مضمون الجملة مم نأخذه؟ إن كان الخبر مُشتقّاً حينئذٍ نظرنا في المصدر فأضفناهُ إلى اسمها, زيد قائم: قيام زيد, هذا مضمونُ الجملة, مضمونُ الجملة نأخذه كيف؟ نقول: ننظرُ في الخبر إن كان مُشتقاً حينئذٍ نظرنا إلى المصدر، نُضيفُهُ إلى المبتدأ، تقول: قيام زيد, هذا مضمونُ الجملة, وإذا كان غير مُشتقّ حينئذٍ نظرنا إلى الكون, نأتي بلفظِ الكون مَصدر كان، فنضيفهُ إلى الاسم، ثم نأتي بالخبر منصوباً على أنه خبرٌ للكون، "زيد أخوك", "زيد قائم" ليس واردًا معنا هنا؛ لأن الخبر مُشتقّ والكلام مفروض فيما إذا كان المبتدأ والخبر جامدين, حينئذٍ نقول: زيد أخوك, ما مضمون الجملة؟ كون زيد –انظر جئتَ به مُضافا إليه- "أخاك" جئتَ بالخبر منصوباً على أنه خبرٌ للكون, "كون زيدٍ أخاك" هو الذي تؤكِّده الحال, زيد أخوك. قال: وشرطُ الجملة أن تكون اسمية وجزءاها معرفتان جامدان, وعرفنا المأخذَ من كلام الناظم, هذه شروطٌ كلُّها مأخوذة من كلام الناظم، من قوله: جملةُ إلى آخر ما ذكرناه. نحو ماذا؟ زيد أخوك عَطوفاً, وأنا زيد معروفة, إذن "زيد أخوك" جملة اسمية جزءاها معرفتان, زيد معرفة وأخوك معرفة, وجامدان كذلك ليس فيهما ما هو فعل أو ما فيه رائحة الفعل, وأنا زيد (أنا) مُبتدأ وزيد خبر وهي جملة اسمية, معروفاً, فعطوفاً ومعروفاً حالان وهما منصوبان بفعل محذوف وجوباً, حينئذٍ نقولُ: عطوفاً هذا أكَّدَ مضمون الجملة لأنه وقعَ بعد جملة اسمية, جزءاهما معرفة وجامدان.

ومعروفاً كذلك نقولُ: مؤكِّد لمضمون الجملة, وهو أنا زيد, كون زيد أنا, وهما منصوبان حينئذٍ العامل فيهما محذوف. قال: فَمُضْمَرُعَامِلُهَا إذن لا بدَّ أن يكون العاملُ محذوفاً، وحكمُ الحذفِ هنا الإيجاب, وهنا تأخَّرت الحالُ؛ لم تسبقها الجملة. لا يصح أن يقال: عطوفًا زيد أخوك، ولا يقال: زيد عطوفاً أخوك, لماذا لا يصحُّ؟ لضعفِ العامل, وهما منصوبان بفعل محذوف وجوباً، والتقدير في الأول: زيد أخوك أُحِقه عطوفاً, والثاني أحقّ معروفاً لأنه اسم مفعول، الأول عطوف فعول، والثاني معروف، حينئذٍ نأتي بلفظ أُحِقه معروفاً عطوفاً، فجعلنا العاملَ محذوفا, ولا يجوزُ تقديم هذه الحال على هذه الجملة، فلا تقول: "عطوفاً زيد أخوك" ولا "معروفاً أنا زيد", ولا توسِّطها بين المبتدأ والخبر لئلا يتقدَّمَ المؤكِّد على المؤ كَّد، وإن لم يقولوا ذلك في المفرد، في المفرد لم يقولوا بهذا, لكن لما كانت الحال المؤكدة الضعيفة من حيث القبول هل هي موجودة أم لا؟ ومن حيث الفائدة, ومن حيث صدقِ حدِّ الحال عليها، حينئذٍ وُجِد فيها ضعف, فعُوملت مُعاملة العامل الضعيف, فلم يتصرَّف فيها كما تُصُرِّف في الحال المبيِّنَة. إذن: وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ عَامِلُهَا أي: عاملُ الحالِ محذوف وجوباً, ولفظُها أي لفظُ الحال يُؤَخَّر عن الجملة وجوباً, فلا يجوزُ أن يتقدَّمَ على الجملة, ولا يجوزُ أن يتوسَّط بينهما. ثم قال رحمه الله: وَمَوْضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ ... كَجَاءَ زَيْدٌ وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ تجيءُ جملةٌ موضعَ الحال. الحال قد يقعُ اسماً مفرداً، وهذا هو الأصل, ولذلك قلنا الحال وصفٌ صريحٌ ومؤوّلٌ بالصريح يشملُ النوعين؛ لماذا؟ صريح هذا واضح, جاء زيد ضاحِكاً, ومؤوّل بالصريح؛ لأنّ من الحال ما يكون جملةً، سواء كان جملة اسمية أو جملة فعلية, وما يكون ظرفاً, وما يكون جارّاً ومجروراً, فهذه أربعة أنواع أو ثلاث, كلُّها تأتي موضع الحال فتفيدُ ما أفادته الحالُ حينئذٍ تكونُ في موضع نصبِ في الجملة, ويكونُ الظرفُ والجارُّ والمجرور مُتعلّقينِ بمحذوف واجبِ الحذف؛ إما أن يكونَ اسماً وإما أن يكون فعلاً، يجوزُ تقديرُه بفعل استقرّ، ويجوزُ تقديره بمستقرّ. حينئذٍ نقولُ الحال يأتي اسماً مفرداً وظرفاً وجاراً ومجروراً وجملةً؛ كما نصَّ الناظم هنا عليه, وترَكَ الظرفَ ولم يُنبِّه عليه لعلّه إحالة إلى الخبر؛ لأنّ الحالَ هنا أشبهُ ما يكون بالخبر, فكما أن الخبرَ يأتي مُفرداً ويأتي جُملة, وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ, كما قالوا: وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أوْ بِحَرْفِ جَرْ, هذا مثلُهُ في الحكم, رأيتُ الهلالَ بينَ السحاب, رأيتُ: فعل وفاعل, والهلالَ: مفعول به, بينَ السحاب: هذا ظرف مكان مُتعلِّق بمحذوف حال تقديرُهُ استقرّ, جملة فعلية أو مُستقرّاً بالنصب؛ إذا قدَّرته مُفرداً تأتي به منصوباً، كأنه قال: رأيتُ الهلالَ مُستقرّاً بينَ السحاب.

وجارّاً ومجروراً: ((فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)) [القصص:79] استقرَّ في زينته, مُستقِرّاً في زينته, كائناً في زينته, ثبتَ؛ حصلَ في زينته, إذن في زينته: نقول هذا حال وقعَ جارّاً ومجروراً, ويَتعلّقان بمستقرِّ أو استقرَّ محذوفينِ وجوباً, وجملةُ سواء كان جملة اسمية أو جملة فعلية، ولذلك قال: وَمَوْضِعَ الْحَالِ موضعَ هذا منصوب على الظرفية المكانية, وهو على غير القياس, مَوضع مضاف والحال مضاف إليه, والعامل فيه تجيءُ, وتجيءُ: فعل مضارع, وجملةُ: فاعل, تجيء جملة موضعَ الحال, حينئذٍ تكونُ في محلِّ نصب, لأن الحالَ منصوبة وكذلك ما جاء في موضع الحال يكون منصوباً، لكن إعراب المفرد يكونُ لفظاً ظاهراً أو مُقدّراً. وأما إعرابُ الجملةِ فيكون محليّاً. إعرابُ الجمل والمبنيات نقول هذا محليٌّ. ويُشترَط في الجملة التي يصحُّ وقوعها حالا كونها خبرية, حينئذٍ لا يصحُّ إيقاع الجملة الطلبية ولا الإنشائية بموضع الحال, وهم حملوا الحال على باب الخبر والنعت, فهما مُشتبهين, فاشترطوا كونها خبرية تغليباً لشبهه بالنعت, تغليباً لشبه الحال بالنعت, سيأتي في النعت هنا: وَامْنَعْ هُنَا إيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ. أي: ذات الطلب لا تصحُّ بخلاف الخبر, الخبر سبقَ معنا أنه يصحُّ أن يقال: زيدٌ اضربه, على الصحيح, يصحُّ أن تقع الجملة الطلبية خبراً لمبتدأ, زيد: مُبتدأ, اضربه: جملة طلبية يصحُّ أن تكون خبراً على المبتدأ، لكن في النعت لا يصح. وامنع هنا -في النعت– هنا نصَّ على باب النعت, وامنع هنا إيقاع ذات الطلب, فإذا جاء حينئذٍ يُضمر فيها القول, هنا اشترطوا أن تكون خبرية تغليباً لشبه الحال بالنعت في كونه قيداً مخصّصاً على شبهه بالخبر في كونه محكوماً به. هذا من دقّة النحاة؛ لأن النعت مُخصّص, كما أن الحال مُخصِّص، والخبر محكوم به فحسب، ليس فيه فائدة الاختصاص, يعني: لا ينفى مدلولَ الخبر عن غير المبتدأ، زيد قائم: أثبتنا القيام لزيد, ليسَ فيه تخصيص, عمرو؛ خالد قد يكونُ قائماً بخلاف النعت، فالأصل فيه أن يكونَ النعتُ للاحتراز؛ جاء زيد العالم, العالم الأصل أنه احتراز عن غير العالم, فهو فيه تخصيص, الحال أيُّهما أقربُ إلى الخبر في كونه محكوماً به فحسب أو كونه فيه نوع تخصيص؟ لاشكّ أنه الثاني, فلذلك أُلحقت بالنعت في هذا المقام؛ فاشتُرطَ في الجملة أن تكون خبرية لا طلبية ولا إنشائية, وحينئذٍ يمتنعُ إيقاعُ الطلبية حالاً؛ كما يمتنعُ إيقاع الإنشائية حالاً فلا يصحّ, وما جاء من ذلك مؤول كما قال ابن هشام في الأوضح وغيره. إذن: وَمَوْضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ خبرية يُقيدها, فخرجت بها الإنشائية والطلبية. الشرط الثاني: أن تكون غير مُصدَّرة بدليل استقبال, دليل الاستقبال مثل: (لن) و (السين) و (سوف)؛ نقول هذه لا تدخلُ على الجملة الخبرية، لأن الجملة الخبرية قد تكون مُصدّرة بذلك.

الثالث: أن تكون مُرتبطة؛ يعني لا بدّ من رابط كالجملة الخبرية والنعتية, الحكم واحد, الجملة في النعت لا تقعُ نعتاً إلا برابط, والجملة في الخبر لا تقع خبراً إلا برابط, وهنا الرابط إما أن يكون الواو والضمير معاً, بالواو والضمير معاً, فالواو واو الحال, واو الابتداء والضمير، ومرجعُ الضمير يكون عائداً على صاحب الحال ((خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ)) [البقرة:243] خرجوا وهم ألوف, الواو واو الحال, هم ألوف: مبتدأ وخبر, الضمير الذي وقعَ عُمدة وهو المبتدأ، هذا رابط أيضاً يعود على صاحب الحال, خرجوا الواو, وهم ألوف: الجملة حالية وهي جملة اسمية خبرية، والرابط بين صاحب الحال هو الواو في خرجوا وبين الحال في الجملة نفسِها -اثنان: الواو نفسها واو الحال وهي رابط, وكذلك الضمير الذي هو المبتدأ. إذن: أن تكون مُرتبطة إما بالواو والضمير معاً, يجتمعان معاً في جملة واحدة, أو بالضمير فقط, نحو: ((اهْبِطُوا ... بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)) أي: مُتعادين, اهبطوا: الواو صاحب الحال, بعضكم: الكاف هي مردّها الواو بالمعنى، حينئذٍ نقول: الرابط هنا في " بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ " هذه جملة إسمية الرابط فيها الكاف بَعْضُكُمْ .. الضمير فقط, لم تأتِ الواو هنا, حينئذٍ نقول: اكتُفيَ بالضمير عن الواو، لأن الواو رابط مُستقلّ، والضمير رابط مُستقل, فإذا وُجدت الواو اكتفينا بها عن الضمير، والعكس بالعكس, وإذا اجتمعا حينئذٍ نقول اجتمع فيه رابطان. أو بالواو فقط دون الضمير ((لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ)) [يوسف:14] "نَحْنُ عُصْبَةٌ" مبتدأ وخبر، والجملة في محل نصب حال, أين الرابط؟ الواو فحسب. إذن: يُشترَط في هذه الجملة التي يصحّ إيقاعُها حالاً ثلاثةُ شروط, وهي: أن تكونَ خبرية, أن تكون غير مُصدَّرة بدليل استقبال؛ أي حرف يدلَّ على الاستقبال؛ (أن) المصدرية أو (لن) أو (سوف) أو (السين) نقول هذه كلها ممنوع. ولذلك امتنعَ ((فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)) [الزخرف:27] , " سَيَهْدِينِ" بعضهم أعربها حال, نقول هذا ممتنع؛ لماذا؟ لكونها مُصدّرة بـ (السين). زاد بعضهم أن لا تكون جملة الحال تعجبية, جاء زيد أكرم به؛ لا يصح, لأن ثَم نزاعا؛ هل التعجبية خبرية أم إنشائية؟ إن كانت إنشائية فالحمد لله, نحن نقول: نشترط فيها الخبرية, إن كانت خبرية حينئذٍ لا بُدّ من استثنائها, فنقول خبرية بشرط أن لا تكون تعجبية. قال: وَمَوْضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ كَجَاءَ زَيْدٌ كقولك: جَاءَ زَيْدٌ, الكاف داخلة على مقول محذوف, كقولك: جاء زيد, جَاءَ: فعل ماضي مبني على الفتح؛ لا محل من الإعراب, ما معنى لا محل له من الإعراب؟ ليسَ فاعلاً ولا مبتدأً ولا مفعولاً إلى آخره, جميع المحالِّ ننفيها عن الفعل الماضي, زَيْدٌ: فاعل مرفوع بـ جَاءَ، ورفعه الضمة الظاهرة على آخره، وَهْوَ بإسكان الهاء لغة, الواو واو الحال, تُسمّى واو الابتداء؛ لأنها أكثر ما تدخلُ على المبتدأ. وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ, وَهْوَ: مبتدأ, نَاوٍ: خبر, نَاوٍ مكسور؛ كيف يكون خبراً؟ وَرَفَعُوا مُبْتَدَأً بالاِبْتِدَا ... كَذَاكَ رَفْعُ خَبَرٍ بِالْمُبْتَدَا

كيف يكون مجروراً بالكسرة؟ ناويٌ, إذن هذا منقوص: ونَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا تَقُولُ هَذَا مُشتَرٍ مُخَادِعُ ... فَِي رَفعِهِ وَجَرِّهِ خُصُوصَا وَافزَعْ إِلى حَامٍ حِمَاهُ مَانِعُ إذن: نَاوٍ أصله ناويٌ, قاضيٌ, استُثقلت الضمة على الياء فحُذفت, صارَ ناوي، ثم نُوِّن لأنه مُنكّر وهو واجب التنكير فالتقى ساكنان, حُذفت الياء للتخلُّص من التقاء الساكنين, صار نَاوٍ. إذن: نَاوٍ خبر مرفوع، ورفعه ضمّة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين, إذن: نَاوٍ خبر مرفوع، ورفعه ضمّة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلُّص من التقاء الساكنين. رِحْلَهْ: مفعول به لناوٍ لأنه اسم فاعل, إذن: كما تجيءُ موضع الخبر والنعت جملة، كذلك تتأتي في باب الحال, الأصلُ في الحال والخبر والصفة الإفراد لا شكّ في هذا, الأصلُ فيها الإفراد سواء كان في باب الخبر أو في باب النعت أو في باب الحال, الأصلُ أن تكون الحالُ مفردة (ضاحكاً). ولذلك إذا جاءت جملة نقول: في محلّ نصب حال, ثم نؤوّلها؛ إن أمكنَ تأويلها رددناها إلى الوصف, فإن لم يمكن تُترك كما هي، ويقال: في محلّ نصب حال, وتقع الجملة موقع الحال كما تقع موقع الخبر والصفة، ولا بد فيها من رابط وهو في الحالية إما ضمير, ومرجع الضمير صاحب الحال, هناك المبتدأ والنعت على المنعوت .. والحال أن يشتملَ على ضمير يعود على صاحب الحال, نحو: جاء زيد يده على رأسه, جاء زيد: فعل وفاعل, يده على رأسه: يده مبتدأ, وعلى رأسه خبر, والجملةُ في محلّ نصب حال, وهي جملة اسمية خبرية لم تُصدَّر بعلامة استقبال, ومشتملة على رابط, وهو المضاف إليه, يده: يعني: يد زيد, هذا رابط بين الجملة الحالية وصاحب الحال. أو واو وتُسمّى واو الحال وواو الابتداء, وعلامتها يعني واو الحال وواو الابتداء صحةُ وقوع (إذ) موقعها, إذا صحَّ أن يُؤتى بـ (إذ) موقع الواو حينئذٍ قلنا هذه واو الحال, وكذلك إذا أفهمَت الجملةُ كشفاً لهيئة حينئذٍ قلنا أفادت ما أفادَه المفرد, ولذلك علامة واو الحال أن يصحّ محلها (إذ)؛ يعني من حيث معنى (إذ)؛ ليس المراد أنها مرادفة أن تُفسَّر بمعنى (إذ) , وإنما (إذ) لها علاقة بما قبلها. سيأتي هذا معنا. جاء زيد وعمرو قائم, جاء زيد إذ عمرو قائم, أو الضمير والواو معاً: جَاءَ زَيْدٌ وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ. وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ ثَبَتْ ... حَوَتْ ضَمِيراً وَمِنَ الْوَاوِ خَلَتْ وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَا ... لَهُ الْمُضَارِعَ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ ثَبَتْ ... ... حَوَتْ ضَمِيراً وَمِنَ الْوَاوِ خَلَتْ هذا كالاستثناء أو التفصيل لما سبقَ: وَمَوْضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ لا بدَّ من رابط, إما واو، وأما ضمير، وإما هما معاً. بعضُ الجملِ لا يصحُّ إدخال الواو عليها, يجبُ تجريدها من الواو, ذكرَ مسألة واحدة، وهي أكثر من هذا؛ هي ست مسائل أو سبع, ذكر واحدة منها وقال: وَذَاتُ بَدْءٍ ذات يعني جملة فعلية وقعت حالاً ذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ يعني: مفتتحة بفعل مضارع. ثَبَتْ يعني: مُثبت لا منفي. ذَاتُ بَدْءٍ يعني: صاحبة ابتداء, ذَاتُ: مبتدأ وهو مضاف, وبَدْءٍ: مضاف إليه.

بِمُضَارِعٍ: بدء بمضارع مُتعلّق ببدء. ثَبَتْ: الجملة نعت لمضارع. حَوَتْ ضَمِيرَاً يعني: اشتملَت على رابطٍ هو الضمير, دون الواو ولا تدخل عليها الواو، بل يمتنع إدخال الواو على جملة حالية مفتتحة بمضارع مُثبت لا منفي, ولذلك قال: ومِنَ الْواوِ خَلَتْ وجوباً, ومن الواو خَلَت, خَلَت من الواو, من الواو مُتعلّق بقوله: خَلَت .. وجوباً. إذن: ذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ نقول: الحكمُ هنا مُعلَّق بالجملة الحالية إذا وقعت فعلاً مضارعاً مثبتاً؛ حينئذٍ تربط بالضمير دون الواو مثل: جاء زيد يضحكُ, جاء: فعل ماضي, وزيد: فاعل وهو صاحب الحال, (يضحك) هذه جملة، وَمَوْضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَهْ, وقعَت الجملة هنا يضحك فعل وفاعل, والضميرُ مُستتر تقديره هو يعودُ على زيد, جاء زيد يضحكُ, هل يصحَّ أن يُقال: جاء زيد ويضحك؟ نقول الجواب: لا, لماذا؟ لأنهم استثنوا الجملة المضارعية المثبتة يعني: الذي لم يتقدَّم على الفعل المضارع حرف نفي, حينئذٍ نكتفي برابط واحد وهو الضمير، ولذلك قال: حَوَتْ ضَمِيرَاً يربطها بصاحبها. ومِنَ الْواوِ خَلَتْ وجوباً، لماذا؟ قالوا: لشبهه باسم الفاعل, أشبهَ الفعلُ المضارع المثبت اسم الفاعل, واسمُ الفاعل مفردٌ، والمفرد لا تدخل عليه الواو: جاء زيد ضاحكاً, جاء زيد يضحكُ, يضحك أشبهَ ضاحكاً, وضاحكاً لا تدخل عليه الواو، وإنما يُكتفى بالضمير؛ لأن ضاحِكاً فيه ضميرٌ يعود إلى صاحب الحال. لشبهه باسم الفاعل بخلاف الماضي فليس شبهه به شديداً, لأنه وإن أشبههُ في وقوعه صلة وصفة وحالاً؛ يزيد المضارع بكونه على حركاته وسكناته, وكالماضي في الجملة الاسمية. أما الجملة الاسمية والجملة الفعلية المفتتحة بالماضي أو المضارع المنفي هذا سيأتي تفصيله معنا, الجملة الاسمية يصحُّ أن تقترنَ بالرابطين كما ذكرناه, يدُه على رأسه, ويده على رأسه, يجوزُ فيه الوجهان. وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ جازَ فيه الوجهان, وهنا وجبَ تجريدها من الواو لأن المضارع أشبهَ اسم الفاعل واسم الفاعل إذا وقع حالاً لا تقترن به الواو. وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَا ... لَهُ الْمُضَارِعَ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَا يعني: إذا جاءَ في لسان العرب ما ظاهرُهُ أنه مخالف للبيت الأول قررنا القاعدة أنه في لسان العرب ما إذا كانت الحال جملة فعلية مُفتتحة بمضارع مُثبت لا تدخل عليه الواو, لو جاءَ في لسان العرب ما ظاهرُه كذلك, مثل ماذا؟ قمت وأصُكُّ عينه, أصكُّ هذا فعل مضارع والجملة حالية تقدّمت عليها الواو. قال: وَذَاتُ وَاوٍ يعني: ما سُمع من لسان العرب في الجملة السابقة صاحبة واو. انْوِ بعدها. مُبْتَدَا بعد الواو, وأصكُّ: وأنا أصكُّ, إذن ظاهرُها أنها جملة فعلية بالتقدير: جعلناها جملة اسمية فصحَّ دخول الواو عليها, إذن هذا فيه تأويلٌ للجملة الظاهرة التي وقعت بعد الواو نجعلها جملة اسمية, وأنا أصكُّ عينه. وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا بعد الواو.

انْوِ مُبْتَدَا لَهُ الْمُضَارِعَ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا اجعلن المضارعَ له مسنداً يعني خبراً, حينئذٍ وأنا أصكُّ نقول: أصكَّ هذه جملة في محل رفع خبر المبتدأ, أين المبتدأ؟ قدَّرناه، (أنا) لماذا؟ لنجعلَ هذا الظاهر الممنوع في لسان العرب مُوافِقاً للسان العرب, لأنه في الظاهر أنه ممنوع لأنه دخلت الواو على فعل مضارع مُثبت وواو الحال لا تدخُلُ على فعل مضارع مُثبَت, حينئذٍ لا بدّ من التأويل, ما هو التأويل؟ نقولُ هنا نُقدِّر مبتدأ محذوفاً هذا المضارع الذي تلى الواو نجعله مُسنداً يعني خبراً للمبتدأ المحذوف, تقول: قمتُ وأصكُّ عينه يعني وأنا أصكُّ عينه, إذن لا إشكالَ فيها, صارت الجملة خالصة, ومما جاء به لسان العرب. وَذَاتُ وَاوٍ هذا مبتدأ. بَعْدَهَا الضمير يعودُ على الواو. انْوِ بعدَها, بعدَ هذا منصوب بـ (انو)؛ انوِ بعدها. مُبْتَدَا هذا مفعول لـ (انْوِ). الْمُضَارِعَ اجْعَلَنَّ: اجْعَلَنَّ هذا فعل أمر مُؤكَّد بالنون, الْمُضَارِعَ: مفعول أول لـ (اجْعَلَ). مُسْنَدَا يعني: خبراً له مسنداً، اجعلن المضارع مُسنداً له, له يعني للاسم المحذوف الذي هو المبتدأ. َذَاتُ بَدْءٍ: ذَاتُ هذا مبتدأ, خبره جملة (انْوِ)، والرابط محذوف أي: انوِ فيها والضمير في بَعْدَهَا عائد على الواو. وَذَاتُ وَاوٍ بَعْدَهَا انْوِ مُبْتَدَا ... لَهُ الْمُضَارِعَ اجْعَلَنَّ مُسْنَدَا أي: إذا جاءَ من لسان العرب ما ظاهرُهُ أن جملة الحال المصدَّرة بمضارع مُثبت تلت الواو حُمِل على أن المضارع خبر مبتدأ محذوف، وحينئذٍ تخلَّصنا من المحظور. الجملة الواقعة حالاً إن صُدِّرت بمضارع مُثبت لم يجز أن تقترنَ بالواو، بل لا تُربط إلا بالضمير, وهذا يكادُ يكون محلَّ وفاق, جاء زيد يضحك, يضحك الجملة حالية, والفعل المضارع مُثبت ولم تقترن بالواو, جاء عمرو تُقاد الجنائبُ بين يديه, تُقادُ: فعل مضارع وقع حالاً حينئذٍ لم تدخل عليه الواو, ولا يجوزُ دخول الواو, فلا تقول: جاء زيد ويضحك, لما ذكرناه من كون يضحكُ هذا مُشبه لاسم الفاعل, فإن جاءَ من لسان العرب ما ظاهرُه .. ؟؟؟ أُوِّل على إضمار مُبتدأ بعد الواو، ويكون المضارع خبراً عن ذلك المبتدأ، وذلك نحو قولهم: قمتُ وأصكُّ عينه, يعني: وأنا أصك عينه. فَلَمَّا خَشِيتُ أظَافِيرَهُمْ ... نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكَا وأنا أرهنهم مالكاً؛ إذن كم شرطاً ذكر لهذه الجملة التي لا يصحُّ أن تقع بعد الواو؟ أولاً: كونها فعلاً مضارعاً. ثانياً: كونه مُثبتاً. بقيَ عليه شرطان: الأول: يمكن أخذُهُ من قوله: وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ وهو كونه أن لا يتقدَّمَ عليه معمول من معمولات الفعل المضارع, فإن تقدَّمَ عليه جازَ اقترانه بالواو. وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ يمكن نأخذُ منه شرطا ثالثا, فإن بدأتَ بمعمول المضارع جازَ الربط بالواو, ولذلك قيل: ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5] أعربها البيضاوي حالاً, ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) [الفاتحة:5] إياك نعبد ونستعين قيلَ حال, ولما تقدَّم إياك وهو معمول نستعينُ جاز ربطها بالواو .. على قول.

الرابع: أن لا تقترن بـ (قد)، هذه الجملة لا تقترن بـ (قد)، فإن اقترنت بـ (قد) حينئذٍ دخلت عليها الواو, ((لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ)) [الصف:5] وَقَدْ تَعْلَمُونَ, إذن: دخلت الواو هنا على الجملة, دخلت الواو على الجملة لماذا؟ لكون الفعل هنا صُدِّر بـ (قد)، ويمكن أخذُهُ من كلام الناظم أيضاً: ذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ مُطلقاً لا يسبقه أيُّ حرفٍ؛ لا تحقيق ولا نفي، فيعمُّ ذا وذاك. فقوله: ثَبَتْ لأن المنفي إنما يكون بحرف يدلُّ على النفي؛ إما (لم) و (لما) و (لن) إلى آخره, و (لن) هذا لا يُتصوّر هنا. وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ ثَبَتْ إذن يمكن أخذُ الشروطِ الأربعة من كلام الناظم صرَّحَ بالمضارع، وصرَّحَ بكونه مُثبتاً غيرَ منفي, وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ: مفهومُه إن بدأت بمعمول المضارع دخلت عليه الواو, وهذا واضح بيَّنٌ, كذلك وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارِعٍ، فإن بدأت بحرف ولو لم يكن نفياً كـ (قد) حينئذٍ نقولُ الأصل فيها دخول الواو, إذن هذه مسألة من المسائل التي لا تدخل الواو على الجملة الفعلية. ومنها أن الجملة المضارعية المنفية بـ (لا) كذلك مثلها، يعني يُمنع من اتصال الواو بها؛ فلا تدخل عليها الواو, ((مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)) [النمل:20] لا أَرَى الْهُدْهُدَ, أرى: فعل مضارع ودخلت عليه (لا)، فهو منفي بـ (لا)، لا يصح دخول الواو عليه, إذن ليس خاصّاً بما ذكره الناظم, بل ثَم سبع مسائل يكاد يكون فيها اتفاق بين النحاة أنه لا تدخل الواو على الجملة. الثالث: أن يكون المضارع منفياً بـ (ما) .. موجودة في حاشية ابن عقيل: عَهْدْتُكَ مَا تَصْبُو وَفِيكَ شَبيبةٌ ... فَما لَكَ بَعْدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّما؟ عَهْدْتُكَ مَا تَصْبُو, (ما) نافية, وتصبو: فعل مضارع, والجملة هنا حال, لا يصحُّ دخول الواو عليه؛ لأن هذا الفعل مُصدّر بنفي وهو (ما). رابعاً: الجملة المعطوفة على حال قبلها, ((فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)) [الأعراف:4] هم قائلون الجملة حال, معطوفة على حال سابق, وهي بياتاً, جاءها بأسنا بياتاً, بياتاً حال, أو هم قائلون, هم: مبتدأ, وقائلون خبر, والجملة في محلِّ نصب حال معطوفة على حال, لا يصحُّ دخول الواو على هذه الجملة لما ذكرناه. خامساً: الجملة المؤكدة لمضمون جملة قبلها .. الذي ذكرناه سابقاً ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ)) [البقرة:2] على قولِ لأن لا ريبَ حال مؤكِّدة لمضمون الجملة ((ذَلِكَ الْكِتَابُ)) [البقرة:2] هذا في بعض الأعاريب. سادساً: الجملة التي تقع بعد (إلا)؛ سواء كانت جملة اسمية أو فعلية, ((يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)) [يس:30] لا يصحّ (إلا وكانوا) , وقد وردَ ذلك شذوذاً في بعض الكلام. سابعاً: الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ مسبوق بـ (أو) العاطفة, لأضربنه حضر أو غاب, نقول هذه جملة فعلية فعلها ماضي مسبوق بـ (أو) العاطفة: حضر أو غاب, وعبَّرَ عنها ابنُ هشام الماضي المتلو بـ (أو). إذن: هذه سبعُ مسائل يمتنعُ فيها دخول الواو على الجملة الحالية. ثم قال رحمه الله:

وَجُمْلَةُ الْحَاَلِ سِوَى مَا قُدِّمَا ... بِوَاوٍ اوْ بِمُضْمَرٍ أَوْ بِهِمَا هذا من الأبيات المشكلة في الألفية. وَجُمْلَةُ الْحاَلِ سِوَى مَا قُدِّمَا ما هو سِوَى مَا قُدِّمَا؟ ماذا قدَّمَ هو؟ قدَّمَ مسألة واحدة وهي المُفتتحة بالمضارع المُثبت, ما سواها: أنت مخيَّرٌ بينَ أن تصلَها بالواو فقط أو بالمضمر فقط أو بهما معاً، وهذا يشملُ السبع المسائل أو الست المسائل التي زدناها على كلام الناظم, لكن قيلَ لأن الأكثر في لسان العرب هو ما تدخل الواو على الجملة الحالية لم يعتبر ذاك المخالف يعني تنزيلاً للأكثر مَنزلة الكل, كأنه قال: سِوَى مَا قُدِّمَا هذا استثناء، والاستثناء معيار العموم، فدَلَّ على أن كل ما عدا المسألة التي ذكرها المفتتحة بالمضارع المُثبت أنت مخيَّرٌ بين هذه الروابط, والصواب لا بد من التفصيل. وَجُمْلَةُ الْحاَلِ سواء كانت فعلية أو اسمية. سِوَى هذا منصوب على الاستثناء على رأي الناظم خلافاً لسيبوية, وعلى مذهب سيبوية منصوب على الظرفية. سِوَى مَا قُدِّمَا، مَا قُدِّمَا الألف هذه للأطلاق, ما قُدّما (ما) واقعة على الجملة التي تقع حالاً. بِوَاوٍ: وجملة الحال بواو, جملة الحال مبتدأ, بواو جار ومجرور متعلِّق بمحذوف, لكن هنا هل نجعلُ المحذوف كوناً مطلقاً أو خاصاً؟ لو جعلناهُ كوناً مطلقاً ما حصلَ فيه المعنى الذي يُراد .. وَجُمْلَةُ الْحاَلِ سِوَى مَا قُدِّمَا كائنة بواوٍ؟ لا, ليس المراد هذا, حينئذٍ نقولُ: مُتعلّق بمحذوف وليس كوناً مطلقاً، بل نُقدِّره إما مستعملا أو جاء بواو وحُذِفَ للعلم به, لأن السياق يدلُّ عليه, السياقُ يدلُّ على أن مُتعلّق الخبر هنا خاصّ وليس بعام؛ إذ لو كان عاماً لما فُهِم المعنى المراد. بِوَاوٍ نقول: هذا خبر، وتُسمّى واو الحال وواو الابتداء؛ لأنها تدخلُ كثيراً على المبتدأ وإن لم تلزمه؛ ليست بلازمة له أو لوقوعها في ابتداء الحال, وقدَّرها سيبوية والأقدمون بـ (إذ) السابقة .. ذكرَها ابن عقيل, ولا يُريدون أنها بمعناها؛ إذ لا يُرادِف الحرفُ الاسم, الحرفُ لا يُرادِف الاسم، إذا قيل الواو هذه بمعنى (إذ)؛ (إذ) تدل على الزمن الماضي، ليس المراد أن (الواو) تدلُّ على ما دلّت عليه (إذ)، لأن الحرفَ ليس فيه معنى في الأصل، و (إذ) هذا اسم كلمة دلَّت على معنى في نفسها, والحرفُ كلمة دلّت على معنى في غيرها, بل إنها وما بعدها قَيدٌ للعامل السابق، كما أن (إذ) تدلُّ على أن ما بعدها .. لإنها مُلازمة للإضافة, أن ما بعدها قيدٌ للعامل السابق مثلها واو الابتداء, جَاءَ زَيْدٌ وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَهْ, ما بعدَها مُرتبِط بما قبلها وهو العامل, كذلك (إذ) تدلُّ على أن ما بعدَها مُرتبِط بما قبلها, فالتشبيهُ حينئذٍ في الوظيفة .. في العمل فحسب، وليس في المعنى. وَجُمْلَةُ الْحاَلِ سِوَى مَا قُدِّمَا بِوَاوٍ قلنا هذا الخبر مُتعلِّق بمحذوف وهو كون خاص. (أَوْ) للتخيير، بِوَاوٍ اوْ بإسقاط الهمزة طبعاً. بِوَاوٍ اوْ بِمُضْمَرٍ: أَوْ للتخيير يعني أنت مُخيَّر بين الواو فقط، أَوْ بِمُضْمَرٍ يعني بالضمير فقط, ومرجعُهُ يكون إلى صاحب الحال. أَوْ أيضاً للتخيير.

بِهِمَا معاً, أن تقرنَ بين الواو والضمير. قالَ ابن عقيل: الجملة الحالية إمّا أن تكون اسمية أو فعلية, والفعليةُ إما مُفتتحة بمضارع أو بماض أو بأمر .. الجملةُ الفعليةُ إما أن تكونَ مفتتحة بمضارع أو بماضٍ أو أمر, لأنها جملة فعلية, لا تكون خبرية, الجملة إذا وقعت فعلَ أمرٍ لا تكون حالاً لأنه يُشترَط فيها أن تكون جملة خبرية لا إنشائية ولا طلبية. وكلّ واحد من هذه الأقسام: المضارع والماضي والاسمية؛ إما أن يكون مثبتاً، وإما أن يكون منفياً, وقد تقدَّمَ أنه إذا صُدِّرت الجملة بمضارع مُثبت لا تصحبها الواو, وزِد عليه المسائل التي ذكرناها, بل لا ترتبطُ إلا بالضمير فقط, وذكرَ في هذا البيت أن ما عدا ذلك يجوزُ فيه أن يربط بالواو وحدها، أو بالضمير وحده أو بهما, فيدخل في ذلك حينئذٍ الجملة الاسمية المثبتة والمنفية والمضارع المنفي والماضي المثبت والمنفي؛ لأنها محصورة جُمْلَةُ الْحاَلِ سِوَى مَا قُدِّمَا شمل الاسمية بنوعيها المثبتة والمنفية والفعل الماضي المثبت والمنفي والمضارع المنفي, فتقول: جاء زيد وعمرو قائم, عمرو قائم هنا جملة اسمية مربوطة بالواو .. واو الحال, وجاء زيد يدهُ على رأسه, مربوطة بالضمير يدُهُ على رأسه, وجاء زيد ويُدُه على رأسه؟ بهما معاً. إذن: جملة اسمية واحدة صحَّ اقترانُها بالواو فقط, أو بالضمير فقط, أو بهما معاً, وكذلك المنفي: جاء زيد ولم يضحك, أو ولم يقم عمرو, وجاء زيدٌ وقد قامَ عمرو, قام عمرو, انظر (قد) هنا قدَّرها بعد الواو كما سيأتي, وجاء زيد قد قامَ عمرو إذ جاء الفعل الماضي حينئذٍ يُؤتى بـ (قد) إما على جهة الوجوب وإما على جهة الاستحباب، فيه خلاف. وإذا كانت مذكورة لا إشكال فيها وإذا كانت محذوفة حينئذٍ تُقدَّر, والكوفيون لا يرون مطلقَ التقدير. وجاء زيد قد قام أبوه, وجاء زيد وقد قام أبوه, وكذلك المنفي: جاء زيد وما قام عمرو, وجاء زيد ما قام أبوه أو وما قام أبوه, إذن الجملة الماضوية منفية أو مثبتة يجوزُ أن تربط بالواو فقط أو بالضمير فقط أو بهما معاً. قال ابنُ عقيل: ويدخلُ تحتَ هذا أيضاً المضارع المنفي بـ (لا)، وهذا سبقَ أنه ماذا؟ ((مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)) [النمل:20] أنه لا يقترنُ بالواو وليس هذا فحسب، بل المسائل الست كلّها داخلة تحت قوله, وعلى هذا تقول: جاء زيد ولا يضرب عمراً بالواو وهذا قبيح, وذكر المصنفُ في غير هذا الكتاب أنه لا يجوزُ اقترانُه بالواو كالمضارع المثبت إذن يجب استثناؤه, وأن ما وردَ مما ظاهرُهُ ذلك يُؤوّلُ على إضمار مُبتدأ كقراءة ابن ذكوان: ((فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَان)) [يونس:89] بتخفيف النون والتقدير: أنتما لا تتبعان, فلا تتبعان خبر مبتدأ محذوف.

إذن: ما عدا ما ذكره من المضارع المثبت على كلامه وأجراهُ على ظاهره ابن عقيل أنه يُخيَّر بين ربطها بالواو فقط أو بالضمير فقط أو بهما فقط, والصوابُ أنه يُستثنى المسائل الست, ويُقال بأن الناظم إنما عَمّم لأن الأكثر .. كما رأيتَ من الأمثلة .. الأكثر الكثير جداً في لسان العرب أنت مُخيَّر بين هذه الروابط. حينئذٍ عامل الأكثر مُعاملة الكل؛ كأنه لم يعتبرها, ثم يُقال أيضاً في هذا المقام أن مذهب البصريين إلا الأخفش لزوم (قد) مع الماضي المثبت, الماضي المثبت يلزمُ أن تتصل به (قد)؛ لماذا؟ لأن (قد) هذه تُقرِّب الماضي إلى الحال كما ذكرناه سابقاً, قامَ زيد هذا في الزمن البعيد يحتملُ قبل سنة سنتين عشر قام زيد, لكن إذا أردتَ الزمن القريب تأتي بـ (قد) فإذا أردتَ البعيد وجئتَ بـ (قد) أخطأتَ, إذا أردتَ البعيد وجئتَ بـ (قد) حينئذٍ أخطأتَ, وإذا أردتَ القريب وتركتَ (قد) أخطأت, لكن من يدري عن هذا الخطأ؟ قامَ زيد هذا في الزمن البعيد, الزمن القريب: قد قام زيد, ولذلك تقول: قد قامت الصلاة, يعني قرُبَ زمنُها, قامت الصلاة معناها أُقيمت في السابق, لما كان الحال الأصل فيها أن تكون مقارنة لصاحبها تقول: جاء زيد، أنت تخبرُ عن زيد بشيء يقعُ معه أو شيء وقعَ في الزمن البعيد, إذا قلت: جاء زيد وقد قام أبوه, إذا قلتَ: جاء زيد الآن تخبِرُ عن مجيء زيد, هل تصفُه بوصفٍ وقعَ في زمن ماضي بعيد أم في زمن قريب من الحال من أجل أن تقرب الجملة الماضوية إلى الحالية التي هي الفعل المضارع؟ لا شكّ أنه الثاني, ولذلك ألزمَ بعضُهم إدخال (قد) على الفعل الماضي. مذهبُ البصريين إلا الأخفش لزومُ (قد) مع الماضي المثبت مُطلقاً ظاهرة أو مقدرة, إن لُفِظَ بها فلا إشكال, إن لم يُلفظ بها لا بد من التقدير, ولذلك ترى المُعربين في التفسير هناك يقولون على تقدير (قد) دائماً, إذا جاءت الجملة الماضوية في الإثبات بالواو فقط حينئذٍ يقولون: على تقدير (قد) , جاء زيد وقام عمرو .. وقد قامَ عمرو يُقدَّرُ (قد) لماذا؟ لأنه فعلٌ ماضي مُثبت، والأصلُ فيه أن يُوصَف به صاحب الحال في الزمن القريب, وهذا الذي يُقرِّبُه لنا هو (قد) على جهة الخصوص, سواء رُبِط بالواو أو بالضمير أو بهما مُطلقاً؛ يعني بدون تفصيل بدون نظر إلى الرابط, متى ما جيءَ بالفعل الماضي المثبت حينئذٍ لا بُدّ من تقدير (قد)؛ إن لُفِظ بها فلا إشكال, وسواء ربط بالواو أو بالضمير أو بهما. والمختار وِفاقاًَ للكوفيين والأخفش لزومُها مع المرتبِط بالواو فقط؛ لأنه هو الكثير في لسان العرب, وما عداهُ هو جوازُ إثباتِها وحذفِها في المرتبط بالضمير وحدَه أو بهما معاً. مذهبُ البصريين أنه يؤتى بـ (قد) مطلقاً؛ سواء كان الضمير وحدَه أو الواو وحده أو بهما معاً, مذهبُ الكوفيين وهو الموافق للمنقول أنه يُفصل فيها لزومها مع المرتبط بالواو فقط, إذا جاءت بالواو لزِمَ أن يُؤتى بـ (قد) إن لُفِظ بها فلا إشكال, إن لم يُلفظ حينئذٍ وجبَ تقديرُها، وجواز إثباتها وحذفها في المرتبط بالضمير وحده أو بهما معاً.

إذن: الإلزام والوجوب فيما إذا كانت مُرتبطة بالواو فقط, وما عدا الواو وهذا يُتصوّر بالضمير وحده أو بهما معاً أنت مُخيَّر بين إثباتها وحذفها تمسُّكاً بظاهر ما سُمع, سُمِع كثير في لسان العرب عدمُ ذكرِ (قد)؛ إذ الأصل عدمُ التقدير لا سيما مع الكثرة, نعم هناك أربع صُور قيلَ بالترتيب الأكثري ثم الأدنى ثم ما هو دونه, جاء زيد وقد قام أبوه: هذا أكثر شيء, ثم بعده في الرتبة: جاء زيد قد قام أبوه، بدون واو, ثم بعده في الرتبة الثالثة: جاء زيد وقام أبوه, ثم جاء زيد قام أبوه, بدون واو ولا (قد). إذن: المراتب أربع في الكثرة، جاء زيد وقد قامَ أبوه, ثم جاء زيد قد قام أبوه بدون واو, ثم جاء زيد وقام أبوه بالواو دون (قد) , ثم جاء زيد قام أبوه. نقف على هذا وصلى الله وسلم على نبينا ... !!!

67

عناصر الدرس * حالات حذف عامل الحال , وبعض المسائل المتعلقة بالباب * شرح الترجمة (التمييز) وحده * حكم التمييز وأنواعه والعامل في كل نوع * حكم تمييز أفعل التفضيل * التعجب يقتضي تمييزاُ * متى يجوز جر التمييز بـ (من)؟ * حالات التمييز مع عاملة من حيث التقديم والتأخير * فائدة: ما يتفق عليه الحال مع التمييز وما نفترقافيه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَالْحَالُ قَدْ يُحْذَفُ مَا فِيهَا عَمِلْ ... وَبَعْضُ مَا يُحْذَفُ ذِكْرُهُ حُظِلْ هذا يتعلَّق بالعامل وحذفه، والأصل فيه جوازُ الحذف، وقد يجبُ حذفُه، وقد يجبُ ذكرُه, حينئذٍ له ثلاثة أحوال: منها ما يجبُ ذكره ولا يجوزُ حذفه, ومنها ما يجبُ حذفه ولا يجوز ذِكره، والأصل فيه جواز الحذف والذكر. وَالْحَالُ: هذا مبتدأ. قَدْ يُحْذَفُ (قَدْ) للتحقيق, ليس للتقليل؛ لأن الحذف كثير, فالمراد هنا تحقيق القول بحذف عامل الحال. وَالْحَالُ قَدْ يُحْذَفُ: (قَدْ يُحْذَفُ) هذه الجملة خبر. يُحْذَفُ مَا فِيهَا عَمِلْ: ما عمِلَ فيها, يعني العامل فيها, (ما) الموصولة صلتها في قوة المشتقّ عند البيانيين, يُحذف عاملها, فعامل نأخذه من (ما) الموصولة مع صلتها, مَا فِيهَا عَمِلْ يعني: ما عمِلَ فيها, فـ (مَا) هذه مفعول واقع على العامل في الحال, يُحذف ما عمِلَ فيها, فِيهَا هذا مُتعلّق بعمل والضمير عائد على (ما). وَالْحَالُ قَدْ يُحْذَفُ مَا فِيهَا عَمِلْ يعني: يحذف عاملها, وهذا على جهتين؛ إما على جهةِ الجواز, وإما على جهة الوجوب, مَا فِيهَا عَمِلَ: هل كلّ عاملٍ يجوز حذفه؟ الجواب: لا. وَعَامِلٌ ضُمِّنَ مَعْنَى الْفِعْلِ لاَ ... حُرُوفَهُ مُؤَخَّراً لَنْ يَعْمَلاَ قلنا: العاملُ في الحال قد يكون فعلاً بنوعيه المتصرف والجامد, والصفة المتصرّفة كذلك ما أُلحقَ بها وهو اسم التفضيل في الحالة التي استثنيت، ما عدا ذلك هذا يجوزُ حذفُه وذكرُه بالشروط الآتية, وأما العامل المعنوي فلا يجوزُ حذفُه البتة, فيُستثنى من قوله: وَالْحَالُ قَدْ يُحْذَفُ مَا فِيهَا عَمِلْ, يُستثنى العامل المعنوي؛ فيجب ذكرُه ولا يجوزُ حذفه؛ سواء علم أم لا؛ لماذا؟ لما ذكرناه أنه ضعيف .. عامل ضعيف وهو ملفوظ به, فحينئذٍ نقولُ وهو ملفوظ به ضعيف, فكيف يعملُ وهو محذوف؟ هذا من بابٍ أولى وأحرى, فلا يقوى على العمل وهو محذوف. قلنا: يُحذَف عامل الحال جوازاً، ومثاله أن يقال: كيف جئتَ؟ تقول: راكباً, هنا حُذِف عامل الحال وصاحبها, لم يحذف عامل الحال فحسب، وإنما حُذِف عامل الحال مع صاحبها, تقديره: جئتُ راكباً, حُذف (جئتُ) لأنه صارَ تبعاً للعامل, وكقولك: (بلى مسرعاً) لمن قال لك: لم تسر! تقول له: بلى, يعني: سِرتُ مسرعاً, ومنه قوله تعالى: ((أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ)) [القيامة:3] ((بَلَى قَادِرِينَ)) [القيامة:4] قَادِرِينَ هذا حال, يعني: بلى نجمعها قادرين. هذا الأصل في عامل الحال أنه يجوزُ حذفه إذا دلَّت عليه قرينة, وهذه قاعدة عامة وهي داخلة في كلامه السابق: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، هذه قاعدة عامة تشمل هذا الباب. وأما ما حُذف وجوباً، وهو الذي أشارَ إليه بقوله: وَبَعْضُ مَا يُحْذَفُ ذِكْرُهُ حُظِل. يعني: مُنِعَ ذكره, ذكره مُنِعَ، يعني لا يجوز ذكره، بل يجب حذفه حذفاً مؤبّداً. وَبَعْضُ هذا مبتدأ, وهو مضاف و (ما) اسم موصول بمعنى الذي يقعُ على العامل, يعني: وبعض العامل يحذف.

وَبَعْضُ مَا يُحْذَفُ بعض العامل يحذف, وجملة يحذف هذه صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. ذِكْرُهُ حُظِل، ذِكْرُهُ: مبتدأ ثان, وحُظِل: هذه خبر لأنه فعل وفاعل, والمبتدأ الثاني وخبره في محلّ رفع خبر المبتدأ الأول وهوبَعْضُ. إذن: بَعْضُ: مبتدأ أول, وذِكْرُهُ: مبتدأ ثاني, وحُظِل: هذا فعل والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ الثاني, والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محلّ رفع خبر المبتدأ الأول, حُظِل أي: مُنِعَ, منها هذا السابق .. وَإِنْ تُؤَكِّدْ جُمْلَةً فَمُضْمَرُ عَامِلُهَا قلنا: يُحذف العامل وجوباً متى؟ إذا كانت الحال مؤكِّدة لمضمون الجملة, عاملها حينئذٍ يكون محذوفاً, زيدٌ أخوكَ عطوفاً, أُحقِّه عطوفاً، ونحوه من الحال المؤكِّدة لمضمونِ الجملة وقد تقدَّم, كذلك الحال النائبة منابَ الخبر (ضربي زيداً قائماً) , هذا سبقَ معنا في آخر باب المبتدأ. وَقَبْلَ حَالٍ لاَ يَكُونُ خَبَرَا ... عَنِ الَّذِي خَبَرُهُ قَدْ أُضْمِرَا كَضَرْبِيَ العَبْدَ مُسِيئاً وَأَتَمْ ... تَبْيِينِيَ الْحَقَّ مَنُوطَاً بِالحِكَمْ هذا الذي أراده هنا، إذا كان قائماً, وقد سبقَ تقريرُ ذلك في باب المبتدأ والخبر. إذن: ذكرَ موضعين مما يجبُ فيه حذف الحال, وبقيَ عليه موضعان: أن ينوبَ الحال عن عامل الحال, وذلك كقولك لمن شربَ: هنيئاً, هنيئاً: نابَ مناب عامل الحال, وإذا أُنيب مناب عامل الحال حينئذٍ امتنعَ ذكره. هَنِيئَاً مَرِيئَاً غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ ... لِعِزَّةَ مِن أَعرَاضِنَا مَا اسْتَحَلَّتِ فـ هَنِيئاً هذا أُنيبَ مناب العامل، حينئذٍ وجبَ حذفه ولا يجوز ذكره ولا جمعه بينَ النائب والمناب عنه, يعني: كالعوض لا يُجمعَ بين العوض والمعوض عنه. الثاني: أن تدلَّ الحال على توبيخ, أقائماً وقد قعَدَ الناس؟ هذا فيه توبيخ, أقائماً وقد قعدَ الناس؟ أتقوم قائماً؟ أو أتكون قائماً؟ أو نحو ذلك, حينئذٍ نقول: قائماً هذا عامله محذوف لأنه دلَّ على توبيخ. ومما حُذِف فيه عامل الحال وجوباً قولهم: اشتريتُه بدرهمٍ فصاعداً, وهذه ما يُعنوَن لها بالحال التي يُبيّنُ بها ازدياد أو نقصان على جهة التدريج, اشتريتُه بدرهم فصاعداً, يعني: فذهبَ الثمنُ صاعداً, وكذلك تصدّقتُ بدينار فسافلاً, سافلاً هذا حال دلّت على تدرج لكن في النقص لا في العلو, وذهبَ المتصدُّق به سافلاً يعني في الدنو. إذن: يجبُ حذف عامل المؤكِّد فيما إذا نابت الحال مناب الخبر, وكذلك الحالة الدالّة على زيادة أو نقص أو تدريج, وكذلك الحالة المؤكدة لمضمون الجملة, هذه خمسة مواضع مما يجبُ فيه حذفُ عامل الحال, وما عدا ذلك يكون جوازاً, وإذا نظرنا إلى العامل المعنوي حينئذٍ نقولُ: هذا النوع مما يجبُ ذكر العامل ولا يجوزُ حذفه, فالقسمة ثلاثية, ما يجب حذفُ العامل وهو خمسة أنواع: ما يجبُ ذكر العامل, وهو العامل المعنوي السابق: (كَتِلْكَ لَيْتَ وَكَأَنَّ). ما يجوزُ فيه الوجهان وهو ما عدا ذلك, والضابطُ فيه أن تدلَّ قرينة على المحذوف حينئذٍ نقول هذا مما جاز حذفُه.

تنقسمُ الحال باعتبارات -هذا نختمُ به الباب- الأول: نقول تنقسمُ الحال باعتبار انتقالها عن صاحبها ولزومها له إلى (المنتقلة) وهو الغالب و (اللازمة). إذن: باعتبار انتقالها عن صاحبها ولزومها له نقول: تنقسم إلى منتقلة وهو الغالب, وهو الذي أشارَ إليه سابقاً: وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً, وإلى مُلازمة وليس مُستحقّة. الثاني: باعتبار قصدها لذاتها وعدمها؛ هل هي مقصودة بالذات أو لا؟ تنقسم إلى قسمين: مقصودة وهي الغالب, ومُوطِّئة وهي الجامدة الموصوفة التي ذكرناها سابقاً ((بَشَرًا سَوِيًّا)) [مريم:17]. الثالث: تنقسمُ باعتبار التبيين والتوكيد: إلى المبينة وهو الغالب وتُسمى المؤسِّسة, والمؤكِّدة: وهي التي يستفاد معناها بدونها, وهذه الأقسام الست تقدَّمت في كلام الناظم. الرابع: تنقسمُ باعتبار جريانها على مَن هي له وغيره إلى الحقيقية وهي الغالب, والسببية نحو: مررتُ بالدار قائماً سكانها, يعني: إذا رفعت ضميراً مستتراً قلنا هذه حقيقية لأن الضمير رجعَ إلى مَن هي له، وأما إذا رفعت اسماً ظاهراً حينئذٍ نقول سبببي؛ كما هو الشأن في النعت, نعت حقيقيّ ونعت سبببيّ, "مررتُ بزيد قائم", "مررتُ برجل قائم أبوه", هذا مثلها, "مررتُ بالدار قائماً سكانها". الخامس: تنقسم باعتبار الزمان إلى مقارِنة لعاملها وهو الغالب، بل قيل الأصل في الحال أنها مقارِنة, مقارَنة كل شيء بحسبه, ومقدَّرة وهي المستقبله، ومنه: ((ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)) [الزمر:73] ادخلوها الآن خالدين, يعني: في المستقبل مقدَّرة. فهذه أقسام خمسة تنقسم إليها الحال. وَالْحَالُ قَدْ يُحْذَفُ مَا فِيهَا عَمِلْ ... وَبَعْضُ مَا يُحْذَفُ ذِكْرُهُ حُظِلْ إذن: يجوزُ حذفُ عامل الحال لدليل حالي أو لدليل مقالي, والمقالي يعنونَ به أن يكون جواباً لسؤال, والدليل الحالي الذي هو الفعل، راشداً .. لو قال راشداً، لمن؟ للقاصد للسفر, قال: أريد أن أسافر، قال له: راشداً, يعني: تسافر راشداً, والقرينة هنا حالية, قيل: قد تُحذَفُ الحال كذلك، كما حذف عامل الحال للقرينة، وأكثر ما يكون ذلك إذا كانت قولاً أغنى عنه المقول, ((وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ)) [الرعد:23] ((سْلامُ)) [الرعد:24] قائلين سلام, سَلامٌ عَلَيْكُمْ, حينئذٍ نقولُ الحال هنا محذوفة, لأن شأنَها شأن الخبر والنعت, والنعتُ يجوز حذفه إذا عُقل .. إذا علم, وكذلك الخبر إذا علم جاز حذفه، مثلهما الحال لأنها وصفٌ في المعنى، وحينئذٍ يجوز حذفها قياساً على ما سبق. التَّمْيِيزْ قال الناظم بعد ذلك رحمه الله تعالى: التَّمْيِيزْ, هذا خاتمة أبوابِ المنصوبات, التمييز يذكرونه بعد الحال لما بينهما من أمور يتّفقان عليهما, وهي خمسة, ويفترقان في سبعة تأتي في آخر الباب إن شاء الله تعالى. التَّمْيِيزْ قلنا هذا آخرُ وخاتمةُ أبواب المنصوبات حيث يُذكر بعدَه المخفوضات ابتداءً بحروف الجر، ثم يذكر الإضافة، ثم تتوالى أبواب النحو مما لا يكون من العمد, لأنهم يذكرون المرفوعات ثم المنصوبات ثم المخفوضات، ثم بعد ذلك باب نعم وبئس وأفعل التفضيل إلى آخره.

التمييز من المنصوبات ليسَ في كل أحواله، وإنما في بعض أحواله, وهذا بناءً على إذا جَررنا التمييز هل يُسمى تمييزاً أو لا؟ المشهور أنه يُسمى تمييزاً, إذا قيل: قفيزُ برٍّ, برِّ جررناهُ .. يجوز فيه وجهان, شبرُ أرضٍ, شبرٌ أرضاً حينئذٍ نقول يجوز فيه الوجهان, إذا نصبناه لا شكّ أنه تمييز لأنه منصوب, وإذا جررناه – الوجه الآخر وهو جائز- هل يخرجُ بالجرِّ عن كونه تمييزاً أو لا؟ الجمهور لا, يُسمى تمييزاً, وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول التمييز من المنصوبات في بعضِ أحواله كالمستثنى, وإذا قيلَ بأنه لا يُسمى تمييزاً حينئذٍ كلّ تمييز يكون منصوباً هذا الأصل, ويَرِد التمييز في العدد، لكن جرت عادة النحاة في المطولات أنهم لا يُدخلون العدد في باب التمييز الذي يُذكر فيه، وإنما يُشار إليه إشارة ويذكرون باباً كاملاً يُسمّونه باب العدد, هذا يأتينا في الأخير إن شاء الله تعالى, وهنا يذكرون ما عدا العدد, مع كونه داخلاً فيه لأنه من رفعِ إبهامِ مفرد. التمييز نوعان: رفع إبهامِ لمفرد ومنه العدد, ((إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ)) [يوسف:4] أحد عشر ماذا؟ ((كَوْكَبًا)) [الأنعام:76] فالكوكبُ هذا تمييز رفعَ إبهام المفرد وهو أحد عشر, حينئذٍ نقولُ هو مميِّز, لكن لا تُذكر أحكامه هنا، إنما يذكر في بابه المستقل. التمييزُ يقال: تمييز ومُميِّز, وتبيين ومُبيِّن, وتفسير ومفسِّر, هذه ألفاظٌ مترادفة, ولكن التمييزُ هذا مشهور عند البصريين, والتفسير والتبيين مشهور عند الكوفيين, ولذلك الكوفي إذا فَسَّر القرآن يقول هذا تفسير, هذا يكثر في بعض التفاسير، (تفسير) إذا ما تعرف المصطلح .. ما (تفسير) هذه؟ يقف ما نعرف تفسير, نقول تفسير المراد به التمييز, فمعرفةُ اصطلاح الكوفيين يُفيد في معرفة ما قد يحكم به بعض المعربين لبعض الآي بأنه كذا وأنت تحفظُ المصطلح الخاص بالبصريين، وقد لا تحيط علماً بمصطلح الكوفيين فتقع في لبسٍ, حينئذٍ التمييز يُسمّى تفسيراً وتبييناً ويُسمى تمييزاً, والأصل فيه أنه مصدر ميَّزَ يميزُ تمييزاً لأن التفعيل يأتي من فعَّلَ، تقول: ميَّزتُ كذا عن كذا إذا خلصت أحدهما من الآخر, وكذا إذا كانا متشابهين ففرقتَ بينهما؛ فميزتَ هذا عن ذاك.

التمييز هذا مصدر، وهل المراد به المعنى المصدري؟ لا شك أنه ليس هو المراد كالاستثناء, قلنا الاستثناء هناك أُريد به المستثنى، لأن الاستثناء هذا معنى من المعاني, معنى مصدري والذي يُحكم عليه هو اللفظ, والاستثناء معنى حينئذٍ لا بد أن نقول: إنه من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول أي المستثنى، ولكن هنا التمييز قيل بأنه صارَ هذا اللفظ حقيقة عُرفية في المميِّز, وحينئذٍ يصحُّ أن يراد التمييز والمميز ويكون مَصدَقهما واحد, فالتمييزُ صار حقيقة عرفية في المميز, فقد لا نقول بأنه أُطلق المصدر وأريد به اسم المفعول, ولذلك إذا جئتَ تُعرب تقول ((إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] كوكباً تقول مميِّز أو تمييز؟ تقول: تمييز, لماذا؟ لأنه صارَ حقيقة عرفية في ماذا؟ في مرادفاً للمميز, حينئذٍ لا نحتاجُ أن نقول كما قلنا في الاستثناء أنه من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول, وهذا هو الظاهر والذي عليه الاعتماد أن التمييز صار حقيقة عرفية وهو مرادف لقولهم: المميز وإن كان في الأصل هو معنى مصدري أُطلق وأريد به اسم الفاعل, إذن: هو مصدر بمعنى اسم الفاعل أي المميز, وصار حقيقة عرفية على المميز, فتقول: هذا مميِّز وهذا تمييز. اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ ... يُنْصَبُ تَمْيِيزَاً بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ عرَّفه الناظمُ هنا بكونه اِسمٌ, اِسمٌ هذا خبر لمبتدأ محذوف هو اِسمٌ, لم يقل مصدر ولم يقل وصفٌ لأنه لا يكون إلا جامداً. فقوله: اِسمٌ هذا جنس, أخرجَ الجملة والظرف والجار والمجرور لأنّ المراد به الاسم الصريح, والتمييزُ لا يكون إلا اسماً صريحاً ولا يكون اسماً مؤولاً بالصريح خلاف الحال, هذا مِن الفوارق بين الحال والتمييز؛ لأنه قد يلتبس وقد يشتبه على البعض الفرق بينهما، فنقول: الحال يكون وصفاً, والوصفُ يشملُ الصريح والمؤول بالصريح, فيكون جملة وظرفاً وجاراً ومجروراً. وأما التمييز فلا يكون إلا صريحاً, فلا تقع الجملة تمييزاً ولا الظرف ولا الجار والمجرور تمييزاً. إذن: يختصُّ بهما, فالتمييز لا يكون واحداً منها, وهذا أحد الفوارق بين الحال والتمييز. اِسمٌ هذا جنس. بِمَعْنَى مِنْ يعني: التمييزُ يكون على معنى (من)؛ يعني يُفسَّر بـ (من). ما المراد بـ (من) هنا؟ المراد بها (من) التي لبيان الجنس, أن يكون لفظٌ عام ثم لفظ مبهم ثم يُؤتى بـ (من) فتفسِّر ذلك اللفظ المبهم, وأوضحُ مثال له قوله تعالى: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ)) [الحج:30] الرِّجْسَ هذا أنه يحتمل الرجس المعنوي؛ الرجس الحسي؛ الأصنام؛ الدماء؛ الميتتات. يصدق على هذا وذاك. ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ)) [الحج:30] هذا فيه نوع إبهام, قال: ((مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] مِنَ الأَوْثَانِ هذه مُفسِّرة للمراد بالرجس, حينئذٍ نقول (من) هذه لبيان الجنس, بِمَعْنَى (مِنْ) أي البيانية بأن يكون المجرور بها هو المُبيّن بها عينه, عينه هو المبين, كأنه قال الرجس هي الأوثان, الرجس المراد هنا في هذه الآية هي الأوثان.

إذن الرجسُ والأوثانُ بمعنى واحد, بأن يكون المجرورُ بها الذي بعدَها يتلوه هو المبين بها عينُه, الرجس عينه الأوثان والأوثان عينها هي الرجس, والمراد هنا أن التمييزَ بيَّنَ جنس المميز, إذا قلت: عندي عشرون, عشرون ماذا؟ هذا يحتمل مثل ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ)) [الحج:30] عشرون كتاباً؛ بيتاً؛ ألفاً؛ مليوناً؟ يحتمل هذا وذاك, إذا قلت عندي عشرون كتاباً, كتاباً هذا مثل ((مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] حينئذٍ حصلَ به البيان, فأُدِّي به ما أُدِّي بـ (من) التي لبيان الجنس, هذا المراد بكون التمييز على معنى (من)؛ يعني يُؤدّى به أو يُفسّر به ما يُفسّر بـ (من) وليس المراد أن (من) مُضمرة, أو أنه مُضمّن معنى (من) لا, ليس المراد, وإنما المراد كالظرف, نقول: الظرف يُلاحظ فيه معنى الظرفية, عندنا ظرف وعاء ومظروف، هذا المعنى موجود في الظرف، لا يشترط فيه أن يؤتى بـ (في) أو نقول في مقدرة أو اللفظ مضمن معنى في، لا, وإنما يُراد به أن التركيب هنا على معنى الظرفية, وهنا التركيب على معنى (من) البيانية، كما قلتَ هناك ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] فسَّرتَ ورفعتَ الإبهام الذي في الرجس بقولِك الأوثان، حينئذٍ الأوثان هي عين الرجس والرجس هو عين الأوثان, عندي عشرون, عشرون ماذا؟ هذا مُبهَم فإذا قلت: كتاباً, الكتاب هو عين العشرين, والعشرون هي عينُها الكتب, حينئذٍ نقول هذه جرت على معنى (من) التي لبيان الجنس, والمراد هنا أن التمييز بيَّنَ جنس المميز كما أن (من) البيانية تُبيِّن ما قبلها, وليس المراد بأن (من) مقدرة قبل التمييز, وسيأتي معنا أنك قد تُظهِر لفظ (من)، هذا وجه جائز لكنه من جهة اللفظ .. النطق: وَاجْرُرْ بِـ (مِنْ) إِنْ شِئْتَ, لكن لفظاً وليس المراد أنها منوية، لا؛ المراد بها لفظاً لأن المعنى واحد، إذا حذفت (من) صار التركيب على معنى (من)، وإذا ذكرت لفظ (من) حينئذٍ خرج عن كونه تمييزاً من حيث النصب إلى الجر. إذن: اِسمٌ صريح .. خرجَ به الجملة وما عطف عليه. بِمَعْنَى مِنْ هذا جار ومجرور مُتعلّق بكائن صفة لاسم, يعني يُعتبر فصلاً, والفصول عند أرباب التعاريف تُعرَب نعتاً بعد نعت, يعني: لا يكون كلُّ فصل نعتاًً لما قبله, وإنما ترجعُ إلى الجنس؛ لأن الإخراج يكون من الجنس. بِمَعْنَى (مِنْ) أي أنه يُفيدُ معناها لا أنها مُقدَّرة في نظم الكلام, إذن: مرَّ معنا هذا الباب الثالث الذي يُقال فيه بأنه على معنى كذا, نؤول الظرف على معنى (في) الظرفية, وكذلك الحال في حال كذا, وهذا الباب الثالث وهو التمييز, وليسَ المراد بالأبواب الثلاثة أن هذه الحروف مُضمّنة في الأسماء بعدها, وإنما المراد أن التركيب يُفسَّر على آحاد هذه الحروف. بِمَعْنَى (مِنْ) أي: أنه يُفيدُ معناها، لا أنها مُقدَّرة في نظم الكلام, إذ قد لا يصلح لتقديرها, كما هو الشأن في (في) الظرفية مع الظرف وفي مع الحال.

اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ: مُبِينٌ هذا نعت لاسم أي: مُزيل، أبان بمعنى أظهرَ, وإذا أظهرَ معناه أزال, فهو مُزيل لابهام اسم قبله مجمل الحقيقة أو إبهام نسبة في جملة أو شبهها؛ لأن التمييز نوعان: تمييز رفعُ إبهامٍ لمفرد, ورفعُ إبهامٍ لنسبة, والنسبة إنما تكون في الجمل الفعلية والإسمية. إذن: مُزيلٌ لإبهام اسم قبله مُجمل الحقيقة كعشرون, عندي عشرون, هذا مُجمَل الحقيقة, أو إبهام نسبة في جملة أو شبهها، طاب زيد ... ماذا طاب؟ طاب نفساً، فـ (نفساً) هذا نقول تمييز رافع لإبهام نسبة، أي: نسبة الجملة التي قبلها, واستُفيدَ منه أن التمييز لا يكون مُؤكِّداً, إذا أُخِذ التبيين في حد التمييز فرأي سيبويه أن التمييز لا يكون مؤكِّداً, وأكثر النحاةِ على هذا, وخالفهم ابن هشام وغيره وأثبتوا أن التمييز قد يكون مؤكِّداً، شأنه شأن الحال, كما أن الحال تكون مؤكِّدة, والحال المؤكِّدة إذا أُثبتت لا تنافي المؤسسة, كذلك التمييز الأصل فيه البيان ورفع الإبهام للنسبة أو للمفرد، حينئذٍ قد يكون مؤكِّداً وقد يكون على حقيقته، لكن إذا أخذناه مُبين هنا في أصل الحدّ حينئذٍ أخرجنا به التأكيد فلا يكون مؤكِّداً. وكما ذكرنا في السابق: وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ مُفْهِمُ فِي حَالِ, هذا لا يدخُلُ فيه الحال المؤكدة, هذا التعريف خاصّ بالحال المؤسسة, فلا مانع أن يُقال التمييز حقيقة أن يُؤخَذ في حده مُبيّن, وإذا أردنا التأكيد حينئذٍ لا نحتاجُ إلى هذا اللفظ, فنقول: التمييز نوعان: تمييزٌ حقيقي وتمييزٌ مُؤكِّد, كما أن الشأن في الحال: حال حقيقية وهي المؤسسة, وحال ليست حقيقية وإنما هي مؤكِّدة لما قبلها, هنا كذلك. واستُفيدَ منه أن التمييز لا يكون مؤكِّداً وهو رأي سيبويه والجمهور .. جمهور النحاة على هذا, وقيلَ يأتي غيرَ مبين, يعني: مؤكِّد, غير مبين يعني مؤكد, فيُعدُّ مؤكداً, ومنه قوله تعالى: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا)) [التوبة:36] لو حُذِف شَهْرًا, اثْنَا عَشَرَ هل يحتاج إلى مُفسِّر؟ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ, اثْنَا عَشَرَ خبر إِنَّ, هل اثْنَا عَشَرَ دون شَهْرًا واضح المعنى أم مُجمَل؟ واضح المعنى, والتمييزُ إنما يأتي رافعا لإبهام، أين الإبهام؟ ليس عندنا إبهام. إذن: شَهْرًا قالوا هذا تمييز مؤكد, لم يُؤتَ به من أجل رفع إبهام العدد؛ لأن العدد معلوم هنا دونه, وإذا كان كذلك حينئذٍ صارَ مؤكداً. أُجيبَ: بأن شَهْرًا بالنسبة لعامله وهو اثْنَا عَشَرَ مُبيّن يعني: لا تنظر إلى ِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ، إنما انظر إلى اثْنَا عَشَرَ فقط, اثْنَا عَشَرَ لوحده دون الجملة مُبهم أو مبين؟ مُبهم, إذن: قالوا: باعتبار العامل؛ لأن شهراً ما العامل فيه؟ هو العددُ نفسه اثْنَا عَشَرَ, باعتبار عامله هو رافع لإبهام, إذن ليسَ فيه تأكيد, على كلٍّ المسألة مُحتملة.

اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ، نَكِرَهْ: هذا نعت ثالث لاسم, نكرة أخرجَ المعرفة، وهذا على مذهب البصريين أن التمييز لا يكون إلا نكرة, والعلةُ فيه هي عين العلة في الحال, أنه إذا حصلَ رفعُ الإبهام بالنكرة حينئذٍ مجيئُهُ بزيادة فيه تدلُّ على التعريف يُعتبر حشواً, فحينئذٍ لا يُلتفتُ إلى تلك الزيادة. مذهب الكوفيين جوازُ كونه نكرة ومعرفة .. يجوز هذا وذاك. رَأَيْتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجُوهَنَا ... صَدَدْتَ وَطِبْتَ النَّفْس يَا قَيْسُ عَنْ عَمْرِو رأى الكوفيون أن النفس هنا تمييز, طِبْتَ النَّفْس يَا قَيْسُ, طِبْتَ النَّفْس, دخلت عليه (أل) والأصل فيها التعريف. إذن: يقعُ التمييز معرفة كما يقع نكرة, وإن كان الأصل أن يكونَ مُنكَّراً, هذا هو الأصل، لكن مجيئه معرفة وقد جاء به السماع حينئذٍ نقول: يجوز فيه الوجهان. وذهب البصريون إلى تأويل البيت، وما جرى مجراه بأن (أل) هنا زائدة. وَلاِضْطِرَارٍ كَبَنَاتِ الأَوْبَرِ ... كَذَاَ وَطِبْتَ الَّنفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي إذن: حكمنا على (أل) بكونها زائدة, وإذا كانت زائدة حينئذٍ دخولها وخروجها سواء فلا تُفيدُ تعريفاً, فبقيَ التمييز على أصله, فكلُّ لفظٍ نُقِل في لسان العرب وهو تمييز دخلت عليه (أل) فاحكم عليها بأنها زائدة؛ لأنها دخلت على ما وجبَ فيه التنكير يعني: على واجب التنكير .. لازم التنكير. وأما على مذهب الكوفيين فيجوز الوجهان, والصحيح مذهب البصريين؛ لأن العلة الموجودة في الحال هي عينها موجودة في التمييز, وإذا حصلَ الجواب بالنكرة حينئذٍ لا يصلحُ أن يأتي بالمعرفة؛ لأن المعرفة نكرة وزيادة, رجل: الرجل, نفس: النفس, نقول نفس هذا نكرة, النفس نكرة وزيادة. إذن: إذا حصلَ المراد والمقصود بالنكرة لماذا نأتي بلفظ زائد على مجرد النكرة؟ نقول: هذا فيه حشو وهو مُنافٍ لأصل الكلام, إذن: نَكِرَهْ هذا نعت ثالث. إذن: اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ، عرَّفه ابنُ هشام في القطر بقوله: اسمٌ فضلة نكرة جامد مفسِّر لما انبهمَ من الذوات, اسم: عرفنا الاحتراز به, فضلة: إذن لا يكون عمدة, وهذا وارِد على تعريف الناظم, جامد: هذا من الفوارق بين الحال والتمييز, إذ يُشترَط في الحال أن تكون وصفاً, ويُشترَط في التمييز أن يكون جامداً؛ يعني: غير مشتق, مُفسِّر لما انبهمَ من الذوات, وهذا يَرِد عليه المفسّر للنسبة. فقولُ الناظم: اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ ينقصُهُ قوله فضلة, فلو زيدَ عليه جامد كذلك يكون أولى. وابن عقيل عرَّفه بقوله: كل اسم نكرة مُتضمِّن معنى (من) .. مٌتضمِّن معنى (من) هذا فيه إشكال, وإنما يُقال على معنى (من) أو بمعنى (من)، وأما التضمين هذا محلّ نظر, لبيان ما قبله من إجمال نحو: طاب زيد نفساً, وعندي شبر أرضاً.

اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ قيل: اسم جنس, وبمعنى (من) هذا دخلَ فيه أربعة أشياء: التمييز, واسم (لا) , والمفعول الثاني من قولِك: أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً, والمشبّه بالمفعول به نحو: الحسن الوجه, هذه أربعةُ أشياء؛ لأنها تكون على معنى (من) .. التمييز واضح أنه على معنى (من) , واسم (لا): لا رجل في الدار, لا من رجلٍ في الدار على معنى (من). المفعول الثاني: من (أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً) يعني: من ذنب, إذن: المفعول الثاني أقول على معنى (من) , المشبّه بالمفعول به نحو: الحسنَ الوجهَ, هنا الحسن من الوجه, يعني: حسنُهُ من الوجه حينئذٍ نقول هذه على معنى (من). اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ إذا قيل بمعنى (من) وفسّرنا (من) بأن المراد بها البيانية حينئذٍ اختصَّ التعريف بالتمييز؛ لأن اسمَ (لا) وإن كان على معنى (من) إلا أنها ليست البيانية, وإنما هي الاستغراقية، فخرجت بقولنا (مِن) بيانية, والمفعول الثاني من (أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً) يعني: استغفرُ الله من ذنب, من ذنب هنا (من) إبتدائية وليست بيانية, حينئذٍ خرجَ بقولنا بمعنى (من) وفسّرنا (من) بالبيانية. والمشبه بالمفعول به، (من) هنا فيه بيانية نحو: الحسنَ الوجهَ, لكن قوله: مُبِينٌ مخرِجٌ لما سوى التمييز والمشبه بالمفعول به، لأن (من) إذا فسَّرناها بأنها بيانية حينئذٍ لا يتأتى معنا (من) الاستغراقية ولا (من) الابتدائية، ثم التمييز داخِل معنا، وبقي المشبه بالمفعول به, والمشبه بالمفعول به لا يكون إلا معرفة, حينئذٍ (نَكِرَهْ) نقول: هذا مخرِج للمشبه بالمفعول به, فاسم الجنس وبمعنى (من) مُخرِج لما ليس بمعنى (من)، وهذا واضح كالظرف والحال, الحال يكون بمعنى (في). ومُبيّنٌ مُخرِج لاسم (لا) النافية للجنس، ونحو: ذنباً من قوله: " أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ ", فإنهما وإن كانا على (من)، لكنها في الأول للاستغراق (لا رجل) يعني: لا من رجل، وفي الثاني للابتداء، أي: استغفاراً مبتدأً من أول الذنوب إلى ما لا يَتناهى, ونكرة مُخرِج لنحو: الحسن وجهه، أي: بالنصب على التشبيه بالمفعول به لا على التمييز لعدم تنكيره. اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ ... يُنْصَبُ تَمْيِيزَاً بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ هذا فيه إجمالٌ عند الناظم رحمه الله تعالى, فحينئذٍ نقولُ: التمييز: إما أن يكون تمييزاً لمفرد, وإما أن يكونَ تمييزاً لجُملة, والمراد بالجملة النسبة, العامِل في التمييز المفرد هو الاسم المُبهم قبله, التمييزُ الذي يكون تمييزاً لمفردٍ العاملُ فيه هو السابِق له, يعني: عندي عشرون كتاباً, كتاباً منصوب ما العامل فيه؟ عشرون نفسها, كَـ شِبْرٍ ارْضًّا, أَرْضًّا ما العامل فيه؟ شِبْرٍ، كذلك قَفِيزٍ بُرًّا, قَفِيزٍ بُرًّا تمييز والعامل فيه قَفِيزٍ نفسه, مَنَوَيْنِ عسلاً، عَسَلاً هذا تمييز, العامل فيه مَنَوَيْنِ. إذن: أرْضًّا هذا مفسِّر, وشِبْرٍ هذا مفسَّر, العامل في المفسِّر هو المفسَّر، ولذلك قال:

يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ التمييز فسَّر الاسم المفرد, وهو شبر مثلاً أو قفيز أو منوين، هذا محلُّ وفاق بين النحاة؛ أن العامل في التمييز المفرد هو اللفظ الذي قبله وإن كان جامداً إلا أنه أشبهَ اسم الفاعل في كونه طالباً لما بعده, وسبقَ أن العامل إنما عمل لكونه يقتضي ما بعدَه ليُتمّم معناه, وهنا وقعَ إبهام كما هو الشأن في الفعل نفسه, فوقعَ إبهام: عشرون فصارَ هذا اللفظ طالباً لما بعده على أنه رافعٌ لإبهامه فنصَبَه على التمييز, وهذا محلّ وفاق, ناصبُ التمييز في هذا النوع مميَّزه, مميَّزه بالفتح بلا خلاف, وعمل مع جموده كونه جامداً ليس وصفاً لشبهه اسم الفاعل في الطلب المعنوي لمعموله, وهذا داخِل في قول الناظم هنا: يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بِمَا -يعني: بعامل- قد فسَّره التمييز, فسَّر فيه ضمير مستتر وفيه ضمير الذي هو الهاء, الهاء يعودُ على (ما) اسم الموصول, وفسّرناها بالعامل, وفسَّر الضمير المستتر فيه ضمير يعود على التمييز يعني: كأنه قال: يُنصَب تمييزاً بعامل قد فسَّر التمييزُ ذلك العامل, وحينئذٍ شمِلَ المفرد وهذا محلّ وفاق, كَشِبْرٍ ارْضًّا, وبقي معنا الجملة وهذا محلّ نزاع, إذا قيل: طابَ زيد نفساً؛ نفساً: هذا تمييز لنسبة, هل العاملُ فيه هو الفعل السابق في الجملة أو نفس الجملة؟ جمهورُ النحاة تبعاً لسيبويه أنه الفعل الذي تضمّنتهُ الجملة، ومذهب ابن عصفور ومن تبعه أنه مضمون الجملة, ونسبَه للمحققين, حينئذٍ ظاهرُ كلام الناظم هنا أي المذهبين؟ بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ, هو فسّر الجملة, إذن: صارَ منصوباً بالجملة, صار منصوباً بالجملة لا بالفعل أو شبه الفعل الذي تضمّنته الجملة, وهذا يُنافي ما اختاره في هذا الباب هو نفسه, ولذلك قال: وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا إذن دلَّ على أنه يختارُ أن الفعل هو الذي عمِلَ في تمييز الجملة, ولذلك ابن هشام لما أوردَ هذا البيت في الأوضح قال: وقد بطلَ عمومُه بكون العامل في تمييز الجملة هو الفعل لا الجملة نفسُها؛ لأن قوله: بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ عامٌّ يشملُ تفسيرَه للمفرد, فالمفردُ عامل فيه, ويشمل تفسيره للجملة, فالجملة عاملةٌ فيه, وليس الأمر كذلك, بل الصواب أن العاملَ في تمييز الجملة هو الفعلُ الذي تضمّنته الجملة. عباراته عامة وليسَ مراداً بها العموم؛ لأنه يقتضي أن ناصب تمييز النسبة هو النسبة بين المسند والمسند إليه، يعني مضمون الجملة؛ لأنها هي المفسَّرة به –بالتمييز-، وذلك غير مراد حتى للناظم, وإن اختارَ هو في غير هذا الكتاب مذهبَ ابن عصفور, لكنه في هذا الكتاب لا. سيأتي معنا ذلك.

وأُجيبَ بأن التمييز لما فسَّر إبهام نسبة الفعل إلى فاعله أو مفعوله فكأنه الفعل فسَّرَ نفسه فكان التمييز منصوباً به، لأنه الذي يصح أن يكون عاملاً. يعني: أرادوا الاعتذار للناظم هنا بأن العمومَ ليس مراداً, فإذا فسَّر التمييزُ الجملةَ كأنه في المعنى فسّر الفعل. يعني من أجل أن نردّ مراد الناظم هنا في كون الناصب للتمييز .. تمييز الجملة هو الفعل, قالوا: لما أكَّدَ التمييز الجملة والأصل في الجملة ما هو؟ هو الفعلُ أو ما جرى مجرى الفعل, فكأنه أكَّدَ نفس الفعل, هذا فيه تعسّف, والصواب أنه عامّ ولكنه ليس مراداً لما سيأتي من كلامه. اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ ... يُنْصَبُ تَمْيِيزاً بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ ونقول المبهم المفتقِر للتمييز نوعان: جملة ومفرد, بما قد فسَّره, التمييز نوعان: رافع لإبهام مُفرد, ورافع لإبهام نِسبة, والمراد بالنسبة المعنى الذي ربطَ الفعل بالفاعل أو بالمفعول به .. النسبة التي يُريدها المناطقة هنا؛ الارتباط بين المسند والمسند إليه, الارتباط بين المبتدأ والخبر، ثَم ارتباط هذا يُسمى نسبة يأتينا في باب الإضافة مزيد توضيح. المفرد هنا المراد به في باب التمييز ما يشمل أربعة أنواع: الأول: العدد ((إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] أَحَدَ عَشَرَ يُعتبر مفرداً هنا وإن كان مركباً في غير هذا الباب, وهذا كما ذكرنا لا يتعرّض له النحاة هنا عند من بوَّبَ للعدد بباب مُستقل، وسيأتي في محله. النوع الثاني: المقدار، وهو ثلاثة أشياء إما مساحة كَشِبْرٍ ارْضًّا, أو كيل: كـ قَفِيزٍ بُرًّا, أو وزن كـ وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً, تثنية مَنا كعصا, ويقال فيه مَنٌّ ويثنى, فيقال فيه مَنّان, مَنّانِ تثنية من, وهو لغة في مَنا كعصا. إذن: الثاني المقدار وهو إما مساحة أو كيل أو وزن وهي التي مثل لها الناظم في قوله: كَشِبْرٍ ارْضًّا مساحة, وَقَفِيزٍ بُرًّا، وهذا مثال للكيل, وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً، هذا مثال للوزن. الثالث: ما يُشبِه المقدار، ليس مقداراً، وإنما يشبه المقدار، يعني ألفاظ أجرتها العرب مُجرى المقدار .. ألفاظ المقدار، يعني السابقة كقفيز أو شبر أو منوين، أجرتها مجرى هذه الألفاظ في الافتقار إلى التمييز، نحو: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً, نقول هذا مثقال يُعتبَر من المقادير، ليس حقيقة وإنما مما أشبه المقادير. ونِحْيٌ سَمناً، نِحيٌ بكسر النون وإسكان الحاء، هذا أشبه ما يكون بوزن عندهم معين ((وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)) [الكهف:109] يعني ما كان فيه معنى أو دلَّ على المثلية كما عبَّر ابن هشام في غير موضع, ما دلَّ على المثلية أو دلَّ على المغايرة: إن لنا مثلها إبلاً, إن لنا غيرَها إبلاً.

الرابع: ما كان فرعاً للتمييز: خاتمٌ حديداً, هذا خاتمٌ حديداً, حديداً هذا تمييز لحديد, فإن الخاتمَ فرعُ الحديد, ومثله بابٌ ساجاً, وجُبّةٌ خزّاً، فهذا تمييز عند المبرد, وجرى عليه ابنُ هشام في سائر كتبه, وعند سيبويه لا يُعتبر تمييزاً وإنما هو حال، هذا خاتمٌ حديداً، حديداً: عند سيبويه حال وليسَ بتمييز؛ لأن التمييز عندَه محصور في بابين المقدار وشبهه فحسب وما عداه فلا, حينئذٍ ما جاء منصوباً وهو مُشبِه للتمييز أعربه حالاً, وقيل: إنه حال, لا يجوزُ جعله تمييزاً، لأن الاسم الذي ينتصب تمييزاً إنما يقع بعد المقدار أو ما يشبه المقدار, وهذا ليسَ واحداً منهما, حينئذٍ تعيّنَ أن يكون حالاً لا تمييزاً، لأن ثَم تناسب بين الحال والتمييز, وهذا مذهب سيبويه وتبعه كثير, والصواب أنه يُعرب تمييزاً لماذا؟ لأنه فارق الحال من ثلاثة جهات: أولاً: كون صاحبها نكرة, هذا خاتمٌ, خاتمٌ نكرة، وصاحب الحال يكون معرفة, هذا خاتم حديداً, جامد لا مُشتقّ. ثالثاً: حديد صفة لازمة أو منتقلة؟ لازِمة إذن: خالفَ الحال من ثلاثة جهات, فالأولى أن يُعرَب تمييزاً خلافاً لما اختاره سيبويه، هذا ما يُسمّى بمفسرٍ لمفرد, وهو ما دلَّ على مقدار وأُلحق به سائر الأنواع الثلاث. والثاني: الجملة فتمييز الجملة رفعَ إبهام ما تضمّنته من نسبةِ عامل فعلاً كان أو ما جرى مجراه من مصدر أو وصف أو اسم فعل إلى معموله من فاعل أو مفعول، يعني النسبة إسناد الفعل وما جرى مجراه إلى معموله؛ سواء كان فاعلاً أو مفعولاً بينهما ارتباط، قد يقع إبهام فيه، حينئذٍ نقول إذا وقعَ الإبهام في النسبة بين الفعل وما جرى مجراه ومعموله كالفاعل والمفعول به احتجنا إلى لفظٍ يكشف هذا الإبهام، ولذلك يُمثّلون له بماذا؟ طابَ زيد نفساً, قالوا هذا محوّل عن فاعل, طابت نفسُ زيد, طابت نفس زيد، (نفس) هذا فاعل, حُذف الفاعل الذي هو المضاف فارتفعَ المضافُ إليه ارتفاعه فقيل: طابَ زيد, حذفتَ المضاف وأُقيمَ المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعه، وسيأتينا في باب الإضافة, حينئذٍ قال: طاب زيد, طاب زيد ماذا؟ هذا يحتمل صارَ مبهماً, حينئذٍ رجعنا إلى المضاف الذي حذفناه, فجِئنا به منصوباً على التمييز ليكشفَ لنا الإبهام الذي وقعَ بحذفه لأنه لما حُذِف وقعنا في إشكال.

فإذا قيل: طاب زيد، ماذا طاب زيد؟ نفساً ((اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا)) [مريم:4] الأصل: اشتعلَ شيبُ الرأس, مضاف ومضاف إليه, شيبُ: فاعل, اشتعلَ شيب الرأس, حُذِف الفاعل الذي هو المضاف, وأُقيم المضاف إليه مقامه, فارتفعَ ارتفاعه, اشْتَعَلَ الرَّأْسُ, اشتعل ماذا؟ حريق, أو قمل أو ماذا؟ اشتعل ماذا؟ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً, رجعنا إلى المضاف الذي حذفناه، فجئنا به فنصبناه على التمييز، فكشفَ لنا إبهام النسبة، اشتعل لوحدها لا تحتاج إلى كشف؛ لأنها واضح المعنى، الرأس لوحدها لا تحتاج إلى كشف, ما الذي يحتاج إلى كشف؟ النسبة .. العلاقة بين الفعل والفاعل, ولذلك نقول: النسبة هي الارتباط بين العامل والمعمول, اشتعلَ لوحده لا يحتاج إلى كشف, رأس لوحده واضح معلوم ليس فيه إبهام, لكن لما نسبتَ الاشتعال إلى الرأس حينئذٍ احتملَ؛ اشتعال ماذا؟ فاحتملَ أكثر من معنى فاحتجنا إلى التمييز فقال: اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً. ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) [القمر:12] فجّرنا عيون الأرض, هذا محول عن مفعول, ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) , فجرنا عيونَ الأرض, فُعِل به ما فُعِل بسابقه، قيلَ فجّرنا الأرض هذا يحتمل، عيوناً رفعنا الإبهام والذي وقعَ في النسبة فجّرنا، التفجير واضح, والعيون فجرنا الأرض، والأرض واضح، لا يحتاج إلى كشف، لكن فجرنا الأرض ماذا؟ هذا محتمل أنهاراً عيوناً غير ذلك حينئذٍ نقول: احتجنا إلى التمييز, ولذلك إذا نظرتَ إلى المعنى فجَّرنا عيون الأرض، فجّرنا الأرض عيوناً، أيهما أبلغ؟ هو لا شكّ القرآن أبلغ، لكن لو قيل في غير القرآن؟ فجرنا الأرض عيوناً كأن الأرض كلها صارت عيوناً, لكن فجرنا عيون الأرض .. عيون الأرض فقط العيون العين الجارية، حينئذٍ نقول (فجرنا عيون الأرض) هذا أدنى في المعنى من قوله ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) إذن: تمييز الجملة يأتي لرفع إبهامِ ما تضمّنته من نسبة العامل إلى المعمول, ثم هو على ثلاثة أنحاء، والمشهور أنه إما محوّل عن فاعل كما ذكرناه في طاب زيد نفساً, وإما محوّل عن مفعول كما في ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) [القمر:12]. قيل: قد يكونُ محوّلاً عن غيرهما, وذلك بعد أفعل التفضيل المخبَر به عن ما هو مُغايِر للتمييز يعني عن المبتدأ, مثل: زيدٌ أكثرُ منك علماً, أصله علمُ زيدٍ أكثر, زيد أكثرُ منك علماً, علمًا أصله مبتدأ, عِلمُ زيدٍ أكثر, حُذِف علمُ الذي هو المبتدأ فصارَ زيد هو المبتدأ, زيدٌ أكثر، أكثرُ ماذا؟ هذا احتملَ صارَ فيه إبهام أكثر منك ماذا؟ علماً فجئنا بالمبتدأ الذي حذفناه فنصبناهُ على أنه تمييز لرفع إبهام النسبة.

ومنه ((أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً)) [الكهف:34] مالي أكثرُ منك, حُذِف مال، انفصلَ الضمير ارتفع صار (أنا)، إذن: أنا أصله الياء مالي، حُذِف المبتدأ مالي ثم انفصل الضمير، ولا يكون في محلّ رفع فجِيء بضمير مُنفصِل يكون في محلّ رفع فقال: أنا, أنا أكثر منك ماذا؟ هذا صارَ فيه إبهام, فاحتجنا إلى المبتدأ الذي حذفناهُ ورددناه لننصِبه على التمييز ليكشِفَ لنا الإبهام, مالي أكثر منك, فإن كان الواقعُ بعد أفعل التفضيل هو عينُ المخبر عنه وجبَ خفضه بالإضافة, مالُ زيدٍ أكثرُ مال, إلا إذا كان أفعل التفضيل مضافاً إلى غيره فيُنصَب، وهذا سيأتي منصوصاً عليه في قول الناظم. وناصبُ التمييز في هذا النوع الجملة عند سيبويه هو العامل الذي تضمّنته الجملة لا نفس الجملة .. العامل الذي تضمّنته الجملة هو الناصب. طابَ زيد نفساً، (نفساً) تمييز منصوب ما العامل فيه؟ طاب هو العامل .. الفعل ماضي هو الذي عمل النصب في التمييز. ((فَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) [القمر:12] عيوناً ما العاملُ فيه؟ فجّر نقول هذا هو العامل في التمييز. ((أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً)) [الكهف:34] أَكْثَرُ هو الخبر, وأكثرُ فيها معنى الفعل. إذن: عندَ سيبويه العاملُ الذي تضمّنته الجملة لا نفس العامل، وهو الذي يقتضيه كلام الناظم كما سيأتي في هذا الباب, وذهبَ بعضُهم وهو منسوب إلى ابن عصفور إلى أن الناصبَ له نفس الجملة, وكلام الناظم هنا مُحتمِل للمذهبين؛ لأن لفظَه عام, بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ هذا يحتمل؛ يحتمل أنه أراد به العامل الذي تضمّنته الجملة, ويحتملُ أنه أراد به نفس الجملة, ولذلك قالَ ابن هشام: أن عمومَه فيه إبطال. محتمِل للمذهبين؛ إذ يصحّ أن يقال إنه فسَّر العامل لأنه رفع إبهام نسبته إلى معموله, وأنه فسَّرَ الجملة لأنه رفعُ إبهام ما تضمنته من نسبة. إذن: قوله اِسمٌ بِمَعْنَى (مِنْ) مُبِينٌ نَكِرَهْ هذا حدٌّ للتمييز. قوله: يُنْصَبُ تَمْيِيزاً هذا بيانٌ لحكمه, يُنْصَبُ هذا الاسم بالقيود السابقة تَمْيِيزاً .. مميزاً, تَمْيِيزاً هذا حال من نائبِ الفاعل, يُنْصَبُ هو نائب الفاعل، تَمْيِيزاً هذا حال منه. بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ: بِمَا هذا جار ومجرور مُتعلّق بقوله: يُنْصَبُ، يُنْصَبُ بِمَا: يعني بالذي قد فَسَّرَهْ، كَشِبْرٍ ارْضًّا، الكاف هذه تمثيلية داخلة على محذوف كقولك: هذا شِبر أرضاً, شِبْرٍ: خبر مبتدأ محذوف، وأرْضًّا: تمييز, هذا شبر، شبر من ماذا؟ ثوب .. بساط .. أرض .. جدار؟ يحتمل هذا وهذاك, حينئذٍ قِيل أرْضًّا، جِيءَ بالتمييز ليكشف لنا إبهام مفرد؛ لأنه مُبهم .. الشبر هذا مُبهم, العامل في (أرْضًّا) هو لفظ الشبر نفسه, وهذا مثال للمساحة. وقفيز برّاً، القولُ فيه كسابقه، قَفِيزٍ بُرًّا، بُرًّا: تمييز منصوب بقفيز, وهو مكيل. وَمَنَوَيْنِ قلنا: تثنية منا كعصا، ويقال منٌّ ويُثنى مَنّان، وَمَنَوَيْنِ عَسَلاً وَتَمْرًا، عَسَلاً هذا هو التمييز، وَتَمْرًا هذا معطوف عليه، ولا يكون ما بعد الواو تمييزاً لأن الواو تُعتبر فاصلاً.

إذن: تمييز الفرد: رفعُ إبهام ما دلَّ عليه من مقدار مساحي, أو كيلي أو وزني وهو ما ذكره الناظم, ولم يذكر غيره لماذا؟ لأنه هو الأصل, الأصل في التمييز الذي يرفع إبهامَ مفرد أن يكون في المقدَّرات, وأما العددُ وإن كان كثيراً لكنه سيأتي في بابه المستقل. قال الشارح: وهو -أي التمييز- كل اسم نكرة مُتضمِّن معنى (من) لبيان ما قبله من إجمال نحو: طاب زيد نفساً، وعند شبر أرضاً, (طاب زيد نفساً) هذا مثال لتمييز الجملة .. النسبة, و (عندي شبر أرضاً) هذا تمييز المفرد. واحترز بقوله: مُتضمّن معنى (من) من الحال .. قلنا الأولى حذفُ كلمة مُتضمّن. من الحال فإنها مُتضمّنة معنى (في). وقوله: لبيان ما قبله: احتراز مما تضمّنَ معنى (من) وليس فيه بيانٌ لما قبله، يعني: ليست (من) فيه بيانية؛ كاسم (لا) التي لنفي الجنس فإن (من) فيها لبيان الاستغراق .. استغراقية؛ ونحو: لا رجل قائم, لا من رجلٍ قائم, نقول: هذه (من) ليست بيانية, وإنما هي للاستغراق. وقوله: لبيان ما قبله من إجمال يشمل نوعَي التمييز, وهما المُبين إجمال ذات, والمبين إجمال نسبة؛ فالمبين إجمال الذات هو الواقع بعد المقادير وهو الأكثر، وهي الممسوحات نحو: له شبر أرضاً، حينئذٍ نقول (أرضاً) هذا العامل فيه شبر وهو جامد, فإن قيل: كيف عمل؟ نقول: لأنه أشبهَ اسم الفاعل في الطلب يقتضي ما بعده لذلك نصبَ, والمكيلات نحو: (له قفيز براً)، والموزونات له (مَنوان عسلاً وتمرا). والأعداد نحو: (عندي عشرون درهماً) وهو منصوب بما قد فسَّره بالمفسَّر يعني، وهو (شبر وقفيز ومنوان وعشرون) , والمبين إجمال النسبة هو المسُوق لبيان ما تعلَّقَ به العامل من فاعل أو مفعول والأمثلة ما ذكرناه. وقد لا يكونُ محوّلاً مثل: امتلأ الإناء ماءً، إذن: المبين لنسبة قد يكون محوَّلاً وقد لا يكون، المحول هو الأكثر، والضابط فيه أن يكون محولاً عن فاعل أو مفعول أو مبتدأ, وغير المحوّل هذا سماعي يحفظ في ألفاظ ولا يُقاس عليه: امتلأ الأناء ماء. والناصبُ له في هذا النوع هو العامل الذي قبله, اختارَ خلافاً ما دلَّ عليه النظم. قال رحمه الله: وَبَعْدَ ذِي وَشِبْهِهَا اجْرُرْهُ إِذَا ... أَضَفْتَهَا كَمُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا ... إِنْ كَانَ مِثْلَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبَا وَبَعْدَ ذِي المذكوراتُ الثلاث كَشِبْرٍ أَرْضًّا: ممسوحات, قَفِيزٍ بُرًّا: مكيلات, مَنَوَيْنِ عَسَلاً: موزونات, بعد ذي الثلاث المذكورات، وَشِبْهِهَا هو النوع الثاني الذي ذكرناه مثله ونحو ذلك, مما أجرتْهُ العربُ مجراها في الافتقار إلى مميِّز، وهي الأوعية المراد بها المقدار كذنوب ماء, وحُبّ عسل بضم الحاء، ونِحي سمناً, ورقود خلاً, وما حُمل على ذلك في كلّ مجمل الحقيقة مرفوع إجماله بما بعده, كل لفظ مُجمل يحتاج إلى كشف ورفع إبهام فهو داخل في هذا, إما أنه محمول على التمييز حقيقة, وإما أنه داخل في قوله وشبهها. وَبَعْدَ ذِي، بَعْدَ هذا ظرف منصوب على الظرفية متعلّق بقوله اجْرُرْهُ.

واجْرُرْهُ أي التمييز بَعْدَ ذِي المذكورات وَشِبْهِهَا إِذَا أَضَفْتهَا. هذا وجه آخر يعني: يجوزُ لك في ما سبقَ النصب وهو الأصل, ويجوزُ لك الإضافة, تقولُ (له شبرٌ أرضاً) , ويجوز أن تقول: له شبرُ أرضٍ, وقفيزُ برٍّ, ومنوا عسلٍ, له شبرُ أرض, له خبر مُقدّم, وشبر مبتدأ مُؤخّر, وهو مضاف وأرض مضاف إليه, هل يُسمّى أرض هذا التمييز أو لا؟ الأكثر على أنه يُسمّى تمييزاً ويكون مجروراً, وابنُ هشام لا يرى أنه يُسمى تمييز .. خرجَ عن باب التمييز إذا أضفته. إذن: هذا تجويزٌ من الناظم تبعاً لما تقرّرَ في لسان العرب أن التمييز المُبين للمفرد يجوزُ إضافته حينئذٍ يخرجُ عن النصب إلى الجرّ، فيكون مجروراً بعد أن كان منصوباً. وَبَعْدَ ذِي المقدرات الثلاث وَشِبْهِهَا: فُهم منه أن التمييز بعدَ العدد لا يجيءُ بالوجهين يعني: اثْنَا عَشَرَ كَوْكَباً, لا يتصوّر هنا الإضافة, ولذلك قلتُ أن باب العدد الأصل أنه لا يدخل هنا, فيمن بوَّبَ للعدد, فالأحكام هنا خاصة بما عدا العدد؛ لأنهم سيذكره في باب مُستقلّ. إذن: وَبَعْدَ ذِي هذا اسم إشارة خص به المذكورات، وَشِبْهِهَا أخرج به العدد, حينئذٍ العدد لا يجوز فيه الوجهان، بل يتعينُ فيه النصب فيما نصب تمييزه, والخفض فيما خفض تمييزه، وأما جواز الوجهين النصب في المخفوض أو الخفض للمنصوب فليس داخلاً معنا, إنما هو خاص بهذه المذكورات. اجْرُرْهُ وجوباً أو جوازاً؟ قطعاً جوازاً، كيف نقول واجب؟ بل هو جوازاً. اجْرُرْهُ يعني جوازاً، فإن أُرِيد نفسُ الآلة التي يُقدّر بها وجبَ الجرَ. يعني الآن إذا قيل مقدار .. كيل. إذا قلت مثلاً اشتريت صاعاً تمراً، المقدار يطلق ويراد به الآلة الصاع نفسه الصاع, ويراد به ما كِيل به, فإذا قلت: اشتريت صاعا تمراً, هل أنت اشتريت التمر الذي وُزِن في لصاع أم الصاع الذي يُوزَن به التمر؟ يحتمل هو, يحتمل هذا وذاك, فإذا قلت: اشتريتُ صاعاً تمراً, في أصل التركيب يُطلق الصاع ويراد به نفس الآلة, ويُطلق الصاع ويُراد به ما يكال به، يحتمل هذا وذاك. إذا جررتَ حينئذٍ صار محتملاً، لأننا جوزنا في الوجه الأول السابق كَشِبْرٍ أَرْضًّا جوّزنا فيه الوجهين, وإذا أردنا به الآلة تعيّنَ الجرُّ, فإذا جررنا حينئذٍ صارَ مُحتملاً للصاع نفسه, وللذي كِيل به الصاع, لكن إذا أُضيف وأُريد به اسم الآلة صار على معنى اللام لا على معنى (من). وإذا نصبنا قيلَ تعيّنَ في أن المراد به نفسُ التمرِ لا الصاع, يعني لا يُراد به الآلة. إذن: تجويزُ الوجهين -النصب مع الجر- نقول هذا يختلفُ به المعنى, ليس هكذا، فإذا نصبنا حينئذٍ تعينَ أن يدل على أن المتكلم أراد أن عنده ما يملأ الوعاءَ المذكور من الجنس المذكور. اشتريت صاعاً تمراً، بالنصب يتعين هذا, وأما إذا جررتَه حينئذٍ يحتمل, فهو نصٌّ في المقصود, وأما الجرّ فيحتمل أن يكون مراده ذلك, وأن يكون مرادُه بيان أن عنده الوعاء الصالح لذلك؛ لأن المقدار يُطلق ويُراد به ما يُعرف به قدر الشيء من آلة مساحة أو آلة وزن أو آلة كيل ويُطلق بمعنى الشيء المقدّر بالآلة, فهو يحتمل هذا وذاك.

إذن: اجْرُرْهُ نقول: هذا جوازاً، متى؟ إذا أردنا الشيء الذي يُكال؛ التمر نفسه, البر نفسه, وإذا أردنا الآلة نفسَها المنا والقفيز والشبر -إذا أردنا الآلة نفسها وجب الجر لكن لا يكون على معنى (من) وإنما يكون على معنى اللام. جوازاً .. اجرره جوازاً فإن أُريد نفس الآلة التي يُقدّر بها وجب الجر, لكن ليس هذا مراداً هنا, لأن الإضافة فيه على معنى اللام لا (من)، حتى يكون تمييزاً, فليس بتمييز, لكن إذا تُكلِّم به يلتبس بالتمييز. إذا أَضَفْتَهَا يعني: أضفتَها إلى التمييز هذه المقدّرات الثلاث إذا أضفتَها إلى التمييز اجرره جوازاً. كَمُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا كقولك: مُدُّ حِنْطَةٍ غِذَاء, عندي مدٌّ حِنطةً هذا الأصل, مثل صاعٌ .. حنطةً، حنطةً هذا نقول تمييز وقع بعد المدّ والمد هذا اسم آلة، حينئذٍ جاز إضافته إلى التمييز فتقول عندي مدُّ حنطةٍ بالإضافة, فيحتمل النوعين لكن ليس النوع الثاني مراد هنا. (مدُّ حنطةٍ) الآلة نفسها وجب الجر يعني مدٌّ للحنطة, ويحتمل ماذا؟ الشيء المقدر نفسه الحنطة, حينئذٍ يكون (مدّ حنطةٍ) مدٌّ من حنطة على معنى (من)، لكن باللام ليس هو المراد، لكن إذا تُكلّم به يحتمل الوجهين. وَبَعْدَ ذِي وَشِبْهِهَا اجْرُرْهُ جوازاً إِذَا أَضَفْتَهَا يعني: إلى التمييز المنصوب؛ إذا أضفتها إليه. كَمُدُّ حِنْطَةٍ، مُدُّ مبتدأ وهو مضاف, وحِنْطَةٍ مضاف إليه. غِذَا هذا خبر المبتدأ, مُدُّ: مبتدأ, وغِذَا: هذا خبر المبتدأ. وشبرُ أرضٍ، شبرٌ أرضاً, وقفيزُ بر, (قفيزاً) (براً) هذا الأصل, و (مَنوا عسلٍ) منوين هذا الأصل فيه, غِذَاء أعربه الشاطبي بدلاً أو حالاً, وغذاء بمعجمتين ككتاب, غذاءٌ ككتابٌ, وهو ما يُغتذى به في أي وقت, غذاء في أي وقت, وأما الغذاء كسحاب فهو ما يُؤكل أول النهار, غذاء كسحاب. وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا ... إِنْ كَانَ مِثْلَ مِلْءُ الاَرْضِ ذَهَبَا هذا تقييدٌ للبيت السابق، اجْرُرْهُ مطلقاً، ولو أُضيف إلى غير التمييز؟ لا، وإنما يشترط فيه أن لا يُضاف إلى غير التمييز, فإن أُضيف حينئذٍ وجبَ نصبُ التمييز, هذا البيت تقييدٌ لسابقه؛ فمعنى اجرره إذا أضفتها أي: إلى التمييز؛ بخلاف (ما) إذا كانت مضافة إلى غيره, إذا كانت هي مضافة إلى غيره حينئذٍ تعيّنَ النصب. مِلْءُ الاَرْضِ ذَهَبَا (ذَهَبَا) هذا تمييز؛ لا يصح أن يُضاف إلى ما قبله؛ لماذا؟ لأنَّ مِلْءُ الاَرْضِ مضاف ومضاف إليه, مِلْءُ .. مِلْءُ ماذا؟ مِلْءُ الاَرْضِ ذَهَبَا، (مِلْءُ الاَرْضِ) هذا مُحتمل؛ فيه إبهام, فإذا قلت (مِلْءُ الاَرْضِ ذَهَبَا) هل يُتصوّر فيه الإضافة لا يتصور, لماذا؟ لأنه هو في نفسه مضاف والعرب لا تركّب ثلاث كلمات. وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا وَالنَّصْبُ هذا مُبتدأ, بَعْدَ هذا مُتعلق بقوله النَّصْبُ لأنه مصدر، والمصدر يتعلَّق به الظرف. بَعْدَ مَا أُضِيفَ ما هو الذي أُضيف؟ يعني من هذه المقدّرات الثلاث، لغير التمييز وَجَبَا الألف للإطلاق النصب وجبا, وجبا هذا خبر النصب.

إِنْ كَانَ إن كانَ المضاف لا يصحّ إغناؤه عن المضاف إليه، مثل ماذا؟ مِلْءُ الاَرْضِ ذَهَبَا، الاَرْضِ هنا الهمزة مُسهّلة, ملء الاَرْضِ بتحريك اللام .. ذَهَبَا, حذف خبره لملء مبتدأ, وهو مضاف والأرض مضاف إليه, وذهبا التمييز والخبر محذوف؛ يعني لي .. جار ومجرور متعلق بمحذوف. ومثله: (مَا فِي السَّمَاءِ قَدرُ رَاحَةٍ سَحَاباً)؛ إذ لا يصحّ (ملءُ ذهبٍ)، لا يصحّ أن يقال (ملءُ ذهبٍ) , ملءُ: مضاف إلى الأرض حينئذٍ يمتنع أن يُضاف التمييز -الذي هو ذهب- إلى ملء الأرض, فلا يُقال ملءُ ذهبٍ, ولا قدرُ سحابٍ، فإن صحّ إغناء المضاف عن المضاف إليه جازَ نصبُ التمييز وجازَ جرّه بالإضافة بعد حذف المضاف إليه. أشجعُ الناس رجلاً زيد, لو قال: هو أشجعُ رجلٍ؛ يعني إذا حذف المضاف وأُضيف إلى التمييز فصح المعنى، حينئذٍ نقول يجوز فيه الوجهان: أن يبقى على أصله فينصب فيكون جائز النصب, ويحتمل أنه واجب النصب. إذن: جائزُ النصب مع جرّه بعد حذف المضاف إليه، إذا قيل زيد أشجع الناس رجلاً، حينئذٍ نقول أشجع رجل يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لماذا؟ لأنه صح أن نستغني بالتمييز عن المضاف إليه, لكن (ملءُ ذهبٍ) هذا لا يصحّ، قدرُ سحابٍ نقول لا يصح، حينئذٍ يمتنع. وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا ... إِنْ كَانَ مِثْلَ مِلْءُ الاَرْضِ ذَهَبَا يعني: أن المميَّز إذا أُضيف وجبَ نصبُ التمييز، ومنه قولُه: إِنْ كَانَ مِثْلَ .. إلخ, أنه لا يجب نصبُه إلا إذا كان كالمثال المذكور وهو إن كان المضاف لا يصحّ إغناؤه عن المضاف إليه. قال: فإن أُضيف الدال على مقدار إلى غير التمييز وجب نصبُ التمييز نحو: ما في السماء قدر راحة سحاباً, وهذا مُقيّد بأنه إذا لم يصحّ إغناء المضاف إليه عنه، ومنه قوله تعالى ((فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا)) [آل عمران:91] فلا يُقال: ملءُ ذهبٍ, لكن المثال الذي ذكرناه سابقاً يصح. وَالْفَاعِلَ الْمَعْنَى انْصِبَنْ بِأَفْعَلاَ ... مُفَضِّلاً كَأَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلاَ هذا البيت خاص بأفعل التفضيل .. تمييز أفعل التفضيل، الاسمُ النكرة إذا وقعَ بعد أفعل التفضيل وكان فاعلاً في المعنى وجب نصبُهُ على التمييز هذا مرادُه, الاسمُ النكرة إذا وقعَ بعد أفعل التفضيل وكان فاعلاً في المعنى وجب نصبه على التمييز. وَالْفَاعِلَ الْمَعْنَى انْصبَنْ انصبن الفاعل المعنى، الْفَاعِلَ هذا مفعول به لقوله: انْصبَنْ.

الْمَعْنَى هذا على نزعِ الخافض .. منصوب على نزع الخافض. والفاعل في المعنى لا غيره، من أين أخذنا الفاعل المعنى لا غيره؟ لأنه قدَّمَ ما حقه التأخير فأفاد الحصر. وَالْفَاعِلَ الْمَعْنَى أي: لا غيره. انصبن على التمييز بأفعل التفضيل مُفَضِّلاً هذا حال من فاعل انصبن، انصبن أنت حال كونك مُفضّلاً له على غيره؛ نحو: ماذا؟ مثَّل له بقوله: أَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلاً, (منزلاً) هذا لو نظرنا فيه فإذا به فاعل في المعنى؛ يعني لو جعلنا مكان أفعل التفضيل من لفظه فعل، ونظرنا فيما بعده، فإذا به تقول أنت علا منزلُك, إذن: منزلُك هذا الذي نصبناه على أنه تمييز في الأصل هو فاعل في المعنى, كيف نعرفُ أنه فاعل في المعنى؟ نأتي بفعلٍ من لفظ أفعل التفضيل، ثم ننظر في التمييز ما علاقته به؟ فإن كان فاعلاً حيئنذٍ قلنا فاعل في المعنى وإلا فلا؟ وَالْفَاعِلَ الْمَعْنَى انْصِبَنْ بِأَفْعَلاَ ... مُفَضِّلاً كَأَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلاَ أَعْلى هذا فيه ضمير يعودُ على أنت؛ أنت مبتدأ وأعلى هذا خبر, مَنزلاً هذا تمييز, وأعلى هذا فيه ضمير مستترٌ يعود على أنت, وهو بدل الكاف (منزلك) أين ذهبت الكاف؟ نقول استتر في أعلى, ومنزلاً هذا تمييز لأي شيء؟ أَعْلَى أي شيء؟ أَعْلَى مُحتمِل أو لا؟ فيه إبهام فيه إبهام. إذن: نقول هذا تمييز لأفعل التفضيل, وأنت أكثرُ مالاً؛ حينئذٍ تقول كَثُرَ مالك, إذن صار فاعلاً في المعنى. قال الشارح: التمييزُ الواقع بعد أفعل التفضيل إن كان فاعلاً في المعنى وجب نصبه, وإن لم يكن كذلك وجبَ جرُّه بالإضافة، والفاعل المعنى هو المتصل بالمعنى في الحقيقة، وهو السبببي، وعلامته أن يصلح للفاعلية عند جعل أفعل فعلاً، وعلامة ما هو فاعل في المعنى أن يصلحَ جعله فاعلاً بعد جعل أفعل التفضيل فعلاً؛ نحو: أنت أعلى منزلاً وأكثر مالاً؛ فـ (منزلاً ومالاً) يجب نصبهما إذ يصح جعلهما فاعلين بعد جعل أفعل التفضيل فعلاً, فتقول: أنت علا منزلُك, وكثر مالُك, أعلى منزلاً؛ منزلك كان فاعلاً ثم نُقل وجُعِل تمييزاً ثم المضاف إليه منزلك الكاف استترَ في الفعل وصار فاعلاً, ومثالُ ما ليس بفاعل في المعنى (زيد أفضل رجل) , و (هند أفضل امرأة) , لو جئتَ بفعل زيد يفضُلُ رجل؛ ما يأتي هنا فاعل في المعنى, وكذلك هند تفضُلُ امرأة؛ نقول: ليس هذا بفاعل في المعنى.

وضابط ما ليس بفاعل في المعنى ما أفعل التفضيل بعضُه, وعلامتُهُ أن يصحَّ أن يُوضع موضع أفعل بعض -لفظ بعض- ويُضاف إلى جمع قائم مقامه, زيدٌ أفضل فقيهٍ، زيد: مبتدأ، وأفضل: هذا خبر، وهو مضاف وفقيه مضاف إليه, فإنه يصحّ فيه أن يقال: زيد بعض الفقهاء, فهذا النوع يجبُ جرُّه بالإضافة زيد أفضل فقيه, زيد بعضُ الفقهاء, إن صحَّ أن يجعل مكان أفعل التفضيل لفظُ بعض، ويؤتى بما بعده جمعاً حينئذٍ نقول وجب جره لأنه ليس فاعلاً في المعنى, فيجبُ جرّه بالإضافة إلا إذا أُضيف أفعل إلى غيره كالسابق .. كما ذكرناه سابقاً هناك: وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا، إن أضيف أفعل التفضيل إلى غير التمييز حينئذٍ وجبَ نصبه، أنت أفضل الناس رجلاً، نقولُ: رجلاً هذا تمييز، وأفضل هنا يصحّ جعلها بعض, أنت بعض الرجال, زيد أفضل فقيه، زيد بعض الفقهاء,. إذن: صحَّ أن يكون بمعنى بعض، فحينئذٍ نقول وجبَ جرّه، لكن منعَ مِن الجر هنا كونُهُ مضافاً فرجعَ التمييز على أصله فوجبَ نصبه. وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا ... مَيِّزْ كَأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا يعني: من المواضع التي يكون فيها التمييز منصوباً واجبَ النصب بعد ما اقتضى تعجباً، والمراد به ما اقتضى تعجباً وضعاً أو سماعاً, والوضعُ هما الصيغتان الموضوعتان في لسان العرب, ما أفعله وأفعل به، حينئذٍ إذا جاء التمييز بعدهما فهو منصوب واجب النصب, وكذلك ما إذا كان سماعياً وهي ألفاظ تُحفَظ ولا يُقاس عليها. وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا: (بَعْدَ) مُتعلّق بميّز. مَيّز بعد كل ما اقتضى تعجباً؛ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا؛ إما وضعاً وهو ما أفعله وأفعل به، أو لا وهو ألفاظ محفوظة في لسان العرب؛ نحو ماذا؟ لله دره فارساً. وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا ... مَيِّزْ كَأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا أينَ التمييز هنا؟ أينَ صيغة التعجب؟ أَكْرِمْ بِأَبِي, ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] مثله، أباً هذا تمييز واجب النصب، منصوب بماذا؟ أَبٌ أخٌ حَمٌ كَذَاكَ وَهَنُ,؟؟؟ يقعُ التمييز بعدَ كل ما دلَّ على تعجب, وجهُه أن التمييز يُزيل الإبهام, والتعجبُ لا يكون إلا مِن شيء خفِي سببه, هذا في حقّ المخلوق, فإذا خفي سببه جِيءَ بالتمييز ليزيل الإبهام وليشرح السبب, وهذا في التمييز غير المؤكِّد, لكن في حاصل التعجب هذا السبب قيل فيه نظر. يقعُ التمييز بعد كل ما دلَّ على تعجب، لكنه ليس خاصاً بالصيغتين الموضوعتين اصطلاحاً، (للتعجب) فدخل فيه ما أفهمَ التعجب من غير الصيغتين, ما أحسن زيداً رجلاً, (ما) هذه تعجيبية بمعنى شيء، والصحيح أنها مبتدأ, وأحسن زيداً هذا فعل وفاعل ومفعول به والجملة خبر, ورجلاً هذا تمييز؛ تمييز من مفعول أحسن, وأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا .. قال في شرح الكافية: المراد به أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه, ولله درُّكَ عالماً, هذا سماعي, حسبُك بزيد رجلاً، سماعي كذلك, وكفى به عالماً، هذا سماعي, ويله رجلاً سماعي, ويحه إنساناً، هذا كله سماعي. وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ ... وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى كَطِبْ نَفْسَاً تُفَدْ

هذا الوجه الثالث مما يجوزُ في المقدَّرات السابقة, قلنا: يجوزُ فيها النصب هذا الأصل كَشِبْرٍ أَرْضًّا, ويجوزُ فيها الجرُّ بإضافتها إلى التمييز، هنا قال يجوزُ فيها إظهار (من) , عندي شبرٌ مِن أرض, وقفيزٌ مِن بر, ومنوانِ مِن عسل، إذن فيه ثلاثة أوجه: شبرٌ أرضاً، شبرُ أرضٍ بالإضافة، شبرٌ من أرضٍ, كونه مميزاً في حالة النصب محلّ وفاق, وأما إذا ظهرت (من) أو أُضيف فمحل نزاع، إذا أضيف واضح أنه تمييز, وأمّا إذا ظهرت (من) فيحتاج! وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ، وَاجْرُرْ يعني جوازاً، ليس وجوباً، لأنه يجوز إضافته ونصبه وَاجْرُرْ بِمِنْ لفظا كلّ تمييز صالح لمباشرتها. إِنْ شِئْتَ علّقَه بالمشيئة، هذا قرينة دالة على أن قوله اجْرُرْ المراد به التخيير. غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ: غَيْرَ مفعول اجْرُرْ, اجرر غير ذي عدد، وَالْفَاعِلَ الْمَعْنَى. إذن: كلُّ تمييز صالح لأن يُباشره (مِن) فاجرره، واستثنى حالتين: مسألتين عندهم فيما إذا كان التمييز تمييزَ عدد ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] لا تقل: أحد عشر من كوكب؛ ممنوع, كذلك الفاعل المعنى، يعني تمييز النسبة إذا كان محوّلاً عن فاعل، (طاب زيد من نفس) لا يصح, بل يبقى على أصله ماذا بقي؟ المقدَّرات كلها، وذكرنا أمثلتها، بقي من النسبة ((وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا)) [القمر:12] هل يجوز أو لا؟ ظاهر كلام الناظم أنه يجوز أن يقال في غير القرآن (وفجرنا الأرض من عيون) لأنه استثنى مسألتين فقط: وهما العدد والفاعل المعنى، والصوابُ أنه يُضاف إلى الفاعل المعنى ما كان مفعولاً في المعنى. وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ ... وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى ... والفاعل في المعنى هذا معطوف على قوله: (ذِي) الْفَاعِلِ بالكسر .. والفاعلِ بالخفض عطفاً على (ذِي) غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ, يعني: صاحب العدد، وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى، ويستثنى كذلك المحوَّل عن المفعول؛ فإنه يمتنع فيه الجر بـ (من)؛ فهذه ثلاث مسائل مستثناة. أجاز بعضهم (شبرٌ أرضٌ) , عندي شبرٌ أرضٌ, عندي: هذا خبر، شبرٌ: مبتدأ، أرض بدل مما قبله, لكن ضعّفه الكثير. كَطِبْ نَفْساً تُفَدْ: أصله لتطبْ نفسك, نفساً هذا تمييز محول عن الفاعل, طب نفساً, نفساً هذا تمييز، حينئذٍ هل يصح أن نقول: طبْ من نفس؟ لا, هذا مثال لأي شيء لما جاز جرّه بـ (من) أو لما امتنع؟ للثاني, لأنه مثَّلَ لما كان فاعلاً في المعنى. كطب نفساً، فلا تقل طب من نفس لأنه فاعل في المعنى, حينئذٍ نقول: إذا ألحقنا المفعول المحوَّل عن المفعول نقول الصحيح أن المحول لا يصح جرَّه بـ (مِن)؛ سواء كان محولاً عن فاعل أو عن مفعول أو عن مبتدأ, وإنما الحكمُ خاص هنا بالمفردات .. المقدَّرات السابقة. (وَاجْرُرْ) هذا يتناول تمييز الاسم المفرد والنسبة غير المحول فقط، لكن نستثني المحول بجميع أصنافه.

وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى: يعني الفاعل في المعنى؛ يعني اجرره بـ (مِنْ) لفظاً؛ كل تمييز صالح لمباشرته؛ لأنها فيه معنى .. هي فيه معنى مقدرة من جهة المعنى؛ كما أن كل ظرف فيه معنى (في)؛ وبعضه صالح لمباشرتها؛ وكل تمييز فإنه صالح لمباشرة (من) إلا نوعين على ظاهر لفظ النظم؛ وهو العدد وما هو فاعل في المعنى. قال الشارح: يجوزُ جرُّ التمييز بـ (من) إن لم يكن فاعلاً في المعنى، ولا مميزاً لعدد، فتقول: عندي شبر من أرض, وقفيزٌ من بر ومنوانِ من عسل وتمر, وغرستُ الأرض من شجر، جرى على ظاهر النظم. يعني: كأن مراد الناظم هنا أن المحوَّل عن المفعول تدخله (مِن)، والصواب أنه كالفاعل. ولا تقول: طابَ زيد من نفس، ولا عندي عشرون من درهم، وقد يُقال بأنه .. ما وقفت على هذا، لكن قد يُعلّل بأن ثم فرقاً؛ الفاعل لا تدخل عليه (من) , وأما الممفعول فكثيرا ما تدخل عليه (مِن) الزائدة, لكن الصواب هو الأول. وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا ... وَالْفِعْلُ ذُو التَّصْرِيفِ نَزْراً سُبِقَا عامل التمييز يجبُ تقديمه على التمييز؛ بمعنى أنه يجبُ تأخيرُ التمييزِ عن عامله فلا يتقدَّمُ عليه البتة. وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا هذا حالٌ من عامل التمييز، قدّم عامل التمييز، عامل هذا مفعول به مُقدَّم، وهو مضاف والتمييز مضاف إليه, وقدم هو العامل فيه. مُطْلَقَا هذا حال من عامل التمييز, العامل في التمييز يجبُ تقديمه عليه، فيلزم وجوب تأخير التمييز، مطلقا يعني: سواء كان اسماً جامداً؛ فلا تقل: له عندي كتاباً عشرون, لا يصحّ بل يجبُ تأخيره، لماذا؟ لأن (عشرون) هذا مفرد، وهذا محل إجماع, كذلك إذا كان محوَّلاً، (نفساً طاب زيد) نقول لا يصح, (عيوناً فجرنا الأرض) لا يصح كذلك. ولو فعلاً متصرفاً وفاقاً لسيبويه والفراء وأكثر البصريين والكوفيين؛ لأن الغالبَ في التمييز المنصوب بفعل مُتصرّف كونه فاعلاً في الأصل. إذن قوله: قَدِّمْ مُطْلَقَا .. أعلى درجات العامل أن يكون فعلاً متصرفاً, حينئذٍ ولو كان فعلاً متصرفاً فغيره من بابٍ أولى وأحرى أن لا يتقدم عليه, وهذا وفاقاً لسيبويه وما عطف عليه، لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف كونه فاعلاً في الأصل, وقد حُوِّل الإسنادُ عنه إلى غيره لقصد المبالغة؛ فلا يُغيَّر عما يستحقه من وجوب التأخير لما فيه من تقديم الفاعل على عامله, وهذا لا يجوزُ عند البصريين. لو قدّمنا التميز على العامل حينئذٍ قدّمنا ما أصله الفاعل, وإذا كان كذلك خالفنا أصلاً آخر, لما فيه من الإخلال بالأصل, أما غيرُ المتصرف؛ يشمل الجامد والاسم .. أما غير المتصرف فبالإجماع؛ يعني الجامد لا يجوز, نحو: ما أكرمَك أباً, نقول (أباً) هذا لا يجوز تقديمه؛ لأن ما أكرمك هذا صيغة تعجّب, وهي غير مُتصرفة فلا يتصرف في معمولها. ونعمَ رجلاً زيداً؛ لا يقال (رجلاً نعم زيداً) لا يجوز لأن نعم هذا فعل جامد, وهذا محل إجماع.

والاسم كذلك بالإجماع لا يتقدَّمُ عليه التمييز؛ نحو: عندي عشرون درهماً, فلا يجوز (عندي درهماً عشرون)؛ لا يتقدم عليه وهذا محل وفاق؛ لأنه ضعيف والعامل الضعيف لا يتصرف في معموله. وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا أما توسُّطه بين العامل ومعموله فهو جائز بالإجماع (طاب نفساً زيد) توسَّطَ بين العامل ومعموله هذا جائز بالإجماع, والكلامُ هنا في تقديم التمييز على العامل. وَعَامِلَ التَّمْيِيزِ قَدِّمْ مُطْلَقَا وأما تقديم التمييز على معمول العامل دون العامل هذا جائز. وَالْفِعْلُ ذُو التَّصْرِيفِ نَزْراً سُبِقَا قليل؛ قيل شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه. وَالْفِعْلُ ذُو التَّصْرِيفِ يعني: مُتصرف أي: مجيءُ عاملِ التمييز الذي هو فعل متصرِّف مسبوقاً بالتمييز نزرٌ، أي: قليل، قليل أن يتقدم التمييز على العامل وهو فعل متصرف. وَالْفِعْلُ: مبتدأ، ذُو التَّصْرِيفِ نعت، نَزْراً سُبِقَا: الألف للإطلاق وسُبِقَ هذا مغير الصيغة وفيه نائب فاعل, ونَزْراً هذا حال منه .. يعني قليل. قال الشارح: مذهبُ سيبويه رحمه الله أنه لا يجوزُ تقديمُ التمييز على عامله سواء كان مُتصرّفاً أو غير مُتصرف مطلقاً, فلا تقولُ نفسًا طاب زيد, ولا عندي درهماً عشرون، وأجاز الكسائي والمازني والمبرد تقديمه على عامله المتصرف مُحتجينَ بما ورد وقياساً على غيره من الفضلات المنصوبة بفعل متصرف .. من باب القياس؛ فتقول نفساً طابَ زيد, وشيباً اشتعلَ رأسي؛ ومنه قوله: أَتهْجُرُ لَيْلَى لِلْفِرَاقِ حَبِيبَهَا ... وَمَا كَانَ نَفْساً بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ وَمَا كَانَ نَفْساً بِالْفِرَاقِ تَطِيبُ, أين العامل؟ تَطِيبُ, وهنا نفساً تقدّم عليه. والفراء وأكثر البصريين والكوفيين على المنع، لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل مُتصرِّف كونه فاعلاً في الأصل. قال: ووافقه المصنفُ في غير هذا الكتاب على ذلك وجعله في هذا الكتاب قليلاً, فإن كان العاملُ غير متصرف فقد منعوا التقديم بالإجماع؛ يعني: الجامد والاسم, فلا يُقال (ما أحسن زيداً رجلاً) أو غيره، لا يتقدّم (رجلاً) على (ما أحسن)، ولا يتوسط، و (عندي عشرون درهماً) لا يتقدم (درهماً) على (عشرون) , وقد يكون العامل مُتصرِّفا ويمتنع تقديمُ التمييز عليه عند الجميع (كفى بزيد رجلاً) , (كفى يكفي)، إذن هو متصرف هذا بالإجماع لا يجوز تقديم التمييز عليه؛ لأنه أشبهَ الجامد من حيث دلالته على المعنى, والجامدُ لا يصحُّ تقديم التمييز عليه, وكذلك ما أشبهه في المعنى مثل كفى. وأجمعوا على منع التقديم في نحو كفى بزيد رجلاً لأن كفى وإن كان فعلاً متصرفاً إلا أنه في معنى غير المُتصرّف فهو فعل التعجب، لأن معناه ما أكفأه رجلاً. إذن: كفى لكونه في معنى فعل التعجب مُنع من أن يتقدّم عليه. بقيَ مسألة ونختم بها وهي: ما اتفقَ فيه الحال والتمييز وما افترقا, يتفقُ الحال والتمييزُ في خمسة أمور, ويفترقان في سبعة أمور, يتفقان في أنهما: اسمان .. نكرتان .. فضلتان .. منصوبتان .. رافعتان للإبهام. ويفترقان في سبعة أمور: الأول: أن الحال تجيءُ جملةً وظرفاً, والتمييز لا يكون إلا اسماً. الثاني: الحال قد يتوقّفُ معنى الكلام عليها بخلاف التمييز.

الثالث: الحالُ مُبينة للهيئات, والتمييز مُبين للذوات والنِّسَب، الحال مميز للهيئة, وأما التمييز مبين للذات نفسها, إذا قلت: جاء زيدٌ راكباً, (راكباً) هذا بين الهيئة, أما زيد فهو معلوم, فإذا قلت (عندي عشرون) الذات نفسها غير معلومة فإذا قلت كتاباً أفصحت عنه. الرابع: الحال تتعدّد بخلاف التمييز فلا يتعدّد. الخامس: الحال تتقدّمُ على عاملها إذا كان فعلاً متصرفاً أو وصفاً يشبههُ, ولا يجوز ذلك في التمييز على الصحيح. السادس -وهذا محل خلاف-: حق الحال الاشتقاق, وحق التمييز الجمود, وقد يتعاكسان. السابع: الحال قد تأتي مؤكِّدة لعاملها بخلاف التمييز. الحال جماهير النحاة على أنها تأتي مؤكِّدة, وأما التمييز فالعكس جمهور النحاة على أنه لا يأتي مؤكِّداً. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيا محمد ... !!!

68

عناصر الدرس * شرح الترجمة (حروف الجر) ـ * تعداد حروف الجر ,وإختصاص بعضها بقوم دون غيرهم * أقسام حروف الجر من حيث الإختصاص وعدمه * معاني حروف الجر * فائدة: هل ينوب حرف عن حرف؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آلة وصحبه أجمعين: قال الناظم رحمه الله تعالى: حُرُوفُ الْجَرِّ، أي: هذا بابُ بيان ما يتعلّقُ بحروف الجر, ومقصودُه الشروع في المجرورات كما ذكرناه سابقاً, لأن النحاة يقسِّمون الأسماء إلى مرفوعات ومنصوبات ومجرورات, فلمّا أنهى الكلام على المرفوعات بقسميه الرئيسين: الفاعل والمبتدأ, ثم المنصوبات وعدَّها المفاعيل السابقة والعامل فيها شرعَ في بيان ما يتعلّق بالمجرور, والمجرور على قسمين, المجرور يعني الاسم الذي دخلهُ الجر, وهو الذي يقتضيه الحرف, المجرور على قسمين: إما إن يكون مجروراً بحرف, وإما أن يكون مجروراً بإضافة. وجرت عادةُ النحاة على تقديم المجرور بالحرف على المجرور بالإضافة, وهذا لسببٍ عندهم وهو أن المجرور بالإضافة على نيّةِ الحرف, حيئنذٍ الحرفُ الملفوظ يكون أولى بالتقديم من الحرف المنوي. إذن: الباب الثاني (الإضافة) مبنيّ على الباب الأول وهو حروف الجر, وإذا قيلَ بأن المضاف هو العاملُ على الصحيح وليس ثم حرف مقدّر أو منوي، فحينئذٍ نقول جرت عادةُ النحاة على تقديم الحرف .. حرف الجر؛ لأنه لم يُختلَف في كون حرف الجر هو المقتضي للخفض، وأما المضاف والإضافة والحرف المنوي فهذا محلّ نزاعٍ بين النحاة. (حُرُوفُ الْجَرِّ) سُميت حروف الجر قيلَ لأنها تجر معاني الأفعال إلى الأسماء, هذا المشهور يعني تُوصل إليها تلك المعاني التي تضمّنتها الأفعال التي هي المتعلَّق بالنسبة للحرف, فيكونُ المرادُ حينئذٍ -حروف الجر- المرادُ بالجر هنا المعنى المصدري، ومن ثم سمّاها الكوفيون حروف الإضافة، لأنها تُضيف معاني الأفعال إلى الأسماء يعني تُوصلها إليها, وهذا صارَ المعنى واحدا؛ سواء سميناها حروف الجر, المعنى المصدري وهو إيصال المعاني من الأفعال إلى الأسماء, أو صارَ من جهة الإضافة إضافة المعنى الذي دلَّ عليه الفعل إلى الأسماء, ومن ثَم سماها الكوفيون حروفَ الإضافة؛ لأنها تُضيف معاني الأفعال إلى الأسماء يعني تُوصلها. وإما لأنها تعملُ الجر، لماذا سُمّي حرف جر؟ لأنه يعمل بالعمل المخصوص بالاسم, وحينئذٍ يكون المرادُ بالجر هو الإعراب المخصوص, تغييرٌ مخصوصٌ علامته الكسرة وما ناب عنها، أو نفسُ الكسرة وما نابَ عنها. والمراد بإيصال حرف الجر معنى الفعل للاسم ربطُهُ به, أن يكون الحرفُ رابطاً ووسيلةً بين الفعل والاسم الذي هو مجرور الحرف, ربطُهُ به على الوجه الذي يقتضيه الحرف من ثبوته له أو انتفائه عنه, يعني إما أن يكون الحرفُ وسيلةً لإثبات معنى الفعل السابق الذي هو المتعلّق إلى المجرور, وإما أن يكون بالانتفاء, والمراد بالانتفاء هنا لإدخال (خلا) و (عدا) و (حاشا)؛ لأنها سبق أنها حروف تجرُّ في بعض الأحوال, فإذا جرّت حينئذٍ ما المعنى الذي تضيفه إلى الأسماء؟ (جاء القوم خلا زيدٍ, عدا زيدٍ, حاشا زيدٍ) هي قطعت معنى الفعل عما بعدها, أنت قلت (قام القوم خلا زيدٍ) , هل القيام الذي اتصفَ به الفعل ودلَّ عليه الفعل موصولٌ إلى ما بعد خلا أم أنه مصروف عنه؟

مصروف عنه, حينئذٍ نقولُ: كيف نقول هي توصل المعاني, وهنا في (خلا وعدا) قد فصلت تلك المعاني؟ نقول: المراد بالإيصال سواء كان على جهة الثبوت أو على جهة الانتفاء لإدخال هذه العوامل الثلاث. إذن: المراد بإيصال حرفِ الجر معنى الفعل للاسم ربطُهُ به على الوجه الذي يقتضيه الحرف من ثبوته له أو انتفائه عنه؛ ليشملَ حروف الاستثناء التي تجرّ لأنها لتنحية معنى الفعل عن مدخُولها لا لإيصاله إليه, أفادَه الصبان. إذن: حروفُ الجر تحتمل التسمية أمّا أنه روعي فيها المعنى فيكون المعنى المصدري هو المراد. وإما أن يكون المراد به العمل المخصوص. إذن: هذه تسمية وهي خاصة بالبصريين, وأما الكوفيون فيسمّونها حروف الإضافة, وتُسمّى كذلك بحروف الصفات؛ لأنها تُضيف إلى ما بعدها صفات, والمراد بها الظرفية والتبيين والتبعيض ونحو ذلك, يعني: تُحدِث في الاسم صفة من ظرفية أو غيرها. قال الناظم هنا: هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ إِلَى ... حَتَّى خَلاَ حَاشَا عَدَا فِي عَنْ عَلَى مُذْ مُنْذُ رُبَّ الَّلامُ كَيْ وَاوٌ وَتَا ... وَالْكَافُ وَالبَا وَلَعَّلَّ وَمَتَى هذه الحروف بدأ بها الناظم هنا عدّاً, قسم الباب إلى قسمين: أولاً: عدَّ فيها الحروفَ .. يعني ذكرَها ذكراً, جمعَها في بيتين، وهي عشرون حرفاً وزِيدَ عليه لولا، فصارت واحداً وعشرين حرفاً, ثم يشرعُ في بيان المعاني التي تتعلّقُ بهذه الحروف, ثم يذكرُ بعض المسائل التي تتعلّق بإعمال حرف الجر محذوفاً, وهل يُكفّ؟ وما الذي يُكفّ ونحو ذلك؟ ذِكرُ المعاني هنا يُذكر استطرادا ًوإلا الأصل النحاة كتبوا في حروف المعاني مؤلّفات مستقلة, ولذلك لا تُؤخَذ من هذه الكتب, ولن نَقف معها طويلاً, وإنما نذكرُ المعاني التي ذكرها الناظم فحسب، ولذلك سنمرُّ على الباب مرورَ الكرام كما يقال. وأما المعاني على جهة التفصيل ومعرفة ما يتعلّق بكل حرف لأن بعضها يصل إلى العشرين معنى, وكل معنى قد يكون فيه خلاف وأخذٌ وعطاءٌ وإلى آخره. نقول هذه ما دام أنها موجودة في كتب مُستقلة حينئذٍ منزلتها منزلة المواريث من الفقه, لكثرة المسائل فيها والأخذ والعطاء حينئذٍ استقلّت بمؤلفات خاصة، ومغني اللبيب لابن هشام رحمه الله تعالى يُعتبَر موسوعة في هذا الجانب, فمن أرادَ الزيادة والتزود حينئذٍ يرجعُ إلى ذلك الكتاب، قد قيل أن مَن درس النحو ولم يقرأ المغني ما عرفَ النحو أبداً. هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ, هَاكَ هذا اسم فعل أمر، الأصل (هَا) لوحدها بدون مد يعني بالقصر, وقيل: يُمدّ ومنه ((هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)) [الحاقة:19] هَاؤُمُ, و (ها) نقول هذا اسم فعل أمر بمعنى خُذ, والكاف هذه حرفُ خِطاب وليست اسمية, وإنما تتصرّفُ تصرفَ الكاف في الاسمية بحسب حال المخاطب من تذكير وتأنيث وإفراد وتثنية وجمع, نقول: هاكَ هاكِ هاكُما هاكُنّ هاكُم. إذن: يُتصرّف فيها تصرف الكاف الاسمية، وإلا فهي حرف، حينئذٍ هَاكَ نقول بمعنى خُذ وهو فعل أمر.

هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ يعني خُذ حروفَ الجر, وأرادَ أن يذكرَ لك الحروف على جهة العموم، وإلا الأصل أن يقول هاكها؛ يعني خذها، وأعاد هنا فأظهر في مقام الإضمار من باب التأكيد فحسب، وإلا ليس ثم معنى يُلتفت إليه. هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وهي: مِن؛ إلى، وهي عشرون .. عدَّها الناظم عشرين, وبعضهم زادَ وبعضهم نقصَ, وثم مسائل مُختلف فيها, هل هي حرف جر أم لا؟ وبحثُنا لن يكون في هذه المسائل إلا في (رب) لأهميتها، وما عداه يُرجع إلى الكتاب المذكور. هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وهي: عشرون حرفاً، وَهْيَ: مِنْ إلىَ حَتَّى خَلا, هنا كلّها عدّها بدون حرف العطف .. يعني بإسقاط العاطف, وقلنا مراراً أن هذا جائز في النظم .. والشعر بإجماع اتفاق، واختلفوا هل يجوزُ في النثر أم لا! وصحّحه ابن مالك رحمه الله تعالى. هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ من: يُعتبر خبر لـ (هي)، هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ, وهي الواو واو الاستئناف، إلا انه استئنافٌ بياني، والاستئنافُ البياني هو الواقع في جواب سؤال مُقدّر. والاستئنافُ النحوي هو ما ليس واقعاً في جواب سؤال مُقدّر, حينئذٍ لما قال هَاكَ حُرُوفَ الجَرِّ، وهذا فيه تشويق, ما هي هذه الحروف؟ كأن سَائِلاً سأله: ما هي؟ قال: هْيَ مِنْ، (هي) مبتدأ، و (من) خبر، هي يعود على حروف الجر، والحروف جمع وأقل الجمع ثلاثة, ومِن هذا لفظ واحد, حينئذٍ هل حصلَ التطابق بين المبتدأ والخبر؟ الجواب: لا لم يحصل التطابقُ بين المبتدأ والخبر؛ لأن هي قلنا هذا مدلوله جمع وهو حروف الجر. (مِنْ) هذا حرفٌ واحد مدلوله واحد؛ لأنه يُعبّر عن نفسه, حينئذٍ هل حصلَ التطابق بين المبتدأ والخبر؟ الجواب: لا, الجوابُ عن مثل هذه المسائل نقول: هنا لاحظَ ماذا؟ العطف ملحوظ قبل الإخبار، قال: هي، ثم لاحظَ في نفسه أنه سيعطفُ على اللفظ الأول بما بعده، فأخبر بالأول, فحينئذٍ تكون في الإعراب (من) وما عُطِف عليه خبر المبتدأ, وإذا قلت مِن خبر أخطأت لأنه لم يحصل التطابق، حينئذٍ تقول من وما عطف عليه لأن الخبر كله من إلى حتى إلى قوله متى، نصف البيت والبيت الذي يليه كله هو الخبر في المعنى، لأن قال: هي أراد أن يعدَّها ويفسّر لنا ما هي هذه الحروف, قال هي من. إذن: (مِن) وما عُطِف عليه نقول خبر، لكن وما بعده (مِن) (إلى) , تقول (إلى) معطوف على (مِن)، حينئذٍ الخبر هنا مُركّب لكن من جهة المعنى, وهي: من إذن: مِن وما عُطِف عليه خبر المبتدأ. مِنْ إِلىَ، يعني وإلى وحتى وخلا وحاشا وعدا وفي وعن وعلى ومذ ومنذُ ورب واللام -أي مُسمّى اللام- وكي وواو -أي: واو القسم- وتاء والكاف والباء ولعل ومتى. هذه كلها عشرون، ترك منها (لولا) فحسب لوجود النزاع بين النحاة، هنا عدَّ رب من حروف الجر، وهو حرف له مَقامه في حروف الجر، إذ له معنى خاص وإن كان هو حرف شبيه بالزائد لعدم تعلّقه بمتعلق إلا أنه يُراعى. مذهبُ البصريين أن (رب) حرفُ جرّ, وذهب الأخفش والكوفيون إلى اسميتها؛ ليست بحرف مُتفق عليه بين النحاة، بل مذهب البصرين أنها حرف جر تجرُّ كما تجر مِن.

ومذهب الأخفش -وهو بصري- والكوفيين إلى أنها اسمٌ، وأُيِّدَ مذهبُ الكوفيون بأنها في التقليل أو التكثير مثل (كم) الخبرية، لأن ربّ كما سيأتي فيها أربعة مذاهب, المشهورُ أنها للتكثير كثير وللتقليل قليل، هذا المشهور خاصة عند المتأخرين, حينئذٍ إذا أفادت التكثير (كم) الخبرية تُفيد التكثير؛ (كم مالٍ عندي) , (كم أولادٍ) نقولُ هذا أفادت التكثير. إذن: لما عُدّي بـ (رب) التكثير -الذي هو من خواص (كم) الخبرية -حينئذٍ دلَّ على أنها اسم، فهذا المعنى الذي دلَّت عليه رب وهو المعنى الذي دلت عليه (كم) الخبرية, وأُيّد بأنها في التقليل أو التكثير مثل (كم) الخبرية في التكثير، إذ معنى (رب رجل كريم لقيته) , (رب رجل بخيل لقيته) المعنى قليل أو كثير من هذا الجنس على حسب المعنى المراد, كما أن معنى (كم رجلٍ) كثير من هذا الجنس, ولا خلاف في اسمية (كم). إذن: حملاً على (كم) الخبرية حُكِم على (رب) بأنها اسم وليست بحرف, إذن: قوله (رب) جرى فيه على مذهب البصريين, هذه الحروف العشرون كلّها مُختصّة بالأسماء وهي تعملُ فيها الجرّ، وقد عملت هذه الحروف الجرَّ في الأسماء على الأصل فيها، لأن الأصل في الحرف المختصِّ أن يعمل الجرَّ هذا الأصل، حينئذٍ إذا جِيءَ بالحرف يعملُ الجر؛ حينئذٍ لا نسأل عنه لا نقول: لماذا عمِلَ الجر؟ لأنه جاء موافقاً للأصل؛ لأنه كما سبقَ أن بعض الحروف مختصّ بالأسماء وبعضها مختصّ بالأفعال. ما اختصَّ بالأسماء فالأصل فيه أنه يعمل الجرَّ، فما عمِلَ النصب كـ (إن) أو عملَ الرفع كـ (إن) كذلك بالخبر، حينئذٍ يُسأل لماذا خرج عن الأصل؟ وما هو الأصل؟ الأصل في الحرف المختص بالاسم أن يعمل الجر فحسب، ولذلك هنا لا يُسأل عنها فنقول: هي عملت الجر على الأصل. وهي تعملُ فيها الجر, وتقدَّمَ الكلام على خلا وحاشا وعدا في باب الاستثناء, فلا عودة ولا إعادة. وقلَّ مَن ذكرَ (كي ولعل ومتى) , ومع أن الناظم هنا ذكرها من باب استيفاء حروف الجر, وقلَّ مَن ذكر (كي ولعل ومتى) في حروف الجر لغرابة الجر بهن، لأنها خاصة هذه تخص عُقيل وهذه تخصل هذيل إلى آخره. حينئذٍ لما اختصّت ببعض القبائل دون بعض صارت فيها نوع نُدرة وغرابة، حينئذٍ لا تُجعل حكماً عاماً مطّرداً, ولذلك لم يذكر لها معاني, إنما أسقطَ هذه الثلاث الأول خلا وعدا وحاشا؛ لأنها مضت وكي ولعل ومتى مع كونه ذكرَها في التعداد إلا أنه لما سرد المعاني لم يتعرض لها، ولذلك نذكرها كما ذكرها ابن عقيل, فأمّا كي فتكون حرفَ جرّ في ثلاثة مواضع, وأسقطَ ابن عقيل موضعاً: الموضع الأول: إذا دخلت على (ما) الاستفهامية المستفهَم به عن عله الشيء, إذا دخلت كي على (ما) الاستفهامية المستفهَم بها عن علّة الشيء؛ حينئذٍ صارت (ما) الاستفهامية مجروراً بكي, (كيمه): (كي) (ما) هذا الأصل حُذِفت الألف كما حذفت من ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)) [النبأ:1] لأن حرفَ الجرّ إذا دخل على (ما) الاستفهامية حُذفت الألف ثم دخلت عليها هاءُ السكت؛ قيل: كيمه؛ أي: لمه, فـ (ما) الاستفهامية مجرورة بكي, وحُذفت ألِفُها لدخول حرف الجر عليها, وجِيءَ بالهاء للسكت.

إذن: الموضع الأول الذي يكونُ مجروراً لـ (كي) هو (ما) الاستفهامية المستفهَم بها عن علة الشيء. الموضع الثاني: أن يكون مدخولها (ما) المصدرية مع صلتها؛ كما في قول الشاعر: إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا ... يُرَادُ الْفَتَى كيْمَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ كيْمَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ: (ما) هذه مصدرية, و (يَنْفَعُ وَيَضُرُّ) نقول هذا صلة لها حينئذٍ تؤول بالمصدر يعني بالضر والنفع؛ قاله الأخفش, وقيل: (ما) هذه كافة، لكن المشهور كيْمَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ, المشهور أن (ما) هذه مصدرية. الموضع الثالث: أن وصلتها؛ أن المصدرية مع صلتها؛ سواء كانت أن ملفوظاً بها أو مقدرة, وهذا المعنى مشهور كثير, وهو يُعدّ من النواصب في باب المضارع, جئتُ كي أكرمَ زيداً, إذا قدّرتَ أن (أكرم) منصوب بإن بعد كي، حينئذٍ دخلت كي على (أن) المصدرية وصلتها؛ وهو الفعل المضارع، فأُكرِمَ فعل مضارع منصوب بأن بعد كي, وأن والفعل المقدران بمصدر مجرور بـ (كي)، والأصل فيه: جئت كي إكرام زيد, أي: لإكرام زيد, فتكونُ بمعنى اللام, والأولى أن تُقدّر كي مصدرية فتُقدّر اللام قبلها بدليل كثرة ظهورها معها (لِكَيْ لاَ تَأْسَوْا)؛ هذا سيأتينا في نواصب المضارع. المراد هنا أن (كي) تدخل على (أن) المصدرية وصلتها, إذن: هذه ثلاثُ مواضع هي خواصّ كي, وهي في هذه المواضع الثلاث بمعنى اللام, في الجميع بمعنى اللام, كيمه؟ لمه؟ لإكرام. للضُرّ. إذن كلها قُدّرت باللام، وهي في هذه المواضع الثلاث بمعنى اللام, ويطرد جرها لأن المصدرية, هذا مطرد قياس؛ ليس بقليل, ولذلك أجازوا في نحو جئتُكَ كي تكرمني, أن تكون (كي) حرفَ جر, وأن مُقدّرة بعدها, وأن تكون مصدرية يعني كي واللام مُقدّرة بعدها, هذا سيأتي في محله. إذن: (كي) تكون حرفَ جر في مواضع ثلاثة كما ذكرناه. وأما (لعلّ) فالجرُّ بها لغة عُقيل خاصة دون غيرهم من العرب, ومنه قوله: لَعَلَّ أَبِي الْمِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ. لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَيْناَ ... بِشَيءٍ أَنَّ أُمَّكُمُ شَريمُ لَعَلَّ أَبِي الْمِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ, لعلّ هذه شبيهة بالزائد مثل (رب) والحرفُ الشبيه بالزائد حينئذٍ يُؤثّر في اللفظ فحسب, ولا يُؤثّر في المعنى, والحرف الجر الشبيه بالزائد يدخلُ على المبتدأ فحينئذٍ يَبقى على أصله في كونه مبتدأ كما هو الشأن في رُبّ. لَعَلَّ أَبِي الْمِغْوَارِ, أبي المغوار نقول هذا مبتدأ, ولعلّ دخلت عليه، حينئذٍ لا نقول: لعل حرف جر وما بعده اسم مجرور, وإنما نقولُ: لعل حرف جر وترجٍّ شبيه بالزائد، حينئذٍ لا يحتاج إلى متعلق يتعلق كما سيأتي. أَبِي الْمِغْوَارِ: هذا مبتدأ, فله محلان؛ محلّ في اللفظ وهو أثر لعلّ, وله محلّ في الأصل، حينئذٍ ظهرَ أثر لعل في اللفظ وبقي على أصله، ولذلك قريبٌ بالرفع على أنه خبر المبتدأ, أين المبتدأ وهو مجرور بلعل؟ نقول: مجرورٌ لفظاً لا محلا, حينئذٍ في المحلّ فهو مرفوع على الابتداء, فتقول:

لَعَلَّ أَبِي الْمِغْوَارِ: لعل حرف جر وترجٍّ شبيه بالزائد, وأبي المغوار مجرور لفظاً بلعلّ مرفوع محلاً على الابتداء, بواو مَنويّة على الياء, واو مُقدّرة هذا من المواضع التي تُقدّر فيها الواو, مَنوية على الياء، منَعَ من ظهورها اشتغال المحلّ بجلبِ الياء علامة لحرف الجر الشبيه بالزائد, وقريبٌ هذا خبر. لَعَلَّ اللهِ هذا واضح لأنه بالحركة, لَعَلَّ: حرف جر وترجٍّ شبيه بالزائد, اللهِ: لفظ الجلالة تقول مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعُهُ ضمّة مقدّرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الشبيه بالزائد، (فضَّلَكم): هذا يُعتبر خبراً. وقد رُوِي على لغة هؤلاء في لامها الأخير الكسرُ والفتحُ (لعلَّ)، (لعلِّ) وبحذف اللام مع اللغتين السابقتين كما ذكرناه آنفاً, (علِّ)، (علَّ)، فيها أربعُ لغات, أوصلَها بعضهم إلى العشر. وأما (متى) فالجرُّ بها لغة هذيل ومن كلامهم: أَخْرَجَهَاَ مَتَى كُمِّهِ؛ يعني: مِن كمه، حيئنذٍ تكون (متى) بمعنى (مِن) الابتدائية؛ تُفسّر بمعنى مِن الابتدائية. أخْرَجَهَاَ مَتَى كُمِّهِ يعني: مِن كُمّه. شَرِبْنَ بِماءٍ البَحْرِ، ثُمَّ تَرَفَّعْتْ ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ يعني: مِن لجج، حرف جر بمعنى مِن, وقال السيوطي في الهمع: وتأتي اسماً بمعنى وسطَ, يعني متى تأتي اسما بمعنى وسط؟ حُكي (وضعها متى كُمِّه) أي: وسطه. إذن: هذه الثلاثُ لم يذكرها الناظم لغرابة الجرِّ بها، وإن ذكرها عدّاً، لكن عند سرد المعاني لم يتعرض لها. إذن: هذه ست: خلا وعدا وحاشا ومتى ولعل وكي, نقول هذه ست, بقيَ كم من العشرين؟ أربعة عشر حرفاً سيذكرها بمعانيها، ولم يذكر (لولا)؛ لم يذكرها في هذا الكتاب وذكرها هو في غيره تبعاً لسيبويه؛ مذهبُ سبويه أنها من حروف الجر إذا وليها ضمير متصل, (لولا) تُعتبَر حرف جر مثل (من وفي) إلى آخره, متى؟ إذا وليها ضمير متصل, ولا يتعلَّق بشيء كـ (رب) ولعل الجارة تنزيلا للثلاثة منزلة الجار الزائد, حينئذٍ لولا حرفُ جر، لكنه لا يتعلق بشيء شبيه بالزائد لأن له معنى, سيأتي في آخر الباب, وكذلك لعل ورب حرفُ جرّ شبيه بالزائد, الثلاثة هذه ليس لها مُتعلّق تتعلّقُ به، تنزيلاً للثلاثة منزلة الجارّ الزائد؛ لأن القسمة ثلاثية كما سيأتي. إذن: مذهبُ سيبويه أن (لولا) من حروف الجر إذا وليها ضمير متصل؛ فلا تجرّ إلا المضمر, تقول: (لولاي, ولولاك, ولولاه). لولاي: لولا: حرف جر, والياءُ: مبتدأ جُرت بـ (لولا).

إذن: لها محلان؛ محلٌّ هو ابتداء, ومحلّ هو الخفض، مثل: لعل الله, (لعل) أثرت في لفظ المبتدأ فجرّتهُ وبقي المحلّ على أصله هو مبتدأ. (لولا) مثلها. فالياءُ والكافُ والهاءُ عند سيبويه مجرورات بـ (لولا)؛ يعني: في المحلّ, ولما لم يظهر حينئذٍ صار له اعتبار محلّين, والضميرُ بعدَها في موضعِ رفع بالابتداء, والخبرُ محذوف، فيكونُ للضمير محلان على رأي سيبويه, فإذا عطفتَ على مدخول (لولا) اسماً ظاهراً تعيّنَ رفعه إجماعاً؛ لأنها لا تجرّ الظاهر, لولاي وزيدٌ؛ نقول: لولاي: الياء هذه لها موضع خفض بلولا؛ مثل لعل الله, إذا عطفتَ عليه اسماً ظاهراً قلت لولاي وزيدٌ, هل يصحّ العطفُ مراعاة لمحل الخفض لولاي وزيدٍ وزيدٌ, فيجوز فيه الوجهان كما هو شأن في رب؟ يصح أن تقول: (رب رجل كريمٍ وكريمٌ) , (رب رجل كريمٍ) هذا باعتبار اللفظ, و (رب رجل كريمٌ) هذا باعتبار المحل, هذا جائز في (رب) لأنها لا تدخل على الضمير في الأصل, و (رُبَّهُ فَتَى) هذا شاذ، حينئذٍ (رب رجل كريمٍ) كريمٍ جاز مراعاة المحل؛ حينئذٍ يُبدل منه على المحل. وأما (لولاي وزيدٌ) نقول هذا لا يجوز, لماذا؟ لأنك عطفتَ اسماً ظاهراً على محلّ الضمير الذي خُفض بـ (لولا)، ولولا خاصة بالضمير ولا تجرّ الظاهر؛ لأنك إذا عطفت عليه بالخفض حينئذٍ أعملت (لولا) في الضمير, وأعملتَها في الاسم الظاهر, وهي لا تدخلُ على الاسم الظاهر, لولاي وزيدٍ، نقول معناه: كأنك قلت لولاي ولولا زيدٍ, وهذا ممنوع لا يجوز, وهذا محلّ إجماع، لأنها لا تجر الظاهر, هذا مذهب سيبويه أنها حرف جر, وما بعدَه وهو الضمير المتصل له محلان: الرفع على الابتداء, والخبر محذوف, وكذلك له محلّ وهو الخفض, ثم إذا عطفتَ على الضمير لا يجوزُ لك إلا الرفع. وزعمَ الأخفش أنها في موضع رفع فقط بالابتداء, ووُضِع الضميرُ ضمير الجر موضعَ ضمير الرفع، وإن كان غالب نيابة الضمائر في الضمائر المنفصلة؛ فقد وُجدت المتصلة كما هي في (عساه وعساك وعساني) على قول؛ يعني: هنا جِيءَ بالضمير ضمير الجر موضع ضمير الرفع، والأصل أنه ما يأتي لكن هذا من باب الاستعارة, كما قيل في (عساه وعساك وعساني) , عسى على أنها باقية على أصلها؛ أنها تنصب؛ سبقَ أن ابن هشام عدّها من النواسخ, على هذا الباب سواء عددناها من النواسخ على أنه قياس مطرد، أو قلنا نصبُها للضمير المتصل شاذ على القولين استُعير الضمير المخفوض للمنصوب؛ لأن عساك عساه نقول هذا ما يأتي ضميراً منفصلاً؛ إنما هو متصل؛ حينئذٍ وضع الضمير ضمير الجر موضع ضمير الرفع؛ فلم تعمل لولا فيها شيئاً؛ كما لا تعمل في الظاهر؛ نحو: لولا زيد لأتيتك. إذن: لا عمل له في المحل؛ وإنما عملها في الظاهر، وعلى هذا حينئذٍ لا تكون لولا حرف جر، وزعمَ المبرد أن هذا التركيب -يعني لولاك ونحوه- لم يرد في لسان العرب, لكنه محجوج بالسماع. أَتُطمِعُ فِينَا مَنْ أَرَاقَ دِمَائَنَا ... وَلَولاَكَ لَمْ يَعْرِضْ لأَحسَابِنا حسن كذاك: وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلاَيَ طِحْتَ كَمَا هَوَى ... بِأجْرَامِهِ مِنْ قُنَّةِ النِّيْقِ مُنْهَوِي إذن: سُمع هذا اللفظ ولولاي ولولاك؛ حينئذٍ هو محتمل لما ذكره سييويه ومحتمل لما ذكره الأخفش.

قال الناظم رحمه الله تعالى: بِالظَّاهِرِ اخْصُصْ مُنْذُ مُذْ وَحَتَّى ... وَالْكَافَ وَالْوَاوَ وَرُبَّ وَالتَّا وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً وَبِرُبْ ... مُنَكَّرَاً وَالتَّاءُ للهِ وَرَبْ وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ رُبَّهُ فَتَى ... نَزْرٌ كَذَاكَهَا وَنَحْوُهُ أَتَى هذا شروع في التفصيل؛ عدّها لك في بيتينِ، ثم بدأ يفصل لك أحكام هذه الحروف, ومن أحكامها أنَّ منها ما يختصُّ بالظاهر، لأن الاسم نوعان: ظاهر ومضمر, منها ما يختصّ بالظاهر لا يدخل على المضمر، ومنها ما يدخل على الظاهر وعلى المضمر؛ ما يختص بالظاهر فحسب سبعة أحرف سبعة فقط. بِالظَّاهِرِ اخْصُصْ مُنْذُ مُذْ وَحَتَّى هذه ثلاثة وَالْكَافَ وَالْوَاوَ وَرُبَّ وَالتَّا هذه أربعة صارت سبعة. إذن: هذه السبعة لا تدخلُ إلا على الاسم الظاهر ولا تدخل على الضمير فإن جرّت الضمير حينئذٍ إما أن يقال بأنه قليل، وإما أن يقال بأنه شاذ, إذا جرّت الضمير حينئذٍ إما أن يقال بأنه قليل نزر يعني لا يُحفظ ولا يُقاس عليه وإما أن يقال بأنه شاذ. بِالظَّاهِرِ اخْصُصْ مُنْذُ اخصص منذُ, منذُ هذا في محل نصب مفعول به قُصِد لفظه، ولذلك عطف عليه وَالْكَافَ بالنصب ظهرَ عليه النصب؛ أما مُنْذُ ومُذْ وَحَتَّى فهذه محكية كما هي؛ حينئذٍ مُنْذُ هذا في محل نصب مفعول به قصد لفظه. ومُذْ بإسقاط حرف العطف معطوف عليه, وَحَتَّى كذلك معطوف عليه, وَالْكَافَ بالنصب عطفاً على مُنْذُ فظهرَ عليه الفتح. بِالظّاهِرِ اخْصُصْ، بِالظّاهِرِ الباء داخلة على المقصور عليه عكس الآتي: وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً، بِالظّاهِرِ اخْصُصْ مُنْذُ مُذْ وما عُطف عليه. مفهومه أن ما عدا هذه السبعة تدخل على الظاهر والضمير؛ فلذلك لم يحتج إلى التنصيص عليه؛ لأنه قدّمَ ما حقّه التأخير. بِالظّاهِرِ اخْصُصْ: اخصص بالظاهر, بالظاهر لا بغيره, وهو المضمر حينئذٍ تختص هذه الأحرف السبعة بالظاهر دون المضمر, وإنما اختصت هذه السبعة بالظاهر لضعف غالبها؛ باختصاص بعضه بالوقت، وبعضه بالمنكر، وبعضه بالآخر، أو المتصل بالآخر, وكون بعضها عوضاً عن باء القسم كالواو مثلاً لا أصلاً فيه، وغرابة الجر ببعضها ولتأدية إدخال الكاف على الضمير إلى اجتماع كافين (كك) بنحو: كك وطرداً للباب في المنع. إذن: هذه السبعة ليست على مرتبة واحدة؛ بمعنى إذا قيل أنها تختص بالظاهر؛ هل كل ظاهر تدخل عليه؟ لا سيأتي أن مذ ومنذُ خاصة بالوقت. وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً وكذلك ربّ خاص بالنكرة دون المعرفة، كذلك التاء تاء القسم تخص لفظ الجلالة وتدخل بقلة على على رب. إذن: ليست بمرتبة واحدة. إذن هي ضعيفة. إذا لم يتصرف في العامل مطلق التصرف صار فيه نوع ضعف, العامل القوي يتصرف بدون استثناء, فالحرف الذي يدخل على الظاهر كل ظاهر وعلى الضمير أي ضمير من المحفوظات نقول هذا أقوى, وما اختصّ بالظاهر أدنى منه، ثم ما كان مختصاً بالظاهر أي ظاهر نقول هذا أقوى مما اختص بظاهرٍ لا يكون إلا زمنا أو لا يكون إلا نكرة, فهي متفاوتة، لهذا التفاوت حينئذٍ خصّها الناظم بما ذكر.

بِالظّاهِرِ اخْصُصْ مُنْذُ مُذْ حينئذٍ لا يقال إلا منذُ يومين مثلاً أو مذ يومين, ولا تُضاف إلى الضمير؛ يعني لا تجرّ الضمير؛ وكذلك (حتى) لا يقال: حتاك وحتاه, والكاف لا يقال كك وكاه, والواو لا يقال وَه؛ لأن الواو هنا واو القسم, وربّ هذه لا تدخل على الضمير, لا يُقال ربه إلا على جهة القلة, والتاء تاء القسم حينئذٍ نقول هذه كلها خاصة بالاسم الظاهر. ثم هذه السبعة منها ما يختصُّ اختصاصاً آخر زائداً على الاختصاص بالظاهر, وهي أربعة .. يعني مما سيذكره الناظم, وما عداها تدخل على الظاهر مطلقاً, ولذلك قال: وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً ثنتان, وَبِرُبْ مُنكَّراً ثلاث وَالتَّاءُ للهِ وَرَبْ أربع؛ عدّ من السبعة أربعة خاصة ببعض الظاهر لا مطلق الظاهر, ما عدا هذه الأربعة تدخل على كل ظاهر. وَاخْصُصْ: هذا تخصيص بعد تخصيص؛ خصَّ الأول بالبيت الأول خصها بالظاهر دون الضمير، ثم هل كل ظاهر تدخل عليه هذه السبعة؟ الجواب: لا, أربعة منها يختصّ بنوع من الظاهر، وثلاثة لا تخصّ ظاهراً دون ظاهر, بل تدخل على الجميع. وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً يعني: اسمَ زمان, هل كل ظاهر يكون اسم زمان؟ الجواب: لا؛ إذن: ظرف الزمان أو اسم الزمان هو مدخول ومجرور منذُ ومنذُ إن جُرّا بها, سيأتي أنهما قد يكونا اسمين. وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً إذن: لا تدخل إلا على ما دلَّ على الزمان, وما لم يدلّ على الزمن من الاسم الظاهر حينئذٍ لا يصح جره بمنذُ ومنذُ. قال ابن عصفور: ما يُسأل به عن الوقت كالوقت؛ يعني صارَ حكمه حكم الظرف الزماني، وحينئذٍ يصح أن يكون مدخولا لمذ ومنذُ, ما يُسأل به عن الوقت كالوقت بشرط أن يكون مما يُستعمل ظرفاً, فتقول: منذُ كم؟ كم هذه يُسأل بها عن الوقت, وإذا سأل بها عن الوقت عُوملت معاملة الوقت؛ فصح جرها بمذ ومنذُ, منذُ كم؟ ومذ متى؟ ومذ أي وقتٍ؟ ولا تقول مُذ ما, لأن ما هذه لا يُسأل بها عن الوقت. إذن: ما يُسأل به عن الوقت حكمه حكم الوقت فيكون مدخولاً لمذ ومنذُ, وهو ثلاثة أشياء ذكرها: كم ومتى وأي، ولا يصح أن يقال: مذ متى لأن (ما) لا تكون ظرفاً. فإن قيل: مُذ ومُنذُ خصّها الناظم هنا بالوقت، وسيأتي أنهما قد يكونا اسمين, هل بينهما تخالف؟ فإن قيل: سينصَ على دخولهم على الأفعال: أَوْ أُولِيَا الْفِعْلَ كَجِئْتُ مُذْ دَعَا, كيف هنا خصّها بالظاهر وخصّها بالزمن ثم يقول: أَوْ أُولِيَا الْفِعْلَ؟ نقول: ثم فرقٌ بينهما الكلام هنا في مذ ومنذُ الجارّتين وهما حرفان, والكلام هناك في مذ ومنذُ اسمان, ونحن لا نتحدث عن مذ ومنذُ الاسمية, وهما وإن اشتبها في اللفظ إلا أن بينهما فرق؛ تلك اسم وهذه حرف, حينئذٍ لا نعدّها شيئاً واحداًَ, وإنما الاسمية مُستقلة بلفظها ووضعها, والحرفية مُستقلّة بلفظها ووضعها؛ فلا نقول: مذ ومنذُ هي نفسُها تأتي تارة حرفاً, وتارة اسماً، نقول لا؛ تأتي حرفاً ثم تأتي اسماً، لكن بوضع ثانوي ليس هو عين الأول، فإن قيل سينصّ على دخولهما على الأفعال فكيف يصحّ دعوى الاختصاص بالوقت؟

أُجيب: بأنهما حينئذٍ ليسا حرفا جرّ باتفاق, والكلامُ فيما كانا جارّين, ومنهم من يرى أنهما حينئذٍ داخلان على زمان مُقدّر مُضاف للجملة، وعليه فلا إشكال, إذا قيل إذا دخلت على الجملة الفعلية حينئذٍ ثَم ظرف مُقدّر؛ يعني بين مذ ومنذُ وبين الجملة الفعلية؛ حينئذٍ لا إشكال لأنه صارَ مضافاً إلى الوقت, لكن هذا ليس بمشروع. وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً وَبِرُبْ مُنكَّراً يعني رب لا تدخل إلا على الاسم النكرة, ولا تدخلُ على الضمير، ولا تدخل على المعرف بأل؛ لا يقال رب الرجل, وإنما هي خاصّة بالنكرات, ولذلك جُعلت علامة على النكرة. فَكُلُّ مَا رُبَّ عَلَيْهِ تَدْخُلُ ... فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ يََا رَجُلُ إذن: لا تدخل على المعرفة. وَالتَّاءُ التي هي تاء القسم لله ((تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ)) [الأنبياء:57] لا تدخل على غير لفظ الجلالة في الغالب, وسُمع ترب الكعبة, وسُمع تالرحمن, وحُكي تحياتك. حينئذٍ نقول: هذه الثلاثة ليست مطردة كالأول، ولذلك جاء في القرآن في غير موضع ((تَاللَّهِ)) [يوسف:73] حينئذٍ لا يدخل التاء .. تاء القسم إلا على لفظ الجلالة, لا يُقال تالرحمن ولا يقال تالرؤف تالرحيم إلى آخره, وإنما يُقال تالله، لماذا؟ لأن هذه الأصل فيها كلها السماع, حروف الجر ومدخولاتها ومعانيها ليست من قبيل الاستنباط؛ فما استعمله العرب حينئذٍ نقول نستعمله, وما لا يستعمله حينئذٍ لا نقول، هذا الأصل فيها، والأصل فيها عدمُ التعليلين؛ إذا خُصّ لفظ بلفظ فهو كما هو. وَالتَّاءُ للهِ وَرَبْ يعني مُضافاً للكعبة, أو لـ (ياء) المتكلم على نَزرٍ ((وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ)) [الأنبياء:57] وتربي الكعبة, وتربي مجرور به الياء لأفعلن، ونَدرَ تالرحمن، وأندرُ منه تحياتك, تحياتك نقول هذا أنذر من تالرحمن. إذن: وَالتَّاءُ للهِ وَرَبْ يعني لفظ رب فهي خاصة بهذه الألفاظ. وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً اخصُص هذا فعل أمر، بمذ ومنذُ بمذ متعلق به, وقتاً هذا مفعول به. وَبِرُبْ مُنكَّراً منكراً هذا معطوف على وقتاً, وبرب معطوف على بمذ, والتاء هذا مُبتدأ, لله هذا خبر, ورب هذا معطوف على لله. وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ رُبَّهُ فَتَى نَزْرٌ وما رووا يعني روى العرب أو النحاة, وما رووا يعني النحاة، (ما) اسم موصول بمعنى الذي مبتدأ, رووه حذفَ الضمير هنا للعلم به. وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ رُبَّهُ فَتَى هذا مُخالف لما سبقَ، لأنه قال: وَبِرُبْ مُنكَّراً, إذن: هو خاص بالاسم الظاهر، بِالظّاهِرِ اخْصُصْ .. قال ورب ثم سُمِع رُبَّهُ فَتَى، دخلت رب على الضمير؛ إما أن يقال بأنه نزر قليل؛ يعني يحفظ ولا يُقاس عليه, وإما أن يقال بأنه شاذ، وعليه -على القولين- لا يُقاس عليه؛ يعني لا يأتي مُستعمِل لـ (رب) ثم يدخلها على الضمير في الاستعمال, وإنما التوجيه يكون لما سُمع ونُقل في كلام العرب, إذا رأيتَ بيتاً مثلاً أو حُكي قولٌ لقدماء العرب (ربه) جاء بالهاء تقول هذا شاذ, أو أنه قليل في استعماله, وأما في الاستعمال الجديد فلا يُستعمل.

وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ رُبَّهُ فَتَى نَزْرٌ يعني: قليل؛ قلنا: (ما) موصوله بمعنى الذي مبتدأ, ونزر هذا خبره. وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ رُبَّهُ فَتَى نَزْرٌ كَذَا كَهَا الكاف هذه لا تدخل على الضمير, إذن لما خصَّ رب والكاف من الأحرف المختصّة بالظاهر، أشارَ هنا إلى أنهما قد يدخلان على المضمر قليلاً، ولذلك عبَّر بالنزر، إذن قد يدخلان رب والكاف على الضمير لكنه قليل. كَذَا كَهَا وَنَحْوُهُ أَتَى قوله: (رُبَّهُ فَتَى) هذا مما قيل فيه بأن الضمير قد عادَ على متأخّر لفظاً ورتبة, (رُبَّهُ فَتَى) سبقَ أن الضمير يعودُ على متأخرٍ لفظاً ورتبة في ست مسائل؛ منها مميّز رُبّ (ربه فتيةً) فتيةً هذا مميز .. تميز، عادَ ضمير رب عليه, إذن: عاد على متأخر, فهو عائد على مُبهم في الذهن قبل ذكرهِ مؤخّراً تمييزاً؛ فلا يُنافي عدهم هذا الضمير مما يعود على متأخر لفظاً ورتبة, إذا قال (ربه) الضمير هنا قبل ذكر المميز عادَ على ماذا؟ نقول عائد على مبهم في الذهن مبهم في الذهن, ربه محتمل هذا عدة أوجه. إذن هو مبهم وجودُه وجود ذهني لا في الخارج, حينئذٍ نقول قبل ذكر التمييز عودُ الضمير مرجع الضمير إلى مبهم في الذهن قبلَ ذكره مؤخراً تمييزاً. حينئذٍ إذا ذكر اللفظ (ربه فتى) نقول عاد على متأخر في اللفظ والرتبة, ومذهب جماعةٍ كابن عصفور أن مثل هذا الضمير نكرة؛ الضمير الذي لا يكون مدخولاًَ لرب ولا مرجعُه لازمُ التنكير, نقول هذا بالإجماع معرفة, وأما الذي يكون في مثل هذا الموضع ففيه نزاع. إذن: إذا قيل الضمير هل هو معرفة أو لا؟ نقول: الضمير فيه مَبحثان: مبحث أنه مجمع عليه، وهو ما عدا ضمير رب, وما عدا الضمير الذي يعودُ على واجب التنكير، هذا معرفة بالإجماع. وأما إذا كان مدخول رب (مجرور رب) فهذا محل نزاع, فيه نزاع, قيل نكرة وقيل معرفة فيه قولان. قال ابن عصفور: إن مثل هذا الضمير نكرة؛ لأنه عائد على واجب التنكير؛ ما هو واجب التنكير هنا؟ مدخول رب، وقال جماعة كالفارسي: معرفة جار مجرى النكرة؛ يعني كأنه قال معرفة يفسر بنكرة، ولذلك مرجعه فتية: (ربه فتى)، وسيأتي (ربه فتية)، (ربه فتى) فتى هذا تمييز وهو نكرة وهو مرجع الضمير, وقد يُعطف على مجرورها مضاف إلى ضميره؛ نحو رب رجلٍ وأخيه, وأخيه مرجع الضمير هنا رجل. إذن عاد إلى نكرة لأنه نكرة تقديراً، إذ التقدير وأخ له. إذن جاز (وأخيه) لأن الضمير هنا في المعنى نكرة؛ كأنه قال رب رجل وأخٍ له؛ لم يتعرف بالإضافة؛ لأنه أُضيف إلى ضمير ليس بمعرفة, وإنما هو نكرة. إذ التقدير وأخ له، وإنما لم يجز (رب أخي الرجل) هذا لا يجوز، لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع, وأما (ربّ رجل وزيدٍ) لا يجوز لماذا؟ لأن مدخول رب لا يكون إلا نكرة وإذا عطفت عليه عَلماً معرفة حينئذٍ صار مدخولاً لرب، كما هو الشأن الذي مضى معنا في اسم لا.

إذن: (ربه فتى) اختُلف في الضمير هل هو نكرة أم لا؟ وهذا ما يُسمى بعود الضمير على واجب التنكير أو جائز التنكير, واجب التنكير كالذي معنا هذا، لأن فتى هذا مميز الضمير، وهو واجب أن يكون نكرة لأن التمييز نكرة كما سبق معنا, اِسمٌ بِمَعْنَى مِنْ مُبِينٌ نَكِرَهْ، وإذا عاد إلى جائز التنكير؟ هذا أيضاً فيه خلاف, والمشهور أنه معرفة، لو قال جاءني رجل وضربته, ضربته الضمير يعود إلى رجل؛ نكرة أو معرفة؟ نكرة، إذن الضمير العائد على نكرة هل هو معرفة أو لا؟ هذا فيه نزاع, لكن يُقال هنا: تنكير الفاعل في هذا التركيب هل هو واجب أم جائز؟ هل هو واجب .. يجب أن كل فاعل أن يكون نكرة أم جائز؛ قد يكون نكرة وقد يكون معرفة؟ الثاني. إذن: ما كان مرجعه جائز التنكير لا واجب التنكير قيل معرفة، وإذا كان مرجعه واجب التنكير كمرجع (ربه فتى) هنا حينئذٍ نقول هذا نكرة, وهذا تفصيل جيد. كَذَا كَهَا أي قد جرّت الكافُ ضميرَ الغيبة قليلاً؛ كما جرته رب، وَنَحْوُهُ أَتَى, سيأتينا هذا. قال من حروف الجر ما لا يجرّ إلا الظاهر، وهي هذه السبعة المذكورة في البيت الأول, فلا تقل منذُه ومذه؛ لا هذا ولا ذاك, وكذا الباقي, ولا تجرّ منذُ ومذ من الأسماء الظاهرة إلا أسماء الزمان؛ يعني لا يكون مدخولها كل اسم ظاهر، بل هو ظاهر مخصوص؛ يعني إذا قيل بِالظّاهِرِ اخْصُصْ مُنْذُ مُذْ؛ نقول هذا ليس كل ظاهر بل هو خاص بالزمن أسماء الزمان. وأما قولهم ما رأيته منذُ أنّ الله خلقه، وتقديره منذُ زمن أن الله خلقه، لأن أن هذه في تأويل مصدر مضاف إلى اسم زمان؛ منذُ أن الله خلقه يعني منذُ زمن خلق الله إياه هذا التقدير، وهذا على رواية فتح الهمزة لأن هذا منقول عن العرب. أما على رواية الكسر فمنذُ اسم كما سيأتي بدخولها على الجملة, ويُشترط في مجرورها مع كونه وقتاً اسم زمان أن يكون مُعيناً لا مبهماً، ليس كل زمن كذلك هذا تخصيص بعد تخصيص، ليس كل اسم زمان بل لا بد أن يكون مُعيناً لا مبهماً؛ ماضياً أو حاضراً لا مستقبلاً، هذا تخصيص كذلك بعد تخصيص, فلا يصحُّ ما رأيته مذ يوم، يوم هذا مبهم غير معين، لا بد أن يقول مذ يومنا أو مذ يوم الجمعة مثلاً لا بد من تخصيصه, وأما هكذا مبهم فلا يصح، ولا أراه مُذ غداً, هذا في المستقبل وهي لا تجرّ إلا الماضي أو الحاضر أما المستقبل فلا, وكذا في مرفوعهما كما سيأتي. ويُشترط أيضاً أن يكون متصرفاً فلا يجوز منذُ سحراً؛ تريد سحر يومٍ بعينه. ويُشترَط في عاملهما أن يكون فعلاًً ماضياً منفياً (ما رأيته منذُ يوم الجمعة) أو مُتطاولاً نحو (سرتُ منذُ يوم الخميس) ولا يجوز (قتلتُه منذُ يوم الخميس) , سرت منذُ يوم الخميس فتسير أسبوعاً كاملاً لا إشكال فيه, فصار الفعل والحدث متطاولاً. أما قتلته منذُ يوم الخميس هذا بعيد، وأنت يوم السبت مثلاً تقتل فيه منذُ يوم الخميس، لا، حينئذٍ أن يكون العامل ماضياً منفياً، أو متطاولاً، يعني زمنه طويل، تقول: سرت منذُ أسبوع هذا لا إشكال فيه السير قد يأخذ هذا الوقت, أما قتلته هذا لا يصح.

فإن كان الزمان حاضراً كانت بمعنى في (ما رأيته منذُ يومنا) تُفسّر حينئذٍ منذُ بفي أي في يومنا, وإن كان الزمان ماضياً كان في معنى (من)، ما رأيته منذُ يوم الجمعة أي من يوم الجمعة, وسيذكر المصنف في آخر الباب. وأما حتى فسيأتي الكلام على مجرورها، وقد شذّ جرها للضمير: فَلاَ وَاللهِ لا يُلْفَى أُناسٌ ... فتًى حتّاكَ يَابْنَ أَبي زِيَادِ نقول هذا شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه, خلافاً لبعضهم, ولغة هذيل إبدال حائها عيناً, وقرأ ابن مسعود (فتربصوا به عتى حين). وأما الواو فمختصة بالقسم وكذلك التاء، ولا يجوز ذكر فعل القسم معها ولا تستعمل الواو في قسم السوال, والله أخبرني هذا لا يصح، وإنما الباء هي التي تستعمل في قسم السؤال, بالله أخبرني والله أخبرني، غلط هذا، بخلاف الباء فيجوز بالله أخبرني، فلا تقل (أقسم والله) ولا (أقسم تالله) ولا تجر التاء إلا لفظ الله, وهذا هو الأكثر فيها (تَاللهِ لأَفعلنَّ)، وقد سُمع جرها لرب مضافا إلى الكعبة قالوا (ترب الكعبة) , وهذا معنى قوله وَالتَّاءُ للهِ وَرَبْ، وهنا سوى بينهما الناظم لكن الترتيب قد يكون مقصوده، يعني سوّى بين الله ورب بالواو قد يُفهم منه أن دخول التاء على لفظ الجلالة كدخولها على رب, وليس هذا مُرادا حينئذٍ نقول أخّر رب هذا مقصود للناظم. وَالتَّاءُ للهِ وَرَبْ وسُمع أيضا تالرحمن، وكذلك قيل تحياتك وهذا غريب، ولا تجرّ رب إلا نكرة نحو رب رجل عالمٍ لقيت, وقيل نكرة موصوفة أيضاً رب رجل عالمٍ، ثم يجوزُ في عالم هذا وجهان أن يُراعى مدخول رب الأصلي إن كان مبتدأ فيرفع أو مفعولاً به حينئذٍ يُنصب, وهذا معنى قوله: وَبِرُبْ مُنكَّراً، واخصص برب النكرة، فلا يجوز رب الرجل، وقد شذّ جرها ضمير الغيبة هذا شاذ واهٍ. رأيت وشيكاً الصدع أعظمه ... وربه عطفاً أنقظت من عَطبِ نقول هذا شاذ, كما شذّ جرّ الكاف له يعني ضمير الغيبة. خَلِّي الذُّنَابَاتِ شِمَالاً كَثَبا ... وَأمَّ أَوْ عَالٍ كَهَا أَوْ أَقْرَبَا كهاء دخلت على الضمير، نقول هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. وقوله: ولا ترى بعلاً ولا حلائل ... كهو ولا كهن إلا حاضراً ومنه: فلَوْلا السَّلامة كُنًا كَهُم ... وَلوْلا البَلاء لكانوا كَنَا لا تَلُمْنِي فإنني كك فيها ... إننا في الملام مشتركان إذن دخولُ الكاف على الضمير مطلقاً سواء كان ضمير غيبة أو ضمير خطاب أو ضمير متكلم نقول هذا كله يحفظ ولا يُقاس عليه, وإن اختلفوا في الكثرة؛ أيهما أكثر من الآخر؟ وهذا معنى قوله: وَمَا رَوَوْا .. البيت, والذي رُوي من جرّ رب المضمر نحو ربه فتى قليل، وكذلك جر الكاف المضمر نحو كها.

إذن قوله: وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ (رُبَّهُ فَتَى) نَزْرٌ، إذن جرُّ رب للضمير نقول هذا نزرٌ، وقد يراد كلام الناظم وهو الذي حمله ابن عقيل عليه نزر يعني قليل, والقليلُ هذا مختلف فيه هل يصحّ القياس عليه أم لا؟ يعني مُحتمل أن يقال بالقياس, والأولى عدم القياس, وإذا عُبّر بنَدَرَ هذا مقطوع بأنه لا يقاس عليه, (ربه فتى) هذا الضمير يلزم المجرور به الإفراد والتذكير والتفسير بتمييزٍ بعده مُطابِق للمعنى, فيقال: ربّه رجلاً وربه رجلين وربه امرأة وربه رجالاً، يعني يلزم حالة واحدة إفرادًا وتثنيةً وتذكيراً والتفسير بتمييز بعده مُطابق للمعنى، ماذا تريد بالضمير؟ مفرد مذكر، تقول ربه رجلاً، ماذا تريد امرأة؟ تقول ربه امرأة، تأتي به مذكرا كما هو، يلزم الإفراد والتذكير ولا يُثنى ولا يُجمع إلا باعتبار المعنى (ربه رجالاً أكرمتهم) مثلا، هذا على مذهب البصريين, فيُقال ربه رجلاً وربه امراة استغناء بمطابقة التمييز للمعنى المراد, وهذا مذهب البصريين, وجوّزَ الكوفيون مطابقة الضمير لفظاً نحو (ربها امرأة) و (ربهما رجلين أو امرأتين) و (ربهم رجالاً) و (ربهن نساء) ونحو ذلك, جوّزوا مُطابقة الضمير للمميز, وهذا استندوا فيه على السماع .. بعض الأبيات التي نُقلت, وهنا يجب ذكر باب التمييز بخلاف باب نعم وبئس لقوة العامل هناك وضعفه هنا، هنا ضعيف لا يجوز حذف التمييز, وأما في باب نعم وبئس فسيأتي معنا أنه يجوز. وَمَا رَوَوْا مِنْ نَحْوِ رُبَّهُ فَتَى نَزْرٌ كَذَا كَهَا، قلنا كذاكها أي قد جرّت الكاف ضمير الغيبة قليلاً, وأما قوله: وَنَحْوُهُ أَتَى، هذا مختلف في تفسيره على ثلاثة أقوال، ما مراده به؟ قيل يحتمل ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون إشارة إلى بقية ضمائر الغيبة لأنه قال (ربه) , وقال (كها) .. مثّل بضمير الغيبة، هل هو خاص بضمير الغيبة وقد مشى على ذلك المكودي في شرحه أم أراد ما هو أعم من الغيبة فيدخل فيه المخاطب وَنَحْوُهُ؟ قال: وَنَحْوُهُ أَتَىيعني نحو الضمير المذكور، حينئذٍ تكون الإشارة هنا .. الإحالة إلى أي شيء؟ إلى بقية ضمائر الغيبة المتصلة كما في كـ (هو) وكـ (هن). الاحتمال الثاني: أن يكون إشارةً إلى بقية الضمائر مُطلقاً, هذا الوجه الذي قدّمته قبل قليل؛ أن يكون إشارة إلى بقية الضمائر مطلقاً، أي سواء كانت ضمائر غيبة أو تكلم أوخطاب, هذا أو ذاك أوذاك, مُتصلة أو منفصلة؛ كلّه جاء في لسان العرب. وقد شذ دخولُ الكاف على ضمير المتكلم والمخاطب، قال: كـ (ها) ضمير الغيبة؛ هل سُمع الخطاب والمتكلم؟ نعم سُمع, لكنه قليل كقول الحسن: أنا كَكَ وأنت كَي، -كِي كَي تُفتح وتكسر-، -أنا كَكَ هذا لا يوجد من يقوله-، وأما دخوله على ضمير الرفع نحو: ما أنا كـ (هو) وما أنا كـ (أنت)، وما أنت كأنا، هذه كلها ألفاظ تُحفظ ولا يُقاس عليها، وعلى ضمير النصب نحو: ما أنا كإياك وما أنت كإياي، نقول دخلت الكاف على الضمائر كلها بأنواعها الثلاثة: الغيبة والتكلم والخطاب، فجعلَه في التسهيل أقل من دخولها على ضمير الغيبة، ولذلك نصَّ هنا على ضمير الغيبة فحسب كـ (ها).

وأما المتكلم والخطاب فهو أقلّ، حينئذٍ ليسَ نزراً بل هو نادر، ولذلك لم يذكره هنا، فجعله في التسهيل أقل من دخوله على ضمير الغيبة المتصل. قال المرادي: فيه نظر؛ يعني كونها أقل فيه نظر، بل إن لم يكن أكثر فهو مساوٍ, يعني دخول الكاف على ضمير المتكم والخطاب أكثرُ من دخوله على ضمير الغيبة على عكس ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله تعالى, ونظرَ فيه الصبان بأن المراد بالأقلية هنا من حيث القياس، يعني ابن مالك قال أقلّ، يعني مراده به القياس، وكأنه يشير إلى أنه يُقاس عليه، وحينئذٍ لا يرد عليه نظر المرادي، وأن وجه أقليته أنه شاذ من جهتين: أولاً: كون مدخول الكاف ضميراً هذا شاذ, لأن الكاف لا تدخلُ إلا على الاسم الظاهر؛ فكونها دخلت على الضمير هذا شاذ, وكون ذلك الضمير ضميرَ رفع أو نصب هذا شذوذ وراء شذوذ؛ بخلاف ما مرَّ فإنه شاذّ من جهة واحدة, يعني كونه دخل على الضمير. على كلٍّ هذه كلّها شاذة. الاحتمال الثالث: نَحْوُهُ أَتَى, أن يكون إشارة إلى بقية ما يختصُّ بالظاهر أي أن بقية ما يختصُّ بالظاهر دخوله على الضمير قليل, حتاكَ ونحو ذلك, وهذا كلّه محتمل والظاهر أنه يعود إلى كـ (ها) .. يعني الضمير الأخير ونحوه. وَنَحْوُهُ أَتَى: وَنَحْوُهُ أي نحو الهاء المتصل بالكاف أتى؛ يعني سُمع في لسان العرب, وكل هذي تُحفظ ولا يُقاس عليها .. دخول رب على الضمير أو الكاف على الضمير أو حتى أو نحو ذلك, كلها تُحفظ ولا يُقاس عليها ولا يكون مطرداً. بقيَ أن رُبّ قلنا يكون مدخولها نكرة، ثم النكرة هذه بعضهم خصَّها بالمبتدأ والمفعول به؛ يعني تدخل على المبتدأ وتدخل على المفعول به؛ كيف تدخل على المفعول به وهي صدر الكلام؟ إذا قلت: (رب رجل كريم لقيته) , لقيته: فعل وفاعل ومفعول به, والجملة خبر, رب رجل كريم، إذن رجل: نقول هذا مبتدأ، وسوّغ الابتداء به الوصف، رب رجل كريم لقيته الجملة خبر, حينئذٍ رب حرف جرّ شبيه بالزائد, رجل مبتدأ مرفوع بالابتداء ورفعه ضمّة مقدرة على آخره لاشتغاله بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد, كريم نعت, وجملة لقيتُ خبر, ربّ رجل كريم لقيتُ, لقيت بدون هاء، حينئذٍ صار رجل مفعولاً به، لأنه سُلّط عليه العامل، لو أسقطت الضمير حينئذٍ تسلط على العامل السابق. إذن: رجل هذا مفعول به منصوب, والقول فيه كالقول السابق, والتحقيق مِن كلام النحاة أن الأكثر في رُبّ أنها تدلُّ على الكثرة وتُستعمل للقلة، لكنه دون الأول وهي حرف جر شبيه بالزائد، ومدخولها إما مبتدأ أو مفعولاً به, إما هذا أو ذاك, (رُبّ رجل لقيت) هذا مفعول به، (رب رجل كريم) هذا مبتدأ، وقد يكون مدخولها مشغولاً عنه, (رب رجل كريم) يحتمل وجه آخر, لقيتُ رجلاً لكن هذا يجعلنا نُقدّر العامل متى؟ أين نُقدّره؟ إذا قيل بأنه من باب الاشتغال (رب رجل لقيته)، لقيت رجلاً لقيتُه .. أين نُقدّر العامل؟ لا تقل (لقيت رب رجل)، ولا (رب لقيت رجل)، لماذا؟ لأن رب لا يتقدّم عليها العامل لأن لها الصدر؛ فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها, كذلك لا يُقال (رب لقيت رجلاً) لأن رب من خواص الأسماء فلا تدخل على الأفعال. قال الناظم رحمه الله تعالى:

بَعِّضْ وَبَيِّن وابْتَدِئْ فِي الأَمْكِنَةْ ... بِمَنْ وَقَدْ تَأْتِي لِبَدْءِ الأَزْمِنَةْ وَزِيدَ فِي نَفيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرْ ... نَكِرَةً كَمَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرْ هذا شروعٌ منه في ذكر المعاني، وهذا المبحث الثاني الذي يذكره النحاة، وهذا كما ذكرناه لا بد من استيعابه، ويُؤخَذ من مظانه؛ يعني لا يؤخذ من كتب النحاة, بعضهم يذكر بعض التحقيقات التي قد لا تُوجَد في غيرها، لكن الأصل فيها ما أُلف في الكتب المستقلة. المعاني التي يتكلّم عنها النحاة، -وهنا مبحث مهم- وهو أن الحرف معلوم أنه ما دلَّ على معنى في غيره؛ فلذلك نُعرّف الاسم بأنه كلمة دلَّت على معنى في نفسها يعني بذاتها, ونعرّف الفعل كذلك كلمة دلَّت على معنى في نفسها, والحرف كلمة دلَّت على معنى في غيرها, حينئذٍ المعنى الذي دلَّ عليه الحرفُ في غيره, هل يُنافي بأن نقول (مِن) تفيد الابتداء، و (من) تفيد التبعيض، والكاف للتشبيه، واللام للانتهاء ونحو ذلك .. أم هو هو؟ نقول: لا شكّ أنه الثاني؛ لأننا لو أثبتنا للحرف معنًى من المعاني المستقلة بنفسهِ، حينئذٍ نقول: جعلنا الحروف أسماء، لأن المعنى أو الفارق بين الحرف والاسم هو المعنى, فإذا قلنا مِن مُتضمّنة معنى .. معناها الابتداء نفسها؛ كما أن معنى زيد دلالتها على الذات مشاهدة في الخارج لجعلنا الحروف أسماء, ولكن المراد هنا أن هذه المعاني التي تدلّ عليه هذه الحروف مُلاحظة في الغير؛ يعني ليسَ المعنى دالاً عليه الحرف بذاته فحسب, وإنما هو بملاحظة الذي يليه، ولذلك سبقَ معنا أن حرف الجرَّ لا بد من كلمة سابقة وكلمة لاحقة, لا يمكن أن يكون حرف الجر عامِلاً ومؤدياً وظيفته في لسان العرب إلا إذا سبقته كلمة ولحقته كلمة أخرى, السابقة يسمّونها المتعلَّق، لا بد منه إما أن يكون مذكوراً وإما أن يكون محذوفاً؛ كما سيأتي في آخر الباب, وما بعدَه مدخوله لأن الحرف يجر الاسم. حينئذٍ إيصال المعاني التي قلنا حروف الجر تجرّ معاني الأفعال إلى الأسماء، ولذلك صارت هي بمنزلة الآلة، كما يقول الشيخ الهرري بمنزلة التوصيلة الكهربائية فتوصل الكهرباء من الفيش مثلًا إلى الجهاز, وظيفة الحرف هي وظيفة هذه التوصيلة الكهربائية. حينئذٍ نقول الفعل تضمَّنَ المعنى, والاسم الذي هو مجرور الحرف أرادَ أن يصلَ ذلك المعنى إليه, الفعل لا يتعدّى إليه بنفسه حينئذٍ جئنا بهذه الحروف. إذن: معاني الحروف نقول الحرف معناه في غيره؛ فإذا قيل (من) للتبعيض المراد به التبعيض الملحوظ لغيره, يعني باعتبار ما بعدَه, ليست من لوحدها هكذا تقول هي للتبعيض، لا؛ ليس هذا مرادهم, وإنما المراد التبعيض الملحوظ لغيره يعني ما بعده, فليسَ المعنى مستقلاً لمن، بل باعتبار ما قبلها وما بعدها. (من) للتبعيض المراد به التبعيض الملحوظ لغيره أي لكونه حالة بين المتعلق والمجرور, أول شيء تقول حالّة بين المتعلق والمجرور, وآلةً لربط أحدهما بالآخر, فليسَ المراد مطلق التبعيض بل التبعيض الملحوظ لغيره, فإذا قيل بعِّض, إذن: نقول (مِن) تجيء للتبعيض؛ هل هو التبعيض المطلق يعني لا باعتبار كلمة سابقة ولاحقة, أم هو تبعيض مَلحوظٌ لغيره؟

المعنى يحتمل هذا وهذاك، إذا قلت تبعيض مطلق بمعنى أن الكلمة مُستقلة تدلُّ على ذلك المعنى جعلتها اسماً، كما تقول بيت ومسجد وماء، يدلّ على المعنى الذي وُضع له في لسان العرب كذلك (من) أفادت التبعيض, إذا أفادت بنفسها بذاتها بلفظها جعلتها اسماً، وإنما تقول أفادت التبعيضَ في غيرها، أما في نفسها فلا, لكن إذا أردت معنى التبعيض جئت بمن, فحينئذٍ يُلاحَظ هذا المعنى في غيره, المعنى دقيق يحتاج إلى تأمّل. وآلة لربط أحدهما بالآخر فليس المراد مُطلق التبعيض، بل المراد التبعيض الملحوظ لغيره, المشترَك بين (مِن) وما قبلها وما بعدها, وقِس على ذلك بقية المعاني. قال صاحب المفتاح -والمبحث بياني-: المراد بمتعلقات معاني الحروف ما يُعبّر بها عنها عند تفسير معانيها؛ مثل قولنا: (مِن) معناها ابتداء الغاية, و (في) معناها الظرفية, و (كي) معناها الغرض؛ فهذه ليست معاني الحروف, هذه المعاني ليست معاني الحروف وإلا لما كانت حروفاً بل أسماء لأن الاسمية والحرفية إنما هي باعتبار المعنى, وإنما هي متعلقات لمعانيها, أي: إذا أفادت هذه الحروف معاني رجعت تلك المعاني إلى هذه بنوع استلزام، ومرادُه بهذا أنك إذا أردتَ التبعيض وهو معنى من المعاني أو أردت الظرفية حينئذٍ تستعمِلُ اللفظ أو الحرف الذي استعمله العربُ في ذلك المعنى, فإذا أردتَ معنى الظرفية تأتي بـ (في)، ثم ما مرادُك بهذه الظرفية المتعلقة بـ (في)؟ تقول هذه الظرفية لم تدلّ عليها (في) استقلالاً، وإنما باعتبار ما بعدها، وقس عليه سائر البحث. ولا خلافَ في كون المعنى المستعمَلُ فيه الحرف جزئياً ملحوظاً للغير, هذا كما قيل في أسماء الإشارة هناك, إذا قيل هي معرفة .. سبقَ أننا قلنا الصحيح أنها هي كليّة وضعاً جُزئية استعمالاً. إذن: وضعها العربُ لتُستعمل في كل مشار إليه، ثم إذا استعمل صارت جزئية في نفس المستعمل فيه, هذه مثلها إذا قيل التبعيض معنى كلي, ثم إذا استعملته في مثال مُعيّن, قلنا هذا المثال المعين جزئي، هل المعنى الجزئي هو الذي وضع له في لسان العرب الواضع الأول؟ الجواب: لا؛ وإنما وضعت وضعاً كلياً ثم استعملت استعمالاً جزئياً؛ فالكلام فيها كالكلام في أسماء الإشارة, لا خلافَ في كون المعنى المستعمل فيه الحرف جزئياً ملحوظاً للغير؛ يعني في التراكيب والآحاد نفسها .. هذا لا خلاف فيه, وإنما الخلاف في كون هذا الجزئي هو الموضوع له أو لا .. هذا محل النزاع، وهذه المسألة يتكلم فيها أربابُ الوضع. وقيل جزئيات وضعاً واستعمالاً، وقيل: كليات وضعا جزئيات استعمالاً؛ فهي موضوعة للمعاني الكلية الملحوظة لغيرها, فلهذا شرطَ الواضع في دلالتها ذِكرَ الغير معها؛ يعني لا تُستعمَل هكذا مجردة, وإنما لا بد من كلمة سابقة وهي المتعلَّق وكلمة لاحقة وهي المتعلِّق. هذه المعاني التي يذكرها النحاة: بعض وبين .. وهي حرف واحد قد يكون له أكثر من عشرين معنى, مذهبُ البصريين أن حروفَ الجرّ لا ينوب بعضها عن بعضٍ قياساً, هل ينوب حرفٌ عن حرف؟ هذه مسألة والألفية قائمة على هذا, الباب كله قائم على الإنابة, هل يأتي الباء بمعنى في، وفي بمعنى الباء؟

مذهب البصريين لا, لا ينوبُ حرف عن حرف قياساً؛ كما لا تنوب حروف الجزم والنصب عن بعض, وما أوهمَ ذلك بأنه أُنيب فيه حرف عن حرف ما العمل فيه؟ قالوا: نرجعُ إلى التضمين نضمن الفعل معنى يتعدّى بذلك الحرف, أو على شذوذ النيابة, إما بالتضمين وإما أنه شاذّ, هذا أو ذاك, فالتجوّز عندهم في غير الحرف، وإنما في الفعلِ نفسِه, التجوّز ليسَ في الحرف .. لم ينُب حرف عن حرف، وإنما التجوز في كون الفعل ضُمّن معنى يتعدى بذلك الحرف الذي لفظ فيه, فالتجوز عندهم في غير الحرف أو في الحرف لكنه شاذّ, والثاني لا يُعوّل عليه عندهم. وجوّزَ الكوفيون نيابة بعضها عن بعض قياساً, وأكثرُ العلماء على هذا، سواء في التفسير أو الحديث أو النحو على أن الحرف ينوبُ عن الحرف في المعنى, لكن لا بدّ أن يكون مردُّه إلى استعمال العرب؛ يعني لا تأتي تُنِيب حرف من عندك هكذا؛ تأتي بـ (في) تنيبها مناب مثلاً التبعيض ولم يستعمله العرب، لا, تُنِيب على ما استعمله العرب وما لم يستعمله لا, يبقى الأصل فيه المنع. إذن: جوز الكوفيون نيابة بعضها عن بعض قياساً, حينئذٍ التجوّزُ عندهم في الحرف أو في الفعل؟ في الحرف نفسِه .. المجاز يكون في الحرف نفسه. قال في المغني: وهذا المذهب أقلّ تعسفاً؛ لأن الأول فيه تكلّف, تأتي إلى الفعل ولا بد أن تُضمّنه معنىً زائداً على معناه الأصلي لا, نقول: نيابة حرف عن حرف أولى وأخف وأسهل. بَعِّضْ وَبَيِّن وابْتَدِئْ فِي الأَمْكِنَةْ ذكر لـ (من) خمس معاني: التبعيض, وبيان الجنس, وابتداء الغاية في غير الزمان كثيراً وفي الزمان قليلاً .. هذه أربعة. وَزِيدَ فِي نَفيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرْ نَكِرَةً .. الزائدة، فالزائدة إنما تكون للتوكيد, إذن هذه خمسُ معاني, أشهر معاني (من) هي هذه التي ذكرها الناظم. بَعِّضْ أتى به بصيغة الأمر، وليس المراد به الأمر وإنما أراد به الخبر, قد يأتي بالأمر مراداً به الخبر. إذن: بَعِّضْ نقول: المراد بالأمر هو الخبر, ولذلك قال ابن عقيل: تجيءُ (من) .. عبّرَ بالخبر ولم يأت بالأمر. الأول: التبعيض نحو قوله تعالى: ((حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)) [آل عمران:92] يعني: بعض ما تحبون, وعلامتُها أن يصحّ أن يخلفها لفظ بعض, إذا صحّ أن تأتي بلفظ (بعض) حينئذٍ نقول هذه للتبعيض, ولذلك قُرئ (بعض ما تحبون).

الثاني: لبيان الجنس، ومثّلَ ابن عقيل بقوله: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ)) [البقرة:8] وهذا سبقَ التنبيه عليه, (من) التبعيضية في بعض المواضع قد يكون الأرجح أن تُجعَل اسما مبتدأ لصحة المعنى, وأما مطلقاً هكذا دائماً تكون حرفاً هذا محلّ إشكال, ولذلك المعنى قد لا يستقيم وهذه الآية منها, ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا)) [البقرة:8] , الأولى أن نجعل (مِن) مبتدأ, ومَن يقول نجعل الجملة هذه خبر, لأنك لو جعلتَها على أصلها فقلت هي حرف مُتعلّقة بمحذوف، لأن لا بد أن يكون خبراً لا يكون مبتدأ, حينئذٍ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ .. هم من الناس, هذا معلوم ليس فيه فائدة جديدة لو قال قائل: الذين يقولون آمنا وما هم بمؤمنين من الناس, من أين هم؟ جدار ليسوا جدار, لكن لو حُكم على البعض؛ بعضُ الناس بعض الناس يقول آمنا وما هم بمؤمنين، أي المعنيين أجمل؟ الثاني لا شك, ولذلك ذهبَ الزمخشري أن (من) التي للتبعيض تكون اسما مبتدأ وهذا أولى، ومثّلَ الشارح بهذه الآية والأولى تركها. ((فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)) [البقرة:253] بعضهم آمنَ وبعضهم كفرَ, إذن نقول هذه للتبعيض, أخذتُ من الدراهم أي: بعض الدراهم، هذا لا إشكال فيه واضح. بَعِّضْ وَبَيِّن يعني التي تكون لبيان الجنس، وعلامتها أن يصحَّ أن يخلفها اسم موصول مع ضمير يعودُ على ما قبلها، هذا إن كان المعرفة, ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] سبقَ أن (من) هذه لبيان الجنس, يخلفُها ويحل محلَّها اسم موصول مع ضمير يعودُ على الاسم السابق, فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، إذاً صحَّ .. حينئذٍ إذا صح حلول اسم موصول مع ضمير يعود على ذلك الذي يكون قبل (مِن) حينئذٍ نقولُ هذه (من) لبيان الجنس, هذا إن كان ما قبلها معرفة، فإن كان نكرة فعلامتها أن يخلفَها الضمير فقط ((أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)) [الكهف:31] أساور هي ذهب, أي: هي ذهبٌ, والأحسنُ في علامتها أن يصحّ الإخبار بما بعدَها عما قبلها, هذا يجمع النوعين. إذن: ضُبِطت التي لبيان الجنس بأن يصحّ أن يخلفها الذي -اسم موصول- مع ضمير عائِد على سابقه, وذلك مثلُ قوله ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان, وهذا إذا كان معرفة. وأما إذا كان نكرة حينئذٍ نٍأتي بالضمير فحسب دون اسم الموصول, ((مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)) [الكهف:31] أساور هي ذهب. بَعِّضْ وَبَيِّن وابْتَدِئْ المراد بالابتداء ابتداء الغاية التي هي المسافة. فِي الأَمْكِنَةْ هذا محلّ وفاق، تكون (من) لابتداء الغاية يعني المسافة في الأمكنة, هذا محل وفاق بين البصريين والكوفيين, ومثاله قوله: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) [الإسراء:1] فالمسجد الحرام ابتداء للإسراء وهو ابتداء مكاني.

وَقَدْ تَأْتِي لِبَدْءِ الأَزْمِنَةْ، وهذا مختلف فيه, أكثرُ البصريين على المنع أن (من) إذا جاءت لابتداء الغاية فهي مكانية فحسب, وأما الزمان فيُمنع, أكثر البصريين على هذا, وهذا مختلف فيه, ومذهبُ الكوفيين والأخفش أنها تكون لابتداء الغاية مطلقاً. إذن: الناظم هنا وافقَ الكوفيين، وهو اختيار الناظم. قال في شرح الكافية: وهو الصحيحُ لصحة السماع بذلك, إذن: الصحيح أن (من) تأتي لابتداء الغاية المكانية كثيراً والزمانية قليلاً, ولذلك قال: وقد تأتي .. و (قد) هذه للتقليل, تأتي يعني (من) لبدء الغاية في الأزمنة أيضاً كما جاءت في الأمكنة. ومثالُه قوله: ((لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ)) [التوبة:108] أَوَّلِ يَوْمٍ, نقول: أول هذه أُضيفت إلى اسم زمان، فصارت ظرف زمان, حينئذٍ دخلت عليها من ((مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ)) [التوبة:108]. بَعِّضْ وَبَيِّن وابْتَدِئْ فِي الأَمْكِنَةْ بِمَنْ, بمن هذا جار ومجرور تنازعه فيه العوامل الثلاثة السابقة, بعِّض بمن, بيِّن بمن, وابتدئ بمن, حينئذٍ نقول: أعمل الأخير وحذف من الأول والثاني. وَزِيدَ هذا رد الضمير هنا بالمفرد باعتبار الحرف لا باعتبار الكلمة؛ لأنه قد يقال وزيدت يعني (من) باعتبار كونها كلمة, وزِيدَ يعني الحرف باعتبار كونه حرفاً فهو مذكّر. وَزِيدَ فِي نَفيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرْ ... نَكِرَةً كَمَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرْ هذا يحتاج إلى وقوف. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

69

عناصر الدرس * تتمة معاني حروف الجر * عمل الحروف لعد دخول (ما) الزائدة عليها * عمل بعض الحروف وهي محذوفة * فائدة أقسام حروف الجر من حيث الأصالة والزيادة. متعلقات الجار والمجرور. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد. ما زالَ الحديث في بيان معاني (من) التي ذكرها الناظم رحمه الله تعالى، وهي خمسُ؛ ذكر خمساً أشارَ إليها بقوله: بَعَّضْ وَبيَّنْ وابْتَدِئْ فِي الأَمْكِنَهْ ... بِمِنْ وَقَدْ تَأْتِي لِبَدْءِ الأَزْمِنَهْ يعني: بدءَ الغاية في الأزمنة؛ جمعُ زمانٍ، كما جاءت في بدء الأمكنة؛ جمع مكان، وزِيدَ هذا المعنى الخامس، والمراد به التوكيد أنها تأتي للتوكيد؛ وذلك إذا كانت زائدة، وتكون زائدة بشرطين: الأول: أن تكون بعدَ نفي وشبهِ النفي وهو الاستفهام والنهي، والثاني: أن تكونَ نكرة .. أن يكون ما بعدَها مدخوله نكرة، إذا وُجِد حينئذٍ صحَّ أن يقال بأن من زائدة وأفادت التوكيد، إذا انتفيا أو انتفى أحدُهما حينئذٍ لا تصحُّ أن تكون (من) للتوكيد. وَزِيدَ فِي نَفيٍ: يعني: في سياق النفي، وَشِبْهِهِ: شبه النفي كما سبقَ معنا هو الاستفهام والنهي، فَجَرْ: جرَّ يعني ذلك الحرف، وهو (من)، هنا ذكَّرَ باعتبار الحرف، نَكِرَةً: يعني: مدخولها يُشترَط فيه أن يكون نكرة، كَمَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرْ: هذا مثال لدخول (من) بعدَ نفي، (ما): حرف نفي، لِبَاغٍ: جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر، مِنْ مَفَرْ: مَفَرْ هذا مبتدأ مؤخّر مرفوع ورفعه ضمّة مقدّرة على آخره منعَ من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. ومثالها كما ذكرَ الشارح: ما جاءني مِن أحد، وأحد: هذا فاعل، إذن: دخلت على المبتدأ، ودخلت على الفاعل، وستدخلُ على بعضها كما سيأتي، ولا تُزاد عند جمهورِ البصريين إلا بشرطين، ويُزاد عليه شرطٌ ثالث؛ الأول: أن يكون المجرور بها نكرة، أن يسبقها نفي أو شبهه، والمراد بشبهِ النفي النهي، نحو: لا تضربْ من أحد، أحدٍ: هذا مفعول به، والاستفهام: نحو: هل جاءك من أحد، هل هو مطلق الاستفهام؛ كل استفهام؟ الجواب: لا، ليسَ كل استفهام يصحُّ أن تكون (من) بعده زائدة، وإنما الاستفهام بـ (هل)، كذلك الهمزة على الأوجه فلا تُزاد مع غيرهما لعدم السماع، لم يُسمَع إلا في (هل) والهمز وما عداهما فلا. إذن: الاستفهام ليسَ على إطلاقه، ولأنّ غيرهما .. غير الهمزة والاستفهام لا يُطلَب به التصديق، بل التصوّر بخلافهما، فإن (هل) لطلب التصديق فقط، والهمزة له ولطلب التصور، وهذا بحثُه في علم البلاغة.

الشرط الثالث: هو كونُ النكرةِ عندَ بعضهم فاعلاً أو مفعولاً أو مبتدأً أو مفعولاً مطلقاً، حينئذٍ لا تُزاد مع غير هذه الأربعة، مع المبتدأ: وهو مثالُ الناظم الذي ذكرناه، ومثله: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3]، هذا مثال للمبتدأ، كذلك مع الفاعل، مثل: ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] بشير هذا فاعل دخلت عليه (مِن) وهي زائدة؛ لأنه نكرة، وهي مسبوقَة بنفي، المفعول به: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)) [إبراهيم:4]، وما أرسلنا رسولاً، كذلك على المبتدأ المنسوخ، ((فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)) [الحاقة:47]، حاجزين: مجرور بالياء، فدلَّ على أن ما هذه عاملة عملَ (ليس)، وأحد: مبتدأ، إذن: دخلت عليه (مِن) وهو منسوخ، كذلك على المفعول المطلق: ((فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ)) [الأحقاف:26]، أصلها شيئاً، ما أغنى شيئاً، هذا مفعول مُطلق دخلت عليه (مِن)، إذن: غير هذه الأربع عند الكثيرين لا يصحّ أن تكون مدخولاً لـ (من) الزائدة. إذن: ليست (كلّ) نكرة، هذه ثلاثةُ شروط لابدّ من استيفائها، فائدة هذه (من) الزائدة إذا دخلت على النكرة أفادت العموم، التنصيصَ على العموم؛ هذه فائدتها؛ لأن النكرة في سياقِ النفي والاستفهام تفيدُ العموم، لكنها ظاهرة في العموم، إذا دخلت عليها من حينئذٍ صارت نصّاً في العموم، ففرقٌ بين العموم الظاهر والعموم النصي، والتي لتنصيصِ العموم هي التي مع نكرة لا تختصُّ بالنفي، بعضُ الألفاظ مثل: ديّار، وأحد، هذه مختصّة بالنفي، ولو لم تكن في سياق النفي، بعضُ الألفاظ مُلازِمة للنفي، ولو لم تكن في سياق النفي، حينئذٍ ما لا يكونُ مُلازِماً للنفي إذا دخلت عليه (من) صارت نصاً في العموم.

إذن: التي لتنصيص العموم هي التي مع نكرة لا تختصّ بالنفي؛ لأنها قبل دخولِ من تحتمل نفيَ الوحدة بمرجوحية، ونفيَ الجنس على سبيل العموم براجحية، فدخولها مُنصِّص على الثاني؛ لأنك إذا قلت: ما رجلٌ عندي، رجلٌ هذا نكرة في سياق النفي عام، هو ظاهرٌ في العموم، حينئذٍ يكون محتمِلاً للتخصيص، فإذا قلت: "ما مِن رجل" لا يقبلُ التخصيص البتة، لماذا؟ لأن (مِن) أكّدته ونصَّت على أن المراد هنا به العموم، فلذلك يمتنعُ أن يُقال: "ما جاءني من رجل بل رجلان" ممتنع، كما هو الشأن في لا النافية للجنس، لا يصح أن يقال: "ما جاءني من رجل بل رجلان"، ونحكم بزيادتها مع كونها أفادت التنصيص، هذا معنى من المعاني، كيف نقولُ: هي زائدة، ومع ذلك أفادت التنصيص على العموم؟ لأن المراد بزيادتها وقوعُها في موضعٍ يطلبه العامل بدونها، يعني: أن تقعَ بين طالب ومطلوب، حينئذٍ نقولُ: وقوعُها هنا هل يخرج اللفظ عن الإسناد، فيما لو حذفنا (مِن)؟ الجواب: لا، ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ)) [فاطر:3]، أو لو قال قائل: "ما من أحد في الدار"، لو قال: "ما أحد في الدار" بقيَ المسند والمسند إليه على حاله، حينئذٍ أصلُ المعنى موجود: "ما أحد في الدار"، لو قيل: "ما من أحد" نصّ، نقول: زيادة (مِن) والحكم بكونها زائدة لا يُفهَم منه أن دخولها وخروجها سواء، بل لها معنى هو التنصيص على العموم، وهذا يؤكِّدُه المعنى الذي يذكرُه النحاة؛ لأن المراد بزيادتها وقوعُها في موضع يطلبُه العامل بدونها، فتكونُ مُقحَمة بين طالب ومطلوب، وإن كان سقوطُها مخلاً بالمقصود النهائي؛ ليس المقصود الابتدائي الذي يحصلُ بالإسناد .. المسند والمسند إليه، والتي لتأكيد العمومِ هي التي مع نكرة تختصُّ به، يعني: بالنفي: كأحد وديّار؛ لأن النكرة الملازمة للنفي تدلُّ على العموم نصّاً فزيادة من تأكيد لذلك العموم. إذن: (مِن) تُزاد وقد تكون تنصيصاً على العموم، ثم التنصيص قد يكون قبلَ دخولِ (من) لم تُفِده الجملة، وقد يكون دالّة عليه، ولكن (مِن) تؤكِّدُ العموم الذي فيه، وذلك فيما إذا كانت النكرة ملازمة للنفي، حينئذٍ إذا دخلت عليه (مِن) نقول: قبل دخول (مِن) هي نص في العموم، ماذا أفادت (من)؟ أكَّدت التنصيص على العموم، إذا لم يكن مُلازماً للنفي ودخلت (مِن)، حينئذٍ نقول: هذه أفادت التنصيص على العموم، ولا تُزادُ في الإيجاب ولا يُؤتى بها جارة لمعرفة، وهذا مذهبُ الأخفش؛ مذهب الأخفش أنه تُزادُ من بدون شرط أو قيد، يعني: سواء كانت معرِفة ما بعدَها ولا يشترط النكرة، أو كانت في سياق نفي أو غيره مُطلَقاً في الإيجاب وفي النفي ولا يُشترَط أن تكون نكرة، هذا مذهبُ الأخفش؛ فلا تقل: "جاءني من زيد"، هذا خلافاً للأخفش، وجَعَل منه قوله تعالى: ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) [الأحقاف:31]، قال: مِن: هذه زائدة، ويغفر: هذا إيجاب، وذنوبكم هذا معرفة، إذن: بطلَ الشرطان، ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) [الأحقاف:31] قال: مِن هذه زائدة ودخلت على ذنوبكم، وهو معرفة، ويغفر: الجملة هذه مُوجَبة وليست منفية، والجواب عما افترضَ به أو استدلَّ به الأخفش نقول من ثلاثة أوجه:

الأول: (مِن) المراد بها التبعيض، تُحمَل من هنا على التبعيض، وأن المقصود بذلك إخراجَ المظالم؛ لأنها لا تُغفَر إلا برضا أصحابها، ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) [الأحقاف:31]، يعني: بعضَ ذنوبكم، والمغفرة هنا للذنوب التي لم تتعلَّق بالخلق، فتلك لابدّ من رضا أصحابها. الثاني: أن (مِن) لبيان الجنس، ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) [الأحقاف:31] مثل: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30]، والمُبيّن محذوف، يغفر لكم شيئاً من ذنوبكم. الثالث: أن مَغفرةِ جميع الذنوب بالإيمان خاصٌّ بهذه الأمة، ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) [الأحقاف:31]، وأما مغفرةُ جميعِ الذنوب هذه خاصّة بهذه الأمة، وأما هذه الآية فقيل: إنها في قوم نوح. إذن: ((يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)) [الأحقاف:31] بعض الذنوب هذا ليسَ في هذه الأمة، وهذا مردودٌ بآية الجن: (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)، إذن: تُحمَل على أنها إما لبيان الجنس، وإما للتبعيض هذا أولى. وأجازَ الكوفيون زيادتها في الإيجاب بشرط تنكير مجرورها، يعني: وافقوا على التنكير وخالفوا في اشتراط النفي، فلم يشترطوا النفي وشبهه، ومنه عندهم: قد كان مِن مطرٍ، (مطرٍ) نكرة، وهو فاعل (كان)، قد وُجِد مطرٌ، حصلَ مطر، إذن: (كان) تامة، ومطرٌ: فاعل ودخلت عليه (من) والجملة مُوجَبة، فدلَّ على أنه لا يُشترَط النفي، وإنما يُشترَط التنكير، وأُجِيب: بأن (مِن) تبعيضية أو بيانية لمحذوف، أي: قد كان شيءٌ من مطرٍ، وقوله: أجازَ الكوفيون ليسَ كل الكوفيين، بل بعضهم، أما الكسائي وهشام منهم فيوافقان الأخفش؛ لعدمِ اشتراطِ الشرطين معاً، واختاره الناظم في التسهيل. إذن: المسألة فيها خلاف، لكن الأكثر على اشتراط الشرطين. إذن: هذان البيتان أشار بهما إلى المعاني الخمسة التي هي لـ (مِن)، وهذا أشهرُ ما يُذكر. وبقي هنا مسألة وهي (من) البيانية، مع مجرورها ظرف مستقرّ في محل نصب على الحالية، إذا قلنا: مِن قد تأتي بعد معرفة، حينئذٍ علامتُها اسم موصول مع ضمير: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:30]، حينئذٍ كيف نُعرِب (مِن)؟ نقول: هذه (من) في محل نصب حال، وإذا جاءت بعد نكرة: ((مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)) [الكهف:31]، نقول: (من) هنا في محلّ؛ إما رفع أو نصب أو جرّ نعت؛ لا نعربها حالا، إذا جاءت بعد المعرفة فهي حال، وإذا جاءت بعد النكرة فهي نعت، تابع لما قبله في إعرابه إن كان نكرة. ثم قال رحمه الله: لِلانِْتِهَا حَتَّى وَلاَمٌ وَإِلَى ... وَمِنْ وَبَاءٌ يُفْهِمَانِ بَدَلاَ هذه الثلاث التي أشارَ إليها بقوله: حَتَّى وَلاَمٌ وَإِلَى: تدلُّ على الغاية، يعني: تشتركُ في معنى، وهو الغاية في الزمان والمكان، و (إلى) هي أمكن في ذلك من (حتى)، فإلى هي الأعلى؛ هي الأصل، فهي أكثرُ من حتى، ثم حتى ثم اللام، وإن لم يرتبها الناظم. إلى هذه أعلى الدرجات، ثم حتى، ثم اللام، هذه كلُّها تدل على انتهاء الغاية، سواء كانت غاية مكانية أو زمانية.

والأصل من هذه الثلاث: (إلى)، فلذلك تجرُّ الآخر وغيره، نحو: سرتُ البارحة إلى آخر الليل، دخلت على الآخر، أو إلى نصفه، سرتُ الليل إلى نصفه. إذن: جرّت الآخر وجرّت ما قبلَ الآخر، وأما حتى فلا تجرّ إلا ما كان آخراً أو مُتصلاً بالآخر، أما النصف (حتى نصفه) هذا لا يصح، حتى ثلثه هذا لا يصح، إما الآخر أو المتصل بالآخر، ولذلك مُثِّل بقوله: ((سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)) [القدر:5]، هذا مُتصل بالآخر، وليس آخراً. ولا تجرّ غيرهما: فلا تقل: سرتُ البارحة حتى نصفِ الليل، يعني: عدم دخولِ ما بعدها، ولذلك قيل: أكلتَ السمكة حتى رأسِها، حتى رأسُها، حتى رأسَها، تحتمل الأوجه الثلاثة. أكلتُ السمكة حتى رأسِها، هذا مجرور، هذا متصل بالآخر، إلا إذا كان مأكولاً الرأس نفسه، حينئذٍ حتى رأسها يتعين النصب، واستعمال اللام للانتهاء قليل، ومنه قوله تعالى: ((كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)) [الرعد:2]، وجاء في آية أخرى: ((إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)) [لقمان:29]. إذن: للانتهاء .. انتهاء الغاية يُستعمَل واحد من هذه الحروف الثلاثة، وهي: حتى ولام وإلى، إلا أن إلى هي الأصل، ولذلك تجرّ الآخر وما قبلَ الآخر، وأما حتى هذه فرع عن إلى، فلا تجرّ إلا الآخر والمتصل بالآخر، وأما اللام فلا يُشترَط فيها شيء. وَمِنْ وَبَاءٌ يُفْهِمَانِ بَدَلاَ: يعني: من والباء، (من) هذا حرف، وسبقَ أن له خمس معاني، يُضاف إليه هذا المعنى الذي ذكره هنا، (من) حرف من، وباء هذا معطوف عليه، مِنْ مبتدأ، لِلاِنْتِهَا: هذا خبر مقدم، وحتى وما عطف عليه، حتى: مبتدأ مؤخر، والانتهاء: هذا خبر مُقدّم، ولام وإلى: معطوفان على حتى، ومن وباء؛ (من): مبتدأ وباء: معطوف عليه، يُفْهِمَانِ بَدلاَ: بدلا الألف بدل من التنوين، يُفْهِمَانِ هذا خبر من وما عُطِف عليه، أي: (من) والباء مُستوِيان في الدلالة على البدل، يعني: يأتي بلفظ بدل بدل من، وبلفظِ بدل بدل الباء، فإن صحَّ حينئذٍ قلنا: استُعمِلت فيه (ما)، يُستعمَل (من) والباء بمعنى بدل، ((أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ)) [التوبة:38] بدل الآخرة، حينئذٍ تكون بذلك المعنى: ((وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً)) [الزخرف:60]، يعني بدلكم. جَاريةٌ لم تأكُلِ المُرَقَّقَا ... وَلمْ تَذُقْ مِنَ البُقُولِ الفُسْتُقَا يعني: بدل البقول فسقَ. ومن استعمالِ الباءبمعنى بدل ما وردَ في الحديث: {ما يسرني بها حمر النعم} أي بدلها. فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْماً إِذا رَكِبُوا ... شَنُّوا الإِغَارةَ فُرْساناً ورُكْبانَا فَلَيْتَ لِي بِهِمِ: بدلهم يعني، ليت لي بدلهم، حينئذٍ (مِن) تأتي بمعنى بدل، وباء تأتي بمعنى بدل. وَالّلامُ لِلْمِلْكِ وَشِبْهِهِ وَفِي ... وَزِيدَ وَالظَّرْفِيَّةَ اسْتَبِنْ بِبا ... تَعْدِيَةٍ أَيْضاً وَتَعْلِيلٍ قُفِي وَفِي وَقَدْ يُبَيِّنَانِ السَّبَبَا واللام: هذه معاني تتعلق باللام، وسبقَ أن اللام تأتي لِلاِنْتِهَا معنًى سابق، وزادَ عليها أنها تأتي للملك والتعدية وللتعليل ومؤكِّدة، هذه أربعُ مع السابق فهي خمس.

وَالّلامُ لِلْمِلْكِ: الّلامُ: مبتدأ، ولِلْمِلْكِ: خبر، والمراد للمِلك وللمُلك، يعني: يجوزُ ضمّ الميم وكسر الميم، للمِلك وللمُلك. وذلك فيما إذا وقعت بين ذاتين ودخلت على مَن يملك، المال لزيدٍ، المال ذات وزيد ذات، وقعت اللام بين ذاتين ودخلت على من يملك، وَشِبْهِهِ قيل: المراد به الاختصاص، شبه الملك الاختصاص؛ وذلك إذا وقعت بين ذاتين ودخلت على ما لا يملك: الجلُّ للفرس، البابُ للدار، البابُ ذات والدارُ ذات، ودخلت اللام على أحد الذاتين لكن الدار لا تملك، وَالّلامُ لِلْمِلْكِ وَشِبْهِهِ، يعني: شبه الملك، وَفِي تَعْدِيَةٍ، وأما الاستحقاق هذا مشهورٌ عند النحاة خاصة المتأخرين، وهو ما إذا دخلت بين ذات ومعنى ودخلت على الذات: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ)) [الفاتحة:2]، الحمدُ هذا معنى، ولله ذات .. دخلت على الذات، إذن: نقول: هذه للاستحقاق، وبعضهم يُعبّر عن الكل بالاختصاص، حتى اللام الملكية، يقول: هذه للاختصاص؛ لأن مَن ملكَ شيئا اختصّ به، حينئذٍ يُعبّر عنها الجميع بلام الاختصاص، فتشملُ لامَ الملك ولامَ الاستحقاق ولام الاختصاص بالمعنى الخاص، وهذا لا إشكال فيه من باب الاصطلاح فحسب. وَاللاَّمُ لِلْمِلْكِ وَشِبْهِهِ: المراد به الاختصاص، وَفِى تَعْدِيَةٍ قُفِي: قفي يعني اتُبِع، وفي تعدية: هذا متعلق به، أَيْضَاً: مفعول مطلق، آضَ يئيضُ أيضا، العامل فيه محذوف وجوباً، تأتي اللام للتعدية، يعني: تُعدّي الفعل إلى معموله، وذلك سبقَ معنا؛ إما في الفعل وإما في الوصف، في الفعل إذا ضَعُفَ على أن يُسلّط على معموله، وذلك فيما إذا تقدم: لزيدٍ ضربتُ، ضربتُ زيداً، زيداً ضربتُ، قلنا: لما تقدّمَ العامل على المعمول ضَعُفَ: ((إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)) [يوسف:43]، تعبرون الرؤيا، لما تقدّمَ ضعُفَ، حينئذٍ احتجنا إلى واسطة، فعُدِّي باللام، هذه اللام للتعدية تُسمى، أو الفرع لذلك الوصف: ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107]، يعني: لا تأتي اللام بعدَ الفعل أبداً، إذا قيل: ضربتُ لزيدٍ على أن زيد مفعول به، نقول: هذا شاذّ يُحفَظ ولا يُقاس عليه، إذا جاءت اللام بعد الفعل، لماذا؟ لأن الفعل قوي يتعدّى بنفسه لا يحتاج إلى واسطة، أما إذا تقدّمَ عليه معموله ضعُفَ أن يتسلط عليه فاحتاج إلى تقوية، فجاءت هذه اللام المقوية والمعدّية للفعل إلى معموله، فتقول: لزيدٍ ضربتُ، ومنه: ((تَعْبُرُونَ)) [يوسف:43]، هذا واضح أنه مُتعدٍّ بنفسه، والرؤيا مفعول به. إذن: لماذا جِيءَ باللام؟ ((لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)) [يوسف:43]، ((إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا)) [يوسف:43]، إن كنتم تعبرون الرؤيا، هذا الأصل، فلما تقدّمَ المعمول على عامله ضعُفَ يعني: تسلّطَ عليه، فاحتجنا إلى مُقوّي، وهو اللام.

أما الوصفُ الذي هو الفرع، إذا جاءَ المعمولُ بعدَه فحينئذٍ يحتاج إلى تقوية؛ لأنه هو في نفسِه ضعيف، ولذلك جاء: ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107]، لما، ما هذه ما إعرابها؟ مفعول به، ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107]، اسم موصول، إذن: مفعول به دخلت عليه اللام لماذا؟ نقول: هذه اللام لامُ التعدية، لماذا جِيء بها؟ لأن فعّال وصفٌ فرعٌ، بخلاف الفعل، الفعلُ إدخال اللام بعدَه شاذّ يُحفَظ ولا يُقاس عليه، وأما الوصف فهو وارد في فيصح الكلام، حينئذٍ نقول: هذا مَقيس، إذا جِيءَ بالمفعول به بعد كلّ وصف: أنا ضاربٌ لزيدٍ، هذا قياس صحيح فصيح، أنا ضاربٌ زيداً، زيداً: مفعول به، ويصحُّ أن تقول: أنا ضاربٌ لزيدٍ؛ كما قال تعالى: ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107]، نقول: هذا قياس، لأن اللام هذه للتقوية. إذن: وَفِي تَعْدِيَةٍ: يعني: تعدية العاملِ إلى معموله، ولو كان لازماً يتعدّى باللام كذلك لا إشكال، وَتَعْلِيلٍ: هذا معطوفٌ على تَعْدِيَةٍ، وَتَعْلِيلٍ: ((لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ)) [النساء:105]، نقول: لتحكمَ أي: من أجل أن تحكمَ بينَ الناس، وزِيدَ: هذا المعنى الرابع، يعني: أن تأتي اللام زائدة. الشارح يقول: تقدم أن اللام تكون للانتهاء، وذكرَ هنا أنها تكون للملك، نحو: ((لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) [البقرة:284]، والمالُ لزيد، ولشبهِ الملك، نحو: الجُلُّ للفرس، يعني: اختصاص، والباب للدار، وللتعدية .. فسّرَ التعدية هنا بالتعدية الحقيقة، يعني: الفعل اللازم يتعدّى إلى معموله، وأما ما ذكرتُه فهو مُتعلّق بالزائدة، لزيد ضربتُ، كذا تقول: إلى الزائدة. هنا قال: وللتعدية: وهبتُ لزيدٍ مالاً، وهبَ، هذا لا يتعدّى بنفسه، وهبتُ زيداً مالاً، أو لا يتعدّى إلا إلى مفعول واحدٍ، وهبتُ لزيدٍ مالاً، حينئذٍ نقول: لزيدٍ في الأصل أن وهبَ لا يتعدّى إليه، وهو يفتقِرُ إلى مفعولين، مثل: سمّى، اختار، اختار يتعدّى إلى مفعولين؛ إلى أحدِهما بحرف وإلى الثاني بنفسه، (وهبَ) مثلُه، حينئذٍ احتجنا إلى اللام لتعدية وهبَ إلى ما لا يتعدّى إليه بنفسه، ومنه قوله تعالى -وهذا فيه نزاع-: ((فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)) [مريم:5]، هبْ ولياً لي، فلي اللام هنا دخلت على الياء، وللتعليل: جئتك لإكرامك: وَإِنِّي لَتَعْرُوني لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلّلَهُ الْقَطْرُ لَتَعْرُوني لِذِكْرَاكِ: دخلت اللام على المصدر هنا، وزائدة التي على هنا، وَزِيدَ يعني: أتي بها للتوكيد، وهذا التأكيد إنما يكون في ما إذا كانت زائدة، وزائدة قياساً نحو: لزيدٍ ضربتُ، ومنه قوله تعالى: ((إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)) [يوسف:43]، وسَماعاً نحو: ضربتُ لزيدٍ، هذا سماعاً، يعني: يُحفَظ ولا يُقاس عليه، حينئذٍ زِيدت قياساً لتقوية العامل؛ لضعفه بالتأخير، أو لكونه فرعاً كما في قوله: ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107]. ثم قال:

وَالظَّرْفِيَّةَ اسْتَبِنْ بِبَا ... وَفِى وَقَدْ يُبَيَّنَانِ السَّبَبَا: الظَّرْفِيَّةَ هذا مفعول به مُقدّم، يعني: أن الباء وفي يَشتركان في الدلالة على الظرفية والسببية، وَالظَّرْفِيَّةَ: مفعول مُقدّم من قوله: اسْتَبِنْ، استبن يعني: استظهر، يعني: اطلبْ البيان، بالباء للظرفية، بِبَا: هذا متعلق بقوله استبن، وفي: معطوف عليه، وَقَدْ يُبَيَّنَانِ السَّبَبَا: قد: للتقليل أو للتحقيق؛ للتحقيق بالنسبة إلى الباء؛ لأنها تأتي للسببية كثير، وللتقليل بالنسبة إلى (في)؛ لأن (في) تأتي للسببية، لكنه قليل وليس هو الأصل فيها بخلاف الباء، فهي مِن استعمالٍ مُشترَك في معنيين، أو هي للتحقيق مُطلقاً فقط، فلا اعتراضَ بأن بيانَ السبب بالباء كثير لا قليل. على كلٍّ استُعمِلت في معنييها، وَقَدْ يُبَيَّنَانِ: يعني: الباء وفي. السَّبَبَا: الألف هذه للإطلاق، وأشارَ بقوله: وَالظَّرْفِيَّةَ اسْتَبِنْ .. إلى آخره: إلى معنى الباء وفي، فذكرَ أنهما اشتركا في إفادة الظرفية والسببية، فمثالُ الباء للظرفية ((وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ)) [الصافات:137] وَبِاللَّيْلِ يعني: في الليل، ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ)) [آل عمران:123]، يعني: في بَدر، ((نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ)) [القمر:34]، في سَحر، إذن: جاءت بمعنى الباء، ومثالها للسببية: ((فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ)) [العنكبوت:40]، يعني: بسببِ ذنبه، ((فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا)) [النساء:160] كل هذه للسببية، ومثال (في) للظرفية قولك: زيدٌ في المسجد، وهو الكثير فيها، ثم قد تكون حقيقية، تكون مجازية، وحقيقية بأن يكون للظرف احتواء وللمظروف تحيُّز، كما تقول: زيدٌ في المسجد، زيدٌ له تحيز والمسجد له احتواء، لابد من هذا حتى تكون حقيقية، فإن انتفيا أو انتفى أحدُهما فهي مجازيّة، فإن فُقِدا نحو: في علمه نفع، نفع: مبتدأ وعلمه: خبر، علم ونفع كلاهما معنويان ليسَ فيهما تحيُّز، أو الاحتواء: زيدٌ في سعة من الأمر، زيد جثة، سعة هذا مظروف، حينئذٍ ليسَ فيه تحيُّز، أو التحيز، نحو: في صدرِ زيدٍ علمٌ، علمٌ هذا معنى، الصدرُ فيه تحيُّز، فمجاز، ومنه الزمانية نحو: زيدٌ في يوم كذا. على كل الظرفية قد تكون حقيقية وقد تكون مجازية. ومثالها للسببية، وهذه تسمى التعليلية (في) تأتي للتعليل، قوله صلى الله عليه وسلم: ومثالها للسببية قوله صلى الله عليه وسلم: {دخلت امرأة النار في هِرّة} يعني: بسبب هرة، ففي هنا سببية: ((لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ)) [الأنفال:68] سببية، يعني: بسبب ما أخذتم به. إذن: وَالّلامُ لِلْمِلْكِ، قلنا: الّلامُ: مُبتدأ، ولِلْمِلْكِ: خبر، وَشِبْهِهِ معطوف عليه، وَفِي تَعْدِيَةٍ مُتعلّق بقوله: قُفِي، وهو بمعنى تبع، أَيْضاً: منصوبٌ بفعل محذوف، وهو مفعول مطلق، وَتَعْلِيلٍ هذا معطوف على قوله: تَعْدِيَةٍ.

وَزِيدَ: أي: اللامُ .. هنا جاءَ بلفظ مذكر، يعني: الحرف، زِيدَ للتوكيد، هو ليسَ معنى، الزيادة ليست معنى، الزيادة حاصِلة بإدخال الحرف، وإنما المعنى يكونُ بعد الزيادة، والمراد به التوكيد. وَالظَّرْفِيَّةَ اسْتَبِنْ بِبَا: يعني: استبن الظرفية بباء وفي، يعني: بهذين اللفظين، وَقَدْ يُبَيِّنَانِ السَّبَبَا: يعني: في والباء قد يأتيان للسبب. قال: تُكسَر لامُ الجرّ مع الظاهر، واللامُ للملك، إلا المستغاث كما سيأتي، وفتحها مع الضمير إلا الياء: لَه ولَك بالفتح، أما مع الظاهر فتُكسَر، لِزيدٍ مالٌ، لِزيدٍ بكسر اللام هذا الأصل، ومع الضمير تفتح: لَه ولَك ولَنا إلا مع الياء فتُكسَر، تقول: لِي: ((هَبْ لِي)) [آل عمران:38] بكسر اللام، وفتَحَها بعض العرب مع الظاهر مطلقاً، لَزيدٍ مع الظاهر، لكنها ليست بلغة مشهورة، وكَسَرها خُزاعة مع الضمير، لِك، لِنا، حينئذٍ نقول: هي مكسورة. وكَسرُ الباء مطلقاً هو المشهور، قال أبو حيان: وحكى أبو الفتح عن بعضِهم فتحَها مع الظاهر. إذن: هناك لُغة، لكن المشهور هو ما ذكرناه. بِالْبَا اسْتَعِنْ وَعَدَّ عَوََّضْ أَلْصِقِ ... وَمِثْلَ مَعْ وَمِنْ وَعَنْ بِهَا انْطِقِ هذه معاني سَبعة للباء، وذكرَ ثلاثاً سابقة فهي عشرة كاملة. تقدّمَ أن الباء تكونُ للظرفية والسببية والبدل، الباء سبقَ أنها للظرفية (اسْتَبِنْ بِبا)، وكذلك للسببية وللظرفية في البيت السابق: (والبدل) كذلك جاءت، وذكرَ في هذا البيت سبعةَ معاني، مع زيادة الباء في خبر ليس: (وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ)، هناك (زِيدَ) دلَّ على أنها تُزاد، ولم يذكر الزيادة هنا، لكن قد يُؤخَذ من الموضع السابق: (وَبَعْدَ مَا وَلَيْسَ جَرَّ البَا الْخَبَرْ)، يعني: زائدة للتوكيد، إذن: هي أحدَ عشرَ معنىً. بِالْبَا اسْتَعِنْ: يعني: استعِن بالباء .. تأتي للاستعانة، نحو: كتبتُ بالقلم، هذه تُسمّى باء الآلة، يُسمّيها البعض باء الآلة .. استعانة، وقطعتُ بالسكين، السكين آلة والقلم آلة. بِالْبَا اسْتَعِنْ وَعَدَّ: يعني: للتعدية، تأتي للتعدية، وتُسمّى باء النقل، وهي المُعاقِبة للهمزة في تصيير الفاعل مفعولاً وأكثر، تُعدّي الفعلَ القاصر نحو: ذهبتُ بزيد بمعنى أذهبتُ، عَدَّ: التعدية المقصودة، ذهبتُ بزيدٍ، ومنه قوله تعالى: ((ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ)) [البقرة:17]، يعني: أذهبَه، فهي في معناها، ولذلك هي تُسمّى باءَ النقل مُعاقبة للهمزة؛ لأن الفعل لازمٌ قد يتعدّى بحرف جرّ، وقد يتعدّى بالهمزة، حينئذٍ يستويان، ذهبتُ بزيدٍ أذهبتُ زيداً، وهل بينهما فرق؟ فيه خلاف، لكن المشهور أنهما بمعنى واحد.

بِالْبَا اسْتَعِنْ وَعَدَّ عَوََّضْ: هذه باء التعويض، تسمّى باء المقابلة، وهي داخلة على الأثمان، اشتريتُ الفرس بألف درهم، باء الثمن هذه، والفرقُ بينها وبينَ باء البدل؛ باء العوض؛ أن باء العوض تكون في مُقابلة الشيءِ بشيء آخر، اشتريتُ كذا بكذا، نقول: هذا ليس فيه .. اشتريتُ هذا بذا، حينئذٍ تقولُ: هذا مُقابلة الشيء بالشيء، يعني: لم يعطِك هذا إلا بمقابلة الآخر، وأما البدل لا، لا يلزمُ فيه أن يكون مقابلة شيء بشيء، إذن: باء العوض تكون في مقابلة شيء بشيء آخر، وباءُ البدل عبارةٌ عن اختيار شيءٍ بغضّ النظر عن المقابلة، أو شيء مدفوع بدلَ شيء آخر. إذن: باء البدل ليسَ فيه مقابلة، أعطيك هذا بدل كذا، لكن باء العوض لا، باء الثمن لا، لابدّ من دفع شيء أنت تدفعُ لمقابله، وهذا التي يستعملُها الفقهاء في باب أو كتاب البيع. عَوََّضْ: هذه التعويض، أَلْصِقِ: يعني: إلصاق، وهذا قد يكونُ حقيقةً وقد يكون مجازاً؛ حقيقة: كما أمسكتُ بزيدٍ؛ أمسكتَ إذا أخذتَ بشيء منه حقيقة، تقول: أمسكتُ بزيدٍ: ((وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ)) [المائدة:6]، هذا حقيقة، وأما مررتُ بزيدٍ هذا ليس فيه إلصاق حقيقي، وإنما المراد مررتُ، وقعَ مروري بمكانٍ قُرب زيدٍ، مررتُ بزيد لا يُشترَط فيه المماسة، مررتُ بزيدٍ، يعني: حككتَ بجسمه مررتَ بجواره؟ هذا الأصل في الإلصاق، لكن ليس هذا المراد: مررتُ بزيدٍ، إنما المراد: بمكان قُرب زيدٍ، يعني: بمكان قريب من زيد، فصارت مجازية. وَمِثْلَ مَعْ: مِثْلَ بالنصب، حالٌ من الضمير في (بها)؛ بها انطق بها آخر البيت، مثل مع: يعني: تأتي بمثل (مع)، و (مع) المراد بها المصاحَبة، فمثل منصوب، وهو مُضاف و (مع) مضاف إليه، حال من الضمير المجرور بالباء مُتقدّمة عليه، والمراد هنا المثلية في أصل المصاحبة؛ لأن (معَ) تدلُّ على المصاحبة الكلية، وأما الباءُ تدلُّ على المصاحبة الجزئية، إذن لا يَستويان في الدلالة؛ لأنّ (مع) أصلاً وفي وضعها الكلي المراد بها الكلية، وأما الباء فلا، ليس المراد ذلك، في الأصل المصاحبة، فلا يُنافي أن مدلول (مع) المصاحبة الكلية الملحوظة لذاتها، ومدلول الباء المصاحبة الجزئية الملحوظة لغيرها؛ فرقٌ بينهما، وبمعنى (مع) نحو: ((قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ)) [النساء:170]، يعني: مع الحق، بعتكَ الثوبَ بطِرازه، يعني: مع طرازه، اهبِطوا بسلام، يعني: مع سلام. مِثْلَ مَعْ وَمِنْ: يعني: ومثل (مِن)، إذن: هنا استُعمِل حرفٌ بمعنى ظرف، واستُعمِل حرفٌ بمعنى (من)؛ لأن (مع) هذه ظرف، وَمَعَ (مَعْ) فِيهَا قَلِيلٌ سيأتي، حينئذٍ مِثْلَ (مَعْ): استُعمِلت الباء هنا بمعنى ظرف، واو المعية .. المصاحَبة، واستُعمِلت مثل (من) التي للتبعيض ليست مطلقاً، إنما المراد بـ (من) هنا من التبعيضية، " شَرِبْنَ بِمَاءٍ البَحْرِ"، يعني: منه، من ماء البحر: ((عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا)) [الإنسان:6]، إذا لم نقل بالتضمين، ((عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا)) [الإنسان:6] عَيْنًا يَشْرَبُ أو منها؟ الثاني: منها، إذن: لا إشكال.

وَعَنْ: يعني: ومثل عن، ((سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ)) [المعارج:1]، يعني: عن عذابٍ، ((فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)) [الفرقان:59]، يعني: اسأل عنه خبيراً إذن جاءت بمعنى الباء، ((وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ)) [الفرقان:25]، أي: عن الغمام. وَعَنْ بِهَا انْطِقِ: ابنُ عقيل زادَ الباء بمعنى المصاحبة، وهذا غريب منه، لماذا؟ لأن مثلَ (مع) المراد بها المصاحبة، ومثّلَ للمصاحبة هناك بقوله "بعتُكَ الثوب بطرازه"، مع طرازه، هذه مُصاحبة، ولذلك لا يُزاد هذا المعنى؛ لأنها هي مثل (مع). وَعَنْ بِهَا انْطِقِ: انطق بها. بِالْبَا اسْتَعِنْ وَعَدَّ عَوََّضْ أَلْصِقِ وَمِثْلَ مَعْ وَمِنْ يعني: ومثل من. وَعَنْ: ومثل عن. بِهَا انْطِقِ: أي: انطق بالباء في حالِ كونها مماثلةً في المعنى لـ (مع) و (مِن) و (عن)، فهو مُتعلّق بالأخير. عَلَى لِلاسْتِعْلاَ وَمَعْنَى فِي وَعَنْ ... بِعَنْ تَجَاوُزَاً عَنَى مَنْ قَدْ فَطَنْ وَقَدْ تجَِي مَوْضِعَ بَعْدٍ وَعَلَى ... كَمَا عَلَى مَوْضِعَ عَنْ قَدْ جُعِلاَ عَلَى لِلاسْتِعْلاَ: عَلَى: مُبتدأ، لِلاسْتِعْلاَ: خبر، وهنا قصرَهُ للضرورة، "الاستعلاء" هذا الأصل فيها. وَمَعْنَى فِي: إذن: ذكر لعلى معنيين أو ثلاثة؟ هذا مختلف فيه، اختلف الشراح في قوله: وعن، وعن هل هو معطوفٌ على ما قبله، أو جملة مُستأنفة؟ ما الإشكال؟ الإشكال إذا عطفتَه على ما قبله انظر الشطر الأخير في البيت الثاني: كَمَا عَلَى مَوْضِعَ عَنْ: لو قلتَ: على للاستعلاء ومعنى (في) ومعنى (عن)، إذن: جاءت (على) بمعنى (عن). ثم قال: كَمَا عَلَى مَوْضِعَ عَنْ قَدْ جُعِلاَ: صارَ الشطرُ ذاك حشواً، وبه قال المكودي، حينئذٍ لابدّ من التأويل حتى نُنجّي ابن مالك رحمه الله، فنقول: قوله: على للاستعلاء، ومعنى في انتهى الكلام هنا، وعن: مبتدأ، بقيَ إشكال .. قال: بعن، الأصل يقول: وعن بها تجاوزاً، فأظهرَ في مقام الإضمار، هذا أخفُّ، فنقول: أظهرَ في مقام الإضمار؛ فلا إشكال فيه، حينئذٍ صار قولك: كَمَا عَلَى مَوْضِعَ عَنْ قَدْ جُعِلاَ: مستأنفا وكلاما له دلالته، وابن عقيلٍ مشى على هذا، ولذلك لم يشرح (على) بمعنى (عن) إلا متأخراً، وأما المكودي لا، قال: تأتي لثلاث معاني وذكرَها، ثم قال: كَمَا عَلَى مَوْضِعَ عَنْ قَدْ جُعِلاَ: تتيمٌ للبيت؛ لأنه مدلول بما سبق. إذن: الصواب أن الأولى أن يُقال: بأن على ذكر لها معنيين: عَلَى لِلاِسْتِعْلاَ، سواء كان استعلاء حقيقاً أو معنوياً: ((وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)) [المؤمنون:22] هذا استعلاء حقيقي. وكذلك معنوي: ((فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) [البقرة:253]، هنا فيه علو، لكنه علوٌّ معنوي ليس بحقيقي. عَلَى لِلاسْتِعْلاَ وَمَعْنَى فِي: هذا معطوفٌ على (للاستعلا)، وهو مضاف إلى (في)، معنى مضاف، و (في) قصد لفظه مضاف إليه. مَعْنَى فِي: يعني: تأتي (على) بمعنى (في): ((وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ)) [القصص:15]، يعني: في حين غفلة، فجاءت على هنا ظرفية، بمعنى (في). وَعَنْ: هذا مُبتدأ. بِعَنْ تَجَاوُزاً عَنَى مَنْ قَدْ فَطَنْ: فطِنْ فيه وجهان والأولى الفتح هنا.

بِعَنْ: هذا فيه إظهارٌ في مقامِ الإضمار، والأصلُ بها تجاوزاً، ولا انكسارَ في البيت، وعليه فقوله: كَمَا عَلَى مَوْضِعَ ليسَ تكراراً، ويؤيّدُه أن ابنَ عقيل رحمه الله تعالى لم يشرحها في هذا الموضع كما ذُكِر. بِعَنْ تَجَاوُزَاً: يعني: تأتي بـ (عن) تَجَاوُزَاً؛ هذا حال، فتُستعمَل (عن) في معناها الأصلي وهو المجاوزة، ولذلك لم يذكر البصريون لـ (عن) معنى إلا هذا فقط، وهي المجاوزة، كما مثّلَ: "رميتُ السهم عن القوس"، رميت السهم، يعني: تجاوز السهمُ القوسَ، و"أخذت عن زيد"، يعني: من علمه، يعني: تجاوزُ علمُه منهُ إليّ، كما تجاوزَ السهمُ هناك. مَنْ قَدْ فَطَنْ: الفطنة الفهم، تقول: فَطَنَ للشيء يَفطُنُ بالضمّ فِطْنَةً، وفَطِنَ بالكسر فِطْنة أيضاً وفطانة، لكن الفتح هنا أولى. وَقَدْ تجَِي مَوْضِعَ بَعْدٍ: ما هي؟ عن، قد تجيءُ (عن) مضوع (بعد)، قلنا: موضعَ هذا دائماً منصوبٌ على الظرفية إذا جاءَ في مثل هذا المقام، لكنه على غير القياس. مَوْضِعَ بَعْدٍ: يعني: مكان بعدٍ، موضعَ مضاف، وبعد مضاف إليه، وهو منصوب، بـ (تجي)، و (قد) للتقليل هنا في هذين الموضعين. وَقَدْ تجَِي مَوْضِعَ بَعْدٍ وَعَلَى: (عن) تأتي موضع (بعد)، يعني: بمعنى كلمة بعد: ((لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ)) [الانشقاق:19]، يعني: بعد طبق، وَعَلَى يعني: وموضع (على)، تأتي عن، لموضع عَلَى، مثل ماذا؟ لاَهِ ابنُ عَمِّكَ! لاَ أُفْضِلْتَ في حَسَبٍ عَنِّي: عليّ، الحسب يتعدّى بـ (بعلى). ........ لاَ أُفْضِلْتَ في حَسَبٍ ... عَنِّي وَلا أَنتَ دَيَّاني فَتَخُزُوني أي: لا أفضلتَ في حسبٍ عليّ. كَمَا عَلَى مَوْضِعَ عَنْ قَدْ جُعِلاَ: إذن: استُعمِلت عن بمعنى (على) كما أن (على) استُعمِلت بمعنى (عن)، إذن: حصَلَ تبادلٌ بينهما، كلٌّ منهما استُعمل في موضع الآخر. قال ابن عقيل: كما استُعمِلت على بمعنى عن في قوله: إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيرٍ ... لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا رَضِيَتْ علي أو عني؟ ((رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)) [المائدة:119]، يتعدى بـ (عن)، إذن: على هنا بمعنى (عن). إذن قول الناظم: عَلَى لِلاِسْتِعْلاَ وَمَعْنَى فِي: ذكرَ معنيين لـ (على)، وهما الاستعلاء والظرفية. ثم قال: وَعَنْ: هذا يَحتمِل أنه مبتدأ، وإذا أردنا تخريجَ كلام ابن مالك عليه فهو جيد. بِعَنْ تَجَاوُزاً: وهو الأصل فيها، بل لم يذكر البصريون سواه. عَنَى: يعني: قصدَ. مَنْ قَدْ فَطَنْ: الفطن يعني، الذي فطِنَ. وَقَدْ تَجِي: قد تجي، جاء يجي، جاء يجيءُ فيه لغتان، يعني: تجي لا يقال: بأنه حذفَ الهمزة للضرورة لا، جا يجي، جاء يجيءُ فيه لغتان، و (قد) هذه للتقليل. مَوْضِعَ: تجي عن موضع بعدن وموضع (على)، كَمَا .. إذا قيل بأن هذا البيت حشو زائد، حينئذٍ أشارَ به إلى الحملِ والمعادلة، يعني كلٌّ منهما أقامَ نفسَه مقام الآخر. ثم قال: شَبِّهْ بِكَافٍ وَبِهَا التَّعْلِيلُ قَدْ ... يُعْنَى وَزَائِدَاً لِتَوْكِيدٍ وَردْ

ذكرَ للكاف ثلاث معاني، التشبيه وهو الأصل فيها، مُشاركة أمرٍ لأمر إما حقيقة أو مجاز، شَبِّهْ بِكَافٍ: زيدٌ كالأسد، الكاف هذه أفادت التشبيه، وهذا الأصل فيها وهو الكثير .. وأكثرُ معانيها. شَبِّهْ بِكَافٍ، شَبِهْ فعل أمر وبِكَافٍ متعلق به. وَبِهَا التَّعْلِيلُ قَدْ يُعْنَى: التعليل قد يُعنى بها، التَّعْلِيلُ مبتدأ وجملة قَدْ يُعْنَى خبر، وَبِهَا متلق بـ (يعنى)، ظاهرُهُ أنه قليل، لذلك قال: وَبِهَا التَّعْلِيلُ قَدْ يُعْنَى: قَدْ هنا للتقليل، فظاهرُهُ أنه قليل. وقال في شرح الكافية: ودلالته على التعليل كثيرة، إذن: خالفَ ما في أصله في الكافية. وَبِهَا التَّعْلِيلُ قَدْ يُعْنَى: يعني تأتي للتعليل، كما في قوله تعالى: ((وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ)) [البقرة:198]، (ما) هنا مصدرية، أي: لأجل هدايته إياكم، وقال هنا: وَزَائِدَاً لِتَوْكِيدٍ وَردْ: يعني: وردَ حرفُ الكاف زائداً لتوكيد، زَائِدَاً: حالٌ من الضمير المستتر في وَردْ، ولِتَوْكِيدٍ هذا متعلق به. إذن: جِيءَ بها للزيادة، والمراد بالزيادة التأكيد، ليسَ الزيادة معنى من المعاني، وإنما الزيادة وصفٌ للفظ من حيث هو، كونُه دخيلاً على الجملة، وأما ماذا أفادت بعد الزيادة؟ فالتأكيد: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] هذا مثالٌ مشهور، فيه أوجهٌ كثيرة وكلام كثير، لكن الصحيح أن الكاف هنا يُقال أنها صلة زائدة للتوكيد، ليسَ مثله شيء، شيء: هذا اسم ليس، ومثله: هذا خبر مُقدّم، وهو منصوب في الأصل، دخلت عليه الكاف تأكيداً، ليس مثله شيء ليس مثله شيء ليس مثله شيء. وَزَائِدَاً لِتَوْكِيدٍ وَردْ: يعني: وردَ الكاف للتأكيد. ومما زِيدت فيه قولُ رُؤبة: لَوَاحِقُ الأَقْرَابِ فِيهَا كَالْمَقَقْ: الأصلُ فيها المققُ أي: الطولُ، وما حكاه الفراءُ أنه قِيل لبعض العرب: كيف تصنعون الأقط؟ فقال: كهيِّنٍ، أي: هيّناً.0 وَاسْتُعْمِلَ اسْماً وَكَذَا عَنْ وَعَلَى ... مِنْ أَجْلِ ذَا عَلَيْهِمَا مِِنْ دَخَلاَ وَاسْتُعْمِلَ اسْماً: مِن حروف الجرّ ما قد يكون ثَم اسم موافِق له في اللفظ، وإنما يتجوّزُ النحاة فيقال: (عن) أو (على) تأتي حرفية واسمية .. المراد اللفظ فحسب، الموافقة في اللفظ، ولذلك نقول: إذا قيل بأنه اسم، حينئذٍ نحكم عليه بالبناء، لماذا؟ لأنه أشبه (على) الحرفية لفظاً ومعنى، حينئذٍ قولهم: (على) تأتي حرفية واسمية ليس على اللفظ وهو مكرر مرّتين والوضع واحد، لا، ليس هذا المراد. وَاسْتُعْمِلَ اسْماً: إذن: من حروف الجرِّ ما يخرجُ عن الحرفية ويُستعمَل اسماً وذلك خمسة أحرف، ذكر في هذا البيت ثلاثة: وَاسْتُعْمِلَ اسْماً: استعمل الكاف التي للتشبيه، هذا معنى رابع ويزاد. وَاسْتُعْمِلَ اسْماً: أي: الكاف، اسْماً: بمعنى "مثل"، اسْماً: هذا حال، وذكَّرَ الفعل هنا على إرادة الحرف، وَاسْتُعْمِلَ، ولم يقل استُعمِلت، مُراداً به الحرف؛ لأن الحرف مذكّر، وَاسْتُعْمِلَ اسْماً، أي: استعمل الكاف اسماً؛ حال كونه اسماً بمعنى مثل، مثل ماذا؟ أَتَنتَهونَ؟ وَلَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ... كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ فيهِ الزَّيتُ والفُتُلُ

كَالطَّعْنِ، قالوا: هذا فاعل، والفاعل لا يكون جارّاً ومجروراً، إذن يتعيّنُ أن نحكم على الكاف بأنها زائدة، ولم يَنهى الطعنُ ذوي الشططِ هذا الأصل، إذن نقول: ولم يَنهى الطعن، لو قيل بالكاف هنا بأنها أصلية على بابها حرف، أين فاعل ينهى؟ لا وجودَ له، ولا يمكن أن يُوجَد فعل بدون فاعل، ثم كالطعن إذا قيلَ بأنه الفاعل وهي على أصلها، للزمَ أن يكون الجار والمجرور واقعاً فاعلاً وهذا مُمتنِع، إذن: يتعينُ أن نحكم على الكاف بأنها اسمية. إذن: ولن ينهى مثلُ الطعنِ؛ فهي مضاف ومضاف إليه، فالكافُ هنا فاعل وهو مضاف، والطعن مُضاف إليه. وَاسْتُعْمِلَ اسْماً لكنه قليل، وهو مخصوصٌ عندَ سيبويه والمحققين بالضرورة، يعني: ليسَ في سَعة الكلام، وأجازه كثيرون منهم الفارسي والناظمُ في الاختيار؛ أجازوا في: "زيدٌ كالأسدِ" فيه إعرابان: زيدٌ كالأسدِ؛ زيدٌ: مبتدأ وكالأسد: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر. "زيدٌ كالأسدِ" زيد: مبتدأ والكاف: خبر، وهو مضاف والأسد مضاف إليه، إذا جعلناها اسمية: زيدٌ مثلُ الأسدِ، فأجازوا في: "زيدٌ كالأسدِ" أن تكون الكاف في موضع رفع، والأسد مخفوض بالإضافة. وَكَذَا عَنْ وَعَلَى: وَكَذَا، أي: وكذلك أيضاً يُستعمَل (عَنْ) وَ (عَلَى) اسمين، كما استعمل كافُ التشبيه اسماً، ثم علّلَ استعمالهما اسمين، بقوله: مِنْ أَجْلِ ذَا عَلَيْهِمَا مِِنْ دَخَلاَ. وَكَذَا عَنْ: عَنْ: مبتدأ، وَكَذَا: خبر مُقدّم، وَعَلَى: معطوف عليه، وهما حينئذٍ إذا حكمنا بالاسمية مبيّنان؛ مبنيّان لمشابهة الحرف في اللفظ وأصلِ المعنى؛ لأنّ (على) أشبهت (على) الحرفية، و (عن) الاسمية أشبهت (عن) الحرفية في اللفظِ وأصلِ المعنى كما قال ابن الحاجب، وقيل: مُعربان، وقيل: (على) اسم دائماً، واستُعمِلت علماً ... إذا قيلَ (اسم) صارت علماً، واستُعمِلت (على) فعلاً ماضياً، تقول: علا يعلو علوّاً، وعلا يعلى علاءً؛ مثل بقى يبقى بقاءً، علا يعلى علاءً، وعلا يعلو علوّاً، ففيها وجهان. و (على) تأتي فعلاً ماضياً، تقول: علا يعلو علوّاً وعلى يعلى علاء، كـ (بقى يبقى بقاء)، و (علا) الفعلية ليس رسمها كرسم (على) الحرفية؛ لأن (على) الحرفية تكتب بالياء، وأما الفعلية فتكتب بالألف لأنها عن واو، علا يعلو، حينئذٍ تُكتَب بالألف تُرسم بالألف، بخلاف الحرفية فإنها تُرسَم بالياء، ومقتضى هذا أن (على) الاسمية تُرسم بالياء، وهذا إنما يظهرُ إذا كانت من (على يعلى)، أما إذا كانت من (علا يعلو)، فكتابتها بالألف لأنها حينئذٍ واوية. إذن: وَكَذَا عَنْ وَعَلَى: يُستعمَلان اسمين كما استعمل الكاف اسماً، فتكون (عن) بمعنى جانب، وتكون (على) بمعنى فوق: غَدَتْ مِنْ عَلَيهِ بَعدَما تَمَّ ظِمؤُها ... تَصِلُّ وعَنْ قَيضٍ بزَيزاءَ مجْهلِ غَدَتْ مِنْ عَلَيهِ: يعني: مِن فوقه. ولَقَدْ أَرَاني للرِّمَاحِ دَرِيَئَةً ... مِنْ عَنْ يَمِينِي يعني: من جانب يميني. إذن: تُخصّ بالمعنى، فيقال (عن) الاسمية بمعنى الجانب، و (على) الاسمية بمعنى فوق.

مِنْ أَجْلِ ذَا عَلَيْهِمَا مِِنْ دَخَلاَ: مِنْ أَجْلِ ذَا: ما هو ذَا؟ كونهما اسمين، دخلا عليهما (من)، أو (من) دخل عليهما، ومِن الحرفية لا شكّ أنها تدخلُ على الأسماء، فدليلُ اسمية (على) و (عن) دخولُ (مِن)؛ لأن (مِن) لا تدخل إلا على الأسماء: غَدَتْ مِنْ عَلَيهِ، كيف دخل حرفٌ على حرفٍ؟ حينئذٍ نقول: من حرف جر، وعلى يتعين أن يكون اسماً. مِنْ عَنْ يَمِينِي: مِن حرف جرّ دخل على عن، والحرفُ لا يدخل إلا على الأسماء، ولا يدخل على الحروف، فتعيّنَ أن تكون اسماً. مِنْ أَجْلِ: جارّ ومجرور مُتعلّق بقوله: دَخَلاَ، الألف هذه فاعل. مِنْ أَجْلِ ذَا: أَجْلِ: مضاف وذَا: مضاف إليه. عَلَيْهِمَا: مُتعلق بقوله: دَخَلاَ، مِنْ: مبتدأ، ودَخَلاَ: الجملة من الفعل والفاعل .. الألف هذه فاعل، وهو يعودُ إلى عن وعلى. (مِن) دخل عليهما: على (عن) و (على)، واستُعمِل الكاف اسماً قليلاً وذكرناه، والكافُ اسم مرفوع على الفاعلية، والعامل فيه يَنهى، والتقدير: لن ينهى ذوي شَططٍ مثل الطعن، واستُعمِلت على وعن اسمين عند دخول من عليهما، فتكون (على) بمعنى فوق و (عن) بمعنى الجانب. وَاسْتُعْمِلَ اسْماً وَكَذَا عَنْ وَعَلَى ... مِنْ أَجْلِ ذَا عَلَيْهِمَا مِِنْ دَخَلاَ إذن: قوله: مِنْ أَجْلِ ذَا عَلَيْهِمَا مِِنْ دَخَلاَ: عَلَيْهِمَا: هذا جار ومجرور مُتعلق بـ دَخَلاَ، ومِنْ أَجْلِ: كذلك متعلق بـ دَخَلاَ، وأَجْلِ مضاف وذَا مضاف لاسم إشارة يعودُ على (عن وعلى)، تركيب الكلام: مِن دخلا عليهما من أجل ذا، يعني: من أجل كونهما اسمين، وهذا استشهاد على استعمالهما اسمين لا تقييد، ولذا خصَّ (مِن) بأنها المسموع دخولها عليهما كثيراً، وسُمع جرُّ عن بـ (على)، فعلى ذلك نقول: اسميتها ثابتة بـ (على) وبـ (بعن) بـ (من)، وسُمِع جرّ (عن) بـ (على)، فعُلِم أن اسميتها لا تتقيد بدخول من. قال: وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ حَيْثُ رَفَعَا ... أَوْ أُوْلِيَا الفِعْلَ كَجِئْتُ مُذْ دَعَا وَإِنْ يَجُرَّا فِي مُضِيٍّ فَكَمِنْ ... هُمَا وَفِى الْحُضُورِ مَعْنَى فِي اسْتَبِنْ هذا الرابع والخامس، قلنا: من حروف الجرّ ما يُستعمَل اسماً وهي خمسة، ذكرَ الكاف وعن وعلى.

وَمُذْ وَمُنْذُ: يُستعمَلان اسمين وحرفين، وَمُذْ: بضمّ الميم، وَمُنْذُ: بضمّ الميم، وكُسِر ميمُها لغة، يعني يقال: مُذ ومِذ، ومُنذُ ومِنذُ وهو لغة فيها، قيل: أصل مُذ مُنذ، بدليل رجوعهم إلى ضمّ الذال عندَ ملاقاة الساكن، مُذْ بإسكان الذال، إذا التقى ساكنان الأصل أن يتحرك بالكسر، لكن هم يقولون: مُذُ اليوم، لم حُرِّكَ بالضم ولم يَرجع إلى الأصل؟ دلَّ على أن (مُذ) أصلها منذُ، ولذلك قيل: لو سُمّيَ علم رجل بـ (مُذ) فصغّرتَه، تقول: (مُنيذٌ)، مِن أين جاءت النون؟ التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها، حينئذٍ قالوا: مُذ هذه ليست أصلاً، بل هي فرع، وأصلها مُنذُ، بدليل ضمّ الذال عند ملاقاة الساكن، مُذُ اليوم، ولولا أنّ الأصل الضمّ لكسروا، ولأن بعضهم يقول: مُذُ زَمنٍ طويل، يعني: سُمِع فيها بضم الذال مُذُ، فدلَّ على أنهم قد يضمّوا الذال مع عدم الساكن، وقيل: هما أصلان؛ كلٌّ منهما أصل بذاته؛ لأنه لا يُتصرّف في الحرف وشبهه، وقيل: إذا كان مُذْ اسماً فأصلها مُنذُ، أو حرفاً فهي أصل. وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ: يعني: هما اسمان متى؟ حَيْثُ رَفَعَا أَوْ أُوْلِيَا الفِعْلَ: إذا رَفعا ما بعدَهما فاحكم عليهما بكونهما اسمين، هذا الموضع الأول، أو جاءَ بعدَهما فعل فاحكم عليهما بكونهما اسمين. إذن: في هذين الموضعين: مذْ ومنذُ اسمان. أَوْ أُوْلِيَا الفِعْلَ: أُوْلِيَا هذا مُغيّر الصيغة، والألف نائبُ فاعل، والفعل هذا مفعوله الأول؛ لأنه يتعدّى إلى اثنين، أُوْلِيَ الفِعْلَ، في بعض النسخ: أو وَليَ الفعل. كَجئتُ مُذْ دَعَا: هذا فعل مع فاعله، وهو الغالب، أو المبتدأ مع خبره: جئتُ منذُ زيدٌ عندك، الغالبُ فيه أن يكون ما بعدَه فعل، يعني: جملة فعلية، وقد يكون جملة اسمية، جئتُ منذُ زيدٌ عندك، فالأول الذي أشارَ إليه بقوله: (اسْمَانِ حَيْثُ رَفَعَا) رفعا اسماً مُفرداً، هذا التقييد، حينئذٍ رفعا، متى يرفعان؟ هذا يدلُّ على أنهما مبتدءان؛ لأن الذي يرفعُ هو المبتدأ، فحينئذٍ على رأي ابن مالك لا يُعرَب (مُذ ومُنذ) إذا وقعا اسمين مفردين إلا مبتدأً، وما بعده يكون خبراً. إذن: فالأوّل نحو "ما رأيته مذ يومان"، جاء ما بعدَهما اسم مفرد، وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ حَيْثُ رَفَعَا، مُذ يومان، يومان هذا مرفوع، إذن: مُذ هذا في محلِّ رفع مبتدأ ويومان خبر على ظاهر كلام ابن مالك.

أو منذُ يومُ الجمعة برفعِ ما بعده، إذا رُفع ما بعد (مذ ومنذ)، حينئذٍ حكمنا عليهما بكونهما اسمين، فتكون (مذ ومنذ) مبتدئين وما بعدهما خبران، ما رأيتُ مُذ يومان، مذ: مبتدأ ويومان: خبر، ما رأيتُه منذُ يومُ الجمعة، منذُ: هذا مبتدأ ويوم الجمعة خبر. وهما حينئذٍ مبتدءان وما بعدَهما خبر، والتقدير: أمدُ انقطاعِ الرؤية يومان هذا في الأول، ما رأيته مُذ يومان، يعني: أمدُ انقطاعِ الرؤية يومان، وأولُ انقطاعِ الرؤية يوم الجمعة في المثال الثاني، وقد أشعرَ بذلك قوله: حَيْثُ رَفَعَا؛ لأن المبتدأ هو الرافع للخبر، من غير عكس، وقيل: بالعكس، مُذ: خبر مقدّم، ويومان: مبتدأ مؤخر، ومنذُ: خبر مقدم، ويوم الجمعة: مبتدأ مؤخر، والمعنى: بيني وبين الرؤية يومان، وقيل: ظرفان منصوبان على الظرفية، وما بعدَهما فاعل بفعل محذوف، وهذا كذلك شهير، أي: مُذ كان أو مُذ مضى يومين، وإليه ذهب أكثرُ الكوفيين، واختارَه السهيلي والناظم في التسهيل. والثاني -الذي هو أوْ أُولِيَا الْفِعْلَ-: ما إذا أُوليَ جملة فعلية أو اسمية: جِئْتُ مُذْ دَعَا، كما مثل الناظم، والمشهور أنهما حينئذٍ ظرفان مُضافان إلى الجملة، إذا جاءَ ما بعدَهما جملة حينئذٍ فنقول: هما ظرفان مُضافان إلى الجملة، وقيل: إلى زَمنٍ مضاف إلى الجملة، وهذا سبقَ معنا، وقيل: مُبتدآن، فحينئذٍ يجبُ تقدير زمن المضاف إلى الجملة يكون هو الخبر، المشهور على كلام الناظم ظاهرُهُ هنا أنهما ظرفان، ولذلك قال: أُولِيَ الْفِعْلَ، فدلَّ على أنهما ظرفين. وَمُذْ وَمُنْذُ اسْمَانِ: ومُذ ومنذُ يُستعمَلان اسمين وحرفين، فهما اسمان في موضعين، حَيْثُ رَفَعَا اسماً مُفرداً مثلما ذكرناه. أَوْ: هذا للتنويع. أُوْلِيَا الفِعْلَ: يعني: وَلِيا، صارَ الفعلُ تابِعاً لهما، وهذا لا يمنعُ من إيلاءِ الاسم في حال كونهِ جملة اسمية لهما؛ كما ذكرناه في: جئتُ مُنذُ زيدٌ عندك. كَجئتُ مُذْ دَعَا: وإنما عيّنَ الفعل؛ لأنه الغالب، وقد تكون جملة اسمية. ثم قال: وَإِنْ يَجُرَّا في مُضِيٍّ فَكَمِنْ هُمَا: سبقَ أنه حكمَ عليهما بأنهما حرفا جرّ، وهنا أعاد، لكن هنا لم يعد الحكم عليهما بكونهما حرفي جرّ، وإنما هنا بيّنَ المعنى. وَإِنْ يَجُرَّا: فهما حرفا جرّ. في مُضِيٍّ: في زمن ماضٍ، ليس المراد هنا مُضي الفعل، لا، المراد في زمن ماضٍ. فَكَمِنْ هُمَا: يعني: في المعنى، كَمِنْ هُمَا، هما: مبتدأ، وكمن: هذا خبر، يعني: إذا كان ما بعدهما زمن ماضٍ يُفسّر بـ (مِن) الابتدائية. وَفى الْحُضُورِ: الزمن الحاضر؛ لأنه لا يأتي ما بعدهما مستقبل، كما ذكرناه سابقاً. مَعْنَى فِي اسْتَبِنْ: اسْتَبِنْ، يعني: اطلب بهما البيان؛ وذلك فيما إذا كان في الحضور، في الحضور: جار ومجرور مُتعلّق بقوله استبن.

ومَعْنَى فِي: هذا مضاف ومضاف إليه مفعول مُقدّم لقوله: اسْتَبِنْ، يعني: استظهِرْ، وهذا المراد به الزمن الحاضر، هذا مع المعرفة، فإن كان المجرورُ بهما نكرة، كانا بمعنى (من) و (إلى) معاً، كما في المعدود، نحو: "ما رأيته مذ أو منذ يومين"، لو قال: ما رأيته منذ يومين، فالمعنى: ما رأيته مِن ابتداء هذه المدة إلى انتهائها، (من إلى)، فيكون مركباً من حرفين، ما رأيته منذ يومين، يعني: من ابتداء هذه المدّة إلى انتهائها، فإن لم يكن كذلك، فحينئذٍ إما بمعنى (من)، أو بمعنى (في). قال الشارح: تُستعمل (مذ) و (منذ) اسمين إذا وقع بعدهما الاسم المرفوع، انظر اسم مرفوع واحد .. أو وقع بعدهما فعل، والفعلُ لابد له من فاعل، إذن: جملة، وهذا لا يمنعُ أن يكون ما بعدَهما جملة اسمية؛ لماذا؟ لأن الغالب هو الجملة الفعلية، "ما رأيتُه مذَ يومُ الجمعة"، هذا اسم مرفوع، أو "مذ شهرُنا" هذا مرفوع. فمذ اسم مبتدأ، وصحَّ الابتداء بها لكونها معرفة؛ لأنها مُعيّنة من جهة الزمن، اسم مبتدأخبره ما بعده، وكذلك مُنذُ، وجوّزَ بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما، ومثال الثاني: جِئْتُ مُذْ دَعَا، فمُذ اسم منصوب المحلّ على الظرفية، هذا ظاهر كلام الناظم، والعامل فيه جئتُ، والظرفُ لا يكون مبتدأ. وإن وقع ما بعدَهما مجروراً، حينئذٍ فهما حرفُ جرّ في مذهب الأكثرين، وقيل: هما ظرفان منصوبان بالفعل قبلها. بمعنى: (من) إن كان المجرورُ ماضياً، "ما رأيتُه مذ يوم الجمعة"، إن كان يوم الجمعة سابق، يعني: ما رأيته من يوم الجمعة، وبمعنى (في) إن كان حاضراً: "ما رأيته مذ يومنا"، يعني: في يومنا. وأما "مُذ غَدٍ" نقول: هذا لا يصح، وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر، أكثر استعمال مذ ومنذ جرّهما للحاضر. وعلى ترجيح جرّ (منذ) للماضي على رفعه: مُنذُ هل يستويان في رفع وجرِّها الماضي؟ لا، ترجيحُ جرّ (منذ) للماضي على رفعه، كقوله: ورَبْعٍ عَفَتْ آثارُهُ مُنْذُ أزمانِ وعلى ترجيح رفعِ (منذ) للماضي على جرّه: فمن القليل فيها "مُذ حججٍ" و"مُذ دهرٍ"، إذن ليست مستوية. ثم قال: وَبَعْدَ مِنْ وَعَنْ وَبَاءٍ زِيدَ مَا ... فَلَمْ يَعُقْ عَنْ عَمَلٍ قَدْ عُلِمَا إذن: ما سبقَ من الأبيات في بيان المعاني المتعلّقة بالحروف السابقة، الآن سيتكلمُ عن مسألة: هل تُكَفُّ هذه الحروف عن العمل أو لا؟ فقال: وَبَعْدَ مِنْ وَعَنْ وَبَاءٍ زِيدَ مَا: زِيد ما، من حروف الجرّ ما يزاد بعده (ما)، الأصل في (ما) كافة، فإذا قيل: (ما) كافة، يعني: كفّت مدخولها عن العمل، هذا الأصل فيها، لكن تارة تكفُّها عن العمل وتارة لا؛ على التفصيل، وهذه (ما) الكافة تدخل على خمسة أحرف بالاستقراء، ما عداها لا، الباب كلّه سماعي إلى آخره. وَبَعْدَ مِنْ وَعَنْ وَبَاءٍ: هذه ثلاثة، زِيد (ما) الكافة، زِيد (ما) بعد (من)، إذن: بَعْدَ هذا متعلق بقوله: زِيدَ. ولا تُزاد ما بعد غير هذه الأحرف الخمسة، زِيدَ مَا، ما هذه نائب فاعل. فَلَمْ يَعُقْ: فلم تعُق، فيه نسختان بالياء وبالتاء كلاهما جائز، فلم تَعُق يعني: فلم تمنع عملَها، فبقيت على ما هي عليه من الجرّ.

فَلَمْ يَعُقْ عَنْ عَمَلٍ قَدْ عُلِمَا: ما هو العمل الذي عُلِم؟ الجرّ: ((عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ)) [المؤمنون:40]، (عمّا قليل) (عن ما) أصبحت قليل، هذا الأصل، دخلت عليها (ما) وهي كافة، ولكن لم تكفها عن العمل، (عما قليل)، قليل هذا مجرور بـ (عن)، و (ما) هذه وهي كافة لم تكفّها، لماذا لم تكفها والأصل فيها الكف؟ نقول: للسماع جاءت في أفصح الكلام: ((مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ)) [نوح:25]، (خطيئات) مجرورٌ بـ (من)، دخلت (ما) كفتها؟ لا، لماذا لم تكفّها؟ هكذا السماع جاءت في أفصح الكلام، لا نحتاج إلى تعليل: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ)) [آل عمران:159]، (فبرحمة) دخلت (ما)، لكن أفادت من جهة المعنى، يعني: الحرف الزائد إذا دخلَ على الجملة قيل في قوّة تكراره مرّتين وقيل ثلاث أقل الجمع، يعني: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ)) [آل عمران:159]، هذا في قوّة جملتين، الحرف الزائد يقوي .. يُكرِّر الجملة في مقام مرتين أو ثلاث: ((عَمَّا قَلِيلٍ)) [المؤمنون:40]، ((مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ)) [نوح:25]، كأنه قال: (من خطيئاتهم؛ من خطيئاتهم؛ من خطيئاتهم أغرقوا)، (بما رحمة من الله، بما رحمة من الله، بما رحمة من الله)، حُذفت الجملة. ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11]، (ليس مثله شيء، ليس مثله شيء)، ثم زِيدت الكاف. إذن: من حيث العمل لم تكفها، ولكن من حيث المعنى زادتها قوة. وَبَعْدَ مِنْ وَعَنْ وَبَاءٍ زِيدَ مَا فَلَمْ يَعُقْ: يعني: لم تُمنَع. عَنْ عَمَلٍ قَدْ عُلِمَا: الألف للإطلاق، وهو الجرّ. لعل من إزالتها اختصاص، بقيت كما هي مختصة، هذا مثل إن وأخواتها، قلنا: تُزاد (ما) وقد تُزِيل اختصاصها وقد لا تُزيل، ولذلك قيل: لَيْتمَا هَذَا الْحمَامَ لَنَا .. بقيت على اختصاصها، وأما ما عداها فلا. وَزِيْدَ بَعْدَ رُبَّ وَالْكَافِ يعني: زِيد ما بعد رُب والكاف. فَكَفْ: يعني: كفّتها عن العمل. أما الثلاث الأحرف السابقة: (من وعن وباء) مطلقاً في كل تركيب تعمل، وبعضها الذي هو الكاف ورُبَّ لا على حالتين، تعمل ولا تعمل تكفها .. وَقَدْ يَلِيْهِمَا وَجَرٌّ لَمْ يُكَفْ وزِيدَ بعد رُبَّ: هذا إشارة إلى الرابع والخامس، زِيْدَ يعني: ما الكافة، بَعْدَ: حرفي رُبَّ وَالْكَافِ، فَكَفْ: يعني: كفّتهما عن الجر غالباً، هذا هو الغالب فيها، وحينئذٍ يدخلان على الجملة، فإن قِيل: ما الفرق بين هذين الحرفين وما سبق؟ قيل: قد يُفرَّق بين رب والكاف وبين الثلاثة قبلها، بأن اختصاصها بالأسماء أقوى؛ لجرّها كلّ اسم بخلاف رُبّ والكاف، فإنهما إنما يجرّان بعض الأسماء، فلضعفهما بما ذُكَر كُفّا عن العمل بخلافهما، وأنكرَ أبو حيان كفَّ الكاف بـ (ما)، وأوّلَ ما يُوهِم ذلك بجعل (ما) مصدرية مُنسبِكة مع الجملة بعدها بمصدر، بناء على جواز وصلها بالاسمية. إذن: فَكَفْ، يعني: كفّ (ما) عمل رب والكاف، حينئذٍ لا تعمل الجرّ، بل تُسوِّغهما في الدخول على الجملة الاسمية والجملة الفعلية، فلِزوال اختصاصهما بالاسم المفرد حينئذٍ صحَّ دخولهما على الجملتين. وَقَدْ تَلِيهِمَا: قد هذه للتقليل. وَقَدْ تَلِيهِمَا: يعني: تلي (ما) رُبّ والكاف، الفاعل هنا ضمير مُستتر يعود على (ما).

وَجَرٌّ لَمْ يُكَفّْ: الجرُّ لم يُكَف بل بقي على أصله. قال الشارح: تُزاد (ما) بعد الكاف ورب فتكفهما عن العمل تارة وتارة لا، وأما مثال ما تكفّهما فيه عن العمل: فَإِن الحُمْرَ مِن شرِّ المطَايَا ... كَمَا الحبِطَاتُ شَرُّ بَنِي تَمِيمِ كَمَا الحبِطاتُ: الأصل كالحبطاتِ .. شَرُّ بَنِي تَمِيمِ، إذن: رجعت إلى الابتداء. رُبَّمَا الْجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ ... وَعَناجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ رُبَّما الْجَامِلُ: الجامل مبتدأ، إذن: دخلت على الجملة الاسمية. ماويَّ يا رُبَّتَمَا غَارَةٍ بقيت على أصلها: يَا رُبَّتَمَا: رُبّت، هذه لغة في رُبّ، يعني: زيدت عليها التاء، غَارَةٍ: هذا مجرور برُبّ، دخلت عليها (ما) كافة فلم تكفها عن العمل، والغالب على رُبّ المكفوفة بما أن تدخلَ على فعل ماضٍ، هذا الغالب فيها، كقوله: ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحجر:2]، هذا ماضٍ في المعنى دونَ اللفظ، وإلا في اللفظ هو مُضارع، وأما الماضي الخالص، وكقوله: " رُبَّما أَوْفَيْتُ في عَلَمٍ "، وأما دخولها على المضارع، فهذا ليس المقصود به المضارع من حيث هو مضارع، يعني: من حيث المعنى، وإنما المرادُ به باعتبار زمنِه الماضي، ولذلك لدخوله على الفعل المضارع نُزِّلَ الفعل المضارع منزلة الماضي، وهذا سبقَ معنا أن الفعل المضارع قد يكون مدلوله الماضي، وتدخلُ على مضارع نُزِّل منزلته لتحقّق وقوعه: ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحجر:2]، وندرَ دخولها على الجملة الاسمية، فالبيت السابق: رُبَّمَا الْجامِلُ المُؤَبَّلُ قال: وَنَنْصُرُ مَوْلاَنَا، ونَعْلَمُ أَنَّهُ ... كَمَا النَّاسِ، مَجْرُومٌ عَلَيْهِ وجارِمُ كمَا النَّاسِ، دخلت على الكاف وبقي عملها. وَحُذِفَتْ رُبَّ فَجَرَّتْ بَعْدَ بَلْ ... وَالْفَا وَبَعْدَ الوَاوِ شَاعَ ذَا الْعَمَلْ وَحُذِفَتْ رُبَّ لفظاً، في اللفظ حُذفت: وَلَيْلٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ يعني: ورُبّ ليل، حذفت في اللفظ فجرت منوية مقدرة بعد (بل) والفاء والواو، يعني: ليس مطلقاً، وإنما بعد الحروف الثلاثة، لكن الواو أكثر، ولذلك قال: وَبَعْدَ الوَاوِ شَاعَ ذَا الْعَمَلْ: بكثرة، مفهومُه: أن ذلك بعد (بل) والفاء غير شائع، وهو مفهوم صحيح. إذن: فجرّت مَنوية بعد بل والفاء، لكن على قلّةٍ، وقيل: بعد (ثم) كذلك وقلَّ مَن ذكرَها، وَبَعْدَ الوَاوِ شَاعَ ذَا الْعَمَلْ، شاع بعد الواو، (بَعْدَ) هذا ظرف منصوب بـ شَاعَ، متعلق به، وهو مضاف والواو مضاف إليه: ذَا الْعَمَلْ، شَاعَ ذَا، اسم إشارة في محلّ رفع فاعل، العمل: بدل أو عطف بيان أو نعت بكثرة. قال الشارح: لا يجوزُ حذفُ حرف الجرّ وإبقاء عمله؛ إلا في رب بعد الواو وفيما سنذكره، وقد وردَ حذفها بعد الفاء وبل قليلاً، فمثاله بعد الواو قوله: وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْنْ وَقَاتِمِ يعني: ورُبّ قاتمِ. ومثاله بعد الفاء قوله: فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ فَمِثْلِكِ: يعني: فرُبّ مثلك، هذا الأصل. بَل بَلَدٍ مِلءُ الفِجَاجِ قَتَمُهْ ... لا يُشْتَرى كَتَّانُه وجُهْرُمُهْ

بَل بَلَدٍ: يعني: بل رُبّ بلد، إذن: تحذف رُبّ لفظاً فتُقدّر بعد هذه الحروف الثلاثة. قال في التسهيل: تجرّ رُبّ محذوفةً بعد الفاء كثيراً، وبعدَ الواو أكثر، وبعدَ بل قليلاً، الأكثر الواو، ثم الفاء، ثم بل على الترتيب. ومع التجرّد أقل، يعني: دون هذه الثلاثة. رَسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ فيِ طَلَلِهْ ... كِدْتُ أَقْضِي الحياةَ مِنْ جَلَلَه رَسْمِ دَارٍ: يعني: رُبّ رسمِ دار، حذفت دون واوٍ أو بل أو الفاء. ومرادُه بالكثرة معَ الفاء الكثرة النسبية، أي: كثير بالنسبة إلى بل. وقال أيضاً: وليسَ الجرّ بالفاء وبل باتفاق .. هو حكى الاتفاق، فيه خلاف. فَمِثْلِكِ: قال بعضهم مجرورٌ بالفاء، و: بَل بَلَدٍ، بلدٍ مجرورٌ بـ (بل) لا، ليس الأمر كذلك، وليسَ الجر بالفاء وبل باتفاق، بل قيل: الجرّ بالفاء وبل لنيابتهما مناب رُبّ، أقيما مُقام ربّ فجرّا. وأما الواو، فمذهب الكوفيون والمبرد إلى أن الجر بها: وَلَيْلٍ كَمَوْجِ .. إذن: ليس عندنا رُبّ على مذهب الكوفيين، وإنما الواو هي العاملة، لكن انتبه أن الكوفيين يرون أن رُبّ اسماً وليست حرفاً. والصحيح أن الجر برُبّ مُضمَرة، وهو مذهب البصريين. وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوَى رُبَّ لَدَى ... حَذْفٍ وَبَعْضُهُ يُرَى مُطَّرِداً الحكم السابق برب، هل هو خاصّ بها؟ دائماً يمرُّ معنا أن حرفَ الجرّ لا يعمل محذوفاً هذا هو الأصل، إلا ما سُمِع من لسان العرب، وخاصّة إذا شاع وكثر. وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوَى رُبَّ: من الحروف. لَدَى حَذْفٍ: يعني: عند حذفِهِ. وَقَدْ يُجَرُّ: قد للتقليل هنا. وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوَى رُبَّ: يعني: بغير رُبّ من الحروف. لَدَى حَذْفٍ .. وَبَعْضُهُ يُرَى مُطَّرِداً: إذن منه ما هو سماعي، ومنه ما هو قياسي. وَبَعْضُهُ يُرَى مُطَّرِداً: مفهومُه أن السابق سماعي ليس مُطرداً، يقصد بالمطرد هنا أن يكون قياساً يعني: تقيسُ عليه، حينئذٍ كما قال الشارح: الجرُّ بغير رُبّ محذوفاً على قسمين: مُطّرد وغير مطرد، فغير المطرد يعني: الذي يُسمع ويُحفظ ولا يُقاس عليه كقول رؤبة لمن قال له: كيف أصبحتَ؟ قال: خيرٍ، يعني: بخير، تحذِفها دائماً أنت، تقول خيرٍ؟ لا، لا يصلحُ هذا، لماذا؟ لأن هذا يُحفَظ ولا يُقاس عليه، التقدير على خيرٍ، أو بخير. وقول الشاعر: إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَبيلَةً ... أَشارَتْ كُلَيْبٍ بالأَكُفِّ الأَصابِعُ الأصابع أشارت إلى كليبٍ، فحُذِفت (إلى). وَكَرِيمَةٍ مِنْ آلِ قَيْس أَلَفْتُه ... حتَّى تَبَذَّحَ فَارتَقَى الأَعلامَا أي: فارتقى (إلى) الأعلام. والمطّرد كقولك: بكم درهمٍ اشتريتُ هذا؟ فدرهمٍ مجرور بـ (مِن) محذوفة عندَ سيبويه والخليل، وبالإضافة عندَ الزجاج، فلا شاهدَ فيه على الثاني، وإنما المراد به الأول: بكم درهمٍ، درهمٍ: هذا اسم مجرور بـ (مِن) مُقدّرة، إذن: حذفت (من) ونُوِي عملها .. وبقي عملها. إذن: هذا استثناء من القاعدة، أنه لا يُحذَف الحرف ويبقى عمله، إلا في مواضع محفوظة معدودة، وعدَّها المرادي في شرحِه، وكذلك الأشموني ثلاثَ عشرة موضعاً، فارجع إليها.

فعلى مذهبِ سيبويه والخليل يكون الجار قد حُذِف وأبقي عمله، وهذا مطرد عندهما في مميّز (كم) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجرّ. إذن: القاعدةُ أنه لا يعملُ الحرفُ محذوفاً، وإنما إذا حُذِف الحرف رجعنا إلى القاعدة السابقة: وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ .. هذا الأصل، وإنما مواضع معدودة في لسان العرب تبقى على عملها بعد حذفها، عدَّ منها الأشموني ثلاثة عشر موضعاً: منها: لفظ الجلالة في القسم دونَ عوض، نحو: اللهِ لأفعلن. الثاني: بعدَ (كم) الاستفهامية إذا دخلَ عليها حرفُ جرّ: بكم درهمٍ اشتريت، أي: من درهمٍ خلافاً للزجاج في تقديره الجرّ بالإضافة كما سبق. وكذلك في جواب ما تضمَّنَ مثل المحذوف، لو قال قائل: بمن مررتَ؟ قال: زيدٍ، يصحُّ أو لا؟ يصح؛ لأنهم قالوا: هذا في جواب سؤال. على كلٍّ؛ أكثر ما يكون في موضعين: الذي هو القسم: اللهِ لأفعلن، ومدخول (كم)، وما عداه من المواضع التي ذكرها الأشموني أكثرُها إما قليل جداً وإما يُنازع فيه، وأما المطّرد فهو في موضعين: لفظُ الجلالة في القسم دون عوض: اللهِ لأفعلن، وبعد (كم) الاستفهامية. بقي مسألة هنا وهي: أن حروف الجر ثلاثةُ أقسام، كل ما سبق: الأول: حرفُ الجر الأصلي، وهو ما له معنى خاص، المعاني السابقة: بَعِّضْ وَبَيِّن .. إلى آخره، نقول: هذا له معنى خاص ويحتاج إلى مُتعلَّقٍ مذكورٍ، أو محذوف، أو مذكوراً كان أو محذوفاً، لابد له من مُتعلّق يتعلّق به، وسيأتي بيان المتعلقات. الثاني: حرفُ جرّ زائد، هذا يمرّ معنا كثير، حرفُ الجر الأصلي: له معنى خاص، ولابد له من مُتعلّق يتعلّقُ به، وهو المراد بقول الناظم: لاَبُدّ لِلجَارِّ مِن التَّعَلُّقِ ... بِفِعلٍ أَو مَعنَاهُ نَحوَ مُرتَقِي النوع الثاني: حرفُ الجرّ الزائد، وهو ما ليسَ له معنى خاص، يعني: سُلِبَ منه المعنى الذي وُضِع له في لسان العرب، فتأتي (مِن) لا للتبعيض ولا لبيان الجنس، ولا لابتداء الغاية، مُطلقاً لا تأتي لأي معنى من هذه المعاني: ما ليسَ له معنى خاص، وإنما يُؤتى به لمجرّد التوكيد. إذن: له معنى آخر، وهو التوكيد، والتوكيد هذا معنى مُشترَك .. انتبه، معنى مُشترك لكل حرف زائد، سواء كان (مِن) أو اللام أو .. أو .. إلى آخره، أيُّ حرف يُزاد فالمراد به التوكيد، فهو معنى مشترك، وليس له مُتعلَّق لا مذكور ولا محذوف. إذن: حرف الجر الزائد ليس له معنى خاص وليسَ له مُتعلّق لا محذوفا ولا مذكورا. الثالث: حرفُ الجرّ الشبيه بالزائد، هذا أخذَ من كل قسم شيء، له معنى خاص، وليس له مُتعلّق؛ له معنى خاص أخذه من الأصل، وليس له متعلق أخذَهُ من الزائد، ولذلك قيل: شبيهٌ بالزائد. وهو ما له معنى خاص، كالحرف الأصلي وليسَ له متعلق كالزائد، فقد أخذَ شَبهاً من الحرف الأصلي وأخذَ شبهاً من الحرف الزائد، ومثاله: لولا، ورُبَّ، ولعل، لولا تأتي لامتناع .. امتناع لوجود، مِثل السابق الذي ذكر: لولاي، قلنا: هذه دخلت على المبتدأ فالياء مُبتدأ، ولولا هل لها مُتعلّق؟ ليس لها متعلّق، هل لها معنى؟ نعم، لها معنى.

طيب. رُبّ لها معنى في التقليل قليل وفي التكثير كثير، حينئذٍ نقول: دلّت رُبّ على التكثير أو دلّت على التقليل. إذن: لها معنى خاص، لكن هل لها مُتعلّق؟ لا، ليس لها مُتعلّق، لعلّ اللهِ، نقول: هذا أفادَ الترجي، فهو حرف شبيهٌ بالزائد؛ لأنه له معنى خاص، لكن ليسَ له متعلق، فلولا تدلُّ على امتناع لوجود، ورب تدلُّ على التكثير أو التقليل، ولعل تدلُّ على الترجي، وليسَ لواحد منها متعلق. إذن: هذه الحروف الثلاثة الأنواع، منها ما له مُتعلَّق وهو الحرف الجرّ الأصلي فقط، وله معنى خاص، ومنها ما له معنى خاص، وليسَ له مُتعلّق وهو الحرف الشبيه بالزائد، وأما الزائدُ فليسَ له معنى خاص، وله معنى وهو التوكيد مُغايِر لمعناه الأصلي، وليسَ له متعلق. المسألة الثانية: يجبُ أن يكون للجارّ متعلّق يتعلّقُ به، وهو فعل أو ما يُشبه الفعل، أو مؤُوّل بما يشبهه، هذه ثلاثة أشياء. ((أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) [الفاتحة:7]؟ عَلَيْهِمْ: جارّ ومجرور متعلق بقوله: أَنْعَمْتَ، ((غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)) [الفاتحة:7]؟ عَلَيْهِمْ مُتعلّق بـ الْمَغْضُوبِ وهو اسم مفعول؛ مُتعلّق به على أنه نائب فاعل. ((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ)) [الأنعام:3] فِي السَّمَوَاتِ: مُتعلق بلفظ الجلالة؛ لأنه في معنى المشتق، قلنا سابقاً: إن (الله) مُشتقّ في الأصل هذا الصحيح، فحينئذٍ أصله الإله، والإله فِعال بمعنى مفعول، تجد في الشروح يقولون: أن الله المراد به المسمى بهذا الاسم، هكذا يقولون -الأشموني والمكودي وغيرهم-، بناء على أنه جامد ليس بمشتقّ، مُسمّى بهذا الاسم، إذن: أوّلُوه بالمسمى والمسمى اسم مفعول، فتعلّقَ به قوله: ((وَفِي الأَرْضِ)) [الأنعام:3] وهذا فاسد، بل الصواب: أنه مُتعلّق باللفظ نفسه ليس بتأويل، مُتعلّق باللفظ نفسه ودلّ على أنه مُشتقّ، ولذلك جاء قوله: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84]، هي الآية نفسها: ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ)) [الزخرف:84]، دلَّ على أن تلك الآية التي في سورة الأنعام مُفسَّرة بهذه، حينئذٍ نقول: اللهَ أصله إله، ولن نُؤوّله بإضافة المسمى إلى الاسم، فإن لم يكن شيء من هذه موجوداً في اللفظ قُدِّر الكون المطلق، إذا لم يكن في اللفظ فعل ولا شبهُ الفعل أو مؤولٌ بما يشبه الفعل حينئذٍ ليسَ لك مفر إلا أن تُقدِّر له كوناً مطلقاً، كائن أو يكون. فإن لم يكن شيء من هذه موجوداً في اللفظ قُدِّر الكون المطلق مُتعلقًا، كما تقدّمَ في الخبر والصلة. ويُستثنى من ذلك خمسة أحرف، التي قلنا: بأنها شبيهةٌ بالزائد. وهو خمسة أحرف: الأول: الحرف الزائد ليس له متعلق. الثاني: لعلّ، في لغة عُقيل؛ لأنها بمنزلة الزائد، لذا مجرورها في موضع رفع بالابتداء، بدليل ارتفاع ما بعدَها على الخبرية. الثالث: لولا، على قول سيبويه، فهي بمنزلة لعل.

الرابع: رُبّ، كلها ذكرناها في الأمثلة السابقة: نحو: رُبّ رجلٍ صالحٍ لقيتُ أو لقيتُه؛ لأن مجرورها مفعول في الأول ومبتدأ في الثاني، أو مفعول أيضاً على الاشتغال .. على الأوج التي ذكرناها سابقاً، ويُقدّر الناصب بعد المجرور لا قبلَ الجار؛ لأن رُبّ لها الصدر من بين حروف الجرّ، وإنما دخلت في المثالين لإفادة التكثير أو التقليل لا لتعديةِ العامل، وقال الجمهور: هي فيهما حرف جر مُعدٍّ. خامساً: حرف الاستثناء، خلا وعدا وحاشا، هذه ليس لها مُتعلّق. هذا ما يتعلق بحروف الجر على جهة الاختصار. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

70

عناصر الدرس * شرح الترجمة (الإضافة) وحدها * ما يحدث لأجل الإضافة ,وحكم المضاف إليه * معاني الإضافة وإختلاف النحاة في ذلك * أنواع المضاف بإعتبار مايضاف إليه وفائدة الإضافة المعنوية. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: الإِضَافَة. أي: هذا بابُ بيانِ الإضافة وهو النوع الثاني من نوعي الاسم المجرور، الاسم المجرور إما أن يكون بحرفٍ، وسبق فيه الكلام في باب حروف الجر، وهذا النوع الثاني وهو المجرور بالمضاف أو بالحرف المقدّر على خلاف سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. الإِضَافَةُ: هذا مصدر: أضافَ يُضيفُ إضافةً، فأَلِفُهُ مُنقلبة عن ياء؛ لأنه قيل: مُشتقّ من الضيف باستناده إلى مَن ينزل عليه، ولذلك تقول: يُضيف، من أين جاءت هذه الياء؟ نقول: أصلها هي الألف المنقلبة ياءً، أضافَ يضيفُ إضافةً، من باب: أفعلَ يُفعِل إفعالاً، المصدر على الإفعال، وأفعَل إذا كانت عينه معتلةً .. حينئذٍ لو كانت عينه معلة وقلبت الواو أو الياء ألف، حينئذٍ تُحذَف في المصدر، هذا الصحيح، وقيل: المحذوف هو ألف المصدر، والصواب: هو أن المحذوف هو عينُ الكلمة؛ لأن أضافَ أصلُه (أَضْيَفَ) على وزن (أفعل)، كأقامَ أقوَمَ إقامةً، استعانَ استعانةً، ونحو ذلك، فـ أَضافَ أصله: أضْيَفَ، الضاد ساكنة في الأصل، ونحن نقول: إِضَا .. إِضَا .. تحرّكت، نقول: حركةُ الياء نُقِلت إلى ما قبلها فسكنَت، حينئذٍ نُظِر إليها بنظرين قبلَ النقل وبعدَ النقل، فيقال: تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجَبَ قلبها ألفاً، يعني: يُنظر فيها بنظرين، وهذا فيه تكلّف، وإن كان أكثر الصرفيين على هذا، فحينئذٍ نقول: الأولى أن يقال اكتفاءً بجزءِ العلة .. هذا أولى، فيُقال: أضيَفَ تحرّكت الياء وسكَنَ ما قبلها، وإن كان الأصل أن تتحرّك الياء ويُفتَح ما قبلها، لكن نقول: اكتفاء بجزء العلة قُلِبت الياء ألفاً، لماذا نقول هذا؟ لأن العربَ ما نطقَت بأضيَف، وإنما نطقَت بأضاف، إذن: قلبوها، ونظرنا فإذا بها على وزن أفعلَ، إذن: الفاء ساكنة، لابُد من إيجاد علة تكون سبباً في قلبِ الياء ألفاً، فابتكروا هذه؛ قالوا: تحرّكت الياء باعتبار الأول وفُتِح ما قبلها باعتبار الثاني، فقلبت الياء ألفاً، أو نقول اكتفاءً بجزء العلة؛ لأن العلة مركّبة، تحرُّك الياء وانفتاح ما قبلها. إذن: مِن شيئين، لابد أن يتحرّك حرف العلة الواو أو الياء ويُفتَح ما قبله، حينئذٍ يجوزُ قلبُ الواو أو الياء ألفاً: (قَ، وَ، لَ)، تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها، (بَ، يَ، عَ)، تحركت الياء وانفتح ما قبلها.

أما (أضيفَ) تحركت الياء ولم يُفتح ما قبلها، ومع ذلك نطقت العرب بماذا؟ أضافَ، إذن: قلبوا الياء ألفاً، مع وجودِ بعض العلة، إما أن نقول: بأن العلة كما هي ثابتة بالنظرين السابقين حصلَ إعلال بالنقل، وإما ان نقول: اكتفاء بجزء العلة، إذن: الإضافة نقول: هذا مصدر، أضافُ يُضِيفُ إضافةً، ومصدرُ الأفعلَ هو الإفعال، والألف هذه هي ألف المصدر، حينئذٍ اجتمعَ عندنا ألفان، الألف المنقلبة عن عينِ الكلمة: الياء، وألف المصدر، اجتمعا لابد من حذفِ أحدهما، واختلفوا في أيّ الألفين المحذوف، والصواب أنه عينُ الكلمة، وأما ألف المصدر لا، ما جِيءَ به -كقاعدة مطردة معك- ما جيءَ به زيادة على الكلمة فهو حرف معنى لا يُحذَف، يُحذَف أصلٌ من الكلمة ولا يحذف هذا الحرف، لماذا؟ لأن الحرف هذا جِيءَ به لمعنى؛ للدلالة على المصدرية، وأما حرفُ الكلمة العين، هذا لو حُذِف لابد من شيء يدلُّ عليه، هذا الأصل، ولو بردّ الكلمة إلى أصولها، ولذلك: ((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس:6]، اختلفَ النحاة: تتصدى هذا الأصل، بتائين، إحدى التائين هي حرفُ المضارعة، والتاء الثانية هي من أصل الكلمة: تتصدى، أي التائين محذوف؟ اختلفوا، قيل: حرفُ المضارعة وقيل التاء الأصلية .. مِن أصل الفعل، والصواب: أن المحذوف هو الذي مِن أصل الفعل، لماذا؟ لأن التاء التي هي حرفُ مضارعة لو حُذِفت لم يدل عليها شيء، وأما التاء التي هي أصلٌ لو حذفت لابد أنك تردّ الكلمة إلى أصلها، فتعرفُ أنه فعل مضارع، وأن أصله: تصدّى، هذا فعل ماضٍ: تتصدّى، دخلَ عليه حرفُ المضارعة، إذن: نقولُ الصواب في مثل هذا أن الذي حُذِف هو التاء الأصلية، يعني: مِن أصل الفعل، سواء كانت زائدة أو كانت أصلية، وأما حرفُ المضارعة فلا يمكن حذفُهُ؛ لأنه لا يدلُّ عليه شيء بعدَ حذفه، وهذه قاعدة عندَ النحاة أن المحذوف لا بدّ له من قرينة تدل عليه بعد حذفه، فلو حذفنا التاء الأصلية نقول: بإرجاعنا للفعل إلى أصله عرفنا المحذوف؛ نعرفه مباشرة، وأما التاء التي هي حرفُ المضارعة فلا؛ لأنها حرف معنى إنما زِيدت من أجل الدلالة على المضارعية. هنا إضافة .. الإضافة مصدر، ولذلك وزنه الإفعال، أفعلَ يُفعِلُ إفعالاً، أكرمَ يُكرِمُ إكراماً، الألفُ هذه هل هي ألف أضاف، أم إفعال التي هي ألف المصدر؟ يحتملُ هذا وذاك؛ لأنه اجتمعَ عندنا ألفان: إضافة، ألف وألف لا يمكن النطق بها، حينئذٍ لابد من حذفِ إحدى الألفين، فيتعيّنُ أن يكون المحذوف هو عين الكلمة لا ألف المصدر، وهذا سيأتينا في باب المصدر. الإضافة قلنا: مصدر أضافَ يُضيفُ إضافة، وهي في اللغة قيل: الإسناد، وقيل: الإمالة، ومنه ضافَت الشمسُ إلى الغروب يعني مالت، أو أَضفتُ ظهري إلى الحائط أملتُه إليه: فَلَمَّا دَخَلْنَاه أَضَفْنَا ظْهُورَنَا .. ففُسِّر أضفنا ظهورنا هنا بالإمالة، وفُسّر بالإسناد. وأما في اصطلاح النحاة فلها معنى خاص، حقيقة عرفيّة عندهم، وهي: إما أن يقال بأنها إسناد اسم إلى غيره على تنزيل الثاني مُنزلة التنوين أو ما يقومُ مقامه، إسنادُ اسمٍ إلى غيره، على تنزيلِ الثاني منزلة التنوين مما قبلَه أو ما يقومُ مقامَ التنوين، إسنادُ اسم إلى غيره.

إسناد: ليس المراد به الإسناد التام الذي يكون النسبة بين المسند والمسند إليه، وإنما المرادُ به مُطلَق الإسناد، وعُرِّف أيضاً الإضافة بقولهم: نسبةٌ تقييدة بين اسمين تُوجِب لثانيهما الجرَّ أبداً، نسبة تقييدية، والنسبة هذه تُطلَق ويُراد بها المعنى المفهوم من الجملة إثباتاً أو نفياً، يعني: مدلول الجملة، مدلول الجملة ما هو؟ قامَ زيدٌ: قيام زيدٌ: ثبوت قيام زيد، ما قام زيدٌ، مدلول الجملة هو نفيُ قيامِ زيد، هذه النسبة مِن أين أُخِذت؟ من إسنادِ الفعل إلى فاعله، أو المبتدأ إلى خبره، حينئذٍ نقولُ: هذه نسبةٌ تامّة، وهو الإسناد الكلي الأصلي الذي أُخِذ جِنساً في حدّ الكلام، نحن قلنا: يُشترَط في الكلام أن يكون مركباً، ما المراد بالتركيب؟ المرادُ به الإسناد، إثباتُ حكمٍ لاسم أو نفيُه عنه، حينئذٍ نقول: الإسناد ذاك ليسَ هو المراد هنا، ولذلك قال: نسبةٌ تقييدية، يعني: ليسَت نسبة تامة كليّة يُفهَم منها مدلول الجملة لا، وإنما هو تُقييدُ لفظٍ بلفظ، والنسبُ هذه في الأصل هي معاني عقلية، معاني في العقل في الذهن، وإنما تُوجَد في ألفاظ على جهة التنزيل، حينئذٍ إذا قيل: غلامُ زيدٍ، نقول: غلامُ، هذا الأصل أنه مُطلَق، وزيد الأصل أنه مُطلق، فإذا نسبتَ غلامَ إلى زيد قيّدته، والأصل أن لفظَ غلام هذا لا يختصُّ بزيد، ولا يختصُّ لا بذكر وبأنثى، ولا بزيد ولا بعمرو، فإذا قلت: غلام صارَ مُبهماً مُطلقاً نكرة شائعة في جنسه، فحينئذٍ إذا قلت: غلامُ زيدٍ على جهة الإضافة حصلَ تقييد، ما هو هذا التقييد؟ ارتباطُ غلام بزيد هذا المراد به النسبة هنا: ارتباطُ اسمٍ باسمٍ، ولذلك قال: نسبة تقييدية بين اسمين، على جهةِ ماذا؟ على جهة أن الأول مُضاف إلى الثاني، لا على أنه حكمٌ محكومٌ به على الثاني لا؛ لأن هذا شأن المبتدأ مع الخبر والخبر مع المبتدأ، وأما الغلام وزيد فلا، وإن كان بينهما نسبة، إذن: النسبة التي هي الارتباط المعنوي بين كلمتين، هذه قد تكون نسبة أساسية، نسبة كُلّية، وهذه مأخوذة في حدِّ الكلام، ما عداها فهي نسبة تقييدية ليست كليّة، وهذه تكون بين الموصوف وصفته والمضاف والمضاف إليه، والبدل والمبدل منه .. كلّ اسمين لهما ارتباط بعضهما ببعض حينئذٍ نقولُ هذه نسبة، لماذا؟ لأنه لا يُوصَف الشيء بالشيء إلا إذا كان بينهما ارتباط، ولا يُضافُ الشيء إلى الشيء إذا كان بينهما ارتباط، ولا يُبدَل الشيء من الشيء إلا إذا كان بينَهما ارتباط، ولا يُعطَف الشيء على الشيء إلا إذا كان بينهما ارتباط، الارتباطُ هذا هو النسبة، المعنى الذي جعلَكَ تربطُ هذا بذاك نقول هذا نسبة، ويُسمّى حكماً، ويُسمّى إسناداً، حينئذٍ إذا كان بين مبتدأ وخبر فهو نسبة كلية، وإذا كان بين فعلٍ وفاعل فهو نسبة كلية، وإذا كان بينَ مُضاف ومُضاف إليه ونعت ومنعوته، وبدل ومُبدَل منه، حينئذٍ نقول: هذه نسبة قاصِرة ليست تامة.

إذن: المضاف يكون بينَه وبينَ المضاف إليه نسبة تقييدية، يعني: الأول قيّدَ الثاني وحدّده، أضفتَ الأولَ إلى الثاني فاكتسبَ منه التقييد والتحديد. نسبةٌ تقييدية بينَ اسمين، فخرجَ بالتقييدية الإسنادية التامة، التي يُعنَوَن لها بالنسبة الكلية أو النسبة الأساسية، نحو: زيدٌ قائمٌ، وبما بعده نحو: قامَ زيدٌ؛ لأنه نسبةٌ بينَ فعل واسم، ولا ترِدُ الإضافة إلى الجمل؛ لأنها في تأويل الاسم، إذا قيلَ: بين اسمين، سيأتي معنا أن بعضَ الألفاظ يُضاف إلى الجملة، فكيف يقال: الإضافة هنا خاصّة بين اسمين؟ هل هذا تعارض؟ نقول: لا، ليسَ بتعارض؛ لأن المُضاف إليه إذا كان جملة، حينئذٍ يُؤوّل بالمفرد، ولذلك جعلنا المضاف والمضاف إليه مِن علامة الاسم، إذا جاءَ اللفظُ مضافاً قلنا: هو اسمٌ، ما الدليل؟ كونُه مضافاً؛ لأنه لا يكون مُضافاً إلا الأسماء، إذا جاءَ مضافاً إليه حينئذٍ حكمنا عليه بأنه اسمٌ، لماذا؟ لأنه لا يكونُ مضافاً إليه إلا الاسم، طيب: ((هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ)) [المائدة:119]، أُضيف يوم إلى ينفع، وهو جملة فعلية، نقول: هذا مُؤوّل بالاسم، فإذا أُوّل بالاسم حينئذٍ إما أن يكون مصدرا مضافاً إلى الاسم، وذلك إذا كان مُشتقّاً، وإما أن يكون كوناً مضاف إلى الاسم، وذلك إذا كان مشتقاً، وإما أن يكون كوناً مضاف إلى الاسم وذلك إذا لم يمكن تأويله على ما قيل في باب (أنّ) إذا كان الخبر مُشتقّاً حينئذٍ جِيءَ بمصدر .. إلى آخر ما ذكرناه سابقاً. إذن: لا يُعترَضُ بإلإضافة إلى الجمل؛ لأنها في تأويل الاسم. تُوجِبُ لثانيهما الجرّ أبداً. يعني: هذه النسبة لها أثرٌ، أثرٌ في الثاني الذي هو المضاف إليه على الصحيح، الثاني هو المضاف إليه، والأول هو المضاف، وهذا قولُ الجمهور، حينئذٍ المضاف يبقى على حاله من حيث تسلُّط العوامل عليه، فإن رُكِّب معه عامل يقتضي رفعَه رُفِع، أو عامل يقتضي نصبَه نُصِب، أو عامل يقتضي جرَّه جُرّ، وأما الثاني فيلزمُ الجرّ أبداً، لا يكون في حال من الأحوال مرفوعاً ولا منصوباً، إلا مِن حيث المحل؛ وذلك إذا أُضيف المصدر، وهي إضافته محضةٌ، إذا أُضيف المصدر إلى فاعله أو إلى مفعوله: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) [البقرة:251]، (الله) هذا ثاني مجرور وهو مُضاف إليه، طيب في المحلّ هو فاعل، ولذلك نَصَبَ: (لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)، ضربُ زيدٍ عمروٌ شديد، نقول: عمروٌ هذا فاعل، وزيدٍ: مفعول به، لكن مِن حيث المعنى. نسبةٌ تقييديةٌ بينَ اسمين تُوجِب لثانيهما الذي هو المضاف إليه الجرّ أبداً، وسَكَتَ عن المضاف لأنه يكونُ بحسب العوامل.

إذن: نسبةٌ تقييدية هذا ما أشارَ إليه بعضُهم بقوله: إسنادُ اسمٍ إلى غيره على تنزيل الثاني منزلة التنوين أو ما يقومُ مقامَ التنوين؛ لأنه سيأتي أنه مما يجبُ حذفُه من المضاف التنوين، غلامٌ: الأصل فيه وجوبُ التنوين، فإذا أضفتَه حينئذٍ وجبَ حذفُ التنوين كما سيأتي، فتقول: غلامُ زيدٍ، نزّلتَ الثاني المضاف إليه من غلام منزلة التنوين، ولذلك نُوِّن آخرُ زيدٍ، لماذا؟ لكونه صارَ كجزء من الكلمة، كذلك إذا كان آخرُه نوناً تلي الإعراب، يعني: نون المثنى أو جمع التصحيح، حينئذٍ تقول: هذان غلاما زيدٍ؛ ضاربو زيدٍ، حذفتَ النون وهي قائمةٌ مقامَ التنوين، هذا مما يجبُ إلحاقه بالمضاف. إسنادُ اسمٍ إلى غيره على تنزيلِ الثاني منزلةَ التنوين أو ما يقومُ مقامَه .. التنوين مما قبله. إذن: نسبةُ المراد بالنسبة الحكم والإسناد، وهو المعنى المفهومُ مِن الجملة إثباتاً أو نفياً، وكذلك يُعبَّرُ عنه بالربط المعنوي بين طرفي الجملة، لكن هذا الإسناد التامّ، المعنى الكلي، وأما هنا في هذا المقام لا، المراد به مُطلَق الإسناد، أي ارتباط بينَ اسمين لا على جهة الإسناد التام، أيُّ ارتباطٍ بين كلمتين بينَ اسمين لا على جهة الارتباط التام مع بقيةِ الأحكام، يعني: يُحذَف التنوين من الأول، وتُحذَف (أل) ويُضاف الثاني، ليست مُطلقة هكذا؛ لأن النعت والمنعوت نسبة تقييدية، إذا قيل: جاءَ زيدٌ العالمُ، زيدٌ العالمُ، عندنا هنا في هذا التركيب نِسبتان .. انتبه: جاءَ زيدٌ هنا فيه نسبة تامّة؛ لأنها وقعَت على جهة الإسناد التام، وهو إفادةُ القيامِ لزيد، نقول: هذا إسنادٌ تام وهو المُشترَط في حدّ الكلام، جاء زيدٌ، زيدٌ العالمُ، زيدٌ فاعل والعالم نعت، إذن: عندنا صفة وموصوف، ما العلاقة بينهما؟ بينهما إسنادٌ، وبينهما نسبة وحكم، كما أن بينَ جاءَ زيدٌ نسبة وحكم، لكن تلك تامّة وهذه ناقصة، تلك كُليّة وهذه تقييدية، وإن كان أيضاً بينَ: جاءَ زيدٌ نسبة تقييدية، لكنها على وجهِ التمام، حينئذٍ نقولُ: المضاف والمضاف إليه بينَهما نسبة، والمراد بالنسبة هو الربط المعنوي بين طرفي الجملة في الإسناد التامّ، وبينَ طرفي أو بينَ الاسمين على جهة الخصوص في المُضاف والمضاف إليه أو البدل والمبدل منه أو الصفة والموصوف، وهذا المراد به النسبة الكلية أو النسبة الأساسية.

وأما التقييديةُ التي هنا، فهي التي جاءت لإفادةِ التقييد والتحديدِ بإضافة الأول إلى الثاني، وتصحُّ هنا الإضافة بأدنى مُلابَسة، إضافةُ الأول للثاني نسبةٌ تقييدية هل ثم عنوانٌ يمكن ضبطُه متى نُضيفُ ومتى لا نُضِيف؟ هنا النحاة والبيانيون قالوا: أدنى نسبةٍ أدنى ارتباط بينَ الاسمين يجوزُ أن يُضاف الأول إلى الثاني، يعني: متى ما شَعَرَ الإنسان أن ثم ارتباطاً بين اللفظين، حينئذٍ جازَ إضافةُ الأول إلى الثاني، ولذلك قالوا في قوله تعالى: ((لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)) [النازعات:46]، العشية والضحى مختلفان، لكن قال: ((عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)) [النازعات:46]، الضميرُ يعودُ إلى العشية، يعني: ضُحى العشية، ما يأتي هذا كيف؟ هل هو مثل غلامُ زيد؟ ما العلاقةُ هنا .. ما النسبة بين اللفظين؟ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، يعني: ضُحى العشية، قالوا: أدنى مُلابَسة، ما هي الملابسة؟ كونُ كلٍّ منهما طرفي النهار، هذا في أوله وهذا في آخره؛ لأنه قد يُحمَل الشيء على نقيضه، كما مرَّ معنا في (لا) النافية للجنس، قلنا: هذه أُعملت عمل (إنّ) بحملها على النقيض؛ لأنها مؤكِّدة للنفي وتلك مؤكِّدة للإثبات. إذن: قد يُحمَل الشيء على نقيضه، هنا كذلك نُظِر إلى طرفي النهار، إذن: بينهما مُناسبة أو لا؟ بينهما مناسبة، فصحَّ، وإن لم تكن هذه المناسبة ظاهرة لكلّ أحد، قد يقولُ قائل: لماذا أُضيف ضحاها هنا لعشية وهو مُضاف إلى الضمير؟ نقول: وتصحُّ بأدنى مُلابَسة كالآية المذكورة، لما كانت العشية والضحى طرفي النهار صحّت إضافةُ أحدهما إلى الآخر. وقولهم: كَوْكَبُ الخَرْقاءِ، الخرقاء امرأة تستيقظُ عندَ ظهور هذا الكوكب، كوكب الخرقاء ما العلاقة بينهما؟ أُضيفَ إليها لأنها كانت تتنبّهُ وقتَ طلوعه، إذن: أدنى مُلابسة بين اسمين، حينئذٍ لكَ أن تُضيف الأول إلى الثاني، وليسَ له ضابطٌ يمكن الاعتمادُ عليه بأنه إذا كان كذا .. إلى آخره، وإنما هي ليست كالعلاقات بين المجاز المرسَل لا، هناك ثمانية عشرَ نوعاً مما يجوزُ فيه إطلاق الكل على الجزء أو العكس إلى آخره، وأما في الإضافة لا، والأصح أن الأول قلنا: نسبة تقييدية بين اسمين، الأصحُّ أن الأول هو المضاف والثاني هو المضاف إليه، وهذا قولُ جماهير النحاة، غلامُ زيدٍ، غلامُ: هو المضاف وزيدٍ: هو المضاف إليه، وقيلَ العكس غلام هو المضاف إليه وزيدٍ هو المضاف، وقيلَ كلٌّ منهما مضاف ومضاف إليه، يعني: غلامُ مضاف إلى زيد، وأُضيف إليه زيد، وزيدٌ مُضاف إلى غلام، ومُضافٌ إليه غلام، كلّ منهما يصحَّ أن يقال بأنه مضاف ومضاف إليه، فيستفيدُ منه تخصيصاً وغيره. إذن: الأصحّ أن الأولَ هو المضاف والثاني المضاف إليه، وهو قولُ سيبويه؛ لأن الأول هو الذي يُضاف إلى الثاني، الأول الذي هو غلامُ هو الذي يُضاف إلى الثاني وهو زيد، فيستفيدُ منه تخصيصاً أو تعريفاً، وهذا في الإضافة المحضة.

وقيل: عكسُه، وثالثُها يجوز في كلٍّ منهما كلٌّ منهما، يجوزُ في كلٍّ منهما، يعني: غلام وزيد، كلٌّ منهما أنه مضاف أو مضاف إليه، وهذه عبارة السيوطي في (همع الهوامع)، ولا يكونُ المضاف إلا اسماً كما ذكرناه سابقاً، فهو من علامةِ الاسمية، ودليله أمران: الأول: أن الإضافة تعاقِبُ التنوينَ، أو النونَ القائمة مقام التنوين، كما ذكرناه هنا أن الثاني يُنزّل منزلة الأول بمنزلة التنوين منه، وينزل منزلة ما يقومُ مَقامَ التنوين وهو النون في المثنى وجمع التصحيح. الثاني: الغرضُ من الإضافة تعريفُ المضاف، والفعل لا يتعرّفُ، فلا يكون مضافاً؛ إذن: لهذين السببين حكمنا على المضاف بأنه لا يكون إلا اسماً. السبب الأول: أن المضاف إليه يعقُبُ التنوين والنون، وهل التنوين والنون تدخلُ على الفعل؟ الجواب: لا، إذن: اختصَّ بالمضاف. والتنوينُ لا يدخل إلا الأسماء. الثاني: أن الإضافة تفيد تعريفَ المضاف إليه، وهذه لا، لأن المضاف إليه يُفيدُ تعريفَ المضاف، حينئذٍ لا يكون المضاف فعلاً بل يكون اسماً، والأصل في المضاف إليه أن يكون اسماً كذلك؛ بسببِ كونه محكوما عليه في المعنى، لو نظرتَ إلى هذه النسبة بين الطرفين .. اسمين لخرجتَ بأن المضاف إليه في المعنى محكوم عليه، وإن لم يظهر في كل إضافة، لكن في الجملة المضاف إليه لا يكون إلا محكوماً عليه، ولا يُحكَم إلا على الأسماء، وإضافةُ الجمل على التأويل باسم هو مصدر المسند أو الكون العام كما ذكرناه سابقاً. إذن: الإضافةُ تكونُ بين لفظين اسمين: مضاف ومضاف إليه، والأول هو المضاف والثاني هو المضاف إليه، وقيل: عكسُهُ، وقيل: كلٌّ منهما يصحّ إطلاق اللفظ عليه. قال: الإِضَافَة نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا وَالثَّانِيَ اجْرُرْ وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي إِذَا ... لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ وَاللاَّمَ خُذَا لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ وَاخْصُصْ أَوَّلاَ ... أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بِالَّذِى تَلاَ نُوناً: بالنصبِ على أنه مفعول به لقوله: احْذِفْ، كأن أول الكلام: احذِف نوناً تلي الإعراب أو تنويناً، إذن: إذا أردتَ إضافة اسمٍ إلى آخر لابدّ من عملية، هذه العملية تشملُ شيئين، ما يجب حذفُه وما يجوز حذفُه، ما يجبُ حذفُهُ هو ما نص عليه بقول: احْذِفْ .. هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب. إذن: إذا أردتَ إضافة اسم إلى اسم آخر يجبُ حذفُ التنوين والنون التي تلي الإعرابَ من المضاف، فالكلام هنا عن المضاف، فبيّنَ العمليةَ التي تُجرى أولاً من أجل التركيب الإضافي بأن تحذفَ النون من الأول؛ لأن الثاني نُزِّل منزل التنوين مما قبله، وتحذفُ النون التي تكون في المثنى وفي جمع التصحيح؛ لأنها قائمةٌ مقامَ التنوين، فحُذِف الأصل وفرعه، فإذا حُذِف التنوين الذي هو أصل، -تنوين الصرف-، إذا حُذِف فمن باب أولى وأحرى أن تحذف النون، لذلك قال: نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا: وقدَّمَ النون هنا على التنوين من باب الضرورة فقط، وإلا التنوينُ هو الأصل والنون هذه قائمة مقامَه.

مِمَّا تُضِيفُ: يعني: مِن المضاف، مِمَّا تُضِيفُ، يعني: مما تريدُ إضافتَه إلى ما بعدَه، فالكلام حينئذٍ مُنصبٌّ على المضاف لا على المضاف إليه. نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ، نُوناً: مفعول به مُقدّم على قوله: احْذِفْ، وصفَهُ بقوله: تَلِي الإِعْرَابَ: يعني: تلي حرفَ الإعراب، والنونُ التي تلي حرفَ الإعراب هي نونُ المثنى وجمع التصحيح، جمع التصحيح الذي هو جمع المذكر السالم، وأما النون التي يليها الإعرابُ فهذه لا تُحذَف؛ لأنها أصلٌ من الكلمة، كنونِ شياطين، إذا قلت: شَيَاطِينُ الإِنْسِ لا تحذف النون، لماذا؟ لأن هذه النون يليها الإعرابُ؛ فهي مَتلوّة لا تالية، فهي متلوة بالإعراب، شَيَاطِينُ، إذن: جاءت الضمة بعد النون عند نهايتها، وهذا على القول بأن الإعراب لاحق للحرفِ الأخير، وأما على القول بأنه مقارِنٌ له فلا، والمشهور الأول. إذن: تَلِي الإِعْرَابَ، يعني: تابعة لحرفِ الإعراب الذي هو الألف في المثنى والياء كذلك والواو والياء في جمعِ التصحيح .. جمع المذكر السالم. وأما التي يليها الإعرابُ فلا يجبُ حَذفُها، بل لا يجوزُ حَذفُها كنونِ شياطين، شَيَاطِينُ الإِنْسِ، بساتينُ زيدٍ نقول: هذه تُضافُ وتبقى على أصلها. نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ: وهي نونُ المثنى والمجموع على حدِّه، وما أُلحق بهما. تَلِي الإِعْرَابَ: أي: حرفَ الإعراب. أَوْ تَنْوِينَا: هذا معطوفٌ على قوله: نُوناً، احذِف تنويناً، سواءٌ كان التنوين ظاهراً مَلفوظاً به أو مقدراً، والظاهر مَثّلوا له بـ غلامُ زيدٍ، أصله غلامٌ بالتنوين؛ لأنه يُنطَق به، والمقدّر عنه بـ الممنوع من الصرف، هذا غلامُ زيدٍ ودراهمه؛ دراهم: هذا ممنوع من الصرف؛ لصيغة منتهى الجموع. إذن: التنوينُ قالوا: فيه مُقدَّر، حينئذٍ تنوي؛ النيةُ محلها القلب، وتعتقدُ أنك لما أضفتَ دراهم -وهو ممنوع من الصرف- أنك حذفت التنوين. إذن: أَوْ تَنْوِينَا: ظاهراً أو مُقدَّراً، والمقدَّر يكون في الاسم الممنوع من الصرف، والمانعُ من ظهوره شبَهُ الفعل كما سيأتي في محلِّه. دراهمه دراهمك، دنانيرُه دنانيرُك، نقول: هنا حُذِف التنوين على نيّة التقدير. مِمَّا تُضِيفُ: يعني: مما تُريدُ إضافته .. احذِف مما، مِمَّا: جار ومجرور مُتعلّق بقوله: احْذِفْ. مِمَّا تُضِيفُ: يعني: مما تُريدُ إضافته إلى غيره، وهو المضاف. إذن: الكلام مُنصبٌّ على المضاف. مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ: إن كان فيه ما ذُكِر، وإلا فلا، مثل (لدُن)، لدُن ليس فيه ذا ولا ذاك؛ لأنه مبني، فليس فيه تنوين مُقدّر، وليس فيه نُون، ماذا نصنع؟ ليس فيه ما يَستدعي الحذف، لا نوناً تلي الإعراب، هذه نون أصلية، وإن قيلَ بأنها زائدة، (لَدُن) وكذلك ليس فيه تنوين؛ لأن التنوينَ الظاهر في المعرب المنصرف، والتنوينُ المقدّر في الممنوع من الصرف، هذا الثاني فيه نزاع، المُقدّر في الممنوع من الصرف، وإذا أُضيف المبني إذن: لا يُحذَف منه لا ذا ولا ذاك.

إذن: هذا على جهة الأغلبية، يعني: تحذف ما ذُكِر إن وُجِد، وإن لم يُوجَد فلا حذفَ، لماذا؟ لعدم وجود ما يستوجبُ الحذف، مثاله: لدن زيدٍ، جئت مِن لدن زيدٍ يعني: من عندِ زيد، فـ (لدن) بمعنى عند. إذا كان فيه ما ذُكِر وإلا فلا حذفَ كما في: لدُن زيدٍ. إذن: نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ؛ نُوناً: قيل نُطِق بها أو لم يُنطق، يعني: لا يشترط في النون أن يكون منطوقاً بها، يعني: قد تكون مَنويّة كالتنوين المقدَّر، التنوين المقدَّر في دراهم ليس ملفوظاً، كذلك لو قيل مثلاً: لبيكَ، كما سيأتي هذا مُثنى، لم يُنطَق بالنون بل هو ملازم للإضافة، لبيك إجابة بعد إجابة، حينئذٍ نقول: لبيك هذا مُثنى، أين النون التي حُذِفت؟ هو ما سُمِع إلا هكذا لبيك، أو ما خُلِق هكذا لبيك، فحينئذٍ نقول: أين النون التي حذفت؟ ليس فيه نونٌ محذوفة، وكذلك إذا قيل: (ذوَي مالٍ) على الإضافة، ذو هذه مُلازمة للإضافة، فإذا ثنّيته حينئذٍ تَبِعَ أصله المفرد، وهو ملازمة الإضافة، فإذا قلت: ذوي مالٍ وذوا مالٍ أينَ النون التي حُذِفت؟ ليسَ فيه نون، مع كونه ماذا مُثنى، والأصلُ فيه أن يكون مُلحَقاً بالنون عوضاً عن التنوين، كذلك ذوي مالٍ بالجمع، حينئذٍ نقول: ليس فيه نون. إذن: نُوناً: احذِف نوناً نُطِق بها أو لم يُنطَق بها، كما في (لبيك) و (ذَوَي مال) و (ذَوِي مالٍ) على أنه جمع أو ملحق بجمع المذكر السالم. إذن: نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا هذا اسمُ جبلٍ بالشام يُقال طورُ سينين، وأصله طورٌ، وهو أيضاً اسم جبل، طورٌ هذا الأصل بالتنوين، لما أُرِيد إضافته إلى ما بعدَه، حينئذٍ وجبَ منه حذف التنوين، فقيل: طُورِ سِينَا، طورُ طورِ طورَ، يعني: سواء رفعتَ أو نصبتَ أو خفضتَ، والمضاف يأخذُ حكمَ ما قبلَه من العوامل، فحينئذٍ الشاهد من المثال: أن الأصلَ طورٌ سينا، فأضفت الأول إلى الثاني، والأصل فيه أنه مُنوّن تنويناً ظاهراً فوجبَ حذف التنوين. وهنا الناظم لم يذكر مما يجبُ حذفه حذفَ الألف؛ لأنه إذا كان محلىً بـ (أل) وجبَ حذفُ الألف منه، إذا قيل: الغلامُ وأردتَ إضافته حينئذٍ يجبُ تجريد الغلام من (أل)؛ لأنه لا يجتمعُ معرِّفان على لفظ واحد؛ لأن المضافَ يكتسبُ التعريف مما قبله، أو يستفيدُ التخصيص مما قبلَه، حينئذٍ يلزمُ من ذلك أن لا يكون المضاف محلىً بـ (أل) وهذا أمرٌ ثالث يُزاد على المضاف مما يجب حذفه. إذن: ما يُحذَف من المضاف لأجل الإضافة نوعان: النوع الأول: ما يجب حذفه، وهو ثلاثة أشياء، ذكرَ الناظم منها شيئين: الأول: نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ: عرفنا الاحتراز، نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ، يعني: تلي حرف الإعراب، يعني: تكون تابعةً، إذا قلت: غلامان، النون هذه تابعةٌ للألف، والألف هو حرف الإعراب، إذا قلت: ضاربون فالنون هذه تالية للواو، والواو هذا حرفُ الإعراب، وأما إذا كانت هي مَتلوّة بالإعراب، فحينئذٍ تبقى على أصلها. إذن: يُحذف التنوين سواء كان ظاهراً أو مقدراً. ثانياً: النون في المثنى والجمع على حدِّه كما ذكرناه.

ثالثاً: (أل) المُعرِّفة، هذا يجب حذفها ولا نزاعَ فيها، وإنما الإضافة اللفظية هي التي يأتي الاستثناء فيها، (أل) المُعرِّفة وذلك في الإضافة المحضة مطلقاً بدون تفصيل، وأما الإضافة اللفظية فهذا سيأتي فيه تفصيل. النوع الثاني: ما يجوزُ حذفه ولا يجب؛ وذلك تاء التأنيث، بشرطِ أن لا يُوقِعَ حذفها في لبسٍ، فإن أوقَعَ مُنِع، تاء التأنيث يجوز حذفها للإضافة بالشرط الذي ذكرناه، نحو عِدة وإقامة، يجوز أن تقول: عِدتُك وإقامتُك بذكرِ التاء، ويجوز الحذف، نحو: وإقام الصلاة، قيل: أصله إقامةُ الصلاة، وحُذِفت التاء هنا جوازاً لا وجوباً، ومنه قول الشاعر: وَأَخْلَفُوْكَ عِدَا الأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا يعني: عدة الأمر الذي وعدوا. إذن: قد تُحذَف تاء التأنيث للإضافة عند أمن اللبس للشاهد الذي ذكرناه: وَأَخْلَفُوْكَ عِدَا الأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا أي: عدة الأمر، والحذف هذا جائز، حينئذٍ هل يرد على الناظم؟ لا، لا يرد؛ لأنه أرادَ أن يذكرَ ما يجب حذفه، وإنما يرِدُ عليه (أل) المعرِّفة، وأما تاء التأنيث لا؛ لأنه يجوز ذكرها ويجوز حذفها، وهو إنما عنى ما يجبُ حذفه عند الإضافة، فلا يَرِد على المصنف؛ لأن كلامه في الحذف الواجب الكثير، وحذفُ هذه التاء جائز على قلة، حيث أُمِن اللبس، وإلا لم يجز كما في تمرة وخمسة، ثم هو سماعي وقيل: قياسي. نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا ثم قال: وَالثَّاني اجْرُرْ: لما أنهى ما يتعلّقُ بالأول بيّنَ حكم الثاني، انظر .. هنا غايَرَ بينهما، في الأول بيّنَ الصيغة التي يكون عليها المضاف، ولم يتكلّم عن حكمِهِ الإعرابي، والثاني: بيّنَ حكمَه الإعرابي ولم يتكلم على الصيغة. قال: وَالثَّانِيَ: مفهومُه أن البيت الأول مُتعلّق بالأول الذي هو مضاف، فحينئذ: مِمَّا تُضِيفُ: يُراد به المضاف، احْذِفْ .. مِمَّا تُضِيفُ: يعني: من المضاف؛ بدليل قوله: وَالثَّانِيَ. طيب .. نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا .. احذِف، هذا يتعلق بالإعراب أو بالصيغة؟ بالصيغة، سكتَ عن إعرابه. ثم قال: وَالثَّاني اجْرُرْ: تكلّمَ عن الإعراب ولم يتكلّم عن الصيغة، سكتَ عن الحكم في الأول لبقائِهِ على أصله، وهو أنه على حسبِ ما يقتضيه من عوامل. وَالثَّاني اجْرُرْ: بيّنَ حكمه لأنه مخالف للأصل، وسكتَ عن صيغته؛ لأنه ليس له ما يتعلّقُ به من جهة الصيغة، وإنما الحذفُ للتنوين ونحو ذلك يكون من الأول لا من الثاني. إذن: فرقٌ بين البيت الأول والجزء الأول من البيت الثاني. وَالثَّاني اجْرُرْ: يعني: والثاني من المتضايفين، وهو المُضاف إليه: اجْرُرْ، وجوباً أو جوازاً؟ وجوباً: وَالثَّاني اجْرُرْ: إذن: احذِف واجرُر، نقول: المراد بهما على أصلهما، وهو وجوبُ الأمر، يعني: مقتضاه الأصلي.

وَالثَّاني اجْرُرْ: يعني: والثاني هذا مفعول مُقدَّم، اجْرُرْ: يعني: من المتضايفين، أي: احكم بكون المضاف إليه مجروراً أبداً، سواءٌ لُفِظ به أم لا، والعاملُ فيه هو المضاف، على الصحيح، وهو مذهبُ سيبويه، وعليه الجمهور، لا بمعنى اللام خلافاً للزجاج ولا بالإضافة، ولا بحرف جرٍّ مُقدّر، حرف جر أصلي، فيه أربعة مذاهب، والصواب أن المُضاف إليه مجرور بالمضاف، وأعظمُ الأدلة على ذلك اتصالُ الضمير بالمضاف؛ لأن الضمير لا يتصلُ إلا بعامله، ولذلك تقول: غلامُه بالضمير اتصل به، غلامك. إذن: وَالثَّاني اجْرُرْ، والعامل فيه المضاف نفسُه: غلامُ زيدٍ، فتقول: جاءَ غلامُ، غلامُ على أصله مرفوع بـ (جاء)؛ لأنه فاعل، ولذلك لم يتعرّض له الناظم. قال: وَالثَّاني اجْرُرْ: الذي هو المضاف إليه، فتقول: غلام مضاف وزيدٍ مضاف إليه مجرور والعامل فيه (غلامُ) .. نفس اللفظ، كما تقول: غلامُ مرفوع بـ (جاءَ) نفسه، حينئذٍ تقول: زيدٍ: بجرور بغلام نفسه، وهو المضاف، وعمِلَ وهو كونه جامداً والأصل في الجامد أنه لا يعملُ؛ لأنه اقتضى ما بعدَه كاقتضاء اسم الفاعل لما بعده، يعني: له طلب، لا يتمّ معناه إلا بما بعده، وقلنا: هذه العلة هي التي اقتضت العمل أصلاً في الفعل وفي غيره، لماذا يعملُ الفعل؟ لاقتضائه لما بعدَه، لماذا كان الفعل أصلاً؟ لشدّة اقتضائه لما بعده؛ لأن فيه إبهاما لا يزيله إلا العوامل، ثم الاسم عمل لاقتضائه، وُجِدت العلة التي في الفعل، ولم تكن أصلاً فيه لأن العلةَ الموجودة في الفعل ليست موجودة في الاسم، وهو شدّة الاقتضاء. كذلك المضاف إذا قلتَ: غلامُ على نيّة الاضافة، زيدٍ نقول: لا يتم معنى غلامُ إلا بإضافته إلى زيد، وهذا معنى الاقتضاء، بمعنى أنه يطلبُ ما بعدَه طلباً في تتميم معناه، ولا يتمّ معناهُ إلا بلفظ زيد، لا بمعنى اللامِ خلافاً للزجاج؛ لأنه سيأتي أن اللام مُقدّرة من جهة المعنى، وقيل: إن (زيدٍ) هذا مجرور باللام المقدرة، وهذا ضعيف، لماذا؟ لأن الحرف لا يعملُ وهو مُقدّر، ولا بالإضافة التي هي نسبة تقييدية بين اسمين تُوجِب لثانيهما الجرّ أبداً، هذه الإضافة، هي عامل معنوي، حينئذٍ نقول: هل المضاف إليه مجرور بالإضافة التي هي عامل معنوي؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنّ عندنا أمرين: أولاً: إذا ظهرَ في اللفظ ما أمكنَ تعليقُ الحكم عليه فهو مُقدّر، وهنا قد أمكنَ تعليق الحكم بالمضاف، ومرَّ معنا أن عشرين ونحوه هو العامل في التمييز: عندي عشرون كتاباً، كتاباً هذا منصوب، ونصبَهُ عشرون اللفظ السابق، شبرُ أرضٍ، شبرٌ أرضاً، قلنا: هذا منصوب بالمفسَّر، والمفسَّر اسم جامد، كيف عمل؟ لاقتضائه ما بعده. القولُ هو عينُ القول في المضاف، يزيدُ عليه أمرٌ آخر: اتصال الضمير به، بالمضاف، والضمير لا يتصلُ إلا بعامله، تقول: ضربته اتصلَ بعامله، إنه: اتصلَ بعامله، إنك نقول: اتصل بعامله، غلامُه الضمير هنا مضاف إليه، وقد اتصلَ بعامله، ولذلك كان أرجحَ من أن يُقال: بأن العامل هو الإضافة؛ لأنها عامل معنوي، ولذلك لا يصحُّ تعليق العمل بالعامل المعنوي البتة إلا ما اضطررنا إليه، وهو الابتداء والتجرد فقط، وما عداه يبقى على أصله.

ولا بحرف جرّ مُقدّر أصلي، وهذا فاسد، لأنه يقتضي أن يكون هذا الحرف المقدّر، وهو حرف جرّ أصلي أن يكون له مُتعلّق، إذا كان حرف جرٍ أصلياً وجب أن يكون له مُتعلّق، أين هو؟ حينئذٍ لابد من الفصل بين المضاف والمضاف إليه. إذن: الأصح هو مذهب سيبويه، وهو قولُ الجمهور، ومن أدلتهم: اتصال الضمير بالمضاف والضمير لا يتصل إلا بعامله. وَالثَّاني اجْرُرْ: عرفنا حكمه، ثم تعرَّضَ لمسألة وهي: أن المضاف والمضاف إليه .. بعد أن عرفنا أن العاملَ هو المضاف وهذا لا يُنافي المسألة الآتية، وهو أن تكونَ الإضافة على معنى حرف من حروف الجرّ، لا أنه هو العامل ومُؤثِّر، وإنما لكونِ الاسم الأول المضاف نحتاجُ إلى ما يُوصِل معناه إلى الثاني، يعني: الآن حروف الجرّ قلنا: هي تجرُّ معاني، من سابق إلى لاحق، طيب: غلامُ زيد؟ لا يمكن أن يجرَّ الأول معناه المطلوب منه إلى الثاني وهو النسبةُ إلا بواسطة، وهذه الواسطة حرف منوي. إذن: لا بدّ من تقديرِ حرف مَنوي ليصحَّ إيصال معنى المضاف إلى المضاف إليه، ولذلك الجمهور وهم يقولون: بأنّ المضاف هو العامل في المضاف إليه لم ينازعوا في تقدير هذا الحرف، ولا يلزم من تقدير الحرف أن يكون هو العامل لا، العاملُ هو المضاف، ثم تكون الإضافة على معنى حرفٍ، لماذا تكون على معنى حرف؟ لأن وظيفةَ الحرفِ هي إيصال المعاني إلى ما بعدَه، وهنا عندنا معنى من المضاف وهو جامد في الأصل، والمضاف إليه وهو جامد في الأصل، إذن: لا بد من توصيلةٍ تُوصِل المعنى الأول الذي هو معنى المضاف إلى معنى المضاف إليه. قال: .. وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي إِذَا ... لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ وَاللاَّمَ خُذَا جمهور النحاة على أنه لا بدَ من التقدير، وذهبَ أبو حيان إلى أنه لا يُقدَّر لا حرفٌ ملفوظٌ به ولا منوياً، وخالف جماهير النحاة، والجماهير على خلافه. ذهبَ بعضهم، وهو أبو حيان أن الإضافة ليست على معنى حرف أصلاً، ولا هي على نيّة حرف، يعني: مجرّد ارتباط بين المضاف والمضاف إليه، حينئذٍ نقول: نسبةٌ تقييدية .. التي سبقَ التعريف، هل هي مُنطبِقة على المضاف والمضاف إليه دونَ إشعار بحرف، أو أنه لا بدّ من حرف؟ أبو حيان يقول: لا، ما دام أنها نسبة تقييدية بين اسمين لا يلزمُ من ذلك أن يكون بينهما واسطة وهو حرف، والجمهور على المنع، ومذهبُ الزجاج أن الإضافة تكونُ على معنى اللام ليس غير، اللام فقط، هذا مذهب ثاني، وجعلَها هي العامل في المضاف إليه كما سبق، وهذا ضعيف، من جهةِ التخصيص ضعيف، كونه لا تكون إلا على معنى اللام ضعيف، وكونها هي العامل هذا أضعفُ وأضعفُ، ومذهبُ الجمهورِ أن الإضافة تكون على معنى اللام ومِن فقط، وعلى معنى اللام بأكثرية، وعلى معنى مِن بكثرة.

وذهبَ ابنُ مالك رحمه إلى زيادة حرف على ما ذهبَ إليه الجمهور، وهو (في) الدالّة على الظرفية، ونُوزِع في إثبات هذا الحرف، ولذلك قال أبو حيان: ولا أعلمُ أحداً ذهبَ إلى هذه الإضافة غيره، يعني: غير الإمام ابن مالك رحمه الله تعالى، ولكن ردّه السيوطي بأنه ذهبَ إليه الجرجاني وابنُ الحاجب، فهو متابع ليس بمبتدع في هذا الكلام، وإنما سبقَ ابن مالك رحمه الله الجرجاني عبد القاهر وهو البياني المشهور، وابن الحاجب. إذن: هذه مما زاده ابن مالك رحمه الله تعالى، ولذلك قال: وَانْوِ مِنْ: هذا محل وفاق عند الجمهور. أَوْ فِي: هذا مما انفردَ به ابن مالك تبعاً للجرجاني وابن الحاجب. إِذَا ... لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ وَاللاَّمَ خُذَا .. لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: إذن: هي ثلاثةُ أحرف، زادَ الكوفيون (عند)، يعني: تأتي الإضافة على معنى (عند) تقدر عند، نحو: "هَذِه نَاقَةٌ رَقُودُ الحَلبِ"، يعني: رقودٌ عندَ الحلبِ؛ ليس بحرف هذا، وإنما هو ظرف، وهذا بعيد؛ لأنه لا يُقدّر الظرف وهو محذوف، وإنما تُقدّر الحروف التي حروف المعاني. إذن: مذهب الجمهور هو ما ذهبَ إليه الناظم هنا من تقدير مِن واللام وزاد عليها (في). قال: واشتمالُ الإضافةِ المحضة على حرف جرٍّ أصلي، فيُلاحَظ وجوده، يعني: إذا قيل: وَانْوِ (مِنْ)، ليس المراد أن الأصل أن الكلام مُشتمِل على الحرف، ثم حذف فنُوِي نفس اللفظ المحذوف، لا، وإنما المرادُ هنا كالمراد في باب التمييز والحال والظرف، هذا باب رابعٌ تُضيفه إلى ما سبق. يعني: يُلاحَظ في العلاقة بين المضاف والمضاف إليه معنى اللام. ولا يُشترَط فيه أن يلفظ باللام، ولا يُشترَط فيه أن يصلح المقام لأن يلفظ باللام لا، هل المعنى على الملكية والاختصاص أو لا؟ كما نقول في الظرفية هناك في الظرف، هو على معنى (في)، هل المراد هنا (في) نفسها لفظها أن ينطق بها؟ الجواب: لا، وإنما المراد أن يُلحَظ معنى الظرفية، وكذلك في التمييز وكذلك في الحال، هنا كذلك، حينئذٍ يُلحَظ معنى اللام وهو الملكية أو الاختصاص، إذن: اشتمال الإضافة المحضة على حرف جرٍّ أصلي، فيُلاحَظ وجوده والغرض منه الاستعانة بحرف الجرّ على توصيل معنى ما قبلَه إلى ما بعده، كما ذكرناه سابقاً. فمجرّد ملاحظة معنى اللام هذا يكفي، يعني: تُلاحَظ معنى اللام بين المتضايفين، فإذا ظهرَ تغير الأمر: "غلامُ زيدٍ"، "غلامٌ لزيدٍ"، هل هما سِيّان؟ هذا الذي أنكرَه أبو حيان، هذا دليله، قال: أنتم تقولون على معنى اللام، يلزمُ من ذلك: "غلام زيدٍ" أصله "غلامٌ لزيدٍ"، فحينئذٍ كيف يُسوّى المعرفة بالنكرة، وتقولون: هم سِيان، "غلام زيدٍ" معرفة، و"غلام لزيد" نكرة، فكيف يُسوى هذا بذاك .. هذا باطل، إذن لا نقول بأن الإضافة على معنى اللام، لا نقول: على معنى اللام ولا يقتضي هذا التصريح بها بل مُلاحظتها، ثم لا يُسوّى بين الطرفين من كلِّ وجه، إذا قلنا هذا على معنى: غلام لزيد، لا يلزم منه أن يكون مُساوياً له من كل وجه في التعريف والتنكير، وإنما يُراد به ملاحظة هذه اللام.

إذن: مجرّد ملاحظة اللام .. معنى اللام هو المقصود هنا، فإذا ظهرَ تغيّرَ الأمر فلا مُضاف ولا مضاف إليه، "غلامٌ لزيد"، ليس عندنا مضاف ولا مضاف إليه، أما "غلامُ زيد" هذا مضاف ومضاف إليه، غلام زيد معرفة، غلام لزيد هذا نكرة وليس عندنا مضاف ولا مضاف إليه، ولا تعريف ولا تخصيص، إذن: شتّان ما بينَ التركيبين، فلا يُقال بأنّ أصله .. إلا على جهة التعليل أو جهة بيان التأصيل فقط، وأما مِن جهة التقرير للمسائل النهائية فلا يُقال "غلام زيدٍ" مساوٍ لـ"غلامٌ لزيدٍ"؛ لأن غلام زيد معرفة، و"غلام لزيد" نكرة، "غلام زيد" فيه مضاف ومضاف إليه، "غلام لزيد" لا مضاف ولا مضاف إليه، "غلام زيدٍ" فيه اكتساب التعريف من المضاف إليه، وغلام لزيدٍ ليس فيه اكتساب التعريف مما بعده، حينئذٍ نقول: هذا لا يساوي ذاك. واختِيرت هذه الأحرف الثلاثة أو الاثنين عندَ الجمهور؛ لأنها أقدرُ على تحقيق الغرض المعنوي، يعني: بالاستقراء أن أنسبَ ما يكونُ مُقدّراً هو اللام، ولذلك بالأكثر، أكثرُ ما يكون في المضاف والمضاف إليه هو معنى اللام الملكيّة أو الاختصاصيّة، فتكون الإضافة على معنى اللام بأكثرية؛ لأنّ ذلك هو الأصل، وليسَ لها ضابط، لم يَضبطوها لكثرتها، ثم على معنى (مِن) بكثرة، وعلى معنى (في) بقلّة، ولكلٍّ منهما ضابط يأتي بيانه في الشرح. إذن: وَانْوِ معنى (مِنْ)، (من) البيانية التي لبيان الجنس، ليست مطلق (من)، وإنما هي التي لبيان الجنس، فانو معنى من، متى؟ إذا كان المضاف بعضاً من المضاف إليه، هذا شرطٌ أول، إذا كان المضاف بعضاً من المضاف إليه، مع صحة إطلاق اسمِه عليه، يعني: أن يُخبَرَ بالمضاف إليه عنه، بهذين القيدين تقول: مِن، تقول: الإضافة على معنى (من) البيانية، مثل إذا قلت: "خاتمُ حديدٍ" أيهما بعضٌ من الآخر؟ الخاتم بعض الحديد، هل يصح أن تقول: "هذا خاتمٌ حديدٌ" أو "هذا الخاتمُ حديدٌ"؟ صحّ. إذن: إذا صحَّ الشرطان أو وجد الشرطان حكمنا على الإضافة بكونها على معنى (مِن) البيانية، ولذلك تقول: هذا خاتمٌ من حديدٍ أو من فضةٍ، ثم يكون المضاف بمعنى بعض من المضاف إليه، ثم يصحُّ الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف، فتقول: هذا الخاتم فضة أو حديد، إذن: إذا كان المضاف بعضاً من المضاف إليه؛ جزء منه يعني، بعضهم عبّرَ بالجزئية، بعضاً من المضاف إليه، معَ صحةِ إطلاق اسمه عليه: كـ"ثوبُ خزٍ" و"خاتمُ فضةٍ" تقول: خاتمٌ من فضة، بعضُ الفضةِ خاتمُ، لا إشكال فيه، كذلك تقول: هذا الخاتم فضةٌ تخبر به عنه .. صار خبراً، والتقدير: ثوبٌ من خزٍ وخاتمٌ من حديد، والثوبُ بعضُ الخزّ والخاتم بعضُ الفضةِ. وأنه يُقال: هذا الثوبُ خزٌّ، وهذا الخاتمُ فضةٌ، فإن انتفى الشرطان؛ فُقِد الشرطان، يعني ليس بعضاً ولا يصح الإخبار به عنه، حينئذٍ نقول: هذا ليسَ على معنى (مِن)، ثوب زيدٍ؛ هل الثوب بعض زيد؟ لا، هل يصحّ الإخبار به عنه، هذا الثوب زيدٌ؟ لا يصح. إذن: انتفى أو فُقِد الشرطان، "حصير المسجد"، الحصيرُ بعض المسجد؟ لا، الحصيرُ المسجدُ؟ لا. إذن: فُقِد الشرطان، لا يصحُّ الإخبار عنه ولا يكون بعضاً.

أو الأول فقط .. الذي هو كونه بعضاً من المضاف إليه: "يومُ الخميسِ"، هل اليوم بعضُ الخميس؟ لا، هل يصحّ الإخبار بالخميس عن اليوم؟ نعم، هذا اليومُ الخميسُ، صحّ الإخبار به عنه. إذن: فُقِد الشرط الأول، أو الثاني فقط: يدُ زَيدٍ، هذه يدُ زَيدٍ، مضاف ومضاف إليه، اليدُ بعضُ زيدٍ، لكن هل يصح ّالإخبار بزيد عن اليد؟ لا، إذن: في هذه الأحوال الثلاثة، فيما إذا فُقِد الشرطان، أو الأول -وهو البعضية- أو الثاني -وهو صحة الإخبار- حينئذٍ نقول: الإضافة هنا لا على معنى من، بل يتعيّنُ أن تكون على معنى اللام إذا لم يُوجَد فيها ما يقتضي أن تكون على معنى (في)، بل هي على معنى لام الملك أو الاختصاص، ونَقَل في الهمع –السيوطي في همع الهوامع- نقل عن ابن كيسان والسيرافي أنهما لا يشترطان صحةَ الإخبار، بل اكتفيا بكون المضافِ بعضاً، والجمهورُ على الأول، يعني: عندَ السرافي وابن كيسان لا يَشترِطان صحة الإخبار، وإنما يَكتفيان باشتراط أن يكون المضاف بعضاً من المضاف إليه. إذن: "يَدُ زيدٍ" على مذهب ابنِ كيسان على معنى (مِن)؛ لأن المضاف بعضٌ مِن المضاف إليه، فإذا كان بعضاً صحَّ أن تكون على معنى (مِن)، ولو لم يصحّ الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف، حينئذٍ نقول: على هذا المذهب: "يد زيد" هذه إضافة على معنى (من)، والصواب هو الأول، وهو ما عليه الجمهور. إذن: وَانْوِ (مِنْ)، هذا مفعول به قُصِد لفظه على تقدير مضاف، وانوِ معنى (مِن)؛ لأنه ليس المراد انوِ لفظ (من)، لا، وإنما المراد معنى (من)، حينئذٍ لابد من تصحيح المعنى ليستقيم التركيب، وانو معنى (من). أَوْ: للتخيير هذه أو التنويع والتقسيم؟ للتنويع والتقسيم. إذن: قسم مقابل للأول، فلا بدّ أن يكون مُبايناً له في صفاته وشروطه، أو معنى (في)؛ أيُّ (في)؟ الظرفية، انوِ معنى في، يعني: أن تُقدّر لفظ (في) أو معناها؟ معناها لا شك، وانو معنى (في)؛ متى؟ إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف شرط واحد، إذا كان المضاف إليه ظرفاً للمضاف سواءٌ كان ظرفاً زمانياً أو مكانياً، حينئذٍ نقول: التقديرُ هنا على معنى (في)، وهذا كما ذكرنا قلّة ممن زاده، وذكر ابن هشام في التوضيح أنّ قلة من النحاة ممن ذكروا هذا الحرف وأكثر النحاة على هجره، نحو ((مَكْرُ اللَّيْلِ)) [سبأ:33]، الليل مُضاف إليه وهو ظرف زماني: مكر في الليل، فالليل ظرف للمكر، أي: في الليل، وسواءٌ كان الظرف زمانياً أو مكانياً حقيقاً أو مجازياً فالحكمُ واحد، ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)) [يوسف:39]، صاحبي في السجن، مكانية أو زمانية؟ مكانية، ((تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)) [البقرة:226]، تربصٌ في أربعة أشهر، ((أَلَدُّ الْخِصَامِ)) [البقرة:204]، ألدُّ في الخصام، يعني: يجادِلُ، "قتيل المعركة" قتيل في المعركة، إذن ظرف مكان. والأكثرُ في هذه أن يكون المضاف مصدراً، لو لاحظت: ((تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ)) ((مَكْرُ)) ((أَلَدُّ)) "قتيل"، الأكثرُ فيها أنها مصدرُ، وقليل ما تخرجُ عن المصدرية، قد تأتي غير مصدر، مثل: ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)) [يوسف:39]، لكن الأكثر فيها أن المضاف يكون مصدراً.

إذن: ضابطُ الإضافة على معنى في أن يكون المضاف إليه ظرفاً للمضاف، إن انتفى كونها بمعنى (مِن) أو معنى (في) تعين أن تكون بمعنى اللام ولا ضابط لها. الضابط هو عدمي، هذا مثل علامة الحرف، ما لا يصلحُ معه دليل الاسم ولا دليل الفعل، ما لا يصلحُ هنا الإضافة معه دليل (من) الإضافة على معنى (من)، ولا دليل (في) فاحكم عليها بأنها على معنى اللام، أيُّ لام؟ اللام تأتي للانتهاء وتأتي للملك وتأتي للاختصاص وتأتي لشبه الملك، تأتي للاستحقاق، أيّ لام؟ قيل: اللامُ بمعنى الملك وشبهِهِ الذي هو الاختصاص. "دارُ زيدٍ"، هذا على معنى اللام، ملكية أو اختصاص؟ ملكيّة؛ لأن ما بعدَ اللام إذا قَدَّرتها يصح أن يكون مالِكاً. طيب، باب الدار؟ اختصاص، إذن: نقول هنا: تقدر اللام سواء كانت ملكية أو غيره. وَانْوِ معنى مِنْ أَوْ فِي إِذَا لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ: لم يصلح إلا ذاك الذي هو الفاعل، الذي هو نية معنى (من) أو (في). وَاللاَّمَ خُذَا لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: واللام خذَن، الألف هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة، واللامُ هذا مفعول به مُقدّم، وقلنا: هذا فيه محذور، وهو أنه لا يتقدّمُ معمول الفعل المؤكَّد إلا في الضرورة في مثل هذا المقام، والأصل: خذن اللامَ. لِمَا سِوَى: لغير. سِوَى ذَيْنِكَ: المُشارٌ إليه ذين، ذين هذا تثنية ذا، مجرور بإضافة إلى سوى إذا قلنا أنه مُعرَب، ومبني على النون إذا قلنا أنه مبني. لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: الذي هو معنى (مِن) أو (في). إِذَا لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ: حينئذٍ تنوي معنى (من) أو (في)، إذا لم يصلح إلا معنى (من) نويت معنى (من)، وإذا لم يصلح إلا معنى (في) نويت معنى (في). اللاَّمَ خُذَا .. لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: إذا لم يصلح لا (من) ولا معنى (في) حينئذٍ خذ اللام، سواء كانت ملكية أو اختصاصية، لِمَا: هذا جار ومجرور مُتعلّق بقوله خُذَا، يعني: قدّر، وما هذه موصولة، وسوى مُتعلّق بمحذوف صلة الموصول. لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: هل يشملُ الإضافة اللفظية، أم أنه خاصّ بالإضافة المعنوية؟ هذا مختلَف فيه، والجماهيرُ أن التقدير هنا خاصٌّ بالإضافة المحضة، وأما الإضافة اللفظية فليست داخلة. قال: إِذَا لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ: أي بحسبِ القصد، يعني: اعتبار النية مُعتبَر هنا؛ لأنه قد يحتمِل أن يكون التركيب صالحاً لأن يُجعَل على معنى في أو اللام، يصلح هذا أو ذاك، ماذا تصنع أنت؟ هنا إنما الأعمال بالنيات، إذا نَوى أن تكون على معنى في، حينئذٍ قلنا: هذا مُقدَّم؛ لأنه خاصّ وذاك عامّ، والخاص مُقدّم على العام، وإذا لم يقصد هذا أو ذاك واحتمل الأمرين، حينئذٍ نحملُهُ على العام، وهو معنى اللام. إذن: إذا لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ باعتبار مَن، المتكلم أم السامع؟ إن كان المتكلم خصَّ أحدَ المعنيين مع جوازِهما، حينئذٍ نقول: هو المعتبَر، ولذلك قيل: "حصيرُ المسجدِ"، هذا يحتمل أن تكون الإضافة على معنى (في) وعلى معنى اللام، إن قصد الإضافة على معنى (في) فهي مُقدّمة: "حصيرٌ في المسجد" جوّزَه الصبان، فحينئذٍ نقول: إذا قصدَ معنى (في) ونواها فهو مُقدّم، إذا لم ينوِ (في) عاملناه على معنى اللام.

إذن: إذا لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ الذي هو نيّة معنى مِن أو في، أي: بحسبِ القصد بأن أُريدَ بيان الظرفية أو الجنس، فلا يِرِد أن التي على معنى من أو في يصلح أن تكون على معنى اللام؛ لامُ الاختصاص، وهذا صحيح، إذا قيل كالمثال السابق هناك: ثوبُ خزٍّ، هذا يحتمل أنه على معنى اللام اختصاص، إذا لم يكن الثوب إلا مِن الخزّ، أو الخاتم إن لم يكن إلا من الحديد مثلاً، قد يحتمل أنه للاختصاص، فحينئذٍ نقول هنا: معنى من مُقدَّم؛ لأنه نواها فالقصد مُعتبَر. فلا يَرِد أن التي على معنى (من) أو معنى (في) يصلح أن تكون على معنى لام الاختصاص؛ لأنّ كلاً من الظرف والبعض يصلحُ فيه معنى لام الاختصاص، إذا قدَّرنا البعضية أو الظرفية صلحَ معها لامُ الاختصاص. وقوله: لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ: أي: لأن لم يُرَد ما ذُكِر، يعني: لم يقصد معنى (من) أو معنى (في)، ولو احتملَ معنى اللام، فإذا لم يقصد معنى (من) أو (في) حينئذٍ رجعنا إلى الحالة الثالثة وهي تقديرُ اللام، فإن قصدَ معنى (من) فهو المعتبر، إن لم يقصد معنى (من) واحتمل (من) واللام حينئذٍ رجعنا إلى اللام. وَاللاَّمَ خُذَا: أي: اجعل معنى اللام ملحوظاً فيما سوى ذينك، وليسَ المراد أن اللام مُقدَّرة في نظم الكلام، إذ قد لا يصلحُ لتقديرها نحو: "كل رجل قادم"، كل رجل: هذا لا يصح أن تنطق باللام، "غلام زيدٍ" يمكن أن تنطق باللام، أما كلّ رجل؟ كلٌ لرجلٍ: هذا ما يصح أن تفكّهُ وتأتي باللام. ركاكة. فإن معنى اللام ملحوظ فيه؛ لأنه بمعنى أفراد الرجل ولا يصلح نظمُهُ لأن تُقدَّر فيه اللام، فلا يلزمُ صحة التصريح باللام، بل تكفي إفادةُ مدلولها، فقولك: يومُ الأحد، يوم للأحد؛ على معنى اللام، لكن لا يصلح أن تقدّر، كذلك: علمُ الفقه، علمُ النحو، هذه على معنى اللام، لكنها لا يصلح أن تُصرِّح بها، كذلك "شجر الأراك" بمعنى اللام الاختصاصية ولا يصح إظهارها البتة، محلُّ وفاقٍ هذا. لأن الشأن هنا كالشأن في باب الظرف، الظرف هناك مع المظروف، الظرف قد يصلح أن تُصرّح بـ (في) وبعضها لا يصلح: في عندَك؟ لا يأتي هنا، مع أن (عندك) هذه ظرف، في عندِك؟ لا يصلح، لكن "يوم السبتِ": في يوم السبت صحت، إذن: المراد معنى (في)، وهنا كذلك المراد معنى (من) أو اللام. وَانْوِ معنى مِنْ أَوْ معنى فِي إِذَا ... ... لَمْ يَصْلُحِ الاَّ ذَاكَ وَالّلامَ خُذَا لِمَا سِوَى ذَيْنِكَ. ثم قال: وَاخْصُصْ أَوَّلاَ أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلاَ: هذا شروعٌ منهُ في بيان قسمي الإضافة. الإضافة تنقسمُ إلى قسمين .. هذا المشهور، وزِيدَ ثالث؛ زادَه ابن مالك، لكنه مردّه إلى المحضة. إما إضافة محضة معنوية، وإما إضافة غيرُ محضة لفظية، إما معنوية وإما لفظية هذا أوضحُ، معنوية: بمعنى أنها أثّرت في المعنى. ثَم تعريفٌ أو تخصيصٌ حصلَ للمضاف من المضاف إليه، وأمّا اللفظية فليسَ ثم تعريف ولا تخصيص حصلَ بالإضافة .. لا هذا ولا ذاك. وَاخْصُصْ أَوَّلاَ: مِن المتضايفين.

أَوْ: هذا تقسيم، أَعْطِهِ: أعط الأول، التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلاَ: هذا مُتنازَع فيه، واخصص أولاً بالذي تلا، بالذي: جار ومجرور مُتعلّق بقوله (أعطه)، جار ومجرور مُتعلّق بقوله اخصص؛ لأن التخصيص حصلَ بالذي تلا، تلا ماذا؟ تلا الأول، وهو المضاف إليه، وهنا حذَفَ الضمير، يعني: بالذي تلاه للعلم به " وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ "، إذن: بالذي تلاهُ يعني: المضاف إليه، واخصُص أولاً مِن المتضايفين الذي هو المضاف بالأول، متى؟ إذا أُضيفَ إلى نكرة، إذا أُضيفَ إلى نكرة المضاف .. وهو نكرة في الأصل، حينئذٍ نقول: يَكتسِبُ الأول من الثاني التخصيص، والمرادُ بالتخصيص تقليلُ الشيوعِ، أو إن شئتَ قل: تقليل الاشتراك. أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ: التعريف معلوم والمراد به رفعُ الشيوعِ أو رفعُ الاشتراكِ، فالتخصيصُ المراد به التقليل، والتعريف المراد به الرفع: غلامُ زيدٍ، هنا "غلام" نكرة أُضيفَ إلى معرفة، حينئذٍ نقول: اكتسبَ "غلام" مِن الذي تلا أو بالذي تلا .. اكتسب التعريف، لماذا؟ لأنه أُضيفَ إلى معرفة، إذن: هذه الإضافة كوننا أضفنا الأول إلى الثاني حصلَ تغيير معنى، الأول غلام هو نكرة، حينئذٍ تعرف بالثاني، هذا أمر لفظي أو معنوي؟ أمر معنوي، لذلك سُمّيت إضافة معنوية محضة خالصة. أوِ اخْصُصْ أوَّلاَ: بأن تخصّه بالثاني، يعني: تُقلّل الاشتراك، وذلك فيما أُضيف إلى نكرة، "غلامُ امرأة"، حصلَ تقليل أو لا؟ حصل؛ لأنك إذا قلت: "غلام" هذا يحتمل أنه لامرأة وأنه لرجل، فإذا قلت: "غلام امرأة" حصلَ له تقليل في الاشتراك، يعني: تخصيص، لماذا لم نقل بأنه حصل له رفع؟ لأنه صار مختص بالمرأة، وخرجَ الرجلُ هذا للتخصيص، لماذا لم نقل أنه تعريف؟ نقول: لأن "امرأة" هذا فيه إبهام إطلاق، مَن هي المرأة هذه؟ غلامُ امرأةٍ: هند، فاطمة، عائشة؟ يحتمل هذا وذاك. إذن فيه إبهام، وإنما حصلَ تقليلُ الاشتراك لأنه كان في جملةِ أفرادِ الذكور والنساء، فلما أخرجتَ جملةَ الذكور بقي جملةُ النساء إذا لم يحصل له التعريف. اخْصُصْ: هذا أمر، والأمرُ يقتضي الوجوب، إن أُضِيف إلى نكرة، وفُهِم ذلك من ذكرِ المعرفة في المقابل؛ لأنه قال: وَاخْصُصْ أَوَّلاَ .. بالَّذي تَلاَ: ما قالَ إذا أضفتَه لنكرة، مَن أين أخذناه؟ أوْ أعْطِهِ التَّعْرِيفَ: لما قال التعريف، حينئذٍ علِمنا أنه أُضيف الثاني إلى المعرفة فاكتسبَ منه التعريف، وليس ثَم ما يقابل المعرفة إلا النكرة، هذا كقوله هناك: مَوْصُولُ الاَسْمَاءِ الَّذِي الأَُنْثى الَّتي، قلنا: الذي للمفرد المذكر، مِن أينَ أخذناه؟ لأنه قال: الأَُنْثى الَّتي، فبالمقابل، هنا قال: أوْ أعْطِهِ التَّعْرِيفَ، التعريف إنما يكتسب بالتعريف، إذن: إذا أضفته إلى معرفة. مقابل المعرفة هو النكرة. حينئذٍ بالمقابل. وَاخْصُصْ أوَّلاَمن المتضايفين بالَّذي تَلاَ: يعني: بالمضاف إليه؛ بالذي تلاه. إن أُضيف إلى نكرة، وفُهِم ذلك من ذكر المعرفة في قسيمه، وهو قوله: أوْ أعْطِهِ التَّعْرِيفَ، أعطه فعل أمر، أنت فاعل، والهاء مفعول به.

متى يكون المفعول الأول هو المُقدَّم وهو المرجَّح؟ إذا كان فاعلاً في المعنى، هنا مَن الفاعل؟ أعطه أنت؛ المتكلم، التعريفَ، التعريفَ مُعطى هذا الأصل. إذن: الأول هو الضمير الهاء، والثاني هو التعريف؛ لأنّ الأوّل هو فاعلٌ في المعنى، وهو الأولى أن يكونَ مفعولاً أول، إذن: أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ، التعريف هذا مفعول ثاني لأعطِ؛ لأنه يتعدّى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر. قال الشارح: إذا أُرِيد إضافة اسم إلى آخر حُذِفَ ما في المضاف من نونٍ تلي الإعراب وهي نونُ التثنية أو نونُ الجمع، وكذا ما أُلحِق بهما يعني: بالمثنى والجمع، فكلُّ نون سواء كانت بالمثنى الحقيقي أو الملحق أو الجمع الحقيقي أو الملحق تُحذَف. أو تنوينٍ وجُرّ المضاف إليه أبداً، مطلقاً، سواء كان الجرّ ظاهراً أو مقدراً، وسواء كان الجرُّ بحركة أصلية وهي كسرة، أو بحركة فرعية وهي المضاف إليه. فتقول: هذان غلاما زيدٍ، غلامان هذا الأصل، حُذِفت النون للإضافة، فغلاما: مضاف، وزيدٍ: مضاف إليه، غلاما مُثنى آخره نون قامت مقام التنوين وجبَ حذفها كذلك هو غيرُ محلى بـ (أل)، وزيدٍ: مضاف إليه، وهو مجرور أبداً، وغلاما: مرفوع على أنه خبر للمبتدأ هذان. واثنا زيد مثله حُذِفت النون وإن لم تكن أصلية، وهي قائمة مَقام التنوين. وهؤلاء بنُوه، وهذا صاحبُه، صاحبٌ حذف التنوين للإضافة. كذلك صاحبو زيدٍ، ضاربو زيدٍ، أهلو عمروٍ، ((إِنَّا مُهْلِكُوا)) [العنكبوت:31] إنا مهلكون .. هذا الأصل، كذلك: ((إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ)) [العنكبوت:33] أصلها منجون حُذِفت النون للإضافة، ((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ)) [يوسف:39] يا صاحبانِ هذا الأصل بالألف، واختُلِف في الجار للمضاف إليه، فقيلَ: هو مجرور بحرف مُقدَّر وهو اللام أو مِن أو في، وقيل: هو مجرور بالمضاف، وهو الصحيح مِن هذه الأقوال، لكن هذا لا يجري على كلام الزجاج، الحال هذا فيه نظر. فقيل هو مجرور بحرف مُقدَّر، القائل هو الزجاج، لكنه خصَّ المقدَّر (اللام) فقط لا يرى (مِن) ولا (في)، حينئذٍ كيف يُقال بأن الجار هو (من) أو (في)؟ (في) هذه لم يزدها إلا ابن مالك والجرجاني وابن الحاجب، ويرون أن العامل هو المضاف والتعميم هذا فيه نظر، وقيل: هو مجرور بحرف مُقدَّر هو اللام فحسب، هذا مذهب الزجاج، وأما (من) أو (في) فلا. وقيل: هو مجرور بالمضاف وهو الصحيح من هذه الأقوال. ثم الإضافة تكونُ بمعنى اللامِ عند جميع النحويين. لا، الإطلاق هذا ليسَ بصواب فيه نظر، بل ذهبَ أبو حيان أن الإضافة لا تكونُ على تقدير حرفٍ أبداً، لا مذكور ولا مَنوي مطلقاً، "غلام زيدٍ" ليس فيها حرف مَنوي. وزعم بعضهم أنها تكون أيضاً بمعنى (من) أو (في)، وهو اختيار المصنف، وإلى هذا أشارَ بقوله: وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي .. إلى آخره، لكن هذا أيضاً فيه نظر، زعَمَ بعضُهم أنها تكون أيضاً بمعنى (من) أو (في)، الجمهور على أنها بمعنى اللام أو من، جمهورُ النحاة على هذا، ونسبَه السيوطي في همع الهوامع إلى الجمهور، إذن: ليسوا بقلة القائلين على معنى (من) واللام .. ليسوا بقلة، وهو اختيارُ المصنف هنا، وإلى هذا أشارَ بقوله: وَانْوِ مِنْ أَوْ فِي ..

وضابط ذلك أنه إن لم يصلح إلا تقدير (من)، (من) قلنا: البيانية، التي لبيان الجنس .. جنس المضاف، ويصحّ على الإضافة التي على معنى (من)، إتباع المضاف إليه للمضاف بدلاً أو عطفَ بيان، ونصبُهُ على الحال أو التمييز، مثل إذا قلت: هذا خاتمُ حديدٍ، يصحّ أن تقول: هذا خاتمٌ حديدٌ، حديدٌ هذا عطف بيان أو بدل، حينئذٍ صحَّ، ويصحُّ على الإضافة التي بمعنى (مِن) إتباع المضاف إليه للمضاف بدلاً أو عطف بيان، أو نصبُه على الحال أو التمييز على السابق معنا، الذي هو: هذا خاتمٌ حديداً، سيبويه يَرى أنه نصبٌ على الحال، قلنا: الصواب أنه منصوبٌ على التمييز، لماذا؟ لأنه مُلازمٌ وليس منتقلاً، ثم صاحبُه –خاتمٌ- جامدٌ، ثم هو جامدٌ في نفسه والأصل فيه أن يكون مُشتقّاً. إذن: الصواب أنه منصوب على التمييز لا على الحال، فحينئذٍ ضابطُ ذلك أنه إذا لم يصلح إلا تقدير (من) أو (في) فالإضافة بمعنى ما تعيّنَ التقدير منهما، وإلا فالإضافة بمعنى اللام التي للملك أو الاختصاص، فيتعينُ تقديرُ (من) إن كان المضاف إليه جنساً للمضاف نحو: هذا ثوبُ خزٍ وخاتمُ حديدٍ، هذا ثوبٌ مِن خزٍ، وهذا الثوبُ خزٌ يصح، وهذا بعضُ الخزّ وخاتمٌ من حديد، ويتعينُ تقدير في إن كان المضاف إليه ظرفاً واقعاً فيه المضاف، فيجوزُ فيها نصبُ المضاف إليه على الظريفة، نحو: أعجبَني ضربُ اليومِ زيداً، ضربُ زيدٍ في اليوم، ومنه قوله تعالى: ((لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ)) [البقرة:226]، يعني: تربصٌ في أربعةٍ .. ظرف زمان: ((بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)) [سبأ:33]، يعني: مكرٌ في الليل والنهار، فإن لم يتعيّن تقديرُ (مِن) أو (في) فالإضافة بمعنى اللام، لكن هذا الحكم خاصّ بالإضافة المحضة .. هذا الصحيح، ويختصُّ التقديرُ عندَ مِن قال به بالمحضة، وقيل: في اللفظية أيضاً، لكنه ضعيف؛ لظهورها في قوله: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، ظالمُ نفسه، ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ))، قالوا: ظهرت هذا على الخطأ الذي ذكرَه أبو حيان، يعني: إذا قلت: ظالمُ نفسِه، ليسَ هو ظالمٌ لنفسه .. فرق بينهما، فإذا قيل: الإضافة اللفظية على معنى اللام؛ لأنه جاءَ مُصرّح بها: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ))، نقول: لا ليس بصحيح؛ لأن "ظالمُ نفسِه" ليست هي "ظالمٌ لنفسِه". إذن: قيلَ في اللفظية أيضاً لظهورها في قوله: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ))، ((حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)) [النساء:34]، حافظاتُ الغيبِ، ((حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)) ليسَ هما سِيّان المعنى مختلف، ((مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ)) [البقرة:89]، مُصدّقُ ما معهم فليست هي. ورُدَّ هذا القول بعدمِ اطراده إذ لا يسوغُ في الصفة المشبهة؛ لأنّ قوله: وَإِنْ يُشَابِهِ المُضَافُ يَفْعَلُ: هذا يشمَلُ الصفةَ المشبهة، ولذلك مثَّلَ لهما ابن مالك بمثالين: عظيمُ الأمَلِ قَلِيلُ الْحِيَلِ، وقيل: مُرَوَّعُ الْقَلْبِ كذلك هو صفة مشبهة.

إذن: لابدّ أن الحكمَ يشمَلُ الصفة المشبهة، وهذه لم تطرد معها، وإنما سُمِع في: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، ((مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ)) [البقرة:89] هذا اسم فاعل، حينئذٍ يُرَدُّ من جهتين، أولاً: عدمُ اطراد ظهور هذه اللام مع الصفة المشبهة. ثانياً: أن " ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ " ليست هي "ظالمُ نفسه" فرقٌ بينَهما، وأشارَ بقوله: وَاخْصُصْ أَوَّلاَ: إلى أن الإضافة على قسمين محضة وغير محضة، فالمحضة غيرُ إضافة الوصف المشابه للفعل المضاف إلى معموله، يعني: أن لا تُعرَف إلا إذا عُرِفت الإضافة اللفظية، وهذه التي عناها بالأبيات الآتية. وغيرُ المحضة .. التي هي اللفظية إضافةُ الوصفِ المذكور كما سنذكرُهُ بعدُ، وهذه لا تُفيدُ الاسمَ الأول تخصيصاً ولا تعريفاً على ما سيأتي. أما الإضافة المعنوية، فهذه تُفِيد تعريفاً إن أُضِيف إلى معرفة، وتُفِيد تخصيصاً إن أُضِيف المضاف إلى نكرة، هل يُضاف المعرفة؟ الجواب: لا. إذن: لا يكون المضاف معرفة البتة في الإضافة المحضة. ومما لا يتعرّفُ بالإضافة .. لو أُضيف شيئان، يُستثنى من الإضافة شيئان: الأول: ما وقَعَ موقعَ نكرةٍ لا تقبلُ التعريف، هذا لا يتعرّفُ بالإضافة، مثل: ربَّ رجلٍ وأخيه، أخيه: هذا هل هو معرفة أو نكرة؟ أولاً: هل هو إضافة محضة؟ محضة ليست لفظية، ليس المضاف وصفاً، ليسَ اسم فاعل ولا اسم مفعول ولا صفة مشبهة، و (أخيه) هل هو معرفة أو نكرة؟ نكرة ليس بمعرفة، لماذا؟ لأنه وقعَ في موقعٍ لا يقبلُ التعريف البتة؛ لأننا لو اعتقدنا أنه معرفة، لكان العامل في السابق المعطوف عليه هو العامل فيه وهو رُبّ، ورُبّ لا تدخلُ على معرفة. إذن: رُبّ رجلٍ وأخيه، نقول: أخيه هنا لم يَكتسِبْ التعريفَ بإضافة إلى المعرفة، ولذلك هو في قوّة: وأخٍ له، ربّ رجلٍ وأخٍ له، إذن: لا يكتسبُ التعريف؛ لأنه وقعَ موقعَ نكرةٍ لا تقبل التعريف، نحو: رُبّ رجلٍ وأخيه، وكم ناقةٍ وفصيلِها، فصيلها مُضاف إلى الضمير، هل اكتسبَ التعريف؟ الجواب: لا؛ لأنه معطوف على ناقةٍ، وناقة مدخولُ (كم)، وهي على معنى (مِن) التي لبيان الجنس: وفعل ذلك جهدهُ وطاقتهُ هذا حال؛ لأن رُبّ وكم لا يجرّان المعارف، والحال لا يكون معرفة. إذن: جُهدَهُ وطاقتَهُ، طاقتَه: هذا مضاف إلى الضمير معطوف (على جهدَه)، "فعلَ ذلك جُهده أو جَهده" يجوز الوجهان، جَهدَه مثل وَحدَه حال، وطاقتَه معطوفٌ على (جهده) .. على الحال، حينئذٍ نقول: وطاقتَه مُضاف إلى الضمير؛ ولم يكتسب التعريف لأنه معطوف على واجبِ التنكير، مثل المعطوف على مدخول (رُبّ)، والحال لا يكونُ معرفة.

الثاني مما لا يتعرّفُ بالإضافة: ما لا يقبلُ التعريف لشدّة إبهامه، هذه جعلها ابنُ هشام في الأوضح قسماً مُستقلاً، والصوابُ أنها داخلة في المحضة، لكنها لا تفيدُ تعريفاً. لشدّة إبهام كـ (مثل وغير وشبه)، نقول: هذه لو أُضيفت لا تَكتسِبُ التعريف، لكنه يُفيد تخصيصَ المضاف دونَ تعريفه، وضابطُها أن يكونَ المضاف مُتوغِّلاً في الإبهام، ولذلك صحَّ وصفُ النكرة بها، "مررتُ برجلٍ غيِرك"، غيرِ: هذا الرجل الذي كلّمتَه العالمُ كلُّه يدخلُ فيه، كلُّ رجالِ العالم، صارَ نكرة؛ لأنه غيرُ مُعرَّف، "مررتُ برجلٍ مثلِك"، مثلك: مَن هو؟ كلّ غير الرجلِ هذا يصدُقُ على أنه مثلٌ، كلّ العالم، "مررتُ برجل غيرك"، مَن هو المغاير لزيد؟ المِثل الذي يصدق على رجل؟ كل العالم، نقول: هذا لا يكتسِبُ التعريفَ، لكنه اكتسَبَ تخصيصاً. والمحضة ليست كذلك وتُفِيدُ الاسم الأول تخصيصاً إن كان المضاف إليه نكرة، نحو: "هذا غلامُ امرأة"، وتعريفاً إن كان المضاف إليه معرفة نحو: "هذا غلام زيدٍ". والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

71

عناصر الدرس * فائدة: الفرق بين الإضافة المعنوية واللفظية * الإضافة اللفظية وفائدتها * من أحكام الإضافة اللفظية عدم اقتران (ال) بها إلا بشروط. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ كَرُبَّ رَاجِينَا عَظِيمِ الأَمَلِ ... مُرَوَّعِ الْقَلْبِ قَلِيلِ الْحِيَلِ وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ ... وَتِلْكَ مَحْضَةٌ وَمَعْنَوِيَّةْ هذا شروعٌ من الناظم رحمه الله تعالى في بيانِ النوع الثاني من نوعي الإضافة، وسبقَ أن الإضافةَ على نوعين: إضافة محضة وإضافة غير محضة، الأولى تُسمّى معنوية .. التي هي المحضة، وغير المحضة تُسمّى لفظية، فعرفنا أن الإضافةَ المحضة هي التي تُفيدُ تعريفاً أو تخصيصاً، بمعنى: أن المضاف يكتسِبُ التعريف أو التخصيص من المضاف إليه، فحينئذٍ استفادَ منه تعريفاً، واستفاد منه تخصيصاً، والفرقُ بين التعريف والتخصيص: أن التعريف فيه رفعٌ للاشتراك بالكلية، والتخصيص فيه تقليلٌ للاشتراك دون رفعه بالكلية، وذلك فيما إذا أُضيف إلى النكرة. هنا قال: وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً: وإن: هذا حرفُ شرط، ويُشابه: هذا فعلُ الشرط. يُشَابِهِ الْمُضَافُ: حرَّكَه من أجل التقاء الساكنين، وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ: الذي هو الاسم الأول، هنا فاعل، يَفْعَلُ: هذا مفعول به قُصِد لفظه، وَصْفاً: هذا حال من الفاعل الذي هو المضاف. وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ: هنا كنَّى بـ (يَفْعَلُ) عن الفعل المضارع، يعني: عن مُطلق الفعل المضارع، هذا كناية (يَفْعَلُ)، ولم يقل المضارع، ولم يقل: يفعِل أو يفعُل، وإنما ذكر: يَفْعَلُ كناية عن الفعل المضارع في كونه مراداً به الحال أو الاستقبال، وخرجَ به يعني: مِن إطلاق يَفْعَلُ هنا مراداً به المضارع، خرجَ به المصدر واسم المصدر وأفعل التفضيل كما سيأتي. إذن: يَفْعَلُ وجهُ المشابهة .. مشابهةُ المضاف الذي هو الوصف .. اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة للمضارع، هذا سبقَ في بيان علّة إعراب الفعل المضارع، ما هي العلة؟ قال: لأنه أشبهَ الفعلُ المضارع الاسمَ، والمرادُ بالاسم هنا اسمُ الفاعل، في ماذا؟ حركاته وسكناته وهذا أهم شيء؛ لأنه من جهة اللفظ وفيه؟ لا؛ ليست هذه. هذه علّة ابن مالك رحمه الله تعالى، وإنما الجمهور على أنه لامُ الابتداء والإبهام والتخصيص، دخول لام الابتداء، جريانه على حركات اسم الفاعل وسكناته، هذه أربعة، وردها ابن مالك، هنا ذكرنا علة ابن مالك ولعلنا لم نذكر هذه. حينئذٍ نقول: وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ: يعني: إذا أشبهَ المضافُ وهو الوصف، المراد به اسم الفاعل، واسم المفعول وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة دون المصدر واسم المصدر واسم التفضيل. وَصْفاً: بمعنى الحال أو الاستقبال، هنا قال: وَصْفاً هذه حالٌ لازمة من المضاف.

وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ: حال كونه وصفاً، هذه حالٌ لازمة؛ لأن المضاف لا يُشابه يفعَلُ إلا إذا كان وصفاً، والمراد وصفاً ولو بالتأويل، كضربِ زيدٍ أي: مضروبِ زيد، حينئذٍ المصدر إذا أُخرجَ بقولنا: يفعلُ هو المصدر المجرد الذي لم يقصد به اسم المفعول، وأما إذا قُصد به اسم المفعول حينئذٍ صار وصفاً بالتأويل فهو مراد. إذن: (ضرب زيدٍ) إذا أُريد به مضروب زيد حينئذٍ صارت الإضافة لفظية، وإذا لم يُؤوّل بمضروب زيد حينئذٍ صارت الإضافة محضة يعني: معنوية. وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ وَصْفاً: بمعنى الحال أو الاستقبال. فَعَنْ تَنكيرِهِ لا يُعْزَلُ: لا يُعزَل عن تنكيره، بمعنى أنه يبقى على أصله وهو أنه نكرة، ثم إذا أُضيف إلى معرفة أو إلى نكرة لا يستفيد منها تخصيصا ولا تعريفا، وهذا هو الفارق الجوهري بين النوعين. في الإضافة الأولى قال: وَاخْصُصْ أَوَّلاَ ... أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلاَ: هنا قال: فَعَنْ تَنكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ. إذن: هو نكرةٌ قبل الإضافة، ثم إذا أُضيف .. وهو يُضاف إلى المعرفة أو يضاف إلى النكرة، حينئذٍ نقول: لا يُعزل يعني: لا يُنحّى عن تنكيره فيبقى على أصله، وهو أنه نكرة، سواء أُضيف إلى معرفة أو أُضيف إلى نكرة. فَعَنْ تَنكِيرِهِ: الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، فلا يُعزل، يقال: عزَلَه عن العمل نحّاه عنه، لا يُعزل بالإضافة؛ لأنه في قوّة المنفصل، يعني: بضمير الوصف. ومعنى البيت: أن إضافة الصفة، والمراد بها هنا في هذا الموضع اسم الفاعل، ويدخل تحتَها أمثلة المبالغة والصفة المشبهة واسم المفعول فقط، إذا كان المضاف واحداً من هذه الأربعة وأُريد به الحال أو الاستقبال، حينئذٍ نقول: الإضافة لفظية، لا تُفيد المضاف تعريفاً ولا تخصيصاً، بمعنى أنه إذا أُضيف إلى النكرة لم يستفد التخصيص، كما هو الشأن في الإضافة المعنوية، وإذا أُضيف إلى المعرفة كذلك لا يستفيد تعريفاً كما هو الشأن في الإضافة المعنوية، ما الفائدة منها إذن؟ نقول: الفائدة منها: تخفيفُ اللفظ بحذف التنوين أو النون من المضاف؛ لأن الأصل: ضارب هذا، أنا ضاربٌ زيداً، ضاربٌ هذا تنوين وفيه ضمير الذي هو الفاعل، وزيداً هذا مفعول به للوصف، حينئذٍ نقول: أنا ضاربٌ زيداً، خفِّفهُ .. احذِف التنوين وأضفْ (ضارب) إلى (زيد)، يعني: أضفت العامل إلى معموله، فتقول: أنا ضارب زيدٍ، أنا: مبتدأ، وضاربُ: خبر، وهو مضاف وزيدٍ مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. أيهما أخفُّ في اللسان: ضاربٌ زيداً أو ضاربُ زيدٍ؟ لا شك الثاني أخفّ في اللسان، كذلك (جاء الضاربان الرجل)، فتقول: جاء الضاربا الرجل، حذفتَ النونَ فصار فيه نوعُ تخفيف كما هو الشأن في الأول، وأما من جهة المعنى فلا تُفيد هذه الإضافة لا تعريفاً ولا تخصيصاً، وإنما الفائدة منها فقط .. في باب اسم الفاعل دون الصفة المشبهة الفائدة منها التخفيف فحسب، وأما في باب الصفة المشبهة، فالمراد بها رفع القبح، وهذا يأتي شرحه في الصفة المشبهة. إذن: معنى البيت: وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ لا يُعْزَلُ

أنَّ إضافة الصفة وهي اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة إلى معمولها، هذا قيد لا بد أن يكون المضاف إليه معمولاً للمضاف، بمعنى أنه يكون عاملاً، لا بد أن ينظر هنا في كل باب ما هي شروط إعمال اسم الفاعل، وما هي شروط إعمال الصفة المشبهة، وما هي شروط إعمال اسم المفعول، وأمثلة المبالغة .. ؟ إن وجدت بشروطها حينئذٍ نقول: من إضافة العامل إلى معموله، فإن لم يكن حينئذٍ نقول: ليس من إضافة العامل إلى المعمول، ولذلك لو قال: أنا ضاربُ زيدٍ أمس، ما نوع الإضافة هنا؟ هذه إضافة معنوية محضة ليست إضافة لفظية، لماذا؟ لأن ضارب زيدٍ في هذا التركيب لا يعمل؛ لأنّ اسم الفاعل من شرطِ إعماله أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، فإذا كان بمعنى الماضي فإنه لا يعمل. إذن: إذا لم يكن عاملاً فأضفتَه، حينئذٍ تكون الإضافةُ معنوية على الأصل. إذن: أنا ضاربُ زيدٍ أمسِ الإضافة معنوية، أنا ضاربُ زيدٍ الآن إضافة لفظية، اسم الفاعل لا يعمل إلا بمعنى الحال أو الاستقبال؛ لأنه كالفعل المضارع، حينئذٍ إذا كان بمعنى الماضي .. يعني في الزمن الماضي، وذلك إذا قُيّد بقيد مثل أمس، حينئذٍ نقول: إذا أضفتَه فإضافته معنوية، فتقول: أنا ضاربُ زيدٍ أمس، تقول: هذا ليس من إضافة العامل إلى معموله؛ لأنك لو قلتَ: أنا ضاربٌ زيداً أمسِ لم يصح .. لا يصح هذا، وإنما الذي يصح معك أن تقول: أنا ضربٌ زيداً الآن أو غداً. إذن: نقول: إضافةُ الصفة على ما ذكرناه من الأربع إلى معمولها المرفوع بها في المعنى أو المنصوب؛ لأن الصفة المشبهة أو اسم المفعول لا ينصب، وإنما يرفع، مُرَوَّعِ الْقَلْبِ هنا أُضيف إلى مرفوعه؛ لأنها في تقدير الانفصال، كيفَ في تقدير الانفصال؟ لأن الأصل هنا .. ضاربٌ زيداً، أنا ضاربٌ زيداً الآن، فلما أضفتَ الأول العامل إلى معموله المنصوب قلت: أنا ضاربُ زيدٍ، هذا من إضافة العامل إلى مفعوله، وسبقَ أن المفعول لا يكون مُتصلاً بعامله، الرتبة لا تكون تالية لعامله، وإنما ينفصل عن عامله بالفاعل.

إذن: أنا ضاربُ زيدٍ الآن، ضاربُ زيدٍ هذا ثلاث كلمات: ضارب وهي العامل، والضمير المستتر .. ضمير الوصف، وزيدٍ هذا مفعول به، حينئذٍ إضافتُك (ضارب) إلى (زيد) قُصِد بها التخفيف، وأما في المعنى فالاتصال لفظي بين المضاف والمضاف إليه، وأما في الحقيقة وفي المعنى فليس بينهما اتصال، ولذلك عندَ النحاة أن هذه الإضافة على نيّة الانفصال، يعني: انفصال المضاف عن المضاف إليه بالضمير المستتر، والضمير المستتر هو فاعل، حينئذٍ: أنا ضاربُ زيدٍ نقول: هذه ثلاث كلمات، في اللفظ هما كلمتان، وأما في المعنى والحقيقة، فـ (زيدٍ) هذا مُنفصِل عن ضارب بالفاعل؛ لأنه مفعول به، والمفعول لا يتصل بعامله، وإنما الذي يتصل بالعامل هو الفاعل، والأصل: أنا ضاربٌ زيداً هذا الأصل فيه، رتبة العامل ضاربٌ، ثم الفاعل وهو ضمير مستتر، ثم زيداً، أردتَ التخفيفَ في اللفظ فأضفتَ العامل إلى معموله الملفوظ به، فقلت: (أنا ضاربُ زيدٍ) ويبقى الفاعل كما هو، إذن: زيدٌ مفصول عن ضارب في الحقيقة، ولذلك قالَ النحاة: إنها في تقدير الانفصال، فليست مُتصلة في الحقيقة، ولذلك لما لم تُفِد هذه الإضافة تعريفاً ولا تنكيراً إذا أُضيفت إلى المعرفة يوصف بها النكرة، ولذلك جاء في قوله تعالى: ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]، بالغ: اسم فاعل، والكعبة: مفعول به، بالغاً الكعبةَ، مثل: أنا ضاربٌ زيداً، بالغاً الكعبة. إذن: بالغاً هذا في الأصل وَصلٌ، فلما أُضيف إضافة لفظية إلى ما بعدَه، وهو المفعول وهو الكعبة، حينئذٍ لم يكتسب المضاف من لفظ الكعبة التعريف، وإن كان هو في اللفظ نكرة، بالغ: نكرة، والكعبة هذا علم، حينئذٍ أُضيف إلى علم، والأصل فيه أنه يكتسب التعريف، لكن لم يكتسب التعريف، لماذا؟ لأن الإضافة هنا على نيّة الانفصال، فهو في الحقيقة لم يُضَف إليه؛ لأنه مُنفصِل عنه بالفاعل، فلذلك صحَّ أن يُوصَف به بالنكرة، هدياً: هذا نكرة، قال: ((بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]، وجاء: ((ثَانِيَ عِطْفِهِ)) [الحج:9]، ثاني: اسم فاعل، مضاف إلى عطفه، منصوب على الحالية، والحال لا يكون إلا نكرة، فدلَّ على أن ((ثَانِيَ عِطْفِهِ)) [الحج:9]، عطفه هنا أُضيفَ إلى الضمير، فهو معرفة، وأما ثاني أُضيف إلى معرفة، لكنه لم يَكتسب التعريف، ولذلك قالَ النحاة: ولذلك وُصِف به النكرة في قوله: ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]، ووقعت حالاً، في قوله: ((ثَانِيَ عِطْفِهِ)) [الحج:9]، ودخلَ عليها ربّ، وربّ لا تدخلُ إلا على النكرات، ودلَّ على ذلك كلام الناظم .. أرادَ أن يُدلّل على أن هذه الإضافة لا تُفيدُ تعريفاً، مثل باسم فاعل، وما عُطِف عليه على أنه نَعتٌ .. مثَّلَ بدخول ربّ عليه، وربّ لا تدخل إلا على النكرة، ودخلَ عليها ربّ في قوله: يا رُبَّ غَابِطِنَا لَو كَانَ يَطْلُبُكُم غَابِطِنَا: غابِط اسم فاعل دخلت عليه رُبّ، أُضيف إلى الضمير (نا)، وهو معرفة من أعرفِ المعارف، هل اكتسبَ التعريف؟ نقول: لا، ما الدليل؟ قد يقولُ قائل: يحتمل أنه اكتسبَ التعريف، ما الدليل؟ نقول: الدليل دخولُ رب عليه، وثبتَ بالاستقراء أن رُبّ لا تدخل إلا على النكرة.

فَكُلُّ ما رُبَّ عَلَيهِ تَدخُلُ ... فَإِنهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ فإنه نكرة يا رجل، ولذلك قال الناظم هنا: كَرُبَّ رَاجِينَا: راجينا .. رُبّ، كقولك رُبّ، رُبّ راجينا، راجي: اسم فاعل، أُضيف إلى (نا)، هل اكتسبَ التعريف؟ نقول: لا، هذا اسم فاعل يُشبه المضارع في اللفظ والمعنى، راجينا، إذن: هو نكرة. عَظِيمِ الأَمَلِ: عظيم فعيل، هذا صفة مشبهة، والصفة المشبهة لا تكون إلا بمعنى الحال، بخلاف اسم الفاعل واسم المفعول، فإنهما يكونان بمعنى الحال أو الاستقبال أو المضي، وأما الصفة المشبهة لا تكون إلا بمعنى الحال، وهي تشبهُ المضارع، لكن لا مُباشرة، وإنما بواسطة شَبهِها لاسم الفاعل، هي محمولة ولذلك نقول: الصفة المشبهة، مُشبّهة بماذا؟ هذا الكلام فيه اختصار للعنوان، الصفة المشبهة باسم الفاعل، إذن: هي أشبهت المضارع بشبهها باسم الفاعل الشبيه بالمضارع، إذن: بينهما واسطة، الصفة المشبهة حُملت على المضارع بواسطة اسم الفاعل، ولذلك نقول: الصفة المشبهة باسم الفاعل. عَظِيمِ الأَمَلِ: عظيم هذا نعت، لراجينا، ونعت نكرة .. نعت نكرة في هذا المثال نريدُ أن نَستدلّ قال: فَعَنْ تَنكِيرِهِ لا يُعْزَلُ، وأتى بالأمثلة .. البيت كلّه مثال، حينئذٍ نقول: راجينا، ثبتَ أنه نكرة بدخول رُبّ عليه. عَظِيمِ الأَمَلِ: حينئذٍ نقول: هذا من إضافة الصفة المشبهة إلى معموله، هل هو معرفة؟ الجواب: لا، لماذا؟ لكونه وصفاً لراجينا، وشرطُ الوصفِ اتحادُهُ مع الموصوف تعريفاً وتنكيراً، فلما كان راجينا نكرة لزِمَ أن يكونَ عظيم الأمل نكرة مثله. مُرَوَّعِ الْقَلْبِ: اسمُ مفعول .. مُروَّع هذا نعت لراجينا، ونعت النكرة نكرة، مُرَوَّعِ اسم مفعول أشبه المضارع معنًى دائماً ولفظاً أحياناً، اسم المفعول ليس دائماً يُشبه المضارع في اللفظ، وإنما في المعنى دائماً؛ لأنه يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، وهذا معنى المضارع، وأما في اللفظ لا، بل أحياناً يشبهه، وفي أحايين لا يشبهه، بخلاف اسم الفاعل. قَلِيلِ الْحِيَلِ: قليل هذا صفة مُشبّهة تمّمَ بها البيت، وهو كذلك صفة لراجينا؛ كل هذه أوصاف: عَظِيمِ الأَمَلِ هذا نعتٌ لراجينا، ومُرَوَّعِ الْقَلْبِ نعت لراجينا، قَلِيلِ الْحِيَلِ نعت لراجينا. إذن: هذه الإضافة لم تُفِد المضاف تعريفاً، بل بقي على أصله، وهو التنكير. وأما التخصيص، هل استفادَ تخصيصاً بعد إضافته؟ نقول: لا، لماذا لم يَستفد تخصيصاً؟ من يستنبط العلة؟ .. لماذا لم يَستفد تخصيصاً؟ نقول: لأن الشرط هنا أن يُضاف وهو عامل إلى معموله، والعامل مع معموله المعمول يخصّص العامل، فإذا قلت: أنا ضاربٌ زيداً، ضاربٌ هل هو مُطلَق أو مخصّص؟ ضاربٌ زيداً بالتنوين؟ مخصّص، بماذا؟ زيد، إذا قلت: أنا ضاربُ زيدٍ، هل فيه تخصيص جديد؟ لا، لم يستفد تخصيصاً، وإنما التخصيصُ قبل إضافته فهو واقع عليه، والمخصَّص لا يُخصَّص، كما أن المعرَّف لا يُعرَّف، ولذلك قال هنا:

فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ: يعني: لا يكتسبُ التعريف، بقي حالة واحدة وهي التخصيص، نقول: هذه لا يستفيدها بعد الإضافة لماذا؟ لأنه مخصّص؛ لأنا نشترِطُ في المضاف هنا أن يكون عاملاً، وإذا كان عاملاً صارَ مخصّصاً؛ لأن كل معمول هو مُقيّدٍ لعامله مخصّصٌ له كل معمول، سواء كان في باب الأفعال أو غيرها، حينئذٍ نقول: (أنا ضاربٌ زيداً) هذا مخصص، مخصص بماذا؟ لأنكَ ما قلت: أنا ضاربٌ، لو قلت: أنا ضاربٌ هذا مُطلَق، لكن الكلام لا يتم، لأن هذا يعملُ عملَ فعله فلا بد له من مفعول به، وزيداً هذا مفعول به، فهو مخصّص به، فإذا أضفتَه قلت: أنا ضاربُ زيدٍ لم يأتِ شيءٌ جديد، بل التخصيص الذي قبلَ الإضافة، وهو كونه ضارباً لزيد هو التخصيص بعد الإضافة وهو كونه ضارباً لزيد. إذن: المضروب هو هو، والضارب هو هو، لم نستفد أيّ تخصيص بعد الإضافة. وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً، لابد أن نقيّدَه وصفاً بمعنى الحال أو الاستقبال؛ لأنه إذا كان وصف اسم فاعل أو اسم مفعول بمعنى المضي، حينئذٍ لم يخرج عن الإضافة المحضة المعنوية، بل هو داخل فيها. وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ: أشارَ بإضافة التنكير إلى ضميرِ المضاف إلى أن تنكيره حال الإضافة هو الذي كان قبلَها، أنا ضاربٌ .. ضاربُ زيدٍ، فَعَنْ تَنكِيرِهِ، يعني: تنكير المضاف، إذن: هو قبل الإضافة مُنكّر .. نكرة، وبعد الإضافة نكرة، فدلَّ على أن الأصل وهو التنكير يبقى بعد الإضافة، والأصل بقاء ما كانَ على ما كان هذا الأصل فيه، حتى يثبتَ ما يرفعُه. إلا أن تنكيره حال الإضافة هو الذي كان قبلها، فأفادَ أن إضافته لا تُفيدُه التخصيص كما لا تُفيدُه التعريف؛ لا تُفيدُه التعريفَ لما ذكرناه؛ ولا تُفيده التخصيصَ لأنه مخصَّص قبلَ الإضافة، والمخصّص لا يُخصّص، وسواء أُضيف إلى المعرفة أو أُضيف إلى النكرة فهو نكرة، وهل الإضافة هذه على معنى حرف؟ كما ذكرنا أنها ليست على معنى حرفٍ هذا هو الصحيح، والجماهير على هذا، وقيل في اللفظية كذلك؛ لأنها ظهرت في بعض المواضع: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35] ظالم نفسَه، قلنا: أن هذه ليست بمعنى واحد، يعني: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35] ظالم نفسَه، هذه إذا لاحظنا اللام: ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، وأنها أفادت توكيداً وحينئذٍ فرقٌ بينَ الجملتين بينَ الكلمتين، ظالمُ نفسِه بدون اللام أقلّ شأناً من جهة التأكيد من ظالم لنفسِه، وتلك فيها نوعُ تأكيد، لماذا؟ لأن الأصل ظالمٌ نفسَه. وذكرنا أن العمل إذا كان فرعياً في العامل حينئذٍ يُستحسَن أن يُؤتى بلام، ماذا نسميها؟ وزِيدَ .. وزِيدَ يعني اللام، متى؟ إذا تقدّمَ المعمول على عامله، وإذا كان العاملُ فرعاً كاسم الفاعل: ((مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)) [البقرة:97]، ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107]، ((ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) [الكهف:35]، فإذا أُضيف حُذِفت اللام، ولا شك أن الثاني أقل تأكيداً من الأول. وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنكِيرِهِ لاَ يُعْزَلُ كَرُبَّ رَاجِينَا عَظِيمِ الأَمَلِ ... مُرَوَّعِ الْقَلْبِ قَلِيلِ الْحِيَلِ

وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ: ذي مُشار بها إلى أقرب مذكور، ذي إشارة إلى أقرب القسمين، وهي الإضافة غير المحضة، ذِي: مبتدأ، والإِضَافَةُ: صفة أو عطف بيان، اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ، اسْمُهَا مبتدأ ثاني، ولَفْظِيَّهْ: خبر الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. وَذِي الإِضَافَةُ: السابقة الأخيرة؛ آخر القسمين لأنّ اسمَ الإشارة يرجعُ إلى أقرب مذكور كالضمير، مثل الضمير يُعامل مُعاملة الضمير، لا بدَّ له من مَرجع أولاً يفسِّره، ولا بد من أن يكون المرجع على الأصل أقرب مذكور. وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ: اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ؛ لأن مردَّها إلى اللفظ فحسب، فيها تخفيف وهو حذفُ التنوين أو النون، وغير محضة، يعني: تُسمّى غير محضة، يعني: غير خالصة، مقابلة للمحضة وهي الخالصة، خالصة من نيّة الانفصال، وغير خالصة من نية الانفصال، غير خالصة، من أي شيء؟ غير خالصة من نيّة الانفصال، ينعي: نيّة التقدير بأن ثَم فاصلاً بين المضاف والمضاف إليه؛ لأن المضاف إليه يكون مفعولاً به في الغالب، وغير محضة ومجازية، يُسمّيها البعضُ إضافة مجازية؛ لأن فائدتها راجعة إلى اللفظ فقط، بتخفيف .. إما بالتخفيف يعني إما بحذف النون أو بحذف التنوين، أو تحسينٍ .. تحسين قبحٍ وهذا يكون في الصفة المشبه كما سيأتي في محله؛ لأن الكلام فيها طويل، وهي في تقدير الانفصال. وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ ... وَتِلْكَ .. وَاخْصُصْ أَوَّلاَ ... أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ بِالَّذِي تَلاَ: هذه الإضافة الثانية وَتِلْكَ الإضافة الأولى أشارَ إليها باللام، تلك والكاف، وتلك: هذا مُبتدأ، محضة: هذا خبر، محضة: يعني خالصة، خالصة من نيّة الانفصال، ومعنوية؛ لأننا استفدنا منها أمراً زائداً على مجرد اللفظ وهو المعنى، تلك لفظية لا علاقة لها بالمعنى، وهذه معنوية لها أصل وجوهر في المعنى. وَتِلْكَ مَحْضَةٌ: أي: الإضافة المغايرة لإضافة الوصف إلى معموله، محضة أي: خالصة، ومعنوية، وتُسمّى حقيقية كذلك عندَ بعض النحاة؛ لأنها خالصة من تقدير الانفصال، وعرفنا المراد بتقدير الانفصال، وفائدتها راجعة إلى المعنى، كما أنها إلى اللفظ تُفيدُ تخفيفاً لا شكّ بحذف النون أو التنوين، هذه فائدة لفظية مُشترَكة بين الإضافتين، وإنما انفردَت المعنوية بزيادة على اللفظية، وأما التخفيفُ اللفظي فهو حاصل بالنوعين؛ لأن غلامُ زيدٍ حُذِف منه التنوين، كما حُذف من ضاربُ زيدٍ، وكذلك غلاما زيدٍ، كما هو الشأن في الضاربا الرجل مثلاً، حُذِفت النون منهما فالحكمُ واحد من جهة التخفيف اللفظي، وأما المعنوي فهذه فائدتُها راجعة إلى المعنى؛ وذلك هو الغرض الأصلي من الإضافة. وَذِي الإِضَافَةُ اسْمُهَا لَفْظِيَّهْ ... وَتِلْكَ مَحْضَةٌ وَمَعْنَوِيَّةْ

قال الشارح: هذا هو القسمُ الثاني من قسمي الإضافة، الذي هو إضافةُ الوصف إلى معموله، وهي غير المحضة، وضبَطَها المصنف بما إذا كان المضافُ وصفاً يُشبِه (يفعل)، أي: الفعل المضارع، وهو كلُّ اسم فاعل أو اسم مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال، هذا قيدٌ فيه؛ لأنه لا يكون عاملاً، إلا بهذا المعنى، حينئذٍ ليسَ كلّ ما جاءَ معك اسم فاعل تقول: هذا إضافة لفظية، ليسَ كل ما رأيتَ اسم فاعل أو اسم مفعول قلت: هذه إضافة لفظية، لا، إنما تنظر هذا اسم فاعل، هل هو عامل أم لا، هل وُجِد فيه قيدُ العمل أم لا؟ فنرجِع إلى باب الفاعل لنعرف شروطُ إعمال اسم الفاعل، فإن وجدتَ شروط إعمال اسم الفاعل، حينئذٍ نقولُ: هذه الإضافة لفظية، فإن انتفت أو انتفى بعضها حينئذٍ نقول: هذه الإضافة محضة معنوية، أفادت تعريفاً أو تخصيصاً .. فانتبه. كلُّ اسمِ فاعل أو مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كانَ اسم الفاعل أو اسم المفعول لا بمعنى الحال أو الاستقبال فالإضافة معنوية، هذا له مفهوم لا بمعنى الماضي أو مُطلَق الزمن، فإن إضافته محضة؛ لأنها ليست في تقدير الانفصال؛ لأنه لم يعمل، لم يرفع فاعلاً حتى نقول: الكلام مُنفصل بينَ المضاف والمضاف إليه، لا، وإنما هي مثل: غلامُ زيد، فلا فرقَ بينَهما. إذن: لا انفصال بينهما. أو صفةٍ مشبهة، ولا تكون إلا بمعنى الحال، وفي معنى اسم الفاعل ما يشملُ صيغة المبالغة، ولذلك سيذكرُها الناظم في باب اسم الفاعل؛ لأنها مبالغة في اسم الفاعل نفسه. فمثالُ اسم الفاعل: هذا ضاربُ زيدٍ الآنَ أو غداً، ضاربُ زيدٍ الآنَ، إذن: بمعنى الحال، أو غداً: ليسَ في وقت واحد، وإنمّا إمَّا هذا المثال أو ذاك، قيّده بهذا أو بذاك، هذا ضاربُ زيدٍ الآن، فضاربُ نقول: هذا عامِل، زيدٍ هذا معمول له، وهو مفعول به، حينئذٍ صارَ من إضافة العامل إلى معموله، وأما إذا قلتَ: (هذا ضاربُ زيدٍ أمسِ) فليسَ من إضافة العامل إلى معموله، بل مثل إضافة غلام إلى زيد. ومثال اسم المفعول: هذا مضروبُ الأبِ، وهذا مُروَّع القلب، واسم المفعول إذا أُضيف إلى نائبه، قيلَ: يجري مجرى الصفة المشبهة، سيأتينا أنّ ثَم تداخلا بين اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، قد يكونُ اسم الفاعل على وزنِ فاعل ويُراد به الثبوت، حينئذٍ يكون صفةً مُشبّهة .. يأتي في محلّه. ومثال الصفة المشبهة: هذا حسنُ الوجه، وقليلُ الحيل، وعظيمُ الأمل، لم يُقيّدها بالحال؛ لأنها لا تكون إلا للحال.

فإن كان المضاف غيرَ وصف أو وصفاً غير عامل فالإضافة محضة، كالمصدر، وهذا المصدر فيه خلاف، هل إضافته إضافة محضة أو لفظية؟ فيه خلاف، ذهبَ ابنُ برهان وغيره إلى أن إضافة المصدر إلى مرفوعه أو منصوبه غيرُ محضة، بمعنى أنها لفظية، مثل إضافة العامل إلى معموله، والصحيح أنها محضة، إلا إذا أُريدَ بالمصدر تأويلاًَ اسم مفعول، ضربُ زيدٍ أي: مَضروبُ زيدٍ، إذا أوّلناهُ حينئذٍ صارَ وصفاً بالتأويل، فيكون مِن إضافة العامل إلى معموله، إذا لم نقصد إلا المصدر .. عين المصدر نفسِه دون تأويل، حينئذٍ ابنُ برهان ذهبَ إلى أن الإضافة غير محضة، والصحيح أنها محضة لورودِ السماع بنعته بالمعرفة، نُعِت بالمعرفة وهو نكرة، فحينئذٍ إذا نُعِت بالمعرفة .. وشرط النعت أن يكون مطابقاً لمنعوته تعريفاً وتنكيراً فإذا اختلفا حينئذٍ قلنا: هذا ليس بمعرفة، كقول القائل: (إن وَجدي بك الشديدَ)، إن وجدي: وجدي هذا مصدر، بك الشديد، هنا نُعِت بماذا؟ الشديد، لو كان وجدي مثل راجين نكرة أو معرفة؟ نكرة، وهنا قد وُصِفَ بشديد، وشرطُ الوصفِ مع موصوفه التطابق، فلما نُعِت بالشديد وهو معرفة، دلَّ على أن وَجْدي معرفة، وإذا كان معرفة حينئذٍ صارت الإضافة معنوية، معنى أن (وجد) وهو مصدر أُضيف إلى الضمير الياء فاكتسبَ التعريف، ما الدليلُ على أنه اكتسبَ التعريف؟ هنا لا يمكن الحكمُ على اللفظ في راجين ومُروّع القلب، لوحدها لا يمكن [أن] تحكم عليها، وإنما تنظرُ إلى ما قبلَها وما بعدَها، يعني: السياق يحكم، فإن نُعِتت أو وُصِفت حينئذٍ تنظرُ إلى الصفة نكرة أو معرفة، إن كان المضاف مُضافاً إلى معرفة ونُعت بنكرة عرفتَ أنه لمك يكتسِب التعريف، إذا نُعِت بمعرفة، وهو قد أُضيف إلى المعرفة حينئذٍ تقول: استفاد التعريف، لماذا؟ لأنه لو لم يُعرَّف لبقي نكرةً على أصله، وجدي: إذا قلنا [إنه] مثل راجين نكرة، حينئذٍ نقول: الشديد ليس في محلّه لابد أن نقول: شديداً بالتنكير يطابق المنعوت. إذن: وُصِف المصدر المضاف إلى معموله بالمعرفة، فدلَّ على أنه استفادَ التعريف وهذا يدلُّ على أن الإضافة محضة. وذهبَ ابنُ السراج إلى أن إضافة أفعل التفضيل غير محضة، أفعل التفضيل ليست بمعنى اسم الفاعل، والصحيح أنها محضة، يعني: ليست لفظية، نصَّ عليه سيبويه لأنه لا يُنعت بالمعرفة، أفعل التفضيل لا يُنعت بالمعرفة، فإن كان المضاف غير وصف أو وصفاً غير عامل، فالإضافة محضة كالمصدر .. عرفنا أن الإضافة محضة: عجبتُ من ضربِ زيدٍ، نقول: استفادَ التعريف هنا؛ لأن (ضرب) نكرة و (زيد) معرفة فالإضافة معنوية، واسم الفاعل بمعنى الماضي: هذا ضاربُ زيدٍ أمس؛ فالإضافة معنوية لأن الوصف غير عامل، وأشارَ بقوله: فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لا يُعْزَلُ: إلى أن هذا القسم للإضافة أعني غير المحضة لا يُفيد تخصيصاً ولا تعريفاً، ولذلك تدخلُ عليه رُبّ، ونُعِت في قوله: ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)) [المائدة:95]، وإنما يفيدُ التخفيف، وفائدته ترجِعُ إلى اللفظ، فلذلك سُميت الإضافة لفظية.

وأما القسم الأول فيُفيدُ تخصيصاً أو تعريفاً، فلذلك سُميت الإضافة فيه معنوية وسُميت محضة أيضاً؛ لأنها خالصة من نيّة الانفصال، بخلاف غير المحضة، فإنها على تقدير الانفصال .. التنوين، تقول: (هذا ضاربُ زيدٌ الآنَ) على تقدير هذا ضاربٌ زيداً ومعناهما مُتّحد، وإنما أُضيف طلباً للخفة. إذن: الشروط أربعة في المضاف الذي تكون إضافته لفظية. الأول: أن يكون المضاف وصفاً، والمراد بالوصف واحد من أربعة أشياء: اسم الفاعل، أمثلة المبالغة، اسم المفعول، الصفة المشبهة. خرجَ به المصدر، خرجَ بهذا الشرط المصدر، فإضافته محضة، عجبتُ من ضرب زيدٍ، إلا إذا أُوِّل باسم الفاعل واسم المفعول. الثاني: أن يكون مُشبَّهاً للمضارع أو مُشبَّهاً بالمضارع أو مُشْبِهاً للمضارع قل ما شئتَ، خرجَ به اسم التفضيل فإنه لا يُشبه المضارع. الثالث: أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال. خرجَ به (ضاربُ زيدٍ أمسِ) فإنها محضة: (أنا ضاربُ زيدٍ أمسِ) هذه محضة. الرابع: أن يكون المضاف عاملاً والمضاف إليه معمولاً له. خرجَ به الوصفُ غيرُ العامل (كاتب القاضي)، (كاسب عيالٍ)، هذه إضافة نقول: معنوية، اسم الفاعل إن كان بمعنى المضي، فإن أُضيف فإنه يتعرّفُ بالإضافة، اسم الفاعل إذا كان بمعنى المضي لا بمعنى الحال أو الاستقبال، حينئذٍ إذا أُضيفَ إضافته محضة اكتسبَ التعريف إذا أُضيف إلى معرفة؛ لأنه لا يشبه الفعل الذي هو بمعناه، وإن أشبهه في المعنى لكنه لا يُشبهه لفظاً. إذن: انتفى شرطٌ من شروطه، وأما المصدر واسم التفضيل فيتعرَّفان بالإضافة لأنهما غير مُشبهين للمضارع. ثم قال: وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ ... إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ كَالْجَعْدِ الشَّعَرْ أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثَّانِي ... كَزَيْدٌ الضَّارِبُ رَأْسِ الْجَانِي وَكَوْنُهَا فِي الوَصْفِ كَافٍ إِنْ وَقَعْ ... مُثَنًّى أَوْ جَمْعَاً سَبِيلَهُ اتَّبَعْ هذا حكمٌ من أحكام الإضافة اللفظية. قال: وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ: وَوَصْل: مبتدأ، وهو مضاف، وأل: قُصِدَ لفظُه مضاف إليه، بذا: جار ومجرور مُتعلّق بوصل لأنه مَصدر، وسبقَ أن الجار والمجرور يتعلّقُ بما فيه رائحةُ الفعل .. ما أشبهَ الفعل، والمصدر منه، بذا: مُتعلّق بوصل، الْمُضَافِ: هذا كل محلى بأل بعد اسم الإشارة فهو واحد من ثلاثة أشياء: إما أن يُعرَب نعتاً، وإما أن يُعرَب بدلاً، وإما أن يُعرَب عطف بيان، واحد من ثلاثة، والنعت هذا فيه كلام.

بِذَا الْمُضَافِ: المراد به المشابه يفعل، بِذَا الْمُضَافِ الإشارة إلى أقرب مذكور، وهو: وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ: إذن: المشابه ليفعل .. فعل المضارع وهو وصفٌ بمعنى الحال أو الاستقبال، وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ، هذا إشارةٌ إلى أقرب مذكور كما ذكرنا، مضاف إضافة لفظية، مُغْتَفَرْ: يعني: أنه يُغتفَر دخولُ (أل) على المضاف المشابه يفعل، وسبق في قوله: (نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَو تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ)، أنه يجبُ أن يُزاد على ما ذكره الناظم مما يُحذَف من المضاف: (أل)، يجب حذفُ (أل والتنوين والنون)، ثلاثة أشياء يجب حذفها، فحينئذٍ إذا أُضيف المضاف وهو وصفٌ إلى المضاف إليه، قال هنا: مُغْتَفَرْ، لماذا؟ لأن الأصل في باب الإضافة من حيث هي أن تنزع (أل) من المضاف هذا الأصل، ولذلك عبّرَ هنا بالاغتفار، كأنه قال: يُسامح في هذا القسم، وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ، وصلُ مبتدأ، ومُغتفَر هذا خبره، يعني: أنه يُغتفَر دخول (أل) على المضاف، لما كانت إضافة الصفة إلى معمولها لا تفيدُ تعريفاً، بل تخفيفاً جازَ اقترانُ هذا المضاف دون غيره من المضافات أن يُوصل بأل، يعني: أن يقترنَ بأل، لماذا؟ لأن المحذور .. الموجود في الإضافة المحضة غيرُ موجود هنا، قلنا: هناك تستفيدُ تعريفاً من المضاف إليه، طيب إذا لم يستفد؟ إذن: العلةُ غير موجودة، منعنا دخول (أل) على المضاف في الإضافة المحضة، منعناهُ لأنه يكتسبُ التعريف، و (أل) تُفيدُ التعريف، إذن: اجتمعَ أداتا تعريفٍ على مُعرّف واحد، وهذا ممتنع .. ممنوع لا يصلح، وهذه العلة مَفقودة هنا، فإذا كانت مفقودة فالحكم يَدورُ مع علّته وجوداً وعدماً. إذن: عُدم إدخال (أل) هناك لوجود علة، وهنا العلة مفقودَة، حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو دخول (أل) على المضاف، لهذه العلة جازَ اقترانُ هذا المضاف دونَ غيره من المضافات بأن يُوصَل بأل؛ لأن المحذور في غيره -الإضافة المحضة- من اجتماع أداتي تعريف مُنتَفٍ فيه، ليسَ موجوداً، وقال بعضهم: إذ المضاف إضافة محضة لا تدخلُ عليه (أل)؛ لأن المضاف فيها إلى معرفة تعرَّف بالإضافة، فلا تدخل عليه (أل) لئلا يلزم اجتماع مُعرِّفين على معرَّف واحد، هذا ممنوعٌ لا يجوز، والمضافُ إلى نكرة هذا يَستفيدُ التخصيصَ بالإضافة، ولو أُدخلتَ عليه (أل) لزمَ إضافة المعرفة إلى النكرة وهي ممنوعة، إذا قيلَ: بأن اجتماع مُعرّفين هذا يُوجَد في: (غلامُ زيدٍ)، طيب (غلام امرأة) ليس فيه العلة، إذن: الأصل أن نقول: الغلام امرأة، نقول هنا: لا؛ لأنه تخصّصَ فإذا عرّفنا الأول حينئذٍ أُضيف إلى نكرة، وإضافةُ المضافِ وهو معرفة إلى النكرة ممنوع أيضاً. إذن: المنعُ من جهتين: في باب التعريف لئلا يجتمعَ مُعرِّفان على مُعرَّف واحد، وفي باب التخصيص لئلا يُضاف المعرفة إلى النكرة وهو ممنوع، إذن: كلاهما ممنوعان.

وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ: يعني: مُسامَح فيه، لكن بشرط ليسَ مطلقاً، ليسَ كلُّ مضاف يعملُ أُضيف إلى معموله كان من الإضافة اللفظية يجوزُ دخول أل، لا، لكن بشرط، وهي خمسُ صور استثناها النحاة أو خمسُ مسائل: إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ، يعني: يجوزُ دخول (أل) على المضاف الذي أشبهَ يفعل، بشرطِ أن يكون المضاف إليه مُحلىً بأل. الْجَعْدِ الشَّعَرْ: الجعد: صفة مُشبّهة، الشعر: دخلت (أل) على المضاف، وهو وصف أشبهَ يفعل، الشعر: نقول: ما الذي جوَّز دخول (أل) على المضاف؟ وجودُها في المضاف إليه، ولذلك قال: إن وصلت بالثاني الذي هو المضاف إليه، كالجعد الشعر، كالجعد الشعر نقول: هذا مُضاف ومُضاف إليه، والإضافة فيه لفظية، والأصلُ عدم دخول (أل) على المضاف، وهنا سوّغَ دخول (أل) على المضاف وجودُها في المضاف إليه هذه الصورة الأولى، الصورة الأولى ما هي؟ صحة دخول (أل) على المضاف إذا وجدت في الثاني، هذه المسألة الأولى المستثناة. إِنْ وُصِلَتْ (أَلْ) بالثاني الذي هو المضاف إليه: كَالْجَعْدِ الشَّعَرْ: هذا صفة مُشبّهة الجعد، والجعد واضح. قال ياسين: إنما اشتُرطت (أل) في المضاف إليه يعني: من أجل أن يسوغَ دخول (أل) على المضاف، لماذا اشترطناها في المضاف إليه؟ قال ياسين .. ياسين الحمصي وهذا له حاشيتان، حاشيةٌ على التصريح .. خالد الأزهري، وحاشيةٌ على مجيب النداء، وحاشيةُ مجيبِ النداء أقوى كثير من حاشية التصريح وهي دسمة فيها درر. إنما اشتُرِطت (أل) في المضاف إليه مع الصفة المشبهة التي هي أصل المسألة. إذن: الأصلُ في الاشتراط أن تكون في الثاني، وجودها في صفة المشبهة لما سيأتي في بابه، ثم قِيسَ عليه اسمُ الفاعل وما عداهُ من الأوصاف، وإلا أصل المسألة في الصفة المشبهة. قال: إنما اشتُرِط (أل) في المضاف إليه مع الصفة المشبهة التي هي أصلُ المسألة؛ لأن رفع قُبح نصب ما بعدَها بالإضافة لا يحصل إلا حينئذٍ. حينئذٍ يُضافُ الصفة المشبهة إلى معموله كما سيأتي في بابه. لعدمِ قُبح نصبِ النكرة على التمييز بعدَ الصفة المشبهة، وحُمِل اسم الفاعل عليها. إذن: لماذا اشتُرط هنا في دخول (أل) على المضاف أن تكون داخلة على الثاني؛ حملاً لاسمِ الفاعل على الصفة المشبهة، ولماذا في الصفة المشبهة اشتُرِط إضافتها إلى المحلى بأل للقبح، ووجهُ القبحِ يأتي في محلّه .. الكلام فيه طويل عريض. وأيضا ليكون دخول (أل) على المضاف الذي هو خلاف الأصل كالمشاكلة .. المشاكلة بينَ المضاف والمضاف إليه والعلة الأولى هي المثبتة. إذن: المسألة الأولى المستثناة: أن تدخل (أل) على المضاف؛ لدخولها في المضاف إليه، فتقول: (جاءَ الضاربُ الرجلِ) دخلت على الضارب لوجودِها في الرجل، أو: هذه المسالة الثانية، أو: هذه للتنويع. أو يكون الثاني مضافاً إلى ما فيه (أل).

أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثَّانِي: أو وُصِلت بالذي أُضيف له الثاني، ما هو الثاني؟ المضاف إليه، هنا يكون المضافُ إلى الوصف المضاف إليه الذي أُضيف إليه الوصف نكرة، لكنه هو في نفسُه مضاف إلى ما فيه (أل)، انظر المثال: (الضارب رأس)، هذه إضافةٌ لفظية، الضارب هذا الأصل ضاربٌ رأس زيد هكذا، ضاربٌ، الإضافة لفظية، أُضيفَ الضارب إلى رأس: ضاربُ رأس، ما الذي سوّغَ دخول (أل) على الضارب، مع كون المضاف إليه ليس فيه (أل)؟ نقول: لكون المضاف إليه أُضيف إلى ما فيه (أل)، وهذا كلّه سماعي؛ الأصل فيه السماع؛ لأنه خارجٌ عن القياس. زيدٌ الضاربُ، إذن: زيدٌ هذا مُبتدأ والضاربُ خبر، وهو مُضاف ورأسِ مُضاف إليه، إضافة لفظية؛ لأن الضارب وَصفٌ وهو عامل أُضيف إلى معموله وهو مفعول به، الضارب رأس، رأس مضروب، ضارب رأس، والرأس الذي هو المضاف إليه أُضيفَ إلى ما فيه (أل)، رأس مضاف والجاني مضاف إليه. إذن: المسألة الثانية مما يستثنى وهو دخول (أل) على الوصف: أن يكون مضافاً إلى نكرة مضافٍ إلى ما فيه (أل)، رأسِ الجاني، أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيْفَ، أُضيف له، له: هذا مُتعلّق بكونه أُضيف، الثاني: هذا نائب فاعل. المسألة الثالثة لم يذكرها الناظم، وهي: أن يُوصَل بما أُضيفَ إلى ضميره، يعني: الثاني بدلاً من أن يضاف إلى ما فيه (أل)، لا، يُضاف إلى الضمير: أَلْوُدُّ أَنْتِ المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ: مُستحقّة اسمُ فاعل مؤنث، المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ اسم فاعل أُضيفَ إلى صفو، وصفو أُضيفَ إلى ضمير، وصاحبُ الضمير يعودُ إلى الود، الودُ أنتِ، الود: مبتدأ أول، وأنتِ: مبتدأ ثاني، والمستحقةُ: خبر المبتدأ الثاني، والجملة المبتدأ الثاني وخبره في محلّ رفع خبر المبتدأ الأول. المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ: يعني: صفو الودّ، فحينئذٍ يعودُ الضمير إلى ما فيه (أل)، وهو الود. إذن: الودُ أنتِ المستحقة صفوه، هنا أُضيفَ اسمُ الفاعل إلى مُضاف إلى ضمير، وهذا الضمير يرجعُ إلى المبتدأ، هذه المسألة الثالثة. المسألة الرابعة مما يُستثنى: أن يكون الوصف مُثنىً، فإذا كان مُثنى اكتفينا به. المسألة الخامسة: أن يكون الوصف جمعاً، جمع تصحيح، حينئذٍ نقول: نكتفي به ولا يُنظَر إلى المضاف إليه، هذه خمس مسائل تُستثنى، وما عداها لا يُقاس عليها؛ لأن هذه المسائل موقوفة على السماع، وهي خارجةٌ عن القياس، وما خرَجَ عن القياس غيرُه عليه لا ينقاسُ، فإذا قيل: الضاربُ الرجلِ، هنا أُضيفَ إلى ما فيه (أل)، مثله: الضاربُ زيد؛ لأن زيد علم وهو أعرف من الرجل، مثله: الضاربُ هذا، مثله الضاربُ غلام زيد، نقول: لا هذا كلّه ممنوع، وإن أجازَه البعض، لكنه ممنوع لأنه سُمِع إضافته إلى ما فيه (أل): {وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع}؛ حينئذٍ نقول: الأصل السماع. إذن: وَكَوْنُهَا، أي: كون (أل)، كان هنا ناقصة أو تامة؟ الظاهرُ أنها تامّة وكونها أي: وجودها، وجود (أل)، كونها: كون (أل) .. وجودها، في الوصف الذي هو المضاف، كَافٍ في الوصف فقط دون المضاف إليه، كَافٍ، يعني: يكفي، وكونها كافٍ؛

كون إذا قلنا: كون تامّة، صارت مُبتدأ لا تحتاجُ إلى خبر لذاتها، وهذا الظاهرُ أن كون هنا مَصدَر كان تامّة، إذا قلنا بأنها مُبتدأ كون، إذن: تحتاجُ إلى خبر من جهة كونها مبتدأ، بخلاف: وَكَوْنُكَ إيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيُر فيحتاجُ إلى خبرين، خبرُ كونه مبتدأ وخبر كونه كان الناقصة. هنا إذا قيلَ بأنها تامّة، صار كون أل، هذا من إضافةِ الكونِ إلى فاعلِهِ في المعنى، كون (أل) .. وجود (أل) .. وجدت (أل)، إذن: صارَ فعل وفاعل، فالضميرُ هنا يُراعى فيه من جهة المعنى أنه مِن إضافة المصدر إلى فاعله، فلا نحتاجُ إلى خبرٍ ولا إلى فاعل. كَافٍ هذا خبر، خبر الكون. وَكَوْنُهَا في الوَصْفِ كَافٍ: يكفي عن اشتراطِ كونها في المضاف إليه، أو يكون المضاف إليه مضافاً إلى ما فيه (أل) أو الضمير، فنكتفي بوجودها في الوصف إذا كان مثنىً، كافٍ في اغتفارِه؛ لأنه لما طالَ ناسَبَه التخفيف فلم يشترط وصل (أل) بالمضاف إليه؛ لأنه طويل: ضاربان، قالوا: فيه طول. إذن: لا نشترِطُ فيه شيئاً زائداً على مجرّد كونه مثنى: كذلك الضاربون. إِنْ وَقَعْ مُثَنًّى، وَكَوْنُهَا في الوَصْفِ كَافٍ إِنْ وَقَعْ: في بعضِ النسخ: (أن وقعَ) بفتح (أن)، وعليها شرح المكودي، (أن) وقعَ بفتح الهمزة، وموضعه رفعُ فاعل كافٍ، كافٍ اسمُ فاعل، حينئذٍ يحتاج إلى فاعل، أن وقع، صار كافٍ وقوعها، فأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل لكافٍ هذا وجهٌ. وقيل: مُبتدأ ثانٍ وكافٍ خبره مُقدّم، والجملة خبر الأول الذي هو الكون، حينئذٍ لا يكون كافٍ خبر الكون، بل أن وقع: هذا مبتدأ وكافٍ خبره، والجملة في محلّ رفع خبر المبتدأ الأول. وقال المكودي: في موضع نصبٍ على إسقاط لام التعليل، كافٍ لوقوعه، وهذا فيه ضعف.

إذن: (إِنْ وَقَعْ) بكسر (إن) صارت شرطية، و (أن وقع) حينئذٍ صارت الجملة هنا في تأويل مصدر، إِنْ وَقَعْ مُثَنًّى: مررتُ بالضارِبَي زيدٍ، نقول: الضاربي، هذا وصفٌ ودخلت عليه أل، وهو مُضاف والإضافة لفظية، وجوّزَ دخول (أل) على المضاف كونه مثنى دون شرط آخر أو قيد: مَررتُ بالضاربي زيدٍ، كذلك جمع الضاربين أصله، أو جمعاً، أو للتنويع، أَوْ جَمْعاً يعني: مجموعاً، سَبِيلَهُ: سبيل المثنى اتبع، أو جمعاً: اتبعَ سبيله الجملة صفة لجمعاً، سبيله: هذا منصوب باتبع، أي: سبيل المثنى، في كون الإعراب بحرف بعدَه .. بعدَه نون، ولذلك قيل: سبيل المثنى يعني: على طريقة المثنى، يعني: سلِمَ فيه بناء الواحد هذا الأصل، ويُعرَب بحرفين، ويُختَم بنون زائدة، يُعرَب بحرفين ليست الألف والنون، وإنما الألف والياء، يُقال: يعرب بحرفين، ليست الألف، بعضهم يَعترض، يقول: كيف تقول: يُعرَب بحرفين والألف هي التي تكون علامة الإعراب، والنون هذه زائدة قائمة مقامَ التنوين؟ نقول: لا، المراد يُعرَب بحرفين، يعني: الألف والياء، وكذلك الجمع يُعرَب بحرفين الواو والياء، بخلاف الأسماء الستة، تُعرَب بالأحرف الثلاثة، ولذلك مِن حيث الإعراب هي أقوى؛ لأنها مُفرَد، أُعرِبت بالواو التي هي نيابة عن الضمة .. مُشبَعة، والألف نيابة عن الفتحة، والياء نيابة عن الكسرة، بخلاف الألف هناك، الألف الأصل أنها نائبةٌ عن الفتحة جاءت في محلّ رفعٍ، والياء في الأصل أنها للكسرة جاءت في محلّ نصب، والواو في الجمع على أصلها، وإنما الذي خالف هو الياء في حالة النصب. على كلٍ: أَوْ جَمْعاً سَبِيلَهُ اتَّبَعْ: يعني: جمعاً اتبعَ سبيله، يعني سبيلَ المثنى، احترزَ به عن جمعِ التكسير وجمعِ المؤنث السالم، فحينئذٍ حكمُهُ حكم الأول، وهو أن إضافته لفظية، وهل تدخل عليه أل؟ بالشروط السابقة، يعني: لا بد أن يكون مضافاً إلى ما فيه (أل)، أو إلى نكرة مضافاً إلى ما فيه (أل) أو إلى ضميره. حينئذٍ: وَوَصْلُ (أَلْ) بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ ... إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ .......... أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثَّانِي، هذا يشملُ المفرد وجمع التكسير وجمع المؤنث السالم. وأما كونه مثنى أو جمعاً .. جمع تصحيح .. مذكر سالم، هذا الذي يختصُّ بالحكم الأخير. قال الشارح: لا يجوزُ دخولُ الألف واللام على المضاف الذي إضافته محضة، إضافته محضة خالصة معنوية، لا يجوزُ دخولُ (أل) على المضاف لأنه سيكتسبُ التعريفَ من المضاف إليه، حينئذٍ لا يجتمع معرفان. طيب. في غير التعريف التخصيص، نقول: لئلا يُضاف المعرفة إلى النكرة فإنه ممنوع. فلا تقولُ: (هذا الغلام رجل)؛ غلامُ رجلٍ، الغلامُ رجلٍ، هنا لم يَكتسِب التعريف، لماذا؟ لأنه مُضاف إلى نكرة استفادَ التخصيصَ؛ اكتسبَ التخصيص، حينئذٍ نقول: إذا اكتسبَ التخصيص، دخول (أل) على المضاف مع بقائه نكرة، حينئذٍ عرّفته هو .. المضاف، فيكونُ من باب إضافة المعرفة إلى النكرة وهو ممنوع؛ لأن الإضافةَ مُنافيةٌ للألف واللام، يعني: اجتمعَ مُعرِّف ومُخصِّص فلا يجمع بينهما، الكلامُ فيه إجمال هذا على التفصيل الذي ذكرته.

وأما ما كانت إضافته غير محضة، وهي المراد بقوله: بِذَا المُضَافِ، أي: بهذا المضاف الذي تقدّمَ الكلام فيه قبلَ هذا البيت، فكانَ القياسُ أيضاً يقتضى أن لا تدخلَ الألفُ واللامُ على المضاف، هذا القياس؛ لأن المضافَ مِن حيث هو مضاف يمتنعُ دخولُ (أل) عليه .. هذا الأصل فيه، لما تقدّمَ من أنهما مُتعاقبان، كلٌّ منهما يعقبُ الآخر؛ لأن (ضاربٌ) منون، والأصل فيما نُوِّن أن لا تدخلَ عليه (أل). ولكن لما كانت الإضافة فيه على نيّة الانفصال اغتفرَ ذلك؛ تُسومِحَ فيه؛ بشرطِ أن تدخلَ الألف واللام على المضاف إليه هذه الحالة الأولى، كالجعد الشعر، والضاربُ الرجلِ أو الضاربِ الرجلِ، أو على ما أُضيفَ إليه مضاف، زَيْدٌ ؤ، وَهُنَّ الشَّافِيَاتُ الْحَوَائِمِ الشَّافِيَاتُ الْحَوَائِمِ: دخلت (أل) على المضاف وهو جمعُ مُؤنّث سالم، الشافيات، الحوائم: دخلت على المضاف إليه، الذي سوَّغَ دخولها على المضاف مع كونه جمعَ مؤنثٍ سالم دخولها على المضاف إليه، وَهُنَّ الشَّافِيَاتُ الْحَوَائِمِ. كذلك قوله: لَقَدْ ظَفِرَ الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ الْعِدَى الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ الْعِدَى: هذا مِن باب: الضَّارِبُ رَأْسِ الْجَانِي؛ لأنه قال: الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ الْعِدَى. فإن لم تدخل اللام والألف على المضاف إليه ولا على ما أُضيف إليه المضاف امتنعت المسألة، فلا تقل: هذا الضارب رأسِ رجلِ، ولا هذا الضارب زيدٍ ولا هذا الضاربُ رأسِ جانٍ؛ لأن المسألة سماعية.

واختُلِفَ في تابع المضاف إليه، إذا قلت: الضارب الرجل، ثم أتبعته ببدلٍ أو عطفِ بيان أو نعتٍ، فما حكمه؟ فسيبويه يُجوِّز عدمَ وصله بأل، نحو: جاء الضاربُ الرجلِ وزيدٍ، هنا ليسَ فيه (أل)؛ لأنه في قوّة: جاء الضاربُ زيدٍ، وهذا ممنوعٌ، الضاربُ زيدٍ ممنوع لفقدِ الشرطِ صح دخول (أل) على المضاف؛ لأنه يُشترَط أن يكون المعرفة الذي يُضاف إليه محلىً بأل لا معرفة .. لا علم، فإذا قيل: (جاءَ الضاربُ الرجلِ وزيدٍ)، و (هذا الضاربُ الرجلِ زيدٍ) على أنه بدلٌ، حينئذٍ سَلَّط عليه المضاف؛ لأنّ العامل في التابع هو العامل في المتبوع، فإذا قلت: جاءَ الضاربُ الرجلِ وزيدٍ كأنك قلتَ: جاءَ الضاربُ زيدٍ، وهذا ممنوع، وإذا قلت: جاءَ الضاربُ الرجلِ زيدٍ على أنه بدلٌ أو عطفُ بيان، صارَ ممنوعاً هذا الأصل فيه، لكن قيل: يُغتَفَر في التوابع ما لا يُغتفَر في الأصول، فتُسُومِح في هذا وإلا الأصل عدمُ الجواز، مثلما ذكرناه في: رُبّ رجلٍ وأخيه، قلنا: لو جعلناه معرفة لسوَّغنا دخول رُبّ عليه، وهذا ممنوع، ولذلك قلنا: الضمير هنا نكرة، لكن في هذا المقام سيبويه خالفَ، فجعله سائغاً، فسيبويه يجوِّزُ عدمَ وصلِه بأل، نحو: جاء الضاربُ الرجلِ وزيدٍ، يعني: عطفتَ على الرجل مضاف إليه، وهذا الضارب الرجل زيدٍ أبدلت من المضاف إليه، وهو الرجل، على أن (زيدٍ) عطف بيان، والمبرد لا يُجوِّز ذلك، بل يُوجِب أن يصحَّ وقوعُ التابع موقع متبوعه وهذا أقيسُ؛ لأننا مَضينا على هذا فيما سبقَ .. في باب: لا .. اسمِ لا النافية للجنس، وكذلك في مدخول رُبّ؛ لأنك إذا عطفتَ عليه سوّغتَ دخول رُبّ عليه، كذلك هنا، إذا قلت: جاءَ الضاربُ الرجلِ زيد على أن زيد عطف بيان من الرجل، هذا في قوّة قولك: جاءَ الضاربُ زيدٍ، وهذا ممنوع، إذن: نمنعُهُ، لابد أن يكون مما يجوزُ أن تقول فيه: جاء الضاربُ الرجلِ، لو قال: جاءَ الضاربُ الرجلِ العالم صحّ؛ لأنكَ تقول: جاءَ الضاربُ العالم، إذن: لا إشكال فيه، أما زيد فلا؛ لأنه لا يُضافُ إليه ولا يكتسبُ منه صحة دخول (أل)، والأول أرجحُ؛ هكذا قال الصبان؛ والأول أرجحُ؛ لأنه قد يُغتفَر في التابع ما لا يُغتفَر في المتبوع، لكن لماذا لا تطرد هذه القاعدة في باب (لا) هناك؟ ولذلك قولُ المبرد له أصله، هذا إذا كان المضاف غير مُثنىً ولا مجموعاً جمعَ سلامة لمذكر، ويدخلُ في هذا المفرد، كما مُثِّل: الرجل الضارب، وجمع التكسير كالضوارب والضُّرَّاب، إذا قلت: (الضواربُ الرجلِ) فحكمه حكمُ الضارب الرجل، الضرّاب صيغة مبالغة، مثلُهُ الضرّاب الرجلِ. وجمع السلامة لمؤنّث: الضاربات الرجل أو غلام الرجل، فإن كان المضاف مُثنىً أو مجموعاً جمع سلامةٍ لمذكر كفى وجودُها في المضاف، ولم يشترِط وجودها في المضاف إليه، وهو المراد بقوله: وَكَوْنُهَا فِي الْوَصْفِ: يعني: كون (أل) في الوصف المضاف فقط. كَافٍ إِنْ وَقَعْ مُثَنَّى أَوْ جَمْعاً: يعني: مجموعاً.

سَبِيلَهُ اتَّبَعْ: أي: وجود الألف واللام في الوصف المضاف إذا كان مثنى أو جمعاً اتبع سبيلَ المثنى، على حدِّ المثنى يعني، وهو جمعُ المذكر السالم يغني عن وجودِها في المضاف إليه: هذان الضاربا زيدٍ، وهؤلاء الضاربو زيدٍ، وتُحذَف النون للإضافة. فإن انتفت الشروطُ المذكورة .. هذه خمسُ مسائل بشروطها، غيرها عليها لا يَنقاس، إن انتفت الشروطُ المذكورة امتنعَ وصلُ (أل) بذا المضاف، ممنوعٌ لا يُقال: الضاربُ هذا، ولا الضاربُ زيد، ولا الضاربُ رجلٍ كلّه ممنوعٌ؛ لأن المسألة سماعية، لا يجوزُ أبداً. وأجازَ الفراء فيه مُضافاً إلى المعارف مُطلقاً من باب القياس، قال: ما دام أنه جازَ: الضاربُ الرجل، وهو مَعرفة غيره أولى .. اسم الإشارة والعلم، الضاربُ زيدٍ، نقول: لا، الضاربُ زيدٍ، والضاربُ هذا، بخلاف الضاربُ الرجل، وقال المبرد: إذا أُضيفَ الضارب إلى الضمير (الكاف) سواء كان محلىً بأل أو مجرداً: ضاربك، فالضمير موضع خفض، الضاربك، ضاربك، الضمير في موضع خفض. وقالَ الأخفش: في موضعِ نصب، إذا قيل: الضاربك يجوزُ أو لا يجوزُ؟ يجوزُ، ,إذا قيل: ضاربك؟ هذا جائزٌ لا إشكالَ فيه، الضمير هنا في موضعِ خفضٍ عندَ المبرد، وفي موضعِ نصبٍ عندَ الأخفش، وعندَ سيبويه الضمير كالظاهر، فهو منصوب في: الضاربك، مخفوضٌ في: ضاربك، الضاربك، نقول: هذا منصوب؛ لأنّ (أل) هنا إذا دخلت على اسمِ الفاعل عمِلَ مُطلقاً بدون شرط أو قيد؛ حينئذٍ الكاف في محلّ نصب، وأما ضاربك نقول: الكاف في محلّ خفض. ويجوزُ في الضارباك والضاربوك الوجهان؛ لأنه يجوزُ الضاربا زيداً، والضاربو عمراً، وتُحذَف النون في النصب كما تحذف الإضافة، وعندَ حذف النون، ما هو الأحسن؟ الجرّ بالإضافة؛ لأنه المعهود؛ والنصبُ ليس بضعيف؛ لأن الوصف صلة، فهو في قوّة الفعل فطلب معه التخفيف. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

72

عناصر الدرس * فائدة التنبيه على اختلاف النسخ في ترتيب الأبيات * المغايرة بين المضاف والمضاف إليه * يكتسب المضاف من المضاف إليه التأنيث أو التذكير بشروط. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما وبعد: قال الناظم رحمه الله: وَلاَ يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلاَ ... مَعْنىً وَأَوِّلْ مُوهِمَاً إِذَا وَرَدْ تَأْنِيثَاً إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ هذان البيتان مُختلَفٌ في تقديمِ بعضِهما على بعض, أكثرُ الشرّاحِ على تقديمِ البيت الثاني: (وَرُبَّمَا أَكْسَبَ) على قوله: (وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً) , هذا قدّمه ابنُ عقيل, وأخّر: (وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ) , والأشمويي وكذلك السيوطي في شرحه والمكودي قدّموا: (وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ) , على قوله: (وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً) , وكلاهما جائزان؛ لأن هذه مسألة مُستقلّة وهذه مسألة مُستقلّة, لكن الأولى أن يُقدّم (وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ) على قوله: (وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ) , لأنه له علاقة في جهة كونِ المضاف يكتسبُ شيئاً من المضاف إليه, وهذا تابعٌ للإضافة المحضة؛ لأنه لما تكلّمَ عن الإضافة المحضة في قوله: وَاخْصُصْ أَوَّلاَ, ثم بيِّن وَإِنْ يُشَابِهِ المُضَافُ, ثم قال: وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلاَ تَأَنِيثَاً, بمعنى أنه قد يَكتسِب الأولُ من الثاني غيرَ التعريف والتخصيص, فهو قدرٌ زائد على قوله: وَاخْصُصْ أَوَّلاَ ... أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ, هذا مُناسِب .. ولا بأس, هذا أو ذاك, المهم الفائدة. وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً القاعدة عندَ البصريين خلافاً لما عليه الكوفيون من أنه لا يحوز إضافةُ الشيءِ إلى نفسه, لا بدّ أن يكون ثَم مغايرةٌ بينَ المضاف والمضاف إليه لأنه كما سبق؛ المضافُ يكتسبُ التعريف من المضاف إليه, وكذلك يكتسبُ التخصيص, والشيء لا يُعرِّف نفسَه ولا يخصِّصُ نفسَه, الشيء إذا أضفته إلى غيره قلنا اكتسب التعريف. إذن: لا بد أن يكونَ مُغايراً له فلو كان مثله .. عينه حيئنذٍ كيف يُعرِّف الشيء نفسَه؟ وكيف يُخصِّص الشيء نفسَه؟ هذا بعيد, ولذلك اشترطَ البصريون أن تكونَ ثَم مُغايَرة ولو بوجهٍ ما بينَ المضاف والمضاف إليه. وَلاَ يُضَافُ هنا يُضاف هذا فعلٌ مُضارع فيه مصدر, والمصدر نكرة وقع في سياق النفي, لا يضاف يعني لا تُضف .. لا يُضاف حينئذٍ أي إضافة ممنوعة. وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لما اتحدَ به معنى, لِمَا: هذا جار ومجرور مُتعلّق بقوله: يُضَافُ. اتَّحَدْ بِهِ: (بِهِ) جارٌّ ومجرور مُتعلِّق بقوله: اتَّحَدْ. مَعْنىً: هذا تمييزٌ أو على نزعِ الخافض يعني: في المعنى.

وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً: الجمهورُ من النحاةِ –البصريينَ- على أنه لا يُضاف اسمٌ لمرادفِه ونعتِه ومنعوتِه ومؤكِّده, هكذا قالَ السيوطي في جمع الجوامع, لا يُضاف اسم لمرادفه ونعته ومنعوته ومؤكِّده, ثم علّلَ ذلك بقوله بأن المضاف يتعرّفُ أو يتخصّصُ بالمضاف إليه, والشيءُ لا يتعرّفُ ولا يتخصّصُ إلا بغيره, الشيء لا يتعرّف إلا بغيره ولا يتخصّصُ إلا بغيره, والنعت عينُ المنعوت, وكذا ما ذُكِر بعدَه, النعتُ غيرُ المنعوت, والرديفُ عينُ رديفه, وكذلك المؤكِّد والمؤكَّد, حينئذٍ لا يُضاف المؤكِّد لمؤكَّده, وكذلك النعتُ لمنعوته, ولا المنعوتُ لنعته, يعني: لا بالتقديم والتأخير, ودائماً يمرّ معنا هذا مِن إضافة الصفة إلى الموصوف, هذا مِن باب التسامح, أو على رأي الكوفيين فلا بأس, يقال بهذا أو ذاك, وشرطَ الكوفيون في الجوازِ اختلافُ اللفظ فقط, يعني: ولو اتحدا معنىً، لماذا؟ قالوا: لأنه سُمِع في لسان العرب العطفُ مع اختلاف اللفظ واتحاد المعنى, كذباً وميناً, الكذبُ هو المين والمينُ هو الكذب, جاءَ عطف الثاني على الأول, ما المسوغ؟ كون الثاني مخالفاً للأول في اللفظ فحسب, وأما في المعنى فهو مُوافِق له, وهذا نصَّ ابن تيمية رحمه الله في الإيمان على أنه لا يجوزُ القولُ به في القرآن, لا يُقالُ بأنه عطف الشيء على مثله, بمعنى: أن المغايرة بينهما في اللفظ فحسب لأنه حشو, إذا كان كذلك لا يجوزُ أن يُحمل عليه القرآن. إذن: شرَطُ الكوفية في الجواز اختلافُ اللفظ فقط من غير تأويل تشبيهاً بما اختلفَ لفظه ومعناه, تشبهاً .. إذاً من باب التشبيه لما اختلَف لفظه ومعناه: كيومِ الخميس, يوم الخميس أُضيفَ هذا إلى ذاك, واليوم هو الخميس, والخميس هو اليوم, إذا قيل يومَ الخميس نحن في يوم الخميس, اليوم هو الخميس .. اسمه الخميس, والخميس هو اليوم. إذن: أُضيفَ الشيء إلى نفسه هكذا قالوا, وشهرُ رمضان, رمضانُ هو الشهر والشهر هو رمضان. إذن: اختلفا في الفظ والمعنى واحد. ((وَعْدَ الصِّدْقِ)) [الأحقاف:16] الوعدُ لا يكون إلا صِدقاً والصدق هو الوعد, كما جاءَ ذلك في النعت والعطف والتوكيد نحو ((غَرَابِيبُ سُودٌ)) [فاطر:27] مثلوا بالقرآن, كذباً وميناً, ((كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) [الحجر:30] هذا توكيد, ((كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) [الحجر:30] مؤكَّد ومؤكِّد, توكيد بعد توكيد, حينئذٍ اختلفا في اللفظ والمعنى واحد. ((وَعْدَ الصِّدْقِ)) [الأحقاف:16] الوعد هو الصدق والصدق هو الوعد, ((غَرَابِيبُ سُودٌ)) [فاطر:27] الغرابيب هي السود والسود هي الغرابيب, حينئذٍ نقول: اختلفا في اللفظ والمعنى واحد, فلذلك حملوا الإضافة فيما اتحدَ معناه دون لفظه على الجواز. وَلاَ يُضَافُ وأما مذهبُ البصريين فعلى المنع لما ذكرناه سابقاً. وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ مَعْنىً لما اتحد به معنىً .. لما اتحدَ به معه, الباء هنا بمعنى (مع)، يجبُ أن يكون المضاف مُغايراً للمضاف إليه, ولو بوجهٍ ما, حينئذٍ يمتنعُ إضافة اللفظ إلى ما اتحدَ به في المعنى كالمرادف مع مرادفه: الليث والأسد, لا يقال ليث الأسدِ أو أسد الليث, لا يُضاف هذا إلى مرادفه.

كذلك الموصوف مع صفته, لا يُقال: مسجد الجامع؛ لأن الموصوف هنا مسجد موصوف بالجامع؛ لأنَ المضاف يَتخصَّص أو يتعرّفَ بالمضاف إليه, فلا بد أن يكون غيره في المعنى, لا بد أن يكون غيره في المعنى, فلا يصح قمحُ بُرٍّ, البر هو القمح والقمح هو البر, ولا رجلُ فاضلٍ؛ من باب إضافة الموصوف إلى صفته, ولا فاضلُ رجلٍ من إضافة الموصوف إلى الصفة, كله ممنوع هذا؛ لأنه عينه في المعنى. فإن جاءَ في لسان العرب ما ظاهره من إضافة الشيء إلى نفسه دون مغايرة بينهما في المعنى أَوِّلْ, وأوِّل هذا على الوجوب, أَوِّلْ مُوهِمَاً؛ موهماً جواز إضافة الشيء إلى نفسه, متى؟ إذا وردَ في لسان العرب ما ظاهرُ ذلك, حينئذٍ يجبُ تأويلُه، إما أنه من باب إضافة المسمى إلى الاسم أو العكس, أو على حذف موصوف، على حذف موصوف: مسجد الجامع، المسجد مكان للجامع، فصار الجامع نعتاً للمكان. قال الشارح: المضاف يتخصَّص بالمضاف إليه أو يتعرّف به- هذا قاعدة- بناءً على هذا الأصل بكون المضاف يتعرّف بالمضاف إليه أو يتخصّصُ به حينئذٍ لا بد عقلاً أن يكونَ غيره, إذ الشيء لا يُعرِّف نفسَه ولا يُخصِّص نفسَه, فلا بُد من كونه غيره, إذ لا يتخصّص الشيء ويتعرّف بنفسه, وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ في المعنى, كالمترادفين: الليث والأسد, والموصوف وصفته فلا يُقال: قمح برّ؛ لأن القمح هو البر والعكس, ولا رجل قائم, وما وردَ موهماً لذلك مُؤوّل كقولهم: سعيدُ كرزٍ, وظاهر هذا أنه من إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن كرز هذا لقب, وسعيد اسم, حينئذٍ اللقبُ هو عين المسمى بسعيد، وسعيد هو عين الملقب بكرز.

إذن: من إضافةِ الشيء إلى نفسه, سعيدُ كرزٍ, هذا مُؤوّل، ظاهره من باب إضافة الشيءِ إلى نفسه؛ لأن المراد بسعيد وكرزٍ في واحد, فيُؤوّل الأول بمسمى, والثاني بالاسم, والاسمُ خلاف المسمى, فرقٌ بين الاسم والمسمى, فيقال: سعيد كرزٍ من باب إضافة المسمى إلى الاسم, أوّلناهُ فجعلنا سعيد مسمى والثاني الاسم, هذا فيه تكلُّف؛ لأن المراد بسعيد فيُؤوّل الأول بمسمّى والثاني بالاسم, والاسمُ خلاف المسمّى, فكأنه قال: جاءني مُسمّى كرزٍ, حذَفَ سعيد وأبدَلَه بمسمّى, حينئذٍ نقولُ مّسمّى كرز, هذا ليس هو الظاهر، أي مُسمّى هذا الاسم؛ هذا إن أمكنَ أن يُؤوّل الأول بمسمّى والثاني بالاسم, وقد يكونُ العكس, لو قال: كتبتُ سَعيد كرزٍ, حينئذٍ يُؤوّل الأول بالاسم والثاني بمسمّى .. عكس الموجود, إذا كان سعيد مطلوب العامل صارَ سعيد بمعنى مُسمّى, فإن كان سعيد مطلوباً لتركيبٍ لا يستقيم كالكتابة, فهذا يجبُ أن يُؤوّل الأوّل بالاسم والثاني بالمسمّى, كتبتُ سعيد كرز, لا تكتبُ المسمّى أنت, لو قلتَ: الأول مُسمّى كرز, كتبتُ سعيد كرز مُسمّى كرز؛ ما يُكتب مُسمّى, أنت تكتبُ الاسم فتقول كتبتُ اسمَ المسمى, حينئذٍ صارَ مِن إضافة الاسم إلى المسمّى, لا مِن إضافة المسمّى إلى الاسم وعلى ذلك يُؤوَّل ما أشبهَ هذا من إضافة المترادفين كيوم الخميس, وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته فمُؤوّل على حذفِ المضاف إليه الموصوف بتلك الصفة, حبةُ الحمقاءِ هي نفسها, وصلاة الأولى, ومسجد الجامع, والأصل حَبةُ البقلةِ الحمقاءِ, والحمقاء هذا صفة للبقلة. إذن: أُضيف حبة إلى البقلة لا إلى الحمقاء, وإن كانت النتيجة في ظاهرِهِ أنه مُضاف إلى .. حبّة البقلة الحمقاء, هذا الأصل, كقولهم: وصلاة الساعة الأولى, فالحمقاءُ صفة للبقلة .. حبة البقلة الحمقاء, هذا صفة للبقلة, لا للحبة, والأولى صفة للساعة لا للصلاة، ثم حُذِف المضاف إليه وهو البقلة والساعة، وأُقيم صفتُه مقامَه وصارَ حبة الحمقاء, وصلاة الأولى, فلم يُضَف الموصوف إلى صفته بل إلى صفة غيره، هذا مذهبُ البصريين, وَلاَ يُضَافُ اسمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ, فإن جاءَ في لسان العرب ما ظاهرُه أنه من إضافة الشيء إلى نفسه أُوِّل إمّا على المسمّى, وإما على حذف الموصوف, وهذا الظاهر أنّ فيه تكلفا.

وَأَوِّلْ مُوهِمَاً أي: إذا وردَ من كلام العرب ما يُوهِمُ جوازَ ذلك وجبَ تأويلُه، وأجازَ الفراء إضافة الشيءِ إلى ما بمعناه لاختلافِ اللفظين, ونسبَ هذا للكوفيين, وجعلوا مِن ذلك ((وَلَدَارُ الآخِرَةِ)) [يوسف:109] الدارُ هي الآخرة والآخرةُ هي الدار, ((وَلَدَارُ الآخِرَةِ)) [يوسف:109] و ((حَقُّ الْيَقِينِ)) [الواقعة:95] ((حَبْلِ الْوَرِيدِ)) [ق:16] الوريد هو الحبل والحبل هو الوريد ((وَحَبَّ الْحَصِيدِ)) [ق:9] وتأويلُهُ عندَ الجمهور أنه مِن إضافةِ العام إلى الخاص .. لا بد من التأويل, حينئذٍ مذهبُ الكوفيين يُؤيّده السماعُ كثير جداً في القرآن وفي غيره, ويكون المعنى معلوماً من السياق؛ بأنه مِن إضافة الشيءِ إلى نفسه, ثم يُؤوّل على جهة بيانِ المعنى لا على جهة إعرابٍ كما ذكرناه مراراً, يعني: نفهمُ حبّة الحمقاء بأنّ الحمقاء صفةٌ للبقلة, هذا واضحٌ لكن مثله نقولُ: جوازُ إضافة الشيء إلى نفسه إذا عُلم المعنى حينئذٍ لا إشكال فيه, وأمّا إذا وقعَ لبسٌ فالأصل فيه المنع, وكلّ ما جاءَ من ذلك يجبُ تأويلُهُ ونقول هذا فيه تكلّف. وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوَّلاَ ... ... تَأْنِيثَاً إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ رُبَّمَا هذا يحتمِل أنها للتكثير أو أنها للتقليل يحتمل هذا أو ذاك, وإذا كانت للتقليل حينئذٍ مرادُه التقليل النسبي أي قليل بالنسبة إلى ما ليسَ كذلك لا أنه قليلٌ في نفسه فإنه كثير؛ لأنّ القلة والكثرة هذه تختلفُ بالنسبة .. باعتبار إذا نسبتَها إلى شيءٍ قد يكون قليلاً, وإذا نسبتَهُ لشيءٍ آخر يكون كثيراً, وهنا رُبَّمَا يحتملُ أنه للتكثير أو أنه للتقليل, وإذا كان للتقليل حينئذٍ صارَ التقليل نسبياً. رُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ، ثَانٍ: هذا فاعل، ثان من المتضايفين وهو المضاف إليه أَوَّلاَ يعني: اكتسبَ الأولُ المضافُ من المضاف إليه التأنيث، وهنا فيه اكتفاء تأنيثاً أو تذكيراً؛ يعني: إمّا هذا أو ذاك, وإنما ذكرَ التأنيثَ دون التذكير لأنه الأكثر في لسان العرب، وأما التذكير فهذا قليل, لكنه يكتسبُهُ المضاف من المضاف إليه. إذن: أَوَّلاَ: نقول هذا مفعول أول لأكسبَ منهما وهو المضاف. تأنيثاً أو تذكيراً تأنيثاً هذا مفعول ثاني لأكسب, أكسبَ يتعدّى إلى مفعولين, اكسبَ ثان هذا فاعل أكسب, والمراد به المضاف إليه. ثان من المتضايفين وهو المضاف إليه. أولاً منهما وهو المضاف, تأنيثاً هذا مفعول ثاني لأكسب, أو تذكيراً, ويعبّر عنه هذا بأنه اكتفاء ففي كلامه اكتفاء, وخصَّ التأنيث بالذكر؛ لأنه الأغلب, ويكتسبُ المضاف من المضاف إليه غيرهما, سبقَ أنه يكتسب التعريف والتخصيص، وزِد عليه التأنيث أو التذكير, وزِد عليها رفع القبح والتخفيف والظرفية والمصدرية والصدارة؛ هذه كلها يكتسبُها المضاف من المضاف إليه.

إذن: قولهم: وَاخْصُصْ أَوَّلاَ أَوْ أَعْطِهِ التَّعْرِيفَ إنما قصدوا التعريفَ والتنكيرَ فحسب, وليسَ الحكمُ خاصّاً بهذين المعنيين فحسب, يعني: الإضافة المعنوية إذا قيلَ بأنها أفادت الأولَ تعريفاً أو تخصيصاً ليسَ معناهُ أن الإفادة محصورة في هذين الشيئين فحسب لا, قد يستفيدُ الأول من الثاني .. المضاف من المضاف إليه التأنيث، إذن: الإضافة معنوية, أو التذكير, إذن: الإضافة معنوية؛ لأنه أفاده تذكيراً. إذن: نقول: ويكتسبُ المضافُ من المضاف إليه غيرهما أيضاً كالتعريف والتخصيص والتخفيف ورفعَ القبح, وهذان يكونان في الإضافة اللفظية, وكالظرفية نحو: كل وقت؛ كل هذا ظرف، لماذا؟ لأنه أُضيف إلى اسم زمان, وكل هذه باعتبار ما تُضاف إليه. إذن: الظرفية، استفاد كل الظرفيةَ من المضاف إليه, وهذا تأثيرٌ معنوي, والمصدرية مثل: كلّ الميل؛ كلّ هذا مصدر تقديراً؛ لأنه أُضيف إلى المصدر. إذن: استفادَ المضاف من المضاف إليه المصدرية. كذلك وجوب التصدير أولَ الكلام، غلام مَن عندك؟ غلام مَن: هذا واجب التصدير، لماذا؟ (غلام) واجب التصدير وهو مضاف و (مَن) مضاف إليه؛ لأنه أُضيف إلى ما له الصدارة في الكلام. والبناء كما سيأتي فيما أُجري مجرى إذا؛ بأنه يستفيد البناء من المضاف إليه. إذن: وربما أكسبت ثان أولا تأنيثاً أو تذكيراً، لكن اشترطَ الناظمُ هنا إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ, أي: أهلاً أي: صالحاً للحذف والاستغناء عنه بالثاني، يعني إذا صحَّ أن يُحذَف المضاف ويُستغنى عنه بالمضاف إليه, وصحَّ التركيب اكتسبَ التأنيث أو التذكير, وإذا لم يكن كذلك حينئذٍ لا يصحّ. مُوهَلاَ أي: أهلاً إذ أصلُه المجعول أهلاً وليسَ هو الشرط, وإنما أن يكونَ أهلاً في نفسِه لا أن يُجعَل أهلاً .. أن يكونَ أهلاً في نفسه, هذا هو الشرط, وإما موهلاً .. مؤهلاً هذا الأصل حينئذٍ نقولُ: هل الشرط أن يجعل أهلاً أو أن يكون أهلاً في نفسه؟ الثاني, ولذلك موهلاً المراد به أهلاً أي: صالحاً للحذف والاستغناء عنه بالثاني. قال الشارح: قد يكتسبُ المضافُ المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث، لفظٌ مضاف مذكّر يُضافُ إلى مؤنث يكون المضاف إليه مؤنثاً فيستفيد ويكتسب المضاف التأنيث مِن المضاف إليه، بشرط أن يكون المضاف صالحاً للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه, ويُفهَم منه ذلك المعنى, قُطعت بعضُ أصابعه, بعض مُذكّر أُضيفَ إلى أصابع اكتسبَ التأنيث بدليل تأنيث الفعل, ما قال: قُطعَ بعضَ أصابعه، قال: قُطعت, فدلَّ على أن نائب الفاعل هنا مُؤنث قُطعت بعض أصابعه, هنا بعض مُذكّر أُضيف إلى أصابع .. أصابعه فهي مُؤّنث لأنه جمع, وكل جمع مؤنث حينئذٍ نقول اكتسبَ المضاف وهو لفظ بعض وهو مذكّر في الأصل .. اكتسب التأنيث من المضاف إليه, ولذلك أنّث له الفعل قال: قُطعت بعضُ أصابعه, احذف المضاف بعض: قطعت أصابعه، يكون مجازاً من إطلاق الكلّ مُراداً به البعض, صحّ التركيب.

إذن: جازَ أن يستفيدَ من المضاف إليه التأنيث فصحَّ تأنيثُ بعض لإضافته إلى أصابع, وهو مُؤنّث لصحة الاستغناء بأصابع عنه فتقول: قُطعت أصابعه, ومنه: جادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ, جادت عليه كلُّ عين, هذا أوضحُ؛ جادت جاد, أنّثَه, كلّ عين: هذا فاعل, (كلّ) لفظٌ مُذكّر أُضيف إلى عين وهو مؤنث فاكتسب منه التأنيث فقال جادت, جادت عينُ, وجاء قوله تعالى: ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ)) [آل عمران:30] كلّ نفسٍ تجد, ما قال: يجد, قال: تجدُ كل نفس, بالتأنيث (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) على قراءة (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) إذن: السيارة مُؤنّث أُضيف إلى بعض مثل السابق. مَشَيْنَ كَمَا اهتزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهْتْ ... أَعَاليها مَرَّ الرِّياحِ تَسَفَّهْتْ مَرَّ الرِّياحِ، مَرّ مذكّر والرياح مُؤنّث وتسفهت هذا مؤنّث بإلحاق التاء, فدلَّ على أن الفاعل مؤنث، ومرّ الرياح هذا فاعل تسفّهت, فأنث المرّ لإضافته إلى الرياح, وجازَ ذلك لصحة الاستغناء عن المرّ بالرياح, نحو: تسفهت الرياح, وربما كان المضاف مُؤنثاً فاكتسبَ التذكير من المضاف إليه .. من المذكر المضاف؛ عكس يعني, يكون المضاف مؤنثا والمضاف إليه مذكراً فيكتسبُ التذكير من المضاف إليه: إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوعِ هَوىً, إِنَارَةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ, ما قال: مكسوفة؛ لأنّ التأنيث هنا يُراعى, إذا قيل المضاف اكتسبَ التأنيث حينئذٍ يُؤنّث له الفعل والنعت والضمير واسم الإشارة إلى آخرة, نعرفُ أنه مُؤنّث بهذه الأمور, وهنا قال: إنارةُ العقلِ مكسوف, إنارة هذا مُؤنّث وهو مضاف والعقل مُضاف إليه وهو مُذكّر, نقول: استفادَ إنارة التذكير وهو مُؤنّث من المضاف إليه بدليل الوصف؛ لأنه قال: مكسوف لو كان مونثاً لقال مكسوفة بالتاء. ومثّلَ ابن عقيل بقوله: ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) [الأعراف:56] رحمةُ هذا المثال محتمل وحوله كلامٌ طويلٌ، رحمة الله, رحمة في اللفظ مُؤنّث أضيفت إلى لفظ الجلالة فاكتسبَ التذكير, وكما قلنا سابقاً: لا بأسَ أن يُوصَف اللفظ بكونه مُذكّراًَ, فالحكم على اللفظ لا على الموصوف, لئلا يُقال كيف يُقال بهذا الوصف؟ نقول: في لسان العرب ثم ما هو ضمير مذكّر وضمير مونّث, ما الذي اعتبر لفظ الجلالة هنا؟ وهو الله عادَ عليه الضمير وهذا قطعاً أنه لمذكر, حينئذٍ نقول: اللفظ هنا هو الذي يوصف بكونه مذكّراً فلا اعتراض حينئذٍ بكون المسمّى يلزم منه وصفه بالتذكير وهو وصف لم يثبت في الشرع. نقول: نعم, وصفُهُ لا يثبت لكن لفظُهُ لا إشكال فيه ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) [الأعراف:56] قريب لم يقل: قريبة, وهذا المثال فيه نظر؛ لأن قريب هذا فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث, فيحتمل أنه قريبةً، لكن لا يُقال بأنه قريب, فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث, وهذا سبق معنا جريح هناك في باب جمع المذكر السالم, قلنا: ما كان مما استوى فيه المذكر والمؤنث لا يجمع بواو ونون؛ لأنه يقال: امرأة جريح, وزيد جريح, هذا مثله. إذن: الشاهد ليسَ بجيد.

فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث, فلا تقل: خرجَت غلامُ هندٍ, إذ لا يقال: خرجتْ هندٌ, غلامُ هندٍ هل وُجِد فيها الشرط؟ إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ؛ أن يصح الاستغناء بالمضاف إليه عن المضاف .. يحذف المضاف فيكون المضاف إليه مقاماً مكان المضاف, فتقول: خرجت غلام هندٍ على أن غلام اكتسبَ التأنيث من هند, نقول: احذِف غلام؛ خرجت هند صحّ؟ إذ لا يقال: خرجت هندٍ, ويُفهَم منه خروج الغلام, ولا قامَ امرأة زيد, امرأة نقول هذا لم يَكتسِب التذكير من زيد, ولذلك لا يقال: قامَ امرأة؛ لأنه لا يُقال: قام زيد, ويفهم المضاف الذي هو امرأة. إذن: هذا مراده بقوله: وَرُبَّمَا أَكْسَبَ ثَانٍ أَوّلاَ ... تَأَنِيثَاً إِنْ كَانَ لِحَذْفٍ مُوهَلاَ يعني: يُشترَط فيما يصح اكتساب التأنيث من المضاف إليه للمضاف أو التذكير أن يستغنى بالمضاف إليه عن المضاف, فيكون خلفاً له, فإن صحّ التركيب صحّ حينئذٍ دعوى أنه اكتسب التذكير أو التأنيث, فإن لم يصح حينئذٍ لا يجوز. وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا ... وَبَعْضُ ذَا قَدْ يَأْتِ لَفْظَاً مُفْرَدَا نقف على هذا, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... !!!

73

عناصر الدرس * انواع المضاف بإعتبار ما يضاف إليه * ما يمتنع إضافتة إلى الظاهر * ما يجب إضافته إلى الجمل * حكم أسماء الزمان المشبة بـ (إذ) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا ... وَبَعْضُ ذَا قَدْ يَأْتِ لَفْظَاً مُفْرَدَا هذا شروع من الناظم رحمه الله تعالى في بيان الأسماء التي تُلازِم الإضافة, من الأسماء ما تمتنع إضافتُهُ إلى غيره, لا يجوزُ أن يُضاف إلى غيره كالمضمرات وأسماء الإشارة وكغير (أيّ) مِن الموصولات وأسماء الشرط والاستفهام, هذه لا تُضاف, تمتنعُ إضافتها إلى ما بعدَها؛ لأنه لا يعرِض له ما يحوج إلى إضافته، يعني: لا يحتاجُ إلى الإضافة؛ لأن الذي يحتاج أو يفتقر إلى إضافته إلى ما بعدَه هو الذي لا يتمّ معناهُ إلا بالمضاف, حينئذٍ يلزمُ أن يُضاف إلى ما بعده من أجل أن يكشفَ المعنى الذي دلَّ عليه المضاف. إذن: لكونه لم يحتج إلى ما يكشف معناه بل معناه ظاهرٌ بنفسه حينئذٍ لم يُضَف إلى ما بعدَه. ولشبهِهِ بالحرف, والحرف لا يُضاف, قلنا: هذه الموصولات غير (أي) وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام وأسماء الإشارة والضمائر -قلنا هذه كلها بُنيت لأنها أشبهت الحرف؛ إذن وما أشبهَ الحرفَ لا يضاف, والعلة .. الأصل أن نقول: لم يُسمَع إضافتُها في لسان العرب, وإذا كان كذلك حينئذٍ نقول لا يجوزُ أن تُضاف أو يُضاف واحد من هذه الألفاظ. إذن: ما يمتنعُ إضافته كالمضمرات وأسماء الإشارة وكغير (أي) من الموصولات وأسماء الشرط والاستفهام للعلة التي ذكرناها, والعلة الأجود أن يُقال: لم يسمع إضافتُها, وأما كونها أشبهت الحرف وإلى آخره هذه علل مستنبطة, ويرِدُ عليها ما يرِدُ. وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا: بعض مفهومُهُ أن من الأسماء ما لا يُضاف، بل هو الأصل في الاسم أن لا يلزم حالة واحدة, بل يضاف تارة ويُفصَل ويُفرَد عن الإضافة تارة أخرى. إذن: الأصل في الاسم أنه يجوزُ فيه الوجهان: الإضافة وعدمُ الإضافة, وأخذنا هذا مِن قوله: (وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ) ثم قال: (وَبَعْضُ ذَا) البعض من البعض .. الثاني بعض من البعض. وقوله: وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ أشعرَ قولُ (بعض) في الموضوعين أن الأصل والغالب في الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد, واعلم أن النحاةَ إذا أطلقوا المفردَ في باب الإضافة يعنونَ به غير المضاف؛ غير المضاف يعني: يقولون مضاف ومفرد, ما المراد بالمفرد؟ يقول: تستعمل مفردةً, ما معنى مفردة؟ يعني: غير مضافة, هذه مُلازِمة للإفراد، ليس المراد بالإفراد ما يقابل المثنى والجمع لا, إنما مرادهم ما لا يضاف. إذن: الأصل والغالب في الأسماء أن تكون صالحة للإضافة والإفراد, وأن الأصل في كلِّ ملازم للإضافة أن لا تنقطعَ عنها في اللفظ, إذا قيل: بأن الأصل والغالب أن الاسمَ يكون تارة مضافاً وغير مضاف, تارة مضاف وتارة أخرى غير مضاف, ما لزِمَ الإضافة حينئذٍ إذا قلنا: لزِمَ الإضافة، لزِمَ الإضافة لماذا؟ لأنه مُفتقرٌ إليه, إذن الأصل فيه أن لا ينفكّ عن الإضافة, فإذا أنفكَّ عن الإضافة صارَ خلافَ الأصل مع كونه في لزومه للإضافة هو على خلاف الأصل.

نقول: الأصل أن لا يلزمَ الاسمُ الإضافةَ فإن لزمَهُ حينئذٍ الأصل فيه أن لا ينفكّ عن الإضافة .. أن لا يُفرَد, فإذا أُفرِد صارَ خلاف الأصل فيه؛ الذي هو خلاف الأصل في الأسماء. وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ إذن: الأصلُ في الأسماء أن تكون صالحة للإضافة وعدمها, هذا الأصل. وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا، أبداً مُطلقاً في كل تركيب؛ في كل زمان؛ في كل مكان؛ عند كل مُتكلّم أبداً, وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا, هذا بين فيه .. هل فيه فائدة؟ هل فيه حكم؟ نقول: نعم, إذا علمنا أن الأصل والغالب في الأسماء أنه لا يلزم الإضافة, يُضاف ويُفرد, حينئذٍ إذا لزِمَ الإضافة في بعض الأحوال نحتاجُ إلى بيانه, فبيَّنَ لنا الحكم العام وهو أن بعض الأسماء يُلازِم الإضافة, وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ .. أي مِن الأسماء ما لا يُستعمَل إلا مضافاً على خلاف الأصل في الاسم أن يُستعمَل مضافاً تارة وغير مضاف أخرى. وَبَعْضُ ذَا المشار إليه الملازم للإضافة, إذن: بعض البعض, بعض الأسماء لزم الإضافة, ثم هذا الذي لزم الإضافة على نوعين: وَبَعْضُهُ قَدْ يَأتِ لَفْظاً مُفْرَدَا؛ يعني قد ينفكّ عن الإضافة في اللفظ دون المعنى, حينئذٍ نأخذ من هذا البيت من الشطرين أن الأسماء الملازمة للإضافة على نوعين: ما يلزم الإضافة معنىً ولفظاً, ولا يكونُ في حال من الأحوال إلا وهو مضاف في اللفظ يعني ينطق بالمضاف إليه. النوع الثاني: يلزم الإضافة معنىً لا لفظاً, أشارَ إلى الأول بقوله: وَبَعْضُ الاَسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا, وأشارَ إلى الثاني -وهو ما يلزمُ الإضافة معنىً لا لفظاً- بالشطرِ الثاني, (بَعْضُ) مبتدأ، يُضَافُ الضمير هنا نائب فاعل يعود إلى (بَعْضُ) المبتدأ, وهو الرابط بين جملة الخبر والمبتدأ. أَبَدَا: هذا ظرف زمان منصوب على الظرفية. إذن: بَعْضُ الاَسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا, هذا حكمٌ عام بيّنَ به أن من الأسماء ما يلزمُ الإضافة لفظاً ومعنىً, وَبَعْضُ ذَا, بعضُ هذا مبتدأ وهو مضاف, واسمُ الإشارة مضاف إليه, أي: الملازم للإضافة، قَدْ يَأْتِ لَفْظاً قد هذا تقليل, ويحتمل أنه للتحقيق, الظاهر أنه للتقليل. قَدْ يَأَتِ لَفْظاً، يَأْتِ ما الجازمُ له هنا؟ يأتي الأصل بالياء وهو قال: يأتِ .. التاء مكسورة, ما الجازم له؟ ضرورة .. حُذفت الياء ضرورة, أو استغنى عنها بالكسرة يأتِ، يأتِ مثل غلامِ, لكن هنا غلامي ياء المتكلم لها حكم خاص, وأما هنا فلا. إذن: قَدْ يَأتِ، بَعْضُ مبتدأ ويَأتِ نقول هذا خبر, وحذف الياء استغناءً بالكسرة .. ضرورة الوزن يأتي الضمير يعودُ على (بعض) مبتدأ، قَدْ يَأتِ لَفْظاً مُفْرَدَا يعني: في اللفظ, إما أن يكون منصوباً بنزعِ الخافض أو يكون تمييزاً، مُفْرَدَا يعني: مُنفكّاً عن الإضافة, يعني غير مضاف، مُفْرَدَا هذا حال من فاعل (يَأتِ) يأتي مفرداً؛ يعني في حال كونه مُفرداً, والمراد بالإفراد هنا أن يكون مُنفكّاً عن الإضافة؛ يعني غير مضاف في اللفظ, وأما من حيث المعنى لا فهو مضاف.

قال الشارح: من الأسماء ما يلزمُ الإضافة إلى المفرد, وهو قسمان: أحدهما: ما يلزمُ الإضافة لفظاً ومعنىً فلا يُستعمَل مفرداً أي: بلا إضافة .. يحتاج إلى أن يُفسّر؛ لأن لفظ المفرد هذا مُشترَك؛ مصطلح مُشترَك حينئذٍ احتاج إلى تفسيره فقال: أي, أتى بأي: التفسيرية أي: بلا إضافة, وهو المراد بشطر البيت الأول, وذلك نحو: عندَ, عندَ هذا لا يُستعمَل إلا مضافاً, ولدى وسوى وقصارى الشيء وحماداه بمعنى غايته ومنتهاه, هذه الألفاظ لا تُستعمَل مُنفكةً عن الإضافة, يعني: لا يُحذف المضاف إليه في اللفظ أبداً, بل لا بد أن يكون منطوقاً به. والثاني وهو ما أشارَ إليه بقوله: وَبَعْضُ ذَا قَدْ يَأتِ لَفْظاً مُفْرَدَا ما يلزمُ الإضافة معنىً دون لفظ, نحو: كلّ, كل هذا مُلازِم للإضافة لكن قد يستغنى عن المضاف إليه ويعوض عنه التنوين, ((قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ)) [الإسراء:84] قل كل هذه مضاف الآن, كيف مضاف ونحن ما ننطق بها؟ نقول: حُذِف المضاف إليه وعُوِّض عنه التنوين, إذن: هي مُضافة معنىً, وأما في اللفظ فالمضاف إليه محذوف, كذلك بعض؛ بعض في الأصل أنه مُلازم للإضافة إلى مفرد, وقد يُحذف هذا المضاف ويُنوى ويُعوض عنه بالتنوين؛ يُسمّى تنوين العوض عن كلمة ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) [البقرة:253] عَلَى بَعْضٍ, أي: كذلك ((أَيًّا مَّا تَدْعُو)) [الإسراء:110] نقول: أي هذه ملازمة للإضافة أولاً ثم قد يُحذَف المضاف إليه ويبقى مَنويّاً ويعوض عنه بتنوين يُسمّى تنوين العوض. وكذلك قبل وبعد قد يُحذَف المضاف إليه ويُنوَى معناه, فيجوزُ أن يُستعمل مُفرداً بلا إضافة, وهو المراد بقوله: وَبَعْضُ ذَا؛ يعني بعض ما لزِمَ الإضافة معنىً قد يُستعمَل مفرداً لفظاً, وسيأتي كل من القسمين ((وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)) [يس:40] كلٌّ يعني: كلّهم، ((فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) [البقرة:253] ((أَيًّا مَّا تَدْعُو)) [الإسراء:110] هذه كلها نقول: حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه, يعني: حُذِف في اللفظ فحسب, وأما في المعنى فهو مراد مقصود للمتكلم, ولما حُذِف من اللفظ عُوّض عنه التنوين يُسمّى تنوين العوض. إذن: بَعْضُ الاَسْمَاءِ يُضَافُ أَبَدَا في اللفظ والمعنى, وَبَعْضُ ذَا الذي لزِمَ الإضافة في اللفظ قَدْ يَأتِ لَفْظاً مُفْرَدَا يعني قد يأتي من جهة اللفظ مُفرداً يعني: مُنفكّاً عن الإضافة, وليس المراد أنه لفظاً .. أنه في اللفظ يُتلفّظ به لا, المراد أنه قد يأتي في اللفظ دونَ المعنى, وأما في المعنى فتكونُ الإضافة مَنويّة, فلا يُستعمَل مُفرداً بحال. قَدْ يَأتِ لَفْظاً يعني: يأتي مفرداً في اللفظ فقط وهو في المعنى مضاف, فلا يلتبس، ظاهر اللفظ هنا .. العبارة أنه (ذا) قَدْ يَأتِ لَفْظاً مُفْرَدَا, حينئذٍ ما الذي حُذِف؟ اللفظ, وأما في المعنى فهو مَنوي. إذن: قَدْ يَأتِ لَفْظاً مُفْرَدَا يعني يأتي مُفرداً في اللفظ فقط يعني مُنفكّاً عن الإضافة في اللفظ فقط دون المعنى. ثم قال: وَبَعْضُ مَا يُضَافُ حَتْماً امْتَنَعْ ... إِيلاَؤُهُ اسْماً ظَاهِرَاً حَيْثُ وَقَعْ

المضاف .. ما يلزَمُ الإضافة, عرفنا أن الاسم قد يلزَمُ الإضافة إلى ما بعدَه, يعني لا بدّ من أن يُضاف, ثم هذا الذي يُضاف إليه على قسمين: منه ما يلزمُ الإضافة إلى الجملة. ومنه ما يلزمُ الإضافة إلى المفرد, وما يلزم الإضافة إلى الجملة على نوعين: منه ما يلزم الإضافة إلى الجملة مطلقاً؛ سواء كان جملة اسمية أو فعلية، ومنه ما يلزمُ الإضافة إلى الجملة الفعلية فقط دون الإسمية, هذا ما يلزمُ الإضافة إلى الجملة على نوعين؛ نوع يلزم الإضافة إلى الجملة مطلقاً؛ يعني يُضاف إلى الجملة الإسمية والجملة الفعلية, وهو: إذ, وحيث, كما سيأتي. وبعضُهُ يلزمُ الإضافة إلى الجملة لكنها مَعينة, فيُضاف إلى الجملة الفعلية فحسب دون الاسمية, هذا ما يضاف إلى الجملة. وأما ما يُختص بالإضافة إلى المفرد ويلزم الإضافة -يعني النوع الثاني- وهذا على ثلاثة أنواع: الأول: ما يُضاف للظاهر والمضمر؛ يعني يجوز إضافتُهُ للظاهر ويجوز إضافته للضمير, وهو: كلا, وكلتا, وعند, ولدى, وسوى, وقصارى الشيء, وحماداه بمعنى: غايته ومنتهاه, تقول: (عنده وعند زيد) أضفتَه إلى الضمير وإلى الاسم الظاهر, (كلا الرجلين وكلاهما). إذن: هذه الألفاظ تلزم الإضافة ثم المضاف إليه لا يختصّ بواحد دون واحد .. دون آخر بل تضاف إلى الضمير وتضاف إلى الاسم الظاهر, هذا النوع الأول. الثاني: ما يختصُّ بواحد من الاثنين السابقين إما الظاهر وإما الضمير, النوع الثاني ما يختصُّ بالظاهر؛ يعني لا يُضاف إلا إلى مفرد وهو ظاهر دون الضمير, نحو: أولي, وأولاتُ, وذوي, وذاتُ, نحو: ((نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ)) [النمل:33] هذا مُلازِم للإضافة، لكنه يُضاف إلى المفرد الظاهر, ولا يُضاف إلى الضمير، يمتنع إضافته إلى الضمير. كذلك ((وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ)) [الطلاق:4] أولاتُ مُلازِم للإضافة إلى الاسم الظاهر ولا يُضاف إلى الضمير. ((وَذَا النُّونِ)) [الأنبياء:87] ذا سبقَ معنا أنه لا يجوزُ إضافته إلى الضمير, ذووه قلنا هذا شاذ, سبقَ في باب الأسماء الستة, فهو مُلازِم للاسم الظاهر, و ((ذَاتَ بَهْجَةٍ)) [النمل:60] ذات بهجة, نقول: ذات وهي مُؤنثة ذو ملازمة للإضافة إلى الاسم المفرد لكن لا يكون إلا ظاهراً. النوع الثالث: ما يختصّ بالمضمر, فلا يُضاف إلا إلى الضمير, وهو الذي عناه بهذين البيتين: وَبَعْضُ مَا يُضَافُ حَتْمَاً امْتَنَعْ ... إِيلاَؤُهُ اسْماً ظَاهِرَاً حَيْثُ وَقَعْ إذن: الاسم المضاف باعتبار ما يضاف إليه وهو مفرد نقول: هذا على ثلاثة أنحاء: إما أنه يضاف إلى الظاهر والمضمر. وإما أنه يختص بالظاهر. وإما أنه يختص بالمضمر، وهنا الناظم أتى بما يختصّ بالمضمر, وأتى بأربعة أمثلة فحسب؛ يعني أربع كلمات ولم يعمّم لأن الباب كلّه فيه قلة في الاستعمال, ولذلك لبيك, ودواليك, وسعديك, وحنانيك, وهذاذيك, هذه كلمات قليلة الاستعمال, حينئذٍ يكون الرجوع فيها إلى ما يعتني بمثل هذه الألفاظ. إذن: الثالث ما يختصّ بالمضمر, وهو المشار إليه بهذين البيتين.

وهذا الذي يُضاف إلى الضمير على نوعين: منه ما يضاف إلى كل ضمير .. لا يختصّ بضميرٍ دون ضمير يعني يُضاف للغائب, وللمخاطب, وللمتكلم وهو وحدَه, الذي عنونَ له: كَوَحْدَ, نقول: هذا يُضاف لكل مُضمَر ((إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ)) [غافر:12] أُضيف إلى الغائب. وَكُنْتَ إِذْ كُنْتَ إِلهى وَحْدَكَا إلى المخاطب, والذِّئْبَ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْتُ بِهِ وَحْدِى .. إلى المتكلم. إذن: وحدَ .. وسبقَ أن وحدَ هذا يُنصَب على الحالية, جاء زيد وحدَه, رأيتُك وحدَك, مررتُ به وحدي, كلاها في هذه الأحوال الثلاث نقول: هو حال بمعنى مُنفرِداً ونحو ذلك, حينئذٍ نقول: هذا مما يُضاف إلى كلّ ضمير, وهو مما اختصّ بالإضافة إلى الضمير. النوع الثاني: ما يختصّ بضمير المخاطَب فحسب, يعني: لا يُضاف إلا إلى ضمير, ثم هذا المضاف إليه الضمير لا يكون إلا مخاطبا, لا يضاف إلى الغائب, ولا إلى المتكلم, وهو الثلاث الكلمات التي ذكرها الناظم: لبى ودوالى وسعدى, هذه لا تُضاف إلا إلى ضمير المخاطب, وهو مصادر مثناة لفظاً ومعناها التكرار, وهذا على مذهب سيبويه كما سيأتي, فهي ملحقة بالمثنى, مصادر مثناة لفظاً ومعناها التكرار؛ تكرار يعني: في اللفظ هي مُثنى, لكن مُراداً بها التكرار: لبيك يعني: إجابة بعد إجابة بعد إجابة بعد إجابة .. تكرار, وإن كان في ظاهره أنه مثنى, إجابة بعد إجابة. حينئذٍ نقول: مُراد الناظم بهذين البيتين ما اختصّ بالإضافة إلى الضمير ثم هو على نوعين: ما اختصّ بالإضافة إلى كل ضمير, يعني: يُضاف إلى كل ضمير. والنوع الثاني: ما اختصَّ بالإضافة إلى ضمير المخاطب. وَبَعْضُ مَا يُضَافُ حَتْمَاً امْتَنَعْ ... إِيلاَؤُهُ اسْماً ظَاهِرَاً حَيْثُ وَقَعْ بَعْضُ مَا يُضَافُ, بَعْضُ: مبتدأ, ومَا يُضَافُ, (ما) اسمٌ موصول بمعنى الذي, بعض مُضاف والاسم الموصول مضاف إليه، ويُضاف: هذه جملة الصلة لا محلّ لها من الإعراب, ونائب الفاعل يعودُ على بعض مبتدأ. حَتْمَاً امْتَنَعْ: امتنع حتماًًَ، وهذا راجع إلى قوله: يضاف، أي: وبعض ما يضاف إضافة واجبة امتنعَ إيلاؤه اسماً ظاهراً, بعض ما يُضاف حتماً يعني: ما وجبت .. لزِمت إضافتُه امتنعَ إيلاؤه اسماً ظاهراً, ألا يليه الاسمُ الظاهر, إذا امتنعَ إيلاؤه اسماً ظاهراً, الاسمُ عندنا إما اسم ظاهر وإما مضمر, فإذا امتنعَ أحدُهما تعينَ الثاني, وأَطلق باعتبار المضاف إليه هنا من حيث كونه مُضمراً يعني: نوع النوعين باعتبار الأمثلة كوحد, قلنا هذه يُضاف إلى كلّ ضمير, ولبى وما عُطِف عليه يختصّ بالضمير المخاطب. حينئذٍ إِيلاَؤُهُ اسْماً ظَاهِرَاً: امتنعَ إيلاؤه اسماً ظاهراً تعيّنَ أن يكون مُضافاً إلى الضمير, ثم نقول: مُطلَق الضمير لأنه إذا قلنا يُضاف إلى الضمير حينئذٍ جازَ أن يُقال في الأمثلة التي ذكرها الأربعة أنها تُضاف لكل ضمير, وهذا إنما يصدُق على وحدَ فقط, لا على ما بعده.

فحينئذٍ نقول: المراد بقوله: امْتَنَعْ إِيلاَؤُهُ اسْماً ظَاهِرَاً يعني: تعينت إضافته إلى الضمير, أي ضمير؟ كل الضمائر هذا الظاهر, مُطلق الضمير, فالأربعة التي ذكرها من الأمثلة تصدقُ على أن الضمير .. مُطلق الضمير تضاف إليه, وليسَ الأمر كذلك, وإنما يتعيّنُ مطلق الضمير مع وحدَ, فيُضاف إلى الضمير الغائب والمخاطَب والمتكلّم, وأما ما بعدَها الثلاث فهذا يختصّ بالمخاطب. إذن: امْتَنَعْ هذا فعل ماضي, وهو خبر المبتدأ, إِيلاَؤُهُ هذا فاعله, إِيلاَؤُهُ اسْماً ظَاهِرَاً يعني: فلا يليه إلا مضمر أخذناه بمفهوم المخالفة؛ فلا يليه إلا مُضمر, إِيلاَؤُهُ قلنا هذا فاعل من إضافة المصدر إلى مفعوله الأول, واسْماً ظَاهِرَاً: اسماً هذا مفعول ثاني, ويحتملُ العكس أن اسماً هو المفعول الأول, والهاء هو المفعول الثاني يحتمل هذا, و (ظَاهِرَاً) هذا نعت لـ (اسْماً). حَيْثُ وَقَعْ: حيثُ هذا مُتعلّق بقوله: امتنعَ, يعني امتناعه امتناعاً كلياً في كلّ خطاب وفي كلّ كلامٍ، حَيْثُ وَقَعْ في ضمن الكلام العربي؛ حيث ما نُقِل في كلام العرب, أو حيث ما تكلّمتَ أنت بكلام العرب, حينئذٍ يمتنعُ إيقاعُ بعض الأسماء الظاهرة مُضافة لبعض هذه المضافات. مثّلَ لذلك وليست على سبيل الاستقصاء, وإنما هي مجرد أمثلة, وهي قليلة الاستعمال كـ (وحدَ)؛ وهذا عرفنا أنه يُضاف إلى الضمير الغائب, والضمير المخاطب, والمتكلم, والأمثلة سبقت. لَبَّىْ: هذا فعلٌ، وهو لم يُرد الفعل، وإنما أراد (لبي) , ولذلك تُثبت الياء, إذا حُذفت الياء لم تضع تحتها نقطتين (لبى) صارت, ولذلك سيأتي في البيت: فلبى فلبي يأتي فعل ماضي ويأتي مثنى .. مصدر. إذن: (لبي)، (دوالي)، (سعدي) , هذه ثلاثة ألفاظ, ومثله: حنانيك, وهذاذيك. قال الشارح: مِن اللازم للإضافة لفظاً ما لا يُضاف إلا إلى المضمر, وهو المراد هنا نحو: وحدَك, أي: مُنفرداً, ولبيك يعني: إقامةً على إجابتك بعد إقامة, أو أجيبك إجابة متكررة هذا أحسن, نفسِّر لبيك أجيبك إجابة متكررة؛ لأننا قلنا: هذه مصادر مُثناة في اللفظ إلا أن معناها التكرار, ودواليك أي: إدالة بعد إدالة .. تداولاً بعد تداول, وقيل: هذا غلط ليسَ بصحيح, بل الصواب: طاعةً بعد طاعةٍ, دوليك طاعةً بعد طاعةٍ, والمشهور عند النحاة: إدالة بعد إدالة. وسعديك أي: إسعاداً لك بعد إسعاد, وهذه سعديك لا تُستعمل إلا بعدَ لبيك .. هي بمعنى لبيك إجابة بعد إجابة إسعاداً بعد إسعاداً. إذن: لبي ودوالي وسعدي, نقول: هي مصادر لكنها مُثناة لفظاً, والمراد بها التكرار, وهي مما يلزمُ الإضافة, يعني ألفاظ تلزمُ الإضافة إلى ما بعدها, والمضاف إليه لا يكون إلا ضميراً مخاطباً, وما عداهُ فهو شاذٌ, فإذا سُمِعَ إضافة لبي إلى الضمير الغائب حكمنا عليه بكونه شاذاً، لكون لبيكَ لا تُضاف إلا إلى ضمير الخطاب، لبيكَ بالكاف فقط, فإذا أُضيفت إلى الهاء ضمير الغائب قلنا شاذ, ولذلك قال: وشذّ إضافةُ لبي إلى ضمير الغيبة, هذا نحكم عليه بكونه شاذاً؛ لأنه خروج عن الأصل.

لَقُلْتُ لَبَّيْهِ لِمَنْ يَدْعُونِى, (لبيه) أضافه إلى الضمير .. ضمير الغيبة, نقول: هذا شاذ, وهذه كلها ما عدا (وحدَ)، (وحدَ) نُعرِبها حالاً، لبيك ودواليك وسعديك وحنانيك وهذاذيك، في كل تركيب نُعرِبها مفعولاً مطلقاً لعامل محذوف وجوباً يفسَّر مِن لفظه إلا في لبيك وسعديك, إنما يفسّر من معناه, والحكم فيها واحد, وهذا مما يجعلها قليلة الاستعمال, فحينئذٍ كلّها: لبيك وسعديك ودواليك وحنانيك وهذاذيك نقول: هذه كلها تُعرَب مفعولاً مطلقاً, والعامل فيه محذوف .. واجب الحذف, يُقدَّر من لفظه إلا لبيك وهذاذيك، هذا يُقدّر من معناه. وقد أعربَ سيبوبه هذاذيك حالاً وضُعِّف؛ لأن هذاذيك هذا مصدر قلنا مضاف إلى الضمير، إذن: هو معرفة هذه كلّها لبيك وسعديك وحنانيك هذه كلها معارف, حينئذٍ إعرابها حالاً يخرِجُها عن أصلها, فإذا كان كذلك, وأمكنَ إعرابها مفعولاً مطلقاً فهو أولى وجديرٌ بأن لا تُعرَب حالاً؛ لأن الحال لا تكون إلا نكرة, وهذه مصادر معارف, لأنها مُضافة إلى المعرفة. وحنانيك بمعنى تحنُّناً بعد تحنُّن. وهذاذيك بذالين مُعجَمتين بمعنى: إسراعاً بعد إسراع. قال الناظم: وَشَذَّ إِيلاَءُ يَدَىْ لِلَبَّىْ, يدي هذا يُشير به إلى قول الشاعر: دَعوتُ - لِمَا نابَني - مِسوَراً ... فَلَبَّى فلبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ فَلَبَّى الأولى: فعل ماضي، والثانية فلبَّيْ يَدَيْ: مفعول مطلق, والعاملُ فيه محذوف وجوباً، ولبّي مضاف ويدي مضاف إليه, هنا أُضيفت إلى الاسمِ الظاهر, ولذلك قال: شاذٌّ, لأن الأصل فيها أن تُضاف إلى الضمير, فإذا أُضيفت إلى الاسم الظاهر وقد امتنعَ إضافتها إلى الاسم الظاهر حينئذٍ نقول هذا شاذّ, هذا شاذّ يُحفَظ ولا يُقاس عليه. وَشَذَّ أي: انفردَ وحكم عليه بالشذوذ فلا يُقاس عليه البتة, وقلَّ ابن مالك أن يحكم في الألفية بشذّ .. قليل هذا, وإنما يقول: نزراً, ندر, قلّ, وأما شاذٌّ معناهُ أنه بلغَ الغاية عنده في البعد، إذا حكم بالشذوذ على كلمة أو حرف أو تركيب هذا دلَّ على أنه لا يحتمل القلة البتة, وإنما يحكم عليه بكونه شاذاً؛ لأن الألفاظ لبيك وسعديك هي قليلة جداً, فإذا خالفت الأصل الذي عليه هذا واضح أنه شاذّ, فيُحفَظ ولا يُقاس عليه, هي الألفاظ من حيث هي إضافتها إلى الضمير المخاطَب هي محفوظة ولا يُقاس عليها, فإذا خرجَت عن الأصل الذي هو عليها حينئذٍ نقولُ هذا شذوذ. وَشَذَّ إِيلاَءُ يعني: إتباع- يَدَىْ لِلَبَّىْ, قلنا: إيلاء هذا يتعدّى إلى مفعولين. وهنا قال: لِلَبَّىْ عدّاه باللام, في الأول قال: إِيلاَؤُهُ اسْماً ظَاهِراً, إِيلاَؤُهُ اسْماً, هنا قال إِيلاَءُ يَدَىْ هذا مثل إِيلاَؤُهُ, لِلَبَّىْ هذا مثل اسماً تعدّى إليه باللام, لأنه فرع، والقياس إذا زِيدت اللامُ في معمول العامل الفرعي لا نعترضُ نقول هذا جائز .. يجوزُ فيه الوجهان, إما أنه يُعدّيه باللام لكونه فرعاً مثل: ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107] وإما أن نقول: بأنه يَحذف اللام ويَنصب, لكن هنا احتاجَ للام حينئذٍ لا اعتراض, فهو على القياس. فاللام الزائدة في المفعول الثاني للبي تقوية لضعف العامل لكونه فرعاً في العمل. إذن:

وَبَعْضُ مَا يُضَافُ حَتْماً امْتَنَعْ ... إِيلاَؤُهُ اسْماً ظَاهِرَاً حَيْثُ وَقَعْ كَوَحْدَ لَبَّيْ وَدَوَالَيْ سَعْدَيْ ... وَشَذَّ إِيلاَءُ يَدَيْ لِلَبَّيْ أي: بعض الأسماء الملازمة للإضافة لفظاً ومعنىً يمتنعُ أن تُضافَ إلى الاسم الظاهر فتجبُ إضافته للمضمر, وفي هذا النوع خروجٌ عن الأصل من وجهين, هذا النوع الذي لزمَ الإضافة إلى الضمير خرجَ عن الأصل من وجهين: أولاً: لزوم الإضافة, وقلنا هذا خلافُ الأصل .. لزومُ الإضافة خلافُ الأصل. وكون المضاف إليه مُضمَراً، هذا خروجٌ عن خروج. إذن: فيه خروجان عن الأصل: أولاً: لزومُ الإضافة, وهذا خلافُ الأصل؛ لأن الأصل في الاسم يجوزُ إضافته وإفراده, فإذا لزِمَ الإضافة خرجَ عن الأصل, ثم إذا لزمَ الإضافة الأصل أنه يُضاف إلى الظاهر والضمير لا يُقيّد بشيء, فإذا قُيّد بالظاهر دون الضمير أو بالضمير دون الظاهر قلنا هذا خروجٌ آخر كونه مضاف إليه مضمراً. ثم ذكرَ أربعة ألفاظ، وقلنا: وحدَ وهو مُلازِم للنصب عن الحالية, تقول: جاءَ زيدٌ وحدَه, أي: مُنفرداً, وقد جاء مُضافاً إليه في قولهم في المدح: نَسِيْجُ وَحْدِهِ, وفريدُ دَهرِهِ. وأما لبي فإنه أيضاً مُلازِم الإضافة إلى الضمير نحو: لبيك، ومعنى لبيك -كما ذكرنا- إقامة على إجابة, أو نقول: أجيبك إجابة مُتكرّرة لأنها في المعنى بمعنى التكرار, ويُعرَب مفعولاً مطلقاً ولا يُعرَب حالاً خلافاً لسيبويه؛ لأن المصدر الموضوع للتكثير لم يَثبُت فيه غير كونه مفعولاً مطلقاً, هكذا قال ابنُ هشام في التوضيح, المصدر -بعض المصادر- قُصِد بها الدلالة على التكثير المرات .. مرّة بعد مرّة دون نهاية, نقول هذه لم يُسمع فيها باستقراء كلام العرب، إلا أنها وقعت مفعولاً مطلقاً, وقيلَ: حالاً وهو ضعيف, وهو إعرابُ سيبويه في هذاذيك؛ لأنها مَعرفة, والحال لا يكون إلا نكرة, فهو مصدر أُضيف إلى معرفة واكتسب التعريف. لبيك قلنا: هذه مُضاف ومضاف إليه, ذهبَ الأعلم وهو مِن المتاخرين إلى أن الكاف هذه حرفُ خطاب ليست بضمير, حينئذٍ هي مثلُ ذاك, وهذا ضعيف لأننا قلنا أنها مُضافة إلى الاسم, وإذا أُضيفت إلى الاسم حينئذٍ امتنعَ أن يكون الاسم حرفاً .. هذا أولاً. لبيك ونحوها, هذه الكاف ليست حرف خطاب بل هي اسمٌ لقولهم: حنانيه ولبيه فأضافوا بعض هذه الألفاظ إلى ضمير الغيبة مع شذوذه, وللاسم الظاهر فلا تحمَل هذه الألفاظ على أسماء الإشارة لاختلاف الحال, ولحذفهم النون لأجلها ولم يحذفوها في ذانك, حنانيك, حنانك, ولم يحذفوها في ذانك ولأنها لا تلحقُ الأسماء التي لا تُشبِه الحرف, وما زعمَه الأعلم أن الكاف حرف الخطاب لا موضع لها من الأعراب مثلها في ذلك ضعيف. إذن: هذه الكاف نقول: اسمٌ مضافٌ؛ لبيك: لبي مضاف والكاف مضاف إليه, ليست حرفَ خطاب بل هي اسم لقولهم: حنانيه, ولبيه, فأضافوا بعض هذه الألفاظ إلى ضمير الغيبة مع كونه شاذاً, وللاسم الظاهر فلا تُحمَل هذه الألفاظ على أسماء الإشارة. إذن: نقول: كونهم أضافوه إلى الضمير وأضافوه إلى الاسم الظاهر ثم وجدنا الكاف: لبيك, هم قالوا: لبيه, وقالوا: لبي يدي.

إذن: أضيفت إلى اسمٍ جاءت الكاف -لبيك- هذا يحتمل كلاماً الأعلم، يحتمل أن هذه الكاف حرف ويحتمل أنها اسم, لما وجدنا أنهم عاملوها معامله الأسماء, وأضافوها إلى الأسماء سواءً كان شاذا كالغيبة أو الاسم الظاهر, عرفنا أن الكاف هذه اسم وليست بحرف لأننا حملناه على ما لَه نظير, يعني الأولى أن نحمل هذه الكاف على يدي والهاء في لبيه ولو كان شاذاً, وسبقَ معنا قاعدة: أن العربي قد ينطق بكلمةٍ خلاف الأصل لنستدلَّ بها على هجران الأصل المطرد؛ لأن بعضَ الأصول قد تكونُ خلاف الأصل في الأصل, حينئذٍ تأتي كلمة ينطقُ بها عربي فصيح ثم بعد ذلك نستدلّ بهذه الكلمة على أن ذاك الأصل هذا أصله, مثل: فَإِنَّهَ أَهْلٌ لأِنْ يُؤَكْرَمَا, أصله يُكرم, عرفنا بقوله: يُؤَكْرَمَا أن ثم همزة محذوفة في الأصل: أُكرم أُأَكرِمُ هذه مثلها, قيل: يدي مسور هذا شاذ, ولبيه هذا شاذّ, استدللنا بهذا على القياس المطرد في لبيك, فقلنا الكاف هذه اسمية بدليل أنهم أضافوا لبي إلى الاسم الظاهر في يدي, وإلى الضمير, هذا وجه الرد على الأعلم. وَبَعْضُ مَا يُضَافُ حَتْماً امْتَنَعْ ... إِيلاَؤُهُ اسماً ظَاهِرَاً حَيْثُ وَقَعْ حينئذٍ لا يليه إلا مضمر, وذكرَ أربعَ كلمات على ما ذكرناه سابقاً. قال الشارحُ: ومذهبُ سيبويه أن لبيك وما ذُكر بعده مثنى وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف .. منصوب على المصدرية, لكن المشهور عن سيبويه أنه حال, ولذلك نصَّ ابنُ هشام على ذلك في الأوضح لما أوردَ البيت الدالّ على هذاذيك, قال أعربَه سيبويه حالاً وهو ضعيف؛ لأنه مصدر مضاف إلى الضمير فاكتسبَ التعريف فلا يُنصَب على الحالية. وإذا قال النحاة: منصوب على المصدرية -هكذا- فمرادُهم منصوب على أنه مفعول مطلق, هذا الأصل فيه, وإذا كان ثم ما يخالفُ هذا فلا بُدّ أن يكون اصطلاحا خاصا للمعرب، وأما الاصطلاح العام إذا قالوا: منصوب على المصدرية فالمراد به المفعول المطلق، مع كونهم يشترطون المصدر في المفعول لأجله؛ فحينئذٍ قد يلتبس لكن هذا ليس مراد. إذن: وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف من ألفاظها .. مُقدّر من ألفاظها السابقة إلا هذاذيك ولبيك فمن معناها, وأن تثنيته المقصود به التكثير، إذن: هو مُلحق بالمثنى وليس مثنى حقيقة لماذا؟ لأنه وإن كان في اللفظ مُثنى إلا أنه في المعنى جمع؛ لأنه يدلّ على كرّات .. مرّات عديدة, وأقلها ثلاثة. إذن: ليسَ في المعنى مثنى؛ فهو على هذا ملحقٌ بالمثنى, كقوله تعالى: ((ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)) [الملك:4] كَرَّتَيْنِ -هذا فيه بحثٌ لياسين هناك في حاشيته على مجيب النداء-, أي: كرات، كرتين في اللفظ مُثنى لكن في المراد المعنى المقصود: كرات؛ لأن البصر لا يرجع خاسراً إلا بمرات، كرّة بعد كرّة، الكرة الأولى قد لا يُدرِك المراد, الكرة الثانية مثلها، إذن: لابد من كرّات, فكرتين ليسَ المراد به مرّتين فقط, لقوله تعالى: ((يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)) [الملك:4] أي: مُزدجراً وهو كليل, ولا ينقلب البصر مزدجراً كليلاًً -في الغالب- من كرتين فقط, فتعينَ أن يكونَ المراد بالكرتين التكثير لا اثنين فقط.

وكذلك لبيكَ معناه إقامة بعد إقامة كما تقدّمَ وليس المراد الاثنين, وكذا باقي الأخوات على ما تقدّم في تفسيرها. ومذهب يونس -شيخُ سيبويه- أنه ليسَ بمثنى بل أنه مفردٌ مقصور على وزن (فَعلى)، (لبى)، وأنه مقصور قُلبت ألفُه ياءً مع المضمر كما قُلبت ألفُ (لدى) و (على) مع الضمير, (لبى) إذا أضفتَه قلت: لبيك, إذن أصله (لبى) مفرد, كما تقول (على) (عليه) قُلبت الألف ياء؛ لأنك أضفتَه إلى الضمير. (لدى) بالقصر إذا أضفته إلى الضمير قَلبتَ الألف ياءً قلت (لديه)، قال: (لبى .. لبيك). إذن: قُلبت الألف ياءً لأنه أُضيف إلى الضمير كما قُلبت الألف ياءً في (على) وصار (عليه) , هذا حُجَّتُه .. محتمله؛ نعم محتملة، لبيك هذا محتمل, لكن نرده بـ (لبَّيْ يَدَيْ مسِوَرِ) –بالشاذ، بالشاذ السابق-, ولذلك بعض النحاة عندهم غرام بالشذوذات هذه؛ لأنها تفضحُ الأصول, حينئذٍ لما قال: (يَدَيْ مسِوَرِ) قلب الألف ياءً، على كلام يونس أن الألف قلبها ياء, والألف تقلب ياء مع الضمير أو مع الاسم الظاهر؟ مع الضمير لا مع الاسم الظاهر, فدلَّ على أن أصله ليس ألفاً, بل هي ياء. هنا نقول: قال يونس: أنه ليسَ بمثنى، لبيك ليسَ بمثنى، فمن أين جاءت هذه الياء؟ قال: هذه أصلُها ألف, أصلها (لبى) مثل (فتى) مقصور على وزن فعلى, الألف لماذا قُلبت ياء؟ قال: مثل ألف (على) تُقلب ياءً إذا جَرّت الضمير, فتقول: عليه, و (لدى) تقول: (لديه)، إذن قُلبت الألف ياء, كذلك (لبى) لما أُضيفت إلى الضمير قُلبت الألف ياء, وإلا فهو مفرد, هذا نرده بأن الياء موجودة مع غير الضمير, وإنما تُقلب الألفُ ياءً مع الضمير, وهنا قال (يَدَيْ مسِوَرِ) ولذلك (لبى) الأولى نقول هذه فعل ماضي، بالألف لبى مثل عصى, و (لبى) الثانية .. (لبي) فلبَّيْ يَدَيْ مسِوَرِ؛ لبي نقول مفعول مطلق منصوب بالياء؛ لأنه مُلحق بالمثنى, وهو مضاف ويدي مضاف إليه, ويدي مضاف مجرور بالياء, ومسور مضاف إليه. هنا يدي .. (لبي يدي) لبي بالياء, لما أضافها إلى الاسم الظاهر فالياء موجودة دلَّ على أن الياء ليست أصلها الألف .. ليست مقلوبة عن الألف, بل هي ياء المثنى التي تعرب. قال: وردَّ عليه سيبويه بأنه لو كان الأمر كذلك كما ذُكر لم تنقلب ألفُهُ مع الظاهر ياء؛ لأنها تنقلبُ مع الضمير لا مع الظاهر في البيت الذي سبقَ ذكره، كما لا تنقلب ألفُ (لدى) و (على) مع الظاهر عندما تقول (على زيدٍ) , (لدى زيدٍ) , بقيت الألف لو كان الأمر ذلك كما زعمَ يونس لقال: يدا لبى يدي بقيت الألف كما هي لأنها لا تنقلبُ مع الظاهر, وإنما تنقلبُ مع الضمير. كذلك كان ينبغي أن يقولَ (لبى زيدٍ) بالألف؛ لكنهم لما أضافوه إلى الظاهر قلبوا الألف ياء فقالوا: فلبي (يَدَيْ مسِوَرِ) , فدلَّ ذلك على أنه مُثنى وليس بمقصور كما زعمَ يونس. إذن: لبيك نقول: الصواب أنه مثنى, وأن الياء هذه ياء إعراب وليست مُنقلبة عن الألف كما زعمَ يونس, والدليل ما ذكرناه. وَأَلْزَمُوا إِضَافَةً إِلَى الْجُمَلْ ... حَيْثُ وَإِذْ وَإِنْ يُنَوَّنْ يُحْتَمَلْ إِفْرَادُ إِذْ وَمَا كَإِذْ مَعْنىً كَإِذْ ... أَضِفْ جَوَازاً نَحْوُ حِينَ جَانُبِذْ

وَأَلْزَمُوا أي: العرب، إِضَافَةً إِلَى الْجُمَلْ ألزموا حيث وإذ إضافة إلى الجمل. إذن: هذا شروعٌ منه في بيان ما يلزمُ الإضافة إلى الجمل, وقلنا هذا على نوعين: ما يُضاف إلى الجمل مطلقاً اسمية كانت أو فعلية. والثاني: ما يُضاف إلى الجملة الفعلية فحسب. وَأَلْزَمُوا أي العرب, حَيْثُ: وهذا مفعولٌ أول لـ أَلْزَمُوا, وإِذْ: معطوف عليه، إِضَافَةً: هذا مفعول ثاني، إذا عرفت الإعراب تعرف المعنى مباشرة, ألزموا حيث وإذ إضافة إلى الجمل, هذا التركيب. إذن: حيث مفعول أول, وإذ معطوف عليه، وإضافة هذا مفعول ثاني، إلى الجمل: جار ومجرور متعلّق بقوله إضافة، حيثُ وإذ، حيث: ظرفُ مكان تصرّفه نادر، بل منعَ بعضُهم أن يتصرّف، ولذلك ردّ على ابن هشام أنه جوّز أن قوله تعالى: ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) [الأنعام:124] جوّزَ في القطر أن حيث مفعول به لقوله يعلم مُقدَّر, وقيل له: إن حيث إذا كانت مفعولاً به صارت مُتصرّفة, والأصل أنها لازمة يعني: لازمة الظرفية, فلا تأتي مفعولاً به, وحينئذٍ يُردّ هذا القول بذا. إذن: ظرف المكان تصرفه نادر، وقيلَ بالمنع .. لا يتصرف, وقد يراد به الزمان وإلا الأصل فيه أنه ظرف مكان, وقد يخرج عن الظرفية المكانية ويُراد به الظرفية الزمانية، وثاؤه بالحركات الثلاث: حيثُ وحيثَ وحيثِ إلا أنها لغات، يعني في لغة أو عندَ قبيلة حيث بالضم, وفي قبيلة أُخرى حيثَ بالفتح, وفي قبيلة ثالثة حيثِ بالكسر, وليسَ مجتمعة في قبيلة واحدة لا, وإنما هي لغات، إذن: لكلٍّ لغته, وثاؤه بالحركات الثلاث, وقد تُبدَل ياؤه واواً, فيقال: حُوث, هذه لغة رابعة حُوث بالواو, بل قال ابنُ سيده هي الأصل, وبنو فقعس يعربونها، يعني ليست مبنية عندهم بل هي معربة، حينئذٍ تكون مثل قبل وبعد في حال الإعراب. ولا يضاف إلى الجملة من أسماء المكان غيرها كما في المغني, وقيل: (لدن) كما سيأتي, لكن المشهور كما نصَّ عليه ابن هشام في المغني أنه لا يُضاف من ظروف المكان إلى الجملة إلا حيثُ فحسب وزِيدَ عليه على خلاف (لدن) كما سيأتي. إذن: حيثُ فقط هي التي تُضاف من ظروف المكان إلى الجمل بخلاف ظرف الزمان, وأما (إذ) فهي ظرف زمان ماضٍ لا يتصرَّف إلا إذا أُضيف إليه ظرف زمان, لا يتصرّف؛ ما معنى لا يتصرَّف؟ إذا قيل مُلازم للظرفية .. النصب على الظرفية حينئذٍ لا يكون مُبتدأ, ولا خبراً ولا مفعولاً به ولا اسم (إن) إلى آخرة, لا يأتي في هذه المحال, وإذا قيل يتصرّفُ نادراً حينئذٍ قد يخرُجُ عن الظرفية فيكونُ مفعولاً به, وهنا (إذ) ظرف زمان لا يتصرّف إلا أُضيف إلى ظرف زمان مثله كحينئذٍ يومئذٍ، حينئذٍ نقول هذه مُتصرِّفة لأنها أُضيفت إلى اسم زمان.

قال بعضُهم .. ومنهم ابنُ مالك: أو وقعَ مفعولاً به، يعني إذا جاءَ في محلِّ مفعول به صارَ متصرفاً ومثَّل له بقوله: ((وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا)) [الأعراف:86] (إذ) قال هذه مُتصرّفة؛ لأنها في محلّ مفعول به، أو بدلاً منه؛ بدلاً من (إذ) كما في قوله تعالى: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ)) [مريم:16] قال إِذِ انتَبَذَتْ بدل اشتمال من قوله وَاذْكُرْ, فـ إِذِ انتَبَذَتْ بدل اشتمال من مَرْيَمَ, ومنعَ ذلك الجمهور، الجمهور على المنع؛ على أنها ملازمة للظرفية فلا تتصرّف. وترد للتعليل - (إذ) - تَرِد للتعليل, فحينئذٍ تكون حرفاً على المشهور عند النحاة، حينئذٍ (إذ) هنا المراد التي تضاف إلى ما بعدها ليست إذ الحرفية التي تكون للتعليل, وقد قيل: إنها للظرفية والتعليل مُستفاد من قوة الكلام, هكذا قيل, لكن المشهور أن (إذ) التعليلية حرف وليست باسم حينئذٍ ليست هي التي تضاف إلى ما بعدها. حَيْثُ وَإِذْ نقول ملازمان للإضافة، ثم لا يُضافان إلى المفرد, وشذ إضافة حيث إلى المفرد وهو مذهبُ الكوفيين كما سيأتي, حينئذٍ يُضافان إلى الجملة, ولذلك أطلقَ الناظم هنا قال: وألزموا حيثُ وإذ إضافةً إلى الجمل، إلى الجمل أطلقَ الجمل، حينئذٍ يعمّ الجملة الاسمية والجملة الفعلية, تقول: إذ زيدٌ قائم, إذ قام زيدٌ, يجوزُ هذا وذاك. وتقول: حيثُ جلسَ زيدٌ, وحيثُ زيدٌ جالس، إذن: أُضيف إلى الجملة الاسمية والجملة الفعلية, وظاهر كلامه استواء الطرفين؛ لأنه أطلقَ الجمل؛ يعني إضافة حيثُ إلى الجملة الاسمية والفعلية بمرتبة واحدة, كلاهما في مرتبة واحدة، وكذلك إضافة (إذ) إلى الجملة الاسمية والجملة الفعلية في مرتبة واحدة, وليس الأمرُ كذلك, بل إضافة (إذ) إلى الجملتين في الجملة على مرتبة واحدة, وأما (حيثُ) لا، فيه تفصيل, (حيثُ) نقول إضافة (حيثُ) إلى الفعلية أكثر من إضافتها للاسمية، يعني في لسان العرب الأفصح والأكثر المطرد إضافة (حيثُ) إلى الجملة الفعلية دون إضافتها إلى الجملة الاسمية، وأما إضافتها إلى الجملة الاسمية فهو أقل، حينئذٍ ليسَ على مرتبة واحدة .. ليس في مرتبة واحدة, وإذ إضافتها إلى الجملتين بمنزلة واحدة. إذن: إضافة (إذ) إلى الجملة الاسمية أو الفعلية في مرتبة واحدة، لكن ثَم استحسان فيما إذا كان خبرها فعلاً ماضياً .. سيأتي. وإضافة (حيثُ) لا، نقول: إضافتها إلى الجملة الفعلية أكثر من إضافتها إلى الجملة الاسمية. إذن: قوله: وألزموا (حيثُ) وإذ إضافة إلى الجمل، نقول ليس على إطلاقه, أما من حيث الإضافة -مطلق الإضافة- إلى الاسمية والفعلية فهذا لا إشكال فيه, وقد يكون هو الذي أراده الناظم هنا.

وأما الأكثرية فهذا مبحث بياني يتعرض له البيانيون, لكن إضافة حيثُ إلى الفعلية أكثر ولذلك ترجّحَ النصب في نحو: (جلست حيث زيداً أراه) , يجوز (حيثُ زيد أراه) , والنصبُ أرجح، يجوز الوجهان من باب الاشتغال, يجوز (زيد أراه) , (جلست حيثُ زيدٌ أراه) , يجوز الوجهان, لكن لما كانت (حيثُ) دخولاً أكثر على الجملة الفعلية صارَ النصبُ أرجح هنا, فتقول: (جلست حيثُ زيداً -بالنصب- أراه) يعني: (حيثُ أرى زيداً) فأخرجت الجملة الاسمية عن كونها اسمية لتكون فعلية مع جواز إضافة (حيث) للاسمية ليكون موافقاً للأرجح والأكثر في لسان العربن (جلست حيث زيداً أراه). قال في الهمع: وتقبحُ إضافة (إذ) إلى اسمية عجزُها فعل ماضٍ, عجزُها يعني خبرها فعل ماضي، (إذ) إذا أضفتها إلى جملة اسمية فالأحسنُ أن لا يكونَ الخبر فعلاً ماضياً, بل يكون اسماً مُفرداً فتكون الجملة اسمية مطلقاً في الجزأين, أو يكون فعلاً مضارعاً. وأما الماضي قال: يقبحُ نصَّ عليه السيوطي في همع الهوامع, ووجهُ قبحِهِ أن (إذ) لما مَضى, وهذا واضح, والفعل الماضي مُناسِب لها في الزمان, وهما في جملة واحدة, فلم يحسُن الفصل بينهما يعني لا يحسُن أن نفصِل بينَ (إذ) التي للماضي والفعل الذي للماضي, بل الأولى أن يليَ الفعل الماضي (إذ) فتقول: (إذ قام زيدٌ) , أما (إذ زيدٌ قام) قال: هذا جائز, لكنه قبيح لأن (إذ) للماضي وقام للماضي. إذن: اتفقا فالمناسبة أن يتلو الماضي (إذ) .. هذا المناسب, وأما فصلُهُ بالاسم هذا فيه قبحٌ، بخلاف ما إذا كان مضارعاً (إذ زيدٌ يقومُ) فإنه حسن, وأما (إذ زيدٌ قائم) فهذا هو الأصل. وقال في التصريح: شرطُ الاسمية بعد (إذ) أن لا يكون خبرُ المبتدأ فيها فعلاً ماضياً على ما ذكرناه لكنه ليسَ شرطَ صحة، وإنما هو شرطُ حسنٍ فحسب، يعني شرط إضافة إذ للجملة الاسمية أن لا يكونَ خبرُها فعلاً ماضياً وإذا كان خبرُها فعلاً ماضياً لا يصح؟ لا، يصح، وإنما هو شرطُ استحسان فقط، يعني الأفضل. شرط الاسمية .. -يعني شرط حسنٍ- بعد (إذ) أن لا يكون خبر المبتدأ فيها فعلاً ماضياً، نصَّ على ذلك سيبويه، يعني نطقَ بهذا, وشرطُ الفعلية أن يكون فعلها ماضياً لفظاً أو معنًى لا لفظاً، أن يكون الفعل ماضياً, وشرطُ الفعلية أن يكون فعلها ماضياً لفظاً نحو: ((وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا)) [الأعراف:86] كنتم: كان فعل ماضي لأنه مُناسبٌ لـ (إذ)، (إذ) للزمن الماضي ويناسبُها الفعل الماضي, أو معنىً لا لفظاً ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَاسماعِيلُ)) [البقرة:127] يرفعُ رفعَ، هنا يرفع فعل مضارع في اللفظ لكنه في المعنى ماضي. إذن: مما يصرِفُ الفعل المضارع عن معناه الحال إلى الماضي (إذ) كـ (لم)، لم: حرف نفي وجزم وقلب, ما معنى قلب؟ قلبتَ زمن المضارع من الحال إلى المضي, لم يضرب زيدٌ عمراً هذا بالزمن الماضي, وأما الآن فلا, (إذ) كذلك تقلب زمن المضارع من الحال إلى الماضي، دليله ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ)) [البقرة:127] إلا إذا أُريد به الحكاية, ثم قال:

وشرطُ الاسمية بعد حيثُ أن لا يكون الخبر فيها فعلاً, نصَّ على ذلك سيبويه، يعني إذا أُضيفت حيثُ إلى جملة اسمية فالأحسن أن لا يكونَ الخبر فيها فعلاً, جلستُ حيثُ زيدٌ حبسته هذا خلاف الأصل, وإذا أردت أن تخرجَ عن هذا القبح فتنصب الاسم كما ذكرناه سابقاً. وَألْزَمُوا إِضَافَةً إِلَى الْجُمَلْ إِفْرَادُ إِذْ ................. ... حَيْثُ وَإِذْ وَإِِنْ يُنَوَّنْ يُحْتَمَلْ وَإِِنْ يُنَوَّنْ إذ يعني يدخله التنوين, وهنا الضمير يرجعُ إلى أقرب مذكور, فحيثُ لا تختصُّ بالحكم، انتهى الكلام عن حيثُ، والكلام الآن في فرع (إذ)، (إذ) قد تضاف معنىً لا لفظاً. إذن: جمع في هذا البيت ما يُضاف لفظاً ومعنىً وهو حيثُ, وأما (إذ) فهذه مما تُضاف معنىً لا لفظاً، بمعنى أنه يجوزُ حذف المضاف إليه وتعويض التنوين عنه ولذلك قال: وَإِِنْ يُنَوَّنْ هذا عائدٌ إلى أقرب مذكور وهو (إذ)، يُحْتَمَلْ إِفْرَادُ (إِذْ)، يُحْتَمَلْ هذا فعل مضارع مُغيّر الصيغة, إِفْرَادُ هذا نائب الفاعل, وهو مضاف وإذ مضاف إليه. والمراد بإفراد (إذ) هنا يعني فكّها وانفصالها عن الإضافة. يُحْتَمَلْ يعني: يُجَوَّزُ إفراد إذ؛ فيجوزُ لك إذا نونت (إذ) أن تفكَّها عن الإضافة, وهذا واضح بيّن؛ لأن التنوين يقطع .. فاصل يفصل المضاف عن المضاف إليه, ولذلك جُعِل حذفُه شرطاً في صحة الإضافة. نُوناً تَلِي الإِعْرَابَ أَوْ تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا إذا لم يحذف لا يتصوّر وجود الإضافة, وَإَنْ يُنَوَّنْ يُحْتَمَلْ يُجَوَّزُ إِفْرَادُ (إِذْ) وهذا سبقَ معنا في تنوين العوض. وَإَنْ يُنَوَّنْ يُحْتَمَلْ يعني يُجَوَّزُ، مبني للمفعول من التجويز بمعنى عدمِ الامتناع لوجوب الإفراد حينئذٍ وذلك إذا أُفردت (إذ). قال: إِفْرَادُ (إِذْ) ولم يقل إفرادها وهو الأصل، يعني أظهرَ في مقام الإضمار, أظهرَ في مقام الإضمار قالوا دفعاً لتوهم رجوع الضمير لغير (إذ)، وإن ينون يحتمل إفرادها، هذا يحتمل أنه يشمل (حيثُ) و (إذ)، ولكن لما أراد (إذ) دون حيثُ حينئذٍ قال: إِفْرَادُ (إِذْ) نصَّ على (إذ)، دفعاً لتوهم رجوع الضمير لغير (إذ) , ((وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)) [الروم:4] ((بِنَصْرِ اللَّهِ)) [الروم:5] يومئذٍ .. يومئذ حُذفَ المضاف إليه وجيءَ بالتنوين عوضاً عنه .. عوضاً عن الجملة, ((وَأَنْتُمْ حينئذٍ تَنظُرُونَ)) [الواقعة:84] حينئذ بلغت الروح الحلقوم تنظرون. إذن: حُذف المضاف إليه وهو جملة وجِيءَ بالتنوين بدلاً عنه, وأكثر ما يكون ذلك مع إضافة اسم الزمان إليها، يعني أكثر ما يُؤتى بالتنوين -تنوين العوض- مع إضافة اسم الزمان إليها كما في نحو: يومئٍذ وحينئذٍ, ويكون التنوين عوضاً من لفظ الجملة المضاف إليها كما سبق في أقسام التنوين.

وَمَا كَـ (إِذْ) مَعْنىً كَـ (إِذْ) أَضِفْ جَوَازَاً, و (ما) مبتدأ كـ (إذ) هذا مُتعلّق بمحذوف صلة الموصول يعني: والذي استقرّ كـ (إذ) مثل (إذ) في المعنى معنىً في المعنى؛ يعني من جهة المعنى تمييز، كـ (إذ) هذا خبر, مثل (إذ) , يعني الألفاظ من أسماء الزمان التي أُجريت مجرى (إذ) في المعنى كـ (إذ)، يعني عندنا أصل وعندنا فرع, عندنا أصل وهو (إذ) ما الحكم؟ أنها تُضاف إلى الجملة الاسمية والجملة الفعلية, إذ أصلُ حكمها لزومُ الإضافة إلى الجملة بنوعيها، ما أشبهَ (إذ) أخذَ حكم (إذ)، وهو الإضافة إلى الجملة الاسمية أو الفعلية هذا مراده. إذن: يجري مجرى (إذ) في كونه اسمَ زمان مُبهم ماضياً مثل (إذ) في الإضافة إلى الجملة الفعلية والاسمية. وَمَا كَـ (إِذْ) مَعْنىً كَـ (إِذْ) يعني في كونه ظرفاً مُبهماً ماضياً نحو: حين ووقت وزمان ويوم, إذا أُريد بها الماضي, ويُشترَط فيها أن تكونَ مثل (إذ) بمعنى أنها غير محدّدة, وأما المحدود فلا؛ لأن (إذ) هذه لمطلق الزمن الماضي, واذكر (إذ) كنت كذا مثلاً؛ حينئذٍ نقول هذا في الزمن الماضي, هل هو محدود أو مُطلق؟ نقول: هذا مُطلق ليس بمحدود. إذن: ما كان مثل (إذ) في الدلالة على الزمن الماضي فحينئذٍ نقول: أخذَ حكم (إذ) , وما هو حكم إذ؟ إضافتُها إلى الجملة بنوعيها, ثم هذه الإضافة حكمُها اللزوم في (إذ) إلا أنه لم يلحق به ما أشبه (إذ) في اللزوم, وإنما ألحقَ به في جوازِ الإضافة على أصلها. ولذلك قال: أَضِفْ جَوَازَاً يعني أَضِف هذه الألفاظ التي أشبهت (إذ) جوازاً, ونصَّ عليه لئلا تلحق بـ (إذ) في كونها تلزم الإضافة وإنما تجوزُ الإضافة. إذن: هذه الألفاظ المشبهة لـ (إذ) أشبهتها في المعنى, فأُلحقِت بها من حيث جواز الإضافة إلى الجملة دون وجوب تلك الإضافة. وَمَا كَـ (إِذْ) مَعْنىً كَـ (إِذْ)، قلنا في كونه ظرفاً مُبهماً ماضياً نحو: (حين) , و (وقت) , و (زمان) , و (يوم) إذا أُريد بها الماضي كـ (إذ) في الإضافة إلى ما تُضاف إليه إذ فحسب, يعني في جوازِ الإضافة فحسب, وأما حكمها وهو اللزوم فلا, فهي مخالفة لها, ولذلك نصَّ على ذلك, قال: أَضف جوازاً لا لزوماً كـ (إذ)، إضافة (إذ) لازمة .. واجبة لا تنفكُّ عن الإضافة إما لفظاً ومعنىً وإما معنىً, وأما هذه الألفاظ حين وما عُطِف عليه نقولُ: هذه يجوزُ إضافتها إذا أشبَهت (إذ) لكن لا على وجهِ الإيجاب, يجوزُ لك أن تُضيف ويجوزُ لك أن تترك. نَحْوُ: حِينَ جَا نُبِذْ: حِينَ هذا أشبه (إذ) في كونه اسمَ زمان مبهم للماضي, أُضيف إلى الجملة حِينَ جَا، جاء قلنا: هذا فيه لغتان: جا وجاء, نُبِذْ يعني طرح، حِينَ جَا نُبِذْ, نُبِذ حين جا, يعني مُتعلّق بنُبِذ هو العامل فيه.

قال الشارح: مِن اللازم للإضافة ما لا يضاف إلا إلى الجملة وهو (حيث) و (إذ) و (إذا) , ذكر (إذا) وسيذكُرها الناظم لأنها مما اختصَّ بالإضافة إلى الجملة الفعلية, فأما حيثُ فتُضاف إلى الجملة الاسمية (اجلس حيث زيدٌ جالس) , اجلس هذا فعل أمر, حيثٌ: تقول ظرف مكان مبنيّ على الضم مُتعلّق بقوله اجلس، زيدٌ مبتدأ, جالسٌ هذا خبر, والجملة في محلّ خفض مضاف إليه, لأنها ملازمة للإضافة, لا بد أن يكون مضاف ومضاف إليه. وإلى الجملة الفعلية (اجلس حيث جلس زيد)، كذلك (جلس زيد) تقول الفعل والفاعل جملة في محلّ خفض بإضافة حيث إليها, أو حيث يجلس زيدٌ في الجملة الفعلية "المضارع يعني"، وشذّ إضافتها إلى مفرد كقوله: أَمَا تَرَى حَيْثُ سُهَيْلٍ طَالِعَا ... نجماً يُضيءُ كالشِّهابِ لاَمِعَا حَيْثُ سُهَيْلٍ: حيثُ مضاف وسهيلٍ مضاف إليه, وهذا سارَ عليه الكسائي وغيرُه من الكوفيين فجوّزوا إضافة حيث إلى المفرد, والصواب أنه لا يجوزُ إضافة حيثُ إلى المفرد, بل تلزمُ الإضافة إلى الجملة, وهذا شاذّ؛ كما قال الشارح: وشذّ إضافتها إلى مفردٍ؛ لأن حيثُ تضمن معنى الشرط, وإذا كان كذلك حينئذٍ لا بد أن يكون مضافاً إلى الجملة. وأما إذ فتُضاف إلى الجملة الاسمية كذلك بالشرط السابق -الشرط الاستحساني نحو: (جئتك إذ زيد قائم) , ((وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ)) [الأنفال:26] إذ أنتم قليل, وإلى الجملة الفعلية: جئتُك إذ قامَ زيد, ((وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً)) [الأعراف:86] وقد تكون الجملة كذلك فعلا مضارعا, ((وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الأنفال:30] لكن مُراداً بها الماضي كما سبق ومعنى هذا المضارع حينئذٍ المضي. إذن: تُضاف إلى الجملة الاسمية, وتُضاف إلى الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ, وتُضاف إلى الجملة المضارعية حينئذٍ يكون المراد بها من جهة المعنى الماضي؛ لأن إذ للماضي وإذا وقعَ بعدَها الفعل المضارع هذا فيه تناقض؛ فلا بدّ من تأويلِ المضارع على أنه في الزمن الماضي ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ)) [البقرة:127] هذا الأصل. وهذه الأمثلة الثلاثة اجتمعت في قوله تعالى: ((إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ)) [التوبة:40] إِذْ أَخْرَجَهُ: جملة ماضوية, إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ: اسمية؛ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: جملة مضارعية بمعنى الماضي, ويجوزُ حذف الجملة المضاف إليها ويأتى بالتنوين عوضاً عنها، وهذه قاعدة مُطردة ((وَأَنْتُمْ حينئذٍ تَنظُرُونَ)) [الواقعة:84] وهذا معنى قوله: وَإِذْ وَإَنْ يُنَوَّنْ يُحْتَمَلْ ... إِفْرَادُ إِذْ: إن يُنوّن إذ .. دخله التنوين يُجَوَّزُ إفراد إذ فتكون مُفردة عن المضاف إليه لكن في اللفظ لا في المعنى. فـ (إذ) مما يلزم الإضافة معنىً لا لفظاً؛ كيف تلزم الإضافة معنىً؟ يعني لا تنفكّ على المضاف إليه البتة, قد يُحذف نقول: هذا في اللفظ, وأما في المعنى والتقدير نقول: لا؛ لا يحذف، بخلاف حيثُ، حيثُ هذه ملازِمة للمضاف إليه لفظاً ومعنىً، وأما إذ فهذه مُلازِمة للإضافة معنىً دون لفظ.

أي: وإن يُنون "إذ" يحتمل إفرادها يعني يقبل ويُجَوَّزُ أي: عدم إضافتها لفظاً .. لفظاً -انتبه- لا معنىً لوقوع التنوين عوضاً عن الجملة المضاف إليها. وأشارَ بقوله: وَمَا كَـ (إِذْ) مَعْنىً كَـ (إِذْ):ما كـ (إذ) يعني: ما شابه (إذ) في كونه اسم زمان مُبهم بمعنى الماضي, يجري مجرى (إذ) في إضافته إلى الجمل. وَمَا كَـ (إِذْ) يعني: والذي كـ (إذ)، (ما) اسم موصول يصدق على ماذا؟ ما كـ (إذ) يعني: اسم زمان الذي أشبه إذ. إذن: هو صادق على الملحق بـ (إذ)، وهو ما شابَه (إذ) في كونه اسمَ زمان, وليسَ المراد به الظرف، لا؛ قد يكون ظرفاً وقد لا يكون, إنما المراد به اسم زمان فحسب. مبهم لا محدود إذا كان محدوداً لا, بمعنى الماضي لا بمعى الاستقبال, إن كان بمعنى الاستقبال لا خرج عن معنى (إذ)؛ لأن (إذ) تدلُّ على زمنٍ ماضٍ مُبهَم غير محدود, فما دلَّ على هذا المعنى حينئذٍ نقول أشبهَ (إذ) فأخذَ حكمَها. ما شابه إذ في كونه اسمَ زمان مُبهَم بمعنى الماضي يجري مجرى (إذ) في إضافته إلى الجمل, و (ما) هذه موصولة واقعة على أسماء الزمان الشبيهة بـ (إذ) إلا أن ما كان مثل (إذ) في كونه ظرفاً يعني: اسمَ زمان ليسَ المراد ظرفية يعني ينصب على الظرفية وإلا لا؟ لا, المراد به اسم الزمان، وإنمّا عبروا بهذا مِن باب التوسع يعني اسم الزمان سواءً كان منصوباً على الظرفية أم لا ((يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ)) [غافر:16] يومَ هذا ظرف, ((يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ)) [المائدة:119] بالرفع هذا خبر يعني هذا مُعرب, ((يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ)) [المائدة:119] يوم نقولُ هذا ظرف أو اسم زمان؟ اسم زمان, ((يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ)) [غافر:16] يوم هذا ظرف. إذن: لا يُشترَط في اسم الزمان أن يكونَ ظرفاً بل قد يكون ظرفاً يعني منصوباً على الظرفية ويُضاف إلى الجملة التي تليه, وقد لا يكون ظرفاً مثل المثال الذي ذكرناه. في كونه ظرفاً ماضياً غيرَ محدود يعني: مُبهَماً يجوزُ إضافته إلى ما تُضاف إليه إذ من الجملة وهي الجمل الاسمية والفعلية, وذلك نحو: (حين) و (وقت) و (زمان) و (يوم) , فتقول: جئتُك حين جاء زيد, ووقت جاءَ زيد, وزمان قَدِم بكر, ويومَ خرجَ خالد, وكذلك تقول: جئتُك حين زيد قائم, وكذلك الباقي, فالحكم سيّان مثلها مثل (إذ). وإنما قال المصنف: أَضِفْ جَوَازَاً ليُعلم أن هذا النوع -أي ما كان مثل إذ في المعنى- يُضاف إلى ما يُضاف إليه (إذ)، وهو الجملة جوازاً لا وجوباً, فإن كان الظرف غيرَ ماضٍ بأن كان مستقبلاً، أو محدوداً معيناً غير مبهم, لم يجرِ مجرى (إذ) بل يُعامل غير الماضي مُعاملة (إذا) , فلا يُضاف إلى الجملة الاسمية بل إلى الفعلية, أجيئك حين يجيءُ زيد, هذا وسيأتي ما أُلحق بـ (إذا) يعني: ما كان معناه معنى (إذا) في الزمن المستقبل حينئذٍ نقول هذا يُلحَق بـ (إذا) فلا يُضاف إلا إلى الجملة الفعلية. ولا يُضاف المحدود إلى جملة وذلك نحو: شهر وحول, بل لا يُضاف إلا إلى مُفرد نحو: شهر كذا وحول كذا. إذن: وَألْزَمُوا إِضَافَةً إِلَى الْجُمَلْ ... حَيْثُ وَإِذْ وَإِنْ يُنَوَّنْ يُحْتَمَلْ

إِفْرَادُ إِذْ وَمَا كَإِذْ مَعْنىً كَإِذْ ... أَضِفْ جَوَازاً نَحْوُ حِينَ جَانُبِذْ هذا هو النوع الثاني من اللازم للإضافة وهو ما يختصُّ بالجمل وقلنا هذا قسمان: ما يختصُّ بنوع من الجمل, وهو (إذا) سيأتي ذكره، وما لا يختصُّ وإليه الإشارة بهذين البيتين, وحينئذٍ نقولُ: (حيث) و (إذ) مُلازمان للإضافة, ولا يُضافان إلا إلى الجمل, ثم حيثُ لازمة للإضافة معنىً ولفظاً, وأما إذ فهي مُلازمة للإضافة معنىً لا لفظاً لأنه ينفكُّ عن المضاف إليه. وَابْنِ أَوِ اعْرِبْ مَا كَإِذْ قَدْ أُجْرِيَا ... وَاخْتَرْ بِنَا مَتْلُوِّ فِعْلٍ بُنِيَا وَقَبْلَ فِعْلٍ مُعْرَبٍ أَوْ مُبْتَدَا ... أَعْرِبْ وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا عرفنا (إذ) هذه مبنية, وما أشبه (إذ) أخذَ حكمها في الإضافة، بقي حكمُ اسمِ الزمان نفسِه, (إذ) مبنيّة هل تُبنى مثله أم لا؟ الكلام في ما أشبهَ (إذ)، أما (إذ) فهي مَبنيّة قولاً واحداً, ولما أشبهتها هذه الكلمات -وهي اسماء الزمان الدالة على الزمن الماضي المبهم- قلنا أخذت حكمَ (إذ) في إضافتها إلى ما بعدها, بقي حكمُها هي, هي مُعربة (يومٌ) و (وقتٌ) و (زمنٌ) , قال: وَابْنِ أَوِ اعْرِبْ مَا كَـ (إِذْ) قَدْ أُجْرِيَا: ما قد أُجرِي كـ (إذ) أنتَ مُخيَّر بينَ حكمين, إما الإعراب وهو الأصل, وإما البناء حملاً على (إذ) .. يجوزُ فيها الوجهان: (جئتك حينَ جاء زيدٌ) , بالنصب على الظرفية, وبالبناء على الفتح. وَابْنِ أَوِ اعْرِبْ مَا هذا اسم موصول بمعنى الذي, واقعٌ على أسماء الزمان التي أجريت مجرى إذ وتنازعه الفعلان. ابنِ ما قد أُجري كـ إذ)، أعرب ما قد أُجري كـ (إذ)، وأعمل الثاني وأضمر في الأول ثم حذف هذا الأصل. مَا كَـ (إِذْ) قَدْ أُجْرِيَا يعني مما سبقَ أن يُضاف إلى الجملة جوازاً، أما الإعراب فعلى الأصل, وأما البناء فحملاً على (إذ)، ما قد أُجرى كـ (إذ). وَاخْتَرْ بِنَا مَتْلُوِّ فِعْلٍ بُنِيَا إذن: الجواز أخذناهُ من الشطر الأول, يجوزُ اتفاقاً هذا أو ذاك, لكن ثَم ترجيحٌ بينهما في الأولوية. وَاخْتَرْ بِنَا: هذا بالقصر للضرورة. اخْتَرْ بِنَا مَتْلُوِّ فِعْلٍ بُنِيَا: يعني أن الأرجحَ والمختارَ في ما تلاهُ فعلٌ مبني البناء, يعني: إذا أُضيف اسمُ الزمان إلى جملة ماضوية, فحينئذٍ الأرجحُ البناءُ على الإعراب مع جواز الإعراب، وإذا أُضيف إلى فعلٍ مضارعٍ مبني فحينئذٍ الأرجحُ هو البناء دون الأعراب؛ لماذا؟ لأنه قال: وَاخْتَرْ بِنَا مَتْلُوِّ فِعْلٍ, ما هو التالي؟ الفعل, والمتلو؟ هو اسم الزمان, مَتْلُوِّ فِعْلٍ بُنِيَا سواءٌ كان البناء أصلياً كالفعل الماضي, أو عارضاً وطارئاً كالفعل المضارع إذا اتصلَ به ما يُوجِب بناءه, حينئذٍ يترجّح البناء على الإعراب لماذا؟ للمناسبة .. للمناسبة يعني: يُناسِب اسم الزمان أن يكون مَبنياً إذا أُضيف إلى أوّل كلمة وهي مبنية, وهي: إما فعل ماضي أو فعل مضارع.

وَقَبْلَ فِعْلٍ مُعْربٍ: وهو الفعلُ المضارع الذي لم يتصل به ما يُوجِب بناءه, أَوْ مُبْتَدَا: أو للتقسيم هنا، أَعْرِبْ وهذا واجبٌ عندَ البصريين، إذا كان ما يتلو اسمَ الزمان الذي أشبهَ إذ فعلاً مضارعاً أو مبتدأ وجبَ الإعراب ولا يجوزُ البناء. ولم يُجِز البصريون حينئذٍ غيرَ الإعراب, وأجازَ الكوفيون البناء وإليه مال الفارسيّ والناظم, ولذلك قالَ هنا: وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا يعني: لن يَغلط, من بنى ما إذا تلاهُ فعل مضارع مُعرَب، أو مُبتدأ حينئذٍ لَنْ يُفَنَّدَا، لماذا؟ لأنه هو الأصل, الأصل أن نقيسَ هذا الاسم .. اسم الزمان على إذ, فليسَ له علاقة بما بعدَه، ثم جاءَ السماع, ولهذا قرأ نافع ((هَذَا يَوْمَ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)) هَذَا يَوْمَ .. هَذَا يَوْمُ قراءة السبعة, يومُ خبر هذا, ويومَ هذا بالنصب، قيل الفتحُ هذا ليس فتحَ إعراب, وإنما هو فتحُ بناء، إذن: هي مَبنية, وقد رُوِي بالوجهين: (عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ) , (على حينَ على حينِ) عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا, رُوِي بالوجهين. إذن: أعربَ قبلَ فعل معرب أو مبتدأ, إذا وقعَ اسمُ الزمان الذي أشبهَ (إذ) قبل فعلٍ معربٍ -وهو الفعل المضارع الذي لم يتصل به نونا التوكيد ولا النسوة- حينئذٍ يجبُ الإعرابُ على مذهب البصريين, ويجوزُ على قلة على مذهب الكوفيين البناءُ. وكذلك إذا وقعَ قبلَ مبتدأ -يعني جملة اسمية- حينئذٍ تعيّنَ الإعرابُ على مذهب البصريين, وجازَ على مذهب الكوفيين. وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا: يعني لن يُغلَّط بل يُصدَّق. إذن: معنى البيت أن ما جَرى من أسماء الزمان مجرى (إذ) فأُضيف إلى الجملة يجوزُ فيه حينئذٍ البناء والإعراب, إلا أنّ الجملة إذا كانت مُصدّرة بفعل مَبنيّ اختيرَ البناء, وشمل قوله: فعل بني الماضي والمضارع المبني, وإن كانت الجملة المضاف إليها مُصدّرة بالفعل المعرب وهو المضارع العاري عن مَوانع الإعراب, أو بالمبتدأ فالوجُهُ الإعراب وهو مُتفق عليه. وأجازَ الكوفيون فيه البناء وتبِعهم الناظمُ, ولذا قال: وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا, والتفنيد: التكذيب, والبناءُ هنا إنما يكون على الفتح, ولم يُنبّه عليه الناظم. وَابْنِ أَوِ اعْرِبْ. مَا يعني اسم زمان. قَدْ أُجْرِيَا الألف للإطلاق, وقد هنا للتحقيق. كَـ (إِذْ)، وَاخْتَرْ للمناسبة. بِنَا مَتْلُوِّ قصَرَه للضرورة, مَتلوٍّ مُضاف, وفعل مضاف إليه. وبُنِيَا الألف هذه للإطلاق, وبني الجملة في محل جرّ صفة لفعل. وَقَبْلَ هذا منصوب بأعرب, يعني أعرب قبلَ فعل معرب أو مبتدأ, أو هنا للتقسيم, وهذا صريحٌ في جواز وقوع المضارع بعدَ الظرف الذي بمعنى (إذ) , وهو إنما يتمّ إذا جعلَ ذلك المضارع بمعنى الماضي ولو تنزيلاً كما في (إذ) إذا وقعَ بعد المضارع كما سبق. وَقَبْلَ فِعْلٍ مُعْربٍ إذا يجوزُ أن يقعَ بعد (إذ) الفعل المعرب؛ لأن هذا محمول على (إذ). إذن: وَقَبْلَ فِعْلٍ مُعْربٍ .. أَعْرِبْ، أعرب قبل فعل معرب، إذن: يجوزُ لأننا نتكلمُ عن اسم الزمان, إما اذا أُضيفَ إلى الفعل المعرب دلَّ على أنه مُسلّم به.

قال الشارح: وأشارَ في هذين البيتين إلى أن ما يُضاف إلى الجملة جوازاً يجوزُ فيه الإعراب والبناء سواءٌ أُضيف إلى جملة فعلية صُدِّرت بماضٍ أو جملة فعلية صُدّرت بمضارع, أو جملة اسمية وهذا مذهبُ الكوفيين وتَبِعهم الفارسي والمصنف لكن المختار فيما أُضيف إلى جملة فعلية صُدرت بماضٍ البناء, وقد رُوي بالبناء والإعراب قوله: عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا. (على حينِ على حينَ) بالوجهين, هذا مبني أصلي. عَلَى حِينَ يَسْتَصْبِينَ كُلَّ حَلِيم: يستصبين النساء يعني: فعل مضارع مبني على السكون. وما وقعَ قبلَ فعل مُعرب أو قبل مبتدأ فالمختار فيه الإعراب, ويجوزُ البناء, وهذا معنى قوله: وَمَنْ بَنَى فَلَنْ يُفَنَّدَا أي: لن يغلط, وقد قرأَ في السبعة ((هَذَا يَوْمُ)) [المائدة:119] بالرفعِ على الإعراب، و (هَذَا يَوْمَ) بالفتح على البناء. ومذهبُ البصريين أنه لا يجوزُ فيما أُضيف إلى جملة فعلية صُدّرت بمضارع أو إلى جملة اسمية إلا الإعراب, ولا يجوزُ البناء إلا فيما أُضيف إلى جملة فعلية صُدّرت بماضٍ, هذا حكم ما يُضاف إلى الجملة جوازاً. وأما ما يُضاف إليها وجوباً فلازمٌ للبناء, وهو (إذ) و (حيث) السابق لوجود الشبه الافتقاري إلى الجملة فيما سبق. وَأَلْزَمُوا إِذَا إِضَافَةً إِلَى ... جُمَلِ الاَفْعَالِ كَـ (هُنْ إِذَا اعْتَلَى) هذا النوع الثاني مما يلزمُ الإضافةَ إلى الجمل، وهو ما يُضاف إلى جملة فعلية وهو (إذا) , والمراد بها (إذا) الظرفية لا (إذا) الفجائية، لأنّ الفجائية حرف ولا تُضاف. وَأَلْزَمُوا هذا عطفٌ على ما سبقَ: وَأَلْزَمُوا إِضَافَةً إِلَى الـ (جُمَلِ) (حَيْثُ) وَ (إِذْ) , وألزموا إضافة إلى جمل الأفعال, ألزموا إذا: إِذَا: مفعول أول, إضافة: مفعول ثاني. وقلنا: إذا المراد بها هنا الظرفية احترازاً عن (إذا) الفجائية لأنها حرف على الأصح، والحرفُ لا يضاف. إِلَى جُمَلِ الاَفْعَالِ: جُمَلِ الاَفْعَالِ، بنقلِ حركةِ الهمزة إلى اللام, أي: الماضوية كثيراً والمضارعية قليلاً ليسَ مطلقاً, هو أطلقَه, وإنما احترزَ بجمل الأفعال عن الجملة الاسمية فلا تُضاف (إذا) إلى الجملة الاسمية على الصحيح, وإن كان فيه نزاع, وحينئذٍ الصوابُ أن هذه اللفظة مُلازِمة للإضافة إلى الجملة الفعلية. إِلَى جُمَلِ الاَفْعَالِ إلى الماضوية كثيراً والمضارعية قليلاً, إذن ليس على جهة السواء, وقد اجتمعا في قوله: والنَّفْسُ رَاغِبةٌ إِذا رَغَّبْتَها ... وَإِذَا تُرَدُّ إِلى قَلِيلٍ تَقْنَعُ والنَّفْسُ رَاغِبةٌ إِذا رَغَّبْتَها, رَغَّبْتَها أُضيفت إلى جملة ماضوية. وَإِذَا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ, هذه أُضيفت إلى جملة مضارعية. إِلَى جُمَلِ الاَفْعَالِ خاصّة نظراً إلى ما تضمّنتهُ مِن معنى الشرط غالباً؛ لأن إذا هذه تضمّن معنى الشرط, وجملة الشرط لا يُناسِبها إلا الجملة الفعلية, لا تُضاف إلا إلى الجملة الفعلية, وقد بيّنا هذا في قواعد الإعراب ببسط.

جُمَلِ الاَفْعَالِ كَـ (هُنْ) إِذَا اعْتَلَى هُن أو هَن: هُنْ هانَ يهونُ, فعل أمر (هان يهون) , يقال: هُن وهِن, أي: كُن مُتواضعاً هيّناً إذا تكبّر غيرُك, فـ (هُن) فعل أمرٍ مِن (هان يهون) ضدّ (الصعب) أي: لِن، وفي المثل: إِذا عَزَّ أَخُوكَ فَهُنْ, فهُن فهِن بضم الهاء وكسرها. إذن: مما يلزم الإضافةَ إلى الجملة الفعلية على جهة الخصوص (إذا) , ولا تدخل على الجملة الاسمية, فإن تلاها اسمٌ حينئذٍ وجبَ تقدير فعل محذوف كما هو الشأن في ((إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ)) [الانفطار:1]. قال الشارح: أشارَ في هذا البيت إلى ما تقدّمَ ذكرُهُ من أن (إذا) تلزم الإضافة إلى الجملة الفعلية, وحينئذٍ الجملة في موضع جرّ عندَ الجمهور, والعامل فيها جوابها على المشهور, ولا تُضاف إلى الجملة الاسمية خلافاً للأخفش والكوفيين, فلا تقول: أجيئك إذا زيد قائم, هذا لا يصحُّ؛ لأن (إذا) مُضمّنة معنى الشرط, والشرطُ لا يناسبُه الجملة الاسمية البتة, وإنما يناسِبُه الجملة الفعلية لأن الفعل حكمٌ وهو تعليق, والتعليق إنما يكونُ في الأوصاف لا في الذوات, هذا الأصل فيها. إذا فُهِم الغرضُ من أداة الشرط حينئذٍ تفهمُ أنه لا يصحّ أن يليها ذاتٌ البتة, وإنما يليَها فعل؛ لأنه حُكم, وهو الذي يقبلُ التعليق, فلا تقل: أجيئك إذا زيد قائم, وأما أجيئك إذا زيد قام, فزيدٌ يجبُ أن يكون فاعلاً لفعل محذوف (إذا قام زيد) , وعلى مذهبِ الكوفيين مِن جواز تقديم الفاعل على عامله حينئذٍ (زيد) هذا فاعل مُقدّم, فزيدٌ مرفوع بفعل محذوف وليسَ مرفوعاً على الابتداء، هذا مذهبُ سيبويه، وخالفَه الأخفش فجوَّزَ كونه مبتدأ خبرُه الفعل الذي بعدَه, يعني: جملة اسمية, والفعل يكون خبراً عن المبتدأ, إذا زيد قام, ومثله ما يرِدُ في القرآن كثير ((إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ)) [الانفطار:1] نقول: السماءُ هذا ليسَ مبتدأ على الصحيح, وإنما هو فاعلٌ لفعل محذوف يُفسِّره المذكور. وزعمَ السيرافي في أنه .. إلى آخر ما ذكره. إذن: الصحيح أن هذه (إذا) ظرفية ولا يليها إلا الجملة الفعلية ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)) [النصر:1] إذا ظرفٌ فيه معنى الشرط مُضاف إلى الجملة بعدَه, والعاملُ فيه جوابه على المشهور, هذا هو الصحيح أن العاملَ فيه .. لأنه ظرفٌ لا بدّ له من عامل فيه, الظرف في محل نصب، ما الذي نصبَه؟ الجواب على المشهور وهو الصحيح. وأما ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) [الانشقاق:1] فمثل: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ)) [التوبة:6] يعني: لا بدّ من تقدير, وأجازَ الأخفش إضافته إلى الجملة الاسمية تمسُّكاً بالظاهر. والله أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

74

عناصر الدرس * شروط إضافة كلا وكلتا * أحوال (أي) وشروط إضافتها * حكم (لن) واللغات فيها ومعناها * الفرق بين (لن) و (عن) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ مُعَرَّفٍ بِلاَ ... تَفَرُّقٍ أُضِيفَ كِلْتَا وَكِلاَ لا زالَ الحديثُ في بيانِ الألفاظ التي لازمت الإضافة، وذكرنا أنها على نوعين: النوع الأول ما يلزمُ الإضافة إلى الجمل مطلقاً، وهو الجمل الاسمية والفعلية، وهذا ذكرَ الناظم منه (إذ) و (حيث). والنوع الثاني: ما يلزمُ الإضافة إلى الجملة الفعلية، وهو (إذا) على جهة الخصوص، وذكرَ بعضهم (لما) وإن كان فيها خلاف، وأما (إذا) فالصوابُ أنها مُلازمة للإضافة إلى الجمل الفعلية خلافاً للأخفشِ وغيره. والنوع الثاني ما يلزمُ الإضافةَ إلى المفرد، وقلنا هذا على ثلاثةِ أنواع، وأما في الجملة فحينئذٍ نقول: الذي يلزمُ الإضافة إما أن يلزمَ الإضافة لفظاً ومعنى، وإما أن يلزمَ الإضافة معنى دون لفظ، وكلاهما لازمان للإضافة، فإذا قيل لازمٌ للإضافة معنى دون لفظ، ليس المراد أنه غيرُ مضاف، لا، بل هو مضاف، لكن يحذف المضاف إليه وينوى معناه. لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ مُعَرَّفٍ بِلاَ ... تَفَرُّقٍ أُضِيفَ كِلْتَا وَكِلاَ كلا وكلتا من الأسماءِ اللازمة للإضافة لفظاً ومعنى، بمعنى أنهما لا يَنفكّان عن الإضافةِ البتة، ليس كـ (إذ) إذ هذه تَنفكُّ عن الإضافة فيُؤتى بالتنوينِ بدلاً عن المضاف إليه وهو الجملة، حينئذٍ ((وَأَنْتُمْ حينئذٍ تَنظُرُونَ)) [الواقعة:84] نقول: حُذفت الجملة وعُوِّض عنها تنوين، لذلك إذا سُئلتَ ((وَأَنْتُمْ حينئذٍ)) [الواقعة:84] إذ هل هي مُضافة أم لا؟ تقول: نعم مُضافة، لكنها مُضافة معنى لا لفظاً، وهذا التنوينُ عوض عن اللفظ. كلا وكلتا يلزمان الإضافة إلى الاسم المفرد، ثم هل يَنفكّان عن هذا المضاف إليه في حال من الأحوال؟ الجواب: لا، هو مِما يلزم الإضافة لفظاً ومعنى. إذن مما يَلزمُ الإضافة كلا وكلتا، لكن لا يُضافان مُطلقاً لأي مُفرد، وإنما يُشترَط في المفرد الذي يُضاف إليه كلا وكلتا ثلاثةُ شروط، ذكرَها الناظم كلّها في هذا البيت: لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ هذا الأول، مُعَرَّفٍ هذا الثاني، بِلاَ تَفَرُّقٍ هذا الثالث. إذا استكمَلَ المفردُ هذه الشروط الثلاثة جازَ إضافة كلا إليه، وإذا انتقصَ واحداً منها أو عُدم الجميع، حينئذٍ نقول: لا يصحّ إضافة كلا أوكلتا إلى المضاف إليه الذي هو مُتخلّف لشرطٍ من هذه الشروط. لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ: هذا جار ومجرور مُتعلّق بقوله: أُضِيفَ، أُضيف كلا وكلتا لمفهم اثنين معرف بلا تفرق. لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ: قلنا جار ومجرور مُتعلّق بقوله: أُضِيفَ. مُعَرَّفٍ: هذا نعتٌ لـ مُفْهِمِ.

بِلاَ تَفَرُّقٍ: نعتٌ ثاني لمفهم، إذن مُفهم اثنين معرّف بلا تفرق أُضيف، هنا قال: أُضيف ولم يقل أَضف، ولم يُعبِّر بـ (أَلْزَمُوا)، هل معنى ذلك أن الإضافة ليست لازمة؟ (أُضيف) هذا خبرٌ ليس بأمر، وهنا قال: وَأَلْزَمُوا إِضَافَةً، قال: أَضِفْ جَوَازاً؛ بيّنَ الحكم، وهنا قال: أُضِيفَ، نقول: مِن سياقة الأبيات وما أراده الناظم من كون هذا البيت وقعَ بينَ ما يلزمُ الإضافة، حينئذٍ نقول: أُضيف لزوماً، لا بدّ من التقدير، وإلا فقوله: (أُضِيفَ) لا يدلُّ على أن الإضافة لازمة. إذن (أُضِيفَ) لزوماً، بدليل أن الكلام في واجبِ الإضافة .. لازم الإضافة، وإلا اللفظ من حيث هو (أُضيف) لا يدلّ على اللزوم، وهناك عبّرَ في غير مرة بـ (وألزموا) و (ألزموا)، دلَّ على أنه لازم وأن الإضافة لازمة، ولكن هنا قال: أُضيف، فحينئذٍ نحمله على ما سبقَ بأن الإضافة هنا لازمة. لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ: لِمُفْهِمِ هذا اسمُ فاعلٍ مِن (أفهمَ يُفهِم) فهو مُفهم، يعني ما يدلُّ على اثنين، فالمفهم المراد به الفهم، والفهم هو المعنى الذي يدلّ عليه اللفظ. لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ: إذن لا بد أن يكون المضافُ إليه كلا وكلتا دالاً على اثنين، إما بحسب الوضع وإما بحسب القصد، مُفهم اثنين، أو اثنتين، أو اثنين فحسب؟ مُفهم اثنين واثنتين كذلك؛ لأن (كلتا) هذا للمؤنث، وحينئذٍ لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ، اثنين لا مفهومَ له، يعني لم يُخرِج .. لم يَحترِز به عن اثنتين، وحينئذٍ المراد باثنين شيئين، فيشملُ المذكر اثني والمؤنث وهو اثنتين، وإن شئتَ قل: اثنين هذا من باب الاكتفاء؛ لأنه قال: أُضيف كلا وكلتا، كلا للمذكر وكلتا للمؤنث. لمفهم اثنين واثنتين، إذن اكتفى بالأول عن الثاني، وهذا أولى من قولِ الصبان بأنّ المراد باثنين شيئين، هذا تأويل، ليشملَ المذكرين والمؤنثين، والأولى أن نقول: اكتفاء؛ لأنه قال: أُضيف (كلتا) و (كلا) لمفهم اثنين واثنتين، وسبقَ أن (كلا) للمثنى المذكر، و (كلتا) للمؤنث المثنى. وحينئذٍ بالقرينة السابقة نقول: هنا اكتفاء في الكلام. لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ: إذن لا يُضافان للمفرد ولا يُقال: كلا رجل، وكلتا هند .. نقول: هذا ممنوع، لأن شرطَ صحةِ الإضافة في (كلا) و (كلتا) أن يكونَ المضاف إليه مما أفهمَ ودلَّ وأرشدَ في المعنى إلى اثنين .. لمفهم اثنين. الدلالةُ على الاثنين إما أن تكونَ بالنص أو بالاشتراك أو باسم الإشارة، لأنَّ المراد أن يدلَّ اللفظ على اثنين، لا على واحد ولا على جمع.

إما بالنصّ نحو: كلاهما، كلتاهما، كلا الرجلين، كلتا الجنتين، هذا نصٌّ؛ لأن المثنى نصٌّ في الاثنين، بل وُضِع في لسان العرب للدلالة على الاثنين، إذن كلاهما وكلتاهما وكلا الرجلين، وكلتا المرأتين نقول: هذا المضاف إليه نصٌّ في الدلالة على الاثنين، أو بالاشتراك مثل (نا) الدالة على مُشترك، (نا) هذا مُشترك معنوي، يصدُقُ على الاثنين، وعلى الأكثر .. العشر، إذا قيل: كلانا نقول: كلانا (نا) هذا يحتملُ الواحد ويحتمل الاثنين ويحتمل الثلاثة وأكثر، حينئذٍ إذا أُضيف كلا إلى (نا) نقول: تخصّصَ أحدُ هذه الاحتمالات، فصارَ (نا) دالاً على اثنين، لكن بالاشتراك ليسَ لوحده .. ليسَ نصّاً في الدلالة على الاثنين؛ لأنه وُضِع للدلالة على الواحد والدلالة على الاثنين والدلالة على ثلاثة فأكثر، فهو مُشترَك يدلُّ على الاثنين وعلى غيره، فإذا أُضيف إلى كلا، أو أُضيفت كلا إليه أو كلتا، كلا إليه حينئذٍ نقول بالإضافة تخصّصَ، وإلا فالأصل فهو مُشترَك بين الواحد والاثنين والأكثر، بإضافة كلا إليه تخصّصَ، أو بالاشتراك كقول: (كِلاَنَا غَنِىٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ ... )؛ فإن كلمة (نا) مُشتركة بين الاثنين والجمع. وكذلك تدلُّ على الواحد المعظِّم نفسه، وحينئذٍ نقول هنا: أُضيف كلا إلى ما دلَّ على الاثنين، إلى ما أفهم اثنين، هل بالنص؟ الجواب: لا، إنما دلَّ عليه بالاشتراك مع غيره. فقوله: لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ شملَ المثنى، بل هو نصٌّ في الاثنين، وهو أولى ما يُضاف إليه كلا وكلتا، ويقال: كلا الرجلين، وضميره نحو كلاهما، وهذا واضح، وما دلَّ عليه كلانا .. بالاشتراك، واسم الإشارة نحو كلا ذينك، وهذا جاءَ في قول الشاعر: إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلاَ ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ كِلاَ ذَلِكَ .. ذا لمفرد بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أشِرْ. وأُضيف إليه كلا، ونحن نقول: شرطُ صحةِ إضافة كلا أن يكون المضاف إليه دالاً على اثنين، أفهم اثنين، مفهومه اثنين. حينئذٍ نقول: ذا هذا لمفرد واحد، كيفَ أُضيف إليه كلا؟ نقول: هنا ذا مُثنّاة في المعنى، اللفظ المفرد في اللفظ قد يضمّن المعنى الاثنين، فحينئذٍ وَكِلاَ ذَلِكَ، المشارُ إليه ما هو؟ إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلاَ ذَلِكَ .. (ذَا) المشار إليه الخير والشر، إذن ذا في المعنى قلنا: اسمُ إشارةٍ لا بد لها مِن مَرجع فيُفسّر معناه بمرجعه، فإن رجعَ إلى اثنين قلنا مدلوله الاثنان، وإن رجعَ إلى واحد قلنا مدلوله الواحد، وإن كان في أصلِ الوضع أن يُستعمَل في الواحد، لكن قد يُستعمَلُ ويُتجَوزُ به في الدلالة على الاثنين، إذن كلا ذا نقولُ: المشار إليه مُثنى، إذن ذا مُثناة في المعنى، كما قلنا: هَاكَ حُرُوفَ الْجَرِّ وَهْيَ: الضمير هنا يعودُ إلى حروف الجر وهي جمع، وهي في الأصل للمفرد المؤنث الغائبة.

إذن لما رجعَ إلى جمع قلنا دالٌّ على الجمع، قد يكونُ اسمُ الإشارةِ في وضعه دالاً على الواحد، وكذلك الضمير هو أو هي دالاً على الواحد، لكن إذا رجعَ إلى جمع فحينئذٍ ينتقلُ مفهومُه فيصيرُ معناه الجمع، وكذلك اسمُ الإشارة هنا: كلا ذا، المشار إليه هو مجموع الخير والشر وهو مُثنى، إذن ذا مثناة في المعنى، ومثلها ((لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ)) [البقرة:68] مع كونها أشارَ به إلى الاثنين، أي وكلا ما ذُكر وبين ما ذُكر. إذن: إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلاَ ذَا، يعني ذا الذي هو المذكور والمذكور مُثنى، إذن نقول: ذا استُعمِل باستعمال المثنى فأُريد به الاثنان فدَخَل في قوله: لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ. نحو: كِلاَ ذَينك، واشتُرِطت الدلالة على الاثنين، لماذا اشترطنا كونَ المضاف إليه دالاً على الاثنين؟ لأنه كما مضى أن (كلا) و (كلتا) يُستعمَلان توكيداً، وإذا كانا كذلك حينئذٍ يُؤكِّدان المضاف إليه وإذا أُكِّد المضاف إليه فشرطُ المؤكِّد مع المؤكَّد التطابق إفراداً وتثنية وجمعاً، وإذا كان معنى كلا الاثنين وكلتا كذلك إذا كان معناها الاثنين، حينئذٍ لزِمَ أن يكونَ المؤكَّد بها وهو المضاف إليه أن يكونَ دالاً على الاثنين، سواء دلَّ عليه بحسب الوضع مثل المثنى أو بحسب القصد مثل ذا التي للإشارة، فحينئذٍ نقول: لزِمَ أن يكون المضاف إليه دالاً على اثنين؛ لأن المضاف إليه مؤكَّد، وكلا وكلتا مؤكِّد وشرطُهُ -التأكيد يعني-: التطابق بينَ المؤكِّد والمؤكَّد في الإفراد والتذكير والتثنية والجمع. إذن: لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ: هذا هو الشرط الأول، إما بحسب الوضع وإما بحسب القصد، ومرادنا بحسب الوضع هو المثنى أو ضميره، وأما بحسب القصد فهذا (نا) لأنها مُشتركة بين الواحد والاثنين والجمع، وكذلك اسم الإشارة. مُعَرَّفٍ: هذا الشرط الثاني .. احترَزَ به عن النكرة، فلا تُضاف (كلا) و (كلتا) إلى نكرة. مُعَرَّفٍ: هذا الشرطُ أشارَ به إلى التعريف، فلا يجوزُ كلا رجلين، ولا كلتا امرأتين، خلافاً للكوفيين؛ إذ جَوّزوا إضافتهما إلى النكرة المختصة، يعني الموصوفة أو المضافة، نحو (كلا رجلينِ عندَك قائمان)، رجلين هذا مُضاف إليه وهو نكرة، عندك هذا منصوب على الظرفية مُتعلق بمحذوف صفة لرجل .. إذاً اختصت، صارت مختصّة، فحينئذٍ جوّزَ الكوفيون إضافة كلا وكلتا إلى النكرة المختصة، لأن عندهم -كما سيأتي في باب التوكيد- يجوزُ توكيد النكرة إن أفادت، وإنما تُفيد إذا كانت مختصّة، وهل يُشترَط بين المؤكِّد والمؤكَّد التعريف أم لا؟

مَن اشترطَ التعريف حينئذٍ لزِمَ أن لا يُضيف (كلا) و (كلتا) إلا إلى مُعرّف، ومَن جوَّزَ توكيد النكرة جوّزَ حينئذٍ أن تُضاف كلا وكلتا إلى النكرة؛ لأن العلاقة الآن بين كلا وكلتا بين مؤكِّد ومؤكَّد، فكل الشروط التي تُذكَر في باب التوكيد حينئذٍ تُذكَر في هذا المحلّ، ولذلك انتُقِد ابنُ مالك رحمه الله هنا لأنه سيأتي أنه وافقَ الكوفيين في كون المؤكَّد إذا كان نكرة مُفيدة أنه يجوزُ، وَإنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ، فجوّزَ تأكيد النكرة إذا كانت مُختصّة، وهنا اشترطَ التعريف، والعلاقة هي واحدة، والحكم هو الحكم، ولذلك إن لزِمَ هنا أن يشترَط التعريف حينئذٍ لا بد هناك أن لا يصحح توكيد النكرة المخصوصة. إذن التعريف شرط في كون كلا وكلتا مُضافة إلى ما يلزم الإضافة. التعريف فلا يجوزُ كلا رجلين ولا كلتا امرأتين خلافاً للكوفيين إذ جوّزوا إضافتهما إلى النكرة المختصّة نحو: كلا رجلين عندَك قائمان، وحكي كلتا جاريتين عندَك مقطوعة يدها، هذا يُوافق مذهبَ الكوفيين. حُكِي: يعني سُمِع، كلتا جاريتين: هذا أُضيف كلتا إلى النكرة، عندَك هذه مُختصّة وصفٌ لها، مقطعة يدها: أي: تاركة للغزل. واشترط التعريف لأنهما يدلان على التوكيد، أي: توكيد ما يضافان إليه، والبصريون لا يجوِّزون توكيد النكرة. بِلاَ تَفَرُّقٍ: يعني بأن يكون الدلالة على الاثنين لأن ما دلَّ على الاثنين قد يكون بتفرّق، تقول: (جاء الزيدان)، (جاءَ زيدٌ وزيدٌ)، هذا مُتفرّق، (جاء زيدٌ وعمرو)، هذا بتفرّق، هنا يُشترَطُ أن يكونَ اللفظُ الدال على الاثنين كلمة واحدة، فلا يصحّ أن يقال: (جاء كلا الرجل والرجل)، أو (كلا زيد وعمرو)؛ هذا لا يصحُّ لأنه مُتفرّق، والتأكيد إنما يكونُ مؤكِّداً لكلمة واحدة لا لكلمتين، حينئذٍ تعيّنَ أن يُقال بأن المضافَ إليه في باب (كلا) و (كلتا) أن لا يكونا مُتفرّقين بل كلمة واحدة، فلا يجوزُ (كلا زيد وعمرو)، إذا استوفى المضافُ هذه الشروطَ الثلاثةَ حينئذٍ جازَ أن تُضاف (كلا) و (كلتا) إليها. أُضيف (كلتا) و (كلا) لمفهم اثنين مُعرف بلا تفرق .. أُضيف: هذا مُغير الصيغة وكلتا نائب فاعل، و (كلا) مضاف إليه ولمفهم مُتعلق بأُضيف، والبقية نعتٌ له. قال الشارح: مِن الأسماء الملازمة للإضافة لفظاً ومعنى، إذن لا تنفكُّ عن الإضافة كلتا وكلا، ولا يُضافان إلا إلى معرفة، مثنى لفظاً ومعنى، على ما ذكرناه من التفصيل. نحو: (جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين) أو معنى دون لفظ نحو: (جاءني كلاهما وكلتاهما) ومنه قوله: إِنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... وَكِلاَ ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ كِلاَ ذَلِكَ، (ذا): قلنا المشار إليه مثنى. وهذا هو المراد بقوله: لِمُفْهِمِ اثْنَيْنِ مُعَرَّفٍ، واحترزَ بقوله بِلاَ تَفَرُّقٍ من معرّف أفهَمَ الاثنين بتفرّق، يعني كلمة وكلمة، فإنه لا يُضاف إليه كلا وكلتا فلا تقل: كلا زيد وعمرو جاء، وقد جاء شاذاً كقوله: (كِلاَ أَخِى وَخَلِيلى وَاجِدِى عَضُدًا) كلا أخي، أخي هذا مفرد، وخليلي مثل كلا عمرو وزيد، هذا شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه. كلا: هذا مُبتدأ ومُضاف، وأخي مضاف إليه، وخليلي معطوف عليه. واجدي: هذا خبر.

عضدا: هذا حال من الياء في واجدي. إذن: يُشترَط في مضاف كلا وكلتا الشروط الثلاثة التي هي مذكورة في البيت السابق. وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ ... أَيًّا وَإِنْ كَرَّرْتَهَا فَأَضِفِ أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا وَاخْصُصَنْ بِالْمَعْرِفَهْ ... مَوْصُولَةً أَيًّا وَبِالْعَكْسِ الصَّفَهْ وَإِنْ تَكُنْ شَرْطاً أَوِ اسْتِفْهَامَا ... فَمُطْلَقَاً كَمِّلْ بِهَا الْكَلاَمَا هذا ما يتعلّق بأي، (أَيٍّ) بفتح الهمزة وتشديد الياء، هذه تكونُ موصولة، وتكونُ استفهامية، وتكون شرطية، وتكون وصفية، هذه أربعة أحوال. والوصفية هذه بعضها يُفصّل فيها، يقول: نعتية وحالية، هي نعم تأتي نعتية وتأتي حالية، إذن خمسة على جهة التفصيل وأربعة على جهة الإجمال. من الأسماء الملازمة للإضافة معنى دون لفظ (أَيٍّ) بفتح الهمزة وتشديد الياء. إذن هي ملازمة؛ لأنه كما سبق تُقطَع عن الإضافة فتُنوَّن، مَثّلنا بكل وبعض وأَيًّ، قلنا هذه مُلازمة للإضافة معنى دون لفظ، يعني: يُعوّض عنها التنوين والمضاف يُحذف، وإذا حُذِف المضاف، هل نَصِف اللفظَ بكونه مُضافاً؟ نعم، نقول: هو مضاف، لا زال مُضافاً وإن حُذِف المضاف إليه. قال المصنف: وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ: نهى أن تُضاف (أَيٍّ) لمفرد مُعرّف، نهى: لا تُضف، فعل مضارع مجزوم بـ (لا)، إذن أنتَ مَنهيٌّ عن إضافة (أيّ) لمفرد معرف. المفرد: احترَزَ به عن المثنى والجمع، والمعرف: احترزَ به عن النكرة. إذن: مفهومُ هذا البيت: وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ: مفهومُه أنها تُضاف للمثنى والجمع مطلقاً، سواء كانا مُعرّفين أو نكرتين؛ لأنه خصَّه بالمفرد المعرف، مفهومُه المثنى والجمع مُطلقاً معرفاً أم لا، يجوز إضافة (أَيٍّ) إليهما، مُطلقاً نكرة كان أو معرف، أي رجال صحّ، أيّ أُضيفت إلى رجال وهو نكرة، جمع النكرة صحّ، لأنه نهى عن إضافة (أيّ) لمفرد معرف، و (رجال) ليس مفرداً مُعرّفاً. (أي رجال) و (أي رجلين)؟ جائز، و (أي الرجال)؟ جائز؛ لأنه جمعٌ مُعرّف، أي الرجلين مُثنى مُعرّف، وأيضاً مفهومه أنها تُضاف للمفرد النكرة، (أي رجل) جائز؛ لأنه نهاكَ عن المفرد المعرف. إذن المفرد النكرة جائز، ويمتنعُ أن تُضاف إلى المفرد المعرّف، ولذلك قال: وَلاَ تُضِفْ (لا) ناهية، والنهي يقتضي التحريم، وهذا مُحرّم عندهم لغة، نعم صحيح ممنوع. وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ: جار ومجرور متعلق بقوله: تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ، صفة لمفرد. أَيًّا: مفعول به. لا تضف أياً لمفرد معرف، وهذا دخلَ فيه (أي) بأنواعها الأربعة؛ لأنه نكرة في سياقِ النهي فعمَّت، إذن (أياً) سواء كانت استفهامية أو شرطية أو وصفية أو موصولية، فهي داخلة في هذا الحكم، إذن كلُّ هذه الأنواعِ الأربعةِ لا يجوزُ إضافتها إلى المفرد المعرف إلا في صورتين استثناهما، مما يجوزُ فيهما إضافتُها إلى المعرف. وَإِنْ كَرَّرْتَهَا فَأَضِفِ، أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا.

أولاً: هاتان الصورتان لا تدخلُ في (أيّ) الوصفية، يعني الاستثناء هنا (وَإِنْ كرَّرْتَهَا) هذا استثناء، مما يجوزُ إضافة المفرد المعرف لـ (أي)، نقول: أي الشرطية نعم، الاستفهامية نعم، الموصولية نعم، الوصفية لا؛ لأنه لا يجوزُ تَكرارُها ولا يجوزُ نيةُ أجزاء المضاف إليه، حينئذٍ صارَ الحكم مُختصّاً بالثلاث الأُوَل. وَإِنْ كرَّرْتَهَا فَأَضِفِ، لما قال: كرّرتها علمنا أن أياً في الحكم السابق مُفردة، وجاء ابنُ مالك يُقيّد الأول ويترك الثاني أو بالعكس، إذن: وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ أَيًّا مفردة، لأنه قيّدَ الثاني بكونها -التي هي محلّ الاستثناء والصورة التي يجوزُ فيها إضافتها إلى المفرد المعرّف- إِنْ كرَّرْتَهَا: يعني كرّرت مرة أخرى، أي زيد وأي عمرو عندك، كُرِّرَت، إذن أي زيد دونَ تَكرار لا يجوزُ، بدليل كونه قيد الاستثناء بالمكررة، قال: أياً، إذن تُقيد أياً مفردة، أي: غير مُكرّرة مطلقاً؛ لأنها بمعنى بعض، يعني أياً التي لا يجوزُ إضافتها لمفرد معرف، قالوا: بمعنى بعض، غير مُكرّرة مُطلقاً سواء كانت موصولة أو شرطية أو استفهامية أو وصفية؛ لأنها بمعنى بعض، أي: حيث أُضيفت للمعرف. أي: والمطرد المعرّف شيءٌ واحد، يعني إذا كان المفرد المعرف شيئاً واحداً بمعنى بعض، حينئذٍ امتنعَ إضافة أيّ إليه. والمفرد المعرف شيء واحد ليسَ له أضعاف، بخلاف ما إذا أُضيفت للمنكّر، فإنها حينئذٍ بمعنى (كل). وَإِنْ كرَّرْتَهَا فَأَضِفِ، أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا: هذان موضعان يُستثنى فيهما إضافة (أي) إلى المفرد المعرف، وقلنا هذا الحكم الاستثناء لا يدخل فيه (أي) الوصفية، وإنما هو خاصٌّ بالموصولية والاستفهامية والشرطية. وَإِنْ كَرَّرْتَهَا: يعني كررتها بالعطف، يعني بالواو خاصة، هكذا نصّ النحاة: أن التَّكرار يكون بالواو على جهة الخصوص. وَإِنْ كرَّرْتَهَا: يعني كرّرت أي، فَأَضِفِ: يعني أجز إضافتها إلى ما ذُكر، وهو الممنوع أولاً، وهو المفرد المعرف، إِنْ كرَّرْتَهَا فَأَضِفِ يعني: أجز إضافتَها إلى المفرد المعرّف، حينئذٍ منعكَ أولاً ثم أباحَ لك، منعكَ أولاً إن كانت أياً مُفردة، وأباحَ لكَ الإضافة .. إضافة (أي) إلى المفرد المعرف إن كررت (أي)، أي زيد وأي عمرو عندك، أي زيد، زيد هذا مُفرد مُعرّف، الأصل فيه المنع، لو قال: أي زيد عندك قلنا: لا يجوزُ؛ لأن شرطَ إضافةِ (أي) أن يكون إلى غير مفرد معرف، وهذه لم تكرر حتى يجوز إضافتها إلى المفرد المعرف، أي زيد وأي عمرو عندك جاز، لماذا جاز؟ للتكرار. إذن: وَإِنْ كرَّرْتَهَا: يعني كرّرت (أياً) بالواو على جهة الخصوص. فَأَضِفِ: أي أجز إضافتَها إلى ما ذُكر. وهنا حذفَ المفعول والمجرور المتعلق به لدلالةِ ما تقدّمَ عليه، والتقدير فأضفها للمعرفة. فَأَضِفِ: يعني أضف .. أضفها الذي هو الضمير مفعول به إليه، يعني للمعرفة، أو إن شئتَ صرّح بالمعرفة. أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا: أو للتنويع والتقسيم، يعني ما بعدَها ليس داخلاً فيما قبلها، بل هو قسيم له.

تَنْوِ: تُقدِّر، إذن نية ومحلها القلب، (تَنْوِ) أين الياء؟ حُذفت لأنه معطوفٌ على قوله: كرّرتها، فهو معطوف على المجزوم، والمعطوف على المجزوم مجزوم؛ لأن محلّ كَرّر .. كَرّر فعل ماضي محله الجزم بإن، فلما عُطف عليه -وهذا البيت فيه إشكالات كثيرة-، وإن تنوِ، لما عطف على كرر حينئذٍ جُزمَ به، عطف على كرَّرْتَهَا فلهذا حذفَ الياء للجزم والتقدير وإن كررتها أو نويت الأجزا فأضفها، أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا بحذف الهمزة وقصره هنا للضرورة. أو تنو بالمفرد المعرف الجمع، إذا صحَّ أن يُنوى بالمفرد أنه جمعٌ ذو أجزاء صحَّ. وابنُ هشام عبّرَ عن هذا التعبير قال: وعبّرَ عنه في الأوضح أن يكون بينهما جمع مُقدّر، -وهذا أوضح- أن يكونَ بينَ (أي) والمفرد المعرف جمع مُقدّر، إن صحّ صحّ، يعني إن صحَّ تقدير الجمع بين (أي) والمفرد المعرف صحَّ إضافة (أي) إلى المفرد المعرف وإلا فلا، نحو: أيُّ زيدٍ أحسنُ؟ يعني: أي أجزاءِ زيدٍ أحسن؟ فالمسؤول عن هنا: أي زيد أحسن، المسؤول عنه أجزاؤه، وجهه، أنفه، عينه، يده رأسه .. أي أجزاء زيد، ولذلك يُجابُ بالتعيين فيقال: عينُه، أيّ زيدٍ أحسن أجمل؟ عينه، أو رأسه، فحينئذٍ صحَّ أن يُضاف (أي) إلى المفرد المعرف، نحو: أي زيد أحسن؟ يعني أي أجزائه أحسن؟ قالَ ابنُ هشام: أن يكون بينهما جمعٌ مُقدّر، معناه أي أجزاء زيد، فبين أي وزيد في المثال لفظ مُقدّر يدلُّ على الجمع وهو الأجزا: أي زيد أحسن؟ أي أجزاء زيد أحسن؟ إن صحَّ فحينئذٍ صحَّ إضافتها إلى المفرد المعرف. إذن: وَإِنْ كرَّرْتَهَا: أي أي بالواو، فَأَضِفِ: يعني أضفها إلى المفرد المعرف. الحالة الثانية: أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا: أن تقدر بأن المراد بالمفرد المعرف الأجزاء، إن صحَّ، ليس كل مفرد يصحُّ فيه ذلك، لا، إن صحَّ تقدير الأجزاء بأن يكونَ المسؤول عنه جزء من أجزاء المفرد المعرّف صح، وإلا فلا، وعبارةُ ابنِ هشام: أن يصحَّ تقديرُ لفظِ جمع بين أي والمفرد المعرف، إن صحّ صحّ، وإلا فلا. وَاخْصُصَنْ بِالْمَعْرِفَهْ مَوْصُولَةً أَيًّا: (وَاخْصُصَنْ بِالْمَعْرِفَهْ) ما تقدّمَ شرط في أي مُطلقاً، من حيث هي، الكلام في الجملة، أي بجميع أقسامِها ثم فصّلَ كل قسم وما يُضاف إليه. قوله: وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ أَيًّا: شمِلَ الأنواع الأربعة. وَإِنْ كرَّرْتَهَا فَأَضِفِ، أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا، هذا خاصٌّ بغير الوصفية. إذن الوصفية لا يجوزُ إضافتها للمفرد المعرف مُطلقاً.

وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ أَيًّا: قلنا هذا يشملُ الأربعة، وإن كررتها هاتان الصورتان تختصّ بثلاثة فقط دون الوصفية، إذن نخلصُ من هذا أن الوصفية لا يجوزُ إضافتها للمفرد المعرف مطلقاً، لأنها لا تُكرّر ولا يُنوى بالمضاف إليه الأجزاء، إذن امتنعَ إضافة أي الوصفية إلى المفرد المعرف مُطلقاً بدون استثناء ولا تفصيل، وأما ما عداها وهو الموصولية والشرطية والاستفهامية ففيه تفصيل، نقول: إن لم تُكرَّر .. أُفردت، ولم ينوَ الأجزا بالمضاف إليه امتنع إضافتها للمفرد المعرف، فإن كُرّرت جازَ، أو نُوِي بالمضاف إليه -المفرد المعرف الأجزاء- بأن يُضاف أو يُقدّر بينَ أي والمفرد المعرف جمع جاز وإلا فلا. ثم أراد أن يُفصِّل كل واحدة من هذه الأيات إن صحّ بما تضاف إليه، فقال: وَاخْصُصَنْ بِالْمَعْرِفَهْ ... مَوْصُولَةً أَيًّا وَبِالْعَكْسِ الصَّفَهْ. وَاخْصُصَنْ بِالْمَعْرِفَهْ: الباء هنا داخلة على المقصور عليه، واخصصن بالمعرفة. أَيًّا: حالة كونها موصولة، موصولة هذا حال مُقدّم من أياً، وأياً هذا مفعول به لقوله: اخصصن. إذن واخصصن أياً موصولة بالمعرفة، فحينئذٍ تختصُّ الموصولية بالمعرفة، من أي شيء؟ قوله بالمعرفة هل يشملُ المفرد المعرف؟ واخصّصن بالمعرفة أياً، يعني أي الموصولية لا تُضاف إلا إلى المعرفة، زد عليه إلا ما استثني، ما هو الذي استُثني؟ المفرد المعرف ما لم تُكرر أو ينو الأجزا. إذن قوله: وَاخْصُصَنْ بِالْمَعْرِفَهْ: هل يرِدُ على الناظم أنه يشملُ المفرد المعرف؟ لا؛ لأنه بيّنَ في الأول وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ، أخرجَ هذا النوع، وقلنا هذا الحكم عامٌّ لجميع أنواع (أي). حينئذٍ قوله: وَاخْصُصَنْ بالْمَعْرِفَهْ: يعني سوى ما استثني، وهو المفرد المعرف ما لم يُكرّر أو يُنو به الأجزا. مَوْصُولَةً أَيًّا: قلنا مَوْصُولَةً هذا حال مُقدّم لـ أَيًّا. حينئذٍ يُضاف أي الموصولية إلى الجمع المعرف، دون الجمع المنكر، وإلى المثنى المعرف دون المثنى المنكر، ولا يُضاف إلى المفرد إلا ما استُثني، والمفرد المنكر لا يُضاف. إذن بالمعرفة أخرجَ المفرد المنكر، وبقي المفرد المعرّف، ففيه تفصيل إن لم تكرر أو ينو الأجزا؛ فالمنع وإلا فالجواز، وستأتي الأمثلة في الشرح. وَبِالْعَكْسِ الصَّفَهْ: الصفة بالعكس، مبتدأ وخبر، بالعكس خبر مُقدّم، والصفةُ مبتدأ مُؤخّر، وبالعكس المراد به العكس اللغوي، يعني خلاف. وَبِالْعَكْسِ الصَّفَهْ: يعني الصفة الموصوفية أو النعتية أو الحالية تختصُّ بالمضاف إليه إذا كان نكرة، فلا تُضاف إلى المعرفة، فشمِلَ النكرة المفرد والمثنى والجمع، وخرجَ المفرد المعرف والمثنى المعرف والجمع المعرف. وَإِنْ تَكُنْ شَرْطاً أَوِ اسْتِفْهَامَا ... فَمُطْلَقَاً كَمِّلْ بِهَا الْكَلاَمَا وَإِنْ تَكُنْ أيٌّ شرطية أو استفهامية.

فَمُطْلَقاً كَمِّلْ: كَمِّلْ مُطْلَقاً .. تكميلاً مطلقاً، أو مطلقاً حال من ضمير بِهَا المتأخِّر، وتذكيرُ الحال باعتبار لفظها، فَمُطْلَقَاً كَمِّلْ بِهَا الْكَلاَمَا، أي الكلام الذي هي جزؤه؛ لأنها مع ما أُضيفت إليه جزء الكلام، أي تُضاف إلى النكرة والمعرفة مُطلقاً سوى ما استُثني، مُطلقاً تُضاف (أي) الاستفهامية والشرطية إلى كل ما عدا المفرد المعرف، فتضافُ إلى النكرة المثنى، والمعرف المثنى، والجمع المعرف، والجمع النكرة، والمفرد النكرة، إلا ما استثني إلا بشرطه. وَإِنْ تَكُنْ شَرْطاً أَوِ اسْتِفْهَامَا ... فَمُطْلَقَاً كَمِّلْ بِهَا الْكَلاَمَا يعني تُضاف إلى النكرة والمعرفة مُطلقاً سِوى ما سبقَ منعُهُ وهو المفرد المعرفة. أيُّ رجلٍ يأتي فله درهم، أيُّ رجلٍ: أُضيفت إلى النكرة المفرد، ((أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ)) [القصص:28] (أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ) مثنى معرفة، ((أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا)) [النمل:38] جمع وهو معرفة، ((فَبِأَيِّ حَدِيثٍ)) [الأعراف:185] مفرد نكرة. حينئذٍ بعد هذه الأبيات الثلاثة نقول: ظهرَ لأي ثلاثة أحوال: الأول: الإضافة إلى النكرة والمعرفة، وذلك في الشرطية والاستفهامية .. ما يُضاف إلى المعرفة والنكرة هذا خاصٌّ بالاستفهامية والشرطية. الثاني: لزومُ الإضافة إلى النكرة، وذلك في الوصفية والحالية أو قل النعتية. الثالث: لزوم الإضافة إلى المعرفة، وذلك في الموصولة. إذا كانت أيُّ نعتاً أو حالاً وهي المراد بالصفة فهي مُلازِمة للإضافة لفظاً ومعنى، يعني لا يجوزُ حذف المضاف إليه البتة، مثل كلا وكلتا، أي الوصفية إذا وقعت نعتاً أو حالاً حينئذٍ تلزمُ الإضافة لفظاً ومعنى، وأما ما عداها فهي مُلازِمة للإضافة معنى لا لفظاً. فأيُّ استفهامية، أيٌّ عندك؟ يجوزُ الحذف، أي يأتني أكرمه، حُذِف المضاف إليه وعُوّض عنه التنوين، حينئذٍ نقول: أي الاستفهامية وأي الشرطية وأي الموصولية هذه لا تلزمُ الإضافة لفظاً، بل هي لازِمة له معنى وقد يُحذَف المضاف إليه ويُعوّض عنه التنوين، وهو تنوينُ العوض عن كلمة مثل: كل وبعض، وأمّا (أي) الوصفية فهي لازمة للإضافة لفظاً ومعنى. إذن: وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ (أَيّاً)، لا تَضف (أياً) لمفرد معرف مُطلقاً، إذن هو على الأربعة من (أي). ثم استثنى حالتين بجواز إضافة (أياً) إلى المفرد المعرف، وهما فيما إذا كُرّرت (أي) أو نُوِي الأجزاء بالمضاف إليه، حينئذٍ جازَ إضافتها إلى المفرد المعرّف، ويُستثنى من هذا أي الوصفية فإنها لا تكون مُكرّرة ولا يُنوى بالمضاف إليه الأجزا. ثم بيّنَ .. فصّلَ كل نوع من الأنواع الأربعة فقال: واخصصن بالمعرفة (أياً) موصولة، فلا تُضاف (أي) الموصولية إلا إلى المعرفة.

وَبِالْعَكْسِ الصَّفَهْ: يعني لا تجوزُ إضافتها إلى المعرفة، بل يجبُ إضافتها إلى النكرة، وأيُّ الوصفية هي المنعوت بها، والواقعة حالاً فلا تُضاف إلا إلى نكرة، (مررتُ بفارسٍ أيِّ فارس) هذه تدلُّ على الكمال، نفس التركيب (مررتُ بفارس أيِّ فارس)، إذا كان ما قبلَها نكرة حينئذٍ صارت صفة، وإذا كان ما قبلَها معرفة فحينئذٍ صارت حالاً، (مررتُ بزيد أيَّ فارس)، تعربها حالاً. هذه هي التي يُعنوَن لها بالوصفية، وبعضهم يَفصِل بينهما ويقول: النعتية والحالية؛ إن أُعربت حالاً بعدَ المعرفة فهي حالية، وإن أُعربت نعتاً إنما يكون بعد النكرة (مررتُ بفارسٍ أيِّ فارس)، (جاء فارسٌ أيُّ فارسٍ)، (رأيت فارساً أيَّ فارس) على حسب ما قبله. وأما (جاء زيدٌ أيُّ فارس، أو أيَّ فارسٍ)؟ الثاني (أيَّ فارسٍ) بالنصب على أنه حال، فلا يوافِق ما قبلَه، وَبِالْعَكْسِ الصَّفَهْ. وَإِنْ تَكُنْ شَرْطاً أَوِ اسْتِفْهَامَا ... فَمُطْلَقَاً كَمِّلْ بِهَا الْكَلاَمَا مُطْلَقَاً: يعني كمِّل بها الكلام مُطلقاً، تكميلاً مُطلقاً، أو مُطلقاً حال من ضمير بها، إذا قدّرَ النحاةُ تكميلاً مُطلقاً يعني جعلوه مصدراً لموصوف محذوف، وهو مصدر نوعي، أو يجعل هو نفسه حالاً. فَمُطْلَقاً كَمِّلْ بِهَا الْكَلاَمَا. قال الشارح: مِن الأسماء الملازمة للإضافة معنى (أيٌّ) في الجملة؛ لأنه سيذكرُ أن الوصفية لا تلزم لفظاً ومعنى. من الأسماءِ الملازمة للإضافة معنى (أي)، فلا تُضاف إلى مفرد معرفة إلا إذا تكررت، كقوله: (أيّ زيد وأيّ عمرو عندك)؟ أَلاَ تَسْأَلُونَ النَّاسَ أَيِّ وَأَيَّكُمْ ... غَدَاةَ التَقَينَا كَان خَيراً وَأَكرَماً و (أَيِّى وَأيُّكَ فَارِسُ الأَحْزَابِ ... )، هنا في البيتين أي وأيك، أُضيف أيُّ الأولى إلى الضمير المتكلم، والثاني مَفتوح ليسَ فيه شرط، اشترط السيوطي وغيره في صحّة تَكرارِ (أيٍّ) وإضافتها إلى المفرد المعرف أن تكون (أيٍّ) الأولى مضافة إلى ضمير متكلم، فإن لم تُضَف فلا، لا يجوز، استناداً إلى هذا البيت؛ لأنه قال: أيِّ وأيكم، أُضيفت (أي) الأولى إلى ضمير المتكلم، بهذا القيد صحّ، وإلا فلا، لماذا؟ لأنّ القياس يقتضي أن لا تُضاف أيًّ إلى المفرد المعرّف، فإذا سُمِع خلافه فحينئذٍ صارَ خارجاً عن القياس، فيتقيّد بالمذكور فحسب؛ لأنه لم يُنقل إلا إضافة الأول إلى الضمير، هكذا قال السيوطي وغيره، والأكثرُ على أنه مُطلقاً فلا يتقيّدُ بالضمير، اشترطَ بعضهم أن يكون أول لفظي (أيٍّ) مُضافاً إلى ضمير المتكلم كما في البيت السابق، إذا كُررت وجوّز إضافته إلى المفرد المعرّف لا بد أن تكون (أيٍّ) الأولى مُضافة إلى ضمير المتكلم، سواء أكان ما تُضاف إليه أي الثاني ضميراً كما في البيت، أم كان اسماً ظاهراً نحو: (أي وأي زيد أفضلُ)، وعليه فلا يجوز أن يقال: (أيك وأيُّ زيد)، على رأي السيوطي لا يجوز؛ لأنه أُضيف الأولى إلى كاف الخطاب، أيُك ولم يقل أيِّ .. على هذا القول لا يجوز، وإنما يتعيّنُ أن تكون أي الأولى مُضافة إلى ضمير المتكلم.

وعليه فلا يجوزُ أن يُقال: (أيكم وأي زيد أفضل)، ولا (أي زيد وأي عمرو أفضل)، واستظهرَ ابنُ هشام وغيرُه أن ذلك كله جائز، فحينئذٍ التقييد بإضافته إلى ضمير المتكلم ليس بقيد. والصوابُ أن (أي) سواء أُضيفت الأولى إلى المتكلم أم غيره حينئذٍ نقول: الحكم عام. أَلاَ تَسْأَلُونَ النَّاسَ أَيِّ وَأَيَّكُمْ ... غَدَاةَ التَقَينَا كَان خَيراً وَأَكرَماً أيكم وأيِّ في الموضعين أُضيفتا إلى الضمير، لكن الشاهد في الأولى ليسَ في الثانية؛ لأنّ الثانية هذه أُضيفت إلى ضمير الجمع وهو جائز، وأما الأولى (أي) هي التي محلّ الإشكال؛ لأنها أُضيفت إلى ضمير المتكلم وهو مُفرد، أي مفرد مُعرّف، جوّز ذلك كونها مُكرّرة, وأما الثانية فلا ليس فيها شاهد. أو قصدت الأجزاء يعني: يجوزُ إضافتها إلى المفرد المعرفة إذا نويت أجزاء ذلك الاسم، إذا كان له أجزاء وإن لم يكن كذلك حينئذٍ لا يجوز، على هذا لا يجوزُ كل اسم مُفرّد مُعرّف أن يُضاف إلى أي يُقصد به الأجزاء، بل لا بد أن يصحّ معه المعنى، فإن لم يصح فلا. أو قصدتَ بها الأجزاء، كقولك: أي زيد أحسن؟ أي: أيُّ أجزاء زيد أحسن؟ ولذلك يُجاب بالأجزاء، فيُقال: عينه أو أنفه، وهذا إنما يكونُ فيها إذا قُصد بها الاستفهام، وأكثر الشراح ردّوا على تخصيصِ ابنِ عقيل هنا، بل الصواب أنها عامّة تشملُ الاستفهام والشرطية والموصولية. منعُ ابنُ عقيل هنا في هذا الموضع بكونها: تنوِ الأجزاء بأنه خاصٌّ بالاستفهام هذا ليس بصحيح، بل الصواب أنه عام. قال: وهذا إنما يكونُ فيها إذا قُصد بها الاستفهام، والصواب أنها عامّة في الثلاث. وإنما يستثنى أي الوصفية فحسب، وأي تكون استفهامية وشرطية وصفة وموصولة، يعني أربعة أقسام، هذا هنا أي بالنظر إلى إضافته إلى المعرفة والنكرة ثلاثة أقسام هي التي قدّمناها فيما سبق. فأمّا الموصولة .. (أي) الموصولة يجوزُ قطعها في اللفظ عن الإضافة (اضرب أياً هو عاصٍ)، يجوزُ قطعُها عن الإضافة (اضرب أياً هو عاصٍ)، يعني الذي هو عاصٍ. فذكرَ المصنفُ أنها لا تُضاف إلا إلى معرفة، فتقول: (يعجبني أيهم قائم)؛ لأنها بمعنى الذي، أيٌّ بمعنى الذي وهو معرفة ولا يجوز أن تُضاف للنكرة، وذكرَ غيرُه أنها تُضاف، -وهذا مذهبُ ابنِ عصفور وهو مُخالِف- إلى نكرة ولكنه قليل: (يُعجبني أيُّ رجلين قاما). وأما الصفة .. الوصفية والحالية هذه لا يجوزُ تكرارها ولا أن يُنوى بها الأجزاء، ويجبُ أن تُضاف لفظاً ولا يجوزُ قطعُها عن الإضافة، هذه من الفوارق بين هذه الآيات.

وأما الصفة فالمراد بها ما كان صفة لنكرة أو حالاً من معرفة، ولا تُضاف إلا إلى نكرة؛ لأنّ القصدَ من الوصفية الدلالة على الكمال، والداخلة على المعرفة بمعنى بعض، فلا تدلُّ عليه، حصلَ تعارض، إذا أُضيفت إلى المفرد المعرفة دلَّ على البعضية، ونحن نريدُ معنى كلّ، وهذا إنما يحصلُ بالنكرة، النكرة فيها عموم، والمعرفة فيها خصوص، فإذا أضفتَها إلى المعرفة اكتسبت التخصيص وهو البعضية، ونحن نريدُ أنه بلغَ الكمال: (مررتُ بزيد أيَّ فارس)، بلغَ الكمال في الفروسية، فلا تدلُّ عليه ويُشترَط في النكرة أن تكون مماثلة للموصوف لفظاً ومعنى، أو معنى فقط: (مررتُ برجل أيّ رجل)، يعني ما قبلَها وما بعدَها لفظ واحد أو بمعنى واحد، يعني لا يُقال: (مررتُ برجل أي عالم)، نقول: عالم ليس هو معنى رجل، وليسَ مُشاركاً له في اللفظ، لكن (مررتُ برجلٍ أي رجل) صح، (مررتُ برجلٍ أي إنسان) صح، (مررتُ برجلٍ أي عالم) لا يصح، إذن يُشترَط في الوصفية أن تكونَ النكرة مماثلة للموصوف لفظاً ومعنى أو معنى فقط: نحو: (مررتُ برجلٍ أي رجل)، و (برجل أي إنسان)، ولا يجوزُ (برجل أي عالم) وعكسه: (مررتُ بعالم أي رجل) لا يصح؛ لعدم التماثل لا لفظاً ولا معنى. ولأن الوصفية كذلك لا تقعُ إلا وصفاً للنكرة، ووصف النكرة ومثله الحال لا يكونان إلا نكرتين؛ لأنك إذا قلت: (مررتُ بزيد أي رجل، أي فارس) .. حينئذٍ أنت جئتَ بحالٍ من زيد، فلو أضفتَ (أي) إلى المعرفة لوصفتَ الحال بالمعرفة وهو ممنوع؛ لأن الحال لا بدَّ أن تكون نكرة، فحينئذٍ تعيّنَ أن يكونَ المضاف إليه في باب الوصفية والحالية أن يكونَ نكرة؛ لأنك إذا وصفتَ النكرة لا بُد من التطابق، وإذا وصفت المعرفة وكانت حالاً لا بد أن تكون الحال نكرة. إذن في الحالين لا بدّ أن تكون نكرة، أيُّ النعتية إذا نعت النكرة، ضابطُ النعتية أن يكونَ ما قبلَها نكرة، إذن يتعيّنُ أن يكونَ المضاف إليه نكرة؛ لأنك إذا أضفتَه إلى المعرفة وصفتَ النكرة بالمعرفة، هذا ممنوع، وإذا جاءت بعدَ المعرفة قلنا هي حال، والحال لا يكونُ إلا نكرة، فلو أضفتَها إلى المعرفة صارت الحال معرفة، هذا باطل، إذن في كلا الحالين يتعينُ أن تكونَ أيّ مُضافة إلى النكرة. أو حالاً وأما الصفة فالمراد بها ما كان صفة لنكرة، أو حالاً مِن معرفة ولا تُضاف إلا إلى نكرة لما ذكرناه من علةٍ: (مررتُ برجلٍ أيِّ رجلٍ) بالكسر، و (مررتُ بزيدٍ أيَّ فتى) بالنصب، ومنه قوله: فأوْمَأَتُ إِيمَاءً خَفِياً لِحَبْتَرٍ ... فَلِلَّهِ عَيْنَا حَبْتَرٍ أَيّما فَتى أَيّما: هذه حال .. بالنصب. وأما الشرطية والاستفهامية فيُضافان إلى المعرفةِ وإلى النكرة مُطلقاً، وذلك أنّ (أياً) الاستفهامية والشرطية اسم يعمّ جميعَ الأوصاف؛ لأنها تفيدُ العموم، والنكرة هذه مُتعلّقة بالأوصاف، والمعرفة مُتعلّقة بالأشخاص، فإذا أضفتَ الشرطية والاستفهامية إلى النكرة صارَ عمومُها في الأوصاف، وإذا أضفتَها إلى المعرفة صارَ عمومُها في الأشخاص.

المعرفة خاصّة معرفة كاسمها، تدلُّ على معين، إذن مدلولُها مُشخَّص .. مدلول المعرفة مُشخَّص، فإذا أضفتَ الشرطية أو الاستفهامية إلى المعرفة صارَ عموماً في الأشخاص، والنكرة تدلُّ على الأوصاف .. الشيوع، إذا أضفتَ الاستفهامية والشرطية للنكرة صارَ عموماً في الأوصاف، هذا يُفيدُك في الأصول. ذلك أنّ أي الاستفهامية والشرطية اسمٌ يعمُّ جميعَ الأوصاف، فإما أن يُراد تعميم أوصاف جنس من الأجناس فتُضاف إلى النكرة، وإما أن يُراد تعميم أوصاف ما هو مُتشخِّص بطريقٍ مِن طُرق التعريف فتُضاف إلى المعرفة، والشرطية والاستفهامية يجوزُ قطعُها عن الإضافة في اللفظ، ((أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا)) [النمل:38] هذه استفهامية، أُضيفت إلى المعرفة، ((أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ)) [القصص:28] هذه شرطية أُضيفت إلى المعرفة، ((فَبِأَيِّ حَدِيثٍ)) [الأعراف:185] استفهامية أُضيفت إلى نكرة، أي رجل جاءك فأكرمه، أُضيفت إلى نكرة وهو مُفرد وهو شرطية. فيُضافان إلى المعرفة وإلى النكرة مُطلقاً على التفصيل الذي ذكرناه سابقاً، يعني سواء كانا مُثنيين أو مجموعين أو مُفردين إلا المفرد المعرفة، استثناهُ الناظم؛ فإنهما لا يُضافان إليه إلا الاستفهامية فإنها تُضاف إليه كما تقدّم ذكره. هذا على الاستثناء الذي ذكره، الصواب لا، بل هو عامّ على التفصيل السابق، وَإِنْ كرَّرْتَهَا فَأَضِفِ، أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا، هذا ابنُ عقيل خصّهُ بالاستفهامية، وما عداهُ -الشرطية والموصولية- لا. إذن على كلامِه أن قولَه: وَلاَ تُضِفْ لِمُفْرَدٍ مُعَرَّفِ أَيًّا هذا عامٌّ مُطلقاً، وإنما يُستثنى الاستفهامية بقوله: وَإِنْ كرَّرْتَهَا، أَوْ تَنْوِ الاَجْزَا، حينئذٍ لا يُضاف مُطلقاً عند ابنِ عقيل إلى المفرد المعرف إلا الاستفهامية بشرطين: إما أن تُكرّر وإما أن يُنوى بها الأجزاء، والصواب لا؛ ليسَ كذلك الأمر، وإنما يُستثنى ثلاثة: الموصولية، والاستفهامية، والشرطية، ويُستثنى فقط الوصفية، ولعله أراد الوصفية. واعلم أن (أياً) إن كانت صفة أو حالاً فهي مُلازمة للإضافة لفظاً ومعنى؛ نحو: (مررتُ برجلٍ أي رجل وبزيد أي فتى)، وإن كانت استفهامية أو شرطية أو موصولة فهي مُلازِمة للإضافة معنى لا لفظاً. يعني: يجوزُ قطعُها عن الإضافة ويُعوّض عنها التنوين. (أيُّ رجلٍ عندك)، (أيٌّ عندك) أضفتَها وقطعتها، (أيُّ رجل) بالإضافة، اقطعها تقول: (أيٌّ عندك)، تحذِفُ المضافَ إليه وتأتي بتنوينِ العوضِ عن المفرد. و (أيَّ رجلٍ تضرب أضرب) و (أياً تضرب أضرب)، ((أَيًّا مَّا تَدْعُو)) [الإسراء:110] حُذِف المضافُ إليه وعُوّض عنها التنوين، و (يعجبني أيُّهم عندك)، ذكرَ المضاف إليه، و (أيٌّ عندك) هذا حذفَ المضاف إليه: أي الرجلين تضرب أضرب، وأي رجلين تضرب أضرب، وأيّ الرجال، وأيّ رجال، وأيّ الرجلين عندك، وأيّ الرجال عندك، وأيّ رجل، وأيّ رجلين، وأيّ رجال. إذن يجوزُ فيها مطلقاً إلا المفردُ المعرّف فلا يجوزُ إلا إن كُررت أو نُوي بها الأجزاء. وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ فَجَرّْ ... وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا عَنْهُمْ نَدَرْ

وَنَصْبُ غُدْوَةٍ، نَصْبُ غُدْوَةٍ: يجوزُ فيه الوجهان على الحكاية وعلى الجرّ، والجرُّ أولى. وَأَلْزمُوا: أي العرب. لَدُنْ إِضَافَةً، لَدُنْ بفَتح اللام وضمّ الدال ونون ساكنة، وفتحها وكسرها وضمهما وسكون النون لدُنْ، ولدَنْ، ولدِنْ، ولُدُنْ .. يعني فيها أربعُ لغات، لدُنْ، ولدَنْ، ولدِنْ، ولُدُنْ. وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ: لدُن هذا مفعول أول، وإضافة هذا مفعول ثاني، ـ فجرّ ما بعدَه. وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ فَجَرّْ: يعني ما بعده، بالإضافة. قالوا: هنا صرّح ابنُ مالك رحمه الله بأن المضاف هو الذي يُجرّ، بخلاف قوله في أول الباب: وَالثَّانِيَ اجْرُرْ، ما نصَّ على أن المضاف هو الذي يعملُ في المضاف إليه. لكن قوله هناك: فَجَرّْ، دلَّ على أن العامل هو المضاف إليه، قوله: فجَرّ فائدتُه بعدَ قوله: (إضافة) بيان أن عامل الجرّ هو المضاف على الصحيح، وفُهِم أيضاً أنها لا تُضاف إلا للمفرد وعمّمه المرادي. يعني: فجر ما بعدَه مُطلقاً، جره بالإضافة لفظاً إن كان مُعرباً، ومحلاً إن كان مبنياً، أو جملة على القول بأنّ لدن تُضاف إلى الجملة، فجر ما بعدَه لفظاً أو محلاً سواء كان مبنياً مُفرداً أو جملة فالحكم عامٌّ. فالأول: الذي هو اللفظي نحو: ((مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ)) [هود:1] حكيمٌ هذا جُرَّ في اللفظ، والثاني نحو: ((وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)) [الكهف:65]، والثالث نحو قوله: وتذكرُ نُعْماهُ لَدُنْ أنتَ يافعُ ومنه: (لَدُنْ شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائِبِ ... ) أُضيف إلى الجملة الاسمية بقوله: لَدُنْ أنتَ يافعُ، وإلى الجملة الفعلية نحو: شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائِبِ، فنقول: هذا جائزٌ وبعضهم منعَهُ أن تُضاف إلى الجملة. وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ فَجَرّْ ... وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا عَنْهُمْ نَدَرْ إذن (لدُن) مِن الأسماء الملازمة للإضافة لفظاً ومعنى، فقيل: (لدُن) بمعنى (عند)، فتكونُ اسماً لمكان الحضور وزمانه كما أن (عند) كذلك، فهي مُرادفة لعند، وقيل: هي لأول غايةِ من الزمان والمكان، أول غاية، وهي التي يعبر عنها ابن عقيل: فأما (لدن) فلابتداء غاية زمان أو مكان، إذن في تفسيرها معنيان، والمشهور الأول: أن (لدُن) بمعنى (عند)، إلا أنها تختَصّ بستةِ أمور وتُفارِق (عند) بها، الأول: أنها مُلازمة لمبدأ الغايات زمانية ومكانية، وغير غير ملازمة؛ تدلُّ عليها وعلى غيرها، تُستعمَل ظرفاً وتُستعمَل دالة على الغاية الزمانية والمكانية، وأما لدن ملازمة لا تخرج عنها بخلاف (عند)، إذن هي ملازمة لمبدأ الغايات. ومن ثمَّ يَتعاقبان في نحو: (جئت من عنده) و (من لدنه)، (جئت من عنده) يعني: ابتداء الغاية المسافة المجيء مِن عند زيد مثلاً، و (جئت من لدنه)، حينئذٍ نقول: من لدنه، نقول: هذه دلّت على أول المسافة مثل (عند)، إذن تعاقبا يعني تواردا في مثال واحد.

ومن ثم يتعاقبان في نحو: (جئت مِن عنده ومن لدنه)، وفي التنزيل: ((آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)) [الكهف:65] قيل هما بمعنى واحد، وغايرَ بينهما لئلا يتفقَ اللفظان، يعني من باب دفعِ التكرار فحسب، وإلا (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) معنى واحد، وكذلك (مِن عندنا) و (علمناه من عندنا). المعنى واحد إلا أنه لم يؤت بـ (عند) في الموضعين أو لدن في الموضعين تفادياً للتكرار، بخلاف جلستُ عنده فلا يجوزُ جلست لدنه، لا يصح أن يقال: (جلست لدنه)، وإنما اتفقا في مبدأ الغاية، قد يُستعمل (عند) لمبدأ الغاية، و (لدن) هي مُلازمة لمبدأ الغاية، هي بمعنى (عند) في هذا الموضع، ولذلك تعاقبا في بعض الأمثلة دون بعض، (جلست عنده) لا يصح أن يقال: (جلست لدنه)، لعدم معنى الابتداء هنا، هذا الأول. الثاني: أن الغالب في (لدن) استعمالها بمن مجرورة ونصبها قليل، ولذلك لم تأت في التنزيل منصوبة، بخلاف (عند). الثالث: أنها مبنية على السكون إلا في لغة قيس؛ فإنها مُعربة عندهم تشبيهاً بعند، وبلغتهم قُرِئ ((مِنْ لَدِنْهِ)) [النساء:40] يعني بإسكان الدال وكسر النون، بكسر النون يعني قراءة أبي بكر عن عاصم. الرابع: أنه يجوزُ إضافتها إلى الجمل، وهذا محلّ نزاع، وذكرنا (لَدُنْ أنتَ يافعُ)، (لَدُنْ شَبَّ) .. حينئذٍ أضيفت، نقل إضافتها إلى الجملة الاسمية والجملة الفعلية. أنه يجوز إضافتها إلى الجمل كقوله: (لَدُنْ شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائِبِ)، وهي حينئذٍ مُتمحِّضة للزمن، يعني إذا أُضيفت إلى الجملة تمحَّضت للزمن، وإن كانت في الأصل تأتي للمكان. خامساً: جوازُ إفرادها قبل غدوة؛ يعني قطعها عن الإضافة لفظاً ومعنى، وسبقَ أن ذكرنا أن (لدن) مما يلزم الإضافة لفظاً ومعنى، يُستثنى (غدوة) فقط، هذه إذا نُصبت بعدَها انفصلت من لدن غدوة. السادس: أنها لا تقعُ إلا فضلة، يعني: لا تقعُ عمدة، بخلاف (عند) تقول: (السفر من عند زيد)، (من عند) هذا وقعَ عُمدة وإن تعلّقَ بمحذوف، لكن لا يصلحُ أن يُقال: (السفر من لدن زيد)؛ لأنها لا تقعُ إلا فضلةً؛ لا تكون في محلّ عمدة. إذن لا تقع إلا فضلة بخلاف (عند)؛ فإنها قد تكون عُمدة (السفر من عند زيد)، فحينئذٍ تجعلُ (عند) خبراً عن السفر والخبرُ عمدة، ولا تقل: (من لدن)؛ لأن ذلك يُخرِجه عمّا استقرّ لها من مُلازمة الفضلة. إذن: (السفر من عند زيد)، أو (من عند البصرة) مثلاً، ولا تقول: (من لدن البصرة)، أما (لدى) فهي مُوافقة لعند، أما (لدى) فهي مثل (عند) مطلقاً، بخلاف (لدن)، فرق بين (لدن) و (لدى). أما (لدى) فهي مثل عندَ مُطلقاً إلا أنّ جرَّها ممتنعٌ بخلاف جرّ (عند)، (عند) تدخل عليها (من) فتجرُّها، وأما (لدى) فلا، لا يدخل عليها (من)، وأيضاً (عند) أمكن منها من وجهين، أمكن مِن (لدى) من وجهين: أولاً: أنها تكونُ ظرفاً للأعيان والمعاني، تقول: (هذا القول عندي صواب)، -هذا لمن صلحَ أن يقول عندي-، و (عندَ فلان علمٌ به)، ويمتنعُ ذلك في (لدى)، فلا تقل: لدي، (هذا القول لدي صحيح)، وإنما تقول: عندي، إذن افترقت (عند) عن (لدى).

الثاني: أنّك تقول: (عندي مال)، وإن كان غائباً عنك، يعني لا يُشترَط فيه الحضورُ بخلاف (لدى)، تقول: (لدي مال)، لا بدّ أن يكونَ حاضراً في جيبك أو نحو ذلك؛ قريباً منك، وأما إذا كان غائباً عنك فلا يصحّ أن تقول: (لدي مال)، وإنما تقول: (عندي مال)، (عندي سيارة) .. لا تقول: (لدي سيارة) إلا إذا كانت بجوارك. أنك تقول: (عندي مال) وإن كان غائباً، ولا تقل: (لدي مال) إلا إذا كان حاضراً، هذا فرق بين (لدى) و (عند). وَأَلْزمُوا: أي العرب. لَدُنْ إِضَافَةً: مفعول أول ومفعول ثاني. فَجَرّْ: يعني فجَر ما أُضيف إليه، فجر ما أُضيف إليه بالمضاف كما نصَّ عليه، لفظاً إن كان معرباً، ((مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ)) [هود:1] (لدن) مضاف، وحكيم مضاف إليه، وجُرّ بالكسرة الظاهرة، أو محلاً إن كان مبنياً نحو: ((وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)) [الكهف:65] لدنا: هنا (نا). أو جملة نحو قوله: (لَدُنْ شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائِبِ) الجملة في محلّ جرِّ مُضاف إليه، والعامل فيه (لدن). وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ فَجَرّْ: هذه مما ذكرناه بإن بعضهم قال: بأنه لم يُضف إلى الجملة إلا (حيث)، وزاد بعضهم (لدن). وابنُ هشام في المغني نصَّ على أنه لا يجوزُ إضافة ظرفِ مكانٍ إلى الجملة إلا (حيث) فقط، وأما (لدن) فلا، ولذلك ابنُ برهان ذهبَ إلى هذا، وقال ابنُ برهان: (حيث) فقط أما (لدن) فلا. ثم قال: وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا: الذي هو (لدن). عَنْهُمْ: العرب، وألزموا ثم قال: عنهم. نَدَرْ: نصبُ: مبتدأ، وغدوة: مضاف إليه، بها عنهم: مُتعلّق بـ (ندر)، وندر: الجملة خبر. إذن الأصلُ في المضاف إليه أن يكونَ مجروراً، والأصل فيما لزِمَ الإضافة أن يجرَّ ما بعدَه، ولذلك قال: وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ فَجَرّْ ما بعدَه، فإذا نصبَه هذا شذوذ وخروجٌ عن الأصل. قال الشارح: مِن الأسماء الملازمة للإضافة (لدن)، وهي لابتداء الغايةِ زماناً كان أو مكاناً. وهي مبنيّة عندَ أكثر العرب، والعلةُ شبهها بالحرفِ في لزوم استعمال واحد وهو الظرفية، يعني لزِمَت الظرفية، حينئذٍ لا تخرجُ عنها، هذا وظيفةُ الحرفِ أن لا يتصرفَ في المعنى، هذا الأصلُ في الحرف لا في الأسماء، وهو الظرفية، وعدمُ التصرف وتوغُّله في مُلازَمة معنى الابتداء .. لهذه الأمور نقول: بني لدن، إذن هذا هو علة البناء. عندَ أكثرِ العرب؛ لشبهها بالحرف في لزوم استعمالٍ واحد وهو الظرفية، وابتداء الغاية وعدم جواز الإخبارِ بها بخلاف (عند)، ولا تخرجُ عن الظرفية إلا بجرِّها بـ (مِن)، وهو الكثير فيها، ولذلك لم ترِد في القرآن إلا بـ (من) كقوله تعالى: ((وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)) [الكهف:65]، ((لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ)) [الكهف:2] وقيسٌ تعربها. ومنه قراءةُ أبي بكر عن عاصم (لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهِ) لكنه أسكنَ الدال وأشمّها الضم، يعني بالإشمام. قال المصنف: ويحتمل أن يكونَ منه قوله: تَنتهضُ الرَّعدةُ في ظَهِيرِي ... مِنْ لَدُن الظُّهرِ إِلى العَصيرِ يحتمل منه أن يكونَ مُعرباً على لغةِ قيس. ويجر ما وَليَ (لدن) بالإضافةِ إلا (غدوة) فإنهم نصبوها بعد (لدن).

قال سيبويه: ولا ينتصب بعد (لدن) مِن الأسماء غير (غدوة) فقط، حينئذٍ لا يكون قياس، إنما يُحفظ ولا يُقاس عليه. ومَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الكَلْبِ مِنْهُم ... لَدُنْ غُدْوَةً حتَّى دَنَتْ لِغُروبِ لدن: الأصل أن يكون ما بعدَها مضاف إليه، هذا الأصل أن يكون مجروراً، قلنا (غدوة) بالنصب، فحينئذٍ اختلفَ النحاةُ على ثلاثةِ أقوال في نصب (غدوة)، على أي وجه؟ هل هو تمييز أو حال أو مفعول به أو أو إلى آخره. وقيل: منصوبةٌ على التمييز، وهو اختيارُ المصنف، ولهذا قالَ وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا عَنْهُمْ نَدَرْ، لكن هذا ليسَ فيه دلالة على أنه أرادَ به التمييز. وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا عَنْهُمْ نَدَرْ، هل فيه إشارة إلى أنه تمييز؟ على كلٍّ ليس بظاهر، ليسَ بظاهر أن الناظم اختارَ هذا القول .. يُتأمّل. وقيل: هي خبرٌ لكان الناقصة المحذوفة، مع اسمِها، والتقدير: لدن كانتِ الساعةُ غدوةُ، إذن: لَدُنْ غُدْوَةً، هذا خبرُ كان الناقصةِ المحذوفةِ مع اسمها، لدن كانتِ الساعةُ غدوةً. وقيل -القول الثالث- على التشبيه بالمفعول، غدوة تشبيهٌ بالمفعول؛ لشبه (لدن) باسمِ الفاعل المنون، في ثبوتِ نونها تارة وحذفها أخرى، ولكن يضعِّفُه سماعُ النصبِ بها محذوفة النون (لدُ غدوةً)، يعني فيه روايتان: لدن غدوة، لد غدوة. ويجوزُ في (غدوة) الجرُّ بالإضافة على الأصل وهو القياس، يعني في غير البيت، ونصبُها نادرٌ في القياس، فلو عَطفت على (غدوة) المنصوبة بعد (لدن) جازَ النصبُ عطفاً على اللفظ والجرُّ مراعاةً للأصل: (لدن غدوة وعشيةً وعشيةٍ) جاز الوجهان، مراعاةً للأصل جررتَ، ومراعاةً للفظ نصبتَ. لكن الظاهر هذا فيه نظر؛ لأنه ليسَ لها محلان غدوة هنا، هنا نصبت على أنها تمييز أو خبر كان، أو مفعول به، إذن خرجَت عن المحلية، فانفصلَت فقُطعت (لدن)، إذا عُطِف عليها الأصل أنه لا يجوزُ الجرّ، ليسَ عندنا محلّ لم يبقَ المحل أصلي؛ لأننا حكَمنا عليها بأنها قُطعت، على كلٍّ هنا ذهبَ إلى أنه يجوزُ فيه وجهان: عشيةً وعشيةٍ .. عشيةً على اللفظ، وعشيةٍ على المحل، على الأصل، وأين هو الأصل؟ الأصلُ مقطوعٌ عنه، فُصلت (لدن) عن الإضافة. ذكرَ ذلك الأخفشُ وحكى الكوفيون الرفعَ في (غدوة) بعد (لدن)، يعني جوَّزوا (من لدن غدوةٌ)، واختلفوا في الإعراب، قيل: مرفوعٌ بكان التامة المحذوفة والتقدير: (لدن كانت غدوة)، يعني وُجِدت غدوةٌ، فهي فاعلٌ لكان المحذوفة. وقيل: خبرٌ لمبتدأ محذوف، والتقدير: (لدن وقت هو غدوةٌ)، وقيل: على التشبيه بالفاعل. نقف على هذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

75

عناصر الدرس * حكم (مع) ولغاتها * حكم أسماء الغايات وحالاتها * حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه , مع الشروط. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وقفنا عندَ قولِ الناظم رحمه الله تعالى: وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ فَجَرّْ ... وَنَصْبُ غُدْوَةٍ بِهَا عَنْهُمْ نَدَرْ وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ وَنُقِلْ ... فَتْحٌ وَكَسْرٌ لِسُكُونٍ يَتَّصِلْ وقفنا عندَ قولِه: وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ. ذكرَ في هذين البيتين لفظتينِ مما يلزما الإضافةَ إلى المفرد، وهما لفظة (لدن) وسبقَ الكلام عليها، وقال: (وَمَعَ)، هذه اللفظة الثانية، وهذه معطوفة على قوله: وَأَلْزمُوا إِضَافَةً لَدُنْ وَمَعَ، و (مع): معطوف على (لدن)، ثم معْ بالإسكان هذا يُعتبر مبتدأ، وقليل خبره، و (فِيهَا) جار ومجرور مُتعلّق بقوله: قليل، هذا الذي يصحُّ به المعنى، وأما إذا جُعل (مع) على أنه مبتدأ، ثم ما بعدَه خبر له فسدَ المعنى، لماذا؟ لأنه أرادَ أن يُبيِّن أن (مع) مما يلزمُ الإضافة إلى المفرد، حينئذٍ لو فصلناها وقلنا: (معَ) مبتدأ، (مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ)، كأنه بيّنَ لنا أن (معَ) فيها لغتان: التحريك بالفتح، والإسكان وهي اللغة الثانية، وهذا ليسَ مراداً للناظم؛ لأنه ما زالَ يُعدّد لنا الأسماء التي هي ملازمة للإضافة معنى ولفظاً أو معنى دون لفظ. إذن لا يصحُّ الإعراب إلا أن نجعل (مع) معطوفاً على قوله: لدن، وألزموا إضافة لدن ومع، كلٌّ منهما مضاف إلى المفرد. مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ: هذه لغة أخرى .. مبنية على السكون كما سيأتي في محلّه، ومع: أي من الأسماء اللازمة للإضافة (مع)، وهي اسمٌ لموضع الاجتماع مُلازمة للظرفية إذا أُضيفت، فهي اسمُ لمكان الاصطحاب أو وقته، والمشهورُ فيها فتحُ العين وهو فتحُ إعراب، فتكون منصوبة على الظرفية مع ملازمة للظرفية، وتُفرد كذلك، فحينئذٍ يلزمُ نصبُها على الحال، نقول: (جاء الزيدان معاً) يعني: جميعاً، (معاً) هذا إعرابه حالٌ من الفاعل الزيدان، وجاءَ القومٌ معاً، أي جميعاً كذلك، فحينئذٍ تكون حالاً من المثنى وتكون حالاً من الجمع فيستويان؛ اللفظ واحد معاً، جاء الزيدان معاً، الزيدان جاءا معاً، الزيدون جاؤوا معاً .. حينئذٍ كلاهما منصوب على الحالية، أي: جميعاً. و (مع) عرفنا أنها مما تلزمُ الإضافة إلى المفرد، وقد تنقطعُ عنه فحينئذٍ تنتصبُ على الحالية؛ لأنه يرجعُ إليها التنوين تقول: (جئتك معَ العصر)، يعني وقت العصر، وجئت مع زيد، فهي مُفيدة للمصاحبة. واختلفوا فيها: هل هي ثُنائية الوضع أم ثلاثية؟ مَعْ حرفان ميم والعين، ثم إذا نصبتَها قلت: معاً، ولذلك هذان اختلافان هل هي أصلية من حيث الثنائية أم أنها ثلاثية؟ يعني هل هي أولُ ما وُضِعت على حرفين الميم والعين (مَعْ)، أو أنها ثلاثية وحُذف اللام .. لامُ الكلمة كما حُذفت من (يد ودم)؟ (يد) أصلها يديٌ، (يدٌ) ليست على حرفين، وإنما هي على ثلاثة أحرف، وأين الحرف الثالث؟ نقول: هذا لامُ الكلمة حُذِف اعتباطاً يعني: لغير علة تصريفية، يُسمّى حذفاً اعتباطياً، وإذا كان حذفاً تصريفياً فهو القياس هذا الأصل عند الصرفيين.

فحينئذٍ هل أصلُها ثنائية أم ثلاثية وحُذف منها اللام كما حذف من يد؟ يد قلنا هذه ثلاثية الأصل وحُذف منها اللام، فأصلُها يديٌ فَعْلٌ، دمٌ أصلها (دميٌ) (دموٌ) على الخلاف في المحذوف هل هو ياء أم واو، فحينئذٍ حُذفت اللام التي هي الياء من (يد) (يديٌ)، والياء أو الواو من (دم) (دمي) أو (دمو) اعتباطاً؛ لغير علة تصريفية. هل (مع) مثلُها وأصلها كـ (فتى) يعني (معي) تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلَها فوجبَ قلبُها ألفاً، ثم رجعت عندَ قطعها عن الإضافة؟ هذا محلّ خلاف بين النحاة. كونها ثنائية الوضعِ هو قولُ الخليل بن أحمد الفراهيدي أن أصلها ثنائية، وهذا هو الأصلُ إذا سُمِع لفظٌ على حرفين وإن كان الأصل في وضع الكلمة التي هي اسم أن تكون على ثلاثةِ أحرف كذلك الفعل، لكن لا يُحكَم بكون ثَمَّ حرفاً زائداً أو حرفاً ثالثاً محذوفا وهو أصل في الأصل؛ إلا إذا ذُكِر في موضع آخر، يعني صُرِّح به حينئذٍ نقول: ثَم حرفٌ محذوف وحذفُه يكون اعتباطياً، وأمّا إذا سُمِع لفظ هكذا (مع) حينئذٍ نقول: الأصل أنه وُضِع على حرفين، وهذا الحرفُ المحذوف الله أعلم به، وإن كان الأصلُ أن يكون ثَم ثالث، ولكن يُنطَق به كما وُضِع، ولذلك قولُ الخليلِ: أنها ثنائية الوضع، يعني وُضِعت على حرفين، وذهبَ يونس والأخفش إلى أنها ثلاثية، وحُذِف الحرفُ الثالث اعتباطاً كما حُذِفت الياء من (يد) والواو أو الياء من (دم). ثم ينبني على هذا الخلاف إذا قُطِعت عن الإضافة وقيل: جاء الزيدان معًا، جاءوا معا .. هذه الألف هل هي مُبدلة من تنوينٍ أم أنها هي الحرف الذي حُذِف، فمن قال إن أصلها ثنائية الواوا فحينئذٍ حَكَم على هذه الألف بأنها هي التنوين مثل الألف في (زيد) رأيت زيدا؛ فالألفُ هذه مُنقلبة عن التنوين، إذن (جاءوا معا) نقول: هذه الألف منقلبة عن التنوين، وهذا قولُ مَن قال بأنها ثنائية الوضع. ومَن قال بأنها ثلاثية، قال: هذه الألفُ هي التي حُذِفت اعتباطاً، فهي ثلاثية الوضع، فلما أُضيفت حُذِفت منها اللام؛ لامُ الكلمة وأصلها ياء، أصلها (معي) مثل (فتي)، تحرَّكت الياء في فتى وانفتح ما قبلها فوجب قلبُها ألفاً فقيل: فتى، عصا عصوَ، تحرّكت الواو وانفتح ما قبلَها فوجبَ قلبُها ألفاً، فقيل: عصا، مثلها معيَ، (هَذَا ذِكْرٌ مِنْ مَعِيَ) هكذا قُرئ، فقال بعضهم: أن هذه الياء هي أصل الألف التي رجعت بعد القطع عن الإضافة. فذهبَ الخليل إلى أن هذه الألف بدلٌ عن التنوين بناء على أنها ثنائية، وذهب يونس والأخفش إلى أن هذه الألف هي لام الكلمة كالألف في فتى، وهذا بناء على أنها ثلاثية.

الموضع الثالث الذي اختلفَ فيه النحاة وفيه (مع)، هل هي مُعرَبة مطلقة في كل الأحوال وفي كل اللغات أم فيه تفصيل؟ مذهبُ سيبويه أنها مُعربة مطلقاً في كل حال من الأحوال، وفي كلّ لغة من اللغات، فحينئذٍ: مَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ سواء فُتحت العين أو سُكّنت العين، فإن سُكّنت العين حينئذٍ تكون ضرورة كما سيأتي في البيت الذي يتلوه الشارح، وما عدا ذلك فحينئذٍ الأصلُ فيه الفتح، ولا تُسكّن إلا في ضرورة الشعر، فحينئذٍ هي لغة واحدة وهي مُعربة، وذهبَ كثير مِن المتأخرين إلى التفصيل، إلى أن (مع) فيها لغتان، لغة وهي مُعربة؛ وذلك إذا حُرّكت بالفتح التي عناها المصنف بقوله: و (مع)، ولغة هي مبنية، سيأتي التعليل وهي لغة غنم وربيع، حينئذٍ عندَهم مبنية وهي على الأصل في البناء وهي كونها مبنية على السكون. إذن: وَمَعَ المعربة مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ: وهو البناء، وهذا مذهبُ كثير من المتأخرين وظاهرُ الناظم على هذا، التفصيل في (مع) بأنها قد تكون معربة وقد تكون مبنية، مُعربة في سائر اللغات إلا في لغة؛ فهي مبنية عندهم على السكون وهو الأصل فيها. وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ: عرفنا (مع) أنه معطوف على ما قبله، يعني وألزموا إضافة أيضاً (مع)، كما ألزموا الإضافة في (لدن). (مَعْ) بالبناء على السكون -وهذا ظاهر النظم- قليل، قليل فيها، فيها قليل، بمعنى أنه قليل، وإذا قيل قليل فمعناه أنه ليسَ باللغة الشائعة في لسان العرب، إذا حُكِم على اللفظ المسموع بأنه قليل نحكم عليه بأنه ليسَ هو المطرد في لسان العرب، وإنما نحكم بكونه كثيراً مطرداً إذا كان مقابلاً للقليل. إذن قليل يقابله الكثير، وهو ما افتتح به البيت. هذا حكمُه إذا اتصل بياء مُتحرّك، ونُقِل فتح وكسر، نُقِل في اللغة الثانية وهي لغة السكون فتح وكسر، متى فتح وكسر؟ إذا تلاها ساكن، إذا تلاها ساكن جازَ فيه أمران في العين، جازَ فيه أمران: الفتح تخفيفاً، والكسرُ على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين. إذا نطقت بـ (معَ) على الأصل فيها -وهي المعربة- حينئذٍ لا إشكال فيه إذا تلاها ساكن (معَ القوم)، لا بأس به، (معَ العالم)، (معَ الرجل) .. نقول: هذا لا إشكال فيه، وأمّا إذا نطقت بها مبنية على السكون فحينئذٍ يلتقي ساكنان مع الـ، نقول: (أل) هذه اللام ساكنة فالتقى ساكنان، فحينئذٍ نُقِل في لسان العرب تحريك هذه المبنية على السكون .. تحريكها بالفتح فتقول: (جاء مع القوم)، وهذه مبنية على السكون مُقدراً، لماذا مُقدّر؟ لأن الأصلُ فيها أنها ساكنة، (جاء مع القوم)، تقول: (مع) هذا مبني على السكون المقدر منعَ مِن ظهوره اشتغالُ المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر هذا الأصل، فلماذا عُدِل إلى الفتح؟ طلباً للخفة، ولا بأس بأن يُقال: بأن أصلها المعربة؛ لأنّ الإعراب هو أصلٌ والبناء فرع، فحينئذٍ لُوحظ فيه الأصل وهو الفتح، وإذا قلت: (معِ القوم)، كسرتَ حينئذٍ على الأصل للتخلص من التقاء الساكنين.

قال هنا: وَنُقِلْ، يعني سُمِع في لسان العرب في (معْ) الساكنة إذا اتصل به ساكن فَتْحٌ وَكَسْرٌ، فجعلَ الفتح والكسر لأجل السكون؛ لذلك قال: لِسُكُونٍ، اللام هذه لام .. وَنُقِلْ فَتْحٌ وَكَسْرٌ لِسُكُونٍ، يعني تعليل .. من أجلِ السكون إذن هو حادث أم أصل؟ حادث، إذن تفهم من هذا أن الأصل في (مع) الساكنة أنها ساكنة، وذلك فيما إذا تلاها مُتحرّك فتبقى على الأصل، وأما إذا تلاها ساكن فحينئذٍ الأصل في التخلص من التقاء الساكنين أن يكون بالكسر، فما جاءَ عن الكسر لا يُعلّل، وإنما نحتاجُ أن نعلل ما فُتح فيه (مع)، فنقول: طلباً للخفة، ولذلك قال: لِسُكُونٍ يَتَّصِلْ، نحو: (مع القوم)، فالفتح طلباً للخفة والكسر على الأصل للتخلص من التقاء الساكنين، والمرادي هنا قال -في شرح البيت-: هما مرتبتان لا مفرعان، يعني الفتح والكسر هنا مرتبتان، إذن كأنهما لغتان، وليسا مفرعتين، بمعنى أنهما ليسا فرعاً لـ َمعْ الساكنة، وهذا فيه نظر، بل الصواب أنه فرعٌ لـ َمعْ الساكنة. قال المرادي: هما مَرتبتان لا مفرعان، وهذا قول قِيلَ بأنه غير صحيح كما قال: المكودي، بل هما مفرعان لا مرتبتان؛ لأن لغة الفتح لا يحدث الساكن فيها حُكماً؛ لأنها باقية على الأصل، تقول: جئتُ مع زيد، إذن متى يكون فيه القولان -الفتح والكسر-؟ لا بد أن يكون مُتعلقاً بـ (مع) الساكنة؛ لأن لغة الفتح لا يحدث الساكن فيها حُكماً، وإنما يُحدثه في الساكنة .. النوع الثاني الساكنة. ويدلّ على صحة هذا قوله: لِسُكُونٍ. فجَعلَ الفتح والكسر لأجل السكون، اللام هنا لام التعليل، فدلَّ على أن ذلك مُفرّع عن سابق وهو أصل، وليس كلّ منهما أصل، يعني مُراد المرادي هنا أن الفتح والكسر منقولٌ في (مع) الساكنة أن كل منهما لغة، حينئذٍ مع القوم لغتان، والصواب أنهما ليسا لغتين، بل اللغة هي (مع) الساكن، حينئذٍ إذا التقى ساكن أو تلاها ساكن حينئذٍ رجعنا إلى الأصل، وهو أنه لا يمكن أن ينطق بساكنين متتاليين، فصار تحريكُ (مع) الساكنة صار فرعاً لا أصلاً، فليسَ لغة مستقلة، وإلا لقلنا: ((قُمِ اللَّيْلَ)) [المزمل:2] صار (قُمِ) هذا لغة مستقلة، نقول: لا، بل هو فرع وليس بأصل، فكذلك قوله هنا: ونُقل يعني سُمع، في لغة السكون .. قيّدها كذا، في لغة السكون سمع: فَتْحٌ وَكَسْرٌ لِسُكُونٍ يَتَّصِلْ، دلَّ على أن هذين النوعين الفتح والكسر في (معْ) الساكنة أنه فرع لا أصل، فحينئذٍ لا وجهَ لقول المرادي هنا بأنهما مرتبتان لا مفرَّعان. هذا الأصل في مع أنها تُضاف إلى ما بعدها، وتفرد (معَ) وتنصب على الحال بمعنى جميعاً، فتخرج عن الظرفية.

إذن متى نعرب (مع) بأنها ظرف؟ إذا أُضيفت، فإذا قُطعت عن الإضافة حينئذٍ وجبَ نصبها، لا يحتمل غير النصب، وبماذا نُعربها؟ نعربها حالاً بمعنى جميعاً، سواء كان صاحب الحال مثنى أو جمعاً، ولا يُتصوّر أن يكون مُفرداً، لا تقل: (جاء زيد معاً)؛ لأن المصاحبة إليه، لا بد أن تدل على المصاحبة، على الجمعية، وهذا لا يُتصور إلا فيما معه فرد آخر أو أفراد، وأما الواحد فلا يُقال: (جاء زيد معاً)، وإنما تقول: (جاء الزيدان معاً)، (جاء الزيدان) فعل وفاعل، (معاً) هذا منصوب على الحالية بمعنى الجميع، وكذلك (جاء الزيدون معاً)، معاً جميعاً هذا منصوب على الحالية. كلما مرّ بك (معاً) هكذا بالنصب، حينئذٍ تُعربها حالاً سواء كان بمعنى جميعاً .. سواء كان صاحب الحال مثنًى أو جمعاً ولا يصحّ أن يكون مفرداً؛ لأن (مع) للمصاحبة ولا يتصور المصاحبة بشيء واحد. فحينئذٍ تُفرد، فإذا قيل: تفرد والأصل فيها أنها ثلاثية، تفرد مردودة اللام على قول الأخفش ويونس، وهو أن (مع) ثلاثية، فإذا قُطعت عن الإضافة فالأصلُ أنها ترجع إلى أصلها وهو كونها مُؤلّفة من ثلاثة أحرف، فإذا قيل: (جاء الزيدان معا)، الألف هذه قيل إنها هي الأصل، وهي كألف فتى أصلها معيَ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، ولذلك قيل: تُفرد (مع) مردودة اللام على القول الذي مَضى عليه الأخفش وغيره أي: تُفرَد عن الإضافة مردودة اللامِ لتتقوى بها حال قطعها عن الإضافة، جبراً لما فاتها من الإضافة، فأصلُ (معاً) من قولك: (جاء الزيدان معاً) معي، ففُعِل به ما فعل بـ (فتى)؛ فتيَ تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً. ففتحةُ العين على هذا فتحة بنية، إذا قيل: معاً، جاء الزيدان معاً، العين هذه حركته حركة بنية لا حركة إعراب، لأن الحركة حينئذٍ تكون مُقدّرة على الألف المحذوفة، كما تقول: جاء فتى، فتى: فاعل مرفوع، ورفعُه ضمةٌ مقدرة على الألف المحذوفة التي للتخلص من التقاء الساكنين. كذلك هنا (معاً)، نقول: معاً، هذه حال منصوبة، ونصبُها فتحةٌ مقدرةٌ على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، مثل: فتى، هذا على القول بأنها ثلاثية وأن الألف هذه رجعت إلى حالها، ففتحة العين على هذا القول فتحت بنية، والإعراب مُقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، التقى الساكنان الألف والتنوين، كما تقول: فتىً، جاء فتىً، مررتُ بفتىً، في هذه الأحوال الثلاثة يكونُ الإعراب مُقدرا، ثم محل الإعراب الذي هو الحرف محذوف للتخلص من التقاء الساكنين، بخلاف (جاء الفتى)، و (رأيت الفتى)، و (مررت بالفتى)، الإعراب حينئذٍ يكونُ مُقدّراً كالأول إلا أن محلّ الإعراب وهو الحرف يكون ملفوظاً به، جاء الفتى الألف ملفوظ بها، (رأيتُ الفتى)، (مررت بالفتى) الألف ملفوظٌ بها، أما إذا دخلَه التنوين، وذلك فيما إذا جُرّد عن (أل) –نُكّر- وجبَ حينئذٍ تنوينه، إذا كان نكرة وجبَ تنوينه، فتقول: جاء فتىً التقى الساكنان: الألف والتنوين، فحُذفت الألف لعدمِ إمكان تحريكها على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.

وهذا ما اختارَه ابن مالك رحمه الله تعالى أن أصل مَع ثلاثية، وأن الألف في معا (جاء الزيدان معا) أن الألف هذه هي أصل الكلمة، كانت محذوفة مع الإضافة فرجعت، وعلّة الحذف هي الاعتباط. وذهبَ الخليل إلى أن الفتحة فتحة إعراب، (معاً) العين هذه متحركة بالفتح، فتحة إعراب وليس مِن باب المقصور واختارَه أبو حيان، فإذا أُفرِدت خرجَت عن الظرفية وتُنصب على الحال بمعنى جميعاً، وتُستعمل للمثنى وللجمع، يعني تُستعمل للجمع كما تُستعمل للمثنى، حينئذٍ نقول: مع الأصل فيها إذا أُضيفت أن تُعرب بالنصب على الظرفية، فإذا أُفردت بمعنى قطعت عن الإضافة وجبَ نصبها، على أنها حال بمعنى جميعاً، سواء كان صاحب الحال مثنى أو جمعاً. يبقى الإشكال في حركةِ العين، (جاء الزيدان معاً)، العين هذه هل حركتها حركة إعراب أم حركة بنية، محلّ الخلاف مُنصبٌّ على الخلاف في (مع) هل هي ثنائية الوضع أم ثلاثية الوضع؟ فمَن قال بأنها ثنائية الوضع قال: (معاً) العين هذه حركتها حركة إعراب، وهو قول الخليل. ومن قال بأنها ثلاثية وهو قول يونس والأخفش قال: بأن هذه العين حركتها حركة بنية، وأن الفتحة مُقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين. وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ وَنُقِلْ ... فَتْحٌ وَكَسْرٌ: مَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ يعني السكون فيها قليل، ويثبت السكون إذا تلاها متحرك، (جاء زيد معْ عمروٍ، معْ زيدٍ) .. تبقى الساكن كما هي؛ لأن ما بعدَها يكون متحركاً، وحينئذٍ لا نحتاج إلى الحالة الثانية. وَنُقِلْ فَتْحٌ وَكَسْرٌ: فرعان، والأصل السكون، إذن الأصل السكون مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ، وَنُقِلْ فَتْحٌ وَكَسْرٌ في التخلص من التقاء الساكنين، وليسا بلغتين مستقلتين، بل هما فرعان عن (معْ) الساكنة، بدليل ماذا؟ أشارَ إلى ذلك الناظم بقوله: لِسُكُونٍ يَتَّصِلْ، يعني إذا اتصلَ بـ (معْ) الساكنة سكون .. تلاها سكون، حينئذٍ فتح وكسر نقل، في التخلص من التقاء الساكنين. إذن الناظم يرى أن (معْ) الساكنة إذا فُتحت أو كُسرت صار الفتح والكسر فرعين لا أصلين كما ذهب إليه الشارح وهو المرادي. وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ وَنُقِلْ فَتْحٌ: (فتحٌ) إعرابه نائب فاعل، وَكَسْرٌ معطوف عليه، لِسُكُونٍ جار ومجرور متعلق بقوله: يَتَّصِلْ، يتصل بماذا؟ بمعْ الساكنة، يعني يتلوها؛ المرادُ بالاتصال هنا أنه يتلوها، مع القوم، إذن (مع القوم) هذا يحتمل أنها معربة ويحتمل أنها مبنية، لو قال قائل: (جئتُ مع القوم)، مع هنا يحتمل أنها معربة ويحتمل أنها مبنية، مُعربة لأنها محركة بالفتح و (معَ) على الأصل، ويُحتمل أنها ساكنة وحُركت للتخلص بالتقاء الساكنين وكان تحريكه بالفتح طلباً للخفة، فتجوّز هذا وهذا عند الإعراب.

قال الشارحُ -ابن عقيل-: وأما (مع) فاسم لمكان الاصطحاب أو وقته، يعني تأتي ظرف زمان وظرف مكان، مرادُه بهذا التعبير أن (مع) تأتي ظرف مكان وتأتي ظرف زمان، تقول: جئتك مع العصر، يعني مع وقت العصر، فهي ظرف زمان، حينئذٍ تدلّ على المصاحبة في الوقت .. في الزمن، وتأتي ظرف مكان، ولذلك صحَّ أن يُخبر بها عن الذات، لما جاءت ظرف مكان صحَّ الإخبار بها عن الذات، فتقول: (زيد معك)، زيد مبتدأ، معك مع نقول: منصوب على الظرفية مُتعلّق بمحذوف خبر المبتدأ. ولا يُخبر عن المبتدأ الجثة باسم زمان، وَلا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَا عَنْ جُثَّةٍ، هنا لو كانت اسمَ زمان على القاعدة مذهب جمهور البصريين على أنه لا يجوزُ أن تقول: (زيد معك)، لكن لما كانت ظرفَ مكان صحَّ حينئذٍ كما تقول: (القتالُ أمامك) (زيد معك)، نقول: (معك) هنا ظرف مكان، بدليل صحّة الإخبار بمع عن الجثة؛ إذ لو كان ظرف زمان لما صحَّ هذا التركيب عندَ جمهور البصريين، لماذا؟ لأنّ اسمَ الزمان لا يخبر به عن الجثة كما سبق تقريره عندَ قوله: وَلا يَكُونُ اسْمُ زَمَانٍ خَبَرَا عَنْ جُثَّةٍ، وأما: وَإِنْ يُفِدْ هذا اختيار الناظم ليس باختيار جمهور البصريين. قال: وأما (مع) فاسم لمكان الاصطحاب أو وقته، والغالبُ استعمالها مضافة، فتكون ظرفاً بالنوعين السابقين، وعند الرضي أنها تكون ظرفَ زمان ومرادفة لعند، عند قلنا تأتي ظرف زمان وتأتي ظرف مكان، بحسب ما يضاف إليه، فتُجر بـ (مِن) يعني (مع) عند الرضي لما كان في منزلة (عند) قال: تُجرّ بـ (من)، فأوردَ عليه قراءة بعضهم ((هَذَا ذِكْرٌ مِنْ مَعِيَ)) [الأنبياء:24] فمِن هنا حرفُ جرّ، ومعي يعني ذكر من عندي، فمع هنا بمعنى عند. وحكاية سيبويه (ذهبتُ مِن مع)، يعني ذهبتُ من عنده، وعندَ لا تُجرّ إلا بمن. وَعِندَ النَّصبُ فِيهَا يَستَمِرُ ... لَكِنَّهَا بمِن فَقَط تُجَرُّ نحو (جلسَ زيد مع عمرو) و (جاء زيد مع بكر)، والمشهور فيها فتحُ العين وهي مُعربة، هي كانت مفتوحة العين .. مُعربة، والقول المشهور فيها لا يُنافي أن تكون مبنية، المشهور الفتح، وإذا كانت مفتوحة العين حينئذٍ هي مُعربة ولا إشكال في هذا، ولذلك البناء قليل، ولذلك قيّده ومع معْ فيها قليل، لما قيّده بالقلة فهمنا أن (مع) الأولى هي الأكثر، وهي معربة؛ لأنها ثلاثي الأصل، وفتحتها فتحة إعراب ومِن العرب مَن يسكِّنها ومنه قوله: فَرِيشِي مِنْكُمُ وَهَوَايَ مَعْكُم ... وَإِنْ كَانَتْ زِيَارَتُكُم لِمَامَا وَهَوَايَ مَعْكُم: سكّنَ العين. فهنا (مَعْكُم) جاءت في الشعر خاصة، وهي بإسكان العين، فهل هي نفسُها الأولى أم أنها غيرها؟ مذهبُ سيبويه مُطلقاً أنها معربة في كل حال وفي كل لغة، وأوردَ عليه هذا البيت و (هواي معْكم) قال: هذا تسكينُ ضرورة، يعني مِن أجل الشعر خاصة. وزعمَ سيبويه أن تسكينها ضرورة وليس كذلك، -من المواضع القليلة التي يرد فيها ابن عقيل على سيبويه، هذا الموضع وبشدة-، يقول: وزعمَ سيبويه أن تسكينَها ضرورة وليس كذلك، بل هو لغة ربيعه وغنْمٍ بإسكان النون، وهي عندهم مبنية على السكون. إذن (مع) الصواب فيها لغتان: الإعراب والبناء خلافاً لسيبويه رحمه الله تعالى.

فحينئذٍ نقول: مُعربة بالفتح على المشهور، وهي التي أطلقها الناظم و (مع)، وهي في لغة ربيعة وغنْم، نقول: هي مبنية على السكون، مبنية لجمودها .. للزومها الظرفية، وقيل: لتضمّنها معنى المصاحبة، وهو مِن المعاني التي حقّها أن تُؤدّى بالحرف ولم يوضع لها حرف كالإشارة، إذن لم بُنيَت عندهم؟ قالوا: لأنها هي اسم ولا شك في ذلك، لذلك يدخلها التنوين وسبقها حرفُ جرّ على القراءة السابقة، وحكاية سيبويه فدلَّ على أنها اسم، فحينئذٍ هي اسمٌ لا إشكال فيه، لم بُنيت والأصل في الاسم الإعراب مع كونها على ثلاثة أحرف؟ إذا قيل: بأنها ثنائية في الأصل أشبهت الحرف، وإذا قيل بأنها ثلاثية حينئذٍ نحتاج إلى معنى، فنقول: المصاحبة كالإشارة، كالتمني، كالتشبيه .. معنى مِن المعاني فيحتاج إلى حرفٍ يؤدّى به، فحينئذٍ (معْ) بإسكان العين مبنية لتضمّنها معنى حرف كان حقّه أن يُوضع ولكنه لم يُوضع مثل الإشارة، قلنا (ذا) اسم إشارة مبني لتضمّنه لحرف، هذا الحرف لم يُوضَع؛ لأن الإشارة معنى من المعاني وحقّها أن تُؤدّى بالحروف. والقولُ ببنائه إذا سكنت قولُ الكسائي واختارَه المتأخرون مِن النحاة، يعني أكثر المتأخرين على التفصيل، من أن (مع) تكون معربة وتكون مبنية، وعلى السكون لأنه الأصل في البناء وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا، إذن لا يُسأل لماذا سُكنت وإنما يسأل لماذا بُنيت؟ فقيل: لجمودها لأنها تلازم الظرفية، وقيل: لتضمّنها معنى حرفٍ لأنها تدلُّ على المصاحبة، والمصاحبة معنى من المعاني فالأصل أن يُؤدّى بحرف كالإشارة، لكنه لم يُوضَع كما أنهم لم يَضعوا للإشارة حرفاً يُؤدّى به. وزعمَ بعضهم أن ساكنة العين حرف، وادّعى النحاسُ الإجماع على ذلك وهو فاسد، بل الصواب أنها اسمٌ، بدليل دخول التنوين، فلا نحتاج إلى دليل. فإن سيبويه زعم أن ساكنة العين اسم؛ لأن المعنى في الحالين واحد، المعنى في الساكنة وفي المتحركة واحد وهو: الدلالة على المصاحبة، ومع تدلُّ على المصاحبة. حينئذٍ اتفقا في المعنى ولا يمكن أن يتفقا في اللفظ، بأن كون الأول دلّ على المصاحبة وهو اسم، والثاني دلَّ على المصاحبة وهو حرف! لا، هذا ليس بسديد، لا نظير له، وإذا كان الشيءُ لا نظير له فحينئذٍ يُعدَل في حمله على ما له نظير، هذا الأصل وهذه القاعدة عند النحاة، فإذا كان كذلك الأولى حمله مع إذا اختلفنا فيها هل هي اسم أو حرف؛ لأنها أشبهت مع المعربة في كونها تدلّ على المصاحبة .. ليس أشبهت بل هي مدلولها مدلول مع، معربة حينئذٍ نقول: هي اسمٌ بدلالة (مع) المعربة. لأن المعنى في الحالين واحد، والمعنى الواحدُ لا يكون مستقلاً وغير مستقل، كيف مستقلاً وغير مستقل؟ لأن (مع) إذا قلنا اسمٌ معرَب بالفتح، حينئذٍ يصدُق عليها حدّ الاسم؛ وهو: كلمة دلّت على معنى في نفسها، ثم (مع) حرف ويصدق عليها حد الحرف؛ وهو: كلمة دلّت على معنىً في غيرها، فكيف يكونُ اللفظ واحداً ثم يكون المعنى واحداً، ودلّ باستقلال ودلّ بغير استقلال، هذا لا نظيرَ له، فلا يُحمَل على هذا التفريق؛ فهو باطل.

هذا حكمُها إن وليها متحرّك؛ يعني أنها تُفتح وهو المشهور وتُسكّن وهي لغة ربيعة، فإن وليها ساكنٌ فالذي ينصبُها على الظرفية يبقي فتحُها فيقول: (معَ ابنك) والذي يبنيها على السكون يكسِر لالتقاء الساكنين فيقول (معِ ابنك)؛ لكن هذا التفصيل ليسَ ظاهر النظم، بل ظاهر النظم أنه نقل الفتح والكسر مطلقاً، ليس الذي يبنيها أو الذي .. ! لا، (معْ) ساكنة عندَ المتأخرين قاطبة، فحينئذٍ كانت ساكنة بناءً؛ فإذا التقى بها ساكنٌ جازَ فيه الوجهان، وأكثرُ الشراح على هذا. إذن هذا ما يتعلّق بـ (مع) وأنها ملازمة للظرفية، ويجوزُ قطعها إلى الحالية، فحينئذٍ صارت منصوبة على الحالية، وقبلَ ذلك إذا أضيفت كانت منصوبة على الظرفية. ثم قال: وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً اِنْ عَدِمْتَ مَا ... لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ أَوَّلُ ... ودُونُ وَالجِْهَاتُ أَيْضاً وَعَلُ وَأَعْرَبُوا نَصْباً إِذَا مَا نُكِّرَا ... قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا هذا شروعٌ فيما يسمى بالغايات. وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ مَا لَهُ أُضِيفَ: (وَاضْمُمْ) ضم بناء، حينئذٍ يكون مفعولاً مطلقاً، والموصوف محذوف، أو (وَاضْمُمْ بِنَاءً) حال، حال كونك بانياً. (غَيْراً) هذا منصوب على المفعولية. وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً: إذن غير هذه من الألفاظ التي تلازِم الإضافة، يعني لا بدّ أن تكونَ مُضافة إلى ما بعدَها، ثم لها أحوال. أي من الكلمات اللازمة للإضافة (غير)، (غير) من الكلمات الملازمة للإضافة، وهي اسم دال .. هي اسم لا إشكال فيها؛ لأنها مُضاف .. تُضاف، وسبقَ أن المضاف يكون مِن علامات الاسمية، يعني لا يكون المضاف إلا اسماً، ولذلك تُنوّن، قبضتُ عشرة ليس غيرٌ، ليس غيراً .. والتنوين دليلٌ على الاسمية. إذن: هي اسمٌ دال على مخالفةِ ما قبلَه حقيقةَ ما بعدَه، النحاة يمثِّلون بـ (زيدٌ غيرُ عمروٍ)، والأصلُ في إطلاق لفظ الحقيقة .. وهو مصطلح مأخوذ من عند المناطقة أنه مُرادف للماهية، الحقيقة والماهية بمعنى واحد، لكن لا يمكن حمل اللفظ هنا حقيقة على الماهية، وإنما يُراد به مفهوم اللفظ، لماذا؟ لأننا لو طبقناه على المثال المشهور عندَ النحاة (زيدٌ غيرُ عمروٍ)، حقيقة (زيد) حيوان ناطق، وغير (عمرو)، (عمرو) حقيقته حيوان ناطق، وهل المخالفة هنا صادقة أم لا؟ ليست بصادقة بل هي كاذبة، لماذا؟ لأن زيد وعمرو مُتّحدان، كلٌّ منهما إنسان، وكلٌّ منهما حيوان ناطق، إذن ما وجه المخالفة؟ لا بدّ أن نفسّر بأن الحقيقة هنا ليست هي الحقيقة عندَ المناطقة، وقد نصَّ على ذلك الأزهري في شرح التوضيح.

حينئذٍ نقول: المراد بزيدٍ هنا مفهوم اللفظ، والمراد بعمرو مفهوم اللفظ، فحقيقةُ زيد -التي هي إنسان مع علاماته المشخِّصة له- غير حقيقة عمرو الذي هو إنسان بحقيقته وعلاماته المشخّصة له، فزيد غير عمرو حصلت المخالفةُ في الحقيقة، لكن ليست في الماهية، وإنما زيدٌ ليس عمر؛ إما في طوله وعرضه، وإما في علمه وجهله .. إلى آخره، فثَم مُشخّصات للإنسان تميزه عن غيره، وأطلقَ النحاةُ عليها بأنها حقيقة وإلا هي ليست بحقيقة، ولذلك قد يتّحدُ الشيء وتحصل به المخالفة، قد يُقال: (دخلتَ بوجهٍ غير الوجهِ الذي خرجتَ به)، وزيد وعمرو شخصان منفصلان، أما هنا فالمحلّ واحد، دخلتَ بوجه غير الوجه الذي خرجتَ به، وجه آخر أم عين الأول؟ عين الأول. إذن قد تكونُ المخالفة في الذوات وقد تكون المخالفة في الصفات، المخالفة في الذوات (زيد كعمرو)، والمخالفة في الصفات كالمثال الذي ذكرنا؛ لأن الوجه واحد، حينئذٍ نقول: الشيء الواحد قد يتعدّد بتعدّدِ صفاته، أما هو في نفسه فلا، الوجهُ هو عين الوجه، ولكن قد يكون عبوساً وقد يكون مسروراً. إذن (غير) اسمٌ دالٌّ على مخالفة ما قبلَه حقيقةَ ما بعدَه، والمخالفة هنا قد تكون في الذوات وقد تكون في الصفات. (غير) الناظم هنا نصَّ على حالة بنائها، لها حالان: قد تكون مُعربة وقد تكون مبنية، وهي من حيث الإجمال لها أربعة أحوال: لأنها إنما أن يُصرَّح بالمضاف إليه، فتقول: (قبضتُ عشرة ليس غيرها)، أي ليس المقبوض غيرها، هنا صرّحتَ بالمضاف إليه، وقد يُحذف المضاف ويُنوى المضاف إليه، إما لفظاً وإما معنى لا لفظاً، هذه ثلاثة أحوال. وإما أن تُقطَع عن الإضافة مُطلقاً؛ فلا يُنوى المضاف إليه لا لفظاً ولا معنى، فهذه أربعة أحوال، إما أن يُصرّح بالمضاف؛ فتقول: (قبضت عشرة ليس غيرها)، تنطقُ بالمضاف، وقد تحذفُ المضاف حينئذٍ تنوي معناه، (قبضت عشرة ليس غيرُ)، أو تحذف المضاف وتنوي لفظه، (قبضت عشرة ليس غيرَ) بالنصب دون تنوين. وقد تحذِفُ المضاف وتقطعُها عن اللفظ والمعنى، وهذه الإفراد المطلق، فحينئذٍ تقول: (قبضتُ عشرة ليس غيراً)، (ليس غيرٌ) يجوز فيها الوجهان. إذن لها أربعةُ أحوال، المراد بهذا أن الناظم نصَّ على حال واحدة وهي حالة البنا بالمنطوق ويُفهم ما عداه بالمفهوم؛ لأنها إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه حينئذٍ حكمنا ببنائها، هذه حالة واحدة، وما عدا هذه الحال .. وهي الأحوال الثلاث، حينئذٍ نقول: هي مُعرَبة على الأصل.

وَاضْمُمْ بِنَاءً: يعني اضمم ضمّ بناء، متى؟ إِنْ عَدِمْتَ مَا لَهُ أُضِيفَ، إِنْ عَدِمْتَ يعني: حذفتَ، فصار المحذوف في حكم المعدوم، لكن ليسَ مطلقاً، وإنما ناوياً معنى ما عُدم؛ لأن العدم الذي أرادَه الناظم هنا .. الذي هو الحذف، قد تحذف المضاف إليه، ثم المضاف إليه لفظ له معنى، إذا حذفتَ المضاف إليه لك حالان: إما أن تحذفَ المضاف إليه وتنوي ثبوت لفظه، وإما أن تحذفَ المضاف إليه وتنوي معناه، يعني المعنى الذي دلَّ عليه المضاف إليه المحذوف قد يُدلُّ عليه باللفظ نفسِه وقد يُدلُّ عليه بغيره، فلا تُعين لذلك المعنى المحذوف لفظاً معيناً، بل كلّ ما دلَّ على هذا المعنى فهو مراد، حينئذٍ هذا يصدق عليه أنك حذفتَ المضاف إليه ونويتَ معناه دون لفظه. هذه الحالة الثانية هي التي عناها الناظم هنا بقوله: إِنْ عَدِمْتَ، يعني حذفت، مَا لَهُ أُضِيفَ، يعني: ما أُضيف له الذي هو المضاف إليه، مُطلقاً؟ لا، قال: نَاوِياً، عَدِمت ناوياً، حذفتَ حالة كونك ناوياً، فناوياً هذا حال من فاعل عدمتَ تاء الخطاب، ناوياً أي: مُقدِّراً. مَا عُدِمَا: الذي عُدِم، ناوياً الفاعل أنت، وما اسم موصول بمعنى الذي مفعول به بـ (ناوياً)؛ لأنه اسم فاعل، يصدق على المضاف إليه، نَاوِياً مَا عُدِمَا، ما عُدِم لفظه أو معناه؟ ظاهر العبارة أنها محتملة، لكن لا بدّ من تقدير مضاف محذوف مِن أجل أن يصحَّ الحال، فنقول: ناوياً معنى ما عُدِم؛ لأنها هي الحالة التي يُبنى فيها على الضمّ، وهي ما إذا حُذف المضاف إليه ناوياً معناه دون لفظه، وأما إذا نويتَ لفظه فهي مُعربة على الأصل وليست مبنية. إِنْ عَدِمْتَ مَا لَهُ أُضِيفَ: له الضمير عائد على (ما)، و (ما) اسم موصول بمعنى الذي قلنا مفعول به، واقع على المضاف إليه، وأُضيف له، ما أُضيف له الجملة لا محلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، أُضيف الضمير هنا يعودُ على غير، لفظاً أُضيف له غير. نَاوِياً: حال من الفاعل الذي هو التاء في عدمتَ. مَا عُدِمَا: (ما) اسمٌ موصول بمعنى الذي، يصدقُ على المضاف إليه، وهي منصوبة على أنها مفعول به، (عُدِما) الألف للإطلاق، عُدِما، ما الذي عُدِم؟ المضاف إليه، نَاوِياً مَا عُدِمَا، يعني ناوياً معنى ما عُدِما دون لفظه، لا بدّ من التقدير من أجل يصحّ المسألة، فهو على حذفِ مُضاف لأنه إذا نُوِي لفظه ومعناه كان مُعرباً، كما لو لُفِظ بالمضاف إليه، وليسَ هذا المراد هنا للناظم.

إذن نصَّ بالمنطوق على الصورة المبنية، وهي (ما) إذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه، فتقول: (قبضتُ عشرة ليس غيرُ)، غيرُ: مبنية على الضم، وهو قول المبرد وهو الذي اختاره الناظم. مبنية على الضم في محلّ رفع أو في محل نصب؟ يحتمل، فيحتمل غير هنا في هذا التركيب مبنية على الضم في محلّ رفع اسم ليس، ليس غيرُ، يعني ليس غيرها مقبوضاً ويكون الخبر محذوفاً، ليسَ مقبوضاً غيرُها، فتكونُ (غيرُ) هذه اسم ليس، ويحتمل أن تكون في محلّ نصب، ويكون اسمُ ليس محذوفاً، (ليس المقبوض غيرُ)، تكون مبنية على الضم في محلّ نصب، المراد هنا أنه إذا ضمت ضم بناء فقلت: (قبضت عشرة ليس غيرُ)، الأصل ليس غيرُها، حذفتَ المضاف إليه ونويتَ معناه دون لفظه فبنيتَ على الضم، فجازَ فيها وجهان: أن تكونَ اسمَ ليس والخبر محذوفاً، والعكس: أن تكون خبرَ ليس في محلّ نصب والاسم محذوف، (ليس المقبوض غيرُ)، (ليس غيرُ مقبوضاً) يجوز فيها الوجهان، وسيأتي تفصيله. إذن: بالمنطوق دلَّ على صورة البناء، وأما صورُ الأعراب الثلاثة التي إذا صُرّح بالمضاف إليه أو نُوي لفظه دون معناه، أو قُطعت عن الإضافة .. هذه ثلاث صور مأخوذة بالمفهوم. صورةُ البناء على الضم مأخوذة من المنطوق، وصور الإعراب الثلاث من مفهومات القيود الثلاث؛ لأنه يُفهَم من قوله: إِنْ عَدِمْتَ، إذا لم تعدِم؟ على الأصل وهو أنها معربة، أنك إن لم تعدم ما له أُضيف لم تُبنَ، ومن قوله: ناوياً أنك إن لم تنوِ لم تبنِ، إذا لم تنوِ .. عدمت لكنك لم تنوِ، فحينئذٍ نقول: هذا شرطٌ مخلّ، فإذا لم تنوِ حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو الإعراب، ومِن قوله: مَا عُدِمَا، بمعنى ناوياً معنى ما عُدِم فقط، فإن نويتَ لفظه حينئذٍ رجعتَ إلى الأصل وهو الإعراب. إذن: وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْرَاً إِنْ عَدِمْتَ مَا ... لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا هذا حلّ البيت، ونقول: إذا وقعَ بعدَ (ليس) وعُلِم المضاف إليه، يعني وقعَ غير بعد ليسَ وعُلِم المضاف إليه كـ (قبضت عشرةً ليس غيرَها) هذا الأصل، قبضتُ عشرة، عشرة دنانير مثلاً، ليس غيرَها: ليس المقبوض غيرها، حينئذٍ عُلم المضاف إليه أو لا؟ كما سيأتي لا يُحذف المضاف إليه إلا بعدَ علمه، يعني لا بدّ أن يكون ثَم قرينة، هنا (قبضت عشرة ليس غيرَها)، غيرها الضمير يعودُ على العشرة، إذن يوجد شيء دلَّ على المحذوف، وجد شيءٌ في النص دلَّ على المحذوف، ليس غيرَها، حينئذٍ جازَ حذفُه لفظاً، فتقول: ليس غيرُ، فيضم (غيرُ) بغير تنوين، فلا تقل: (غيرٌ) لأنها قطعٌ عن الإضافة، ثم اختُلفَ حينئذٍ في هذه الضمة (ليس غيرُ)، هل هي ضمة بناء أم ضمة إعراب؟ ثلاثةُ مذاهب للنحاة، قول المبرد أنها ضمة بناء، وقول الأخفش أنها ضمةُ إعراب، وجوّزَ ابنُ خروف الوجهين .. فهي ثلاثة مذاهب. إذا قيل بأنها ضمّة بناء على التفصيل الذي ذكرناه، أو الذي اختاره الناظم هنا، إِنْ عَدِمْتَ مَا لَهُ أُضِيفَ، يعني إن حُذف المضاف إليه. نَاوِياً مَا عُدِمَا: ناوياً معنى ما عُدِم، وهو المحذوف المضاف إليه، حينئذٍ هذه الصورة هي التي عناها المبرد.

ثم اختُلف حينئذٍ فقال المبرد: ضمة بناء، فهي مبنية على الضم؛ لأنها كـ (قبلُ) في الإبهام؛ لأنها أشبهت (قبل)، وسيأتي أن (قبل) مثل (غير): قَبْلُ كَغَيْرُ وهي لها أربعة أحوال، و (قبل) و (بعد) وحسب وأول كلّها من المبهمات، فإذا كان كذلك صارَ الأصل فيها البناء. إذن هي ضمةُ بناءٍ لأنها كـ (قبل) في الإبهام فهي اسم أو خبر .. اسم ليس أو خبر، (قبضت عشرة ليس غير) على أنها خبر: ليس المقبوض غيرُ، وعلى أنها اسم ليس: (ليس مقبوضاَ غيرُ) فيجوزُ فيها الوجهان، أي اسمٌ لليس في محلّ رفع، والتقدير: ليس غيرُها مقبوضاً؛ هذا إذا رددتَ المضاف إليه، أو خبرٌ لليس في محل نصب والتقدير (ليس المقبوض غيرُ أو غيرُها) وهذا ظاهرُ النظم الذي اختارَه ابن مالك رحمه الله تعالى وهو المشهور عند المتأخرين أن (غيراً) كـ (قبل وبعد)، في أن لها أربعة أحوال. المذهب الثاني وهو مذهبُ الأخفش أنها ضمة إعراب، وعليه حينئذٍ (غير) لا تُبنى البتة، وإنما هي مُعربة مطلقاً، والتفصيل هذا لا يتأتى إلى على مذهب المبرد والناظم، وقال الأخفش: ضمة إعراب وحُذف التنوين، وأوُرِد عليه: لماذا حُذِف التنوين؟ (ليس غيرُ)، لو كانت ضمة إعراب لقيل: ليس غيرٌ بالتنوين، لماذا حُذف التنوين؟ قال: للتخفيف، وقيل للإضافة تقديراً، يعني كأنّ المضاف إليه موجود، وإذا كان كذلك حينئذٍ يتعينُ أن يكون (غير) اسم ليس، ولا يجوزُ أن يكون خبر ليس، لماذا؟ لأن هذه الضمة ضمة إعراب، وخبر ليسَ منصوب لا مرفوع، إذن يتعينُ أن يكون غير في هذا التركيب اسم ليس، وعلى مذهب المبرد أنه يجوزُ فيه الوجهان. إذن حُذِف التنوين هنا قيل: للتخفيف، وقيل: للإضافة تقديراً؛ لأن المضاف إليه ثابت في التقدير، فهي عندَه اسم ككل وبعض، وسبقَ أن (كل وبعض) هذه مُلازمة للإضافة معنى دون لفظ، يعني الأصل فيها أن يُذكر المضاف إليه، ولكن قد يُحذَف ويُعوض عنه بالتنوين، وحينئذٍ إذا حُذف التنوين لا نسلب (كل وبعض) الإضافة، بل هي مضافة لكنها في المعنى، ((قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)) [الإسراء:84] كلٌ هنا مضاف أو لا؟ نعم مُضاف، لكنها مُضافة معنى لا لفظاً، وهذا التنوين تنوينُ عوض عن المضاف إليه، حُذف ونُوي، حذف لفظاً ونوي، فهي عندَه اسم ككل وبعض لا ظرف للزمان كقبل وبعد ولا للمكان، فهي اسمٌ ليس لا خبر؛ لأنه لا يُرفع. فهي اسمٌ كـ (كل وبعض) في جواز القطع عن الإضافة لفظاً، فهي اسمٌ غير ظرف، فحينئذٍ يكون المضاف إليه منوي الإضافة، وجوّز ابن خروف الإعراب والبناء؛ لأنّ كلاً منهما محتمل، لكن الصواب أنها مبنية؛ لأن لا وجهَ لحذف التنوين هنا إلا البناء، ولأنها مثل (قبل وبعد)، و (قبل وبعد) لا شك أنهما يُبنيان إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه، وأما ما قيلَ بأن المضاف إليه في التقدير أو أن التنوين حُذِف للتخفيف هذا وجهٌ ضعيف، الصواب أنها مبنية. والحاصلُ في (غير) أنه يجوز قليل الفتح مع تنوين (غير) ودونه، فهي خبرٌ والحركة إعراب اتفاقاً، كالضمّ مع التنوين (ليس غيراً- ليس غيرُ). هذه "ليسَ غير" فيها أربعة أوجه، إذا جئنا للنتيجة، يصحّ أن يقال: (ليس غيرُ، ليس غيرٌ، ليس غيراً، ليس غيرَ) أربعة أوجه.

(ليس غيرُ) يعني بالضم مع التنوين ودون التنوين، ويجوز (ليس غيرَ) بالنصب دون التنوين و (ليس غيراً)، إذا قلت: (ليس غيرٌ، ليس غيراً) قطعتهما عن الإضافة مثل: (قبلاً وبعداً)، وإذا قلت: (ليس غيرَ) بالنصب دون تنوين فهي مُعربة والمضاف إليه منوي من حيث اللفظ، يعني حُذِف المضاف إليه ونُوِي لفظه فقلت: ليس غيرَ. الحالة الرابعة: (ليس غيرُ) بالضم دون التنوين، هذه فيها ثلاثة مذاهب. قول المبرد: أن الضمة ضمةُ بناء، فيجوزُ في الإعراب حينئذٍ أن تكون اسمَ ليس أو خبر ليس، ولا إشكال فيه. ومذهب الأخفش: أن الضمةَ هذه ضمة إعراب؛ فهي معربة عنده مطلقاً. ومذهبُ ابنِ خروف: تجويزُ الوجهين، والناظم على الأول، وأنها ضمة بناء، وهذا هو الظاهر؛ لأنها مثل قبل وبعد. وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ مَا ... لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا قال بعضهم: الحاصلُ في لفظ (غير) التي لم يُذكر معها المضاف -انتبه بقيد-، يجوزُ في غير ثلاث اعتبارات: الأول قطعُها عن الإضافة لفظاً ومعنى، يعني: تحذف المضاف إليه ولا تنويه لا لفظاً ولا معنى، حينئذٍ هي اسمٌ معرب ليست مبنية، ويجوزُ فيها الوجهان الرفع والنصب مع التنوين، (ليس غيرٌ ليس غيراً)، حينئذٍ مقطوعة الإضافة، فيجوزُ فيها الوجهان يعني الرفع على أنها اسم ليس، والنصب على أنها خبر لليس، الرفع والنصب مع التنوين. الثاني: قطعُها عن الإضافة لفظاً فقط، مع نية المضاف إليه، فيضم (غير) من غير تنوين، (ليس غيرُ)، وفيه ثلاثةُ مذاهب التي ذكرناها: قول المبرد، والأخفش وابن خروف. الثالث: أن نعتبرَ لفظَ المضاف إليه محذوفاً للعلم به، يعني حُذِف المضاف إليه ونُوِي ثبوت لفظه، وهو مَنويّ؛ فتكون كأن (غير) مضاف، فغير حينئذٍ اسمٌ معرب، لا شكّ أنه اسم معرب، وحركتُه حركة إعراب، ثم يجوزُ فيه الوجهان، (ليس غيرُ، ليس غيرَ)، (ليس غيرٌ ليس غيرُ) يجوز فيه الوجهان؛ لأنك حذفتَ المضاف إليه ونويتَ ثبوتَ لفظه، فيجوزُ في غير حينئذٍ أن تكون اسم ليس فترفعها، ويجوزُ أن يكون خبر ليس فتنصبها ولا تنوِّن، لماذا؟ لأن المضافَ إليه مَنوي الثبوت مِن حيث اللفظ فهو كالموجود، هذه ثلاثُ حالات، أما إذا قُطعت عن الإضافة لفظاً دون معنى فحينئذٍ تُبنى على الضمّ وهو مُراد الناظم رحمه الله تعالى. وَاضْمُمْ: هذا أمر، بِنَاءً: يعني ضمّ بناء، ضُم ضَم بناء، أو بانياً على أنه حال، والأول أولى. غَيْراً: هذا مفعول به، قيّدَه بقيدين لا بد من وجودهما. إِنْ عَدِمْتَ: يعني حذفت.

مَا لَهُ أُضِيفَ: ما أُضيف له، يعني المضاف إليه .. عدمته حذفته، ثم إذا حذفتَه هناك حالان: إما أنك تنوي لفظه، وإما أنك تنوي المعنى دون اللفظ، متى تُبنى غير؟ إذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه دون لفظه،- معروف الفرق بين الاثنين-، إذا حُذِف المضاف إليه، قلنا هو كلمة لها معنى، هذا المعنى الذي دلَّ عليه هذا المضاف إليه قد يُدلّ عليه بغير هذا اللفظ، فإذا نويتَ المعنى بقطع النظر عن اللفظ الذي دلّ عليه نقول: حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه، أما اللفظُ صارَ نسياً منسياً، يعني لا يلاحظ، وإذا قصدتَ اللفظ نفسه عينه بعدَ حذفِه حينئذٍ نويتَ ثبوتَ اللفظ نفسه، ومُراد الناظم هنا متى؟ إذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه صارت مبنية، فإذا لم تعدل المضاف إليه فهي مُعربة، فإذا عُدِم المضاف إليه ونُوي ثبوتُ لفظه حينئذٍ هي معربة، إذا عُدِم المضاف إليه ولم تَنوِ شيئاً حينئذٍ هي معربة .. إذن الثلاثة الأحوال، المعربة تُؤخَذ من المفهوم، وما عداه الذي هو المنطوق دلَّ على المبني. قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ: يعني قبل وبعد كغير، في ماذا؟ هنا قَبْلُ كَغَيْرُ بالبناء، ويجوزُ (قبلٌ) كـ (غيرٌ) ولا ينكسِر الوزن، ويجوزُ (قبلُ) كـ (غيرِ)، ولا ينكسر الوزن، فحينئذٍ نقول: (قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ)، أي (قبل وبعد) كـ (غير) في ماذا؟ في الأحوال الأربعة .. أنها مُلازِمة للإضافة أولاً، ثم قد يُصرّح بالمضاف إليه وقد يُحذَف المضاف إليه ويُنوى لفظه، وقد يُحذَف المضاف إليه ويُنوى معناه، وقد تُقطع عن الإضافة، في حالة واحدة هي مبنية، وهي ما إذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه، وفي الأحوال الثلاثة الأخرى تكون مُعربة على الأصل، لكن هنا قال: (قَبْلُ كَغَيْرُ) فأطلقَ، والأصلُ أنها إذا أُعربت (قبل) و (بعد) إنما تُعرب بواحدٍ من اثنين: إما نصباً على الظرفية، وإما الخفضُ بـ (من)، وليس على إطلاق ما ذكره الناظم. إذن: (قبل وبعد)، نقول: هذه يجبُ إعرابهما نصباً على الظرفية، هذا الأصلُ وأنها مُلازِمة للإضافة، أو خفضاً بـ (من)، وهذا كائن في ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يُصرّ! ح بالمضاف إليه، يُلفَظ به ما يعدم، ينطق به .. بالمضاف إليه، نحو: جئتكَ بعدَ الظهر، تقول: بعدَ هذا منصوب على الظرفية، بعد الظهر، وهي تكون ظرف مكان وظرف زمان باعتبار المضاف إليه، جئتُكَ بعد الظهر، نقول: بعد هذا منصوب على الظرفية والعامل فيه جئتُ، وقبلَ العصر كذلك منصوبٌ على الظرفية، ومِن قبله ومن بعده، من قبل الظهر ومن بعده، حينئذٍ نقولُ هنا جُرّت بمن، ((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)) [الحج:42] منصوبٌ على الظرفية، ((فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ)) [الجاثية:6] بَعْدَ: نقول: مُنصوبٌ على الظرفية وهو مُضاف وصُرّح بالمضاف إليه، فحينئذٍ النصبُ على الظرفية مُتعيّن، ((أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) [التوبة:70] نقول: مِن حرف جرّ، وقبل اسمٌ مجرور بمن، كما تقول: مررتُ بزيد، مِنْ قَبْلِهِمْ: جار ومجرر، ((مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ)) [القصص:43] مِنْ بَعْدِ: (من) حرف جر، وبعد: اسم مجرور بمن.

إذن: الحال الأولى لـ (قبل وبعد) أنه يُصرّح بالمضاف إليه، يعني يُلفظ وينطقُ به، فحينئذٍ إما أنها تُنصَب على الظرفية وإما أنها تُخفَض بـ (من). الثاني: أن يُحذف المضاف إليه ويُنوى ثبوت لفظه، وهذه الحال كغير، و (غير) هناك قلنا أنها تَبقى على إعرابها، فتكون معربةً على الأصل لكن لا يُنَوَّن؛ لأنّ المحذوف مُرادٌ به اللفظ فهو كالثابت، كأنّه موجود، وإذا وُجِد حينئذٍ سُلِب من المضاف التنوين، فيَبقى الإعراب ولا يُنوّنان لنية الإضافة. الصورة الثالثة: أن يُحذَف المضاف إليه، أي: أن يَقطَعَ عن الإضافة لفظاً ومعنى، إفراد مُطلقاً، يعني يُحذَف المضاف إليه ولا يُنَوى لا لفظه ولا معناه، حينئذٍ صارَ معرباً. فيُعربان الإعرابَ المذكور نصباً على الظرفية وخفضاً بـ (من)، ولكنّهما يُنونان بخلافِ الصورة الثانية، الصورة الثانية: يُحذف التنوين لنية المضاف إليه في اللفظ؛ لأنّه كالموجود، وإذا كان كالموجود حينئذٍ يُراعى فيُحذف التنوين مِن المضاف كما تُحذَف النون مِن المضاف، ولكنّهما يُنونان لأنهما حينئذٍ اسمانِ تامّانِ كسائر النكرات، فهما نكرتان في هذا الوجه لعدمِ الإضافة لفظاً وتقديراً، ولذلك نُوِّنَا تنوينَ تمكين (من قبلٍ ومن بعدٍ)، (قبلاً وبعداً) نقولُ هذا التنوين تنوينُ تمكينٍ .. هذا الصحيح، وقيل: مَعرفتان بنيّة الإضافة، وتنوينُهما تنوينُ عوض، وليسَ الأمر كذلك، وقال ابنُ مالك في شرح الكافية: وهذا القول عندي حسن -أن يكونا معرفتين والتنوين تنوينُ عوض، لكنه ليس بالمشهور الأول هو أظهر-، ومعرفتان في الوجهين قبله بالإضافة لفظاً في الأول وتقديراً في الثاني، الوجه الأول والثاني معرفتان، الوجه الأول الذي يُصرّح فيه بالمضاف إليه (قبلهم، بعدهم، من قبلهم، من بعدهم) هما معرفتان. والثاني -الذي إذا حُذف المضاف إليه ونُوي ثبوت لفظه- كذلك هو معرفة؛ لأنه صُرِّح بالمضاف إليه في الأول ونُوي ثبوت لفظه في الثاني فهو كالموجود.

الصورة الرابعة الدقيقة: يُحذف المضافُ إليه وينوى معناه، وهي التي يكون فيها البناء، يُنوى معناه دونَ لفظه؛ فتُبنى في هذه الحال على الضم، وبُني لماذا؟ قيل لافتقارهما إلى المضاف إليه معنىً، يعني هي مفتقرة لا يُفهم معناها إلا بالمضاف إليه، فقلنا: كلما افتقرَ الشيءُ إلى شيءٍ آخر حينئذٍ صارَ علةً في بنائه .. هذا الأصل، وإن كان من العوامل صارَ علة في كونه عاملاً، إذن بُنيت (قبلُ وبعدُ) لافتقارهما إلى ما بعدهما في ظهور المعنى، إذا قلت: جئتُك قبل، قبل ماذا؟ ما فُهِم المراد، لكن إذا قلتَ: (جئتك قبل زيد، أو قبل الظهر، أو بعد العصر) تبيّنَ المراد بالمضاف إليه، إذن هي مفتقرة افتقاراً شديداً إلى ما بعدَه في إيضاح المعنى، وكشف اللبس الذي يكون في اللفظ، إذن بُني لافتقارهما إلى المضاف إليهما معنى، كافتقار الحرف لغيرهما، وبُني على الحركة، وإن كان الأصل أن يُبنى على السكون فراراً من التقاء الساكنين، بعْد العين ساكنة، قبْل الباء ساكنة، فنقول: فراراً من التقاء الساكنين بُني على الحركة، ولماذا أُعطي الضم؟ قيل: جبراً له لما فاته، فاتَه شيءٌ عظيم، وهو أنه حذف المضاف إليه ولم ينوَ لفظه، لو نُوِي لفظه لبقي له قوّة، لكن لما حُذفَ اللفظُ وبقي المعنى صارَ ضعيفاً، فلما ضعُفَ جُبِر بأقوى الحركات. وقيل بالضم -بُني على الضم- لتخالِفَ حركةُ البنا حركتي الإعراب؛ لأننا في الإعراب ننصبُه ونجره بـ (من)، بقي الضم، إذن من أجل أن نستوفي له الثلاث الحركات بنيناهُ على الضم، هذا وجه وذاك وجه. إذن: (قَبْلُ) كَ (غَيْرُ)، في كونها تُبنى وتُعرب على التفصيل السابق، متى تُبنى؟ إِنْ عَدِمْتَ مَا لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا، صارَ حالة البنا لـ (قبل) و (بعد) مثل حالة بناء غير، وما عدا هذه الحال من الأحوال الثلاثة فحينئذٍ تكون مُعربةً على الأصل. قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ: يعني: وبعد. حَسْبُ أَوَّلُ: يعني: وحسب وأول. وَدُونُ وَالجِْهَاتُ: أي الست. أَيْضاً: آض يئيضُ أيضاً مفعول مطلق والعامل فيه محذوف وجوباً. وَعَلُ: هذه الألفاظ كلّها ملازمة للإضافة، ثم فيها التفصيل الذي في (غير)، يعني كل هذه الألفاظ لها أربعة أحوال: حالة بناء وذلك فيما إذا حُذف المضاف إليه ونُوِي معناه، وحالةُ إعراب وهي في الثلاث الصُّور الأخرى، لكن ظاهر إطلاق الناظم هنا أن حسب وعل مطلقاً تكون مبنية، وليس الأمر كذلك. نقول: (حَسْبُ) بإسكان السين، ولها في اللغة استعمالان، (حسب) ليست مطلقاً ما أراده الناظم هنا، وإنما فيه تفصيل، لها استعمالان في لسان العرب.

الاستعمال الأول: أن تكونَ بمعنى كافٍ، هذا اسم فاعل من كفى يكفي فهو كافٍ، استعمال في لسان العرب بمعنى كافٍ، فتُستعمَل مُضافة استعمالَ الصفات المشتقة، تُستعمل مضافة إلى ما بعدها يعني: تلزم الإضافة، وهذا لا إشكال فيه، استعمال الصفات المشتقّة، فتكون نعتاً لنكرة، لأنها لا تتعرّفُ بالإضافة حملاً على ما هي بمعناه، و (غير) كالسابق كذلك لا تتعرّفُ بالإضافة إلا إذا وقعَت بين ضدّين، حينئذٍ قيل بأنها معرفة، وأما ما عدا ذلك لو أُضيفت إلى الضمير فهي نكرة، نكرة مختصّة وليست نكرة غير مختصة، لأن الإضافة نوعُ وصفٍ، المضاف إليه كالوصف للمضاف، وإذا كان كذلك صارَ في قوة النكرة المختصة، ليس نكرة مطلقاً. إذن: نقولُ الأول مِن استعمالَي حسب أن تكون بمعنى كافٍ اسم فاعل كفى، وتستعمل مضافة استعمال الصفات المشتقة، فتكون نعتاً لنكرة لأنها لا تتعرّف بالإضافة حملاً على ما هي بمعناه، (مررت برجلٍ حسبِك من رجل)، مررت برجلٍ: جار ومجرور، حسبِك بالكسر، صارت صفة لرجل، لو قال قائل: كيف (حسبك) مضاف إلى الضمير صار معرفة، كيف يُوصف به رجل وهو نكرة؟ نقول: (حسبِك) نكرة ليسَ بمعرفة، لأنها لا تتعرّف بالإضافة، إذن وُصِف هنا النكرة بالنكرة فلا إشكال فيه. (مررت برجل حسبِك من رجل) بالخفض، أي كافٍ لك عن غيره، وتقع حالاً (جاء عبد الله أو هذا عبد الله حسبَك من رجل)، (حسبك) نقول: هذا حال، والحال الأصل فيه أن يكون نكرة، وهنا وقعَ نكرة، إذن (حسبك) لا يقال بأنه حال وهو معرفة فَاعْتَقِدْ تَنْكِيرَهُ، لا؛ هو نكرة؛ لأن (حسبِ) في الغير لا تتعرّف بالإضافة، فلذلك صحَّ أن يقع نعتاً (مررت برجل حسبِك من رجل)؛ لأنه نكرة، وُصِف النكرة بالنكرة، ووقعَ حالاً، (هذا عبد الله حسبَك)، حينئذٍ نقول: حسبَك هذا منصوب على الحالية.

وتُستعمَل استعمال الأسماء ((حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ)) [المجادلة:8] مبتدأ وخبر، حسب: مبتدأ، وجهنم: خبر، والعكس أولى، حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ، حسبُ قيلَ مبتدأ، هذا المشهور عند النحاة، وجهنم خبر، والأولى العكس، يجوزُ العكس لكن الأولى العكس لماذا؟ لأن جهنم عَلمٌ فهو معرّف بالعلمية، وحسبهم نكرة مختصّة، إذن كونها نكرة هل يمنعُ من الابتداء بها لأنها مختصّة؟ لما أُضيفت إلى الضمير اختصَّت ولم تتعرَف؛ لأنها لا تتعرف بالإضافة، فلما أُضيفت إلى الضمير صارت نكرة مختصّة، وهذا لا يمنعُ مِن كونها مبتدأ؛ لأن الابتداء يجوزُ بالنكرة المختصّة، وإنما الذي يرجِّح كون جهنم هو المبتدأ كونه مُعرَّف بالعلمية، وسبقَ معنا أن الأعرفَ هو الذي يُجعَل مبتدأ، هذا وجهٌ، ((حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ)) [المجادلة:8]، ((فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ)) [الأنفال:62] هذا واضح، (فَإِنَّ حَسْبَكَ) هذا وقع اسم إن، حسب هذا اسم إن، ولفظ الجلالة خبر إن، (بحسبك درهم) مبتدأ وخبر، (بحسبك) مبتدأ، و (درهم) خبر، ويجوزُ العكس فيكون درهم هذا نكرة غير مختصة، وبحسبك نكرة مختصة، إذن لا يصحُّ أن يكون درهم مبتدأ؛ لأنه تعارَض عندنا أمران هنا؛ نكرتان .. كلّ منهما نكرة، إلا أن إحدى النكرتين مختصّة، والثانية غير مختصّة، حينئذٍ يتعيّنُ أن نجعلَ المختصة هي المبتدأ وغير المختصة هي الخبر، كما في قولك: (في الدار رجل)، يتعين أن يكون رجلٌ هو المبتدأ وفي الدار هو الخبر، إذن (بحسبك درهم)، (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) حسب مبتدأ، وسوّغَ الابتداء به الاختصاص بالإضافة، وجهنم خبره، ويجوزُ العكس وهو أولى؛ لأن جهنم معرفة بالعلمية، وحسب نكرة مختصّة، "الإعراب الثاني واضح فإن حسبهم جهنم". والثالث بحسبك، هذا مبتدأ نكرة مختصة، ودرهم خبر نكرة غير مختصّة ولا يجوز العكس. وبهذا الاستعمال الثاني يُردّ على مَن زعمَ أنها اسم فعل بمعنى يكفي، يعني استعمال الثاني .. استعمالَ الأسماء كونها تأتي مبتدأ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ، واسم إن ((فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ)) [الأنفال:62] وتأتي مجرورة بحسبك، في هذه التصرّفات ودخول العوامل عليها نحكمُ عليها بكونها لا يمكن أن تكون اسمَ فعل، لماذا؟ لأن أسماءَ الأفعال كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، كما سيأتي أنه لا يدخل عليها العوامل اللفظية، وهذا يكاد يكون محلّ وفاق، فلما دخلت عليها الباء بحسبك، ((فَإِنَّ حَسْبَكَ)) [الأنفال:62] إذن لا يمكن أن تكون اسم فعلٍ بمعنى يكفي؛ لدخول العوامل اللفظية عليها، والمعنوية كذلك على الأرجح وإن كان فيه خلاف.

إذن في هذا الاستعمال الثاني، يعني كونها تأتي مبتدأ واسم إن وخبر، يُردّ على مَن زعمَ أنها اسمُ فعلٍ بمعنى يكفي، فإن العوامل اللفظية (إن والباء) لا تدخل على أسماءِ الأفعال باتفاق، هذا محلّ وفاقٍ بينهم، ولا العوامل المعنوية على الأصحّ عند النحاة، هذا النوع الأول: استعمال حسب، حينئذٍ هل هي داخلة في قول الناظم: قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ، بالاستعمال الأول هل هي داخلة في قول الناظم: حَسْبُ؟ لا ما يمكن، ما تدخل، لماذا؟ قلنا: تأتي نعتاً وتأتي حالاً وتأتي مستعملة استعمال الأسماء، وفي هذه الأحوال الثلاثة ليست مبنية، إذن إذا كانت بمعنى كافٍ اسم فاعل يكفي، حينئذٍ نقول: لا تكون داخلة في قول الناظم البتة. النوع الثاني في حسب .. الاستعمال في لسان العرب: أن تكونَ حسب بمنزلة "لا غير" في المعنى، فتُستعمَل مفردة، يعني الإضافة في اللفظ، ويُنوى لفظ المضاف إليه وهذه حسب هي حسب المتقدمة، في الاستعمالين السابقين، ولكنها عندَ قطعِها عن الإضافة تجدد لها إشرابها هذا المعنى الدال على النفي، يعني لما قُطعت عن الإضافة ضُمِّنت معنى "لا غير"، وإذا كان كذلك حينئذٍ حُمِلت على "لا غير" في الاستعمالات الثلاث أو الأربعة السابقة، فإذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه، حينئذٍ بُنيت (حسب) على الضم كغير، وإذا ذُكر المضاف إليه حينئذٍ أُعربت، وإذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي لفظه دونَ معناه حينئذٍ أعربت .. فلها الأحوال السابقة كلها، إذن هي نفسها السابقة، ولكنها أُشرِبت معنى "لا غير"، فحُمِلت على ذلك المعنى الذي دلَّ عليه "لا غير". هذا المعنى الدالّ على النفي وتجدد لها ملازمته للوصفية والحالية أو الابتدائية، وبناؤها على الضمّ بعد أن كانت معربة، بحسب العوامل، تقول في الوصفية: (مررتُ برجلٍ حسبِك من رجل)، احذف المضاف، تقول: (رأيت رجلاً حسبُ)، حذفتَ المضاف ونويتَ معناه، والحالية: (رأيت زيداً حسبُ)، فحُذف المضاف إليه منهما ونُوي معناه فبُنيت على الضم. قال الجوهري: كأنّك قلت: حسبي، يعني بذكر المضاف، ثم حذفتَه ونويتَ معناه فقلت: حسبُ، أو حسبُك، ويكونُ المضاف حينئذٍ الكاف فحذفتَه ونويت معناه فقلت: حسبُ، بنيتَ على الضم، فأضمرتَ ذلك ولم تُنوِّن، أي: حذفتَ المضاف إليه منهما، وأضمرتَه في نفسك، ولم تُنوِّن؛ لأنك نويتَ معنى المضاف إليه فبنيتَها على الضم كقبل وبعد. إذن: (حسب) كـ (قبل) و (بعد) متى؟ إذا أشربت معنى: "لا غير"، ليست على الإطلاق الذي ذكره الناظم. وتقول في الابتداء: قبضتُ عشرةً فحسبُ، هذا مبتدأ حذف خبره، أي: فحسبي ذلك، والمعنى قبضتُ عشرة لا غير، نفس المعنى، قبضتُ عشرةً فحسبُ، قبضتُ عشرةً لا غيرُ .. المعنى واحد، إذن نُزِّلت حسب، أو ضُمِّنت معنى "لا غير" فحُمِلت عليها في البناء، وذلك فيما إذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه. ودخلت الفاء تزييناً للفظ حسبُ، الفاء هذه فحسب هي حسب، لماذا دخلت الفاء؟ هذا مثل فقط، أصلها قط، فدخلت عليها الفاء تزييناً للفظ.

للفظ كقط، قبضتُ عشرة فقط مثلها، واقتضى كلامُ الناظم أنها -يعني حسب- تعرب نصباً إذا نُكّرت كـ (قبل وبعد)، وليسَ الأمر كذلك، قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ إذن مثلها، لأنه سوَّى والحكم واحد، وَأعْرَبُوا نَصْباً -كما قال هنا- إِذَا مَا نُكِّرَا ... قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا، الذي هو حسب أيضاً، وهذا لم يُنقَل في لسان العرب أن حسب تُعامل معاملة (قبلاً وغيراً) إذا قُطعت عن الإضافة، يعني لا يقال (حسباً) كما نصَّ على ذلك ابن هشام رحمه الله تعالى. إذن اقتضى كلام الناظم أن حسب تُعرب نصباً إذا نُكّرت كـ (قبل وبعد)، فمراده التنكير الذي ذكره في (قبل وبعد)، وهو أنها تُقطع عن الإضافة لفظاً وتقديراً ويُنصَب على الظرفية بحيث يقال: (رأيت زيداً حسباً)، كما يقال: (قبلاً وبعداً)، أو (فحسباً)، ولم يُسمَع ذلك في لسان العرب قط، فهذا مما يُستدرَك به على الناظم، إذن فحسب نقول: هذا فيه مأخذ على الناظم مِن حيث الإطلاق؛ لأنه أطلقَ حسب بأنها مثل (غير وبعد وقبل) في كونها لها أربعة أحوال باستعماليها في لسان العرب، والصواب التفصيل، أنها تُستعمَل بمعنى كافٍ اسم فاعل، ولها الأحوال التي ذكرناها، ولها استعمالٌ آخر وهو الاستعمال السابق، لكنه إذا ضُمّن معنى لا غير، فحينئذٍ يأتي فيها التفصيل والأحوال الأربعة، ثم قوله: وَأعْرَبُوا نَصْباً إِذَا مَا نُكِّرَا قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ، هذا يُفهَم منه أن (حسباً) هكذا يُنطق به إذا قُطِع عن الإضافة لفظاً ومعنى مثل (غير)، وأنه يكون منصوباً على الظرفية، وهذا لم يُسمع في (حسب). قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ أَوَّلُ أَوَّلُ: معطوف على حَسْبُ، أَوَّلُ وهو نقيض الآخر. وأصله أوأل بهمزة بعد الواو أوأل بدليل جمعِهِ على أوائل، فقُلِبت هذه الهمزة واواً وأُدغمت فيها الواو الأولى أَوَّلُ بالتشديد، أوأل الواو الثانية أصلُها همزة .. أوأل، نقول: أوائل دلَّ على أن بعد الواو همزة، مِن أينَ جاءت والجمع يردُّ الأشياء إلى أصولها؟ إذن: أوَّل الواو الثانية هذه مُبدَلة عن همزة، فأصلُه أوأل، يعني بهمزة بعد الواو. وأصله أوأل بدليل جمعه على أوائل، وقُلبَت هذه الهمزة واوا وأُدغِمت فيها الواو الأولى، وعرفنا معناه المراد بها نقيض الآخر. دُونُ: هذا اسمٌ للمكان الأدنى من مكان المضاف إليه كجلستُ دونَ زيد، ثم تُوسِّع فيه فاستُعمِل في الرتبة المفضولة .. أنزل، الدنو يعني، تشبيهاً للمعقول بالمحسوس كـ (زيدٌ دون عمروٍ) دونه في الرتبة، ثم تُوسِّع فيه باستعماله في مُطلق تجاوز شيء إلى شيء كـ (فعلت بزيد الإكرامَ دون الإهانة)، و (أكرمت زيداً دون عمرو). أَوَّلُ ودُونُ وَالجِْهَاتُ: الجهات الست، أي أسماؤها، وهي أمامك وخلفك وفوقك وتحتك ويمينك، نصبت أو ورفعت وشمالك. وَعَلُ: بمعنى فوق، هذا المشهور، عَلُ تُوافِق فوقَ في إفادة معناها، وهو العلو (وَعَلُ) هذا معطوف على ما سبق، أو وَعَلُ كذلك على أنها مبتدأ خبره محذوف، يجوزُ هذا وذاك، والثاني أولى.

وَعَلُ توافِق فوقَ في إفادة معناها، وهو العلو وفي بنائِها على الضم، إذا كانت معرفة فيما إذا أُرِيد به علو معين، يعني عَلُ بمعنى فوق، ثم قد يُراد به علو معين، وقد يُراد به علو مجهول .. إذا أُرِيد به علو مُعيّن صارت معرفة، وإذا أُريدَ به علو مجهول صارت نكرة مُبهمة. إذا كانت معرفة فيما إذا أُريد علو معين: أخذتُ كذا مِن أسفل الدار وكذا من عَلُ، هذا صارت معينة، أخذت كذا من أسفل الدار وكذا من عَلُ أي: من فوق الدار، كقوله: (وَأتَيْتُ نَحْوَ بَنِى كُلَيْبٍ مِنْ عَلُ ... ) يعني من فوقهم. وتُوافِق فوقَ أيضاً في إعرابها إذا كانت نكرة، فيما إذا أُريدَ بها علوٌ مجهول كقول الشاعر: (كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ ... )، أي من شيءٍ عال. إذن توافِق عَلُ فوقَ في كونها تُستعمَل معرفة وتُستعمَل نكرة، وتُستعمَل معرفة حينئذٍ تُبنى على الضم، وتُستعمَل نكرة، فحينئذٍ من علِ هذه مجرورة بمن، فحينئذٍ صارت نكرة وحُذِف المضاف إليه ونُوِي لفظه، حينئذٍ نقول: هذه تُعامَل معاملة الاسم المعرب، فإذا دخلت عليها (مِن) وهذا الأصل في عَلُ دخلت عليها (من)، فحينئذٍ تكون مجرورة، ولم يُنوّن، لماذا لم يُنوّن؟ لنية لفظ المضاف إليه، والمحذوف لفظاً وهو منوي كالموجود، وتخالِفُها في أمرين: أن علُ لا تُستعمَل إلا مجرورة بمن، دائماً سواء كانت مبنية أو معربة. إذن: عَلُ بمعنى فوق، لكنها تخالفها في أن عَلُ لا تُستعمَل إلا مجرورة بمن. ثانياً: أنها لا تُستعمَل مُضافة بخلاف فوقَ فيهما، فوق هذه لا تُستعمَل إلا مضافة، وأما علُ فلا، لكن يُنوى المضاف إليه يعني: لا يُصرّح به، ليسَ لها حال في تصريح المضاف إليه. وظاهر صنيع الناظم لها في عداد هذه الألفاظ أنها يجوزُ إضافتها ونصبُها على الظرفية أو غيرها كالحالية، قال في التوضيح: وما أظنّ شيئاً من الأمرين موجوداً يعني: في كلام العرب. والناظم هنا سوى بين عَلُ وغيرها، في ماذا؟ في كونها تُضاف، وعَلُ لم يُسمَع إضافتها لفظاً، وإلا لم تكن مبنية لو لم يُقدّر المضاف إليه، يعني معنى، كذلك إذا جُرّدت وقُطِعت عن الإضافة أنها تُنصَب على الظرفية، كذلك هذا لم يُسمَع في لسان العرب، هذا يُؤخَذ على الناظم. قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ حَسْبُ أَوَّلُ ... وَدُونُ وَالجِْهَاتُ أَيْضاً وَعَلُ وَأَعْرَبُوا نَصْباً إِذَا مَا نُكِّرَا ... قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا وَأَعْرَبُوا، من؟ العرب، نَصْباً على الظرفية ليسَ مطلقاً، هذا يُؤخَذ على الناظم أيضاً؛ لأن نَصْباً هذا يشملُ الحالية، يشملُ كونه مفعولاً به، مفعولاً لأجله، تمييزاً وليسَ الأمر كذلك، وإنما نصباً على الظرفية. وأعربوا نصباً أو جراً بـ (من)، ضفه، واقتصرَ على النصب لأنه الأصل في الظروف، متى أعربوا نصباً؟ إِذَا مَا نُكِّرَا: ما زائدة ليست على أصلها، إِذَا مَا نُكِّرَا: يعني إذا نُكِّرَ، ليست نافية، إذا ما نُكّرا يعني: عُرِّف، فـ (ما) زائدة: يا طالباً خذ فائدة ... ما بعد إذا زائدة

وهذا محلّ وِفاق ((وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) [الشورى:37] الذي لا يقولُ بالزيادة في القرآن ماذا يقول هنا؟ ((وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) [الشورى:37] فتكون (ما) نافية وهذا ليس بظاهر. إذن: إِذَا مَا نُكِّرَا قَبْلاً: هذا مفعول به، نُكِّرَا قَبْلاً أي: قبل وما ذكر بعده، وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا، الألف للإطلاق، أي: بعد قبل، هنا ورد عليه: قَبْلُ كَغَيْرُ بَعْدُ، قال: إِذَا مَا نُكِّرَا قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا: وهذا الحكم شاملٌ لـ"غير" أو لا؟ غير هل تُقطَع عن الإضافة بالكلية؟ هل يصحُّ أن نقول: (ليسَ غيراً) كما نقول: قبلاً وبعداً؟ يصحُّ أن نقول، قلنا: لها أربعة أحوال، هذه الأبياتُ الثلاثة كلها .. الألفاظ المذكورة لها أربعة أحوال إلا ما استُثني في (حسب وعلُ) على التفصيل السابق. حينئذٍ لها أربعة أحوال، من الأحوال قوله: وَأَعْرَبُوا نَصْباً: متى؟ إِذَا مَا نُكِّرَا بمعنى أنه إذا قُطِعت عن الإضافة مُطلقاً لم ينوَ المضاف إليه لا لفظاً ولا معنى صارت اسماً نكرة تامة، مثل: رجلاً (رأيتُ رجلاً)، حينئذٍ نقول: هذا اسمٌ نكرة وتنوينُه تنوينُ تمكين، وليس تنوين عوض أو تنكير؛ لا، بل هو تنوين تمكين دالّ على أمكنية اللفظ في باب الإعراب، حينئذٍ (وَمَا مِنْ بَعْدِهِ) هل الحكم شامل لغير أو لا؟ الصواب أنه شاملٌ لغير، هل يَرِد على الناظم أنه أخرجَ غير؟ لأنه قال: قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ، وهو بعد، وحسب، وأول، ودون، والجهات، وعلُ .. إذن (غير) لا يشمله الحكم، هذا ظاهر اللفظ، لكن نحتاجُ إلى تأويل، حينئذٍ نقول: ذكرَ (غير) ضِمناً فيما بعد (قبل)؛ لأنه قال: قَبْلُ كَغَيْرُ، أعاد حكمَ (غير) بقوله: كَغَيْرُ، إذن الحكم شامل لغير، فـ (غير) حينئذٍ تُنصب، لكن لا على الظرفية؛ لا تُنصب على الظرفية، وإنما تُنصَب على أنها خبر لليس في المثال الذي ذكرناه. وَأَعْرَبُوا نَصْباً إِذَا مَا نُكِّرَا ... قَبْلاً وَمَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ ذُكِرَا قال الشارح: هذه الأسماء المذكورة وهي: غير، وقبل، وبعد، وحسب، وأول، ودون، والجهات الست، وهي: أمامُك، وخلفُك، وفوقُك، وتحتُك، ويمينُك، كلها على الحكاية يجوزُ فيها الوجهان .. وشمالُك، وعلُ لها أربعة أحوال تُبنى في حالة منها –واحدة- وتُعرَب في بقيتها. فتُعرَب إذا أُضيفت لفظاً، هذا لا إشكال فيه، إذا صُرّحَ بالمضاف إليه، في الجميع نحو: أصبتُ درهماً لا غيره، صرّحَ بالمضاف إليه، وجئتُ من قبل زيد، هذه الحالة الأولى صرّحَ بالمضاف إليه، أو حُذف المضاف إليه ونُوِي اللفظ، الذي حذفته قصدته كأنه موجوداً، فتعرب حينئذٍ من غير تنوين كما لو تُلِفظ به، وحكى أبو علي: (ابْدَأ بِذَا مِنْ أَوَّلِ) بالجر مِن غير تنوين، وقول الشاعر: (وَمِنْ قَبْلِ نَادَى كُلُّ مَوْلىً قَرَابَةً ... ). كُلُّ مَوْلىً -بالتنوين- قَرَابَةً، كُلُّ مَوْلَى قَرَابَةٍ يجوزُ فيه الوجهان. فَمَا عَطَفَتْ مَوْلىً عَلَيه العَوَاطِفُ.

وَمِنْ قَبْلِ: يعني ومِن قبل ذلك، حَذف المضاف إليه ونَوى ثبوت لفظه، فحينئذٍ جُرّ بمن، دخلت عليه مِن، فجُرّ فهو اسم مجرور بالكسرة، هذا الظاهر، حينئذٍ هل هي معربة أو مبنية؟ نقول: مُعربة، ودخلت عليها مِن وهذه الكسرة كسرة إعراب، لماذا لم يُنوّن؟ لأنه نُوِي ثبوتُ لفظِ المضاف إليه، وإذا نُوِي ثبوتُ اللفظ .. عين اللفظ المحذوف فهو كالموجود، وإذا كان موجوداً حينئذٍ لا يجتمع مع تنوين المضاف، وهذا واضح. وتبقى في هذه الحالة كالمضاف لفظاً فلا تُنوّن إلا إذا حُذِف ما تُضاف إليه، ولم ينوَ لفظه ولا معناه، فلا تُنَوّن إلا إذا حُذِف ما تضاف إليه، يعني: قُطِعت عن الإضافة بالكلية لا لفظاً ولا معنى، ولم ينوَ لفظه ولا معناه، حينئذٍ تكون نكرة، ومنه قراءة من قرأ: (لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ) كما قُرِأ في الأولى: (لله الأمر من قبلِ ومن بعدِ) ((مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) [الروم:4] فيه ثلاث قراءات، السبعة على الضم ((لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) هذا الشاهد على أنها مبنية، وذلك إذا حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه (لله الأمر من قبلِ ومن بعدِ) بالكسر، حينئذٍ نقول: حُذِف المضاف إليه ونُوِي ثبوت لفظه، ولم ينون مُراعاة للمضاف، فهو كالموجود (من قبلٍ ومن بعدٍ) صارت اسماً نكرة، قُطِعت عن الإضافة بالكلية، (لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ) بجرِّ (قبل) و (بعد) وتنوينهما كقوله: فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلاً ... أَكَادُ أَغَصُّ بِالماءِ الفُرَاتِ وَكُنْتُ قَبْلاً: قَبْلاً هذا خبر كُنْتُ، منصوب، والتاء هذه اسم كان، هل هذا صحيح، قبلاً خبر كنت؟ قلنا: وأعربوا نصباً نقيّده بماذا؟ منصوب على الظرفية، إذن ما يأتي وأعربوا نصباً، ليسَ مُطلقاً حتى نقول: خبر كان، لو قلنا: مُطلقاً الذي أوردناه على الناظم صحَّ أن نقول: قبل هذا خبرُ كان، ليسَ الأمر كذلك، بل (وَأَعْرَبُوا نَصْباً) متى؟ إذا: إِذَا مَا نُكِّرَا قَبْلاً. إذن نصباً على الظرفية، فإذا جاءت قبل ((كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ)) [الحج:42] بالإضافة منصوب، منصوب على الظرفية، لو قُطِعت عن الإضافة " قَبْلاً" كذلك منصوب على الظرفية، إذن لا تُنصَب إلا على الظرفية فحسب، إذا مرَّ بك (قبلَ) بالفتحة حينئذٍ اعلم أنها منصوبة على الظرفية، سواء حُذِف المضاف إليه مُطلقاً ولم ينوَ لا لفظه ولا معناه، مثل البيت: وَكُنْتُ قَبْلاً، أو حُذِف المضاف إليه ونُوِي ثبوت لفظه، لو قال: وكنتُ قبلَ بالنصب، حينئذٍ نقول: حُذِف المضاف إليه ونُوِي ثبوتُ لفظه، ولذلك بقيت الفتحة على ظاهرها دون تنوين، كذلك (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) فيما إذا ذُكِر المضاف إليه. على كلٍّ لا نصب لـ (قبل وبعد) إلا على الظرفية، كلّما رأيتَها منصوبة فاعلم أنها على الظرفية. وَأَعْرَبُوا نَصْباً: هذا مطلقٌ لا بدّ من تقييده. هذه هي الأحوال الثلاثة التي تُعرَب فيها. ولذلك كذلك (فَمَا شَرِبُوا بَعْدًا عَلَى لَذَّةٍ خَمْرَا ... ) نقول: كذلك منصوب على الظرفية. (لَعْناً يُشَنُّ عَلَيْهِ مِنْ قُدَّامُ ... )، هذا بالضم، الرواية بالضم والأصل من قدامه وحُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه.

(عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ ... ) بالضم، والأصل أول الوقتين. وحكى أبو علي الفارسي: (ابْدَأ بِذَا مِنْ أَوَّلُ) بالضم على نيّة معنى المضاف إليه والأصل من أوّل الأمرِ، وبالخفض على نيةِ لفظه، وبالفتح على نيةِ تركها. روى هذا القول بالجهات الثلاث: (ابدأ بذا مِن أولَ، ابدأ بذا من أولُ، ابدأ بذا من أولِ) نزِّلها على كل ما سبق. ومنعَه مِن الصرف للوزن والوصف، يعني يُمنَع "مِن أولَ" نقول: ممنوع من الصرف، لماذا؟ للوزن (وزن الفعل) والوصف؛ لأنه اسمُ تفضيل بمعنى الأسبق. إذن في هذه الأحوال الثلاثة نقول: تعرب فيها. أما الحالة الرابعة التي تُبنى فيها؛ فهي: إذا حُذِف ما تُضاف إليه ونُوِي معناه دون لفظه، حينئذٍ تُبنى على الضم ((لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) [الروم:4] قراءاة السبعة، بُنيت على الضم لشبهها حينئذٍ بحروفِ الجواب في الاستغناء بها عمّا بعدها، هل جاء زيد؟ نعم، اكتفي بحرف الجواب عمّا بعدَه، وهذه مثلها. معَ ما فيها من شبهِ الحرف في الجمود، وهو لزومُها استعمالاً واحداً وهو الظرفية أو شبهها، وفي الافتقار إلى المضاف إليه، نحو الآية التي ذكرناها، ونحو (قبضتُ عشرةً فحسبُ)، أي فحسبي ذلك. وحكى أبو عليٍّ الفارسي: المثال السابق الذي ذكرناه، والبيت السابق: (عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ ... )، وسرتُ مع القوم ودونُ أي: دونهم، وجاء القوم وزيد خلفُ أو أمامُ أي: خلفهم أو أمامهم، أَقَبٌّ مِنْ تحتُ عَرِيضٌ مِن عَلِ. تحتُ بُني على الضم؛ لحذفِ المضاف إليه مع نيّة معناه دونَ لفظه، بدليل سبقِ حرفِ الجرّ (من) ثم اللفظ بالضم (مِن تحتُ)، لو قال: (من تحتِ) دون تنوين عرفنا أنه حُذف المضاف إليه ونوى لفظه (من تحتِ). وحكى أبو علي الفارسي (ابْدَأْ بِذَا مِنْ أَوَّلِ) بضم اللام وفتحها وكسرها، فالضمُّ على البناء بنيّة المضاف إليه معنى، والفتح على الإعراب لعدم نية المضاف إليه لفظاً ومعنى وإعرابها إعراب ما لا ينصرف للصفة ووزن الفعل، والكسر على نيّة المضاف إليه لفظاً. وحينئذٍ إذا بُنيت على الضم (قبلُ وبعدُ) قلنا في هذه الحالة تكون معرفتين بالإضافة إلى معرفة المنوية، والأصل: (لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلِ الغلب وَمِنْ بَعْدِهِ)، وإذا بُنيت الظروف على الضمّ تُسمّى غايات كما ذكرنا؛ لأن الأصلَ فيها أن تكونَ مُضافة، وغاية الكلمة المضافة ونهايتها آخر المضاف إليه، (قبل ذلكَ) آخر الكلمة ما هي؟ الكاف، هذه نهايتُها، نهايتها آخرُ حرفٍ في المضاف إليه؛ لأنها تتمته إذ به تعريفه، فإذا حُذِف المضاف إليه وتضمّنه المضاف صارَ آخر المضاف غايته، يعني إذا قلت: قبل الغلبِ آخر المضاف إليه الباء وهو كالتتمة لما قبلَه، فإذا حذفتَه صارَ غاية قبل اللام، ولذلك صارت غاية. فقول المصنف: وَاضْمُمْ بِنَاءً .. البيت إشارة إلى الحالة الرابعة من حيث المنطوق. وقوله: نَاوِياً مَا عُدِمَا مراده: أنك تبنيها على الضم إذا حذفتَ ما تُضاف إليه ونويته معنى لا لفظاً.

وأشارَ بقوله: وَأَعْرَبُوا نَصْباً إلى الحالة الثالثة وهي ما إذا حُذِف المضاف إليه ولم يُنوَ لفظه ولا معناه، لكن وَأَعْرَبُوا نَصْباً هذا تصريح ببعض المفهوم، يعني هنا يقول: أشارَ إلى الحالة الثالثة بقوله: وَأَعْرَبُوا نَصْباً، هنا نقول: صرَّح ببعض المفهوم؛ لأننا قلنا: وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ، فإن لم تَعدِم مفهومه صارت مُعرَبة، هذا بعض المفهوم الذي دلَّ عليه البيت الأول وهو التصريح بقوله: وَأَعْرَبُوا نَصْباً. وهي ما إذا حُذِف المضاف إليه ولم يُنوَ لفظه ولا معناه، فحينئذٍ تكون نكرة معربة، وقوله نصباً معناهُ أنها تنصب إذا لم يدخل عليها جارّ، فإن دخلَ عليها جُرّت نحو: من قبلٍ ومن بعدٍ، ولم يتعرّض المصنف للحالتين الباقيتين. لا، تعرّضَ لكن من جهةِ المفهوم لا مِن جهة المنطوق. يعني الأولى والثانية؛ لأن حكمَهما ظاهر معلوم مِن أول الباب وهو الإعراب وسقوط التنوين، كما تقدّم في كل ما يفعل بكل مضاف إليه. وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ في الاِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا المضاف والمضاف إليه كلٌّ منهما يجوزُ حذفهُ بشرطِ أن يكون معلوماً، المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة، ولذلك نُزِّل التنوين الذي يكون في آخر المضاف، في آخر حرف من المضاف إليه، وسُلِب التنوين من الأول؛ لأن الثاني صارَ كجزء من الأول، يعني (غلام زيدٍ) سلِب التنوين من الميم فصار في الدال من (زيد)، حينئذٍ نقول تعليلاً لهذا: جُعل (زيد) مُنزَّلة الجزء من (غلام)، كأنك قلتَ: (غلامٌ غلاماً غلامٍ)، صار (زيد) بعد الميم وقبل التنوين، فجعلت (زيد) بين الميم والتنوين، فسُلِب التنوين من الأول فجُعِل في الآخر، ولذلك يُقال فيه: كلّ كلمتين نُزِّلت ثانيهما مُنزَّلة التنوين مما قبله، هذا ضابط المركب الإضافي، كل كلمتين نُزِّل ثانيهما مُنزَّلة التنوين مما قبله. (وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ في الاِعْرَابِ) ما الذي يلي المضاف؟ المضاف إليه، يعني الذي يتلوهُ. إذن يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ في الاِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا، إذا حُذِف يأتي عنه خلفاً في الإعراب، نفهم مِن هذا البيت أنه يجوزُ حذفُ المضاف إليه، وذلك يُشترَط فيه شرطان: أن يدلّ على المحذوف دليل (وَمَا يَلِي الْمُضَافَ) وهو المضاف إليه، (يَأْتِي خَلَفَاً عَنْهُ) عن المضاف، متى؟ إذا حُذِف المضاف، وهذا يمرُّ معنا كثير، حُذِف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامَه، وهذا يُشترط لجواز حذف المضاف شرطان: الأول: أن يدلّ على المحذوف دليل، وهذه قاعدة عامة سواء كان في باب الإضافة أو في غيرها وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، فلا (يصحّ جلستُ زيداً)، تريد جلست جلوس زيد، (جلوس) هذا مفعول مطلق، وجلوس مضاف وزيد مضاف إليه، هل يصحّ أن تقول: احذِف المضاف وهو جلوس وأُقيم المضاف إليه مقامه فيأخذ حكمَه، وهو النصب فتقول: جلستُ زيداً؟ ما يصحّ؛ لعدم وجود ما يدلّ على المحذوف وهو المضاف. إذن: لا يصحّ (جلست زيداً) تريد: جلست جلوس زيد.

الثاني: أن يكون المضافُ مُفرداً لا جملة، وهذا لم ينصَّ عليه الناظم؛ أن يكون المضافُ مُفرداً لا جملة، إذ لا يمكن أن يُستدَل على المحذوف وهو جملة، إذ لا تقومُ مقامَ المضاف؛ لأنه لو كان المضاف إليه جملة وحذفنا المضاف لا يصحّ أن نقول: أُقيم المضاف إليه مقامَ المضاف، فيأخذ حكمه؛ لأن الحكم هو الإعراب، والإعراب لا يكون في الجمل، وإنما يكون في المفردات هذا الأصل، فحينئذٍ لما امتنعَ أن تُقام الجملة مقامَ المضاف بعد حذفِهِ نقول: لا يجوزُ حذفُ المضاف إذا كان المضاف إليه جملة بخلاف ما أطلقَه الناظم هنا. إذن: وَمَا يَلِي: يعني والذي، (ما) هذا اسم موصول بمعنى الذي مُبتدأ، والذي يلي المضاف وهو المضاف إليه، (يَأْتِي) هذه الجملة خبر، يَأْتِي فعل وفاعل، (خَلَفَاً) هذا حال من الضمير في يأتي، (عَنْهُ) عن المضاف، في ماذا؟ (في الاِعْرَابِ) بتسهيلِ الهمزة؛ لأنه مَصدر أعربَ يُعرِب إعراباً، همزتُها همزة قطع، هنا وصلت من أجل الوزن، في الاِعْرَابِ فقط لا في غيره أم المراد هنا أن الحكم منصبٌّ على الإعراب؟ الثاني، وإنما يتكلّم البيانيون في الأغراض التي يمكن أن يُحذَف المضاف ويُقام المضاف إليه مقامه في إفادته، وسبقَ شيءٌ من ذلك وهو التأنيث ونحوه. (عَنْهُ في الاِعْرَابِ) هذا مُتعلّق بقوله: يَأْتِي، أو بقوله خَلَفَاً. غالباً نقيّده؛ لأنه سيأتي في البيت الذي يليه. (إِذَا مَا حُذِفَا) يعني إذا حُذِف، (ما) هذه زائدة، والألف للإطلاق، وحُذِف هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعودُ على المضاف. إذن يحذف المضاف ويُقام المضاف إليه مقامَه فيأتي خلفه في الإعراب، بشرط أن تكون ثَمَّ قرينة وأن لا يكون المضاف إليه جملة. وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ في الاِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا أي المضاف، لقيام قرينة تدلُّ عليه، نحو ((وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)) [يوسف:82] أكثر هذا مجازاً عندهم، (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) قالوا: القرية اسمٌ لأهلها .. لأُناس، وهو الأصل فيها أنها تُستعمَل مُراداً بها البنيان، وتُستعمَل ويُراد بها مَن يسكنُ البنيان، لها استعمالان في لسان العرب، حينئذٍ إذا استعملتَ القرية مُراداً بها أهلها، ((وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)) نقول: القرية لا تُسأل هذا الأصل فيها، قالوا: هنا على تقدير مضاف، على كلٍّ: وَالشَّأنُ لاَ يُعتَرَضُ المثَالُ ... إِذ قَد كَفَى الفَرضُ والاِحتِمَالُ ((وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)) قالوا: أي اسأل أهل القرية، حذف المضاف الذي هو أهل، وأُقيم المضاف إليه مقامَه فانتصب انتصابه، يعني أخذَ حكمَه اسأل أهلَ .. أهلَ هذا مفعول به منصوب، والقريةِ هذا مجرور، لمَّا حذفتَ المضاف وهو منصوب وأقمتَ المجرور مقامَه صارَ المجرور منصوباً، هذا مراده بقوله: (يَأْتِي خَلَفَاً عَنْهُ في الاِعْرَابِ)، فإذا كان المضاف إليه دائماً مجروراً والمضاف على حسب مواقعه في الإعراب حينئذٍ أخذَ حكمه، إن كان الرفع فالرفع للمضاف إليه، وإن كان النصب فالنصب، وإن كان الجر فالجر، وهذا مُراده بقوله: (يَأْتِي خَلَفَاً عَنْهُ في الاِعْرَابِ).

((وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)) [يوسف:82] أي: اسأل أهلَ القرية، فإن لم تكن قرينة امتنعَ الحذفُ مثل ما سبق (جلست زيداً) تريد: جلستُ جلوسَ زيد. المضاف إذا حُذِف لقرينة تارة يكون مطروحاً يعني: معرب عنه لفظاً ومعنى، وهذا سبقَ أيضاً، وتارة يكون مُلتفتاً إليه، يعني: مُلاحظ من جهة المعنى، يحذفُهُ ويقصدُهُ يلاحِظُهُ، وقد يحذفِهُ ويطرحُهُ طرحاً كلياً، هذا له مأخذ وهذا له مأخذ. إذن المضاف إليه بعدَ حذفه إما أن يكونَ مطروحاً بالكلية، بمعنى أن الذي طرَحَه لم يلتفت إليه البتة، وقد يكون مطروحاً لكنه مُلتفَت إليه، يعني مطروحاً من جهة اللفظ فحسب، فحينئذٍ يعتبره .. يعني يَلتفِت إليه، يُعلَم هذا بعود الضمير عليه، قد يُعيدُ الضمير باعتبار المضاف، وهو قد حذف المضاف، يحذف المضاف ثم إذا أرجعَ الضمير يرجع الضمير باعتبار المضاف لا باعتبار المضاف إليه، حينئذٍ صارَ المضاف بعد طرحِهِ مُلتفتاً إليه، وثَمَّ مثال يوضِّح هذا. ((وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)) [الأعراف:4] (مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا) الضمير عادَ إلى القرية، (فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) هنا راعى الضمير في قوله: (فَجَاءَهَا بَأْسُنَا) أرجعَه باعتبار المضاف إليه، (أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) أرجعه باعتبار المضاف وهو أهل؛ لأنه عندهم أن القريةَ لا يمكن أن تكون هي المسؤولة ولا هي المعذّبة، البنيان لا يُعذب وإنما المراد به الأهل، ((وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا)) [الأعراف:4] يعني المراد به أهل القرية، وكم مِن أهل قرية، حينئذٍ (فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا)، (جَاءَهَا بَأْسُنَا) الضمير هنا عاد إلى القرية نفسِها، حينئذٍ صارَ المضاف المحذوف كأنه مطروح، ((أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)) [الأعراف:4] هُمْ الضمير مرجعُهُ إلى أهل القرية، فأرجعَ الضمير باعتبار المضاف، فأرجعَ الضمير أولاً إلى القرية طرحاً للمضاف وثانياً إلى المضاف التفاتاً إليه، وقد يكونُ الأول مُضافاً إلى مضاف فيُحذَف الأول والثاني، ويُقام الثالث مقام الأول في الإعراب، يعني يُتصوّر حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامَه فيما إذا كان مضاف ومضاف إليه، وقد يكون المضافُ الأول مضافاً إليه باعتبار المضاف السابق، فيكون عندنا مُضاف أول ومُضاف ثاني، المضاف الثاني مضافاً إليه باعتبار الأول، وهو مضاف باعتبار ما بعدَه، قد يحصل حذفُ للأول والثاني ويُقام المضاف إليه للثاني مقام الأول، وهذا مثاله كقوله تعالى: ((وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)) [الواقعة:82]، قال: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) يعني: وتجعلونَ بدل شكر رزقكم تكذيبَكم بالنصب، تجعلون بدل شكر .. حذف المضاف بدل، وأُقيم المضاف إليه وهو شكر، ثم حُذِف شكر وأُقيم المضاف إليه مقامه. إذن حصلَ حذفٌ بعد حذف ((وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)) [الواقعة:82] أي: وتجعلون بدلَ شكر رزقكم تكذيبَكم.

وأما ((وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)) [البقرة:93] العجل لا يُشرَب في قلوبهم، يعني أُشربوا حبّ العجل؛ إذن هناك مضاف محذوف وهو حب والعجل مضاف إليه. وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ في الاِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا يعني: إذا حذف. قال الشارح: يحذف المضاف لقيام قرينة تدلّ عليه، ويُقام المضاف إليه مقامَه فيُعرب بإعرابه نصباً أو رفعاً أو خفضاً، كقوله تعالى: ((وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)) [البقرة:93] أي: حبّ العجل؛ لأن هنا لا يُقال العجل، أُشربوا العجل نفسَ العجل ذات العجل! لا، ليسَ هذا المراد، فيتعيّنُ حينئذٍ حذف مضاف، وكقوله تعالى: ((وَجَاءَ رَبُّكَ)) [الفجر:22] أي: أمرُ ربك، هذا باطل، هذا يذكرونه كثيراً، فحُذف المضاف وهو حبّ وأمر، وأُعرِب المضاف إليه وهو العجل وربك بإعرابه. (وَجَاءَ رَبُّكَ) هذا ممتنعٌ عندهم أن يتصف الربُّ بالمجيء، فتعيّنَ القول بالمجاز وهو حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وهنا إذا كان هذا باطلٌ ما يلزم أن نقول: بأنه في اللغة لا يُحذَف المضاف ويُقام المضاف إليه مقامَه، فإذا استُخدمت هذه اللغة في أمر باطل فاسد .. تأويل وتحريف آيات الصفات، هل نرجع إلى القاعدة فنبطلُها لأنهم استعملوه في باطل؟ الجواب: لا، وإنما نقولُ هنا: (وَجَاءَ رَبُّكَ) ليسَ على حذف مضاف، القول باطل، لدليل خارجي وهو أن الربّ جل وعلا مُتصف بصفات، سواء كانت الصفات ذاتية أم فعلية، اختيارية أم لا .. فحينئذٍ لا يمنعُ أن نقول بالقاعدة مع إبطال هذا القول، ولو قالوا بأنه مجازٌ نقول: هنا المجاز لا يُستعمل، لماذا؟ لأنهم عدلوا -هذه انتبه لها فإنه يغلطُ فيها بعض الطلاب: إنكارُ المجاز لا يكون ردّاً على الأشاعرة في باطلهم ولا المعتزلة ولا الجهمية .. إنكارُ المجاز لا يكون ردّاً عليهم، وإذا جعلت السلاح في إبطال معتقد الأشاعرة هو المجاز أنت ضعيف، لماذا؟ لأن المجازَ استُعمِل سلاحاً ثانوياً لا أولياً، كيف؟ الأول: (وَجَاءَ رَبُّكَ) أول ما قرؤوا فهِموا من (وَجَاءَ رَبُّكَ) المجيءُ تمشي برجلين، لا بدّ أن يحويك شيء علوي وأرض تقلّك، إذا زالت عنك سقطت! لم يفهموا من هذا النصّ إلا هذه المعاني، هذا أولاً.

إذن: ظاهرُ النصِ التشبيه، لم يفهموا من المجيء (وَجَاءَ رَبُّكَ) جاء فعل، وربك فاعل، مثل: (جاء زيد)، مجيءُ زيد الثابت برجلين إلى آخره .. هو الذي أُثبت هنا في هذا الظاهر، حينئذٍ هذا ممتنعٌ، إذن لا بدّ من تأويله، هم يقولون: تأويل، ونحن نقول: تحريف، لا بدّ من تأويهل فعدلوا إلى القول بالمجاز، إذن المجاز متى جاء؟ ليس ابتداء من قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ، ليست سذاجة هي، (وَجَاءَ رَبُّكَ) ابتداء أنه مجاز، ما قالوا بهذا لا أشعري ولا ماتُريدي ولا جهمي ولا معتزلي، إنما قالوا: ظاهرُ هذا النص التشبيه، وقد قال تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] إذن إذا أردتَ أن تنسفَ المجاز ردّاً على ما هو ظاهره التشبيه أخطأت، وإنما تقفُ معهم وقفةً أوليةً تقول: ليسَ ظاهر النصوص التشبيه، فالذي فهمتَه (وَجَاءَ رَبُّكَ) كجاء زيد! هذه حماقة، لا يمكن أن يُوصَف المجيء المثبت للرب جلّ وعلا وهو الخالق كالمثبت للمخلوق، يعني إذا قلت: (وَجَاءَ رَبُّكَ) .. جاء الذباب؟ هل تفهمُ منه المجيء الذي ثبت لزيد؟ هو نفسه المحرف، إذا قال: وَجَاءَ رَبُّكَ لم أفهم منه إلا مجيء زيد، نقول: وجاء السحاب، وجاء الذباب وجاء النمل .. إذن لكل فاعل من هذه الفاعلين نقول: له مجيءٌ يختصُّ به، فلا يُفهم من قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ) أن المجيء هو المجيء الذي ثبتَ لزيد، حينئذٍ لا يُنكَر حذفُ المضاف وهو مجازٌ على القول به؛ لا يُنكر من أجل هذا دفعاً له! لا، وإنما قد تنكرُهُ لأنه لم يثبت عندَك في لسان العرب أو كذا، أما من أجل دفع بدعة الأشاعرة والمعتزلة هذا ضعيف ليس بصحيح، ولا نجعله طاغوتاً ونردّه إلى آخره، نقول: هذا ليسَ له وجه، وإنما يُردّ الأصل الذي اعتمدُوا عليه وهو: أن ظاهر النصوص التشبيه .. مماثلة، نقول: هذا مردودٌ بقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] والاشتراك إنما يكون في المعنى الكلي الذي يكون في الذهن فحسب، فالمجيءُ مِن حيث هو مجيء هذا مشترك، يدخلُ فيه مجيءُ الربِّ جل وعلا ومجيُء المخلوق سواء كان عاقلاً أو لا يعقل، ثم إذا أُضيف .. نُسِب إلى معين، إن كان خالقاً فاختصّ به المجيء، لا يشبهه مجيءُ المخلوقين، وإذا أضفتَه إلى مخلوق يعقل اختصَّ به، إذا أضفتَه إلى مخلوق لا يعقل اختصّ به. فالاختصاصُ حاصِلٌ متى؟ بعد الإضافة، وأما قبلَ الإضافة فهو قدر كلي وجوده وجود ذهني، وَجَاءَ رَبُّكَ هنا يقولون: أي أمر ربك! يُقال له أنه فاسد، ليسَ ظاهر النص هو ما ذكروه. نقف على هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

76

عناصر الدرس * حدف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجروراٌ وشروطه * شروط إبقاء المضاف على حاله بعد حدف المضاف إليه * حكم الفصل بين المضاف إليه وأنواع الفاصل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا عرفنا أن هذه المسألة مسألة حذفِ ما عُلم من مضاف ومضاف إليه، والبيت هذا تقيد ب حذف المضاف في مسألةٍ شهيرةٍ وإن عنونَ لها البيانيون بالمجاز، ولكن يُشترَط في جوازِ حذف المضاف شرطان؛ الأول: أن يكون ثَم دليل أو قرينة على المحذوف، فإن لم تكن قرينةٌ حينئذٍ امتنعَ حذفه، يعني قعّضد ما لا يدلُّ عليه دليل لا يجوز حذفه البتة مطلقاً في أبواب النحو كلها. الثاني: أن يكونَ المضاف مُفرداً لا جملة؛ لأن الجملة حينئذٍ لا تقوم مقامَ المضاف إذا حُذف. وأما الأول هذا مُتفق عليه، والثاني حكي عليه الاتفاق. وَمَا يَلِي الْمُضَافَ أي: الذي يلي المضافَ، الذي يتلوُهُ ويليه -وهو المضاف إليه- يأتي خلفاً عنه بعد حذفه، ولذلك قال: (إِذَا مَا حُذِفَا) ولا يمكن أن يكونَ خلفاً عنه إلا بعدَ حذفه، حينئذٍ دلَّ على الحذفِ قوله: (يَأْتِي خَلَفَا عَنْهُ) وهذا دلَّ على أنه حُذف، وقوله: إِذَا مَا حُذِفَا هذا أشبه ما يكون بالتأكيد. وَرُبَّمَا جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا كَمَا ... قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ ... مُمَاثِلاً لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ وَرُبَّمَا جَرُّوا: ربما هذه للتقليل. جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا: وهو المضاف إليه، هذا ما يتعلق بالمضاف إليه، في السابق قال: يَأتِي خَلَفَاً عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ، قد لا يأتي خلفاً عنه في الإعراب، بل يبقى على أصله على جرِّهِ، فيُحذَف المضاف ويبقى المضافُ إليه على جرِّهِ، فيبقى مجروراً كما هو الشأن فيه قبلَ حذف المضاف. وَرُبَّمَا جَرُّوا: أي العرب نُطقاً، أو النحاة حكمُوا بذلك، والأول أظهر. وَرُبَّمَا جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا: وهو المضاف إليه، بعدَ حذف المضاف. أَبْقَوْا المضاف إليه كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: والذي تقدَّمَ ما هو حذفه؟ المضاف، يعني يبقى المضاف إليه على حاله، في السابق بين لنا القاعدة الأصلية وهي: أنه إذا حُذف المضاف أُقيمَ المضاف إليه مقامه فارتفعَ ارتفاعَه أو انتصبَ انتصابَه، أو جُرّ جرَّه .. خفض خفضه، وقد لا يكون كذلك بل يبقى على حاله. وَرُبَّمَا جَرُّوا: يعني استداموا جرَّ الَّذِي أَبْقَوْا كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: معنى البيت أي: تركوا المضاف إليه على الحالة التي كان عليها قبلَ حذف المضاف وهي الجرّ، فيبقى على حاله، وفُهِم من قوله: وَرُبَّمَا أن هذا قليل؛ رُبَّمَا جَرُّوا نقول: هذا قليل؛ لأن ربّ للتكثير كثير وللتقليل قليل، هنا لا يتأتى فيها التكثير، لماذا؟ لأن حذفَ المضافِ وإقامة المضاف إليه مقامه .. كونه يرتفعُ ارتفاعه وينتصبُ انتصابه، هذا قليل خلاف الأصل.

ثم هذا يُستثنى منه حالة وهي: أنه لا يُقام مقامَ المضاف إليه وإنما يبقى على حاله، إذن هذا استثناء من استثناء، وإن شئتَ قل: خروجٌ عن خروجٍ؛ لأنَّ الأول خروج، الأصل عدم الحذف، والمضاف والمضاف إليه كالجزءِ الواحد .. كالكلمة الواحدة، حينئذٍ لا يجوزُ حذفُ الجزءِ الأول، لكن لما عُلِم ساعدَت القرينة وقوَّت حذف المضاف، إذن خرجنا عن الأصل. ثم خروجٌ آخر وهو أن لا يُقام المضاف إليه مقامَه، فيبقى على ما هو عليه من جرّه. وفُهِم من قوله: وَرُبَّمَا أن هذا قليل، ومع قلّته كذلك فيه شرط، لَكِنْ بِشَرْطِ كما سيأتي. وَرُبَّمَا جَرُّوا: أي العرب يعني استداموا جرّ، ليس جرّاً جديداً، إذا حُذِف المضاف وبقي المضاف إليه على حاله من الجرّ فحينئذٍ نقول: الجرّ الذي قبلَ حذف المضاف هو نفسه الجرّ بعدَ حذفه وليس ثَم جرٌّ جديد، ولذلك رُبَّمَا جَرُّوا أي استداموا جرّ. الَّذِي أَبْقَوْا: بعدَ حذف المضاف وهو المضاف إليه. كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: هذا معلوم، لماذا نصَّ عليه؟ كما تشبيه، يعني بقي المضاف مجروراً بعد حذف المضاف كما هو الشأن قبل حذفِه، عندنا مُشبّه ومشبّه به، أي كالجرّ الذي قد كان ودفَعَ به توهم أن هذا جرٌّ جديدٌ بجار آخر غير المضاف، يعني كما قد كان قبلَ حذف، قد يُفهم مِن قوله: (وَرُبَّمَا جَرُّوا الَّذِي أَبْقَوْا) أنه مجرور بعامل جديد ليس هو المضاف الذي حُذِف، لا، ليسَ الأمر كذلك، بل هو العامل قبلَ الحذف هو عينه العامل بعد الحذف، والجرّ قبل الحذف هو عينه الجرّ بعد الحذف، فالكسرة هي الكسرة والعامل هو العامل قبل الحذف وبعد الحذف. إذن: (كَمَا قَدْ كَانَ) نقول: هذا نصَّ عليه دفعاً لتوهم أن يتوهّم مُتوهِّم بأن الجرّ الذي بقي بعدَ حذف المضاف هذا جرٌّ جديد، وليس الأمرُ كذلك بل هو سابق. بجرٍّ آخر غير مضاف، والمغايرة بين المشبه والمشبه به لا بالذات بل باعتبار اختلاف صورة التركيب؛ لأنه جاءَ بكاف التشبيه (كَمَا).

إذن: شبّهَ الصورة الحاصلة بعد الحذف بالصورةِ قبلَ الحذف، وهي عينُها، كأنه قال: زيدٌ كزيدٍ، هل يصحّ؟ لا يصحّ أن يقال: زيد كزيد، فلا يُشبّه زيد بزيد، وإنما يُشبّه زيد بذاتٍ مُغايرة، وهنا لم يحصل التغاير، نقول: حصلَ التغايرُ باعتبار صورة التركيب، فذكرُ المضافِ مع المضاف إليه هذه صورة، وحذف المضاف مع إبقاء المضاف إليه مجروراً كحاله قبل الحذف هذه صورة أخرى، فشبّهَ الثاني بالأول .. شبّه الثاني الذي هو بعدَ حذف المضاف بالأول الذي ذُكِر فيه المضاف والمضاف إليه. والمغاير بينَ المشبّه والمشبه به لا بالذات بل باعتبار اختلاف صورة التركيب، أو على أن العرض لا يبقى زمانين ووجهُ الشبهِ كون كل بالمضاف، لكن الأول أولى، أن يُقال: شبّه صورة التركيب بصورةِ تركيب آخر، وهنا تحصلُ المغايرة كما ذكرناه في (زيد غير عمروٍ)، قلنا هنا حصلت المغايرة بالتنوع الشخصي، أما الماهية فهي عينُ الماهية، فمطلقُ المغايرةِ حاصلة بغير، كذلك هنا مُطلق المغايرة بينَ المشبه والمشبه به حاصلةٌ، فالتركيبُ الذي فيه المضاف قبلَ حذفه وإبقاء المضاف إليه مجروراً مع ذكرِ العامل ليست هي عين الصورة في حذفِ المضاف وإبقاء المضاف إليه كحاله، ولذلك قال: كَمَا، وجاء بكاف التشبيه. كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا، الذي تقدّما الألف للإطلاق وهو المضاف، لَكِنْ حرف استدراك، لكن يعني: لا يتوهّم أنه يبقى المضاف إليه كحاله قبلَ حذف المضاف مُطلقاً، لا، بشرط، وكلما قُيّد الشيء بشرط دلَّ على أنه فرعٌ وأنه ضعيف، كلما قُيّد بشيء .. وخاصّة هنا خروج عن خرج، يعني ليسَ هو أصل حتى نقول: كاسم الفاعل إذا قُيّد فهو على الأصل، لا. هنا خروج عن خروج. الأصلُ عدمُ الحذف، الأصل أنه إذا حُذِف المضاف أُقيم المضاف إليه مقامَه فارتفع ارتفاعَه، هذا الأصل، وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ، هذا الأصل وهو المطّرد في لسان العرب، لكن إبقاؤه على حاله دون أن يأخذَ حكمَ المضاف نقول: هذا خروج عن خروج. لَكِنْ: حرف استدراك. بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: الذي هو المضاف. مُمَاثِلاً: لفظاً ومعنى. لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ: على المعطوف عليه، يعني يُشترَط في المضاف الذي يبقى المضاف إليه كحاله فلا يرتفع ارتفاعه ولا ينتصب انتصابه: أن يكونَ معطوفاً على مماثِلٍ في اللفظ والمعنى، ليصيرَ دليلاً قوياً على المحذوف، فحينئذٍ نقول: لا يجوزُ حذفُ المضاف وإبقاء المضاف إليه كحاله دونَ أن يأخذَ حكمَ إعراب المضاف إلا إذا عُطِف على مماثل، والمماثلة هنا تكون في اللفظ والمعنى، أما المعنى دون اللفظ فهذا فيها خلاف كبير والأكثر على المنع، لكن بشرط أن يكون والشرط معلوم: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، حينئذٍ نقول: هذا شرطٌ وجودُه يتحقّق الحكم، انتفاؤه حينئذٍ يرتفع الحكم. أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: (ما) هذا اسم يكون، صادق على المضاف، (مُمَاثِلاً) هذا خبر يكون، أَنْ يَكُونَ بشرط كون، أَنْ يَكُونَ كون أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، بشرط كون.

مَا حُذِفْ: (ما) اسم موصول بمعنى الذي يصدُق على المضاف، الذي حذف وهو المضاف. مُمَاثِلاً: هذا خبرُ يكون، لفظاً ومعنى؛ لأنه أطلقَ المماثلة، والمماثلة لها كمال ولها دنو، وأكملُ المماثلةِ أن تكونَ في اللفظ والمعنى معاً، فإن كان المعنى دون اللفظِ ففيه نوعُ مماثلةٍ لكنها ليست على الإطلاق، ولذلك أطلقَ هنا مع التنوين (مُمَاثِلاً) دلَّ على أن المماثلة هنا المراد بها أكملُ درجة، وهي أن تكون في اللفظ والمعنى. للذي (لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ) (لما) جار ومجرور مُتعلّق بمماثلاً؛ مماثلاً لأي شيء؟ قال: لِمَا عَلَيْهِ، فدلَّ على أن الجار والمجرور مُتعلّق بقوله: مُمَاثِلاً، ودائماً هذه خذها قاعدة: المعنى هو الذي يحكم في المتعلّقات، وخاصّة في الجار والمجرور والظرف لأنه يلتبس كثير، فقد يجوز أن يكون عندَك ثلاثة عوامل، كلها جائزٌ من جهة الصنعة أن يتعلّق بواحدٍ منها، لكن يأتي هنا الحنكة والنظر في أن يُعلِّق الطالب بواحد منها يُتمِّم به المعنى، فيصحّ ويكون أكملَ مِن تعليق بغيره. مُمَاثِلاً لأي شيء؟ أطلقَ الناظم (لِمَا عَلَيْهِ) أي: على المعطوف عليه، (قَدْ عُطِفْ) هذا فيه ضمير يعودُ على (ما) في قوله: مَا حُذِفْ، بأن يكون ما حذف، الذي حذف .. قَدْ عُطِفْ الضمير هنا يعودُ على (ما) في قوله: مَا حُذِفْ. أن يكون ما حُذف الذي هو المضاف مُمَاثِلاً في اللفظ والمعنى لما قد عُطِف عليه، يعني ثَم معطوف عليه يُعطف عليه المضاف المحذوف، وقيل بالعكس كما سيأتي في المذهبين.

قال الشارح: قد يُحذَف المضاف ويبقى المضاف إليه مجروراً كما كان عندَ ذكرِ المضاف قبلَ حذفِه، لكن بشرط: أن يكونَ المحذوفُ الذي هو المضاف: مُمَاثِلاً لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ: عُطِف عليه، يعني يكونُ المضافُ المحذوف معطوفا عليه، لفظاً ومعنى، المماثلة هنا لفظاً ومعنى؛ مثاله قول القائل: (ما مثلُ عبدِ الله ولا أخيه يقولان ذلك)، هذا المثال يذكرُهُ النحاة .. ابنُ هشام وغيره، (ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك) مثل: مبتدأ وهو مضاف، وعبد الله مضاف إليه، ولا أخيه: الواو حرف عطف، ولا: زائدة لتأكيد النفي. أخيه: مضاف إليه، يعني و (لا مثل أخيه)، حينئذٍ (أخيه) نقول: هذا مجرور بالمضاف. أين المضاف؟ محذوف، لو عطفتَه .. قد يأتي إنسان في عجلةٍ يقول: معطوفٌ على عبد الله؛ لأنه مجرور، مثل عبد الله وأخيه معطوفٌ على عبد الله، والمعطوف على المجرور مجرور، نقول: هذا يفسدُه ما بعدَه، هو جائز .. إذا رأينا إلى النظرَ الظاهري جائز، لكن يفسدُه (يقولان)، يقولان: خبر عن المبتدأ، حينئذٍ إذا جعلتَ (أخيه) معطوفاً على (عبد الله) صارَ جزءاً واحداً، وصارت تثنية الخبر هنا فاسدة، لا يجوز؛ لأنه يُشترَط في المبتدأ والخبر التطابق إفراداً وتثنية وجمعاً، فيقولان ذلك الألف هنا على أي شيء عائدة؟ إذا جعلتَه معطوفاً على (عبد الله) صار شيئاً واحداً وهو المبتدأ (مثلُ) فقط، أما (مثل عبد الله ولا مثل أخيه) صار مثلين، فإذا قلتَ: يقولان، حينئذٍ المبتدأ وما عُطِف عليه صارَ (يقولان) خبرٌ عنه، إذن فيه إعرابان أحدُهما فاسد وأحدُهما صحيح، لا يصحّ إلا على تقدير حذف مضاف من قوله: أخيه. وما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك، أي ولا مثل أخيه؛ فـ (أخيه) هنا حُذِف المضاف وأبقي المضاف إليه كحالِه، ولو رفعناهُ على الأصل قلنا: و (مثلُ عبد الله ولا أخوه)، لو جرينا على القاعدة الأصلية: وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا عَنْهُ فِي الاِعْرَابِ، حينئذٍ و (ما مثل عبد الله ولا أخوه)، إذا رفعناه؛ لأنه حُذِف المضاف .. (مثل أخيه) حُذِف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه وارتفعَ ارتفاعه؛ لأنه معطوف على مرفوع والمعطوف على المرفوع مرفوع، لكن هنا أُبقي على حاله فقيل: و (لا أخيه) فدلّ على أنه حذفَ المضاف وأبقى المضاف إليه بجرّه على الأصل، استداموا الجرّ، ويتعينُ هذا لتثنية الخبر (يقولان) ذلك، فلما ثني الخبر حينئذٍ علمنا أن المبتدأ مثنى، فيتعينُ أن يكون (أخيه) مُنفصلاً عن (مثل عبد الله). و (مثل عبد الله ولا زيد ولا عمْرٍ يقولون ذلك) نفسه، لو جعلتَه معطوفاً و (لا زيد ولا عمْرٍ) معطوفاً على الأول (عبد الله) حينئذٍ يقولون الخبر جاء جمعاً، فلم يحصل التطابق؛ لأن الحكمَ صار واحداً، إذا قلت: و (ما مثل عبد الله وزيدٍ وعمروٍ) كلها معطوفة على الأول، جعلتَ المبتدأ مثل فقط وهو شيء واحد، وإذا فصلتَها بالمضافات المحذوفة حينئذٍ جعلتَها ثلاثة أشياء، فيقولون: صارَ الخبر جمعاً، في محله أو لا؟ صارَ في محله، حصلَ التطابق بين المبتدأ والخبر. هذا مثال واضح. أي و (لا مثل أخيه) بدليل قوله يقولان بالتثنية، وكقول الشاعر:

أَكلَّ امْرِئٍ تَحسَبِينَ امْرَءاً ... وَنَارٍ توقَّدُ بِاللَّيلِ نَاراً و (نارٍ) هذا معطوف على قوله .. إذا قلت: امرئ حينئذٍ رجعت المسألة إلى مسألة العطف على معمولين لعاملين مختلفين، هذا يأتي في باب النسق، هذا ممنوع، فحينئذٍ يتعين أن يكون (نار) هذا مضاف إليه، والمضاف محذوف. أَكلَّ امْرِئٍ تَحسَبِينَ امْرَءاً وَنَارٍ: يعني: وكل نار. هل وُجِد الشرط المجوِّز للحذف وإبقاء المضاف إليه كحاله؟ نعم، لكونه عُطِف على مثله، وهو (مثل) في المثال الأول و (كل) في المثال الثاني. والتقدير و (كل نار) فحذفَ (كل) وبقي المضاف إليه مجروراً كما كان عند ذكرها، والشرط موجود وهو العطف على مماثل المحذوف وهو كل في قوله: أكل امرئ. وهو له تعليق سيأتي في باب العطف والنسق؛ لأنه يلزمُ العطف على معمولي عاملين مختلفين، وهذا يأتي شرحه في محله. وقوله كذلك: وَلمْ أرَ مِثْلَ الخَيْرِ يَتْركُهُ الفَتَى ... ولاَ الشَّرِّ يأتِيهِ امرؤٌ وَهْوَ طَائِعُ يعني و (لا مثل الشر)، ولم أرَ مثل الخير: مفعول به، مثل مضاف والخير مضاف إليه. قال: ولا الشر يعني ولا مثل الشر، حينئذٍ جُوّزَ حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله الجرّ؛ لكونه معطوفاً على مماثل له في اللفظ والمعنى، أن يكون لفظُ المضاف المحذوف معطوفاً على لفظ مثله، مثل لفظ كل هنا ومثل. وقد يُحذَف المضاف ويبقى المضاف إليه على جرّه والمحذوف ليسَ مماثلاً للملفوظ بل مقابل له كقوله تعالى: ((تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةِ)) [الأنفال:67] في قراءة مَن جرَّ (الآخِرَةِ) والتقدير (والله يريد باقي الآخرة)، على خلاف في التقدير، ومنهم من يقدّره (والله يريد عرض الآخرة)، وهذا أظهرُ، فحينئذٍ صارَ الشرط متحققاً وهو عطف على مثل المحذوف. فيكون المحذوف على هذا مُماثلاً للملفوظ به والأول أولى، والعكس هو الأولى، يعني الذي يخالف ترجيحَ ابن عقيل هو أرجح. وقد لا يكون المضاف معطوفاً بل المعطوف جملة فيها المضاف. إذن: وَرُبَّمَا جَرُّوا أي: استداموا الجرّ، يعني الذي كان قبل حذفِ المضاف؛ استدامَه العربُ بعد حذف المضاف فهو عينه، والعامل فيه المضاف المحذوف، فحينئذٍ لما نُوِي لفظه صحَّ أن يكونَ عاملاً في المذكور، وهذا وجهٌ ضعف فيه، أنه يُحذَف المضاف وعمل المضاف فهو ملفوظ فيه ضعف؛ لأنه اسمٌ جامد، فحذفُهُ حينئذٍ يزيد به ضعفاً. وَرُبَّمَا جَرُّوا أي استداموا جرّ الَّذِي أَبْقَوْا: أبقوه الضمير هنا هو العائد على الذي؛ لأن جملة الصلة يُشترَط فيها أن تشتمل على عائد يعود على الموصول، وهنا محذوف. كَمَا قَدْ كَانَ قَبْلَ حَذْفِ مَا تَقَدَّمَا: الذي تقدّم وهو المضاف. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا حُذِفْ: يعني المضاف مماثلاً لفظاً ومعنى، فإن لم يكن ثَم مُماثِل فلا يجوزُ، فإن كان ثَم مماثل في المعنى لا في اللفظ فالأصل أنه لا يجوز كذلك. مُمَاثِلاً لِمَا عَلَيْهِ قَدْ عُطِفْ: يعني للذي قد عُطِف هو عليه. ثم قال: وَيُحْذَفُ الثَّانِى: إذن ما سبقَ يتعلّق بالمضاف، والآن الكلام في المضاف إليه. وَيُحْذَفُ الثَّانِي فَيَبْقَى الأَوَّلُ ... كَحَالِهِ إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ

بَشرْطِ عَطْفٍ وَإِضَافَةٍ إِلَى ... مِثْلِ الَّذِي لَهُ أَضَفْتَ الأَوَّلاَ فإن كان المحذوف المضاف إليه جملة يعني: الكلام فيه جملة، أن يُقال بأنه على ثلاثة أحوال -إذا حُذف المضاف إليه-، فهو على ثلاثة أحوال أو أقسام أو أنواع؛ لأنه تارة يزولُ مِن المضاف ما يستحقّه من إعراب وتنوين ويبنى على الضم، وهذا الذي في قوله: وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ مَا ... لَهُ أُضِيفَ نَاوِياً مَا عُدِمَا يُحذف المضاف إليه فيزول الإعراب من المضاف، متى؟ إذا نُوِي معناه. إذن ليسَ كلّ مضاف إليه يُحذف حينئذٍ يبقى المضاف على إعرابه، بل قد يزول، وخُذ الأمثلة السابقة (غير وقبل وبعد وحسب وأول ودون والجهات الست وعلُ) كل هذه يُحذف المضاف وتُبنى، لكن ليس مطلقاً وإنما بحذف المضاف مع نية معناه. لأنه تارة يزول من المضاف ما يستحقه من إعراب وتنوين ويُبنى على الضم نحو: ليس غير ونحو: ((مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) [الروم:4] وهذا سبق بيانه. وتارة يبقى إعرابه ويرد إليه تنوينه، يعني يبقى معرباً لا يُبنى، ويرد إليه تنوينه وهو الغالب، أنه إذا حُذِف المضاف إليه بقي المضاف على إعرابه ورجعَ إليه التنوين الذي حذفناه من أجل الإضافة. نُوناً تَلِي الإعْرَابَ أَو تَنْوِينَا ... مِمَّا تُضِيفُ احْذِفْ كَطُورِ سِينَا هذه النون وهذا التنوين إذا حذف المضاف إليه رجع، هذا هو الغالب، وهو الغالب في كل وبعض وأي ومثلها، ((وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ)) [الفرقان:39]، ((أَيًّا مَّا تَدْعُو)) [الإسراء:110] حُذف المضاف إليه وبقي المضاف معرباً ورجع إليه تنوينه، هذا قسم ثاني مما يُحذف فيه المضاف إليه، وتارة -وهو القسم الثالث- يبقى إعرابه ويترك تنوينه كما كان في الإضافة، هذا من قبلنا، وَمِنْ قَبْلِ نَادَى، ((لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)) [الروم:4] قلنا هنا: حذف المضاف إليه، ونُوِي ثبوت لفظه، فبقي اللفظ المضاف معرباً على الأصل، وأين التنوين؟ لم يرجع التنوين؛ لأن المضاف إليه محذوف لكنه في اللفظ مُراد، يعني منوي مُقدّر، فالمنوي لفظه كالموجود، فلذلك لم يرجع إليه التنوين، "ابْدَأْ بِذَا مِنْ أَوَّلِ" بالكسر؛ لأنه مُضاف، وإذا كان كذلك فحينئذٍ لا يمنع من الصرف، وإنما إذا قُطِع عن الإضافة كلياً قيل: مِن أَوَّلَ ممنوع من الصرف للوزن والوصف. إذن تارة يبقى على إعرابه ويُترك تنوينه كما كان في الإضافة، وشرطُه ما ذكره الناظم. وَيُحْذَفُ الثَّانِى فَيَبْقَى الأَوَّلُ كَحَالِهِ: يعني مُعرباً، ولم يُرَد إليه التنوين، ولا نون المثنى ولا الجمع، فيبقى على حاله. إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ: إذا يتصل به، بِهِ جار ومجرور متعلق بقوله: يَتَّصِلُ، إذا به يتصل، إذا يتصل الأول بالثاني أو الثاني بالأول، يعني كأن المضاف إليه موجود، وإذا كان موجوداً حينئذٍ حُذِف منه التنوين ولا يرجع، كذلك يُحذف المضاف إليه ويُنوى كأنه متصل به، فحينئذٍ لا يعود التنوينُ ولا تعودُ النون التي للمثنى والجمع.

فلا ينوَّن ولا ترد إليه النون إن كان مثنى أو مجموعاً، لكن لا يكون ذلك في الغالب إلا بشرط عطف، أي على ذلك الأول، أن يكونَ بشرط عطف على ذلك الأول، ولو بغير الواو كما سيأتي في الأمثلة. وَإِضَافَةٍ أي: إضافة المعطوف، إِلَى مِثْلِ، والمثلية المطلقة تُحمَل على اللفظ والمعنى معاً، يعني جميعاً. إِلَى مِثْلِ الَّذِي لَهُ أَضَفْتَ الأَوَّلاَ: (إِلَى مِثْلِ الَّذِي) هذا يصدق على المضاف إليه، مثل مضاف، والذي مضاف إليه، ودائماً لا بدّ من تفسير الموصول يقع على أي شيء؟ لأنه مبهَم، جاء الذي قام أبوه، مَن هو؟ زيد، إذن الذي يصدقُ على (زيد)، لا بد من تفسيره، وهنا نقول: مِثْلِ الَّذِي اسم موصول مبهم نفسره بالمضاف إليه، يعني مثل المضاف إليه. الَّذِي لَهُ أَضَفْتَ الأَوَّلاَ: يعني المعطوف عليه. إذن هذا الذي شرطَهُ الناظم في النوع الثالث: أنه يبقى على حاله مُعرباً ويبقى مسلوبَ التنوين والنون كأن الإضافة موجودة كما هي، وهي موجودة بالفعل كما هي، وشرطه الناظم بما ذكر في البيت السابق، بأن يُعطَف عليه اسم عامل في مثل المحذوف، أن يُعطَف عليه اسم عامل في مثل المحذوف، وهذا العامل إما مُضاف كقولهم: (خُذ ربعَ ونصفَ ما حصل)، أين المضاف الذي حُذف المضاف إليه منه؟ (خُذ ربع ونصف ما حصل) ربع ما حصل، ونصف ما حصل. إذن حُذف من الأول المضاف إليه، وبقي المضاف مُعرباً، لكنه لم يرجع إليه التنوين لنية الإضافة، لذلك قال: فَيَبْقَى الأَوَّلُ وهو المضاف كَحَالِهِ من الإعراب وسلبِ التنوين والنون إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ، كما إذا يتصل به، كأنه مُتصل، كأنه لم يحذف .. يُعامل بعد الحذف معاملة قبل الحذف. (خُذ ربع ونصف ما حصل)، ومذهبُ سيبويه والجمهور أنه من بابِ الفصل بين المضاف والمضاف إليه، يعني هذا التركيب والمثال الذي ذكرَه الشارح: (قَطَعَ اللَّهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا)، هذا عند سيبويه والجمهور مِن النحاة أنه مِن باب الفصل بين المضاف والمضاف إليه. والأصلُ (خُذ ربع ما حصل ونصفه) هذا أصل التركيب، فقيل: (خذ ربع ونصفه ما حصل) فحُذفَ الضمير إصلاحاً للفظ لأنه فيه خللٌ من جهة السماع (ونصف ما حصل)، فقيل: نصف ما حصل، حُذفَ الضمير؛ إصلاحاً للفظ. حينئذٍ هل عندنا مُضاف محذوف؟ ليسَ عندنا مضاف محذوف، نصفه هو الذي حُذف، لكن لم يكن شيء معطوف على سابقه، والمثال الذي ذكره الشارح أظهرُ: (قَطَعَ اللَّهُ يَدَ وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا)، يدَ مَن قالها ورجلَ مَن قالها، حُذفَ من الأول لكونه عطَفَ عليه مثله، (يَدَ مَنْ قَالَهَا وَرِجْلَ مَنْ قَالَهَا)، التقدير: قطعَ الله يدَ من قالها ورجلَ من قالها، فحُذفَ ما أُضيف إليه (يد) وهو (مَن قالها) لدلالة ما أُضيف إليه رجل عليه، وهو واضح بينٌ أنه حذفَ من الأول لدلالة الثاني عليه، وهذا مثل السابق: وما مثل عبد الله ولا أخيه، مثل مثل .. حذفَ الثاني المضاف لدلالة الأول عليه، هنا العكس، أن يحذفَ المضاف إليه لدلالة السابق عليه، أو أن يُعطَف عليه مثله، حينئذٍ جوّزَ الحذف لوجود قرينة ظاهرة في اللفظ، وهي ملفوظة بها.

ومثله قوله: (سَقَى الأَرَضِينَ الغيث سهل وحزنها ... ) يعني: سهلها وحزنها، حذفَ المضاف إليه وهو الهاء مِن (سهل) لكونه معطوفاً عليه مضاف إلى مثله، وهو حزنها. التقدير: سهلها وحزنها، فحذفَ ما أُضيف إليه (سهل) لدلالة ما أُضيف إليه (حزن) عليه هذا تقدير كلام المصنف. وقد يفعل ذلك بدون شرطٍ مذكور، لكنه على قلّة، وإن لم يعطف مُضاف إلى مثل المحذوف من الأول كقوله السابق: وَمِنْ قَبْلِ نَادَى يعني: ومِن قبل ذلك. فحذفَ المضاف إليه ولم يكن ثَم معطوف عليه، لكن هذا لا بد من النظر في الأبيات السابقة ليعلم هل ثَم معطوف عليه أم لا؟ فحذفَ ما أُضيف إليه (قبل) وأبقاه على حاله لو كان مضافاً ولم يعطف عليه مضاف إلى مثل المحذوف، والتقدير: (من قبل ذلك)، ومثله قراءة من قرأ شذوذاً ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:38] أي: (فلا خوف شيء عليهم) حذفَ المضاف إليه وبقي المضاف على حاله، ولذلك لم يُنوّن ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:38] فلا خوفُ شيءٍ عليهم، كذلك قُرئ ((فَلا خَوْفَ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:38] هذا يحتمل، يحتمل أنها عاملَهُ عملَ إن فيكونُ مُضافاً منصوباً، فلا خوفَ شيء، مثل: (لا صاحبَ علم ممقوت)، مضاف ومضاف إليه حكمُهُ النصب ظاهراً لفظاً، كذلك (فلا خوفَ شيء عليه)، يحتمل هذا. لكن الشاهد هنا في الرفع ((فَلا خَوْفُ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:38] أي: فلا خوفُ شيء عليهم. وهذا الذي ذكرَه المصنف مِن أنّ الحذف مِن الأول وأن الثاني هو المضاف إلى المذكور هو مذهب المبرد وهو المشهور عندَ النحاة، -وهو المشهور عندَ النحاة عملياً-، وأما من جهة أتباع سيبويه فلا. ومذهبُ سيبويه أن الأصل: (قطعَ الله يدَ من قالها ورجلَ من قالها) فحذفَ ما أُضيف إليه رجل، الثاني، إذن الحذفَ من الثاني لا مِن الأول، على مذهب المبرد الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، ولا إشكال فيه: قطع الله يدَ مَن قالها، حذفناها لوجود (ورجل من قالها)، لا إشكال فيه، واضحٌ بينٌ وليس فيه تعسف ولا تكلف. عندَ سيبويه والجمهور لا، أن الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، فحينئذٍ (قطعَ الله يد من قالها ورجل)، ثم أُقحمَ قوله: و (رجل) بينَ المضاف وهو (يد) والمضاف إليه الذي هو (من قالها)، هذا تكلّف تعسّف، (قطع الله يد من قالها ورجل) أخذنا (رجل) وضعناها بين (يد ومن قالها)، فصارَ التركيب: قطع الله يد ورجل مَن قالها، إذن (من قالها) مضاف إليه لـ (يد) لا لرجل، ورجل هذا المضاف إليه محذوف، هذا تعسّف تكلف، فقول المبرد أسلم وأقرب. فعلى هذا يكون الحذفُ من الثاني لا من الأول على مذهب المبرد بالعكس. إذن قوله: ويحذف الثاني، الذي هو المضاف إليه، ويُنوى ثبوت لفظه؛ لأنه لو نُوِي ثبوت المعنى دون اللفظ حينئذٍ رجعنا للمسألة الأولى: وَاضْمُمْ بِنَاءً غَيْراً إِنْ عَدِمْتَ مَا .. إلى آخره. لكن مرادُ الناظم هنا أن يبقى على حاله دونَ أن يتغير، ولذلك ذكرنا أن حذفَ المضاف إليه على ثلاثة أحوال: إما أنه يُبنى المضاف .. خرجَ عن الإعراب، وهذا سبق بيانُه وليس مراد الناظم.

الثاني: أن يرجعَ إليه ما سُلِب منه بالكلية، وهو كل وبعض وأي، ((أَيًّا مَّا تَدْعُو)) [الإسراء:110] رجعَ إليه التنوين، وليسَ هذا مراد الناظم، وإنما مراده أن يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف على حاله من الإعراب لا البناء، ويبقى على حاله من سلبِ التنوين والنون، وهذه الحالة الثالثة، وشرطها بما ذكر. إذن وَيُحْذَفُ الثَّانِى وهو المضاف إليه ويُنوَى ثبوت لفظه. فَيَبْقَى الأَوَّلُ كَحَالِهِ: يبقى: فعلٌ مضارع، والأول فاعل وهو مضاف. كَحَالِهِ: أي: حالة كونه كحاله مثل حاله السابق قبل الحذف، وما هو حاله؟ حذفُ التنوين والنون إن كان مثنى أو جمعاً. إِذَا بِهِ يَتَّصِلُ: فلا يُنوّن ولا تُرد إليه النون مطلقاً. بَشرْطِ عَطْفٍ: يعني على ذلك الأول. وَإِضَافَةٍ: أي إضافة المعطوف، ومثل الإضافة عمل المعطوف في مثل ما أُضيف إليه الأول كقوله: بِمِثْلِ أَوْ أَحْسَنَ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى. وَإِضَافَةٍ إلَى مِثْلِ الَّذِي لَهُ أَضَفْتَ الأَوَّلاَ: الَّذِي أَضَفْتَ الأَوَّلاَ لَهُ، الأَوَّلاَ: الألف هذه للإطلاق، يعني معطوف إليه؛ لأنه بذلك يصيرُ المحذوف في قوة المنطوق به. إذن: الحالة الثالثة: أنه يُحذف المضاف إليه ويبقى إعرابه ويُترك تنوينه كما كان في الإضافة، والشرطُ ما ذكره الناظم هنا، ومذهبُ سيبويه على ما ذكرناه أنه مخالف لمذهب المبرد. هنا فائدة: قد يفعل ما ذكر من الحذف مع مضاف معطوف على مضاف إلى مثل المحذوف وهو عكس الأول، كقول أبي برزة الأسلمي {غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات وثمانيَ} يعني: ثماني غزوات، إذن حذُفَ من الثاني بفتح الياء دون تنوين والأصل ثماني غزوات هكذا ضبطَه الحافظ في الفتح. ثم قال رحمه الله: فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ ... مَفْعُولاً اَوْ ظَرْفاً أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ فَصْلُ يَمِينٍ وَاضْطِرَاراً وُجِدَا ... بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ بِنَعْتٍ أَوْ نِدَا فَصْلَ مُضَافٍ: فصلَ بالنصب مفعول به مُقدّم لقوله: أجز، أجز فصل مضاف. مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ: يعني مُشبه للفعل، صفة لمضاف. مَا نَصَبْ: شبه مضاف وفعل مضاف إليه، ما نصب: (ما) هذه فاعل المصدر، نصب: الجملة صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب، يعني الذي نصبه، الضمير هذا العائد محذوف، ((أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا)) [الفرقان:41] (أهذا الذي بعثه) هذا مثله. مَا نَصَبْ: يعني نصبه. مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً: حالان من (ما)، أو من الضمير المحذوف. أَجِزْ: أجز حذفَ مضاف شبّه فعل ما نصب مفعولاً أو ظرفاً. المضاف والمضاف إليه كما ذكرنا سابقاً كالشيء الواحد، جزء واحد فهو كالكلمة الواحدة. فلا يُفصَل بينهما كما لا يُفصَل بين أبعاض الكلمة، كما لا تفصل بين أجزاء زيد، لا تفصل بين غلام زيد، هذا الأصل فيه؛ لأن الثاني نُزِّل من الأول منزلة التنوين كما في (زيدٌ)، زيدٌ هذا كلمتان، زيد اسم، والتنوين هذا حرف معنى، فهو كلمتان، كذلك غلام زيد كلمتان، نزلت الثانية منزلة الأول .. بمنزلة التنوين من الأول.

إذن: كالشيء الواحد، فلا يُفصل بينهما كما لا يُفصل بين أبعاض الكلمة إلا في ضرورة الشعر مطلقاً، هذا مذهب جمهور البصريين، أنه لا فصلَ بين المضاف والمضاف إليه إلا في ضرورةِ الشعر خاصة، ولكن الناظم هنا خالفَ الجمهور، وفصلَ في الفاصل. فقال: قد يكون الفاصلُ جائزاً مستعملا في السعة .. سعة الكلام وقد يكون ضرورة. إذن: ليسَ كل فصل بين المضاف والمضاف إليه يكون في ضرورة الشعر. وأما الناظمُ هنا فالفصل عندَه بين المضاف والمضاف إليه قسمان: جائز في سعة الكلام وهو النثر، تستعمله ولك القياس، ومخصوص بالضرورة. قوله: فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ ... مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ فَصْلُ يَمِينٍ .................. ... ...................................... هذه أشارَ بها إلى ما يجوزُ في سعة الكلام. وقوله: وَاضْطِرَاراً وُجِدَا بِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ بِنَعْتٍ، أَوْ نِدَا هذه ثلاثُ مسائل أرادَ بها ما يفصل به بين المضاف والمضاف إليه ضرورة. أجز فصلَ مضاف، أجز أن يفصل المضافَ منصوبُه؛ لأن ما نصب قلنا هذا فاعل، وإذا كان فاعل حينئذٍ يُقدّر المصدر بأن والفعل، أجز أن يَفصل المضافَ منصوبُه حال كونه مفعولاً أو ظرفاً. لأن ما نصب قلنا: هذا فاعل. وفَصْلَ مُضَافٍ: فصل مصدر، ومضاف هذا مضاف إليه، من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، وما نصب فاعل، إذن: كيف يكون التقدير؟ أجز أن يَفصل المضافَ منصوبُه حالة كونه مفعولاً أو ظرفاً، والإشارةُ بذلك إلى أن مِن الفصل بين المتضايفين ما هو جائز في السعة، ولذلك قال: أَجِزْ، يعني: في ساعة الكلام لا في الضرورة، ولذا ما عبّرَ عنه بذلك، خلافاً للبصريين في تخصيصهم ذلك بالشعر مطلقاً، والحق أن مسائل الفصل سبعٌ؛ منها ثلاثة جائزة في السعة: الأول: أن يكون المضاف مصدراً؛ لأنه قال: (شِبْهِ فِعْلٍ) يعني أن يكون المضاف مشابهاً للفعل، وأراد به نوعين: المصدر، واسم الفاعل. إذن المسألة الأولى التي يجوزُ فيها الفصل بين المتضايفين: أن يكون المضاف مصدراً، وهذا داخل في قوله: شِبْهِ فِعْلٍ؛ لأن المصدر أشبه الفعل. أن يكون المضاف مصدراً، والمضاف إليه فاعله، والفاصل إما مفعوله كقراءة من قرأ -قراءة ابن عامر- ((قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ)) [الأنعام:137] الأصل: قتلُ شركائِهم أولادَهم؛ لأن أولادَهم هذا مفعول به للمصدر وهو قتلُ وهو مضاف، (قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ) فُصلَ بينَ (قَتْلُ وشُرَكَائِهِمْ) المضاف والمضاف إليه بمعمول المضاف وهو مفعول به، وهو أولادهم، (قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ). إذن (أَوْلادَهَمْ) بالنصب على أنه مفعول به، فصلَ بين المضاف وهو قتل وبين المضاف إليه وهو شركائهم، ما المجوز ما المسوغ؟ لكونه معمولاً للمصدر وهو المضاف. إذن: ((قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ). كذلك قوله: (فَسُقْنَاهُمُ سَوْقَ الْبُغَاثَ الأَجَادِلِ ... ) فسقناهم سوقَ الأجادل هذا الأصل.

وإما أن يكون الفاصلُ بين المصدر والمضاف إليه ظرفَه كقول بعضهم: (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا)، (تَرْكُ نَفْسِكَ يَوْماً) هذا الأصل، والمضاف إلى مصدر نصبَ يوماً على الظرفية، ففصلَ بين المضاف والمضاف إليه وهو المصدر الظرف (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا). الثانية: أن يكونَ المضاف وصفاً، إذن المسألة الأولى: متى يُفصل بين المضاف والمضاف إليه؟ أن يكون المضاف مصدراً، ثم قد يُفصل بمفعوله، وقد يُفصل بظرفه، بمفعوله مثل: (((قَتْلُ أَوْلادَهَمْ شُرَكَائِهِمْ))) [الأنعام:137] شركائهِم بالكسر على أنه مضاف إليه، و (قتلُ) هذا المضاف وهو المصدر، و (أولادَهم) بالنصب على أنه مفعول به للمصدر الذي هو المضاف، فُصلَ بين المصدر (قتل) وبين (شركائهم) بالمفعول به أولادهم، إذن: هل هو أجنبي؟ لا ليس بأجنبي، لأنه معمول للمضاف، المنصوب والمجرور معمولان للمضاف، أولادهم منصوب بقتل وهو مضاف، (شركائهم) مجرور بالمضاف. إذن له جهتان: كونه مصدراً نَصب، وكونه مضافاً جَرّ، هذا واضح. كذلك بالظرف (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا). المسألة الثانية: أن يكونَ المضاف وصفاً، والمضاف إليه إما مفعوله الأول والفاصل مفعوله الثاني، يعني يفصلُ بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول الثاني فيما إذا أُضيف المضاف إلى مفعوله الأول، وهذا مثلُ قراءةِ بعضهم (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ) أين المضاف؟ مُخْلِفَ، أخلفَ، هذا يتعدّى إلى اثنين، (مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ) مخلف رسله وعدَه هذا الأصل، أُضيف مخلف إلى رسل وهو المفعول الأول، وعده هو المفعول الثاني. إذن فُصلَ بين المضاف وهو مخلف والمضاف إليه وهو رسله، بالمفعول الثاني وهو وعدَه. وما نوعُ المضاف هنا؟ اسم فاعل وصف، وهو يتعدّى إلى اثنين. إذن: أن يكونَ المضافُ وصفاً، والمضاف إليه إما مفعوله الأول، والفاصل مفعوله الثاني، كقراءة بعضهم: (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ)، وقوله: (وَسِوَاكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المحُتاجِ ... ) مانع المحتاج فضله، حينئذٍ فصلَ بين المضاف والمضاف إليه وهو المفعول الأول لمانع بالمفعول الثاني. أو ظرفه كحديث: "هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي"، تاركو صاحبي لي، هذا أصل التركيب، ففصلَ بين المضاف وهو تارك، وهو وصفٌ، وبينَ صاحبي الذي هو المضاف إليه بالظرف الذي هو (لي) يعني جار ومجرور يتوسع فيه. وقوله: (كَنَاحِتِ يَوْماً صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ ... ). ناحتٍ يوماً، وصخرة هذا هو المضاف إليه، إذن المسألة الثانية التي يجوزُ في سعة الكلام أن يكونَ المضاف وصفاً، ثم هذا الوصف قد يتعدّى إلى اثنين فيُضاف إلى الأول ويكون الفاصل هو المفعول الثاني، وقد يكون الظرف كما في الحديث.

وقد شملَ كلامُ الناظم في البيت السابق جميعَ ذلك، كل الذي ذكرناه داخل في قوله: فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ، شبه الفعل يشملُ المصدرَ واسمَ الفاعل، مَا نَصَبْ الذي نصبه، مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً، ومثّلنا للنوعين، قد يكونُ الفاصلُ المفعول وقد يكون الفاصلُ الظرف (قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ) هذا الفاصل مفعول، (تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ) هذا الفاصل الظرف. إذن هذه داخلة كلها في كلام الناظم في قوله: شِبْهِ فِعْلٍ. الثالثة: أن يكون الفاصل قسَمَاً، وقد أشار إليه بقوله: وَلَمْ يُعَبْ فَصْلُ يَمِينٍ. يُعَبْ: فعل مضارع مغير الصيغة مجزوم بلم، وجزمُهُ سكون آخره، فَصْلُ: نائب فاعل، وهو مضاف و (يَمِينٍ) مضاف إليه، وهو مضاف إلى فاعله، (فصلُ) مصدر أُضيف إلى فاعله، أن يفصلَ اليمينُ المضافَ، هذا التقدير: أن يفصل اليمينُ -يمينُ القسم- المضافَ، كقولك: (هذا غلامُ واللهِ زيدٍ) فصلتَ بين غلام وزيد بالقسم وهو قولك: والله. حكى ذلك الكسائي. هذه كلها جائزة في سعة الكلام. إذن: فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً أَجِزْ، تقدير البيت أجز .. جوازاً في سعة الكلام، في نثر الكلام لا يعيب عليك أي أحد، أجز فصل مضاف، يعني أن يفصلَ بين المضاف والمضاف إليه المفعول والظرف، بشرطِ أن يكونَ المضاف شبه فعل، والمراد بشبه الفعل المصدر واسم الفاعل، وسواء كان الفاصل بين المضاف والمضاف إليه هو المفعول أو الظرف، وكل منهما معمول للمضاف، حينئذٍ النتيجة لن يفصل بين المضاف والمضاف إليه أجنبي، فإن كان أجنبياً صارَ شاذاً إلا في الضرورة، ولذلك قال: وَاضْطِرَاراً وُجِدَا بِأَجْنَبِيٍّ، أما ما ليسَ أجنبياً عن المضاف فيجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه. ثم زاد المسألة الثالثة مما يجوزُ في سعة الكلام: وَلَمْ يُعَبْ، فَصْلُ يَمِينٍ. ولعله والله أعلم فصلَ بين المسألتين والثالثة أن القسمَ ليسَ معمولاً للمضاف، يعني المسألة الثالثة هذه ليست داخلة في قوله: شِبْهِ فِعْلٍ؛ لأنّ السابق .. الفاصل يكون معمولاً ليس أجنبياً، وأما هنا فالأصلُ أنه أجنبي هذا الأصل، لكن لكثرةِ استعمالِ العرب للقسَم حينئذٍ توسّعوا فيه: وَلَمْ يُعَبْ، فَصْلُ يَمِينٍ. بين المضاف والمضاف إليه. وأما الأربع الباقية فتختصُّ بالشعر، ولقد أشارَ إلى ثلاث مسائل من ذلك: الأولى: الفصل بأجنبي (وَاضْطِرَاراً وُجِدَا) وُجِدَا أي الفصل، والألف للإطلاق، وجد اضطراراً، هذا مفعول لأجله، وجدَ الفصل بين المضاف والمضاف إليه اضطراراً، يعني لأجل الاضطرار، وهذا دلَّ على أنه مفعول لأجله. بِأَجْنَبِيٍّ: جار ومجرور مُتعلّق بقوله: وُجِدَا، والألف للإطلاق. بِأَجْنَبِيٍّ من المضاف، أَوْ بِنَعْتٍ، أَوْ نِدَا .. فالمسألة الأولى الفصل بالأجنبي، ويُعنى به معمول غير المضاف، يعنى بالأجنبي الفاصل بين المضاف والمضاف إليه أن يكون معمولاً، لكنه ليس معمولاً للمضاف بل معمولاً لغيره فصارَ أجنبياً عنه، لو كان العامل هو المضاف لقلنا هذا ليسَ بأجنبي هذا قريب، وأما إذا كان معمولاً لغيره هذا صار دخيلاً. ويُعنى به معمول غير مضاف فاعلاً كان كقوله:

أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ ... إِذْ نَجَلاهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلاَ أَنْجَبَ أَيَّامَ: أيام: مُضاف، إذ نجلاهُ: مضاف إليه، والداه: فاعل أنجبَ، ففصلَ بينَ (أيام إذ نجلاه) بقوله: والداه، و (والداه) ليسَ معمولاً لا للمضاف ولا للمضاف إليه، فصارَ أجنبياً عنه، (أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ إِذْ نَجَلاهُ)، أيام إذ نجلاه: أيام مضاف، وإذ نجلاه مضاف إليه، فصلَ بينهما بـ (والداه) وهو فاعل أنجبَ، حينئذٍ صار معمولاً لغيره. أي أنجبَ والداه به أيام إذ نجلاه، أو مفعولاً كقوله: (تَسْقِى امْتِيَاحاً نَدَى المِسْوَاكَ رِيَقتِهَا) بالكسر. أي: (تسقي ندى ريقتِها المسواكَ) بالنصب، فحينئذٍ فصلَ بين المضاف والمضاف إليه بمفعول ليسَ للمضاف، تسقي المسواك: المسواك هذا مفعول لتسقي. ندى المسواك ريقتِها: فصل بين (ندى ريقتها) بالمسواك وهو مفعول لتسقي. أو ظرفاً كقوله: (كما خطّ الكتاب بكفِّ يوماً يهودي)، (بكفِّ يهودي يوماً) فصلَ بين (كف ويهودي) بـ"يوماً"، وهو ليسَ معمولاً لكف ولا للمضاف إليه. هذه المسألة الأولى وهو: الفصل بالأجنبي، وأشارَ إليها بقوله: وَاضْطِرَاراً وُجِدَا بِأَجْنَبِيٍّ. أَوْ بِنَعْتٍ. المسألة الثانية: الفصل بنعت المضاف كقوله: نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيفَه ... مِنْ ابنِ أَبي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ من ابنِ أبي طالب شيخِ الأباطح، هذا الأصل، من ابنِ أبي طالب فصلَ بين (ابن أبي طالب) بـ (شَيخِ الأَبَاطِحِ)، وهذا نعتٌ للمضاف، والعاملُ ليس هو المضاف، العامل في المضاف هو العامل في النعت؛ لأن العامل في النعت هو العامل في المنعوت، فصارَ أجنبياً. إذن الفصلُ بنعت المضاف كقوله: مِنْ ابنِ أَبي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ. أي: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح. الثالثة: الفصلُ بالنداء كقوله: (كَأَنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامِ ... زَيْدٍ)، والأصل: كأن برذون يا أبا عصام زيد، فصلَ بينَ (برذون) وهو مضاف و (زيد) وهو مضاف إليه. وهذه ستة مسائل ذكرَها الناظم بقي مسألة واحدة من المختصّ بالضرورة وهي السابعة، الفصل بفاعل المضاف كقوله: (وَلاَ عَدِمْنَا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ ... ). إذن قوله: فَصْلَ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ مَفْعُولاً أَوْ ظَرْفاً أَجِزْ، أشارَ به إلى ما جازُ أن يفصلَ بين المضاف والمضاف إليه وهو كون الفاصلِ معمولاً للمضاف. وزادَ المسألة الثالثة وهي قوله: وَلَمْ يُعَبْ، فَصْلُ يَمِينٍ. وهذه كلها مسائل في السعة، يعني يجوزُ في سعة الكلام. وَاضْطِرَاراً وُجِدَا: يعني ووجد اضطراراً؛ لأجلِ الاضطرار الفصل بأجنبي من المضاف أو بنعت للمضاف أو نداء، يعني جملة مُنفصلة وقعت بينَ المضاف والمضاف إليه. قال: أجازَ المصنف أن يفصلَ في الاختيار بينَ المضاف الذي هو شبه الفعل، والمراد به المصدر واسم الفاعل، إذن خصّصَ الشارح هنا شبهَ فعلٍ بقوله: المصدر واسم الفاعل. والمضاف إليه بما نصبهَ المضاف مِن مفعول به أو ظرف أو شبهه، وهو الجار والمجرور، يعني متوسّعون في هذه التسمية.

فمثال ما فصلَ فيه بينهما بمفعول المضاف الآية: ((وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ)) [الأنعام:137]، ومثال ما فُصلَ فيه بين المضاف والمضاف إليه بظرف، وفُهِم منه جوازُ الفصل بالمجرور إذ الظرف والمجرور من وادٍ واحد، بظرف نصبه المضاف الذي هو مصدر ما حكي عن بعض من يُوثَق بعربيته ((تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا سَعْيٌ لَهَا فِي رَدَاهَا). ومثال ما فصلَ فيه بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المضاف الذي هو اسم فاعل، قراءةُ بعض السلف: ((فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ)) [إبراهيم:47]. ومثالُ الفصل بشبهِ الظرف حديث: {هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي} هل تاركو صاحبي، وهذا معنى قوله: فَصْلَ مُضَافٍ .. إلى آخره، وجاءَ الفصلُ أيضاً في الاختيار بالقسم حكى الكسائي (هذا غلام والله زيد)، ولهذا قال المصنف: وَلَمْ يُعَبْ فَصْلُ يَمِينٍ. وأشارَ بقوله: (وَاضْطِرَاراً وُجِدَا) إلى أنه قد جاءَ الفصلُ بينَ المضاف والمضاف إليه في الضرورة بأجنبي مِن المضاف، وبنعت المضاف وبالنداء .. ثلاث مسائل، وبقي الرابعة وهي الفصل بفاعل المضاف. فمثال الأجنبي: كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً ... يَهُوِدىٍّ يُقَارِبُ أوْ يُزِيلُ ففصلَ بـ يوماً بين كفِّ ويهودي وهو أجنبي مِن (كفِّ) لأنه معمول لـ (خط). ومثال النعت قوله: نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيفَه ... مِنْ ابنِ أَبي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ الأصل من ابن أبي طالب شيخ الأباطح، وكذلك قول الشاعر: وَلَئِنْ حَلَفْتُ على يَدَيكِ لأحلفَنْ ... بَيَمِينِ أصْدَقِ من يمينِكِ مُقْسِمِ بيمين مقسم أصدق من يمينك، فُصلَ بينهما بالنعت. ومثال النداء قوله: (وفاقُ كَعْبُ بُجَير) يعني: يا كعبُ، وفاق بجير، مضاف ومضاف إليه، (يا كعب) هذا نداء. خاتمة: قال في شرح الكافية: المضاف إلى الشيء يتكملُ بما أُضيف إليه، يعني يكون المضاف إليه مُكمّلاً للمضاف، مكمّلاً لمعناه، ولذلك قلنا العامل وهو المضاف إنما عمِلَ مع كونه جامداً، والأصلُ في الجامد لا يعمل، وإنما يعملُ المشتق الذي فيه رائحة الفعل، والمضاف (غلام زيد)، (غلام) ليسَ فيه رائحة الفعل، لماذا عملَ؟ لكونه أشبهَ اسم الفاعل في الافتقار والطلب لما بعده. إذن المضاف إلى الشيء يتكملُ بما أُضيف إليه تكمل الموصول بصلته، كما أن الموصولَ لا يتمّ معناه سواء كان موصولاً حرفياً أو اسمياً، لا يتكمل معناه إلا بما بعده .. بالصلة، سواء كانت جملة أو لا. والصلةُ لا تعملُ في الموصول ولا فيما قبله، وكذا المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبلَ المضاف. إذن: ينزلُ المضافُ مع المضاف إليه منزلةَ الصلة مع صلته، في كون المضاف إليه لا يعملُ في المضاف، كذلك لا يعملُ فيما قبل المضاف، فلا يجوزُ في نحو (أنا مثلُ ضاربٍ زيداً)، مثل: مضاف، وضارب: مضاف إليه، زيداً: معمول لأي شيء؟ لضارب وهو مضاف إليه، هل يجوزُ أن يتقدّم زيداً على مثل؟ أنا زيداً مثل ضارب؟ نقول: لا يجوزُ، كما أن معمولَ الصلة لا تتقدّم على الصلة، كذلك معمولُ المضاف إليه لا يتقدّم على المضاف.

فلا يجوزُ في نحو: (أنا مثل ضاربٍ زيداً) أن يتقدم (زيداً) على (مثل) وإن كان المضافُ غيراً، إن كان المضاف لفظ (غير)، وقُصِد بها النفي، ومتى يُقصَد بها النفي؟ بأن صحَّ حلولُ حرف النفي والمضارع محل (غير) ومخفوضها، يعني إذا صحَّ أن يُؤتى بلفظ المضارع مع حرف نفي موضع (غير) قلنا: غير هذه أُريد بها النفي، إن قُصِد بها النفي جازَ أن يتقدَّمَ عليها معمول ما أُضيفت إليه كما يتقدَّمُ معمول المنفي بلا، فأجازوا (أنا زيداً غير ضارب)، أنا غيرُ ضاربٍ زيداً، غير: مضاف، وضارب: مضاف إليه، وزيداً: معمول له، جازَ أن يتقدّم (أنا زيداً غير ضارب)، لماذا جازَ في هذا ولم يجز في الأول؟ لأن غير هنا مُضمّنة معنى النفي وهو صحةُ حلول حرف النفي مع المضارع. فأجازوا (أنا زيداً غير ضارب)، كما يقال: (أنا زيداً لا أضرب)، هنا يتقدّم المعمول لا إشكال فيه، لأنه فعلٌ والفعل يتصرّف في معموله بالتقدم والتأخر، بخلاف (لن)، (لن) لا يتقدّم عليها معمولها، أما (لا) فيجوز، يعني: لن أضرب زيداً، (زيداً لن أضرب) هذا ممنوع، أما (لا أضرب زيداً) (زيداً لا أضرب) هذا جائز. ومنه قوله تعالى: ((عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)) [المدثر:10] غيرُ يسيرٍ على الكافرين، قلنا الأصل أنه لا يتقدَّم معمول المضاف إليه، وهنا تقدَّم معموله (على الكافرين) هذا متعلق بقوله يسير، فتقدم عليه، دلَّ على الجواز. فإن لم يقصد بغير النفي لم يتقدَّم عليها معموليها، معمولي ما أُضيفت إليه، فلا يجوز في قولك: (قاموا غير ضارب زيداً)، هل يصحّ أن تقدم: (قاموا زيداً غير ضارب)؟ لا يجوزُ، لماذا؟ لأن غير هنا ليست مُضمّنة معنى النفي، حينئذٍ لا يصح أن يحل محلها في هذا التركيب حرف نفي مع الفعل المضارع. قاموا زيداً غير ضارب، هذا لا يصح؛ لعدم قصد النفي بغير. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ثم قال الناظم: المُضَافُ إِلَى يَاءِ المُتَكَلِّمْ. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين ... !!!

77

عناصر الدرس * شرح الترجمة (المضاف إلى ياء المتكلم) ـ * حكم ياء المتكلم وحكم آخر ماأضيف إليه * شرح الترجمة (إعمال المصدر) وتعريفه * حالات عمل المصدر وشروط العمل. * اسم المصدر وعمله. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: المُضَافُ إِلى يَاءِ المُتَكَلِّمْ. هذا تابعٌ لما سبق؛ لأنه داخلٌ في الإضافة، ولكن فصلَه لتميزه ببعض الأحكام، إذن أفردَ هذا الباب بالذكر لأن فيه أحكاماً ليست في الباب الذي قبله، لأن الأصلَ في المضاف أن يكونَ حكمُه الإعرابَ بحسب العوامل المقتضية له السابقة عليه، فإن تسلّطَ عليه عاملٌ يقتضي رفْعَه رفَعَه، وإن تسلّط عليه عامل يقتضي نصْبَه نصَبَه، وهكذا في الجر. فحينئذٍ الأصلُ فيه ظهور الإعراب، ولكن هنا الحكم يختلفُ، إذا قيل: غلامِي، سبق مراراً أن المضاف إلى ياء المتكلم يجب أن يكون آخر المضاف مكسوراً؛ لأنه لا يناسب الياء إلا الكسر. وهذا فيه مذاهب، لكن المشهور أنه مُعرَب مُطلَقاً رفعاً ونصباً وخفضاً، تقول: هذا غلامِ، جاء غلامِ، غلام: فاعل مرفوع ورفعُهُ ضمةٌ مقدّرة على الميم، على آخر المضاف. لماذا مُقدّرة؟ لأنه مضاف إلى ياء المتكلم، فحينئذٍ انشغلَ المضاف آخره بحركة مُناسبة الياء؛ لأن الياء لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مكسوراً، فحينئذٍ قُدّرت الضمة وقُدّرت الفتحة في نحو (رأيتُ غلامي)، وقُدّرت الكسرة على الصحيح في نحو (مررت بغلامِ)، هذه الكسرة ليست كسرة إعراب، إنما هي كسرة بنية يعني لمناسبة الياء. إذن لهذه المناسبة أفردَ الناظمُ المضافَ إلى ياء المتكلم، وسبقَ الكلام في ياء المتكلم عند قوله: وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ التُزِمْ ... نُونُ وِقَايَةٍ ............... قلنا هي بالإجماع اسمٌ هنا وليست حرفاً. المُضَافُ إِلى يَاءِ المُتَكَلِّمْ: أي هذا باب المضاف إلى ياء المتكلم آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ إِذَا ... لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ كَرَامٍ وَقَذَى أَوْ يَكُ كَابْنَيْنِ وَزَيْدِيْنَ فَذِي ... جَمِيعُهَا اليَا بَعْدُ فَتْحُهَا احْتُذِي وَتُدْغَمُ اليَا فِيهِ وَالوَاوُ وَإِنْ ... مَا قَبْلَ وَاوٍ ضُمَّ فَاكْسِرْهُ يَهُنْ وَأَلِفَاً سَلِّمْ وَفِي الْمَقْصُورِ عَنْ ... هُذَيْلٍ انْقِلاَبُهَا يَاءً حَسَنْ حُكمان شهيران عَنوَنَ للأول بقوله: آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ، ثم خصَّ أربعة أنواع لأنه لا يُكسر ما قبل الآخر، إِذَا لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ، أَوْ يَكُ كابْنَيْنِ وَزَيْدِيْنَ فَذِي -الأربعة- جَمِيعُهَا اليَا. إذن تم حكمان أو حكم واحد، واستثنى منه هذه الأنواع الأربعة. آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا: أي ياء؟ ياء المتكلم، فـ (أل) هنا حينئذٍ تكونُ للعهد الذكري، أي الياء المذكورة في الترجمة، وهذا أولى من جعلِ المكودي بأنها مُحتملة للياء الذي في قوله: (وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ) هذا بعيد، مشوار بينهما، يحتمل هذا وذاك، لكن ما دامَ أنه ذكرَ الياء في الترجمة لا ينبغي العدول إلى فاصل بعيد فنقول: (وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الفِعْلِ التُزِمْ) لا، ما دامَ أنه قال: المُضاف إلى ياء المتكلم إذن آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا المذكورة في الترجمة وهي ياء المتكلم، حينئذٍ (أل) للعهد الذكري.

آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ: وجوباً؛ لأن (اكسِر) هذا فعل أمر، والأمرُ يقتضي الوجوب، حينئذٍ يجبُ كسرُ آخره، والعلة في ذلك مناسبة الياء؛ لأن ما قبلَ الياء يلزم أن يكون مكسوراً، فالانتقالُ من الضم إلى الياء فيه ثِقل، والانتقال من الفتح إلى الياء كذلك فيه ثِقل، وحينئذٍلم يبقَ إلا الكسر، فالكسرُ من جنس الياء، ولذلك قيلَ الياء عبارةٌ عن كسرتين؛ لأنها كسرة مُشبعة مثل الفتحة والألف، نقول: الألف عبارة عن فتحتين؛ لأنها ألفٌ مشبعة والواو عبارة عن حركتين؛ لأنها ضمّة مُشبعة، هذا المشهور عند النحاة. إذن: آخِرَ مَا أُضِيفَ: آخِرَ هذا بالنصب مفعول مُقدّم لقوله: اكسِر، اكسِر وجوباً آخِر ما أُضيف يعني المضاف، ما أُضيف الذي أُضيف يعني المضاف؛ لأن (ما) هنا موصولة، والموصول مع صلته في قوة المشتق، آخر المضاف كأنه قال: اكسر آخر المضاف، وآخر المضاف هو حرف الإعراب، (مَا أُضِيفَ لِلْيَا) الياء السابقة، والعلة ما ذكرناها. هذا حكمٌ عام، أنه يجب كسرُ ما قبلَ آخر ياء المتكلم، وأما ياء المتكلم فإذا لم يكن واحدٌ من الأربعة المستثناة حينئذٍ يجوزُ فيها خمسة أوجه، لكن المشهور الإسكان للياء والفتح، فتقول: غلامي، كتابي .. غلاميَ كتابيَ، فحينئذٍ نقول: غلامي، هذا اكسر آخره؛ لأنه أُضيف إلى ياء المتكلم؛ لأنه لا يُناسبه إلا الكسر، اكسره مطلقاً سواء رُكّب مع عامل يقتضي الرفع، أو رُكّب مع عامل يقتضي النصب، أو رُكّب مع عامل يقتضي الخفض؛ فتقول: جاء غلامي، غلامي فاعل مرفوع ورفعه ضمة مُقدّرة على آخره منعَ من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة، وغلامُ مضاف والياء ضمير مُتصل مبني على السكون في محل خفض مضاف إليه. كذلك (رأيت غلامي)، غلامي: مفعول به منصوب ونصبه فتحةٌ مقدرةٌ على آخره، منعَ من ظهوره اشتغالُ المحل بحركة المناسبة، (غلامي) مضاف والياء مضاف إليه في محل خفض. (مررت بغلامي) الباء حرف جرّ، وغلامي هنا مخفوض في اللفظ، فلذلك اختلفَ النحاة وهذا الخلاف قويّ؛ لأن الكسرة هذه هل هي كسرة الباء أم أنها كسرة الياء؟ وجهان؛ اختارَ ابنُ مالك في التسهيل أنها كسرةُ الباء، والصواب أنها كسرة الياء يعني: كسرة مناسبة للياء، فحينئذٍ أشبهَ ما تكون بحركة بنية، لماذا؟ لأن التركيبَ سابق على دخول العامل، وإذا كان سابقاً حينئذٍ اقتضى الياء كسر ما قبله، يعني آخر المضاف، ثم دخلَ العامل، هذا الذي يُتصوّر في الذهن، ركّبت أولاً (غلامي)، ثم بعد ذلك قلت: مررتُ بغلامي، إذن لما دخلَ الحرف .. حرفُ الجر على (غلامي) دخل عليه وهو مضاف ومضاف إليه، إذن حصلَ التركيب أولاً فكُسِر آخر المضاف ثانياً، ثم دخلَ العامل ثالثاً فوجدَ الحرف مكسوراً فحينئذٍ لا يمكن أن يحدثَ كَسراً آخر، لأن الحرف الواحد المحل الواحد لا يتحرّك بحركتين: حركة مناسبة وحركة إعراب؛ لا، فحينئذٍ نُقدّر الكسر هذا هو الصحيح وهذا المقتضي القياس. آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ: هذا حكمٌ آخر المضاف، وأما المضافُ إليه فهو الياء، واللغة المشهورة فيه الفتح والإسكان، فتقول: غلاميَ بتحريك الياء بالفتح،

وغلامي، كتابيَ، كتابيْ بالإسكان والفتح، استثنى أربعة أنواع: لا يُكسر ما قبل آخره وهي المعتل وهذا يشملُ نوعين: المقصور والمنقوص. والثالث: أو يكُ مثنى كابنين. الرابع: أن يكن جمعاً على حد المثنى كزيدين، هذه الأربعة لا يُكسَر ما قبلها. وحركة الياء كذلك يتعيّنُ فيها الفتح. آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ إِذَا لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ: إذا هذا شرط، إذا لم يكُ مُعتلاً .. لم يكن حذفت النون هنا للتخفيف. ومِن مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ وَهْوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ إِذَا لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ: يعني في الاصطلاح النحوي وهو ما كان آخره حرفاً من حروف العلة، بشرط أن يكون ما قبله حركة من جنس الحرف، حينئذٍ (إِذَا لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ) نقولُ بالاصطلاح النحوي وهو ما آخِره حرفُ علة قبلها حركة مجانسة له. فخرجَ (دلْو وضْبي)، دلو: آخره واو قبلها سكون، وليست حرف علة، حينئذٍ نقول: هذا يجري مجرى الصحيح، فحكمُه حكمُ قوله: آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ، فتقول: دلوي، ضبيي، ثديي .. إلى آخره. حينئذٍ إذا كانَ آخر الكلمة حرف من حروف العلة وما قبله لم يكن من جنسه، يعني حركة ليست من جنس الحرف، الواو يناسِبُه ما قبلها الضمة، والياء يناسبها ما قبلها الكسرة، والألفُ تلزم الفتحة، حينئذٍ خرجَ نحو: دلو، وضبي، يعني ما لم يكن المضاف إلى الياء مُعتلّ الآخر، وشملَ نوعين: المقصور والمنقوص، ولذا أتى بمثالين قالَ: كَرَامٍ، أصلُها رامي، هذه كقاضي، والمنقوص سبق بيانه. وَسَمِّ مُعْتَلاًّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا ... كَالْمُصْطَفَى وَالمُرتْقَيِ مَكَارِمَا وبيّنا حكمَه فيما سبق، وعرفنا حقيقةَ المنقوص، ما كان آخره ياء لازمة قبلها كسرة. والمقصور كذلك كـ (قذى) وهو ما يقعُ في العين، هذا مقصور آخِره ألفٌ لازمة قبلها فتحة، وهذا سبقت بيانُ حدودِه، (أَوْ يَكُ كابْنَيْنِ) يعني أو يكن مثنى كابنين، والمراد بابنين هنا مثال للمثنى، أو جمعاً مذكراً سالم أو جمعاً على حدّ المثنى كزيدين. حينئذٍ إذا لم يكن واحداً من هذه الأربعة اكسِر آخره، فيشملُ أربعة أنواع: المفرد الصحيح كغلامِ، ويدخلُ فيه المفرد المعتل الجاري مجرى الصحيح كدلو وضبي، ويدخلُ فيه جمعُ التكسير بنوعيه: غلمانِ وهنودِ وزيودِ، ويدخلُ فيه جمع المؤنث السالم، مسلمات وفتيات وفاطمات، فحينئذٍ نقول: هذه الأربعة الأنواع يُكسَر ما قبل آخره، من أين أخذناها؟ من الاستثناء لأن الاستثناء معيار العموم؛ لأنه قال: (إِذَا لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ) استثنى المعتل بنوعيه المنقوص، والمقصور، والمثنى، وجمع المذكر السالم، ماذا بقي؟ المفرد غلام، إذن إذا أضفتَه اكسِر آخرَه تقول: غلامي، كذلك المفرد الجاري المعتل الآخر، يعني آخره حرفُ علة لكنه لم يكن ما قبلَه من جنس الواو أو الياء، فحينئذٍ يجري مجرى الصحيح، فتقول: دلوي، وغلامي، ونحو ذلك، وضبيي، وكذلك الثالث جمعُ المؤنث السالم تقول: مسلمات وفتيات. الرابع: جمعُ التكسيرُ تقول: غلمانِ، وزيودِ، وهنودِ .. بنوعيه المؤنث والمذكر.

إذن: آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ وجوباً، هذا يشملُ أربعة أنواع، استثنى أربعة أنواع، عرفنا هذه الأربعة بالاستثناء، (إِذَا لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ) مقصوراً أو منقوصاً، (أَوْ يَكُ كَابْنَيْنِ) وهذا المراد به المثنى، أو (وَزَيْدِيْنَ) وهذا المراد به جمعُ المذكر السالم، فَذِي الفاء فاء الفصيحة، ما حكمُ هذه المستثنيات: المعتل والمثنى وجمع التصحيح؟ قال: فَذِي، كأنه ثم سؤالٌ مُقدّر، فوقعت الفاء هذه في الجواب، فَذِي الأربعة، ذي اسم إشارة (جَمِيعُهُا اليَا بَعْدُ فَتْحُهَا احْتُذِي) هذا تركيب عجيب. فذي مبتدأ أول، وجميعها التوكيد، والياء مبتدأ ثاني، وفتحها مبتدأ ثالث، ثلاثة مبتدءات، وجوّزَ بعضهم جميعه أن يكونَ مُبتدأ ثانياً، والياء مبتدأ ثالث وفتحها مبتدأ رابع أربع مبتدءات. (احْتُذِي) هذه جملة في محلّ رفع خبر المبتدأ الثالث أو الرابع فَتْحُهَا، وفَتْحُهَا احْتُذِي مبتدأ وخبر في محلّ رفع خبر المبتدأ الثاني أو الثالث الذي هو الياء، و (اليَا بَعْدُ فَتْحُهَا احْتُذِي) مبتدأ وجملة الخبر في محل رفع خبر المتبدأ الذي هو (ذي)، أو جميعها، وجميعها والخبر في محلّ رفع خبر المبتدأ الأول الذي هو ذي، إذن أربعة مُبتدءات أو ثلاثة يجوز فيها، فذي الأربعة جميعها هذا تأكيد، (اليَا) أي ياء؟ ياء المتكلم بعد: يعني بعدها، حُذِف المضاف إليه ونُوِي معناه، بعدها .. بعد، فَتْحُهَا فتح الياء، (احْتُذِي) أي اتبع، وهنا لم يجوِّز وجهاً ثانياً، فقال: احتُذي أي اتبع ما نُقلَ فيه عن العرب، وإذا نُقلَ عن العرب مقالٌ واحد حينئذٍ لا يجوزُ التعدد، وإذا كان كذلك صارَ الفتح واجباً لأنه لم ينص على الوجوب، والفتح واجب، كقوله: اكسِر آخر ما أُضيف لليا، وسكتَ عن الياء لأن الحكم مأخوذ من قوله: (فَذِي جَمِيعُهَا اليَا بَعْدُ فَتْحُهَا) إذن يَتعيّنُ الفتح، مفهومه أن الياء في قوله: آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا. يجوزُ فيه الوجهان، ولا يجبُ الفتح بل الأصل هو السكون. إذن للمخالف إثباتُ الحكم .. للمخالف للمستثنى المعتل وما عُطِف عليه حكم الياء أنه واجب الفتح، مفهومُه أن ما قبلَه المستثنى منه أنه لا يجبُ فيه الفتح، بل يجوزُ فيه الوجهان، فحينئذٍ إذا قيل لك: قوله: آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ، بيّنَ لك حكمَ المضاف أنه يُكسَر آخره، ولم يتكلّم عن الياء، ما حكمُ الياء؟ هو سكتَ عن الياء، لكن بالمفهوم تأخذُ حكم الياء، وهو أنه يجوزُ فتحها والأصل فيها الإسكان، من أين أخذنا هذا الحكم؟ لأنه ذكرَ حكم المستثنى وهو المعتل والمثنى والجمع، قال: يجبُ فتح الياء، فلما عيّنَ فتح الياء في المستثنى دلَّ على أن ما قبلَ إذا لم يك معتلاً يجوزُ فيه الوجهان وهو جواز الفتح مع الإسكان. فذي الأربعة، فُهِم منه تخصيص الياء في هذه المواضع أن الياء في غيرها لا يجبُ فتحُها بل يجوزُ فتحها وسكونها. جَمِيعُهَا تأكيد، فَذِي جَمِيعُهَا، اليَا بَعْدُ بعدَها .. بعد المعتل المنقوص وبعدَ المقصور وبعدَ المثنى وبعدَ جمع التصحيح إذا أُضيف واحد من هذه الأربعة إلى الياء، فَتْحُهَا احْتُذِي: اتبع.

فتقول: هذا راميَ، راميَ بفتح الياء، مع إدغام الياء في الياء كما سيأتي، وتقول: هذا قاضيَ، وهذا قذيَ .. وتقول: هذان غلامَيَ وزيديَ ومسلميَ .. كلها بالإدغام مع فتح الياء، والكلام في الياء التي تكون ثانياً. إذن فَذِي جَمِيعُهَا اليَا بَعْدُ فَتْحُهَا احْتُذِي، بعد: أي بعدَها، حال من الياء وهو مُتعلّق بقوله: احتذي، ويجوزُ جعلُ جميعها مبتدأ ثانياً، والياء مبتدأ ثالثاً، وفتحها مبتدأ رابعاً على التصريف الذي ذكرناه. اليَا بَعْدُ فَتْحُهَا احْتُذِي. وَتُدْغَمُ اليَا فِيهِ، وَتُدْغَمُ اليَا يعني: ياء المنقوص وياء المقصور وياء المثنى في حالة نصبه وجره، وكذلك جمع التصحيح تدغم فيه، يعني في ياء المتكلم. وَتُدْغَمُ اليَا: أي ياء؟ ياء المنقوص، وياء المقصور، وياء المثنى، وياء الجمع، فيه: أي في الياء المذكورة، وهي ياءُ المتكلم، وإنما ذكَرَه فِيهِ ولم يقل: فيها لتأويله باللفظ. ثم قال: وَالوَاوُ: والواو كذلك، تُدغَم فيه يعني: في الياء، لكن ليست تُدغَم فيه مع كونها واواً، لا، تقلب الواو ياء ثم تدغم الياء في الياء. وَإِنْ مَا قَبْلَ وَاوٍ ضُمَّ فَاكْسِرْهُ يَهُنْ: فتقول: مسلمون لي مسلمِيَ، أصلها مسلموي واو ساكنة وياء ساكنة، قُلِبت الواو ياء، إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون وجَبَ قلبُ المتقدم، إن كان ياء قلب واواً والعكس، هنا الواو ساكنة فوجبَ قلبها ياء، ثم أُدغمت الياء في الياء، لكن بقيت مُشكلة وهي: ضمةُ الميم، مسلموي، هذا الأصل مُسلمُيّ هذا ثقيل، ولو أبقيناها لرجعت الياء إلى أصلها، يعني قُلِبت واواً؛ لأن الياء الساكنة المضموم ما قبلَها يجبُ قلبها واواً، ثم تقلب الواو ياء، فحينئذٍ فراراً من هذا نقلبُ الضمة كسرة، فنقول: مُسلمِي، أصلها مسلمُي، هذا الذي عناهُ هنا: (وَإِنْ مَا قَبْلَ وَاوٍ ضُمَّ) مثل: مسلمُي، ضمّ اكسِره، حينئذٍ تقول: مُسلمي، لماذا؟ طلباً للتخفيف، ولئلا تنقلبُ الياء واواً. يَهُنْ: يعني يسهل، هانَ يهون يعني: يسهلُ النطق بالكلمة. وَتُدْغَمُ اليَا فِيهِ: عرفنا المراد يعني: ياء المتكلم وياء المنقوص والمقصور، حينئذٍ تُدغَم في ماذا؟ في ياء المتكلم، وَالوَاوُ بالرفع، يعني الواو كذلك، أو وكذا الواو، لكن بعدَ قلبها ياء، ليست هكذا هي واو لا، بعد قلبها ياء، ولم يذكره المصنف اكتفاء بأخذِهِ من قوله: وَإِنْ مَا قَبْلَ وَاوٍ ضُمَّ، أي: وكذا الواو من المجموع حال رفعه وفُهِم منه وجوبُ قلب الواو ياء؛ لأن الحرف لا يُدغَم إلا في مثله، هذا واضح بيّن. وَإِنْ مَا قَبْلَ وَاوٍ ضُمَّ: فإن لم يُضم بقي على حاله، مصطفَي مصطفاوي، هذا الأصل واو ساكنة ثم بعدها ياء، قُلبت الواو ياء، فأُدغمت الياء في الياء، فصارَ مُصطفي، هل فيه ثِقل؟ ليس فيه ثِقل، حينئذٍ يبقى. إذن قوله: وَإِنْ مَا قَبْلَ وَاوٍ ضُمَّ. مُسلمُي مسلمِي، تَقلَب الضمة كسرة، وإذا كان مفتوحاً يُبَِقى على حاله، فتقول: مصطفَي. فَاكْسِرْهُ يَهُنْ: فاكسِره هذا أمرٌ وهو يقتضي الوجوب، فإن لم يَنضم بل انفتحَ بقي على فتحه نحو: مصطفون فتقول: جاء مصطفي.

آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ إِذَا لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ. إذن استثنى من هذه القاعدة: آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ. استثنى أربعة أنواع، هذه الأربعة آخرها واجب السكون، يعني ما قبل الياء ما حكمُه؟ ساكن، واجب السكون والياء معَها واجبة الفتح، إذن واجب السكون آخِر ما أُضيف سكّن، والياء نفسها افتحها وجوباً في الموضعين، في آخر المضاف سكّنه وهذا واجب، في المواضع الأربعة، والياء نفسُها وجبَ فتحها بخلاف الأربعة المواضع المفرد، والذي هو كالصحيح، وجمع التكسير بنوعيه، وجمع المؤنث .. آخِره اكسره، والياء يجوزُ فيها الوجهان، هي خمسة أوجه لكن المشهور وجهان. إذن هذه الأربعة آخرها واجبُ السكون والياء معها واجبةُ الفتح، وإنما وجبَ سكونها –تعليل-؛ لأن آخرها لا يقبل الحركة؛ لأن رامي لا يقبل الحركة لا لذاته وإنما للثقل؛ لأننا حذَفنا حركةَ الإعراب، حينئذٍ يمتنعُ أن يحرّكها بحركة عارضة، لأن الأصل أنه يظهرُ الإعراب نطقاً على الياء، لما تعذّر للثقل حذفنا الضمة والكسرة، فإذا حذفنا الضمةَ والكسرة، حينئذٍ لا يمكن أن نُحرّك الياء بكسرة عارضة. إذن آخرها لا يقبل الحركة، فآخرُ المقصور والمثنى المرفوع ألف، وهو لا يقبلُ الحركة، وآخر المنقوص والمثنى المجرور والمنصوب وجمع المذكر السالم ياء، واجبة الإدغام في ياء المتكلم، والحرف المدغم في مثله لا يقبل الحركة، إذن سُكّن آخر المضاف في هذه الأربعة لكونه لا يقبل الحركة. وَأَلِفاً سَلِّمْ: سلّم ألفاً، يعني اتركها سالمة لا تَقلِبها، وهذا في المثنى في حالة الرفع، والمقصور (فتايَ، عصايَ) تبقى كما هي، (غلاماي). أي: اتركها على حالها، وشمِلَ المقصور نحو: (فتايَ، وعصايَ)، والمثنى في حال الرفع (هذان غلاماي)، هذا لغة جمهور العرب أنه في حالة الألف في المثنى رفعاً إذا أُضيفَ لياء المتكلم تبقى الألفُ كما هي لا تقلبها، والمقصور كذلك إذا أُضيف إلى ياء المتكلم حينئذٍ تبقى كما هي، فتقول: (فتايَ، وعصايَ، وغلامايَ) بإثبات الألف، هذه لغة الجمهور، وهذيل -قبيلة- يُبدِلون ألف المقصور ياءً دون ألف المثنى، ألف المقصور فقط، ولذلك قالوا: وَفِي الْمَقْصُورِ عَنْ هُذَيْلٍ انْقِلاَبُهَا يَاءً حَسَنْ، في المقصور لا في غيره، وهو المثنى في حالة الرفع، فهو خاصٌّ بحالة واحدة، وهذيل يُبدلون ألف المقصور ياء، ويُدغمونها في ياء المتكلم، ولذلك قال: (وَفِي الْمَقْصُورِ) يعني: لا في ألف المثنى فلا تُبدَل عندهم، (عَنْ هُذَيْلٍ) خاصة (انْقِلاَبُهَا) مبتدأ (يَاءً) هذا مفعول لقوله: انقلاب لأنه مصدر. (انْقِلاَبُهَا يَاءً حَسَنْ) حَسَنٌ هذا خبرُ المبتدأ، يَاءً مفعول به أو بنزع الخافض، يعني لياء، حسن نحو: عصا، يقولون: (عصَيَّ، فتَيَّ، هوَيَّ) يعني بقلب الألف ياء، أصلُها عصا، فتى، ألف .. تُقلَب الألف ياء، ثم تُدغَم الياء في الياء فيقال: عصيَّ وهويَّ. وَأَلِفَاً سَلِّمْ وَفِي الْمَقْصُورِ عَنْ ... هُذَيْلٍ انْقِلاَبُهَا يَاءً حَسَنْ يعني هذه الألف، وَأَلِفاً سَلِّمْ من الانقلاب سواء كانت للتثنية نحو (يداي) أو للمحمول على التثنية نحو (ثنتاي) بالاتفاق، أو آخر المقصور نحو: (عصاي) على المشهور.

قال الشارح: يُكسَر آخر المضاف إلى ياء المتكلم، إذن آخرُ المضاف وجبَ فيه الكسر، وأما الياء نفسها فهذه المشهور فيها لغتان: الإسكان والفتح، أما الإسكان هذا الأصل لأنه مبني وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا، هذا الأصل فيه، وأما الفتح قالوا: لأنه على حرف واحد، ياء حرف مبني على حرف واحد، والأصل في المبني إذا كان على حرف واحد أن يكونَ محركاً، وأخفُّ الحركات هي الفتحة، فصارَ على أصل آخر. والفتح هو الأصل الثاني؛ لأن الأصل في المبني الذي وضعَ على حرف واحد أن يكون مُتحركاً والفتحة أخفُّ الحركات، ومع جواز الإسكان والفتح في ياء المتكلم فالإسكان أكثر وأشهر. فيه لغة ثالثة وهي قليلة، أقلّ من اللغتين السابقتين، وهي: حذفُ الياء مع بقاء كسرة المضاف، تقول: جاء غلامِ، بكسر الميم مع حذف الياء، هذه لغة، هذه قُرئ بها كذلك، والرابعة: قلبها ألفاً بعدَ فتح ما قبلها، تقول: غلامِيَ الأصل هذا، تقلب الكسرة فتحة، فحينئذٍ تقول: تحرّكت الياء وانفتحَ ما قبلَها فوجبَ قلبها ألفاً فصار (غلامَ)، وقيل منه: ((يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ)) [الزمر:56] أصلها يا حسرتي، ثم قُلبت الكسرة فتحة فتحرّكت الياء وانفتح ما قبلَها، فقلبت ألفاً، صار ((يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ)) أصلها: يا حسرتي. الخامسة: حذفُها وإبقاء الفتحة (يا حسرتَ) يعني تُحذَف الألف كما حُذفت الياء وإبقاء الكسرة، لتدلَّ عليه، كذلك تحذف الألف تقول: يا غلامَ، بفتح الميم لتدلَّ على الألف المحذوفة، أصلها يا غلاما، هذه الوجوه عامة في باب النداء وفي غيره. يُكسَر آخر المضاف إلى ياء المتكلم إن لم يكن مقصوراً ولا منقوصاً ولا مثنى ولا مجموعاً جمع سلامة لمذكر، فذي الأربعة هذه مُستثناة، كالمفرد كغلام، وجمعي التكسير الصحيحين، النحاة يعنونون لجمع التكسير بلفظ واحد، وقد يُقسِّمونه إلى قسمين، يعني يقولون: جمع التكسير نوعان: جمع تكسير لمذكر كزيود، وجمع تكسير لمؤنث كهنود، ولذلك قال هنا: وجمعي التكسير، يقصد به المذكر والمؤنث، فتقول: هنودِ، وزيودِ. وجمع السلامةِ للمؤنث، والمعتل الجاري مجرى الصحيح، والمرادُ به ما كان آخره حرفَ علة وقبله ساكن نحو: (غلامي وغلماني وفتياتي ودلوي وظبيي، وهنداتي وأخواتي)، وإن كان مُعتلاً يعني آخره حرفَ علة؛ فإما أن يكونَ مقصوراً أو منقوصاً، فإن كان منقوصاً أُدغمت ياؤه في ياء المتكلم (هذا قاضِيَّ، هذا رامِيَّ)؛ هذا مبتدأ وقاضِيَّ خبر مرفوع، ورفعه ضمة مُقدّرة على الياء المدغمة في ياء المتكلم. إذن نقول: هذا قاضِيَّ، مرفوع بضمة مُقدّرة على ما قبلَ ياء المتكلم منعَ من ظهوره اشتغال المحل بسكون الواجب لأجل الإدغام لا الاستثقال كما هو حكمه في غير هذه الحالة. إذن نقول: مُقدّر، والمانعُ منه هو الإسكان، ومحلّ الإعراب هو الياء، أين الياء؟ مُدغمة في الياء .. ياء المتكلم.

أُدغمت ياؤه في ياء المتكلم، وفُتحت ياء المتكلم وجوباً، (فَذِي جَمِيعُهَا اليَا بَعْدُ فَتْحُهَا احْتُذِي)؛ فتقول (قاضي) رفعاً ونصباً وجراً، وكذلك تفعلُ بالمثنى وجمع المذكر السالم في حالة الجر والنصب، فتقول: (رأيت غلامَيَ وزيديَ، ومررتُ بغلاميَ وزيديَ)، والأصل بغلامين لي وزيدين لي، فحُذفت اللام تخفيفاً، والنون لأجل الإضافة فقيل: غلامَي، ثم جاءت الياء، والياء ساكنة، فأدغمت الياء في الياء. وزيدين لي، حُذفت اللام تخفيفاً، والنون للإضافة، فقيل: (زيدي)، ثم جاءت الياء، الأولى ساكنة والثانية مفتوحة .. واجبة الفتح، إذن اجتمعَ مِثلان؛ الأول ساكن والثاني مُتحرّك فوجبَ إدغامُ الاول في الثاني، ثم أُدغمت الياء في الياء وفُتحت ياء المتكلم. وأما جمعُ المذكر السالم في حالة الرفع فتقول فيه أيضاً: (جاء زيدي ومسلمي) كما تقول في حالة النصب والجر، والأصل (زيدوي ومسلموي)، اجتمعت الواو والياء، أصلُها (زيدون لي ومسلمون لي)، فلمّا أُريدَ التخفيف حُذفت اللام والنون؛ لأجل الإضافة صارَ (زيدوي ومسلموي)، حينئذٍ قُلبت الواو ياء، لماذا؟ للقاعدة: اجتمعت الواو والياء وسُبقت إحداهما بالسكون فقُلبت الواو ياء، ثم هي ساكنة والثاني مُتحركة فوجبَ إدغامُها، ثم جاءت علة وهي كونها مضمومة .. الميم مُسلمُي، حينئذٍ وجبَ قلبُ الضمة كسرة، لتناسبَ الياء لتصحّ؛ لأنها لو لم تُقلب لقُلبت الياء واواً؛ لأن الياء الساكن إذا ضُمّ ما قبلَها وجبَ قلبها واواً، فترجع إلى الأصل، ونحن نريدُ الفرار من الواو إلى الياء من أجلِ الإدغام. والأصل (زيدوي ومسلموي)، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فقُلبت الواو ياء وأُدغمت الياء المنقلبة عن الواو في ياء المتكلم، ثم قُلبت الضمة كسرة، لماذا؟ لتصحّ الياء، لذلك علَّلَهُ الشارح .. لتصحّ الياء، أي ياء؟ المنقلبة عن الواو، حينئذٍ علامةُ الرفعِ الواو المنقلبة ياء للموجب، فتقول: جاءَ مسلمي، مسلمي فاعل مرفوع ورفعه الواو المنقلبة ياء، حينئذٍ تكونُ الواو مُقدّرة، وهذا ذكرناه في جمع المذكر السالم هناك، مسلمي، نقول: هذا إعرابه بحرف مُقدّر، أينَ الحرف؟ هو الواو، وليست هي الياء، قد يقولُ قائل: مرفوع والياء هذه هي علامة الإعراب، نقول: لا، جمعُ المذكر السالم يُعرب رفعاً بالواو لا بالياء، وهذه الياء إنما هي ياءٌ تصريفية، يعني الذي جاءَ بها هو تطبيقُ القواعد الصرفية؛ فهي فرع لا أصل، والإعراب يكون بالواو. ثم قُلبت الضمةُ كسرة، هذا صريحٌ في أن هذا بعدَ قلب الواو ياء وقيل العكس، لتصحّ الياء أي المنقلبة، فصارَ اللفظ (زيدي)، وأما المثنى في حالة الرفع فتسلَمُ ألفُه وتُفتح ياء المتكلم بعده فتقول: (زيداي وغلاماي) عند جميع العرب. وأما المقصور فالمشهور في لغة العرب جعله كالمثنى المرفوع فتقول: (عصاي وفتاي)، وهذيل تقلب ألفه ياءً وتُدغمها في ياء المتكلم وتفتح ياءَ المتكلم فتقول (عصيَّ)، هذا حكاها عيسى بن عمر عن قريش و (فتي ورحي) قال شاعرهم: سَبَقُوا هَوَيَّ وأعنَقُوا لِهَواهُمُ ... فَتُخُرِّمُوا ولكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ هوي: هواي هذا الأصل، فقُلبت الألفُ ياء ثم أُدغمت الياء في الياء هوي.

فالحاصلُ أن ياءَ المتكلم تفتح مع المنقوص كراميَ والمقصور كعصايَ والمثنى كـ (غلامايَ) رفعاً وغلاميَ نصباً وجراً، وجمع المذكر السالم كـ (زيديَ) رفعاً ونصباً وجراً، وندَرَ إسكانها أي الياء في قراءة نافع وَمَحْيَايْ، وكسرها بعدَها في قراءة الأعمش والحسن (هِيَ عَصَايِ) يعني بكسرِ الياء، وهو مُطرد في لغة بني يربوع في الياء المضاف إليها جمع المذكر السالم، وعليه قراءة حمزة (بِمُصْرِخِيِّ إِنِّي)، الأصل فيها (بمصرخيَّ) لأنه جمعُ مذكر سالم أُضيف إلى ياء المتكلم، فالقاعدة ما هي؟ وجوبُ فتحِ الياء، لكن هنا كُسرت (بِمُصْرِخِيِّ إِنِّي). فالياء مُدغَم فيها الفصيحُ الشائع فيها الفتحُ، وكسرُها لغة قليلة حكاها أبو عمرو بن العلاء والفراء وقطرب، وبها قرأ حمزة في الآية السابقة. وكَسَرَ ياء (عصايِ)، الحسن، وأبو عمرو في شاذه وهو أضعف من الكسر مع التشديد. وهذا معنى قوله: فَذِي جَمِيعُهَا اليَا بَعْدُ فَتْحُهَا احْتُذِي. وأشارَ بقوله: وَتُدْغَمُ إلى أن الواو في جمع المذكر السالم والياء في المنقوص وجمع المذكر السالم والمثنى تُدغَم في ياء المتكلم، وأشارَ بقوله: وَإِنْ مَا قَبْلَ وَاوٍ ضُمَّ إلى أن ما قبلَ واو الجمع إن انضمَّ، ليسَ دائماً مضموماً يعني لفظاً، وإلا الأصلُ يكونُ مُقدراً. عندَ وجودِ الواو يجب كسرُهُ عندَ قلبها ياء لتسلم الياء، فإن لم ينضمّ بل انفتح بقيَ على فتحه نحو: مصطفون فتقول: مصطفيَّ، جاء مصطفيَّ. في المضاف إلى ياء المتكلم حيث الإعراب والبناء أربعة مذاهب، (غلامي): المذهب الأول: أنه مُعرَب بحركات مُقدّرة في الأحوال الثلاثة رفعاً ونصباً وخفضاً، وهو مذهب الجمهور، وهذا هو الصحيح، أنه مُعرب في حالة الرفع بضمة مُقدّرة منعَ من ظهوره اشتغالَ المحل بحركة المناسبة، وكذلك في حالة النصب كالرفع، وكذلك في حال الخفض على الصحيح. المذهب الثاني: أنه مُعرب في الرفع والنصب بحركة مُقدّرة، وفي الجر بكسرة ظاهرة، واختارَه ابنُ مالك في التسهيل، يعني فصَّل قال: (جاء غلامي، ورأيت غلامي) الحركتان مُقدرتان، وأما مررتُ بغلامي فالحركة ظاهرة، الباء حرفُ جرّ، وغلام مجرور بالباء وجرُّه كسرة ظاهرة، لأنا لا نحتاجُ إلى التقدير؛ وُجِدت الكسرة فهي أولى، الصواب لا، أن الكسرة هذه سابقة على دخول العامل. المذهب الثالث: مبني وإليه ذهب الجرجاني، لماذا مبني؟ لأنه لازم حالة واحدة، وهذا شأنُ المبني تقول: (جاءت حذامي، ورأيت حذامي، ومررت بحذامي)، (جاء غلامي، ورأيت غلامي، ومررت بغلامي) إذن هذا مبني، وهذا ضعيف. والمذهب الرابع: لا معرب ولا مبني، وإليه ذهب ابن جني، ذهبَ إلى أنه لا معرب ولا مبني، لماذا لا معرب؟ لأنه لو كان معرباً لظهرت الضمة في قوله: جاء غلامي، ولظهرت الفتحة في قوله: رأيتُ غلامي، ولا مبني لأنه لا يوجد فيه سببُ البناء كالشبه الوضعي، والمعنوي، والافتقاري .. إلى آخره. فلما انتفى سببُ البناء ولم يوجد أثر الإعراب قال: لا معرب ولا مبني، حينئذٍ يكون واسطة بين المعرب والمبني.

إذن: آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ. وجوباً، هذه قاعدة عامة وهي الأصل، وحركة الياء تكون الفتح أو الإسكان على المشهور في لغة العرب، مع الثلاثة الأحوال الأخرى. إِذَا لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ: منقوصاً أو مقصوراً. أو يك مثنى أو جمع مذكر سالم. فَذِي الأربعة جَمِيعُهَا بلا استثناء اليَا يعني ياء المتكلم بَعْدُ بعد الياء بعد ذكرها، (فَتْحُهَا احْتُذِي) اتبع، وإذا كان كذلك صارَ واجباً؛ لأنه لم يُنقل خلافه. وَتُدْغَمُ اليَا فِيهِ، يعني ياء المنقوص، وياء المثنى في حالتي النصب والجر، وياء جمع المذكر السالم في حالتي النصب والجر، وَالوَاوُ كذلك لكن بعد قلبها ياء. وإِنْ مَا قَبْلَ وَاوٍ ضُمَّ فَاكْسِرْهُ: فإن لم يَنضمّ حينئذٍ بقِّهِ على فتحه. وَأَلِفاً سَلِّمْ: يعني ألف المقصور، وألف المثنى في حالة الرفع سلِّمه يعني اتركه على حاله، لا تقلبه. وَفِي الْمَقْصُورِ عَنْ هُذَيْلٍ انْقِلاَبُهَا يَاءً حَسَنْ: لغة العرب الشهيرة إبقاء ياء المقصور، فتقول: (فتايَ وعصايَ)، حينئذٍ يتعينُ تحريك الياء، إلا في (محيايْ) قراءة خاصة، وإلا في لغة العرب أنه يجبُ التحريك للتخلص من التقاء الساكنين، (فتاي) ألف ساكنة والياء ساكنة، حينئذٍ يتعينُ تحريك الياء هذا مما جرى فيه على خلاف الأصل؛ لأن الأصل أنه يُحرّك السابق .. الساكن الأول، وهنا عُكسَ حينئذٍ هذا مستثنى. عَنْ هُذَيْلٍ انْقِلاَبُهَا يَاءً حَسَنْ. إِعْمَالُ المَصْدَرِ أي هذا باب إعمال المصدر. سبقَ بيانُ المصدر ما هو، وأنه الاسم الدالُّ على الحدث الجاري مجرى فعله. اَلْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ... مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ اَلْمَصْدَرُ اسْمُ، مدلوله هو الحدث، إذن هو اسم الحدث، كالضرب هذا لفظ، مدلوله نفس الضرب والقتل هذا اسم، مدلوله نفس الحدث الذي هو القتل. إذن هو الاسمُ الدالُّ على الحدث الجاري مجرى فعله، سبقَ بيانُه من حيث هو، والآن سيتحدثُ الناظم عن إعماله؛ لأنه يعملُ عمل الفعل يعني يرفع إن احتاج إلى فاعل، وينصبُ إن احتاج إلى مفعول به، فنقول: يرفعُ إن احتاج إلى فاعل لأنه يجوزُ حذف المصدر كما سيأتي، قد لا يجبُ ذكره كالفعل، حينئذٍ نقول: يعملُ عملَ الفعل، هل يعملُ عملَ الفعل لأنه أشبهَ الفعل أو لأنه هو أصل الفعل؟ قولان للنحاة: المشهور: أنه أشبه الفعل والفعل لازم ومتعدي. فحينئذٍ إذا أشبهَ الفعل اللازم رفع ولم ينصب، وإذا أشبه الفعلَ المتعدي؛ فإما أن يتعدّى إلى واحد أو اثنين أو إلى ثلاثة، حينئذٍ يعملُ عملَ الفعل المتعدي فقد ينصبُ مفعولاً أو اثنين أو ثلاثة، هذا المشهور عند النحاة، والصحيح أنه إنما أُعمِل لكونه أصل الفعل، وإلا الأصل فيه السماع، يعني العرب أعملَت المصدر إعمال الفعل وسبقَ أن المصدر أصل للفعل، وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ انْتُخِبْ.

حينئذٍ يرِدُ الإشكال كيفَ يكون أصلاً والفعل فرعٌ، ثم يُشَبَّه الأصلَ بالفرع في العمل؟ هذا محلّ إشكال لا جوابَ عليه، ولذلك التعليل بكونه يعملُ لكونه أصلاً للفعل والفعل يعملُ فأصله من بابٍ أولى أحرى هذا بالتعليل من أن يُقال بأنه أشبهَ الفعل، كيف أشبَهَ الفعل؟ يعني حُمِل على الفعل، إذن الأصل حملُ على الفرع، أيّهما وُجِد أولاً؟ هذا كحملِ الأب على الابن، والأصلُ أن يُحمل الابن على الأب. إذن في إعمال المصدر علتان: لماذا أُعمِل؟ لأنه جامد، ولذلك سبقَ: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ، لماذا قلنا هو سماعي؟ لأن الأصل في الحال أن تكون مُشتقّة، والجامد ليسَ بمشتقّ، ومنه المصدر، وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ، كان الأولى أن يصفَ به وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ. هنا الأصلُ في المصدر أن لا يعملَ، فحينئذٍ لما أُعمل لا بدّ من بحثٍ عن علة إعماله، القول بأنه أصلٌ للفعل والفعل يعمل، وما كان أصلاً للعامل والفعل أصلُ العواملِ هو أولى بالعمل وأحرى، بدلاً من أن يُقال أشبه الفعل. إِعْمَالُ المَصْدَرِ أي: هذا باب إعمال المصدر. بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ في الْعَمَلْ ... مُضَافاً اَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ ... مَحَلَّهُ وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ أَلحق المصدرَ بفعله في العمل، فقولُه أَلْحِقْ هذا فعل أمر، والْمَصْدَرَ مفعول به مُقدّم عليه، وبِفِعْلِهِ جار ومجرور مُتعلق بقوله: أَلْحِقْ، و (في الْعَمَلْ) كذلك مُتعلق بقوله: أَلْحِقْ. بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ في الْعَمَلْ: يعني أن المصدر يلحق في العمل بفعله الذي اشتُقّ منه، في رفعِ الفاعل إن كان لازماً؛ لأن الفعلَ إما أن يكون لازماً وإما أن يكون متعدياً، فيُلحَق المصدرُ بالفعل اللازم، والفعلُ اللازم يرفعُ فاعلاً، فكذلك المصدر يرفعُ فاعلاً نحو: عجبتُ من قيام زيد، قيام هذا مصدر، فعله (قام)، (قام) يرفعُ فاعلاً تقول: (قامَ زيدٌ) مثله المصدر، كما تقول: (قام زيدٌ) يرفع ولا ينصب، كذلك القيام الذي هو مصدر نقول: هذا يرفع، (عجبتُ من قيام زيد)، أين الرفع؟ هنا أُضيف المصدر إلى فاعله ولو قيل: (عجبتُ من قيامٍ زيدٌ) لصحّ كذلك. كما تقول: (عجبت من ضربٍ زيدٌ عمراً) بالتنوين، زيدٌ هذا فاعل، وعمراً مفعول به، (عجبتُ من قيامٍ زيدٌ) لا إشكال فيه، (من قيامِ زيدٍ) نقول هذا الأصل، حينئذٍ أُضيف المصدر إلى الفاعل، هل تعدى .. نصب مفعولاً به؟ الجواب: لا، لماذا؟ لكونه أُلحِق بفعله في العمل، والفعل (قام) لازم يرفع فاعلاً ولا يتعدى إلى مفعول. وفي رفع الفاعل ونصب المفعول إن كان متعدياً لواحد، (عجبت من ضرب زيدٍ عمراً)، عجبتُ من ضرب، ضرب: مصدر، (زيدٍ) أضيف المصدر إلى فاعله، وعمراً هذا مفعول به، ومنه قوله تعالى: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:251] (الناس) هذا مفعول به.

(عجبت من ضرب زيد عمراً)، ويتعدّى بحرف الجرّ إن كان فعله يتعدّى بذلك الحرف نحو: (أعجبني مرورٌ بزيد)، مرورٌ بزيد تعدى بالباء، لماذا؟ لكون مرّ الفعل يتعدى بالباء، مررتُ بزيد، مرورٌ بزيد، ويتعدّى إلى مفعولين إن كان فعله كذلك نحو: عجبتُ من إعطاء زيدٍ عمراً درهماً، إعطاء مصدر، أعطى يُعطي إعطاءً، أُضيف إلى الفاعل من إعطاء زيد، عمراً درهماً، عمراً مفعول أول، ودرهماً مفعول ثاني. هنا نصبَ المصدرُ مفعولين بعد إضافته إلى الفاعل، لماذا؟ لكونِ أعطى الفعل يتعدّى إلى مفعولين، وكذلك المتعدّي إلى ثلاثة نحو: عجبتُ من إعلام زيدٍ عمراً بكراً شاخصاً، عجبتُ من إعلام أعلم يُعلم. إِلى ثَلاَثةٍ رَأَى وَعَلِمَا ... عَدَّوْا إِذَا صَارَ أَرَى وَأعْلَمَا إذن مصدر أعلمَ يتعدّى إلى ثلاثة؛ لأن الفعل منه أعلمَ يتعدّى إلى ثلاثة، عجبتُ من إعلام زيدٍ عمراً بكراً شاخصاً .. هذه ثلاثة مفاعيل. وهذا كله مُستفاد من قول الناظم: بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ فى الْعَمَلْ. إذن: بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ. ألحق المصدر بفعله تعدّياً ولزوماً -هذه قاعدة عامة- تعدّياً ولزوماً، فإن كان فعله مشتق، المشتق منه لازماً فهو لازم يعني المصدر لازم، وإن كان مُتعدياً فهو متعدٍّ إلى ما يتعدّى إليه بنفسه أو بحرف جرّ، فإن تعددت المفاعيل تعددت المفاعيل كذلك، ويخالف المصدر فعله في أمرين: الأول: أن في رفعه النائب عن الفاعل خلافاً، الفعل يرفعُ نائب فاعل أو لا؟ يرفع لا إشكال فيه (ضُرب زيد)، (يُضرب زيدٌ). زيدٌ: نائب فاعل في المثالين، المصدر هل يرفعُ نائب فاعل؟ هذا فيه خلاف. إذن لم يختلف في الفعل في كونه يرفعُ نائب فاعل، واختُلف في المصدر. أن في رفعه النائب عن الفاعل خلافاً، ومذهبُ البصريين جوازُه، ووجه المنع وهو مذهب الأخفش ما فيه من الإلباس؛ لأنك إذا قلتَ مثلاً: عجبتُ من ضربٍ عمروٌ، وأردتَ بضرب مضروب، حينئذٍ عمروٌ هل هو فاعل أو مفعول؟ هذا فيه لبس، وإذا كان كذلك فالأصل فيه المنع. إذا قلت مثلاً: عجبتُ من ضربٍ عمروٌ، تبادر إلى الذهن المبني إلى الفاعل. وقال أبو حيان: يجوزُ إذا كان فعلُه مُلازماً للبناء، يعني يجوزُ أن يرفعَ المصدر نائب فاعل إذا كان فعله ملازماً للبناء، سيأتينا بعض الأفعال لم يُسمَع لها مبنياً للمعلوم مثل: زُكم، فُعِل. الأصلُ أنه زَكم، هل سُمِع (زَكم) كـ (ضَرب)؟ لم يُسمع، وإنما سمع ابتداء (زُكم)، ولذلك اختلفَ البصريون والكوفيون، هل فُعِل أصل أم فرع؟ الكوفيون على أنه أصل، ولذلك الأفعال عندهم أربعة، فَعَلَ، وفَعِلَ، وفَعُلَ، وفُعِلَ .. أربعة أصول، وعندَ البصريين ثلاثة: فَعَلَ، وفَعِلَ، وفَعُلَ كلّها بفتح الفاء، وليسَ عندَهم فُعِلَ بضم الفاء، وإنما هي مُلازمة للفتح، فحينئذٍ هل هو أصل أم فرع؟ نقول: هو فرع هذا الصواب، إذا كان فرعاً يستلزمُ أصلاً، يعني (ضُرب) يستلزم (ضَرب)، و (يُضرب) يستلزم (يَضرب)، فسُمع بعض الفروع ولم يُسمع لها أصول، كزُكم لم يسمع زَكم، أبو حيان يرى أنه إذا كان الفعل مبنياً للمعلوم ولم يُسمع له أصل وهو المبني للمعلوم جازَ في مصدره أن يَرفعَ نائب فاعل، وما عداه فلا، إذن تفصيل بين المسألتين.

يجوز إذا كان فعله مُلازماً للبناء للمجهول كزُكم لعدم الإلباس حينئذٍ، لا يلتبس، أما (من ضربٍ) نقول: من ضربٍ هذا يُستعمل مبنياً للمعلوم ومغيرَ الصيغة، حينئذٍ يحتمل أما (زُكم) هذا لا يحتمل إلا نائب فاعل. لعدم الإلباس حينئذٍ، إذن أبو حيان فصَّلَ فقال: يجوز إذا كان فعله ملازماً للبناء للمجهول كزُكم لعدم الإلباس حينئذٍ؛ لأنه لا يرفع فاعلاً وإنما يرفع نائبَ فاعل فقط، فيجوزُ أعجبني زكامٌ زيد (زكام) فاعل، و (زيد) هذا نائب فاعل، هل يحتمل أنه فاعل؟ لا، لا يحتمل، لماذا؟ لأن زكام هذا مصدر، فعله زُكم لا يرفع فاعلا، حينئذٍ المصدر يُلحَق بفعله إن رفعَ فاعلاً حينئذٍ يرفع فاعلاً، إن تعيّنَ رفعه لنائب الفاعل، حينئذٍ تعيّنَ، وهذا مثال غريب، فالأقوال ثلاثة حينئذٍ: المنع، الجواز، التفصيل. يعني هل يرفعُ المصدر نائب فاعل؟ قول بالمنع للإلباس، قول بالجواز وهو مذهب جمهور البصريين، التفصيل وهو مذهب أبو حيان، وهذا جيد مذهب أبي حيان، أنه إذا كان الفعل لم يُسمع له أنه رفع فاعلاً وإنما يكون ملازماً للبناء للمجهول جازَ لمصدره أن يرفعَ نائب فاعل؛ لأنه لا يلتبس، وأما (عجبت من ضرب عمرو) على أنه نائب فاعل هذا مُشكل، هذا يوقع في اللبس، إذن يُفارق المصدر فعله في هذين الأمرين. بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ في الْعَمَلْ ... مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ هذا بين لك على الترتيب التنازلي في أن المصدر يعمل مطلقاً، سواء كان مُضافاً إلى غيره .. سواءٌ كان المضاف إليه فاعلاً أو مفعولاً به على التفصيل الآتي، أَوْ مُجَرَّداً يعني من الإضافة وأل، حينئذٍ يعمل، وهذا محل وفاق. أَوْ مَعَ أَلْ: بأن كان مُحلاً بأل. ففي هذه المواضع الثلاث يجوزُ إعمال المصدر، لكنها ليست على مرتبة واحدة، ولذلك قَدّم المضاف لأنه مُتفق على إعماله. أشارَ في النظم إلى الترتيب فإعمال الأول أكثر الذي هو المضاف، وهذا محلّ وفاق بين النحاة أنه يعمل، والثاني أقيس .. المجرد، أقيس لماذا؟ قالوا: لأنه .. والعلة عندهم إنما أعمل المصدر لمشابهته الفعل، وكلما تجرّدَ المصدر عن أل والإضافة -ومعلوم أن أل والإضافة من خصائص الأسماء-، كلّما تجرد عنهما ازدادَ قربه بالفعل؛ لأنَّ الفعل في قوة النكرة، بل في معنى النكرة، وكذلك المجرد هو نكرة. حينئذٍ إذا أُضيف التبسَ به ما هو من خصائص الأسماء فأبعده الشبه، كذلك إذا حُلِّي بأل نقول: اتصلَ به ما هو من خصائص الأسماء، حينئذٍ ابتعدَ عن الفعل، ولذلك كانت على الترتيب، وإن كانَ الأصل أن المجرد هو الذي يكون أكثر، لكن سُمِع من جهة نقل العرب إعمال المضاف أكثر مِن المجرد، مع كون المجرد أقيس من المضاف؛ لأن الأصل في المضاف أن لا يعمل، وإن عملَ فعمله يكون قليلاً وضعيفاً؛ لأنه تلبّس به ما هو من خصائص الأسماء.

كذلك المحلى بأل، الأصلُ فيه أنه لا يعملُ لأنه اتصل به ما هو من خصائص الأسماء وإنما أُعملَ المصدر لمشابهته الفعل، وهذا يدلّ على أن التعليل بالمشابهة فيها ضعف؛ لأنه سُمع إعلام المضاف أكثر من إعمال المجرّد، والمضاف هذا ليسَ فيه شبهٌ بالفعل؛ لأنه بعيدٌ عن الفعل بالإضافة؛ لأنّه من خصائص الأسماء. إن سُمِع على قلة الإعمال المحلى بأل، والأصلُ فيه أنه لا يعمل، دلَّ على أن تعليل النحاة بأن المصدر إنما أُعمِل لمشابهته للفعل فيها ضعف، بل الصواب أنه أصل للفعل، وعلى كل هو سماعي. بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ في الْعَمَلْ ... مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا: أن المصدرية وقال بعضهم: المخففة من الثقيلة كذلك، فـ (أن) تشمل النوعين، والمشهورُ عندَ النحاة (أن) المصدرية، أو (ما) المصدرية. إِنْ كَانَ فِعْلٌ: كَانَ ناقصة، فِعْلٌ اسم كان، مَعَ أَنْ: مَعَ مضاف، وأَنْ مضاف إليه قُصِد لفظه، أَوْ للتنويع والتقسيم، (ما) المصدرية معطوف على قوله: (أن) يعني مع (ما) المصدرية. يَحُلّ: خبر كان، ظاهرُه أن هذا القيد شرطٌ في إعمال المصدر؛ لأنه قال: أَلحق المصدر بفعله في العمل إن كان -فهو قيد فيه-، فإن لم يكن فلا تلحقه بالفعل، أليسَ مفهوم الشرط أنه إذا قيّده بشرط فحينئذٍ يدورُ معه وجوداً وعدماً، فكأنه قال: ألحقه بفعله في العمل إن كان يُقدر المصدر بفعل مع (أن) المصدرية أو (ما) المصدرية، فإن صحّ التقدير أُلحق به، فإن لم يصحّ التقدير فلا عمل، هذا ظاهره، أنه شرطٌ. ظاهره أنه شرط لازم، وقد جعلَه في التسهيل غالباً، يعني ليسَ بشرط مُطّرد، بل هو أمر أغلبي. وقال في الشرح -شرح التسهيل-: وليسَ تقديره بأحد الثلاثة شرطاً في عمله، بأحدِ الثلاثة الله أعلم يريد به (أن) المصدرية و (ما) المصدرية و (أن) المخففة من الثقيلة. وليس تقديرُه بأحدِ الثلاثة شرطاً في عمله، ولكنَّ الغالب أن يكون كذلك، وإن كان أكثرُ المتأخرين على جعله شرطاً أساسياً، لكن نُقِل إعمال المصدر مع عدمِ صحة إحلال (أن) أو (ما) مع الفعل محلّ المصدر، فحينئذٍ يتعيّنُ أن يكونَ شرطاً لكنه ليس بشرطٍ مُطرد، وإنما هو شرط أغلبي، يعني في كثير من الأحوال أن لا يعمل المصدر إلا إذا صحّ أن يحلّ محله .. مكانه (أن) والفعل أو (ما) والفعل، فإن لم يكن كذلك صحَّ لكن في قلة، يعني قليل، قد يُعبر عنه بأنه على قبح. ليسَ تقديره بأحدِ الثلاثة شرطاً في عمل، ولكن الغالب أن يكون كذلك، بدليل عمله مع امتناعِ التقدير بذلك نحو: (ضربي زيداً قائماً)، هنا يمتنعُ أن يأتي ضربي في محلّه (أن يضرب) أو (أن ضربت) أو (ما ضربت) يمتنع؛ لأن (ضربي زيداً قائماً)، قائماً قلنا هذه حال، ضربي زيدٌ قائماً، إذ كان زيدٌ قائماً، إذا كان زيدٌ قائم، وكان يمتنع أن يحلّ بعدها (أن) المصدرية أو (ما) المصدرية؛ لأن ما بعدها مبتدأ، والمبتدأ لا يكون كذلك.

كذلك قوله: وإنَّ إكرامك زيداً حسن، إن أكرامك زيداً (زيداً) هذا مفعول لقوله: إكرام وهو مصدر، هل يصحّ أن يحلّ محلّه (أن) المصدرية أو (ما) المصدرية مع الفعل؟ لا، لماذا؟ إنَّ إكرامك هل يصحّ أن يتلو (إنَّ) (أن) المصدرية أو (ما) المصدرية؟ لا يصحّ، حينئذٍ يتعيّنُ أن يكون المصدر هنا قد عمِلَ مع تخلّف الشرط، ولذلك يُريد أن يستدلّ ابنُ مالك رحمه الله بإعمال المصدر معِ امتناع تحقق الشرط؛ لأنه قال: إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ مَحَلَّهُ. قلنا هذا أغلبي ليسَ بشرط، وحمله كثير من المتأخرين على أنه شرط مُطرد. فابنُ مالك يقول في بعض المواضع: يعمل المصدر ويمتنعُ أن يحلّ محله (أن) المصدرية أو (ما) المصدرية، ومن أبرزها (إن إكرامك زيداً حسن)، (إكرامك) هذا لا يصحُّ أن يحلّ محلّه (أن) المصدرية مع الفعل أو (ما) المصدرية، لماذا؟ لأن (إن) هذه خاصّة بالمبتدأ، فلا يصحُّ أن يقال: إن ما ضربت، هذا باطل لا يصح التقدير. كذلك قوله: وكان تعظيمك زيداً حسناً، كالقول فيه. في هذه الأمثلة الثلاثة يمتنعُ أن يحلّ محلّ المصدر (أن) المصدرية أو (ما) المصدرية. إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ مَحَلَّهُ: إن صحّ تقديره على ظاهر النظم فحينئذٍ صحّ إعماله، وإن لم يصحّ فحينئذٍ لا يصح إعماله. قال الشارح: يعملُ المصدر عمل الفعل في موضعين: أحدهما -هذا اختُلف فيه-: أن يكونَ نائباً مناب الفعل، وهذا سبقَ في باب المفعول المطلق. ضرباً زيداً، اضرب ضرباً، ضرباً هذا أُقيم مقامَ اضرب، وزيداً قيلَ هذا معمول لـ (ضرباً) وقيل للفعل المحذوف، وهل هذا قياس أم لا؟ هذا سبقَ البحث فيه. أن يكونَ نائباً مناب الفعل يعني بدلاً مِن اللفظ بفعله. ضرباً زيداً، فزيداً منصوب بضرباً لنيابته منابَ (اضرب) وفيه ضمير مُستتر مرفوع به كما في اضرب وقد تقدّمَ ذلك في باب المصدر. وذهبَ ابنُ هشام إلى أنه منصوب بفعل مُضمر ليس بالمصدر. ضرباً زيداً، زيداً هذا مفعولٌ به لفعل محذوف يُفسّره المذكور، يعني: اضرب زيداً، ليَس هو الذي حذف؛ لأن الذي حُذف أُقيم ضرباً مقامه، حينئذٍ صارَ كالعوض عنه، بل عوضٌ عنه، فحينئذٍ لا يجمعُ بين العوض والمعوض عنه. بقي الكلام في زيداً، فحينئذٍ هل هو منصوبٌ بضرباً أو منصوب بفعل مُضمر؟ اختار ابنُ مالك أنه منصوب بضرباً وذهبَ ابنُ هشام إلى أنه بفعل مضمر. واختُلِف فيه فقيل: لا ينقاس عملُه، وقيل: ينقاس في الأمر والدعاء والاستفهام فقط، وقيل: والإنشاء، هذا ذهب معنا. والموضع الثاني وهو المراد هنا: أن يكونَ المصدر مُقدّراً بـ (أن) مصدرية، والفعل، أو بـ (ما) المصدرية والفعل وهو المراد بهذا الفصل فيُقدّر بأن إذا أُريد المضي أو الاستقبال. إذا أُريد بالمصدر المضي .. الزمن الماضي أو الاستقبال قُدّر بـ (أن). (عجبتُ من ضربك زيداً أمس)، (عجبت من ضربك زيداً غداً)، (عجبت من أن ضربت زيداً أمس)، تُقدّر في الماضي (أن) والفعل الماضي، وفي المستقبل (عجبت من أن تضرب زيداً غداً)، تُقدّر (أن) والفعل المضارع. إذن إذا أُريد المضي أو الاستقبال قدّرت (أن)، إذن (أن) أو (ما) ليست بالخيار في كل محلّ.

إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ، وإنما باختلاف المراد من الزمن، يعني زمن المصدر، إن كان المراد به الماضي أو الاستقبال قدّرته بـ (أن)، ثم إذا أُريد المضي جعلتَ الفعل معه ماضياً، وإن أردتَ الاستقبال جعلتَه معه مضارعاً. والتقدير: مِن أن ضربت زيداً أمس، أو من أن تضرب زيداً غداً، ويُقدّر بما إذا أُريد به الحال: عجبتُ من ضربك زيداً، عجبتُ مما تضرب زيداً الآن، إذا أُريد به الحال جئت بـ (ما) مع الفعل المضارع، وهل يمكن مع الفعل الماضي؟ لا؛ لأن الذي يدلُّ على الحال هو الفعل المضارع. وهذا المصدر المقدّر يعملُ في ثلاثة أحوال مضافاً نحو: عجبتُ من ضربك زيداً، ومجرّداً عن الإضافة وأل وهو المنون (ضربٍ ضربٌ ضرباً)، حينئذٍ نقولُ: هذا مضاف، هذا مجرّد عن الإضافة، ومحلىً بالألف واللام: (عجبتُ من الضرب زيداً)، ولا خلاف في إعمال المضاف، وإنما الاختلافُ واقعٌ في المحلى بـ (أل)، أما المضافُ فهذا محلّ وفاقٍ بينَ النحاة أنه يعملُ، والمجرد أجازَهُ البصريون ومنعَهُ الكوفيون، إذا كان مُجرّداً، فإن وقعَ بعده مرفوع أو منصوب فهو عندَهم بفعل مُضمر يدلّ عليه المصدر المذكور، هذا إذا كان مجرّداً، (عجبت من ضربٍ زيدٌ عمراً)، حينئذٍ نجعلُ (زيدٌ) فاعلاً لفعل محذوف، وهو العاملُ في المفعول به .. الناصب زيداً، وأما ضربٍ المصدر هذا قالوا: لا يعمل، هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه إذا جُوّز إعمال .. أولاً: السماع، سُمع إعمالُه مجرداً، ثانياً: إذا جُوّز مع المضاف وكانت العلة عند جماهير النحاة أنها مشابهة الفعل، فالمجرّد من باب أولى وأحرى، لذلك قال بعضُهم: الأول أكثر والثاني أقيس، الذي هو المجرّد، وإن منَعَهُ بعضُ الكوفيين. فإن وقعَ بعدَه مرفوع أو منصوب فهو عندَهم بفعل مضمر، وأما المحلى بـ (أل) هذا أجازه سيبويه، وإلا فيه أربعة مذاهب، يجوزُ إعماله مطلقاً، وإن كانت (أل) تُبعِد شبهه بالفعل لكون (أل) من خصائص الأسماء، وحجّتهم هو الورود والسماع. إذن: الجوازُ مُطلقاً في المحلى بـ (أل). مع كون (أل) تبعده عن مشابهة الفعل، إذن لماذا خالفنا؟ للسماع، السماع هو الأصل في اللغة. الثاني: لا يجوزُ مطلقاً، وهذا يردّه السماع؛ لأن (أل) من خصائص الأسماء، فأبعدت شبهَهُ بالفعل وهو قولُ البغداديين وبعض البصريين. المذهب الثالث: يجوزُ مع قبح، جائز أن يعملَ المصدر محلى بـ (أل) لكنه قبيح، يعني لا يستسيغه الإنسان أن يستعمله في نثر الكلام، وهو قول الفارسي. الرابع: يجوزُ إعماله إذا كانت (أل) فيه معاقبة للتنوين، وهذا رأي ابن طلحة ووافقه أبو حيان، إذا كانت (أل) قائمة مقام التنوين جازَ إعماله، والصوابُ هو الأول: أنه يجوزُ إعماله مطلقاً بلا قُبح للسماع. وإعمالُ المضافِ أكثرُ من إعمال المنون سماعاً، وإن كان إعمالُ المنونِ أقيس؛ لأنه مجرد من (أل) والإضافة.

وإعمالُ المنون أكثر من إعمال المحلى بـ (أل)، ولهذا بدأ المصنف بذكرِ المضاف، ثم المجرد، ثم المحلى، ومن إعمالِ المنون قوله تعالى: ((أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)) [البلد:14] ((يَتِيمًا))، (إطعامه يتيماً) حُذِف الفاعل هنا، قدّره هكذا ابنُ هشام في قطر الندى، هو لا يُقدر لكن من باب الإيضاح ((أَوْ إِطْعَامٌ)) الفاعل محذوف ((يَتِيمًا)) هذا مفعول لقوله: إطعام وهو مصدر. إذن: إطعامٌ منون مجرد عن (أل) ومجرّد عن الإضافة ونصب ورفع، فدلَّ على أنه يعملُ وجاء في فصيح الكلام. فيتيماً منصوب بإطعام، وقول الشاعر: بضرب بالسيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل بضرب بالسيوف رؤوس: (رؤوس) هذا مفعول به لقوله بضربٍ وهو مصدر مُنوّن، ورؤوس: هذا مفعول به، ومن إعماله وهو محلى بـ (أل) قوله: ضَعيفُ النِّكَايَةِ أعْدَاءَهُ (أعْدَاءَهُ) هذا منصوب بالنكاية، وهو مصدر ودخلت عليه (أل). إذن نُقل سماعاً أنه عملَ وهو محلى بـ (أل). وذهب بعضُهم كما ذكرناه سابقاً أن العاملَ فيه محذوف، وهذا نسبَه لابي العباس المبرد إلى أن نصبَ المفعول به بعدَ المصدر المحلى بـ (أل) ليس بالمصدر السابق، وإنما هو بمصدر مُنكّر يُقدّر في الكلام، فتقدير الكلام عندهم ضعيف النكاية نكاية أعداءه، ضعيف؛ لأنه يُحوجِنا إلى التقدير، ثم فيه نوعُ تكلف. وذهبَ أبو سعيد السيرافي إلى أن أعداءه ونحوه منصوب بنزع الخافض، وتقدير الكلام: ضعيف النكاية في أعدائه، وهذا مردود؛ لأن النصب بنزع الخافض سماعي، وعندنا هذه أمر مُطّرد، يعني يأتي في كلام العرب، حينئذٍ نقول: هذا سماعي فلا يُصرف ما نُقل من إعمال المصدر محلى بـ (أل) إلى كون المنصوب به منصوب بنزع الخافض؛ لأنه سماعي. والذي ذكرَه الشارح وابنُ مالك رحمه الله تعالى أنه يعملُ مُطلقاً هو مذهب سيبويه وجمهور النحاة. وقوله: فَإِنَّكَ وَالتَّأْبِينَ عُرْوَةَ بَعْدَمَا ... دَعَاكَ وَأَيْدِينَا إِلَيْهِ شَوَارِعُ وَالتَّأْبِينَ: أبّن يؤبّنُ تأبينَ مصدر، عروة مفعول به، والتأبين مصدر ودخلت عليه (أل). لَقَدْ عَلِمَتْ أُوْلَى المُغِيرة أنَّني ... كَرَرْتُ، فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعَا مِسْمَعَا: هذا اسم رجل، والضرب هذا مصدر محلىً بـ (أل) فنصبه. إذن: إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ مَحَلَّهُ. إن أُريد بالمصدر الدلالة على الحدوث صحَّ أن يكون مُقدّراً بـ (أن) المصدرية أو (ما) المصدرية. إن لم يكن كذلك حينئذٍ ظاهرُ كلامِ الناظم هنا أنه لا يعمل. قالَ بعضُهم: استعمال المصدر في لسان العرب لا يخلو من حالين؛ إما هذا وإما ذاك: الحالة الأولى: أن يُقصَد به ثبوتُ ما يدلّ عليه من الحدث، يعني أن يُراد بالمصدر الثبوت، والحدثُ الأصل فيه الثبوت أو عدم الثبوت؟ الثاني هو الأصل، ولذلك (قامَ يقومُ قم) الحدث الدال عليه بالفعل بأنواعه الثلاث لا يدلّ على الثبوت، هذا هو الأصل. ولذلك الجملة الفعلية والاسمية بينهما فارق من هذه الحيثية، الاسمية تدلُّ على الثبوت والاستمرار، بخلاف الجملة الفعلية؛ لأنه حدثٌ والأصل فيه عدم الثبوت. قد يُراد بالمصدر الدلالة على الثبوت.

الثاني: أن يُقصَد به حدوث ما يدلُّ عليه من الحدث، سواء كان في زمن ماض أو حال أو استقبال، نظرة عامة: أي النوعين الذي يُقدّر بـ (أن) و (ما)؟ الثاني لا الأول. إذن: إذا اعتبرناه شرطاً متى لا يصح إعمال المصدر؟ إذا دلَّ على الثبوت، لماذا؟ لأنه لا يحلّ محلّه (أن) أو (ما) المصدرية، وأما إذا لم يُرد به الثبوت وإنما الدلالة على حدوث الحدث بالأزمنة الثلاثة، حينئذٍ صحَّ أن يحل (أن) أو (ما) محله. فإن أردتَ بالمصدر الأول وهو الدلالة على ثبوتِ ما يدلّ عليه من الحدث، فحينئذٍ لا يصلح لأن يحلّ محلّه فعل لا مع (ما) ولا مع (أن) المصدرية؛ لأن طبيعة الفعل دالة على الحدوث وإن لم تقصده. وإن أردتَ الثاني فعلى التفصيل الذي سبقَ، إن أردتَ المضي أو الاستقبال جئتَ بـ (أن) مع الفعل الماضي في المضي، و (أن) مع الفعل المضارع في الاستقبال، وإن أردتَ الحال، فحينئذٍ تأتي بـ (ما) المصدرية لأنها لا تتعينُ لزمن مُعيّن. وإن أردتَ الثاني وهو الدلالة بالمصدر على حدوثِ ما يدلُّ عليه من الحدث في الزمن الحاضر كان عليك أن تُقدّره بـ (ما) المصدرية، وتُقدّر معها الفعل المضارع؛ لأن (أن) المصدرية لا تصلح هنا. لأنها مع الفعل الماضي تُبقيه على حاله وهو الدلالة على حدوث الحدث في الزمن الماضي، ومع المضارع تخلّصه للدلالة على الاستقبال، فلما لم يمكن الإتيان بها في هذا المحل قُدّر المصدر بـ (أن) في هذه الحالة. حينئذٍ لزمِكَ أن تُقدّره بـ (ما) إذا لم نتمكن من تقديره بـ (أن) لزمنا أن نُقدّره بـ (ما) لأنها صالحة للاستعمال في الأحوال كلها. وإذا أردتَ بالمصدر الدلالة على حدوث الحدث في الزمن الماضي أو في الزمن المستقبل، فإنه حينئذٍ تُقدره بـ (أن) مع الفعل الماضي في الزمن الماضي، وبـ (أن) مع الفعل المضارع في الزمن المستقبل. (إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ مَحَلَّهُ). ثم قال: (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) قبل ذلك: المصدر لا يعملُ إلا بشروط وهي ثمانية ذكرناها فيما سبق، ووصلنا إليها. شروطُ إعمالِ المصدر: إن جعلنا قوله: إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ مَحَلَّهُ، تجعله أولَ شرط في إعمال المصدر، وهذا ظاهر النظم. إذن: الشرطُ الأول: أن يحلَّ محل المصدر (أن) المصدرية مع الفعل، أو (ما) المصدرية مع الفعل. فإن لم يكن كذلك فلا عمل. الثاني: أن يكونَ مُظهَراً، فلو أُضمر لم يعمل، يعني لا يكون ضميراً، الضمير إذا عادَ إلى المصدر فهو في قوّة المصدر، فإذا كان الأمر كذلك، حينئذٍ لا يعملُ الضمير فيما بعده لتأويله بالمصدر؛ لأن مرجعَه يرجع إلى المصدر.

إذن الشرط الثاني: أن يكونَ مُظهراً، فلو أضمر لم يعمل خلافاً للكوفيين، لضعفه بالإضمار بزوالِ حروف الفعل، فلا يجوزُ حينئذٍ (ضربك زيداً حسنٌ وهو عمراً قبيح)، ضربك زيداً حسنٌ (وهو) الضمير يعودُ إلى الضرب، (عمراً) جوّزه الكوفيون لماذا؟ بناء على أن مرجع الضمير هو المصدر، فحينئذٍ أُوّل الضمير بالمصدر فأُعمِل المصدر مُضمراً، والأصل فيه أن يكونَ مُظهراً، مُضمر يعني: أن يكون الضمير عاملاً فيما بعده تنزيلاً له منزلة المصدر؛ لأنه يعود على المصدر، ليس مطلقاً كل ضمير لا، إذا كان الضمير يعود على المصدر فهو في قوة المصدر. هل يعملُ المصدر مُضمراً؛ ضميراً؟ نقول: لا يعمل، خلافاً للكوفيين، فحينئذٍ (ضربك زيداً)، ضربك هذا مظهر، منطوق به بحروفه، زيداً مفعول به لضربك، حسنٌ هذا خبر المبتدأ، وهو أي الضرب السابق عمراً أجازَ الكوفيون نصبه، على أنه هو مصدر، لكنه بالتأويل، فحينئذٍ أُضمِر المصدر، والصوابُ أنه لا يعمل مضمراً. ولا يجوز كذلك (مروري بزيد حسنٌ وهو بعمروٍ قبيح)، مروري بزيد حسنٌ وهو أي: المرور (بعمرو) جار ومجرور مُتعلق بقوله: هو، نقول: هذا لا يصلح، لماذا؟ لأن الضمير هنا وإن أُرجع إلى المصدر إلا أنه لا يعمل؛ لأن المصدر إنما يعمل متى؟ إذا كان مُظهراً، يعني ملفوظاً بحروفه هو، وأما إذا كُني عنه بالضمير فلا، خلافاً للبصريين، وأجازَ ابنُ جني إعماله في المجرور وقياسه في الظرف، فصل بينهما والصواب الأول. الثالث: أن يكون مُكبّراً، فلو صُغِّر لا يعمل. (أعجبني ضُريبُك زيداً)، نقول: لا يعمل، لماذا؟ لأن التصغير من خصائص الأسماء، واغتُفِر في المضاف والمحلى بـ (أل) للسماع، حينئذٍ ما عداهُ يبقى على الأصل، فلو ثُني المصدر لا يعمل، فلو جُمع المصدر لا يعمل، لماذا؟ لأن هذه من خصائص الأسماء، التثنية، والتصغير، والجمع .. من خصائص الأسماء. فإذا ثُني المصدر حينئذٍ نقول: التحق به ما هو من خصائص الأسماء فأبعده عن مشابهة الفعل. أن يكون مُكبّراً فلو صُغِّر لم يعمل لخروجه بالتصغير عن الصيغة التي هي أصل الفعل. وقيل: يعمل مُصغّراً، ويوافقه رويداً زيداً، إذن أعجبني ضُريبك زيداً، نقول: هذا لا يعمل، الصواب أنه لا يعمل. الرابع: أن يكون غير محدود, يعني أن يكونَ دالاً على المرّة، لو كان دالاً على المرّة بالتاء حينئذٍ لا يعمل، فلو حُدّ بالتاء لم يعمل؛ لأن صيغته حينئذٍ ليست الصيغة التي هي أصل الفعل، فلو كانت التاء في أصل بناء المصدر كرحمة ورغبة عمل لعدم الوحدة حينئذٍ، فلا يكون محدوداً. يعني أن لا تتصل به تاء الوحدة (وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ كَجَلْسَهْ)، إذا كان المصدر أصله أنه بالتاء كرغبة ورحمة عمل، وإن لم تكن التاء من أصله حينئذٍ صارَ محدوداً بالتاء فلا يعمل.

الخامس: أن يكونَ غيرَ منعوت قبل تمام عمِلِه، يعني: أن يُنعت لكن يفصل بينه وبين معموله بالنعت، نقول: وصفه بالنعت قبل تمام العمل مُبطِل لإعماله، فالشرطُ فيه أن لا يفصلَ بينه وبين معموله بنعته. أن يكونَ غير منعوت قبل تمام العمل؛ لأن النعت من خصائص الأسماء المبعدة عن الفعل، وإنما لم يؤثر بعد تمام العمل لا إشكال فيه، إذا تم العمل لا إشكال فيه، (أعجبني ضربُ زيدٍ عمراً مبرح)، ضرب مبرح نقول: هذا جائز، لكن (أعجبني ضرب زيدٍ مبرحٌ عمراً) نقول: لا يجوز. إذا فُصلَ بالنعت بينَه وبين معموله بطلَ إعمالُه، إذن وإنما لم يُؤثّر بعد تمام العملِ لضعفه بتأخّره عن استقرار العمل، فلا يجوزُ: (أعجبني ضربُك المبرحُ زيداً)، ضربُك: هذا فاعل، المبرّح: نعته، زيداً: هذا مفعول للمصدر، هنا نقول: لا يعمل، لماذا؟ لأنه وُصِف .. نُعِت قبلَ تمام العمل، لكن لو أُخِّر النعت قيل: (أعجبني ضربُك زيداً المبرحُ) صحّ؛ لأنه استوفى عملَه قبل النعت. لأن معمولَ المصدر بمنزلة الصلة من الموصول، فلا يُفصلُ بينهما، كالشأن في المضاف والمضاف إليه. فإن ورَدَ ما يُوهم ذلك قُدّر فعلٌ بعد النعت يتعلَّق به المعمول المتأخر، فلو نُعِت بعد تمامه لم يمنع. إذن الشرط الخامس: أن يكونَ غيرَ منعوت قبلَ تمام العمل، فإن نُعِت بعد تمام العمل فلا إشكال. السادس: أن يكونَ مُفرداً، يعني غيرَ مثنى ولا مجموعاً؛ لأن تثنيته وجمعه يُخرجانه عن صيغته الأصلية التي هي أصل الفعل. وجوِّزَ عمله مجموعاً جماعةٌ؛ منهم ابن عصفور والناظم؛ يعني ابن مالك رحمه الله تعالى في غير هذا الكتاب. والصواب الأول. السابع: تقدّمُه على معموله، فلا يجوزُ (أعجبني زيداً ضربٌ)، لا يصحّ؛ وإنما يُشترَط أن يتقدّمَ المصدر على المعمول؛ لأنه ضعيف، وسبقَ معنا القاعدة أن العامل إذا كان ضعيفاً لا يُتصرّف في معموله، فلا يصحُّ (أعجبني زيداً ضربك)، لا يصح هذا، إنما (ضربك زيداً) بتقديم العامل على المعمول، وأما الجار والمجرور فهذا يُتوسّع فيه. الثامن: ذكرُه؛ فلا يعملُ محذوفاً على الأصح، أن يكونَ مذكوراً، أما محذوفاً فلا يجوزُ، ولذلك ضُعّف قولُ من قال بأن (باسم الله) جار ومجرور مُتعلق بمصدر ابتدائي، هذا ضعيف، جوّزَه بعضهم، ابتدائي باسم الله، باسم الله ابتدائي نقولُ: ضعيف، لماذا؟ لأن المتعلق هنا مصدر والمصدر لا يعملُ محذوفاً وإنما يجبُ أن يكونَ مذكوراً؛ لأنه ضعيف، والعامل الضعيف كاسمه، هو مذكور ضعيف، وحينئذٍ إذا حُذف من باب أولى.

وليسَ من الشروط كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، ليسَ من الشروط كونُ المصدر بمعنى الحال أو بمعنى الاستقبال؛ لأنه يعملُ لا لشبهه بالفعل، بل لأنه أصلُ الفعل، بخلاف اسم الفاعل، اسم الفاعل سيأتينا أنه لا يعملُ إلا إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال فيما إذا جُرّد عن (أل)، ضارب الآن أو غداً، ضاربٌ أمس لا يعمل، لماذا؟ لأنه أشبه الفعل المضارع، والفعلُ المضارعُ في الأصل لا يدل على المضي، فإذا دلّ اسم الفاعل على المضي حينئذٍ بعُدَ شبهه بالفعل المضارع، وإذا بعُدَ شبهه بالفعل المضارع حينئذٍ لا يعمل؛ لأنه إنما عمِلَ إلحاقاً له بالفعل المضارع، والفعل المضارع إنما يدلُّ على الزمن الحال أو الاستقبال، فإذا دلَّ اسم الفاعل على الزمن الماضي حينئذٍ لا يعمل؛ لأنه أصل الفعل بخلاف اسمِ الفاعل فإنه يعملُ بشبهه بالمضارع، فاشتِرط كونه حالاً أو استقبالاً؛ لأنهما مدلولا المضارع. وقيل: أُعمِل المصدر لعلة وهي: شبهه للفعل في دلالة كلٍّ منهما على الحدث الذي يقتضي فاعلاً دائماً ويقتضي مفعولاً به إن كان واقعاً، والصواب أنه أصل له. ثم قال: وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ، نكّر هنا، إذا نُكّر الشيء دلّ على قلة، التنكير قد يدلّ به على القلة، (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) فصله عما قبله، لماذا؟ لقلة عمله، بل قال الصيمري: إن عملَه شاذ، يعني يُحفَظ ولا يُقاس عليه إنما هو سماعي وليس بقياسي، وأما المصدر فهو قياسي، (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ). أي مضافاً أو مجرداً أو مع (أل) مطلقاً، لأنه عطفَه على ما سبق، وإن كان قياساً وقد أشارَ إلى قلته بتنكير عمل، وقال الصيمري: إعماله شاذ. (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ) ما هو اسم المصدر؟ عرّفه في التسهيل بقوله: ما ساوى المصدرَ في الدلالة على معناه، وخالفَه بخلوّه لفظاً وتقديراً مِن بعض ما في فعلِه دون تعويض. نقفُ على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

78

عناصر الدرس * إعادة (اسم المصدر) وعمله * حكم معمول المصدر وتابعه. خاتمة * شرح الترجمة (إعمال اسم الفاعل) وحده * فائدة في علة عمل اسم الفاعل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: إعمال المصدر بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ فِي الْعَمَلْ ... مُضَافاً اوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلْ ... مَحَلَّهُ وَلاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ ذكرَ في هذين البيتين إعمالَ المصدر بعدَ أن بيّنَ لنا المصدر فيما سبق، وبيّنا شروطه، ثم ذكرَ اسم المصدر (بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ في الْعَمَلْ) أَلحق المصدر بفعله في العمل، تعدياً ولزوماً، فإن كان فعلُه المشتقّ منه لازماً فهو لازم، وإن كان مُتعدياً فهو متعدٍّ إلى ما يتعدّى إليه بنفسه أو بحرف جر. وذكرنا أن المصدرَ يخالف فعله في أمرين: العمل واحد، إن كان الفعل لازماً حينئذٍ المصدر عَمِل عملَ الفعل المشتقّ منه، فإذا كان مُتعدياً بحرف جرّ تعدّى إليه بنفس الحرف، وإن كان مُتعدياً بنفسه تعدّى إليه بنفسه، لكن يخالفه في أمرين: الأول: أن في رفعه النائب عن الفاعل خلافاً، يعني محلّ خلاف، وذكرنا أن فيه ثلاثة أقوال: الجواز مطلقاً، والمنع مطلقاً، والتفصيل. والمراد بالتفصيل بين ما إذا كان فعلُه لا يكون إلا مُغيّر الصيغة صحَّ أن يعمل المصدر عملَ الفعل، فيرفع نائب الفاعل، وإلا فلا، هذا مثَّلنا له بزُكِم فُعِل، دائماً مُلازم للبناء للمجهول، بمعنى أنه لا يكون على فعل، وإنما دائماً يكون على فُعِل، إن كان كذلك حينئذٍ لا يلتبسُ، وحجةُ المانع أنه يلتبسُ لا يدرى هل هذا نائب فاعل أم فاعل، وهذا حقّ، فإذا أُمِن اللبسُ حينئذٍ جازَ أن يرفعَ نائب فاعل، وهذا قولُ أبي حيان وهو أظهرُ .. جيد. الأمر الثاني الذي يخالفُ المصدر فعله: أن فاعلَ المصدر يجوزُ حذفه، بخلاف فاعل الفعل، وإذا حُذف حينئذٍ لا يتحمل ضميره. مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ: قلنا هذا إشارة إلى أن المصدر يعملُ مطلقاً، وإن كان يختلف في كثرة العمل، مُضافاً هذا الأكثر، ومجرداً هذا أقل من المضاف لكنه أقيسُ؛ لأنه أشبهَ بالفعل، محلى بـ (أل)، قلنا هذا فيه أربعة مذاهب، والصواب أنه يجوزُ إعماله مطلقاً لوروده سماعاً، ولو كان ضعيفاً قليلاً؛ لأن الإضافة هي أكثر ثم التجريد من (أل) والإضافة، ثم كونه مع (أل)؛ لأنها العلّة عند النحاة المتأخرين أن المصدر إنما أُعمل مع كونه جامداً .. أعمل لشبههِ بالفعل، فلما أشبهَ الفعل حينئذٍ عملَ عمله وهذا محلّ نظر، بل الصواب أنه إنما عملَ لكونه أصلَ الفعل؛ لأنه لو عُلّل بالعلة السابقة لقيل حينئذٍ إذا أشبه الفعل فإذا اتصل به ما هو من خصائص الأسماء أبعده، أضعفَ الشبه كما هو الشأن في الحرف هناك، قلنا الاسم إذا أشبهَ الحرف بُني، لا بدّ أن يكون الشبهُ قوياً، فإذا اتصل بالاسم ما هو من خصائص الأسماء حينئذٍ بعُد شبهه أو ضعف شبهه بالحرف فلم يُبنَ.

كذلك المصدر لو قيلَ بأن العلة هي شبهه بالفعل، حينئذٍ إذا أُضيف فالإضافة من خصائصِ الأسماء فالأصلُ أنه لا يعملُ، ومع ذلك الأكثر فيه أنه يعملُ مُضافاً، وإذا حُلي بـ (أل)، فالأصل فيه أنه لا يعملُ، لكنه سُمع إعماله، والمجرد هذا أقيسُ وهو أقلُّ من المضاف، وأقيسُ يعني: الأصل أن يكون أكثر عملاً من المضاف؛ لأنه إذا جُرِّد عن (أل) والإضافة ابتعد عن الأسماء فلم يتصل به ما يبعده أو يضعف شبهه بالفعل، ولذلك نقول: هذه العلة فيها نظر. قوله: إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ مَحَلَّهُ: (إِنْ كَانَ فِعْلٌ) هذا اسم كان، وكان ناقصة هنا، و (مَعَ أَنْ) مَعَ بالفتح، هذا ظرف مُتعلق بمحذوف صفة لفعل، وأن قُصِد لفظه وهو مضاف إليه، أو مع ما، هنا حُذف المضاف من الثاني لماذا؟ لكونه معطوفاً على مثله، مع أن أو مع ما؛ لأنه لا يجتمعان معاً مع (أن) و (ما) أو (ما) لا يجتمعان معاً في وقتٍ واحد، بل هذا له حالٌ وهذا له حال، فـ (أو) هنا للتقسيم والتنويع وليست للتخيير؛ لأنه إذا كان مع أن إنما يُراد به المضي أو الاستقبال، لكن يُقدّر مع المضي مَعَ أَنْ الفعل الماضي، ويُقدّر مَعَ أَنْ في الاستقبال الفعل المضارع، وأما الحال فيُقدّر بـ (ما) لأنها لا تكون للماضي ولا للاستقبال وإنما تكون لمعنى الحال. (يَحُلّ مَحَلَّهُ): مكانه يعني، يعني محلّ المصدر، إن كان فعل مع ما ذكر يحلّ محله، يعني محلّ المصدر، مفهومه أنه إن لم يحلّ محله فعل مع (أن) أو مع (ما) حينئذٍ لا يعمل العمل المذكور، وهذا ظاهر النظم، وإن اختارَ في التسهيل أن هذا ليس بشرط، بل هو أمر أغلبي، وظاهر النظم هنا أنه شرطٌ لأنه قال: (بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ فِي الْعَمَلْ)، ثم بين أحواله: إِنْ كَانَ المصدر الذي يعمل العمل المذكور مَعَ .. إلى آخره. فحينئذٍ نقول: هذا شرط، ونزيدُ عليه الشروط السبعة التي ذكرناها. ثم قال: (وَلاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) عمل لاسم مصدر، لاِسْمِ مَصْدَرٍ جار ومجرور مُتعلّق بمحذوف، خبر مقدم، وفصلَه عما سبق مَصْدَرٍ، لأن ثَم مغايرة بين المصدر واسم المصدر، ثم إعمال اسم المصدر هذا محلّ الخلاف، ولذلك حكمَ الصيمُري بأن إعماله شاذ، يعني يُحفظ ولا يقاس عليه. ولقلّة إعمال اسم المصدر كذلك فصلَه عما سبق، ولذلك نكّر عَمَلْ؛ (عَمَلٌ) نكَّره، فدلَّ على أنه قليل، والإطباق السابق في قوله: مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ، إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ مَحَلَّهُ. هذان الأمران يكونان في المصدر وفي اسمِ المصدر، يعني ليسَ كل اسمِ مصدر يعمل، بل لا بد أن يصحَّ حلولُ فعلٍ مع (أن) أو (ما) محلّه، فإن لم يصحّ حينئذٍ على ظاهر النظم لا يعمل، فكلّ ما اشتُرط في المصدر يُشترط في اسم المصدر.

(وَلاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ). اسم المصدر عرّفَه في التسهيل بقوله: هو ما ساوى المصدرَ في الدلالة على معناه وخالفه بخلوه من بعضِ ما في فعله دون تعويض. ذكرَ أمرين؛ أمراً من جهة المعنى وأمراً من جهة اللفظ، فوافق اسمُ المصدرِ المصدرَ في الدلالة على الحدث، هذا ظاهر النظم، أن اسمَ المصدر يدلّ على الحدث كما أن المصدرَ يدلّ على الحدث، إذن ما يدلّ على الحدث قد يكونُ مصدراً وقد يكون اسمَ مصدر، اتفقا في الدلالة على الحدث، ولذلك قال: اسم ساوى المصدر، وعرفنا أن المصدرَ هو اسم الحدث الجاري على فعله، (ضرب) مسماه عين الحدث، حينئذٍ اسم المصدر نقول: مُسماه عين الحدث، فالتكليم مصدر، مُسماه عين الحدث، والكلام اسمُ مصدر وافقَ المصدرَ في الدلالة على الحدث، إذن كلّ من التكليم والكلام يدلان على الحدث، هذا ظاهرُ كلام ابن مالك رحمه الله تعالى في التسهيل: ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه، وما هو معنى المصدر؟ هو الحدث. إذن كلٌّ منهما المساوَى والمساوِي كلٌّ منهما دالٌّ على الحدث. أي معنى المصدر وهو الحدث، وبهذا أخرجَ نحو الدهن والكحل مما فيه حروفُ الفعلِ لكنه لا يدلّ على حدث، كحَل العين الكحل، دهَن الرأس الدهن، إذن الدهن والكحل نقول: هذان لفظان فيهما حروف الفعل، لكن هل هما مصدران أو اسما مصدر؟ نقول: لا، لكونه .. وإن وافقَ الفعل في الحروف كما في (كلّم تكليماً، وسلّم تسليماً، وأعطى عطاء) اسم المصدر وإن وافقَه في الحروف كلها وهو المصدر أو في بعضها وهو اسم المصدر، إلا أنه لا يدل على الحدث، فكلّ ما وافقَ الفعلَ ولم يدل على الحدث فليسَ بمصدر ولا اسم مصدر. فإن كلاً منهما وإن اشتملَ على حروف الفعل لم يدلّ على الحدث بل على ذات، فالكحلُ مُسماه عينُ الكحل الذي تُكحل به العين، وكذلك الدهن نفس ما يُدهن به الرأس يُسمى دهناً، فمُسمّاه ذات وفرق بين أن يكون المسمى ذاتاً وبينَ أن يكون حدثاً. إذن كلٌّ من المصدر واسم المصدر يدلان على الحدث، مُقتضاه حينئذٍ نقول: أن موضوع اسم المصدر الحدث كالمصدر، والذي يدلُّ عليه قولُ النحاة قاطبة: اسم المصدر، لو نظرتَ في اللفظ اسم المصدر، اسم المصدر مضاف ومضاف إليه، يدلُّ على أن اسم المصدر اسم للمصدر، فحينئذٍ ليسَ مدلوله الحدث على هذا الثاني، وإنما مدلولُه المصدر لفظُ المصدر، وهو قولٌ ثان في المسألة، ما مدلول اسم المصدر؟ نقول قولان: ابنُ مالك رحمه الله تعالى وكذلك ابنُ هشام في سائر كتبه ذهبا إلى أن مدلول اسم المصدر هو الحدث، حينئذٍ ساوى المصدر، كلٌّ منهما يدلّ على الحدث، وذهبَ بعضهم إلى أن اسم المصدر مدلوله لفظ المصدر، وجزمَ أبو حيان بأن موضوع اسم المصدر المصدر نفسه، وهو القول الثاني في المسألة، وهذا أظهرُ، فحينئذٍ يكون الكلام مُسمّاه التكليم، والتكليم مُسماه الحدث.

إذن: النتيجة أن اسمَ المصدر يدلّ على الحدث، ولكن بواسطة المصدر، حينئذٍ من عبّر عن كون اسم المصدر يدلّ على الحدث وهو يرى أن اسمَ المصدر اسم للمصدر اللفظي، حينئذٍ يُؤول كلامه بأنه أرادَ ما يدلُّ على الحدث بواسطة المصدر، فمن قال بأن الحدثَ مدلول المصدر واسم المصدر، ودلالة اسم المصدر على الحدث بواسطة المصدر صحَّ تعبيره كذلك، وإذا أرادَ الثاني بأنّ كلاً منهما يدلُّ على الحدث مُباشرة، حينئذٍ نقول: هذا فيه نظر، والصواب أن يُقال: أن اسمَ المصدر كاسمه، يعني اسم مُسماه لفظ المصدر. فالعطاءُ اسم مصدر، مدلوله ومُسمّاه إعطاء، والكلام نقول: هذا اسم مصدر، مدلوله ومُسمّاه تكليم، ثم كلٌّ من العطاء والإعطاء والتكليم مدلولهما الحدث، فحينئذٍ دلَّ اسم المصدر على الحدث بواسطة المصدر، ودلَّ المصدر على الحدث مباشرة بدون واسطة. إذن قوله: ما ساوى المصدرَ في الدلالة على معناه وهو الحدث، هذا يحتمل القولين، يعني ساوى المصدر في الدلالة لكن بواسطة، بواسطة المصدر، وإن كان ظاهر العبارة تشيرُ إلى الثاني. وخالفَه بخلوّه من بعض ما في فعله دون تعويض، هذا نظر في اللفظ، يعني اسم المصدر يُخالِف المصدر من حيث اللفظ، بأنه ينقصُ منه بعض حروف فعله الأصلية أو الزائدة، ويُشترَط في المصدر بأن لا يكون مصدراً إلا إذا كان مُساوياً للفعل في حروفه الأصلية والزئدة، فإن نقصَ عن الحروف الأصلية أو الزائدة فإمّا أن يُعوَّض عنه أو لا، فإن عُوِّض عنه فهو مصدر على الأصل، فإن لم يُعوّض عنه فإمّا أن يُنوى أو لا، فإن نُويَ حينئذٍ هو مصدر، وإن لم يُنوَ فهو اسم مصدر. إذن من حيث المعنى حينئذٍ مَن قال بأن دلالة كلٍّ منهما الحدث متساويان، ومن حيث اللفظ لا، ثَم فرقٌ بينهما. المصدر يكون مُساوياً في الحروف العدد، كل حرف أصلي في الفعل لا بد أن يكون موجوداً في المصدر، وكلّ حرف زائد في الفعل لا بد أن يكون موجوداً في المصدر، فإن لم يُوجَد كل من الأصل والزائد نظرنا فإن حُذف وعُوِّض عنه كوعد هذا مأخوذٌ من الوعد، نقول المصدر: عِدة، هذا مصدر كذلك، حينئذٍ نقول: حُذِفت الواو وعُوّض عنها التاء، إذن حُذِف وعُوِّض عنه، فإن حُذِف من الفعل أصل وعُوض عنه التاء حينئذٍ نقول: باقٍ على مصدريته فهو مصدر، كذلك إذا حُذِف ولم يُعوّض عنه حينئذٍ إن نُوِي الحرف الذي لم يُذكر في المصدر حينئذٍ نقول: هو مصدر، مثل قاتل قتالاً .. قَاتَ .. بين القاف والتاء ألفٌ، وتقول في المصدر (قِتَا) أين الألف؟ محذوفة، لكنها منوية بدليل قِيتالاً، سُمع قِيتالاً فدلَّ على أنها .. الألف حُذفت ونُويت، إذن هذا مصدر أو اسم مصدر؟ نقول: مصدر، وإن نقصَ من حروف الفعل؟ وإن نقص، لماذا؟ لكونه حُذف لكنه مَنوي، فإن لم يكن هذا ولا ذا حينئذٍ تعيّنَ أن يكون اسمَ مصدر، هذا الذي أراده بقوله: وخالفه، يعني خالفَ اسمُ المصدرِ المصدرَ بخلوّه لفظاً وتقديراً، إن خالفه بخلوّه لفظاً وتقديراً حينئذٍ حكمنا عليه بكونه اسمَ مصدر، فإن خالفَه بكونه سقطَ منه بعضُ الحروفِ لفظاً لا تقديراً فهو مصدر على الأصل.

من بعض ما في فعله (ما في فعله) يعني الذي في فعلِه، من الحروف الأصلية أو الزائدة دون تعويض، فإن عُوّض عنه .. عن المحذوف حينئذٍ حكمنا عليه بكونه مصدراً. قال ابنُ عقيل: كعطاءٍ، فحينئذٍ عطاء مُساوٍ لإعطاء معنى، هذا على الرأي الأول، بأن عطاء يدلُّ على الحدث مُباشرة، وإعطاء يدلُّ على الحدث مُباشرة، إذن المعنى مُتّحد، إعطاء هذا مصدر، وعطاء اسم مصدر، مدلول كل منهما الحدث، ثم نظرنا في اللفظ، إذا دلَّ كلٌ منهما على الحدث إذن لا فرق من جهة المعنى، لا بدّ أن نبحث عن فارق بينهما من جهة اللفظ. فإن عطاء مُساوٍ لإعطاء معنى، ومخالِفٌ له بخلوّه من الهمزة الموجودة في فعله وهو خالٍ منها لفظاً وتقديراً، أعطى يعطي إعطاءً .. إعطاءً هذه الهمزة موجودة في قوله: أعطى، وعطاء هذا اسمُ مصدر، أين الهمزة؟ حذفت، ننظر هل عُوّض عنها شيء في اللفظ؟ لا، هل نويت بحيث دلَّ دليلٌ على أنها مَنوية كأن يكون سُمع لفظ آخر مُصرّح فيه بالهمزة؟ لا، إذن لا هذا ولا ذاك، حكمنا عليه بكونه اسم مصدر، إذن ليسَ كلّ نقص يكون سبباً في الحكم على اللفظ بكونه اسمَ مصدر، بل لا بد أن ننظر هل عُوّض عنه أو لا؟ إن عُوّض فهو مصدر، وإن لم يُعوّض عنه نسأل هل هو منوي أو لا؟ لأن المنوي كالموجود، المنوي المقدر كالموجود، إن نُوِي فهو مصدر عن أصل، إن لم يُنو، حينئذٍ نقول: خلا اسم المصدر من حرف لفظاً وتقديراً، لفظاً لم يُنطق به، وتقديراً لم يُنو، فدلَّ على أنه اسم مصدر، ولذلك قال: عطاء في المعنى مساوٍ لإعطاء وهو مصدر. إذا تساويا .. التبس؟ إذن لا بد من فارق لفظي، فنظرنا فإذا به مخالِف لفعله بسقوطِ حرف منه وهو الهمزة، موجودة في الفعل ولم تُوجَد في اسم المصدر، حينئذٍ نسأل ونبحث كما بحثنا سابقاً، فنحكمُ عليه بكونه اسم مصدر. وهو خالٍ منها، يعني من الهمزة لفظاً وتقديراً، ولم يُعوض عنها شيء. واحترزَ بذلك مما خلا مِن بعض ما في فعله لفظاً ولم يخلُ منه تقديراً، يعني قد يسقطُ بعض حروف الفعل ولا يُذكر في المصدر لكنه منوي، فإنه لا يكون اسمَ مصدر بل يكون مصدراً على الأصل، وذلك نحو: قتال، قتال هذا مصدر، فِعال: لِفَاعَلَ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَه. قتال فإنه مصدر، مصدر قاتل، فاعل، قاتل قتالاً، قاتل أربعة أحرف: قاف، ثم ألف، ثم تاء، أين الألف في المصدر؟ قتا .. الألف التي بعد التاء هذه ألفُ المصدر، سيأتي: وَمَا يَلِي الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا، فحينئذٍ نقول: أين الألف التي هي في فَاعَل؟ غير موجودة، لم تُذكَر في المصدر. هل هي مَنوية؟ هل عُوّض عنها شيء؟ لا، لم يُعوّض عنها شيء. هل هي منوية؟ نعم. لا بد من دليل، سُمع (قِيتال)، فِيعال. إذن وُجِدت الألف وكُسِر ما قبلها فقُلِبت الألف ياء فقيل: (قيتال)، إذن نقول هذا الحرف منوي.

وذلك نحو (قتال) فإنه مصدر (قاتلَ) وقد خلا من الألف التي قبل التاء في الفعل، لكن خلا منها لفظاً ولم يخلُ منها تقديراً، يعني: منوياً، ولذلك نُطِق بها في بعض المواضع .. هذا هو الدليل على أنها منوي، إذا لم يُوجَد لا ما نحكم هكذا من رؤوسنا، نقول: حرف محذوف وهو مَنوي! لا. لا بدّ أن يدلَّ دليلٌ .. يعني بأن سُمِع في لسان العرب تصريحٌ بها أصالة، ولو حكمنا عليه بأنها شاذّ أو أنها ضعيف، أو أنها خلاف الأصل أو القياس المطرد. أو ببدنه كما هو الياء هنا في قيتال، ولذلك نُطِق بها في بعض المواضع نحو: قاتل قيتالاً وضارب ضِيراباً، الياء هذه مُنقبلة عن الألف؛ لأنه مكسور ما قبله، فهذا مصدر لا اسم مصدر. واحترزَ بقوله: دون تعويض مما خلا مِن بعض ما في فعله لفظاً وتقديراً، ولكن عُوّض عنه شيء .. حرف، حينئذٍ لا يكون اسم مصدر، بل هو مصدر على الأصل، وذلك نحو (عِدَة) فإنه مصدر (وَعد) فعل، (عدة)، أينَ الواو؟ حُذِفت في المصدر، (عِدة) فِعلَة، حينئذٍ نسألُ: أينَ الواو؟ محذوفة؟ كيف هي محذوفة وعدة مصدر، والأصلُ في المصدر أن لا ينقصَ من حروف فعله ولا حرفاً لا زائداً ولا أصلياً، نقول هنا حُذِف وعُوّض عنه التاء، وإذا عُوّض عنه التاء حينئذٍ صارَ كالموجود، إذن لم ينقص حرفٌ لأنه عُوّض عن المحذوف. وقد خلا من الواو التي في فعله وهو وَعَدَ لفظاً وتقديراً ولكن عُوّض عنها التاء، فهو مصدر لا اسم مصدر، بخلاف الوضوء والكلام من قولك: (توضّأ وضوءاً) توضّأ تفعّل، تفعُّلاً هذا المصدر، (توضأ وضوءاً) أين الواو؟ أين التاء؟ محذوفة. (تكلّم كلاماً) أصله تكليماً، أين التاء وأين التضعيف؟ هذا نقَص. بخلافِ الوضوء والكلام من قولك: توضّأ وضوءاً، وتكلّم كلاماً، فإنهما اسما مصدر؛ لأنه حُذِف التاء منهما وحُذِف التضعيف، ولم يُعوّض عنهما شيء ولم يُنويا، فحينئذٍ حكمنا عليهما بكونهما اسمي مصدر. فهما اسما مصدر لا مصدران، لخلوهما لفظاً وتقديراً مِن بعض ما في فعلهما، وهو التاء وأحد حرفي التضعيف، وأما المدة التي قبل الآخر قتال، كلام .. المدة التي قبل الآخر فليست للتعويض بدليل ثبوتها في المصدر، حيث لا تعويض كالانطلاق والإكرام، هذه ألف المصدر كما سيأتي، وَمَا يَلِي الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا، مُدَّ انطلقَ انطلاقاً، انكسَرَ انكساراً، استغفَرَ استغفاراً .. المدة هذه مدّة المصدر، موجودة في اسم المصدر وموجودة في المصدر، إذن ليست للتعويض. كالانطلاق والإكرام والاستخراج، فعُلِم من ذلك أن العِوض قد يكون آخراً وقد يكون أولاً، يعني قد يُحذَف حرفٌ من الفعل، ولا يُوجَد في المصدر ثم يُعوّض عنه حرف آخر إما في أوله وإما في آخره، والتعويض كما يكون في الآخر يكون في الأول والعكس بالعكس.

وحقُّ المصدر أن يَتضمّن حروف فعله بمساواة، هذا الأصل فيه، توضّأ توضؤاً .. مثله، تكلّم تكلماً، تعلّم تعلُّماً، فرِحَ فرحاً، أشر أشراً، الأصل فيه أن يكون مُساوياً لفعله. وبزيادة، قد يزيد عليه نحو: أعلمَ إعلاماً زادَ عليه المدة، وهذا لا إشكال فيه، يزيدُ لكن لا ينقص، والحكم هنا في كونه اسمَ مصدر إذا نقصَ ولم يُعوّض أو يُنو، أما الزيادة فهي ثابتة، حينئذٍ قد يكون مُساوياً للفعل في الحروف مثل: فرِحَ فرحاً، وتكلّمَ تكلُّماً، وقد يكون بزيادة وهذه الزيادة تختلف، نحو: أعلمَ إعلاماً، فإن نقصَ عن فعله، فإن عُوّض عن الناقص أو قُدّر فيه فمصدر وإلا فاسم مصدر. إذن اسمُ المصدر ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه، الذي هو معنى المصدر وهو الحدث، وهذا يُؤوّل بأنه دلَّ على الحدث بواسطة المصدر، حينئذٍ باعتبار النتيجة هو مساوٍ، لكن باعتبار الطريق يختلفُ، لأن المصدر دلَّ على الحدث مُباشرة، واسم المصدر دلَّ على الحدث بواسطة المصدر، فلا إشكال فيه، النتيجة واحدة كلّ منهما دلَّ على الحدث، فاسمُ المصدرِ مساوٍ للمصدر في الدلالة على الحدث، هذا التعبيرُ لا إشكال فيه، على القول الثاني، ونُفصّل بأن المصدر دلَّ على الحدث مُباشرة بدون واسطة، وأما اسمُ المصدر فدلَّ على الحدث بواسطة المصدر، فمُسمّى (عطاء إعطاء)، و (إعطاء) مُسمّاه الحدث نفسه، وسبقَ معنا مراراً في أول الكتاب أن مُسمى اللفظ قد يكون لفظاً، زِيد كلمة، كلمة مُسماها هنا لفظ زيد، زيد اسم .. اسم هذا لفظ مُسمّاه لفظ آخر، واسم المصدر كذلك، اسمٌ مُسمّاه المصدر، حينئذٍ مُسمّى المصدر الحدث، إذن مُسمّى المسمى الحدث، فيكون هو مُسمّى الأصل، وهو اسم المصدر. وخالفَه بخلوّه لفظاً وتقديراً معاً، يعني فإن خلا منه لفظاً لا تقديراً فهو مصدر، مِن بعض .. لا بد أن يكون بعض، لو كان كل هذا ما يُتصوّر، ما في فعله دون تعويض، يعني ما في فعله من الحروف الأصلية أو الزائدة دون تعويض، يعني لم يُعوّض ولم يُنوَ، ولم يُنوَ أشارَ إليه بقوله: خلا منهما لفظاً وتقديراً، فإن خلا لفظاً لا تقديراً فهو مصدر، إن خلا لفظاً وتقديراً وعُوّض عنه حينئذٍ هو مصدر، ولا يكون اسم مصدر إلا إذا حُذِف أحدُ الحروف ولم يُعوّض عنه ولم يُنوَ، فنحكمُ عليه بأنه اسم مصدر. لكن إن كان مدلولُه لا الحدث كما في الكحل والدهن لا نحكم عليه بأنه مصدر أو اسم مصدر؛ لأنه يُشترطُ فيهما سواء كان بواسطة أو مباشرة أن يكون مدلوله الحدث، فأمّا إذا كان مدلولُه الذات حينئذٍ لو وافقَ الحروف .. حروفَ الفعلِ نقول: لا يُسمّى مصدراً ولا اسم مصدر. قال: وَلاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ، إذن اسم المصدر وهو ما نقصت حروفُه -بالشروط السابقة- عن فعله نحكم عليه بأنه يعملُ عملَ فعله، والحكمُ فيه كالحكم في المصدر تعدياً ولزوماً باختصار، فإن كان لازماً فاسمُ المصدر يرفعُ ولا ينصب، وإن كان مُتعدياً بحرف عُدِّي اسم المصدر بالحرف الذي تعدّى به ذلك الفعل، وإن كان يتعدّى إلى اثنين فكذلك، وثلاثة كذلك. ومن إعمال المصدر قوله: أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطائِكَ الْمِئَةَ الرِّتاعا

الشاهد في قوله: عَطائِكَ؛ لأن عطاء اسم مصدر، وهذا محلُّ وفاقٍ بينَ النحاة أن عطا بفتح العين وحذف الهمزة اسم مصدر، ولذلك قال ابنُ عقيل: وزعمَ ابنُ المصنف أن عطاء مصدر وأن همزته حُذِفت تخفيفاً وهو خلافُ ما صرّح به غيره من النحويين، المشهور أن عطاء اسم مصدر وليس بمصدر، والمصدر هو الإعطاء، وإذا ادُّعي بأن الهمزة هنا حُذِفت تخفيفاً لا بدّ من دليل، يعني ادعاء حرف محذوف ونُوي لا بد من دليل، وليس الأمر هكذا مطلقاً. أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطائِكَ الْمِئَةَ الرِّتاعا (عطاء) أضافَ اسم المصدر إلى فاعله، عطائك أنت، أنت المعطي، إذن أنتَ الفاعلُ فأضافَ اسمَ المصدر إلى فاعله ثم نصبَ به مفعوله وهو المائة؛ فالمائة هذا مفعول لاسم المصدر، ومنه قول الشاعر: قَالُوا كلاَمُكَ هِنْداً وَهْيَ مُصْغِيَةٌ ... يَشْفِيكَ قُلْتَ صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كانَاَ كلامُك هنداً، (هنداً) هذا مفعول به، لأي شيء؟ لكلام، كلامُ هذا اسم مصدر؛ لأنه لـ (كَلَّم يُكَلِّم كَلاَماً) والأصل التكليم ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) [النساء:164] هذا المصدر، فنقصت بعضُ الحروف فلم يُعوض ولم يُنوَ، حينئذٍ حكمنا عليه بكونه اسم مصدر، وهو مُضاف إلى الفاعل (كلامُك أنت) الكاف هذا في محلّ رفع فاعل، وهنداً هذا مفعول به. ومنه حديث (مِن قُبلةِ الرجلِ امرأتَه الوضوء)، وهذا حديث يذكرونه .. من قبلة الرجل امرأته، (قُبلة) هذا اسم مصدر؛ لأنه من التقبيل (قبَّل يُقبِّل تقبيلاً)، والقُبلة هذه اسم مصدر. نصبَ (امرأته) أضافَه إلى الفاعل (قبلة الرجل)، الرجل هو الفاعل، امرأته هو المفعول. وقوله: إذا صَحَّ عَوْنُ الخَالِقِ الْمَرْءَ، لَمْ يَجِدْ ... عَسيراً مِنَ الآمالِ إِلاَّ مُيَسَّرا إذا صحَّ عونُ الخالق، (عون) هذا اسم مصدر (أعانَ يُعين إعانة) إعانة هذا المصدر إعانة مثل: إعطاء. (عون) نقول هذا اسم مصدر؛ لأنه حُذِف بعضُ حروف الفعل ولم يُعوّض ولم يُنوَ، والخالقُ هذا فاعل، والمرء هذا مفعول به، أُضيف اسمُ المصدر إلى فاعله ونصب المفعول به بِعِشْرَتِكَ الْكِرامَ تُعَدُّ مِنْهُمْ ... فَلاَ تُرَيَنْ لِغَيْرِهِمِ أَلوفا (بِعِشْرَتِكَ) عِشرة (عاشرَ يُعاشِرُ معاشرة)، هذا الأصل بعشرتك إذن نقصَ من حروف الفعل، عشرتك الكرام، عشرتك أنت، أضافَ اسمَ المصدر إلى فاعله ونصب به الكرام. إذن دلّت هذه الشواهد على أن اسمَ المصدر يعملُ، ويكفي فيه ما ذُكر. وحينئذٍ مَن قال بأنه شاذٌّ إن أرادَ به أنه قليل ويُستعمل لا إشكال فيه، وإن أرادَ به أنه شاذ بالمعنى الخاص بمعنى أنه لا يُقاس عليه وما وردَ في لسان العرب يُؤول، قلنا: ليسَ الأمر كذلك، بل الصواب أنه يعملُ عملَ فعله كالمصدر؛ لأن مدلوله الحدث سواء قلنا بواسطة أو بدون واسطة. وإعمالُ المصدرِ قليلٌ ومَن ادعى الإجماع على جواز إعماله فقد وَهِم، فإن الخلاف في ذلك مشهور، وقال الصيمري: إعمالُه شاذ، وقال ضياءُ الدين بن العلج في البسيط: ولا يَبعُدُ أن ما قامَ مقامَ المصدر يعمل عمله، قام مقام المصدر يعني به اسم المصدر، ونقل عن بعضهم أنه قد أجازَ ذلك قياساً.

إذن إعمال اسم المصدر هو المراد، لكن هل كل اسمِ مصدر يعمل؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأن اسم المصدر على ثلاثة أنواع: طرفان ووسط. الأول: عَلَم اسم مصدر وقع علماً، نحو: يسار، وفجار، وبرة. يسار وفجار هذه أسماء مصدر، يعني ليست مصادر وإنما هي أسماء مصدر، وهذه لا يعمل منها واحد اتفاقاً، يعني ولا واحد يعمل من هذه المذكورات ولا غيرها اتفاقاً بالإجماع. أن اسم المصدر إذا كان علماً لا يعمل وفاقاً. قال في الهمع: اسم المصدر العلم لا يضاف، ولا يقبل (أل)، ولا يقع موقعَ الفعل، ولا يقصد به الشياع، ولا يُوصف، يعني لا يُعطى حكمَ الفعلِ البتة، وإنما يكونُ جامداً لأنه لا يدلُّ على حدث؛ لأنه بالعلمية نقل مِن المصدر كما سُمي فضل رجل، كـ (فضل)، كما قلنا ينقل مصدر ويُسمّى به علم، لما نُقِل حينئذٍ نقول: هل يدلُّ على حدث جاءَ فضل؟ المراد به فضل الزيادة الخير؟ لا. وإنما نقول: صارَ مجرداً عن معناه الأصلي، وهو دلالته على الحدث، فحينئذٍ كذلك اسمُ المصدر إذا صارَ علماً حينئذٍ جُرّد عن معناه، لا يدلّ على حدث، وإذا لم يكن دالاً على حدث حينئذٍ بأي شيء يعمل؟ اسم المصدر كالمصدر، إنما يعملُ إما لشبهه بالفعل وإما لكونه أصلاً للفعل، وهذا وذاك كل منهما يدلُّ على الحدث، إن عملا أو عمل واحد منهما لما فيه من معنى الحدث، وأما إذا صارَ علماً حينئذٍ جُرّد وسُلِب دلالاته على الحدث. إذن عَلَمٌ هذا النوع الأول، وهذا لا يعمل اتفاقاً، لكن ظاهر كلام الناظم (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) يرِد عليه أو لا؟ أن ندخلَ عليه نقول: عبارته تُوهِم أن العلمَ من أسماء المصادر يعمل؛ لأنه أطلقَ قال: (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) قيل به يرِد على الناظم، وإذا أردنا أن نعتذرَ نقول: شرطَ في المصدر أن يحلّ محلّه فعل مع (أن) أو (ما)، فقلنا في المقدمة: أن هذين الشرطين أو أن هذين الحالين كونه مضافاً أو مجرداً أو مع (أل)، كما هو الشأن في المصدر هو كذلك في اسم المصدر، الشرط الثاني: إِنْ كَانَ فِعْلٌ .. إلى آخره كما أنه شرطٌ في المصدر كذلك هو شرطٌ في اسم المصدر، وما كان علماً لا يصحُّ أن يقعَ موقع فعل لا مع (أن) ولا مع (ما)، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يردُ على الناظم، فيصير قوله: (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) مُقيّد بقوله: (إِنْ كَانَ فِعْلٌ) إلى آخره. والعلم .. اسم المصدر العلم لا يتأتى فيه ذلك، إذن لا يرد على الناظم وهذا أجود. وهذا النوع وإن كان ظاهر إطلاقِ المتن عمله إلا أنه يُقال: كلام الناظم مُقيّد بما قيّد به المصدر من كونه يصلح في موضعه (أن) أو (ما) والفعل. واسم المصدر العلم ليس كذلك، حينئذٍ لا يرد على الناظم، فقوله: (وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) مع الشروط السابقة، وهو كونه أن يصحّ حلول (أن) والفعل، و (ما) والفعل محلّه، فإن لم يصلح حينئذٍ نقول: هذا لا يعمل، واسم المصدر العلم كفجارِ ويسارِ وبرة نقول: هذا لا يصلح أن يحلّ محلّه الفعل مع (أن) ولا مع (ما).

النوع الثاني من اسم المصدر: ذي ميم زائدة، يعني ماكان مبدوءاً بميم زائدة، لغير مفاعلة كالمضرَب والمحمَدة، مضرَب ومحمدة، وهذا كالمصدر اتفاقاً، يعني يعملُ عكسَ الأول، إذن طرفان ووسط، طرفٌ لا يعملُ اتفاقاً، وطرفٌ يعمل اتفاقاً، وهو ما كان مبدوءاً بميم زائدة، هذا يُعنوِنُ له النحاة بأنه اسمُ مصدر، والصحيح أنه مصدر، وهو الذي يُسمّى بالمصدر الميمي، وهذا سبقَ تفصيله في شرح النظم المقصود. وسيأتي أنه مصدرٌ لا اسم مصدر، والاحترازُ بغير مفاعلة من نحو: مضاربة، من قولك: ضارب مضاربة فإنها مصدر، وهذا لا إشكال فيه لِفَاعَلَ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَه، الميم هنا زائدة لأي شيء؟ للدلالة على المفاعلة، حينئذٍ نقول: دالة على الفاعل لا إشكال فيه وهي مصدر، وأما الميم الزائدة لغير المفاعلة كالمضرب والمحمدة نقول: هذه ليست هي الميم التي في مضاربة، ومقاتلة، ومشاركة .. تلك دالة على المفاعلة، وهي مصدر قطعاً، وهذه قيل بأنها اسم مصدر لا مصدر، والصواب أنها مصدر، حينئذٍ لا يدخلُ في هذا النوع. والاحترازُ بغير مفاعلة من نحو: مضاربة، لقولك: ضارب مضاربة فإنها مصدر. وهذا قلنا يعملُ وِفاقاً؛ لأنه مصدر في الحقيقة. الثالث: لا هذا ولا ذاك، يعني ما لم يكن علماً وما لم يكن مبدوءاً بميم زائدة مثل: عطاء، وكلام، وسلام إلى آخره، هذا محلّ خلاف بينَ النحاة. وغير هذين فيه خلاف فمنعَه البصريون وأجازَه الكوفيون، والصوابُ الجواز لورود السماع، فإذا صحَّ السماع في لغة العرب، حينئذٍ حكمنا به ولو بقلة، حينئذٍ نقول: اختلفوا في النوع الثالث وهو ما لم يكن علماً كفجار ولا مبدوءاً بميم زائدة لغير مفاعلة، هذان نوعان متقابلان، الأول ممنوع اتفاقاً، والثاني جائز اتفاقاً، والخلاف هل هو مصدر أو اسم مصدر؟ والصواب أنه مصدر، حينئذٍ سقطَ هذا النوع. ما بينَهما ما ليسَ ذا ولا ذاك، حينئذٍ محلّ خلافٍ بينَ النحاة، فمنعَهُ البصريون وأجازَه الكوفيون، والصواب هو الجواز. إذن: (وَلاِسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ) هذا تابعٌ لما سبق، كأنه ذكرَ في البيتين أمرين اثنين: المصدر، ثم اسم المصدر، والفرقُ بينَهما من جهة اللفظ، إذا قيل بأن المصدر يدلُّ على الحدث مُباشرة، واسم المصدر بواسطة، قد يكون ثَم فرقٌ من جهة المعنى، وأما من جهة الحروف فلا شكّ أن ثَم فرقاً بينهما، ويُشترَط في اسم المصدر في إعماله ما يشترط في المصدر. ثم قال رحمه الله: وَبَعْدَ جَرِّهِ الَّذِي أُضِيفَ لَهْ ... كَمِّلْ بِنَصْبٍ أَوْ بِرَفْعٍ عَمَلَهْ (وَبَعْدَ جَرِّهِ) هذا مصدرٌ مضاف إلى الفاعل، بعد هذا منصوب على الظرفية مُتعلّق بقوله: ً (كَمِّلْ) كمل بعدَ جرّه الذي أُضيف له.

يعني: قد يُضاف المصدر إلى ما بعده؛ لأنه يعملُ مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ، وهو اسمُ، والأصلُ في كل اسم أنه يقبلُ الإضافة، وهذا لا يمنع مِن إضافته مانع، حينئذٍ إذا أُضيف إلى ما بعدَه فإن احتاجَ إلى منصوب كمِّله، يعني أضفْه ثم انصبْ ما بعده على أنه معمول للمصدر، أو إن احتاج إلى مرفوع كذلك كمّله، حينئذٍ قد يُضاف إلى المفعول ويحتاج إلى الفاعل، قد يُضاف إلى الفاعل ويحتاج إلى المفعول، فما أُضيف إليه وافتقرَ إلى الآخر سواء كان فاعلاً فيرفع أو مفعولاً فينصب. كَمِّلْ هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، لكن ليسَ هذا مراد الناظم وإنما المراد الإباحة، يعني إن أردتَ التكميل .. تكميل إعمال المصدر المفتقر إلى الفاعل ارفعه بعد إضافته إلى ما بعدَه، وإذا افتقرَ وأردتَ تكميله بالمنصوب حينئذٍ بعدَ إضافته إلى ما بعده انصب، كمل إن أردتَ التكميل فالأمر للإباحة لا للوجوب، لماذا؟ لأنه يجوزُ أن يضاف للفاعل ولا يذكر معه مفعول، والعكس، قد يُضاف إلى الفاعل ولا نحتاج للمفعول، (عجبتُ من ضرب زيد) انتهينا، (عجبتُ من ضرب زيدٍ) ضرب مصدر، أُضيف إلى فاعله، حينئذٍ ما نحتاج إلى المفعول، (عجبتُ من ضرب زيدٍ عمراً) كملته، هذا جائز ليس بواجب، إلا في حالة واحدة وذلك فيما إذا كان (ضرب زيد) معروفاً بينك وبين المخاطب، حينئذٍ لا بُد من ذكر المفعول به لا يجوزُ حذفه؛ لأنه لا تحصلُ الفائدة التامة إلا بذكرِ المفعول، لو عرفت أنك ضربت .. أعرف أنك ضربت، فجئتَ تقول: ضربتُ؛ هل حصلت الفائدة؟ لم تحصل الفائدة التامة، حينئذٍ نقول: لا بُد من ذكر الفضلة هنا، وهذا الذي ذكرَه الصبان أنه ما افتقرَ من الفضلات تعينَ فصار داخلاً في الإسناد وما لا فلا، يعني ما لم يكن مُفتقراً إليه في الفائدة حينئذٍ لا يدخل، وهذا مسألة خلافٍ بين النحاة، أكثرُ النحاة .. جماهير النحاة على أن الفضلات كلها ليست داخلة في حقيقة الإسناد .. في الكلام، والظاهرُ كلام الصبان أولى، أنه إن افتقرَ الكلام إليه حينئذٍ لا بُدّ من ذكره، وإن لم يفتقر حينئذٍ يجوزُ حذفه ويجوز ذكره، فإذا كان ثم عِلمٌ بضربك زيد .. بإيقاع الضرب منك ولم يعلم المفعول به حينئذٍ تعينَ ذكر المفعول وإلا لا داعي لذكر المسند والمسند إليه. (كَمِّلْ بِنَصْبٍ أَوْ بِرَفْعٍ) كمل هذا إباحة؛ لأنه قد يجوزُ ذكر الفاعل ويحذف المفعول والعكس بالعكس؛ لأنه في هذا المقام يجوزُ حذف الفاعل كما ذكرناه سابقاً، أن مِن الفوارق بين المصدر وفعله أنه يجوزُ حذف الفاعل مطلقاً. وَبَعْدَ جَرِّهِ يعني جرّ المصدر. (الَّذِي) .. هذا مثال طبق القاعدة هو فيه، جَرِّهِ (جرّ يجر جرّاً) مصدر، أضافَه إلى الهاء بعد جرّ المصدر، أضافه إلى الفاعل الهاء يعود على المصدر وهو فاعل.

(الَّذِي أُضِيفَ لَهْ) الذي هذا مفعول به للمصدر، إذن كملنا بعد الإضافة نصبنا، وهذا تقعيدٌ أو مثال لما ذكرَه، وَبَعْدَ جَرِّهِ أي جرّ المصدر الَّذِي أُضِيفَ لَهْ: يعني المضاف إليه. الذي أُضيف المصدر إليه، كَمِّلْ بِنَصْبٍ إن كان مضافاً إلى الفاعل، إن أُضيف إلى الفاعل كمّله بنصب يعني للمفعول به، (أَوْ) هذه مانعة خلوّ فتُجَوِّزُ جمعاً، بِرَفْعٍ إن كان مضافاً إلى المفعول؛ لأنك إذا كمّلته بالنصب معناهُ أنه أُضيف إلى المرفوع .. الفاعل، وإن كمّلته بالرفع معناهُ أنه أُضيف إلى المفعول، (بِرَفْعٍ عَمَلَهْ) عَمَلَهْ مفعول لكمل، وبنصب لكمل وعمله، يحتمل هذا ويحتمل ذاك. نقول للمصدر المضاف خمسة أحوال: الأول: أن يُضاف المصدر إلى فاعله، ثم يأتي مفعوله، هذه حال وهذا كثير جداً، ومنه قوله تعالى: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:251] هذا واضح، ولولا أن يدفعَ اللهُ الناسَ، إذن (دفعُ) مصدر، وهو مبتدأ والدليل: وَبَعْدَ لَوْلاَ، بعد (لولا) لا يكون إلا مبتدأ. إذن (دفعُ) نقول مبتدأ وهو مصدر، أُضيف إلى لفظ الجلالة، لفظ الجلالة في المعنى فاعل، وأما في الاصطلاح ليس بفاعل؛ لأن الفاعل لا يكون إلا مرفوعاً هذا الأصل فيه، ((لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:251] (الناس) مفعول به، إذن بَعْدَ جَرِّهِ .. جرّ المضاف وهو (دفعُ) لفظ الجلالة على أنه فاعل له. (كَمِّلْ بِنَصْبٍ) وهو المفعول به، فقلت: الناسَ، (لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ). إذن الحالة الأولى: أن يُضاف إلى فاعله، ثم يأتي مفعوله. الثاني عكسُه: أن يُضاف إلى المفعول ثم يُذكر الفاعل، عكس الأول، وهو أقل: (أعجبني شربُ العسلِ زيدٌ)، (أن يشرب العسل زيد)، (شرب العسل) هذا من إضافة المصدر إلى مفعوله، زيد بالرفع على أنه فاعل، هاتان الصورتان هي التي نص عليها الناظم كَمِّلْ بِنَصْبٍ، هذا في الحالة الأولى. أَوْ بِرَفْعٍ: وهذه الحالة الثانية. وهل هذه الحالة مخصوصة بالشعر؛ حالة الضرورة أم أنها تجوزُ في النثر؟ هذا محلّ خلاف، والصواب أنها ليست خاصة بالضرورة. ففي الحديث {وحجّ البيتِ مَن استطاع إليه سبيلاً} كمثال وإلا فيه نظر، {حِج البيت مَن استطاع} البيت محجوج إليه وهو مفعول به، مَن استطاع: المستطيع فاعل، لكن هذا فيه نظر من حيث الشرع، وأن يحجّ البيت المستطيع، لكنه قليل .. الثاني قليل، ولذلك الأول أكثر، والصواب هناك: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)) [آل عمران:97] مَن استطاع بدلٌ من الناس؛ لئلا يجب الحجّ على كل مستطيع؛ لأنك لو جعلته فاعلاً لأوجبتَ الحجّ على كل مستطيع، وهذا ليس بوارد، هل كل مستطيع يجبُ عليه الحج؟ ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ)) [آل عمران:97] مَن استطاع فاعل، إذ أعربناه حينئذٍ يجبُ أن يحجّ البيتَ المستطيعُ، وهذا مخالِف للشرع، لا يجب الحجُ على كل مُستطيع، قد يكون حجّ سابقاً، وقد يكون ثم عذر آخر، على كل هذا كمثال فقط.

الحالة الثالثة: أن يُضاف إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول، وهذا تأويل لقوله: كَمِّلْ، قلنا كَمِّلْ المراد به الإباحة. أن يُضاف إلى الفاعل ثم لا يذكر المفعول نحو: ((وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ)) [التوبة:114] وما كان استغفارُ إبراهيمِ ربَّه، أن يستغفرَ إبراهيمُ ربه، أين المفعول به؟ محذوف، وما كان استغفارُ إبراهيم ربه، ((رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)) [إبراهيم:40] دعائي إياك، حذف المفعول. الرابع: قد يُضاف إلى مفعوله ويُحذف فاعله، يجوزُ أو لا يجوزُ أن يحذف الفاعل؟ قلنا مِن الفوارق بين المصدر والفعل أنه اختُلِف فيه هل يرفع نائب فاعل أو لا؟ والأمر الثاني أنه يجوزُ حذفُ فاعله، ولا يتحمّل الضمير، يعني: يُحذف مباشرة. الرابع: قد يُضاف إلى مفعوله ويُحذف فاعله، وحذف فاعل المصدر جائز، وهو مما يفارقُ فيه المصدر الفعل، ((لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ)) [فصلت:49] يعني: من دعائه الخير، الخير هذا مفعول به، من دعاء الخير، من دعائه حذف الفاعل. خامساً: أن يُضاف إلى الظرف، فحينئذٍ يرفعُ وينصبُ، هذا واضح بيّن. كالمُنَوَّن نحو: (أعجبني انتظار يوم الجمعة زيدٌ عمراً)، أُضيف إلى الظرف ثم رفع ونصب، (أعجبني انتظار) انتظار مصدر، انتظر ينتظر انتظاراً، أُضيف المصدر إلى أي شيء هنا؟ انتظار يومِ الجمعة أو اليومِ زيدٌ عمراً رفع ونصب. إذن هذه خمسة أحوال باعتبار الإضافة، إما أن يُضاف إلى الفاعل ثم يُذكر مفعوله، وإما أن يُضاف إلى المفعول ثم يُذكر فاعله، وهذه محلّ خلاف، وإما أن يُضاف إلى الفاعل ويُحذف المفعول أو بالعكس، أو يُضاف إلى الظرف فيرفع وينصب .. هذه خمسة أحوال داخلة في قوله: وَبَعْدَ جَرِّهِ -يعني: جرّ المصدر- الَّذِي أُضِيفَ. أُضيف المصدر لَهْ عائد على الَّذِي، لَهْ جارٌّ ومجرور مُتعلّق بقوله: أُضِيفَ، وأُضيف هذا مُغيّر الصيغة ونائب الفاعل ضمير مُستتر يعودُ على المصدر، (كَمِّلْ) بعد ذلك كمل، كمل بعد جرّه الذي أُضيف له بِنَصْبٍ (أَوْ بِرَفْعٍ عَمَلَهْ) المذكور السابق. وَجُرَّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ وَمَنْ ... رَاعَى فِي الاِتْبَاعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ (وَجُرَّ) هذا فعل أمر.

(مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ) يعني: جرّ تابع المجرور، من أينَ أخذنا تابع؟ ومن أين أخذنا المجرور؟ (تابع) مِن كلام المصنف، جر تابع، مَا يَتْبَعُ: (ما) اسم موصول بمعنى الذي، يَتْبَعُ صلة الموصول، الموصول مع صلته في قوّة المشتق التابع. مَا جُرَّ: جُرّ هذا مُغير الصيغة الذي جرّ، الموصول مع صلته في قوة المشتقّ، وهنا مجرور، وجر تابع المجرور، يعني: إذا أضفتَ المصدر إلى ما بعده، قلنا إما أن يكونَ فاعلاً وإما أن يكونَ مفعولاً، باعتبار اللفظ، ما حكمه في الحالين؟ باعتبار اللفظ ((وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ)) [التوبة:114] قلنا: إبراهيم هذا مجرور، كيف مجرور ومنصوب في اللفظ؟ ممنوعٌ من الصرف، هذه نيابة عن الكسرة، فهو مجرور، ((وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ)) [التوبة:114] قلنا: استغفارُ هذا مصدر أُضيف إلى إبراهيم، إذن هو في اللفظ مجرور، ولو أُضيف إلى المفعول به أعجبني شربُ العسل، حينئذٍ أُضيف إلى المفعول، في اللفظ هو مجرور، إذا أُتبع بأن أُكِّد أو عُطِف عليه أو وُصِف .. حينئذٍ لك حالان: إما أن تُراعي اللفظ فتجرّه، وإما أن تُراعي المحل فترفع إن كان مُضافاً إلى الفاعل وتنصب إن كان مضافاً إلى المفعول. فالمضافُ إليه المصدر إن كان فاعلاً فمحله رفعٌ، وإن كان مفعولاً فمحله نصبٌ إن قدر بـ (أن) وفعل الفاعل، وإن قدر بـ (أن) وفعل المفعول، فتقول: (عجبتُ من ضرب زيدٍ الظريفُ)، (عجبتُ من ضربِ زيدٍ) إذا حذفتَ المفعول تقول: الظريفُ الظريفِ. (وَجُرَّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ) إذن جرّه فقل: (عجبتُ مِن ضرب زيدٍ الظريفِ) بالخفض مراعاة للفظ، وهو أرجح من الرفع. ولذلك قدّمه هنا قال: (جُرَّ)، (وَمَنْ رَاعَى فِي الاِتْبَاعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ) أي: فهو حسن، يعني إذا قلت: (عجبتُ مِن ضربِ زيدٍ الظريفُ) بالرفع، لماذا رفعتَ؟ مراعاة لمحل زيد ومحله الرفع؛ لأنه فاعل، يجوز فيه الوجهان، فإذا جررتَه حينئذٍ العامل في المنعوت هو العامل في النعت، هذا لا إشكالَ فيه، فتقول: (عجبتُ من ضرب زيد الظريفِ) بالخفض، ما العامل فيه؟ ضرب العامل في زيد، وإن رفعت حينئذٍ هذا فيه خلاف. (وَجُرَّ مَا يَتْبَعُ) جُرَّ هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، و (ما) هذا اسم موصول بمعنى الذي في محلّ نصب، يَتْبَعُ فعل مضارع، والفاعل هو، والجملة لا محلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، والموصول مع صلته في قوّة المشتق التابع، حينئذٍ يكونُ الناظم قد أطلقَ التابع هنا، فشملَ جميع التوابع، النعت، والبدل وعطف النسق، وعطف البيان .. إلى آخره. (مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ) (ما) مفعول لقوله: يتبع، وجُرّ هذا مُغير الصيغة مراعاة للفظه وهو الأحسن، ولذا بدأَ به يعني قدَّمه. أي: جُرّ تابع المجرور الذي هو ما أُضيف إليه المصدر، ومحل جرّ التابع ما لم يمنع منه مانع. (وَمَنْ رَاعَى فِي الاِتْبَاعِ) وَمَنْ رَاعَى: مراعاة يعني انتبه أو لاحظ، ومِن هذا مبتدأ، وراعى فعل ماضي، فَحَسَنْ: الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، هذا أحسن، ولو جعلتَ من ابتدائية موصولة والذي راعى في الاتباع المحل فحسن، هذا جيد لا بأس، لكن الشرطية الظاهر أنها أولى.

(وَمَنْ رَاعَى في الاتْبَاعِ) في الاتباع جار ومجرور مُتعلّق بقوله: رَاعَى. (الْمَحَلَّ) هذا مفعول لراعى. (فَحَسَنْ) الفاء واقعة في جواب الشرط، وحَسَنٌ خبر مبتدأ محذوف، أي: فرأيه حسن، أو فهو حسن، أي ما ذكر من مراعاة المحل حسن، أو فرأيه حسن. قال الشارح: إذا أُضيف المصدر إلى الفاعل ففاعلُه يكون مجروراً لفظاً، هذا لا إشكالَ فيه، مرفوعاً محلاً فيجوزُ في تابعه من الصفة والعطف وغيرهما مراعاة اللفظ فيُجر، وهذا الأولى والأرجح، ومراعاة المحل فيرفع فتقول: عجبتُ من شُرب زيدٍ الظريفِ .. الظريفُ، ومن إتباعه على المحل قوله: حَتى تَهَجَّرَ في الرَّواحِ وهَاجَها ... طَلَبَ المُعَقَّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ طَلَبَ هذا مصدر، مُضاف إلى المعقب، وهو فاعله، حقّه مفعول للمصدر، المظلوم صفة للمعقب، رفعهُ باعتبار المحل، وإذا أُضيف إلى المفعول فهو مجرور لفظاً منصوب محلاً، فيجوزُ أيضاً في تابعه مراعاة اللفظ والمحل، ومِن مراعاة المحل قوله: قَدْ كُنْتُ دَايَنْتُ بها حَسَّانا ... مَخَافَةَ الإِفْلاسِ واللِّيَانَ مخافةِ الإفلاسَ هذا الأصل، حينئذٍ أضافَه إلى المفعول به وهو الإفلاس، والليان معطوف عليه وهو تابع، حينئذٍ جازَ فيه الوجهان وهنا نصبَه، فدلَّ على أنه راعى فيه المحل، فالليان معطوف على محل الإفلاس. وظاهرُ كلامِ الناظم جوازُ الإتباع على المحل في جميع التوابع وهو مذهب الكوفيين، لذلك أطلقَ. قال: (وَجُرَّ مَا يَتْبَعُ) أطلقَه ما قيّدَه. فكلّ ما يتبعُ من صفة ونعت وعطف نسق وبدل جُرّه، فالحكم عام، وهو مذهبُ الكوفيين وبعض البصريين، يعني ليس متفق عليه، وذهبَ سيبويه ومَن وافقه وهم جمهورُ البصريين إلى أنه لا يجوزُ الإتباع على المحل، وفصّل أبو عمرو فأجازَ العطفَ والبدلَ ومنعَ في التوكيد والنعت، والظاهر الجوازُ لورودِ السماع والتأويل خلاف الظاهر، والصواب الجواز. خاتمة: المصدر المقدّر بالحرف المصدري والفعلِ مع معموله كالموصول مع صلته، فلا يتقدّم ما يتعلّق به عليه، يعني معمول المصدر لا يتقدّم عليه، متى؟ إذا قُدِّر بـ (أن) والفعل، أو (ما) والفعل؛ لأنه لا يكونُ عاملاً إلا إذا قُدّر بهذين النوعين، حينئذٍ جازَ أن يعملَ، فإذا كان كذلك لا يتقدّم عليه معموله، كما لا يتقدّم على الموصول مع صلته، والمضاف مع المضاف إليه، سبقَ أن معمول المضاف إليه لا يتقدّم على المضاف، ولا يفصِل بينهما، كذلك المصدر المقدّر بالحرف المصدري والفعل مع معموله كالموصول مع صلته، فلا يتقدّمُ ما يتعلّقُ به عليه، كما لا يتقدّم شيء من الصلة على الموصول، هذا مذهب الكثيرين. وقال الرضي: أنا لا أرى منعاً من تقديم معموله عليه، -الرضي شرح الكافية لابن الحاجب، ودائماً إذا نقلوا عن الرضي فمرادُهم من الكافية، وهي من أجودِ ما شُرحت به الكافية-. لا أرى منعاً من تقديم معموله عليه، -ولذلك يعبرون عنه بالمحقق، يعني له كلامٌ متين جيد، وشرحُه قوي-، أنا لا أرى منعاً مِن تقديم معموله عليه إذا كان ظرفاً أو شبهه، يعني جوّزَ الظرف وشبه الظرف وهو الجار والمجرور، جوّزَ أن يتقدّم على المصدر إذا كان المصدر عاملاً.

قال تعالى: ((وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ)) [النور:2] بهما جار ومجرور متعلق بقوله: رَأْفَةٌ، تقدّمَ عليه أو لا؟ تقدّمَ عليه، والمانع يقول: مُتعلّق بمحذوف حال، الذي يمنع. وقال: ((فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)) [الصافات:102] لما بلغَ السعي معَه ظرف تعلّقَ بقوله: السعي، أن يسعى أن يَرأف، إذن هو عامل، ومعه متعلّق بالسعي فتقدّمَ عليه، والمانع يقول: مُتعلّق بمحذوف حال، الذي يمنعُ. ومثله في كلامهم كثير، والتأويلُ تكلُّف، دائماً يؤُوّل يؤُوّل! لا. وليسَ كلّ مُقدّر من شيء حكمه حكم ما قُدّر به، يعني يقول: بأنه إذا قُدّر العمل هنا بـ (أن) والفعل وهو الموصول وصلته، لا يلزم منه أنه يُساويه في جميع الأحكام، وإنما هنا نقول: هو مُقدّر بـ (أن) مصدرية وصلته في تجويد العمل فحسب، وأما كل الأعمال والأحكام التي تتعلّق بـ (أن) والفعل و (ما) والفعل نُنزّله على هذا؟ لا. فرق بين المسألتين. وليسَ كلّ مُقدر بشيء حكمه حكم ما قُدّر به، ومعه مُتعلق بمحذوف الحال. ثانياً: لا يُفصل بينهما بأجنبي، وهو ما ليسَ مُتعلقاً بالمصدر، ولا مُتمماً له، كالمبتدأ والخبر وفاعل غير المصدر ومفعوله، وغير الأجنبي ما هو مُتعلّق به ومُتمم له، كفاعل المصدر ومفعوله والظرف والمجرور المتعلقين به، يعني لا يفصل بينَ العامل والمعمول هنا في المصدر ومعموله إلا بما له تعلّق بالمصدر، يعني ما لم يكن أجنبياً، وسبقَ أن الأجنبي وغير الأجنبي هنا المراد به: ما كانَ مُتعلقاً بالمصدر، فكلّ ما كانت له علاقة بالمصدر في كونه معقولاً قدّم وأخّر، وأما إذا كان أجنبياً هذا لا يجوز. فلا يجوزُ (ضربي حسن زيداً في الدار)، (ضربي زيداً في الدار حسنٌ)، ضربي: مبتدأ، وحسن: خبر، إذا قلت: ضربي زيداً الأصلُ أن يكون مُتصلاً به، إذا قلت: (ضربي حسن زيداً) فصلت بين العامل وهو المصدر ومعموله وهو المفعول به بأجنبي وهو الخبر. ويجوزُ: (ضربي زيداً في الدار حسن) على الأصل، أما المصدر الآتي بدلاً من اللفظ بفعله، فالأصحُ أنه مساوٍ لاسم الفاعل في تحمل الضمير وجوازُ تقديم المنصوب به، والمجرور بحرف يتعلّق به عليه؛ لأنه ليسَ بمنزلة موصول ولا معمول بمنزلة صلته، يعني المصدر الآتي بدل فعله لا يأخذُ هذا الحكم ضرباً زيداً، ولذلك قيل: زيداً منصوبٌ بضرباً وقيل: منصوب بالمحذوف. إِعْمَالُ اسْمِ الفَاعِلِ كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ ... إِنْ كَانَ عَنْ مُضِِيَّهِ بِمَعْزِلِ إِعْمَالُ اسْمِ الفَاعِلِ، ما هو اسم الفاعل؟

اسْمُ الفَاعِلِ ما دلَّ على حدث وفاعله، جارياً مجرى الفعل في الحدوث والصلاحية للاستعمال بمعنى الماضي والحال والاستقبال، هكذا عرفه المكودي في شرحه، فخرجَ بقوله: ما دلَّ على حدث وفاعله مضروب وقام؛ لأن مضروب يدلُّ على حدث ومفعوله، وقام يدلُّ على حدثٍ وزمنٍ، لا يدلُّ على الحدث والفاعل، وإنما لما أرادت العربُ أن تضع لفظاً يدلُّ على ذات الفاعل مُتلبساً بمدلول الحدث وضعوا له اسم الفاعل، ولذلك اسم الفاعل مُغاير للفعل في الدلالة على الفاعل، اسم الفاعل يدلُّ على الفاعل بالوضع، دلالة وضعية، والفعل يدلُّ على فاعله بدلالة الالتزام وهي دلالة عقلية، وفرقٌ بين الدلالة العقلية والدلالة الوضعية، والثاني أقوى من الأول. فلما أرادت العربُ أن تضع لفظاً يدلُّ على فاعل القيام قيل: قائم، وفاعل الضرب قيل: ضارب، بخلاف (ضربَ وقامَ)، فلا يدلُّ على الضارب إلا من جهة الاستلزام وهم أرادوا أن يضعوا له ما يدلُّ عليه بجهة الوضع؛ لأن البحث اللغوي وكذلك الوضعي في اللغويات، يعني الألفاظ، وأما العقليات فهذا الأصل فيه أنها لا يبحثون فيها ولا يضعون لها أشياء، إنما الموضوع له هو ما يلفظ به. اسْمُ الفَاعِلِ عرّفَه في التسهيل بقوله: هو الصفة الدالّة على فاعل، صفة والصفة: ما دلَّ على ذات وحدث، دلَّ على ذات وحدث هذا لا يختصّ باسم الفاعل؛ لأن اسم المفعول دلَّ على ذات وحدث، وكذلك الصفة المشبهة دلّت على ذات وحدث، واسم التفضيل كذلك دلَّ على ذات وحدث، إذن ليسَ خاصاً باسم الفاعل. هو الصفة الدالّة على فاعل، إذن أخرجَ ما دلَّ على المفعول، أو ما لا يدلُّ على الفاعل كالصفة المشبهة. جارية في التذكير والتأنيث على المضارع، من أفعالها لمعناه، معنى المضارع أو معنى الماضي، فالصفةُ جنسٌ يدخل فيه كل المشتقات: اسم الفاعل، اسم المفعول، وأمثلة المبالغة، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل؛ لأنه قدرٌ مُشترك، ومعنى الصفة عندَ النحاة ما دلَّ على ذات وحدث، بخلاف الصفة عند الصرفيين، فهو جنس. والدالة على فاعل أي: فاعل حدث تلك الصفة، يعني الذي أوجدَ ذلك الحدث، ذات وحدث، ذات أحدثت هي التي أوجدت هذا الحدث، إذن هذا اختصَّ به ما دلَّ على فاعل وأخرج سائر الصفات. والدالّة على فاعل أي: فاعل حدث تلك الصفة لإخراج اسم المفعول، وما بمعناه، اسم المفعول كمضروب ومقتول، هذا يدلُّ على ذات وحدث، كما أن (قاتل وضارب) يدلُّ على ذات وحدث، إلا أن مقتول دلَّ على ذات وحدث وقع عليه، وقاتل دلّ على ذات وحدث وقع منه القتل، فرق بينهما. وما بمعناه .. بمعنى اسم المفعول كفعيل؛ لأن فعيل كما سيأتي يأتي بمعنى اسم المفعول كقتيل بمعنى مقتول، وكالمصدر الذي بمعنى مفعول، نحو: الدرهم ضرب الأمير، سبقَ أن المصدر قد يُراد به اسم الفاعل، وقد يُراد به اسم المفعول، يعني يطلق المصدر ويُراد به اسم الفاعل، ويطلق المصدر ويُراد به اسم المفعول.

(ضرب الأمير) أي: مضروبه؛ لأنه صفة تأويلاً لا من حيث اللفظ، فيكون داخلاً في الجنس فهو صفة، فاحتيج إلى إخراجه، وكفُعْلة بضم الفاء وسكون العين كضُحكة، ضُحْكة وضُحَكَة، ضحكة أي: مضحوك عليه، ضُحْكة بضم الفاء وإسكان العين هذا بمعنى اسم المفعول كـ (ضرب الأمير)، وكقتيل بمعنى مقتول، فإن فتحت العين كان بمعنى الفاعل كضُحَكَة، ضُحْكة هذا اسم مفعول، ضُحَكَة اسم فاعل، أي ضاحك على غيره، والأول مضحوك عليه، ضُحْكة هذا مضحوك عليه، وضُحَكَة هذا ضاحك على غيره. وكذا هُمزة ولُمزة، يعني يَهمِزُ غيره ويَلمِزُ غيره. إذن الدالّة على فاعل لإخراج اسم المفعول وما بمعناه وهو فعيل والمصدر الذي أُريد به اسم المفعول وفُعْلة بإسكان العين. وجارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها لإخراج الجارية على الماضي نحو: فرِحٌ، فرِح فرِحٌ هذا مثله. وغير جارية أي: على شيء من الأفعال نحو: كريم. كريم لم يَجرِ على شيء من الأفعال، وهو صفة مشبّهة كما سيأتي في محلّه. والتأنيث لإخراج نحو: (أهيف) فإنه لا يجري على المضارع إلا في التذكير، لأن مؤنثه (هيفاء) كما سيأتي، لمعناه أي: مفيدة معنى المضارع من حال أو استقبال ومثلهما الاستمرار تجدد -هذا زاده الصبان-. ولمعناه أو معنى الماضي لإخراج نحو: (ضامر الكشح) من الصفة المشبهة؛ لأنها للاستمرار الدوامي. سيأتي أنّ اسمَ الفاعل يضاف إلى فاعله إذا قُصِد به الدوام والثبوت، وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يعملُ يكون صفة مشبهة. ولمعناه أو معنى الماضي لإخراج نحو (ضامر الكشح، طاهر القلب) من الصفة المشبهة أي: الجارية على المضارع في الحركات والسكنات، وإلا فـ (فرح وكريم وأهيف) صفات مشبهة كما سيأتي. ولا تنافي بين ما هنا من إخراجها من اسم الفاعل ثم يذكرها في أبنية أسماء الفاعلين؛ لأن نظرَ النحاة من جهتين: من جهة الصيغة ومن جهة المعنى، لا يوجدُ اسم فاعل من الثلاثي إلا على زِنة (فاعل)، وما عداه كله صفات مشبهة، فإن قُصِد به الحدوث لا الدوام صارَ اسمَ فاعل من جهة المعنى، ولا فاعل .. اسم فاعل مِن غير الثلاثي إلا ما كان على زنة مُفعِل كـ (مُكرِم)، وما عداه فهو صفة مشبهة إلا إذا أُرِيد به الحدوث سيأتي هذا معنا إن شاء الله. وما سيأتي في أبنيةِ أسماء الفاعلين من أنها أسماءُ فاعلين؛ لأن ما هنا باعتبار اصطلاحِهم المشهور، وما سيأتي باعتبار اصطلاح آخر لهم أيضاً. إِعْمَالُ اسْمِ الفَاعِلِ: إذن اسمُ الفاعل قد يعملُ وهو اسم، والأصلُ فيه عدمُ العمل، فحينئذٍ يرد السؤال: لماذا أُعمل اسمُ الفاعل؟ قالوا: لشبهِهِ الفعل المضارع في اللفظ والمعنى، فأمّا المعنى فإنه قد يُدلُّ به على الحال أو الاستقبال، فحينئذٍ وافقَه معنى، وأمّا في اللفظ فيوافقُه في الحركات والسكنات وعدد الحروف، والمراد بالحركات مُطلق الحركات لا عين الحركة، فـ (ضارب) على وزن (يضرب) إذن حركة ثم سكون، ثم محلّ إعراب، (ضارب يضرب) وافقه في الحركات والسكون، الأول مُتحرّك في (يض) و (ضا)، والثاني ساكن يض .. والألف ثم المتحرك، إذن وافقَه في مُطلق الحركة لا في عينها وشخصها؛ لأن هذا ليسَ بشرط.

إذن لما وافَقه في اللفظ والمعنى حُمِل اسم الفاعل على المضارع في العمل، فرفع ونصب، حينئذٍ يرفعُ مُطلقاً، يعني بلا شرط، ولكن إذا أُريد أن ينصب ما بعدَه على أنه مفعول له أول أو ثاني أو ثالث، حينئذٍ لا بُد من شرط يُقرّبه إلى الفعل؛ لأن الرفع قد يُشارِك الفعلَ الحرفُ، والاسم كذلك يرفع، أما النصب فالأصلُ أن يكون من خصائص الفعل، فحينئذٍ إذا أُرِيد نصب اسم الفاعل لا بد من شيءٍ يُقرّبه إلى الفعل المضارع، فاشتُرِط له شرطان: أن يكونَ بمعنى الحال أو الاستقبال، وأن يعتمدَ على شيء قبله، أشارَ إلى الأول بقوله: (إِنْ كَانَ عَنْ مُضِِيَّهِ بِمَعْزِلِ)، وأشارَ إلى الثاني بقوله: وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً .. البيت، فحينئذٍ نحكمُ عليه بكونه عاملاً عمل فعله. قال الناظم: إِعْمَالُ اسْمِ الفَاعِلِ كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ في الْعَمَلِ .. بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ الْحِقْ فِي الْعَمَلْ، كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ في الْعَمَلِ تعدياً ولزوماً، إن كان الفعلُ لازماً، فاسم الفاعل يكونُ لازماً يرفعُ ولا ينصب، وإذا كان الفعل مُتعدّياً لواحد فاسم الفاعل يتعدّى لواحد، وإذا كان الفعل مُتعدياً لاثنين فاسم الفاعل كذلك يتعدّى لاثنين، وإن كان الفعل يتعدّى إلى ثلاثة فكذلك اسمُ الفاعل يتعدّى إلى ثلاثة. إذن: كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ: اسْمُ فَاعِلٍ مبتدأ، كَفِعْلِهِ كائن كفعله. (فِي الْعَمَلِ) هذا مُتعلّق بما تعلّق به الكاف كَفِعْلِهِ، كائن كفعله في العمل، كَفِعْلِهِ وقوله: فِي الْعَمَلِ مُتعلّقان بمحذوف .. اسْمُ فَاعِلٍ، أي في عمل التعدي إن كان فعله مُتعدياً، وعمل اللزوم إن كان فعلُه لازماً، وإنما قال فِي الْعَمَلِ لمخالفة اسمِ الفاعل الفعلَ في جواز إضافته لمعموله؛ لأن الفعلَ لا يُضاف كما سبق، والإضافةُ مِن خصائص الأسماء، فحينئذٍ يختصُّ اسمُ الفاعل يعني ينفردُ عن الفعل مع كونه يعملُ عملَ الفعل في جوازِ إضافته لمعموله، وأما الفعلُ فلا يُضاف إلى المعمول البتة. ودخولُ اللامِ على معموله المتأخر ((فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)) [هود:107] أنا ضاربٌ لزيد، قلنا اللامُ هذه قياسية، لام زائدة. بخلاف الفعل فيهما، وفي أنه يصحُّ أن يقع هو ومعطوف عليه خبراً عن مثنى، أو وصفاً له، فيمتنعُ تقديمُ معمولِه عليه نحو: (هذان ضارب زيداً ومكرمه)، هذان: مبتدأ، وهو مثنى، ضارب: خبر، كيف صحَّ الإخبار بمفرد عن المثنى؟ نقول: هنا يُستثنى؛ لأنه عُطفَ عليه مثلَه، هذان ضاربٌ زيداً ومكرمُه، فلما عُطِف عليه مثله صحَّ الإخبارُ به عن مثنى، وجاءَ رجلان ضاربٌ زيداً ومكرمُه، ضاربٌ: هذا نعت، كيف هو نعت وهو مُفرد واحد ضارب، ورجلان منعوت وهو مثنى؟ لأنه عُطِف عليه مثله، إذن إذا عُطِف على الوصف مثله حينئذٍ صحَّ أن يُخبَر به عن مثنى، وصحَّ أن يُخبَر أن يُوصَف به مثنى، جاء رجلان ضاربٌ الأصل الاتحاد الموصوف وصفته، هذا الأصل، فحينئذٍ كيفَ هنا خالف؟ نقول: لكونه عُطِف عليه مثله، (جاءَ رجلان ضاربٌ زيداً ومكرمُه) بخلاف الفعل.

(كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ) يعني: أن اسم الفاعل يعملُ عملَ فعله فيرفع الفاعل إن كان فعلُه لازماً نحو: (أقائم الزيدان)، (أقائم الزيدان) قائم قلنا: هذا اسم فاعل رفع الزيدان، على أنه فاعل له، وينصب المفعول إن كان فعلُه مُتعدّياً لواحد نحو: أضارب زيدٌ عمراً، لما كان هناك قامَ زيد لا يتعدّى، كذلك اسم الفاعل لا يتعدّى، فقيل: (أقائم الزيدان) يرفعُ فقط، ولا ينصب، ولما كان هنا (أضارب زيد عمراً) ضارب في مقام (ضرب)، حينئذٍ ضرب يتعدّى إلى مفعول واحد، كذلك اسم الفاعل يتعدّى إلى مفعول واحد، وينصبُ مفعولين إن كان فعلُه مُتعدّياً إلى اثنين نحو: (أمعط زيدٌ عمراً درهماً)، عمراً درهماً مفعولان لمعطٍ وهو اسم فاعل؛ لأن أعطى يتعدّى إلى اثنين. وهذه كلها مُستفادة من قوله: (كَفِعْلِهِ). قال: لا يخلو اسم الفاعل مِن أن يكون مُعرّفاً بـ (أل) أو مجرداً من (أل)؛ لأن له حكمين، فإن كان مجرداً مِن (أل) عمِلَ عَمَلَ فعلِه من الرفع والنصب، إن كان مُستقبلاً أو حالاً نحو: (هذا ضارب زيداً الآن أو غداً) وإنما عمِلَ لجريانه على الفعل الذي هو بمعناه وهو المضارع. إذن: أُعمِل اسمُ الفاعل لكونه أشبهَ الفعل المضارع في اللفظ والمعنى. ومعنى جريانه عليه أنه مُوافِق له في الحركات والسكنات، والمراد مُطلق الحركات لا خصوصها. والسكنات وعدد الحروف؛ لموافقة (ضارب) لـ (يضرب) فهو مُشبه للفعل الذي هو بمعناه لفظاً ومعنى. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ... !!!

79

عناصر الدرس * أنواع اسم الفاعل ,وشروط عمل المجرد * عمل اسم الفاعل المحلى بأل * صيغ المبالغة وعملها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد .. قال الناظم رحمه الله تعالى: إِعْمَالُ اسْمِ الْفَاعِلِ. كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ ... إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ عرفنا حقيقة اسم الفاعل، وعرفنا أنه يعمل عمل فعله في التعدي إن كان فعله متعدياً، ويعمل اللزوم إن كان فعله لازماً، وعرفنا وجه إعمال اسم الفاعل، أنه أشبه الفعل المضارع لفظاً ومعنى، لفظاً من حيث دلالته على الحال أو الاستقبال، ومن حيث اللفظ موافقته له في حركاته وسكناته وعدد الحروف. وهنا شرط شرطين يعني لكن لا يعمل العمل المذكور إلا بشرطين: إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ، وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً ... فإن وجد الشرطان حينئذٍ صح إعماله، فإن انتفيا أو انتفى أحدهما، حينئذٍ لا يعمل عمل الفعل المضارع. وهل هذان الشرطان لعمل اسم الفاعل مطلقاً ولو رفعاً، أم أنهما شرطان لعمل النصب فحسب دون الرفع؟ محل نزاع، والأكثر على أن هذين الشرطين لعمله النصب فحسب، وأما الرفع فهذا جائز مطلقاً. إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ، يعني: كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ، اسم فاعل كائن كفعله، في ماذا؟ في العمل. مطلقاً؟ لا. لكن لا يعمل العمل المذكور إلا بشرطين، وهذا شرط في عمله النصب لا في عمله الرفع، ومثله الشرط الآتي وهو الاعتماد، إن كان اسم الفاعل عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ، بِمَعْزِلِ هذا خبر كان، وعَنْ مُضِيِّهِ: جار ومجرور متعلق بقوله: مَعْزِلِ، مَعْزِلِ هذا اسم مكان، إن كان اسم الفاعل بمعزل عن مضيه، عَنْ مُضِيِّهِ، أي: مضي حدثه بمعزل، أي: في مكانٍ عزلٍ، أي: إبعاد، والمكان هنا مجازي بمعنى التركيب، لأن الباء هنا ظرفية، بِمَعْزِلِ: الباء هنا بمعنى في، لأن المعزل اسم مكان، أي إن كان في مكان العزلة عن المضي، إن كان معزولاً عن دلالته على المضي حينئذٍ يعمل، مفهومه إن دل على غير المضي وهو الحال أو الاستقبال عمل، إذن نفى ما إذا كان اسم الفاعل دالاً عليه لا يعمل، إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ: إن كان في عزلة عن دلالته على إيقاع حدث في زمن قد مضى وانتهى، حينئذٍ في هذه الحالة لا يعمل. والأحوال ثلاثة: الحال، أو الاستقبال، أو الماضي، إذا تعين أنه لا يعمل إلا إذا عُزل عن حالة المضي فسكت عن الحالتين الأخريتين فدل على أنه لا يعمل إلا إذا كان دالاً على الحال أو الاستقبال. إن كان في مكان العزلة عن المضي، والهاء في مُضِيِّهِ عائدة على اسم الفاعل، والمعنى عليه: إن كان اسم الفاعل بمعزل عن المضي المنسوب إليه، إذا كان بمعنى الماضي، ولذلك يشترط فيه إذا كان مجرداً .. والكلام في المجرد عن (أل) كما ذكرناه أن اسم الفاعل نوعان، مجرد عن (أل): ضارب، ومحلى بـ (أل): الضارب، المحلى بـ (أل) سيأتي ذكره، وأما هذان الشرطان فهما شرطان في المجرد.

إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ بأن كان دالاً على الحال أو الاستقبال، هذا ضارب زيداً الآن أو غداً، هذا ضارب زيداً، ضارب: هذا اسم فاعل، عمل لكونه أشبه الفعل المضارع، في الحركات والسكنات وفي المعنى، وهنا دل على زمن هو الحال، هذا ضارب زيداً الآن، غيَّرته، من باب التأكيد فحسب، وإلا لو أطلق انصرف إلى الحال، هذا ضارب زيداً غداً، قيدته، حينئذٍ يعمل عمل فعله، فهو دال على الاستقبال. إن كان دالاً على المضي حينئذٍ لا يعمل، (هذا ضارب زيداً أمسِ) لا يصح، لا يصح أن يكون زيداً منصوب بـ (ضارب)، بل تجب حينئذٍ الإضافة، فيقال: (هذا ضاربُ زيدٍ أمس) ولا يجوز إعماله، لماذا؟ لتخلف شرط من شرطي إعمال اسم الفاعل النصب، وهو كونه: بمعزل عن المضي، فإن كان دالاً على الماضي حينئذٍ لا يعمل عمل فعله. وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل، لأنه حينئذٍ لا يكون بمعنى: يضرب، وإنما يكون بمعنى: ضرب، وإذا كان كذلك حينئذٍ صار بمعزل عن العمل. لعدم جريانه على الفعل الذي هو بمعناه فهو مشبه له معنىً لا لفظاً، يعني من حيث الدلالة على الحدث، دل على الحدث وهذا لا إشكال فيه، فلا تقول: هذا ضاربٌ زيداً أمس، بل تجب إضافته، تقول: هذا ضاربُ زيدٍ أمس، وأجاز الكسائي إعماله مطلقاً، يعني المجرد جوز الكسائي إعماله مطلقاً، ولم يقيده بدلالته على زمن الحال أو الاستقبال، بل عنده الماضي كذلك يعمل عمل الفعل، يعني ينصب، واستدل بقوله تعالى: ((وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ)) [الكهف:18] بَاسِطٌ، هذا خبر، كَلْبُهُمْ مبتدأ، وباسط خبره، وفيه فاعل مستتر، هو أي: الكلب. ذِرَاعَيْهِ: تثنية ذراع، جاء بالياء، إذن هو منصوب بـ (بَاسِطٌ)، وهنا باسط هذا دال على الزمن الماضي، هكذا قال: باسط، ((كَلْبُهُمْ بَاسِطٌ)) [الكهف:18] والحكاية حكاية شيء وقع في زمن مضى، حينئذٍ صار باسط بمعنى بسط ذراعيه، فليس بمعنى الحال أو الاستقبال وقد نصب هنا .. نصب ذراعيه، هكذا استدل الكسائي بهذه الآية. فذراعيه منصوب بـ (بَاسِطٌ)، وهو ماضٍ، وأجيب من جهة المانع بأنه حكاية حال ماضية، والمعنى يبسط ذراعيه، يعني: باسط وإن كان في ظاهره أنه بمعنى الماضي، إلا أنه في معنى الاستقبال، بدليل ما قبله وهو قوله: ((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18]، ما قال: قلبناهم، ((وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ)) [الكهف:18]، ثم قال: ((وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ)) [الكهف:18] إذن يبسط ذراعيه. ولم يقل: وقلبناهم، حينئذٍ صارت المسألة حكاية حال ماضية، بأن يفرض ما وقع واقعاً الآن فيعبَّر عنه بالمضارع، إذن لا وجه لاستدلال الكسائي بالآية، لأن (باسط) وهو ماض قد عمل في (ذراعيه) فنصبه وهو بمعنى الماضي، فالجواب أن (بَاسِطٌ) هنا بمعنى: (يبسط)، بدليل سياق الآية، لأنه قال: ((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18] ما قال: وقلبناهم، لما قال: ((وَنُقَلِّبُهُمْ)) [الكهف:18]، علمنا أن باسط بمعنى يبسط، لا بمعنى بسط.

إذن يشترط في اسم الفاعل أن يعمل النصبَ كعمل فعله، حينئذٍ يشترط له أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، فإن كان بمعنى الماضي حينئذٍ لا يعمل، لماذا؟ لفقد وجه المشابهة بينه وبين الفعل المضارع، لأنه إنما عمل لكونه أشبه الفعل المضارع في اللفظ والمعنى، فحينئذٍ وهو عامل في قوة: (يضرب)، وأما إذا كان بمعنى الماضي في قوة: (ضرب)، فأشبه الفعل الماضي ولم يشبه الفعل المضارع فبعد الشبه فضعف العمل بل بطل العمل. إذن: كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعلٍ فِي الْعَمَلِ ... ... إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ أي: مضي حدثٍ بِمَعْزِلِ: أي في مكان عزلٍ أي: إبعاد. والمكان هنا مجازي بمعنى: التركيب، بـ (مَعْزِلِ): بأن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، لأنه إنما عمل حملاً له على المضارع، وهو كذلك أي المضارع بمعنى الحال أو الاستقبال، فإذا كان بمعنى الماضي حينئذٍ صار بعيداً عن مشابهة الفعل المضارع. وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً: هذا الشرط الثاني، أن يكون معتمداً على شيء قبله، هذه قاعدة عامة، أن يكون معتمداً على شيء قبله، لماذا؟ قالوا لأنه إذا اعتمد على شيء قبله قرَّبه من الفعل فأثبت وأكَّد مشابهته للفعل، فقوي حينئذٍ، أو قويت المشابهة بينه وبين الفعل، وولي ما يقرِّبه من الفعلية. وَوَلِيَ، أي: اسم الفاعل، ما يقرِّبه من الفعلية، بأن (ولي)، ذكر هنا استفهاماً، أو نداءً، أو نفياً، أو صفةً، أو مسنداً، خمسة أشياء، وعند التفصيل ستة أشياء؛ لأن الصفة هنا المراد بها بالمعنى الأعم، ما يشمل الصفة التي هي النعت، وما يشمل الحال؛ لأن الحال وصف في المعنى، أَوْ جَا صَفَةً، يعني: نعتاً أو حالاً، حينئذٍ عند البسط هي ستة أشياء. هذه تقرب اسم الفاعل من الفعل، متى؟ إن وقع اسمُ الفاعل إما تالياً لبعض ما ذكر، أو حالاً في محل بعض ما ذكر، إن ولي اسم الفاعل ما يقربه من الفعلية، بأن ولي استفهاماً بأن وقع بعد استفهام مطلقاً سواء كان الاستفهام ملفوظاً به أو مقدراً. أضارب زيدٌ عمراً؟ أقائم الزيدان؟ أضاربٌ زيدٌ عمراً؟ ضاربٌ، نقول هذا اسم فاعل، هل يعمل مطلقاً؟ الجواب: لا، بل لا بد من تحقق شرطين: الشرط الأول: أن يكون ضارب بمعنى الحال أو الاستقبال، وهذا قد تحقق هنا. الشرط الثاني: أن يكون معتمداً على شيءٍ وقد اعتمد هنا على استفهام. آآ أضارب، إذن سبقه استفهام، أن يكون اسم الفاعل تالياً لاستفهام، سواء كان حرفاً أو اسماً. فحينئذٍ (أضارب) نقول: هذا وجد فيه الشرطان. (زيدٌ) هذا فاعل لضارب. (عمراً) هذا مفعول به لضارب، عمل الرفع والنصب. ومنه المقدر نحو: مُهِينٌ زَيْدٌ عَمْراً أم مُكْرِمُهُ، أم هذه ماذا تسمى؟ تسوية، حينئذٍ تقع بعد همزة التسوية، إذن في الكلام ما هو محذوف، أمهين .. أمهين .. أين الهمزة؟ محذوفة، مهين هذه اسم فاعل، أهان، يهين، فهو مهين، أكرم يكرم، فهو مكرم، حينئذٍ مهين نقول هذا اسم فاعل، عمل لكونه معتمداً على استفهام وهو مقدر بدليل (أم). وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ للتنويع حَرْفَ نِدَا يعني: ولي حَرْفَ نِدَا، مثل ماذا؟ يَا طَالِعاً جَبَلاً. (جَبَلاً): مفعول به لـ طالعاً. و (طَالِعاً): هذا منادى منصوب، وهو اسم فاعل.

إذن عمل فيما بعده، لماذا؟ لتحقق الشرطين: أولاً: كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، وليس بمعنى المضي. ثانياً: كونه تالياً لنداء .. لحرف نداء، فإذا كان اسم الفاعل تالياً لنداء، يعني: وليه .. ولي نداء، حينئذٍ صار مسوغاً له ومعتمداً عليه. أَوْ حَرْفَ نِدَا نحو: يَا طَالِعاً جَبَلاً، هكذا أورده المصنف رحمه الله تعالى، والصواب أن النداء ليس من ذلك في شيء، لماذا؟ لأننا نريد أن نقرِّب اسم الفاعل من الفعلية، حينئذٍ لا بد أن يلي شيئاً يقربه ولا شك أن النداء من خصائص الأسماء، ولذلك هو من علامات الأسماء، فيكف يكون مقرباً له؟ هذا محل إشكال. والصواب: أن النداء ليس من ذلك، والمسوِّغ إنما هو الاعتماد على الموصوف المقدر، والتقدير: يا رجلاً طالعاً جبلاً، يا رجلاً طالعاً، فـ (طالعاً) هذا صفة لموصوف محذوف، إذن اعتمد على ماذا؟ على موصوف محذوف، وسيأتي أن الصفة قد تكون مذكورة، وقد تكون محذوفة. إذن: يَا طَالِعاً جَبَلاً، أصله: يا رجلاً طالعاً جبلاً؛ لأن حرف النداء، مختص بالاسم فكيف يكون مقرباً من الفعل، وأجيب بأن الناظم لم يدَّعِ أنه مسوِّغ، إنما قال: يلي، فقط يلي، حينئذٍ إذا وليه لا يلزم منه أن يكون المسوغ له حرف النداء، وإنما شيء آخر وهو اعتماده على موصوف مقدر، إذن لماذا ذكره؟ ذكره لئلا يتوهم متوهم أن اسم الفاعل إذا ولي النداء، والنداء من خصائص الأسماء ألا يعمل، فدفعاً لهذا الوهم ذكره، إذن لم يدعِ الناظم هنا أن النداء مسوغ، بل أن الوصف إذا ولي حرف النداء عمل، هذا مراده، ولذلك قال: وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا، إذا جاء اسم الفاعل بعد حرف النداء يعمل، لم يقل بأنه اعتمد عليه، وهذا لا ينافي كون المسوغ الاعتماد على الموصوف المحذوف، وإنما صرح به هنا مع كونه داخلاً في قوله الآتي: وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ لدفع توهم أن اسم الفاعل لا يعمل إذا ولي حرف النداء لبعده عن الفعل، إذن: دفعاً لهذا الوهم ذكره هنا وإلا الأصل أنه داخل في البيت الآتي: وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ ومنه أن يكون تالياً للنداء، كل ما وجدت اسم فاعل تالياً لحرف النداء فاعلم أنه ليس معتمداً عليه وليس المسوغ له حرف النداء، وإنما هو موصوف محذوف. يَا طَالِعاً جَبَلاً، يعني: يا رجلاً طالعاً جبلاً، وذِكرُ الناظم هنا له ليس لكونه مسوغاً لذاته، وإنما لدفع وهم ألا يتوهم متوهم أن حرف النداء من خصائص الأسماء، فإذا تليه -وهذا ظاهر-، إذا تليه اسم الفاعل فالمتبادر للذهن أنه لا يعمل؛ لأنه قد تلى ما هو من خصائص الأسماء، هذا الظاهر، فذِكرُه هنا حينئذٍ لا ينافيه. أَوْ نَفْياً: أَوْ للتنويع، نَفْياً يعني: بعد أداة نفي ولو تأويلاً، مثل: ما ضاربٌ زيدٌ عمراً، (ما): حرف نفي، (ضاربٌ) هذا اسم فاعل، عمل لوجود وتحقق الشرطين، وهما: كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، وقد اعتمد على نفي، والنافي هنا حرف.

ما ضاربٌ زيدٌ عمراً، زيد فاعل لضارب، وعمراً هذا مفعول به. والمراد هنا أو نفياً يعني: ولي أداة نفي، ولو تأويلاً، إنما قائم الزيدان، إنما أداة حصر، إنما قائمٌ الزيدان، الزيدان هذا فاعل لقائم، وقائم هنا اعتمد على نفيٍ تأويلاً، يعني: إنما متضمن لمعنى النفي، لأنها للقصر والحصر، والقصر فيه نفي، كأنه في قوة ما قائم إلا الزيدان، إنما قائمٌ الزيدان، أي ما قام إلا الزيدان. أَوْ جَا صِفَةً، جَا بدون همز، وهذا لغة، جا يجي، وجاء يجيء بالهمز وبدون، أَوْ جَا صِفَةً، يعني جاء اسم الفاعل صفة لغيره، بأن كان نعتاً، حينئذٍ اعتمد على المنعوت، أو كان حالاً حينئذٍ اعتمد على صاحب الحال، إذن: متكئ على شيء سابق. مَرَرَتُ بِرَجُلٍ ضَارِبٍ زيداً، (ضارب) صفة لرجل، (زيداً) هذا مفعول به، عمل اسم الفاعل لكونه معتمداً على موصوف مذكو، وهو: (رجل). أو حالاً: جاء زيدٌ راكباً فرساً، جاء زيدٌ فعل وفاعل، راكباً حال، وهو اسم فاعل، كونه حال لا يمنع أن يعمل، حينئذٍ: ما المسوغ له؟ كونه معتمداً على موصوفٍ في المعنى، لأن صاحب الحال محكوم عليه وهو موصوف في المعنى، أما نقول الحال قيد لعاملها وصفٌ لصاحبها؟ إذن أَوْ جَا صِفَةً يشمل النعت النحاة، ويشمل الحال، فكلٌ منهما صار مسوغاً لاسم الفاعل أن يعمل النصب فيما بعده. أَوْ جَا صِفَةً، ثم هذه الصفة قد تكون ملفوظة، وقد تكون مقدرة، والمقدرة أفردها ببيت خاص. أَوْ مُسْنَدَا. إذن: أَوْ جَا صِفَةً، مراد الناظم هنا ليست الصفة الخاصة التي هي مرادفة للنعت، وإنما المراد بها الأعم، ما يشمل النعت والحال. أَوْ مُسْنَدَا يعني جاء مسنداً لمبتدأ، يعني خبراً لمبتدأ في الحال، أو لما أصله مبتدأ، حينئذٍ تقول: زيدٌ ضارب عمراً، زيد مبتدأ وضارب خبر، كونه خبراً معتمداً على المبتدأ، فكأنه موصوف في المعنى، فضارب هذا معتمد، كونه مسنداً قد اعتمد على المبتدأ، حينئذٍ نصب ما بعده. إن زيداً ضاربٌ عمراً، هذا مسند باعتبار الأصل. كان زيدٌ ضارباً عمراً. ظننت زيداً ضارباً عمراً. أعلمت زيداً بكراً ضارباً عمراً. أَوْ مُسْنَدَا يعني كونه خبراً، خبر لمبتدأ قبل دخول الناسخ، وخبر لما هو في الأصل مبتدأ بعد دخول الناسخ، فتقول: زيدٌ ضاربٌ عمراً، هل فيها إشكال؟ زيدٌ مبتدأ، ضاربٌ عمراً، ضارباً هنا خبر، وعمراً مفعول به لضارب، لماذا عمل؟ لكونه استند. إلى أي شيء؟ كونه خبراً استند إلى المبتدأ .. اتكأ على المبتدأ. إن زيداً ضاربٌ عمراً، هي نفسها، لكن دخلت (إنَّ) وزيداً اسم إن في الأصل هو مبتدأ، وضارب في الأصل هو المسند، إذن نفس الكلام، فالحكم عام. أَوْ مُسْنَدَا لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ، فيشمل خبر إن وخبر كان ومفعول ظن، ومفعول أعلم. زيدٌ ضاربٌ عمراً. كان زيدٌ ضارباً عمراً، (ضارباً) هذا خبر كان منصوب، وهو ناصب لما بعده، حينئذٍ وقع مسنداً. إن زيداً ضاربٌ عمراً، (ضاربٌ) خبر إن. وظننت زيداً ضارباً عمراً، (ضارباً) هذا مفعول ثاني، وعمراً مفعول لضارب، أعلمت زيداً عمراً ضارباً بكراً، أربعة منصوبات، أعلمت: فعل فاعل، زيداً عمراً: مفعول أول وثاني، ضارباً: مفعول ثالث، عمراً: مفعول رابع.

إذن: ضارباً بكراً نقول ضارباً هذا مفعول ثالث، وبكراً ليس مفعولاً رابعاً، لأن أعلم هذه تتعدى إلى ثلاثة، فبكراً مفعول لضارباً؛ لأن المفعول الثالث في باب أعلم قلنا هو الخبر في الأصل، والمفعول الثاني هو المبتدأ، والمفعول الأول هو الفاعل. إذن أَوْ مُسْنَدَا يشمل ما كان مسنداً لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ، إن ولي اسم الفاعل واحداً من هذه الست، مع دلالته على الحال أو الاستقبال، حينئذٍ يعمل، وهل هذه شروط لإيجاب العمل؟ أم لجوازه؟ لجوازه. يعني يجوز أن تقول: ما ضاربٌ زيدٌ عمراً، ما ضاربُ زيدٍ عمراً، يجوز الإضافة ويجوز عدم الإضافة. فإن تخلف شرط من هذين لم يعمل، بأن كان بمعنى الماضي خلافاً للكسائي، فلا تقول: أنا ضاربٌ زيداً أمسِ، كما سبق، أو لم يعتمد على شيء مما سبق خلافاً للكوفيين والأخفش، ولذلك سبق: يَجُوزُ نَحْوُ فَائِزٌ أُولُو الرَّشَدْ، فَائِزٌ هل اعتمد على شيء؟ لا، هذا مذهب الأخفش والكوفيين، فلا يجوز ضاربٌ زيداً أمس، ضارب هكذا دون أن يعتمد على شيء لا يصح، هذا اجتمع فيه تخلف .. ضاربٌ زيداً أمس، تخلف الشرطان؛ لأن ضارب هنا لم يعتمد على شيء، لم يل استفهاماً ولا نفياً ولا نداء ولا ولا الخ، وكذلك جاء بمعنى الماضي. إذن: ضاربٌ زيداً أمسِ تخلف فيه الشرطان، وعلى مذهب الكسائي إذا جوز عدم الاعتماد جائز؛ لأن الماضي عنده يعمل، وإذا قيل في مذهب الكوفيين أنه لا يشترط فيه الاعتماد، حينئذٍ يعمل، إذن ليس متفق عليها. فلا يجوز ضاربٌ زيداً أمسِ لانتفاء الشرطين الاعتماد وكونه لغير الماضي، وهذا الخلاف بين الجمهور والكسائي في عمل الماضي دون (أل) بالنسبة إلى لمفعول به. يعني الخلاف هل يعمل وهو ماضي أو لا؟ وهل يعمل إذا اعتمد أو لا؟ خلاف في عمل الماضي في المفعول به، يعني في عمل النصب، وإن كان ظاهر كلام الناظم الإطلاق؛ لأنه قال كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ، مطلقاً. إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ، في العمل سواء رفع ولم ينصب أو نصب ولا بد وأن يرفع، فهو مطلق، ولكن ظاهر كلام كثير من النحاة أن هذين الشرطين إنما هما للنصب فحسب، وأما الرفع فلا. وهذا الخلاف بين الجمهور والكسائي في عمل الماضي دون (أل) بالنسبة للمفعول به. وأما رفعه الفاعل فذهب بعضهم إلى أنه لا يرفع الفاعل؛ لأنه يشترط فيه ما اشترط في النصب، لا يرفع الظاهر، وقيل يرفعه وهو ظاهر كلام سيبويه، يعني ولو كان بمعنى الماضي. قال السيوطي: - وهو الأصح - يعني يرفع الظاهر ولو لم يعتمد، ولو لم يكن بمعنى الحال أو الاستقبال. قال السيوطي - وهو الأصح – لكن بشرط الاعتماد، إذن منهم من أطلق، ومنهم من اشترط الشرط الثاني دون الأول. إذن هل يعمل اسم الفاعل ماضياً؟ نقول ليست المسألة محل وفاق، جمهور النحاة على المنع، وبعضهم فصَّل: إن اعتمد جاز، وإن لم يعتمد فلا، وهذا الذي رجحه السيوطي، ومنهم من منعه مطلقاً، وهو قول الجماهير.

إذن: أما رفعه الفاعل، فذهب بعضهم إلى أنه لا يرفع الظاهر، وقيل يرفعه وهو ظاهر كلام سيبويه، قال السيوطي: وهو الأصح، لكن بشرط الاعتماد، وحينئذٍ فشرط عمل الرفع في الظاهر الاعتماد لا كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، هذا على رأي السيوطي، لا كونه بمعنى الحال أو الاستقبال. وأما المضمر أي البارز، فحكى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه وحكي المنع، البارز الضمير يعني أضاربٌ أنت؟ هل يرفعه مطلقاً ولو كان بمعنى الماضي، ولم يعتمد؟ حكى ابن عصفور الاتفاق على أنه جائز، وحُكِيَ المنع. وأما المستتر فيرفعه بلا خلاف، إذن للنصب لا بد من تحقق شرطين، للرفع دون النصب لا يشترط تحقق الشرطين، وشرط السيوطي الاعتماد دون الحال أو الاستقبال، وأما البارز وحينئذٍ لا يشترط لا هذا ولا ذاك، وأما المستتر فيرفعه بلا خلاف .. على هذا التفصيل. إذن الظاهر والله أعلم أن تحقيق الشرطين إنما هما للنصب فحسب، وأما ما عداه فلا ... . وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ ... أَوْ نَفْياً أَوْ جَا صِفَةً أَوْ مُسْنَداَ فَيَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ الَّذِي وُصِفْ (قَدْ) هذه للتقليل، وإن شئت قل: للتحقيق، لا بأس، لكن الظاهر أنه للتقليل، وَقَدْ يَكُونُ اسم الفاعل نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ، هذا تعميم لقوله: أَوْ جَا صِفَةً، يعني الموصوف قد يكون مذكوراً كما ذكرناه سابقاً، وقد يكون محذوفاً. وكونه نعتاً لمحذوفٍ لا يمنع كون اسم الفاعل عاملاً فيما بعده، وقد يكون اسم الفاعل نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ، عُرِفَ يعني: معروف؛ لماذا؟ وهذا قيد لبيان الواقع فحسب لأنه لا يحذف إلا بقرينة، أما ما لا يعرف بعد الحذف فلا يجوز حذفه مطلقاً وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ، ومن المضرة له أن لا يعلم وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ، إذن ما لا يعلم لا يجوز حذفه. وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ، يَكُونُ هو، نَعْتَ هذا خبر يكون إذن يكون هذه ناقصة، ونَعْتَ مضاف ومَحْذُوفٍ مضاف إليه، وعُرِفَ مغير الصيغة والجملة في محل جر نعت لمَحْذُوفٍ، يعني أن اسم الفاعل يأتي معتمداً على موصوف محذوف، ما الحكم؟ فَيَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ الَّذِي وُصِفْ، يَسْتَحِقُّ يعني يثبت له، الْعَمَلَ كما استحقه ما هو صفة لمذكور. إذن لا فرق بين الصفة لمذكور أو صفة لمحذوف، ما دام أن اسم الفاعل وقع صفة عمل مطلقاً، سواء كان الموصوف مذكوراً ملفوظاً به مَرَرَتُ بِرَجُلٍ ضَارِبٍ، أو كان الموصوف محذوفاً، لكن لا بد أن يكون معروفاً. فَيَسْتَحِقُّ وهذه عاطفة على ما سبق، يَسْتَحِقُّ اسم الفاعل المعتمد على نعت محذوف الْعَمَلَ الَّذِي هذا نعت للعمل، وُصِفْ مع المنعوت الملفوظ به، الَّذِي وُصِفْ أين وصف لك؟ في قوله: وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أوْ حَرْفَ نِدَا، أوْ جَا صِفَةً، هذا الذي وصف لك، مطلقاً سواء كان الموصوف مذكوراً أو محذوفاً. قد يعتمد اسم الفاعل على موصوف مقدَّر فيعمل عمل فعله كما لو اعتمد على مذكور.

ومنه قوله: وَكَمْ مَالِئٍ، مالئ، ملأ، يملأ، مالئ، اسم فاعل من ملأ، وَكَمْ مَالِئٍ عَينَيهِ هذا مفعول به، مَالِئٍ عَينَيهِ، كم شخصٍ مالئٍ عينيه، إذن اعتمد على موصوف محذوف. ومنه: يَا طَالِعاً جَبَلاً، يا رجلاً طالعاً جبلاً، قيل منه: ((مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)) [النحل:69]، يعني: صنف مختلف ألوانه، هذا المثال قد يصلح وقد لا يصلح، إن قلنا بأن الشرطين لا بد منهما في رفع الفاعل الظاهر، حينئذٍ صَلُح، وإن قلنا لا؟ فلا، (مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)، هل نَصب؟ ما نَصب، إذن لا يشترط فيه الاعتماد، لأن الاعتماد إنما يكون للنصب، والرفع .. إذا رفع ظاهراً على قول السيوطي أنه يشترط له الاعتماد دون المضي .. نفي المضي، حينئذٍ صح التمثيل، فتقول: ((مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)) [النحل:69]، أي: صنف، مختلف ألوانه، يَا طَالِعاً جَبَلاً، أي يا رجلاً طالعاً جبلاً. كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَهَا ... فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الْوَعِلُ كَنَاطِحٍ، يعني: كوعل ناطح، حينئذٍ نقول: يعمل اسم الفاعل إذا كان صفة، سواء كان صفة لموصوف محذوف أو مذكور، فالحكم واحد. إذن هذان شرطان ذكرهما الناظم رحمه الله تعالى، قيل من شروط إعمال اسم الفاعل المجرد، يعني غير محلى بأل أيضاً أن لا يكون مصغراً، ولا موصوفاً، ولا منعوتاً، خلافاً للكسائي فيهما؛ لأنهما يختصان بالاسم، التصغير من خصائص الأسماء والوصف والنعت من خصائص الأسماء، فإذا صُغر اسم الفاعل ابتعد شبهه بالفعل، فلا يعمل، وإذا وصف .. نُعِتَ حينئذٍ ابتعد شبهه بالفعل، فحينئذٍ لا يعمل؛ لأنهما يختصان بالاسم فيبعدان الوصف عن الفعلية، ومحل الخلاف إنما هو في عمله في المفعول به. وفي الهمع .. همع الهوامع، قال الكوفييون إلا الفراء ووافقهم النحاس: يعمل مصغراً، يعني خالف الكوفييون أن اسم الفاعل .. لو قيل أنا ضويرب زيداً، صح أو لا؟ على مذهب البصريين: لا، لأن ضويرب تصغير ضارب اسم الفاعل، واسم الفاعل من شروط إعماله أن لا يصغر، فإن صغر حينئذٍ ضعف أو ابتعد شبهه بالفعل؛ لأنه إنما عمل لكونه أشبه الفعل المضارع، فإذا قيل ضويرب حينئذٍ ابتعد شبهه. أنا ضاربٌ مبرحٌ أو شديدٌ زيداً فوصفته قبل العمل حينئذٍ نقول هذا لا يعمل لأن الوصف من خصائص الأسماء. قال في الهمع: قال الكوفيون إلا الفراء ووافقهم النحاس: يعمل مصغراً، بناءً على مذهبهم، أن المعتبر شَبَهُهُ الفعل في المعنى لا في الصورة، يعني في دلالته على الحدث، كون هذا يدل على الحدث، وهذا يدل على الحدث، إذن اشتبها، هذا محل إعمال اسم الفاعل، أو هذا وجه الشبه بين اسم الفاعل والفعل. قال ابن مالك في التحفة: وهْو قَوِيٌّ، يعني القول بكون المصغر يعمل، وهْو قَوِيٌّ بدليل إعماله محولاً للمبالغة، اعتباراً بالمعنى لا للصورة، وقاسه النحاس على التكسير. إذن: في كونه يعمل مصغراً أو موصوفاً خلافٌ بين النحاة، والأولى: أن يقال: إن سُمع إعماله تصغير وهو مصغراً، فحينئذٍ لا يقال بكون التصغير أبعده عن مشابهة الفعل؛ لأنه سيأتي أن ما سوى المفرد وهو المثنى والجمع، يعمل عمل المفرد.

ولا شك أن التثنية والجمع من خصائص الأسماء، فإذا سُمِعَ عمله وهو مثنى، لأننا الآن نحن قد خرجنا عن أصل، الأصل في اسم الفاعل أن لا يعمل، حينئذٍ إذا أُعمل وقد ظهرت شروطٌ لإعماله، ووُجد بعض ما سمع من كلام العرب ما يصح أن يكون قاعدة أو استثناء كإعمال المثنى أو الجمع، أو إعمال المصغر، أو المنعوت، حينئذٍ نقول لا شك في جواز إعماله إن سمع، وإن لم يسمع حينئذٍ نبقى على الأصل، فيستثنى المثنى والجمع في كونه من خصائص الأسماء وقد ثُني اسم الفاعل وعَمِل، وجُمِع اسم الفاعل وعَمِل، يستثنى هذا ويمنع التصغير والنعت. هذا إذا لم يسمع، فإن سُمِعَ حينئذٍ لا بد أن يُقال به، لا بد أن يقال بأنه لا يشترط فيه أن لا يكون مصغراً ولا يكون موصوفاً، وإن كان من خصائص الأسماء، كما ذكرناه في المصدر مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ كونه من خصائص الأسماء أن يحلى بـ (أل) أو يضاف، لا يمنع العمل، لأن المسألة هنا توقيفية، يعني موقوفة على السماع، لأنه خروج عن الأصل، هذا الأصل فيه. وَقَدْ يَكُونُ نَعْتَ مَحْذُوفٍ عُرِفَ ... فَيَسْتَحِقُّ الْعَمَلَ الَّذِي وُصِفْ ما هو العمل الذي وصف؟ مع المنعوت الملفوظ به، هذا مقصوده. وَإِنْ يكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي ... وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي هذا النوع الثاني من نوعي اسم الفاعل. قلنا: يعمل مجرداً يعني منوناً، والثاني: أن يحلى بـ (أل). الشروط السابقة الأربعة في المجرد من (أل) لا بد من أوصاف تقيده من أجل أن تقربه من الفعل، وأما المحلى بـ (أل) الذي دخلت عليه (أل) حينئذٍ يعمل بلا قيد ولا شرط، فكل اسم فاعل دخلت عليه (أل)، حينئذٍ يعمل مطلقاً، لماذا؟ لأن (أل) هذه موصولية، وإذا دخلت على اسم الفاعل حينئذٍ (أل) الموصولية من خصائص الجملة الفعلية، يعني الأصل أن لا يليها إلا فعل وَجُمْلَةٌ أَوْ شِبْهُهَا الَّذِي وُصِلْ بِهِ. حينئذٍ لما ولي اسم الفاعل (أل) قربه تقريباً كلياً من الفعل؛ لأن (أل) الموصولة لا يليها إلا فعل، هذا الأصل، حينئذٍ لا نحتاج إلى أن نقول بمعنى الحال أو الاستقبال. فإن عمل اسم الفاعل وهو محلى بـ (أل)، وكان بمعنى الحال أو الاستقبال، فهو بمعنى الفعل المضارع، وإن عمل بمعنى الماضي؛ لأنه يعمل، حينئذٍ صار بمعنى الفعل الماضي. الضارب زيداً الآن، الضارب زيداً غداً، الضارب زيداً أمس. الضارب زيداً الآن أو غداً، يعني الذي يضرب. الضارب زيداً أمس، الذي ضرب زيداً أمس. كما أن الجملة الفعلية بنوعيها - المضارع والفعل الماضي - يتلو الاسم الموصول، كذلك (أل). وَإِنْ يكُنْ اسم الفاعل صِلَةَ أَلْ صلةَ، بالنصب على أنه خبر، يكن واسمها ضمير مستتر يعود على اسم الفاعل، صِلَةَ أَلْ مضاف صِلَةَ مضاف و (أَلْ) قُصِد لفظه، مجرور بالمضاف. فَفِي الْمُضِي وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي. الفاء هذه واقعة في جواب الشرط إن، إِنْ يكُنْ صِلَةَ أَلْ أين الجواب؟

فإِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي ففِي الْمُضِي وَغَيْرِهِ، هذا التقدير، فإِعْمَالُهُ إعمال هذا مبتدأ والضمير يعود إلى اسم الفاعل، قَدِ ارْتُضِي قد للتحقيق، ارْتُضِي .. ارتُضيَ هذا مغير الصيغة، خبر المبتدأ والجملة جواب الشرط، وقوله: فَفِي الْمُضِي هذا متعلق بقوله ارْتُضِي، وَغَيْرِهِ معطوف عليه. إذن إن يكن اسم الفاعل صلة (أل) يعني دخلت عليه أل، (أل) التعريف؟؟؟؟، ما الدليل على أنها موصولة؟ لأنه قال: صِلَةَ أَلْ صلة، يعني ما بعد (أل) أما نقول جاء الذي قام أبوه، قام أبوه صلة؟ صلة الموصول، كذلك الوف قد يقع صلة لـ (أل). فَفِي الْمُضِي وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي، ارْتُضِي فاعله ضمير مستتر يعود على إعماله. مِنْ غَيْرِ شرَطٍْ .. قد ارتضي من غير شرط، لا كونه بمعنى الحال أو الاستقبال، ولا أن يكون معتمداً على شيء يسبقه. إذا وقع اسم الفاعل صلة للألف واللام، عمل العمل المذكور مطلقاً، ماضياً، ومستقبلاً، وحالاً؛ لوقوعه حينئذٍ موقع الفعل والفعل يعمل مطلقاً يعني حالاً أو استقبالاً أو ماضياً، إذ حق الصلة أن تكون جملة، فتقول: هذا الضارب زيداً الآن، أو غداً، أو أمسِ، هذا هو المشهور من قول النحويين، أنه يعمل مطلقاً، وهو الصحيح، وزعم جماعة من النحويين منهم الرماني، أنه إذا وقع صلة لـ (أل) لا يعمل إلا ماضياً، عكس الأول، ما دام أننا هناك في المجرد حرمناه من العمل، فإذا دخلت عليه (أل)، حينئذٍ لا يعمل إلا ماضياً، فإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال لا يعمل إلا إذا كان مجرداً من (أل)، كأنه قسم الأزمنة باعتبار الوصف، إن كان الوصف بمعنى الحال، أو الاستقبال، حينئذٍ لا بد أن يكون مجرداً عن (أل)، وإذا كان بمعنى الماضي، فلا يعمل إلا إذا دخلت عليه (أل)، هذا القول الثاني. وزعم بعضهم - وهو القول الثالث - أنه لا يعمل مطلقاً، وأن المنصوب بعده منصوب بإضمار فعلٍ، والرابع -قول الأخفش- على أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به، إذن أربعة مذاهب في اسم الفاعل إذا كان صلة لـ (أل)، يعمل مطلقاً، وهو مذهب الجماهير، وهو الصواب. لا يعمل مطلقاً، يعمل إذا كان بمعنى الحال، أو بمعنى الماضي فقط، حينئذٍ إذا نُصِب بعده فهو على إضمار فعل، قول الأخفش: أنه منصوب ما بعده على تشبيهه بالمفعول به. وَإِنْ يكُنْ صِلَةَ (أَلْ) فَفِي الْمُضِي ... وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي إذن اسم الفاعل نوعان: مجرد، ومحلى بـ (أل)، يعني صلة (أل)، الأول يشترط في إعمال النصب شرطان، سبق التنبيه عليهما بقوله: إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً .. البيت. والثاني: وهو أن يكون صلة أل: هذا يعمل بلا شرط. ثم انتقل إلى بيان الأمثلة الخمسة: التي هي أمثلة المبالغة. فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ ... فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ

(فَعَّالٌ) مبتدأ، قصد لفظه فصار علماً معرفة، أَوْ مِفْعَالٌ، أَوْ للتنويع، معطوف على فَعَّالٌ، أَوْ فَعُولُ، عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ فِي كَثْرَةٍ، بَدِيلُ هذا خبر، وعَنْ فَاعِلٍ متعلق به، وفِي كَثْرَةٍ متعلق به، إذن بديل فَعِيل، وأُخبر به عن فعَّال وما عُطف عليه، فصار المبتدأ في المعنى جمعاً، والخبر بَدِيلُ، وهو واحد، هل يجوز؟ أو لا يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن بديل هنا على وزن فعيل، فيجوز حينئذٍ الإخبار به عن المفرد والمثنى والجمع، ((وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) [التحريم:4] ظَهِيرٌ: بديل نفسه، والملائكة هذا جمع مبتدأ، وظهير حينئذٍ نقول هذا خبر، وهو في المعنى جمع فحصل التطابق بين المبتدأ والخبر، هنا كذلك، فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ بَدِيلُ عَنْ فَاعِلٍ، بَدِيلُ هذا خبر. وأفرده وهو خبر عن أكثر من واحد؛ لأن فعيلاً يخبر به عن الجمع. إذن هذه الثلاثة وما يُضم إليها في قوله فعيل وفَعِل، صارت خمسة، فمراده بهذين البيتين أن هذه الأمثلة الخمسة متساوية في أنها تعمل عمل اسم الفاعل بالشروط المتقدمة فيه. إذن كلٌ ما اشترط فيما سبق من كونه مجرداً بمعنى الحال أو الاستقبال، وأن يكون معتمداً على شيء سابق، وهو واحد من الأمور الستة السابقة، حينئذ: فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ جاءت بديلاً عن فاعل، في ماذا؟ في الدلالة على الكثرة، ولذلك نقول هي أمثلة مبالغة، مبالغة في ماذا؟ في حصول الحدث، لأنك تقول ضارب يدل على حدث واحد وهو وقوع الضرب، وضرَّاب، فعَّال، يدل على كثرة حدوث الضرب. إذن: صارت دلالة فعَّال وما عطف عليه على الكثرة، إذن هذه الأمثلة الخمسة متساوية في أنها تعمل عمل اسم الفاعل بالشروط المتقدمة فيه. فِي كَثْرَةٍ: هذا اختلف فيه، هل المراد (في كثرةٍ) أن المراد بأن: فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ، تدل على الكثرة وهي التكثير وهي الزيادة في الفعل، ولذلك تسمى أمثلة المبالغة، أو أن المراد بأنها تعمل بكثرة باعتبار ما بعدها، لأنه قيَّد فعيلاً وفعِل بـ قَلَّ، وقال في الأول: في كثرة، إذن هنا الكثرة والقلة باعتبار العمل، وأما باعتبار المعنى فكلها تدل على الكثرة، يعني فعيل من أمثلة المبالغة، حينئذٍ ساوى فعَّالاً وما عطف عليه في الدلالة على كثرة حدوث الحدث. وأما من جهة العمل، وهو ظاهر صنيع الناظم، أن ثمة تفصيلاً، كثرة وقلة، فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ، يأتي بديلاً عن فاعل في عمله وإعماله السابق بكثرة، وأما فعيل وفَعِل فيأتي بديلاً عن فاعل في العمل السابق لكنه بقلة، يحتمل هذا وذاك وإن كان الثاني هو الظاهر. لذا قال المرادي: فِي كَثْرَةٍ أي مراداً به الكثرة، أي التكثير وهي الزيادة في الفعل، ولذلك تسمى أمثلة المبالغة. ويحتمل أن يكون أراد بكثرة أن هذه الأمثلة الثلاثة يكثر فيها العمل المذكور، ويؤيده قوله بعده، وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ، هذا هو الظاهر، أن قوله: فِي كَثْرَةٍ .. وقَلَّ أن المراد به العمل.

فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ، أي كثيراً ما يحوَّل اسم الفاعل إلى هذه الأمثلة لقصد المبالغة والتكثير، هو في نفسها من جهة المعنى لا شك أن المراد بها التكثير يعني تكثير وقوع الحدث، مرة بعد مرة بعد مرة، ولا أقصى له لحده من جهة العلو، وضارب يدل على وقوع ضرب واحد، هذا الأصل فيه، وضرَّاب ومضراب يدل على كثرة، كذلك فعيل عليم وفعل حذر، نقول: هذا يدل على الكثرة، هذا من جهة المعنى. اسم الفاعل حُوِّل إلى هذه الأمثلة الخمسة، ولذلك يقال بأنها محولة، وحوِّلت كما ذكر ابن مالك في التحفة كما سبق أن المراد هنا المعنى، لوحظ المعنى دون اللفظ، فحوِّل فاعل اسم الفاعل، إذن هذه الأمثلة الخمسة مراعاة للمعنى، مع كون فعَّال ومِفعَال وفَعُول وفعِيل وفعِل ليست موافقة للفعل المضارع في اللفظ، ولذلك قوى مذهب الكوفيين أن وجه الشبه هو المعنى لا الصورة، يعني اسم الفاعل إنما عمل لأنه أشبه المضارع في المعنى .. في الدلالة على الحدث والحال والاستقبال. وأما في الصورة لا!! لماذا؟ بدليل الأمثلة المبالغة لأنها تعمل عمل اسم الفاعل وهي موافقة للمضارع في المعنى لا في اللفظ، وهذا قوي. أي كثيراً ما يحول اسم الفاعل إلى هذه الأمثلة بقصد المبالغة والتكثير. ومعنى كون فعَّال وما بعده بديلاً عن فاعل، أن فاعلاً لما كان لا يفيد الكثرة، ناب عنه في إفادتها فعَّال ونحوه وما عُطف عليه. إذن ضارب وفاعل وكل كلمة كانت على وزن فعِل لا تدل على كثرة وقوع الحدث، وإذا أردنا الكثرة حينئذٍ جئنا بواحد من هذه الأمثلة الخمسة. فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ ... فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ، قال: عن فاعل، وفاعل هذا اسم فاعل من الثلاثي، وسيأتي أن غير الثلاثي اسم الفاعل منه على وزن مُفْعِل. إذن هنا قال: عَنْ فَاعِلٍ لا عن مُفعِل، فهذه الأمثلة الخمسة إنما تكون بديلاً عن فاعل من فعل ثلاثي، وأما ما زاد عن الثلاثي فلا، لا تكون بديلة عنه. إذن مُفْعِل لا يكون فعَّال وما عطف عليه بديلاً عنه، ولذلك خص الناظم هنا وزن فاعل -هذه إشارة خفية-، عَنْ فَاعِلٍ: نقول فيه فائدة، أن هذه الأمثلة لا تبنى من غير الثلاثي، وهو كذلك، إلا ما ندر لأن اسم فاعل غير الثلاثي لا يكون على زنة فاعل، بل يكون على زنة مُفعِل مُكرم مُنطلق، إلى آخره ... فَيَسْتَحِقُّ .. الفاء هذه ما نوعها؟ تفريع، لأنه أثبت المساواة أولاً، فعَّال بديلٌ عن فاعل، حينئذٍ فرَّع عن هذه المساواة كون البديل يأخذ حكم المبدل منه، قال: فيستحق، ما هو الذي يستحق؟ فعَّال وما عُطِف عليه فَيَسْتَحِقُّ، وهنا ما قال: فتستحق، لأنها أوزان فهي مؤنثة، تأويلاً بما ذُكر، فَيَسْتَحِقُّ ما ذكر، وإلا لقال فتستحق. فَيَسْتَحِقُّ أي فيثبت له ما له من عمل .. فيستحق الذي له .. الذي كائن له من عمل، مِنْ عَمَلِ هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف بيان لـ (ما)، فـ (من) هنا بيانيه وسبق أن (من) البيانية إذا كانت من المعرفة أعربت حالاً، وإذا كانت من النكرة أعربت صفة.

إذا كانت (من) التي لبيان الجنس، بياناً لمعرفة قلنا الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال، وإذا كان لنكرة حينئذٍ قلنا الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة؛ لأن الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات، وكذلك ما كان في قوة الجملة. إذن فَيَسْتَحِقُّ مَا: الذي، فيستحق ما ذكر، (مَا) اسم موصول بمعنى الذي مفعول به، ولهُ هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، مِنْ عَمَلِ بيان له. فَيَسْتَحِقُّ مَا لهُ مِنْ عَمَلِ، يعني الذي له، لاسم الفاعل، فيستحق ما ذكر من فعَّال وما عطف عليه مَا لهُ ما لاسم الفاعل من عمل، فيرفع وينصِب، لكن بالشروط السابقة. وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ، قَلَّ ذَا، قَلَّ: فعل ماضي، وذَا: اسم إشارة وهو فاعل؟ ما هو ذا؟ المشار إليه ما هو؟ وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا، هل هو الإبدال، أم العمل؟ وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ الإعمال. فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ، قلنا فِي كَثْرَةٍ هذا محتمل، يحتمل نوعين، واحد من أمرين: إما أن يراد به الكثرة المعنوية، حينئذٍ يكون إبدال فاعل إلى فعَّال ومِفعال وفعُول كثير، أكثر من إبدال فاعل إلى فعيل وفَعِل، هذا إذا أردنا به المعنى، وإذا أردنا به العمل حينئذٍ نقول فِي كَثْرَةٍ يعني فعَّال وما عطف عليه إعماله .. إعمال اسم الفاعل أكثر من إعمال فعيل وفعِل، فيحتمل هذا وذاك. وإذا قلنا أن كثرة الظاهر المراد بها العمل، حينئذٍ: وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا الذي هو الإعمال، وإذا أردنا به الإبدال، حينئذٍ قلنا: وَفِيْ فَعِيلٍ قَلَّ ذَا الذي هو الإبدال، وفسره بذلك أظن الصبان، أي الإبدال عن فاعل الكثرة، مع بقاء العمل، هي كلها تعمل، لا شك في ذلك. فكلامه في فعيل وفعِل المحولين عن فاعل؛ لأن فعيل قد يكون محولاً عن فاعل، وقد لا يكون، متى لا يكون إذا كانت صفة مشبهة، هذا سيأتي معنا، وكذلك فعِل كحذر هذا غير محول، والمراد هنا فعيل وفعِل المحولين، وهذا يعرف بالسياق. لا في نحو خبير وبصير، ونحو فرح وأشر، مما وضع من أول الأمر على فعيل وفعل، ولم يكن محولاً عن شيء، فإنه من الصفة المشبهة، وإلا هي تعمل عمل اسم الفاعل. فَعَّالٌ أَوْ مِفْعَالٌ اوْ فَعُولُ فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ ... فِي كَثْرَةٍ عَنْ فَاعِلٍ بَدِيلُ ................................ فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ يعني قبل التحويل بالشروط المذكورة السابقة، وَفِيْ فَعِيلٍ هذا جار ومجرور متعلق بقوله قَلَّ، وقَلَّ ذَا فِيْ فَعِيلٍ، وَفَعِلِ معطوف على فعيل، يفيد أن جميع الأمثلة الخمسة تعمل قياساً وهو الأصح، ما هو هذا؟ قوله: فَيَسْتَحِقُّ مَالهُ مِنْ عَمَلِ، يَسْتَحِقُّ إذا كان مستحقاً حينئذٍ صار القياس فيه أن يعمل، إذا كان مستحقاً لذاته، صار القياس فيه أن يعمل، يفيد أن جميع الأمثلة الخمسة تعمل قياساً وهو الأصح.

وفي التصريح شرح التوضيح: إعمال أمثلة المبالغة قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع، إذن الأمثلة المبالغة تعمل عمل اسم الفاعل لأنها محمولة عليه، وهو قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع، والحمل على أصلها وهو اسم الفاعل، يعني من باب القياس نَقل وعَقل، النقل: السماع، والعقل: الذي هو النظر، حمله على أصلها وهو اسم الفاعل؛ لأنها متحولة عنه لقصد المبالغة، ولم يجوز الكوفييون إعمال شيء منها، لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وهذا يخالف السابق، ولذلك النحاة .. ينتبه لمسألة جمهور البصريين أو جمهور الكوفيين ونحن نورده على المشهور فحسب، وإلا الجماهير يختلفون، الجمهور قد ينفي وهو من جمهور البصريين، وهذا حتى عند الفقهاء، قال: الجمهور على الكراهة، ثم آخر يقول: الجمهور على التحريم، وثالث يقول: الجمهور على الإباحة، لماذا؟ لأنهم يختلفون في معنى الجمهور ما المراد به؟ على كلٍّ سبق أن الكوفيين يرون أن وجه الشبه بين اسم الفاعل والمضارع في كونه محمول عليه في العمل في المعنى لا في الصورة. فقلنا ابن مالك يقول: يقويه أمثلة المبالغة، وهنا يقول لا، انظر يقول: لمخالفتها ولم يجوز الكوفييون إعمال شيء منها لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، ومنعوا تقديمه عليها، ويرده عليهم قول العرب: (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، أما العسل هنا تقدم عليه، حينئذٍ وجه المخالفة هنا ليست كالسابق، يعني هنا خالفت في اللفظ والمعنى، وهناك وافق في المعنى دون اللفظ، يعني أمثلة المبالغة عند الكوفيين لا تعمل لماذا؟ لكونها خالفت المضارع في اللفظ والمعنى، وأما اسم الفاعل عمل عندهم لكونه وافق في المعنى وهو المعتبر. وأما تقديم عاملها عليها فعند الكوفيين يمنع، والصواب الجواز؛ لأنه سمع: (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، وهذا يمتنع. قال الشارح: يصاغ لكثرة فعَّال ومفعال وفعول وفعيل وفعِل، أمثلة خمسة، فيعمل عمل الفعل على حد اسم الفاعل، وإعمال الثلاثة الأُول أكثر من إعمال: فعيل وفعِل، إذن فِي كَثْرَةٍ حملها على العمل، ليست على المعنى، وإعمال فعيل أكثر من إعمال فعِلٍ، لذلك قدمه عليه. فمن إعمال فعَّال ما سمعه سيبويه من قول بعضهم (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، شرَابٌ فعَّال، شرابٌ العسلَ، يعني كثير الشرب للعسل، شرَّابٌ العسلَ، إذن: فعَّال نقول هذا أمثلة مبالغة بديلٌ عن فاعل، أصله: أنا شاربٌ العسلَ، لما أراد الكثرة حوله إلى فعَّال، فقيل: أنا، (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ). وقول الشاعر: أَخَا الْحَرْبِ لَبَّاساً إِلَيْهَا جِلاَلَهَا ... ولَيْسَ بوَلاّج الْخَوَالِفِ أَعْقَلاَ أَخَا الْحَرْبِ لَبَّاساً، لَبَّاساً على وزن فعَّال، جِلاَلَهَا هذا مفعول لِلَبَّاساً. ومن إعمال مِفعال قول بعض العرب: (إنَّهُ لمنْحَاَرٌ بَوَائِكَهَا)، فبوائكها منصوب بمنحار. ومن إعمال فَعُول قوله: قَلاَ دِينَهُ وَاهْتَاجَ لِلشَّوْقِ إنَّهَا ... عَلَى الشَّوْقِ إِخْوَانَ الْعَزَاءِ هَيُوجُ هَيُوجُ فعول، وتقدم معموله هنا عليه، فدل على الجواز خلافاً للكوفيين.

إذن: إِخْوَانَ بالنصب، إِخْوَانَ الْعَزَاءِ هَيُوجُ: هيوج إخوان، فإخوان منصوب بهيوج. ومن إعمال فعِيل قول بعض العرب: إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ دُعَاءِ مَنْ دَعَاهُ، سميع: صيغة مبالغة كثير السمع. ومن إعمال فَعِل: حَذِرٌ أُمُوراً لاَ تَضِيرُ وَآمِنٌ ... مَا لَيسَ مُنْجِيَهُ مِنَ الأَقْدَارِ حَذِرٌ أُمُوراً على وزن: فعِل. وقوله: أَتَاني أَنَّهُمْ مَزِقُونَ عِرْضِي مَزِقُونَ: هذا على وزن فعِل، لكنه مجموع جمع تصحيح، وسيأتي أنه يعمل مثْلَهُ، مَزِقُونَ مزق، عِرْضِي هذا منصوب به. وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مثْلَهُ جُعِلْ ... فِي الْحُكْمِ وَالشُّرُوطِ حَيْثُمَا عَمِلْ نقف على هذا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته وسلم ... !!!

80

عناصر الدرس * حكم المثنى والمجموع من اسم الفاعل * من أحكام معمول اسم الفاعل وتابعه * اسم المفعول وعمله وبعض أحكامه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مثْلَهُ جُعِلْ ... فِي الْحُكْمِ وَالشُّرُوطِ حَيْثُمَا عَمِلْ بمعنى: أن اسم الفاعل قد يكون مفرداً، وقد يكون مثنىً، وقد يكون جمعاً، والجمع قد يكون جمع تصحيح على حد المثنى، وقد يكون جمع تكسير. الحكم الذي جُعل للمفرد .. الكلام السابق كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ والشروط السابقة من حيث الإعمال ونحو ذلك؛ ثابتة للمثنى كما أنها ثابتة للجمع، لكن بتوفر الشروط السابقة. وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ: مَا: مبتدأ. سِوَى الْمُفْرَدِ: غير المفرد أو المثنى والمجموع، سِوَى الْمُفْرَدِ يعني: الذي يقابل المفرد هو المثنى والجمع، وهو المثنى والمجموع أي: من اسم الفاعل وأمثلة المبالغة، والجمع شمل الجمع الذي على حد المثنى وجمع التكسير. مثْلَهُ جُعِلْ: جعل مثله، يعني: مثل المفرد، وجُعِلْ هذا مغير الصيغة، مَا: مبتدأ اسم موصول بمعنى الذي، وجُعِلْ: الجملة خبر، وهو يتعدى إلى اثنين، نائب الفاعل الضمير المستتر هو المفعول الأول، ومثْلَ: هذا بالنصب مفعول ثاني أضيف إلى المفرد. إذاً: الذي سِوَى الْمُفْرَدِ وهو المثنى والمجموع بنوعيه جُعل مثل المفرد في الحكم، هذا متعلق بقوله: جُعِلْ. وَالشُّرُوطِ، يعني: في الشروط السابقة لتحقيق الإعمال، إما مطلقاً في الرفع والنصب أو في النصب على الخلاف السابق. حَيْثُمَا عَمِلْ، حَيْثُمَا، مَا: زائدة، وحيث: ظرف متعلق بجعل، حَيْثُمَا عَمِلْ، يعني: متى ما عمل المفرد والمثنى والجمع لا بد أن يكون مستوياً في الحكم والشروط. حَيْثُمَا عَمِلْ، قلنا: حَيْثُ؛ هذا ظرف متعلق بـ جُعِلْ، ومَا: زائدة، وعَمِلَ: هذه جملة في محل خفض بـ (حَيْثُ)؛ لأن (حَيْثُ) ملازمة للإضافة. إذاً: ما سوى المفرد وهو المثنى والمجموع نحو: الضاربَينِ والضاربَتينِ والضاربِينَ والضراب والضوارب والضاربات؛ فحكمها حكم المفرد في العمل، وسائرِ ما تقدم ذكره من الشروط، وهذا كما سبق في باب (كانَ). وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ وكذلك في باب (ظن وأخواتها) فالحكم واحد، فتقول: هذان الضاربانِ زيداً، زيداً: هذا مفعول به، والعامل فيه: الضاربانِ وهو اسم فاعل مثنى، فعمل المثنى كما يعمل المفرد فلا فرق بينهما، لكن بالشروط السابقة، وهؤلاء القاتِلُونَ بكراً، وكذلك الباقي، ومنه قوله: أَوَالِفاً مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي أَوَالِفاً: جمع آلفة اسم فاعل لمؤنث، وفعله: ألِفَ يألفُ من باب علِمَ يعلمُ. أوَالِفَ: هذا جمع. مَكَّةَ: منصوب بالجمع وهو جمع تكسير. ثُمَّ زادُوا أنَّهم فِي قَوْمِهِم ... غُفُرٌ ذَنْبَهُمُ غيرُ فُخُر غُفُرٌ: بضمتين، غُفُرٌ جمع غفور. إذاً: غفور هذا فعول، حينئذٍ هو من أمثلة المبالغة، عمل وهو جمع، فالحكم عام. إذاً: وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ كما ذكرناه يشمل المثنى والمجموع من اسم الفاعل وأمثلة المبالغة، والجمع يشمل جمع المؤنث جمع التصحيح على حد المثنى وجمع التكسير.

غُفُرٌ ذَنْبَهُمُ: غُفُرٌ هذا خبر (أَنَّ) .. أنَّهم في قومهم غُفُر: خبر (أَنَّ). ذَنْبَهُمُ: بالنصب، والعامل فيه غُفُر جمع غفور، ومنه قوله: ((هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ)) [الزمر:38] (كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ) قراءتان، ((وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ)) [الأحزاب:35] الذاكرينَ الله .. الذاكرينَ، ((خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ)) [القمر:7] خُشَّعًا جمع خاشع، وخاشع: هذا اسم فاعل. إذاً: يعمل مطلقاً، سواء كان مثنىً أو جمعاً بأنواعه فالحكم واحد، والشروط السابقة تشترط في المثنى كما اشترطت في المفرد. ثم قال: وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ ... وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ وَانْصِبْ: هذا أمر، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب، لكن هنا ثَمَّ قرينة صارفة وهي: التخيير بين النصب والخفض، وقدم النصب؛ لأنه الأصل، لأنه إذا وجدت الشروط التي قرَّبت اسم الفاعل من الفعل حينئذٍ الأصل في الفعل أنه ينصب، فإذا وجدت الشروط السابقة كان الأولى أن يعمل. وَانْصِبْ: لا على جهة الوجوب وإنما على جهة الاختيار وهو أولى، ولذا قدمه. بِذِي الإِعْمَالِ: ذي بمعنى صاحب. بِذِي الإِعْمَالِ: أفاد أن ما وجدت فيه الشروط يسمى صاحب إعمال، وما لم يكن كذلك حينئذٍ لا ينصب به، فإذا نصب بغير ذي الإعمالِ وهو الماضي في المجرد من (أل) حينئذٍ حكمنا عليه بكون المنصوب ليس منصوباً باسم الفاعل، لماذا؟ لكونه ليس ذا إعمالِ، وإنما يكون ذا إعمال متى؟ بتحقق الشروط السابقة، فإن انتفت الشروط السابقة حينئذٍ لا ينصب به، فإن وجد منصوب بعده أضمرنا فعلاً محذوفاً، ولا يمكن أن يكون المذكور اسم الفاعل ناصباً له. وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ: أي: بالوصف ذي عمل النصب، ويؤخذ منه: أنه لا يضاف للفاعل وإنما يضاف للمفعول. وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً: متى؟ إذا أضيف إلى ما بعده، حينئذٍ هل يضاف إلى الفاعل أو لا؟ هذه مسألة خلافية. قال الصبان: فهم منه أنه لا يضاف للفاعل وإنما يضاف للمفعول. تِلْواً، يعني: تابعاً له. وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ: يعني اسم الفاعل وأمثلة المبالغة، ما توفرت فيه شروط العمل المذكور. تِلْواً: أي تابعاً. وَاخْفِضِ .. بِذِيْ الإِعْمَالٍ تِلْواً. بِذِي الإِعْمَالِ: جار ومجرور على من يرى أن التنازع لا يشترط فيه تقدم العامل، حينئذٍ تكون المسألة عنده بالتنازع هنا. وَانْصِبْ بِذِى: اخْفِضِ بِذِيْ. تِلْواً: انصب تلواً، اخْفِضِ تِلْواً، إذاً: حصل فيه تنازع، وقد اشترطنا فيما سبق أنه يشترط تقدم العاملين. إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا في اسْمٍ عَمَلْ ... قَبْلُ لا بد من تقدمهما معاً، فإذا قال: ضربتُ زيداً أهنته باب التنازع؟ لا، هنا: انْصِبْ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ مثل: ضربتُ زيداً وأهنته، إذاً: يكون المعمول للأول ويقدر للثاني. وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً. إذاً: بِذِى؛ جار ومجرور متعلق بقوله: انْصِبْ. وتِلْواً: منصوب لقوله: انْصِبْ مفعول به. وَاخْفِضِ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً: لقصد التخفيف، وحينئذٍ تكون الإضافة من نوع اللفظية.

وَانْصِبْ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً: أي تابعاً. وَاخْفِضِ: أي بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً، فحذف من الثاني لدلالة الأول، ولا نقول: إنه من باب التنازع كما قاله الصبان وغيره، بل الصواب أنه حذف من الثاني لدلالة الأول عليه؛ لأن (بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً) كلاهما فضلتان، فإذا كان كذلك حينئذٍ جاز حذفهما. وَانْصِبْ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ وقد قُرئ بالوجهين: ((إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)) [الطلاق:3]، (إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ)، ((هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ)) [الزمر:38]، (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ) يعني: جاز في هذا الوصف على جهة الخصوص النصب والخفض، معنى ذلك: أن الشروط السابقة لإعمال اسم الفاعل النصب ليست موجبة، وإنما هي لمن أراد أن ينصب حينئذٍ لا بد من تحقق الشروط، أما إذا وجدت الشروط لا يستلزم النصب، بل هو جائز، أنت مخير بين أمرين: أنا ضاربُ زيدٍ، أنا ضاربٌ زيداً؛ يجوز الوجهان. أنا ضارب زيدٍ وأنا ضارب زيداً، ((هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ)) [الزمر:38]، (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ)، (إِنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أَمْرَهُ) بالنصب، ((إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)) [الطلاق:3] قُرئ بالوجهين، حينئذٍ نقول هنا: وَانْصِبْ بِذِى الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ على المذكور. وَاخْفِضِ** وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِى. وفهم من تقديم النصب أنه أولى؛ لأنه قال: وَانْصِبْ ثم قال: وَاخْفِضِ. فهم من تقديمه النصب أنه أولى، وهو ظاهر كلام سيبويه؛ لأنه الأصل. وقال الكسائي: هما سواء .. يستويان، خفضت أو نصبت الأمر واحد، ولا نقول بالأولوية. وقيل: الإضافة أولى للخفة، والصواب: أن النصب أولى، أرجح من الخفض، لأنه هو أشبه بالفعل، والأصل في الفعل أنه يعمل ينصب، حينئذٍ يجري على ما هو عليه، فإذا وجد فيه شبه المعنى المقتضي لمشابهته للفعل المضارع حينئذٍ كان النصب مرجحاً على الخفض. إذاً فيه ثلاثة أقوال: النصب مرجح على الخفض، هما سواء، الإضافة مرجحة على النصب. وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي: هذا فيما إذا تعدى إلى اثنين، والأول فيما تعدى إلى واحد، إذا تعدى إلى واحد حينئذٍ أنت مخير: أنا ضارب زيدٍ، أنا ضاربٌ زيداً: مخير بين النصب والإضافة، والنصب أولى، لكن إذا تعدى إلى اثنين وأضفت الأول حينئذٍ تعين نصب الثاني، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يضاف إلى الاثنين؛ لأنه إذا تعدى إلى مفعولين حينئذٍ أضفته إلى الأول، والثاني هل له حظ في الإضافة؟ لا؛ لأنه لا يركب بين ثلاثة أسماء، حينئذٍ تعين نصبه، لذلك قال: وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي، مَا سِوَاهُ سوى الذي أضيف إليه؛ لأننا أضفنا المفعول، حينئذٍ أضفناه، بقي المفعول الثاني ما حكمه؟ واجب النصب، فالتخيير بين الإضافة والنصب فيما إذا تعدى إلى مفعول واحد، وحينئذٍ إذا كان متعدياً إلى اثنين فأكثر أضفنا اسم الفاعل إلى الأول وتعين نصب الثاني. وَهْوَ: مبتدأ. مُقْتَضِي: اقتضى يقتضي يعني: يطلب. مُقْتَضِي: هذا خبر. لِنَصْبِ: متعلق بقوله: مُقْتَضِي.

وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ: وهو مقتضي .. مقتضٍ لنصب ما سواه، هنا وقف عليه فرجعت الياء: مقتضي، والأصل فيها: مقتضٍ. ونَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا تَقُولُ: هَذَا مُشتَرٍ مُخَادِعُ ... فِي رَفعِهِ وجَرِّهِ خُصُوصَا ................................... مُقْتَضٍ. وَهْوَ مُقْتَضٍِ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ. لِنَصْبِ: جار ومجرور متعلق بقوله: مُقْتَضِي، ومَا: اسم موصول بمعنى الذي، نَصْبِ: مضاف، ومَا: مضاف إليه، وسِوَاهُ: هذا إن كان ظرفاً متعلقاً بمحذوف صلة الموصول. لِنَصْبِ الذي سِوَاهُ، يعني: سوى التلو الذي أضيف إليه مقتضي، فيتعين حينئذٍ نصبه. يعني: أن اسم الفاعل وما ألحق به من الأمثلة الخمسة إذا كان يطلب أكثر من مفعول واحد، إذاً: الشطر الأول يتعلق فيما نصب مفعولاً واحداً، والشطر الثاني يتعلق فيما إذا تعدى إلى أكثر من مفعول واحد، وأضيف إلى الأول .. نصب ما عدا الأول، وهذا واضح بين، نصب ما عدا الأول، وشمل ذلك المتعدي إلى اثنين، نحو: أنا معطي زيدٍ درهماً، معطٍ زيداً درهماً، معطي زيدٍ درهماً، يجوز لك في الأول الوجهان: النصب والخفض، أنا معطٍ زيداً درهماً، هذا جائز، حينئذٍ يجوز لك الإضافة .. إضافة الأول: أنا معطي زيدٍ درهماً، فإذا أضفت الأول تعين نصب الثاني، يجب نصب الثاني؛ لأنه لا يتصور إضافة لفظ واحد إلى اسمين. والمتعدي إلى ثلاثة: أنا المعلم زيداً عمْراً منطلقاً، هذا بـ (أل) وجرده عن (أل): أنا معلم زيدٍ عمْراً منطلقاً، نقول: نصب ثلاثة مفاعيل، إذا أضفت الأول إلى اسم الفاعل: أنا معلم زيدٍ؛ هذا يجوز لك الوجهان، أنا معلم زيدٍ عمْراً منطلقاً؛ نصبُ الثاني والثالث متعين. وشمل ما كان منصوباً باسم الفاعل لا على المفعولية، قد يَنصب اسم الفاعل ظرفاً أو جاراً ومجروراً، حينئذٍ إذا أضيف إليه تعين نصب الثاني، لا على المفعولية كالظرف نحو: أنا ضاربُ زيدٍ اليومَ، أنا ضاربٌ زيداً اليومَ، زيداً اليومَ: منصوبان بضارب، الأول على أنه مفعول والثاني على أنه ظرف زمان. إذا أضفت الأول .. مفعول حينئذٍ تعين نصب الثاني لا على المفعولية وإنما هو ظرف، أنا ضاربُ اليومِ زيداً؛ أضفته إلى الظرف، تعين نصب المفعول. إذن قوله: وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي؛ يشمل ما إذا تعدى إلى اثنين أو إلى ثلاثة، أو تعدى إلى اثنين لكن الأول بالنصب على أنه مفعول والثاني لا على أنه مفعول. وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي: فُهم من البيت: أن المنصوب بعد اسم الفاعل المضاف إلى الأول إذا كان بمعنى الماضي غير منصوب باسم الفاعل المذكور؛ لأنه قال: وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ، وهذا ذكرناه. فُهم من البيت: أن المنصوب بعد اسم الفاعل المضاف إلى الأول إذا كان بمعنى الماضي غير منصوب باسم الفاعل المذكور، نحو: أنا معطي زيدٍ درهماً أمسِ، هل يعمل اسم الفاعل هنا؟ لا يعمل. والمنصوب هذا ماذا نفعل فيه؟ لا بد أن نقدر له فعلاً يناسب السياق أو المذكور يكون منصوباً به، وأما أن يكون منصوباً بمعطي نقول: هذا لا يصح، لماذا؟ لكونه بمعنى الماضي.

فالمنصوب بعده انتصب بفعل مقدر؛ لأنه إنما جُعل الحكم في ذلك لما استوفى شروط العمل، واسم الفاعل بمعنى المُضي لم يستوفِ الشروط السابقة. إِنْ كَانَ عَنْ مُضِِيَّهِ بِمَعْزِلِ: هذا لم ينعزل عن المُضي. وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ ... وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي قيل: إن لم يكن فاعلاً وإلا وجب رفعه، نحو: هذا ضاربٌ زيداً أبوهُ، ولم يكن التلو مما يجوز الفصل به بين المتضايفين وإلا جاز خفض ما سوى التلو كـ: هذا معطي درهماً زيدٍ، -وهذا سبق معنا-، لو قال: هذا معطي درهماً زيدٍ؛ صح أو لا؟ صح، إذن هنا نصب ثم خفض، بمعنى: أنه فُصل بين المضاف والمضاف إليه بمعمول المضاف، فقلنا: هذا مما يجوز إذا كان المضاف وصفاً، شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ، وهذا يشمل المصدر واسم الفاعل، إذا كان المضاف اسم فاعل حينئذٍ صح أن يُفصل بين المضاف والمضاف إليه بمعموله، وهنا: أنا معطي درهماً زيدٍ؛ فُصل بينهما. إذاً: قوله: وَانْصِبْ بِذِي الإِعْمَالِ تِلْواً وَاخْفِضِ ... وَهْوَ لِنَصْبِ مَا سِوَاهُ مُقْتَضِي يستثنى منه فيما إذا فَصل بين المضاف والمضاف إليه معمول المضاف إذا كان وصفاً، وهو وصفٌ. إذاً: إن لم يكن فاعلاً وإلا فوجب رفعه، نحو: هذا ضاربٌ زيداً أبوه. ولم يكن التلو مما يجوز الفصل به بين المتضايفين وإلا جاز خفض ما سوى التلو كـ: هذا معطي درهماً زيدٍ. قال الشارح: يجوز في اسم الفاعل العامل إضافته إلى ما يليه من مفعول ونصبه له، فتقول: هذا ضاربُ زيدٍ بالإضافة وضاربٌ زيداً بالإعمال -النصب-، فإن كان له مفعولان وأضفته إلى أحدهما وجب نصب الآخر، فتقول: هذا معطي زيدٍ درهماً ومعطي درهمٍ زيداً، سواء قدمت أو أخرت. وما ذكره من جواز الوجهين في البيت السابق هو في الظاهر، يعني: إذا رفع ظاهراً، أما المضمر المتصل فيتعين جره بالإضافة، نحو: هذا مُكرمكَ، وذهب الأخفش إلى أنه في محل نصب كـ (الهاء) في نحو: الدرهمُ زيدٌ معطيكهُ، وهذا مضى معنا في باب المضمر. وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ ... كَـ مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ هذا الحكم كحكم المصدر إذا أضفته حينئذٍ إما أن يكون المضاف في محل رفع أو نصب، فإن أُتبع جاز الوجهان. وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ: خيَّرك بين أمرين، وقدم الجر فدل على أنه أرجح، دل على أنه أرجح؛ لأنه قدمه. وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ: قال تابع، جعله تابعاً، والعامل في التابع عامل في المتبوع. إذاً: اجرر التابع، والعامل في المتبوع هو العامل في التابع. أَوِ انْصِبْ: التابع، والعامل في المتبوع هو العامل في التابع. الَّذِى انْخَفَضْ: يعني المنخفض. كَـ مُبْتَغِى جَاهٍ وَمَالاً ومالٍ، يجوز فيه الوجهان. مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ. مَنْ نَهَضْ: الذي نهض. مَنْ: هذا مبتدأ مؤخر، ومُبْتَغِي خبر مقدم، مَنْ نَهَضْ مُبْتَغِي جَاهٍ وَمالاً، ومُبْتَغِي: مضاف إلى جَاهٍ، وَمَالاً بالعطف على الجاه وهو مخفوض في اللفظ. جَاهٍ: هذا هو المفعول الأول.

إذاً: له حالان: باعتبار اللفظ هو مخفوض، وباعتبار المحل هو منصوب، إذا عطفت عليه أو وصفته جاز لك الوجهان: إما أن تراعي اللفظ فتخفض: ومالٍ بالخفضِ؛ لأن المعطوف على المخفوض مخفوض. أو بالنصبِ مراعاة للمحل: وَمالاً، كما ذكره الناظم هنا، والجر أرجح، ولم يمثل به الناظم وإنما مثل للثاني؛ لأن الأصل المتابعة في اللفظ، وإنما إذا قيل: كَـ مُبْتَغِى جَاهٍ وَمالاً؛ يسأل السائل: لماذا نصب مالاً؟ الواو حرف عطف معطوف على جَاهٍ، إذاً: هو الذي يحتاج إلى مثال. إذاً قوله: وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ: أي: في غير نحو الضارب الرجل زيداً، هذا نستثنيه مما سبق: في غير نحو الضارب الرجلِ زيداً، فيتعين في نحو هذا نصب التابع لعدم صحة إضافة الموصوف المحلى بـ (أل) إليه. إذاً: إذا أعمل المحلى بـ (أل) هل يضاف إلى ما بعده؟ أنا الضاربُ الرجلِ زيداً، زيداً: هذا مفعول به، فيتعين في نحو هذا نصب التابع إذا أُتبع، لماذا؟ قال: لعدم صحة إضافة الوصف المحلى بـ (أل) إليه، ومذهب سيبويه الجواز، وأُيد بأنه قد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وخرج بتابع الذي انخفض تابع المنصوب؛ لأنه قال: وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِى انْخَفَضْ، أما تابع المنصوب هذا منصوب ليس له جهتان، هو في اللفظ والمحل منصوب، وأما الذي انخفض فهذا هو الذي يحتاج. إذاً: خرج بقوله: تَابِعَ الَّذِى انْخَفَضْ؛ تابع المنصوب فلا يجوز جره، لأن شرط الإتباع على المحل أن يكون بالأصالة، والأصل في الوصف المستوفي شروط العمل إعماله لا إضافته لإلحاقه بالفعل، والمراد بالتابع في كلام الناظم هنا: ما يشمل سائر التوابع، والمثال هنا بالعطفِ وَمالاً هل يخصص قوله: تابع الذي انْخَفَضْ؟ الجواب: لا، يعني ذكر بعض أفراد الحكم؛ لأنه قال: اجْرُرْتَابِعَ الذي انْخَفَضْ، انْصِبْ تَابِعَ الذي انْخَفَضْ. إذاً: تابع الذي انْخَفَضْ هذا عام، يشمل ما إذا وصف، ويشمل ما إذا أبدل منه، وعطف النسق وعطف البيان .. إلى آخره، حينئذٍ قوله: (كَـ مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً) بالمثال بالعطف لا يعد تخصيصاً لما سبق. وأشار بتقديم الجر إلى أرجحيته: وَاجْرُرْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ، انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ؛ حينئذٍ يكون من باب التنازع. قال الشارح: يجوز في تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة الجر والنصب، وجهان: هذا ضارب زيدٍ وعمروٍ بالخفض عطف على لفظ زيد، وعمْراً بالنصب عطفاً على محل زيد، فالجر مراعاة للفظ، فالعامل فيه حينئذٍ يكون هو العامل في المتبوع. والنصبُ فيه قولان: قيل بإضمار عاملٍ، وقيل: مراعاة للمحل. النصب على إضمار فعلٍ، والتقدير: ويضرب عمْراً، هذا ضاربُ زيدٍ وعمْراً، يعني: ويضرب عمْراً، فعمْراً هذا ليس معطوفاً على محلِ زيدٍ، وإنما هو معمول لفعل محذوف يفسره المذكور: ويضرب عمْراً، وقال ابن عقيل وهو الصحيح. أو مراعاة لمحل المخفوض وهو المشهور وهو أصح، كثير في الأبواب يراعى فيها المحل، فحينئذٍ إذا كان الفعل متعدياً في المعنى يعمل عمل فعله فلا بأس إذا أضيف أن يعتبر فيه المعنى، يعني: محل المضاف إليه، وقد روي بالوجهين:

الوَاهِبُ الْمِائَةِ الْهِجَانِ وَعْبدِهَا ... عُوذاً تُزجّي بَيْنَها أَطْفَالهَا الوَاهِبُ الْمِائَةِ، الوَاهِبُ: اسم فاعل محلى بـ (أل). الْمِائَةِ: من إضافة اسم الفاعل لمفعوله. الْهِجَانِ: هذا نعت. وعْبدَهَا-وعْبدِهَا بالوجهين، روي بالوجهين في هذا اللفظ. عْبدِهَا: هذا معطوف على المائة باعتبار اللفظ؛ لأنه مجرور، وعْبدَهَا باعتبار المحل. إذاً فيه قولان: يضمر له فعل يفسره المذكور أو يكون مراعاة للمحل، فالعامل في المتبوع هو العامل في التابع، يعني إذا قلت: هذا ضاربُ زيدٍ وعمْراً، ما الناصب لعمْراً؟ هو ضارب، لأنه عمل في محل زيد النصب، إذاً: هو عامل في جهتين: في لفظٍ وفي محل، إن عطفت على السابق باعتبار اللفظ فالعامل فيه هو العامل في السابق، وإن عطفت عليه باعتبار المحل فالعامل فيه هو العامل في السابق، ولا نحتاج إلى إضمار فعلٍ. قال ابن مالك: ولا حاجة إلى تقدير ناصبٍ غير ناصب المعطوف عليه، لا نحتاج، بل ناصب المعطوف عليه وهو زيد ومحلاً يكفي في تعليق الحكم به، ولا حاجة إلى تقدير ناصب غير ناصب المعطوف عليه. وإن كان تقدير قول سيبويه، كأنه يقول يعني لا نبالي، لو كان القول بالتقدير هو قول سيبويه نقول: لا حاجة إليه؛ لأن شرط العطف على المحل عنده وجود الطالب لذلك المحل وهو هنا غير موجود؛ لان اسم الفاعل إنما يعمل النصب حيث كان منوناً أو بـ (أل) أو مضافاً إلى أحد مفعوليه أو مفاعليه، فنحو: ضاربٌ في قولك: ضاربُ زيدٍ وعمْراً ليس طالباً لنصب زيدٍ بل لجره، حينئذٍ نظر فيه من جهة إعماله بالجهتين. وعلى قول سيبويه أنه منصوب لا بعامل المعطوف عليه، المعطوف عليه ما هو؟ زيد، العامل فيه .. في المحل ضارب، عمْراً ليس منصوباً بضارب الذي عمل في المعطوف عليه، على قوله يقدر فعلٌ؛ لأنه الأصل في العمل، أو وصف منون، إذا أردنا تقديره: هذا ضاربُ زيدٍ وضاربٌ عمْراً أو ويضربُ عمْراً؟ هل نقدره فعلاً لأن الأصل في العمل للأفعال أو نقدره اسم فاعل منوناً لأن المذكور هنا ضاربُ وهو اسم فاعل؟ هل يقدر فعل لأنه الأصل في العمل أو وصف منون لأجل المطابقة؟ قولان، أرجحهما الثاني أن يقدر وصف منون؛ لأن حذف المفرد أقل كلفة من حذف الجملة، فإن كان الوصف غير عاملٍ تعين إضمار فعل للمنصوب، نحو: (وَجَاعِلِ اللَّيْلِ سَكَنَاً) يعني: ويجعل الليل سكناً، (وَجَاعِلِ اللَّيْلِ سَكَنَاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) جَاعِلِ اللَّيْلِ بالإضافة، وَالشَّمْسَ: بالنصب، يعني: ويجعلُ الشَّمْسَ، نقدر له، لماذا؟ لأنه إذا أعمل اسم الفاعل بمعنى المضي حينئذٍ نقول: لا ينصب في الأصل، فإذا وجد بعده منصوب حينئذٍ قدرنا له عاملاً محذوفاً، لا يمكن أن يكون اسم الفاعل هو الذي نصبه؛ لأنه لا ينصب، وإلا ما فائدة الاشتراط إِنْ كَانَ عَنْ مُضِِيَّهِ بِمَعْزِلِ، فإذا وجد اسم فاعل لم يستوفِ الشرط ووجد بعده منصوب حينئذٍ لا يمكن أن يكون منصوباً باسم الفاعل المذكور، بل لا بد أن نقدر له اسم فاعل أو فعل، وتقدير اسم فاعل أولى.

إذاً: وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ، وهذا يدل عليه قول ابن مالك رحمه الله: أنه لا نحتاج إلى تقدير، الناصب في المتبوع هو الناصب في التابع، لذلك قال: وَاجْرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ، جعله تابعاً، والتابع معلوم حكمه أنه يأخذ حكم متبوعه في الإعراب وفي العامل، فالذي عمل في المتبوع هو العامل في التابع، والذي أخذه المتبوع من حيث الإعراب رفعاً أو نصباً هو حكم التابع. كَـ مُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالاً مَنْ نَهَضْ. ثم قال: وَكُلُّ مَا قُرَّرَ لاِسْمِ فَاعِلِ ... يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ بِلاَ تَفَاضُلِ فَهْوَ كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِي ... مَعْنَاهُ كَـ الْمُعْطَى كَفَافاً يَكْتَفِي قال في الأول: إعمال اسم الفاعل، وهذا شروع منه في بيان اسم المفعول، اسم المفعول كاسمه: ما دل على حدثٍ ومفعوله، يعني: على ذاتٍ وحدثٍ وقع عليها، وهذا من الفوارق بين اسم الفاعل واسم المفعول، كلاهما دلا على ذات وحدث، إلا أن الفاعل دل على ذات أوقعت وأوجدت الحدث، هي فاعلة الحدث، واسم المفعول دل على ذات وقع عليها الحدث، إذاً: ليست هي الفاعل للحدث، فالفرق من جهة المعنى ومن جهة الصيغة، وسيعقد الناظم باباً في أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة. وَكُلُّ مَا قُرَّرَ: يعني كل حكمٍ؛ قُرَّرَ: يعني ثبت وأقره النحاة وقرره النحاة. لاِسْمِ فَاعِلِ يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ بِلاَ تَفَاضُلِ من حيث ماذا؟ من حيث العمل، لماذا أُعمل؟ لأنه أشبه الفعل المضارع مغير الصيغة في اللفظ والمعنى، ثم هو على نوعين: إما أن يكون مجرداً، وإما أن يكون صلة (أل)، الأول يشترط فيه شرطان: أن يكون عن مضيه بمعزل، وأن يكون معتمداً على استفهام أو نفي أو .. إلى آخره، وإذا كان محلىً بـ (أل) حينئذٍ لا يشترط فيه شرط: وَإِنْ يَكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي ... وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِى كل ما سبق من الأحكام تعطى لاسم الفاعل بلا تفاضلِ، لا تفاضل بينهما. وَكُلُّ مَا قُرَّرَ لاِسْمِ فَاعِلِ: كُلُّ: هذا مبتدأ، ومَا قُرَّرَ، مَا: مضاف إليه اسم موصول بمعنى الذي، قُرَّرَ: هذا مغير الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود إلى (مَا). لاِسْمِ فَاعِلِ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: قُرَّرَ. يُعْطَى: هذا خبر. اسْمَ مَفْعُولٍ: يُعْطَى هو الذي قُرَّرَ الحكم السابق، يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ، وهذا يجوز فيه الوجهان: كلُّ كلَّ، يعني يجوز فيه: الرفع، ويجوز فيه النصب. إن قُرئ كل بالرفع على الابتداء جاز في قوله: اسم مفعول الرفع على أنه نائب فاعل والرابط محذوف هو المفعول الثاني أي: يعطاه، والنصب على المفعولية، ويكون نائب الفاعل ضميراً مستتراً يعود على (كُلُّ) هو الرابط، على إعرابنا السابق، هذا متى؟ إذا رفعت كل، يجوز فيه: يعطى اسمَ مفعول، يعطى اسمُ مفعولٍ، يعطى اسمُ مفعولٍ يعطاهُ، حينئذٍ صار اسم مفعول هو النائب، والضمير المحذوف هو العائد. وإن قُرئ (كُلَّ) بالنصب على أنه مفعول ثان مقدم تعين رفع اسم مفعول على أنه نائب فاعل.

يُعْطَى اسْمُ مَفْعُولٍ كُلُّ مَا قُرِّرَ لاِسمِ فَاعِلِ، هذا جيد، يُعْطَى اسْمُ مَفْعُولٍ، يُعْطَى: هذا مغير الصيغة، اسْمُ مَفْعُولٍ: هذا نائب فاعل، كُلَّ مَا قُرِّرَ لاِسمِ فَاعِلِ. بِلاَ تَفَاضُلِ: (لاَ) هذه بمعنى غير، ومرت معنا مراراً تتميم للبيت؛ لأنه لم يستفد منها فائدة، متعلق بيعطى، وقيل: أفاد به أنه لا يشترط في عمل اسم المفعول أزيد من شروط عمل اسم الفاعل، لكن هذا قد يؤخذ من قوله: يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ كُلَّ مَا قُرِّرَ، هل يفهم منه أن اسم المفعول له شروط زائدة على اسم الفاعل؟ الجواب: لا، هذا مفهوم مما سبق، لكن قد يقال بأنه صرح بهذا المفهوم بقوله: بِلاَ تَفَاضُلِ، يعني: لا يزيد اسم المفعول شرطاً في الإعمال على شروط إعمال اسم الفاعلٍ. إذاً: بِلاَ تَفَاضُلِ؛ متعلق بقوله: يُعْطَى، وأفاد به أنه لا يشترط في عمل اسم المفعول أزيد من شروط عمل اسم الفاعل، وهذا لا يفيده قول: (وَكُلُّ) فليس توكيداً له. قيل: توكيد، لكن الظاهر أنه يفيده. فَهْوَ كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِي مَعْنَاهُ. إذا قيل: يُضربُ زيدٌ، أمضروبٌ زيدٌ؟ المعنى واحد، أيضربُ ذاتٌ وقع عليها حدث، أمضروبٌ زيدٌ؟ ذاتٌ وقع عليها حدث، إذاً: هو في المعنى كالفعل الذي يصاغ للمجهول، يعني: مغير الصيغة. كما أن اسم الفاعل مساوٍ في المعنى للفعل المبني للمعلوم؛ كذلك اسم المفعول مساوٍ في المعنى للفعلِ المبني للمجهول. هذا قول. فَهْوَ: أي اسم المفعول. كَفِعْلٍ: هو: مبتدأ، كَفِعْلٍ: هذا خبر. صِيغَ: يعني اشتُق للمفعول صفة لفعلٍ. فِي مَعْنَاهُ: يعني اسم المفعول يعملُ عمل الفعل بالشروط السابقة، هذا من حيث الإعمال، وأشار بقوله: فَهْوَ كَفِعْلٍ من حيث المعنى، لكن هل ثَمَّ فائدة من حيث المعنى يترتب عليها؟ إذا قيل: بأن مراده: فَهْوَ كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِي مَعْنَاهُ؛ هل هناك فائدة؟ قيل: لا، ليست فيه فائدة، ولذلك قدر بعضهم في معناهُ وعملهِ، لأننا نحن الآن نتكلم في ماذا؟ في إعمال اسم المفعول، وأما المعنى فهذا أمر ظاهر واضح بين، مضروب يعني: ذات وقع عليها الضرب، كما أنك تقول: يضربُ زيدٌ؛ زيدٌ ذات وقع عليها الضرب، والفاعل محذوف مجهول، حذف للجهل أو للعلم أو لغيره، لكن المراد هنا: (فِي مَعْنَاهُ) قال بعضهم: وعمله. والصبان جعله مجاز: (فِي مَعْنَاهُ) ليس المراد المعنى المطابق لاختلافهما فيه، فالكلام في العمل لا في المعنى، هذا حق، الكلام في العمل لا في المعنى، فمراد الناظم هنا بـ (مَعْنَاهُ) أي: عمله، لا نحتاج إلى عطف، قال: نجعله (معناه) بمعنى العمل. ففيه تجوّز بإطلاق السبب وإرادة المسبب لضيق النظم عليه، فإنَّ عمل اسم المفعول عمل فعله مسبب عن كونه بمعناه، هو أشبهه أولاً كما ذكرناه في السابق علة إعمال اسم المفعول: مشابهته للفعل المضارع، أي فعل مضارع؟ مغير الصيغة، كما أن اسم الفاعل أُعمل لشبهه بالفعل المضارع أي النوعين؟ المبني للمعلوم، إذاً: المعنى واضح بين. بقي ماذا؟ بقي العمل. فإن عمل اسم المفعول عمل فعله مسبب عن كونه بمعناه.

وقال المكودي: يعني أن اسم المفعول مثل الفعل المصوغ للمفعول في معناه، كما أن اسم الفاعل مثل الفعل المصوغ للفاعل في معناه، فتقول: زيدٌ مضروبُ؛ أبقاه على ظاهره، وهذا هو الظاهر، أبقاه على ظاهره، فحينئذٍ إذا كان مثله في معناه اقتضى إعماله، كأنه قال لك: فَهْوَ كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِي مَعْنَاهُ؛ إذاً أتمم أنت البقية فتحمله عليه في العمل، ولذلك حمله على ظاهره المكودي فقال: يعني أن اسم المفعول مثل الفعل المصوغ للمفعول في معناه، كما أن اسم الفاعل مثل الفعل المصوغ للفاعل في معناه، فتقول: زيدٌ مضروبٌ أبوه، فيرتفع ما بعد مضروب على أنه مفعول لم يسم فاعله، كما تقول: ضُرب أبوه. كَـ الْمُعْطَى كَفَافاً يَكْتَفِي. الْمُعْطَى: مبتدأ ويَكْتَفِي: هذا خبر. كَفَافاً: مفعول ثاني، والمعطى هذا مغير الصيغة؛ لأنه تابع لأصله، فيقتضي ماذا؟ اسم المفعول ماذا يرفع؟ يرفع نائب فاعل، المفعول الأول للمعطىَ: مُعطِي مُعطَى اسم مفعول، المفعول الأول نائب فاعل وهو الضمير المستتر. إذاً: وَكُلُّ مَا قُرَّرَ لاِسْمِ فَاعِلِ ... يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ بِلاَ تَفَاضُلِ فَهْوَ كَفِعْلٍ: الفاء هذه فاء الفصيحة. كَفِعْلٍ صِيغَ لِلْمَفْعُولِ فِى مَعْنَاهُ: فأشبهه فيقتضي أن يأخذ حكمه وهو أن يعمل فيما بعده. كَـ: كقولك، الكاف داخلة على محذوف. الْمُعْطَى كَفَافاً يَكْتَفِى. قال الشارح: جميع ما تقدم في اسم الفاعل من أنه إن كان مجرداً عمل .. إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال بشرط الاعتماد، وإن كان بالألف واللام عمل مطلقاً يثبت لاسم المفعول، فتقول: أمضروب الزيدان الآن أو غداً؟ أو جاء المضروب أبوهما الآن أو غداً أو أمسِ؟ انظر الثاني مثل بـ (أل) فصار مضروب صلة (أل)، حينئذٍ: وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ. قلنا: صفة صريحة يشمل اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة فيه خلاف. إذاً: اسم المفعول وقع هنا صلة (أل) فتعين أن يكون في معنى الفعل، جاء المضروبُ؛ جاء الذي يُضربُ -هكذا تؤوله- أبوهما. وحكمه في المعنى والعملِ. انظر ابن عقيل قال: والعملِ، عطف على معناه، في معناه وعمله، هكذا قال بعضهم. وحكمه في المعنى والعملِ حكم الفعل المبني للمفعول، فيرفع المفعول كما يرفعه فعله، فكما تقول: ضرب الزيدانِ، هنا يقول: يرفع المفعول، يعني أصالة قبل إنابته عن الفاعل، يعني: ضُرب الزيدانِ، الزيدانِ: هذا مفعول في الأصل: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ فِيما لَهُ ينوب مفعول به عن فاعل، إذاً: ارتفع المفعول به على أنه نائب فاعل، فكما تقول: ضرب الزيدان؛ تقول: أمضروبٌ الزيدانِ، مضروب بمعنى الحال أو الاستقبال، وقد اعتمد على الاستفهام، وإن كان له مفعولان رُفِعَ أحدهما ونُصب الآخر، نحو: الْمُعْطَى كَفَافاً، يعطي زيدٌ كفافاً، معطىَ صار نائب الفاعل والضمير المستتر وهو الأصل أنه مفعول أول منصوب. كَفَافاً: بفتح الكاف ما كف عن الناس وأغنى من الرزق. يَكْتَفِى. فالمفعول الأول ضمير مستتر عائد على الألف واللام، وهو مرفوع لقيامه مقام الفاعل، وكَفَافاً: المفعول الثاني.

وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ ... مَعْنىً كَـ مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ وَقَدْ: تحقيق؛ لأنه كثير، ليست من قلة. وَقَدْ يُضَافُ ذَا: اسم إشارة يعود إلى اسم المفعول. وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ إذاً: هذا ظاهره أنه حكم زائد على ما سبق وهناك قال: بِلاَ تَفَاضُلِ، يعني: لم يزد اسم المفعول حكماً لا يوجد في اسم الفاعل، وهنا قال: وَقَدْ يُضَافُ ذَا؛ خصه بالحكم. هذا ظاهر النظم. وَقَدْ يُضَافُ ذَا: أي اسم المفعول. إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ: به، وهو ماذا؟ هو يرتفع بماذا؟ يرفع ماذا؟ يرفع نائب فاعل. إذاً: (قد) للتحقيق. يضاف اسم المفعول إلى نائب الفاعل، اقتضى كلامه انفراد اسم المفعول عن اسم الفاعل بجواز الإضافة إلى مرفوعه؛ لأنه لما خصه حينئذٍ يكون كالاستدراك لما سبق، أو نقول: ذكر شيئاً وترك شيئاً آخر، وحينئذٍ لا يكون ثَمَّ تفاضل بين الحكمين: حكم اسم الفاعل وحكم اسم المفعول. إذا قيل: وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ؛ ظاهره اختصاص اسم المفعول بإضافته إلى مرفوعه، مفهومه: أن اسم الفاعل لا يضاف إلى مرفوعه، فهو نقض لقوله: بِلا تَفَاضُلِ؛ لأن الاسم المفعول قد زاد على اسم الفاعل حكماً، أو يقال: بأنه ذكر شيئاً وترك شيئاً آخر، حينئذٍ قوله: (بِلا تَفَاضُلِ) على أصله. ثم قوله: (وَقَدْ يُضَافُ ذَا) لا يفهم اختصاص الحكم باسم المفعول بل اسم الفاعل مثله لكن على تفصيل. اقتضى كلامه انفراد اسم المفعول عن اسم الفاعل بجواز الإضافة إلى مرفوعه، وفي ذلك تفصيل، حاصله: أن اسم الفاعل اللازم كاسم المفعول في جواز الإضافة إلى مرفوعه اتفاقاً، إذن: لم ينفصل اسم المفعول بحكم زائد عن اسم الفاعل. إذا كان اسم الفاعل مأخوذاً أو موافقاً لعمل الفعل اللازم، يعني: إذا كان اسم الفاعل لازماً كفعله حينئذٍ أضيف إلى الفاعل اتفاقاً لا خلاف فيه. واسم الفاعل المتعدي لأكثر من واحد ليس كاسم المفعول في ذلك اتفاقاً، طرفان، الذي يكون متعدياً لأكثر من واحد ليس كاسم المفعول، والذي يكون لازماً كفعله كاسم المفعول اتفاقاً. وفي اسم الفاعل المتعدي لواحد خلاف، إذا تعدى لواحد هل يجوز أن يضاف إلى فاعله أم لا؟ خلاف بين النحاة، وأما إذا تعدى إلى أكثر من واحد امتنع اتفاقاً، وإذا لم يتعدَ بل كان لازماً فمحل وفاق أنه يجوز. إذاً: نخلص من هذا أن قوله: وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ؛ يعني: يضاف اسم المفعول إلى نائبه، وإن كان ظاهر كلامه اختصاص اسم المفعول بهذا الحكم فالصواب أنه ليس خاصاً، بل إذا كان اسم الفاعل لازماً فهو مثل اسم المفعول يضاف إلى مرفوعه. وَقَدْ يُضَافُ ذَا إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ: يعني به. مَعْنىً: يعني بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير موصوف، ونصبه على التشبيه بالمفعول به؛ لأن الوصف عين مرفوعه في المعنى، فلو أضيف إليه من غير تحويل لزم إضافة الشيء إلى نفسه، وهي غير صحيحة عند البصريين كما سبق.

ولا يصح حذفه لعدم الاستغناء عنه، فلا طريق إلى إضافته إلا تحويل الإسناد عنه إلى ضمير يعود إلى المنصوب ثم ينصب لصيرورته فضلة، حينئذٍ لاستغناء الوصف بالضمير ثم يجر بالإضافة فراراً من قبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى وصف المتعدي لاثنين، وهذا يأتي في الصفة المشبهة؛ لأن اسم المفعول إذا أُريد به الحدوث صار اسم مفعول، وإذا أُريد به الدوام حينئذٍ صار صفة مشبهة، حتى اسم الفاعل واسم المفعول إذا كان على زنة مفعول كمحمود والمقصود، حينئذٍ إذا أريد به الدوام .. دوام الحدث واستمراره صار صفة مشبهة لكن من جهة المعنى لا من جهة الصيغة، بخلاف ما عدا زنة مفعول؛ لأنه من الثلاثي على زنة مفعول، ومن غير الثلاثي على زنة مُفعَل، اللفظ محتمل لهما، لكن يحمل أصالة على اسم المفعول، إذا دلت قرينة على الحدوث صار صفة مشبهة؛ لأنه لا يوجد اسم فاعل من الثلاثي إلا على زنة فاعل، هذا الأصل، فإذا أريد به الحدوث صار صفة مشبهة، مثله من الثلاثي اسم المفعول، فالأصل فيه مفعول، إذا أريد به الحدوث فهو اسم مفعول، وإذا أريد به الدوام والدلالة على دوام الحدث صار صفة مشبهة. كَـ مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ. الْوَرِعْ: هذا مبتدأ. ومَحْمُودُ: خبر مقدم. والْمَقَاصِدِ: هذا نائب فاعل، أضيف محمود إلى المقاصد وهو مرفوعه. يجوز في اسم المفعول أن يضاف إلى ما كان مرفوعاً به، فتقول في قولك: زيدٌ مضروبٌ عبدهُ. زيد: مبتدأ، مضروبٌ: هذا اسم مفعول، عبده: نائب فاعل. زيدٌ مضروبُ العبدِ؛ أضفته بعد التغيير الذي ذكرناه سابقاً، أضفته إلى مرفوعه، هنا قال: إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ يعني: به، والذي ارتفع به مضروب هنا عبدهُ على أنه نائب فاعل. إذاً: قيل: زيدٌ مضروبُ العبدِ؛ هنا أضيف اسم المفعول إلى نائب الفاعل، فتضيف اسم المفعول إلى ما كان مرفوعاً به. ومثله قول الناظم: الورع محمودُ المقاصد، والأصل: الورع محمودٌ مقاصدُه، ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل .. لا، الصواب فيه تفصيل على ما ذكرناه سابقاً. فلا تقول: مررت برجل ضارب الأبِ زيداً؛ هذا تعدى إلى واحد، وهذا محل خلاف، وأما إذا تعدى إلى أكثر من اثنين فهذا محل وفاق لا يجوز. إن كان لازماً محل وفاق جائز، فلا تقل: مررت برجلٍ ضاربِ الأبِ زيداً؛ تريد: ضاربٍ أبوه زيداً. إذاً: وَقَدْ يُضَافُ ذَا: الذي هو اسم المفعول. إِلَى اسْمٍ مُرْتَفِعْ: به. مَعْنىً: يعني من جهة المعنى لكونه نائب فاعل قبل الإضافة، لأنه لا تقل: نائب فاعل، إذا جئت تعرب ما تقول: محمودُ المقاصد، محمودُ: هذا مضاف، والمقاصد: نائب فاعل، غلط هذا، وإنما يراعى فيه المعنى، تقول: محمود هذا مضاف، والمقاصدِ: مضاف إليه مجرور بالمضاف وجره كسره ظاهرة على آخره فقط، وأما من جهة المعنى إذا أردت أن تصفه أو تعطف عليه حينئذٍ يراعى فيه ما ذكرناه سابقاً. كَـ مَحْمُودُ الْمَقَاصِدِ الْوَرِعْ الْوَرِعْ: هذا مبتدأ مؤخر. وحْمُودُ الْمَقَاصِدِ: أصله: محمودٌ مقاصدهُ؛ أضيف اسم المفعول إلى نائب الفاعل. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

81

عناصر الدرس * شرح الترجمة، أبنية المصادر. * مصدر الفعل الثلاثي المجرد * مصدر الفعل غير الثلاثي * اسم المرة واسم الهيئة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: أَبْنِيَةُ المَصَادِرِ. المَصَادِر: جمع مصدر، وسبق بيان معناه: أنه دال على الحدث، الاسم الدال على الحدث، فالضرب هذا قلنا: مصدر مسماه: عين الضرب، يعني: نفس الحدث الذي يصدق عليه أنه ضَربٌ. وأبْنِيَةُ: جمع بناء، والمراد بالبناء ما يرادف الوزن وهو ما يسمى بالميزان الصرفي عند الصرفيين، وهذا الميزان الصرفي اخترعه الصرفيون من أجل وزن الألفاظ سواءٌ كانت أسماءً أو كانت أفعالاً، وأما الحرف فلا مدخل له كما سيأتي في محله. والبناء المراد به: ما يجعل في مقابلة الحروف الأصلية والزائدة، لكن جُعل في مقابلة الحروف الأصلية ثلاثة أحرف: الفاء والعين واللام، ولذلك يقولون مثلاً: خَرَجَ على وزن فَعَلَ، فَفَعَل وزنٌ موزونه خرج، فخرج موزون، مثل الوزن المعروف المرئي، الوزن نفس الآلة والموضوع فيه موزون. إذاً: فعل هذا وزن، يصدق على ماذا؟ يوزن به ماذا؟ نقول: خرجَ وجلسَ وقعدَ، الوزن واحد فَعَل، حينئذٍ قابل الحرف الأصلي الأول الفاء، قيل: (خَ رَ جَ: فَ عَ لَ)، إذاً: فاء الكلمة الخاء، وعين الكلمة الراء، ولام الكلمة الجيم، خرجَ على وزن فعلَ. فإن زيد فيه مثل: أخرجَ، يقال: أفعلَ؛ نزلت الزيادة بنفسها، على تفصيل طويل عندهم. وإذا زيد كذلك حرفان قيل: انطلقَ، انفعلَ، إذا زيد ثلاثة أحرف قيل: استخرج استفعلَ، استغفرَ استفعلَ، وحينئذٍ نقول: استفعلَ؛ هذا وزن، موزونه: استغفرَ، استغفر مووزن واستفعلَ وزن، هذا ما يسمى بالبناء أو يسمى الميزان الصرفي وهي: الحروف والحركات والسكنات، فيحرك الوزن بمثل ما حرك به الموزون، فيقال: خَرَجَ بالفتحة في العين والفاء واللام، واللام على حسب آخرها إما بناءً أو إعراباً، وحينئذٍ يقال: خَ رَ: فَ عَ، عَ لِ مَ: فَ عِ لَ، ظَ رُ فَ: فَ عُ لَ، تحركها بنفس ما حرك به الموزون، ويقال: قفلٌ على وزن فُعل، وحِمل على وزن فِعل، وضُرب على وزن فُعِلَ .. وهلم جرا، وتفصيله موجود في كتب الصرف وقد بيناه بياناً شافياً في شرح نظم المقصود. أَبْنِيَةُ المَصَادِرِ: هذا الأولى ألا يجعله الناظم هنا، وإنما يؤخره إلى التصريف هناك؛ لأنه ما زال في سرد أبواب النحو، لأن الألفية مقسمة. مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ قلنا: النَّحْوُ هنا عام، يشمل النحو الخاص وهو ما كان متعلقه الحرف الأخير إعراباً أو بناءً، ويشمل فن الصرف الذي هو التصريف عند المتأخرين، هو جرى على تقسيم الألفية من أولها إلى آخر أبواب الفعل المضارع .. النواصب والجوازم وما ألحق به، ثم شرع في أبواب الصرف، وهذا لا شك أن أبنية المصادر من فن الصرف، ولذلك قيل: ابن مالك قصَّر في هذا الباب، فألف اللامية تكميلاً لهذا الباب، مائة وأربعة عشرة بيتاً: وَبَعْدُ فَالْفِعْلُ مَنْ يُحْكِمْ تَصَرُّفَهُ ... يَحُزْ مِنَ اللُّغَةِ الأَبْوَابَ وَالسُّبُلاَ

فهذا الباب هنا سبعة عشر بيتاً كمله باللامية، وهنا نجري على ما ذكره الناظم فحسب وإلا فأبنية المصادر فيها ما هو مقيس وفيها ما هو سماعي، السماعي لا يمكن ضبطه، لا ينضبط، بل عموماً: الصرف لا يمكن ضبطه إلا بالحفظ، ليس كالنحو، النحو يمكن ضبطه بحفظ القواعد فحسب، أما الصرف فلا، ولذلك الشوكاني رحمه الله في أدب الطلب يقول: لن يكون ملماً بشتات هذا الفن إلا إذا كانت الشافية في صدره، يعني: محفوظة في صدره، فحينئذٍ يكون قد لم بهذا الفن. أَبْنِيَةُ المَصَادِرِ. قال: فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ كَـ رَدَّ رَدَّا فَعْلٌ: هذا الوزن. مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ: هذا الموزون. مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ: المقصود به الفعل، والنحاة والصرفيون يجرون في ذكر المصادر بناءً على الأفعال وإن كان المصدر هو الأصل. وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهَذَيْنِ انْتُخِبْ. والمَصدرُ الأَصْلُ وَأيَُّ أصلِ ... ومنهُ يَا صَاحِ اشتقاقُ الفعلِ وحينئذٍ صار أصلاً، فالأصل أن الفعل يجري على المصدر، ولكن هنا ضبط أبواب المصادر مبنية على ضبط أبواب الفعل، فينظر في الفعل؛ هل هو ثلاثي؟ هل هو رباعي؟ هل هو مجرد؟ هل هو مزيد؟ ثم يحكم عليه بالمصدر، وهذا جاء نتيجة الاستقراء والتتبع، يعني الاستقراء والتتبع اقتضى أن يجعل ضبط باب المصادر على الأفعال، وهذا لا يلزم منه أن يكون المصدر فرعاً عن الفعل، بل الصواب هو العكس من حيث الاشتقاق ووجود الفعل. نقول: المصدر أصلٌ، والفعل فرعٌ، من حيث الضبط .. الضوابط هذه قواعد عامة لم ينطق بها العرب إلا من جهة الاستعمال فحسب، وأما من جهة التقعيد والتأصيل نقول: هذا باستقراء الصرفيين وكذلك النحاة. إذاً: نجري في ذكر المصدر بناءً على الفعل، ولذلك نقول: الفعل من حيث التجرد والزيادة ينقسم إلى قسمين: فعل مجرد، وفعل مزيد، والمراد بالمجرد يعني: مجرد من الزيادة، التجريد المراد بها: التعري، يعني: لم يكن ثَمَّ حرف زائد معه، وسبق معنا أن الأصل في وضع الفعل أن يكون على ثلاثة أحرف، هذا الأصل فيه. فالمجرد: هو ما كانت جميع حروفه أصلية، لا يسقط منها حرف لغير علة تصريفية، فإن سقط منها حرف في بعض تصاريفه ننظر؛ هل سقط لعلة تصريفية أم لا؟ فإن سقط لعلة تصريفية لا يمنع كونه أصلاً، وإن سقط لا لعلة تصريفية حينئذٍ نحكم عليه بكونه زائداً، وسيأتي مبحث حروف الزيادة في باب التصريف هناك. إذاً: المجرد ما كانت جميع حروفه أصلية، لا يسقط منها حرف في تصاريف الكلمة بغير علة. والمزيد عكسه، ما زيد فيه حرف أو حرفان أو ثلاثة، وهذه الأحرف تسقط في بعض التصاريف دون بعض، ولذلك تقول: خرجَ وأخرجَ ويخرجُ وخارجٌ ومخروجٌ .. إلى آخره، أين الهمزة؟ غير موجودة، وجدت في بعض التصاريف وهو أخرج فعل ماضي، ولم توجد في خرج وهو المجرد الثلاثي، ويخرجُ لم توجد فيه الهمزة، وحينئذٍ نقول: هذه الهمزة زائدة؛ لأنها وجدت في بعض التصاريف دون بعض. والمزيد: ما زيد فيه حرف أو أكثر على حروفه الأصلية. هذا المجرد والمزيد من حيث هو. ثم المجرد قسمان: ثلاثي ورباعي. المجرد الذي تكون حروفه الأصلية: ثلاثي ورباعي.

إذاً: الثلاثي: ما كان على ثلاثة أحرف كلها أصلية. هل يوجد فعل على حرفين؟ الجواب: لا. هذا الأصل، فإن نُطق به على حرفين فحينئذٍ الثالث إما أن يكون محذوفاً لعلة تصريفية، وإما أن يكون محذوفاً اعتباطاً. والنوع الثاني: أن يكون على أربعة أحرف. إذاً: إما ثلاثي وإما رباعي، ثلاثي ورباعي. والمزيد كذلك على قسمين: مزيد الثلاثي ومزيد الرباعي. هنا قال: مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ. إذاً: من مصدر فعل ذِى ثَلاَثََةٍ، حتى يوافق الأصل وهو كون الفعل فرعاً عن المصدر. مِنْ ذِى ثَلاَثََةٍ: يعني من فعل مجرد ذِى ثَلاَثََةٍ؛ لأنه قدم مصادر الفعل الثلاثي المجرد ثم سيذكر بعد ذلك مصادر الفعل الثلاثي المزيد. الفعل الثلاثي بالاستقراء الوضعي في لسان العرب لا العقلي على ثلاثة أضرب: إما أن يكون من باب فعَل أو فعِل أو فعُل، هل له رابع؟ على طريقة البصريين لا، لا يوجد له رابع، وعند الكوفيين زادوا رابعاً وهو: فُعِل، وهو المبني للمجهول أو مغير الصيغة، فهو عندهم أصل برأسه .. بنفسه، يعني: ليس فرعاً عن فعَل ولا فعِل، وإنما هو أصل برأسه، كما أن فَعَل بفتحتين وفَعِل بفتح فكسر وفَعُل بفتح فضم؛ نقول: هذه كلها أصول، ليس أحدها فرعاً عن الآخر. كذلك عندهم: فُعِل؛ رابع، يعد باباً رابعاً، والصواب أنه فرعٌ ليس أصلاً، وإنما مرده إما إلى فعل أو فعِل، وحينئذٍ نقول: الأبواب ثلاثة: فَعَل بفتح الفاء والعين وهو ملازم لفتح الفاء، وفَعِل بفتح فكسر .. كسر العين، وفَعُل. فَعَل كنصر وضرب، وفَعِل كعَلِمَ وسَلِمَ، وفَعُل كشرُفَ وظرُفَ، هذه من حيث ماذا؟ باعتبار لفظ الماضي، بالنظر إلى مضارعه حينئذٍ القسمة تقتضي أن تكون تسعة، لكن باعتبار الوضع والاستقراء لم يوجد منها إلا ستة أبواب فقط: فَعَل له ثلاثة أبواب: فَعَل يفعُل، وفعَل يفعِل، وفعَل يفعَلُ، وهذا خلاف الأصل. وفَعِل سقط منه باب واحد وهو كسر العين في الماضي وضمها في المضارع، يعني: فعِل يفعُل ساقط وإن كان العقل يقتضي ذلك. فعِل يفعَل، فعِل يفعِل، وهذا خلاف الأصل. إذاً: بابان من النوع الثاني وهو فعِل. فعُل سقط منه ضم العين في الماضي مع كسرها أو فتحها في المضارع، فسقط منه بابان. إذاً: لا يوجد فعُل يفعِل ولا فعُل يفعَل، وإنما المسموع: فعُل يفعُل. إذاً: الأبواب ستة. وأما العقل فيقتضي أن تكون تسعة. إذاً: عرفنا أن فعَل وفعِل وفعُل هذا هو الثلاثي المجرد لا رابع له، ثم باعتبار التعدي واللزوم نقول: فعَل يكون متعدياً ويكون لازماً، وفعِل كذلك يكون متعدياً ويكون لازماً، وفعُل بضم العين لا يكون إلا لازماً. فعَل بالفتح كضَرَبَ يكون لازماً ومتعدياً، والتعدي فيه أكثر من اللزوم، يعني: ما سمع في لسان العرب وهو على وزن فعَل متعدياً ينصب مفعولاً أو مفعولين هذا أكثر مما سمع فيه اللزوم وهو كونه لا ينصب مفعولاً. وفعِل بالكسر اللزوم فيه أكثر من التعدي، وهذا كله له حِكَم باعتبار كسر العين أو فتحها.

وفعُل لثقل الضم لم يسمع فيه إلا اللزوم، ولا يوجد منه متعدي إلا من جهة التضمين: رحُبتك الدار، يعني: وسعتك الدار، رحُبتك الدار، هنا تعدى رحبتكَ إما أنه على التضمين: وسعتك الدار، أو رحُبت بكَ على الحذف والإيصال، يجوز هذا أو ذاك. على كلٍ؛ فعُل من حيث القاعدة الصرفية أنه لا يكون إلا لازماً، فتعديه يكون شاذاً. هنا قال: مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ، يصدق على فَعَل المتعدي واللازم، وفعِل المتعدي واللازم وفعُل؛ لأنه قال: مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ، لكن ليس مراده الإطلاق، وإنما المراد به المتعدي، بدليل ماذا؟ الْمُعَدَّى مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ، مَصْدَرِ الْمُعَدَّى مِنْ ذِى ثَلاَثََةٍ، أما ذي ثلاثة من حيث هو يعني من فعلٍ ذي ثلاثةٍ يعني من ثلاثي؛ فهذا يصدق على الجميع، لكن لما قال: من مَصْدَرِ الْمُعَدَّى؛ حينئذٍ خرج (فعَل) اللازم، وخرج (فعِل) اللازم، وخرج (فعُل) وكله لازم. إذاً: يصدق على بابين: فعَل المتعدي وفعِل المتعدي، وأما اللازم فيهما فسيأتي ذكره منفرداً. فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... ... مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ يعني: من فعلٍ ذِي ثَلاَثََةٍ. فَعْلٌ: هذا خبر مقدم. قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى: مبتدأ مؤخر؛ لأنه يريد أن يبين القياس، وحينئذٍ يناسب أن يكون قياس مصدر المعدى مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ، مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف حال، إما من مصدر وإما من المعدى، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، أي: حال كونه بعض الأفعال الثلاثية، فـ (مِنْ) حينئذٍ تكون للتبعيض، (من) هنا للتبعيض. فَعْلٌ: قلنا: هذا خبر، أي: موازن فعْلٌ، ففعْلٌ هذا وزن، موزونه المصادر التي يلفظ بها، يقال: ضَرْبٌ هذا مووزن وزنه فعْلٌ. قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى. قِيَاسُ: هذا مصدر، قاس يقيس قياساً هو بنفسه مصدر. قِيَاسُ: ما المراد بالقياس هنا؟ المراد به: أنه إذا عرفت أن قياس مصدر المعدى من ذي ثلاثةٍ أنه على وزن فعْلٍ حينئذٍ إن سمع فهو هو، وإن لم يسمع مصدر المعدى على وزن فعْلٍ حينئذٍ يبقى على ما سمع هو هو، فإن لم يسمع لا هذا ولا ذاك، يعني: لا ما هو موافق للقياس على وزن فعْلٍ أو ما هو مخالف لقياسه كأن يسمع على وزن فُعول مثلاً أو فِعال ونحو ذلك؛ حينئذٍ إذا سمع ما هو خارج عن الأصل كذلك لا يستعمل، وإنما يكون قياساً فيما إذا لم يسمع له مصدر البتة، حينئذٍ تقول: هذا فعل معدى وهو على وزن فعَل بفتح العين، فقياس مصدره يكون على وزن فعْلٍ. إذاً: القياس متى يستعمل؟ إذا لم يسمع له مصدر أصالة، هذه فائدة هذا الباب، ولذلك تكون في الضبط من حيث التحصيل لا من حيث الإيجاد؛ لأنه إذا لم يوجد هذا قليل، قليل جداً أنه لم يسمع مصدر، فحينئذٍ يكون من قبيل الضبط فحسب، يعني: كأنه قاعدة يلتمسها طالب العلم ويعرف أن هذه أكثر المصادر لفعَل المعدى يكون على وزن فعْلٍ، فإذا التبس عليه مؤقتاً فقط يقيسه على هذا الوزن، فيقول: الأكثر أن يأتي على وزن فعْل ثم يبحث، فقد يكون مصيباً وقد يكون مخطئاً، متى يكون مخطئاً؟ إذا سمع له مصدر لا على وزن فعْل، فيكون سماعياً لا قياسياً.

إذاً: قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى؛ المراد بالقياس هنا: أنه إذا ورد شيء ولم يعلم كيف تكلموا بمصدره فإنك تقيسه على هذا، لا أنك تقيسه مع وجود السماع لا، ما سُمع من لسان العرب سواءً وافق القياس وهو كونه على وزن فعْل أم لا؛ هو المقدم، ولا قياس مع النص. هكذا يقولون: لا قياس مع النص. إذا سُمع ولو مخالفاً للقياس عندهم، قاعدة: لو سُمع مخالفاً له قول معتمد فلا تقيس فتقول: هذا وزنه على وزن فعْلٍ، مصدره على وزن فعْلٍ وحينئذٍ يكون له سماعاً ويكون له قياساً، لا، لا قياس مع النص. إذاً: لا أنك تقيسه مع وجود السماع، قال ذلك سيبويه والأخفش ووافقه أكثر الصرفيين على أن المراد بالقياس هنا عند عدم السماع مطلقاً، سُمع الفعلُ ولا تدري ما هو المصدر، حينئذٍ تقيسه على هذا، وأما إذا سُمع له ولو خالف الأصل حينئذٍ السماع مقدم ولا قياس مع النص. وذهب الفراء إلى أنه يجوز القياس عليه وإن سُمع غيره، لكن هذا لم يلتفت إليه أكثر الصرفيين. فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى: يعني فعل المعدى، صفة لموصوف محذوف، لأن المعدى هذا يوصف به الفعلُ ولا يوصف به الاسم من حيث هو إلا إذا حمل على الفعل كاسم الفاعل. مِنْ: قلنا: هذه للتبعيض. ذِي ثَلاَثََةٍ: هذا عام، وخصصه بقوله: المعدى. عام لأنه يشمل الأبواب الثلاثة بنوعيها: اللازم والمتعدي، لكن لما قال: مصدر المعدى؛ علمنا أن مراده فعَل وفعِل المعدى منهما، وأما فعَل اللازم وفعِل اللازم فهذا سيأتي نصه. كَـ رَدَّ رَدَّا: ردَّ أصلها: ردَدَ، أدغم الأول في الثاني بعد سلب حركته فقيل: ردَّاً. إذاً: مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ؛ مطلقاً سواء كان مفتوح العين صحيحاً أو معتلاً، صحيحاً كضربَ على وزن فعلَ وهو متعدي، فتقول: المصدر منه على وزن فَعْلٍ بفتح فسكون، ضَرْب، ضَرْب هذا مصدر على وزن فعْلٍ، وحينئذٍ نقول: هذا جاء على هذا الوزن لماذا؟ لكونه ثلاثياً على وزن فعَلَ معدى، هذا الذي سوغ أن يكون على هذا الوزن. إذاً سواء كان صحيحاً كضربَ أو معتل الفاء كوعد، وعد هذا مثال معتل الفاء، وعدَ على وزن فعَل وهو متعدي، وعد زيدٌ عمْراً، حينئذٍ نقول: المصدر منه -الوعد- على وزن الفعْل، أو معتل العين كباع وقال، باع المصدر منه بيعٌ فعْلٌ، وقال؛ المصدر منه: قولٌ فعْلٌ، إذاً: هو أجوف معتل العين وهو متعدي على وزن فعَل وحينئذٍ جاء المصدر منه على وزن فعْل. أو معتل اللام كرمى، نقول: رمى يرمي رمياً فعْلاً، هذا معتل اللام. وغزا يغزو غزواً فعْلاً، أو مضاعفاً كالمثال الذي ذكره الناظم. رَدَّ: أصله ردد على وزن فَعَل. رَدَّاً: فعْلاً. أو كان مهموزاً كـ أكل يأكل أكلاً .. مهموزاً، وهذا فاؤه همزة. إذاً: مفتوح العين مطلقاً سواء كان صحيحاً كضرب، أو معتلاً بأقسامه الثلاثة: المثال والأجوف والناقص، أو مهموزاً كأكل أكلاً، أو كان مكسور العين يعني على وزن فعِل صحيحاً أو معتلاً، صحيحاً مثل فهِمَ على وزن فعِل وهو متعدي، المصدر منه على .. فهِمَ يفهَمُ فهماً فعْلاً. أو معتل الفاء كوطِئ يطَأ وطأً فعْلاً. أو معتل العين؛ كخاف يخافُ خوفاً فعْلاً، إذاً: جاء على وزن فعْل.

أو معتل اللام؛ كفنيَ فنياً، فني ليس بمعنى مات، وإنما المراد به: لزم خباءه، فني على وزن فعِل، المصدر منه: فنْياً. أو مضاعفاً؛ كمسَّ يمسُّ مسَّاً على وزن فعْل. أو مهموزاً؛ كأمِنَ يأمَن أمناً. إذاً: المعدى من ذي ثلاثة: فعَل أو فعِل؛ المصدر منه على وزن الفَعْل بفتح الفاء وسكون العين مطلقاً، سواء كان صحيحاً أو معتلاً أو مهموزاً، المعتل بأقسامه الثلاث: المثال والأجوف والناقص. استثنى بعضهم فعَل المتعدي إن دل على حرفة فمصدره فِعَال كخياط، خاط زيد الثوب خياطةً، وحاك الصنعة حياكةً على وزن فِعَالاً ولا يأتي على وزن الفعْل، هذا مستثنى. إذاً: فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى أي: الفعل المتعدي مِنْ ذِي ثَلاثَةٍ، يعني: من فعل ذِي ثَلاثَةٍ، ذِي بمعنى صاحب، وهو مضاف، وثَلاثَةٍ: مضاف إليه. كَـ رَدَّ رَدَّا: الكاف هنا تمثيلية ليست على جهة الاستقصاء. قال الشارح: الفعل الثلاثي المتعدي يجيء مصدره على فعلٍ قياساً مطرداً، والطرد المراد به: أنه كل ما لم يُسمع له مصدر فمصدره على وزن فعْل، هكذا تفسر الطرد، الطرد الملازم في الثبوت، كل فعل لم يسمع له مصدر حينئذٍ قياسه على وزن فعْلٌ، وأما إن سمع فالسماع مقدم، سواء وافق فعلاً أم خالفه. إذاً: متى نحتاج إلى هذه القاعدة فعْل أنه مصدر لمتعدي الثلاثي؟ نحتاجه إذا مر بك فِعْلٌ وبحثت في اللسان والقاموس والصحاح إلى آخره فلم تجد له مصدراً، وهو متعدي على وزن فعِلَ أو فعَلَ، حينئذٍ تقول: مصدره على وزن فعْلٍ، تولد له مصدر وإن لم يسمع، هذه الفائدة التي نرجوها من معرفة هذه القواعد. قياساً مطرداً، -طرده ملازمته للثبوت-، نص على ذلك سيبويه في مواضع، فتقول: رَدَّ رَدَّاً وضربَ ضرباً وفهِمَ فهْماً على ما ذكرناه من التفصيل السابق فهو أعم مما ذكره الشارح. وذهب بعضهم أنه لا ينقاس، وهو غير سديد. يعني: مصادر الثلاثي يكاد يكون اتفاق فيما أذكره: أن مصادر المزيد .. مزيد الثلاثي قياسياً محل وفاق، والثلاثي هذا محل نزاع، وكأني بابن الحاجب في الشافية اختار أنه لا ينقاس، كله ليس من باب قياسي وإنما هو سماعي، هذا الذي أظنه. وزعم بعضهم أنه لا ينقاس وهو غير سديد، والصواب أنه قياسي، لكثرة الاستثناءات من هذه القاعدة قيل: هذا لا يمكن أن يكون مطرداً، الطرد إنما يجمع أكثر الأفراد، هذا الذي يصلح أن يكون قاعدة وأن يكون ضابطاً، وأما إذا كان ما يخرج بقدر ما دخل هذا لا يكون قاعدة، حينئذٍ قالوا: هذا لا ينقاس، يعني ليس قياسي بل كله سماعي، لكن مذهب سيبويه وهو الظاهر أنه قياسي، فما وافق القياس لا إشكال فيه، وما خالف فهو سماعي. وَفَعِلَ اللاَّزِمُ بَابُهُ فَعَلْ ... كَفَرَحٍ وَكَجَوًى وَكَشَلَلْ هذا بيَّن ما أخرجه بقوله: مَصْدَرِ المُعَدَّى، عرفنا المتعدي أنه يأتي على وزن فعْل، ثم فعِلَ اللازم وفعَلَ اللازم لا يجتمعان في مصدر واحد، كما اجتمع المتعديان منهما في مصدر واحد، فعَل وفعِل المتعديان جمعهما مصدر واحد وهو الفَعَل، وأما اللازمان فلا، فانفك فعِل عن فعَل. وَفَعِلَ: هذا مبتدأ. اللاَّزِمُ: نعت .. صفة له.

بَابُهُ فَعَلْ: هذه جملة. بَابُهُ: مبتدأ، وفَعَلْ: بفتحتين .. فتح الفاء والعين خبر المبتدأ الثاني بَابُهُ، والجملة خبر المبتدأ الأول. هذا الظاهر. وَفَعِلَ اللاَّزِمُ بَابُهُ: أي: قياس مصدره، بَابُهُ المراد بالباب يعبرون به عن القياس، أي: قياس مصدره موازن فَعَل بفتحتين، يعني: بفتح الفاء والعين، أو بابه يعني: قاعدة مصدره موازن فَعَل قياساً مطلقاً، سواء كان فعِل اللازم صحيحاً أو معتلاً بأقسامه الثلاثة؛ لأنه قال: كفرحٍ، هذا مثال لما كان على وزن فعِل وهو لازم، فرِح فرَحاً، فرِح زيدٌ: هذا لازم وهو على وزن فعِل، فَرَحاً: بفتحتين نقول: هذا مصدره، وهو صحيح. أو معتل: كوجِع، على وزن فعِل، وجِع زيد مرض، وجعاً. وَكَجَوًى: جَوِيَ جوًى؛ هذا معتل العين. وجِعَ: معتل الفاء. عوِرَ: معتل العين. عَمِيَ: معتل اللام. إذاً: سواء كان صحيحاً أو معتلاً بأقسامه الثلاثة. ما كان على وزن فعِلَ اللازم يأتي المصدر منه على الفَعَل بفتح الفاء والعين، ويستثنى من ذلك ما دل على لون وكان على وزن فعِلَ اللازم لا يكون على وزن الفَعَل بفتح الفاء والعين؛ فإن الغالب على مصدره الفُعْلة، فُعْلةٌ مثل: حُمْرة وصُفْرة، وسَمِر سُمْرة وشهِبَ شُهبةً. وخضرة وحمرة وصفرة، وإلا .. كذلك يستثنى إن دل على معنىً ثابت فإن مصدره يكون على فُعُولة كاليبوسة، يبسَ يُبوسةً على وزن فُعُولة. إذن: هذا شيء ثابت راسخ. وإلا إن كان علاجاً ووصفه على زنة فاعل، يعني: إن دل فعِل اللازم على علاج واسم الفاعل منه يأتي على زنة فاعل فمصدره حينئذٍ على الفُعُول، نحو: قدِمَ من سفره قدوماً، لا تقل: قدَماً على وزن فَعَل، إنما قُدوماً، انظر الاستثناء؛ هذا الذي جعل ابن الحاجب وغيره يرون أنه سماعي وليس قياسي .. لكثرة الاستثناءات. إذن: إلا إن دل على لون، وحينئذٍ المصدر يكون على وزن فُعْلة، وإلا إن دل على معنىً ثابت فمصدره على الفُعُولة كاليبوسة، وإلا إن دل على علاج ووصفه على زنة فاعل، إن دل على علاج وليس وصفه على زنة فاعل لا، فحكمه حكم الأصل .. قياسي، حينئذٍ يكون على الفعول: قدم من سفره قدوماً، وصعد في الجبل صعوداً، ولصق به لصوقاً. إذن: الأصل في باب فَعِلَ اللازم أن يكون مصدره على الفَعَلِ إلا إن كان دالاً على لون أو معنىً ثابت راسخ أو علاج والوصف منه على وزن فاعل. كَفَرَحٍ وَكَجَوًى وَكَشَلَلْ. شَلَلَ: هذا فكه، الأصل: شَلَّ .. شَلَّت يده، هكذا ولا تقل: شُلَّت. شَلَّت يده شَلَلاً، شللاً: هذا مصدر لشَلَّت، هكذا سمع لم يسمع له: شُلَّت. شَلَّت يده والأصل: شَلِلَ، أريد إدغام الأول في الثاني وهما مثلان ولا يتحقق إلا بإسكان الأول، أُسقطت حركة العين شَلِلَ صار: شلَّ. كَفَرَحٍ: هذا مصدر فرِح. وَجَوًى: مصدر جَوِيَ، وهو الحرقة وشدة الوجَد من عشق أو حزن. وشَلَلَ: هذا مصدر شلَّ، شَلَّت يده شللاً، وأشِر أشَراً. يجيء مصدر فعِل اللازم على فعَلٍ قياساً كفرِح فرَحاً وجوِيَ جوىً وشلت يده شللاً. وَفَعَلَ اللاَّزِمُ مِثْلَ قَعَدَا ... لَهُ فُعُولٌ بِاطِّرَادٍ كَغَدَا مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً فِعَالاَ ... أَوْ فَعَلاَناً فَادْرِ أَوْ فُعَالاَ

فَأَوَّلٌ لِذِي امْتِنَاعٍ كَأَبَى ... وَالثَّانِ لِلَّذِي اقْتَضَى تَقَلُّبَا لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ وَشَمَلْ ... سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ كَصَهَلْ شَمَلْ: بالفتح، يجوز الكسر لكن لا في الوزن. وَفَعَلَ اللاَّزِمُ: إذاً عرفنا فعِل اللازم أنه يأتي على الفَعَل، وأما فَعَل اللازم .. فَعَلَ: هذا مبتدأ، واللاَّزِمُ: نعته. مِثْلَ: بالنصب، فَعَلَ اللازم، لازم على وزن فاعل، إذاً: فيه ضمير مستتر، اللازم .. لازم، إذاً فيه ضمير مستتر. مِثْلَ: هذا بالنصب حال من هذا الضمير الذي هو فاعِلٌ. وَفَعَلَ اللاَّزِمُ مِثْلَ قَعَدَا. قَعَدَا: الألف للإطلاق. لَهُ فُعُولٌ: فعولٌ له، لَهُ: هذا خبر مقدم، وفُعُولٌ: مبتدأ مؤخر. لَهُ فُعُولٌ بِاطِّرَادٍ: مطرد، يكون مطرداً لكن بشرط ألا يكون واحداً من الأوزان الأربعة التي استثناها الناظم في قوله: مَا لَمْ يَكُنْ. كَغَدَا: هذا معطوف على قَعَدَا، على إسقاط حرف العطف، لا بد أن تقول هكذا: أنه على إسقاط حرف العطف؛ لئلا يمثل بمثالين، وإن كان لا مانع أن يمثل بمثالين؛ لأنه قال: مثل قعد كغدا، كأنه مثل بمثال واحد مكرر في الشطر الأول وفي الشطر الثاني حينئذٍ نجعله على إسقاط حرف العطف كغَدا، وأشار بتعدد المثال أنه لا فرق بين الصحيح والمعتل، قعد قعوداً، غَدا غُدُواً، إذاً: الأول صحيح والثاني معتل. إذاً: لا فرق بين الصحيح والمعتل، ولكن الكثير في معتل العين ولذلك مثل بمعتل اللام، الكثير في معتل العين: الفَعْلُ أو الفِعَالَة أو الفِعَالَ، هذا أو ذا أو ذاك. إما الفَعْل وحينئذٍ وافق المتعدي، إما الفَعْل أو الفِعَالَة أو الفِعَالَ، صام صوماً، صام زيد: هذا على وزن فَعَلَ صَوَمَ وهو لازم، صام زيدٌ صوماً، صوماً فعْلاً؛ الأصل أنه يأتي من المتعدي، لكنه جاء هنا في اللازم، إذاً: غير منضبط، هكذا قال من حكم بأنه سماعي. صام صوماً صياماً فِعَالاً؛ جاء على وزن فِعال كذلك، وقام قياماً وناح نياحاً، وقل الفُعُول كغابت الشمس غُيُوباً، بخلاف معتل الفاء كوصل أو اللام كغدا، والمضاعف كمرَّ مُروراً فإنه يكون على وزن فُعُول بكثرة. وَفَعَلَ اللاَّزِمُ مِثْلَ قَعَدَا: قعوداً وجلسَ جلوساً. لَهُ فُعُولٌ: يعني وزنه فعول. بِاطّرَادٍ: هذا حال كذلك من الضمير المستكن في الخبر. لَهُ: كائن له حال كونه باطراد، إذاً: متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الظرف. كَغَدَا: يعني وكغدا، الكاف هنا للتشبيه. غدا غدواً وبَكَر بُكُوراً وسَما سُمُواً. مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً: هذا استثناء، يعني: ما كان على وزن فَعَلَ اللازم يكون على وزن الفُعُول، إلا إن كان واحداً مما يدل على معنىً خاص يقتضي أن يكون على وزن خاص غير الفُعُول. مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً فِعَالاَ: هذا أول. أَوْ فَعَلاَناً: هذا ثانياً. أَوْ فُعَالاً: هذا الثالث. وَشَمَلْ سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ: هذا رابع، وهذه لها معان تقتضيها، إن كان فَعَل اللازم غير واحد من هذه الأربعة فحينئذٍ مصدره يأتي على الفُعُول، فإن كان واحداً من هذه الأربعة خرج عن ذاك الأصل وانتقل إلى أصل آخر.

مَا لَمْ يَكُنْ: مَا: هذه ظرفية مصدرية .. مدة عدم كون فَعَلَ اللازم مستوجباً، يعني: مستحقاً فِعَالاً، فِعَالاً: هذا مفعول لـ مُسْتَوجِباً. مَا لَمْ يَكُنْ: يكن كان الناقصة، واسمها ضمير مستتر يعود على فَعَل اللازم. مُسْتَوجِباً: هذا خبرها. وفِعَالاً: هذا مفعول لمستوجب، وهو اسم فاعل .. أو جاء مسنداً أو مسنداً، أو جاء صفة أو مسنداً، هنا جاء مسنداً كيف؟ خبر يكون، فعمل فيما بعده. إذاً: فِعَالاً؛ نقول: هذا مفعول به لقوله: مستوجباً، يعني: مستحقاً، مستحقاً ماذا؟ مستوجباً يعني مستحقاً فعالاً أن يكون على وزن فِعَال. أَوْ: هذه للتنويع، أن يكون مستوجباً فَعَلاَناً بفتح الفاء والعين والألف. فَادْرِ: فاعلم، جملة معترضة. أَوْ: هذه للتنويع، أن يكون مستحقاً فُعَالاً، ومتى يكون مستحقاً لفِعَالاَ أو فَعَلاَناً أو فُعَالا؟ قال: فَأَوَّلٌ: الفاء هذه فاء الفصيحة، أفصحت عن جواب شرط المقدر. فَأَوَّلٌ من هذه الأربعة، أو إن شئت قل: الثلاثة التي ذكرها في البيت السابق؛ لأنه ذكر ثلاثة أوزان في البيت الأول: مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً فِعَالاَ أَوْ فَعَلاَناً أَوْ فُعَالاَ. فَأَوَّلٌ منها وهو فِعَالاَ. فأول من هذه الأربعة فِعَال بكسر الفاء. لِذِي امْتِنَاعٍ: يعني مقيس فيما دل على امتناع. لِذِي امْتِنَاعٍ: أي لصاحب فعلٍ ذي امتناع، فهو على حذف مضاف. كَأَبَى: يعني وذلك كأبى، أبى إباءً، أبى على وزن فَعَل، أبى زيدٌ، ليس أبا زيدٌ يعني أبو زيداً لا، أبى زيدٌ، أبى زيدٌ يعني: امتنع زيدٌ، أبى أصله: أَبَيَ على وزن فَعَل، قد يقول قائل: كيف أبى على وزن فَعَل؟ نقول: أصله أَبَيَ بالياء، أَبَيَ تحركت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، وقيل: أبى مثل فتى فَتَيَ. أبى زيدٌ، إذاً: أبى إباءً على وزن فِعَال، وأبى هنا المراد به اللازم، وهو الذي بمعنى امتنع لا المتعدي؛ لأنه قد يأتي متعدي بمعنى كره لأن الكلام في اللازم، وإن جاء مصدر المتعدي أيضاً على فِعَال كما في القاموس، والمراد هنا أبى اللازم الذي بمعنى امتنع لا بمعنى كره، وكره هذا متعدي، وجاء مصدره كذلك على فِعال، يعني: وافق اللازم، المتعدي وافق اللازم. فَأَوَّلٌ لِذِي امْتِنَاعٍ كَأَبَى: يعني فالذي استحق أن يكون مصدره على فِعَال هو كل فعل دل على امتناع كأبى إباءً ونَفَر نِفاراً وشَرد شِراداً وأبقَ إِباقاً وجمحَ جِماحاً وفرَّ فِراراً، حينئذٍ نقول: هذه كلها هي في الأصل على وزن فَعَل وهو لازم، الأصل فيه أن يأتي على وزن الفُعُول كالقعود، لكن نقول: يستثنى ما دل على امتناع، لما دلت على امتناع لأن شرد امتنع وفر امتنع وأبى امتنع؛ فحينئذٍ نقول: خرجت عن الأصل فالأصل فيه أن يكون على وزن فِعَال. وَالثَّانِ: الثانِ مبتدأ حذفت الياء استغناء بالكسرة دليلاً عليها. وَالثَّانِ منها .. من هذه الثلاثة وهو: فَعَلاَن على وزن غَلَيَان. وَالثَّانِ منها وهو فعلان، قلنا الثاني: مبتدأ. لِلَّذِي: هذا متعلق بمحذوف خبر، لِلَّذِي: يعني لفعلٍ اقْتَضَى تَقَلُّبَاً، لفعلٍ اقتضى، اقتضى هذه صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

تَقَلُّبَاً: هذا مفعول باقتضى، يعني: دل على تقلب وحركة واضطراب، فكل فعل كان على وزن فَعَل اللازم وهو دال على التقلب والحركة والاضطراب فحينئذٍ قياس مصدره باطراد يكون على وزن فَعَلان. أي دل على تقلب وهو تحرك مخصوص لا مطلق التحرك، فلا انتقاض بنحو: قام قياماً؛ لأنه قد يقال: قام هذه حركة، لا ليس المراد أي حركة، جلسَ هذه حركة، حينئذٍ نقول: ليس مطلق الحركة، إنما حركة مخصوصة فيها نوع اضطراب مثل غليان، حينئذٍ فرق بين الحركتين، حركة لا اضطراب فيها هذا كله حدث، نام لم يكن نائماً ثم نام، إذاً: هذا فيه حركة، قام قياماً صام صياماً، نقول: هذا كله فيه نوع حركة، لكن ليس المراد هنا مطلق الحركة، وإنما المراد: تحرك مخصوص. إذن: الذي استحق أن يكون مصدره على فعلان هو كل فعل دل على تقلب واضطراب، نحو: طاف طوفاناً، وجال جولاناً، ونزى نزواناً، وغلت القدر غلياناً، ولمع لمعاناً، كلها على وزن فَعَلان مع كونها الفعل منها على وزن فعَلَ اللازم، خرج عن ذلك الأصل. مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوجِباً فَعْلاَناً متى؟ إذا دل على تقلب واضطراب وحركة، فإن كان كذلك فوزنه على وزن فعلاناً. لِلدَّا فُعَالٌ: هذا الثالث. فُعَالٌ: هذا مبتدأ. للداء. أَوْ لِصَوتٍ: أَوْ أكثر النسخ بـ (أو)، والملوي يغلطها يقول: الصواب بالواو، لكن أكثر الشراح على أنها بـ (أو) وحينئذٍ نحمل (أو) على معنى الواو؛ لأن (أو) في الأصل للتخيير، هذا أو ذاك، إما هذا أو ذاك، والأمر ليس كذلك، بل هي لهذا وذاك، يعني: للداء .. للمرض وللصوت، حينئذٍ نقول: (أو) بمعنى الواو ما دام أن أكثر النسخ على هذه، أكثر النسخ على أنها بـ (أو) حينئذٍ نقول: لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ، نقول: فُعَالٌ ما كان على وزن فُعَال. لِلدَّاءِ: يعني للمرض وللصوت. لِلدَّا: هذا بالقصر قصره للضرورة، يعني: للداءِ فُعال، لِلدَّا: هذا خبر مقدم، وفُعَالٌ: مبتدأ. أَوْ لِصَوتٍ: هذا معطوف على قوله: لِلدَّا، لذلك أعاد الخافض .. أَوْ لِصَوتٍ. إذاً: ما كان على وزن فُعَال إنما يكون لفعلٍ دل على مرضٍ أو دل على صوتٍ. إذاً: الذي يستحق أن يكون مصدره على فُعال هو كل فعل دل على داءٍ أو صوتٍ، سَعلَ سُعالاً؛ هذا صوت أو مرض؟ سعل سعالاً هذا مرض، وزُكِمَ زُكاماً، نحن نقول: من باب فَعَلَ، كيف يمثل ابن عقيل وغيره من الصرفيين بزُكِمَ؟ تقديراً، إذاً: زُكِم باعتبار أصله المقدر في الذهن زكاماً، هكذا. أما زُكِمَ لا يأتي منه؛ لأنه هو فرع، قلنا: فُعِل فرع وليس بأصل، وهنا المصادر إنما تحمل على أصولها: فعَل فعِل فعُل، لذلك لا نقول: ضُرِبَ ضرباً مصدره، لا. نقول: ضُربَ مصدره ضرباً، لا نقول: ضُرب، أما زُكِم لم يسمع إلا فُعِل حينئذٍ لا نقول: زَكَمَ، ليس عندنا في اللغة زَكَمَ، وإنما مقدراً زَكَم في الذهن كأنه هو الأصل، هكذا يقولون. ومشى بطنه مُشاءً على وزن فُعْال. ومثال الثاني الذي هو الصوت: نَعب الغراب نُعاباً، ونَعق الراعي نُعاقاً، ورغى البعير رُغاءً، وأزَّت القدر أُزازاً .. سمع فيه أُزَازاً وأَزِيزاً، وهذا هو المراد بقوله: لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ. إذن:

لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ وَشَمَلْ ... سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ ...... وَشَمَلْ شمِل يشمَل من باب علِم يعلَم، وشمَل يشمُل من باب نَصر يَنصُر وهي أفصح، ويجوز الوجهان لكن هنا من أجل قوله: كَصَهَلْ، لا بد أن نحمله على شَمل لأجل التوافق. وَشَمَلْ: يعني عَمَّ. الْفَعِيلُ: الشمول بمعنى العموم، شَمَل عمَّ، شمل الفعيل، شمل فعل ماضي، والفعيل فاعله. سَيْراً: هذا مفعول. وَصَوْتاً: معطوف عليه. إذاً: الفعيل لنوعين: لما دل على سير كرحلَ رحيلاً، ورسمَ رسيماً، أو صوتاً كصهل صهيلاً، الذي ذكره الناظم. إذاً: قوله: لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ؛ الصوت يأتي على وزن فُعَال. وشمل الفعيل صوتاً، إذاً: الصوت له وزنان وهما: فُعَال وفعِيل، وأما الداء ليس له إلا فُعَال. لِلدَّا فُعَالٌ أَوْ لِصَوتٍ وَشَمَلْ الفعيل سَيْراً وَصَوْتاً كَصَهَلْ، كصهل صهيلاً، ونهقَ نهيقاً. قوله: أَوْ لِصَوتٍ مع قوله: وَشَمَلْ سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ؛ يفيد أن ما دل على الصوت ينقاس فيه كل من الفُعَال والفعِيل، فإذا ورد الفعل دالاً على صوت كان كل منهما مصدراً قياسياً له، إذا جاء الفعل دالاً على صوت كان كل منهما .. من الوزنين فُعال وفعَِيل مصدراً قياسياً له، وإن ورد أحدهما حينئذٍ اقتُصر على واحد منهما، يعني: إذا سُمع واحد منهما -كما سيأتي- ولم يسمع الآخر؛ حينئذٍ نقول: لا يلزم أن نقيس الثاني، وإنما نكتفي بواحد، يعني: قد يرد لفظ دال على صوت ويسمع فيه الوزنان: فُعَال وفعِيل معاً، فحينئذٍ هذا بركة زيادة خير، جاء على الاثنين. إن سُمع فيه واحد منهما اكتفينا به ولا نقيس، إن لم يُسمع أنت مخير، قسه على فُعال أو قسه على فعِيل، إن شئت الأول وإن شئت الثاني. وإن ورد أحدهما اقتُصر عليه على ما ذهب إليه سيبويه والأخفش: أنه لا ينقاس إلا عند عدم السماع، خلاف الفراء. وإن لم يرد واحد منهما كنت مخيراً في مصدره بينهما، فأيهما نطقت به جاز، ائت بهذا أو بذاك، ولذلك نقول: قد يجتمع فعِيل وفُعال مصدرين لفعل دال على صوت، نحو: نَعَب الغرابُ نَعِيباً ونُعاباً؛ اجتمعا. نَعَبَ الغرابُ نَعيباً ونُعاباً، نَعِيباً على وزن فعِيل ونُعاباً على وزن فُعال، ونعق الراعي نَعيقاً ونُعاقاً، وأَزَّت القدر أَزيزاً وأُزازاً، سُمع فيه النوعين، وهذا صوت. وقد ينفرد فعيل نحو: صهيل، صهيل فقط ليس هناك صُهال، إنما سمع صهيل على وزن فعيل، هل نقيس؟ نقول له: صهيل وهو مسموع وصهال وهو مقيس؟ لا، على مذهب سيبويه لا، وعلى مذهب الفراء نعم يجوز، فنقول: صهال هذا قياس لصهيل، مرادف له. وقد ينفرد فُعَال نحو: بَغَم الضبي بُغَاماً فُعَال، لم يسمع بَغِيم فعيل، ما سمع. وعلى مذهب سيبويه والجمهور لا يقاس، وعلى مذهب الفراء نعم. ويستثنى منه ما دل على حرفة أو ولاية؛ فإن الغالب في مصدره فِعالاً، نحو: تَجَر تِجارة، وخاط خِياطة، وسَفَر سِفَارة، وأمر إمارة، وذكر ابن عصفور أنه مقيس في الولايات والصنائع.

إذاً: ما كان على وزن فَعَل وهو لازم فالأصل فيه أن يكون على وزن الفُعُول كقعد قعوداً وجلس جلوساً، إلا إن كان واحداً من هذه الأوزان الأربعة، والمراد بالأوزان الأربعة بالنظر إلى أفعالها، يعني: الفعل الذي دل على امتناع وهو على وزن فَعَل اللازم لا يأتي على الفُعُول وإنما يأتي على الفِعَال، والذي اقتضى تقلباً وهو فَعَل لازم نقول: لا يأتي على الفعول بل يأتي على فَعَلان، والذي دل على مرض أو صوت لا يأتي على الفُعُول وإن كان على وزن فَعَل وهو لازم، وإنما يأتي على وزن فُعَالَ. وإذا كان دالاً على صوت أو سير حينئذٍ نقول: لا يأتي على فُعُول، وإنما يأتي على الفعِيل، ولذلك قال: وَشَمَلْ عمَّ سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ كَصَهَلْ، وأشار بقوله: وَشَمَلْ سَيْراً وَصَوْتاً الْفَعِيلُ؛ إلى أن فعيلاً يأتي مصدراً لما دل على سير، يعني: مصدر مطرد في فَعَل اللازم الدال على السير، ولما دل على صوت، فالأول ذَمَل ذمِيلاً ورحَل رحِيلاً ورسَم رسِيماً، كلها أنواع للسير. ومثال الثاني: نَعَب نعِيباً، ونعَق نعِيقاً، وأزت القدر أزيزاً، وصهلت الخيل صهيلاً. إذن: هذا ما يتعلق بفعل اللازم. فُعُولَةٌ فَعَالَةٌ لِفَعُلاَ ... كَسَهُلَ الأَمْرُ وَزَيْدٌ جَزُلاَ هذا النوع الثالث. إذن: عرفنا باب فَعَل بنوعيه المتعدي واللازم، وفَعِل بنوعيه المتعدي واللازم. إذن فَعَل المتعدي وزن مصدره فَعَل. وفعل اللازم وزن مصدره الفُعُول، إلا إن كان واحداً من الأربعة. وفعِل المتعدي وزن مصدره الفَعْل. وفعِل اللازم وزن مصدره الفَعَل بفتحتين. فُعُولَةٌ فَعَالَةٌ لِفَعُلاَ: هذا النوع الثالث ما كان على وزن فَعُلَ كظرُف وشرُف، ما مصدره؟ قال: فُعُولَةٌ: هذا مبتدأ. فَعَالَةٌ: هذا معطوف عليه بإسقاط حرف العطف، يعني: فعولةٌ وفعالةٌ. لِفَعُلاَ: هذا خبر والألف للإطلاق. كَسَهُلَ الأَمْرُ: كقولك: سهل الأمر سُهولةٌ، وصعب الأمر صُعوبةٌ. وَزَيْدٌ جَزُلاَ: أي: عظم .. جزالة، وفصُح فصَاحةً، وبلُغ بلاغةً. فهذه كلها على وزن فَعُل ويأتي منها المصدر على فُعُولةٍ وفَعَالة، أي: كل منهما مصدر قياسي لفَعُل، فإذا وردا معاً فذاك، إذا وردا معاً لفعل وهو على وزن فَعُل حينئذٍ نقول: فذاك، أو أحدهما اقتُصر عليه، أو لم يرد واحد منهما خير بينهما كالكلام السابق، يعني: إذا سمعا معاً نقول: هذا زيادة خير. إن سمع أحدهما حينئذٍ اكتفينا بالمسموع ولا نقيس الآخر. إن لم سمع لا ذا ولا ذاك حينئذٍ أنت مخير، ائت به على هذا الوزن أو ذاك الوزن. إذا كان الفعل على فَعُل ولا يكون إلا لازماً -كما ذكرناه سابقاً- يكون مصدره على فُعُولةٍ أو على فَعَالةٍ، سهل سهولةً، وصعب صعوبةً، وعذُب عذُوبةً. ومثال الثاني: جَزُل جزَالةً يعني: عظم. وفصُح فصاحةً وبلاغةً وصراحةً، وضخُم ضخامةً، هذا إذا سمع كل منهما. وَمَا أَتَى مُخَالِفَاً لِمَا مَضَى ... فَبَابُهُ النَّقْلُ كَسُخْطٍ وَرِضَى

علمنا أن مراد الناظم بهذه الأبيات السابقة: أنه يرى القياس، ولا يرى أن مصادر الثلاثي المجرد سماعية؛ لأنه قال: وَمَا أَتَى، يعني: وما أتاك من المصادر للثلاثي المجرد فعَل بنوعيه وفعِل بنوعيه وفعُل، ما جاء مخالفاً لما سبق فبابه النقل .. طريقه النقل عن العرب لا القياس، مثل ماذا؟ سُخْطِ، سَخِطَ زيدٌ، سَخِطَ زيدٌ هذا فعِل لازم يكون على وزن الفعَل سَخَط هذا الأصل، لكنه سمع سُخْط، هذا لم يوافق القياس، هو سُمع سَخَط وسُمع سُخْط وحينئذٍ نقول: سُخْط هذا مخالف للقياس، فبابه النقل يعني: السماع عن العرب. وَرِضَى: رضي زيدٌ، الأصل رضَيَ، رضى مثل جوى، وحينئذٍ نقول: هذا بابه القياس. إذاً: وَمَا أَتَى مُخَالِفاً مَا: مبتدأ شرطية. أَتَى: من مصادر أبنية الثلاثي. مُخَالِفاً: حال كونه مخالفاً. لِمَا مَضَى وقُرَّرَ وقُعِّدَ من الأصول السابقة؛ فَبَابُهُ الفاء واقعة في جواب الشرط، بَابُهُ النَّقْلُ: مبتدأ وخبر، والجملة في محل جزم جواب الشرط. فَبَابُهُ النَّقْلُ: يعني طريقه النقل عن العرب لا القياس. كَسُخْطٍ وَرِضَى: كقولهم في فعَل المتعدي: جَحده جُحوداً، جَحَدَ جَحْداً سُمع جَحْداً لكنه سُمع: جُحوداً فُعُول، فُعُول ليس لفعَلَ المتعدي وإنما هو لفعَلَ اللازم، نقول: هذا بابه النقل. كقولهم يعني: العرب في فعَل المتعدي جحده جُحوداً وشكره شُكوراً وشُكراناً، وقالوا: جَحْداً على القياس، وفي فعَل القاصر يعني اللازم: مات موتاً، القياس ما هو؟ فَعَل القاصر اللازم، فَعَل بالفتح، قياس مصدره الفعول، قالوا ماذا؟ مات موتاً، مات زيدٌ مَوَتَ زيدٌ، الأصل أن يكون على وزن الفُعول لكن ما سُمع، سُمع على وزن فعَل. إذاً: جاء بالمتعدي. ومات موتاً، وفاز فوزاً، وحكم حكماً، وشاخ شيخوخةً، ونم نميمةً، وذهب ذَهاباً. وفي فعِل القاصر .. اللازم رغب رُغوبةً، ورضي رضى وبخل بخلاً وسخط سخطاً، وأما البَخَل والسَخَط فعلى القياس. وفي فَعُل حسُن حُسناً والأصل أن يكون على فُعُولةٍ وفعَالة، لكن سمع فيه حُسْناً نقول: هذا بابه النقل. وقبُح قُبحاً، إذاً بابه النقل. إذاً: القواعد السابقة هي الأصول وهي القياس، فما سُمع من لسان العرب حينئذٍ نكتفي به. ولا يقاس، فلا نقول: سُمع حُكْماً والأصل: حَكْماً، حكم زيدٌ كذا، حينئذٍ نقول: الأصل أن يأتي على وزن الفَعْل مثلاً، فإذا سمع خلاف الأصل لا نقيس الأصل، بناءً على أن القياس في هذا الباب إنما يكون عند عدم سماع مصدر البتة، فإن سمع ما هو مخالف للقياس اكتفينا به ولا نقيس، وإنما القياس يكون عند عدم سماع مصدر مطلقاً. هذا ما يتعلق بالثلاثي المجرد. وأما الثلاثي المزيد فأشار إليه بقوله: وَغَيْرُ ذِي ثَلاَثَةٍ مَقِيسُ ... مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ مَصْدَرُهُ .. مَصْدَرِهِ هذا يجوز فيه الوجهان.

الثلاثي المزيد يعني: ما زاد على الثلاثي المجرد إما أن يزيد عليه بحرف أو بحرفين أو ثلاثة ولا رابع لها، إما بحرف واحد وإما بحرفين وإما بثلاثة أحرف، ما زاد على الثلاثي بحرف واحد هذا يأتي على ثلاثة أوزان: أفعَلَ وفاعَلَ وفعَّل، أفَعَل كأكرم، وفاعَلَ كقاتل، وفعَّل كقدَّس الذي ذكره الناظم، خرَّج. هذا زيد عليه بحرف واحد، أكرَم أصله كرُم، خرج أخرج، زيدت عليه الهمزة حرف واحد. وفاعل قاتل، ضارب، شارك؛ زيدت فيه الألف فحسب، فهو ثلاثي مزيد بحرف واحد. وفعَّل بتضعيف العين، خرَّج وكرَّم وكلَّم وسلَّم .. إلى آخره. إذاً: هذه الثلاثة الأوزان تكون في الثلاثي المزيد بحرف واحد. النوع الثاني: المزيد الذي زيد فيه حرفان، هذا يأتي على خمسة أوزان: الأول: انفعل، زيدت الهمزة والنون انفعل: كانكسر، انطلق. الثاني: افتعل؛ كاجتمع. الثالث: افْعَلَّ، احمَرَّ كُررت اللام مع زيادة الهمزة في أوله، احمرَّ. الرابع: تفعَّل كتعلم. الخامس: تفاعل كتباعد. هذه خمسة أوزان للمزيد بحرفين، والذي زيد فيه ثلاثة أحرف وهو أقصى ما يزاد على الثلاثي لأنه لا يكون سباعياً، إذا زدت على الثلاثي ثلاثة أحرف صار سداسياً، ولا يوجد في الأفعال ما هو على سبعة أحرف وإنما هو جائز في الأسماء، جائز في الأسماء ولا يجوز في الأفعال لخفة الاسم وثقل الحرف. هكذا قيل. والذي فيه زيادة ثلاثة أحرف يأتي على أربعة أوزان: استفعل؛ كاستخرج. والثاني: افعَوعَل؛ كاغدَودَن، اغدودن الشَّعر إذا طاب. افعالَّ؛ كاحمارَّ واصفارَّ، هو نفسه احمر فزيدت فيه الألف. الرابع: افعوَّل كاعلوَّط، يعني: تعلق بعنق البعير إذا ركبه. إذاً: هذه أربعة أوزان تأتي في المزيد على الثلاثي بثلاثة أحرف. ومتن البناء متخصص في الأفعال، الذي يريد التوسع في هذه كلها يرجع إلى متن البناء؛ لأنه وضعه لهذه الأشياء، أو يرجع إلى لامية الأفعال، "اسمها لامية الأفعال"، فكل ما يتعلق بالفعل والمصادر فهو موجود هناك. وخلاصة اللامية والبناء موجود في نظم المقصود، وهذا مستوفى في الشرح الذي شرحته سابقاً. وَغَيْرُ ذِي ثَلاَثَةٍ مَقِيسُ ... مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ غَيْرُ ذِي ثَلاَثَةٍ: يعني ذي أحرف ثلاثة، أو ذي فعْلٍ مؤلف من ثلاثة أحرف، ما هو غير الثلاثي المجرد؟ الثلاثي المزيد والرباعي المزيد، عندنا القسمة محصورة: مجرد ومزيد، طيب. مجرد ثلاثي ورباعي، ومزيد .. مزيد الثلاثي ومزيد الرباعي، أربعة أقسام: مزيد ثلاثي، مزيد رباعي، مجرد ثلاثي، مجرد رباعي. هو ذكر في الأبيات السابقة حكم الثلاثي المجرد، ماذا بقي؟ ثلاثة أنواع، سيفرد المجرد الرباعي ببيت ويبقى حكم المزيد من الثلاثي والمزيد من الرباعي، في هذه الأبيات في جملتها ذكر المزيد من الثلاثي ولم يستوفها، ولذلك قيل: أنه قصَّر في هذا الباب. أما المزيد الرباعي فهذا كثير جداً، والمرجع فيه متن البناء، لا يمكن أن نستوفيه، وإنما نذكر ما ذكره الناظم فحسب. إذاً: غَيْرُ ذِى ثَلاَثَةٍ مَقِيسُ، غير ذي ثلاثة المراد به في الظاهر هنا: الثلاثي المزيد لا مطلق، لأنه لم يذكر في هذه الأبيات التي سردها هنا حكم الرباعي وإنما سيفرده ببيت سيأتي محله.

وَغَيْرُ ذِى ثَلاَثَةٍ مَقِيسٌ. قيل: غَيْرُ: مبتدأ، ومَقِيسٌ: هذا خبره، ومصدره هذا قيل: نائب فاعل. كَقُدِّسَ التَّقْدِيسُ: هذا مثال. غَيْرُ: مبتدأ، ومَقِيسٌ: خبر، تُرك تنوينه للقافية، ومصدره فاعل، وقيل: نائب فاعل. قيل هكذا. ويجوز أن يكون مَقِيسٌ خبراً مقدماً ومصدره مبتدأ والجملة خبر المبتدأ، يعني (غير) يكون مبتدأ أول، ومصدره بالرفع أن يكون مبتدأً مؤخراً، ومقيس: خبر المبتدأ المتأخر، والجملة خبر الأول، لأنه ماذا أراد؟ أراد أن يبين لنا أن غير الثلاثي مقيس، كأنه للاتفاق عليه نص عليه، وإلا السابق كذلك الذي ذكره مقيس. إذاً: ما الفائدة في ذكر هذا البيت على جهة الخصوص بالنص على أن ما عدا الثلاثي مقيس مع الاشتراك في الحكم؟ الاتفاق في الثاني والخلاف في الأول، طيب. إذا كان كذلك أيهما أولى بالتنصيص ما فيه خلاف؟ أو ما عليه الاتفاق؟ ما فيه خلاف، هذا الأولى أن ينص عليه، وأما المتفق عليه لو تركه علمنا حكمه بأنه متفق عليه، حينئذٍ خُرج البيت على هذا، فقيل: وَغَيْرُ ذِي ثَلاَثَةٍ مَقِيسُ مَصْدَرِهِ: على المذكور هنا يكون غَيْرُ مبتدأ، وهو مضاف، وذِي ثَلاَثَةٍ: مضاف ومضاف إليه، ومَقِيسُ مَصْدَرِهِ: صار خبراً. كَقُدَّسَ: يكون تابعاً لقوله: مَقِيسُ مَصْدَرِهِ إما حالاً من المضاف وإما حالاً من المضاف إليه، فهو شروع في ذكر المصادر المقيسة في غير الثلاثي. وَغَيْرُ ذِي ثَلاَثَةٍ: أي وكل فعل غير ذي ثلاثة مَقِيسُ مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ. قُدَّسَ: هذا النوع الأول وأشار به إلى قدَّسَ فعَّل، فعَّل هذا ثلاثي مزيد بحرف واحد، قدَّسَ، ومثله زكَّى وعطفه لكون مصدره مخالفاً للمصدر السابق؛ لأن الأول: قُدِّس التقديسُ تفعيل، والثاني: زكِّه تزكيةً تفعلةً، إذاً: هما مخالفان، مع كون الأول والثاني على وزن فعَّلَ، والفرق بينهما: أن الأول صحيح والثاني معتل. إذاً نقول: ما كان على وزن فعَّلَ وهو مزيد بحرف إما أن يكون صحيحاً وإما أن يكون معتلاً، فإن كان صحيحاً فمصدره على التفعيل كالتقديس، وهم قد يذكرون المثال مع الوزن، وقد يُذكر الوزن دون المثال. قُدَّسَ التَّقْدِيسُ كأنه قال: فُعِّل التفعيل. إذاً: فعَّل إما أن يكون صحيحاً أو معتلاً. إما أن يكون صحيحاً أو معتلاً، فإن كان صحيحاً فأشار المصنف بقوله: قُدَّسَ التَّقْدِيسُ؛ إلى أن مصدره يكون على وزن التفعيل، هذا هو المشهور، ومنه قوله تعالى: ((وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)) [النساء:164] سلموا تسليماً؛ هذا مصدر، هذا نسميه مصدر. سلموا سلاماً اسم مصدر، كلِّموا كلاماً هذا اسم مصدر. ويأتي أيضاً على وزن فِعَّال وفِعَال بالتشديد والتخفيف، ومنه: ((وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا)) [النبأ:28] كذب كِذَّاباً لم يأت على التفعيل، وإنما جاء على فِعَّال. ويأتي على فِعَال بتخفيف العين، وقد قرئ: (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَاباً) بتخفيف الذال. إذاً: إذا كان صحيحاً وهو على وزن فعَّل يأتي على التفعيل. هذا هو المشهور. وفِعِّال بقلة، وفِعَال قيل: شاذ.

وإن كان معتلاً فمصدره كذلك يعني يأتي على التفعيل لكن يدخله الإعلال، وهو أن تقديس تفعيل تحذف الياء، وسبق معنا أن المصدر إذا حذف منه حرف لا بد أن يعوض عنه وإما أن يُنوى .. يُقدر، وحينئذٍ إذا حذف منه نقول: لا بد من التعويض، هنا تحذف الياء من مصدر المعتل، تحذف الياء ويعوض عنها التاء، فقيل: زكَّى تزكيةً تفعِلةً، زكَّىَ تزكِّياً هذا الأصل، زكَّى تزكِّياً، وحينئذٍ نقول: حذفت الياء وعوض عنها التاء فقيل: تفعلةٌ. وإن كان معتلاً فمصدره كذلك لكن تحذف ياء التفعيل ويعوض عنها التاء فيصير مصدره على تفعلةٍ، نحو: زكَّى تزكيةً، ووصَّى توصيةً، وسمَّى تسميةً، وأدَّى تأديةً، وخلَّى تخليةً، وحلَّى تحليةً، نقول: هذه كلها على وزن تفعلة، مع كونها على وزن فعَّل لأنه معتل اللام. وندر مجيئه على تفعيل: بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَها تَنْزِيَّا -وهذا نادر قليل- كَما تُنَزّي شَهْلَةٌ صَبِيّا ، لكن هذا نقول: محفوظ، شاذ .. سيأتي أنه شاذ، يعني يحفظ ولا يقاس عليه. وندر مجيئه من الصحيح على وزن تفعلة أيضاً: كجرَّب تجرِبةً، جرَّب الأصل تجريباً، لكن جاء على وزن تفعلةٍ وهو تجرِبةٍ، وكذلك قدَّم تقدِمةً، إذاً: ما كان على وزن فعَّل وهو معلُّ اللام .. ناقص حينئذٍ نقول: هذا يأتي على وزن تفعلةٍ. واجتمعا في المهموز، يعني: التفعيل والتفعلة اجتمعا في المهموز، ولذلك نقول: التفعلة مصدر واجب في المعلّ، وكثير في المهموز، ونادر وقيل شاذ في الصحيح. إذاً: تفعلة المصدر هذا النوع .. تفعلة له ثلاثة أحوال: إما أن يكون واجباً، وإما أن يكون كثيراً جائزاً، وإما أن يكون شاذاً. متى يكون شاذاً؟ للصحيح. ومتى يكون واجباً؟ للمعتل. ومتى يكون كثيراً؟ للمهموز. ولذلك قال: وإن كان مهموزاً فمصدره على تفعيلٍ وعلى تفعلةٍ نحو: خطَّأَ تخطِئة وتخطِيئاً، وجزَّأَ تجزيئاً وتجزئةً، ونبأ تنبيئاً وتنبئةً، ووطأ توطئةً، فحينئذٍ نقول: هذا جاء على الوزن، لكن هل صحيح أن الناظم لم يذكره؟ لا، الصواب أنه ذكره، لكن ذكره بالأصل وهو أن الأصل في المهموز أن يكون على وزن التفعيل، تخطيء، هذا الأصل. وأما الثاني فهو كثير فيه، وليس بأصل. إذاً: قوله: كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ: مراده ما كان على وزن فعَّل وهو صحيح، يأتي المصدر منه على التقديس وهو التفعيل. وَزَكِّهِ تَزْكِيَةً: هذا كذلك على وزن فعَّل، زكَّه: هذا أمر من زكى، ومراده به الماضي ليس الأمر، وإنما أشار به إلى الماضي؛ لأنهم إذا أرادوا المصدر أتوا بالماضي، زكَّى يزكَّي تزكيةً، وما الذي ادخل فعل الأمر هنا؟ نقول: للإشارة، يعني: قصر به النظم أن يأتي بالماضي فأتى بفعل الأمر. وَزَكِّهِ تَزْكِيَةً: تفعلة، تزكية على وزن تفعلة، وهو فعَّل لكنه معتل اللام، ودخل في قوله: (قُدَّسَ التَّقْدِيسُ) المهموز في أحد نوعي مصدره، ولا إشكال في هذا. وَأَجْمِلاَ إِجْمَالَ مَنْ تَجَمُّلاً تَجَمَّلاَ. وَأَجْمِلاَ: الألف هذه بدل عن نون التوكيد.

أَجْمِل: هذا فعل أمر، وأشار به إلى أفعَل، إذاً: هو ثلاثي مزيد بحرف مثل: أكرم، أجمل، افعَل: هذا أمر من أجْمَل، إن كان الثلاثي المزيد بحرف على وزن أفعَل فأشار الناظم إلى أنه يأتي على الإفعال، أكرم يكرمُ إكراماً، وأجمل يجملُ إجمالاً، وأخرج يُخرجُ إخراجاً، وهلم جرا. على إفعَال، وأعطى يعطي إعطاءً، وأحسن يحسنُ إحساناً. إذاً: وَأَجْمِلاَ إِجْمَالَ، هذا إِجْمَالاً مفعول مطلق، والمفعول المطلق لا يكون إلا مصدراً. إذاً: إجمالاً بإعرابه نعرف أنه هو المصدر لـ أَجْمِلاَ. َأَجْمِلاَ الذي هو أمر من أجَمَلَ يأتي المصدر منه على الإجمال، وأراد به ما كان على وزن أفعَل يكون المصدر منه على وزن الإفعال. إِجْمَالَ مَنْ: إِجْمَالَ: مضاف، و (مَنْ) هذا اسم موصول. مَنْ تَجَمَّلَ تَجَمُّلاً: تفعَّل تفعُّلاً، ما كان على وزن تفعَّل يأتي المصدر منه على وزن تفعُّلاً، تعلَّم تعلُّماً، وتكلَّم تكلُّماً، وتخرَّج تخرُّجاً، حينئذٍ نقول: ما كان على وزن تفعَّلَ إنما يضم منه الرابع، وبهذا هو داخل في قوله: وضُمَّ مَا يَرْبَعُ فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا، فيكون من باب ذكر الخاص قبل العام؛ لأنه سيأتي يقول: تَلَمْلَمَا، ضُمَّ مَا يَرْبَعُ فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا، فهو داخل فيه. إِجْمَالَ مَنْ تَجَمُّلاً: هذا المصدر. تَجَمَّلاَ: هذا فعل ماضي، والألف فيه للإطلاق. ذكره هنا مع كونه داخلاً في قوله: وضُمَّ إلى آخره من ذكر الخاص قبل العام. وتَجَمَّلاَ: نقول: هذا فعل ماضي، ومصدره يأتي على تفعُّل، وهنا قدم المصدر على فعله، والأصل: من تجمَّلَ تجمُّلاً، هذا الأصل. وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً ثُمَّ أَقِمْ ... إِقَامَةً وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ

هنا قدم وأخر، لو قدم (أَقِمْ) لكان تابعاً لقوله: أجمِلَ، ما كان على وزن أفعل إما أن يكون صحيحاً، وإما أن يكون معل العين، إن كان صحيحاً حينئذٍ مصدره الإفعال، أكرم يُكرمُ إكراماً، وأما إذا كان معل العين فيدخله إعلال كـ أقام إقامةً، أقام: فعل ماضي، الألف هذه منقلبة عن واو، بدليل: قام يقوم، إذاً: الألف هذه منقلبة عن واو، العرب نطقت بأقام، إذن انقلبت الواو ألفاً، ومعلوم أن الألف لا تكون منقلبة عن واو إلا بتحقيق شرطها، وشرطها: أن تكون متحركة منفتح ما قبلها، هذا شرطها، حينئذٍ نقول: أقامَ أصله على وزن أفعَلَ مثل أكرمَ، إذاً: أصله أقوَم، أكرم، تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها، مشكلة. كيف نقلب الواو ألفا؟ لا بد من وجود العلة كاملة وهي: تحرك الواو وانفتاح ما قبلها، قالوا؛ نقلنا حركة الواو إلى ما قبلها صار عندنا نظران: نظر باعتبار السابق ونظر باعتبار الآن، تحركت الواو قبل النقل، وانفتح ما قبلها بعد النقل فقلبت الواو ألفاً، لا بد من هذا، لماذا لابد؟ لأنهم عندهم قاعدة .. القاعدة صحيحة ثابتة، لكن لكل قاعدة شذوذ، حينئذٍ القاعدة: أنه لا تقلب الواو أو الياء ألفاً إلا بشروط منها: تحرك الواو أو الياء وانفتاح ما قبلها، بعض الصرفيين وهم قلة يرون أن الألف هنا منقلبة عن الواو اكتفاءً بجزء العلة، يعني يقول: أصل أقام أقومَ، تحركت الواو إذاً وجد جزء من العلة، لم ينفتح ما قبلها إذاً قلبت الواو ألفاً اكتفاءً بجزء العلة. في المصدر ماذا نقول؟ إكرام أكرمَ إكراماً، إذاً: أقوَم عرفنا كيف صار أقام، طيب. إقواماً، نحن لا نقول: إقواماً، نقول: إقامةً، كيف صار إقامةً وأصل إقوام على وزن إفعال؟ القول فيه كالقول السابق: إقواماً، تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها نقلنا الواو، ثم لنا نظران: تحركت الواو قبل النقل ثم انفتح ما قبلها بعد النقل فقلبت الواو ألفاً فصار إقَا .. ثم جاءت الألف ألف المصدر؛ لأن عندنا إفعال، إفعا، إذاً: عين ثم ألف المصدر، نحن قلبنا العين .. الواو والألف هذه عين الكلمة، في المصدر إفعَال، عين الكلمة ثم يليها ألف المصدر. إذاً: قلبنا العين التي هي الواو ألفاً فاجتمع عندنا ألِفَان، فحذفنا إحدى الألفين على نزاع في أي الألفين المحذوفة؛ هل هي الزائدة وهو مذهب سيبويه؟ أم الأصلية التي هي عين الكلمة وهي مذهب الأخفش وغيره وهو الصواب؟ ثم ماذا صار؟ حذفنا إحدى الألفين وعوضنا عنها التاء فقيل: إقامةٌ، إذاً: التاء هذه بدل عن الألف المحذوفة، أي الألفين؟ الصحيح أنها الأصلية، أولاً: لأن التي زيدت لأجل المصدرية حرف معنى، فذهابها لا يدل على المعنى الذي جيء به من أجلها، فإذا حذفناها حينئذٍ حذفنا ما يدل على المصدرية، هذا أولاً. ثم في لسان العرب أنهم إذا حذفوا حرفاً زائداً لا يعوض عنه، وإنما يعوض عن الحرف الأصلي، وهنا قد عوضوا عن المحذوف التاء، فدل على أن المحذوف أصل، مثل: وعد عدة، قلنا: التاء هذه عوض عن الواو والواو هذه حرف أصلي، وأما الذي يحذف وهو زائد ليس من أصل الكلمة لا يعوض عنه. إذاً: ترجح خلاف مذهب سيبويه. فالمحذوف هو عين الكلمة وليست الألف، لما ذكرناه.

إذاً: قوله: ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً؛ هذا استدراك لقوله: وَأَجْمِلاَ إِجْمَالَ، إذاً: أجمل، أقم: هذا فعل أمر أشار به إلى أقام، كل منهما على وزن أفعَلَ، أجْمِلَ أجمَل أقامَ كل منهما على وزن أفعَلَ، إلا أنه في أجمَل ليس معتل العين بل هو صحيح، وأقام هو معتل العين، يعني: معل العين، قلبت العين التي هي الواو ألفاً، فالمصدر نقول فيه: إقامةً؛ على التعليل السابق الذي ذكرناه، عوضاً عن العين المحذوفة، عوض عنها لزمت التاء في المصدر, ولذلك قال: وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ، ذَا: المشار إليه ما هو؟ أقم إقامةً، ذَا التَّا: ذَا المشار إليه أقم إقامةً، إقامةً المصدر الأخير المتأخر. ذا لزم التاء، التاء هذا مفعول مقدم لقوله: لزم، لزم التاء، لكن قال: غالباً؛ لأنه قد تحذف منه، ((وَإِقَامِ الصَّلاةِ)) إِقَامِ هذا مصدر، أقام يقيم إقامة، حينئذٍ نقول: التاء هنا أين هي؟ ليست موجودة، أقم إقامةً حذفت التاء. ................... ثُمَّ أَقِمْ ... إِقَامَةً وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ قال ابن عقيل: وإن كان على أفعَل فقياس مصدره على إفعال، نحو: أكرم إكراماً وأجمل إجمالاً وأعطى إعطاءً، هذا إذا لم يكن معتل العين يعني: معل العين، فإن كان معل العين فكذلك لكن نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة، حينئذٍ تنقلب ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها بالنظرين السابقين، أو نقول: اكتفاءً بجزء العلة. وحذفت الألف الثانية أو الأولى على الخلاف، وعوض عنها تاء التأنيث غالباً، نحو: أقام إقامةً، وأعان إعانةً، وأبان إبانةً، والأصل: إقواماً، انظر إقْوَ، القاف ساكنة والواو متحركة؛ لأن أصله: أفْعَل، إقواماً فنقلت حركة الواو إلى القاف الساكن قبلها ثم انقلبت الواو ألفاً وحذفت إحدى الألفين، وعوض عنها تاء التأنيث فصار إقامةً، وسُمع تنبيهاً على الأصل: أغيَمت السماء إغياماً، قلنا: الأصل المهجور لا بد أن ينطق به عربي، يعني: يحصل أشبه ما يكون بفلتة لسان، فينطق بأصل مهجور، إغياماً؛ الأصل أن تنقلب هنا الياء ألفاً ثم تحذف، فيقال: إغامةً مثل إقامة. أغيَمت السماء إغامةً هذا الأصل بحذف إحدى الألفين، لكن نطق به من أجل أن نعرف أن هذا الأصل هو الذي ذكرناه. فصار إقامةً، والصحيح أن الذي حذف هو الألف المنقلبة عن العين، وهذا هو الأصح للتعويض إذ لا تعويض عن زائدٍ البتة، وثانياً: هي حرف معنى، وذهب سيبويه إلى أنها الزائدة، ومذهب الفراء والأخفش إلى أنها الأصلية، وهذا هو المراد بقوله: ثُمَّ أَقِمْ. وقوله: وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ: يعني الغالب لزوم هذه التاء، ومعنى اللزوم هنا اتصال التاء به، ولذا قال: غالباً، يعني في الغالب الكثير. وقد تخلو عن التاء لكنه في قلة، ولذلك جاء قراءة: (وَإِقَامَ الصَّلاةِ) وأراء إراءً، إراءة هذا الأصل. إذاً: قوله: ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً؛ إشارة إلى أفعَل إذا كان معل العين. وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ: ذَا: مبتدأ، ولَزِمْ: هذا فعل ماضي، وفيه ضمير يعود على ذَا. والتَّا: بالقصر هذا مفعول به. وَغَالِباً: حال من الفاعل في لَزِمْ.

وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً: اسْتَعِذْ هذا أمر من استعاذ، واستعاذ هذا ثلاثي مزيد بثلاثة أحرف، أصله: عاذ عَوَذَ من العوذ، استعذ استعاذة؛ القول فيه كالقول في أقم إقامةً، استعاذ أصله استَعَوَذَ، هذا أصله: اسْ تَ عْ وَذَ، استعْ العين ساكنة والواو مفتوحة. إذاً: نقلت حركة الواو إلى العين الساكن قبلها، ثم نقول: تحركت الواو باعتبار ما قبل النقل، وانفتح ما قبلها باعتبار ما بعد النقل، وقلبت الواو ألفاً فقيل: استعاذ؛ لأن العرب نطقت به. أين الواو؟ هنا يرد السؤال قد يقول قائل: استعوذ، ما الذي أدخلنا في هذا؟ نقول: استعاذ هذا فعل ماضٍ، وهو مأخوذ من العوذ، أين الواو هي حرف أصلي؟ تقول: الألف هذه هي الواو، كيف هي الواو ولم يوجد فيها العلة كاملة؟ لا بد من النظرين أو نقول اكتفاءً بجزء العلة، لا بد من هذا. اسْتِعَاذَةً: نقول: المصدر كما سيأتي ينص عليه أنه يكسر الثالث وتزاد مَدةً .. ألف قبل الأخير، فيقال: انطلق انطلاقاً، استخرج استخراجاً، تِخْ انظر التاء مكسورة، إخراجاً زِدتَ مدة قبل الحرف الأخير، هذا ما كان مبدوءاً بهمزة الوصل، حينئذٍ استعاذ مبدوء بهمزة وصل. إذاً: مصدره يكون بكسر ثالثه مع زيادة مدة، ليس له وزن معين، وإنما نقول: بكسر ثالثه مع زيادة ألف قبل آخره، فنقول: استعاذ استعواذاً، استِ استَ كانت مفتوحة فكسرناها في المصدر، استِعواذاً ذال قبلها ألف، ماذا حصل؟ حصل في المصدر ما حصل في الفعل الماضي، أعل كما أعل سابقاً، حينئذٍ نقول: استعْوَا؛ تحركت الواو ولم ينفتح ما قبلها، اكتفاءً بجزء العلة قلبنا الواو ألف، ثم اجتمعت الألف المنقلبة عن العين مع الألف المزيدة للمصدرية، حذفنا إحدى الألفين على الخلاف والصحيح أنها المبدلة عن الواو، حذفناها وعوضنا عنها التاء قلنا: استعاذةً، وإلا الأصل استعواذاً، ولذلك جاء مصرحاً في قوله: استحواذاً ((اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ)) [المجادلة:19] استحواذاً، جاء على الأصل إشارة إلى أن استعاذةً .. الاستعاذة التاء هذه بدل عن الألف المحذوفة المنقلبة عن العين، فلما اجتمع عندنا ألفان لا يمكن تحريك الأول؛ لأن الألف لا تقبل الحركة، فحذفنا الألف الأولى، وهذا مما يرجح أيضاً أن الألف الأولى هي المحذوفة؛ لأنه إذا التقى ساكنان الأصل أن يحذف الأول لا الثاني. إذاً: ثلاثة أدلة: أولاً: التعويض، لا يعوض إلا عن أصل ولا يعوض عن زائد. ثانياً: الألف التي جيء بها للمصدر حرف معنى، حينئذٍ حرف المبنى أولى بالحذف من حرف المعنى. ثالثاً: أن المحذوف في الأصل يكون هو الأول لا الثاني، هو الأصل، كما أن الحركة للتخلص من التقاء الساكنين يكون هو الأول. وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً: هذا داخل في قوله: وَمَا يَلِى الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا؛ قدمه لماذا؟

ليعطف عليه: ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً، ثم قال: وَغَالِباً ذَا، أي: المذكور وهو من استعاذةٍ وإقامةٍ التَّا لَزِمْ، إذاً: ليس خاصاً بقوله: إِقَامَةً على الصحيح، وإن فهم البعض بأن قوله: (ذا) هذا إشارة لمفرد واحد أشار به إلى إقامةٍ، لكن الصواب أنه أشار به إلى استعاذةٍ وإقامةٍ، حينئذٍ لماذا أفرده؟ نقول: بتأويل المذكور، (ذا) أي: المذكور، وما هو المذكور؟ وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً ثُمَّ أَقِمْ إِقَامَةً. إذاً: ذكر فعلين في صيغة الأمر والمراد به: الماضي استعذ استعاذ، وأقم أقامَ، وذكر المصدرين مع التعليل الذي ذكرناه. وَغَالِباً ذَا التَّا لَزِمْ: ذَا أي: استعاذةً وإقامةً لزم التاء غالباً، وقد يكون من غير الغالب كما قال بعضهم: استفاهَ استِفاهاً، استفاه على وزن استفعل، استفوَه هذا الأصل. استفاهاً استفاهةً هذا الأصل، هذا مثل: إِقَامِ الصَّلاةِ. فإن كان استفعل معتل العين نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة وحذفت وعوض عنها تاء التأنيث لزوماً، نحو: استعاذ استعاذةً والأصل: استعواذاً، فنقلت حركة الواو إلى العين وهي فاء الكلمة وحذفت وعوض عنها التاء فصار استعاذةً، وهذا معنى قوله: وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً. وابن عقيل جرى على أن (ذا) مرجعه إلى "إِقَامَةٍ" فحسب، ولذلك لم يعمم الحكم فيقول: استعاذةً قد يخلو عن التاء، والصواب: أن الحكم عام في استعاذ وإقام، ولذلك يدل على هذا .. وهو مراد الناظم: أنه أفرده؛ لأن استعاذة هذا داخل في قوله: وَمَا يَلِي الآخِرُ، إذاً: لماذا خصه بالذكر؟ لأنه معتل العين أو معل العين والحكم واحد فجمع بينهما في لفظ واحد. إذاً: يعل المصدر بما فُعِل بمصدر أفْعَل المعتل العين السابق، استعاذ استعاذةً واستقام استقامةً. ويستثنى من المبدوء بهمزة الوصل ما كان أصله تفاعل أو تفعَّل، مثل: اطَّاير واطيَّر أصلهما: تطاير وتطيرّ؛ فإن مصدرهما لا يكسر ثالثه ولا يزاد قبل آخره ألف، كما سيأتي. وَمَا يَلِى الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا ... مَعْ كَسْرِ تِلْوِ الثَّانِ مِمَّا افْتُتِحَا بِهَمْزِ وَصْلٍ ............................... ... ........................................... هذا في انطلق واستخرج واجتمع، كل ما كان مبدوءاً بهمزة الوصل حينئذٍ الحكم فيه أنه يكسر ثالثه وتزاد مدة وهي ألف قبل آخره، فتقول: استخرج استخرا .. ، استَ التاء مفتوحة وهي الثالث، تقول في المصدر: استخراجاً، وضعتَ ألف قبل الجيم استخراجاً، استغفر استغفاراً. وَمَا يَلِي الآخِرُ مُدَّ. مَا: اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به: مدَّ ما يلي، مَا يَلِي الآخِرُ. الآخِرُ: هذا فاعل يلي، يعني يتبعه. وأين العائد على (ما)؟ أي: وما يليه الآخر، الذي يليه الآخر، مُدَّ الذي يليه الآخر، مُدَّ: هذا أمر، يعني: اجعل بعده .. بعد ما قبل الآخر اجعل بعده حرف مد، وهذا يحتمل أنه واو أو ألف أو ياء، لكن لما قال: وَافْتَحَا؛ عرفنا أن مراده الألف، يعني: افتح ما قبل الألف، أو ضع فتحة كما قال المكودي ثم أشبعها فتتولد عندك ألف. إذاً: مُدَّ: هذا مطلق عام. وَافْتَحَا: وافتحاً الألف هذه بدل عن التنوين. إذاً: ما قبل الأخير تضع مدة وهي الألف.

مَعْ كَسْرِ تِلْوِ الثَّانِ: الذي يتبع الثاني وهو الثالث، مع كسره. مِمَّا: مد مِمَّا: متعلق بقوله: مُدَّ؛ لأن الأصل في الكلام هنا أنه جملة فعلية، مدَّ ما يلي الآخر. وَافْتَحَاً مَعْ كَسْرِ تِلْوِ الثَّانِ: وهو الثالث. مِمَّا: يعني من الذي .. من فعل. افْتُتِحَا: الألف للإطلاق. بِهَمْزِ وَصْلٍ: جار ومجرور متعلق بقوله: افْتُتِحَا. كَاصْطَفَى: اصطفاءً، اقتدر اقتداراً، وهلم جرا. وَمَا يَلِى الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا: يعني مدَّ ما يليه الآخر، فالآخر هذا فاعل يَلِى. وَافْتَحَاً: ذكر الفتحة ليبين أن المدة ألف لا واو ولا ياء. مَعْ كَسْرِ: هذا متعلق بقوله: مُدَّ. مَعْ كَسْرِ: مضاف. وتلِْوِ: مضاف إليه. تلو: مضاف والثاني مضاف إليه، والمراد به الحرف الثالث. مِمَّا افْتُتِحَا: يعني من فعل افتتح بهمز وصل، وذلك كقولك: اصطفى، أو وذلك كاصطفى. قياس ما أوله همزة وصل أن يكسر تلو ثانيه، أي: ثالثه، وأن يمد مفتوحاً ما يليه الآخِر، يمد مفتوحاً ما يليه الآخِر، يعني: ما يتبعه الآخر، وأن يمد مفتوحاً ما يليه الآخر، أي: ما قبل آخره، نحو: اصطفى اصطفاءً، وحاصل معنى البيت: أن مصدر كل فعل افتتح بهمزة الوصل فالحرف المتصل به الحرف الأخير من الفعل مدَّه وافتح ما قبل المدة، فينشأ من ذلك الألف ثم يكسر تلو الحرف الثاني من الفعل وهو الحرف الثالث. هذا كلام المكودي. قال: وإن كان في أوله همزة وصل كسر ثالثه وزيد ألف قبل آخره، سواء كان على وزن فعَلَ أو افتعَلَ أو استفعَلَ، انطلق انطلاقاً، اصطفى هذا على وزن افتعل اصطفاءً، استخرج استخراجاً، وهذا معنى قوله: وَمَا يَلِى الآخِرُ مُدَّ وَافْتَحَا، هذا في الصحيح، وأما إذا كان معتل العين فحينئذٍ يجري مجرى استعاذةً؛ لأن استعاذ استعذ استعاذةً هذا مثله مبدوء بهمزة وصل، استعاذ استقام نقول: استقوم هذا الأصل، استقواماً نفس الحكاية، استقامةً. استعاذ أصله استعوذ، استعواذاً استعاذةً. إذاً: قوله: وَاسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً؛ داخل في قوله: وَمَا يَلِى الآخِرُ، وإنما خصه لماذا؟ لو جعلنا ذا (وَغَالِباً ذَا) يعود على قوله: (إِقَامَةٍ) فحسب؛ إذاً لماذا ذكر الناظم اسْتَعِذْ اسْتِعَاذَةً؟ ما الفائدة من ذكره مع كونه داخل فيما بعد؟ نقول: ذكره لأن الحكم واحد، فقدم استعذ استعاذة. ثُمَّ: بمعنى الواو، ليست على التراخي. أَقِمْ إِقَامَةً، وَغَالِباً ذَا: الذي هو استعاذة وإقامة لزم التاء. وَضُمَّ مَا يَرْبَعُ فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا. يعني: أن مصدر تفعلَلَ يضم فيه رابع الفعل، نفسه فقط الحركة، تكلَّم تفعَّل، ضم الرابع: تكلُّماً، تعلم تعلُّماً، تخرَّج تخرُّجاً. وَضُمَّ: هذا فعل أمر. مَا: اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب. يَرْبَعُ: يقال: ربَّعتُ القوم صرت رابعهم، وبابه منعَ، يَرْبَعُ يعني: ما صار رابعاً، ربعت وثلثت وخمست .. إلى آخره، يعني صرت خامساً، صرت رابعاً. وَضُمَّ مَا يَرْبَعُ: يعني ما يقع رابعاً. فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا: أي: في أمثال مصدر قَدْ تَلَمْلَمَا، يعني أمثاله في الحركات والسكنات وعدد الحروف وإن لم يكن من بابه.

فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا: يعني أن مصدر تفعلل يضم فيه رابع الفعل، تفعلل، نحن مثلنا بماذا؟ تفعَّل، كل منهما من باب واحد، يضم فيه رابع الفعل فيصير مصدراً نحو: تلملم تلملماً، وتدحرج تدحرجاً؛ هذا أشار به ضمناً إدخال المزيد بحرف في باب الرباعي؛ لأن الرباعي المزيد فيه نوعان: الأول: مزيد بحرف: دحرج تدحرج، تدحرج تدحرجاً جاء على وزن تفعُّل، وهو الذي أراده هنا، لكنه بالتبعية لا بالأصل؛ لأنه يسرد لنا المزيد من الثلاثي. تلملم تلملماً وتدحرج تدحرجاً وتنفس تنفساً. وَضُمَّ مَا يَرْبَعُ فِي أَمْثَالِ قَدْ تَلَمْلَمَا. قال الشارح: أنه إن كان الفعل على وزن تفعلل يكون مصدره على تفعلُلٍ بضم رابعه، نحو: تلملم وتدحرج .. إلى آخره. وتجمل تجملاً، وهو الذي ذكره أولاً: إِجْمَالَ مَنْ تَجَمُّلاً تَجَمَّلاَ، إذاً: داخل في قوله: ضُمَّ مَا يَرْبَعُ، وذكره من باب ذكر الخاص قبل العام. وتجمَّل تجمُّلاً، وتشيطن تشيطناً، وتمسكن تمسكناً. ويجب إبدال الضمة كسرة إن كانت اللام ياءً نحو: التواني والتداني للمحافظة على سلامة الياء من قلبها واواً. فِعْلاَلٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلاَ ... وَاجْعَلْ مَقِيساً ثَانِياً لاَ أَوَّلاَ فَعْلَلَ: هذا رباعي مجرد، والرباعي كالثلاثي يكون مجرداً، وله وزن واحد فقط وهو فعلل، دحرج، ليس له إلا وزن واحد وهو فَعْلَلَ. والمزيد الرباعي قسمان: ما زيد فيه حرف واحد وهو وزن واحد: تفعلل تدحرج فقط. كتدحرج. وما زيد فيه حرفان وهو وزنان .. اثنان فقط: افعلَّلا احرنجما، هذا الأول. الثاني: افعلَّل، اطمأن، اقشعر، وأما الملحق بالأول والثاني فكثير، بابه متن البناء هناك. فِعْلاَلٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلاَ فِعْلاَلٌ: هذا مبتدأ، قصد لفظه فصار علماً. أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلاَ لِفَعْلَلاَ: الألف هذه للإطلاق. لِفَعْلَلاَ: هذا خبر، وما ألحق به .. ما ألحق بفعللا، الملحقات سبعة عندهم هناك، ما ألحق بباب فعللا حكمه حكم فعللا في كونه يكون مصدره على الفعلال أو الفعلل، والملحق بفعلل سبعة: فعلل كجلبب، أصله جلب، زيدت الباء للإلحاق. جلببه، أي: ألبسه الجلباب. والثاني: فوعل؛ كجورب، جوربه أي: ألبسه الجورب. الثالث: فَعْوَل؛ كرهوك في مشيته أي: أسرع. والرابع: فيعل؛ كبيطر، أي: أصلح الدواء. والخامس: فَعْيَل؛ كشريف الزرع يعني: قطع شريانه. والسادس: فعلى؛ كسلقى إذا استلقى على ظهره. والسابع: فعلل؛ كقلنس، قلنسه يعني إذا ألبسه قلنسوة. إذاً: كله هذا داخل في قوله: لِفَعْلَلاَ؛ لأن المراد به الفعلل المجرد وما ألحق به، والإلحاق المراد به بيناه فيما سبق. وَاجْعَلْ مَقِيساً ثَانِياً لاَ أَوَّلاَ إذاً: فيه سماعي وفيه مقيس. ما هو المقيس؟ ثانياً، ما هو الثاني؟ فَعْلَلاَ دحرج يدحرج دحرجة، هذا قياسي. دحرج يدحرج دحراجاً: هذا سماعي، وذهب بعضهم ومنهم الناظم في التسهيل إلى أنه قياسي في الاثنين .. النوعين. إذاً: فيه خلاف، (فِعْلاَل) هذا فيه خلاف، وأما (فَعْلَلَة) فهذا متفق عليه أنه مقيس، دحرجة مقيس قطعاً. وأما دحراج هذا محل نزاع.

فِعْلاَلٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلاَ وما ألحق به كجلببَ وحوقلَ جلباباً وجلببة وحيقالاً وحوقلة. وَاجْعَلْ مَقِيساً: من فعلال وفعللة ثانياً لا أولاً، وكلاهما عند بعضهم مقيس ومنهم الناظم في شرح التسهيل. قال الشارح: يأتي مصدر (فَعْلَلَ) وما ألحق به على فِعْلال كدحرج دحراجاً وسرهف سرهافاً، وعلى (فَعْلَلَةٍ) وهو المقيس فيه، نحو: دحرج دحرجةً، وبهرج بهرجةً، وسرهف سرهفةً، وزلزل زلزلةً، وبيطر بيطرةً، وحوقل حوقلةً. و (فِعْلاَلٌ) إن كان مضاعفاً كزلزال ووسواس، وهو في غير المضاعف سماعي كسرهف سرهافاً، ويجوز فتح أول المضاعف والأكثر أن يعنى بالمفتوح اسم الفاعل، نحو: ((مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ)) [الناس:4] أي: الموسوس. لِفَاعَلَ الِفعَالُ وَالْمُفَاعَلَهْ ... وَغَيْرُ مَا مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلَهْ لم يرتب رحمه الله تعالى؛ لأن فاعلَ هذا من الثلاثي المزيد بحرف، فكان الأولى أن يقدمه على قوله: فِعْلاَلٌ أَوْ فَعْلَلَةٌ لِفَعْلَلاَ. فَاعَلَ: هذا الباب الثالث من المزيد بحرف، يأتي المصدر منه على نوعين: إما فِعَال وإما مفاعلة، قاتل يقاتل قتالاً ومقاتلةً، وضارب يضارب ضراباً ومضاربةً، وخاصم يخاصم خصاماً ومخاصمةً، وشارك يشاركُ مشاركةً، جاء بواحد منهما. لِفَاعَلَ: هذا خبر مقدم. الِفعَالُ: هذا مبتدأ مؤخر. وَالْمُفَاعَلَهْ: معطوف عليه، كل فعل على وزن فاعل فمصدره الفعال والمفاعلة، نحو: ضارب ضراباً ومضاربةً، وقاتل قتالاً ومقاتلةً، وخاصم خصاماً ومخاصمةً، وعاقب عقاباً ومعاقبةً، لكن يمتنع الفعال ويتعين المفاعلة فيما فاؤه ياء، إذا كان يائي الفاء امتنع الفعال ويتعين المفاعلة، ياسَر مياسرةً، ياسر بالياء مياسرةً، ويامَن ميامنةً، وشذ: يَاوَمه يَوَاماً فعالاً، يَوَاماً هذا شاذ، والأصل فيه ميامنةً مفاعلةً. إذاً: إذا كانت فاؤه ياء امتنع أن يكون على وزن الفِعَال، وإنما يكون على مفاعلة. وَغَيْرُ مَا مَرَّ في قوله: وَغَيْرُ ذِي ثَلاَثَةٍ مَقِيسُ ... مَصْدَرِهِ كَقُدَّسَ التَّقْدِيسُ وما عطف عليه. غَيْرُ: تلك القواعد والأصول في الأوزان .. أوزان المصدر. السَّمَاعُ عَادَلَهْ: يعني صار عديلاً له، يعني: يرجع إلى السماع، مثل قوله: وَمَا أَتَى مُخَالِفَاً لِمَا مَضَى فَبَابُهُ النَّقْلُ. إذاً: كل ما لم يكن من ذلك الباب فبابه النقل. وَغَيْرُ مَا مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلَهْ غَيْرُ: مبتدأ، وهو مضاف، ومَا مَرَّ يعني: الذي مر وسبق ذكره. السَّمَاعُ: مبتدأ ثاني. عَادَلَهْ: خبر الثاني، يعني: أن ما تقدم من مصادر غير الثلاثي هو القياس، وما جاء على خلافه عادله السماع أي: صار عديلاً له، أي: رجع له، كما أن كلاً من المتعادلين يرجع فيه إلى الآخر. أن ما ورد من مصادر غير الثلاثي على خلاف ما مر يحفظ ولا يقاس عليه. ومعنى قوله: (عَادَلَهْ) كأن السماع له عديلاً فلا يُقْدَم عليه إلا بثبت، يعني: نقل، كقولهم في مصدر فعَّل المعتل تفعيلاً نحو: بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَها تَنْزِيَّا، إذاً: هذا سماعي، والقياس: تنزية مثل زكَّى تزكيةً. وقوله في مصدر حوقل حيقالاً وقياسه حوقلةً نحو: دحرج دحرجةً، ومن ورود حقال قوله:

يا قَوْمِ قَدْ حَوْقَلْتُ أَو دَنَوْتُ ... وَشرُّ حِيقَالِ الرِّجالِ الْمَوْتُ وَغَيْرُ مَا مَرَّ السَّمَاعُ عَادَلَهْ. وقولهم كذلك في تفعَّل تِفِعَّالاً نحو: تملَّق تملاَّقاً وقياسه: تفعَّل تفعُّلاً تملَّق تملُّقاً. وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ كَجَلْسَهْ ... وَفِعْلَةٌ لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَهْ إذا أُريد بيان المرة من المصدر .. مرة واحدة، لأن هذا الحدث وقع مرة واحدة، تأتي به من الثلاثي على وزن فَعلة، جَلستُ جَلْسَةً، ضربتُ ضَربةً، قتلتُ قتلةً، يعني: قتلة واحدة. واحدة مفهوم من وزن فَعْلة، وإذا أريد به الهيئة من الثلاثي تأتي به مكسور الفاء. إذاً: قوله: وَفَعْلَةٌ: هذا مبتدأ. فَعْلَةٌ: بفتح الفاء وإسكان العين: فَعْلَة بالفتح. لِمَرَّةٍ: هذا خبر، وذلك كجَلْسة ومَشية وضَربة، هذا متى؟ إذا أريد بيان المرة من مصدر الفعل الثلاثي، قيل فيه فَعْلة بفتح الفاء، نحو: ضربتهُ ضربةً يعني واحدة، وإذا قلت: ضربةً واحدةً؛ صارت من باب التوكيد، لأن الواحدة معروفة من اللفظ نفسه، ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ)) [الحاقة:13] فُهم من اللفظ واحدة، لما ما قال واحدة قلنا: هذا تأكيد. وإنما تكون كذلك لما يدل على فعل الجوارح الحسية لا ما يدل على الفعل الباطن كالعلم والجهل والجُبن والبخل ونحو ذلك، أو الصفة الثابتة كالحُسن. إذاً: (فَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ) فيما إذا كان الفعل قائماً وواقعاً بالجوارح الحسية، وأما الأمور الباطنية كالعلم والجهل أو الأمر الثابت كالحسن والجمال نقول: هذا لا يشتق منه على وزن فَعْلة. (وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ) وذلك كـ جَلْسَة، جَلَسَ جلْسةً، لبس لَبسةً، قتل قَتلةً. وَفِعْلَةٌ لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَهْ فِعْلَةٌ: بكسر الفاء مع إسكان العين. لِهَيْئَةٍ: يعني لهيئة الحدث. كَجِلْسَهْ: جلستُ جِلْسة كذا، لا بد من التقييد، قتلتُ قتلةَ عادٍ، مشيتُ مشيةَ كذا لا بد من الإضافة، حينئذٍ مِشية نقول: هذا اسم هيئة، أي: لهيئة الحدث، والحدث وإن استلزم الهيئة لكن فرق بين الدلالة مطابقة والدلالة التزاماً.

قال الشارح: إذا أُريد بيان المرة من مصدر الفعل الثلاثي قيل: فَعلة نحو: ضربة، هذا إذا لم يبن المصدر يعني من أول الأمر على تاء التأنيث، يعني بعض المصادر فيها تاء كرحمة ورغبة، إذا أردنا الوحدة كيف نفعل؟ هل نأتي بها على وزن فَعْلة؟ هو على وزن فَعْلة مختوماً بالتاء، نضيف إليه كلمة واحدة، رحمةٌ واحدةٌ، إذاً: احتجنا إلى واحدة ليست كنفخة هناك، نفخة واحدة، أما هنا إذا كان المصدر في أصله مبنياً من أول الأمر وضعت أو نُطق بتاء التأنيث معه حينئذٍ احتجنا إلى وصف، فإن بني عليها وصف بما يدل على الوحدة نحو: نَعمة ورحمة، إذا أريد المرة وصف بواحدة: نَعمةٌ واحدة، رحمةٌ واحدة. وإن أريد بيان الهيئة منه قيل: فِعلة بكسر الفاء نحو: جلس جِلسة حسنة، لا بد من الوصف. وقعد قِعدة يعني حسنةً، ومات مِيتةً، ميتة سوء مثلاً. والقِتلة، إلا إن كان بناء المصدر العام عليها فيدل على الهيئة بالصفة ونحوها، كنشد الضالة نِشدة عظيمة، نِشدة هي في أصلها التاء حينئذٍ نقول: فِعلة نِشدة المصدر هكذا نطق بالتاء فهو مبني عليها، نقول: نِشدةً عظيمةً وصفناها بعظيمة. فِي غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ بِالتَّا الْمَرَّهْ ... وَشَذَّ فِيهِ هَيْئَةٌ كَالْخِمْرَهْ ما سبق فَعلة وفِعلة من الثلاثي، وأما غير الثلاثي في الدلالة على المرة نأتي بالمصدر السابق القياسي ونزيد عليه التاء، انطلق انطلاقاً، زد عليه التاء: انطلاقةً، هذا مرة، استخرج استخراجاً استخراجةً، استغفر استغفارةً، نأتي بالتاء متصلة بالمصدر، ليس عندنا فَعلة وفِعلة، إنما هذا يكون في الثلاثي وغير الثلاثي لا. فِي غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ بِالتَّا الْمَرَّهْ: المرة بالتا. الْمَرَّهْ: هذا مبتدأ. وبِالتَّا: خبر مقدم. المرة في غير ذي الثلاثي الرباعي والخماسي والسداسي .. إلى آخره. بالتاء، كائنة بالتاء، إذا أريد بيان المرة من مصدر المزيد على ثلاثة أحرف زيد على المصدر القياسي تاء تأنيث: أكرمته إكراماً إكرامةً، ودحرجته دحراجةً، وانطلق انطلاقةً، واستغفرت استغفارةً. فإن كان بناء المصدر العام على التاء دُل على المرة منه بالوصف، فإقامةٍ واحدة، واستقامةٍ واحدة نحتاج إلى أن نضيف واحدة؛ لأن التاء موجودة في المصدر لما ذكرناه من العلة السابقة. فِي غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ: ما قال الثلاثة، والأصل أن يقول: الثلاثةِ، إنما حذف التاء في الثلاث؛ لأنه راعى تأنيث الحرف، والتقدير: في غير الفعل صاحب الثلاث الأحرف، ذكَّر فلما ذكَّر حذف. فِي غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ بِالتَّا الْمَرَّهْ ... وَشَذَّ فِيهِ هَيْئَةٌ كَالْخِمْرَهْ يعني: ما كان المصدر دالاً على الهيئة لا يأتي من غير الثلاثي، وإنما يكون من الثلاثي فحسب، أما غير الثلاثي فلا، وإنما سمع من غير الثلاثي المرة فحسب بالطريقة التي ذكرناها وهي زيادة التاء، وأما غير الثلاثي لم يُسمع فيه قياساً في الهيئة. وَشَذَّ: يعني لا يبنى من غير الثلاثي مصدر للهيئة إلا ما شذ. فِيهِ: يعني غير الثلاثي.

هَيْئَةٌ كَالْخِمْرَهْ: اختمرت المرأة خِمْرة، خِمْر اختمر افتعل، هذا غير ثلاثي، سُمع خِمرة لكنه شاذ على وزن فِعلة، نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه. اختمرت المرأة خِمرة يعني: غطت رأسها بالخمار. وشذ بناء فِعلة لهيئة من غير الثلاثي، كقولهم: هي حسنة خِمْرة، فبنو فِعلة من اختمر، وانتقبت نِقبة، واعتمَّ عِمَّة، وتقمص قِمصة؛ كل هذا من غير الثلاثي وهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. فبنو فِعلة من اختمر وهو حسن العِمِّة فبنو فِعلة من تعمَّم، وكذلك قِمصة نقول: بنوه من تقمَّص، وهذا كله يحفظ ولا يقاس عليه. إذاً: للمرة إما أن يكون من الثلاثي أو غير الثلاثي، إن كان من الثلاثي جيء به على وزن فَعلة، وإن كان من غير الثلاثي زيدت التاء على المصدر في كليهما ما لم يكن المصدر في أصله متصلاً بالتاء، وأما الهيئة من الثلاثي جيء به على وزن فِعلة بكسر الفاء، ومن غير الثلاثي لا ينقاس وإنما هي ألفاظ تحفظ ولا يقاس عليها. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

82

عناصر الدرس * شرح الترجمة. أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة * وزن اسم الفاعل من الثلاثي * وزن اسم الفاعل من غير الثلاثي. ووزن اسم المفعول من غير الثلاثي * وزن اسم المفعول من الثلاثي وما ينوب عنه * خاتمة في ذكر الصفات المشبهة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفعُولِينَ وَالصِّفَاتِ المُشَبَّهاَتِ بِهَا. أَبْنِيَةُ: جمع بناء. وأَسْمَاء: جمع اسم. والْفَاعِلِينَ .. أسماء الفاعلين هذا جمع اسم الفاعل. والمفعولين المعطوف على الفاعلين أي: أسماء الْمَفعُولِينَ وهو جمع اسم مفعول، والصفات المشبهات بها جمع صفة مشبهة. سيذكر في هذا الباب ما ذكره في الباب السابق، في الباب السابق ذكر أبنية المصادر، وهنا سيذكر البناء يعني الوزن، البنية المراد به: الوزن. ما هي أوزان أسماء الفاعلين وما هي أوزان أسماء المفعولين، سواء كان من الثلاثي ومما زاد على الثلاثي، والصفة المشبهة كذلك ما هي أوزانها، فعقد هذا الباب لبيان هذه الأوزان. إذاً: لن يتكلم عن عمل شيء منها، بل سبق عمل اسم الفاعل واسم المفعول، وسيأتي عمل الصفة المشبهة. إذاً: وسط بين هذا الباب بين البابين: إعمال اسم الفاعل وإعمال الصفة المشبهة. أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ، إضافة أبنية إلى أسماء للبيان، لأن أسماء الفاعلين اسم فاعل وهذا هو بنية في نفسه، فكيف يقال: أبنية أسماء الفاعلين؟ نقول: الإضافة هنا للبيان، أي: أبنيةٌ هي أسماء الذوات الفاعلين وأسماء الذوات المفعولين، وغلَّب العاقل منها على غيره فجمع بالياء والنون، فليس كله عاقل، وإنما منه ما يعقل ومنه ما لا يعقل، فجمعه بواو ونون تغليباً للعاقل. وهذه قاعدة عندهم: إذا اجتمع عاقل وغيره حينئذٍ غُلِّب العاقل على غيره لشرفه. أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ. إذاً: عرفنا أن الإضافة هنا للبيان، يعني: أبنيةٌ هي أسماء الذوات الفاعلين وهي أسماء الذوات المفعولين. والصفات المشبهة بها، أي: بأسماء الفاعلين؛ كطاهر القلب، وأسماء المفعولين؛ كمحمود المقاصد، المشبهة بها: الضمير الأصل في ظاهر الترجمة يعود إلى النوعين، يعني: أسماء الفاعلين والمفعولين، فالضمير راجع إلى أسماء الفاعلين والمفعولين، هذا المتبادر من الترجمة، لكن قول المصنف فيما بعد: الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ؛ يقتضي رجوع الضمير إلى أسماء الفاعلين فقط دون أسماء المفعولين؛ لأن الصفة المشبهة إنما هي مشبهة باسم الفاعل لا بأسماء الفاعلين. إذاً: قوله: (وَالصِّفَاتِ المُشَبَّهاَتِ بِهَا) هنا الضمير يعود على بعض المضاف إليه وهو قوله: أسماء الفاعلين، لماذا؟ لأن الصفة المشبهة إنما أعملت تشبيهاً لها باسم الفاعل لا باسم المفعول، ولم تشبه باسم المفعول كما سيأتي بيانه. قال رحمه الله تعالى: كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إِذَا ... مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ يَكُونُ كَغَذَا صُغ اسم فاعل كفاعل، صُغ: هذا فعل أمر، أمر من الصوغ، يعني: ائت به على صيغة معينة، والصيغة والبنية والبناء والوزن مترادفة، أبنية المصادر، أبنية أسماء الفاعل، أوزان المصادر، أوزان أسماء الفاعلين، كذلك صيغ المصادر وصيغ أسماء الفاعلين كلها مترادفة، كلها بمعنىً واحد.

صُغ: والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، اسم فاعل. كَفَاعِلٍ: أي: كهذا الوزن الذي على صيغة فاعل. صغ اسم فاعل كفاعل، أي: صوغاً كصوغ فاعل في الهيئة، أو حالة كون اسم الفاعل كفاعل في الهيئة، والمراد بالهيئة: أن يكون على زنة فاعل: ضارب، قاتل .. إلى آخره. متى؟ قال: إِذَا مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ يَكُونُ كَغَذَا إذا كان المراد اشتقاقه من الثلاثي، إذاً: ذا مما زاد على الثلاثي، وسيأتي بيانه. مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ: قلنا: مِنْ ذِي يعني: من فعل ذي ثلاثة. مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ: يعني من فعل صاحب ثلاثة أحرف وهو المجرد؛ لأنه لا يوجد أقل من ثلاثة أحرف. وهذا يشمل فعَل وفعِل اللازم والمتعدي فيهما وفَعُلَ؛ لأنه أطلقه، لكن باعتبار الأبيات الآتية نخص (مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ) بفعَل وفعِل، لكن فعَل اللازم والمتعدي وفعِل المتعدي، فعَل المتعدي واللازم وفعِل المتعدي. إذاً: مقصوده بقوله: (مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ) المراد به: من فَعَل المتعدي واللازم يأتي اسم الفاعل منه على زنة فاعل، ومن فعِل بكسر العين المتعدي يأتي منه اسم الفاعل على زنة فاعل. وأما فعِل اللازم وفعُل وهو لا يكون إلا لازماً هذا له صيغ أخرى. كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إِذَا: هذا قيد. مِنْ ذِى ثَلاَثََةٍ: إِذَا يَكُونُ مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ، يكون. كان هنا تامة بمعنى: يوجد. ومِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ: متعلق بها، لكن اشترط بعضهم أن يكون متصرفاً، أن يكون فعَل اللازم والمتعدي وفعِل المتعدي أن يكون متصرفاً، وأما الجامد فلا يأتي منه على زنة فاعل. كَغَذَا: يعني وذلك كغذا. غَذَا بمعنى سال، فيقال: غذا الماءُ فهو غاذٍ على وزن فاعل. ويقال: غذا الصبيُّ باللبن، وغذيته يعني الصبي أي: رباه، فيكون متعدياً. إذاً: غَذَا يحتمل مثال الناظم هنا: أن يكون لازماً بمعنى سال، أو متعدياً، وكلاهما يأتي منه اسم الفاعل على زنة فاعل، فلا إشكال حينئذٍ، سواء أراد غذا بمعنى سال، أو أراد غَذَا بمعنى ربَّى، كلاهما اسم الفاعل يأتي منه على زنة فاعل فلا إشكال. قال الشارح: إذا أريد بناء اسم الفاعل من الفعل الثلاثي جيء به على مثال فاعل، يعني على وزنه وصيغته. وذلك مقيس في كل فعل كان على وزن فعَل بفتح العين مطلقاً، سواء كان متعدياً أو لازماً. ضَرَبَ: هذا على وزن فعَل وهو متعد. إذا أردت منه اسم الفاعل وقد عرفنا حقيقة اسم الفاعل: ما دل على ذات وحدث أوقعت ذلك الحدث؛ حينئذٍ ضربَ تقول: ضارب على وزن فاعل، وهو فعَل كذلك هو متعدٍ. وركبَ زيد الفرسَ، ركِب: هذا على وزن فعِل وهو متعدي، فتقول: راكب. وذهبَ: هذا لازم، ذهبَ زيد فهو ذاهبٌ، إذاً: على وزن فاعل. وغذا فهو غاذ، وسلِم فهو سالمٌ. إذاً: ما كان على وزن فعَل بفتح العين مطلقاً متعدياً كضرب أو لازماً كسلمَ يأتي منه اسم الفاعل على وزن فاعل، وكذلك فعِل بكسر العين بشرط أن يكون متعدياً، انظر هنا فعِل المتعدي شارك فعَل المتعدي، وهناك: فَعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى ... مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ كَـ رَدَّ رَدَّا

شارك فعِل المتعدي فعَل، شاركه لماذا؟ لأن المتعدي في باب فعِل كثير واللازم قليل، وفعَل كله بنوعيه كثير، وحينئذٍ بجامع الكثرة شارك فعِل المتعدي فعَل مطلقاً كما الشأن في أوزان المصادر. فإن كان الفعل على وزن فعِل بكسر العين فإما أن يكون متعدياً أو لازماً، فإن كان متعدياً فقياسه أيضاً أن يأتي اسم فاعله على فاعل نحو: ركِبَ فهو راكب، وعلِمَ فهو عالم. إذاً: قصد بهذا البيت أن صياغة اسم الفاعل تكون على القياس مطردة فيما إذا كان الفعل الثلاثي على وزن فعَل مطلقاً لازماً أو متعدياً، وفيما كان على وزن فعِل بكسر العين بشرط أن يكون متعدياً. وأما فعِل اللازم وفعُل قلنا: لا يكون إلا لازماً، فمجيء اسم الفاعل منهما على وزن فاعل شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. وعبر عنه الناظم بقوله: قليل، مثل حَمُض على وزن فَعُل. سمع منه: حامض، حامض مشهورة هذه، نقول: هذا شاذ، ورد في لسان العرب يحفظ ولا يقاس عليه. وطهُر على وزن فعُل فهو طاهر، نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. من طهُر لا من طهَر، عندنا طهُر وطهَر، طهُر مجيء اسم الفاعل منه على وزن فاعل طاهر؛ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. ونعُم فهو ناعم، وفرُه فهو فاره، حينئذٍ نقول: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. وكذلك مجيء فاعل من فعل اللازم نقول: هذا كذلك شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه. عقرت المرأة فهي عاقر؛ هذا مشهور، ومع ذلك نحكم عليه بكونه شاذاً، يعني: مخالف للقياس؛ لأن اسم الفاعل على زنة فاعل إنما يكون مقيساً في فعَل المتعدي واللازم وفعِل المتعدي، وأما فعِل اللازم .. فعِل بكسر العين اللازم وفعُل ولا يكون إلا لازماً؛ إذا سمع فيه فاعل حكمنا عليه بكونه شاذاً، يعني يحفظ ولا يقاس عليه. وإلى هذا أشار بقوله: وَهْوَ قَلِيلٌ: وَهْوَ بإسكان الهاء للوزن. وَهْوَ قَلِيلٌ فِي:"فَعُلْت"وفَعِلْ وَهْوَ: الضمير يعود إلى فاعل، يعني: وزن فاعل، وهذا يكاد أن يكون كالاستثناء مما سبق؛ لأنه أطلق في السابق قال: مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ. لم يقيده .. المعدى كما ذكره في أوزان المصدر. إذاً: لما كان قوله السابق: (مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ) بإطلاقه يشمل فعُل وفعِل اللازم فيوهم كثرة مجيء اسم فاعلهما على فاعل مع أنهما ليسا كذلك، دفع هذا الإيهام بقوله: وَهْوَ قَلِيلٌ. إذاً: هذا كالاستثناء مما سبق. وَهْوَ: أي صوغ فاعل. قَلِيلٌ: أي شاذ، وحكمنا على كلام الناظم هنا بكونه قليل مع أنه لا يستخدم هذا، إنما قد يستخدم ندر، قليل لا يستخدمه في معنى الشاذ: وَفِي فَعِيلٍ قَلَّ ذَا وَفَعِلِ قَلَّ: يعني قليل وليس بشاذ. لماذا حكمنا بكونه شاذاً هنا؟ نقول: لقوله: بَلْ قِيَاسُهُ فَعِلْ، ماذا قال؟ وَهْوَ قَلِيلٌ في فَعُلْتُ وَفَعِلْ غَيْرَ مُعَدًّى بَلْ هذا إضراب وانتقال .. قِيَاسُهُ: يعني قياس فعِل اللازم .. فَعِلْ .... وَأَفْعَلٌ فَعْلاَنُ، فدل على أن القلة المراد بها في كلام الناظم: الشذوذ. وَهْوَ قَلِيلٌ: وَهْوَ: مبتدأ. وقَلِيلٌ: خبر.

وَهْوَ: أي صوغ فاعل قَلِيلٌ في اسم الفاعل من فعُل وفعِل اللازم، ولذلك قال: (غَيْرَ مُعَدًّى) هذا قيد لفعِل لا لفعُل؛ لأن فعُل لا يكون متعدياً ولازماً، وإنما فعِل هو الذي يحتاج إلى القيد، فقال: وَفَعِلْ غَيْرَ مُعَدًّى؛ هذا حال من فعِل. غَيْرَ مُعَدًّى: حالة كونه غير معدىً، لأنه إذا كان متعدياً يكون قياساً، وإذا كان لازماً لا يكون قياساً بل يكون شاذاً. وَهْوَ قَلِيلٌ: يعني صوغ فاعل قَلِيلٌ في اسم الفاعل فِي فَعُلْتُ، فَعُلْتَ فَعُلْتُ، ضممت التاء أو فتحت لا إشكال والمراد به: فعُل، وهذا لا يكون إلا لازماً لذلك لم يقيده. وَفَعِلْ: يعني وفي فعِل اللازم، ولذلك: (غَيْرَ مُعَدًّى) هذا حال من فعِلَ. غَيْرَ مُعَدًّى: فهم منه أنه كثير فيما عدا هذين الوزنين، وهذا واضح من البيت السابق؛ لأنه قال: وَهْوَ قَلِيلٌ فِي فَعُلْتُ وَفَعِلْ غَيْرَ مُعَدًّى مفهومه: أنه كثير في فعَل مطلقاً وفعِل المتعدي. من الثلاثي وهو ثلاثة أنواع: فعَل متعدٍ نحو: ضرب فهو ضارب، وفعَل غير متعدٍ نحو: قعدَ فهو قاعد، وفعِل متعدٍ نحو: شربَ فهو شارب، نقول: هذا كثير، وأما فعُل وفعِل اللازم قليل بمعنى أنه شاذ. بَلْ: هذا إضراب عما قبل. قِيَاسُهُ فَعِلْ .... وَأَفْعَلٌ فَعْلاَنُ: قياسه فعل اللازم، اسم الفاعل منه إذا أردته حينئذٍ تأتي به على وزن فعِل، فعِلٍ بالتنوين اسم. وَأَفْعَلٌ: هذا الثاني. فَعْلاَنُ: هذا الثالث ممنوع من الصرف. إذاً: ذكر لاسم الفاعل من فعِل اللازم ثلاثة أوزان، ذكر لـ (فعِل) اللازم اسم الفاعل منه ثلاثة أوزان، وحكم عليها بأنها قياس، إذاً: ما عداها لا يسمى قياساً بل هو من المحفوظ الذي يحفظ ولا يقاس عليه. بَلْ قِيَاسُهُ: الضمير يعود على فعِل، وسيأتي الكلام في فعُل. بَلْ قِيَاسُهُ فَعِلْ قِيَاسُهُ: مبتدأ. وفَعِلْ: خبره، فعِل أي: فعِل اللازم. وَأَفْعَلٌ فَعْلاَنُ. وهذه ليست كلها مستوية على مرتبة واحدة، بل كل منها يختص بفعل إن دل على معنىً حينئذٍ حكمنا عليه بكونه يأتي على فعِلٍ أو أفعل أو فعلان. وَفَعِلْ: هذا شائع وكثير فيما دل على عرض، ما يسمى بالأعراض يعني: الأشياء التي تأتي وتزول؛ كالفرح، تقول: فرِح زيد فرِحٌ بكسر العين فرِح، فرِحَ زيدٌ فرِحٌ. إذاً: لا فرق بين الفعل الماضي فعِل واسم الفاعل، وإنما الأول بالنية ينوى كونه فعلاً فحينئذٍ يبنى: فرِحَ زيدٌ، فرِحٌ نفسه لكن تنوي أنه اسم فتنونه، وهذا فيما إذا دل على عرض. أشِرَ زيدٌ فهو أشِرٌ، أشِرٌ على وزن فَعِل. وَأَفْعَلٌ: وهذا كثير أو الأصل في الألوان والخِلَق جمع خلقة، والمراد بها: الحال الظاهر في البدن كالعور، عوِر زيد فهو أعور، فأعور: هذا اسم فاعل من فعِل اللازم. فَعْلاَنُ: يعني وفعلان على إسقاط حرف العطف. فَعْلاَنُ: وهذا فيما دل على امتلاء وحرارة الباطن، ومثل للثلاثة بقوله: نَحْوُ أَشِرِ وَنَحْوُ صَدْيَانَ وَنَحْوُ الأَجْهَرِ. لم يرتب.

أَشِر: هذا على وزن فعِل، وهو فيما دل على عرض؛ لأن أَشِر المراد به الذي لا يحمد النعمة مثل البطر لا يحمد النعمة، وحينئذٍ هذا عرض يأتي ويزول، الأعراض هي الأوصاف التي تكون في الإنسان وتأتي وتزول ولا تكون راسخة، بخلاف الشيء الراسخ كالحسن والجمال ونحو ذلك، هذه أوصاف مستمرة راسخة. وأما التي تأتي وتزول كالمرض والصحة والضحك والمشي والاستلقاء ونحو ذلك فهذه أعراض، لماذا؟ لأنها أوصاف غير مستقرة، غير ثابتة، غير مستمرة. ما كان كذلك والفعل فعِل وهو لازم حينئذٍ اسم الفاعل يكون على وزن فعِلٍ. وأما أفعَل فهو مشهور في الألوان والخِلَق، يعني: ما كان لون كأحمر حَمِرَ وأصفر وأخضر، كلها نقول: هذا اسم فاعل من فعل اللازم، حَمِرَ ونحو ذلك. وفعلان فيما دل على الامتلاء. نَحْوُ أَشِرِ، هذا مثال للأول. وَنَحْوُ صَدْيَانَ: وريان كذلك وهو العطشان، صديان. وَنَحْوُ الأَجْهَرِ: الأجهر هو الذي لا يبصر في الشمس، جَهِرَ على وزن فَعِلَ، جَهِرَ زيد يعني: لا يبصر في الشمس، وحينئذٍ اسم الفاعل منه يأتي على وزن أفعل. أشار إلى تعدد المعاني باختلاف الأوزان بتكرار قوله: َنَحْوُ؛ لأنه عدد الأمثلة وكرر معه َنَحْوُ، لماذا؟ للإشارة إلى ما ذكرته: وهو أن كل واحد من هذه الأوزان إنما يكون باعتبار معنىً مفارق لمعنى الوزن الآخر. نَحْوُ أَشِرِ وَنَحْوُ صَدْيَانَ: أعاد نحو. وَنَحْوُ الأَجْهَرِ: إذاً أعاد كلمة (نَحْوُ) في صديان والأجهر لاختلاف النوع، فكل واحد منها .. لأن الأوزان قد تتحد في الفعل، فيقال: يأتي على وزن كذا وكذا وكذا، وقد يقال: الفعل إن دل على كذا فوزنه كذا، وإن دل على كذا فوزنه .. حينئذٍ اختلفت الأنواع أو لا؟ اختلفت الأنواع، ففرق بين أن يوحَّد بين الأوزان لاتحاد نوع الفعل وبين أن ينوع في الأوزان لاختلاف أنواع الفعل، أما قلنا: الصوت ما دل على صوت يأتي المصدر منه على فُعَال وفعيل؟ تعددت الأوزان والمعنى واحد، وهنا فعِل اللازم فعل واحد وتعددت له الأوزان، متحدة أو باعتبار اختلاف المعاني؟ الثاني. إذاً: ليست متحدة. إذاً: ما كان على وزن فعِل اللازم فاسم الفاعل يأتي منه على واحد من أوزانه الثلاث وهي: فعِلٌ وأفعَلٌ وفعلانُ. قال الشارح: أي: إتيان اسم الفاعل على وزن فاعل قليل في فعُل بضم العين، كقولهم: حمُض .. إلى آخره. وفي فعِل غير متعدٍ نحو: أمِن فهو آمن، هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. وسلِمَ فهو سالم؛ كذلك يحفظ ولا يقاس عليه. وعقرت المرأة فهي عاقر؛ نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن القياس في اسم الفاعل على زنة فاعل إنما هو في فعَل مطلقاً وفي فعِل المتعدي. بل قياس اسم الفاعل من فعِل المكسور العين إذا كان لازماً أن يكون على فعِل بكسر العين، نحو: نظِر فهو نظِرٌ، وبطِرَ فهو بطِرٌ وأشِرَ فهو أشِرٌ، الأشر والبطر معناهما الذي لا يحمد النعمة. أو على فعلان، لم يبين الشارح أن الاختلاف لاختلاف الأنواع .. المعاني. عطِش فهو عطشان، وصدي فهو صديان، أو على أفعل نحو: سَوِدَ فهو أسود، وجهِرَ فهو أجهر. وليست مستوية وإنما هي مختلفة باختلاف أنواع ما يدل عليه فعِل اللازم.

وَفَعْلٌ اوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ ... كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ وَالفِعْلُ جَمُلْ وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ ... ........................................... ذكر أربعة أوزان لفعُل بضم العين. وَفَعْلٌ وَفَعِيلٌ وَأَفْعَلٌ وَفَعَلْ: هذه كلها لكنها ليست مستوية، فإذا أردت اسم الفاعل من فعُل بضم العين فأت به على وزن من هذه الأوزان الأربعة. وَفَعْلٌ: هذا مبتدأ؛ لأنه قصد لفظه وصار علماً، وإلا في لفظه فهو نكرة، لكنه قصد لفظه وصار علماً فصح الابتداء به. وَفَعْلٌ أَوْلَى بِفَعُلْ. أَوْلَى: هذا خبر، لم يعبر بالقياس، لعل الناظم متردد في كونه هل هذا قياسه أم لا؟ ولذلك قال الصبان: قوله: (أَوْلَى) لعله لم يصرح بالقياس لعدم كثرة فعْل وفعيل في فعُل كثرة تقطع بقياسهما فيه عندهم، يعني: هو كثير، لكن الكثرة هذه لم تجعل الناظم يقطع بكونه هو القياس فيه؛ لأنه ليس كلما كثر الشيء صار هو القياس لا، قد يكون كثير ومساوياً للقياس، وقد يكون كثير لكنه أدنى من القياس، حينئذٍ لما كثر مجيء فعُل على فعْلٍ وفعيل؛ الناظم رحمه الله تعالى لم يقطع بكونه هو القياس؛ لأن هذه الكثرة قد يقع فيها نوع تردد. إذاً: لعله لم يصرح بالقياس لعدم كثرة فعْلٍ وفعيل في فعُل كثرة تقطع بقياسهما فيه عندهم. قال الشاطبي: وغير المصنف يرى أن فعيلاً قياس دون فعْل. هذا يدل على أن التردد واقع. غير الناظم يرى أن القياس هو فعيل، وليس فعْل، والناظم هنا قال: وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ، ولم يؤخر أَوْلَى على َفَعِيلٌ فيجمع بينهما، بل فعْل وفعيل وفعْل أولى. غير الناظم يرى أن فعيلاً هو القياس وما عداه لا، إذاً: المسألة فيها نوع تردد. وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ: يعني بفَعُل اللازم. كَالضَّخْمِ: من ضخُم على زون فعْل، ضخُم زيد فهو ضخْم، إذاً: اسم الفاعل من ضخُم: ضخْم. وشهُم فهو شهْم، وجَمِيلِ. وَالْجَمِيلِ: هذا من جمُلَ فهو جميل، وظريف ظرُفَ فهو ظريف وشريف شرُفَ فهو شريف. إذاً: من فعُل يأتي على وزن فعْل وفعيل. وَالفِعْلُ جَمُلْ: هذا قيده للأخير، والجميل كالضخم. وَالفِعْلُ جَمُلْ: أي فعل؟ جمل لجميل، مع أنه معلوم مما سبق لأن الحديث في فعُل. وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ: عرفنا إلى هنا أن الضخم اسم فاعل لضخُمَ، وجميل اسم فاعل لجمُلَ، لمََََ قال: وَالفِعْلُ جَمُلْ؟ قيل: احترز به عن جميل من جملت الشحم بالفتح، جمَل .. وجملوه، احتراز عن جميل من جملت الشحمَ بالفتح أي: أذبته، فجُمِلَ بالبناء للمجهول أي: أذيب فهو مجمول وجميل؛ لأن فعيلاً فيه بمعنى مفعول فليس مما نحن فيه، ويرد عليه .. على هذا الاحتراز أن كون فعله جمُل بالضم معلوم من قوله: وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ إذا: قيل: وَالفِعْلُ جَمُلْ؛ صرح به احترازاً من جملتُ بمعنى: أذبتُ، وهذا يأتي منه على وزن فعيل جميل لكنه بمعنى اسم المفعول، لكن نقول: هذا غير وارد؛ لأنه محترز به بقوله: فعُل، إذاً: هذا يكون من باب التتميم فحسب. وَأَفْعَلٌ فِيهِ: في ماذا؟ في فَعُل.

قَلِيلٌ وَفَعَلْ: مفهومه أن الوزنين السابقين كثيران؛ لأنه قيد الثالث والرابع بكونهما قليل، حينئذٍ نفهم منه أن السابق الذي هو فعْلٌ وفعيل كثير، وهذا واضح من جهة الترجيح .. الأولوية، لأنه قال: وفَعْلٌ أَوْلَى. وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ: مثل ماذا أفعلٌ؟ قيل: مثل خضُبَ فهو أخضبُ، وعلى فعَلٍ مثل: بطُل فهو بطلٌ. ومثله فَعَال وفُعَال وفُعُل وفِعْل وفُعْل بكسر الفاء أو ضمها، وفُعَّال وفَعُول وفِعِل؛ هذه كلها تأتي من فَعُلَ، فيدل على أن باب فَعُلَ من جهة اسم الفاعل غير منضبط لكثرة الأوزان وإن كان الأكثر على وزن فَعْلٍ أو فعيل، وبعده يأتي في الرتبة أفعل وفَعَل، وما عداه مما ذكرناه هذا أقل بكثير مما سبق. فَعَال وفُعَال، فَعَال بفتحتين وفُعَال وفُعُل بضمتين، وفِعْل وفُعْل غِمر بكسر الفاء أو ضمها، وفُعَّال بالتشديد وفَعُول وفِعِل مثل ماذا؟ حرُشَ فهو أحرش، حرُشَ على وزن فَعُل فهو أحرش، يعني: خشُن. وخضُبَ فهو أخضب إذا احمر إلى الكدرة، وبطُلَ فهو بطل، وحسُنَ فهو حسن، وجبُنَ فهو جبان على وزن فَعَال، جبان. وشجُعَ فهو شجاع فُعَال، وجنُبَ فهو جنب فُعُل مثله، وعفُرَ فهو عُفْر، وغمُرَ فهو غِمْرٌ، عُفْرٌ فُعْلٌ غِمْرٌ فِعْلٌ، غِمْرٌ ما المراد به؟ لم يجرب الأمور. ووضؤ فهو وضاء أي: وضيء. وحُصِرت فهي حصور، أي: ضاق مجرى لبنها، وخشُنَ فهو خشن. إذاً: هذه كلها تأتي من فعُل لكنها ليست بالكثرة كالسابق. وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ ... وَبِسِوَى الفَاعِلِ قَدْ يَغْنَى فَعَلْ رجع إلى الأول: كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إِذَا ... مِنْ ذِى ثَلاَثََةٍ يَكُونُ كَغَذَا الأصل في فَعَلَ أنه يأتي على وزن فاعل. قال: وَبِسِوَى الفَاعِلَِ: غير الفاعل. قَدْ يَغْنَى فَعَلْ: قد يستغني فَعَل المتعدي واللازم بسوى فاعل .. بغيره، وما هو هذا السوى؟ أبهمه، يعني: غير مخصوص، حينئذٍ يكون الأصل فيه أنه سماعي وليس بقياسي، وإلا القياس هو الأول. وَبِسِوَى الفَاعِلِ: يعني سوى الفاعل سوى زنة الفاعل السابق في قوله: كفاعل، كصيغة فاعل. قَدْ يَغْنَى: قَدْ للتقليل. ويَغْنَى: مضارع غني من باب فِرح، أي: استغنى، ونسبة الاستغناء إلى فَعَل مجاز، والمراد: أنه قد يستعمل في الوصف من فَعَلَ غير فاعل، هذا المراد. قد يستعمل اسم الفاعل غير زنة فاعل في باب فَعَلَ، وما هو هذا السوى؟ قلنا: هذا لم يذكره، ففهم منه أنه غير مخصوص بوزن واحد، ولذلك قال: وتقدم أن قياس اسم الفاعل من فعَل المفتوح العين أن يكون على فاعل، وقد يأتي اسم الفاعل منه على غير فاعل قليلاً، قليل: قَدْ يَغْنَى، نحو: طاب فهو طيب، طيبٌ ليس على وزن فاعل، نقول: هذا سماعي ليس بقياسي. وشاخَ فهو شيخٌ، وشابَ فهو أشيبُ، وهذا معنى قوله: وَبِسِوَى الفَاعِل ِقَدْ يَغْنَى فَعَلْ. إذاً: خلاصة ما ذكره الناظم: أن ما كان على وزن فَعَلَ اللازم والمتعدي وفعِل المتعدي القياس في اسم الفاعل منه أن يأتي على زنة فاعل، وما سمع في فعِل اللازم وفعُل كونه على زنة فاعل فهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه.

وما جاء على فعْلَ على غير زنة فاعل كطاب فهو طيب وشاخ فهو أشيخ؛ نقول: هذا كذلك سماعي، وأما فعِل اللازم فبابه وقياسه المطرد ثلاثة أوزان: فعِل وأفعل وفعلان، وليست مستوية في مرتبة واحدة بل لكل منها معنىً يدل عليه الفعل الذي جيء منه اسم الفاعل. وأما فعُل بالضم ففيه فعْل وفعيل وأفعل وفَعَل لكنها ليست على مرتبة واحدة، وقيل: فعْلٌ أولى لكثرته، وبعده فعيل، وقيل: فعيل هو القياس وفعْلٌ سماعي. ثم بعدهما في القلة: أفعل وفعَل، وبعدهما فَعَالي وفُعَالي وفُعُل وفِعْل وفُعُل بالكسر والضم وفُعَّال وفَعُول وفِعِل؛ هذه كلها تأتي في مرتبة بعد مرتبة فعَل وأفعل. يبقى أن نقول: كل هذه الأوزان غير فاعل هي صفات مشبهة، كيف هي صفات مشبهة ثم نقول: هو اسم فاعل؟ نقول: أن القاعدة لا يكون اسم الفاعل إلا على زنة فاعل فحسب فقط، وما عداه (وَفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ) هذه أسماء فاعلين في المعنى، يعني: إذا أردت أن تدل على حدوث شيء وهو وصف لذات وليس من باب فعَل وإنما من باب فعِل اللازم أو فعُل فأت به على واحد من هذه الأوزان، وإلا هو في الحقيقة صفة مشبهة، كأنك تستعير الوزن هذا فتجعله لاسم الفاعل، لأن الصفة المشبهة كما سيأتي تدل على ثبوت حدث مستمر دائم، وأما اسم الفاعل فيدل على وجود حدث بعد أن لم يكن، إذاً: فرق بينهما. والأصل أنه لا يستوي وضع وزن واحد للمعنيين؛ لأن هذا ينافي ذاك، هذا يدل على عدمٍ ثم وجود، وهذا يدل على وجود مستمر دائم، وذاك يدل على انقطاع؛ لأنه قد يدل على الماضي بخلاف الصفة المشبهة، حينئذٍ نقول: الأصل في اسم الفاعل من الثلاثي لا يكون إلا على زنة فاعل، وما ذكر من هذه الأوصاف في فعِل اللازم فعِل وأفعل وفعلان وفعْلٌ وفعيل وما عطف عليه كلها صفات مشبهة، فإذا أردت أن تستعمل اسم الفاعل من فعِل اللازم لم يوضع له فاعل على زنة فاعل، وحينئذٍ ماذا تصنع؟ تأخذ واحداً من هذه الأوزان الثلاثة فتستعمله، فحينئذٍ يكون مدلوله اسم الفاعل، فلا بد من قرينة تدل على أنه استعمل في غير أصله، وأما إذا استعمل هكذا دون قرينة فيحمل على كونه صفة مشبهة. إذاً: جميع هذه الصفات صفات مشبهة إلا فاعلاً فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه وذلك فيما إذا دل على الثبوت؛ كطاهر القلب، حينئذٍ هو صفة مشبهة، كما سيأتي في محله. إذاً: وفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ ... كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ وَالفِعْلُ جَمُلْ وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ ... وَبِسِوَى الفَاعِلِ قَدْ يَغْنَى فَعَلْ هذه كلها صفات مشبهة. إذاً: هذا ما يتعلق بالثلاثي، أما غير الثلاثي فإذا أردنا منه اسم الفاعل له قياس وهو أن يكون على وون مُفْعِل مُكرِم، هذا الأصل فيه. فإذا أطلق مُفْعِل كمُكرِم حينئذٍ حملناه على الدلالة على الحدوث، شيء حدث بعد أن لم يكن. إن أضيف إلى مرفوعه -كما سيأتي- حينئذٍ ينتقل إلى كونه صفة مشبهة، وإلا فالأصل فيه أنه اسم فاعل، لكن من غير الثلاثي، وأما ما كان من الثلاثي فهو يأتي على زنة فاعل.

إذاً: اسم الفاعل ليس له إلا الصيغتان: إما أن يكون من ثلاثي فهو زنة فاعل، وإما أن يكون مما عدا الثلاثي فهو زنة مُفعل، وما عداه ليس اسم فاعل إلا من جهة المعنى. وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ اسْمُ فَاعِلِ ... مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ كَالْمُوَاصِلِ مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ مُطْلَقَا ... وَضَمَّ مِيمٍ زَائِدٍ قَدْ سَبَقَا وَإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ مَا كَانَ انْكَسَرْ ... صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ كَمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ: قال: وَزِنَةُ، وأول قال: صُغ، إذاً: كل منهما بمعنى الآخر، وعبر في الباب قال: أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ، ثم قال: كَفَاعِلٍ صُغْ، وهنا قال: وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ، نفهم من هذا أن الكل بمعنىً واحد. وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ: أي موازن المضارع: هذا خبر. اسْمُ فَاعِلِ: هذا مبتدأ مؤخر. وَزِنَةُ: مضاف. والْمُضَارِعِ: مضاف إليه. اسْمُ فَاعِلِ مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ: من غير مصدر فعل غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ، هذه لا بد من التقدير؛ لأنه كما قال في الأول: كَفَاعِلٍ صُغِ اسْمَ فَاعِلٍ إِذَا ... مِنْ ذِى ثَلاَثََةٍ ............... يعني: من مصدر فعل ذِي ثَلاَثََةٍ، لماذا؟ ليجري على القول الصحيح؛ لأنه يحتمل هنا مذهب الكوفيين: وهو أن أصل الاشتقاق هو الفعل، وليس الأمر كذلك. سبق أن الناظم نص على أن الصحيح أن الفعل وسائر المشتقات مأخوذة من المصدر، وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ الذي هو الفعل .. بِمِثْلِهِ أَوْ فِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ نُصِبْ، وَكَوْنُهُ أَصْلاً لِهذَيْنِ المتأخرين الفعل والوصف هذا نص صريح، فإذا جاء في الألفية كلها ما ظاهره أنه يوافق كلام الكوفيين حينئذٍ لا بد من التأويل، فحينئذٍ قوله: (مِنْ ذِي ثَلاَثََةٍ) يعني: من فعل ذي ثلاثة، صغ اسم فاعل من فعل ذِي ثَلاثَةٍ، ظاهره: أن الفاعل يؤخذ مباشرة من الفعل نفسه لا من المصدر، وهذا يخالف ما رجحه فيما سبق، لا بد من التأويل. نقول: من مصدر فعل ذي ثلاثة ليوافق المتن. كذلك هنا: (مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ) يعني: من غير مصدر فعل ذي الثلاث، يعني: الثلاثة الأحرف. أي: من مصدر فعل غير ذي الثلاث، غير ذي الثلاث شمل الرباعي الأصول كيدحرج. والرباعي المزيد كاحرنجم، والثلاثي المزيد كينطلقُ ويستخرجُ وأكرمَ. إذاً: (غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ) شمل كل ما عدا الثلاثي المجرد، الثلاثي المزيد والرباعي المجرد والرباعي المزيد دخلت فيه، كل هذه الأنواع يأتي منها اسم الفاعل على ما سيذكره الناظم. وَزِنَةُ الْمُضَارِعِ اسْمُ فَاعِلِ، اسم فاعلٍ مِنْ غَيْرِ ذِي الثَّلاَثِ زِنَةُ الْمُضَارِعِ كَالْمُوَاصِلِ. كَالْمُوَاصِلِ: كأنه قال: اجر على لفظ المواصل وهو مُفاعل، لكن هذا سيأتي. مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ مُطْلَقَاً مَعْ: هذا حال من المضارع منصوب على الظرفية، مَعْ كَسْرِ، سكنه للضرورة؛ لأنه معرب في الأصل، إلا إذا قلنا بأنه على اللغة الأخرى لغة ربيعة وغنم فيكون مبنياً على السكون. مَعْ كَسْرِ: مَعْ: مضاف. وكَسْرِ: مضاف إليه، وهو حال من مضارع. كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ: يعني الذي يتلوه الأخير، أي: ما يتلوه الأخير، والمراد الكسر ولو تقديراً.

مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ: يعني الذي يتلوه الأخير، يعني: قبل الأخير، لو قلت: تدحرج يتدحرجُ تقول: متدحرِ، إذاً: كسرت ما قبل الأخير، والكسر هنا مطلقاً سواء كان حقيقة أم تقديراً، يعني: قد يكون هو مكسوراً في نفسه كما مر معنا في عُلِمَ، عَلِمَ قلنا: يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، قيل: بأن الكسر في عُلِمَ ليست هي عين الكسرة في عَلِمَ، ليست هي عينها، لماذا؟ لأن الصيغة يجب أن يضم أوله ويكسر ما قبل آخره، وهذا وجدناه مكسوراً في أصله. إذاً: حذفنا الكسرة .. كسرة البنية وجئنا بكسرة حادثة تدل على الزنة، على الصيغة، هذا مثله أو نقول: اكتفينا بالكسرة الموجودة في أصل الصيغة؟ يحتمل هذا وذاك. والمراد الكسر ولو تقديراً كمعتل ومختار، مختار مختَيَر مختيْر، يحتمل هذا وذاك، يعني: مختار هذا يعده الأصوليون من المجمل في الأسماء، لماذا؟ لأن هذه الألف منقلبة عن ياء وهي متحركة، ثم الشرط عند الصرفيين أن حركة الياء مطلق الحركة يعني: سواء حركت بضمة أو كسرة أو فتحة. مختيَر مفتعَل، مختيِر مفتعِل، يحتمل هذا وذاك، تحركت الياء سواء كانت بفتحة أو كسرة فقلبت ألفاً. إذاً: صار إبهام إجمال. إذا قلنا: بأنه اسم فاعل وهو المفروض هنا مختار على أنه اسم فاعل مختيِر مفتعِلٌ مختيِرٌ حينئذٍ نقول: مختار أين الكسرة التي قبل آخره؟ نقول: مقدرة. إذاً: مَعْ كَسْرِ؛ حقيقة أو تقديراً ليدخل نحو: مختار مما كان قبل آخره ألف، وكذلك معتَل، معتِل معتَل يجوز فيه الوجهان اسمي فاعل. وشذ فتح ما قبل الآخر في ألفاظ كاسم الفاعل من أحصن وأسهب، أي: تكلم بما لا يعقل. أحصنَ فهو محصن اسم فاعل؛ هذا يحفظ ولا يقاس عليه، حينئذٍ نقول: محصن هذا اسم فاعل من أحصن، الأصل فيه: محصِن بالكسر لكنه فتح، نقول: هذا خالف القاعدة، يحفظ ولا يقاس عليه. وأسهَبَ فهو مسهَب، متى؟ إذا تكلم بما لا يُعقل، فإن تكلم بما يعقل فاسم فاعله مسهِب على الأصل بكسر الهاء على القياس. إذاً: أسهَب فهو مسهِبٌ إذا تكلم بما يُعقل، وإذا قيل: مُسْهَبٌ حينئذٍ احتمل اسم المفعول واسم الفاعل فيما إذا تكلم بما لا يُعقل. وأما محصَن بفتح ما قبل آخره فهو اسم فاعل لكنه يحفظ ولا يقاس عليه. مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ: يعني الذي يتلوه الأخير. مُطْلَقَاً: هذا حال من الكسر، مطلقاً يعني: سواء كان في الأصل مفتوحاً في المضارع أو مكسوراً، تدحرج يتدحرَجُ، إذاً: ما قبل الأخير مفتوح، تقول: متدحرِجٌ كسرته حقيقة، انطلق ينطلِقُ، اللام مكسورة قبل الأخير، ماذا صنعت؟ منطلِقٌ كسرتها مطلقاً، كسرتها إما أنك حذفت الكسرة وأتيت بكسرة حادثة جديدة لتدل على الزنة وإما أنك اكتفيت بالكسرة الفارقة بين اسم الفاعل واسم المفعول، منطلِق. وَضَمَّ مِيمٍ زَائِدٍ قَدْ سَبَقَا ضَمَّ مِيمٍ: يعني مِيمٍ زائدة يؤتى بها، هذا (ضَمَّ) عطف على كسر، مع كسر ومع ضم.

ضَمَّ مِيمٍ زَائِدٍ، أين هي الميم الزائدة؟ يعني: نأتي بميم زائدة محل حرف المضارعة، فالأصل حينئذٍ يكون محمولاً على الفعل المضارع، فتأتي بالفعل المضارع تقول: ينطلقُ، احذف الياء وائت بميم ثم ضمها، فتقول: مُن طَ لِ كسرت ما قبل الأخير وجئت بميم زائدة محل حرف الزيادة وهو حرف المضارعة وضممتها، قلت: مُنطلِقٌ. وَضَمَّ مِيمٍ زَائِدٍ: هذا نعت لميم. قَدْ سَبَقَا: قد للتحقيق. سَبَقَا: الألف هنا للإطلاق، والجملة نعت ثاني لميم. وشذ مجيء اسم فاعل أفعل على فاعل، يعني: الأصل أن يأتي فيما زاد على ثلاثة أحرف على وزن مُفعِل، على جهة الخصوص أفعَل أكرمَ تقول: يُكرمُ فهو مُكرم، أخرجَ يُخرِجُ فهو مُخرجٌ، أفعَل قد شذ في بعض أحواله .. كلمات جاء اسم الفاعل على زنة فاعل ولم يأت على زنة مُفعِل، مثل أورس الشجر إذا اخضر ورقه فهو وارس، أورس فهو مُورِس، لكن جاء على وزن فاعل وارِس، وجاء مُورِس قليلاً، وأمحل البلد إذا قحط فهو ماحِلٌ والأصل: موحِلٌ، لكنه الظاهر أنه لم يسمع في هذا موحِلٌ، وإنما سمع: ماحِلٌ، إذاً: جاء على وزن فاعل، لكنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. إذاً: القاعدة نقول: اسم الفاعل من غير الثلاثي يأتي على زنة مُفعِل، هذه النتيجة: يأتي على زنة مُفعِل، سواء كان رباعي الأصول أو ثلاثياً مزيداً أو رباعياً مزيداً، فالقاعدة في مُفعِل أنك تنظر في الفعل المضارع تبدل حرف المضارعة بميم مضمومة وهي السابقة ولا شك، ثم تكسر ما قبل آخره وتقول: مُفعِلٌ مُستخرِجٌ مُنطلِقٌ مُستغفِرٌ .. إلى آخره. وَإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ مَا كَانَ انْكَسَرْ ... صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ كَمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ هذا ما أشار إليه بقوله: أَبْنِيَةُ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ انتهينا منها، بقي: وَالْمَفعُولِينَ، مفعول إما أن يكون من الثلاثي أو غير الثلاثي، ما زاد على ثلاثة أحرف. ما كان من الثلاثي يأتي على زنة مفعول وهو الأصل، وإنما أخره الناظم هنا لمناسبة ذكر ما زاد على الثلاثي؛ لأن التفصيل فيه هو عين التفصيل في اسم الفاعل مما زاد على الثلاثي؛ لأن الفرق بينهما حركة ما قبل آخره، يعني: ينظر إلى الفعل المبني بمجهول فيؤتى بميم زائد قد سبقا وهي مضمومة، وأما ما قبل الآخر فبدل الكسر تفتحه، مُستخرِج مُستخرَج فقط، مُستخرِج نفسها بقيت كما هي ميم مضمومة، مُكرِمٌ مُكرَمٌ، مُنتظِرٌ مُنتظَرٌ، مُستغفِرٌ مُستغفَرٌ .. إلى آخره، إذاً: ما الفرق بينهما؟ هو حركة ما قبل الآخر، وهذا كله محل وفاق، ليس فيه خلاف بين النحاة، الباب من أوله إلى آخره. وَإِنْ فَتَحْتَ: أنت أيها الناطق. مِنْهُ: الضمير إما أن يعود إلى اسم الفاعل أو إلى الوزن، زنة المضارع أو إلى اسم الفاعل يحتمل، لكن يبقى الإشكال إذا عاد إلى اسم الفاعل، كيف يكون فتحت اسم الفاعل صار اسم مفعول؟ كيف نحكم عليه بكونه اسم فاعل وهو اسم مفعول؟ هذا محل إشكال، لكن نؤوله، أي: إن فتحت من اسم الفاعل حال كونك مخرجاً له عن كونه اسم فاعل إلى كونه اسم مفعول، ونرتاح من هذا نقول: (مِنْهُ) الضمير يعود إلى الوزن؛ لأن الوزن هو الذي لا يحكم عليه بكونه اسم فاعل.

وَإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ: يعني من اسم الفاعل ولا بد من التقدير، أي: إن فتحت من اسم الفاعل حال كونك مخرجاً له عن كونه اسم فاعل إلى كونه اسم مفعول، هذا إذا جعلت الضمير في (مِنْهُ) عائداً على اسم الفاعل، وقيل: عائد على الوزن. إِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ مَا كَانَ انْكَسَرْ: هذا اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به. إِنْ فَتَحْتَ: فتح يتعدى. مَا: مفعول به. كَانَ انْكَسَرْ: هذه جملة الصلة لا محل لها من الإعراب، و (كَانَ) ناقصة، واسمها ضمير مستتر يعود على متلو الأخير وهو انكسر وهو خبر. مَا كَانَ انْكَسَرْ: انكسر الجملة خبر (كان)، وهو ما قبل الآخر. صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ: صار بعد فتحه اسم مفعول. كَمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ: أصلها منتظِر اسم فاعل، فتحت ما كان انكسر وهو الراء فقلت: منتظَر صار اسم مفعول من غير الثلاثي. كذلك المنطَلَق منطلِق فتحت ما انكسر فقلت: منطلَق صار اسم مفعول، كذلك المستخرَج والمكرَم. إذاً: القاعدة في اسم المفعول من غير الثلاثي: أنه يجرى به مجرى اسم الفاعل من غير الثلاثي، إلا أنه بدلاً من أن يكسر ما قبل الأخير يفتح ما قبله. وَإِنْ فَتَحْتَ مِنْهُ: من الوزن. مَا كَانَ انْكَسَرْ: الذي كان انكسر وهو مراده بقوله: مَعْ كَسْرِ مَتْلُوَّ الأَخِيرِ يعني: ما يتلوه الأخير، صَارَ اسْمَ مَفْعُولٍ كَمِثْلِ الْمُنْتَظَرْ. قال الشارح: زنة اسم الفاعل من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف زنة المضارع منه بعد زيادة الميم في أوله مضمومة. قد يظن الظان أنها زيادة على حرف المضارعة، والصواب أنه يقال: يبدل حرف المضارعة ميماً مضمومة، هذا أولى، إذا قيل: زِيْدَ في أوله ميم مضمومة، أوله ما هو؟ الياء، مثلاً: ينطلق، قد يظن الظان أن الميم تزاد قبل الياء والياء تبقى لا، وإنما يعبر بتعبير أجود من هذا أن يقال: يبدل حرف المضارعة ميماً مضمومة، حينئذٍ يفهم منه أنها زائدة وأنها بدل عن حرف المضارعة، ويكسر ما قبل آخره مطلقاً، أي: سواء كان مكسوراً من المضارع أو مفتوحاً، فتقول: قاتل يقاتِل فهو مقاتِل بكسر التاء مقاتِل، ودحرَج يدحرِج فهو مدحرِجٌ بكسر الراء، وواصل يواصِل فهو مواصِل، هنا لم نفعل إلا أننا زدنا الميم وضممناها فقط وإلا كسر ما قبل آخره فهو مكسور. وتدحرَجَ يتدحرَجُ فهو متدحرِجٌ هذا من الملحق بالرباعي، لأن دحرج زيد في أوله التاء تفعلل، وتعلم يتعلم فهو متعلِّمٌ. فإن أردت بناء اسم المفعول من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف أتيت به على وزن اسم الفاعل ولكن تفتح منه ما كان مكسوراً وهو ما قبل الآخر، نحو: مُضارَب ومقاتَل ومنتظَر على الجهة السابقة. وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلاَثِيِّ اطَّرَدْ ... زِنَةُ مَفْعُولٍ كَآتٍ مِنْ قَصَدْ هذا اسْم المَفْعُولِ من الثلاثي أنه يؤتى به على زنة مفعول، فتقول:، ضُرِبَ فهو مضروبٌ وقُتِل فهو مقتولٌ، وشُرِبَ فهو مشروبٌ، وأُكِل فهو مأكولٌ، إذاً: اسم المفعول من الثلاثي يأتي على زنة مفعول. وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلاَثِيِّ اطَّرَدْ فِي اسْمِ: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: اطَّرَدْ. اسْمِ: مضاف. و (مَفْعُولِ) مضاف إليه، مَفْعُولِ: مضاف. و (الثُّلاَثِيِّ) مضاف إليه.

وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلاَثِىِّ اطَّرَدْ: اطرد في اسم مفعول الثلاثي، زِنَةُ هذا فاعل اطرد. زِنَةُ مَفْعُولٍ كَآتٍ: يعني كاسم مفعول آتٍ من قصد فهو مقصود، ومنه مدعوٌّ، أصلها: مدعُ ثم واو؛ لأنه على زنة مفعول وأدغمت الواو في الواو. ومرضي لأن أصلها: مرضوي مفعول، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياءً ثم أدغمت الياء في الياء فقيل: مرضيٌ، الياء الأولى منقلبة عن الواو؛ لأن مرضي على زنة مفعول، أين الواو؟ حينئذٍ نقول: أصلها مرضوي مفعول، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، يعني: الواو سابقة وهي ساكنة؛ لأنها على زنة مفعول ... الواو ساكنة، فقلبت الواو ياءً، ثم أدغمت الياء وهي ساكنة في الياء المتحركة صار: مرضيٌّ على وزن مفعول. ومنه: مبيع ومقول ومرمي، مرمي مثل مرضي. مبيع ومقول، مبيع أصلها: مبيوع، استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها، ثم اجتمع الواو والياء وهما ساكنان فحذفت الياء فقيل: (مب) ثم ياء ثم عين، لو أبقينا الضمة قبل ياء ساكنة وجب قلب الياء واواً، فقلبنا الضمة كسرة فقيل: مبيِع، إذاً: مبيِع هذا على زنة مفعول، مفعول، أين الواو؟ حذفت للتخلص من التقاء الساكنين، لماذا؟ لأن أصله: مبيوع، ياء ثم واو ساكنة، ياء مضمومة وما قبلها ساكن، نقلنا حركة الياء إلى ما قبلها فسكنت الياء ثم التقى الساكنان فحذفت الواو صار: مب، ضمة ثم ياء، حينئذٍ إذا أبقيناها على ما هي قلبت الياء واواً؛ لأن الياء الساكنة إذا ضم ما قبلها وجب قلبها واواً، لصحة الياء وإبقائها صحيحة دون قلبها قلبنا الضمة كسرة مثل: مسلموي هناك، وكذلك في مقوْل أصلها: مقوول بضمة على الواو وقبلها ساكن، نقول: استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى ما قبلها، مقوول، ثم اجتمع واوان فحذفت إحداهما فقيل: مقُول. وَفِي اسْمِ مَفْعُولِ الثُّلاَثِيِّ اطَّرَدْ ... زِنَةُ مَفْعُولٍ كَآتٍ مِنْ قَصَدْ قصدته فهو مقصود، وضربته فهو مضروب، ومررت به فهو ممرور به. وَنَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ ... نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتىً كَحِيلِ إذاً: اسْمُ مَفْعُولِ نقول: يأتي على زنة مفعول في الثلاثي، ويأتي على زنة مُفعَل فيما زاد على الثلاثي، هذا إذا أطلق فهو اسم مفعول يدل على حدث .. شيء وقع بعد أن لم يكن، إن أضيف إلى مرفوعه حينئذٍ صار صفة مشبهة، فإذا تردد بين أمرين: إما أن نحمله على الصفة المشبهة أو اسم مفعول؛ لأن الفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض: هذا يدل على شيء وجد بعد عدم، وهذا شيء يدل على شيء موجود مستمر، حينئذٍ نقول: فرق بينهما، لا يحتاج إلى قرينة في حمله على الحدوث بعد أن لم يكن، لأنه الأصل فيه. وأما إذا أردنا أنه يدل على صفة مشبهة حينئذٍ لا بد من قرينة واضحة، وهذه القرينة في اسم المفعول إضافته إلى مرفوعه؛ محمود المقاصد، نقول: هنا صفة مشبهة، لماذا؟ لأنه أريد أن يدل على صفة لازمة ثابتة مستقرة، وهذا خلاف الأصل فيه، فإذا أضفناه حينئذٍ حملناه على الصفة المشبهة، إذا لم يضف قلنا: لا، لو احتمل الصفة المشبهة الثبوت نقول: لا نحمله عليه، وإنما نحمله على أصله، ولا بد من قرينة، والقرينة أن يكون مضافاً إلى ما بعده.

هنا فَعِيلِ نقول: فَعِيلِ الأصل فيه أنه صفة مشبهة، حينئذٍ قد ينوب عن اسم المفعول، ولكنه سماعي، ولذلك قال: ناب ذو فعيلٍ نقلاً، يعني: منقولاً، وإذا عبر عن الشيء بأنه نقل حينئذٍ حملناه على السماع. إذاً: لا قياس، لا ينقاس، وإن كان المسألة فيها خلاف. ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ نَابَ: هذا فعل ماضي. وذُو فَعِيلِ: (ذو) بمعنى صاحب، وهو فاعل. ونَقْلاً: هذا إعرابه حال من ذُو فَعِيلِ. نَقْلاً: أي: لا قياساً، وهو مصدر بمعنى اسم المفعول حال من (ذُو). وناب عنه .. عن مفعول، عن مفعول فقط أو عن مُفعل أيضاً؟ الناظم هنا قال: عَنْهُ، والضمير يعود إلى أقرب مذكور، وهذا هو الظاهر أنه يناب عن مفعول فحسب، وإن حلمه بعضهم على العموم، لكنه ظاهر كلام الناظم أنه .. عن مفعول يعني: عن الثلاثي. ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ: يعني عن مفعول، وقد ينوب عن مُفعَلٍ كما قاله الصبان، لكن ظاهر كلام الناظم الأول. وقد ينوب عن مُفعِل نحو: أعله المرض فهو عليل، عليل هذا على وزن فعيل، هذا ناب مناب ماذا؟ معل، أعله فهو معل، أعله. أعله اسم المفعول منه: مُعلٌّ إذا قيل: أعله المرض فهو عليلٌ؛ إذاً: عليل هنا ناب مناب معل، إذاً: جاء نائباً عن غير مفعول بل عن مُفعل. وعقدت العسل فهو عقيد أي: معقد، لكن هذا قليل جداً، أن ينوب عن مفعل ولم يذكر إلا هذين المثالين فحسب، وإلا الأصل أنه نائب مناب مفعول. ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ فَعِيلِ: هذا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولذلك جاء بمثالين مذكر ومؤنث وأوقع عليه فعيل. نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتىً كَحِيلِ: وهذا الذي مر معنا هناك في جمع المذكر السالم، قلنا: ألا يكون مما يستوي فيه المذكر والمؤنث: جريح وقتيل، هو هذا. فعيل كحيل تقول: فتاة كحيل وفتىً كحيل، يستوي فيه المذكر والمؤنث. امرأة قتيل ورجل قتيل، امرأة جريح ورجل جريح، إذاً: استوى فيه المذكر والمؤنث. ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ ذُو فَعِيلِ: أي صاحب هذا الوزن أي: موازنه. نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتىً كَحِيلِ قال الشارح: ينوب فعيل عن مفعول. انظر خصه بمفعول لأنه هذا ظاهر النظم، وأما أعله فهو معل وعقدته فهو عقيد نقول: هذا قليل جداً. في الدلالة على معناه، انظر نص على أنه يُدل بفعيل ما يُدل بمفعول في المعنى فقط، وأما في العمل فلا، يعني: مفعول هذا يعمل عمل فعله بالشروط السابقة. وَكُلُّ مَا قُرَّرَ لاِسْمِ فَاعِلِ ... يُعْطَى اسْمَ مَفْعُولٍ ............ إذاً: يعمل عمل الفعل. ما ناب عن مفعول هل يعمل عمل الفعل وهو فعيل هنا على جهة الخصوص؟ الجواب: لا، إنما المراد به في الدلالة على معناه. ينوب فعيل عن مفعول في الدلالة على معناه فقط. وقال ابن مالك رحمه الله في التسهيل -التسهيل هذا مطبوع لكنه لم يكمله، أكمله غيره-: وينوب في الدلالة لا العمل. هكذا نص على أنه ينوب عنه في الدلالة لا العمل. قال ابن مالك في التسهيل: وينوب في الدلالة لا العمل عن مفعول بقلة فِعْل كذِبْحٌ، وفعَل كقَنس، وفُعْلة كغُرفة، وبكثرة فعيل، أما ذِبح وقَنس وفُعلة هذه قليل، وأما فعيل فهو كثير.

الشاهد من هذا الكلام أنه قال: ينوب عنه في المعنى لا في العمل، فاسم المفعول .. ما كان على زنة مفعول يرفع نائب فاعل، وأما فعيل إذا أُنيب عن مفعول لا يرفع نائب فاعل، وإنما معناه معنى اسم المفعول، نحو: مررت برجل جريح وامرأة جريح وفتاة كحيل، كحيل العين يعني. وفتىً كحيل، وامرأة قتيل، ورجل قتيل، فناب جريح وكحيل وقتيل عن مجروحٍ ومكحولٍ ومقتولٍ. إذاً: لا يشترط في الإنابة هنا ألا يكون له اسم مفعول، لا، قد يكون وقد يسمع غيره، ولا ينقاس ذلك في شيء، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا معنى قوله: ونَابَ نَقْلاً عَنْهُ ذُو فَعِيلِ وزعم ابن المصنف أن نيابة فعيل عن مفعول كثيرة، وليست مقيسة بالإجماع. يعني: دعوى الإجماع في كونها ليست مقيسة قال: فيها نظر. وفي دعواه الإجماع على ذلك نظر، إجماعات النحاة هذه كما ذكرت سابقاً، جمهور وإجماع انتبه لها. فقد قال والده في التسهيل في باب اسم الفاعل عند ذكره نيابة فعيل عن مفعول: وليس مقيساً، فلا يقال: ضريب بمعنى مضروب، لا تقس، إنما سُمع جريح وقتيل، هل سمع ضريب؟ لا، لا نقول: ضريب بمعنى مضروب فنقيسه لأنه على وزن فعيل، نقول: لا، لأنه غير مقيس بل هو محفوظ بكلمات معدودة. وليس مقيساً خلافاً لبعضهم، أي: في نوع منه وهو ما ليس له فعيل بمعنى فاعل ليس مطلقاً. وقال في شرحه: زعم بعضهم. دائماً يقول: قال في التسهيل وقال في شرحه، وأحياناً يقول: وقال في التسهيل وشرحه. هل بينهما فرق؟ قال في التسهيل، وإذا أرادوا تأكيده قالوا: وفي شرحه، انظر هنا قال: فقد قال والده في التسهيل في باب اسم الفاعل، ثم قال: وقال في شرحه. المتن والشرح، ما الفائدة؟ إذا شرح المصنف كتابه فلا بد أن يكون الشرح لاحقاً لا سابقاً ولا موافقاً. لا يكون الشرح سابقاً على المتن عقلاً، ولا يكون موافقاً يضع المتن ويشرح معه، إذاً: يكون لاحقاً، وإذا كان لاحقاً قد يكون بينهما زمن، وحينئذٍ قد يرجع عن بعض أقواله، فقد يذكر في التسهيل شيء ثم في الشرح يخالفه، حينئذٍ إذا خالفه فالحجة في الشرح لأنه لاحق، معلوم قطعاً، فالأول منسوخ إن صح التعبير، حينئذٍ نقول: ما في التسهيل هذا مضروب عليه، وما في الشرح هو المقدم، فإذا وافق الشرح التسهيل هو قوة على قوة، فإن خالفه حينئذٍ صارت العمدة في التسهيل. وهذا يقع حتى عند ابن هشام، قطر الندى قد يذكر شيئاً في المتن ثم يخالفه في الشرح، ولذلك إذا قرأت متناً لشارحٍ .. صاحب المتن انظر قارن بينهما قد يقع خلاف وما يتنبه الطالب، قد يشرح شيء لأنه قد يرجع، مسألة يقررها في المتن ثم يشرحه بعد سنين يكون قد طالع واستفاد أشياء فرجع عن القول، فإذا شرحه قد لا ينص على ما ذكره في المتن، ولذلك هنا يقول: وقال في شرحه، دل على الفرق بينهما.

وقال في شرحه: وزعم بعضهم أنه مقيس في كل فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل كجريح. يعني: لأنه لا لبس فيه، يعني: إذا جاء فعيل قد يكون لفاعل وقد يكون لمفعول، إذا سُمع فعيل لا لفاعل لا لبس فيه، إذا جاء فعيل ويحتمل فاعل ومفعول، بعض الأفعال يُسمع له فعيل بمعنى فاعل، ويُسمع له فعيل بمعنى مفعول، حينئذٍ إذا لم يُسمع للفعل لا نقول بأنه مقيس؛ لأنه يحتمل أنه فعيل بمعنى فاعل أو فعيل بمعنى مفعول. إذا لم يُسمع له فعيل بمعنى فاعل صار مقيساً لانتفاء اللبس، ولذلك قال: زعم بعضهم أنه مقيس في كل فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل كجريح، فإن كان له بمعنى فاعل .. فعيل بمعنى فاعل حصل اللبس فلا يكون مقيساً. إذاً: القضية مرتبة على حصول اللبس. فإن كان للفعل فعيل بمعنى فاعل لم ينب قياساً كعليم. وقال في باب التذكير والتأنيث: وصوغ فعيل بمعنى مفعول على كثرته غير مقيس، فجزم بأصح القولين كما جزم به هنا، وهذا لا يقتضي نفي الخلاف. إذاً: في المسألة خلاف، والناظم قال: نَابَ نَقْلاً على ما ترجح عنده وهو الأكثر أنه غير مقيس، والخلاف في فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل، هل ينقاس أم لا؟ أما فعل له فعيل بمعنى فاعل ليس مقيساً، لماذا؟ لوقوع اللبس. ثم قال: وقد نبه المصنف بقوله: (نَحْوُ فَتَاةٍ أَوْ فَتىً كَحِيلِ) على أن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث بلفظ واحد، وستأتي هذه المسألة مبينة في باب التأنيث إن شاء الله تعالى. وزعم المصنف في التسهيل: أن فعيلاً ينوب عن مفعول في الدلالة على معناه لا في العمل. هذا هو الصحيح. فعلى هذا لا تقول: مررت برجل جريح عبده؛ لأنه إنما ناب عنه في المعنى فقط، أما العمل لا، فيبقى للأصل. خاتمة: قد يقال: ترجم المصنف لأبنية الصفات المشبهة، قال: باب أبنية أسماء الفاعلين وأسماء المفعولين، وظاهر صنيع النظم من أوله إلى آخر بيت: (ونَابَ نَقْلاً) أنه لم يذكر للصفات المشبهة أوزاناً، لأنه قال: والصفات المشبهات بها، فذكر فعُل وفعْل .. إلى آخره، كل ما ذكره في الظاهر أنه أسماء فاعلين أو أسماء مفعولين، أين الصفات المشبهة؟ قد يقال: ترجم المصنف لأبنية الصفات المشبهة ولم يذكرها وهو معيب، عيب تترجم للشيء ولم تذكره، هذا عيب. واغتفر في عكسه أن يذكر شيئاً ولم يترجم له يسمى تبرعاً، بمعنى أنه ذكر مسألة خارجة عما ترجم له هذا زيادة فضل لا ينكر عليه، أما تترجم لشيء ولا تذكره لا، هذا عيب. ولم يذكره وهو معيب، ولا يقال: إنه ذكرها في الباب الآتي؛ لأنه سيذكر الصفة المشبهة، لكن نقول: هناك ذكر العمل ولم يذكر الأبنية، وحينئذٍ لا بد أن يكون قد ذكر الأبنية في هذا الموضع وإلا حصل تعارض؛ لأن المذكور فيه أحكامها لا أبنيتها، وجوابه: أن جميع هذه الصفات صفات مشبهة إلا فاعلاً كضارب وقائم فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه، متى اسم فاعل؟ ما كان على زنة فاعل كضارب وقائم نقول: إذا لم يضف إلى مرفوعه، وسبق خلاف منعاً وجوازاً اتفاقاً وتوسطاً بين طرفين، اسم الفاعل إذا كان من لازم إضافته لمرفوعه ما حكمها؟ حكمها جائزة باتفاق؛ كطاهر القلب. إذا أضيف إلى مرفوعه حينئذٍ انتقل إلى الصفة المشبهة، ولذلك سيأتي:

وَصَوْغُهَا مِنْ لاَزِمٍ لِحَاضِرِ ... كَطَاهِرِ الْقَلْبِ .................. كَطَاهِرِ الْقَلْبِ زنة فاعل، لما أضيف دل على الثبوت، طَاهِرِ الْقَلْبِ صفة لازمة، وحينئذٍ إذا أضيف إلى مرفوعه نقول: هذا صار صفة مشبهة. ويمتنع الإضافة فيما إذا تعدى إلى أكثر من اثنين .. باتفاق، وإذا تعدى إلى واحد محل نزاع بين النحاة، يجوز وقيل: لا يجوز. إذاً نقول: جميع هذه الصفات مذكورة في هذا الباب صفات مشبهة، إلا فاعلاً كضارب وقائم؛ فإنه اسم فاعل، إلا إذا أضيف إلى مرفوعه وذلك فيما دل على الثبوت؛ كَطَاهِرِ الْقَلْبِ وشاحط الدار أي: بعيد، فهو صفة مشبهة أيضاً. وكذلك اسم الفاعل من غير الثلاثي واسم المفعول إذا قصد بهما الثبوت دون الحدوث، أو أضيفا إلى مرفوعهما كوصف الفاعل من الثلاثي المجرد فهما صفتان مشبهتان. والحاصل: أن هذه الأبنية إن قصد بها الثبوت والدوام وإن لم تضف إلى مرفوعِها فهي صفات مشبهة، إذا قصد بها الدوام والاستمرار؛ لأن هذا معنى الصفة المشبهة، وإن قصد بها الحدوث كانت أسماء فاعلين، وحينئذٍ نقول: الفرق بين فاعل وَفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ: أن فاعل يدل على اسم الفاعل بلفظه .. بالصيغة، وأما فعْلٌ إذا قصد به الحدوث فهو اسم فاعل معنى، وأما في اللفظ فلا؛ لأنه ليس عندنا اسم فاعل لما كان على زنة فاعل، وفعْلان وفعَلان وأفعَل وفعَل ليست على زنة فاعل، فإذا استعملت في الدلالة على الحدوث نقول: هي من جهة المعنى اسم فاعل. إذاً: قد يكون اسم الفاعل لفظاً ومعنىً، وقد يكون معنىً لا لفظاً. متى يكون لفظاً ومعنىً؟ إذا كان على زنة فاعل فقصد به الحدوث. ومتى يكون معنىً لا لفظاً؟ إذا كان على زنة فاعل وقصد به الاستمرار، أو كان على غير زنة فاعل كفعْل وما ذكره الناظم من الأوزان، فهو اسم فاعل معنىً لا لفظاً. وذهب بعضهم إلى أنه إذا قصد بها النص على الحدوث حولت إلى فاعل .. كلها، ولذلك قيل: حسُن فهو حاسن، وظرُف فهو ظارف، كل ما قصد به الحدوث حول إلى وزن فاعل، ولذلك عند بعضهم: أن وزن فاعل لا يختص بفعَل المتعدي وفعِل المتعدي، لا يختص بوزن فعَل المتعدي واللازم ولا فعِل المتعدي، بل كل ما أردت منه الحدوث حينئذٍ سواء كان فعَل مطلقاً أو فعِل مطلقاً أو فعُل تأتي به على زنة فاعل. حسُن فهو حاسن، ظرُف فهو ظارف، قبُح فهو قابح، فتح فهو فاتح .. إلى آخره. كل لفظ أردت الدلالة على الحدوث فأت به على زنة فاعل، وثَمَّ من يقوي هذا القول قديماً وحديثاً. وذهب بعضهم إلى أنه إذا قصد بها النص على الحدوث حولت إلى فاعل مطلقاً بقطع النظر عن كونه فعَل أو فعِل أو فعُل، فإذا أُريد حدوث الحسن مثلاً قيل: حاسن لا حسن، وإذا أردت به الثبوت قلت: حسن لا حاسن، نفس اللفظ حسُنَ، إذا أردت الدلالة على الحدوث قلت: حاسن، وإذا أردت به الثبوت والاستمرار قلت: حسن، فرق بينهما، وسيأتي مزيد بيان في الصفة المشبهة. والفرق بين فاعل وغيره في تلك الصفات: أن الأصل في فاعل قصد الحدوث، هذا الأصل فيه. وقصد الثبوت طارئٌ، عارضٌ، فلا يعتبر إلا مع ما يدل على خروجه عن الأصل، يعني: لا بد من قرينة واضحة بينة.

واستعماله في الثبوت من الإضافة إلى الفاعل ونحوها، أو النصب على التشبيه بالمفعول به أو على التمييز. إذاً: لا بد من قرينة لفظية؛ إما أن يضاف، وإما أن ينصب مفعولاً على التشبيه بالمفعول به أو تمييز. وأما غير فاعل فمشترك، غير فاعل مثل فعَل وما عطف عليه. فمشترك في الأصل بين الحدوث والثبوت، واكتفي في كونه صفة مشبهة بقصد الثبوت فحسب. يعني: كل الصفات المشبهات السابقة يكتفى في الدلالة على قصد الحدوث بالنية فقط، ولا نشترط قرينة لفظية، لماذا؟ لأنه هو الأصل فيها، فما حمل على أصله لا يحتاج إلى قرينة لا حالية ولا قالية. وأما إذا استعمل فاعل في غير مدلوله -وهو الاستمرار والثبوت- حينئذٍ لا بد من قرينة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

83

عناصر الدرس * شرح الترجمة (الصفة المشبهة باسم الفاعل) ـ * علامة الصفة المشبهة , وشروط ما يصاغ منه * عمل الصفة المشبهة وحكم معمولها من حيث التقديم والتأخير * حالات الصفة المشبهة وحكم معمولها في كل حالة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ. يعني: ألحقت باسم الفاعل في العمل. والمراد باسم الفاعل: المتعدي لواحد، لأن اسم الفاعل قد يكون لازماً إذا كان مصوغاً من الفعل اللازم، وقد يكون متعدياً لواحد، وقد يكون متعدياً لأكثر من واحد. الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ أشبهت اسم الفاعل في المتعدي إلى واحد، وحينئذٍ لا تنصب إلا اسماً واحداً، ويمتنع أن تنصب اسمين، لماذا؟ لأنها إنما ألحقت باسم الفاعل المتعدي لواحد لا متعدي إلى اثنين. الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ مختلف في حدها، وهي أشبه ما يكون برسم، ولذلك قال الناظم: صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ ... مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ وهذا أشبه ما يكون بالعلامة، لذلك ذكر ابن عقيل وذكر المصنف: أن علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها، فدل على أنه من قبيل الرسم لا من قبيل الحد والتعريف. وأما المشهور في حدها خلاف ما جرى عليه الناظم هنا لأنه يعتبر علامة، والصحيح أن نقول: الصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ هي: ما صيغ لغير تفضيل من فعل لازم لقصد نسبة الحدث إلى الموصوف به دون إفادة معنى الحدوث. هذا يشمل الصفة المشبهة من حيث الحقيقة. (ما صيغ لغير تفضيل) ما: اسم موصول بمعنى الذي، ويصدق هنا على الصفة؛ لأن كل ما ذكره من العوامل والمشتقات إنما هي صفات، وسبق أن الصفة هي ما دل على معنىً وذات، وهذا يشمل اسم الفاعل، اسم المفعول وأفعل التفضيل والصفة المشبهة، كلها تدل على ذات متصفة بحدث وإن اختلفت جهة الحدث. إذاً: (ما) نقول: هذا اسم موصول يصدق على الصفة، والصفة المراد بها: ما دل على ذات وحدث. إذاً: الصفة المشبهة تدل على ذات وحدث، كما أن اسم الفاعل يدل على ذات وحدث. إذاً: هذا من أوجه الشبه بين الصفة المشبهة واسم الفاعل. (صيغ لغير تفضيل) صيغ قلنا: الصياغة والصوغ المراد به: الاشتقاق والأخذ، حينئذٍ أُخذت هذه الصفة المشبهة من مصدر فعل لازم لغير تفضيل احترازاً من أفعل التفضيل كما سيأتي أنه لا يكون كاسم الفاعل. (من فعل لازم) يعني: من مصدر فعل لازم؛ لأنه لا تصاغ الصفة المشبهة إلا من الفعل اللازم، وهذا من الفوارق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، لأن اسم الفاعل يصاغ من اللازم ومن المتعدي، وأما المشبهة باسم الفاعل فهذه خاصة باللازم، وسيأتي قوله: (وَصَوْغُهَا مِنْ لاَزِمٍ) دل على أنها لا تصاغ من الفعل المتعدي. (لقصد نسبة الحدث إلى الموصوف به دون إفادة معنى الحدوث) هذا فصل أراد به بيان أن الصفة المشبهة تدل على الثبوت .. ثبوت الحدث في جميع الأزمنة: الماضي والحال والمستقبل. فإذا قيل: زيدٌ حسنٌ وجهه؛ حينئذٍ الحسن وصف له لازم في الماضي وفي الحال وفي المستقبل، لا يكون في الماضي حسن والآن لا، أو يكون في المستقبل دون الآن، بل الوصف عام. إذاً: الصفة المشبهة تدل على ثبوت حدث لذات؛ لأنها صفة وهي كذلك، الصفة تدل على ذات وحدث. (وهي مصوغة لغير تفضيل قطعاً) حسن وجميل وطاهر ونحو ذلك مصوغة لغير تفضيل.

لأن الصفات الدالة على التفضيل هي الدالة على مشاركة وزيادة؛ كأعلم وأفضل وأتقى وأصبر، نقول: هذه تدل على حدث ومشاركة وزيادة. الحدث هو ما أخذ منه أعلم .. العلم، وأفضل .. الفضل، وأتقى .. التقوى، نقول: هذه دلت على حدث. ثم مشاركة بين اثنين: لا بد من مفضل ومفضل عليه، زيدٌ أعلمُ من عمروٍ، وزيادة وهي زيادة المفضَّل على المفضَّل عليه في الحدث نفسه .. في العلم. إذاً: دلت على ثلاثة أشياء، أفعل التفضيل يدل على ثلاثة أشياء: حدث لأنه صفة، والصفة تدل على ذات وحدث، وتدل على مشاركة بين اثنين، إذ لا يقال: أعلم، زيدٌ أعلم هكذا دون أن يكون ثَمَّ مفضَّل عليه، إلا إذا استعملت في غير بابها وهذا خروج عن أصلها. إذاً: دلت على مشاركة بين اثنين، زيدٌ أعلمُ من عمرو. ودلت على زيادة؛ زيادة المفضل عليه في الحدث .. المفضل على المفضل عليه. إذاً: أفعل التفضيل تدل على مشاركة وزيادة، وهذه ليست كذلك، الصفة المشبهة ليست دالة على مشاركة وزيادة. (وإنما صيغت لنسبة الحدث إلى موصوفها) وسبق أن النسبة المراد بها: الإضافة، تضيف شيء إلى شيء وتنسب شيئاً إلى شيء، فإذا قيل مثلاً: مررت برجل حسن الوجه، حسن: هذا صفة مشبهة وهو مضاف، والوجه: مضاف إليه. هنا دلت الصيغة (حسن) نسبة الحدث الذي هو الحسن إلى الموصوف، ما هو الموصوف؟ حسن الوجه، الموصوف هو رجل، فدلت على أنه موصوف بهذا الوصف وهو الحُسن. ثم: هل يدل اللفظ على مشاركة أو على زيادة، أم يدل على لزوم حدث؟ لا شك أنه الثاني. إذاً: صيغت لنسبة الحدث إلى موصوفها وهو الحُسن في نحو: مررت برجل حسن الوجهِ، وليست مصوغة لإفادة معنى الحدوث فحسب أنه وجد بعد أن لم يكن، لا، إذا أريد أن يدل على وجود الحدث بعد أن لم يكن حينئذٍ ننتقل إلى اسم الفاعل؛ لأنك إذا أخبرت عن حدث إما أن تخبر عنه بأنه موجود دائماً لازم حينئذٍ تأتي بالصفة المشبهة، وإذا أردت أن تدل على حدث وقع بعد أن لم يكن حينئذٍ تأتي باسم الفاعل. وليست مصوغة لإفادة معنى الحدوث، ففي المثال تفيد أن الحسن ثابت لوجه الرجل، لكنه من قبيل المجاز كما سيأتي. (وليس بحادث متجدد) الحسن هذا ليس بحادث، ليس بمتجدد، وإنما هو لازم. (بخلاف اسمي الفاعل والمفعول؛ فإنهما يفيدان الحدوث والتجدد) فإذا قلت مثلاً: مررت برجل ضاربٍ عمْراً؛ حينئذٍ وصفته بوجود الضرب بعد أن لم يكن، لأنك جئت بصيغة تدل على ذلك وهو اسم الفاعل. (فضارب مفيد لحدوث الضرب وتجدده، وكذلك: مررتُ برجلٍ مضروبٍ) إذاً: وقع عليه الضرب بعد أن لم يكن، مررت برجل ضارب عمْراً أوقع الضرب بعد أن لم يكن. وكذلك إذا قلت: زيدٌ شجاعٌ وزيدٌ جميل. زيد شُجاع، شجاع كما سبق أنه صفة مشبهة على وزن فُعال، حينئذٍ زيد شجاع وصفته بالشجاعة بعد أن لم تكن؟ أم المراد من اللفظ أنه متصف بالشجاعة ماضياً وحالاً ومستقبلاً؟ الثاني. حينئذٍ هو متصف مدة وجود مدلول زيد، متى ما وجد زيد حينئذٍ هو موصوف بالشجاعة.

فإذا أردت الشجاعة بأنها وقعت بعد أن لم تكن وقلت: زيدٌ شجاع؛ أخطأت في التعبير، أخطأت في اختيار اللفظ، حينئذٍ لا يفهم أنه يحتمل: زيد شجاع هكذا بالنظر العقلي، يحتمل أنه وجدت الشجاعة وكان جباناً، هذا محتمل، لكن إذا أريد الدلالة على أن الشجاعة وجدت بعد أن لم تكن حينئذٍ لا تأت بوصف شجاع، وإنما تعدل عنه إلى وصفٍ اسم الفاعل. وكذلك: إذا قلت: زيدٌ شجاع وزيدٌ جميل؛ كان معنى الصفة هنا إثبات الشجاعة والجمال لزيد واستمرارهما في جميع أوقات وجود زيد. إذاً: دلت على ثبوت الوصف للموصوف، فلا تدل على الحدوث ولا التجدد، والدليل على ذلك أنها دالة على الثبوت: أنه إذا أريد الدلالة على الحدوث دون الثبوت حينئذٍ تأتي باسم الفاعل، حولت الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل، فتقول في (زيدٌ حسنٌ) .. زيدٌ حسنٌ كما سبق أن بعض النحاة يرى أنه متى ما أردت الحدوث تأتي به على زنة فاعل مطلقاً بقطع النظر عن كون الفعل متعدياً أو لازماً، كونه على وزن فعَل أو فعِل أو فعُل، حينئذٍ: زيدٌ حسنٌ، زيدٌ حاسنٌ. زيدٌ شجاع، زيد شاجعٌ. زيد ظريف، زيد ظارفٌ. زيدٌ عفيف، زيدٌ عافٍّ. إذاً: إذا أردت الحدوث تأتي به على زنة فاعل، وهذا قال به بعض النحاة. حولت الصفة المشبهة إلى صيغة اسم الفاعل فتقول في: زيد حسن؛ زيد حاسن، أي: أن الحسن قد حدث له بعد أن لم يكن. إذاً: فرق بينهما من جهة المعنى ومن جهة الصيغة. وفي (زيدٌ ضيق صدرهُ): زيد ضائقٌ صدرهُ، ضيق صدره، حينئذٍ نقول: ضيق يعني ملازم له الوصف صباح مساء، ماضي حال استقبال صدره ضيق، وإذا قلت: زيد ضائقٌ صدرهُ بمعنى أنه وجد بعد أن لم يكن. إذاً: وصف الفاعل يدل على الحدوث بعد أن لم يكن، ووصف الصفة المشبهة تدل على اللزوم والحدوث، ولذلك قال تعالى: ((وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ)) [هود:12] والضيق حدث بعد أن لم يكن، هذا خاص. فلو كانت صيغتها تدل على الحدوث لما حولت إلى صيغة أخرى. هذا دليل على أن ثَمَّ فرقاً بين اسم الفاعل والصفة المشبهة. فإذا أُريد ثبوت الوصف قلت: حسنٌ، ولا تقول: حاسن. وإذا أردت حدوثه قلت: حاسن ولا تقول: حسنٌ، وهذا تفريق جيد. ومثله: عافٍّ في عفيف، وشارفٍ في شريف، وظارفٍ في ظريف .. وهكذا. إذاً: الصفة المشبهة تدل على نسبة وصف إلى موصوف على جهة اللزوم، بمعنى: أن هذا الحدث ثابت له مدة وجوده، وهذا مما فارقت فيه الصفة المشبهة اسم الفاعل فإنما يدل على الحدوث والتجدد وهي تدل على الثبوت والاستمرار والدوام.

وإنما سميت هذه الصفة مشبهة؛ لأنها كان أصلها أنها لا تنصب؛ لأنها أخذت من فعل لازم، (وَصَوْغُهَا مِنْ لاَزِمٍ) فكيف تنصب؟ الأصل فيها أنها لا تنصب لكونها مأخوذة من فعل لازم قاصر، ولكونها لم يقصد بها الحدوث فهي مباينة للفعل، الفعل: قام زيد يقوم زيد، قم، تدل على حدوث شيء بعد أن لم يكن، حينئذٍ باينت الفعل يعني: فارقته، لكنها أشبهت اسم الفاعل فأعطيت حكمه في العمل لا في كل العمل وإنما في بعضه. أشبهت اسم الفاعل فأعطيت حكمه في العمل، ووجه الشبه بين الصفة المشبهة شُجاع وحسن ونحوها مع اسم الفاعل .. وجه الشبه بينهما أنها تدل على الحدث ومن قام به، كل منهما صفة تدل على ذات وحدث، الصفة المشبهة شُجاع وحسن يدل على ذات متصفة بصفة وهي الحُسن، وشجاع يدل على ذات متصفة بصفة وهي الشجاعة .. وهلم جرا. واسم الفاعل كذلك: ضارب، قائم؛ يدل على ذات متصفة بحدث. إذاً: كلٌ منهما صفة، والصفة تدل على ذات وحدث. ومن قام به .. من قام به الذي هو الذات، كما أن اسم الفاعل كذلك. وأيضاً الصفة المشبهة أشبهت الفاعل في كونها تؤنث وتثنى وتجمع، كما أن اسم الفاعل يؤنث ويثنى ويجمع، ولذلك سبق: وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مِثْلَهُ جُعِلْ الذي هو المثنى والجمع بنوعيه: جمع التكسير بنوعيه وجمع التصحيح. إذاً: الصفة المشبهة تؤنث كما أن اسم الفاعل يؤنث، والصفة المشبهة تثنى وتجمع كما أن اسم الفاعل يثنى ويجمع، فتقول: حسنٌ وحسنةٌ، وحسنان وحسنتان، وحسنون وحسنات، حسن: هذا مفرد مذكر، حسنةٌ: مفرد مؤنث، إذاً: أُنث. وحسنان وحسنتان ثنيا تذكيراً وتأنيثاً كما تقول: ضاربان وضاربتان. وحسنون وحسنات، حسنون بالواو والنون، وحسنات بالألف والتاء، كما تقول في اسم الفاعل: ضارب وضاربة وضاربان وضاربتان وضاربون وضاربات. إذاً: أشبهت الصفة المشبهة اسم الفاعل فيما ذكر. وهذا بخلاف اسم التفضيل كأفضل؛ فإنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، أي: في غالب أحواله، فلهذا لا يجوز أن يشبه باسم الفاعل كما سيأتي في محله. إذاً: هذا وجه الشبه بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، أولاً: تدل على حدث ومن قام به، كما أن اسم الفاعل ومن قام به. ثانياً: الصفة المشبهة تؤنث وتثنى وتجمع كما أن اسم الفاعل كذلك. ثالثاً: يزاد أنها تعمل مع شرط الاعتماد، يعني: لا تعمل النصب إلا إذا اعتمدت. وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا ... أَوْ نَفْياً أَوْ جَا صِفَةً أَوْ مُسْنَدَا كما أن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا اعتمد على شيء. فهذه ثلاث مسائل هي وجه الشبه بين اسم الفاعل والصفة المشبهة.

وأما تعريف الناظم .. فعرف الصفة المشبهة قال: بأنها هي الصفة التي استحسن فيها أن تضاف لما هو فاعل في المعنى، وهذا أشبه ما يكون بضابط أو علامة ليست بحد، يعني: الصفة المشبهة يستحسن .. لا يستقبح بل يكون حسناً بل هو أحسن: أن تضاف إلى ما هو فاعل في المعنى، بخلاف اسم الفاعل، اسم الفاعل كما سبق فيما تعدى إلى مفعول واحد، قلنا: جمهرة البصريين على المنع مطلقاً سواء أُمن اللبس أو لا. وأما ما كان لازماً فهذا متفق على أنه يضاف، وما كان متعدياً هذا متفق على أنه لا يضاف، وليست الصفة المشبهة مشبهة بواحد من النوعين، وإنما مشبهة بما تعدى لواحد، فوقع فيه نزاع: هل يضاف إلى فاعله أو لا؟ قلنا: محل نظر عند النحاة، بعضهم فصل بين ما إذا أمن اللبس وإذا لم يؤمن اللبس، إن أُمن اللبس جازت الإضافة وإلا فلا. وهذا مذهب الناظم -ابن مالك- وفي ذلك قال: اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ، فجعلها مفارقة لاسم الفاعل في الاستحسان، ولذلك يفهم من اللفظ استُحِسن ماذا؟ يفهم أنه يجوز إضافة اسم الفاعل إلى فاعله، لكنه لا على وجه الاستحسان بل على وجه الضعف. الصفة التي استحسن فيها أن تضاف لما هو فاعل في المعنى؛ كحسن الوجه وطاهر القلب، فخرج نحو: زيدٌ ضاربٌ أبوهُ، زيدٌ: مبتدأ، وضاربٌ أبوهُ. لو أضفته قلت: زيدٌ ضاربُ أبيهِ، التبس أو لا؟ زيد ضاربٌ أبوه، أبوه فاعل لاسم الفاعل، لو أضفته؟ زيد ضاربُ أبيه التبس، التبس الفاعل بالمفعول؛ لأن ضارب هذا يتعدى إلى واحد، والصفة المشبهة أشبهت اسم الفاعل المتعدي إلى واحد، فإذا قلت: زيدٌ ضاربُ أبيه؛ وقعنا في لبس، السامع لا يدري هل الأب ضارب أو مضروب؟ هذا يحتمل خاصة في زماننا، زيدٌ ضاربٌ أبوه، ضاربُ أببه، نقول: هذا فيه لبس. فخرج نحو: زيدٌ ضاربٌ أبوه؛ فإن إضافة الوصف فيه إلى الفاعل ممتنعة لئلا توهم الإضافة إلى المفعول، وهذا واضح بين ويمنع، وهذا أشبه ما يكون بقاعدة مطردة: كل ما أوقع في لبس فالأصل فيه المنع، حينئذٍ إذا قيل بأن ثَمَّ خلافاً في إضافة اسم الفاعل إلى ما بعده وهو المتعدي إلى واحد .. إلى مرفوعه، إن أوقعت في لبس لا ينبغي أن يكون خلاف في المنع، وإن لم توقع في لبس هنا يكون محل النظر، ولذلك جوزه ابن هشام وابن مالك. ونحو: زيدٌ كاتبٌ أبوه، كاتبُ أبيهِ، كاتبٌ أبوه. فيه لبس؟ زيدٌ كاتبٌ أبوهُ؛ الوصف هنا بكونه كاتباً للأب لا لزيد، فإذا قلت: زيدٌ كاتبُ أبيهِ؛ هذا ليس فيه لبس، لأنه ظاهر أن الأب هو الكاتب وليس المراد الكاتب اسم أبيه لا، إنما المراد الوصف بالكتابة على الأصل، كاتبٌ يعني: موصوف بالكتابة، يعني يحسن الكتابة، فإذا قيل: زيدٌ كاتبُ أبيهِ؛ فحينئذٍ لا يحتمل ما احتمله السابق. فإن إضافة الوصف فيه: زيدٌ كاتبُ أبيهِ وإن كانت لا تمتنع لعدم اللبس لكنها لا تحسن. صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ

إذاً: لا يحسن أن يضاف الوصف هنا زيدٌ كاتبُ أبيهِ، وهذا من الفوارق بين الوصفين: الصفة المشبهة واسم الفاعل. لماذا لا تحسن في: زيدٌ كاتبُ أبيهِ؟ علل النحاة ذلك؛ قالوا: لأن الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، يعني: يرتكب مجاز، ثم المجاز هذا قد يكون قريباً وقد يكون بعيداً، إذا كان قريباً فهو مغتفر، وإذا كان بعيداً فهو قبيح، خرج بقوله: اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ. الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه إلى ضمير موصوفها، هو ليس فيه تحويل، ولذلك قال النحاة: يُقدر، بمعنى: أنه ينوى أولاً أنه أسند ثم بعد ذلك صار تحويل في الإسناد، مجرد تقدير وإلا لم يرد هذا عن العرب، لماذا؟ قالوا: لأن الفاعل في الأصل أن يسند لا يضاف. الفاعل مسند إليه، إذاً: لا بد أن يسند أولاً على حسب القواعد العامة، على حسب القواعد العامة لا بد أن يسند أولاً، هذا شأن الفاعل، ثم العامل قد يكون فعلاً وقد يكون وصفاً ويكون مسنداً، إذاً: الأصل أن يكون الفاعل مسنداً إليه؛ لأن الكلام إنما ينشأ عن فعلٍ وفاعل وكل منهما مسند ومسند إليه. إذاً: لا تتأتى الإضافة هكذا مباشرة، لو قلنا: يجوز إضافة الوصف إلى فاعله دون إسناد حينئذٍ خالفنا القاعدة العامة: قام زيدٌ، زيدٌ مسند إليه. وأن أقل ما يتركب منه الكلام اسمان أو اسم وفعل. إذاً: أين الإسناد، وقد جوزنا كاتبُ أبيهِ أنه أضيف إلى فاعله دون إسناد؟ وقعنا في مخالفة، حينئذٍ تسوية لهذه القواعد ولئلا يحصل فيها لبس أو خلل قيل: أولاً يسند على الأصل، ثم بعد ذلك يحول الإسناد من اللفظ .. الإسناد إلى اللفظ إلى الضمير، فحينئذٍ أوقعنا في ماذا؟ جئنا على الأصل وهو كونه أسند إلى الفاعل، لكنه صار ضميراً، ولذلك سيأتي عند قوله: فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ؛ أنه إذا نصب أو جر لا بد من ضمير مستتر، بخلاف ما إذا رفعت. إذاً: نقدر أولاً أن ثَمَّ تحويلاً حصل في التركيب، أسند الوصف إلى الفاعل في الظاهر، ثم بعد ذلك قُصدت الإضافة، ولا إضافة إلا بعد إسناد تمشياً مع الأصول العامة والقواعد العامة، حينئذٍ أسندنا الصفة إلى ضمير الموصوف، وهذا باعتبار التقدير فحسب. لأن الصفة لا تضاف إلى مرفوعها حتى يقدر تحويل إسنادها عنه، عنه عن اللفظ نفسه وإلا الأصل هو فاعل. حسنٌ الوجهُ مثلاً، حينئذٍ الوجه هذا فاعل، فإذا أردنا الإضافة لا بد أن نجعل (حسنٌ) مسنداً إلى ضمير، ضمير ماذا؟ يعود على الفاعل، ثم بعد ذلك نجعل الفاعل الذي كان فاعلاً في اللفظ والمعنى نجعله فاعلاً في المعنى فحسب، وأما في اللفظ فهو مضاف إليه. تحويل إسناده عنه إلى ضمير الموصوف بدليلين. الذي دل على أن هذا التحويل حاصل دليلان: الأول: أنه لو لم يقدر كذلك لزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن حسنٌ الوجهُ، الوجهُ موصوف، وحسن: صفة، وسبق أن إضافة الموصوف إلى صفته والعكس من إضافة الشيء إلى نفسه، حينئذٍ لا بد من التحويل؛ لئلا نُضيف الشيء إلى نفسه.

ثانياً: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: هندٌ حسنةُ الوجهِ، حسنةُ وهذا صفة مشبهة مؤنث، الوجهِ: مضاف إليه. الوجهِ هذا فاعل في المعنى، كان فاعلاً في اللفظ ثم قصدت الإضافة فلا بد من التحويل؛ تحويل الإسناد من كون حسنةٌ مسند إلى الوجه إلى كونه مضافاً إليه، فجعلنا حسنة مضافاً إلى ضمير، وهذا هو الضمير الفاعل في الأصل، فحينئذٍ قيل: هندٌ حسنةُ الوجهِ، حسنةٌ لماذا أنث؟ الوجه مذكر أو مؤنث؟ مذكر، لا يحتاج إلى تأنيث، لو قيل: هندٌ حسنٌ الوجهُ؛ لا نحتاج إلى تأنيث لأن الوجه مذكر وحسن مذكر، إذاً: لا نحتاج، مثل: قام زيدٌ، متى نحتاج إلى التأنيث؟ إذا كان الفعل أو الوصف مسنداً إلى مؤنث وهنا ثَمَّ ضمير أسند إليه حسنة وهو عائد على هند، وإذا عاد الضمير على متقدم حينئذٍ قلنا: وجب التأنيث مطلقاً سواء كان المؤنث مؤنثاً حقيقياً أو مجازياً، وهنا: هندٌ حسنةُ الوجهِ؛ دل على أن ثَمَّ ضمير مضمر في حسنةُ يعود على هند، ولذلك تقول: زيدٌ حسنُ الوجهِ، هندٌ حسنةُ الوجهِ، ماذا تفهم من التركيبين؟ تفهم: أن ثَمَّ ضميراً هو فاعل في قوله: حسنةُ الوجهِ، هذا الضمير مرجعه إلى هند وهو مؤنث؛ فلذلك وجب تأنيث الوصف فقيل: حسنةُ الوجهِ. إذاً: الدليل الثاني: أنهم يؤنثون الصفة في نحو: هندٌ حسنةُ الوجهِ، فدل على أن الصفة هنا مسندة إلى الضمير. حسنةُ الوجهِ؛ دل على أن الصفة هنا مسندة إلى ضمير، الضمير هذا يعود إلى مؤنث حقيقي، فلهذا حسُن أن يقال: (زيدٌ حسنُ الوجهِ) دون تأنيث، لماذا لا نحتاج إلى التأنيث؟ لأن الضمير هنا مرجعه إلى مذكر. إذاً: من هذين التركيبين نأخذ أن الوصف وهو حسن وحسنةُ فيه ضمير هو فاعل يعود على الموصوف وهو زيدٌ وهندٌ. من أين جاء هذا الضمير؟ كان قبل الإضافة الوصف مسنداً إلى الفاعل ثم حول فأسند إلى ضمير الفاعل الذي هو الموصوف. نقول: أصل التركيب أن الوصف مسند إلى الاسم الظاهر، ثم لما قصدت الإضافة قالوا: لا يمكن أن يضاف الفاعل هكذا مباشرة، لا بد من تحويل يُحوَّل إسناد الوصف من كونه مسنداً للاسم الظاهر من كونه مسنداً إلى ضمير يعود إليه، فحصلت الإضافة ولا إشكال. حسُن أن يقال: زيدٌ حسنُ الوجهِ؛ لأن من حسُن وجههُ حسُن أن يسند الحسن إلى الجملة مجازاً، إذا قيل: (حسُن الوجهُ أو وجه زيد) يحتمل أنه من إطلاق الجزء مراداً به الكل ولا إشكال، سواء قلت حقيقة أو مجاز. لو قيل: بأنه مجاز؛ هل هو مجاز مقبول قريب؟ نعم، مجاز مقبول قريب. ويصلح أن يكون من إطلاق الجزء مراداً به الكل، وقبُح أن يقال: زيدٌ كاتبُ الأبِ، قلنا: هذا ممتنع، وهذا قبيح، لو جاز يكون قبيحاً، لماذا؟ لأن الوصف بالكتابة هنا للأب، فجعلها للابن يحتاج إلى مجاز بعيد .. حتى نجعل الوصف هنا الكتابة للابن. زيدٌ كاتبُ الأبِ، يعني: أبوه هو الكاتب، طيب. قد يكون الابن كاتباً وقد لا يكون، إذا أردنا جعل هذا الوصف للابن نحتاج إلى ارتكاب مجاز بعيد؛ وهذا قبيح، فلذلك استُحسن في الصفة المشبهة جر الفاعل بها؛ لأن المجاز يكون فيها قليل والمجاز عقلي، وحينئذٍ إذا أردنا إضافة اسم الفاعل إلى فاعله وإن صح إلا أنه على ارتكاب مجاز بعيد وهو قبيح، ولذلك لا يُستحسن.

وقبُح أن يقال: زيدٌ كاتبُ الأبِ؛ لأن من كتب أبوهُ لا يحسن أن تسند الكتابة إليه إلا بمجاز بعيد وهو قبيح. إذاً: عرفنا لماذا جاز: حسنُ الوجهِ وقبُح: كاتبُ الأبِ؟ (حسنُ الوجه) نقول: هذا مجاز قريب، أو (حسنةُ الوجهِ) مجاز قريب؛ لأنه من إطلاق الجزء مراداً به الكل، وهو مستعمل في لسان العرب. وأما (كاتبُ الأبِ) على أن يجعل الوصف كاتب للابن؛ نقول: هذا فيه ارتكاب مجاز بعيد جداً يحتاج إلى إضافات ونحو ذلك، وهذا قبيح. وقد تبين: أن العلم بحسن الإضافة موقوف على النظر في معناها لا على معرفة كونها صفة مشبهة. وهذا رد على اعتراض ابن الناظم على تعريف أبيه؛ لأنه قال: صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ ... مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ متى نقول صفة مشبهة؟ إذا اسْتُحْسِنَ جَرُّ الفَاعِلِ بِهَا. متى يستحسن جر الفاعل بها؟ إذا كانت صفة مشبهة، إذا فيه دور، فاعترض ابن الناظم على أبيه، والنظر هنا نقول: الصواب أن النظر في المعنى، ثم نحكم عليه بكونه صفة مشبهة، فلا دور. وقد تبين أن العلم بحسن الإضافة موقوف على النظر في معناها لا على معرفة كونها صفة مشبهة، حينئذٍ فلا دور في التعريف كما توهمه الشارح الذي هو ابن الناظم. قيل: إذا قيل الشارح في أي فن فيريدون به أول شارح للمتن. دائماً يقولون: الشارح، قال الشارح، ما ينصون عليه، مرادهم بهذا الاصطلاح -في كل فن: الشارح .. إلا إذا اصطلح اصطلاحاً خاصاً-؛ فينصرف إلى أول شارح للمتن وهو ابن الناظم، لكن هذا يخالف ما ذكره في كشف الظنون: أن أول شارح هو ابن مالك رحمه الله، ابن مالك شرح الألفية لكنه ما واصلها، وهذا قد يجري على القاعدة التي عند بعض أهل العلم: أن كل من شرح متنه فالظاهر أنه يكون مهجوراً؛ لأنه لا يأتي بالدرر التي يأتي بها غيره، يعني: يأتي بشرح تعليق أشبه ما يكون فك عبارة أو نحو ذلك، وأما الاعتراضات ونحو ذلك فلا تكون من نفس الشارح؛ لأنه لا يتصور أنه يعارض نفسه ويجيب ويرد .. إلى آخره، ويأتي بمناظرات ويجادل، وإنما هذا يتصور في الغير، أما الذي يشرح كتابه فالغالب أنه لا .. استثنى بعضهم النزهة .. نزهة النظر، بعض الإخوة يقولوا: النزهة تخالف. على كلٍ؛ هذه قاعدة عامة، وابن مالك شرح ألفيته، لكن اصطلاح النحاة إذا قيل: الشارح؛ خاصة في شروحات الألفية فيعنون به ابن الناظم. وحينئذٍ فلا دور في التعريف كما توهمه الشارح؛ لأن العلم بالصفة المشبهة متوقف على استحسان إضافتها إلى الفاعل. هذا باعتبار النظر. واستحسان إضافته إلى الفاعل متوقف على العلم بكونها صفة مشبهة. والصواب: أن الحكم بكونه يستحسن جر فاعل موقوف على المعنى .. النظر لا على اللفظ. صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ ... مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ صِفَةٌ: مبتدأ. وجملة: اسْتُحْسِنَ؛ هذه صفة. جَرُّ: هذا نائب فاعل. اسْتُحْسِنَ: مغير الصيغة. وجَرُّ فَاعِلِ: مضاف ومضاف إليه، وجَرُّ: هذا نائب فاعل.

مَعْنًى بِهَا: هذا منصوب على نزع الخافض أو تمييز، يعني في المعنى أو من جهة المعنى لا اللفظ؛ لأنه قُدر أولاً أنه كان لفظياً الإسناد إليه، ثم لما أُريدت الإضافة حُول فجُعل الإسناد إلى ضمير يعود إلى الموصوف ثم أضيف إلى الفاعل، فهو فاعل باعتبار ما كان، وأما الآن فلا. الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ الْمُشْبِهَةُ: هذا خبر، ويجوز العكس: أن يكون (الْمُشْبِهَةُ) مبتدأ، و (صِفَةٌ): هذا خبر، كلاهما جائز. الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ لكن إذا جعلنا (الْمُشْبِهَةُ) مبتدأ؛ حينئذٍ عاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، لكن المعربون يجوزون هذا الوجه وإلا فيه إشكال. صِفَةٌ: عرفنا المراد بالصفة: ما دل على معنىً وذات. اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ مَعْنًى بِهَا: هذا تعريف بالخاصة فهو رسم، وأورد عليه صور امتناع الجر كما سيأتي، وصور ضعفه، فكيف يقال: اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ مَعْنًى؟ لأنه سيأتي أن صور الجر منه ما هو مستحسن، ومنه ما هو ممتنع، ومنه ما هو جائز لكنه ضعيف، فأطلق الناظم هنا، أطلق الناظم أنه يستحسن مطلقاً جر الفاعل بها، والصواب التفصيل، حينئذٍ نقول: يرد عليه صور امتناع الجر وصور ضعفه؛ فإن الصفة المشبهة في جميع هذه الصور لا يستحسن فيها جر الفاعل. وأجيب على صور الامتناع: بأن المراد الاستحسان استحسان الجر بنوعها لا بشخصها، استحسان بنوعها لا بشخصها؛ لأن الحكم بالشيء قد يحكم على شيء من جهة النوع لا من جهة الآحاد، وأما إذا دخلنا في التفاصيل والآحاد فثَمَّ تفصيل. وأما الصفة المشبهة من حيث هي فالأصل فيها أنه يستحسن جر فاعل بها، وحينئذٍ صور الامتناع نقول: لا ترد؛ لأن الحكم هنا على الصفة المشبهة باعتبار النوع لا باعتبار الشخص. وأجيب عن الثاني -وهو صور الضعف- بأن المراد بالاستحسان خلاف الاستقباح، ولا استقباح في الضعيف وإن قوبل بالحسن، وفي كلا الجوابين نظر، ولذلك قلنا: الأولى أن يعرف بما ذكرناه سابقاً. صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ مَعْنًى بِهَا: أي في المعنى أو من جهة المعنى لا للفظ. ومعنى البيت؛ أي: تتميز الصفة المشبهة عن اسم الفاعل باستحسان جر فاعلها. هذا لا إشكال فيه، لو جعل علامة أن الصفة المشبهة يستحسن فيها جر فاعل في بعض صورها بخلاف اسم الفاعل وجعل من الفوارق في الجملة هذا لا إشكال؛ لأن اسم الفاعل لا يستحسن مطلقاً، حتى لو جاز يكون جائزاً على ضعف، كما ذكرناه سابقاً. إذاً: تتميز الصفة المشبهة عن اسم الفاعل باستحسان جر فاعلها بإضافتها إليه، فإن اسم الفاعل لا يحسن فيه ذلك؛ لأنه إن كان لازماً وقصد ثبوت معناه صار منها، كما ذكرناه سابقاً. اسم الفاعل إذا قصد الثبوت حينئذٍ صار صفة مشبهة، ولذلك سيقول: كَطَاهِرِ الْقَلْبِ، طَاهِرِ: هذا اسم فاعل على زنة فاعل، وحينئذٍ استحسن جر الفاعل بها: طَاهِرِ الْقَلْبِ، نقول: طَاهِرِ هنا ليس باسم فاعل، لماذا؟ لأن اسم الفاعل يدل على حدوث شيء بعد أن لم يكن، والمراد هنا وصف الْقَلْبِ باستمرار الطهارة ووصف الطهارة له، وهذا معنى الصفة المشبهة.

صار منها وانطلق عليه اسمها، وإن كان متعدياً فالجمهور على منع ذلك فيه فلا استحسان، وإنما قيد الفاعل بالمعنى؛ لأنه لا تضاف الصفة إليه إلا بعد تحويل الإسناد عنه إلى ضمير الموصوفين. وهذا كما ذكرناه سابقاً. فلم يبقَ فاعلاً إلا من جهة المعنى، وأما في اللفظ فلا، وهذا ليس له وجود، لم ينقل في لسان العرب صفة مشبهة أسندت إلى الفاعل ثم نقل إسناد نفس اللفظ إلى المضاف، وإنما هذا من باب جري القواعد على سنن واحد فقط؛ لأن الفاعل لا يكون إلا مسند إليه فكيف تقول: طَاهِرِ الْقَلْبِ والْقَلْبِ هذا فاعل وليس عندنا إسناد؟ انتفى الأصل، (وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ) لا بد من إسناد ومسند إليه، حينئذٍ نقول هنا: أضيفت الصفة إلى الفاعل في المعنى بعد أن أضيفت إليه أسندت إليه في اللفظ، وحصل التحويل، والتحويل هذا في الذهن فقط لا وجود له في الخارج. صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ ... مَعْنًى بِهَا الْمُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ مُشْبِهَةَ اسْمِ بالجر والنصب، يجوز الوجهان. مُشْبِهَةُ اسْمَ الفَاعِلِ في أنها تدل على حدث ومن قام به، وأنها تؤنث وتثنى وتجمع، ولذلك حملت عليه في العمل كما ذكرناه سابقاً. اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ: فهم من قوله: (اسْتُحْسِنَ) أن ذلك موجود في اسم الفاعل، اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ أن ذلك موجود في اسم الفاعل إلا أنه غير مستحسن، وهو كذلك، نحو: كاتبُ الأبِ، وفيه خلاف، ومذهب الناظم جوازه. وفهم منه أيضاً .. من قوله: (جَرُّ فَاعِلِ) أن الجر بها غير لازم، بل يجوز فيه النصب والرفع كما سيأتي: فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ. إذاً هنا قال: (جَرُّ فَاعِلِ) ولم يذكر الرفع والنصب، هل معنى ذلك أن الصفة المشبهة لا تعمل إلا الجر؟ لا، ليس كذلك، بل ترفع وتنصب وتجر. إذاً: (اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ) دل على أمرين: أن اسم الفاعل يجر، ولكنه غير مستحسن، استحسن جر الفاعل مع جواز الرفع والنصب، إذاً: الجر ليس لازماً. قال الشارح: قد سبق أن المراد بالصفة ما دل على معنىً وذات، وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التفضيل والصفة المشبهة، وذكر المصنف: أن علامة الصفة المشبهة .. جعله علامة لا تعريف، وإن كان الأشموني وغيره جعلوه تعريف، والأولى ألا يجعل تعريف؛ لأنه لو جعل تعريفاً لورد عليه النقد بما ذكرناه سابقاً، وإنما يجعل علامة في الجملة من الفوارق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، ولا إشكال فيه. أن علامة الصفة المشبهة: استحسان جر فاعلها بها، نحو: حسنُ الوجهِ، ومُنطلقُ اللسان، وطاهر القلب. انظر الأمثلة: منُطلق هذا في الأصل اسم فاعل، لكنه لما قصد به الاستمرار .. لسانه دائماً منطلق؛ حينئذٍ أضيفت إليه. وطَاهِرِ الْقَلْبِ كذلك.

والأصل: حسنٌ وجههُ، ومنطلقٌ لسانهُ، وطاهرٌ قلبهُ. انظر: (حسنٌ وجهه) أراد به ماذا؟ ليشير أن قوله: (حسنَ الوجهِ) أصل الوجه أنه فاعل، وأن الفاعل في الأصل مسند إليه فهو مرفوع (حسنٌ الوجهُ، حسنٌ وجههُ)، حينئذٍ لما أريد الإضافة لا بد أن تقدر أن أصل هذا التركيب: (حسنٌ وجههُ) أسند إلى فاعل في اللفظ، ثم حذفته وأسندت (حسن) إلى الضمير الموصوف ثم جئت بالفاعل في اللفظ وجعلته مضافاً إليه فهو فاعل في المعنى باعتبار الأصل. حسنٌ وجههُ، ومنطلقٌ لسانهُ، منطلقُ اللسان. وطاهرٌ قلبهُ، فوجههُ: مرفوع بـ (حسن) على الفاعلية، ولسانهُ: مرفوع بـ (منطلق)، وقلبهُ مرفوع بـ (طاهر)، وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات، فلا تقل: (زيدٌ ضاربٌ أبي عمْراً) تريد: (ضاربٌ أبوهُ عمْراً) ولا (زيدٌ قائمُ الأبِ غداً) تريد: (زيدٌ قائمٌ أبوهُ غداً). وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه، فتقول: (زيدٌ مضروبُ الأبِ) حينئذٍ خرج عن كونه اسم مفعول، فصار صفة مشبهة، وهذا على القاعدة المطردة: اسم الفاعل الأصل فيه لا يكون إلا على زنة فاعل، إلا إذا أُضيف وقصد به الثبوت حينئذٍ صار صفة مشبهة. واسم المفعول كذلك، ومُفعِل ومُفعَل كذلك، وحينئذٍ كل الصفات التي ذكرها في الباب السابق هي صفات مشبهة. فإذا جاء اللفظ (حسن) فالأصل لا نقول: (حاسن) أنه أراد به الحدوث، أنه حدث بعد أن لم يكن لا بد من قرينة تدل على هذا. وهو حينئذٍ جار مجرى الصفة المشبهة؛ لأنه دال على الدوام حينئذٍ. وَصَوْغُهَا مِنْ لاَزِمٍ لِحَاضِرِ ... كَطَاهِرِ الْقَلْبِ جَمِيلِ الظَّاهِرِ ذكر في هذا البيت ثلاث فوارق بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، وجعله الأشموني عطفاً على قوله: (جَرُّ فَاعِلِ)، وَصَوْغُهَا: معطوف عليه من باب تمام الحد .. التعريف، وهذا فيه نظر، لماذا؟ لأن صوغها من لازم واجب، وجرها للفاعل مستحسن، وهذا محل إشكال. صِفَةٌ اسْتُحْسِنَ جَرُّ فَاعِلِ واسْتُحْسِنَ صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ؛ هذا محل إشكال، بل الصواب: أن صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ واجب، لا تصاغ البتة من الفعل المتعدي، وحينئذٍ الأولى أن نجعل ما سبق علامة، ولا نجعله حداً ونتكلف في الأبيات القادمة كلها معطوفة على التعريف من باب تمامه، بل نقول: ما سبق علامة وفارق بين النوعين وذَكر علامة أخرى، وَصَوْغُهَا: مبتدأ، استئناف كلام جديد، علامة أخرى. وَصَوْغُهَا: نقول: هذا مبتدأ، والضمير يعود إلى الصفة المشبهة. وَصَوْغُهَا مِنْ لاَزِمٍ لِحَاضِرِ مِنْ لاَزِمٍ: هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، تقديره: واجب، حينئذٍ من أين أخذنا المحذوف الذي هو خاص؟ نقول: من سياق الكلام؛ لأنه معلوم أن صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ يكون واجباً، إذاً: صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ، لو قدرنا (مِنْ لَازِمٍ) متعلق بـ (صوغ) قلنا: لا فائدة جديدة، وإنما نجعله متعلقاً بمحذوف والمحذوف هذا خاص دل عليه المقام، فنقول: صَوْغُهَا واجب مِنْ لَازِمٍ. وقوله: (لِحَاضِرِ) متعلق بواجب.

إذاً: لا يجوز أن يكون كلٌ من: (لاَزِمٍ لِحَاضِرِ) متعلقاً بصوغها؛ لعدم الفائدة، لأنه معلوم أن الصفة المشبهة من حيث الزمن لا تكون للحاضر، وكذلك باستقراء كلام العرب لا تكون مصوغة إلا من الفعل اللازم، يعني من مصدره، وحينئذٍ ما الجديد؟ صار لبيان الواقع وهو يريد أن يبين الفوارق بين النوعين: اسم الفاعل والصفة المشبهة؛ لأن اسم الفاعل يصاغ من اللازم ومن المتعدي، والصفة المشبهة إنما تصاغ من اللازم فقط، وحكمه: الوجوب. كذلك: اسم الفاعل يكون للحاضر وللماضي وللمستقبل، يكون للحاضر والمستقبل دون الماضي إذا أُعمل، والصفة المشبهة لا تكون إلا لحاضر، إذاً: هذا من الفوارق. وَصَوْغُهَا مِنْ لاَزِمٍ لِحَاضِرِ قال الأشموني: عطف على ما سبق من تمام التعريف، قلنا: هذا فيه نظر. أي: ومما تتميز به الصفة المشبهة أيضاً عن اسم الفاعل أنها لا تصاغ قياساً إلا من فعل لازم، أي: من مصدره أصالة أو عروضاً كما في: (رحما ورحيم وعليم). نأتي في البسملة نقول: يجوز أن يكول: (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) صفتين مشبهتين، لكن كيف صفتين مشبهتين و (رحمان ورحيم) مأخوذ من رَحِم، رَحِم الله كذا؟ حينئذٍ صار متعدياً. القاعدة عند الصرفيين: أن كل ما أريد أن يدل على الثبوت حينئذٍ جاز جعله من باب فعُل، فتقول: رحِمَ رحُمَ، علِمَ علُمَ، ضرَبَ ضرُبَ، كرُمَ كرُمَ على أصله، فتَح فتُح، حينئذٍ تنقله إلى باب فعُل ثم تصوغ منه الصفة المشبهة، حينئذٍ علُمَ ورحُمَ هل هو لازم أصالة أم أمر طارئ عارض؟ الثاني ولا شك، لماذا؟ لأن ما كان أصالة فهو إنما يكون من باب فعُل لأنه لا يكون إلا لازماً، أو فعِل إذا كان لازماً، وأما إذا كان متعدياً وأردنا منه الصفة المشبهة نقلناه إلى باب فعُل؛ لأنه لا يكون إلا لازماً. فتقول: رحُمَ، رحمان صفة مشبهة، كيف صفة مشبهة؟ تقول: نقل رحِمَ إلى رحُمَ ثم اشتق منه، وهذا جائز عندهم، وسيأتي في باب نِعْمَ وبئس. قال: كما في (رحمان ورحيم وعليم). عليم إذا قلنا: أنه صفة مشبهة مأخوذ من علُم. فإنها لازمة بالتنزيل أو النقل إلى فعُل بالضم. بالتنزيل أن ينزل المتعدي منزلة اللازم، وهذا يرد عند البيانيين هناك. ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [الزمر:9] قلنا: (يعلم) الأصل فيه أنه متعدي، قد ينزل المتعدي منزلة اللازم فلا يحتاج إلى مفعول، وهنا (يَعْلَمُونَ) هل نقول: ثَمَّ مفعول به محذوف أو مقدر أو منوي؟ لا، ليس له مفعول، هنا غير متعدي، لماذا؟ لأنه نزل هذا المتعدي منزلة اللازم، فإذا كان كذلك صح أن يشتق منه صفة مشبهة، بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يصاغ من اللازم كقائم، ومن المتعدي كضارب. إذاً: (صَوْغُهَا مِنْ لَازِمٍ) هذا خاص بالصفة المشبهة، وأما اسم الفاعل فيكون مشتقاً من اللازم ومن المتعدي.

(لِحَاضِرِ) المراد بالحضور هنا: الدوام، يعني: شيء لحاضر، لحدث دائم. وهذا من الفوارق بينهما. وأنها لا تكون إلا للمعنى الحاضر الدائم دون الماضي المنقطع والمستقبل، لا ماضي منقطع ولا مستقبل. ماضي منقطع هل ثَمَّ ماضي غير منقطع؟ .. لأن الصفة المشبهة تدل على الماضي وعلى المستقبل، لكن لا الماضي المنقطع ولا المستقبل المترقب؛ لأنك إذا قلت: (زيدٌ حسنٌ) زيدٌ في الماضي والآن والمستقبل حسن، إذاً: ليس عندنا ماضيٍ منقطع كان حسناً ثم صار قبيحاً، وليس عندنا مستقبل مترقب بحيث يوجد فيه الحسن دون سابقه. إذاً: دلت الصفة المشبهة على الأزمنة الثلاثة، لكن في أصلها تدل على الثبوت الحاصل الآن. وأما دلالته على الماضي غير المنقطع فهو لازم لها، ودلالته على المستقبل فهو لازم لها؛ لأننا نخبر عن حدث مستمر، والاستمرار إنما يكون في ماضٍ ويكون في المستقبل. إذاً: هو غير منقطع، وإذا كان غير منقطع حينئذٍ لزم منه أن يكون مستمراً في الماضي وفي المستقبل. وأنها لا تكون إلا للمعنى الحاضر الدائم دون الماضي المنقطع والمستقبل، بخلاف اسم الفاعل. والمراد بالدوام: الثبوت في الأزمنة الثلاثة، الدوام .. لِحَاضِرِ المراد به الدوام الثبوت في الأزمنة الثلاثة. قال ياسين: ودلالة الصفة المشبهة على الدوام عقلية لا وضعية؛ لأنها لما لم تدل على التجدد ليس عندنا إلا تجدد أو دوام، إذا انتفت دلالته على التجدد لزم أن تدل على الدوام، إذاً: اللزوم هنا من جهة العقل لا من جهة الوضع. إذاً: دلالة الصفة المشبهة على الدوام عقلية لا وضعية، ووجهه: أنها لما لم تدل على التجدد ثبت لها الدوام بمقتضى العقل، إذ الأصل في كل ثابت دوامه. الفارق الثالث أشار إليه بقوله: كَطَاهِرِ الْقَلْبِ جَمِيلِ الظَّاهِرِ (طَاهِرِ .. جَمِيلِ) سبق أن اسم الفاعل لا بد أن يكون جارياً على فعله وهو الفعل المضارع، موافقاً له في عدد الحروف والحركات والسكنات، والمراد بالحركات: مطلق الحركات لا أشخاصها، فتقول: ضارب على وزن يضْرب، الأول متحرك والثاني ساكن، ومنه: (طاهر ويطْهر) كلاهما جاريان على حركة فسكون ثم حركة. وأما (داخل ويدخُل) جارٍ أو لا؟ جار؟ (دا .. يدْ .. خِل، خُل) الخاء مكسورة في اسم الفاعل ومضمومة في الفعل. هنا اختلفت في الشخص، وأما في الحركة فهو موافق له، (قائِم يقوم) جاري أو لا؟ (قائِم يقوم) الأول قائم، الأول متحرك فساكن. (يقوم) متحرك فمتحرك، (يقوم) في اللفظ متحرك ومتحرك، لكن الضمة التي على القاف طارئة، أصلها: (يفعُل يقْوُمُ)، استثقلت الضمة .. (يَقْوُمُ) استثقلت الضمة على الواو ثم نقلت إلى سابقها. وهذا كل فعل أجوف واوي يقال فيه: يفعُلُ، حينئذٍ استثقلت الضمة على العين .. الواو ثم نقلت إلى ما قبلها. إذاً: يقُول أصله يَقْوُل فوافق قائل، يقوْم يَقْوُمُ قائم لا إشكال في هذا. وأما الصفة المشبهة فهذه على نوعين إن كانت من فعل ثلاثي: منها ما وازن المضارع، وأشار إليه بقوله: (كَطَاهِرِ الْقَلْبِ) كَطَاهِرِ طاهر يطهر، موازن أولا؟ موازن، لا إشكال فيه. ومستقيم الحال، مستقيم يستقيم، وضامر البطن .. ضامر يضْمر، إذاً: موافق. ومعْتدل القامة معتدل يعتدل، إذاً: موافق.

إذاً: الصفات المشبهة المأخوذ من الفعل الثلاثي منه ما هو موازن للمضارع وعلى ما ذكرناه. والثاني: ما لم يوازنه وهو الكثير والأول قليل. هذا الكثير، ولذلك بعضهم قال: يلزم أن تكون الصفة المشبهة من الفعل الثلاثي .. ألا تكون موازنة للمضارع، فإن كانت موازنة فهي اسم فاعل وإلا فهي صفة مشبهة، والصواب لا. وهو الكثير في المبنية من الثلاثي نحو: (جَمِيلِ الظَّاهِرِ) جميل يجْمل، جميل الثاني متحرك جميل، ويجْمل الثاني ساكن والثالث متحرك، وهنا (جميل) الثاني متحرك والثالث ساكن، إذاً افترقا. جميل الظاهر وحسن الوجه، حسن ثلاثي يحسن قطعاً أنه مخالف. (كريمُ الأب يكرم) هذا مخالف. (ظريف يظرُ) الثالث متحرك، وظريف الثالث ساكن. إذاً: من الثلاثي صفات مشبهة قد توافق المضارع وقد تخالفه، والمخالفة أكثر، وادعى بعضهم أنها لازمة له والصحيح خلافه، وأما إذا كانت من غير الثلاثي وجبت موازنتها المضارع، (منطلقُ اللسانِ) منطلقُ أصله اسم فاعل، لكن لما أريد به الثبوت أضيف إلى ما بعده فصار صفة مشبهة على ما ذكرناه. إذاً: هذه ثلاثة فوارق ذكرها الناظم بين الصفة المشبهة واسم الفاعل: أولاً: أن الصفة المشبهة لا تصاغ إلا من الفعل اللازم، أي: من مصدره لا من الفعل المتعدي، وأما اسم الفاعل فيصاغ من اللازم ومن المتعدي. ثانياً: الصفة المشبهة لا تكون إلا لحاضر دائم مستمر في الأزمنة الثلاثة، وأما اسم الفاعل فيكون بمعنى الحال فقط ويكون بمعنى الاستقبال. ثالثاً: اسم الفاعل لا يكون إلا موازناً لمضارعه، وأما الصفة المشبهة فإن كانت من الثلاثي فقد تكون موازنة، وأشار إليه بقوله: (كَطَاهِرِ الْقَلْبِ) وهذا قليل، وقد لا تكون موازنة فهو كثير وأشار إليه بقوله: (جَمِيلِ الظَّاهِرِ). وأما ما كان من غير الثلاثي .. مما زاد على الثلاثي فهذا لا يكون إلا موازناً لمضارعه. وأنها لا تجري على المضارع بخلافه، بل قد تكون جارية عليه؛ كَطَاهِرِ الْقَلْبِ، وقد لا تكون وهو الكثير الغالب؛ كـ جَمِيلِ الظَّاهِرِ. ثم قال: وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى ... لَهَا عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا: عرفنا أن وجه الشبه بين اسم الفاعل والصفة المشبهة في: أن كلاً منهماً دل على حدث ومن قام به. ثانياً: كل منهما يؤنث ويثنى ويجمع، حينئذٍ عملت الصفة المشبهة حملاً لها على اسم الفاعل، لكن عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا، ما هو الْحَدُّ الَّذِي قَدْ حُدَّا؟ أمران: إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماَ، إذا قلنا: الصفة المشبهة لا تكون إلا لحاضر امتنع الأول لا يتصور فيها،: إِنْ كَانَ عَنْ مُضِيِّهِ بِمَعْزِلِ يعني: لا يكون إلا استقبالاً أو حالاً، وإذا تقرر أن اسم الفاعل .. الصفة مشبهة لا تكون إلا لحاضر، إذاً: امتنع وجود الشرط الأول في الصفة المشبهة، ماذا بقي؟ وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماَ أَوْ حَرْفَ نِدَا، إذاً الاعتماد.

إذاً: (عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا) أي: على الشروط السابقة، هذا ظاهر النظم، لكن نخصصه بقوله: (لِحَاضِرِ) وحينئذٍ: (عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا) على بعض الشروط السابقة، وألحق بعضهم ألا تصغر وألا توصف بناءً على أن اسم الفاعل لا يعمل إذا صغر أو وصف، وسبق الخلاف فيه. وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا: ما هو عَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى؟ النصب؛ لأن الشروط السابقة قلنا: في الظاهر إنما تشترط في عمل النصب كما ذكره غير واحد، لا في عمل الرفع. إذاً: الصفة المشبهة تعملُ الرفعَ. هل عملها الرفعَ لكونها أشبهت اسم الفاعل أو لما فيها من معنى الفعل؟ هل الصفة المشبهة تعمل الرفع بناءً على حملها على اسم الفاعل أو لما فيها من معنى الفعل؟ الثاني؛ لأنها إنما تعمل عمل اسم الفاعل النصب فحسب، وأما الرفع فلا، فلذلك كل منصوب غير ما نصب في الصفة المشبهة غير ما نصب على التشبيه بالمفعول أو التمييز؛ فعمل الصفة المشبهة بناءً على ما فيها من معنى الفعل، وما هو معنى الفعل؟ كونها دالة على حدث وزمن، فإذا كان كذلك إذا نصبت الحال أو تعلق بها جار ومجرور الحال لا يكون إلا لما فيها من معنى الفعل، وكذلك الجار والمجرور قد يكون لما فيها من معنى الفعل، وقد يكون حملاً لها على اسم الفاعل. إذاً: عَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الفعل الْمُعَدَّى لواحد لَهَا أي: ثابت لها، ثابت لها صورةً، قيل: صورةً. لماذا صورةً؟ يعني: في الصورة فحسب لا في الحقيقة. نحن نقول: (حسنٌ الوجهَ) قالوا: هذا كضاربٌ زيداً، لكن نأتي نقول: (ضاربٌ زيداً حسنٌ الوجهَ) الوجهَ لم يقولوا مفعولاً به، قالوا: على التشبيه بالمفعول به, لماذا؟ لأن (حسن) وهو صفة مشبهة لا يؤخذ إلا من القاصر اللازم والقاصر لا ينصب مفعولاً، فحكموا على منصوب الصفة المشبهة إذا كان معرفة أنه مشبه بالمفعول به؛ لأنه لا يكون مفعولاً به، لو جعلناه مفعولاً به حقيقة حينئذٍ لزم أن تكون الصفة المشبهة مأخوذة من متعدي، وهذا فساد ليس بصحيح. إذاً نقول: (عَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا) أي: ثابت لها في حالة النصب صورةً، بمعنى: أن المنصوب لها إنما حملت فيه على اسم الفاعل فنصب، وأما اسم الفاعل فينصب مفعولاً حقيقة؛ لأن ثَمَّ حدث تعدى فوقع على المفعول به، وأما هنا (حسنٌ الوجهَ) ليس عندنا حدث تعدى إلى مفعول فوقع عليه. إذاً: فرق بين المسألتين. وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا: أي ثابت لها. عَمَلُ: هذا مبتدأ، وهو مضاف. و (اسْمِ) مضاف، و (فَاعِلِ) مضاف إليه، و (الْمُعَدَّى) هذا مضاف إليه. لَهَا: أي ثابت لها، جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر. قال ابن هشام: المراد بالعمل عمل النصب على طريقة المفعول به، وأما عمل الرفع أو عمل نصب آخر فلا يتوقف على ذلك الحد كما أن اسم الفاعل هكذا، بمعنى: أن الصفة المشبهة إذا نصبت غير المشبه بالمفعول به فليست بكونها أشبهت اسم الفاعل، يعني: لا من حيث كونها صفة مشبهة باسم الفاعل، بل من حيث كونها ما اشتملت عليه من معنى الفعل. فرفعها لا لكونها أشبهت اسم الفاعل وخفضها لا لكونها أشبهت اسم الفاعل، وإنما في حالة النصب فحسب.

قال رحمه الله: المراد بالعمل عمل النصب على طريقة المفعول به، وأما عمل الرفع أو عمل نصب آخر، كالحال مثلاً. كالحال فلا يتوقف على ذلك الحد، كما أن اسم الفاعل هكذا. عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا عَلَى الْحَدَّ: يعني كائناً على الحد، على الشرط. عَلَى الْحَدَّ: متعلق بعمل، عملُ على الحد، أو بما تعلق به الخبر، أو حال من ضمير متعلق. يجوز فيه ثلاثة أوجه: كائن لها على الحد .. حالة كونها عَلَى الْحَدَّ وهو متعلق بالمحذوف، أو متعلق به على أنه حال. عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا: الألف للإطلاق، والمراد به بعض الشروط. عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا له في بابه من وجوب الاعتماد على ما ذكر سابقاً. وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أَوْ حَرْفَ نِدَا ... أَوْ نَفْياً أَوْ جَا صِفَةً أَوْ مُسْنَدَا ولو قُرنت بـ (أل) .. سيأتي أنها تعمل مطلقاً قرنت بـ (أل) ودون (أل). على الصحيح من أنها مع الصفة المشبهة حرف تعريف، يعني: حتى لو قيل بأنها حرف تعريف فتعمل ولو كانت (أل) داخلة عليه، وأما إذا قيل بأنها موصولة فلا إشكال فيه. وترك اشتراط الحال أو الاستقبال؛ لأنه لا يتجه فيها مع كونها للدوام المتضمن للحال والاستقبال. لم يشترط الناظم هنا إذا جعلناه مقيد بقوله: (لِحَاضِرِ) لم يشترط أن تكون بمعنى الحال أو الاستقبال لعدم تصور ذلك فيها؛ لأنها إنما تكون لمطلق الزمن، وإذا كانت لمطلق الزمن حينئذٍ دخل فيها الحال والاستقبال ضمناً لا أصالة، وبقي من الشروط: ألا تصغر ولا توصف على القول بهما. إذاً: وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى ... لَهَا عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا أشار بهذا أنه يثبت لهذه الصفة عَمَلُ اسْمِ الفَاعِلِ المتعدي وهو الرفع والنصب، الرفع والنصب ليس لكونها أشبهت اسم الفاعل، هذا في الرفع، وأما النصب ففيه تفصيل: إن كان المراد به أن المنصوب على التشبيه بالمفعول به فهذا حملاً لها على اسم الفاعل، وإن كان غير ذلك كالحال والمستثنى وظرف الزمان والمكان والمفعول معه حينئذٍ نقول: لا، وإنما لما فيها من معنى الفعل. نحو: (زيدٌ حسنٌ الوجهَ) ففي (حسن) ضمير مرفوع هو الفاعل، ورفعه لكونه دالاً على ذات وصفة، وهذا الشأن في المشتقات. (حسنٌ) نقول: صفة مشتقة دالة على ذات وصفة. و (الوجهَ) منصوب على التشبيه بالمفعول به، هذا حملاً لها على اسم الفاعل، وقيل: على التشبيه بالمفعول به لا على أنه مفعول؛ لأنها مأخوذة من فعل لازم قاصر والفعل اللازم لا ينصب، ولذلك وُضع الحكم لها صورة لا حقيقة. لأن (حسناً) شبيه بـ (ضاربٍ) فعمل عمله. وأشار بقوله: (عَلَى الْحَدَّ الَّذِي قَدْ حُدَّا) إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذي سبق في اسم الفاعل وهو أنه لا بد من اعتمادها كما أنه لا بد من اعتماده، ولم يذكر الزمن لما ذكرناه. وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ ... وَكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ هذا من الفوارق أيضاً بين الصفة المشبهة واسم الفاعل، ولشدة الالتباس بينهما اجتهد النحاة في ذكر الفوارق أكثر من العمل؛ لأنه يلتبس، لأنه إذا استعملت فعْل وفعيل وفعَل السابقة في اسم الفاعل يحتاج إلى نظر.

من الفوارق بينهما: أنه ما عملت فيه يمتنع أن يتقدم عليها، بخلاف اسم الفاعل. (أنا زيداً ضاربٌ) جائز، (أنا ضاربٌ زيداً). (أنا زيداً ضاربٌ) هذا يجوز أن يتقدم معمول اسم الفاعل .. منصوبه عليه، وأما الصفة المشبهة فيمتنع، يمتنع أن يتقدم عليها معمولها على تفصيل سيأتي. وَسَبْقُ: هذا مبتدأ، وهو مضاف. و (مَا تَعْمَلُ فِيهِ): (مَا) اسم موصول بمعنى الذي في محل جر مضاف إليه، واقعة على الصفة المشبهة. سبقُ الذي تعمل فيه .. تعمل الصفة المشبهة فيه وهو المعمول مُجْتَنَبْ، وفي نسخة: يجتنب بصيغة الفعل، بخلاف اسم الفاعل؛ فإنه يتقدم عليه منصوبه إلا إذا كان بـ (أل) أو مجروراً بإضافة أو حرف جر غير زائد. إذاً: اسم الفاعل يتقدم عليه منصوبه إلا إذا كان محلىً بـ (أل)، فلا يصح: (أنا زيداً الضاربُ) لأن معمول الصلة لا يتقدم عليها كما سبق مراراً. (أل) لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، إذاً: (أنا زيداً الضاربُ) هذا يمتنع أن يتقدم عليه؛ لأن ما بعد (أل) الموصولة لا يعمل فيما قبلها، وكذلك إذا جر بإضافة نحو: (هذا غلامُ قاتلٍ زيداً) هذا سبق معنا أن المضاف والمضاف إليه كالموصول مع صلته، فكما أنه لا يتقدم معمول الصلة على صلته لا يتقدم معمول المضاف إليه عليه ولا يتوسط بينهما، حينئذٍ: (غلامُ قاتلٍ زيداً) أو (هذا غلامُ قاتلٍ زيداً) لا يصح أن يقال: (هذا زيداً غلامُ قاتلٍ) بتقديم المعمول عليه لما ذكرناه سابقاً. وكذلك: (مررت بضاربٍ زيداً) لا يصح أن يقال: (مررتُ زيداً بضاربٍ) إلا إن جر بحرف جر زائد فيجوز؛ لأن حرف الجر ليس أصلياً، يعني: لم يدخل من أجل تحديد المعنى. فإن جر بحرف جر زائد نحو: (ليس زيدٌ بضاربٍ عمْراً) جاز التقديم فتقول: (ليس زيدٌ عمْراً بضاربٍ) ومنع ذلك المبرد. إذاً: في غير هذه الثلاث الأنواع يجوز أن يتقدم معمول اسم الفاعل عليه، وهذه الثلاث قلنا: ألا يكون محلى بـ (أل) .. دخلت عليه (أل). ثانياً: ألا يكون مضافاً إليه، (هذا غلامُ قاتلٍ زيداً) يمتنع للعلة التي في الأول. ثالثاً: ألا يكون مجروراً بحرف جر أصلي، فإن جر بحرف جر زائد جاز أن يتقدم عليه، وأما الصفة المشبهة فيمتنع. وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ: يعني الصفة المشبهة. فِيهِ: في المعمول مجتنب. سبق: مبتدأ، ومجتنب: هذا خبر. أي: أنها تخالف اسم الفاعل في شيئين: الأول: أن معمولها لا يتقدم عليها، أي: بحق الشبه باسم الفاعل، يعني: المعمول الذي أعملت الصفة المشبهة بحق شبهها باسم الفاعل لا يتقدم عليها، وأما من جهة كونها لما فيها من معنى الفعل فيتقدم عليها، على التفصيل السابق: وَعَمَلُ اسْمِ فَاعِلِ الْمُعَدَّى لَهَا حينئذٍ نقول: يثبت لها ما يثبت لاسم الفاعل، فالذي نصبه اسم الفاعل هو الذي تنصبه ولا يتقدم عليها، فإذا نصبت لا بشبهها باسم الفاعل كالحال حينئذٍ يجوز أن تتقدم الحال، ومنع ذلك الرضي. وكذلك التمييز، وكذلك إذا تعلق بها جار ومجرور على معنى الفعل لا على كونها أشبهت اسم الفاعل، يجوز أن يتقدم.

إذاً: قوله: (وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ) ليس على إطلاقه، وإنما المراد به: بحق الشبه باسم الفاعل وهو المنصوب على طريقة المفعول به؛ لأنه الذي تفارق فيه الصفة اسم الفاعل، أما المرفوع والمجرور فلا يتقدمان فيهما لا لهذا السبب، وإنما لكون المرفوع فاعلاً في الأصل، وإذا كان كذلك امتنع أن يتقدم على عامله. والثاني: المجرور مضاف إليه، والمضاف إليه لا يتقدم على المضاف. إذاً: المرفوع والمجرور لا يتقدمان على الصفة المشبهة لكون المضاف إليه فاعلاً في المعنى والفاعل لا يتقدم، هذا إذا كان مرفوعاً، وإذا كان مخفوضاً حينئذٍ نقول: هو مضاف إليه والمضاف إليه لا يتقدم على المضاف. قال ابن هشام: (وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ) قال: خاص بما تعمل فيه للشبه باسم الفاعل، أما ما عملت بما فيها من معنى -يعني: معنى الفعل- كالظرف والمجرور والحال والتمييز فلا يمتنع فيه السبق، وذلك نحو: (زيدٌ اليومَ عظيمٌ، زيدٌ عظيمٌ اليومَ) نقول: (اليومَ) هنا منصوب على الظرفية ليس منصوباً على التشبيه بالمفعول به. يختص عمل الصفة المشبهة بنصب المفعول به على التشبيه، ما عداه فلا، فإذا نصبت الظرف الزماني أو المكاني لا نقول لكونه أشبهت اسم الفاعل وإنما لما فيها من معنى الفعل فيتقدم عليها. (زيدٌ اليومَ عظيمٌ) جائز، مع كون اليوم منصوب بـ (عظيم) و (عظيم) ككريم وجميل وهو صفة مشبهة. كيف تقدم؟ نقول: هذا جائز. وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ: نقول: لا، عملت النصب في اليوم لا لكونها أشبهت اسم الفاعل وإنما لما فيها من معنى الفعل. (زيدٌ اليومَ عظيم، وزيدٌ بك فرحٌ، زيدٌ فرحٌ بك) بِكَ: جار ومجرور متعلق بـ (فرح) وهو صفة مشبهة، تقدم أو لا؟ تقدم. جائز؟ نعم. وقول ابن مالك: (وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ مُجْتَنَبْ) لا يشمل هذا النوع. و (زيدٌ طالعاً حسنٌ وجههُ، زيدٌ حسنٌ وجههُ طالعاً) نقول: حال، وجاز تقدمها مع كون الصفة المشبهة قد عملت فيها لكونها عملت فيها لما فيها من معنى الفعل لا حملاً على اسم الفاعل. و (زيدٌ وجهاً حسنُ)، وجهاً: هذا تمييز، وعملت في التمييز على ما فيها من معنى الفعل لا حملاً على اسم الفاعل، ومنع الرضي تقدم الحال والتمييز. على كلٍ؛ الخلاف ليس في كونها أشبهت اسم الفاعل أو لا، وإنما لمسألة أخرى. هذا مما تفارق فيه الصفة المشبهة اسم الفاعل في كون اسم الفاعل لا يتقدم عليه معموله الذي نصبه، والصفة المشبهة حملت على اسم الفاعل فنصبت مفعولاً به على التشبيه به، هذا النوع لا يتقدم، وما عداه يتقدم، والسبب: أن ما عدا هذا النوع منصوب بها على ما فيها من معنى الفعل لا حملاً على اسم الفاعل. وَكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ كَوْنُهُ: الضمير يعود على ماذا؟ وَكَوْنُهُ تعمل فيه المعمول. وَكَوْنُهُ: أي كون معمولها. ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ: كونه ذا سببية وجب. (كَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ) (كَوْنُ) هنا لها جهتان .. (كون) مبتدأ في نفسها وهي كان، فتطلب اسماً وخبراً، وكونه مبتدأ يطلب خبراً. إذاً: لها خبران. لفظ (كون) لها خبران: خبر باعتبار كونها مبتدأً، وكل مبتدأ له خبر، وخبر باعتبار كونها ناقصة.

وَكَوْنُهُ: هنا أُضيفت إلى الضمير والضمير فيه ..... من إضافة الكون إلى اسمه، (كون) هذا مصدر لكان، وكونك إياه عليك يسير. و (ذَا) من الأسماء الستة منصوب على أنه خبر الكون كان. (وَجَبْ) هذا خبر المبتدأ. وَكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ: وهذا الشيء الثاني ذكره في هذا البيت، أي: ويجب في معمولها أن يكون سببياً، أي: متصلاً بضمير الموصوف لفظاً أو معنى، يعني: لا يكون أجنبياً، المعمول قد يكون سببياً وقد يكون أجنبياً، أجنبياً يعني لا صلة له بالموصوف. (زيدٌ ضاربٌ عمْراً) ضاربٌ أسند إلى ضمير فاعل، ما علاقة زيد بعمرو؟ بعيد عنه أجنبي مفصول، وأما (زيدٌ ضاربٌ غلامَهُ) إذاً ثَمَّ ملابسة بين الموصوف والمعمول الذي هو غلامهُ، هنا يمتنع في معمول الصفة المشبهة أن يكون أجنبياً، بل لا بد أن يكون سببياً، والسبب واحد من ثلاثة أمور: أن يكون متصلاً بضمير الموصوف، مثل (مررتُ برجلٍ حسنٍ وجههُ) وجهه: هذا فيه ضمير يعود على الموصوف وهو رجل. ثانياً: أن يكون متصلاً بما يقوم مقام ضميره، نحو: (مررت برجلٍ حسنِ الوجهِ) الهاء هذه أصل الكلمة: وجه، ليست ضميراً. (حسنِ الوجهِ) فـ (أل) هنا قائمة مقام الضمير المضاف إليه -على رأي-. الثالث: أن يكون مقدراً معه ضمير الموصوف منوي، مثل: السمنُ منوان بدرهم، يعني: منوان منه مقدر، هنا قد يكون مقدراً. أن يكون مقدراً معه ضمير الموصوف: (مررتُ برجلٍ حسنٍ وجهاً) أي: وجهاً منه. إذاً: على جهة الإجمال نقول: يجب في معمولها أن يكون سببياً، أي: متصلاً بضمير الموصوف لفظاً نحو: (حسنٌ وجههُ)، أو معنىً نحو: (الحسنُ الوجهَ) أي: منه. ولا يجب ذلك في معمول اسم الفاعل، بل ينصب السببي وينصب الأجنبي، المراد به: الأجنبي. وَكَوْنُهُ ذَا سَبَبِيَّةٍ وَجَبْ قال الشارح: لما كانت الصفة المشبهة فرعاً في العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه. يعني: سبق أن الفرعية تضعف العامل، الأصل هو الفعل ثم حمل عليه اسم الفاعل فصار فرعاً، والصفة المشبهة حملت على فرع لا على أصل، الفرع ضعيف وحمل فرع على فرع إذاً ازداد ضعفاً، ولذلك منع أن يتقدم عليها معمولها. وَسَبْقُ مَا تَعْمَلُ فِيهِ: تَعْمَلُ فِيهِ يعني الصفة المشبهة، لضعفها، التعليل هنا: لضعفها لكونها فرعاً عن فرع؛ فإنها فرع عن اسم الفاعل الذي هو فرع عن الفعل، بخلاف اسم الفاعل لكونه فرعاً عن أصل وهو الفعل، ولذلك كان أقوى منها. فلما كانت فرعاً قصرت عنه .. عن اسم الفاعل، قصرت عنه فلم يجز تقديم معمولها عليها كما جاز في اسم الفاعل، فلا تقول: (زيدٌ الوجهَ حسنٌ) ممنوع، الوجهَ: هذا منصوب على التشبيه بالمفعول به، الأصل فيه: (زيدٌ حسنٌ الوجهَ) الوجهَ: منصوب على أنه مشبه بالمفعول به، حينئذٍ لا يتقدم عليها، كما تقول: (زيدٌ عمْراً ضاربٌ) هذا جائز ولم تعمل إلا في سببيٍ نحو: (زيدٌ حسنٌ وجهَهُ)، ولا تعمل في أجنبي، فلا تقول: (زيدٌ حسنٌ عمْراً) هذا ممتنع لضعفها. واسم الفاعل يعمل في السببي والأجنبي نحو: (زيدٌ ضاربٌ غلامَهُ) فيه ضمير يعود على زيد، و (ضاربٌ عمْراً) ليس فيه ضمير، إذاً: هو أجنبي.

فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ مَعَ أَلْ ... وَدُونَ أَلْ مَصْحُوبَ أَلْ وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً وَلاَ ... تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ سُماً مِنْ أَلْ خَلاَ وَمِنْ إِضَافَةٍ لِتَالِيهَا وَمَا ... لَمْ يَخْلُ فَهْوَ بِالْجَوَازِ وُسِمَا فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ: هذه أحوال ثلاثة. كل صفة مشبهة يجوز فيها ثلاثة أحوال: الرفع والنصب والجر، ثلاثة أحوال. فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ بها، وَجُرَّ بها، يعني: بالصفة المشبهة، فهي العامل، لذلك قال: (بِهَا) يعني: بنفسها، حملاً على اسم الفاعل في النصب فحسب. فَارْفَعْ بِهَا: على الفاعلية، فيكون مرفوعها فاعلاً، هذا المشهور وهو الأصح، وبه قال سيبويه والبصريون. وقال الفارسي: بدل بعض من كل، والفاعل ضمير مستتر، فإذا قيل: زيدٌ حسن وجههُ بالرفع قلنا: هذا فاعل على مذهب سيبويه وأصحابه، وهو ليس فاعلاً على مذهب الفارسي بل هو بدل .. بعض من كل، وأين الفاعل؟ ضمير مستتر، وعلى القول الأول .. قول سيبويه أن المرفوع فاعل حينئذٍ يتعين ألا يكون في الصفة ضمير مستتر، لماذا؟ لأنه لو كان فيها ضمير مستتر لكان إعرابه فاعلاً، ولا يكون للصفة كما للفعل لا يكون له فاعلان. إذا قيل: (حسنٌ وجههُ) وجههُ فاعل حينئذٍ يمتنع أن يكون في الصفة ضمير مستتر؛ لأنه لا يستتر إلا الضمير المرفوع وهنا لا يتصور رفعه إلا كونه فاعلاً، فإذا جوزنا استتار الضمير في حسن مع كونه رفعت الاسم الظاهر حينئذٍ كان له فاعلان، وهذا ممتنع. إذاً: على قول سيبويه بأن المرفوع فاعل تعين ألا يكون في الصفة ضمير مستتر. تنبه. إذاً: (فَارْفَعْ بِهَا) يعني بالصفة المشبهة. والرفع على ضربين، يعني على قولين: على الفاعلية وهو الأصل فيها، وبه قال سيبويه والبصريون، وحينئذٍ فالصفة خالية من الضمير؛ لأنه لا يكون للشيء فاعلان. والقول الثاني قول الفارسي: إنه بدل من الضمير المستتر، والفاعل هو الضمير المستتر، والأول أولى. وَانْصِبْ: بها. وَانْصِبْ: لا يخلو المعمول إذا نصبته، إما أن يكون معرفة وإما أن يكون نكرة، المنصوب بها إما أن يكون معرفة وإما أن يكون نكرة، حينئذٍ تقول: (زيدٌ حسنٌ الوجهَ) هذا معرفة. (حسنٌ وجهاً) نكرة، لا يخلو عن حالين: إما أن يكون معرفة، وإما أن يكون نكرة. إذا كان نكرة جاز نصبه على وجهين: إما على أنه مشبه بالمفعول به، وإما على التمييز، والثاني أرجح. يعني قولان، إذا قيل: (حسنٌ وجهاً) وجهاً نقول: هذا معمول للصفة المشبهة وهو منصوب وهو نكرة، إذاً: يجوز أن يعرب مشبهاً بالمفعول به، وإما أن يعرب تمييزاً والثاني أرجح. وإن كان معرفة: (حسنٌ الوجهَ) حينئذٍ يتعين أن يكون مشبهاً بالمفعول به، ولا يصح إعرابه على مذهب البصريين تمييزاً؛ لأنه معرفة والتمييز لا يكون معرفة، وجوزه الكوفيون. إذاً: إذا قيل: وَانْصِبْ بها إما على كونه تمييزاً وذلك يكون في النكرة، وإما على كونه مشبهاً بالمفعول به وهذا يجوز في المعرفة والنكرة ولكن النكرة خلاف الأولى. وَجُرَّ: يعني على الإضافة، جر بها، يعني: على الإضافة. فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ: جر بها يعني على الإضافة، جر ماذا؟ وارفع ماذا؟ وانصب ماذا؟ قال:

مَعَ أَلْ وَدُونَ أَلْ مَصْحُوبَ أَلْ مَصْحُوبَ أَلْ: هذا متنازع فيه، مفعول به. ارفع مصحوب (أَلْ)، انصب مصحوب (أَلْ)، جر مصحوب (أَلْ). إذاً: باب التنازع .. تنازعته العوامل الثلاث. مَعَ أَلْ وَدُونَ أَلْ مَعَ أَلْ: هذه حال من قوله: (بِهَا) ارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ بها حذفه لدلالة الأول عليه، وجر بها أيضاً لدلالة الأول عليه حذفه. مَعَ أَلْ: (مَعَ) هذا منصوب على الظرفية حال من الضمير في (بِهَا)؛ لأن (بِهَا) المراد به الصفة المشبهة، يعني: الصفة المشبهة لها حالان في العمل: تعمل مطلقاً مع (أَلْ) ودون (أَلْ) سواء كانت محلاة بـ (أل) أو بدون (أل)، (زيدٌ الحسنُ الوجهَ) بـ (أل). (زيدٌ حسنٌ الوجهَ) عملت مطلقاً بـ (أل) وبدون (أل). مَعَ أَلْ: يعني اتصلت بها (أل). وَدُونَ أَلْ: مجردة، دون ضمنت معنى غير، مجردة من (أل). ماذا ترفع وتنصب وتجر؟ قال: مَصْحُوبَ أَلْ يعني: المعمول الذي صاحب (أل)، معمول الصفة دخلت عليه (أل). وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً اتَّصَلْ بِهَا: الضمير يعود على ماذا؟ أي: وما اتصل من معمول الصفة بالصفة، وسيأتي أنه يشترط ألا يفصل بين الصفة المشبهة ومعمولها، فإن فصل حينئذٍ لا عمل، أي: وما اتصل من معمول الصفة بالصفة في حال كونه مضافاً لما بعده أو مجرداً يعني من (أل) والإضافة. قوله: (مُضَافاً) هذا حال من فاعل (اتَّصَلْ). وَمَا اتَّصَلْ بِهَا: يعني بالصفة المشبهة حال كونه مضافاً، وهذا يدخل تحته أربعة أنواع: النوع الأول: يشمل المعمول المضاف إلى ما فيه (أل) وهذا ذكرها ابن عقيل. المعمول المضاف إلى ما فيه (أل) نحو: (وجهُ الأبِ) هنا ما اتصلت به (أل) وإنما أُضيف إلى ما فيه (أل)، هنا قلنا: فارفع بها مصحوب (أل) يعني (الوجه)، تكون (أل) داخلة على المعمول نفسه. الثاني: لم تدخل عليه وإنما مضاف، مضاف إلى أي شيء؟ قلنا: يشمل أربعة أنواع: الأول: المعمول المضاف إلى ما فيه (أل) نحو: (وجهُ الأبِ) وجه: هذا المعمول في الأصل، لم تدخل عليه (أل) ليس مصحوب (أل) وإنما دخلت (أل) على ما أضيف إليه. لا إشكال فيه. الثاني: المضاف إلى ضمير الموصوف، نحو: (وجهه) ضمير الموصوف، يعني: أضيفت إلى ضمير؛ لأنه لا بد أن يكون سببياً كما سبق. (زيدٌ حسنٌ وجهَهُ) أُضيف هنا، داخل في الإضافة. الثالث: المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف، نحو: (وجهَ غلامهِ) هذا مثل ما هناك: وَوَصْلُ أَلْ بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ. (حسنٌ وجهَ غلامهِ) وجهَ: هو المعمول، أضيف إلى غلام وهو ليس محلىً بـ (أل)، وإنما غلام مضاف إلى ضمير يعود إلى الموصوف، مضاف إلى مضاف، هذا الثالث. الرابع: المضاف إلى المجرد من (أل) دون الإضافة، (وجهُ أبٍ). هذه أربعة أحوال. أَوْ مُجَرَّداً: يعني من الإضافة و (أل)، هذه كم في معمول الصفة؟ ستة. مصحوب (أل) هذا الأول (الوجهَ)، وما اتصل بها يعني: لا ينفصل عنها، مضافاً تحته أربع، هذه كم؟ خمسة. أو مجرداً؛ هذه ستة. ثم الصفة المشبهة قد تكون محلاة بـ (أل) وقد لا تكون، ستة في اثنين؟ اثني عشر.

وكل مثال يجوز فيه الرفع والنصب والجر، ثلاثة في ثنتي عشر بست وثلاثين مسألة، كلها داخلة في هذا البيت، ست وثلاثون مسألة ليست كلها على وجه الجواز، هذا المشهور عند النحاة: أنها في الجملة ست وثلاثون مسألة، بعضهم أوصلها إلى سبعين، بعضهم أوصلها إلى ستمائة، وبعضهم أوصلها إلى ألف وأربعمائة وزيادة، كل هذا من باب التكلف، وإلا في الجملة تكون في ست وثلاثين مسألة. إذاً: فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ مَصْحُوبَ (ألْ) سواء كانت محلاة بـ (أل) أو لا. مَصْحُوبَ أَلْ: يعني المعمول المصاحب لـ (أل). وَمَا اتَّصَلْ بِهَا: يعني بالصفة المشبهة حال كونه مضافاً، فشمل أربعة أنواع. أَوْ مُجَرَّداً: يعني مُجَرَّداً من (أل) والإضافة، فهذه ست، كلها ست وثلاثون مسألة، وهي كالتالي -الست والثلاثون-: تقول: (رأيتُ الرجلَ الحسنَ وجهٌ)، هذه محلى بـ (أل) وهو مجرد، ورفع. و (الحسنَ وجهٌ) بـ (أل) والمعمول مرفوع وهو مجرد. و (الحسنَ وجهاً) نفس العامل محلىً بـ (أل) والمعمول مجرد من (أل) وهو منصوب. و (الحسنَ وجهٍ) نفسه لكنه مخفوض. إذاً: الأول يحكم الثاني، المثل الأول هو الذي ينطبق عليه الشرح، ثم الرفع والنصب والخفض، ولذلك تقول: (رأيتُ الرجلَ الحسنَ وجهٌ) الحسنَ بـ (أل) ووجهٌ بالرفع مجرد من (أل) والإضافة. (الحسنَ وجهاً، الحسنَ وجهٍ) بالإضافة. و (الحسنَ الوجهُ) محلىً بـ (أل)، و (الحسنَ الوجهَ، والحسنَ الوجهِ). و (الحسنَ وجهُ الأبِ) مضاف إلى ما فيه (أل)، و (الحسنَ وجهَ الأبِ) نفسه لكنه بالنصب، و (الحسنَ وجهِ الأبِ) نفسه لكنه بالخفض، و (الحسنَ وجهُ أبٍ) مضاف إلى مجرد وهو الرفع. و (الحسنَ وجهَ أبٍ) بالنصب، و (الحسنَ وجهِ أبٍ) بالخفض نفسه. و (الحسنَ وجهُهُ) بـ (أل) ومضاف إلى ضمير، و (الحسنَ وجهَه) نفسه لكنه بالنصب، و (الحسنَ وجهِهِ) نفسه لكنه بالخفض، و (الحسنَ وجهُ أبيهِ) مضاف إلى مضاف إلى الضمير. و (الحسنَ وجهَ أبيهِ) نفسه بالنصب، و (الحسنَ وجهِ أبيهِ)، أمثلة المحلى بـ (أل) انتهينا منها. بقي المجرد من (أل). (رأيتُ رجلاً حسناً وجهُهُ) مضاف إلى ضمير. و (حسناً وجهاً) و (حسنَ وجهٍ) و (حسناً الوجهُ) و (حسناً الوجهَ) و (حسنَ الوجهِ) بالإضافة، و (حسناً وجهُ الأبِ) مضاف إلى ما فيه (أل)، و (حسناً وجهَ الأبِ) و (حسنَ وجهِ الأبِ) و (حسناً وجهُ أبٍ) و (حسناً وجهَ أبٍ) بالنصب، و (حسنَ وجهِ أبٍ) و (حسناً وجهُهُ) و (حسناً وجهَهُ) و (حسنَ وجهِهِ)، و (حسنَاً وجهُ أبيهِ) و (حسنَاً وجهَ أبيهِ) بالنصب، و (حسنَ وجهِ أبيهِ) هذه ست وثلاثون مسألة كلها داخلة في قوله: مَصْحُوبَ أَلْ وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً، مع قوله: مَعَ أَلْ وَدُونَ أَلْ. كلها جائزة؟ الجواب: لا، وإنما يمتنع منها أربعة في الإضافة، ولذلك قال: وَلاَ تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ سُماً مِنْ أَلْ خَلاَ وَمِنْ إِضَافَةٍ لِتَالِيهَا. وَلاَ تَجْرُرْ: هذا استثناء. وَلاَ تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ: حال من هاء المجرور، تجرر بها يعني بالصفة المشبهة مع (أل)، إذاً: استثناء فيما إذا حليت بـ (أل)، أما إذا لم تحل فلا.

سُماً: هذا مفعول لتجرر، خلا من (أل) وَمِنْ إِضَافَةٍ لِتَالِيهَا. استثنى مسائل. يعني: يمتنع إضافة الصفة المقرونة بـ (أل) إلى المجرد من (أل) ومن إضافة إلى ما فيه (أل)، هذه كم؟ مقرونة بـ (أل) إلى المجرد من (أل) ومن إضافة إلى ما فيه (أل)، حينئذٍ قال: شملت ثنتي عشرة مسألة، إلا صورتان؛ وهما: (الحسنُ الوجهِ) و (الحسنُ وجهِ الأبِ) فالممتنع عشرة، وما عدا ذلك فهو جائز. قال ابن عقيل: فتحصل حينئذٍ ست وثلاثون صورة، والممتنع منها في الجملة أربعة، لكن في التفصيل ثنتي عشر. وإلى هذا أشار بقوله: (فَارْفَعْ بِهَا) أي: بالصفة المشبهة. وَانْصِبْ وَجُرَّ مَعَ أَلْ: إذا كانت الصفة بـ (أل) نحو: الحسن. وَدُونَ أَلْ: أي إذا كانت الصفة بغير (أل) نحو: حسنٌ. مَصْحُوبَ أَلْ: أي المعمول المصاحب لـ (أل) نحو: الوجهَ. وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أَوْ مُجَرَّداً: أي والمعمول المتصل بها أي بالصفة إذا كان المعمول مضافاً أو مجرداً من الألف واللام والإضافة، ويدخل تحته أربعة أنواع، يعني تحت قوله: (مُضَافاً) على التي ذكرناها السابقة. وأشار بقوله: (وَلاَ تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ) إلى أن هذه المسائل ليست كلها على الجواز، بل يمتنع منها إذا كانت الصفة بـ (أل) أربع مسائل، لذلك نقول: تجب الإضافة وتمتنع الإضافة وتقبح الإضافة، تمتنع وتقبح وتجب. متى تجب؟ نقول: تجب الإضافة إذا كانت مجردة من (أل) إلى ضمير متصل بها في الأصل، إذا كانت مجردة من (أل) يعني: الصفة ... مضافة إلى ضمير متصل بها في الأصح، نحو: (مررتُ برجلٍ حسنِ الوجهِ وجميلهِ)، (مررتُ برجلٍ حسنِ الوجهِ) ليس المثال في (حسنِ الوجهِ) وإنما في قوله: (وجميلهِ) جميلِ: هذا صفة مشبهة معموله ضمير متصل، سبق: وَفِي اخْتِيَارٍ لاَ يَجِيءُ الْمُنْفَصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ الْمُتَّصِلْ و (جميلهِ) نقول: تجب الإضافة هنا، لماذا؟ لأنك لو نصبته فقلت: (وجميلٍ إياه) حينئذٍ فصلت مع إمكان الاتصال، وهذا ممتنع، فتجب الإضافة في هذا على الأصح. نحو: (مررتُ برجلٍ حسنِ الوجهِ جميلِهِ)، ولا يجوز نصب هذا الضمير، وجوزه الفراء فيقال: (جميلٍ إياهُ)، ورد بأنه لا يفصل الضمير ما قدر على اتصاله، فإن لم تباشره متصلة به -فصل بينه وبين الضمير أو غيره- أو قرنت بـ (أل) لم تجب الإضافة، بل يتعين النصب باتفاق في حالة الفصل، نحو: (قريشٌ نجباءُ الناسِ وكرامُهُمُوها) هنا وجب الفصل. وعلى أحد القولين للنحاة في حالة الاقتران بـ (أل) نحو: (مررتُ بالرجلِ الحسنِ وجها الجميلَه). والقول الثاني: أن الضمير في موضع جر. إذاً: الأصل أنه إذا أمكن الاتصال فيما إذا كانت الصفة المشبهة مجردة عن (أل) والمعمول ضمير حينئذٍ وجبت الإضافة، خلافاً للفراء. وتمتنع في المسائل الأربع التي ذكرها ابن عقيل. يعني: يمتنع منها إذا كانت الصفة بـ (أل) أربع مسائل؛ لما تقرر في باب الإضافة السابق هناك أنه لا يضاف إلا ما استثني. لما تقرر في باب الإضافة من أنه لا تجوز إضافة الصفة المقترنة بـ (أل) إلى الخالي من (أل) ومن إضافة لما فيه (أل). وَوَصْلُ أَلْ بِذَا الْمُضَافِ مُغْتَفَرْ ... إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ ..........

الأصل هناك لا يضاف إلا بشروط، إن وجدت الشروط هنا جازت الإضافة، وإن امتنعت امتنعت الإضافة، وحينئذٍ يكون الحسن محمولاً على: وَإِنْ يُشَابِهِ الْمُضَافُ يَفْعَلُ ... وَصْفاً فَعَنْ تَنكيرِهِ لاَيُعْزَلُ فإذا كانت الصفة المضافة صفة مشبهة فالأحكام السابقة لاحقة هنا، وما انتفى هناك انتفى هنا. المسألة الأولى: جر المعمول المضاف إلى ضميره الموصوف، نحو: (الحسنُ وجهِهِ) هذا مستثنى. والصورة الثانية: جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف، نحو: (الحسنُ وجهِ غلامِهِ). الثالثة: جر المعمول المضاف إلى المجرد من (أل) دون الإضافة، نحو: (الحسنُ وجهِ أبٍ) لعدم الرابط. الرابعة: جر المعمول المجرد من (أل) والإضافة، نحو: (الحسنُ وجهٍ). فمعنى كلامه: ولا تجرر بها أي: بالصفة المشبهة إذا كانت الصفة مع (أل) اسماً خلا من (أل)، لا تجرر بها إذا كانت الصفة دون (أل) اسماً خلا من (أل) أو خلا من الإضافة لما فيه (أل) وذلك المسائل الأربعة. وما لم يخل من ذلك يجوز جره كما يجوز رفعه ونصبه، كـ (الحسنِ الوجهِ، والحسنِ وجهِ الأبِ) وكما يجوز جر المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة بغير (أل) على كل حال. إذاً قوله: فَارْفَعْ بِهَا وَانْصِبْ وَجُرَّ مَصْحُوبَ (ألْ) وَمَا اتَّصَلْ بِهَا مُضَافاً أوْ مُجَرَّداً؛ هذا يستثنى منه المسائل الأربع في الجملة، وعند التفصيل تكون ثنتي عشرة مسألة. وَلاَ تَجْرُرْ بِهَا مَعْ أَلْ: إذا كانت محلاة بـ (أل). سُماً مِنْ أَلْ خَلاَ: سُماً: هذا مفعول لتجرر. خَلاَ: هذه صفة من (أل)، إذا اتصلت به (أل) جازت الإضافة. وَمِنْ إِضَافَةٍ لِتَالِيهَا: أي تالي (أل) ولو بواسطة الإضافة لضميره، فيشمل الإضافة لضمير تاليها، أي: خلا من إضافة لما فيه (أل). وَمَا لَمْ يَخْلُ فَهْوَ بِالْجَوَازِ وُسِمَا وَمَا: هذه شرطية مبتدأ. لَمْ يَخْلُ فَهْوَ: الضمير يعود على ماذا؟ فَهْوَ: الفاء واقعة في جواب الشرط، و (هْوَ) المعمول. فَهْوَ بِالْجَوَازِ: يعني جواز الإضافة. وُسِمَا: أي علما. وما لم يخل من (أل) والإضافة لتاليها فهو بالجواز أي: جواز الجر، لأن الكلام في الجر. وتقبح الإضافة إذا كانت الصفة دون (أل) مضافة إلى مضاف لضمير وهو مثال: (حسنُ وجهِهِ) حسنُ وجهِهِ قالوا: إضافته قبيحة، ومنعها سيبويه: (حسنُ وجهِهِ) إضافته قبيحة. ومنعها سيبويه اختياراً، وخص جوازها بالشعر، ومنعها المبرد مطلقاً في الشعر وغيره. وقال ابن مالك في شرح الكافية: وهو عند الكوفيين جائز في الكلام كله، وهو الصحيح. (حسنُ وجههِ) جائز أو لا؟ فيه خلاف. قال ابن مالك: الصحيح جوازه مطلقاً، يعني في الشعر والنثر. وهو الصحيح؛ لأن مثله قد ورد في حديث أم زرع: (صِفرُ وشاحِها) صفرُ: هذا صفة مشبهة. وشاحِها: مثل (حسنُ وجهِهِ) مضاف ومضاف إليه، فإذا جاء كذلك .. لكن النحاة ما يعبرون هذا الكلام. وفي حديث الدجال: {أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى} أعور عينه مثل: (حسنُ وجهِه) إذاً: لا يمنع، ومع هذا ففي جوازه ضعف، ووافقه أبو حيان. إذاً: الإضافة تمتنع في الأربع المسائل، وتجب في المسألتين المذكورين، وتقبح مع الجواز.

ويقبح رفعها مطلقاً مع (أل) ومجردة العاري من الضمير و (أل) والإضافة إلى أحدهما، وذلك مثال: (الحسنُ وجهٌ) الحسنُ وجهٌ هذا قبيح .. رفعه قبيح. و (حسنٌ وجهٌ) هذا قبيح؛ لأنه مجرد عن (أل) والإضافة، وإنما يستحسن النصب على التمييز. و (الحسنُ وجهِ أبٍ، وحسنُ وجهِ أبٍ) هذه كم مسألة؟ الحسنُ وجهٌ وحسنٌ وجهٌ دون (أل) وبـ (أل). و (الحسنُ وجهِ أبٍ وحسنُ وجهِ أبٍ) كلاهما فيما حلي بـ (أل) مثالان، لكن مع (أل) ودون (أل)، هذا قبيح، الرفع فيه قبيح. الأول: (الحسنُ وجهٌ) بـ (أل)، (حسنٌ وجهٌ) بدون (أل) هذا قبيح. كذلك: (الحسنُ وجهِ أبِ، وحسنُ وجهِ أبٍ) هذا قبيح. ومنع أكثر البصريين: (حسنٌ وجهٌ) لخلو الصفة من ضمير مذكور يعود على الموصوف، واختاره ابن خروف، ومذهب الكوفيين جوازه بقبح، وإليه ذهب ابن مالك رحمه الله تعالى. إذاً: هذه الأبيات الثلاثة شملت ستاً وثلاثين مسألة على الوجه الذي ذكرناه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

84

عناصر الدرس * شرح الترجمة. التعجب. وحده * صيغتا التعجب * حذف المتعجب منه * هل يتصرف فعلا التعجب * شروط ما يصاغ منه فعلا التعجب. وحكم الغاقد لشرط منها. * حكم فعل التعجب مع معموله من حيث التأخير والتقديم والتأخير. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: التَّعَجُّبُ. أي: هذا باب بيان ما يتعلق بالتعجب في اصطلاح النحاة، وليس مطلق التعجب. التَّعَجُّبُ تفعُّل من العجب، واختُلف في حدِّه، وارتضى جمهرة من الشراح والنحاة ما عرفه به ابن عصفور، قيل أحسن ما قيل في حد التعجب قول ابن عصفور، وهو قوله: هو استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها وخرج بها المتعجب منه عن أمثاله أو قل نظيره فيها. هذا حد لابن عصفور في بيان حقيقة التعجب، وهو ما أشبه ما يكون بالمعنى اللغوي؛ لأن التعجب في اصطلاح النحاة خاص بصيغتين اثنتين لا ثالث لهما: ما أفعَل وأفعِل به، وأما التعجب في لسان العرب فهو أعم، فيأتي بالاستفهام ويأتي بغيره. (هو استعظام زيادة) استعظام استفعال من العظمة. استعظام زيادة في وصف الفاعل، خفي سببها وخرج بها المتعجب منه عن أمثاله أو قل نظيره فيها، حينئذٍ شمل نوعي التعجب؛ لأن بعض النحاة وبعض أهل اللغة يحصر التعجب في ما خفي سببه، وليس الأمر كذلك، ولذلك إذا وُصف الرب جل وعلا بصفة التعجب: (عجب ربنا)، ((بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ)) [الصافات:12] نقول: هذه لا بد من تأويلها؛ لأن التعجب لا يكون إلا عما خفي سببه، والله تعالى لا تخفى عليه خافية، إذن: لا بد من التأويل. نقول: لا، ليس الأمر كذلك، حصر التعجب في ما خفي سببه فحسب نقول: هذا ليس بصحيح بل هو أعم من ذلك، فيطلق على خروج الشيء عن نظيره، بمعنى: أنه قليل في الناس مثلاً من اتصف بصفة العلم فنقول: ما أعلم زيداً، لا لكونه خفي سببه وإنما لكونه قد وجد فيه صفة ليست موجودة في غيره. إذن: استعظام زيادة نقول: هذا كالجنس في الحد، قوله: (استعظام زيادة) كالجنس في الحد. وذلك كاستعظام زيادة الحسن في زيد (ما أحسنَ زيداً) استعظمت العلم أو الحسن، (ما أعلمَ زيداً، ما أتقاه) ونحو ذلك إذا صح مجيئه. قوله: (في وصف الفاعل) يعني: المراد به من قام به الوصف، استعظام زيادة في وصف الفاعل، يعني: المراد ما قام به الوصف، وهذا فصل يخرج به الزيادة في وصف المفعول، فلا يقال: (ما أضربَ زيداً) بنصب زيد على أنه استعظام لوقوع الضرب عليه، لا يستعظم إلا ما اتصف به الفاعل، وأما ما وقع على المفعول فلا، ولذلك منع النحاة أن يشتق فعل التعجب من المبني للمجهول، لأن الوصف الذي يتعجب منه ويستعظم هو ما اتصف به الفاعل، وأما ما وقع على المفعول لا. إذن: قوله: (في وصف الفاعل) احترز به عن وصف المفعول، قد تكون ثَمَّ زيادة في وصف المفعول لكن لا يتعجب منها، فلا يقال: (ما أضربَ زيداً) بنصب زيد استعظاماً لضربٍ وقع على زيد، ولذا من شروطه كما سيأتي: أن يكون الفعل مبنياً للمعلوم، لأن المبني للمعلوم هو الذي جيء به لوصف الفاعل. وقوله: (خفي سببها) فصل ثانٍ يخرج به ما ظهر سببه، ولذا قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب.

وقوله: (وخرج بها المتعجب منه عن أمثاله أو قل نظيره فيها) هذا فصل ثالث يخرج به ما يكثر وجود أمثاله؛ فإنه لا يتعجب منه، و (أو) حينئذٍ في التعريف للتقسيم، يعني: أن المتعجب منه إما أن يخرج عن نظائره بتلك الزيادة أو يقل نظيره. إما أنه يخرج عن نظائره بتلك الزيادة وحينئذٍ لا يلزم أن يكون خفي سببه، هذا أمره واضح، وهذا الوصف يوصف به الرب جل وعلا. إذن نقول: سبب التعجب قد يكون لخروج المتعجب منه عن نظائره ويعلم سببه، حينئذٍ نقول: هو تعجب، وهذا الذي يوصف به الرب جل وعلا: ((بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ)) [الصافات:12]، {عجب ربنا لرجل .. } إلى آخره. نقول: هذا قل وخرج عن نظائره، لا لكونه خفي سببه والله تعالى لا تخفى عليه خافية. إذن: التعجب قد يكون من هذا، وقصره على عما خفي سببه هذا فيه قصور، وليس بصواب. إذن: (وخرج بها المتعجب منه عن أمثاله أو قل نظيره فيها)، نقول: (أو) هنا للتقسيم، يعني: أن المتعجب منه إما أن يخرج عن نظائره بتلك الزيادة أو يقل نظيره، فالحامل على التعجب أحد أمرين: الأول: انفراد المتعجب منه بالوصف. الثاني: أن يكون له أمثال قلائل لا يكادون يعرفون. والتعجب نوعان: حقيقي وادعائي. فالأول -وهو الحقيقي-: بأن يكون المتعجِّب في حقيقة الأمر عالماً بأن المتعجَّب منه منفرد بالوصف. أن يكون المتعجِّب الذي يتعجب يكون في نفس الأمر عالماً بكون المتعجَّب منه خارجاً عن نظائره في الوصف، وقد لا يكون كذلك، وإنما نزَّله مُنزَّلة الخارج عن نظائره، فحينئذٍ الأول يكون حقيقي والثاني يكون ادعائي. فالأول بأن يكون المتعجِّب في حقيقة الأمر عالماً بأن المتعجَّب منه منفرد بالوصف أو قليل النظائر، يعني: على حقيقته. والثاني: بأن يكون قد نزَّل المتعجَّب منه هذه المنزلة. هو يعلم أنه ليس الأمر كذلك، ولكنه نزله منزلة ما انفرد عن نظائره فتعجب منه، الثاني نقول له: ادعائي. لأن ما ثبت له من الوصف بالغ النهاية بحيث لا يدركه أحد في اعتقاده، هذا حقيقة التعجب. قال الناظم هنا: التَّعَجُّبُ: بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا ... أَوْ جِيءْ بِأفْعِل قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا

خص التعجب هنا ببعض أفراده، وإلا صيغ التعجب كثيرة كما قال النحاة وغيرهم، وله عبارات كثيرة، ومن صيغ التعجب: كيف، ومتى، ومَن، وما، وأي في الاستفهام، هذه قد يتعجب بها. ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)) [النبأ:1]، {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} [الحاقة: 1،2] حمل على التعجب عند بعضهم. ((لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ)) [المرسلات:12]، (لله دره) هذا تعجب. (حسبك بزيدٍ رجلاً)، ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ)) [البقرة:28] هذه صيغة تعجب. {سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس} هذه صيغة تعجب. (لله دره فارساً) لكن هل هذا الذي بوب له النحاة؟ لا، نقول: هذا ليس الذي عناه النحاة بهذا الباب، وإنما عنوا صيغتين اثنتين هما القياس، وما عداهما على قسمين: منه ما هو سماعي ومنه ما هو قياسي. وسيأتي في باب نِعْمَ وبئس أنه قد يحوَّل إلى باب فعُل، هذا يكون قياسياً، وما عداه مثل استعمال الاستفهام في غير الاستفهام، أو استعمال لفظ (سُبْحَانَاللَّهِ) للتنزيه في غير معناه نقول: هذا يستعمل في التعجب لكن بقرينة. إذن: (ما أفعله وأفعِل به) نقول: هذه صيغة بوب لهما النحاة هذا الباب، وما عداهما حينئذٍ يتعجب به إما سماعياً وإما قياسياً لكن لا يكون كذلك إلا بقرينة، ولا يحمل على التعجب إلا هاتين الصيغتين. بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا: انطق بأفعَل. إذن: (بِأَفْعَلَ) المراد به هذا الوزن .. متعلق بقوله: (انْطِقْ)، حال كونه بَعْدَ، أو بَعْدَ متعلق بقوله: (انْطِقْ). مَا: وسيأتي معناها، وهي اسمية بالإجماع. تَعَجُّبَاً: أي في حال كونك متعجباً، فأطلق المصدر وأراد به المشتق. بِأَفْعَلَ انْطِقْ: أي انطق بأفعل. بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا: يعني حال كونك متعجباً، أي: انطق بوزن أفعَل بَعْدَ مَا، فتقول: ما أفعَل، انطق بأفعل بعد ما، يعني: ائت بـ (ما) أولاً، ثم تتلوها بأفعل، فتنطق بها تالية، فتقول: ما أفعل. تَعَجُّبَاً: ونصب تعجباً على أنه مصدر في موضع الحال، أي: متعجباً، أو مفعول له، أي: لأجل إنشاء فعل التعجب فهو على حذف مضاف، لأجل إنشاء فعل التعجب حينئذٍ يكون على حذف مضاف. أَوْ: للتنويع والتقسيم، الصفة الثانية أو الصيغة الثانية. أَوْ جِيءْ: هذا أمر مثل انطق، إنما غاير بينهما من أجل التنويع فقط .. تفنن. أَوْ جِيءْ بِأفْعِلْ قَبْلَ: هناك قال: بعد، وهنا قال: قبل. قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا: بباءٍ، قصره للضرورة. مَجْرُورٍ: يعني قبل اسم مجرور. أي: أو جئ بوزن أفعِلْ بإسكان آخره وكسر ما قبل آخره: أفعِل. قبل اسم مجرور بباء الجر، فتقول: أفعِل به، أحسن بزيد مثلاً، أعلم بزيد، أكرم بعمرو، فأتى بأفعِل مكملاً بمعموله وهو المتعجب منه المجرور بالباء. في الأول قال: (بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا) جاء بـ (ما) وأفعل ولم يتذكر المتعجب منه وهو المنصوب بعده، لم يكمله، أنقصه. ثم قال: (أَوْ جِيءْ بِأفْعِل قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا) المجرور بالباء هو الفاعل وهو المتعجَّب منه. إذن: كمَّل أفعِل وأتى بمجروره الذي هو الفاعل في الحقيقة. ثم قال: وَتِلْوَ أَفْعَلَ انْصِبَنَّهُ: رجع للأول ليبين المتعجَّب منه.

وَتِلْوَ: أي انصب تلو. أَفْعَلَ: السابق الذي قال فيه: (بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَاتَعَجُّبَاً). تِلْوَ أَفْعَلَ: إذا قلت: ما أفعَل الذي يتلوه وهو متعجَّب منه انْصِبَنَّهُ حتماً، مفعولاً به على مذهب البصريين ومشبهاً بالمفعول به على مذهب الكوفيين. وَتِلْوَ: يعني تابع، وهذا منصوب على الاشتغال. تِلْوَ أَفْعَلَ: الذي بعده. انْصِبَنَّهُ: اشتغل بضمير يعود على الاسم المتقدم لو أسقطناه لعمل فيه النصب. إذن: (وَتِلْوَ) نقول: منصوب على الاشتغال، فالعامل فيه فعل مضمر وجوباً يفسره المذكور. وَتِلْوَ أَفْعَلَ: أي تأتي بعد ما أفعَل باسم منصوب فتقول: (ما أحسنَ زيداً) وبذلك كمُل الكلام المستفاد منه إنشاء التعجب، لأنه لا يكمل إلا بذكر المنصوب. ثم مثل بمثالين للصيغتين فقال –كقولك-: مَا أَوْفَى خَلِيلَيْنَا). مَا أَوْفَى: (ما) هذه تعجب، وهي مبتدأ، وسيأتي معناها. و (أَوْفَى) الهمز هذه للنقل. و (أَوْفَى): فعل ماضي، وفاعله ضمير مستتر يعود على (مَا) وهو دليل الاسمية. خَلِيلَيْنَا: هذا مفعول به على مذهب البصريين، وإذا أعربنا (أَوْفَى) أنه فعل ماضي تعين أن يكون (خَلِيلَيْنَا) مفعولاً به، وسيأتي مزيد بحث. خَلِيلَيْنَا: نقول: هذا منصوب على المفعولية. و (أَوْفَى) فيه ضمير مستتر وجوباً يعود على (مَا). وَأَصْدِقْ بِهِمَا: (أَصْدِقْ) هذا لفظه أمر ومعناه الخبر، والهمزة هذه للصيرورة. وَأَصْدِقْ بِهِمَا: الباء هذا حرف جر زائد واجب الزيادة، والهاء: ضمير مجرور بالباء، لكنه مجرور لفظاً؛ لأن حرف الجر الزائد لا يغير الحقائق، فإذا دخل على المفعول فقبل دخوله وبعده هو مفعول، وإذا دخل على الفاعل فقبل دخوله وبعد دخوله هو فاعل .. وهلم جرا. إذن: الحقيقة هي الحقيقة، وإنما الإعراب تغير باعتبار دخوله؛ لأنه أثَّر معنىً، وهذا المعنى المراد به التأكيد، وهنا المراد به إصلاح اللفظ فحسب، ليس المراد به التأكيد، وإنما المراد به: تحسين اللفظ. إذن: (وَأَصْدِقْ) نقول: هذا على زنة أفْعِلْ مثال للصيغة الثانية. أَصْدِقْ: لفظه أمر ومعناه الخبر. بِهِمَا: الباء زائدة في الفاعل، والهاء نقول: هذا فاعل في محل جر. و (مَا) هذه للتثنية. إذن: ذكر في هذين البيتين الصيغتين المشهورتين اللتين اصطلح عليهما النحاة في هذا الباب، وهو ما أفعَل زيداً، ما أحسَن زيداً وأحسِن بزيد. إذا أردت التعجب فإما أن تأتي به على الصيغة الأولى فتقول: (ما أحسنَ زيداً، ما أعلمَ عمْراً، ما أكرمَ خالداً) وتقول: (أكرِم بخالد، وأعلِم بمحمد، وأحسِن بزيد) إذن: هما صيغتان، ولذلك قال الشارح: للتعجب صيغتان؛ إحداهما: ما أفعله، والثانية: أفعِل به، وإليهما أشار المصنف بالبيت الأول، أي: انطق بأفعَل بعد (ما) للتعجب، نحو: (ما أحسنَ زيداً وما أوفى خليلينا). أَوْ جِئْ بأَفْعِلْ قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا: نحو: (أحسِن بالزيدين وأصدِق بهما) ليعود الضمير على مثنىً.

إذن: (بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا) الصيغة الأولى: ما أفعله، والصيغة الثانية: أفعِل به. ننظر في مفردات (ما أفعله) نقول: (ما) هذه تعجبية، وهي اسم بالإجماع، لا خلاف بين النحاة أنها اسم. (ما أحسنَ زيداً)، (ما) اسم بالإجماع. والدليل على ذلك: أن في (أحسَن) وهو فعل ماض ضمير يعود على (ما) التعجبية، ومعلوم أن الضمائر لا تعود إلا على الأسماء، فدل على اسميتها. إذن: (ما) اسم بإجماع؛ لأن في أفعَل ضميراً يعود عليها، والضمير لا يعود إلا على الأسماء، هذا إجماع أول أنها اسم. ثم إجماع ثانٍ: وهو أنها مبتدأ، يعني: إعرابها مبتدأ لا تخرج عن الابتداء. وأجمعوا على أنها مبتدأ؛ لأنها مجردة بالإسناد إليها، وهو واجب التقديم، إذا كان مبتدأً، المبتدأ قد يجوز تقدمه وتأخره، (ما) التعجبية إذا أعربناها مبتدأ -وهو كذلك-؛ حينئذٍ لا يجوز تأخيرها، لا يقال: (أحسنَ زيداً ما) من باب تقديم الخبر على المبتدأ، لا، لا يجوز، وهو واجب التقديم؛ لأنها في كلام جرى مجرى المثل فلزم طريقة واحدة. إذن: هذان إجماعان. الإجماع الأول: أنها اسم، والدليل؟ عود الضمير من أحسنَ وهو الفاعل عليها. الإجماع الثاني: أنها مبتدأ فلا تخرج عنه. والإجماع هنا قيل: فيه نظر، لماذا؟ لأن الكسائي خالف، قال: لا محل لها من الإعراب. قالوا: قول الكسائي شاذ، يعني لا يلتفت إليه، بمعنى: أنه لا يعد ناقضاً للإجماع فهي مبتدأ، فقوله: (لا موضع لها من الإعراب) نقول: هذا قول شاذ. إذن: اتفقوا على اسميتها وعلى أنها مبتدأ. ثم اختلفوا في المعنى، إذن: من حيث الإعراب ومن حيث الاسمية مجمع عليهما، وأما من حيث المعنى نقول: اختلفوا، وقع نزاع. فقال سيبويه: هي نكرة تامة، بمعنى شيء، نكرة تامة، لماذا نكرة تامة؟ لأن النكرة نوعان: نكرة تامة ونكرة ناقصة. متى نقول: هذه تامة ومتى نقول: هذه ناقصة؟ إذا افتقرت إلى ما بعدها في تتميم معناها فهي ناقصة، وإذا لم يكن ما بعدها -الجملة التي تليها أو المفرد- .. إذا لم يكن متمماً لها فحينئذٍ نقول: هذه تامة، فهي مستغنية بنفسها، ولذلك أعربناها مبتدأ، وإذا كان كذلك فالخبر بعدها الجملة: أحسن زيداً، (ما أحسنَ زيداً) فلو كانت ناقصة للزم منه أن تكون جملة (أحسنَ زيداً) صفة لـ (ما)، أين الخبر؟ محذوف. ما دليله؟ لا دليل عليه. إذن: أحوجنا إلى حذف الخبر حيث لا دليل على حذفه، وهذا لا يجوز. وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ إذن: إذا كان الخبر لا يعلم بعد حذفه نقول: لا يجوز حذفه، ولذلك قال سيبويه: أنها نكرة تامة. لماذا لم يقل معرفة؟ عرفنا لماذا تامة، لماذا لم يقل معرفة؟ قالوا: لأن التعجب إنما يكون في ما خفي سببه فيناسبه التنكير، هذا الغالب في حق البشر لا نعمم، نقول: في حق البشر الغالب أن التعجب يكون في ما خفي سببه، وهذا يناسبه التنكير؛ لأنك أنت تجهل، وحينئذٍ إذا جهلت فالأصل أن تعبر عنه بشيء نكرة لا بشيء معرفة. إذن: فقال سيبويه: هي نكرة تامة بمعنى شيء، أي: غير موصوفة بالجملة، هذا المراد بالتمام.

غير موصوفة بالجملة بعدها، طيب. كيف ابتدئ بها وهي نكرة تامة؟ لتضمنها معنى التعجب، وهذا عده ابن عقيل في المسوغات إذا كان فيها معنى التعجب وذكر (ما) التعجبية. لما فيها من معنى التعجب ابتدئ بها، وإلا الأصل لا. وابتدئ بها لتضمنها معنى التعجب المناسب له قصد الإبهام، والمراد إذا قيل: بأن فيها معنى التعجب هل التعجب حاصل بلفظ (ما) أو بالتركيب كله؟ بالتركيب كله، فكيف نقول: فيها معنى التعجب ونحن نقول: التعجب حاصل بصيغة: (ما أفعل زيداً) نقول: لها مدخلية، لها دخل في إفادة التعجب؛ لأن التعجب جزء ومركب، فـ (ما) التعجبية فيها معنى التعجب، أفادت مع التركيب وبعد التركيب التعجب، حينئذٍ لا ينافي .. لا تعارض بين أن نقول: صيغة التعجب: (ما أحسن زيداً) كلها، التركيب كله من المبتدأ والخبر أفاد التعجب إنشاء التعجب، كيف نقول: (ما) لوحدها فيها معنى التعجب والتعجب إنما يكون ثمرة للتركيب؟ نقول: لها مدخلية، يعني: لها شأن في إفادة التعجب، حينئذٍ لا تعارض، نجمع بين هذا وذاك. والمراد: أن لها دخلاً في إفادته، فلا ينافي أن الموضوع للتعجب الجملة بتمامها، فهي مبتدأ وما بعدها خبر فموضعه رفع. إذن: على مذهب سيبويه (ما) نقول: تعجبية، هي اسم مبتدأ معناها: نكرة تامة شيء، وما بعدها الجملة: (أحسنَ زيداً) تعربه على جهة التفصيل فتقول: في محل رفع خبر المبتدأ. إذن: ليس عندنا تقدير، ليس عندنا محذوف. هذا قول وهو الصحيح، مذهب سيبويه في (ما) التعجبية هو الأصح، والمذهب الثاني مذهب الأخفش: أنها معرفة ناقصة، لماذا ناقصة؟ قال: لاحتياجها في إفهام المراد إلى الصلة؛ لأنها بمعنى (الذي) ومعلوم أن اسم الموصول مفتقر إلى ما بعده في إتمام معناه، فهي معرفة ناقصة بمعنى الذي، وما بعدها صلة فلا موضع لها. إذن: إذا اتفقنا على أنها مبتدأ (ما أحسن زيداً) .. الذي أحسن زيداً، إذن: (أحسنَ زيداً) لا موضع لها من إعراب صلة الموصول. أين الخبر؟ محذوف. ما الذي دل عليه؟ لا دليل، ليس فيه دليل، وهذا الذي يرِد على قول الأخفش وغيره. كل من أوجب حذف الخبر نقول: حذفه بلا دليل فلا يجوز، فالقول ضعيف. يعني: يرد على تضعيف هذا القول بكون الخبر محذوفاً، وأين الدليل؟ أين القرينة؟ لا قرينة ولا دليل، حينئذٍ نقول: لا يجوز حذف الخبر، وأنتم جوزتم حذف الخبر. فتقديره عليه: أي الذي حسَّن زيداً شيء عظيم، ولا حاجة لقولهم (شيء) لكن من باب الإتمام. (فالذي) هذا مبتدأ. (حسَّن زيداً أو أحسن زيداً) نقول: الجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، وأين الخبر؟ محذوف. تقديره: شيء عظيم. هذا على مذهب الأخفش: أنها موصولة والجملة التي بعدها صلتها، والخبر محذوف وجوباً، وفيه: أنه حذفٌ دون دليل، والتقدير: (الذي أحسن زيداً شيء عظيم) ليس ذكر (شيء) ضرورياً.

المذهب الثاني وهو مذهب الفراء وابن درستويه: أن (ما) تعجبية استفهامية في الأصل، هي استفهامية مبتدأ، وهي مشوبة بتعجب، يعني: اختُلط معناها أو خُلط معناها بمعنى التعجب، مثل ما قاله سيبويه، سيبويه قال: نكرة تامة فيها معنى التعجب، مذهب الفراء أنها استفهامية في الأصل ولكنها مشوبة بمعنى التعجب. وقيل: استفهامية في الأصل ثم نقلت إلى إنشاء التعجب. وهذا القول نسبه في التسهيل إلى الكوفيين، قال في التصريح: هو مناسب لقولهم باسمية أفعَل بفتح العين كما سيأتي، يعني: الذي يناسب الكوفيين أفعَل عندهم أحسن اسم كما سيأتي، حينئذٍ الذي يناسبه .. يناسب هذا القول هو قول الفراء بأنها استفهامية. هو مناسب لقولهم باسمية أفعَل بفتح العين؛ فإن الاستفهام المشوب بالتعجب لا يليه إلا الأسماء، نحو: (مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) هذا القول الثالث. والجملة بعدها خبر عنها، والتقدير: (أي شيء أحسنَ زيداً؟) على قول الفراء أن (ما) استفهامية مشوبة بالتعجب صارت مبتدأ، قلنا: متفق على أنها مبتدأ، أين الخبر؟ الجملة بعدها، وهذا القول أقرب من مذهب الأخفش؛ لأن الخبر يكون موجوداً في الكلام. (ما أحسن زيداً، أيُّ شيء أحسنَ زيداً؟) أين التعجب هنا؟ هذا صار استفهاماً. (أيُّ شيء أحسنَ زيداً) هذا فيه ضعف. المذهب الرابع: أنها نكرة موصوفة. هذا مقابل لمذهب سيبويه، سيبويه أنها نكرة تامة يعني: لا تفتقر إلى الجملة بعدها، فهي مبتدأ والجملة بعدها خبر. هنا نكرة ناقصة، وإذا كانت ناقصة حينئذٍ ما بعدها الجملة تكون صفة لها، وهي مبتدأ، أين الخبر؟ محذوف، وإذا قيل: (الخبر محذوف هنا) اعلم أن القول ضعيف؛ لأنه ليس له دليل يدل عليه. إذن: المذهب الرابع أنها نكرة موصوفة، والجملة التي بعدها صفة لها، والخبر محذوف وجوباً، والتقدير: (شيء أحسنَ زيداً عظيم)، والصواب هو مذهب سيبويه أن (ما) نكرة تامة والجملة التي بعدها خبر عنها، والتقدير: (شيء أحسن زيداً) أي: جعله حسناً. إذن: (مَا) فيها أربعة مذاهب: أنها نكرة تامة، أنها معرفة ناقصة بمعنى (الذي)، أنها استفهامية مشوبة بالتعجب، أنها نكرة موصوفة، والصحيح هو الأول. وأما الفعل .. أفعَل الذي بعدها (بِأفْعَلَ انْطِقْ) هذا فيه مذهبان، قيل: فعل، وقيل: اسم. واختلفوا في (أفْعَلَ)؛ فقال البصريون والكسائي: فعل، إذا قيل: فعل؛ لا بد من دليل، ما الدليل؟ قالوا: وجوب اتصال نون الوقاية به عند اتصال ياء المتكلم به، فتقول: (ما أفقرني إلى عفو الله)، مر معنا عند قوله: وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ التُزِمْ. قال ابن عقيل هناك: واستُدِل بها على فعلية (ما أفعَل)؛ لأن نون الوقاية لا تتصل إلا بالفعل، هذا أصالة، حينئذٍ إذا اتصلت بالكلمة دل على أنها فعل، والمراد بالاتصال اللزوم الذي لا ينفك عنه بحال من الأحوال، فلا يصح أن يقال: (ما أفقرِي) وإنما يقال: (ما أفقرني إلى عفو الله)، وحينئذٍ نقول: دل اتصال نون الوقاية بأفعَل على أنه فعل؛ لأن الفعل إذا دخل عليه أو نصب ياء المتكلم حينئذٍ نقول: ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسوراً، فلا يناسبه أن يكسر الفعل لأجلها فجيء بهذه النون لتقي الفعل عن الكسر.

وكونها لازماً، يعني: لا تنفك عنه بحال من الأحوال دل على أنه فعل. للزومه نون الوقاية مع ياء المتكلم، وحينئذٍ فتحته فتحة بناء كما في (ضرب)، (ما أحسن) أحسنَ على وزن أفعَل مثل أكرم، أكرم الفتحة هذه فتحة بناء وليست علامة نصب، وكذلك (ضرَبَ) الفتحة هذه فتحة بناء. وقال: وإذا كان كذلك حينئذٍ صار ما بعده مفعولاً به، على مذهب البصريين أن (أحسنَ) فعل، المنصوب بعده يكون مفعولاً به، وفيه ضمير مستتر كما سيأتي. وقال بقية الكوفيين: اسم، يعني: (أحسن) اسم، ما الدليل؟ قالوا: سمع تصغيره، فيقال: (ما أُحَيسنه) وسمع قول القائل: يا مَا أُمَيْلِح غِزْلاَناً شَدَنَّ لَنَا يا مَا أُمَيْلِح، أُمَيْلِحَ، أَمْلحَ هذا صُغِّر، وقيل: أُمَيْلِحَ، وحينئذٍ نقول: تصغيره دل على اسميته، لماذا؟ لأن التصغير من خصائص الأسماء، إذن: هو اسم. ففتحته حينئذٍ فتحة إعراب كالفتحة في: (زيدٌ عندَك) عندَ الفتحة هذه فتحة إعراب. إذن: هو منصوب وليس بمرفوع مع كونه خبراً، فكيف نُصب؟ قال: وعامل النصب هنا عامل معنوي، ما هو العامل المعنوي؟ قالوا: المخالفة. وهنا أتوا بالعجائب الكوفيون. العامل هو المخالفة، ما هي المخالفة؟ قالوا: الأصل في الخبر أن يكون موصوفه المبتدأ، هذا الأصل. (اللَّهُ رَبُّنَا) عين المبتدأ، (محمد نبينا) -صلى الله عليه وسلم- عين المبتدأ، (زيد قائم) وصف للمبتدأ، (زيد قام أبوه) صار الوصف لما بعده. اتفق النحاة على أن الخبر إذا جرى على المبتدأ بأن كان عينه أو وصفاً له أنه مرفوع باتفاق، وأما إذا جرى الخبر على غير ما هو له لم يكن وصفاً للمبتدأ فوقع فيه بعض النزاع. (زيدٌ أكرِم به أباً) زيد: مبتدأ. أكرم به أباً، الإكرام هنا وقع لمن؟ (زيد قام أبوه) أوضح هذا، زيد: مبتدأ، قائم أبوه، قائم: خبر، الخبر محكوم به والمبتدأ محكوم عليه، هل وصفت زيدا بالقيام؟ لا، إنما وصفت أباه، إذن: جرى على غير ما هو له، هذا ما يسمى بالمخالفة عند الكوفيين، صار عاملاً معنوياً فاقتضى النصب، الكلام متهافت. وعامل النصب هنا المخالفة، فمخالفة الخبر للمبتدأ تقتضي عندهم نصبه، فينصب حينئذٍ .. صار منصوباً، لماذا؟ لكونه لم يجر على ما هو له في الأصل؛ لأن الأصل في الخبر أن يكون محكوماً به على المبتدأ، فإذا حكم به لا على المبتدأ خالف، حينئذٍ اقتضى النصب، ما الذي نصبه؟ مثل ما نقول الابتداء والتجرد نقول هنا المخالفة، وهذا شذوذ. و (أحسن) إنما هو في المعنى وصف لزيد لا لضمير (ما)، (ما أحسنَ زيداً) شيء أحسن زيداً، أحسن زيداً، أحسن فعل ماضي، وزيد فيه ضمير وهو الفاعل، وزيداً مفعول به، هنا وصفتَ الحُسنَ للفاعل أو للمفعول؟ من هو الموصوف بالحسن الفاعل الذي يعود على (ما) بمعنى شيء، أو زيداً؟ زيداً المتعجب منه، إذن جرى على غير ما هو له. قال: وأحسن إنما هو في المعنى وصف لزيد لا لضمير (ما) فمخالفة الخبر للمبتدأ كونه ليس وصفاً للمبتدأ في المعنى، وزيد عندهم مشبه بالمفعول به، لوقوعه بعد ما يشبه الفعل في الصورة.

إذن عند الكوفيين أن أحسن: اسم، الدليل؟ تصغيره، ما أحيسن زيد، ما أحيسنه، يا مَا أُمَيْلِحَ، ثم أورد عليهم بأنه مفتوح والخبر يكون مرفوعاً قالوا: لا. هو منصوب والعامل فيه المخالفة، إلى هنا واضح. لكن نقول: هذا قول ضعيف؛ إذ لو كان خبراً لرفع هذا الأصل في الخبر، الخبر أن يكون مرفوعاً لا يكون منصوباً. والصحيح: هو مذهب البصريين أنه فعل للدليل السابق، وأما تصغيره فهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، وإذا كان شإذن حينئذٍ لا يصلح دليلاً لإثبات الاسمية، وأما التصغير في (ما أحيسنه)، والبيت الذي رووه يَا مَا أُمَيْلِحَ فشاذ، ووجهه أنه أشبه الأسماء عموماً لجموده، سيأتي أنه لا يتصرف فيه. وأنه لا مصدر له، وأشبه أفعل التفضيل خصوصاً بكونه على وزنه، وبدلالته على الزيادة، وبكونهما لا يبنيان إلا مما استكمل الشروط، لهذه الوجوه جيء به مصغراً، وعلى كلٍّ هو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، فإذا سقط دليلهم وهو بناؤهم على التصغير، حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو اتصال نون الوقاية به ولزومها فهو دليل على الفعلية. فإذا ثبت أنه فعل فحينئذٍ لا بد للفعل من فاعل، وفاعله ضمير مستتر وجوباً، ما أحسن زيداً، (ما) قلنا مبتدأ وأحسن فعل ماضي على الصحيح، وفاعله ضمير مستتر وجوباً يعود على (ما)، ولا تقل تقديره هو، وزيداً مفعول به، وعلى طريقة الكوفيين: (ما) مبتدأ، وأحسن خبره منصوب بالمخالفة، وزيداً منصوب على التشبيه بالمفعول به. انظر: أحسن هذا خبر، والفتحة هذه؟ قالوا: هو منصوب، لماذا منصوب؟ لأنه خالف، والمخالفة هي عاملة النصب، وزيداً هذا منصوب على المفعولية لكنه مشبه به، أين الفاعل؟ لا فاعل عندهم، ليس فيه ضمير، هذا ظاهر مذهبهم؛ لأن الاسم في مثل هذا لا يتحمل الضمير .. هذا الأصل، وأما على مذهب البصريين فأحسن فعل ماضٍ وفاعله ضمير مستتر عائد على (ما) وهو دليل الاسمية، وهذا الضمير يخالف سائر الضمائر في ثلاثة أمور، لأن الآن خروج عن أصل: الأول: أن الضمير المستتر في الفعل يجوز العطف عليه بعد الفصل بالضمير، سيأتي في عطف النسق، ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] اسْكُنْ ضمير مستتر، فيه فاعل ضمير مستتر، عَطفتَ عليه وَزَوْجُكَ، جاز أو لا؟ جاز بعد الفصل بضمير منفصل، هذا لا يجوز في باب أحسن، لا يجوز أن تعطف عليه ولو فصلته بضمير منفصل؛ لأنه لا يفصل بينهما، ولو كان تأكيداً، وَوَصْلَهُ بِهِ الزَمَا كما سيأتي، هذا الأول. أن الضمير المستتر في الفعل يجوز العطف عليه بعد الفصل بالضمير المرفوع البارز أَوْ فَاصِلٍ مَا كما سيأتي في كلام الناظم، وهنا لا يجوز مطلقاً، إذن فارق هذا الضمير سائر الضمائر المستترة. الثاني: لا يجوز أن يبدل من الضمير المستتر في أحسن مع كونه يجوز في بعض المسائل. ثالثاً: أنه لا يجوز في باب التدريب أن يخبر عن هذا الضمير المستتر في أحسن، لا نقول: تقديره هو بخلاف سائر الضمائر.

إذن: ما أفعل، ما أحسن زيداً .. قلنا (ما) هذه مبتدأ وهي اسم بالإجماع، واختلفوا في معناها على أربعة مذاهب، والأصح مذهب سيبويه أنها نكرة تامة، وأحسن فيه قولان: فعل ماضٍ، اسم .. والصواب: أنه فعل وفيه ضمير مستتر يعود إلى (ما) وهو دليل اسميتها، وزيداً مفعول به، لا نقول: منصوب على التشبيهه بالمفعول كما هو شأن الكوفيين. وأما الصيغة الثانية وهي: أفعِل به، فهذه أجمعوا على فعلية أفعِل –بالإجماع-؛ لأن صيغة أفعِل لا نظير فيها في الأسماء، وإنما هي مثل أكرِم، أكرم فعل أمر، حينئذٍ له نظير. وأما الصيغة الثاني فأجمعوا على فعلية أفعِل؛ لأن صيغته لا تكون إلا لفعل، ثم اختلفوا، بعد الإجماع الأول. فقال البصريون: وإن كان لفظه لفظ الأمر (أحسِن)، إلا أنه ليس بأمر، وإنما هو فعل ماضٍ جاء على صورة الأمر، قال البصريون: لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، وكما يأتي العكس ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ)) [البقرة:228] جاء بلفظ الخبر والمراد به الأمر، وهنا جاء بلفظ الأمر والمراد به الخبر .. كل منهما يأتي بمعنى الآخر، ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ)) [البقرة:228] يعني: ليتربصن؛ لأن هنا حكم واجب، حينئذٍ دل بصيغة يَتَرَبَّصْنَ وهي صيغة الخبر على الأمر، إذن كل منهما يأتي في مقام الآخر، وهذا بحث في علم البيان. ومعناه الخبر وهو في الأصل ماضٍ على صيغة أفعَل، يعني كأن الأصل في أفعِل به هو ما أحسَن زيداً. وهو في الأصل ماضٍ على صيغة أفعَل، بمعنى: صار ذا كذا، ولذلك قلنا: أَوْفَى الهمزة هنا للنقل، وَأَصْدِقْ الهمزة للصيرورة. والمراد على صيغة أفعَل، حينئذٍ الهمزة هنا للصيرورة، هي أفعِل بخلاف أفعَل، أَوْفَى .. حينئذٍ تكون للنقل. على صيغة أفعَلَ، بمعنى صار ذا كذا، أغد البعير أي: صار ذا غدة، أورق الشجر أي: صار ذا ورق، أثمر البستان أي: صار ذا ثمر، أزهر البستان أي: صار ذا زهر، أترب زيد أي: صار ذا متربة يعني: حاجة ..

إذن: هذه الهمزة تدل على الصيرورة بمعنى: صار كذا، هذا الأصل فيه. بمعنى: صار ذا كذا، كـ أغد البعير أي: صار ذا غدة، ثم غيرت الصيغة، غيرت من الماضي إلى الأمر: أحسَنَ زيدٌ بالرفع، فقيل: أحسِن حوِّلت من صيغة الماضي إلى الأمر، فقيل: أحسِن زيدٌ فحصل قبح، وهو: أن صورة أحسن فعل أمر، وفعل الأمر لا يناسبه ما بعده أن يكون اسماً ظاهراً، إذا كان مرفوعاً؛ لأنه فاعل أحسِنْ زيدٌ هذا لا نظير له، فحينئذٍ من باب تحسين اللفظ زيدت الباء لزوماً، ثم غيرت الصيغة فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الاسم الظاهر، أحسنْ زيدٌ هذا قبيح، فزيدت الباء في الفاعل ليصير على صورة المفعول به، كامرر بزيدٍ، إذن أحسِن بزيد أصلها: أحسنَ زيدٌ. حوّلت صيغة الماضي إلى الأمر للعلة السابقة التي هي: صار ذا كذا، حينئذٍ قيل: أحسِن زيدٌ، في الظاهر صار اللفظ لفظ فعل أمر، والذي يليه اسم ظاهر، ومن القبيح أن يتلو الفاعل وهو اسم ظاهر فعل الأمر ولو صورة؛ لأن فعل الأمر لا يرفع فاعلاً ظاهراً وإنما يرفع ضميراً مستتراً أو بارزاً، قُوما، قوموا، قم .. إذن ضمير مستتر أو بارز، وهنا عندنا في هذا المثال: أحسن بزيدٍ المخاطب واحد، فحينئذٍ لا يحسن أن يتلوه اسم ظاهر، فمن باب التحسين والإصلاح للفظ زيدت الباء لزوماً على الفاعل، فصار مثله مثل امرر بزيد، حينئذٍ تعربه تقول: بزيدٍ الباء زائدة، وزيدٍ فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، لماذا زيد؟ لإصلاح اللفظ من باب التحسين. ولذلك التزمت بخلافها في نحو: ((كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) [النساء:79] ليست بواجبة، يعني: قد تترك الباء هنا، قلنا الباء زائدة لكنها ليست بواجبة، كَفَى الشَّيْبُ وَالإسْلاَمُ لِلمرْءِ نَاهِيَاًً. فأصله أحسِن بزيدٍ: أحسَن زيدٌ، أي: صار ذا حسنٍ، فهمزته للصيرورة ثم غيرت الصيغة عند نقلها إلى إنشاء التعجب ليوافق اللفظ في التغيير, تغيير المعنى من الإخبار إلى الإنشاء. إذن حولت صيغة الماضي لقصد الإنشاء إلى صورة فعل الأمر، ثم دخلت الباء على الفاعل الظاهر .. الاسم الظاهر من باب التحسين. وهذا مذهب البصريين وهو أرجح. وقال الفراء والزجاج والزمخشري: لفظه ومعناه الأمر -على ظاهره-، أحسِن ليس في الصورة أمراً وفي المعنى ماضياً، بل هو لفظاً ومعنى فعل أمر. لفظه ومعناه الأمر، وفيه ضمير مستتر أحسِنْ بزيدٍ فاعل ضمير مستتر وجوباً، وبزيدٍ، زيدٍ هذا مفعول به على الأصل، والباء زيدت للتعدية. فموضع مجرورها نصب على المفعولية، ثم قيل: مرجع الضمير أين هو؟ إذا قيل: أحسِن بزيدٍ، أين مرجع الضمير؟ اختلفوا على قولين:

قيل: على المصدر المأخوذ من الفعل، أحسن يا يا حُسنُ زيداً؛ لأنه مخاطب أحسِن أنت، لا بد أن نقدره هكذا، قم يعني: يا زيد، إذا قيل: أحسِن الضمير هنا يعود على الحُسن المفهوم من أحسِن، والتقدير: أحسِن يا حُسنٌ بزيدٍ، وهذا ضعيف أي: دم به والزمه، ولذا لزم الضمير صورة واحدة، ويرده أنه يقال: أحسِن بزيدٍ يا عمرو، أحسِن يا حسنُ بزيدٍ يا عمرو لا يخاطب اثنان، وإنما يخاطب واحد، فإذا قيل: مرجع الضمير هو المصدر أحسن يا حسنٌ بزيدٍ حينئذٍ نقول: كيف نقول: أحسن بزيدٍ يا عمرو؟ أحسن يا حسنٌ بزيدٍ يا عمرو! هذا منتقض. إذن لزم الضمير صورة واحدة، ويرده أنه يقال: أحسن بزيدٍ يا عمرو؛ إذ لا يخاطب شيئان في حالة واحدة، وقيل: الضمير للمخاطب. فمعنى أحسن بزيد: اجعل يا مخاطب زيداً حسناً أي: صفه بالحسن كيف شئت، وإنما التزم إفراد الضمير لجريانه مجرى المثَل، والصواب هو مذهب البصريين السابق أنه فعل في الظاهر أمر، وفي المعنى ماضٍ، والذي يدل على ذلك: أنه لو كان فعل أمر حقيقة لوجب فيه ما يجب في جميع أفعال الأمر من استتار فاعله إذا كان مفرداً مذكراً، فحينئذٍ يبرز إذا كان غير مفرد مذكر، أما تقول: أحسن يا زيد، أحسنا يا زيدا، أحسنوا يا زيدون .. هل هذا يتأتى في هذا الفعل الصيغة أفعِل به؟ الصواب: لا. تقول: أصدق بهما، أصدق بهم، ويبقى كما هو على صورته، فلو كان فعل أمر حقيقة لبرز الضمير مع الفاعل المثنى والجمع، إذن: لا نقول: بأنه فعل أمر. لوجب فيه ما يجب في جميع أفعال الأمر من استتار فاعله وجوباً إذا كان مفرداً مذكراً، وبروزه فيما عدا ذلك، وهنا لا يبرز معه ضمير أصلاً، وأنه لو كان فعل أمر حقيقة لم يكن المتكلم متعجباً، نحن نقول: أحسن بزيدٍ لو كان الضمير هنا على أصله وأحسِن على أصله، حينئذٍ عندما أقول لك: أحسن بزيدٍ أنا أريد أن أتعجب، ما هو أمرك أن تتعجب أنت، لو كان الأمر على حقيقته أحسن بزيدٍ يعني: أن تتعجب، وأنا أريد أن أفيد بهذه الجملة أني أنا متعجب، إذن دل على أنه ليس على أصله. وأنه لو كان فعل أمر حقيقة لم يكن المتكلم متعجباً، بل يكون آمراً غيره بالتعجب، وقد أجمعوا على أن الناطق بهذه الصيغة، بهذا الفعل متعجباً -هذا بالإجماع-، فإذا قيل: بأنه أمر حقيقة لم يكن متعجباً بل هو آمر لغيره. وكذلك نقول: أقوِم بزيدٍ، وأبيِن بزيدٍ، وهذا صحيح .. أقوم من أقام، أقام فعل الأمر ما هو؟ أقم، يحذف منه العين؛ لأنه أجوف قم، أقم، أبن .. لكن نحن نقول: أقوم بزيدٍ، أبين بزيدٍ، لو كان فعل أمر حقيقة لحذفت العين؛ لأن الأجوف يحذف منه عينه عند فعل الأمر، وهذا يدل على أنه ليس أمراً حقيقة. إذن: أفعِل بزيدٍ، أحسِن بزيدٍ، نقول: أحسِن هذا في صورته صورة الأمر، لكنه في الحقيقة هو فعل ماضي، وعلى الصحيح نقول: أحسن مبني على السكون فعل ماضي، مبني على السكون أو حذف حرف العلة إذا كان معتلاً كالأمر، نظراً لصورته، أو على فتحة مقدرة منع من ظهورها مجيئه على صورة الأمر نظراً للمعنى.

يعني في الإعراب تقول: أحسن، إما أنك تبنيه على السكون باعتبار الصورة، وإما أنك تبنيه على الفتحة المقدر باعتبار المعنى. لك هذا الوجه ولك الوجه الآخر، والباء تكون زائدة وزيد يكون فاعلاً. بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا وَتِلْوَ أَفْعَلَ انْصِبَنَّهُ كَمَا ... أَوْ جِئْ بأَفْعِلْ قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْدِقْ بِهِمَا (وَتِلْوَ أَفْعَلَ انْصِبَنَّهُ): يعني الذب بعده (انْصِبَنَّهُ) حتماً على أنه مفعول به حقيقة على المذهب الصحيح. (كَمَا أَوْفَى خَلِيلَيْنَا وَأَصْدِقْ بِهِمَا) أَوْفَى: قلنا الهمزة هنا للنقل، وَأَصْدِقْ الهمزة للصيرورة، والباء زائدة في الفاعل. ثم قال رحمه الله تعالى: وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبِحْ ... إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ يَضِحْ (وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبِحْ) استباحة الأصل المنع، فحينئذٍ قال: اسْتَبِحْ حَذْفَ، حَذْفَ: هذا مفعول مقدم لقوله: اسْتَبِحْ، وهو مصدر مضاف إلى المفعول. حَذْفَ مَا، اسم موصول بمعنى الذي مضاف إليه، وهو مفعول حَذْفَ. (مِنْهُ) متعلق بقوله: (تَعَجَّبْتَ)، وتعجبت منه صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، لكن مقيد (إِنْ كَانَ) شرط هذا، ودائماً قاعدة عامة، ولو لم يذكره لعلمناه مما سبق، وهو أنه لا حذف إلا مع قرينة .. مع دليل (إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ يَضِحْ) إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ يَضِحْ عِنْدَ الْحَذْفِ، عِنْدَ متعلق بـ (يَضِحْ) منصوب به، وهو متعلق بخبر كان. وَلاَ يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ ... إِلاَّ إِذَا ظَرْفاً أَتَى أَوْ حَرْفَ جَرْ هنا جائز أو ممنوع؟ جائز، لأنه معمول الخبر. إذن: يَضِحْ هذا خبر كان، واسمه مَعْنَاهُ، ويَضِحْ أصله يتضح خبر كان، أي: لا يلتبس. المتعجب منه محكوم عليه في المعنى، ما أحسن زيداً، زيداً محكوم عليه بحسن مستعظم، أحسن بزيدٍ زيدٍ محكوم عليه بحسن مستعظم .. استعظام، حينئذٍ المتعجب منه محكوم عليه في المعنى فهو شبيه بالمبتدأ.

فيجب أن يكون معرفة أو نكرة تشبه المعرفة، إما أن يكون نكرة وإما أن يكون معرفة، لكنها نكرة مختصة، أو نكرة تشبه المعرفة؛ لكونها مخصوصة، فالمعرفة نحو: ما أحسن زيداً، زيداً هذا معرفة وهو متعجب منه، وهو محكوم عليه في المعنى فحكمه حكم المبتدأ، حينئذٍ كما أنه لا يبتدأ بالنكرة المحضة حينئذٍ لا بد أن يكون المتعجب منه معرفة. فالمعرفة نحو: ما أحسن زيداً، والنكرة المخصوصة نحو: ما أسعد رجلاً اتقى ربه، يعني نكرة مخصوصة، لو قيل: ما أسعد رجلاً، ما جاز؛ لأن رجلاً هذا محكوم عليه وهو في قوة المبتدأ ولا يبتدأ بالنكرة، لما قال: اتقى ربه، صار وصفاً لـ رجلاً فجاز أن يبتدأ به، فجاز أن يقع متعجباً منه. فأما النكرة غير المختصة، أو كان نعتها غير مفيد للتخصيص فحينئذٍ لا يجوز أن يقع متعجباً منه لا فاعلاً في أفعِل بهما، ولا مفعولاً به في: ما أحسَن زيداً، لا يجوز هذا ولا ذاك. فلا يقال: ما أحسن رجلاً، لا يصح أن يقال: ما أحسن رجلاً، ولا يصح أن يقال: ما أحسن رجلاً من الناس، من الناس هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لرجل، لكن هل أفاد التقييد؟ لم يفد، إذن: يشترط في المتعجب منه على جهة العموم أن يكون معرفة أو نكرة مخصوصة؛ لأنه محكوم عليه في المعنى وهو كالمبتدأ، كما أنه لا يبتدأ بالنكرة المحضة، كذلك لا يتعجب من النكرة المحضة، حينئذٍ يجوز حذفه إن دل عليه دليل. (وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ)، تَعَجَّبْتَ سماه ماذا؟ سمى المفعول متعجباً منه، وهذا توسع؛ لأن المتعجب منه هو حسنه، ما أحسن زيداً، لذلك قلنا: التعجب مأخوذ من التركيب كله لا من (ما) فقط ولا من (أحسن) فقط، ولا من (زيداً) فقط، لكن في الأصل التعجب هنا وقع من حُسن زيد، ما أحسن زيداً، فالحسن هو المتعجب منه، وزيداً هو محله، ولذلك أُعرب مفعولاً به، فحينئذٍ نقول هنا: فيه توسع في العباراة. (وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ) منصوباً كان أو مجروراً، يعني في الصيغتين: ما أفعَله، وأفعِل به. (اسْتبَِحْ) السين والتاء زائدتان أو للصيرورة، يعني صيره مباحاً. (إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ)، مَعْنَاهُ: يعني معنى التركيب، بعد الحذف يَضِحْ يعني: يتضح ولا يلتبس بغيره. أُورد عليه أنه قد يفيد أنه لا يكفي مطلق الفهم، يتضح .. يُفهم، أيهما أعم؟ الفهم أخص، والوضوح أعم، إذن: لو فهم ولم يتضح لا يحذف، لو فهم بعد الحذف ولم يتضح وضوحاً بيناً نقول: لا يحذف، لكن ليس هذا مراده، إنما مراده يتضح يعني: يفهم، الانفهام. أُورد عليه: أنه قد يفيد أنه لا يكفي مطلق الفهم بل لا بد من الوضوح الذي هو قدر زائد على مجرد الفهم. مع أن الظاهر الاكتفاء بمطلق الفهم، فيحمل الوضوح حينئذٍ على الانفهام. قال الشارح: يجوز حذف المتعجب منه وهو المنصوب بعد أفعَل والمجرور بالباء بعد أفعِل إذا دل عليه دليل، لكنه ليس مطلقاً، ليس كل متعجب منه يجوز حذفه، سواء كان في: ما أفعَل أو أفعِل.

وشرَط في التصريح لحذف المتعجب منه منصوباً كان أو مجروراً: أن يكون ضميراً، إذن لا مطلقاً، أن يكون ضميراً، فلا يجوز الحذف في نحو: أحسن بزيدٍ، بزيدٍ ما يجوز أن تحذف بزيد، أحسن وتسكت؟ لا. لا بد أن يكون ضميراً، ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] حُذف الضمير، وهنا له شرط آخر سيأتي. فلا يجوز الحذف في نحو: أحسن بزيدٍ؛ لعدم الدليل عند الحذف، ولا في نحو: زيدٌ أحسِن بزيد، قد يقول قائل: أحسن بزيدٍ لا يجوز الحذف لعدم وجود الدليل، لكن زيدٌ أحسِن بزيدٍ قد يجوز حذف الثاني بزيد لوجود زيد الأول! نقول: لا. لا يجوز كذلك. لأن الإظهار في موضع الضمير في نحو ذلك لنكتة؛ لأنه لو أراد أنه هو هو، لقال: زيدٌ أحسن به؛ لأن البيان والبلاغة أنه لا يوضع المظهر في مقام المضمر إلا لنكتة، ولذلك دائماً نقول: قال الكلامُ، ثم يقول: باب الكلامِ، الكلامُ نقول: أظهر في مقام الإضمار، والأصل أن يقول: وهو يأتي بالضمير، لا بد من نكتة، قد يتساهلون في المتون، لكن في البيان والبلاغة لا بد من إظهار نكتة، فحينئذٍ إذا قال: زيدٌ أحسن بزيدٍ. لم يأت بالضمير به، علمنا أن ثم نكتة، فلا يجوز حذف بزيدٍ لذهاب هذه النكتة والفائدة. إذن ولا في نحو: زيدٌ أحسن بزيدٍ؛ لأن الإظهار في موضع الضمير في نحو ذلك لنكتة تفوت بالحذف، وعلى قياسه لا يجوز الحذف في نحو: ما أحسن زيداً، زيداً لا يجوز الحذف؛ لأنه لا يعلم، وزيدٌ ما أحسن زيداً كذلك لا يُعلم؛ لأنه ذكره لنكتة، وشرط الحذف في أفعِل .. الصيغة الثانية: أن يكون أفعِل معطوفاً على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف، الآية واضحة: ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] أبصر بهم، حذف بهم الثاني لوجوده في الأول، لا بد أن يكون معطوفاً على أفعِل مذكورٌ معه مثل المحذوف، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ صار شاذاً؛ لأنه لا بد من قرينة وليس عندنا قرينة من نفس التركيب، أحسن بهم نقول: لا بد من عطفه على مثله. وشرط الحذف من أفعِل أن يكون أفعِل معطوفاً على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف كالآية التي ذكرناها: ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] أي: بهم، حذف الثاني بهم لدلالة الأول عليه، إذن قرينة واضحة بينة. وذهب الفارسي إلى أنه لم يحذف وأنه استتر في الفعل حين حذفت الباء ورُدَّ بوجهين: أولاً: لزوم إبرازه حينئذٍ مع التثنية والجمع. الثاني: أن من الضمائر ما لا يقبل الاستتار كـ (نا) أكرم بنا، الفارسي يقول: ليس عندنا حذف، وإنما حذفت الباء ورجع الضمير استتر .. صار مستتراً، أكرم موجود الضمير، أكرم بنا نقول: (نا) هنا لا يستتر؛ لأنه فاعل، حينئذٍ كيف نحكم عليه بأنه مستتر؟ ثم أكرم بهما، أكرم بهم .. لو استتر لبرز؛ لأنه مثنى وجمع، لما لم يبرز علمنا أن ثم حذفاً. فمثال الأول وهو المنصوب: أَرَى أُمّ عَمروٍ دَمعُها قَدْ تحَدّرا ... بُكَاءً عَلى عَمرٍو وَمَا كَان أَصْبَرَا وَمَا كان أصْبَرَها، إذن ضمير، لو كان اسماً ظاهر لا يجوز الحذف.

رَبِيْعَةَ خَيْراً مَا أَعَفَّ وَأَكْرَمَا، والتقدير: مَا أَعَفَّها وأكْرَمَها، إذن: في ما أفعَل، يحذف إذا كان ضميراً، وما عدا الضمير لا يجوز حذفه، إذن: نحتاج إلى تقييد قول الناظم (وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ) هذا فيه إطلاق، ولو في قوله: ما أحسن زيداً، احذف زيد، نقول: لا. ليس الأمر كذلك بل لا بد أن يكون ضميراً. التقدير: وَمَا كان أصْبَرَها فحذف الضمير وهو مفعول أفعَل للدلالة عليه بما تقدم. ومثال الثاني الآية: ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] التقدير: وَاللَّهُ أَعْلَم وأبصر بهم فحذف بهم لدلالة ما قبله عليه، وقول الشاعر: فَذَلِكَ إنْ يَلقَ المَنِيَّةَ يَلقَهَا ... حَمِيْداً وَإِنْ يَسْتَغْنِ يَومَاً فَأَجْدرِ فَأَجْدرِ به، أين المعطوف عليه؟ هل ثم صيغة أخرى معطوف عليه ذكر معه به، هل ذكر به في اللفظ؟ ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] أعيد: بهم موجود أول، هنا بهم موجود؟ ليس موجود، نحكم عليه بأنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، لماذا؟ لتخلف الشرط؛ لأنه لا يجوز حذف فاعل أفعِل إلا إذا عطف على مثله أفعِل وذكر معه نفس المحذوف فأجدر به. حينئذٍ يرد السؤال: لماذا في: ما أحسن، ما أصبرها .. ضمير مفعول به وحذف وهو فضلة، هل فيه إشكال؟ ليس فيه إشكال (وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ) هو فضلة، لكن ((أبصر بهم))، ((أَسْمِعْ بِهِمْ)) [مريم:38] بهم هذا ضمير فاعل والأصل في الفاعل أنه لا يجوز حذفه، وذكرنا في الأول هناك أن ثم مسائل مستثناة، ومنها: التعجب، هذا الذي معنا. إذن حذف هنا لماذا؟ قالوا: إنما جاز حذف المجرور بعد أفعِل مع كونه فاعلاً لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة فجاز فيه ما يجوز فيها، لما دخلت عليه الباء -تعليل جميل هذا- لما دخلت عليه الباء ولزمت حينئذٍ صارت صورته صورة الفضلة المجرور، فجاز حذفه. لكن لا بد من قرينة وهي كونه معطوفاً على مثله. إذن: وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ ... إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ يَضِحْ وذلك فيما إذا كان ضميراً، يمكن يؤول الناظم، نقول: تعليقه هنا الحكم: (إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ يَضِحْ) يتضح، هذا من باب وضح كوعد، وعد يعد، أين الواو؟ وضع يضع، أصله يفعِلُ يَوعِ .. إذن وقعت الواو بين عدوتيها فحذفت يعد، وهي فاء أصلية .. أصل الكلمة، يوضح يضح وقعت بين عدوتيها، إذا كان فعَل يحول إلى فعِل، فحينئذٍ نقول: إذا كان من باب يفعَل يحول إلى يفعِل من أجل إسقاط الواو فقط، وإلا يضع يوضع، أين يضع هنا؟ بفتح الضاد، إذن نقول: يوضَح .. يوضِح هذا الأصل، حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها. وَفِي كِلاَ الفِعْلَيْنِ قِدْماً لَزِمَا ... مَنْعُ تَصَرُّفٍ بِحُكْمٍ حُتِمَا يعني كل من الفعلين السابقين غير متصرفين بحكم مجمع عليه بين النحاة قديم، يعني منذ أن نشأ النحو وقبل أن يتكلم النحاة به حينئذٍ الحكم سابق وهو محل وفاق بينهم.

يعني: أن فعلي التعجب وهما: ما أفعله وأفعل به غير متصرفين مطلقاً أصلاً، ولا نقول تصرف تام ولا ناقص ننفيه. غير متصرفين فلا يستعمل منهما مضارع ولا غيره، مما يصاغ من الأفعال بل يلزم أفعَل لفظ الماضي ويلزم أفعِل لفظ الأمر، أبداً دائماً لا يكون إلا جامداً، ولذلك قيل: لا مصدر له، وإن كان في الأصل له مصدر، أحسن في الأصل له مصدر، ويشتق منه ويكون مضارع وأمر، لكن إذا ركب في صيغة التعجب الكلام عليه هنا، ما أفعَل وأفعِل نقول: هذا غير متصرف لا يستعمل منه مضارع ولا أمر، وهذا الحكم قديم. (وَفِي كِلاَ الفِعْلَيْنِ قِدْماً لَزِمَا) لَزِمَا الألف للإطلاق. (وَفِي كِلاَ) جار ومجرور متعلق بقوله: لَزِمَا، واللزوم بمعنى الحتم والوجوب. (وَفِي كِلاَ الفِعْلَيْنِ) هذا متعلق بـ لَزِمَا. (قِدْماً) أي: قديماً وفي أصل اللغة قديماً، كذلك متعلق بقوله: لَزِمَا؛ لأنه منصوب على الظرفية. أي: في الزمن القديم، وكذا بِحُكْمٍ متعلق بقوله: لَزِمَا، والباء فيه سببية، وأراد بالحكم هنا كون المجيء على طريقة واحدة أدل على المراد أي: التعجب، يعني لماذا التزم هنا عدم التصرف؟ قالوا: لأنه أدل على المراد، وما هو المراد؟ التعجب، نحن نريد معنى واحد غير متقلب، غير متنوع لا يكون في زمن دون زمن، إذن: ما الذي يناسبه؟ يناسبه لفظ غير متقلب، ولذلك لزم، نقول: أدل على المراد أي: التعجب، وإنما كان مجيئه على طريقة واحدة أدل؛ لأن تصرفه ونقله من حالة إلى حالة ربما يشعر بزوال المعنى الأول وهو التعجب. وعدم التصرف .. تصرف الفعل إما بخروجه عن طريقة الأفعال من الدلالة على الحدث والزمن كنعم، وبئس، وليس، وعسى .. هذه نزع منها الدلالة على الحدث والزمن فصارت جامدة غير متصرفة البتة، إذن: عدم تصرفها جاءها من أي طريق؟ من نزع دلالتها على الحدث والزمن. أو بالاستغناء عن تصرفه بتصرف غيره، يعني: لا نأتي بالمضارع منه؛ لأن ثم غير ما .. ما يغني عنه، كما قلنا: سواء هناك لا يثنى، استغناء عنه بتثنية سي، سيان. فلا يقال: سواءان، لماذا؟ اكتفاء بسيان، نقول: هنا كذلك عدم التصرف قد يكون لدلالة بعض الأفعال على المعنى الذي دل عليه هذا الفعل، حينئذٍ لا نشتق منه مضارع ولا أمر إلى آخره .. أو بالاستغناء عن تصرفه بتصرف غيره، وإن دل على ما ذكر كيدع ويذر، فإنه استغني عن ماضيهما بماضي ترك، وعدم تصرف فعل التعجب لكلا الأمرين، لهذا وذاك، فكل من هذين الفعلين ممنوع التصرف، فالأول نظير تبارك، وعسى، وليس .. والثاني نظير هب بمعنى اعتقد وتعلم بمعنى اعلم، وقيل: أيضاً في علة جمودهما وعدم تصرفهما، تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان ينبغي أن يوضع فلم يوضع، والله أعلم. (وَفِي كِلاَ الفِعْلَيْنِ قِدْماً لَزِمَا مَنْعُ تَصَرُّفٍ) مَنْعُ بالرفع أو بالنصب؟ فاعل لزم، لزم هذا فعل. ابن هشام يقول: إذا عرفت الفعل فابحث مباشرة عن الفاعل، وإذا عرفت المبتدأ فابحث مباشرة عن الخبر؛ لأنك إذا لم تعربه مباشرة ضعت هذا في التعليم فقط، تضيع يعني، تعرب مبتدأ ثم تذهب تعرب فاعل إلى آخره وكذا، أين الخبر؟ في خبر كان.

وكذلك إذا قلت: فعل، حينئذٍ تضيع إذا ما قلت أين الفاعل، مباشرة ابحث عن فاعله، كذلك إذا كان يحتاج إلى نائب فاعل. إذن: (مَنْعُ تَصَرُّفٍ) التصرف المراد به التقلب، سواء كان تصرفاً تاماً أو تصرفاً ناقصاً، مَنْعُ هذا فاعل للزم. (بِحُكْمٍ) من جميع النحاة (حُتِمَا) هو أي: الحكم، بمعنى ماذا حتم؟ بمعنى لزم، قلنا: الحتم، واللزوم، والوجوب بمعنى واحد، فَالحَتْمُ وَاللاَّزِمُ مَكْتُوبٌ وَمَا، كذلك الكتابة تأتي بمعنى الوجوب. قال الشارح: لا يتصرف فعلا التعجب بل يلزم كل منهما طريقة واحدة، فلا يستعمل من أفعَل غير الماضي ولا من أفعِل غير الأمر قال المصنف: وهذا مما لا خلاف فيه. لذلك قال: (قِدْماً لَزِمَا). وَصُغْهُمَا مِنْ ذِي ثَلاَثٍ صُرَّفَا ... قَابِلِ فَضْلٍ تَمَّ غَيْرِ ذِي انْتِفَا وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهِي أَشْهَلاَ ... وَغَيْرِ سَالِكٍ سَبِيلَ فُعِلاَ هذه شروط ما يؤتى به على صيغة ما أفعَل وأفعِل، إذن ليس كل فعل في لسان العرب يتعجب منه، بل لا بد من ثمانية شروط جمعها الناظم في هذين البيتين، وأكثرها مجمع عليه بين النحاة يعني: لا خلاف فيه. (وَصُغْهُمَا) يعني: اشتق، أو ائت، أو خذ، والصياغة والأخذ والاشتقاق بمعنى واحد، صُغْهُمَا. (مِنْ ذِي ثَلاَثٍ) هذان شرطان، يعني من فعل ذي ثلاثٍ، فهو على حذف موصوف. صفة لموصول محذوف أي: فعل، أي ثلاثٍ، حينئذٍ اشتملت هذه الكلمة على شرطين: الأول أن يكون الفعل المصوغ منه أفعَل وأفعِل فعلاً لا اسماً، ثانياً: أن يكون مؤلفاً من ثلاثة أحرف لا ما زاد عليه كالرباعي ومزيد الثلاثي ومزيد الرباعي. (صُرَّفَا) تصرفاً تاماً، يعني متصرف لا بد أن يكون متصرف، فاحترز به عن الجامد، فالجامد كنعم وبئس وعسى وليس لا يشتق منها أفعَل وأفعِل. (قَابِلِ فَضْلٍ) يعني: قابل للزيادة، يتفاوت في نفسه كالعلم والجهل، وأما فني ومات، هذا لا يتعجب منهما، لماذا؟ لأن الفناء شيء واحد، والموت شيء واحد. هو نزع الروح ليس فيه تفاضل .. زيادة. (تَمَّ) يعني: تام، وما كان كذلك يعني اكتفى بمرفوعه، وأما ما لا يكتفي بمرفوعه وهو كان وكاد فحينئذٍ لا يتعجب منهما. (غَيْرِ ذِي انْتِفَا) يعني: غير منفي انتفاء بالقصر للوزن، والمراد به ألا يكون منفياً إما باللزوم أو بالعروض كما سيأتي. (وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ) يعني اسم فاعل (يُضَاهِي أَشْهَلاَ) أي: في الوزن، وكون مؤنثه على فعلاء، يعني لا يكون على وزن حمِرَ فهو أحمَر، وحمِرَ لا يتعجب منه؛ لأن الوصف منه وهو اسم الفاعل على وزن أفعل كـ أشهل. (وَغَيْرِ سَالِكٍ سَبِيلَ فُعِلاَ) وَغَيْرِ سَالِكٍ يعني: غير فعل سالكٍ سبيل، يعني: ذاهب طريق (فُعِلاَ) وهو مبني للمجهول، هذه ثمانية شروط: كونه فعلاً ثلاثياً، متصرفاً، قابلاً للتفاضل، تام، غير منفي -يعني: مثبت-، وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهِي أشْهَلاَ وَغَيْرِ سَالِكٍ سَبِيلَ فُعِلاَ، هذه كلها شروط .. أوصاف للفعل المقدر، يعني: إعرابها أوصاف للفعل المحذوف، وهي كلها مفردة إلا قوله: (صُرَّفَا) و (تَمَّ) فإنهما جملتان فعليتان.

(صُرَّفَا) الألف هذه للإطلاق، و (تَمَّ) كلها صفات للفعل، ولذلك لم يعطفها بالواو إلا في قوله: (وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ) (وَغَيْرِ سَالِكٍ). يشترط في الفعل الذي يصاغ منه فعلا التعجب .. ابن عقيل قال: شروط سبعة لم يعتبر الفعلية، الصواب أنه يعتبر؛ لأنه لا يصاغ من الاسم، فالشروط ثمانية: الأول: أن يكون فعلاً فلا يبنيان من الجِلف والحمار، جِلف على وزن فِعل، قيل: الرجل الجاف الغليظ، فلا يقال: ما أجلَفه، لماذا؟ لكونه لا فعل له، جلف هذا اسم ليس له فعل، هكذا مثَّل به كثير من النحاة، والحمار اسم، فلا يقال: ما أحمره؛ لأنه ليس له فعل، لبنائه من غير فعل، لكن نوزع في جِلف، أما ما أحمره هذا محل وفاق أنه لا يتعجب منه؛ لأن الحمار اسم وليس بفعل. ولكن في القاموس: جلف كفرح، جَلفاً وجَلافة، إذن أثبت له فعل، إذا قيل: جلِف كفرِح، يعني: فعل، جَلَفاً فرحاً وجلافة، إذن له مصدر، وعليه يصح أن يقال: ما أجلفه .. أن يتعجب منه، وإن كان كثير من النحاة يمثلون بهذا حتى ابن هشام في التوضيح مثّل بهذا، الصواب: أن يقال بأن له فعلاً، وهو موازن لفرح، جلف كفرح، حينئذٍ ما أجلفه صواب، ولو نُزّل بأنه لا فعل له حينئذٍ نقول: ما أجلفه هذا شاذ، وأما ما أحمره من كونه حماراً نقول: هذا لا أصل له، فإذا سمع حينئذٍ نقول: هذا شاذ. ولذلك شذ قولهم: ما أذرعها، ما أذرع المرأة، ما أذرعها، أي: ما أخف يدها في الغزل، بنوه من قولهم: امرأة ذراع كسحاب، يعني: خفيفة اليد في الغزل، فقولهم: ما أذرع المرأة نقول: هذا شاذ وإن سمع؛ لأنه ليس له فعل، امرأة ذراع، ذراع هذا اسم وليس بفعل. إذن (مِنْ ذِي ثَلاَثٍ) يعني: من فعل، إذن الشرط الأول أن يكون فعلاً، فإذا كان اسماً حينئذٍ لا يتعجب منه، (مِنْ ذِي ثَلاَثٍ) مِنْ ذِي: من فعل صاحب أحرفٍ ثلاثٍ. إذن لا يتعجب إلا من الفعل الثلاثي المجرد، فيشترط أن يكون ثلاثياً، فلا يبنيان –الصيغتان- مما زاد عليه، سواء كان رباعياً الأصول أو ثلاثياً مزيد أو رباعي مزيد، نحو: دحرج وانطلق واستخرج، لا يؤتى بحرف من هذه الحروف الثلاثة ويتعجب منها؛ لأن أحسن على أربعة أحرف: أحسن، ما أفعل، وأفعِل به هذا على زنة أربعة أحرف، حينئذٍ لو جئت بدحرج لا بد أنك تحذف الحرف الأخير من أجل أن يستقيم معه الصيغة، وإذا حذفت منه حرفاً بطلت البنية، خرج الفعل عن مدلوله، هذا في الرباعي، ومثله الثلاثي المزيد وصار أربعة أحرف، فما زاد عن الرباعي من باب أولى وأحرى؛ لأنه لا بد من حذف حرفين أو ثلاثة.

إذن: لا يبنى الصيغتان إلا من فعل ثلاثي، فما زاد عن الثلاثي بجميع أنواعه لا يبنى منه اتفاقاً إلا أفعَل، ففيه نزاع، أفعَل مثل أكرم فيه نزاع، فقيل: يجوز مطلقاً، وهذا رأي سيبويه، وقيل: يمتنع مطلقاً، وهو قول المازني والأخفش وابن السراج والفارسي، وقيل: بالتفصيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل نحو: ما أظلم هذا الليل، وما أقفر هذا المكان، ولا يقال: ما أذهب نور الليل؛ لأن الهمزة هنا للنقل، إن كانت همزته للنقل امتنع، وإن لم يكن كذلك جاز، وهذا مذهب ابن عصفور، والأول مذهب سيبويه وأكثر النحاة أنه يجوز مطلقاً، والقول بجواز بناء فعل التعجب من أفعل مطلقاً هو قول سيبويه وأصحابه، واختاره ابن مالك في التسهيل وشرحه، بأنه يجوز مطلقاً. وشذ على هذين القولين الأخيرين المنع مطلقاً، والتفصيل .. تفصيل ابن عصفور ما أعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف، وعلى كلٍّ قول: ما أتقاه .. الأقوال الثلاثة، وما أملى القربة؛ لأنهما من اتقى وامتلأ، إذا قيل: ما أتقاه بنيته من اتقى، اتقى على وزن افتعل، إذن ليس على وزن أفعَل، يكون مما اتفق النحاة على منعه أو مما اختلف فيه؟ مما اتفقوا على منعه، نحن نقول: ما زاد عن الثلاثي متفق على منعه إلا أفعل، اتقى على وزن افتعل، افتعل هل هو عين أفعل؟ إذن: هو متفق على المنع. ما أبلى القربة من امتلأت، افتعلت، حينئذٍ من باب أولى إذا اتقى منع فامتلأت من باب أولى وأحرى. إذن: أن يكون ثلاثياً، فلا يبنى مما زاد عليه، إلا أفعل وقع فيه خلاف أجازه سيبويه ومنعه غيره، وفصل ابن عصفور. (مِنْ ذِي ثَلاَثٍ صُرَّفَا) أن يكون متصرفاً -هذا الثالث- فلا يبنيان من فعل غير متصرف كنعم وبئس وعسى وليس. وما له تصرف ناقص كيدَع ويذر، يعني مطلقاً سواء كان غير متصرف تصرفاً تاماً كنعم وبئس، أو يكون متصرفاً ناقصاً. إذن (صُرَّفَا) المراد به التصرف التام، احترازاً مما لا يتصرف أصلاً أو مما له تصرف ناقص، فيمنع في الطرفين. إذن الشرط: أن يكون متصرفاً تصرفاً تاماً؛ لأنه المتبادر عن الإطلاق، فلا يبنيان من فعل غير متصرف أصلاً، ولا من فعل ناقص التصرف كيدع ويذر. الرابع: أن يكون معناه قابلاً للمفاضلة .. (قَابِلِ فَضْلٍ) يعني: المعنى قابل لأن يستعظم، فلان يزيد عن فلان، إذن يقع فيه التعجب، فلا يبنيان من مات وفني ونحوهما؛ إذ لا مزية فيهما لشيء على شيء. زيدٌ مات وعمروٌ مات، كل منهما مات لا يتعجب من موت أحدهما.

الخامس: أن يكون تاماً، واحترز بذلك من الأفعال الناقصة نحو: كان وأخواتها وكاد وأخواتها، فلا يقال: ما أكون زيداً قائماً، وأجازه الكوفيون بناء على أن قائماً هذا ليس خبراً بل هو حال، وهذا سبق بيانه. وأجازه الكوفيون بناء على أصله من أن المنصوب بعد كان حال، إذن لا يكون كان وأخواتها مما يقع به التعجب، فلا يقال: ما أكون زيداً؛ لأنه لو صح ما أكون زيداً قائماً لزم نصب أفعَل لشيئين وهما: زيداً المتعجب منه، والخبر؛ لأنه لا بد من خبر، مهما تصرفت كان لا بد من اسم وخبر، إذن نصب به شيئان، فيقال: ما أكون زيداً قائماً، هل يجوز حذف قائماً من أجل أن يبقى في اللفظ زيداً فقط؟ لا يجوز، ولا يجوز حذف قائماً لامتناع حذف خبر كان، ولا جره باللام لامتناع جر الخبر باللام. إذن لا يتصرف في أفعل بكونه على وزن كان فينصب شيئين اثنين، بل لا بد أن يكون ناصباً لواحد. سادساً: أن لا يكون منفياً، فلا يبنى من المنفي لالتباسه بالمثبت؛ لأنه إذا قيل: ما ضربت زيداً، ما أضرب زيداً، فحينئذٍ صار مثبتاً التبس المنفي بالمثبت، وهذا يشمل النوعين سواء كان المنفي لزوماً؛ لأن بعض الألفاظ ملازمة للنفي لا تكون مثبتة، أو يكون ما هو قابل للإثبات والنفي، نحو: ما عاج فلان بالدواء، أي ما انتفع به، لا يقال: ما أعوجه، أو ما أعيجه؛ لأن هذا ملازم للنفي، فإذا أدخلته في صيغة ما أفعل صار مثبتاً، نقول: هذا فيه إبطال لمعناه فيلتبس حينئذٍ المعنى هل هو مثبت أو منفي، ما عاج مضارعه يعيج، وأما عاج يعوج بمعنى ما ل يميل فيستعمل في الإثبات. إذن عاج هذا مضارعه يعيج، وهذا الذي يمنع، وأما عاج يعوج بالواو بمعنى مال يمل فيستعمل في الإثبات. أو جوازاً نحو: ما ضربت زيداً، نقول: هذا نفي، هل يتعجب منه؟ الجواب: لا. لماذا؟ مع كونه قد يكون مثبتاً، نقول: في هذا التركيب لا. حينئذٍ ألا يكون منفياً سواء كان المنفي لزوماً يعني ملازم للنفي، ولا يكون مثبتاً أو يكون ويكون، فالحكم عام. السابع: أن لا يكون الوصف منه على أفعَل، وهو الذي أشار إليه بقوله: (وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهِي أَشْهَلاَ) يعني: غير صاحب وصف ليس الوصف منه مشابهاً لأفعل، فإن كان الوصف منه على وزن أفعل، اسم الفاعل على وزن أفعل امتنع التعجب منه، واحترز بذلك من الأفعال الدالة على الألوان: سوِد فهو أسود، فلا يقال: ما أسوده، وكذلك العيوب عوِر ما أعوره، لا يقال: ما أعوره، ممتنع لأن الوصف منه على وزن أفعل، ولا يقال في حوِل أحول ما أحوله، ولا يقال: ما أحمره حمِر، اسم الفاعل منه أحمر فلا يقال: ما أحمره، إذن كل ما كان الوصف اسم الفاعل منه على زن أفعل فلا يتعجب منه. أن لا يكون الوصف منه على أفعل، واحترز بذلك من الأفعال الدالة على الألوان، كسود فهو أسود، وحمر فهو أحمر، والعيوب كحول فهو أحول، وعور فهو أعور، فلا تقول: ما أسوده ولا ما أحمره، ولا ما أحوله، ولا ما أعوره، ولا أعور به ولا أحول به .. كل هذا ممتنع مباشرة، وإنما يؤتى بواسطة.

الثامن: أن لا يكون مبنياً للمفعول، وهذا ذكرناه في السابق: استعظام وصف في الفاعل، زيادة وصف في الفاعل، احترازاً من استعظام، زيادة وصف في المفعول، ولذلك اشترطوا أن يكون مبنياً للمعلوم وألا يكون مبنياً للمجهول. دفعاً للبس المبني من فعل المفعول بالمبني، يعني إذا جيء به على زنة أفعل؛ لأنه لا يغير الصيغة: ضُرب زيدٌ، لو أراد أن يتعجب منه سيقول: ما أضربه، حينئذٍ التبس، هل هذا المتعجب منه وقع عليه الفعل أم وقع منه؟ وأما الصيغة لازمة لا تتغير: ما أفعله، أضرب بزيد، هل التعجب هنا من كونه أوقع الضرب أو وقع عليه؟ هذا فيه لبس، إذن نمنع أن يكون التعجب من مغير الصيغة. ألا يكون مبنياً للمفعول دفعاً للبس المبني من فعل المفعول بالمبني من فعل الفاعل، واستثنى بعضهم ما كان ملازماً لصيغة فُعِل، مثل عُنيت، عُني بكذا، عُنيت بحاجتك، فيجوز عندهم ما أعناه؛ لأنه لا يلتبس، إذا قال: ما أعناه حينئذٍ لا يلتبس، وما أزهاه علينا، يعني يقول: زهي علينا. وقال في التسهيل: وقد يبنيان من فعل المفعول إن أُمن اللبس، إذن هذه ثلاثة أقوال: المشهور المنع مطلقاً إذا أمن اللبس أو لم يؤمن اللبس. الثاني: استثناء الملازم للمبني للمجهول نحو: عُني وزهي. الثالث وأجازه ابن مالك رحمه الله في التسهيل: أنه يجوز إن أمن اللبس، وأما إذا لم يؤمن اللبس حينئذٍ لا يجوز. فلا تقول: ما أضرب زيداً تريد التعجب من ضرب أوقع به لئلا يلتبس بالتعجب من ضرب أوقعه. إذن: وَصُغْهُمَا مِنْ ذِي ثَلاَثٍ صُرَّفَا وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهِي أَشْهَلاَ ... قَابِلِ فَضْلٍ تَمَّ غَيْرِ ذِي انْتِفَا وَغَيْرِ سَالِكٍ سَبِيلَ فُعِلاَ (وَغَيْرِ سَالِكٍ) يعني: غير فعل سلك وذهب طريق فُعِل يعني بضم أوله وكسر ثانيه مبنياً للمجهول، هذه ثمانية شروط لا بد من توفرها. فإن عدم الفعل واحداً .. بعضاً من هذه الشروط، هل معنى ذلك أنه لا يتعجب منه نخرجه، أم أن ثم طريق آخر؟ قال: لا. قد يتعجب منه لكن ليس مباشرة، يعني ليس بالصيغة المشهورة ما أفعَل، وأفعِل به، وإنما ننتقل إلى طريقة أخرى. وَأَشْدِدَ اوْ أَشَدَّ أَوْ شِبْهُهُمَا ... يَخْلُفُ مَا بَعْضَ الشُّرُوطِ عَدِمَا وَمَصْدَرُ العَادِمِ بَعْدُ يَنْتَصِبْ ... وَبَعْدَ أَفْعِلْ جَرُّهُ بِالْبَا يَجِبْ هذا الطريق الثاني فيما عدم بعض الشروط، يعني: إذا لم يكن ثلاثياً هل نتعجب منه أو لا؟ نعم نتعجب منه، لكن لا مباشرة في ما كان غير متصرف تصرفاً تاماً، في ما كان معناه قابل للتفاضل هذا سيأتي، وكذلك الجامد لا يتعجب منه البتة. إذا كان ناقصاً ولم يكن تاماً نتعجب منه لكن لا مباشرة، والمنفي، وما كان الوصف منه على وزن أفعَل، والمبني للمجهول يتعجب منها لكن بطريقة أخرى. ا (وَأَشْدِدْ أَوْ) الدال الثانية مفتوحة، وأصلها أشدد، أفعِل، هي الصيغة الثانية. (وَأَشْدِدْ أَوْ) سقطت الهمزة وحركت الدال للتخلص من التقاء الساكنين. (وَأَشْدِدْ أَوْ أَشَدَّ) لا تقل: وَأَشْدِدْ أَوْ أَشَدَّ لا. ينكسر معك الوزن. وَأَشْدِدَ اوْ أَشَدَّ أَوْ شِبْهُهُمَا ... يَخْلُفُ مَا بَعْضَ الشُّرُوطِ عَدِمَا

يُتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه، وبأشد ونحوه، هذان فعلان أشدد، أشدَّ .. أشدد هذا قائم مقام أفعِل بزيد، أفعِل أحسِن، وأشد هذا قائم مقام أفعَل الصيغة الأولى، وقدم وأخر من أجل الوزن. أو شبه أشدد وشبه أشد، وما هو شبه أشدد وأشد؟ أكثَر أكثِر، أقلَل أقلِل، أكبَر أكبِر، أصغَر أصغِر، أعظَم أعظِم، أقوَى أقوِي، أضعَف أضعِف، أحسَن أحسِن، أقبَح أقبِح .. كل هذه مثلها .. شبه أشدَّ وأشدد. (يَخْلُفُ) أي: صيغتي التعجب المصوغتين من ما عدم بعض الشروط، أو يخلف صيغتي ما عدم بعض الشروط، (يَخْلُفُ) الجملة قصد لفظه فهو مبتدأ. إذن: (وَأَشْدِدْ) هذا مبتدأ قصد لفظه، (أَوْ أَشَدَّ) معطوف عليه، (أَوْ شِبْهُهُمَا) معطوف عليه، (يَخْلُفُ) أشدد وما عطف عليه فاعل، يَخْلُفُ الجملة خبر. (مَا) اسم موصول بمعنى الذي، مفعول إذن. يخلف ما عدم بعض الشروط، بَعْضَ بالنصب على أنه مفعول مقدم لـ عَدِمَا، والألف للإطلاق. (بَعْضَ) مضاف، و (الشُّرُوطِ) مضاف إليه، بَعْضَ الشُّرُوطِ عَدِمَا الجملة في محل رفع لا محل لها من الإعراب، صلة الموصول؛ لأن (ما) اسم موصول. إذن هذان اللفظان: أشْدِدْ أَوْ أشَدَّ، وما يقوم مقامهما يخلف صيغتي ما عدم بعض الشروط. هنا قال: (وَأَشْدِدْ أَوْ أَشَدَّ) فيه لبس فيه إشكال، المتبادر منه أن أشدد وأشد مصوغان من فعل مستكمل للشروط، هذا الأصل؛ لأننا نحن تركنا الفعل الذي لم يستكمل الشروط فلم نتعجب منه مباشرة، فجئنا بنائب عنه، الأصل المتبادر للذهن أن النائب يكون مستكمل للشروط أو لا؟ هكذا بالعقل؟ هذا الأصل فيه، إذا كان الفعل ليس مستكملاً للشروط نأتي بالأصل من باب أولى. فنقول: أشْدِدْ أَوْ أشَدَّ المتبادر أنه مستكمل للشروط هذا هو الظاهر؛ لأن القصد من الإتيان بهما التخلص من صوغ فعل التعجب من فعل لم يستكمل الشروط، مع أن أشدد وأشد مصوغان من غير الثلاثي وهو اشتد الخماسي -هذه مشكلة- وهو اشتد الخماسي على الظاهر؛ إذ لا يعلم ورود أشد الرباعي فعلاً، لكن قال في القاموس: أشد الرجل إذا كانت معه دابة شديدة، لكن هذا لا يصلح أن يكون هو الذي يصاغ منه هذا الفعل، أشد الرجل إذا كانت معه دابة شديدة، والصوغ من هذا في أشد استخراجاً بعيد، ليس معه دابة قوية، حينئذٍ ما أشد استخراجاً، زيدٌ أشد استخراجاً من كذا، نقول: هذا ليس فيه تناسب. وقيل: هما من شدد الثلاثي، حكاه ابن مالك في العمدة وبهذا ينتفي الاعتراض بأنهما من غير الثلاثي، فلم يستكملا الشروط في أنفسهما فكيف يتوصل بهما إلى غيرهما؟ إذن أشدد أو أشد متبادر أنه من اشتد الخماسي، لكن حكى ابن مالك شدَد أو شدِد -يرجع إليه- فحينئذٍ ثبت الفعل الثلاثي. وَأَشْدِدَ اوْ أَشَدَّ أَوْ شِبْهُهُمَا ... يَخْلُفُ مَا بَعْضَ الشُّرُوطِ عَدِمَا أي: يخلف فعلي التعجب المأخوذين مما ذكر، فلا يؤتى بهما مباشرة وإنما نأتي بأشد وأشدد، ثم بعد ذلك: (وَمَصْدَرُ العَادِمِ) ننظر إلى الفعل، إذن جئنا بالواسطة الأولى توصيلة، وهي: أشد ما أشد، وأشدد: ما أعظم أعظِم، ما أكبر أكبِر، ما أصغر أصغِر تأتي بهذا اللفظ.

ثم تنظر في الفعل الذي منع من أن يتعجب منه مباشرة، فتأخذ منه المصدر. قال: (وَمَصْدَرُ العَادِمِ) ومصدر الفعل العادم لبعض الشروط (بَعْدُ) يعني بعد أشد (يَنْتَصِبْ)، ما هو الذي منعناه؟ مثلاً استخرج، نقول: استخرج هذا لا يؤتى منه مباشرة، وإنما نأتي بأشد، نقول: ما أشد، استخرج ما مصدره؟ استخراجاً، فحينئذٍ تأتي بالمصدر مضاف إلى فاعل الفعل، فتقول: ما أشد استخراج زيدٍ، أو ما أشد استخراجه، أشدد باستخراج زيدٍ تأتي بالمصدر إما منصوباً بعد أشد وإما مجروراً بالباء على الأصل؛ لأن المتعجل منه في أفعَل يكون منصوباً على المفعولية، والمتعجب منه في أفعِل يكون مجروراً بالباء، إذن: هو على أصله. (وَمَصْدَرُ العَادِمِ) مصدر الفعل العادم، إذن ما لا مصدر له لا بد من مصدر هنا، إذن الذي ليس له مصدر لا مدخل له لا في الأول ولا في الثاني. ومصدر الفعل العادم لبعض الشروط، (بَعْدُ) يعني: بعد أشد (يَنْتَصِبْ)، وإن قدرته بعدما أفعل لا بأس، وإن كان الظاهر بعد أشد، لكن قوله: (وَبَعْدَ أَفْعِلْ) هذا يدل على أن الأصل مراعاة الوزن، لكن لا بأس هذا أو ذاك. (وَمَصْدَرُ العَادِمِ بَعْدُ يَنْتَصِبْ وَبَعْدَ أَفْعِلْ) أشدد (جَرُّهُ) يجب (بِالْبَا) على الأصل. إذن كل ما امتنع أن يصاغ منه مباشرة لعدم توفر شرط من الشروط السابقة حينئذٍ نأتي بلفظ أشد وأشدد، ثم نأتي بمصدر العادم .. الفعل غير مستوفي الشروط نأتي بمصدره مضافاً إلى الفاعل لا بد من هذا، ما نقول: ما أشد استخراجاً، وما أشد انطلاقاً لا، لا بد أن يكون مضافاً إلى الفاعل: ما أشد استخراجه، إذا كان الكلام عن زيد، أو ما أشد استخراج زيد. وَمَصْدَرُ العَادِمِ بَعْدُ يَنْتَصِبْ ... وَبَعْدَ أَفْعِلْ جَرُّهُ بِالْبَا يَجِبْ فتقول في التعجب من الزائد على ثلاثة، ومما الوصف منه على أفعل الذي هو أعور هنا، ما أشد أو أعظم دحرجته، دحرج لا يتعجب منه مباشرة؛ لأنه رباعي، فإذا أردنا التعجب نقول: ما أشد دحرجة زيد، أشدد بدحرجة زيد .. تأتي به على الأصل. ما أشد دحرجته أو انطلاقه أو حمرته، ما أشد حمرته وما أشد صفرته، وما أشد عوره، وما أشد حوره .. ، أو أشدد أو أعظم بها، وكذا المنفي والمبني للمفعول، إلا أن المصدر هنا لا يكون صريحاً وإنما مؤولاً بالصريح نحو: ما أكثر ألا يقوم زيدٌ؛ لأننا لا بد أن نأتي بالنفي كما هو، لو حذفنا النفي وجئنا بالمصدر كيف نسلط النفي عليه؟ إذن نبقيه كما هو ويكون المصدر مؤولاً بالصريح، فنقول: ما أكثر ألا يقوم زيدٌ، حينئذٍ التعجب يكون من عدم قيام زيدٍ، وما أعظم ما ضُرِبَ زيدٌ، ضُرِبَ هذا مغير الصيغة، و (ما) هذه مصدرية، إذن في قوة المصدر. إذن وَمَصْدَرُ العَادِمِ إما صريحاً وإما مؤولاً بالصريح، متى يكون مؤولاً بالصريح؟ في حالين: الأول: إذا تعجبت من المنفي. الثاني: الفعل المبني للمجهول، تقول: ما أشد ما ضُرب زيدٌ، تعجبت؛ لأنك لفظت به كما هو، ضُرب ما حصل لبس، والنفي حرف بقي كما هو، وأشدد بهما، وأما الناقص كان وأخواتها فعلى القول بأن له مصدراً حينئذٍ لا إشكال فيه، ما أشد كون زيد قائماً، جئت بالمصدر كما هو.

فإن كان له مصدر فمن النوع الأول، يعني المصدر الصريح، وإلا فمن الثاني المؤول بالصريح، تقول: ما أشد كونه جميلاً، أو ما أكثر ما كان محسناً، (ما) هذه مصدرية، -هذا غريب عند النحاة-، إذا كان ما له مصدر فحينئذٍ كيف نقول: مصدر مؤول؟ قالوا: إذا لم يكن له مصدر نأتي بـ (ما) المصدرية و (كان) فيكون مؤولاً بالمصدر. الصواب: أن (كان) لها مصدر. أو ما أكثر ما كان محسناً، وأما الجامد والذي لا يتفاوت معناه فلا يتعجب منهما البتة، الجامد ليس له مصدر؛ لأنه قال: (وَمَصْدَرُ العَادِمِ) إذن: ما لا مصدر له وهو الجامد لا يتعجب منه البتة، وما لا يتفاوت هذا خرج عن معنى التعجب؛ لأن التعجب فيه استعظام وصف .. زيادة وصف في الفاعل، وهذا ليس فيه استعظام. وكذلك ما لا فعل له؛ لأنه لا مصدر له. إذن: وَمَصْدَرُ العَادِمِ أخرج نوعين: الجامد الذي لا مصدر له، وما لا فعل له وهو الاسم كما ذكرناه في جلف ما أجلفه، وما أحمره، نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه. قال الشارح: يعني أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه، وبأشد ونحوه، هذا متى؟ إذا لم يستكمل الشروط، لكن في التصريح للأزهري قال: ولا يختص التوصل بأشد ونحوه بما فقد بعض الشروط، بل يجوز فيما استوفى الشروط نحو: ما أشد ضربَ زيد لعمرو، ولا يرد هذا على الناظم؛ لأن مراده يخلف وجوباً. يعني: ما استوفى الشروط لك أن تأتي به على الطريقة الثانية أشدد وأشد، هذا إذا استوفى الشروط، لكنه ليس هو الشائع، ليس هو الفصيح. وما عدم بعض الشروط تعين. إذن: يخلف وجوباً لا جوازاً، هذا مراد الناظم، وأما الجواز وذلك فيما إذا استوفى الشروط، لكنه ليس بالمشهور. وينصب مصدر ذلك الفعل العادم شروطه بعد أفعل مفعولاً على الأصل، ويجر بعد أفعِل بالباء فتقول: ما أشد دحرجته واستخراجه، وأشدد بدحرجته واستخراجه، وما أقبح عوره، وأقبح بعوره، وما أشد حمرته، وأشدد بحمرته. وبِالنُّدُورِ احْكُمْ لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ ... وَلاَ تَقِسْ عَلَى الَّذِي مِنْهُ أُثِرْ (وبِالنُّدُورِ احْكُمْ) يعني: ما لم يستوفِ الشروط وجاء على صيغة ما أفعَله على الأصل دون التوسط بأشدد وأشد، حينئذٍ نقول: هذا نادر، وإذا قيل: نادر في مثل هذا حينئذٍ نقول: شاذ، ولذلك قال: لا تقس. إذن: ما لم يستوفي الشروط إذا جيء به على وزن ما أفعل وأفعِل به قلنا: هذا يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن ما عدم الشروط يجب أن ينتقل إلى الطريقة الثانية. (وبِالنُّدُورِ احْكُمْ) احكم بالندور، يعني القلة. (لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ وَلاَ تَقِسْ عَلَى الَّذِي مِنْهُ أُثِرْ) يعني: نقل عن العرب، مع أنه منقول، نقول: هذا يحفظ ولا يقاس عليه. (وبِالنُّدُورِ احْكُمْ لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ) قيل: البيت هذا لا داعي له، يعني مفهوم مما سبق؛ لأنه قال: (وَصُغْهُمَا مِنْ ذِي ثَلاَثٍ) بين أنه لا بد من شروط، ثم بين الطريقة في تخلف الشروط. إذن: علم من الأبيات الأربعة: أن ما جيء به على الأول بِأَفْعَلَ انْطِقْ ولم يستوفِ الشروط حكمنا عليه بأنه نادر شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، لكن هذا اعتراض معترض.

اعترض بأنه لا حاجة إليه بعد تقريره الشروط؛ لأنه بين أنه لا قياس إلا بالشروط، مفهومه: أن ما جاء دون شرط .. تحقيق الشروط فهو شاذو يحفظ ولا يقاس عليه، وهذا واضح بين. اعترض بأنه لا حاجة إليه بعد تقريره الشروط، ولئن سُلِّم الاحتياج فهو يغني عن قوله: (وَلاَ تَقِسْ). يعني: لو قيل: بأنه يحتاج إليه، إذن يكفينا (وبِالنُّدُورِ احْكُمْ لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ)، ما الفائدة من قوله: (وَلاَ تَقِسْ)؟ إذا حكم عليه بكونه نادراً وهو مخالف للقياس إذن هو لا يقاس عليه، إذن ما الفائدة من قوله: (وَلاَ تَقِسْ)؟ إذ معلوم أن النادر لا يقاس عليه، أُجيب -الجواب لا بد-: أنه أتى بالشطر الأول إشارة إلى أن الشروط سمع نادراً تخلفها، -وهو هذا باب الاعتراض-، سمع نادراً تخلفها لدفع توهم أنها لم تتخلف. يعني: أنه أتى بهذا الشطر للدلالة على أن تلك الشروط مع كون العرب التزمتها عند التعجب، إلا أن بعضهم خالف، فسمع مخالفة الشروط، لو لم يذكر هذا قد يقال: بأن العرب استوفت الشروط، يعني لم تأتِ بصيغة تعجب إلا وهي مستوفية للشروط! لا. شرطت الشروط ومع ذلك خالفت، إذن أفاد فائدة جديدة. لدفع توهم أنها لم تتخلف، ثم لما كان النادر قد يطلق على القليل الذي يقاس عليه فتكون تلك الشروط شروطاً للكثرة قال: (وَلاَ تَقِسْ) النادر .. ليس كل نادر لا يقاس عليه. هذا كلفظ القلة. ومعنى البيت: أن ما جاء عن العرب من فعلي التعجب مبنياً مما لم يستكمل شروطه فحقه أن يحفظ ولا يقاس عليه للندرة. (وبِالنُّدُورِ) أي: القلة (احْكُمْ) احكم بالندور، هذا متعلق باحكم. (لِغَيْرِ مَا ذُكِرْ) من استيفاء الشروط. (وَلاَ تَقِسْ عَلَى الَّذِي مِنْهُ أُثِرْ) أي: نقل. فهم من قوله: بِالنُّدُورِ أنه قد جاء بناء صيغتي التعجب من الفعل العادم لبعض الشروط، وأن ذلك نادر غير مقيس. يعني أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شيء من الأفعال التي سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره، ولا يقاس على ما سمع منه، إذن لا فائدة من الشروط إذا جوزنا القياس. كقولهم: ما أخصره، هذا مأخوذ من اختُصر، اختُصر هذا مبني للمجهول الأصل لا يجوز، لكن سمع ما أخصره، مأخوذ من اختُصر، هذا فيه شذوذان: الأول: أنه مبني للمجهول، الثاني: أنه خماسي. فبنوا أفعَل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبني للمفعول، وكقولهم: ما أحمقه. فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل، أحمق هذا على وزن أفعل، نحو: حمِق حمُق فهو أحمق، وقولهم: ما أعساه، من فعل جامد، وأعس به، فبنوا أفعل وأفعل به من عسى وهو فعل غير متصرف. وما أعطاه، وما أفقره من افتقر، وما أجمعه، وما أجنه من جُنَّ، كل هذا نقول يحفظ ولا يقاس عليه. وَفِعْلُ هَذَا البَابِ لَنْ يُقَدَّمَا ... مَعْمُولُهُ وَوَصْلَهُ بِمَا الْزَمَا وَفَصْلُهُ بظَرْفٍ اوْ بِحَرْفِ جَرْ ... مُسْتَعْمَلٌ وَالْخُلْفُ فِي ذَاَكَ اسْتَقَرّْ هذا خاتمة الباب، وهو أنه يجب أن يتصل المعمول بالعامل، فلا يتصرف فيه لكونه جامداً، يعني معموله لا يجوز أن يتقدم عليه، ما أحسن زيداً، لا يصح أن يقال: زيداً ما أحسن، لا يصح، لماذا؟ لكونه جامد غير متصرف، فلا يتصرف في معموله.

ولا يقال: ما زيداً أحسن؛ لأن هذا نوع تصرف؛ لأن أحسن جامد لا يتصرف مَنْعُ تَصَرُّفٍ حكم قديم، إذن: لا يتصرف في معموله البتة، لا بد أن يكون لاحقاً له، فلو تقدم وهو عامل ضعيف حينئذٍ خالفنا الأصل وهو: أن العامل الضعيف لا يعمل فيما قبله. (وَفِعْلُ) هذا مبتدأ وهو مضاف و (هَذَا) مضاف إليه. و (البَابِ) هذا البابِ، يعني: باب التعجب، هذا تقييد، ابن مالك إذا قيد "حكم خاص"، هَذَا البَابِ: البَابِ هذا بدل، أو عطف بيان أو نعت، والمراد به باب التعجب. (لَنْ يُقَدَّمَا) (لن) للتأبيد هنا بقرينة. (مَعْمُولُهُ وَوَصْلَهُ بِمَا الْزَمَا) الْزَمَا وَصْلَهُ: حينئذٍ نقول: (لن) هنا للتأبيد -لا تفيد التأبيد هي إلا إذا دلت قرينة- يعني قد تدل قرينة على أنها للتأبيد، وأما دعوى الزمخشري بأنها تأبيدية ففاسد ((لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا)) [الحج:73] قال: لن هنا للتأبيد، نعم للتأبيد لكن لقرينة وهي أن الخلق صفة لله عز وجل، أما زيد لن يقوم هذه مثل لا يقوم، لا تدل على التأبيد، ولذلك يجمع معها بالتأبيد –لفظ التأبيد-: لن يقوم أبداً، فلو كانت للتأبيد لامتنع أن يقال معها (أبداً)، وهذا وارد حتى في القرآن. إذن: (لَنْ يُقَدَّمَا) الألف للإطلاق أو التثنية؟ للإطلاق؛ لأن المبتدأ هنا: فِعْلُ .. فِعْلُ هَذَا البَابِ .. (فِعْلُ هَذَا البَابِ لَنْ يُقَدَّمَا مَعْمُولُهُ) إذن الفاعل (مَعْمُولُهُ)، ولذلك قلت لك قبل قليل: إذا أعربت الفعل انظر في فاعله، أين هو حتى تعرف تتم الإعراب، (لَنْ يُقَدَّمَا) الألف هذه للإطلاق قطعاً لا تحتمل (مَعْمُولُهُ) هذا الفاعل، وليس هو محتمل للألف. (وَفِعْلُ هَذَا البَابِ لَنْ يُقَدَّمَا) لعدم تصرفه، مَعْمُولُهُ هذا نائب فاعل، لَنْ يُقَدَّمَا عليه. (وَوَصْلَهُ بِهِ)، (بِهِ .. بِمَا) نسختان، (بِمَا الْزَمَا) بـ (ما) التعجبية، ولو قيل بِهِ أحسن، وهذه النسخة التي شرح عليها المكودي بِهِ .. أحسن. (وَوَصْلَهُ) هذا مفعول مقدم لقوله: (الْزَمَا) الزمن، فتقدم هنا المعمول على الفعل المؤكد بنون التوكيد للضرورة، وإلا الأصل لا يتقدم، لا يجوز. وَوَصْلَهُ بِهِ: جار ومجرور متعلق بقوله: الْزَمَا، يعني: بالعامل، بلا خلاف فيهما. وذلك لعدم تصرف هذين الفعلين امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، وأن يفصل بينهما بغير ظرف أو مجرور وهو الذي عناه بالبيت الثاني. (وَفَصْلُهُ بظَرْفٍ أَوْ بِحَرْفِ جَرْ مُسْتَعْمَلٌ)، فَصْلُهُ: يعني فصل المعمول عن العامل (بظَرْفٍ أَوْ بِحَرْفِ جَرْ) هذه مانعة خلو، فيجوز الفصل بمجموع الظرف والجار والمجرور. (مُسْتَعْمَلٌ) هذا خبر فَصْلُهُ، يعني: وارد في لسان العرب نظماً ونثراً، استعمل نظماً ونثراً، وسيأتي المثال. فهم من قوله: (مُسْتَعْمَلٌ) أن مذهبه موافق لمن أجاز ذلك خلافاً لمن منع. (وَالْخُلْفُ في ذَاَكَ اسْتَقَرّْ) الْخُلْفُ مبتدأ، واسْتَقَرّْ الجملة خبر، (فِي ذَاَكَ) متعلق بـ (اسْتَقَرّْ). وَالْخُلْفُ يعني: اختلاف بين النحاة، (فِي ذَاَكَ) الذي هو الفصل بالظرف والجار والمجرور، هل هو جائز أم لا؟ (اسْتَقَرّْ) ولكنه قال: مُسْتَعْمَلٌ فدل على جوازه.

فذهب الجرمي وجماعة إلى الجواز، والأخفش والمبرد إلى المنع. إذن: نقول الخلاصة في هذين البيتين: أنه لعدم تصرف هذين الفعلين امتنع أن يتقدم عليهما معمولهما، وأن يفصل بينهما بغير ظرف ومجرور، واختلفوا في الفصل بالظرف والمجرور إذا كانا متعلقين بالفعل، عندنا ظرف وجار ومجرور قد يكون أجنبياً لا متعلقاً بأفعِل ولا أفعَل، هذا لا. قولاً واحداً أنه لا يفصل بينهما، حكى في التسهيل الإجماع بلا خلاف. وأما إذا كانا متعلقين بالفعلين نفسهما وقع النزاع، إذن النزاع ليس مطلقاً، قوله: (وَفَصْلُهُ .. مُسْتَعْمَلٌ)، (وَالْخُلْفُ في ذَاَكَ اسْتَقَرّْ) يعني: الخلف في الظرف والجار والمجرور إذا كانا معمولين للفعل نفسه، وأما إذا كان أجنبياً فقولاً واحداً لا يجوز الفصل، محل إجماع. واختلفوا في الفصل بظرف أو مجرور متعلقين بالفعل، والصحيح جوازه، ولو تعلق الظرف والجار بمعمول فعل التعجب لم يجز الفصل به اتفاقاً، نحو: ما أحسن معتكفاً في المسجد، ما أحسن معتكفاً .. يتعجب من حسن المعتكف في المسجد، في المسجد هذا متعلق بقوله: معتكفاً وهو متعجب منه. إذن: هل يجوز أن يفصل بين الفعل والمتعجب منه؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنه لا بد أن يكون معمولاً له مباشرة، وهنا معمول المعمول، إذن ما أحسن في المسجد معتكفاً لا يجوز؛ لأنه متعلق بالمتعجب منه، ولو تعلق بالفعل نفسه لجاز. وأحسن بجالس عندك، أحسن عندك بجالس يجوز؟ لا يجوز، نقول: الظرف والجار والمجرور له ثلاثة أحوال في هذا المقام: إما أن يتعلق مباشرة بالفعل نفسه، وإما أن يكون أجنبياً عنه، وإما أن يتعلق بمعمول الفعل مثل: ما أحسن معتكفاً في المسجد، معتكفاً هذا مفعول لأحسن، في المسجد جار ومجرور، متعلق بأحسن أو معتكفاً؟ معتكفاً، إذن ليس متعلقاً به مباشرة، هذا النوع لا يجوز أن يفصل بينهما، فلا يصح أن يقال: ما أحسن في المسجد معتكفاً. وأحسن بجالس عندك، عندك متعلق بجالس، لا يصح أن يقال: أحسن عندك بجالس؛ لأنه ليس متعلقاً بالفعل نفسه. قال الشارح: لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه، فلا تقول: زيداً ما أحسن. تقدم على (ما) لا يجوز. ولا ما زيداً أحسن. يعني: تقدم على الفعل دون (ما). ولا بزيد أحسن. لا يجوز؛ لأن بزيد هذا فاعل في المعنى، والفاعل لا يجوز أن يتقدم على عامله. ويجب وصله بعامله فلا يفصل بينهما بأجنبي، (وَوَصْلَهُ بِهِ الْزَمَا) هذا يرجح -كلام ابن عقيل-، قال: ويجب وصله بعامله، ما هو عامله؟ أحسن، إذن قوله: وَوَصْلَهُ بِهِ، بالعامل يعني ليس (بِمَا)؛ لأن (ما) ليست عاملاً، كأن ابن عقيل النسخة عنده بِهِ وهنا عندنا بِمَا. فلا يفصل بينهما بأجنبي، والمراد بالأجنبي غير المفعول في: ما أحسن زيداً، وغير الفاعل في: أحسن بزيدٍ، فلا تقول في: ما أحسن معطيك الدرهم، ما أحسن الدرهم معطيك. لا يصح؛ لأن الدرهم هذا معمول المعمول، فلا يجوز أن يفصل بينه وبين العامل.

ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره، فلا تقول: ما أحسن بزيد ماراً. ما أحسن، ما قال: أحسن بزيدٍ ماراً لكن قال: ما أحسن، ما أحسن يقتضي منصوباً أو مجروراً بالباء؟ منصوباً، إذن هو يقول: لا تقل، ما قال: قل. قال: لا تقل: ما أحسن بزيدٍ ماراً؛ لأن بزيد هذا معلق بماراً وهو معمول المعمول، إذن لا يتوسط. تريد: ما أحسن ماراً بزيد. هذا التركيب الصحيح، ما أحسن ماراً بزيد تركيب صحيح؛ لأن الأصل: أحسن ثم ماراً وهو معموله واتصل به، بزيدٍ جار ومجرور متعلق بماراً، لا يصح أن يقال: ما أحسن بزيدٍ ماراً، تفصل بينهما بجار ومجرور متعلق بالمعمول. ولا ما أحسن عندك جالساً، عندك متعلق بجالساً، تقدم عليه، نقول: هذا لا يجوز، تريد ما أحسن جالساً عندك، هذا الصواب، تؤخر عندك. فإن كان الظرف أو المجرور معمولاً لفعل التعجب ففي جواز الفصل في كل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف بين النحاة (وَالْخُلْفُ فِي ذَاَكَ اسْتَقَرّْ) والمشهور جوازه خلافاً للأخفش والمبرد ومن وافقهما، ونسب الصيمري المنع إلى سيبويه، ومما ورد فيه الفصل في النثر قولهم: ما أحسن بالرجل أن يصدق، بالرجل متعلق بقوله: يصدق، وتقدم عليه. ما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب. هذا لا يجوز فيه. قال: ومما ورد فيه الفصل في النثر قول عمرو بن معد يكرب: للهِ دَرُّ بَنِي سُلَيم! مَا أَحْسَنَ فِي الْهَيْجَاءِ لِقَاءَها، فِي الْهَيْجَاءِ متعلق بقوله: أَحْسَنَ، ولِقاءَها هذا هو المفعول به. إذن فصل بينهما الجار والمجرور، وهذا جاز، لماذا؟ لكون الجار والمجرور وهو فِي الْهَيْجَاءِ -الحرب- متعلق بقوله: أَحْسَنَ، وهذا جائز. وَأكْرَمَ فِي اللَّزْباتِ -جمع لزبة، وهي الشدة والقحط- وَأكْرَمَ فِي اللَّزْباتِ عَطَاءَهَا، في اللزبات متعلق بقوله: أكرم، وعطاءها مفعول أكرم، إذن جاز التوسط بينهما، جاز لكونه متعلقاً به؛ لأن كلاً منهما معمول لأفعَل. وَأَثْبَتَ فِي المَكْرُمَاتِ بَقَاءَهَا الحكم واحد. وقول علي وقد مر بعمار فمسح التراب على وجهه: [أَعْزِزْ عَلَيَّ - أَبَا اليَقْظَِان - أَنْ أَرَاكَ صَرِيعاً مُجَدَّلاً]. ومما ورد منه في النظم قول بعض الصحابة رضي الله عنهم: وَقَالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينْ تَقَدَّمُوا ... وَأَحْبِبْ إِلَيْنَا أَنْ تَكُونَ المُقَدَّمَا أَحْبِبْ إلَيْنَا .. خَلِيْلَيَّ مَا أَحْرَى بِذِي اللُّبِّ أَنْ يُرَى ... صَبُورَاً وَلكِنْ لاَ سَبِيْلَ إلَى الصَّبْرِ أين الشاهد؟ مَا أَحْرَى أنْ يُرَى بِذِي اللُّبِّ، هذا متعلق بقوله: أَحْرَى. إذن الخلاصة: أن الأصل .. أنه لا يجوز أن يفصل بين فعل هذا الباب ومعموله، ولا أن يتقدم معموله عليه، وأما الفصل بالظرف والجار والمجرور فالصواب فيه التفصيل: إن كان الجار والمجرور متعلقين بغير فعل الباب فالمنع بلا خلاف. قال في شرح التسهيل: بلا خلاف، وإن كانا معمولين لفعل الباب ففيه خلاف، والصواب: الجواز. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

85

عناصر الدرس * شرح الترجمة. نعم وبئس وما جراهما. * نعم وبئس. فعلان لا إسمان * حالات فاعل. نعم وبئس. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: نِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا أي: هذا باب بيان ما يتعلق بِـ: نِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا، فجعل الباب يشتمل على نوعين: أولاً: نِعْمَ وَبِئْسَ وهما أصل الباب، والثاني: ما حمل على نعم وبئس في المعنى والعمل، أو في المعنى دون العمل. نِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا: أي: في المدح والذم، كحبذا وساء، سيأتي أنه: وَاجْعَلْ كَبِئْسَ سَاءَ، كذلك في المدح أو الذم: حبذا ولا حبذا. نعم وبئس في لسان العرب لهما استعمالان: أن يستعملا متصرفين كسائر الأفعال، حينئذٍ يكون لهما مضارع وأمر واسم فاعل وغيرها كشأن الأفعال المتصرفة، حينئذٍ لا يكونا جامدين كما هو الشأن في الاستعمال الثاني. إذن: أن استعملا متصرفين كسائر الأفعال حينئذٍ يشتق من الماضي مضارعٌ وأمرٌ واسمٌ فاعل وغيرها، وهما إذ ذاك للإخبار بالنعمة والبؤس، فتقول: نعم زيدٌ أو نَعِمَ زيدٌ بكذا ينعم به فهو ناعمٌ، ينعم فعل مضارع، وناعم هو اسم فاعل، وبئسُ يبأس فهو بائس. إذن: على هذا النوع نقول: هذا الاستعمال ليس وارداً في هذا الباب، وليس هو المقصود؛ لأن نعمَ وبئسَ كما قال الناظم هنا فِعْلاَنِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ، وهما في هذا الاستعمال اشتق لهما مضارع وأمر اسم فاعل. إذن: ليس هذا النوع هو الذي عناه الناظم رحمه الله تعالى. النوع الثاني أو الاستعمال الثاني: أن يستعملا لإنشاء المدح والذم، وسبق أن الكلام قسمان: خبرٌ وإنشاء، خبرٌ، وهو ما احتمل الصدق والكذب لذاته، وإنشاءٌ، وهو ما لم يحتمل الصدق والكذب، حينئذٍ نعم الرجل زيدٌ، نقول: أريد به إنشاء المدح، يعني: أنه ليس موجوداً، وإنما وجد بهذه الجملة: نعم الرجلُ زيدٌ، وبئس الرجل زيدٌ، نقول: المراد به إنشاء الذمِ وإنشاء المدح، يعني: بهذا التركيب حصل المدح، وبهذا التركيب حصل الذمُّ. فلم يكن موجوداً في الخارج، ثم أخبر عنه؛ لأن هذا شأن الخبر، الخبر إنما يكون عن شيء موجود سابق، ولذلك من باب التقريب في ضبط الخبر والإنشاء أن يقال: بأن متعلق الخبر ماضٍ .. شيءٌ وقع وحصل، ومتعلق الإنشاء شيء مستقبل .. يقع في المستقبل، كل ما لم يقع قبل التلفظ فهذا إنشاء، وكل ما وقع قبل التلفظ بالجملة فهو خبر، هذا من باب التقريب فحسب، وإلا قد يستعمل الإنشاء في مقام الخبر، والعكس بالعكس.

إذن: يستعملا بئسَ ونعمَ لإنشاء المدح والذم، وهما في هذا الاستعمال لا يتصرفان، يعني: يلزمان حالة واحدة وهي الفعل الماضي نِعْمَ وَبِئْسَ فحسب، فلا يشتق منهما فعل مضارع ولا أمرٌ ولا اسم فاعل بخلاف الاستعمال الأول؛ لخروجهما عن الأصل في الأفعال؛ لأن الأصل في الفعل أن يكون دالاً على حدث وزمن، وهذا هو الأصل، ولكن نِعْمَ وَبِئْسَ لا يدلان على الحدث ولا على الزمن، فكيف حينئذٍ نقول: هما فعلان؟ نعم هما فعلان، ويصدق عليهما حد الفعل، كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة، كيف اقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة، ونحن نقول هنا: سُلب منها الزمن، وسُلب منها الحدث؟ نقول: النظر هنا باعتبار الوضع، فلا عبرة بسلب الزمن طارئاً، فإذا قيل: كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة، حينئذٍ خرج نِعْمَ وَبِئْسَ، ودخل اسم الفاعل واسم المفعول، ولذلك الصواب أن يزاد في حد الاسم وفي حد الفعل وضعاً، يعني: باعتبار الوضع هو الذي يكون مآلاً في ضبط الأسماء وضبط الأفعال، فيقال: كلمة دلت على معنى في نفسها واقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة وضعاً يعني: في أصل الوضع، فإن نزع منها الدلالة على المعنى بالاستعمال لا يخرجها عن كونها فعلاً، فإن نزع منها الدلالة على أحد الأزمنة الثلاثة، حينئذٍ نقول: لا يسلبها وصف الفعلية، وإنما النظر في الأصل، حينئذٍ نقول: نعم في الأصل دال على حدثٍ وزمن، وبئسَ في الأصل .. أصل الوضع دال على حدثٍ وزمن، لكن لما استعملا في المدح والذم، حينئذٍ يرد السؤال: هل الذم والمدح يناسبه أن يكون الفعل الدال عليهما في زمن مضى وانتهى أم يناسبه أن يدل عليه فعلٌ في كل زمنٍ؟ لا شك أنه الثاني، تقول: نعم الرجل زيدٌ، مدحته، متى؟ في الزمن الماضي والآن انقطع؟ هذا لا يناسب المدح، وإنما يناسب المدح أن يكون مستمراً، ويناسب الذم الذي ينبني عليه الأحكام أن يكون مستمراً، وهذا لا يناسبه أن يدل عليه بفعلٍ ماضي ينقطع، ولذلك سُلب الزمن من نِعْمَ وَبِئْسَ للدلالة على الاستمرار، حينئذٍ نعم الرجل زيدٌ في كل وقت؛ في الماضي وفي الحال وفي المستقبل، إذن: سلبُ الزمن من: نِعْمَ وَبِئْسَ نقول: هذا عارض، لاستعمالهما في المدحِ والذمِ؛ لأن المدح والذم لا يناسبه الزمن الماضي المنقطع، ولا الزمن المستقبل، ولا الزمن الحال الذي مآله الانقطاع ينتهي، زيدٌ يصلي الآن، إذن: بعد وقت لا يصلي، لو قيل: نمدح زيد الآن: ينعمُ زيدٌ، ينعمُ الرجلُ الآن، حينئذٍ نقول: ماذا حصل؟ حصل المدح في هذا الزمن الحال، وبعد ذلك وقبل ذلك؟ نقول: هذا لا يناسبه المدح. إذن: نقول: هما غير متصرفين لجمودهما، وخروجهما عن الأصل في الأفعال من الدلالة على الحدثِ والزمانِ، فأشبها الحرف، كما أن الحرف لا يتصرف كذلك ما أشبه الحرف لا يتصرف، حينئذٍ نقول: نِعْمَ وَبِئْسَ بالمعنى الطارئ عليهما لا يدلان إلا على المدحِ والذمِ، والكلام هنا باعتبار الاستعمال الثاني، لا باعتبار الأول.

نِعْمَ وَبِئْسَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا: يعني: ما سلك مسلك نِعْمَ وَبِئْسَ في المدح والذم كحبذا وساء. ونِعْمَ وَبِئْسَ هكذا: نِعْمَ، أصلهما على وزن فَعِلَ، كذلك بَئِسَ هذا الأصل فيهما، وقد يردان كذلك: نَعِمَ وَبَئِسَ، هذه لغة فيها، أو بسكون العين وفتح الفاء، نَعْمَ، بَئْسَ، نَعم الرجل زيدٌ، وبَئسَ الرجلَ زيدٌ، وكسرها: نعِمَ وبَئِسَ كذلك، وكسر الفاء مع إسكان العين: نِعْمَ وبِئْسَ وهذا هو الأصل، أو بكسرهما معاً: نِعِم وبِئِس، نِعِم هذه مستعمل: نِعِم بكسر الفاء والعين، وكذلك بِئِس، نقول: هذه لغة فيها، وأفصحها: نِعْمَ ثم نِعِم ثم نَعْمَ ثم نَعِمَ هذه أربع لغات، والناظم ذكرها باللغة المشهورة نِعْمَ وَبِئْسَ، وقد يقال في بِئْسَ بَيْسَ، بياءٍ مبدلة عن الهمزة على غير قياس: بِئْسَ بَيْسَ، جميل هذا. فِعْلاَنِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ ... نِعْمَ وَبِئْسَ رَافِعَانِ اسْمَيْنِ نِعْمَ وَبِئْسَ: نِعْمَ مبتدأ مؤخر وبِئْسَ معطوف عليه، وفِعْلانِ: هذا خبر مقدم، غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ: هذا نعت لفعلانِ، رَافِعَانِ اسْمَيْنِ، أعربها المكودي نعت لفعلانِ، يعني: نعت ثاني، فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ رَافِعَان اسْمَيْنِ نِعْمَ وَبِئْسَ هذا التركيب، حينئذٍ فيه فصلٌ بين المنعوت ونعته بالمبتدأ الذي هو نِعْمَ وَبِئْسَ. قال: ولا يجوز أن يكون غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ ورَافِعَانِ أخباراً، لا يجوز أن يكون غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ خبر؛ لأنه يحتمل أن نقول: فِعْلانِ: خبر أول، تعدد الخبر، غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ هذا خبر ثاني، رَافِعَانِ هذا خبر ثالث، هذا جائز من حيث الصنعة، من حيث الصنعة وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأكْثَرَا عَنْ وَاحِدٍ، تقول: هذا جائز، لكن من حيث المعنى لا. ولا يجوز أن يكون غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ ورَافِعَانِ أخباراً؛ لأنهما قيد في فعلين، قيد لهما، وليس المراد أن يخبر بهما عن نِعْمَ وَبِئْسَ، فالمراد هنا أنه يقيِد فِعْلانِ، وليس المراد أنه يخبر عن نِعْمَ وَبِئْسَ، نعم هذا صحيح، إذا قلت الكلام هكذا: نِعْمَ وَبِئْسَ مبتدأ، فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ، غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ خبر لنعمَ أو لفعلين .. نعت له؟ الظاهر الثاني، أن غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ نعت لـ فِعْلانِ، رَافِعَانِ اسْمَيْنِ، نقول: كذلك الأصل فيه أنه نعت لـ فِعْلانِ، لكن لا مانع من جعل رَافِعَانِ خبراً لمبتدأ محذوف، وأكثر المعربين للألفية جعلوا هكذا: أن رَافِعَانِ خبراً لمبتدأ محذوف تقديره وهما رَافِعَانِ اسْمَيْنِ، اسْمَيْنِ هذا مفعول به لـ رَافِعَانِ، رَافِعَانِ مثنى رافع وهو اسم فاعل فنصبه مثنى، وَمَا سِوَى الْمُفْرَدِ مثْلَهُ جَعِلْ، إذن: رفع برافع، فإذا قيل رَافِعَانِ خبراً لمبتدأ محذوف تقديره هما، والواو يحتمل أنها واو الحال لا بأس، أو على الاستئناف، حينئذٍ أخبر عن نِعْمَ وَبِئْسَ بخبرين أولاً: كونهما فعلين، وكون الفعلين غير متصرفين، وأخبر عنهما بكونهما رافعينِ ولا بأس بهذا .. لا إشكال فيه.

فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ نِعْمَ وَبِئْسَ، حكم على نِعْمَ وَبِئْسَ بأنهما فعلان، وهذا على مذهب جمهور البصريين وهو المرجح أن نِعْمَ وَبِئْسَ فعلانِ وليس اسمين خلافاً للفراء ومن وافقه من الكوفيين، بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهم، وسبق أن تاء التأنيث الساكنة من خواص الأفعال، بل من خواص الفعل الماضي، وأتت -كما سبق- وأتت، أي: تاء وأتت، دالة على تأنيث المسند إليه، وهذه من خواص الفعل، بل من خواص الفعل الماضي، فلما اتصلت تاء التأنيث بِـ نِعْمَ وَبِئْسَ حكمنا عليهما بكونهما فعلين؛ لأنه اتصل بهما ما هو من خصائص الأفعال، ولذلك جاء في الحديث: {فَبِهَا وَنِعْمَتْ}، ويقال: نعمت المرأة هند، وبئست المرأةُ دعدٌ، إذن: أنثنا، نعمت المرأةُ، المرأةُ هذا فاعل، ونعمت دخلت عليه تاء التأنيث فدل على أنه فعلٌ لأنه لا يؤنثُ بهذه التاء الخاصة إلا الفعلُ، وكذلك بئست المرأةُ لا يؤنث بئسَ إلا لكونه فعلاً. وحكى الكسائي قولهم: نعما رجلينِ، ونعموا رجالاً، نعما رجلينِ، نعما الألف هذه فاعل، والفاعل هذا ضميرٌ بارز، والضمير البارز المتصل لا يتصل إلا بالفعل، فدل على أنه فعلٌ، كذلك نعموا رجالاً بالواو، هذا وإن كان شاذاً يحفظ ولا يقاس عليه إلا أنه تؤخذ منه أحكام، ولذلك سبق معنا قاعدة: أن ما كان شاذاً قد يصرح به للدلالة على الأصلية ... على أنه هو الأصل، حينئذٍ يعتبر في أخذ الأحكام، فلا نقول: هذا شاذ لا يفرع عليه، لا، نقول: نستفيد منه أنه اتصل به ضمير الاثنين في قوله: نعما رجلين، وضمير الواو نعموا رجالاً؛ لأن ضمائر الرفع لا تتصل إلا بالأفعال. إذن: حكمنا بكون نِعْمَ وَبِئْسَ فعلين بدليلين: الأول: اتصال تاء التأنيث بهما، وتاء التأنيث لا تتصل إلا بالفعل، ثانياً: اتصال الضمائر البارزة بهما، كما فيما حكاه الكسائي: نعما رجلين ونعموا رجالاً، وضمائر الرفع المتصلة لا تتصل إلا بالأفعال، فهذا مذهب البصريين وهو المرجح، وذهب جماعة من الكوفيين ومنهم الفراء إلى أنهما اسمان: نِعْمَ اسم، وبِئْسَ اسم، حينئذٍ نقول: ما الدليل على اسميتهما وقد دخلت التاء على نِعْمَ وَبِئْسَ، ما الدليل؟ قالوا: الدليل دخول حرف الجر على نِعْمَ وَبِئْسَ، وحروف الجر من خصائص الأسماء، كما استدللتم أنتم بأن تاء التأنيث من خصائص الأفعال، وحكمتم على نِعْمَ وَبِئْسَ بأنهما فعلان، نحن نحكم عليهما بأنهما اسمان لدخول ما هو من خصائص الأسماء، واستدلوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم: نعم السيرُ على بئس العير، وقول الآخر: والله ما هي بنعم الولدُ، حينئذٍ دخلت الباء على بئس: نعم السير على بئسَ، كما تقول: علا الرجلُ، هذا فعل، وتقول: جلستُ على الكرسي، الكرسي هذا اسم لدخول على عليه.

إذن: دخل حرف الجر على بئسَ فدل على أنها اسمٌ، كذلك: بنعمَ الولدُ، دخلت الباء على نِعمَ فدل على أنها اسمٌ، حينئذٍ يرد الإشكال لابد من الجواب، ونحن نسلم معهم بأن حرف الجر من خصائص الأسماء، لكننا لا نسلم بأننا ظاهريون، وهو أنه كلما وجد حرف الجر داخلاً على كلمة فهي اسمٌ، لا، نقول: مدخول حرف الجر قد يكون اسماً ظاهراً وقد يكون اسماً مؤولاً بالظاهر، اسماً ظاهراً منطوقاً به، وقد يكون اسماً مؤولاً بالظاهر، لما ثبتت فعلية بئس ونعم باتصال ما هو من خصائص الأفعال بهما، حينئذٍ تعين أن نحمل بئس ونعم في هذين المثلين على أن حرف الجر لم يدخل على بئس ونعم، وإنما دخل على اسم؛ لأنه من خصائص الاسمية، فلابد أن يكون ما بعده اسم، وأمكن تأويل هذين المثلين، حينئذٍ نقول: لا خلاف بين دخول حرف الجر وبين اتصال تاء التأنيث بنعم وبئس، كل منهما على مورد، حينئذٍ لا خلاف، ولذلك أُوِّلَ دخول حرف الجر "على" على بئس والباء على نِعمَ، لكونهما مفعولين لقول محذوف، يعني: دخل حرف الجر على موصوفٍ محذوف، ما هي بنعم الولد، يعني: ما هي بولد مقولٍ فيه نِعمَ الولدُ، ما هي بولد مقول فيه حذف الموصوف وصفته وهو ولد، ما هي بولدٍ، إذن: الباء دخلت على ولد وهو اسمٌ، ولا إشكال فيه، الولد هذا موصوف بصفة، ما هي الصفة؟ مقولٍ فيه، فحذف الموصوف وصفة الموصوف، الولد والمقول حذفهما معاً، وأقيم مقول القول الذي هو نعم الولد مقام المحذوف فدخلت الباء عليه في اللفظ، حينئذٍ نحكم بكون الباء في (بنِعمَ) بأنها لم تدخل على نِعمَ مباشرة، وإنما دخلت على موصوف محذوف وصفته. لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف، وهو المجرور بالحرف لا نِعمَ وبئس، والتقدير: نِعمَ السير على عير مقولٍ فيه بئس العير، وما هي بولد مقولٍ فيه نِعمَ الولدُ، وهذا واضح بين، قد يقول قائل: لماذا تؤولون؟ نقول: لأنه قد سمع دخول حرف الجر على ما هو متفق عليه بيننا وبينهم، وهو الفعل الماضي. والله مَا لَيْلِي بِنَامَ صَاحِبُه والله مَا لَيْلِي بِنَامَ: نَامَ نَامَ فعل ماضي باتفاق البصريين والكوفيين، إذن: هل نقول بدخول حرف الجر هنا على نَامَ صار اسماً؟ لن نقول لا الكوفيون ولا البصريون، حينئذٍ نقول: دخول حرف الجر هنا على نام هل هو مخرج له عن الفعلية، بكون حرف الجر لا يدخل إلا على الاسم؟ نقول: لا؛ لأن حرف الجر ليس ظاهراً بأن كل ما دخل على لفظٍ حكمنا باسميته، نقول: لا، قد يكون داخلاً على محذوف، والله ما ليلي بليلٍ مقولٍ فيه نام صاحبه. إذن: مثل التقدير الذي قدرناه هناك، فلما وجِدَ مثل هذا المثال: والله مَا لَيْلِي بِنَامَ واتفقنا على تأوليه، حينئذٍ لما اتصلت التاء واتصلت الضمائر بنعم وبئس حكمنا عليهما بكونهما فعلين وأولنا بنعم الولد وعلى بئس العير، وهذا أمر مطرد وجمعاً بين النصوص وجمعاً بين الأدلة، وأما الكوفيون فمذهبهم ضعيف في هذا.

فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ، إذن: حكمنا على نِعْمَ وَبِئْسَ بأنهما فعلان، وكل فعلٍ يلزم منه أن يرفع فاعلً، حينئذٍ على مذهب البصريين تقول: نعم الرجلُ زيدٌ، نِعمَ: فعل ماضٍ مبني على الفتح، لم فعل ماضي؟ لاتصال ما هو من خصائص الأفعال به، ولماذا بنيَ؟ على الأصل، فلا يسأل عنه، نِعْمَ، ولم حرك؟ للتخلص من التقاء الساكنين، ولم كانت الحركة فتحة؟ طلباً للخفة، وما بعده يكون فاعلاً، نِعمَ الرجل، الرجلُ فاعل لنعمَ، ولذلك قال الناظم: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ على الفاعلية، نعم الرجل زيدٌ، وزيدٌ هذا مخصوص مبتدأ مؤخر، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر مقدم، وعلى رأي الكوفيين: نِعمَ الرجلُ زيدٌ هم يسلمون بهذا التركيب: نِعمَ الرجلُ زيدٌ، نِعمَ عندهم مبتدأ، وهو اسم بمعنى الممدوح مبني على الفتحِ في محل رفع، لم بني والأصل أنه معرب؟ قالوا: لتضمنه معنى الإنشاء وهو من معاني الحروف، كما بنيت أسماء الإشارة لتضمنها معنى الإشارة، إذن: نِعمَ هذا مبتدأ مبني على الفتح في محل رفع، والرجلُ عطف بيان أو بدل مرفوع بالضمة، لذلك رفع ليس فاعلاً، وزيدٌ خبر، إذن: نِعمَ زيدٌ مبتدأ وخبر، والرجل الذي وقع بينهما هذا يعرب عطف بيان أو بدل، ولذلك رفع نظراً لمحل نِعمَ، لكن يرد عليه إشكال، وهو قول القائل السابق: نعم السير على بئس العيرُ، هم أعربوا: نِعمَ الرجل على أنه بدل .. بدل المرفوع مرفوع، وبِئسَ الرجل بدل المرفوع مرفوع، أو عطف بيان، حينئذٍ يكون آخذاً حكم ما سبق، لكن بِنِعمَ الولدُ؟ إذا حكمنا على نِعمَ بأنها اسم حينئذٍ هو مجرور فلماذا قيل: الولدُ بالرفع؟ إذا كان ما بعد نعم يكون عطف بيان أو بدل، حينئذٍ الأصل: بِنعمَ الولدِ وعلى بئس العيرِ بالجر، هذا الأصل، اعترض عليهم، ما هي بنِعمَ الولدُ: كان القياس ما ذهب إليه هؤلاء أن يكون الولدُ بدلاً أو عطف بيان من نعم المخفوض محلاً بالباء، والعير كذلك من بئس في قوله على بئس العيرُ، لكن الرواية بالرفع، هذا محل إشكال. وخُرِّج ذلك على أن (ما) نافية مهملة، ما هي (ما) مهملة، و (هي) مبتدأ، وبنِعمَ الباء حرف جر زائد، ونِعمَ خبر، حينئذٍ صار نعم لها محلان، رفعٌ وخفضٌ، خفضٌ بالباء الزائدة؛ لأنها واقعة بعد (ما)، وسبق أن (ما) مطلقاً سواء كانت حجازية أو تميمية وحجازية مهملة أو عاملة تدخل الباء في خبر (ما) حينئذٍ الباء هنا زائدة، ونِعمَ نقول: هذا مجرور، فله محلان، جر بالباء وله محل لأنه خبر مرفوع، إذن: الولدُ بالرفع بناء على محل نِعمَ على أنه خبر للمبتدأ. وخُرِّج ذلك على أن (ما) نافية مهملة، هي مبتدأ وبنِعمَ الباء حرف جر زائد، نعم اسم بمعنى الممدوح وهو خبر المبتدأ مبني على الفتح وله محلان، الجر بالنظر إلى الباء والرفع بالنظر إلى الخبرية، والولد عطف بيان على نِعمَ، باعتبار المحل، أو الباء أصلية، ونِعمَ في محل جر بها، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ هي، والولدُ نعت مقطوع فهو خبر مبتدأ محذوف. يعني: لو قيل: بأن الباء أصلية لا نقول بأنها زائدة، ما هي بنعم الولد، نقول: الباء أصلية، جار ومجرور متعلق بمحذوف، حينئذٍ صار خبراً للمبتدأ هي.

طيب. الولدُ بالرفع لا إشكال، فالأصل فيه أنه نعت، والنعت يجوز قطعه عن المنعوت، فتقول: بنعم هي الولدُ فصار خبر مبتدأ محذوف. إذن: هذا على مذهب الكوفيين، وقلنا: الصواب أنهما فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ، حينئذٍ ما بعدهما يعرب فاعلاً ولا يعرب خبراً. فِعْلانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ ... نِعْمَ وَبِئْسَ رَافِعَانِ اسْمَيْنِ رَافِعَانِ قلنا: هما رافعان، خبر مبتدأ محذوف، اسْمَيْنِ هذا مفعول به لرافعان، رَافِعَانِ معاً اسمين أو كل واحد منهما يرفع اسماً؟ كل واحد منهما يرفع اسماً، لا أن كل واحد يرفع اسمين، قد يفهم من العبارة ذلك، لكن ليس هذا المراد، المراد: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ، أن كل واحد منهما يرفع ما بعده على أنه فاعل له. يعني: أن كل واحد منهما يرفع اسماً، ومجموعهما يرفع اسمين، لا أن كل واحد منهما يرفع اسمين، رَافِعَانِ اسْمَيْنِ على الفاعلية، سواء كان هذا الاسم ظاهراً أو مضمراً. فهم أن رفع الاسمين بعدهما على الفاعلية؛ لتصريحه بفعليتهما؛ لأنه قد يقال: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ لا يلزم أن يكون فاعلاً، نقول: لا هو قال: فِعْلانِ، إذن: حكم على نعم بكونها فعل، وإذا رفع الفعل اسماً حينئذٍ رفعه على أنه فاعل لا على أنه خبر، هذا واضح بين؛ لأنه صرح بفعلية نِعْمَ وَبِئْسَ، ثم ذكر أن لهما اسمين مرفوعين بهما، يقتضي ذلك أنهما على الفاعلية، ثم لما كان فاعل نِعْمَ وَبِئْسَ له خصائص أراد أن يبين خصائص فاعل نِعْمَ وَبِئْسَ؛ لأنه ينفرد عن كل فاعل ببعض الأحكام الخاصة به، فقال: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ .. مُقَارِنَىْ أَلْ أوْ مَضَا فَينِ لِمَا قَارَنَهَا .. وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ هذه ثلاثة أنواع لفاعل نِعْمَ وَبِئْسَ. إذن: ليس كل اسم ظاهر يصح أن يرفع على أنه فاعل لِـ نِعْمَ وَبِئْسَ، بل لابد من ضوابط. قال: مُقَارِنَىْ (ألْ): مُقَارِنَىْ صفة لاسمين، رافعان اسمين على الفعلية. مُقَارِنَىْ (أَلْ): مُقَارِنَىْ مضاف و (أَلْ) مضاف إليه، ومُقَارِنَىْ أين النون؟ حذفت للإضافة، و (أل) حرف تعريف، فكيف صار مضافاً إليه والمضاف لا يكون إلا اسماً؟ قصد لفظه. إذن: قصد لفظه مُقَارِنَىْ (أَلْ). إذن: النوع الأول أن يكون الفاعل مقارناً لـ (أل)، أي (أل)؟ الموصولية أم الزائدة أم المعرفة أم الاستفهامية؟ أطلق الناظم مُقَارِنَىْ (أَلْ)، والأصل في (أل) أنها معرِّفة، حينئذٍ مُقَارِنَىْ (أَلْ) لا الموصولة ولا الاستفهامية ولا الزائدة وإنما هي المعرِّفة. إذن: نقول النوع الأول من أنواع فاعل نِعمَ: أن يكون محلىً بالألف واللام، كما الناظم: (أل)، نِعمَ الرجلُ زيدٌ، نِعمَ العبدُ .. بئس الشرابُ، ((نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)) [الأنفال:40]، هذا النوع الأول أن يكون فاعل نِعمَ وبئس محلىً بـ (أل)، ثم أل هذه اختلف فيها، بعد أن سلمنا بأنها معرِّفة، وسبق أن المعرِّفة أنواع: جنسية وعهدية، والجنسية قد تكون حقيقة وقد تكون مجازية، والمعرِّفة قد تكون تعريف ذهني أو ذكري أو حضوري.

إذن: الاختلاف هنا لا يخرجها عن كونها معرِّفة، هي معرِّفة، اُختلف في أل هذه، نِعمَ العبد، نِعمَ المولى، نِعمَ النصير، فقال الأكثرون: هي للجنس، أكثر النحاة والبيانيين على أنها للجنس حقيقة لا مجازاً، فحينئذٍ مدحت الجنس كله من أجل زيد، جنس الرجل، يعني: إذا قلت: نِعمَ الرجل، جنس الرجل، فشمل كل من يصدق عليه هذا اللفظ، يعني: مدحت كل الأفراد، زيد وعمرو وخالد إلى ما لا نهاية، كل المدح هذا من أجل زيد. نِعمَ الرجل فمدحت الجنس كله، يعني: أريد بمدخولها جميع أفراد الجنس قصداً أو تبعاً للمدوح، فمدحت الجنس كله من أجل زيد، ثم خصصت زيداً بالذكر، فتكون حينئذٍ مدحته مرتين، ويكون من باب ذكر الخاص بعد العام، كأنه ذُكر العام أولاً ثم خصصته بالذكر، وهذا مبالغة في المدح .. غاية أن تمدح كل الرجال من أجل زيد، يعني من أجل أن تثني على زيد، ثم بعد ذلك تخصه بالذكر، فحينئذٍ دخل أولاً في الرجل، ثم نصصت عليه مرة أخرى، فحينئذٍ مدحته مرتين، فإذا قلت: نِعمَ الرجلُ زيدٌ فالجنس كله ممدوح، وزيدٌ مندرج تحت الجنس، الجنس المراد به الأفراد هنا، شمل كل الأفراد حقيقة. فالجنس كله ممدوح وزيدٌ مندرج تحت الجنس؛ لأنه فرد من أفراده، وفي تقريره قولان، يعني: كيف وصلنا إلى هذا المدح. الأول: أنه لما كان الغرض المبالغة في إثبات المدح للممدوح، جعل المدح للجنس الذي هو منه، إذ الأبلغ في إثبات الشيء جعله للجنس حتى لا يتوهم كونه طارئاً على المخصوص، يعني: مثلما قال ابن عقيل، جعلنا المدح منصباً أولاً على كل أفراد الجنس، ثم ذكرناه بعد ذلك.

الوجه الثاني في تقرير المدح هنا: أنه لما قصدوا المبالغة عدَّوا المدح إلى الجنس مبالغة، ولم يقصدوا غير مدح زيدٍ، فكأنه قيل: ممدوح جنسه لأجله، يعني: مُدح الجنس ظاهراً لا حقيقة، وهذا أشبه ما يكون بالقول الثاني وهو المجازي؛ أنه لما قصدوا المبالغة عدوا المدح إلى الجنس مبالغة يعني في المدح، ولم يقصدوا غير مدح زيدٍ، فكأنه قيل: ممدوحٌ جنسُه لأجله، فالجنس ممدوح تبعاً لا قصداً، يعني: القول الأول أن الجنس ممدوحٌ قصداً وتبعاً لزيد، وعلى القول الثاني أن الجنس غير مراد هنا، بل مدح تبعاً لزيد. وقيل: هي للجنس مجازاً، فإذا قلت: نعم الرجلُ زيدٌ، جعلت زيداً جميع الجنس مبالغةً ولم تقصد غير مدح زيد، يعني: كأنك أسندت المدح إلى الجنس ظاهراً، وأنت مقصودك بالمدح زيد فحسب، لم تقصد الجنس، وإنما ذكرت الجنس مبالغة فحسب، ولذلك الأكثر على أنه ليس مجازاً. وقيل: هي للجنس مجازاً، وكأنك قد جعلت زيداً الجنس كله مبالغةً، وقيل: للعهدِ، ثم اختلف، قيل: العهد الذهني، وقيل: العهدُ الخارجي، فعلى القول بأنها للعهدِ الذهني؛ لأن مدخولها فرد مبهم؛ وذلك كقول القائل: ادخل السوق، اشتري اللحمَ، إذا قال قائل: اذهب إلى المسجد، ولم يكن ثم بينك وبينه عهد، هل المراد أل هنا تشمل كل المساجد؟ اذهب صلِّ في المسجد، أو اذهب إلى السوق، أو اشترِ اللحم، لو قيل: أل هنا للاستغراق أو للجنس، حينئذٍ دخل كل سوق تحت قولنا: ادخل السوق، ودخل كل مسجد تحت قولنا: ادخل المسجد أو صلِّ في المسجد، نقول: لا، المراد به هنا واحد مفرد .. فرد، لكنه مبهم غير معين، فصار كأنه معين من جهة العرف؛ لأنه لا يتصور عقلاً أنك تدخل كل سوق أو أنك تصلي في كل مسجد أو أنك تشتري كل ما يصدق عليه اللحم، لا، المراد بالحقيقة العرفية المتعارف بين المخاطب والمتكلم أنك إذا قيل لك: ادخل السوق يعني: سوق واحد، لكن هذا السوق غير معين، فهو فردٌ مفهم، فإذا قيل: نعم الرجلُ فحينئذٍ مدحت واحداً فقط، لكنه فرد مفهم، ثم عينته، فقلت: نِعمَ الرجلُ زيدٌ وهذا أقرب إلى الحقيقة من ذاك الذي تمدح الناس كلهم من أجل زيد. ادخل السوق ولا تريد الجنس ولا معهوداً بينك وبين المخاطب، أما لو كانت أل للعهد لا، الحكم يختلف، لو قلت لك: ادخل السوق وأنا بيني وبينك معهود .. سوق معين لا، ليس الأمر كذلك، وإنما المراد إذا لم يكن بيني وبينك خطاب يعني سابق، حينئذٍ نقول: أل هنا للعهد الذهني والمعهود مفرد أو فرد مبهم غير معين، فإذا قيل: نعم الرجلُ مدحت الرجل، لكنه مبهم وهو فرد داخل تحت الرجل، ثم عينته فقلت: زيد. وقيل: للعهد الخارجي والمعهود هو الفرد المعين يعني: الشخص الذي مدحته، الذي هو المخصوص بالمدح أو الذم، فالرجل في نِعمَ الرجل: زيد، نِعمَ الرجلُ: من هو؟ زيد معين، فرد معين، ثم قلت: زيد، والأصل أن يقول: نِعمَ الرجلُ هو، لكنه أقيم هنا الظاهر مقام الضمير، وإلا الأصل أن يقال: نِعمَ الرجلُ هو.

إذن: أل هذه مُقَارِنَىْ (أَلْ) نقول: أكثر النحاة والبيانيين على أنها جنسية، ثم اختلفوا هل هو الجنس الحقيقي أو المجازي؟ الأكثر على أنه الحقيقي، وقال بعضهم: المراد به العهد، ثم اختلفوا، هل العهد الخارجي أو العهد الذهني؟ على كلٍّ الأقرب إلى الحقيقة أن يقال: العهد الذهني، أما أكثر النحاة فاختاروا ما ذكرناه. مُقَارِنَىْ (أَلْ): هذا النوع الأول، أَوْ: للتنويع، وهو النوع الثاني من فاعل نِعمَ وبئسَ، مَضَافَينِ: يعني: لا يكونان مقارني لـ (أل)، انتفت (أل). إذن عندنا مرحلة ثانية: وهي أن يكونا مضافين لما قارنها، مثل ماذا؟ نِعْمَ عُقْبَىْ الْكُرَمَا كما قال الناظم هنا: نِعْمَ عُقْبَىْ، ما فيه أل، هو فاعل نِعمَ، لكنه أضافه إلى ما فيه أل، فجوز أن يكون فاعلاً لنِعمَ. أَوْ مَضَافَينِ لِمَا: مضافين هذا معطوف على قوله: مُقَارِنَىْ، ولِمَا هذا متعلق به، لأنه مضاف اسم مفعول، قَارَنَهَا .. مضافين لما قارنها: يعني: للذي قَارَنَهَا، وقَارَنَهَا صلة الموصول، كقولك: الكاف داخل على مقول محذوف، كقولك: نِعْمَ عُقْبَىْ الْكُرَمَا .. الكرماءُ بالهمز، لكنه قصره للضرورة. إذن: نِعْمَ فعل ماضي وعُقْبَىْ فاعله، وحينئذٍ لو قيل: ما دخلت عليه أل؟ نقول: نعم، لكنه أضيف إلى ما فيه (أل)، وهذا جائز. أَوْ مُضَافَيْنِ لِمَا قَارَنَهَا: يعني: قد لا تضاف إلى ما فيه أل، قد يضاف فاعل نِعمَ إلى لفظ لم يقترن بـ (أل)، لكنه يضاف هو إلى ما فيه (أل)، وهذا داخل في قول الناظم: قَارَنَهَا. ولذلك قال الصبان: أَوْ مَضَا فَينِ لِمَا قَارَنَهَا ولو بواسطة، إما أن يكون مباشراً لها، مثل: عُقْبَىْ الْكُرَمَا، مضاف إليه باشر أل، أو قد لا يكون فيه أل، لكنه أضيف هو أيضاً إلى ما فيه أل، كقول الشاعر: فَنِعْمَ ابنُ أُخْتِ الْقَوْمِ فَنِعْمَ ابنُ أُخْتِ: لو وقفنا إلى هنا قلنا: لا يجوز؛ لأن ابن هذا فاعل نِعمَ، وهو قد أضيف، لكنه لم يضف إلى ما فيه أل، لكننا نقول: لا، قد أضيف هذا أُخْتِ إلى ما فيه أل وهو الْقَوْمِ، وظاهر كلام الناظم أنه لا يريد هذا النوع لقلته، ولكن لا مانع من إدخاله، فنقول: أَوْ مُضَافَيْنِ لِمَا قَارَنَهَا ولو بواسطة، حينئذٍ أُخْتِ هو الواسطة هنا. فَنِعْمَ ابنُ أُخْتِ الْقَوْمِ غَيْرَ مُكَذَّبِ ولم ينبه عليه لكونه بمنزلة السابق، وقد نبه عليه في التسهيل .. هو نفسه رحمه الله. وَيَرْفَعَانِ: هذا النوع الثالث أو الربع، النوع الثالث باعتبار كلام الناظم في ظاهره، والنوع الرابع باعتبار ما زدناه.

وَيرْفَعانِ أَيضًا عَلى الفَاعِليَّة مُضْمَراً يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ، هذا النوع الثاني من الفاعل الذي يرفعه نِعْمَ وَبِئْسَ، قلنا: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ ظاهراً أو مضمراً، يحتمل هذا وذاك فهو داخل فيه، فحينئذٍ رَافِعَانِ اسْمَيْنِ ظاهراً ومضمراً، وَيَرْفَعَانِ أيضاً على الفاعلية مُضْمَراً هذا مفعول لقوله يَرْفَعَانِ، والألف في يَرْفَعَانِ فاعل، ورفعه يكون بثبوت النون، ما الدليل؟ وَاجْعَلْ لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ النُّونَا رَفْعاً، إذن: مرفوع بثبوت النون أو بثبات النون، وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً: مُضْمَراً: مبهماً، لابد أن يكون مبهماً، هذا الشأن فيه، يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ: ظاهره أنه متأخر ولا يتقدم، وهذا قول جمهور النحاة؛ أن ضمير المرفوع بنِعمَ وبئسَ على أنه فاعل لهما، يجب أن يُفَسَّر بـ (مُمَيّزٍ) لأنه مبهم في نفسه. كَنِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهُ، يعني: كقولك، الكاف إذا دخلت على جملة لابد من التأويل، فنقول: كقولكَ داخلة على محذوف هو قوم، نِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهُ، ننزل كلام الناظم هنا نِعْمَ فعل ماضي، وهو غير متصرف، وقَوْماً: هذا بالنصب، لا يصلح أن يكون فاعلاً؛ لأنه ليس مقارناً لـ (أل)، وليس مضافاً لما فيه أل، حينئذٍ يتعين أن يكون الضمير مستتراً هنا فاعلاً لنعم، فنقول: نِعْمَ فعل ماضٍ وفاعله ضمير مستتر، قَوْماً: هذا واجب ذكره، لماذا؟ لأن الضمير الذي أسند إليه نِعْمَ مبهم، لابد من تفسيره، من مرجع يفسره، هذا المراد، فقوماً منصوبٌ على التمييز، على أنه مفسر للضمير المستتر في نِعمَ، وواجب التأخير عند جمهرة النحاة، حينئذٍ يلزم منه عود الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبة، وقلنا: هذا من المسائل المستثناة، ستة أبواب أو ست مسائل استثناها النحاة؛ من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة خلافاً للأصل المطرد في لسان العرب ومنها باب نِعمَ وبئسَ في هذا المقام، وهو أن نعم وبئس يرفعان ضميراً مستتراً، ثم نقول: يجب أن يفسر بتمييز منصوب بعده، حينئذٍ رجع الضمير، نعم هو مثلاً أو هم قوماً لا يجوز إظهاره، لكن من باب التعليم، نِعمَ هم، هم من؟ ليس هناك كلام سابق رجع إليه، هم قوماً، إذن: هم رجع إلى قوماً وهو متأخر في اللفظ والرتبة، حينئذٍ نقول: هذا مما يستثنى في لسان العرب، وإلا الأصل في عود الضمير أن يكون على متقدمٍ لفظاً ورتبةٍ.

إذن: قَوْماً منصوبٌ على التمييز، والجملة في رفع نِعمَ، والفاعل في محل رفع خبر مقدم، ومَعْشَرُهُ نقول: هذا مبتدأ مؤخر، ويسمى المخصوص كما سيأتي، فمن المثال حينئذٍ نقول: المثال هنا دل على أن نِعمَ وبئسَ لا يكتفيان بالفاعل، بل لابد من اسم آخر يسمى مخصوصاً وسيأتي: وَيُذْكَرُ الْمَخْصُوصُ بَعْدُ، إذن: وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً: يعني: مبهماً على الفاعلية، يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ، فإذا قلت: زيدٌ نِعمَ رجلاً، لم يعد الضمير على زيد، بل على (رجلاً) هذا واضح، زيدٌ نعمَ رجلاً، في المثال الذي ذكره الناظم: نِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهُ لا يلتبس أن عود الضمير على المتأخر، لكن لو قلت: زيدٌ نِعمَ رجلاً، نعمَ هل الضمير هنا المستتر الذي هو فاعل يعود على زيد أو على رجل؟ على رجل، لا على زيد؛ لأنه هنا عمم الناظم: وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً مطلقاً سواء تقدم المخصوص أم تأخر، يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ هذه الجملة من فحواها تدل على أن المميز .. التمييز متأخر عن الضمير قطعاً وهذا واجب التأخير، حينئذٍ إذا قيل: زيدٌ نعمَ رجلاً، نقول: نِعمَ فيه ضمير، هذا الضمير لا يعود على زيد المتقدم، وإنما يعود على رجلاً المتأخر. إذن: قوله: يُفَسِّرُهُ مُمَيِّزٌ فيه أن الضمير يعود على المتأخر مطلقاً، ولو تقدم المخصوص على القول بجواز تقدم المخصوص، وحكى ابن هشام في القطر الإجماع على جوازه، ويجوز وصف هذا المميز: نعم رجلاً صالحاً زيدٌ، يجوز وصفه: نِعمَ رجلاً صالحاً زيدٌ، وكذا فصله: ((بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)) [الكهف:50]، بئسَ بدلاً للظالمين، فُصل بالجار والمجرور. وَيَرْفَعَانِ مُضْمَرًا يُفَسِّرُهْ ... مُمَيِّزٌ كَنِعْمَ قَوْمًا مَعْشَرُهْ أن يكون الفاعل مضمراً مفسراً بنكرة بعده منصوبة على التمييز، وهذا مذهب الجمهور، ولم يجوزوا أن يكون المذكور المرفوع فاعلاً كما سيأتي؛ لأنك إذا قلت: نعمَ رجلاً زيدٌ، بعضهم قال: لا نحتاج إلى ضمير، لا نحتاج إلى أن نقول الفاعل ضمير، بل نقول: نعمَ رجلاً زيدٌ، زيدٌ هو الفاعل، كأنك قلت: نعمَ زيدٌ رجلاً، هذا نقول: فاسد لا يمكن، لماذا؟ لأن أولاً قولهم نِعمَ رجلاً أنت، وبئسَ رجلاً هو، فلو كان هذا المرفوع المتأخر على أنه فاعل لاتصل بارزاً في المثال الأول ومستتراً في الثاني: نِعمَ رجلاً هو، يجوز أن يقع المخصوص ضمير منفصل هو، لو كان فاعلاً لوجب اتصاله، لا يصح أن يقال: نِعمَ رجلاً هو، لوجب أن يتصل بـ (نِعمَ)، ومتى ما أمكن الاتصال حينئذٍ لا يجوز أن يعدل إلى الانفصال، فلو كان الأمر كذلك لوجب اتصاله، لكن لما لم يتصل علمنا أنه ليس بفاعل.

إذن: نعم رجلاً أنت، ونِعمَ رجلاً هو، هذان المثالان يدلان على أن المرفوع بعد نِعمَ إذا وجد النكرة المنصوب على التمييز ليس بفاعل، إذ لو كان فاعلاً لاستتر في الثاني الذي هو (هو) وبرز في الأول الذي هو (أنت)، الثاني: قولهم: نِعمَ رجلاً كانَ زيدٌ، ما وجه الاستدلال على أنَّ نِعمَ رجلاً زيدٌ ليس بفاعل؟ نِعمَ رجلاً كان زيدٌ، هذا تركيب مسموع، لو كان الذي بعد رجلاً يجوز أن يكون فاعلاً لما دخل عليه كان؛ لأن كان تدخل على المبتدأ ولا تدخل على الفاعل، إذن: لما سمع نِعمَ رجلاً كان زيدٌ، دخلت كان على زيد، وهو المرفوع المتأخر بعد نِعمَ رجلاً، وكان لا تدخل على الفاعل، فدل على أنه لا يمكن أن يكون فاعلاً، ولذلك أوجب الجمهور أن يكون في مثل هذا التركيب ضميراً مستتراً واجب الاستتار، وله أحكام كما سيأتي. وأنه لا يجوز أن يرفع المذكور بعد التمييز على أنه فاعل لنِعمَ. نِعْمَ قَوْماً مَعْشَرُهْ، ففي نِعْمَ ضمير مستتر يفسره قَوْماً، ومَعْشَرُهُ مبتدأ. إذن: الجملة السابقة نِعْمَ قَوْماً نقول: هذه الجملة في محل رفع خبر مقدم، ومَعْشَرُهُ مبتدأ مؤخر، والرابط العموم .. الضمير للمبتدأ على أن المراد بالضمير الجنس، أو إعادة المبتدأ بمعناه وعلى أن المراد به الشخص، هذا سبق معنا في باب المبتدأ والخبر: وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ ... حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ قلنا: نعم الرجلُ زيدٌ، إما أن الرابط العموم، وإما أنه إعادة المبتدأ بمعناه، إذا جعلنا: أل في الرجل للجنس، حينئذٍ الرابط العموم، وإذا جعلناها عهدية، فالرابط إعادة المبتدأ بمعناه. إذن: فيه ضمير مستتر يفسره قَوْماً، ومَعْشَرُهُ مبتدأ، والرابط ما ذكرناه الضمير يعود على المبتدأ، وهذا الضمير المستتر له أحكام أربعة، ليست كسائر الضمائر. الأول: أنه واجب الاستتار، ليس بجائز الاستتار، فلا يبرز في تثنية ولا جمعٍ، استغناء بتثنية تمييزه وجمعه، يعني: قد يجمع التمييز وقد يثنى، فإذا ثني أو جمع حينئذٍ لا نحتاج إلى أن نجمع أو نثني الضمير، بل هو واجب الاستتار، وأجاز ذلك قومٌ من الكوفيين، وحكاه الكسائي عن العرب، ومنه قول بعضهم: مررتُ بقومٍ نعموا قوماً، أبرز الضمير على أنه فاعل، وقوماً هذا منصوب على أنه تمييز .. نكرة، نعموا قوماً، رجع الضمير من نعم متصل إلى قوماً. إذن: جمعه بناء على أن التمييز جمع، نقول: هذا نادرٌ بل شاذٌ يحفظ ولا يقاس عليه، بل يجب أن يكون مستتراً فلا يثنى ولا يجمع، حينئذٍ إذا أردنا التثنية أو الجمع، ثنينا وجمعنا التمييز، نِعمَ رجلينِ الزيدان، نِعمَ رجالاً الزيدون، فنكتفي برجالاً ورجلينِ، ونثني ونجمع كذلك المخصوص لابد من التطابق، حينئذٍ نقول: نِعمَ رجلينِ، رجلينِ هذا منصوب على التمييز وهو مثنى، ولا نقول: نعما –بالألف- رجلينِ، ولا نقول: نعموا رجالاً، لا، وإنما نثني ونجمع التمييز، فنكتفي به. وهذا نادر.

الثاني: أنه لا يتبع يعني بشيء من التوابع، وأما نحو: نِعمَ هم قوماً فشاذٌ، نِعمَ هم قوماً، الجمهور منعوا الإتباع وأعربوا هذا البيت على النحو التالي: نِعمَ: فعلٌ ماضي والفاعل ضمير مستتر وهم توكيد للضمير المستتر، نِعمَ هم قوماً، قوماً هذا تمييز، لكن حكموا عليه بكونه شاذاً يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن من شأن هذا الضمير أن لا يتبع، يعني لا يعطف عليه، ولو فصل بينهما فاصل، ولو كان مشروعاً عندهم، وكذلك لا يؤكد ولا يبدل منه، مطلقاً، جميع التوابع الأربعة لا ترِد في ضمير نِعمَ. إذن: نقول: هذا الضمير لا يتبع بشيءٍ من التوابع، وذلك لقوة شبهه بالحرف؛ لأن فهمه لفظاً ومعنى متوقفٌ على التمييز، نِعمَ الضمير ما هو؟ قوماً رجلاً .. إلى آخره، فنقول: لا يفهم الضمير، ولذلك قلنا: مضمراً مبهماً، لا يفهم الضمير إلا بالتمييز، يُفَسِّرُهْ يكشفه ويوضحه هذا التمييز. لأن فهمه لفظاً ومعنى متوقفٌ على التمييز الواقع بعده، وقد سمع نِعمَ هم قوماً، وخرجوه على أن الفاعل مستتر وهم توكيد للفاعل، وهذا شاذٌ عند الجمهور. الثالث: أنه إذا فسِّر بمؤنث لحقته تاء التأنيث وجوباً، نحو: نعمتِ امرأةٌ هندٌ، ولكن هذا ليس متفقاً عليه، وهذا سبق في باب الفاعل: وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا ... لأِنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ لكن ليس هو الذي معنا هنا. وَالْحَذْفَ فِي نِعْمَ الْفَتاةُ اسْتَحْسَنُوا: نحن الآن هنا نتحدث عن الفاعل إذا كان ضميراً، لا إذا كان اسماً ظاهراً محلىً بـ (أل) والحكم مختلف. أنه إذا فسر بمؤنث لحقته تاء التأنيث وجوباً، نحو: نعمت امرأةً -بالنصب- هندٌ، هندٌ هذا مخصوص وامرأةً منصوبٌ على التمييز والفاعل ضمير مستتر، والتاء هذه للتأنيث، تأنيث الضمير المستتر. وقيل: لا تلحق .. محل نزاع محل خلاف. وقيل لا تحلق، وإنما يقال: نِعمَ امرأة هندٌ استغناءً بتأنيث المفسِّر، وقيل: بجواز الأمرين. إذن: إذا كان المفسِّر مؤنثاً حينئذٍ في تأنيث الفعل ثلاثة أقوال: يجب التأنيث بناءً على أن المفسر .. التمييز مؤنث: نعمت امرأةً هندٌ، وقيل: لا يلزم اكتفاء بتأنيث المفسر أو المميز، وقيل: يجوز الأمران، هذه ثلاثة أحكام تتعلق بالضمير المستتر. وأما المفسِّر فيشترط فيه شروط: أولاً: أن يكون مؤخراً عنه، فلا يجوز أن يتقدم: رجلاً نِعمَ، لا يصح، وإنما يجب أن يكون مؤخراً عنه، فلا يجوز تقديمه على نِعمَ وبئسَ، فلا يقال: رجلاً نِعمَ زيدٌ، هذا فاسد. ثانياً: أن يتقدم على المخصوص فلا يجوز تأخيره عنه عند جميع البصريين، وعندهم نحو: نِعمَ زيدٌ رجلاً شاذٌ وقد أجازه الكوفيون، وهذا يأتي بحثه. أن يتقدم على المخصوص، يعني: أن تقول: نِعمَ رجلاً زيدٌ، ولا يصح أن يقال: نِعمَ زيدٌ رجلاً هذا شاذ عندهم، وإن كان الظاهر جوازه، وقد أجازه الكوفيون. الثالث: أن يكون مطابقاً للمخصوص في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فتقول: نِعمَ رجلاً زيدٌ، ونِعمَ رجلين الزيدان، ونِعمَ رجالاً الزيدون، ونِعمت فتاةً هندٌ لابد أن يكون مطابقاً للمخصوص إفراداً وتثنية وجمعاً، يعني: لا يقال: نِعمَ رجلاً الزيدان، ولا نِعمَ رجلين زيدٌ، لابد أن يكون مطابقاً له.

الرابع: أن يكون نكرة، التمييز يجب أن يكون نكرة، وهذا واضح، التمييز عند البصريين لا يكون نكرة، لكن يزاد عليه أن يكون نكرةً قابلاً لـ (أل)، نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا، أن يكون نكرة قابلاً لـ (أل)؛ لأن هذا التمييز خلف عن الفاعل المقرون بـ (أل)، فيجب أن يكون قابلاً لها، فلا يجوز أن يكون هذا التمييز من الألفاظ التي لا تقبل (أل)، مثل: مثل وغير وأَيٍّ وأفعل التفضيل المضاف أو المقرون بـ (من)، حينئذٍ كل ما لا يقبل (أل) ولو قلنا بأنه نكرة لا يصح أن يقع تمييزاً لنِعمَ، لماذا؟ لأن هذا التمييز خلف عن الفاعل المقرون بـ (أل)، حينئذٍ إذا كان كذلك لا يقع محله إلا ما يقبل التعريف. الخامس: أن يكون -هذا التمييز- نكرةً عامة، أي: لها أفراد في الوجود متعددة، فلا تقل: نِعمَ شمساً هذا الشمسُ، لا يصح هذا؛ لأن الشمس غير متعددة، لكن لو قلت: نِعمَ شمساً شمسُ هذا اليوم، نِعمَ شمساً، شمساً منصوبٌ على التمييز، نقول: يجوز، بناءً على أن الشمس لها مطالع، تختلف، أمس شديدة الحر، اليوم متوسطة، تختلف كل يوم لها حرارتها المناسبة ولها قبولها عند الناس وعدم ذلك. إذن: لو قلت: نِعمَ شمساً شمسُ هذا اليوم لجاز؛ لأنك جعلت الشمس متعددة بتعدد الأيام. السادس: لزوم ذكره، يجب أن يكون مذكوراً. نص عليه سيبويه، وقيل: لا يجوز حذفه -التمييز- وإن فهم المعنى، وجوز حذفه ابن مالك وابن عصفور وقال في التسهيل: لازمٌ غالباً، لحديث: {فَبِهَا وَنِعْمَتْ}، ما ذكر تمييزاً، لكنه لما فهم المعنى حذف التمييز، ابن مالك جيد في الاستدلال بالأحاديث والآيات، وتبعه على هذا النهج ابن هشام رحمه الله تعالى، ولذلك إذا فتحت كتاب لابن مالك، أو إذا أردت مثال من القرآن أو من السنة فانظر أي كتاب لابن هشام أو لابن مالك، وقد تبحث في كتب البعض تتعب أن تجد آية في باب كامل، وهذا سنة حسنة سنها ابن مالك وتبعه ابن هشام، على أنهم جعلوا النحو ممزوجاً بالقرآن وبالسنة، حينئذٍ نقول: هذه حسنة جيدة. إذن: جوزه ابن مالك بناء على أنه سمع: {فَبِهَا وَنِعْمَتْ}، هذه ستة شروط لابد من توفرها في التمييز. نقف على هذا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ... !!!

86

عناصر الدرس * هل يجمع بين فاعل. نعم وبئس. الظاهر والتمييز؟ * حكم (ما) الواقعية بعد. نعم وبئس. ـ * المخصوص بالمدح أوالدم وأحكامه * ما يجرى مجرى أفعال المدح والدم وحكمه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى: وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً يُفَسِّرُهْ ... مُمَيِّزٌ كَنِعْمَ قَومَاً مَعْشَرُهْ وقلنا: هذا هو النوع الثالث أو الرابع مما يكون فاعلاً لـ: (نِعْمَ) و (بِئْسَ) وهو القول المُرجَّح عند جماهير البصريين: أن يكون الفاعل ضميراً مُفسَّراً بنكرة بعده منصوبة على التمييز، وهذا الضمير له أحكام ثلاثة ذكرناها، وكذلك المُفسِّر له شروط وهي ستة، وهذا القول هو المشهور عند النحاة. وذهب الكِسَائي: إلى أن الاسم المرفوع بعد النَّكِرة المنصوبة فاعلُ (نِعْمَ): نِعْمَ رجلاً زيدٌ، ليس فيه ضمير وإنما (رجلاً) هذا حال على مذهبه، و (زَيدٌ) هذا مرفوع على أنه فاعل (نِعْمَ). وذهب الكِسَائي: إلى أن الاسم المرفوع بعد النَّكِرة المنصوبة فاعلُ (نِعْمَ) والنَّكِرة عنده منصوبة على الحال، إذن: الإعراب هكذا: نِعْمَ رجلاً زيدٌ، (نِعْمَ) فعل ماضي و (زيدٌ) فاعل و (رجلاً) هذا حالٌ من الفاعل مُقدَّماً عليها، ويجوز عنده أن تتأخر فيُقال: نِعْمَ زيدٌ رجلاً، إذن: حالٌ متأخرة .. على الأًصل. وذهب الفَرَّاء إلى قول الكِسَائي نفسه السابق: إلى أن الاسم المرفوع بعد النَّكِرة هو فاعل (نِعْمَ) إلا أنه جَعَل النَّكِرة المنصوبة تَمييزاً مُحوَّلاً عن الفاعل، والأصل: نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ، حُذِف الرَّجُل، ثُمَّ قيل: رجلاً بناءً على ما سبق بيانه في التمييز، ثُمَّ حُوِّل إسناد الفعل إلى اسم الممدوح، ونُصِب تَمييزاً، فقيل: نِعْمَ رجلاً زيدٌ، ويَقبُح عندهم تأخيره لأنه وقع موقع الرَّجُل المرفوع، وأفاد فائدةً فَيقْبُح، يعني: لا نقول يَمْتنِع وإنما قبيح، يجوز على قُبحٍ، أن يُقال: نِعْمَ زيدٌ رجلاً. إذن: عند الفَرَّاء وعند الكِسَائي (زَيدٌ) في: نِعْمَ رجلاً زيدٌ فاعل، واختلفا في (رجلاً) أعْرَبه الكِسَائي على أنه حال، وعند الفَرَّاء تَمييز مُحوَّل عن الفاعل، عند الكسائي يجوز التقديم والتأخير: نِعْمَ رجلاً زيدٌ .. نِعْمَ زيدٌ رجلاً، وعند الفَرَّاء الأصل: نِعْمَ رجلاً زيدٌ، ويَقبُح تأخيره فيُقال: نِعْمَ زيدٌ رجلاً. هذه ثلاثة أقوال ذكرها النحاة، وذكرها ابن عقيل، حيث قال: " وزعَمَ بعضهم" -صَدَّرَه بـ: زَعَم، إذن: لم يقبل هذا القول-، أنَّ (مَعْشَرُهْ) مرفوع بـ: (نِعْمَ) وهو الفاعل ولا ضمير فيها، وقال بعض هؤلاء: أنَّ (قَومَاً) حال وهو الكِسَائي، وبعضهم: إنه تمييز وهو الفَرَّاء. ومثل: (نِعْمَ قَومَاً مَعْشَرُهْ) قوله تعالى: ((بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)) [الكهف:50] (بِئْسَ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر .. واجب الاستتار، و (بَدَلاً) هذا تَمييز، و (لِلظَّالِمِينَ) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (بَدَلاً) مصدر تَعلَّق به، وقول الشاعر: لَنِعْمَ مَوْئِلاً الْمَوْلَى ..

(الْمَوْلَى) هذا هو المخصوص، و (نِعْمَ) فعلٌ ماضي، والفاعل ضمير مستتر و (مَوْئِلاً) هذا منصوبٌ على التمييز، وعند الكِسَائي: (نِعْمَ) فعلٌ و (الْمَوْلَى) فاعل و (مَوْئِلاً) حال، وعند الفَرَّاء نفسه، إلا أنَّ (مَوْئِلاً) تَمييز. تَقُولُ عِرْسِي وَهْيَ لِي فِي عَومَرَهْ ... بِئْسَ امْرَأً وَإِنَّنِي بِئْسَ المَرَهْ (بِئْسَ امْرَأً)، (بِئْسَ): فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر، و (امْرَأً): تَمييز، وأين المخصوص؟ دَلَّ عليه ما سبق، يجوز حذفه كما سيأتي، (وَإِنَّنِي بِئْسَ المَرَهْ) نفس الكلام، إذن: هذه ثلاثة أقوال. وَجَمْعُ تَمْيِيزٍ وَفَاعِلٍ ظَهَرْ ... فِيْهِ خِلاَفٌ عَنْهُمُ قَدِ اشْتَهَرْ إذن: فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) يكون واحداً من هذه الأحوال الثلاثة: - إمَّا مقروناً بـ: (أل). - أو مضافاً لِمَا فيه (أل). - أو بواسطة، وقد يكون ضميراً مُفسَّراً بتمييزٍ. واشتراط ما ذُكِر في فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) هو الغالب، وأجار بعضهم: أن يكون مضافاً إلى ضمير ما فيه (أل) كقوله: فنِعْمَ أخُو الهَيْجَا وَنِعْمَ شَبَابُها .. هذا ليس مِمَّا ذكره الناظم، الناظم خَصَّه بمقارنة (أل) أن يُضَاف إلى ما فيه (أل). إذن الثالث: أن يكون ضميراً، وهذا ليس فيه (أل) (نِعْمَ شَبَابُها). والصحيح: أنه لا يُقاس عليه لِقلَّته، وأجاز الفَرَّاء: أن يكون مضافاً إلى نكرة، كقولهم: فَنِعْمَ صَاحِبُ قَومٍ لاَ سِلاَحَ لَهُمْ ... وَصَاحِبُ الرَّكْبِ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَا (فَنِعْمَ صَاحِبُ قَومٍ) (صَاحِبُ) نكرة، وهو مُضاف إلى نكرة، أجازه الفَرَّاء، ونقل إجازته عن الكوفيين وابن السرَّاج، وخَصَّه عامَّة الناس بالضرورة، يعني: ليس بِمقِيس. ووَرَدَ نكرةً غير مضافٍ نحو: نِعْمَ غلامٌ أنْتَ، ونِعْمَ تَيْمُ، لَكنَّه أقل من المضاف، وقد جاء ما ظاهره: أن الفاعل عَلَمٌ أو مضافٌ إلى عَلَم، كقول بعض العبادلة: بئس عبد الله أنا إن كان كذا، وفي الحديث: {نِعْمَ عَبْدُ الله هَذَا} وكأن الذي سَهَّل ذلك كونه مضافاً في اللفظ إلى ما فيه (أل) وإن لم تكن مُعَرِّفة. لكن هذا كله قليل، والأصل هو ما ذكره الناظم. وأجاز المبَرِّد والفارِسي إسناد (نِعْمَ وبِئْسَ) إلى (الذي) على أنه يكون فاعلاً، نحو: نِعْمَ الذي آمن زيدٌ، كما يسندا إلى ما فيه (أل) الجنسية يعني: (نِعْمَ وبِئْسَ) ومنع ذلك الكوفيون وجماعة من البصريين وهو القياس، أنه لا يُسنَد إلى (الذي)؛ لأن كل ما كان فاعلاً لـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) وكان فيه (أل) مُفسَّراً مُميَّزاً للضمير المستتر فيهما إذا نُزِعت منه، والذي ليس كذلك لا تُنْزَع منه (أل) حتى يصلح لكونه مُفسِّراً للضمير.

قال في (شرح التسهيل): " ولا ينبغي أن يُمنَع " -لكن المشهور هو الأول: أن الذي لا يكون فاعلاً لـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) -. قال في (شرح التسهيل): " ولا ينبغي أن يُمنَع لأن الذي جُعِل بِمنْزِلة الفاعل، أي: مع صِلَته بِمنْزلة اسم الفاعل المُحلَّى بـ: (أل) " يعني: كأن (الذي) وما دخل عليه في تأويل مُشتَق، حينئذٍ كأنه في منزلة اسم الفاعل، وهذا يقع فاعلاً لـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) فكذا ما هو بِمنْزلته، والمراد بكونه بِمنْزلته: أنه مؤول به، إذن: سُمِع غير ما ذُكِر، هذا المراد: أنه سُمِع فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) غير مُحلًى بـ: (أل) ولا مضافاً إلى ما فيه (أل) ولا ضميراً، إمَّا نكرة مضاف إلى نكرة، وإمَّا نكرة مَحضَة، وإمَّا (الذي) وهو ما كانت فيه (أل) لازمة، لأن مُقَارِنَيْ (أَلْ) هل يشمل ما كانت فيه (أل) ملازمة أم زائدة؟ الثاني، يعني: زائدة بمعنى: أنها دخلت عليه مُعَرِّفة. فحينئذٍ (الذي) و (الآن) ونحو ذلك لا يكون فاعلاً لـ: (نِعْمَ) لماذا؟ لكونه لم يُقارِن (أل). ثُمَّ قال - رحمه الله تعالى -: وَجَمْعُ تَمْيِيزٍ وَفَاعِلٍ ظَهَرْ ... فِيْهِ خِلاَفٌ عَنْهُمُ قَدِ اشْتَهَرْ (وَجَمْعُ تَمْيِيزٍ وَفَاعِلٍ) (جَمْعُ) مبتدأ أول، وهو مضاف و (تَمْيِيزٍ) مضاف إليه (وَفَاعِلٍ) معطوف على (تَمْيِيزٍ)، ظَهَرْ هذه صفة لـ: (فَاعِلٍ) يعني: وفاعلٍ ظاهرٍ، يعني: لا مُضْمَر (فِيْهِ خِلاَفٌ) خلافٌ فيه (فِيْهِ) خبر مُقدَّم و (خِلاَفٌ) مبتدأ مُؤخَّر. (عَنْهُمُ قَدِ اشْتَهَرْ) قد اشتهر عنهم، (عَنْهُمُ) مُتعلِّق بـ: (اشْتَهَرْ) و (قَدِ) هذه للتَّحقِيق، والجملة هنا نعتٌ لـ: (خِلاَفٌ). أفاد هذا البيت: أنَّ الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر فيه خلافٌ مشهورٌ بين النحاة، هل فيه فائدة غير هذه؟ وَجَمْعُ تَمْيِيزٍ وَفَاعِلٍ ظَهَرْ ... فِيْهِ خِلاَفٌ. . . . . . . كأن قائلاً قال: أقسام المياه فيها خلاف! هل هي ثلاثة أم اثنان؟ ما زاد على هذا، هل فيه فائدة؟ أقسام المياه قسمان أو ثلاثة، يعني: لا أربعة ولا عشرة ما فيه إشكال، لكن قوله: (وَجَمْعُ تَمْيِيزٍ وَفَاعِلٍ ظَهَرْ) يعني: فاعل ظاهر، هل يُجمَع بين التمييز والفاعل الظاهر؟ قال: (فِيْهِ خِلاَفٌ عَنْهُمُ قَدِ اشْتَهَرْ). حقيقةً لم يظهر لي أن في البيت فائدة، إلا أنه حكى الخلاف فحسب. اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في (نِعْمَ) وأخواتها، سبق معنا أنَّ التمييز متى يؤتى به؟ إذا كان الفاعل ضميراً مُستتراً: نِعْمَ رجلاً زيدٌ، لو كان الفاعل ظاهراً، هل يَجوز أن يُؤتى بالمميِّز .. لماذا جئنا بالمميِّز هناك؟ من أجل كشف وتفسير وإيضاح الفاعل المبهم الذي هو الضمير المستتر، فالذي جَوَّزَ كون فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) ضميراً والأصل فيه أنه مُبهَم، الذي جَوَّزَ ذلك التزامنا بالمُفسِّر الموضح المُبيِّن للضمير.

طيب! لو ظهر الفاعل، هل ثَمَّ فائدة للتمييز .. إذا علَّلْنَا فائدة مَجيئه بكون الفاعل ضميراً مستتراً، والضمير المستتر مُبهَم، هل ثَمَّ فائدة: التمييز مع الفاعل الظاهر؟ الأصل نقول: لا، إذا علَّلْنَا بالفائدة دون السَّمَاع، قلنا: لا فائدة، إذن: لا يُجمع بينهما، ولكن ثَمَّ خلافٌ بين النحاة، منهم من جَوَّز، ومنهم من منع، فقال قومٌ: لا يجوز ذلك، لا يُقال: نعم زيدٌ رجلاً، على أنَّ رجلاً تَمييز وزيدٌ فاعل لا يجوز. ومن أنصار هذا القول سيبويه رئيس النحاة والسِّيْرافي، ومنعوه مُطلقاً وتأولا ما سُمِع - كل ما سُمِع فهو مؤول - إمَّا على أنه حالٌ في بعض المواضع، أو منصوبٌ بفعلٍ محذوف في بعض المواضع يناسب المقام، إذا جاء منصوبٌ بعد الفاعل الظاهر في باب (نِعْمَ) إمَّا أنه حال، وإمَّا أنه منصوبٌ بفعل مُضمَر يناسبه المقام، إمَّا هذا أو ذاك، كل ما سُمِع واستدل به فهو مؤول على واحدٍ من هذين المخرجين، وهذا قول سيبويه والسيرافي، فهو ممنوع مُطلقاً. فلا تقل: نِعْمَ الرَّجُل رجلاً زيدٌ، نِعْمَ الرَّجُل (نِعْمَ) فعل و (الرَّجُل) فاعل و (رجلاً) تَمييز، و (زيدٌ) هذا المخصوص. وذهب قومٌ إلى الجواز، ومنهم المبَرِّد وابن السرَّاج والفارسي والناظم - ابن مالك رحمه الله تعالى - واستدلوا بالأثر، يعني: بِمَا نُقِل عن العرب، ومنه قول الشاعر: والتّغلَبيّون بِئْسَ الفحلُ فحْلُهُمُ ... فَحْلاً وأمُّهُمُ زَلاّءُ مِنْطيقُ (بِئْسَ الفحلُ فحْلُهُمُ فَحْلاً)، (بِئْسَ) هذا فعل ماضي (الفَحْلُ) هذا فاعل (فحْلُهُمُ) هذا المخصوص (فَحْلاً) هذا تَمييز، إذن: جُمِع بين الفَحْلُ فَحْلاً، (الفَحْلُ) هذا فاعل و (فَحْلاً) هذا تَمييز، إذن: جمع بين الفاعل الظاهر وتَمييزه. تَزَوَّدْ مِثْلَ زَادِ أَبِيكَ فِينَا ... فَنِعْمَ الزَّادُ زَادُ أَبِيكَ زَادَا (فَنِعْمَ الزَّادُ زَاداً) (نِعْمَ) فعل ماضي لإنشاء المدح و (الزَّادُ) فاعل (نِعْمَ) وهو ظاهر و (زَادَا) المتأخر هذا تَمييز نكرة و (زَادُ أَبيكَ) هذا مبتدأ مؤخَّر، إذن: جُمِع بين الفاعل الظاهر والتمييز. وسيبويه والسيرافي يَمنعون في البيتين فيجعلون (فَحْلاً) و (زَادَا) إمَّا أنه منصوب على الحالية، وإمَّا أنه منصوب بفعل مُضْمَر يُفسِّره المقام، يعني: بِحسب المقام، والبيت الأول (التّغلَبيِّون) تأويله صعب، وأمَّ الثاني سهل (تَزَوَّدْ - زَاداً - مِثْلَ زَادِ أَبيكَ فِينَا) جعلوا (زَادَاً) هذا ليست تَمييزاً، وإنما هي مفعولٌ لقوله: (تَزَوَّدْ) و (مِثْلَ زَادِ) هذا حال مُقدَّم - على أنه حال - وعلى الاستشهاد بالبيت على أنَّ (زَادَاً) تَمييز نَجعَل مثل (زَادٍ) مفعول لقوله: (تَزَوَّدْ) من أول البيت (تَزَوَّدْ) هذا فعل أمر، الفاعل أنت (مِثْلَ زَادٍ) مفعول.

طيب! (زَادِ أَبيكَ فِينَا) واضح، إذا أردنا تَخرِيجه لمنع أن يكون (زَادَاً) هو تَمييز نَجعل (تَزَوَّدْ مِثْلَ زَادِ) نقول: (مِثْلَ زَادِ) ليس هو المفعول، وإنما (زَادَاً) هو المفعول و (مِثْلَ زَادِ) هذا الأصل فيه أنه مُتأخر فتَقدَّم ونصب على الحالية، وأصل التركيب: (تَزَوَّدْ زَادَاً مِثْلَ زَادِ أبيكَ فِينَا فَنِعْمَ الزَّادُ زَادُ أبيكَ) إذن: ليس عندنا جمع بين ظاهر وتَمييز، لكن في الأول فيه نوع صعوبة. وبعضهم فَصَّلَ فقال: إن أفاد التمييز فائدةً زائدةً على الفاعل جاز الجمع بينهما، نحو: نِعْمَ الرَّجُل فارساً زيدٌ .. (فارساً) هذا التمييز و (الرَّجُل) هذا فاعل نِعْمَ، إذن: استفدنا شيئاً جديداً من التمييز، أمَّا: نِعْمَ الرَّجُل رجلاً زيدٌ، ليس فيه فائدة، لأنه لم يقع كشفٌ به، وليس مُفسِّراً، بل هو وجوده وعدمه سواء: نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ .. نِعْمَ الرَّجُل رجلاً زيدٌ، ما الفائدة منه؟ لا شيء، فهذا القول وهو منسوب لابن عصفور، التفريق أو الفَصْل بين ما إذا كان المميز له فائدة أو لا، إن أفاد جاز أن يُجمع بينه وبين الفاعل الظاهر، وإن لم يُفِد حينئذٍ لا يُذكر أصالةً. نِعْمَ الرَّجُل فارساً زيدٌ وإلا فلا، نحو: نِعْمَ الرَّجُل رجلاً زيدٌ، وصحَّحَه ابن عصفور. وكقوله: فَنِعْم المرءُ مِن رَجُل تِهَامى .. (فَنِعْم المرءُ) هذا فاعل (مِن رَجُل) هنا جُرَّ بـ: (مِنْ) وهو تَمييز، أفاد بواسطة نَعْتِه بكونه منسوباً إلى تهامة، ومنه: نِعْمَ الصَّدِيقُ صَدِيقاً وفيَّاً .. هذا بواسطة نَعْتِه، (نِعْمَ الصَّدِيقُ صَدِيقاً) (صَدِيقاً) هذا تَمييز (نِعْمَ الصَّدِيقُ صَدِيقاً) والصديق صديق، ما الفائدة من (صَدِيقاً)؟ حينئذٍ نقول: لَمَّا وصِفَ (نِعْمَ الصَّدِيقُ صَدِيقاً وفيَّاً) جميلاً ونحو ذلك حينئذٍ حصلت الفائدة بالوصف. إذن: (وَجَمْعُ تَمْيِيزٍ وَفَاعِلٍ ظَهَرْ) فاعلٍ ظاهر (فِيْهِ خِلاَفٌ عَنْهُمُ قَدِ اشْتَهَرْ) ولم يُرجِّح الناظم إلا أنه في غير هذا الكتاب رجَّحَ الجواز مُطلقاً: أنه يُجمع بينهما، لكن إذا عُلِّلَ: وَيَرْفَعَانِ مُضْمَراً يُفَسِّرُه ... مُمَيِّزٌ. . . . . . . . . أن التمييز هنا واجب لكونه مُفسِّراً للضمير المبهم حينئذٍ العِلَّة هذه لا بد أن تكون مُطَّرِدة، فإذا كشف مُبهماً وزاد فائدةً، فقد يُقال: إنه لا إشكال بالجمع، وإلا فالأصل المنع. وقال في غير هذا الكتاب: " والجواز هو الصحيح لوروده نثراً ونظماً " ومن النَّثر ما حُكِي في كلامهم وسبق ذِكْر شيئاً من ذلك، ومن النثر قولهم: نِعْمَ القتيل قتيلاً أصلح بين بكرٍ وتَغْلِب .. تَغْلِب تَغْلَب، نِعْمَ القتيل قتيلاً، وقد جاء التمييز حيث لا إبهام يرفعه لِمُجرَّد التوكيد، هذا بناءً على ما سبق في باب التمييز.

قلنا: مُبيِّنٌ .. اسمٌ مُبِينٌ (مُبِينٌ) هذا أخْرَج المُؤكِّد، فمن اشترط التبيين حينئذٍ منع أن يكون التمييز مُؤكِّداً، والمسألة فيها خلاف: هل يأتي التمييز مؤكِّداً أم لا؟ إذا قيل: (نِعْمَ الرَّجُل رجلاً) لم يُفِد، مَن جَوَّز التوكيد .. أن يكون التمييز مُؤكِّداً لا إشكال عنده، ومن مَنَع حينئذٍ: (نِعْمَ الصَّدِيقُ صَدِيقاً وفيَّاً) لا إشكال فيه لأنه أفاد، وأمَّا الثاني فلا. ثُمَّ قال رحمه الله: وَمَا مُمَيِّزٌ وَقِيْلَ فَاعِلُ ... فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ (وَمَا مُمَيِّزٌ) يعني: في موضع نَصبٍِ تَمييز (وَقِيْلَ فَاعِلُ) إذن: قَدَّم الأول ولم يُضعِّفه، ثُمَّ قال: (وَقِيْلَ) بصيغة التمريض (فَاعِلُ) إذن: رجَّحَ الأول بِجهتين .. من طريقين: - التقديم، وهو دائماً يُقدِّم ما هو أرجح عنده. - وثانياً: صيغة التمريض للقول الثاني. إذن: (وَمَا مُمَيِّزٌ) فهي في موضع نصبٍ، (وَقِيْلَ فَاعِلُ) فهي في موضع رفعٍ، وقيل: إنها المخصوص، وقيل: كافة، أربعة أقوال، في ماذا؟ أي: (فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) مثل هذا التركيب، في كل تركيب وقع فيه بعد (نِعْمَ) أو (بِئْسَ) (مَا) فجملة فعلية، مثل هذا التركيب، كيف تُعرِب (مَا)؟ مُميِّز في محل نصب، وقيل: فاعل، والراجح عند المُصنِّف: أنها مُمَيِّز، إذن: فهي في موضع نصبٍ على التمييز. ثُمَّ اختلفوا في معناها: هل هي موصولة .. هل هي معرفة .. هل هي نكرة تامة .. نكرة ناقصة؟ أقوالٌ ثلاثة .. (مَا) على القول بأنها مُميِّز، اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال: - الأول: أنها نكرة موصوفة بالفعل بعدها، والمخصوص محذوف، وهو مذهب الأخْفَش والزَجَّاجي وكثير من المتأخرين، رَجَّحوا أن تكون هذه نكرة موصوفة بالفعل بعدها، إذن: (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ). إذا قلنا: بأنها نكرة موصوفة صارت جملة: (يَقُولُ الفَاضِلُ) نعت لها، وأين الفاعل؟ ضمير مستتر، (نِعْمَ) ضميرٌ مُستتر، ثُمَّ جاءت (مَا) فهي مُميِّز، ثُمَّ (يَقُولُ الفَاضِلُ) هذه صفة للنكرة .. تَمييز، ولذلك سبق التنبيه على أنه يَصِّح وصفه: نِعْمَ رجلاً صالحاً زيدٌ، سواءٌ كان وصفه بِمفرد أو بِجملة. - الثاني: أنها نكرة غير موصوفة، والفعل بعدها صفةٌ لمخصوصٍ مَحذوف، أي: شيءٌ، (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) نِعْمَ شَيءٌ يَقُولُه الفَاضِلُ. - الثالث: أنها تَمييز، والمخصوص (مَا) أخرى موصولة محذوفة، والفعل صِلةٌ لـ: (مَا) الموصولة المحذوفة، نُقِل عن الكِسَائي، وهذا بعيد! كأنه قال: نِعْمَ مَا مَا يَقُولُ الفَاضِلُ، حينئذٍ تَمييز، والمخصوص (مَا) أخرى موصولة محذوفة، والفعل صِلةٌ لـ: (مَا) الموصولة المحذوفة ونُقِل عن الكِسَائي، وهذا ضعيف بعيد! لماذا؟ لأننا نقول: (مَا) هي ملفوظٌ بها، ما الذي دَلَّ على (مَا) المحذوفة هذه .. من أين في اللفظ؟ إذا قيل: بأن ثَمَّ شيءٌ محذوف لا بُدَّ من بيِّنة، إمَّا قرينة مذكورة ملفوظٌ بها، وإمَّا نَقلٌ عن العرب.

حينئذٍ نأخذ أنه قد يَسُدُّ مكان المحذوف شيءٌ من المذكور، هذا إذا التزمنا حذف المذكور، لأننا إذا حَذفنَا (مَا) في كل تركيبٍ: (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) كل تركيب نُعرِب (مَا) هذه تَمييز، ثُمَّ نقول: (يَقُولُ الفَاضِلُ) هذه صِلةٌ لموصولٍ محذوف، ما الذي دَلَّنا؟ بل العكس، لو قيل: بأنَّ ثَمَّ (مَا) محذوفة لالتبَس بـ: (مَا) الملفوظة .. المذكورة، وهذا يقع به لبس. إذن: الذين قالوا بأن (مَا) مُميزٌ اختلفوا على ثلاثة أقوال: أنها نَكِرة موصوفة بالفعل بعدها، والمخصوص مَحذوف، وهذا أظهر. والثاني: أنها نكرة غير موصوفة، والفعل بعدها صفةٌ لمخصوصٍ مَحذوف. والقول الثالث: أنها تَمييز، والمخصوص (مَا) أخرى موصولة، والفعل المذكور صِلتها، وهذا بعيد جداً. (وَمَا مُمَيِّزٌ وَقِيْلَ فَاعِلُ) على أنها في موضع رفع فاعل، وهذا كذلك شهير عندهم، واختلفوا في معناها على خمسة أقوال، إذا قيل: بأنها في موضع رفع فاعل: (نِعْمَ مَا) على القول الأول الفاعل ضمير مُستتر، و (مَا) مُميز، وعلى القول الثاني بأنها فاعل ليس عندنا ضميرٌ مستتر، ولذلك اختلفوا على خمسة أقوال: الأول: أنها اسمٌ مَعرِفةٌ تَامٌ غير مفتقر إلى صِلةٍ، والفعل صِفةٌ لمخصوص محذوف، والتقدير: نِعْمَ الشيء شيءٌ فَعَلْتَ. والثاني: أنها موصولة، والفعل صِلتها، والمخصوص محذوف. والثالث: أنها موصولة، والفعل صِلتها، وهي فاعلٌ يُكْتَفى بها وبِصلتها عن المخصوص. والرابع: أنها مصدرية، ولا حذف في التركيب، والتقدير: نِعْمَ فِعْلك، لكن هذا ضعيف، لأنه لا يَحسُن في الكلام: نِعْمَ فِعْلك، حتى يُقال: نِعْمَ الفعل فِعْلك، لأن (نِعْمَ) لا بُدَّ أن يكون مدخولها محلىً بـ: (أل). الخامس: أنها نكرة موصوفة في موضع رفعٍ، والمخصوص محذوف. وهذه كلها ضعيفة، لأنها مبنية على أنها في موضع رفع، والصواب: أنها في موضع نَصبٍ تَمييز. وقيل: أنها المخصوص (مَا) (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ)، فأمَّا القائلون: بأنها المخصوص فقالوا: إنها موصولية، والفاعل مستتر، و (مَا) أخرى محذوفة هي التمييز، والأصل: نِعْمَ مَا صَنعْتَ، والتقدير: نِعْمَ شَيْئاً الذي صَنعْتَ، وهذا ضعيف أيضاً. والقائلون: بأنها كآفَّة، قالوا: إنها كَفَّتْ (نِعْمَ) كما كَفَّتْ (مَا) قَلَّ وطَالَ .. قَلَّمَا .. طَالَما، هذه (مَا) كآفَّة كَفَّتْها عن طلب الفعل، إذن: (نِعْمَ مَا يَقُولُ) ليس لها فاعل .. عن طلب الفاعل (نِعْمَ مَا يَقُولُ) إذا قلنا بأن (مَا) كآفَّة إذن: كَفَّتْها عن طلب الفاعل، ولذلك دخلت على الجملة الفعلية: يَقُولُ الفَاضِلُ، وهذا ضعيف، كما كَفَّتْ (مَا) قَلَّ وطَالَ فتصير وتدخل على الجملة الفعلية. (فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ)، (نِعْمَ) فعلٌ ماضي، والفاعل ضميرٌ مستتر و (مَا) اسمٌ نكرة موصوفة، وهي منصوبةٌ على التمييز، وجملة: (يَقُولُ الفَاضِلُ) في محل نصب نعت للتمييز، والمخصوص محذوف، هذا مذهب الزجَّاجي والأخْفَش وكثير من المتأخرين، وهو أسْلَم من بقية الأقوال.

(نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) بعد (ما) في لسان العرب إذا تلت (نِعْمَ) إمَّا أن يتلوها جملة كما ذكره الناظم، وإمَّا أن يتلوها اسمٌ مُفرد: ((فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] وإمَّا ألا يتلوها شيءٌ البتَّة: (فَنِعِمَّا) هكذا يُقال، هل كلام الناظم مخصوصٌ بِما إذا تلاها جملةٌ فعلية، أم يشمل ما إذا تلاها اسمٌ مُفرَد، أم يشمل أيضاً الحالة الثالثة وهي: ما إذا لم يتلوها شيءٌ البَتَّة لا جملة، ولا شبه جملة، ولا اسمٌ، هذا مُحتمل .. مُحتمل أنه خَصَّ هذا الحكم بكون (مَا) مُميِّز، أو أنها فاعل على الخلاف بما إذا تلاها جملة فعلية. ولكن الظاهر أنه يدخل معها ما إذا تلاها اسمٌ مفرد ((إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] (نِعْمَ مَا) أُدغِمَت، (هِي) هذا جاء بعد (مَا)، هل هي مثل (مَا يَقُولُ الفَاضِلُ)؟ الحكم واحد؟ فنقول: (مَا) إمَّا مُميِّز ثُمَّ ما بعده صفةٌ له، وهذا يَمتنع لأنه ضمير، وإمَّا أن نقول: بأنه فاعل؟ نقول: إذا وليها اسمٌ نحو: ((فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] ففيها ثلاثة أقوال: الأول: أنها نكرةٌ تَامَّة في موضع نصبٍ على التمييز، ما معنى (تَامَّة)؟ يعني: غير مُفتَقرة إلى ما بعدها بأنها صِلة، وهذا أجْوَد، لأن الضمير لا يُنْعَت ولا يُنْعَت به، الضمائر كلها لا تَقَع نَعتاً ولا تُنْعَت. الأول: أنها نكرةٌ تَامَّة في موضع نصبٍ على التمييز، والفاعل مُضْمرٌ والمرفوع بعدها هو المخصوص، وهذا أسْلَم الأقوال، ((فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] نقول: (نِعْمَ) فعل ماضي لإنشاء المدح، والفاعل ضميرٌ مستتر و (مَا) نكرةٌ تامَّة في موضع نصبٍ على التمييز و (هِي) المخصوص .. ضمير (هي) المخصوص، الاسم الذي يتلوها هو المخصوص، وهذا أسْلَمها. الثاني: أنها مَعرفةٌ تامَّة، وهي الفاعل، وهو ظاهر مذهب سيبويه، والاسم المرفوع بعدها هو المخصوص، والتقدير في الآية: فنِعْمَ الشيء هِي، أي: الصدقات، فحينئذٍ (مَا) معرفة تامَّة، يعني: غير مفتقرة إلى ما بعدها .. ليست موصولة، لأن الموصولات معرفة ناقصة، لأنها لا تتم إلا بما بعدها. هنا (ما) معرفة تامَّة وهي فاعل، والاسم المرفوع بعدها هو المخصوص. إذن: ((فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] (نِعْمَ) فعل ماضي و (مَا) فاعل و (هِي) الضمير هو المخصوص، وهو قول الفرَّاء ونُقِل عن المبَرِّد وابن السرَّاج والفارسي. القول الثالث وهو أضعفها: أنَّ (مَا) مركبةٌ مع الفعل كتركيب: (حَبَّ) مع (ذَا) الآتي على القول به، ولا موضع لها من الإعراب، والمرفوع بعدها هو الفاعل، وقال به قومٌ وأجازه الفرَّاء، يعني: صار الجميع كأنه كلمة واحدة: (فَنِعِمَّا) كلمة واحدة، مثل: (حَبَّذَا) حَبَّ .. ذَا، صارت: (حَبَّذَا) كلها كلمة واحدة، سيأتي أنه قولٌ ضعيف. فصار الجميع كلمةً واحدة هي فعل ماضي لإنشاء المَدْح أو الذَّمْ، والاسم الذي يليها فاعل (فَنِعِمَّا) فعلٌ ماضي و (هِي) فاعل، وهذا ضعيف، لأن التركيب بين فعل واسمٍ، ثُمَّ تغليب الفعل على الاسم هذا ضعيف، لأن الفعل أدنى من الاسم.

إذن: ثلاثة أقوال فيما إذا تلاها اسمٌ مُفردٌ، وهذه قد يُقال بأنه داخلةٌ في كلام الناظم الحالة الثانية، بأن يُراد بـ: (نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) كل تركيبٍ وقعت فيه (مَا) بعد (نِعْمَ) متلوةٌ بِشيءٍ اسماً كان أو جملة، فيكون قد ذكر مثال ودَلَّ به على غيره (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) يعني: كلَّمَا ذُكِرَت (مَا) بعد (نِعْمَ) وتلاها شيءٌ، ثُمَّ هذا الشيء منه ما هو جملة، ومنه ما هو اسمٌ، وذكر مثالاً للجملة وأحال على الاسم، هذا مُحتمِل. وقَعَتْ فيه (مَا) بعد (نِعْمَ) متلوةً بشيء: اسم كان، أو جملةً فعلية، فإن لم يتلوها اسمٌ، ولا جملة فعلية، ولا اسمية، ولا شبه جملة، نحو: صَادَقتُ علياً فنِعْمَّا .. (نِعْمَ .. مَا) سَكَّتَ ما ذَكَرت شَيئاً بعدها، ففيها قولان للنحاة: القول الأول: أن (مَا) معرفة تامةً .. فاعل، كأنك قُلت: صَادَقت علياً فنِعْمَ الصديق، (مَا) فاعل وهي معرفةٌ تامَّة، حينئذٍ هي الفاعل، وصارت في معنى قولك: صادقت علياً فنِعْمَ الصديق. الثاني: أن (مَا) نكرةٌ تامَّة تَمييز، والفاعل مستتر. وعلى القولين فالمخصوص محذوف: فَنِعْمَّا، نقول: (مَا) فاعل أو تَمييز، إمَّا فاعل حينئذٍ لا إشكال فيه فهي معرفة تامةً، والمخصوص محذوف، وإذا قيل بأنها تَمييز، حينئذٍ الفاعل ضميرٌ مُستتر، والمخصوص كذلك محذوف. وأيضاً يُمكن دخول هذه في كلام الناظم، بأن يُراد بنحو المثال كل تركيبٍ وقعت فيه (مَا) بعد (نِعْمَ) مُطلقاً، يُمكن أن نقول: مُراده (فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) لأنه حَكَمَ على (مَا) إذن: المراد (فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) (مَا) بعد (نِعْمَ) ثُمَّ تدخل تحتها الأحوال الثلاثة: إمَّا أن يتلوها جملة، وإمَّا أن يتلوها اسمٌ مُفرَد، وإمَّا ألا يتلوها شيء، فيكون المُرجَّح عندهم في المسائل الثلاث: أن (مَا) مُميِّزٌ، إذا عمَّمْنَا المثال حينئذٍ: و (مَا) مُميِّزٌ مُطلقاً، سواءٌ قلت: (نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) (مَا) مُميِّزٌ والضمير مستتر، أو قلت: ((فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] (مَا) مُميِّزٌ والضمير مستتر و (هِي) المخصوص، أو قلت: (فَنِعِمَّا) فـ: (مَا) مُميِّزٌ والضمير فاعل، والمخصوص محذوف، وَقِيلَ: فَاعِلُ. قال هُنا: " تقع (مَا) بعد (نِعْمَ) و (بِئْسَ) فتقول: نِعْمَ مَا، أو: نِعِمَّا وبِئْسمَا، ومنه قوله تعالى: ((إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)) [البقرة:271] " ((بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ)) [البقرة:90] (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا) جاءت جملة فعلية بعد (مَا). واختُلِف في (مَا) هذه فقال قومٌ: هي نكرة منصوبة على التمييز، وهذا ظاهر كلام الناظم، وفاعل (نِعْمَ) ضميرٌ مستتر، وقيل: هي الفاعل وهي اسمٌ معرفة، وهذا مذهب ابن خَروف ونَسَبَه إلى سيبويه. وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ مُبْتَدَا ... أَوْ خَبَرَ اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا

الاسم المخصوص في اصطلاح النحاة في هذا الباب هو الاسم المقصود بالمدح بعد (نِعْمَ) أو بالذَّمِّ بعد (بِئْسَ): نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ، من المقصود بالمدح؟ زيد، هذا يُسمَّى: المخصوص، بِئْسَ الرَّجُل عمروٌ، من المقصود بالذَّمْ؟ عمروٌ، إذن نقول: هو المخصوص، هذا المخصوص له أحكام. (وَيُذْكَرُ)، (يُذْكَرُ): هذا مُغيَّر الصيغة، (المَخْصُوصُ) نائب فاعل، (بَعْدُ) بعدَ ماذا؟ بعد فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) لأنه تَدَرَّج معك في الأحكام، قال: فِعَلاَنِ .. قال: رَافِعَانِ اسْمَيْنِ، ثُمَّ بيَّن لك أحكام التمييز، ثُمَّ قال: (وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ) يعني: أن تأتي بـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) ثُمَّ الفاعل إن كان ظاهراً، أو ضميراً مستتراً، ثُمَّ الإتيان بِمفسِّره، ثُمَّ يذكر (المَخْصُوصُ بَعْدُ). إذن: الترتيب على هذا .. هذا الأصل فيه: تأتي بـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) ثُمَّ الفاعل إن كان ظاهراً فلا إشكال، وإن كان مُستتراً حينئذٍ تتلوه وتتبعه بالمُفسِّر، ثُمَّ تأتي بالمخصوص. (وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ) يعني: بعد فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) وهل هذا على سبيل الاختيار أم الإيجاب .. هل يجب أم يَجوز التقديم؟ هو قال: (يُذْكَرُ) لم يأمر به، سيأتي: (وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ) وهنا قال: (يُذْكَرُ). على كلٍ: حكا ابن هشام الإجماع في شرح (قَطْرِ النَّدَى) على أنه يَتقدَّم إجماعاً .. يَتقدَّم على (نِعْمَ وبِئْسَ)، وإذا كان كذلك حينئذٍ يكون قوله: (وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ) اختياراً لا على جهة الإيجاب. (مُبْتَدَاً) والجملة قَبْلَه خبر، إذا ذكرنا المخصوص مُتأخراً ففي إعرابه ثلاثة أقوال، قولان مشهوران جائزان، وإن كان أحدهما أرجح من الآخر، (وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ) فتقول: نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ مُبْتداً، يعني: حال كونك مُعرِباً له أنه مبتدأ، فـ: (زيدٌ) مبتدأ، وسَكَتَ عن الخبر، إذن: الخبر نِعْمَ الرَّجُل .. الجملة السابقة، والرابط بينهما ما ذكرناه سابقاً: إمَّا العموم، وإمَّا إعادة المبتدأ بمعناه. (مُبْتَدَاً) والجملة قبله خبر، (أَوْ خَبَرَ اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا) (خَبَرَ اسمٍ) يعني: المخصوص يُذْكَر بَعدُ خبر اسمٍ، يعني: خبراً لمبتدأ، يعني: إمَّا أنَّكَ تُعرِب المخصوص مبتدأ، والجملة قبله خبر، وإمَّا أن تقول: المخصوص خبر، والمبتدأ محذوفٌ وجوباً، ولذلك قال: (أَوْ خَبَرَ اسمٍ) يعني: مُبتدأ محذوفٍ (لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا) يعني: لا يظهر فهو واجب الحذف بقوله: (لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا) تأبيد، بمعنى: أنه لا يظهر أبداً، فتقول: نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ، (نِعْمَ الرَّجُل) فعل وفاعل، و (زيدٌ) خبرٌ لمبتدأ محذوف تقديره هو، أي: الممدوح، وهذا سيأتي في باب النعت.

وأيُّ القولين أولى، ولا نقول: أصَحْ؟ يعني: كلاهما صحيح .. لا يُخالف القواعد العامَّة، لكن ابن مالك ماذا قَدَّم؟ قَدَّم القول الأول فهو أرجح عنده، لماذا؟ لأنه ليس فيه تقدير، (زيدٌ) مبتدأ و (نِعْمَ الرَّجُل) خبر مُقدَّم، هذا أولى لا يُحوِجُنَا إلى القول بأن ثَمَّ مبتدأ محذوف واجب الحذف إلى آخره، وإن كان جائزاً .. لا بأس به، لكن نقول: هنا عدم التقدير أولى من التقدير، وهذه قاعدة أغلبية وليست مُطَّرِدة. (أَوْ خَبَرَ اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا) يعني: لا يظهر أبداً، فهو واجب الحذف. (وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ مُبْتَدَا) مبتدأ (أَوْ خَبَرَ اسمٍ) مبتدأ محذوف (لَيْسَ يَبْدُو) يعني: ليس يظهر (أَبَدَاً) هذا تأبيد، يعني: إذا جُعِل المخصوص خبراً كان حذف المبتدأ واجباً. عرفنا الآن المخصوص ما هو وإعرابه. حَقُّ المخصوص أمران: الأول: أن يكون مُخْتصَّاً، يعني: هل كل لفظٍ يَصِح أن يكون مخصوص؟ لا، مثل فاعل (نِعْمَ وبِئْسَ) ليس كل اسمٍ ظاهر يصلح أن يكون فاعلاً لـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) كذلك المخصوص، هذا الباب مستثنىً من القواعد العامَّة، حينئذٍ نقول: المخصوص الأصل فيه: أن يكون مُخْتصَّاً بأن يقع معرفةً، أو نكرة موصوفةً، أو مضافاً، يعني: معرفة أو نكرة مخصوصة، والاختصاص قد يكون بالإضافة، وقد يكون بالوصف، لأن شَرْطَه: أن يكون أخَصَّ من الفاعل. الثاني: أن يَصْلُح للإخبار به عن الفاعل موصوفاً بالمدح بعد (نعم) أو بالذَّمِّ بعد (بِئْسَ)؛ فإن باينه -غايره- أُوِّلَ، كقوله: ((بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا)) [الجمعة:5] أي: مَثَلُ الذين كذَّبوا. إذن: الأصل فيه أن يكون معرفة أو نكرة مُختصَّة. قال ابن هشام في (قَطْرِ النَّدَى): " ولا يجوز بالإجماع أن يَتقَدَّم المخصوص على الفاعل - هذا من حقوقه وأحكامه – فلا يُقال: نِعْمَ زيدٌ الرَّجُل " هذا غير جائز بالإجماع –محل وفاق-، (نِعْمَ) فعل ماضي (زيدٌ) هذا مخصوص و (الرَّجُل) هذا فاعل، يَصِح؟ لا يَصِح، لو أردنا عِلَّة لماذا؟ أعربنا (زيد) إمَّا أنه خبر، وإمَّا أنه مبتدأ، وعليهما فُصِلَ بين الفاعل والفعل بأجنبي، (نِعْمَ) فعل و (الرَّجُل) فاعل و (زيدٌ) بينهما، إمَّا أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف: نِعْمَ زَيد .. نِعْمَ هُو زَيدٌ الرَّجُل، فَصَلْنا بينهما بجملة وهذا فاسد، وإذا قلنا: (نِعْمَ الرَّجُل) هو الخبر و (زيدٌ) هو المبتدأ حينئذٍ كيف يَتوَسط المبتدأ بين الخبر؟! نِعْمَ زيدٌ الرَّجُل، (نِعْمَ الرَّجُل) هو الخبر، و (زَيدٌ) وقع بينهما، هذا ما يصلح. إذن: لا يجوز بالإجماع أن يَتقدَّم المخصوص على الفاعل، فلا يُقال: نِعْمَ زيدٌ الرَّجُل، ولا على التمييز خلافاً للكوفيين – المسألة فيها خلاف – يعني: لا يُقال: نِعْمَ زيدٌ رجلاً (رجلاً) هذا مُميِّز للفاعل الضمير المستتر، و (زيدٌ) هذا المخصوص، هل يَصِح أن يُقال: نِعْمَ زيدٌ رجلاً؟ قال: لا يَصِح خلافاً للكوفيين، وإن كان ثَمَّ أدلة عند الكوفيين.

ويَجوز بالإجماع أن يَتقدَّم على الفعل والفاعل: زيدٌ نِعْمَ الرَّجُل، وإذا كان إجماع حينئذٍ نقول: قول الناظم (وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ) هذا على سبيل الجواز لا على سبيل الوجوب، لأنه بالإجماع وإذا كان إجماع انتهينا، ويجوز حذْفه إذا دَلَّ عليه دليل، وهو الذي أشار إليه بالبيت الآتي، إذن: هذا ما يَتعلَّق بالمخصوص. وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ مُبْتَدَا ... أَوْ خَبَرَ اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا يُذكر بعد (نِعْمَ وبِئْسَ) وفاعلهما، اسمٌ مرفوع هو المخصوص بالمدح أو الذَّمِّ، وعلامته: أن يَصْلُح لجعله مبتدأ، وجعل الفعل والفاعل خبراً عنه، نَحو: نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ، وبِئْسَ الرَّجُل عمروٌ، ونِعْمَ غلام القوم زيدٌ، وبئس غلام القوم عمروٌ، إلى آخره، وفي إعرابه وجهان مشهوران: أحدهما: أنه مبتدأ، والجملة قبله خبرٌ عنه، وهذا مذهب سيبويه، وهو الأولى لسلامته من التقدير، والرابط حينئذٍ عموم الفاعل، أو إعادة المبتدأ بمعناه. الثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف وجوباً، والتقدير هو زيدٌ الممدوح .. هو عمروٌ المذموم مثلاً، وأجازه السيرافي والفارسي والصيمري. ومنع بعضهم الوجه الثاني وأوجب الأول، منع الوجه الثاني لأنه مُحوج إلى تقدير، ومثل هذه الأصل فيها، قاعدة عندهم: أنه لا يُقال بإيجاب حذفٍ، إلا إذا سَدَّ مَسدَّه شيءٌ يُذْكَر بعده، وهذه قاعدة مُطَّردة عندهم، سيذكره في (التسهيل). وقيل: هو مبتدأ خبره محذوف – عكس – هو مبتدأ ليست الجملة التي قبله خبر، إنما خبره محذوف مُقدَّر .. خبره محذوف وجوباً، وأجازه ابن عصفور، يعني: مثلاً تقول: نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ (نِعْمَ الرَّجُل) فعل وفاعل (زيدٌ) مبتدأ، والخبر محذوف تقديره الممدوح: زيدٌ الممدوح، قال في (التسهيل): " وهو غير صحيح - يعني: هذا الإعراب - لأن هذا الحذف لازم – يعني: واجب – ولم نَجِد خبراً يلزم حذفه إلا ومَحلُه مشغولٌ بشيء يَسدُّ مَسدَّه " يعني: لا يلزم حذف الخبر إلا إذا وجد ما يَسدُّ مَسدَّه: أقائمٌ، قلنا: هذا مبتدأ لا خبر له، حذف الخبر لِسدِّ الفاعل مَسدَّه، كذلك في القسَم .. كذلك في الشرط. كلما التُزِم حذف الخبر فلا بُدَّ ما يَسدُّ مَسدَّه، وهنا ليس فيه ما يَسدُّ مَسدَّه، ثُمَّ نَحتَاج إلى أن يكون هذا الذي أُوِّلَ إليه: زيدٌ الممدوح، أن يكون مسموعاً ولو في حالة واحدة .. لو مرة واحدة نُطِقَ بالخبر مَحذوفاً ولم يُنقَل ذلك. وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ مُبْتَدَا ... أَوْ خَبَرَ اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ بِهِ كَفَى ... كَالْعِلمُ نِعْمَ المُقْتَنَى وَالمُقْتَفَى

معنى البيت: أنَّ المخصوص قد لا يُذْكَر بعد الفاعل، ويُذْكر ما يُشْعِر به قبل (نِعْمَ وبِئْسَ) سواءٌ كان مُتَّصلاً بها كالمثال الذي ذكره الناظم: (العِلمُ نِعْمَ) اتَّصَل بها، أو غير مُتَّصلٍ بها، يكون مُنفصِل كقوله تعالى في شأن أيوب: ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ)) [ص:44] أيوب .. (نِعْمَ الْعَبْدُ) فعل وفاعل، والمخصوص محذوف، أين هو؟ محذوف تقديره: أيوب، ما الذي دَلَّ عليه؟ (إِنَّا وَجَدْنَاهُ) الضمير، هل هو مُتَّصِل بـ: (نِعْمَ) مباشرة مثل (العِلمُ نِعْمَ)؟ لا، مُنفصِل عنه لا إشكال فيه. بل قد يكون الدَّالُ عليه والمشْعِر في كلامٍ غير ما نطق به المُتكلِّم، يقول الرَّجُل مثلاً: زيدٌ حسن الأفعال، أو حسن التَّصرفات ونحو ذلك، فيقول المستمع: نِعْمَ الرَّجُل، يعني: زيد، من أين .. ما الذي أشْعَر به؟ ليس في كلامي أنا، بل في كلام المُخاطَب، إذن: القرينة والإشعار لا يُشترط أن يكون لفظياً، ولا يشترط أن يكون من جهة الناطق نفسه المُتكلِّم، بل قد يكون في الخطاب. إذن: أنَّ المخصوص قد لا يُذْكَر بعد الفاعل ويُذْكَر ما يُشْعِر به قبل (نِعْمَ وبِئْسَ) سواءً كان مُتَّصلاً أو لا، وقد يكون المشْعِر بالمخصوص في كلام غير المُتكلِّم بـ: (نِعْمَ) كأن يقول القائل: زيدٌ حسن الأفعال، فيقول المجيب: نِعْمَ الرَّجُل. (وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ) يعني: اسمٌ مُشْعِر (يُقَدَّمْ) لماذا جُزِم؟ (إِنْ) شرطية .. (إِنْ) حرف شرط و (يُقَدَّمْ) فعل مضارع مَجزوم بـ: (إِنْ) وهو مُغيَّر الصيغة و (مُشْعِرٌ) نائب فاعل وهو صفةٌ لموصوفٍ محذوف، يعني: اسمٌ مُشْعِرٌ. أي: لفظٌ مُشْعرٌ بمعنى المخصوص، أي: دَالٌ عليه سواءٌ صَلُح لأن يكون المخصوص نفسه لو أُخِّرَ، كما في مثال المتن أولى، نحو: ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً)) [ص:44] يعني: المُتقَدِّم قد يكون صالحاً لأن يكون المخصوص لو تأخر، مثال الناظم: (العِلمُ نِعْمَ المُقْتَنَى) المُكْتَسب (وَالمُقْتَفَى) يعني: المتَّبَع، العلم هو المُشْعِر الَّلفظ المُتَقدِّم، لا يكون مخصوصاً لأنه مبتدأ و (نِعْمَ المُقْتَنَى) لو أُخِّر وقيل: نِعْمَ المقْتَنى العِلْم صَحَّ. لكن: ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ)) [ص:44] هذا لا يُمكن أن يتأخر، إذن: المشعر بالمخصوص قد يَصلُح أن يكون مَخصوصاً وقد لا يَصلُح، وكلاهما مُشْعرٌ به. وقوله: (كَفَى) .. مُشْعِرٌ بِهِ كَفَى، أي: عن ذكر المخصوص، ولم يكن مخصوصاً وإن صلح لكونه مَخصوصاً لو أُخِّر، إذن: (وَإِنْ يُقَدَّمْ لَفظٌ أو اسْمٌ مُشْعِرٌ بِهِ) أي: بالمخصوص، كَفَى عن ذكر المخصوص، مَعْمُوله محذوف، أي: كَفَى عن ذكر المخصوص، (كَفَى) لا بُدَّ أن تُقدِّر له جار ومجرور: كفى عن ذِكْر المخصوص. (كَالعِلمُ نِعْمَ المُقْتَنَى)، (العِلمُ) مبتدأ قولاً واحدً و (نِعْمَ المُقْتَنَى) فعل وفاعل (المُقْتَنَى) يعني: المُكْتَسب (وَالمُقْتَفَى) معطوف عليه، يعني: المتَّبَع، والجملة: (نِعْمَ المُقْتَنَى) في مَحلِّ رفع خبر المبتدأ.

هذا البيت يُشْعِر أو تُوهم عبارته أنه لا يَجوز تقديم المخصوص - هذا ظاهر كلام الناظم – وأنَّ المُتقدِّم ليس هو المخصوص، بل هو مُشْعِرٌ به، وهو خلاف ما صَرَّح به في (التسهيل): " من أنَّ المخصوص قد يُذْكَر قبل (نِعْمَ وبِئْسَ) " وهنا ادَّعى ابن هشام الإجماع على أنه جائز. قال الشارح هُنا: " إذا تَقدَّم ما يَدلُّ على المخصوص بالمدح أو الذَّمْ أغنى عن ذِكْرِه آخراً " إذن: كلام الشارح هنا على أنه ليس هو المخصوص، ولذلك قال (أغْنَى) ولا يُغنِي عنه إلا إذا كان هو غيره، لا يغني الشيء عن الشيء إلا إذا كان مغايراً له، ما نقول: استغنى كذا عن كذا إلا إذا كان غيره. إذن: إذا تَقدَّم ما يَدل على المخصوص أغنى عن ذكره آخراً، كقوله تعالى في أيوب الآية: نِعْمَ العَبد أيُوب، فحذف المخصوص بالمدح وهو (أيوب) لدلالة ما قبله عليه. ثُمَّ قال: (وَاجْعَل كَبِئْسَ سَاءَ وَاجَعَل .. ) هذا شروعٌ فيما جَرَى مَجرى (نِعْمَ وبِئْسَ) .. (نِعْمَ وبِئْسَ) وما جرى مجراهما، إذن: (نِعْمَ وبِئْسَ) انتهينا منهما، بقي ما جرى مجرى (نِعْمَ وبِئْسَ). قال رحمه الله: وَاجْعَل كَبِئْسَ سَاءَ وَاجْعَل فَعُلاَ ... مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ كَنِعْمَ مُسْجَلا وَمِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا الفَاعِلُ ذَا ... وَإنْ تُرِدْ ذَمَّاً فَقُل لاَ حَبَّذَا (وَاجْعَل سَاءَ كَبِئْسَ) في كونها تدل على الذَّمِّ معنىً وحكماً (اجْعَل سَاءَ كَبِئْسَ)، (اجْعَل) فعل أمر، و (اجْعَل) هذا يَتعدَّى إلى اثنين و (سَاءَ) مفعوله الأول و (كَبِئْسَ) هذا مفعوله الثاني، (اجْعَل كَبِئْسَ) اجْعَل سَاءَ كَبِئْسَ معنىً وحكماً (وَاجْعَل فَعُلاَ مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ كَنِعْمَ)، (اجْعَل) هذا فِعْل أمر و (فَعُلاَ) مفعوله الأول، وقوله: (كَنِعْمَ) هذا مفعوله الثاني (مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ) هذا حالٌ من (فَعُلاَ) (فَعُلاَ) بِضمِّ العين. مقصوده: أنه قد يأتي (فَعُلاَ) إمَّا أصالةً أو عُروضاً ويُعامل مُعامَلة (نِعْمَ وبِئْسَ) في المدْح والذَّم، وذلك كل فعلٍ كان على زِنَة (فَعُل) أصالةً كـ: ظَرُف وشَرُف، أو يكون بالتحويل .. بالنقل، وهذا سبق معنا في باب الصرف: أنَّ كلَّ ما كان على وزن (فَعَل) أو (فَعِل) يجوز نقله إلى باب (فَعُل) كل فعل إلا ثلاثة أفعال حكاها ابن عصفور، وهي: سَمِع وعَلِم وجَهِل، وما عداها كله يجوز تحويله إلى باب (فَعُلَ)، ضَرَبَ هذا على وزن (فَعَلَ) هذا مُتعدِّي أو لازم؟ مُتعدِّي، إذا أرَدْتَ الدلالة به على اللزوم وأنَّ الوصف لازمٌ تُحوله إلى باب (فَعُلَ) فتقول: ضَرُبَ، مثل: ظَرُفَ، ضَرُبَ زيدٌ. إذن: تَفْهَم من هذه العبارة ماذا؟ ضَرَبَ زيدٌ عمراً، ضرب يوم وترك عشرة، وضرب الذي بعده، يعني: يَضْرُب ويَتْرُك، ولا يكون الوصف لازماً له، أمَّا إذا قلت: ضَرُبَ زيدٌ، هذا ضَرَّاب صباح مساء وهو يَضرِب، إذن: صار الوصف له لازماً.

ومثله على قولٍ: عَلُمَ وفَتُحَ ونَهُبَ ونحو ذلك وسَرُقَ إذا كان يسرق كثير، نقول: سَرُقَ صار الوصف له لازماً، جَهُلَ على قولٍ وإن استثناها البعض، إذن: كُلُّ ما كان على باب (فَعَلَ) أو (فَعِلَ) إذا أردنا به الُّلزُوم حينئذٍ يُنقَل إلى باب (فَعُلَ) بالضَمِّ، فهذا يكون فيه (فَعُلَ) أصالةً أو عُرُوضاً .. عارضاً له طارئاً؟ الثاني. قوله: (وَاجَعَل فَعُلاَ مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ) هل هو خَاصٌّ بـ: (فَعُلَ) أصالةً أو يشمل النوعين؟ يشمل النوعين. كـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) هنا قال: (نِعْمَ) أي: كباب (نِعْمَ) فدخل فيه (بئس) إذا قيل: كباب (نِعْمَ) دخلت فيه (بئس)، أو نقول: من باب الاكتفاء، يعني: ذكر (نِعْمَ) ولم يذكر (بئس) لأن تقول: (نِعْمَ وبِئْسَ) (نِعْمَ) في المدح و (بئس) في الذَّمِّ. (فَعُلاَ) هل يُستَعمل في المدح فقط أو في المدح والذَّمِّ كذلك؟ في المدح والذَّم، هو قال: (وَاجَعَل فَعُلاَ مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ كَنِعْمَ) إذن: لا يُستَعمل كـ: (بئس) هذا ظاهر النظم، نقول: لا، ليس هذا مراده، وإنَّمَا مراده بالكاف هنا كـ: (نِعْمَ) أي: كباب (نِعْمَ). فيدخل فيه (بئس) فهو من حذف المضاف، أو نقول: من باب الاكتفاء كـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) حَذَفَ ((سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)) [النحل:81] أي: والبرد، من باب الاكتفاء، هذا جائز. (مُسْجَلاً) هذا مفعولٌ مُطلَق لـ: (ا0جْعَل) أي: جعلاً مُطلقاً، أي: في جميع الأحكام السابقة، وسيأتي بعض الاستثناء. وإمَّا حالٌ من (فَعُلَ) أي: حالة كونه مُطلقاً عن التقييد بضَمِّ العين أصالةً والأول أقرب: أنه مفعولٌ مُطلق. (مُسْجَلاً) المسْجَل قيل: المبذول المباح الذي لا يُمنَع من أحدٍ، ويُفسَّر دائماً عند أراب المتون بـ: (مُطلقاً) (مُسْجَلاً) أي: مُطلَقاً، يُقال: أسْجَلت الشيء إذا أمْكَنْتُ من الانتفاع به، مُطلقاً أي: يكون له ما لهما، يعني: يثبت لـ: (سَاءَ) ما ثَبَت لـ: (بِئسَ) من جميع الأحكام السابقة، ويَثْبُت لـ: (فَعُلَ) ما ثَبَتَ لـ: (نِعْمَ وبِئْسَ) من جميع الأحكام السابقة، من عدم التَّصرُف، لأن (بِئْسَ ونِعْمَ) جامدان. إذن: (سَاءَ) جامد وكل ما كان على وزن (فَعُلَ) في باب المدح والذَّمِّ هنا – نَتَكلَّم عن باب (نِعْمَ وبِئْسَ) وما جرى مجراهما – كل ما كان من باب (فَعُلَ) فحينئذٍ نقول: هذا جامدٌ، لو قيل: (عَلُمَ) نقول: جامد، كيف (عَلُمَ) جامد، عَلِم يَعْلَم عَالِم؟ نقول: في هذا المقام نَحن نَتَكلَّم عن (فَعُلَ) في باب المدح والذَّم، نقول: هذا جامدٌ لأنه ضُمِّنَ معنى المدح فأُجْرِي مُجرَى (نِعْمَ) و (نِعْمَ) غير مُتَصرِف، جامد. إذن: كل ما ضُمِّنَ معنى (نِعْمَ وبِئْسَ) فهو غير مُتَصرِّف. من عدم التَّصرُّف، ومن إجراء الخلاف في الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر: وَجَمْعُ تَمْيِيزٍ وَفَاعِلٍ ظَهَرْ ... فِيْهِ خِلاَفٌ. . . . . . . . . .

هذا يَجري في (نِعْمَ وبِئْسَ) وما جَرى مَجرى (نِعْمَ وبِئْسَ) فالحكم واحد، وأن (مَا) في نحو: ((سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)) [الأنعام:136] (مَا) هنا (فِي نَحْوِ نِعْمَ مَا يَقُولُ الفَاضِلُ) الحكم واحد مُميِّز أو فاعل، وجواز كون المخصوص مبتدأ أو خبر، وأنَّه يكفي عن ذكره تَقدُّم ما يُشْعِر به، وإفادة المدح أو الذَّم، واقتضاء فاعلٍ كفاعلهما، وسواءٌ في ذلك ما هو (فَعُلَ) أصالةً وما حُوِّل إليه. إذن: مُطلقاً في جميع ما سبق من أول الباب إلى هذه اللحظة، كل ما ذُكِرَ في باب (نِعْمَ وبِئْسَ) من اتفاقٍ أو خلافٍ وترجيح وأقوال فهو ثابتٌ لـ: (سَاءَ) وباب (فَعُلاََ) ولذلك قال: (مُسْجَلاَ). وَاجْعَلْ كَبِئْسَ سَاءَ وَاجَعَلْ فَعُلاَ ... . . . . . . . . . . . ...................... يدخل فيه (حَبَّ) مع غير (ذَا)، ليست: (حَبَّذَا) مع (ذَا)، لأنَّ (حَبَّ) الأصل: حَبُبَ، أُسقِطَت الضَمَّة تَخفيفاً فقيل: (حَبَّ) إذن: يدخل فيه (حَبَّ) مع غير (ذَا) فيثبت له جَميع ما ثبت لـ: (نِعْمَ) من الأحكام. ومنه الجمع بين الظاهر والتمييز على القول بجوازه، والإسناد إلى الضمير وغيره. وَاجْعَلْ كَبِئْسَ سَاءَ وَاجَعَلْ فَعُلاَ ... مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ. . . . . . . أي: حالة كون (فَعُلاَ) كائناً من فِعْلٍ ذي ثلاثة أحْرُف، مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ أي: حالة كون (فَعُلاَ) كائناً من فِعْلٍ – على تقدير موصوف محذوف – من فعلٍ (ذِي ثَلاَثَةٍ) ثلاثة أحْرُف، وسبق معنا: أنَّ التنوين الذي يكون في الأعداد تنوين عِوَض، مثل: (كُل وبَعْض) عِوَض عن كلمة، إذا قيل: ثلاثةٌ، أين التمييز؟ محذوف، وعُوِّضَ عنه التنوين، (ثَلاَثَة) جاءني ثلاثة، يعني: ثلاثة رجال مثلاً، فَحذفَت المُميِّز وعَوَّضَتَ عنه التنوين. هنا قال: (ثَلاَثَةٍ) أي: ثلاثة أحْرُف، وليس المراد مُحوَّلاً (مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ) حتى يَرِد اعتراض ابن هشام، بأن عبارة المُصنِّف ظاهرةٌ في المُحوَّل عن (فَعَلَ) بالفتح أو الكسر ليس هذا المراد، لأنه قال: (وَاجَعَلْ فَعُلاَ مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ) كأنه قال: مُحوَّلاً من ذي ثلاثةٍ، إذن: (فَعُلَ) أصالةً لا يشمله اللفظ، ليس هذا المراد، المراد: اجعل (فَعُلَ) حالة كونه من فعلٍ ذي ثلاثة أحْرُف فقط، فيشمل ما كان (فَعُلَ) أصالةً وما كان بالتحويل. (مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ كَنِعْمَ مُسْجَلاَ) مُسْجَلاً. قال الشَّارح هنا: " تستعمل (سَاءَ) في الذَّمِّ استعمال (بِئْسَ) "، إذن: أشبهتها في المعنى، حينئذٍ أخذت أحكامها السابقة، فلا يكون فاعلها إلا ما يكون فاعلاً لـ: (بِئْسَ) وهو المُحلَّى بالألف واللام: سَاءَ الرَّجُل زيدٌ، (سَاءَ) فعلٌ ماضي لإنشاء الذَّمْ (الرَّجُل) فاعل سَاءَ و (زيدٌ) المخصوص بالذَّمِّ، وهو مبتدأ والجملة قبله خبرٌ.

والمضاف إلى ما فيه الألف والَّلام: سَاءَ غُلام القوم زيدٌ، الإعراب نفسه، والمُضْمَر المُفَسَّر بنكرة بعده: سَاءَ رجلاً زيدٌ (سَاءَ) فعلٌ ماضي لإنشاء الذَّمِّ، والفاعل ضميرٌ مستتر وجوباً، و (رَجلاً) منصوبٌ على التمييز، و (زيدٌ) هذا المخصوص بالذَّمِّ وهو مبتدأ، والجملة قَبْلَه خبر، ومنه قوله تعالى: ((سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا)) [الأعراف:177]. ويُذكَر بعدها المخصوص بالذَّمِّ كما يُذْكَر بعد (بئس) وإعرابه كما تَقدَّم: ((سَاءَتْ مُرْتَفَقاً)) [الكهف:29] .. ((سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)) [الأنعام:136] القول فيه: (مَا) هنا مُميِّزٌ، وقيل: فاعل، والصواب أنها مُميِّز. وأشار بقوله: (وَاجَعَلْ فَعُلاَ) إلى أنَّ كُلَّ فعلٍ ثلاثي يجوز أن يُبنَى منه فِعْلٌ على (فَعُلَ) لقصد المدح أو الذَّم، كل فعل ثلاثي سواءٌ كان من باب (فَعَلَ) أو (فَعِلَ)، وإمَّا ما كان من باب (فَعُلَ) لا إشكال فيه، لكن يُشتَرط – وهذا لم يَتعرَّض له الناظم – أنَّه مما استكمل شروط المتَعجَب منه. أن يكون الفعل صالحاً لأن يُتعجَب منه، فكل الشروط السابقة تُنَزَّل على هذا الباب، لأن (فَعُلَ) هنا فيه معنى التَّعجُب، ولذلك قال بعضهم: إنما يُصاغ (فَعُلَ) من الثلاثي لقصد المدح أو الذَّمِّ بشرط أن يكون صالحاً للتَّعجُب منه، بأن يستوفي شروطه السابقة مُضمَّناً معناه .. أن يستوفي الشروط الثمانية السابقة، فإن كان كذلك صَحَّ وإلا فلا. أشار بذلك: إلى أنَّ كل فِعْلٍ ثلاثي يجوز أن يبنى منه فِعْلٌ على (فَعُلَ) لقصد المدح أو الذَّمِّ، ويُعامل مُعَامَلة (نِعْمَ وبِئْسَ) في جميع ما تَقَدَّم لهما من الأحكام، لذلك قال (مُسْجَلاَ) مُطلقاً، سيأتي بعض الاستثناء، فتقول: شَرُفَ الرَّجُل زيدٌ (شَرُفَ) فعل ماضي لإنشاء المدح مثل (نِعْمَ) تُعرِبُها هكذا، ثُمَّ أتِم الباقي، و (الرَّجُل) فاعل و (زيدٌ) مخصوصٌ بالمدح، وهو مبتدأ والجملة قبله خبرٌ. لَؤُمَ الرَّجُل بكرٌ .. لؤم هذا، فيه ذَمٌّ، إذن: فِعْلٌ ماضي لإنشاء الذَّمِّ و (الرَّجُل) فاعل و (بَكرٌ) هذا المخصوص بالذَّم، وشَرُفَ غلام الرَّجُل زيدٌ، وشَرُفَ رجلاً زيدٌ، قيل: منه (سَاءَ) (سَاءَ) أصلها: سَوَأَ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قَبلَها فقُلبِت ألفاً فصارت (سَاءَ) ثُمَّ نُقِلَ إلى باب (فَعُلَ). حينئذٍ يكون قوله: (وَاجْعَلْ كَبِئْسَ سَاءَ وَاجَعَلْ فَعُلاَ) من باب عطف العام على الخاص، لأن (سَاءَ) هذه بمعنى: سَوُأَ، يعني: من باب (فَعَلَ) نُقِلَ إلى (فَعُلَ). قيل: من هذا النوع (سَاءَ) فإنَّ أصله: سَوَأ بالفتح، فحُوِّل إلى (فَعُلَ) بالضَّمِّ فصار قاصراً، ثُمَّ ضُمِّنَ معنى (بِئْسَ) فصار جامداً قاصراً محكوماً عليه بما سبق من أحكام، وإنما أفَرَده الناظم هنا بالذِّكْر لخفاء التحويل فيه بسبب الإعلال – ما يَظْهَر – (سَاءَ) لا يظهر أنه من باب (فَعُلَ) لأنه مُعَلّ.

الأصل: سَوَأَ .. سَوُأَ، على النوعين: من باب (فَعَلَ) أو (فَعُلَ) وجب قلب الواو ألفاً، لأنها مُتحرِّكة، والشرط هو التَّحرُّك، ما دام أنها تَحرَّكت بقطع النظر عن الحركة وجب قلبها ألفاً، فقيل: ساء زيدٌ، حينئذٍ هل يُتصوَّر أنه من باب (بِئْسَ) يُقال: لا، إذن: لا بُدَّ من النَّصِّ عليه. وإنما َأفرده بالذِّكْر لخفاء التحويل فيه بسبب الإعلال، فأورِدَ عليه: (شَاَنَ وزَاَنَ) لماذا خصَّصت (سَاَءَ)؟! وأيضاً يستعمل: شَاَنَ زيدٌ الرَّجُل .. شَاَنَ الرَّجُل زيدٌ، وزَاَنَ الرَّجُل زيدٌ، في المدح والذَّم كذلك. فأُورِدَ (شَاَن وزان) لوجود العِلَّة. فالأولى أن يُقال في التعليل: إنَّما أفرده لأنه للذَّمِّ العام، فهو أشبه بـ: (بِئْسَ) بِخلاف نَحو: جَهُلَ، فإن الذَّم فيه خَاصٌ، ولكثرة استعماله بَخلاف غيره، إذن: هذا أو ذاك نقول: (سَاءَ) أصله من باب (فَعُلَ) هذه النتيجة، لماذا خَصَّه؟ يَحتمل هذا وذاك، ومقتضى هذا الإطلاق عند الناظم (فَعُلاَ مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ) أنَّه يَجوز في (عَلِمَ) أن يُقال: عَلُمَ الرَّجُل زيدٌ، بِضمِّ عين الكلمة، وقد مَثَّل هو وابنه به – ابن الناظم- عَلُمَ، وهذا دَلَّ على أنهما يريان جواز نقل (عَلِمَ) إلى باب (فَعُلَ) وكذلك (جَهِلَ) إلى باب (فَعُلَ) وسَمِعَ إلى باب (فَعُلَ) هذا جَائزٌ الظاهر عند الناظم لإطلاقه، بل مَثَّل به في شرحه (للكافية) والله أعلم. وقد مَثَّل هو وابنه به، وصَرَّح غيره -ابن عصفور-: أنَّه لا يَجوز تَحويل (عَلِمَ) و (جَهِلَ) و (سَمِعَ) إلى (فَعُلَ) بَضَمِّ العين، لأن العرب التزمت كسر العين فيها مُطلقاً. لأن العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبْقَتْها على كسرة عَيْنهَا ولم تحولها إلى الضَّمِّ، فلا يجوز لنا تَحويلها بل نبقيها على حالها كما أبْقَوْها، فتقول: عَلِم الرَّجُل زيدٌ، وجَهِلَ الرَّجُل عمروٌ، وسَمِع الرَّجُل بكرٌ. إذن: يستثنى هذه الأفعال الثلاثة على قولٍ بأنه إذا استعملت استعمال (نِعْمَ وبِئْسَ) حينئذٍ نقول: تبقى على أصلها (عَلِمَ). ويَجوز في (فَعُلَ) هنا أن تُسكَّن عَينُه، فإذا قيل: (عَلُمَ) مثلاً، تقول: عَلْمَ زيدٌ (شَرُفَ) شَرْفَ زيدٌ .. شَرْفَ الرَّجُل زيدٌ بالتخفيف، يعني: بإسكان العين. يَجوز في (فَعُلَ) هنا أن تُسكَّن عَينُه، وأن تُنقَل حَرَكتها إلى الفاء فتقول: ضَرْبَ الرَّجُلُ زيدٌ، ويُقال: ضُرْبَ الرَّجُلُ زيدٌ، يعني: تُنقَل الحركة إلى ما قبلها، إذن: (شَرُفَ) فيه ثلاث لغات في هذا الباب (نِعْمَ وبِئْسَ) تقول: شَرُفَ الرَّجُل زيدٌ، من باب (فَعُلَ) وقد تُسكِّن العين فتقول: شَرْفَ الرَّجُل زيدٌ، وقد تَنقُل حركة العين إلى ما قبلها فتقول: شُرْفَ الرَّجُل زيدٌ، تستعمل هذا أو ذاك، وكله وارد. يَجوز في فاعل (فَعُلَ) المذكور الجَرُّ بالباء والاستغناء عن (أل) وإضْمَاره على وفق ما قبله، هذا مِمَّا اختَصَّ به باب (فَعُلَ) عن باب (نِعْمَ وبِئْسَ)، يَجوز في فاعل (فَعُلَ) المذكور الجَرُّ بالباء، فيُقال: حُبَّ بِالزَّوْرِ الَّذِي لاَ يُرَى ... مِنْهُ. . . . . . . . . . . .

(حَبَّ بالزَّوْرِ) أصله: الزَّوْرُ، حُبَّ، قلنا: (حُبَّ) هذه داخلة فيه، ولذلك أصله: حَبُبَ، على اللغة الثالثة: حُبَّ، نُقِلَت الضَّمَّة إلى حركة العين إلى الفاء، قيل: (حُبَّ بالزَّوْرِ) الباء هذه زائدة و (الزَّوْرِ) هذا فاعل مرفوعٌ تقديراً، والباء هذه زائدة (حُبَّ بالزَّوْرِ). وكذلك الاستغناء عن (أل) تقول: فَهُمَ زيدٌ .. والزيدون كَرُمُوا رجالاً، صار ضميراً مستتراً، لِمَا فيها من معنى التَّعجُب، إذن: يَجوز في فاعل (فَعُلَ) الجَرُّ بالباء، والاستغناء عن (أل) .. لا يشترط فيه (أل)، وإضْمَاره على وفق ما قبله: الزَيْدون كرُمُوا رجالاً (كرُمُوا) الواو فاعل، وهنا أضْمِرَ الفاعل، يعني: أُبْرِز، صار ضَميراً بارزاً باعتبار ما بعده، هذا شاذ هناك، قلنا: في باب (نِعْمَ) يُحفظ ولا يُقاس عليه، وإن حكاه الكِسَائي. وَمِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا الْفَاعِلُ ذَا ... وَإِنْ تُرِدْ ذَمَّاً فَقُلْ: لاَ حَبَّذَا وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيَّاً كَانَ لاَ ... تَعْدِلْ بِذَا فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ أَوْ فَجُرْ ... بِالبَا وَدُونَ ذَا انْضِمَامُ الحَا كَثُرْ هذا ما جَرَى على نَمط (نِعْمَ وبِئْسَ) يعني: حَبَّذا، ومثل (نِعْمَ) في المعنى لا في الحكم مُطلقاً: حَبَّ، من قولك: حَبَّذا، حَبَّ فقط، وأمَّا (ذَا) فهو فاعل، وقد نَصَّ عليه (الفَاعِلُ ذَا). (وَمِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا) حَبَّ من حَبَّذا، فهي لإنشاء المدح العام، كما أنَّ (نِعْمَ) لإنشاء المدح العام فهي مثلها: - وفي الفعلية على الأصح .. هي فِعْلٌ (الفَاعِلُ ذَا). - والمُضيِّ. - والنقل إلى الإنشاء. - والجمود. فهذه اجتمع فيها (حَبَّ ونِعْمَ): كلٌ منهما لإنشاء المدح العام، وكلٌ منهما فعلٌ على الأصح فيهما، والمُضي .. الدلالة على الماضي، والنقل إلى الإنشاء كانا خبرين، والجمود كلٌ منهما جامد غير مُتصرِّف .. فِعْلاَنِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ. وتُفارقها .. تُفارِق (حَبَّ) (نِعْمَ) في: - أنها لا يجوز في لفظها إلا هيئةٌ واحدة. - وفي جواز دخول (لا) عليها: لا حَبَّذا، لا يُقال: لا نِعْمَ، لا يَجوز، يَجوز دخول (لا) النافية على حَبَّ، ولا يجوز دخولها على (نِعْمَ). - ودخول (يا) عليها من غير شذوذ: يَا حَبَّذا زيدٌ، ولا يصح: يَا نِعْمَ، هذا شاذ، وأمَّا حبَّذا فيجوز. وتزيد عليها من حيث المدح – تزيد (حَبَّ) على (نِعْمَ) -: بأنها تُشْعِر بأن الممدوح محبوب وقريبٌ إلى النفس، إذا مدحته: نِعْمَ الرَّجُل زيد، ما يَدُل على أنك تُحبه، لكن إذا قلت: حَبَّذا زيدٌ، إذن: (حَبَّ) هذا فيه مَحبَّة وفي ميل القلب. وتزيد عليها بأنها تُشْعِر بأن الممدوح مَحبوبٌ وقريب من النفس. قال ابن مالك في (شرح التسهيل): " والصحيح أن (حَبَّ) فِعلٌ يُقصَد به المحبة والمدح – جمع بينهما –، إذن: ليس كل مَمدوحٍ محبوباً، قد يكون المدح نفاق .. كَذِب، وجُعِل فاعله (ذَا) ليدل على الحضور في القلب، (ذَا) اسم إشارة، والإشارة الأصل فيها أن تكون لشيءٍ محسوس، يعني: كأنه أشيِر إليه أنه مَحلَّه .. مَسْكَنه القلب، حينئذٍ دَلَّتْ على ما دَلَّ عليه (حَبَّ).

(وَمِثْلُ نِعْمَ) في المعنى لا في الحكم (حَبَّ) من (حَبَّذَا)، (الفَاعِلُ ذَا) مبتدأ وخبر، (مِثْلُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف و (نِعْمَ) قُصِدَ لفظه مضاف إليه، (حَبَّذَا) كلها خبر المبتدأ، (الفَاعِلُ ذَا) مبتدأ وخبر، أي: فاعل (حَبَّ) هو لفظ (ذَا) على المختار .. القول الصحيح، وظاهر مذهب سيبويه، وقوله: (الفَاعِلُ ذَا) فيه تعريض، يعني: أراد أن يَرُد على بعض النحويين، فيه تعريضٌ بالرَّدِّ على القائلين بتركيب (حَبَّ) مع (ذا) قيل: (حَبَّ) فعلٌ ماضي و (ذَا) فاعل، وهذا الصحيح وهو مذهب سيبويه. قيل: (حَبَّذَا) كلها فعل مُركَّبة، وقيل: (حَبَّذَا) كلها اسم مركَّبة، وهذان القولان ضعيفان، وأضعفهما القول بالفعلية، وفيه تعريض بالرَّدِّ على القائلين بتركيب (حَبَّ) مع (ذَا) ولهم فيه مذهبان: الأول قيل: غُلِّبَت الفعلية لِتقدُّم الفعل فصار الجميع فعلاً وما بعده فاعل: حَبَّذا زيدٌ، (حَبَّذا) فعلٌ ماضي و (زيدٌ) فاعل، كيف (حَبَّ) فعل و (ذَا) اسم إشارة؟ قالوا: تَقدَّم الفعل فغُلِّبَت الفِعْلية على الاسمية فرُكِّبا .. مُزِجا .. صارا لفظاً واحداً فعل، إذن: (حَبَّذا) فعل ماضي .. كلها فعل ماضي و (زيدٌ) المرفوع بعده فاعل، هذا قولٌ. هنا غُلَّبِت الفعلية على الاسمية. وضُعِّفَ –هذا قول ضعيف- بأنه يلزم تغليب أضعف الجزأين، أيهما أولى هنا: نُغلِّب الاسم الذي هو لشرفه أقوى على الفعل، أو نُغلِّب الفعل على الاسم؟ إذا جاءت مسألة غلبة فالاسمية أولى، ولذلك هذا أضعف الأقوال، إذا أردنا تغليب الفعل على الاسم، أو الاسم على الفعل فالأولى أن نُغلِّب الاسم على الفعل لشرفه .. لأنه أعلى. وضُعِّفَ بأنه يلزم تغليب أضعف الجزأين، وبأنَّ تركيب فعلٍ من فعلٍ واسمٍ لا نضير له، هذا قولٌ. القول الثاني: غُلِّبَت الاسْمية لشرف الاسم - جاء على القاعدة الأصل .. التعليل السابق – غُلِّبَت الاسمية (حَبَّذَا) اسمٌ وما بعده خبر، وغلبت الاسْمية لِشَرَف الاسم فصار الجميع اسماً، وما بعده خبر (حَبَّذا) مبتدأ، والاسم المرفوع بعده خبر، وهو مذهب المبَرِّد وابن السرَّاج، ونُسِبَ لسيبويه، وضُعِّفَ بأن (حَبَّذا) لو كانت اسماً لوجب تَكْرار (لا) إن أُهْمِلَت (لا) نحو: لا حَبَّذا زيدٌ ولا عمروٌ، وهذا لا يُقال به، وعمل (لا) في مَعرفة إن أُعْمِلَت عَمَل (إنَّ) أو (ليس). إذن: هذان قولان ضعيفان، القول بالتركيب قولٌ ضعيف، سواءٌ غُلِّبَت الاسمية على الفعلية، أو الفعلية على الاسمية القولان ضعيفان. وهناك قولٌ ثالث وهو كون (حَبَّ) فعلاً، والاسم الظَّاهر فاعله و (ذَا) مُلْغاةٌ: حَبَّذا زيدٌ (حَبَّ) فعلٌ ماضي و (زيدٌ) فاعلٌ و (ذَا) مُلْغاةٌ، وهذا ضعيف لأن الأسماء لا تُلْغى، لو قيل حرف ويُلْغى نعم، لكن اسم إشارة جيء به في الأصل للدَّلالة على المعنى. إذن: (وَمِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا الفَاعِلُ ذَا) هذا هو الصحيح: أنَّ (حَبَّ) فعلٌ ماضي و (ذَا) فاعله و (زيدٌ) مخصوص بالمدح، وما قبله الجملة في محل رفع خبر، وهذا مذهب سيبويه وهو الظَّاهر.

(وَإنْ تُرِدْ ذَمّاً) إن تُرِد ذمَّاً بهذا التركيب (فَقُلْ: لاَ حَبَّذَا) يعني: تَزِد على (حَبَّذَا) تدخل عليها (لا) النافية، فتقول: لاَ حَبَّذَا، حينئذٍ صارت بمعنى (بِئْسَ)، (مِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا). (وَإِنْ تُرِدْ ذَمّاً فَقُل لاَ حَبَّذَا) فهي بمعنى (بِئْسَ). يُقال في المدح: حَبَّذا زيدٌ، وفي الذَّمِّ: لا حَبَّذا زيدٌ، كقوله: أَلاَ حَبَّذَا أَهْلُ المَلاَ غَيْرَ أَنَّهُ ... إِذَا ذُكِرَتْ مَيٌّ فَلاَ حَبَّذَا هِيَ واختُلِف في إعرابها، فذهب أبو علي الفارسي: أنَّ (حَبَّ) فعلٌ ماضي و (ذَا) فاعله، وأمَّا المخصوص فَجوَّز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره، وجُوِّز أن يكون خبر لمبتدأ محذوف، ما يُقال هناك في المخصوص يُقال في (حَبَّ). وذهب المبَرِّد وغيره: إلى أنَّ (حَبَّذا) اسمٌ، وهو مبتدأ والمخصوص خبره، أو: خبرٌ مُقدَّم والمخصوص مبتدأ مؤخر، فرُكِّبَت (حَبَّ) مع (ذَا) وجعلتا اسماً واحداً، وهذا ضعيف. وذهب قومٌ: إلى أنَّ (حَبَّذا) فعلٌ ماضي و (زيدٌ) فاعله، فرُكِّبَت (حَبَّ) مع (ذَا) وجعلتا فعلاً، وهذا أضعف المذاهب – نعم، أضعف ولا شَكْ - لأنه غُلِّبَ فيه الضعيف الفعل أضعف الجزأين على الأشْرَف وهو الاسم. وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ لاَ ... تَعْدِلْ بِذَا فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ (وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ) أوْلِ المخصوص (ذَا)، (أَوْلِ) يعني: اجعله تالياً له .. تابعاً له، (المَخْصُوصَ) هذا مفعول أول، (ذَا) هذا المفعول الثاني، أي: اجعل المخصوص بالمدح أو الذَّمِّ تابعاً لـ: (ذَا) يَتبعُه: حَبَّذا زيدٌ .. لا حَبَّذا زيدٌ، يكون تابعاً له، اجعل المخصوص بالمدح أو الذَّمِّ تابعاً لـ: (ذا) لا يَتقدَّم بحالٍ لا على (ذَا) ولا على (حَبَّ) فلا يُقال: حَبَّ زيدٌ ذَا! ولا يُقال: زيدٌ حَبَّذا، لا هذا ولا ذاك. (وَأَوْلِ ذَا المَخْصُوصَ) أي: اجعل المخصوص والياً (ذَا)، وفُهِم منه: أنَّ مخصوص (حَبَّذا) لا يكون إلا مُتأخراً عن (ذَا) بِخلاف المخصوص بعد (نِعْمَ). إذن: من الفوارق بين المخصوصين -مخصوص (نِعْمَ) ومخصوص (حَبَّذا .. حَبَّ) - أنَّ (حَبَّذا) لا يكون المخصوص إلا متأخراً، وأمَّا (نِعْمَ) فيجوز تقديمه، وقد حكا الإجماع على ذلك ابن هشام رحمه الله. فإنَّه يَتقدَّم، وفُهِمَ من سكوته عن إعرابه أنَّه كمخصوص (نِعْمَ)، إذن: خَالَفه في كونه لا يَتقدَّم، وأمَّا الإعراب فالحكم واحد .. ما قيل من جواز الإعراب هناك فهو الحكم هنا. (وَأَوْلِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ)، (أَيّاً) هذا اسم شرط و (كَانَ) هذا فعل الشرط، (أَيّاً) اسم شرطٍ نُصِب بِشرطه وهو (كَانَ) .. خبر (كَانَ) ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] مثله. وهو (كَانَ) على حَدِّ قوله: ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] وجملة (لاَ تَعْدِل بِذَا) جواب الشرط: أيَّاً كان هو، اسم (كان) ضمير مستتر و (أيَّاً) هو الخبر، وجَبَ تقديمه وهو شرط، إذن: (كان) فعل الشرط، أين الجواب؟ (لاَ تَعْدِلْ بِذَا) الأصل أنه يقول: فلا تَعْدِل بذا .. بالفاء.

وجملة: (لاَ تَعْدِل بِذَا) جواب الشرط على حذف فاء الجزاء، وقوله: (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ) قد يقول قائل: بأن الفاء هنا واقعة في جواب الشرط، نقول: لا، هنا الفاء للتَّعلِيل، لأنه لا يَصِح أن يكون جواباً: (أَيّاً كَانَ فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ) أو: (أَيّاً كَانَ فلاَ تَعْدِل بِذَا)؟ الظاهر أنَّ (لاَ تَعْدِل) هو الجملة .. هو جملة الجواب. وقوله: (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ) تَعليلٌ للنهي عن العدول وعَلَّلَ مع أن التعليل ليس من وظائف المتون، الأصل أنه يذكر الحكم فقط، وأمَّا التعليل فهذا من وظيفة الشَّارح، إشارةً إلى رَدِّ توجيه ابن كَيْسان الآتي ذكره، أو هو جواب الشرط، وجملة (لاَ تَعْدِل بِذَا) مُعترضة، لكن الأول أوْلى، يعني: يَحتمل أن قوله: (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ) هو جملة الجواب (أَيّاً كَانَ) .. هذا محتمل، وجملة: (لاَ تَعْدِل بِذَا) مُعترضة، لكن هذا ليس بظاهر، والصواب الأول: على إسقاط حرف الفاء. أو هو جواب الشرط، وجملة (لاَ تَعْدِل بِذَا) مُعترضة، والباء في: (بِذَا) إمَّا على بابها - التَعْدِية – وإمَّا بمعنى (عَنْ) أي: لاَ تَعْدِل عَنْ لفظ ذَا، وهذا الظَّاهر، والمراد به: لاَ تَعْدِل بِـ: (ذَا) عن لفظ (ذَا) عن الإفراد والتذكير، فيلزم الإفراد والتذكير، لا تَعْدِل عن لفظ (ذَا) إلى غيره، وضميره يرجع إلى (ذَا) بتقدير مضاف، أي: تركيبه، أي: التركيب المُشتمل عليه. (لاَ تَعْدِل بِذَا) (ذَا) فقط .. عن لفظه، أو إذا جاء في تركيب: حَبَّذا زيدٌ؟ في التركيب، إذن: على حذف مُضاف. أَيّاً كَانَ لاَ تَعْدِل بِذَا عن الإفراد والتذكير، فيجب في (ذَا) أن يكون بلفظ الإفراد والتذكير أيَّاَ كان المخصوص، سواءٌ كان مثنَّىً .. كان جَمعاً .. كان مؤنَّثاً، أيَّاً كان لفظه لا تَعدِل بـ: (ذَا) فتقول: (حَبَّذا زيدٌ) توافقا .. (حَبَّذا هِندٌ) تخالفا .. حَبَّذا الزيدان .. حَبَّذا الهندان .. حَبَّذا الزيدون .. حَبَّذا الهندات، مهما تَغيَّر وتَبدَّل المخصوص فـ: (ذَا) اسم إشارة مُفرد لمذَكَّر يبقى كحاله، لماذا؟! (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ). يعني: (ذَا .. حَبَّذا) يضاهي .. يُشابه المثل، والأمثال لا تُبدَّل ولا تُغيَّر: (الصيَّفَ ضَيَّعتِ اللبن) ما يُبدَّل، تقول للرجل: الصيَّف ضَيّعتِ اللبن، صحيح؟! تقول لقوم -عشرين شخص-: الصيَّف ضَيّعتِ اللبن، يبقى كما هو، لا تقل: ضَيَّعتَ، ولا ضَيَّعتُ، إنما يبقى كحاله .. (فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ). إذن: يَجب في (ذَا) أن يكون بلفظ الإفراد والتذكير أيّاً كان المخصوص، أي: أيَّ شيءٍ كان مُذكَّراً، أو مُؤنَّثاً مفرداً، أو مثنَّىً أو جَمعاً، فتقول في المثال كما قال الشَّارح: حَبَّذا زيدٌ، وحَبَّذا هندٌ، والزيدان، والهندان، إلى آخره، فلا تَخرج (ذَا) عن الإفراد والتذكير، لأنها لو خَرَجت لقيل: حَبَّذي .. حَبَّذي هندٌ، وحَبَّذان الزيدان (ذَان) لأن (ذَا) مُفرَد و (ذَان) فتقول: حَبَّتان الهندان، وحَبَّ أولئك الزيدون .. حَبَّ أولئك الهندات، وهذا فاسد. وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ لاَ ... تَعْدِلْ بِذَا فَهْوَ. . . . . . . .

(فَهْوَ) أي: هذا التركيب (حَبَّذا) (يُضَاهِي) يعني: يُشابه، (المَثَلاَ) الألف هنا للإطلاق و (المَثَل) لا يُغيَّر ولا يُبدَّل، فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ في كثرة الاستعمال، والأمثال لا تُغيَّر، فكذا ما أشبهها. وقال ابن كيسان - هذا الذي أحلنا إليه -: " إنما لم يَختلف (ذا) " .. لماذا لم يَختلف؟ عَلَّلَ الناظم كما عَلَّل أكثر النحاة: أنه شابه المَثَل، والمَثَل لا يُبدَّل، ابن كيسان له تعليل، يقول: " إنما لم يَختلف (ذا) لأنه إشارةٌ أبداً إلى مُذكَّرٍ محذوف مُطلقاً " المشار إليه مُذكَّر محذوف، ولذلك اتَّحَدْ مع جميع الأمثلة: حَبَّذا هندٌ .. حَبَّذا حُسن هندٍ، المشار إليه لفظ (حُسن) فَقدَّره مُذكراً، فيشار حينئذٍ للفظٍ مُذكَّر. لأنه إشارةٌ أبداً إلى مُذكَّرٍ محذوف، والتقدير في: (حَبَّذا هندٌ) حَبَّذا حُسن هندٍ، وكذا باقي الأمثلة، وهذا ضعيف، رُدَّ بأنه دعوى بلا بَيِّنة، لأنه التُزِمَ الحذف، وثَمَّ قاعدة: إذا التُزِمَ الحذف لا بُدَّ من دليل عن العرب بأن يُصرَّح في بعض الأمثلة، أو أن يُقام مُقامَه ما يَسدُّ مَسدَّه، وهُنا ليس عندنا ما يَسدُّ مَسدَّه. ورُدَّ بأنه دعوى بلا بَيِّنة، أي: دليل، لعدم ظهور هذا المُقدَّر في شيءٍ من كلام العرب الفصيح. وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ لاَ ... تَعْدِلْ بِذَا فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ إذن: أوْقِع المخصوص بالمدْح أو الذَّمِّ بعد (ذَا) على أيِّ حالٍ كان، من الإفراد والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع، ولا تُغيَّر (ذَا) لِتغيُّر المخصوص أبداً، بل يلزم الإفراد والتذكير لأنها أشبهت المَثَل والمَثَل لا يُغيَّر، فكما تقول: (الصيَّف ضَيّعتِ اللبن) للمذكَّر وغيره، فكذلك (حَبَّذا) يكون كذلك. يُحذف المخصوص في باب (حَبَّذا) للعلم به كما يُحذف في باب (نِعْمَ) إذن: الحكم واحد هنا من جهة أنَّ المخصوص يُحذف هنا كما يُحذف في باب (نِعْمَ): أَلاَ حَبَّذَا لَولاَ الحَيَاءُ وَرُبَّمَا ... مَنَحْتُ الهَوَى مَا لَيْسَ بِالمُتَقَارِبِ أي: ألا حَبَّذا ذكر هذه النساء لولا الحياء. وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ أَوْ فَجُرْ ... بِالبَا وَدُونَ ذَا انْضِمَامُ الحَا كَثُرْ يعني: أنَّ (حَبَّ) قد يكون فاعلها غير (ذَا) من الأسماء. فيما سبق: (حَبَّذَا الفَاعِلُ ذَا) هل دائماً يكون الفاعل (ذَا) أو تخرج عن أن يكون فاعلها (ذَا)؟ لا، تخرج لكن لها حكمٌ آخر. (وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ)، (مَا) هذا اسمٌ موصولٌ بمعنى: الذي، (ارْفَعْ مَا سِوَى ذَا بِحَبَّ) إذن: نفهم منه أنَّه قد يقع اسمٌ ظاهر موقع (ذَا)، (ارْفَعْ بِحَبَّ) ارْفَعْ مَا سِوَى ذَا، يعني: الذي غير (ذَا)، إذن: نفهم منه أنَّ غير (ذَا) قد يَحلُّ مَحلَّ (ذَا). يعني: أنَّ (حَبَّ) قد يكون فاعلها غير (ذَا) من الأسماء مع إرادة المدح، وفي فاعلها حينئذٍ وجهان: (ارْفَعْ ... أَو فَجُرْ) إمَّا الرفع، وإمَّا الجَرُّ، الرفع واضح، وأمَّا الجر فبالباء الزائدة لزوماً، وفي حائها إذَّاك لغتان كما سيأتي. (وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ) يعني: أنَّه إذا وقع بعد (حَبَّ) غير (ذَا) من الأسماء جاز فيه وجهان:

- الرفع بـ: (حَبَّ) تقول: حَبَّ زيدٌ رجلاً (حَبَّ) فعلٌ ماضي قُصِد به المدح – نفس الكلام – و (زيدٌ) فاعلٌ بـ: (حَبَّ) مرفوعٌ به و (رجلاً) هذا تَمييز، لكن لم يذكره الشَّارح بناءً على ما سبق. إذن: حَبَّ زيدٌ، نقول: (زيدٌ) هنا فاعل (حَبَّ) لماذا جَوَّزنا أن يكون فاعل (حَبَّ)؟ لأنها لم ترفع (ذَا) لم يوجد (ذَا) لو وجِدَ (ذَا) انتقل الحكم إلى ما سبق. نَحو: حَبَّ زيدٌ. (أَو فَجُرْ بِالبَا) أَو فَجُرْ الفاء هذه زائدة (أَو فَجُرْ) لأنه عطف على ما سبق فالفاء زائدة، يعني: (جُرَّ بِالبَا) بالباء قَصَرَه للضرورة، (جُرَّ بِالبَا) يعني: مَا سِوَى (ذَا) ارْفَعْ أَو فَجُرْ، إمَّا أن يكون مرفوعاً على الأصل في الفاعل، وإمَّا أن يكون مَجروراً، فحينئذٍ يكون فاعلاً مَجروراً، مثل: ((كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً)) [الرعد:43] قلنا (بِاللَّهِ) لفظ الجلالة هنا فاعل، جُرَّ بالباء الزائدة، هذا مثله تقول: حَبَّ بِزيدٍ .. حَبَّ زيدٌ .. حَبَّ بِزيدٍ، لك وجهان: إمَّا أنَّكَ ترفع، وإمَّا أنَّكَ تَجُر بالباء الزائدة، فتقول: حَبَّ بزيدٍ (الباء) حرف جر زائد و (زيدٍ) فاعلٌ مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظُهورها اشتغال المَحل بِحرَكة حرف الجر الزائد. وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ أَوْ فَجُرْ ... بِالبَا. . . . . . . . . . . أي: على قِلَّةٍ بِخلاف فاعل (نِعْمَ) فإنَّ جَرَّه بالباء مُمتنع، هذا من الفوارق. . . . . . . . . . . . ... . . . وَدُونَ ذَا انْضِمَامُ الحَا كَثُرْ إذا اتَّصلَت (حَبَّ) بـ: (ذَا) قيل: وجَبَ الفتح (حَبَّذَا) (حَبَّ) بفتح الحاء .. إذا اتَّصلَت (حَبَّ) بـ: (ذَا) وكانت (ذَا) هي الفاعل وجَبَ فتح الحاء لغة واحدة، وأمَّا إذا رَفَعَت فاعلاً غير (ذَا) صار في حائها وجهان: الفتح والضَمُّ (حَبَّ .. حُبَّ) فيه لغتان، وفتحها بقاءً على الأصل (حَبَّذا) هو الأصل فيها، وجاز ضَمُّ الحاء لأن الأصل (حَبُبَ) وقلنا: يُنقل حركة العين إلى ما قبلها، فقيل: (حُبَّ)، إذن: (حُبَّ) بِضمِّ الحاء بناءً على أنَّ الضَمَّة هذه منقولة عن عين الكلمة. بِضَمِّ الباء فنُقِلَت الضَمَّة إلى الحاء. (وَدُونَ ذَا انْضِمَامُ الحَا كَثُرْ) إذن: إذا كانت مع (ذَا) –مفهومه- بقيت على أصلها وهو فتح الحاء، (وَدُونَ ذَا) هذا حالٌ من محذوف للعلم به، أي: انضمام الحاء من (حَبَّ) حالة كونها دون (ذَا) أكثر، وأعربها غيره: (وَدُونَ) الواو عاطفة (دُونَ) ظرفٌ مُتعلِّق بِمحذوفٍ حال، وصاحب الحال محذوف، فتقدير الكلام: انضمام الحاء من (حَبَّ .. حُبَّ) - وجهان - حال كونه دون (ذَا) كثير. (انْضِمَامُ الحَا) قَصَرَه للضرورة (انْضِمَامُ) مبتدأ وهو مُضاف و (الحَا) مقصور للضرورة من (حَبَّ) بالنقل من حركة العين (كَثُرْ) يعني: كثير، وهو خبر المبتدأ، وهذا لا يَدل على أنه أكثر من الفتح، إذا قيل: (كَثُرْ) يعني: كثير، عندنا: كثير وأكثر، كثيرٌ من الناس يفعلون كذا وهو أمر سيء، لا يلزم منه أنَّ الأكثر يفعلون ذلك، بل كثير، وقد يكون الذين لا يفعلون هم الأكثر، لكن هذا الشيء باعتبار نفسه كثير.

إذن: لا يلزم من قوله (كَثُرْ) أنَّه أكثر من الفتح، قال الشَّارح: " وأكثر ما تَجيء (حَبَّ) مع غير (ذَا) مضمومة الحاء، وقد لا تُضَمُّ حاؤها كقوله: (فَحَبَّذَا رَبّاً وَحَبَّ دِينَاً) " (وَحَبَّ دِينَاً) جاءت بالفتح على الأصل. يعني: أنه إذا وقع بعد (حَبَّ) غير (ذَا) من الأسماء جاز فيه وجهان: - الرفع بـ: (حَبَّ). - والجر بباء زائدة. وأصل (حَبَّ) حَبُبَ، كما ذكرناه سابقاً، يعني: صار حبيباً، ثُمَّ أُدْغِمَت الباء في الباء فصار: حَبَّ، ثُمَّ إن وقع بعد (حَبَّ) (ذَا) وجَبَ فتح الحاء كما سبق، إن جعلتا كالكلمة الواحدة، فإن جعلتا باقيتين على أصلهما جاز الوجهان، إن جعلتا كالكلمة الواحدة حينئذٍ فُتِحَت، وإن جعلتا كلمتين جاز فيه الوجهان، فتقول: (حَبَّذا)، وإن وقع بعدها غير (ذَا) جاز ضَمُّ الحاء لِمَا ذكرناه: أنَّه نُقِلَت حركة العين إلى الحاء (حَبُبَ) قيل: (حَبُبَ .. حَبَّ) بإسكان الباء، ثُمَّ أدغمت الباء في الباء، مثل: عَلْمَ .. ضَرْبَ، قلنا: ضُرْبَ .. ضَرْبَ، يجوز فيه الوجهان. (حَبُبَ) يَجوز فيه الوجهان، سَكِّنْ الباء الأولى تُدْغَم الباء في الباء قطعاً (حَبَّ)، انقل الحركة إلى السابق .. الحاء تقول: حُبَّ، نَقَلْتَ الحركة سَكَنَت، الإدغام واجب على اللغتين، وأمَّا (حَبَّ .. حُبَّ) نقول: الضَّمَّة هذه حركة العين. جاز ضَمُّ الحاء لأنه الأصل، وفتحها بقاءً على الأًصل، فتقول: حُبَّ زيدٌ وحَبَّ زيدٌ. وروي بالوجهين قوله: فَقُلْتُ اقْتُلُوهَا عَنكُمُ بِمِزَاجِهَا ... وَحَبَّ بِهَا مَقْتُولَةً حِيْنَ تُقْتَلُ (وَحَبَّ بِهَا) .. (وَحُبَّ بِهَا) -وجهان- (مَقْتُولَةً حِيْنَ تُقْتَلُ). يُفارق مَخصوص (حَبَّذا) مخصوص (نِعْمَ) من أوجهٍ أربعة: الأول: أنَّ مخصوص (حَبَّذا) لا يَتقدَّم كما ذكرناه آنفاً، بخلاف مخصوص (نِعْمَ) هذه الفوارق بين المخصوصين، أي: يكون المخصوص في باب (نعم) جائز التقديم، وإذا ادُّعِي الإجماع وصَحَّ حينئذٍ لا إشكال فيه. أنَّ مخصوص (حَبَّذا) لا يَتقدَّم بخلاف مخصوص (نِعْمَ) كما سبق بيانه، وإن كان ظاهر عبارة الناظم ليس الأمر كذلك، يعني: (وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ) ثُمَّ قال: (وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ بِهِ كَفَى) إذن: لا يَتقدَّم هو، ظاهر عبارة الناظم: أنه لا يَتقدَّم، لكنَّه حكا في غيره بجواز تقديمه كما في (التسهيل) وإن كانت عبارته هنا وفي (الكافية) تُوهِم منع تقديم مخصوص (نِعْمَ) لكن إن صَحَّ الإجماع الذي ادَّعَاه ابن هشام في (شرح القَطْر) لا إشكال فيه. الثاني: أنَّه لا تعمل فيه النواسخ بِخلاف مخصوص (نِعْمَ) نَحو: نِعْمَ رجلاً كان زيدٌ، صَحَّ، ولذلك قلنا: نِعْمَ رجلاً زيدٌ، لا يَصِح أن يكون (زيد) فاعل، رَدّاً على مذهب الكِسَائي والفَرَّاء، قالوا: لا يجوز أن يكون فاعلاً، نِعْمَ رجلاً زيدٌ، الكسائي أعْرَب (زيد) فاعلاً لـ: (نِعْمَ) ونحن قلنا: هذا باطل، بل الصواب أنَّ الفاعل ضمير مستتر، بدليل جواز دخول الناسخ على المخصوص هذا .. المرفوع الذي ذُكِر: نِعْمَ رجلاً كان زيدٌ، فلو كان فاعلاً ما صَحَّ دخول (كان) عليه، لأن (كان) من نواسخ المبتدأ لا تدخل على الفاعل.

إذن: أنَّه لا تعمل فيه النواسخ بخلاف مخصوص (نِعْمَ) نحو: نِعْمَ رجلاً كان زيدٌ، ولا يَصِح أن يُقال: حَبَّذا كان زيد. الثالث: أن إعرابه خبر مبتدأ محذوف أسهل منه في باب (نِعْمَ) لأن ضَعْفَه هناك نشأ من دخول نواسخ الابتداء عليه، وهي لا تدخل عليه هنا، يعني: إعرابه خبر مبتدأ محذوف، هناك قلنا: نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ، قلنا: يجوز أن يُعرَب (زيد) خبر مبتدأ محذوف، لكنَّه فيه ضعف. في باب (حَبَّذا) لا، لماذا؟ لِمَا ذكره من عِلَّة، هنا إعرابه خبر مبتدأ محذوف أسهل منه في باب (نِعْمَ) -هناك أسهل، وأمَّا هنا لا-، لأن ضعفه هناك نشأ من دخول نواسخ الابتداء عليه، وهي لا تدخل عليه هنا لو كان مَحذوفاً، خبرٌ لمبتدأ محذوف، وقلنا هناك: إذا أعْرَبناه خبر مبتدأ محذوف صار المبتدأ لازم الحذف، وسبق أنَّ (كان) لا تدخل على .. ؟؟؟ في أول النواسخ (إنَّ وكان) تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا، قلنا: أطلق الناظم مبتدأ أيَّ مبتدأ، قلنا: بشرط ألا يكون لازم الحذف، ومَثَّلنَا بهذا الباب، تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْماً، قلنا: (المبتدأ) ظاهر كلامه: أنَّ كل مبتدأ تدخل عليه (كان) قلنا: هذا ليس بصواب، بل يستثنى منه ما كان لازم الصدر، فلا تدخل عليه (كان) البَتَّة، ويُستثنى منه ما كان لازم الحذف ومَثَّلنا بهذا الباب، فقلنا: نِعْمَ الرَّجُل زيدٌ، لو أعربناه خبراً لمبتدأ محذوف، أين المحذوف الذي تدخل عليه (كان) .. كيف تدخل؟ هو واجب الحذف، إذن: يَمتنع أن تدخل عليه (كان). الرابع: أنَّه يَجوز ذكر التمييز قبله وبعده، نَحو: حَبَّذا رجلاً زيدٌ، يجوز أن يَتقدَّم ويتأخر، وحَبَّذا زيدٌ رجلاً، قال في (شرح التسهيل): " وكلاهما سهلٌ يسير واستعماله كثير، إلا أنَّ تقديم التمييز أولى وأكثر، وذلك بخلاف المخصوص بـ: (نِعْمَ) فإن تأخير التمييز عنه نادر كما سبق " يعني لا يُقال: نِعْمَ زيدٌ رجلاً، هذا قليل نادر، وإن جَوَّزه الكوفيون. إذن: وَأَولِ ذَا المَخْصُوصَ أَيّاً كَانَ لاَ وَمَا سِوَى ذَا .............................. ... تَعْدِل بِذَا فَهْوَ يُضَاهِي المَثَلاَ (وَمَا سِوَى ذَا) يعني: والذي سوى (ذَا)، (سِوَى) هذا مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، وهو مضاف و (ذَا) مضافٌ إليه، (ارْفَعْ) هذا للأمر، والأمر يقتضي الوجوب، لكنَّه مصروف بقوله: (أَو فَجُرْ) والتخيير يدل على عدم الإيجاب، وهذا ما اسْتدلَّ به ابن حزمٍ على عدم وجوب النكاح: ((فَانكِحُوا مَا طَابَ)) [النساء:3] ثُمَّ قال: ((فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)) [النساء:3] خَيَّره بين هذا وذاك، فدل على عدم الإيجاب. وَمَا سِوَى ذَا ارْفَعْ بِحَبَّ أَو فَجُرْ ... بِالبَا وَدُونَ ذَا انْضِمَامُ الحَا كَثُرْ وَدُونَ ذَا يعني: (حَبَّ) من غير (ذَا) (انْضِمَامُ الحَا كَثُرْ) يعني: كثير، ولا يلزم أنه أشهر من الفتح. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

87

عناصر الدرس * باب أفعل التفضيل. * شروط ما يصاغ منه أفعل التفضيل. * حالات أفعل التفضيل وحكم كل منها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: أَفْعَلُ التَّفْضِيْلِ أي هذا باب بيان ما يتعلق بأفعل التفضيل، وأفعل مضاف والتفضيل مضاف إليه .. من إضافة الشيء إلى نوعه؛ لأن أفعل ليس دائماً يكون للتفضيل، بل هو أنواع قد يكون للتفضيل وقد يكون لغيره، لذلك مر معنا أنه يأتي للتعجب: ما أحسن زيد، بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا، أَفْعَلَ حينئذٍ جاء لغير التَّفْضِيْلِ. فنقول: أَفْعَلَ مضاف، والتَّفْضِيْلِ مضاف إليه، من إضافة الشيء إلى نوعه. أي: أَفْعَلَ الذي يراد به التَّفْضِيْلِ، واحترز به من أفعل الذي ليس للتفضيل كأحمر هذا ليس للتفضيل، وأشهر ليس للتفضيل، وبعضهم يعبر باسم التفضيل بدلاً من أن يقول: أفعل يقول: اسم التفضيل، أي الاسم الدال على التفضيل، فَـ أَفْعَلَ التَّفْضِيْلِ معناه أفعل الذي يكون موزونه دالاً على التَّفْضِيْلِ، أفْعَلَ هذا وزن، موزونه هو الذي يدل على التفضيل، يعني إذا قيل: أعلم، ما وزنه؟ تقول: أفْعَلَ، إذاً أيهما الذي دل على التفضيل الوزن أم الموزون؟ الموزون، إذاً كيف نقول: أَفْعَلَ التَّفْضِيْل؟ نقول: أَفْعَلَ التَّفْضِيْل المراد به: أَفْعَلَ الذي يكون موزونه دالاً على التفضيل، والمراد بالتفضيل مطلق نسبة الزيادة، فيشمل نحو أجهل وأخبث، ولذلك بعضهم قال: الأولى أن يعبر باسم التفضيل، ولا يقال أفعَل، لما ذكرناه من أخبث وأجهل، ولما زاده البعض من خير وشر، خير وشر أفْعَلَ تَفْضِيْل، ليس على وزن أفْعَلَ .. خير ليس على وزن أفْعَلَ ليس فيه همزة، وكذلك شر ليس فيه همزة، حينئذٍ كيف نقول فيهما وهما أفعل التفضيل؟ نقول: الأصل أنهما أفعل التفضيل، وإنما حذفت منهما الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال، إذاً أَفْعَلَ التَّفْضِيْل قد يكون لفظاً وقد يكو مقدراً، كما في خير وشر، وهو قليل معدود زيد عليه حب أحب، تحذف الهمزة منهما وَحَبُّ شَيءٍ إِلى الإِنسانِ مَا مُنِعَا، وَحَبُّ شَيءٍ يعني أحبُ شيء من الإنسان ما منع، حينئذٍ نقول: أفْعَلَ التَّفْضِيْل هنا مقدرة؛ لأن الهمزة محذوفة لكثرة الاستعمال. وَغَالِبَاً أَغْنَاهُمُ خَيْرٌ وَشَرْ ... عَنْ قَولهِمْ: أَخْيَرُ مِنْهُ وَأَشَرْ ولذلك جاء: ((أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا)) [يوسف:77] على الفرع، ((هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس:58] وجاء: "بِلاَلُ خَيرُ النَّاسِ وَابنُ الأَخْيَرِ"، على الأصل، إذاً صرح به نقول: هذا على القياس، لكن خير وشر هذا شاذ قياساً لا استعمالاً، أما الاستعمال فهو كثير، لذلك جاء في القرآن، ولا يجوز أن يقال في القرآن ما هو شاذٌ استعمالاً، فلو عبر بالشاذ قياساً لا بأس به؛ لأن المراد به أنه مخالف للأصول العامة التي قعدها النحاة، وأنه مخالف لما اشتهر من لسان العرب، ولا إشكال فيه. إذاً خير وشر على وزن أفعل، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ومثلهما أحب، ومنه: وَحَبُّ شَيءٍ إِلى الإِنسانِ مَا مُنِعَا. إذاً قيل: الأولى أن يعبر باسم التفضيل لا بأفعل ليشمل خيراً وشر؛ لأنهما ليسا على زنة أَفْعَلَ.

وأولى منهما التعبير باسم الزيادة ليشمل نحو أجهل وأبخل مما يدل على زيادة النقص لا على الفضل. لما نقول: أَفْعَلَ التَّفْضِيْل. طيب: هذا أجهل الناس، أين التفضيل هنا؟ ليس فيه تفضيل، هذا أبخل الناس، هذا ليس فيه تفضيل، وأجيب عن الأول بأن قوله: أَفْعَلَ أي لفظاً وتقديراً، وخير وشر على وزن أَفْعَلَ تقديراً؛ لأن الأصل وجود الهمزة وإنما حذفت لكثرة الاستعمال، وعن الثاني بأن المراد بالفضل الزيادة مطلقاً في كمال أو نقص. ولذلك عبر من الموي بأن المراد بالتفضيل مطلق نسبة الزيادة، فيشمل نحو أجهل وأخبث، إذاً مطلقاً المراد به الزيادة في كمالٍ أو في نقصٍ، هذا أسوأ الناس إذاً فيه نقص. أَفْعَلَ التَّفْضِيْل هذا من حيث اللفظ هو اسم لقبول علامات الأسماء تدخل عليه أل كما سيأتي، (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ)، وأل الداخلة عليه معرفة، فحينئذٍ قبِل علامة من علامات الأسماء، وهو غير منصرف لكونه ملازماً للوصفية ووزن الفعل كما سيأتي في موضعه. وعرَّفه بعضهم بأنه الصفة الدالة على المشاركة وزيادة، وهذه تنفرد بها أَفْعَلَ التَّفْضِيْل عن سائر المشتقات؛ لأنا قلنا الصفة ما دل على ذات ومعنى، حينئذٍ كل ما دل على ذات ومعنى والأصل أنه يعبر عنه بصفةٍ أو بأنه مشتق، ثم إذا دل على مشاركةٍ وزيادة نقول: هذا مما اختص به أَفْعَلَ التَّفْضِيْل، ولذلك أكثر النحاة لا يعرفون أَفْعَلَ التَّفْضِيْل، لماذا؟ لأنها منفردة بنفسها لا تلتبس بغيرها، لا تلتبس باسم الفاعل ولا باسم المفعول ولا بالصفة المشبهة ولا غيرها؛ لأنها دالة بنفسها .. بذاتها على مشاركة وزيادة. مشاركة لأنها تقتضي مفضل ومفضل عليه، فتقول: زيدٌ أعلمُ الناس، أو أعلمُ من عمروٍ، زيدٌ أعلمُ من عمروٍ دلت على مشاركة، وهي: أن كلاً منهما شارك الآخر في العلم، كل منهما عنده علم، ودلت على الزيادة وهو زيادة المفضل على المفضل عليه، زيدٌ أعلمُ من عمرو، إذاً دلت على المشاركة بأن كلاً منهما عنده علمٌ متصف بهذا الوصف، ودلت على زيادة علمِ زيد على عمرو، وهذا أمر واضح بين. هو الصفة الدالة على المشاركة وزيادة، نحو أفضل وأعلم وأكثر، مال زيد أكثرُ من مالكَ، إذاً كل منهما عنده مال، زيدٌ أكثرُ منكَ علماً، زيد أفضل من عمروٍ .. كل منهما فيه مشاركة للآخر إلا أن المفضل تفرد بالزيادة في ذلك الوصف. أَفْعَلُ التَّفْضِيْلِ: صُغْ مِنْ مَصُوغٍ مِنْهُ لِلتَّعَجُّبِ ... أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ وَأْْبَ اللَّذْ أُبِي معنى البيت أن أَفْعَلَ التَّفْضِيْل إنما يصاغ من كل فعل صيغ منه أفعل التعجب .. فعل التعجب السابق، فكل ما جاز أن يصاغ منه أفعل التعجب جاز أن يصاغ منه أَفْعَلَ التَّفْضِيْل، وكل ما منع هناك من صوغ أفعل التعجب منع منه هنا في أَفْعَلَ التَّفْضِيْل، البيت يدل على هذه الفائدة، وهي أن أَفْعَلَ التَّفْضِيْل وفعل التعجب اشتركا في المادة التي يصاغان منها، وهي ما أشار إليه سابقاً. وَصُغْهُما مِنْ ذِي ثَلاَثٍ صُرِّفَا ... قَابِلِ فَضْلٍ تَمَّ غَيْرِ ذِيْ انْتِفَا وَغَيْرِ ذِي وَصْفٍ يُضَاهِي أَشْهَلاَ ... وَغَيْرِ سَالِكٍ سَبِيلَ فُعِلاَ

فتلك الشروط الثمانية هي مشروطة في أفعل التفضيل، فما وقع فيه الاتفاق هناك وقع فيه الاتفاق هنا، وما وقع فيه النزاع هناك وقع النزاع، فالمادة واحدة كلاهما مشتركان في المادة التي يصاغان منهما، ولذلك قال: (صُغْ) هذا أمر يعني: خذ واشتق. (مِنْ مَصُوغٍ) من كل فعل مصوغ. (مِنْهُ لِلتَّعَجُّبِ) صيغ مِنْهُ لِلتَّعَجُّبِ السابق الذي ذكره في الباب السابق، ومِنْهُ الضمير هنا عائد على موصوف محذوف أي: من مصدر مَصُوغٍ مِنْهُ. صُغْ أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ، أَفْعَلَ قصد لفظه وهو مفعول به، أي: اسماً موازناً لأفعل، لِلتَّفْضِيلِ احترازاً عن غيره نحو: هو أضرب وأعلم وأفضل، كما يقال: ما أضربَهُ، وما أعلَمهُ وما أفضلَهُ، نقول: هنا يجوز أن يقال: زيد أضربُ، وزيد أعلمُ، وزيد أفضلُ .. لأن هذه المواد مما يصاغ منها فعل التعجب. (صُغْ) هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت .. واجب الاستتار. (مِنْ مَصُوغٍ) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: صُغْ. (مِنْهُ) هذا متعلق بصغ، لكن الضمير هنا لا بد على التقدير، يعني يكون عائد على موصوف محذوف، يعني من مصدر مصوغ منه. (لِلتَّعَجُّبِ) كذلك جار ومجرور متعلق بقوله: صُغْ. (أَفْعَلَ) مفعول به لقوله: صُغْ. (للتَّفْضِيلِ) متعلق به. (وَأْْبَ اللَّذْ أُبِي): وَأْْبَ هذا فعل أمر مبني على حذف حرف العلة لأنه من أبى يأبى، مثل عصى اعصِ، بحذف حرف العلة، أبى يأبى (وَأْْبَ اللَّذْ) اللَّذْ هذه لغة في الذي، (وَأْْبَ): يعني: امنع. (اللَّذْ أُبِي) الذي، وامنع هنا اللَّذْ أُبِي هناك، وَأْْبَ هنا أي: امنع هنا في هذا الباب، اللَّذْ: الذي، أُبِي هناك، لكونه لم يستكمل الشروط، فكل ما لم يستكمل الشروط في باب فعل التعجب فمنع منه صوغ فعل التعجب امنعه هنا فالحكم واحد. (وَأْْبَ اللَّذْ أُبِي) يعني: امنع هنا اللَّذْ أُبِي هناك، لكونه لم يستكمل الشروط المذكورة هناك. وشذ بناؤه من وصف لا فعل له هنا، نحو: هو أقمنُ به، أقمنُ: أفعلُ. هو أقمنُ بهٍ أي: أحقُّ بهِ من قمِن، وما زاد على الثلاثي كقولهم: هذا الكلام أخصر من غيره، لماذا؟ لكونه مأخوذاً من اختُصر، اختصر قلنا هذا فيه شذوذان هناك، كونه زائداً على الثلاثي، وكونه مبنياً لما لم يسم فاعله، إذاً إذا قيل هذا الكلام أخصر فهو شاذ يحفظ، يعني استعماله لا بأس به، لكنه مما حفظ يعني لا يقاس عليه. وفيه شذوذان كما سبق، وفي أفعلَ التي هي على وزن أكرم ونحوه .. وفي أفعل المذاهب الثلاثة السابقة. المنع مطلقاً، الجواز مطلقاً، مذهب ابن عصفور التفصيل. وسُمِعَ هُوَ أعْطَاهُمْ لِلدَّرَاهِمِ، وَأوْلاَهُمْ لِلْمَعْرُوفِ، و (هَذَا المَكَانُ أَقْفَرُ مِنْ غَيْرِهِ)، ومن فعُلَ الذي لازم الفعلية يعني: البناء للمجهول هُوَ أَزْهَى مِنْ دِيكٍ، وَأَشْغَلُ مِنْ ذَاتٍ النِّحْيَيْنِ، وَأعْنَى بَحاجَتِكَ. وسبق أن بعضهم استثنى ما كان ملازماً للبناء للمجهول بأنه يسوغ صوغ فعل التعجب منه، وهنا نفس الكلام، وهناك ابن مالك جوز في التسهيل أنه يجوز أن يصاغ من الفعل المبني للمجهول إن أمن اللبسُ.

(وَأْْبَ اللَّذْ أُبِي)، وَأْْبَ قلنا: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت أي امنع. (اللَّذْ) هذا في محل نصب مفعول، وهو لغة في الذي، وَأْْبَ اللَّذْ. (أُبِي) هذا فعل ماضي مغير الصيغة، بمعنى منع، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الذي، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. قال الشارح: يصاغ من الأفعال التي يجوز التعجب منها للدلالة على التفضيل وصف على وزن أفعل، فتقول زيد أفضلُ من عمروٍ، وأكرمُ من خالد كما تقول: ما أفضل زيداً وما أكرم خالداً، الباب واحد. وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه، فلا يبنى من فعل زائد على ثلاثة أحرف كدحرجَ، واستخرجَ، واستغفرَ، ولا من فعل غير متصرف -يعني: جامد- كنعمَ وبئسَ، ولا من فعل لا يقبل المفاضلة لأنا نقول: هذه صفة دالة على المشاركة وزيادة، حينئذٍ إذا كان ملازماً لوصف واحد لا يزيد ولا ينقص، يمتنع كماتَ وفنيَ، ولا من فعل ناقص ككانَ وأخواتها، وكاد وأخواتها، ولا من فعل منفي نحو: ما عاج بالدواء إن كان النفي لازماً، أو النفي عارضاً طارئاً كـ: ما ضربَ، ولا من فعل يأتي الوصف منه على أفعَلَ نحو: حمِرَ وعوِرَ، فلا يقال: أحمر وأعور، ولا من فعل مبني للمفعول: ضُربَ وجُنَ، وشذ منه قولهم: هو أخصر من كذا، فبنو أفعل التفضيل من اختصر وهو زائد على ثلاثة أحرف ومبني للمفعول، وقالوا أسودُ من حلك الغرابِ، أسود: أفعل، الأصل أنه ما يأتي؛ لأن الوصف منه يأتي على وزن أفعل، وأبيضُ من اللبنِ فبنو أفعل التفضيل شذوذاً من فعلٍ الوصف منه على أفعل. إذاً هذا البيت أشار إلى أن باب أفعل التفضيل من حيث الاشتقاق إنما يؤخذ من فعل وجدت فيه الشروط الثمانية السابقة. فإن انتفى بعض الشروط -عدِم بعض الشروط- حينئذٍ هل معنى ذلك الكلام أنه لا يصاغ منه ما يدل على التفضيل؟ الجواب: لا. وَمَا بِهِ إِلَى تَعَجُّبٍ وُصِلْ ... لِمَانِعٍ بِهِ إِلَى التَّفْضِيلِ صِلْ ما هو المراد؟ وَأَشْدِدَ اوْ أَشَدَّ أَوْ شِبْهُهُمَا ... يَخْلُفُ مَا بَعْضَ الشُّروطِ عَدِمَا وَمَصْدَرُ الْعَادِمِ بَعْدُ يَنْتَصِبْ ... وَبَعْدَ أَفْعَلْ جَرُّهُ بِالبَا يَجِبْ إذاً: كل ما لم يمكن التوصل إلى أن يصاغ منه أفعل التفضيل مباشرة، حينئذٍ جئنا بما ينوب عنه، وهو أَشَدَّ أما أَشْدِدَ فلا، لا يتأتى هنا أَشْدِدَ، وإنما أَشَدَّ، وما كان مشابهاً له كأكثرَ، وأصغرَ، وأكبرَ .. ونحو ذلك. إذاً مراده بهذا البيت أن ما لم يتوصل إلى اشتقاق أو صوغ أفعل التفضيل منه مباشرة حينئذٍ يعامل معاملة ما لم يستوف الشروط في باب فعل التعجب وَمَا بِهِ إِلَى تَعَجُّبٍ وُصِلْ: وما وصل به إلى تعجب لمانع، وهو أَشَدَّ. (بِهِ) بذاك. (إِلَى التَّفْضِيلِ صِلْ): صل به إلى التفضيل. تقدم في باب التعجب أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بـ (أَشَدَّ) ونحوها، وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب. -انظر- قال ابن عقيل: أَشَدَّ، ولم يقل: أَشْدِدَ؛ لأنه لا يتصور هنا. فكما تقول: ما أشد استخراجه تقول: هو أشد استخراجاً.

يعني تأتي بالمصدر -مصدر العادم-، هو حال، ما بين لك الطريق .. كيف تأتي بالتفضيل، وإنما أحالك إلى ما سبق: وَمَا بِهِ إِلَى تَعَجُّبٍ وُصِلْ ... لِمَانِعٍ بِهِ إِلَى التَّفْضِيلِ صِلْ كيف نفعل؟ هنا كما قال: أَشَدَّ أَوْ شِبْهِهَا حينئذٍ قال: ومصدر العادم بعد ينتصب. إذاً تأتي إلى ما لم يستكمل الشروط تأتي بمصدره، ثم تأتي بأشد ونحوه، فتنصب المصدر بعد أفعل التفضيل الذي هو أَشَدَّ تأتي به منصوباً على التمييز، فتقول: هو أشدُّ استخراجاً من زيد. إذاً لا يضاف إلى ما بعده، وإنما ينصب على التمييز، هو أشدُّ استخراجاً ثم تأتي بالمفضل عليه. كما تقول: ما أشدَّ حمرته هناك، تقول: هو أشدُّ حمرة من زيد، جئت بالمصدر وهو حمرة ونصبته على التمييز بعد أَشَدَّ، ثم جئت بالمفضل عليه، هو أشد حمرة من كذا، هو أشد بياضاً من كذا، هو أشد اختصاراً من كذا، هو أشد إكراماً من عمروٍ مثلاً، فكل ما تخلف أو لم يستكمل الشرط حينئذٍ نأتي بمصدره وننصبه بعد أشد وشبهها ونأتي بالمفضل عليه بعدها. كما تقول: ما أشدَّ حمرته تقول: هو أشدُّ حمرة من زيد، لكن المصدر ينتصب في باب التعجب بعد أشد مفعولاً وهاهنا ينتصب تمييزاً. وهناك وَمَصْدَرُ الْعَادِمِ بَعْدُ يَنْتَصِبْ على أنه مفعول به، وهنا على أنه تمييز، هنا الإحالة فيها نوع إبهام، أولاً: أحال على أَشْدِدَ وليس الأمر كذلك، كذلك أحال على المصدر: ما أشَدَّ استخراجه، استخراجه هناك يجب أن يضاف إلى الفاعل استخراجهُ، وهنا لا يجب إضافته، بل يجب نصبه، ثم هناك ينصب على المفعولية، وهنا ينصب على التمييز، ففرق بينهما من حيث هذه المسائل. (وَمَا بِهِ إِلَى تَعَجُّبٍ وُصِلْ) (وَمَا) اسم موصول بمعنى الذي مبتدأ، ويحتمل أنه منصوب على الاشتغال؛ يعني في محل نصب بفعل محذوف يفسره صِلْ، وما وصل به، هذا محتمل وإلا فالمبتدأ أولى. إذاً (مَا) مبتدأ أو مفعول لفعل محذوف يفسره صِلْ، صل ما. و (بِهِ) هذا جار ومجرور متعلق بقوله: وُصِلْ، وجملة وُصِلْ صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. (إِلَى تَعَجُّبٍ) جار ومجرور متعلق بقوله: وُصِلْ. و (وُصِلْ) هذا مغير الصيغة، أعربوا (بِهِ) -يعني: الشراح- على أنه نائب فاعل لِوُصِلْ، وهذا محل إشكال؛ لأن نائب الفاعل يأخذ حكم الفاعل، والفاعل لا يجوز تقديمه على عامله .. فعله، فكذلك ما ناب منابه. حينئذٍ إما أن يقال: بأنه جرى على مذهب الكوفيين؛ لأن الكوفيين يجوزون تقدم الفاعل على العامل فكذلك ما ناب مناب الفاعل، وهذا فاسد، لماذا؟ لأننا نحمل كلام الناظم هنا على شيء اختار خلافه، (وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ) هذا الأصل، حينئذٍ ما نحمل كلامه على شيء يخالفه. حينئذٍ لا بد من التأويل فنقول: ما وصل به، ما به وصل به، حينئذٍ على الحذف والإيصال، يعني نقدر به بعد وصل، ثم نقول: حذف الباء توسعاً، ثم اتصل الضمير بالفعل، ثم قُدِّم ..

(بِهِ) نائب فاعل لِ وُصِلْ، وقدم النائب على الفاعل على مذهب الكوفيين، هكذا اعتذر بعضهم، والبصريون يمنعونه، ويمكن تخريجه على مذهب البصريين على أنه من الحذف والإيصال، الحذف والإيصال بابه واسع، بأن يكون في وُصِلْ ضمير مستتر كان مجروراً بالباء، في وُصِلْ ضمير مستتر كان مجروراً بالباء، والأصل: "وما بهِ وصل بهِ"، ثم حذف الباء واستتر الضمير. إذاً وَمَا بِهِ جار ومجرور متعلق بقوله: وُصِلْ، (إِلَى تَعَجُّبٍ) متعلق بقوله: وُصِلْ. (لِمَانِعٍ) جار ومجرور متعلق بـ (وُصِلْ) أو صِلْ، إن علقته بالأول قدرت مثله في الثاني، فحُذف من الثاني لدلالة الأول عليه، هذا إذا قدرته متعلقاً بوصل، حينئذٍ لا بد من تقدير، تقول: بِهِ إِلَى التَّفْضِيلِ صِلْ لِمَانِعٍ؛ لأن لِمَانِعٍ هنا متعلق بما انتفى في حقه شرط من شروط صوغ فعل التعجب، كلام الشطر الأول فيما يتعلق بالباب السابق (وَمَا بِهِ إِلَى تَعَجُّبٍ وُصِلْ) كيف: وَمَا بِهِ إِلَى تَعَجُّبٍ وُصِلْ؟ الكلام ما يستقيم هنا، لا بد أن تقول: لِمَانِعٍ. طيب (بِهِ إِلَى التَّفْضِيلِ صِلْ) مطلقاً أو لِمَانِعٍ؟ لِمَانِعٍ. إذاً إما أنك تقول: لِمَانِعٍ متعلق بقوله: وُصِلْ، وحذف من الثاني لدلالة الأول عليه، وإما أن تقول: لِمَانِعٍ متعلق بقوله: صِلْ وحُذف من الأول لدلالة الثاني عليه، والأول أولى، أن يكون لِمَانِعٍ متعلقاً بقوله: وُصِلْ، ثم حذف من الثاني. إعرابُ البيت أكثر من معناهُ، معناه سهل واضح. إذاً (لِمَانِعٍ) اللام هنا للتعليل، يعني لأجل مانع. (بِهِ إِلَى التَّفْضِيلِ صِلْ) يعني: صل إلى التفضيل به. (بِهِ) جار ومجرور متعلق بقوله: صِلْ. و (إِلَى التَّفْضِيلِ) جار ومجرور متعلق بقوله: صِلْ. أي: صل به إلى التفضيل. (بِهِ) نقول: هذا متعلق بِ: صِلْ على حذف مضاف، يعني بمثله، بِهِ: بمثلهِ، يعني مشابه له ليس عينه، وإنما مشابه له، لماذا؟ هناك فعل أَشَدَّ، وهنا اسم، لو قلنا: بهِ نفسهُ كان بالفعل نفسه، وهنا نقول: لا. أشَدَّ. إذا قيل: ما أشدَّ حمرتهُ، أشدَّ فعل ماضي، طيب: هو أشدُّ حمرةً، أشدُّ هنا خبر، اسم تفضيل .. أفعل التفضيل. (بِهِ إِلَى التَّفْضِيلِ صِلْ) عند مانع صوغه من الفعل، لكن أشدَّ ونحوه في التعجب فعلٌ وهنا اسمٌ، وينصب هنا مصدر الفعل المتوصل إليه تمييزاً فتقول: زيدٌ أشدُّ استخراجاً من عمروٍ، زيدٌ مبتدأ، وأشدُّ خبر وهو مفرد اسمٌ، أفعل التفضيل أشدُّ، استخراجاً هذا تمييز، من عمروٍ جار ومجرور متعلق بأشد. وأقوى بياضاً وأفجع موتاً، إذاً يؤتى بمصدر العادم بعد أفعل منصوباً على التمييز فتقول: أنت أشدُّ بياضاً من زيد، وأكثر استخراجاً من عمروٍ. إذاً معنى البيت: وَمَا وُصِلْ بِهِ إِلَى التَعَجُّبِ لأَجلِ المَانِع صِلْ بمِثلِهِ إِلَى أَفعَل التَّفْضِيلِ. وَمَا بِهِ إِلَى تَعَجُّبٍ وُصِلْ ... لِمَانِعٍ بِهِ إِلَى التَّفْضِيلِ صِلْ أي اقصد مَا بِهِ إِلَى تَعَجُّبٍ وُصِلْ، تتوصل أنت به: أي بمثله في الوزن إِلَى التَّفْضِيلِ. وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا ... تَقْدِيراً أَوْ لَفْظَاً بِمِِنْ إِنْ جُرَّدَا

أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ عرفنا مما يشتق، وعرفنا إذا انتفى شرط من شروطه كيف نتوصل إليه، هو على ثلاثة أحوال بعد ذلك، أفعل التفضيل أكثر مسائله المشهورة متفق عليها، ولذلك ابن عقيل لم يذكر خلافا إلا يسيراً، كذلك في أوضح المسالك كذلك في الأشموني. المسائل المشهورة الشهيرة التي نظمها الناظم متفق عليها في الجملة وليس فيها خلاف. وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا ... تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ إِنْ جُرِّدَا (وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ) منصوب على أنه مفعول به لفعل يفسره بعده صل أفعل التفضيل. (صِلْهُ) الضمير لو أُسقِط هنا لنصب أفعل التفضيل، إذاً من باب الاشتغال. إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمحَلْ فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا ... حَتْماً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا إذاً: (وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ) نقول: هذا مفعول به لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور وهو صِلْ الذي بعده. (صِلْهُ أَبَدَا)، صِلْ هذا فعل أمر، والفاعل أنت ضمير مستتر وجوباً، والضمير هنا في محل نصب مفعول به. (أَبَدَاً) منصوب على الظرفية، وجملة صِلْ هذه لا محل لها من الإعراب. (تَقْدِيراً اَوْ لَفْظاً) تَقْدِيراً اوْ بدون همزة؛ لأن أَوْ حرف والهمزة في الحرف همزة قطع إلى، أم، أو .. هذه كلها همزة قطع، حينئذٍ الأصل فيها الذكر. (تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً) يعني: مقدراً أو ملفوظاً بِمِِنْ، صله بمن. (بِمِِنْ) جار ومجرور متعلق بقوله: صِلْ. (إِنْ جُرِّدَا) هذا إشارة إلى الحالة الأولى وهي أن يكون أفعل التفضيل مجرداً؛ لأن أفعل التفضيل باستقراء كلام العرب لا يخلو عن ثلاثة أحوال: إما أن يجرد عن أل والإضافة، أفضلُ، أعلمُ .. زيدٌ أعلمُ من عمروٍ، مجرد، يعني لا تدخل عليه أل ولا يضاف. الثاني: أن يكون محلىً بأل، زيدٌ الأفضلُ .. دخلت عليه أل. ثالثاً: أن يضاف، وإذا أضيف إما أن يضاف إلى معرفة أو إلى نكرة، وكلاهما داخلان تحت قسم واحد زيدٌ أفضلُ الناس، وزيدٌ أفضلُ رجلٍ أضيف إلى نكرة وأضيف إلى معرفة. إذا جرد عن أل والإضافة فله حكمان: الحكم الأول أشار إليه بهذا البيت وهو: أنه يجب أن يوصل بمن جارة للمفضول عليه، فتقول: زيدٌ أعلمُ من عمروٍ، هذا المراد. إذا جرد عن أل والإضافة تقول: زيدٌ أعلمُ ما تسكت هكذا، وإنما تقول: من عمروٍ .. من عمروٍ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: أعلم. هل هو واجب الذكر؟ نعم، واجب الذكر، وإذا حذف لا بد من تقدير يكون منوياً، وإذا قدر المقدر كالموجود. إذاً أفعل المجرد له حكمان: الحكم الأول الذي ذكره هنا بقوله: صله بمن إن جرد من أل والإضافة، جارة للمفضول، من هو المفضول؟ الذي بعده، والسابق يكون مفضلاً، إذاً عندنا مفضل ومفضل عليه واسم تفضيل، أفعل التفضيل تقع بينهما، والمفضل والمفضل عليه، والأصل في المفضل والمفضل عليه عدم اتحادهما، بمعنى أن يكون المفضل مغايراً للمفضل عليه، زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، ما تقول: زيد أكرمُ من زيدٍ هو عينه، هذا إلا في مسألة الكحل الآتية وهي قليلة.

فحينئذٍ يشترط في المفضل والمفضل عليه أن يكونا متغايرين، يعني ذاتينِ، أن يكون كل منهما ذاتاً منفصلاً منفكاً عن الأخرى. ولا يتصور اتحادهما إلا في المسألة الأخيرة التي سيأتي ذكرها في هذا الباب. (وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ)، لَفْظاً واضح أنه ينطق بها، فتقول: زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، وأما تَقْدِيراً بأن تحذف مع مجرورها للعلم به، فلو لم يعلم لم يجز الحذف للقاعدة السابقة. إذا قصد به التفضيل حينئذٍ إذا لم توجد (من) مع مجرورها وجب تقديره، متى؟ إذا دل عليه دليل، فتقول: هي منوية، هي مقدرة، وقبل ذلك كانت مذكورة، فإذا لم يدل عليه دليل بعد الحذف لا يجوز للقاعدة العامة: وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ. إذاً تَقْدِيراً هنا مراده به بأن تحذف مع مجرورها للعلم به، فلو لم يعلم لم يجز الحذف، وقد تذكر مع العلمِ، أما الحذف بدون علم فلا، ويجوز حذفها مع العلمِ وقد تذكر. إذاً إذا علم لا يلزم منه الحذف، لا، قد تكون مذكورة ولو حذفت تكون معلومة ((قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ)) [الجمعة:11] ما هو المفضل عليه؟ اللَّهْو والتِّجَارَة، لو حذف أحدهما .. حذفت (من) لعُلِم المحذوف بذكر الثاني، إذاً ثم دليل موجود، ومع ذلك ذُكرت ((قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ)) [الجمعة:11] خَيْرٌ أصلها أخير ((مِنَ اللَّهْوِ)) [الجمعة:11] هذا متعلق بخير، ((وَمِنَ التِّجَارَةِ)) [الجمعة:11] كذلك معطوف على من اللهو. لو حذف أحدهما لدل الثاني عليه. (تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ) قلنا: بِمِِنْ هذا متعلق بقوله: صِلْهُ .. صِلْهُ بِمِِنْ. واختلف في معنى (من) هذه، اتفقوا على أنه لا بد من (من)، لا بد من الحرف، لا بد أن يكون المفضل مجروراً بمن، لكن ما المراد بمن؟ (من) لها معاني، اختلفوا فيها على ثلاثة مذاهب: مذهب المبرد، وسيبويه، وابن مالك. والمرجح هو مذهب المبرد لأنه موافق للأصل، وهو أنها لابتداء الغاية. الأول مذهب المبرد: أنها لابتداء الغاية، وهذا لا يحتاج إلى تعليق، لماذا؟ لأنها الأصل كما سيأتي. الثاني مذهب سيبويه: أنها لابتداء الغاية، لكن مع الإشارة إلى التبعيض. خلط بعضهم بين المذهبين، فنسب الأول لسيبويه، والصواب أن سيبويه يرى أنها لابتداء الغاية مع الإشارة إلى معنى التبعيض، ومذهب المبرد أنها لابتداء الغاية فقط، فرق بينهما. إذاً: مذهب المبرد أنها لابتداء الغاية، ومذهب سيبويه وهو ثاني المذاهب: أنها لابتداء الغاية أيضاً، لكن بزيادة فرق بينهما. مع الإشارة إلى معنى التبعيض، فقال في نحو: هو أفضل من زيدٍ فضلَّهُ على بعضٍ ولم يعم، هكذا قال سيبويه: فضله على بعض ولم يعم، قالوا: إذاً هي لابتداء الغاية عند سيبويه مع معنى التبعيض.

وفهم بعضهم أنه لا يصح أن يقال: بأنها للتبعيض إلا إذا وجد فيها شرط التبعيض السابق الذي مر معنا في حروف الجر، وهو أن يؤتى ببدل (من) كلمة بعض، وليس هذا مراد سيبويه، وإنما أراد أنها مُشربة المعنى، وإذا كان كذلك لا يلزم أن يُصرح ببعض، فرق بين أن يقال: (من) للتبعيض أصالةً، وبين أن يقال: أُشربت معنى التبعيض، هذا مثل ما سبق أن نقول في الظرف: هذا تضمن معنى في، لكن لا يلزم منه أن يصرح بفي، هنا كذلك فهم البعض أنه لما قال سيبويه: مشربةٌ معنى التبعيض أنه لا بد أن يوجد فيها شرط (من) التبعيضية، وهو صحة حلول لفظ (بعض) محلها، نقول: لا، ليس هذا المراد، وإنما أراد أن اللفظ لابتداء الغاية وهو الأصل وأُشرب معنى التبعيض، يعني: يلاحظ فيه معنى التبعيض، وإن لم تكن (من) متمحضةً للتبعيض، وإن لم يصح حلول لفظ (بعض) محل (من)، فاللفظ عام. أنها لابتداء الغاية مع الإشارة إلى معنى التبعيضِ فقال في نحو: هو أفضل من زيدٍ، ما معناه عند سيبويه؟ قال: فضله على بعضٍ، يعني بعض الناس ولم يعم. والمراد بالتبعيض هنا: كون مجرورها بعضاً لا التبعيض المتقدم في حروف الجر، كما فهم ذلك ابن هشام فردَّ هذا القول بناء على أنه لا يصلح لفظ (بعض) محل (من)، نقول: لا، ليس هذا المراد؛ لأن التبعيض هنا بالإشارة ليس بمعنى (من) لفظها، لا، هي لابتداء الغاية، فالمعنى المراد: "زيدٌ أفضلُ من" المراد ابتداء الغاية، وأُشربَ وأُشيرَ وضمن معنى أو ملاحظة التبعيض، فلا يلزم أن تكون بمعنى (من) التبعيضية فيحل محلها لفظ (بعض) خلافاً لما ذهب إليه ابن هشام. المذهب الثالث وهو مذهب الناظم: أنها بمعنى المجاوزة: أي مجاوزة الفاضل للمفضول بمعنى زيادته عليه في الوصف، والمراد أنها تفيد ذلك مع بقية التركيب، ليست مطلقة، فكأن القائل زيدٌ أفضلُ من عمروٍ: "جاوزَ زيدٌ عمراً في الفضلِ"، وهذا تكلف، وإن كان مذهب ابن مالك "جاوز زيدٌ عمراً في الفضلِ"، ليس هذا المراد. والأول أولى. يعني: مذهب المبرد: أنها لابتداء الغاية فقط. ووجهه أن (من) لا تحُمل على غير الابتداء إلا إذا منع منه؛ لأنه أشهر معانيها، وهنا لا مانع من حملها عليه فلا حاجة لإخراجها عنه؛ لأنها الأصل، فإذا كان كذلك فحينئذٍ تبقى على ما هي عليه. (وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا تَقْدِيراً) عرفنا المراد بالتقدير، (أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ إِنْ جُرِّدَا). قوله: (صِلْهُ أَبَدَا) نفهم منه أنه يجب أن يكون (من) ومجرورها متصلاً بأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، قال: وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَاً بِمِِنْ، إذاً إذا زيدت (من) حينئذٍ نقول: لا بد أن يكون متصلاً بأفعل التفضيل. يقتضي قوله: (صِلْهُ أَبَدَا) أنه لا يفصل بين (أفعل) وبين (من)، وليس على إطلاقه، بل يجوز الفصل بينهما بـ (لو) وما اتصل بها وبمعمول أفْعَلَ التَّفْضِيْل وزاد بعضهم النداء. ثلاثة أشياء. وليس على إطلاقه، بل يجوز الفصل بينهما بمعمول أفْعَلَ التَّفْضِيْل، وقد فصل بينهما بـ (لو) وما اتصل بها كقوله: وَلَفُوكِ أَطْيَبُ لَو بَذَلتِ لَنَا ... مِنْ مَاءِ مَوهَبَةٍ عَلَى خَمْرِ (وَلَفُوكِ أَطْيَبُ) أَطْيَبُ أفعل التفضيل.

(مِنْ مَاءِ) فصل بين أَطْيَبُ وقوله: مِنْ مَاءِ بقوله: لَو بَذَلتِ لَنَا، جملة: لَو بَذَلتِ لَنَا، لو وما دخلت عليه فاصلة بين أفعل التفضيل ومن، هذا جائز في سعة الكلام وليس ضرورة. قال بعضهم: ولا يجوز غير ذلك. وأجاز بعضهم الفصل بالنداء، حكاه العصفور، وكذلك على الصحيح يجوز الفصل بمعمول أفْعَلَ التَّفْضِيْل ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) [الأحزاب:6] جاء في فصيح الكلام، وإذا جاء في فصيح الكلام انتهينا، ((أَوْلَى)) هذا أفْعَلَ التَّفْضِيْل، ((مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) هذا المفضل عليه، ((أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ)) [الأحزاب:6] إذاً بالمؤمنين جار ومجرور متعلق بقوله: أولى، إذاً تعلق بأفعل التفضيل. إذاً: ما كان متعلقاً أو معمولاً لأفعل التفضيل جاز الفصل بينه وبين (من) ومجرورها. وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا ... تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ إِنْ جُرِّدَا لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال: الأول: أن يكون مجرداً، فإن كان مجرداً فلا بد أن يتصل به (من) لفظاً أو تقديراً، جارة للمفضل عليه. زيدٌ أفضلُ من عمروٍ ومررت برجلٍ أفضلَ من عمروٍ، وقد تحذف (من) ومجرورها للدلالة عليهما كقوله: ((أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ)) [الكهف:34] هذا (من) والكاف هو المفضل عليه، والجار والمجرور متعلق بقوله: ((أَكْثَرُ)). ((مَالاً)) منصوب على التمييز، ((وَأَعَزُّ نَفَرًا)) [الكهف:34] يعني: أعز منك، إذاً: حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى)) [الضحى:4] هذا فصل بينهما. وفهم من كلامه أن أفْعَلَ التَّفْضِيْل إذا كان بأل أو مضافاً يمتنع وصلهما بـ (من)؛ لأنه قال: إِنْ جُرِّدَا، وعرفنا بالاستقراء أن الأحوال ثلاثة: إما أن يحلى بأل، أو يضاف، أو يجرد، خص الحكم هنا بالمجرد، فدل على أن ما عداه لا يجب، بل يمتنع أن يوصل بـ (من)، فلا يقال: زيدٌ الأفضلُ من عمروٍ لا. ولا يقال: زيدٌ أفضلُ رجلٍ من عمروٍ أو أفضلُ الناس من عمروٍ .. نقول: لا. لا يجوز وسيأتي التعليق. وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان بأل أو مضافاً يمتنع وصلهما بـ (من) .. لا تصحبه (من)، فلا تقل: زيدٌ أفضلُ من عمروٍ، ولا زيد أفضلُ الناس من عمروٍ .. هذا فاسد. وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبراً يعني الحذف، -ابن عقيل فصل بينهما-. وأكثر ما يكون ذلك المشار إليه يعني: حذف (من) ومجرورها، إذا كان أفعل التفضيل خبراً كالآية ونحوه، وهو كثير في القرآن، وقد تحذف منه وهو غير خبر كقوله: دَنَوْتِ وَقَدْ خِلْنَاكِ كَالَبْدرِ أَجْمَلاَ ... فَظَلَّ فُؤادِي فِي هَوَاكِ مُضَلّلاً أَجْمَلَ مِن مَن؟ أَجْمَلَ من البدرِ، حذف من البدر للعِلم به. فأجمل أفعل تفضيل وهو منصوب على الحال من التاء في دَنَوْتِ، وحذفت منه (من)، والتقدير دَنَوْتِ أجملَ من البدرِ وَقَدْ خِلْنَاكِ كَالَبْدرِ. ((وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) [الأعلى:17] كلاهما أفعل تفضيل خير من الدنيا، وأبقى من الدنيا .. حذفا منهما للعلم بهما.

إذاً: عرفنا الحكم الأول وهو: أن أفْعَلَ التَّفْضِيْل إذا كان مجرداً من أل والإضافة وجب أن يؤتى بعده بـ (من) جارة للمفضول، وقد يحذفان. ومن ثم اختلف النحاة في مسألة هنا: إذا حذفا الجار والمجرور، هل أفْعَلَ التَّفْضِيْل باقٍ على بابه، أم أنه خرج عن الباب؟ بمعنى: أنه لا يدل على المفاضلة، إذا قيل: أفْعَلَ التَّفْضِيْل على بابه، يعني المشاركة والزيادة .. دلَّ على المشاركة والزيادة وإذا لم يكن على الباب حينئذٍ نقول: خرج عن بابه، وعندنا مثال مشهور نأتي به دائماً وهو: ((أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)) [الفرقان:24]. ((أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ)) [الفرقان:24] خيرٌ ممن؟ من أصحاب النار، إذا قلنا على بابها، معناه: أن النار فيها خير، والجنة فيها خير، إلا أن الزيادة –الوصف- في الجنة أكثر من زيادتها في النار، لو قلنا على بابها، ((وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)) [الفرقان:24] أَحْسَنُ إذاً النار فيها مقيل، وهو حسن ممدوح، ولكن مقيل الجنة أَحْسَن .. أكثر حسناً، نقول: لا. ليست على بابها، سُلبت المعنى، المراد الوصف فحسب دون مفضل، ليس عندنا مفضل ولا مفضل عليه. إذا حذف هل تبقى على بابها مطلقاً أم أنها تخرج عن الباب؟ ومن ثم اختلف النحاة عند حذف (من) ومجرورها، وهو المفضل عليه في صيغة أفْعَلَ التَّفْضِيْل حينئذٍ، هل تكون دالة على التفضيل أم خلت أفعل عن هذه الدلالة، يعني سلبت المفاضلة والتفضيل؟ فذهب الكسائي والفراء ووافقهما الرضي، إلى أن هذه الصيغة لا تخلو قط من الدلالة على التفضيل .. دائماً للتفضيل، فإنك إذا ذكرت أفعل من، يعني جئت بـ (من) ذكرتها فدلالتها على التفضيل ظاهرة لا إشكال فيه، إذا قلت: زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، بعض النحاة يختصر يقول: أفعلُ من -انتبه لا تقل خطأ في النسخة-، يقول: إذا كانت (أفعَل) (أفعَلَ من) يريد بها أنه ذُكرت (من) مع المجرور. فإنك إذا ذكرت (أفعلَ من) فدلالتها على التفضيل ظاهرة .. واضح بين، وإن أضيفت فإن المضاف إليه هو المفضل عليه، زيدٌ أفضل رجلٍ المضاف إليه هو المفضل عليه، وإن اقترنت بأل، فإن أل هذه عوضٌ من المضاف إليه، ماذا بقي؟ إذا ذُكرت (من) (أفعلُ من)، فالمفضل عليه واضح، زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، عمروٍ مفضل عليه، وإذا دخلت أل فأل قائمة مقام المفضل عليه، زيدٌ الأفضلُ، كأنه قال: زيدٌ أفضلُ الناس مثلاً. وإذا أضيف فالمضاف إليه هو المفضل عليه، ماذا بقي؟ بقي إِنْ جُرِّدَت. وإن لم تضف ولم تقترن بأل، ولم يذكر معها (من) جارة للمفضول؛ كان الكلام على أحد تقديرين، يعني لا بد من ردها إلى أصلها: الأول: تقدير (من) ومجرورها. إما أن نقدر (من) مع مجرورها. والثاني: تقدير الصيغة مضافة، وقد حذف المضاف إليه وهو منوي الثبوت.

إذاً: لا بد من أن تكون أفعل دالة على التفضيل في كل حالٍ من الأحوال، والحال التي معنا واختلفنا فيها وهي إذا حذف (من) ومجرورها، لا بد من ردها إما إلى (من) ومجرورها تقديراً، وإما أن يكون ثم مضاف محذوف منوي الثبوت، إما هذا وإما ذاك، لكن هذا لا يتصور في المثال الذي ذكرناه، لا يتصور أن يكون هناك تفضيل، الكلام هذا فيه نظر، الصواب أنها قد تخرج، لكنه يدل عليه بقرينة. الحكم الثاني الذي يتعلق بأفعل إذا كان مجرداً، هو ما أشار إليه بقوله: وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا ... أُلْزِمَ تَذْكِيراً وَأَنْ يُوَحَّدَا وهو أنه يلزم الإفراد والتذكير، يعني: يكون مفرداً فلا يثنى ولا يجمع، ويكون مذكراً فلا يؤنث، فتقول: زيدٌ أعلمُ من عمروٍ، والزيدان أعلمُ من عمروٍ، وهندٌ أعلمُ من عمروٍ .. وهلم جرَّا .. تبقيه على أصله. أن يكون مفرداً مذكراً دائماً نحو: ((لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ)) [يوسف:8] أَحَبُّ هذا مفرد، ((لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ)) [يوسف:8] مثنى هذا المفضل، والمفضل عليه (أَحَبُّ إِلَى). ((قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ)) [التوبة:24] إلى أن قال: ((أَحَبَّ)) عدَّد ثم قال: أَحَبَّ فأفرد، لماذا؟ لكونه مجرداً من أل ومن الإضافة. ومن ثم قيل: إن "أُخر" معدول عن آخر، وفي قوله: كَأَنَّ صُغْرَى وَكُبْرَى مِنْ فَقَاقِعِهَا لحنٌ هكذا قيل، لُحِّن أبو نواس؛ لأنه قال: صغرى وكبرى، والأصل أن يقول: أصغر وأكبر؛ لأنه مجرد عن أل والإضافة، فلا يطابق الموصوف، بل يلزم الإفراد والتذكير. حيث أتى بصغرى وكبرى مجرداً من أل والإضافة مؤنثة، وكان حقه أن يقول: أصغر وأكبر. وأجيب بأنه لم يقصد التفضيل فخرج عن الوصف فصار صفة مشبهة. (وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا أُلْزِمَ تَذْكِيرَاً) يعني: أُلْزِمَ أفعل التفضيل تذكيراً فيكون مذكراً، ولا يؤنث ولو كان الموصوف مؤنثاً. (وَأَنْ يُوَحَّدَا) (أن) وما دخلت عليه بتأويل مصدر، يعني توحيداً، والتوحيد المراد به الإفراد، فلا يثنى ولا يجمع ولو كان الموصوف مثنىً وجمعاً، فتقول: زيدٌ أفضلُ من عمروٍ، وهندٌ أفضلُ من عمروٍ ما تقول: هند فضلى .. هند أفضلُ، (هندٌ) مبتدأ و (أفضلُ) خبر، كيف (هند) مبتدأ و (أفضل) خبر والشرط التطابق؟ نقول: هذا مستثنى من القاعدة، فحينئذٍ نقول: أفضل يبقى على أصله. وتقول: الزيدانِ أفضلُ من عمروٍ، والزيدون أفضلُ من عمروٍ، والهندانِ أفضلُ من عمروٍ، والهنداتُ أفضل من عمرو، إذاً يلزم الإفراد والتذكير. ومثلهُ المضاف، وهذا هو الحالة الثانية من أحوال أفعل التفضيل، أن يكون مضافاً، فإن كان مضافاً إما أن يضاف إلى نكرة كأفضل رجلٍ، وإما أن يضاف إلى معرفة، فإن أضيف إلى نكرة حينئذٍ حكمهُ حكم المجرد من أل، بمعنى: أنه لا يلزم كالأول -الحكم ليس مطلقاً، وإنما من حيث الإفراد والتذكير-، فيلزم الإفراد والتذكير. (وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ) يعني: يلزم المضاف إليه أن يطابق. (وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ) وإن يضف لمنكورٍ، لِمَنْكُورٍ جار ومجرور متعلق بقوله: يُضَفْ.

(أَوْ جُرَّدَا) الألف هذه للإطلاق، وجُرَّدَا معطوف على يُضَفْ؛ لأنه فعل، جُرَّدَ هو يعني: عُرِّي من أل والإضافة. (أُلْزِمَ) جواب الشرط، وهو مغير الصيغة، ونائب الفاعل هو المفعول الأول. و (تَذْكِيراً) مفعول ثاني. و (وَأَنْ) حرف مصدر. (يُوَحَّدَا) الألف للإطلاق، يُوَحَّدَ هو، يعني: أفعل التفضيل، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، يعني أُلْزِمَ تَذْكِيراً وتَوحِيداً. وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا ... أُلْزِمَ تَذْكِيراً وَأَنْ يُوَحَّدَا لأن المجرد أشبه بـ (أفعل) في التعجب، وهو لا يتصل به علامة تثنيةٍ ولا جمعٍ ولا تأنيثٍ كما سبق. والمضاف للنكرة بمنزلة المجرد في التنكير. (وَأَنْ يُوَحَّدَا) قال الشارح: ويلزم أفعل التفضيل المجرد الإفراد والتذكير وكذلك المضاف إلى نكرة وإلى هذا أشار بقوله: وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا ... أُلْزِمَ تَذْكِيراً وَأَنْ يُوَحَّدَا فتقول: زيدٌ أفضلُ من عمرو وزيدٌ أفضلُ رجلٍ، وهند أفضلُ من عمروٍ وهند أفضل امرأةٍ، والزيدان أفضلُ من عمروٍ، والزيدانِ أفضلُ رجلينِ، والهندانِ أفضلُ من عمروٍ وأفضلُ امرأتين، هنا ثنى باعتبار الموصوف، وجمع باعتبار الموصوف، بمعنى أن المضاف إليه إذا كان نكرة حينئذٍ طابق الموصوف، بخلاف أفعل التفضيل نفسها، حينئذٍ أُلْزِمَ تَذْكِيراً وَأنْ يُوَحَّدَا، الحكم هنا متعلق بأفعل التفضيل نفسها. وأما المضاف إليه إذا كان نكرة فيلزم المطابقة، فلذلك تقول: الزيدانِ أفضلُ رجلينِ، الزيدونَ أفضلُ رجالٍ، الهندات أفضلُ نساءٍ، فتجمع، تجمع أفعل التفضيل أو المضاف؟ المضاف. إذاً المضاف إليه يطابق لا باعتبار كونه أفعل التفضيل، وإنما باعتبار كونه مضافاً إليه يطابق الموصوف. وأفضلُ رجالٍ، والهندات أفضلُ من عمرٍو وأفضلُ نساءٍ، فيكون أفعل في هاتين الحالتين مذكراً ومفرداً ولا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، ولا تجوز المطابقة باعتبار أفعل، لا تجوز المطابقة لا في المضاف، ولا في المضاف إلى نكرة، ولا في المجرد من أل والإضافة. وأما المضاف إليه إذا كان نكرة حينئذٍ طابق الموصوف، ولذلك نقول: يجب في هذا النوع مطابقة المضاف إليه الموصوف ولو مبتدأً، فهو موصوف معنى فقط، وأما قوله: ((وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ)) [البقرة:41] (وَلا تَكُونُوا) الواو (أَوَّلَ) هنا ما طابق، قلنا القاعدة: أن يطابق، الزيدون أفضلُ رجالٍ، الزيدانِ أفضلُ رجلين، هنا لم يطابق، نقول: هنا ((أَوَّلَ كَافِرٍ)) [البقرة:41] كافر هذا صفة لموصوف محذوف، أَوَّلَ فريقٍ كافرٍ، وفريق معناه: جمع، إذاً طابق باعتبار المعنى، طيب. لماذا قال: كافر وهو صفة لفريق وهو جمع؟ نقول: فريق له جهتان: من جهة اللفظ فهو مفرد، ومن جهة المعنى فهو جمع، وعند النعت إما أن تراعي اللفظ وإما أن تراعي المعنى، فهنا راعى فيه اللفظ.

إذاً: لا إشكال في قوله تعالى: ((وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ)) [البقرة:41] في كون كَافِر هذا مضاف إليه أضيف إليه أفعل التفضيل، وهو مضاف إليه نكرة، فالأصل فيه المطابقة مع الموصوف، وهنا الموصوف ((وَلا تَكُونُوا)) [البقرة:41] الواو، لا يلزم الموصوف أن يكون دائماً مبتدأ لا. قد يكون مبتدأً، وقد يكون خبراً، وقد يكون فاعلاً، وقد يكون نائب فاعل .. إلى آخره، حسب موقعه من الإعراب، وأول تقع نعت، وتقع خبر، وتقع حال .. إلى آخره. ((أَوَّلَ كَافِرٍ)) [البقرة:41] هنا وقع أَوَّلَ مضافاً إلى النكرة ولم يطابق ما قبله، نقول: هنا على تقدير مضاف: أول فريق كافر، وأفرد كافر باعتبار لفظ فريق لأنه من جهة اللفظ مفرد، ومن جهة المعنى جمع. (وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ) إذاً عرفنا إذا أضيف أفعل التفضيل إلى النكرة فإنه يطابق باعتبار المضاف إليه، وأما هو فيلزم الإفراد والتذكير. (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ)، (تِلْوُ أَلْ) مضاف ومضاف إليه وهو مبتدأ. (طِبْقٌ) يعني: مطابقٌ، مطابقٌ لأي شيء؟ للموصوف، والمجرور بـ (من) هنا؟ لا تدخل (من) هنا، قلنا: (تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ إِنْ جُرِّدَا) يعني: مفهومه أن (مِن) لا تدخل على أفعل التفضيل إذا كان محلًى بأل أو مضافاً مطلقاً، إذاً هي خاصة فقط بالمجرد من أل والإضافة، وما عداها لا. يمتنع دخول (من) على المفضل. إذاً: قوله: (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ) تصريح بما فُهم من قوله: (وَإِنْ لِمَنْكُورٍ) إلى آخره، إذ مفهومه أن ما عداهما لا يلزم تذكيراً وتوحيداً، هذا واضح بين، لأنه خصه بما سبق. وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا ... أُلْزِمَ تَذْكِيراً ........ إن لم يجرد، وإن لم يضف لمنكور بأن حُلِّي بأل، حينئذٍ نقول: لا يلزم الإفراد والتذكير. وصرح بالمفهوم لإفادة لزوم المطابقة في تَالِي أَلْ، والجواز في المضاف لمعرفة (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ) أي: مطابق؛ لأن اقترانه بأل أضعف شبهه بأفعل في التعجب، (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ) أي: مطابق لما قبله من مبتدأ أو موصوف، فتقول: زيدٌ الأفضلُ، والزيدانِ الأفضلان، والزيدون الأفضلون أو الأفاضل، والهندانِ الفضليان، والهنداتٌ الفضليات أو الفُضّلُ .. يعني يجوز الجمع بهذا أو ذاك، سواء سمع جمع تكسير أو جمع مؤنث سالم. إذاً: (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ) يطابقه. (وَمَا لِمَعْرِفَهْ أُضِيفَ ذُو وَجْهَيْنِ عَنْ ذِي مَعْرِفَهْ) هذا يقابل قوله: (وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ)، وما أضيف لمعرفة والذي هذا مبتدأ. (أُضِيفَ) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب لمعرفةٍ متعلق به، وما أضيف لمعرفةٍ. (ذُو وَجْهَيْنِ) ذُو خبر ما، ذُو وَجْهَيْنِ المراد بالوجهين هنا: المطابقة وعدم المطابقة، يعني يجوز فيه المطابقة ويجوز فيه عدم المطابقة، فهما وجهان منقولان (عَنْ ذِي مَعْرِفَهْ). (وَمَا لِمَعْرِفَهْ أُضِيفَ ذُو وَجْهَيْنِ) المطابقة وعدمها.

(عَنْ ذِي مَعْرِفَهْ) صفة لوجهين، أضيف ذُو وَجْهَيْنِ منقولين عن العرب، فالمطابقة لمشابهته المحلى بأل في الخلو عن لفظ (من)، -لا نحتاج إلى تعليق-، نقول: هذا سمع في لسان العرب ويكفي، لكن عللوه بأنه إذا لم يطابق فالمطابقة لمشابهته المحلى به، إن طابق المضاف إلى المعرفة لأنه أشبه أل، وإن لم يطابق أشبه المجرد. فالمطابقة لمشابهته المحلى بأل في الخلو عن لفظ (من)، وعدم المطابقة لمشابهته المجرد من نية معنى (من)، كأنه أشبه ما حذف منه (من) وهي منوية. (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ) عرفنا المراد به. (وَمَا لِمَعْرِفَهْ أُضِيفَ ذُو وَجْهَيْنِ) خبر ما، وذو مضاف ووجهين مضاف إليه، والمراد بالوجهين المطابقة وعدم المطابقة. (عَنْ ذِى مَعْرِفَهْ) يعني: عن صاحب معرفة، عالم ويعرف بلسان العرب. قيل: عبر بذلك تعظيماً لشأن هذه المسألة، لماذا؟ لأن مستندها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، جمع بينهما في حديث واحد المطابقة عدم المطابق، وابن مالك كما سبق أنه يعظم، كلهم إن شاء الله يعظمون، لكن في الاستدلال بالكتاب والسنة من حيث تأصيل المسائل يمثل بالكتاب والسنة أكثر. قال: ذلك تعظيماً لشأن هذه المسألة، إذ أُخذ فيها بالحديث حيث جاء فيه الوجهان، وفيه إشارة أيضاً للرد على ابن السراج القائل بوجوب المطابقة إذا أضيف إلى معرفة. (هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ) هَذَا: عظَّم .. اسم إشارة للتعظيم، قال: لأن المسألة عظيمة كما سبق. إشارة للتعظيم حيث نقل الحكم السابق عَنْ ذِيْ مَعْرِفَهْ، المراد به النبي صلى الله عليه وسلم -الحديث-، وهذا لا إشكال فيه واضح. (هَذَا) مبتدأ، والخبر محذوف يدل عليه السياق، هذا الحكم، (إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ) كيف إذا نويت معنى من؟ وإن لم تنوِ، وهو هناك يقول: (صِلْهُ أَبَدَاً تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ إِنْ جُرِّدَا) قلنا مفهومه: أنه لا تدخل (من) على المضاف إلى المعرفة، وهنا يقول: يجوز الوجهان إذا نويت معنى (من). (وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) يعني معنى من، فكيف نفى وأثبت؟ نقول: هنا فيه تجوز، ليس مراده أنه يضمن معنى (من) و؟؟؟ المراد: أن المجرد إذا استعمل بـ (من) حينئذٍ كان دالاً على التفضيل، كأنه يقول لك: الحكمُ السابق فيما أضيف إلى المعرفة يجوز فيه الوجهان إذا استعملت أفعل في بابه، وأما إذا أخرجت أفعلَ عن بابه فلا، الوجهان متى يجوز؟ إذا كانت أفعل التفضيل على بابها، يعني دالة على المشاركة والزيادة، وهذا السابق أنه في المجرد إذا كان على معنى (من)، وإذا لم تنو (من) حينئذٍ يكون خرج عن أصله. (فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ) لا بد من المطابقة، وهذا قد يكون فيه إشارة إلى المذهب السابق، الذي قلنا: رجحه الرضي وهو أنه إذا جردت عن (من) حذفت، بعضهم يرى أنها خرجت عن باب أفعل التفضيل، لكن ابن مالك لم يصرح، لكن قد يقال هذا.

(هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ) أي: المعنى الحاصل معها؛ لأن التفضيل ليس نفس معناها، وإنما هو مستفاد من أفعل معنى (من)، ليس التفضيل حاصلاً من (من) نفسها ومجرورها بل من التركيب كله، زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، لا بد من مفضل، ومفضل عليه، ومن ومجرور .. التركيب كله يفهم منه التفضيل ليس خاصاً بـ (من) فحسب، وإنما هذا كناية من إطلاق الجزء مراداً به الكل (إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) بأفعل معنى (من) بأن لم تنو به المفاضلة أصلاً، أو تنويها لا على المضاف إليه وحده، بل عليه وعلى كل ما سواه، حينئذٍ خرجت عن معنى التفضيل، فإذا أضيف إلى المعرفة وجب فيه حالة واحدة وهي: المطابقة لما اتصل به. هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ ... لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ أي: جواز المطابقة وعدمها في المضاف إلى المعرفة مشروط بأن تكون الإضافة فيه بمعنى (من)، وذلك إذا كان أفعل مقصوداً به التفضيل. إذاً: لم يقصد بقوله: (إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ) أن تكون (مِنْ) مقدرة، لا. ليس هذا مراده، مراده أن هذا اللفظ كناية عما إذا استعمل أفعل التفضيل في بابه، ولذلك إذا ذكرت (من) فهي قطعاً أنها للتفضيل. (هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) معنى مِنْ أي التفضيل، على ما أضيف إليه وحده. (وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) معنى (مِنْ) (فَهْوَ طِبْقُ) فَهْوَ مبتدأ وطِبْقُ هذا خبر. طبق ما قرن به وجهاً واحداً، قُرِنْ المراد به ما هو أفعل التفضيل له، يعني جعلته تابعاً لما سبق. إذا كان أفعل التفضيل بأل لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد والتذكير وغيرهما فتقول: زيدٌ الأفضلُ، والزيدانِ الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وهندُ الفضلى، والهندان الفضليان، والهنداتُ الفُضَّل أو الفضليات، ومررتُ بزيدٍ الأفضل، وبهند الفضلى، ولا يؤتى معه بـ (من). ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله، هذا المحلى بأل؛ لأنه قال: (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ) حكم ولم يجوِّز الوجهين، فدل على أنها لازمة، فلا تقول: الزيدون الأفضل، ولا الزيدان الأفضل، ولا هندٌ الأفضل، ولا الهندان الأفضل، ولا الهندات الأفضل .. لا يجوز، ولا يجوز أن يقترن به (من)، فلا تقل: زيدٌ الأفضلُ من عمروٍ، هذا نقول: إذا قرنت حينئذٍ نحكم عليه بكونه شاذاً. فأما قوله: وَلَسْتَ بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصىً، بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ جاءت مِنْهُمْ، اقترنت (من) بالمفضل عليه، وأفعل التفضيل هنا محلى بأل، نقول: هذا لا بد من تخريجه. وَلَسْتَ بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصىً ... وَإِنَّمَا العِزَّةُ لِلكَاثِرِ فإما أن يقال: بأن الأَكْثَرِ أل هذه زائدة، فحينئذٍ نقول: مِنْهُمْ على الأصل .. أكثرُ منهم، والأصل: ولست بأكثرَ منهم، أو جعل منهم متعلقاً بأكثرَ نكرة محذوف مجرد عن الألف واللام، لا بما دخلت عليه الألف واللام، والتقدير: ولست بالأكثرِ أكثرَ منهم. فحينئذٍ منهم صار متعلقاً بمحذوف يفسره المذكور، وهو مجرد، يعني مستوف للشرط. وقيل: لا نسلِّم أن (من) في قوله: مِنْهُمْ هي الجارة للمفضول، ولكنها تبعيضية، فهي متعلقة بمحذوف والتقدير: لست بالأكثر حصى حال كونك منهم أي: بعضهم.

على كلٍّ لا بد من تخريجه، وإذا لم يمكن حينئذٍ نحكم عليه بأنه ضرورة أو شاذ. وأشار بقوله: وَمَا لِمَعْرِفَهْ أُضِيفَ إلى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة، وقصد به التفضيل جاز فيه وجهان: المطابقة وعدم المطابقة، وأنت مخير، وإن كان الغالب هو غير المطابقة. أحدهما: استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله، فتقول: الزيدانِ أفضلُ القومِ، الزيدانِ هذا مبتدأ، وأفضلُ خبر وهو مضاف إلى القومِ، المضاف إليه هنا معرفة، وحينئذٍ لك أن تفرد يعني: تعامله معاملة المجرد أُلْزِمَ تَذْكِيراً وَأَنْ يُوَحَّدَا لكن لا يلزم وإنما يعامل معاملته فقط في اللفظ، فتقول: الزيدانِ أفضلُ القومِ، والزيدونِ أفضلُ القومِ، وهندٌ أفضلُ النساء، والهندانِ أفضلُ النساء، والهندات أفضلُ النساء. يعني: يلزم الإفراد والتذكير، ليس على جهة الإيجاب وإنما حملاً له على المجرد. والثاني: استعماله كالمقرون بالألف واللام (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ) يعني: يطابق ما قبله، أيضاً هنا ليس واجباً كالسابق المحلى بأل، وإنما يعامل معاملته. فتجب مطابقته لما قبله فتقول: الزيدانِ أفضلا القومِ، والزيدونَ أفضلوا بالواو، أفضلُ القومِ، بحذف الواو، وأفاضل القوم، وهند فضلى النساء، والهندان فضليا النساء، والهنداتُ فضَّلُ النساء أو فضليات النساء، يعني تأتي بالجمع المسموع في لسان العرب، إن سمع التكسير جئت به، وإن سمع ألف وتاء جئت به، وإن سمع عدة جمع للتكسير لا بأس، ائت بما شئت. ولا يتعين الاستعمال الأول خلافاً لابن السراج، وقد ورد الاستعمالان في القرآن والحمد لله. فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى: ((وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)) [البقرة:96] تَجِدَنَّهُمْ هم، (أَحْرَصَ النَّاسِ) أَحْرَصَ هذا أفعل تفضيل، وهو مضاف إلى الناس، وهو معرفة،: وَمَا لِمَعْرِفَهْ أُضِيفَ، إذاً أضيف إلى معرفة، وهنا الموصوف (لَتَجِدَنَّهُمْ) الذي هو المفعول به (أَحْرَصَ) لزم حالة واحدة وهو أنه مجرد، وهذا هو الغالب. ومن استعماله مطابقاً قوله: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا)) [الأنعام:123] (أَكَابِرَ) جمع، أكبرَ أكابر، (مُجْرِمِيهَا) هذا جمع، (فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) هذا معناه ولفظه الجمع .. أَكَابِرَ، أكبر طابق أو لا؟ طابق، إذاً هذا ورد في القرآن. وقد اجتمع الاستعمالان ((هُمْ أَرَاذِلُنَا)) [هود:27] أراذل، هذا طابق، إذاً جاء في القرآن مطابقاً، وقد اجتمع الاستعمالان في قوله صلى الله عليه وسلم: {ألا أخبركم بأحبِكم "أحبِّ" إلي وأقربكم "أقربِ" مني منازلَ يوم القيامة أحاسنكم} أحاسن: جمع أحسن، إذاً أفرد في أقرب، وأحب، وجمع في أحاسنكم أخلاقاً. حيث أفرد أحبَ وأقربَ وجمع أحسنَ. والذين أجازوا الوجهين قالوا: الأفصح المطابقة، لكن الغالب .. الكثير استعماله غير مطابق. والذين أجازوا الوجهين قالوا: الأفصح المطابقة، ولذلك عيب على صاحب الفصيح -ثعلب- في قوله: فاخترنا أفصحهُنَ قالوا: فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى فيقول: فصحاهُنَ، على كل هو بشر.

فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة، إذاً: إذا قصد التفضيل بأن كان أفعل التفضيل على بابه جاز الوجهان، فإن خرج عن بابه فالحكم يختلف. فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة، كقولهم: (النَّاقِصُ وَالأَشَجُّ أَعْدَلاَ بَنِي مَرْوَانَ) أي: عادلا بني مروان، ونحو: محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- أفضلُ قريشٍ، قريشٍ هذا نكرة أو معرفة؟ معرفة، علم .. قبيلة. محمد أفضلُ قريشٍ أي: أفضل الناس من بين قريش، والإضافة هنا لمجرد التخصيص للموصوف، ليس المقصود بها المفاضلة بين زيد وعمرو لا، المقصود بها التخصيص للموصوف بأنه من القوم الفلاني لا لبيان المفضل عليه. وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله: هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ .. أي: جواز الوجهين: المطابقة وعدمها، مشروط بما إذا نوي بالإضافة معنى من أي: إذا نوي التفضيل وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به، ومما مثلوا به على أنه لم يقصد به التفضيل قول القائل: إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتاً دعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ يعني عزيزة وطويلة، وهل ينقاس ذلك أم لا؟ هل يخرج أفعل التفضيل عن بابه إذا لم يقصد معنى من وأضيف إلى المعرفة .. هل ينقاس أم لا؟ فيه خلاف بين النحاة. قال المبرد: ينقاسُ، وقال غيره: لا ينقاس وهو الصحيح. وذكر صاحب الواضح أن النحويين لا يرون ذلك وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى: ((وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)) [الروم:27] أنه بمعنى هيِّن، -ليس كذلك-، وفي بيت الفرزدق -وهو الثاني-: إن المعنى عزيزة طويلة، وإن النحويين ردوا على أبي عبيدة ذلك وقالوا: لا حجة في ذلك الأمر. إذاً: ليس قياساً، وإنما هو سماعي، فما سمع في لسان العرب فالأصل بقاؤه على ما كان. إذاً: وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ وَمَا لِمَعْرِفَهْ هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ ... أُضِيفَ ذُو وَجْهَيْنِ عَنْ ذِيْ مَعْرِفَهْ لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ (إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ) قلنا مَعْنَى مِنْ المراد به الحاصل من التركيب. (وَإِنْ لَمْ تَنْوِ) يعني: بأفعل مَعْنَى مِنْ .. لم تقصد المفاضلة أصلاً، أو نويتها لا على المضاف إليه وحده بل عليه وعلى كل ما سواه، حينئذٍ لم تكن مفاضلة، إذا خصصت واحداً على كل من سواه لم تكن ثم مفاضلة. (وَإِنْ لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ) يعني: مطابق لما قرن به، وما هو الذي قرن به أفعل التفضيل؟ ما جعل أفعل التفضيل وصفاً له، يعني مطابقاً للموصوف لسابقه؛ لأنه يقع نعتاً ويقع غير ذلك. إذاً: نقول الحال الثاني لأفعل التفضيل: أن يكون بأل، أشار إليه بقوله: (وَتِلْوُ أَلْ طِبْقٌ). الحال الثاني لأفعل التفضيل: أن يكون بأل، فيجب له حكمان: الأول: أن يكون مطابقاً لموصوفه. والثاني: ألا يؤتى معه بمن، وأن يكون مطابقاً لموصوفه.

وعلة ذلك أنه إنما وجب في المجرد عن أل والإضافة ذكر (من) جارة بالمفضول عليه لقصد العلم به، أي بالمفضول، ولهذا امتنع ذكرها مع المضاف ومع المقترن بأل؛ لأن المفضول مذكور صراحة في حالة الإضافة، وفي حال الاقتران بأل في حكم المذكور؛ لأن أل إشارة إلى معين تقدم ذكره لفظاً أو حكماً. إذاً: المفضل عليه إذا جر بـ (من) واضح أنه مصرح به كما ذكرناه، وإذا أضيف فالمضاف إليه سواء كان نكرة أو معرفة هو المفضل عليه، وإذا كان بأل حينئذٍ نقول: أل هذه أشارت إلى معين؛ لأن أل إشارة إلى معين تقدم ذكره لفظاً أو حكماً، وتعيُّنه يشعر بالمفضول .. أنه هو المفضول، وبهذا فأل الداخلة على أفعل التفضيل لا تكون إلا للعهد. جاء زيدٌ الأفضلُ، أل هنا نقول عهدية .. مطلقاً. هَذَا إِذَا نَوَيْتَ مَعْنَى مِنْ وَإِنْ ... لَمْ تَنْوِ فَهْوَ طِبْقُ مَا بِهِ قُرِنْ ثم قال: وَإِنْ تَكُنْ بِتِلْوِ مِنْ مُسْتَفْهِمَا ... فَلَهُمَا كُنْ أَبَداً مُقَدَّمَا والحالة الثالثة: إذا أضيف، وله حكمان: على اعتبار التفصيل، إن أضيف إلى نكرة قلنا له حكمان: الأول: ألا يؤتى بـ (من) والثاني: أن يلزم الإفراد. ولو زدت ثالثاً وقلت: أن يطابق المضاف إليه موصوف أفعل التفضيل، هذا إذا أضيف إلى نكرة (وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ) قلنا: إن جرد في السابق دل على أن المضاف إليه مطلقاً لا تدخل عليه (من)، إذاً (وَإِنْ لِمَنْكُورٍ يُضَفْ) فيه كم حكم؟ لا تدخل عليه (من)، ثم يلزم الإفراد والتذكير، ثم المضاف إليه يكون مطابقاً للموصوف، وإذا أضيف لمعرفة له حكمان: نقول أولاً: لا تدخل عليه (من). وثانياً: يجوز فيه الوجهان: المطابقة وعدم المطابقة، بشرط أن ينوى معنى من بأن يراد به التفضيل .. أفعل التفضيل فهي على بابها، فإن خرجت أفعل التفضيل عن بابه حينئذٍ وجبت المطابقة. وَإِنْ تَكُنْ بِتِلْوِ مِنْ مُسْتَفْهِمَا ... فَلَهُمَا كُنْ أَبَداً مُقَدَّمَا كَمِثْلِ مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ وَلَدَى ... إِخْبَارٍ التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا إذا كان المجرور بـ (من) اسم استفهام وجب التقديم؛ لأن اسم الاستفهام له حق الصدارة، مجرور من قد يكون اسم استفهام، وقد لا يكون كذلك، أشار إلى الأول بقوله: (وَإِنْ تَكُنْ) أنت أيها المتكلم (بِتِلْوِ مِنْ) يعني الذي يتلو من الجارة السابقة (مُسْتَفْهِمَاً) وإن تكن مستفهماً بتلو من. (فَلَهُمَا) (من) والمجرور (كُنْ أَبَداً مُقَدَّمَا) يعني يجب التقديم على أفعل التفضيل، أو على جملة الكلام كما فعل الناظم هنا؛ لأنه قدم مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ، وانتقد رحمه الله في هذا المثال، (مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ) مِمَّنْ (مِن) حرف جر، و (مَن) اسم استفهام جر بـ (من)، حينئذٍ نقول أصل التركيب: أَنْتَ خَيْرٌ مِمَّنْ؟ هذا أصل التركيب؛ لأن (من) تكون تالية لأفعل التفضيل، لما نقول: زيد أكرم من عمروٍ هي نفسها، لكن دخلت هنا على اسم استفهام، فقيل: أَنْتَ خَيْرٌ مِمَّنْ؟ لما دخلت (من) على اسم استفهام وله حق الصدارة وجب أن يتقدم، هل يتقدم على الجملة كلها أو يتقدم على أفعل التفضيل؟

وجهان للنحاة: الناظم هنا قال: (مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ) قدمه على الجملة كلها، والأشموني انتقده، قال: مقدماً على أفعل التفضيل لا على جملة الكلام كما فعل المصنف؛ إذ يلزم -على تمثيله- الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي، ولا قائل به؛ لأن المبتدأ ليس من معمولات الخبر (وَإِنْ تَكُنْ بِتِلْوِ مِنْ مُسْتَفْهِمَا) تكن أنت، الذي هو اسم تكن. (مُسْتَفْهِمَاً) هذا خبر تَكُنْ. و (بِتِلْوِ مِنْ) جار ومجرور متعلق بقوله: مُسْتَفْهِمَا، بِتِلْوِ الباء هذه للاستعانة، أو للسببية، والثاني أظهر، وتلو الشيء: الذي يتلوه ويتبعه أي: يجب تقديم (من) ومجرورها على أفعل التفضيل، إن كان المجرور استفهاماً (مُسْتَفْهِمَا) يعني: اسم استفهام، نحو: أنت ممن أفضل؟ أو مضاف إلى استفهام نحو: أنت مِن غلام مَن أفضلُ؟ هذا مثلما سبق أول في باب ظن .. المعلقات هناك، الاستفهام هو نفسه أو أن يضاف نكرة إلى اسم استفهام، فيأخذ حكمه لو قيل: غلام من؟ نقول: هذا له صدارة الكلام؛ لأنه أضيف إلى اسم استفهام، سواء كان اسم استفهام بعينه .. بنفسه، أو كان مضافاً إلى اسم استفهام فيكون لهما الصدارة في الكلام. إذاً: أنت خير ممن؟ أنت خير من غلام من؟ كلاهما يجب التقديم على أفعل التفضيل. (فَلَهُمَا) الفاء واقعة في جواب الشرط، (لَهُمَا) أي: لـ (من) ومجرورها المستفهم عنه فالضمير عائد لهما، الضمير لَهُمَا عائد إلى (من) ومجرورها. إذاً الضمير في لَهُمَا عائد على (من) ومجرورها، فأما (من) فقد لفظ به: (وَإِنْ تَكُنْ بِتِلْوِ مِنْ) لفظ به، وأما مجرورها ما لفظ به، لم يلفظ بمجرورها، لكنه مأخوذ من مُسْتَفْهِمَاً، مستفهم اسم فاعل أنت، مُسْتَفْهِمَاً وصف لك لا للمجرور، لكن عرفنا أن المجرور اسم استفهام من قوله: مُسْتَفْهِمَاً؛ لأن الاستفهام إنما يكون باسم استفهام، إذاً لم يصرح بالمجرور وإنما هو مأخوذ من قوله: مُسْتَفْهِمَاً. وأما مجرورها فمفهوماً من قوله: مُسْتَفْهِمَاً، أو يرجع الضمير إلى (تِلْوِ مِنْ) المضاف والمضاف إليه، يعني يحتمل أنه راجع إلى تِلْوِ مِنْ مع الاستفهام، وإما أنه راجع إلى مُسْتَفْهِمَاً من حيث المعنى، وهذا أحسن. (فَلَهُمَا كُنْ أَبَداً) كن أنت. (مُقَدَّمَا) هذا خبر كُنْ، وأَبَداً منصوب على الظرفية، واسم كُنْ ضمير مستتر تقديره أنت وجوباً؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام. (كَمِثْلِ مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ)، (مِمَّنْ) (مِنْ) حرف جر، ومَنْ هذا اسم استفهام، وأَنْتَ مبتدأ وخَيْرٌ خبر. وأصل التركيب: أَنْتَ خَيْرٌ مِمَّنْ، فقدم الجار والمجرور لأن المجرور مستفهم به، فهو اسم استفهام وله حق الصدارة في الكلام. وعقب عليه الأشموني بأنه لا يتقدم على المبتدأ، وإنما يتقدم على أفعل التفضيل فقط، لماذا؟ لأنك إذا قلت: مِمَّنْ أَنْتَ خَيْرٌ، ممن هذا معمول، وخيرٌ عامله، وأنت هذا فاصل بين المعمول وعامله، هل هو أجنبي أم لا؟ أجنبي، لا شك أنه أجنبي، ولا يجوز الفصل بين المعمول وعامله بأجنبي، ولذلك قال: الأصوب أن يقال: أَنْتَ مِمَّنْ خَيْر؟ لكن يرد الإشكال أنه لم يتقدم على الجملة، فالمسألة محل نظر.

(وَلَدَى إِخْبَارٍ التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا): (التَّقْدِيمُ) هذا مبتدأ ووَرَدَا الألف هذه للإطلاق والجملة خبر، ونَزْراً هذا حال من الضمير المستتر في وَرَدَا. (وَلَدَى إِخْبَارٍ) لَدَى بمعنى: عند، ولها متعلق، وَلَدَى التقدير: والتقديم ورد نزراً لدى إخبارٍ-رتب الجملة-، إذاً يكون حقه التأخير عن وَرَدَا، فيكون متعلقاً به، وعند إخبار وردا، حينئذٍ نقول: متعلق بقوله: وردا؛ لأن حق الكلام هكذا: والتقديم ورد نزراً لدى إخبار، حينئذٍ صار متعلقاً به. الإخبار مقابل للإنشاء، والاستفهام نوع من الإنشاء. إذاً: إذا كان التقديم واجباً في الأول، فإذا كان دخول (من) على غير استفهام فالأصل وجوب التأخير، فإذا تقدم حكمنا عليه بأنه نزرٌ كما حكم الناظم هنا أو نحكم عليه بأنه ضرورة وشاذ. إذاً: يجب التقديم إذا دخلت (من) على واجب التصدير كالاستفهام، وأما الخبر مثل زيد أكرم من عمروٍ، (من عمروٍ) لا يجوز أن يتقدم، نقول: زيدٌ من عمروٍ أكرم، أو من عمروٍ زيدٌ أكرم .. نقول: هذا فاسد لا يصح، فإن جاء في نظم الكلام حينئذٍ حكمنا عليه بأنه ضرورة أو شاذ. والناظم هنا قال: (نَزْراً) يعني: قليلاً، وفي التوضيح أنه ضرورة عند الجمهور. (وَلَدَى) يعني: عند (إِخْبَارٍ) هذا مقابل لقوله: مُسْتَفْهِمَاً. (التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا) أي أن المجرور بـ (من) المذكورة إذا كان خبراً أي غير استفهام لزم تأخيره عن أفعلِ التفضيل؛ لأنه بمنزلة الفاعل، فمحله التأخير وقد يتقدم عليه بقلة كما قال الناظم، والجمهور على أنه ضرورة. قال الشارح: تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجرداً جيء بعده بـ (من) جارةٍ أو جارةً -يجوز الوجهان- للمفضل عليه نحو: زيدٌ أفضلُ من عمروٍ، ومن ومجرورها معه بمنزلة المضاف إليه من المضاف. يعني: أفضلُ من عمروٍ، كأنه عندنا مضاف ومضاف إليه، كأنه وليس هو مضاف ومضاف إليه، وسبق أن المضاف إليه لا يتقدم على المضاف، كذلك من عمروٍ لا يتقدم على أفعل التفضيل؛ لأنه بمنزلة المضاف إليه فلا يجوز تقديمه. فلا يجوز تقديمهما عليه كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف، إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام أو مضافاً إلى اسم استفهام، فإنه يجب حينئذٍ، إذ الاستفهام له حق الصدارة في الكلام. فإنه يجب حينئذٍ تقديم (من) ومجرورها نحو: ممن أنتَ خيرٌ، ومن أيهم أنتَ أفضل، ومن غلام أيهم أنتَ أفضل، وقد ورد التقديم شذوذاً في غير الاستفهام. إذاً: (نَزْراً) لم يوافق عليه ابن عقيل، وهذا هو الظاهر أنه شاذ. وإليه أشار بقوله: (وَلَدَى إِخْبَارٍ التَّقْدِيمُ نَزْراً وَرَدَا) ومن ذلك قوله: فَقَالَتْ لَنَا: أَهْلاً وَسَهْلاً وَزَوَّدَتْ ... جَنَى النَّحْلِ بَل مَا زَوَّدَتْ مِنْهُ أَطْيَبُ (مِنْهُ أَطْيَبُ) أطيب منه، قدم منه وهو جار ومجرور متعلق بقوله: أطيب على أفعل التفضيل وهو شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، وإنما يقاس إذا كان استفهاماً. وقول ذي الرُّمة يصف نسوة بالسمن والكسل: وَأَنْ لاَ شَيْءَ مِنْهُنَّ أَكْسَلُ .. أكسل منهُنَّ، نقول: هذا مقدم عليه. إَذَا سَايَرَتْ أَسْماءُ يَوْماً ظَعِينَةً ... فأسْمَاءُ مِن تِلكَ الظَّعِينَةِ أَمْلَحُ

أَمْلَحُ مِن تِلكَ الظَّعِينَةِ، قدمه، فنقول: هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه. ونقف على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

88

عناصر الدرس * عمل أفضل التفضيل ومسألة الكحل * شرح الترجمة. النعت. ـ * حد التابع وعدده وعامله * حد التعت وفوائده. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فلا زال الحديث في باب: أَفْعَلِ التَّفْضِيْلِ. وقفنا عند آخر مسألة وهي: هل يرفع أفعل التفضيل الاسم الظاهر أم لا؟ أجمعوا على أن أفعل التفضيل يرفع الضمير المستتر، هذا في جميع لسان العرب .. لغات العرب أنه يرفع ضميراً مستتراً، فإذا قلت: زيدٌ أعلمُ من محمدٍ أو من بكرٍ، حينئذٍ أعلمُ هذا خبر وأفعل التفضيل، وفيه ضمير مستتر يعود إلى المبتدأ، لماذا؟ لأن أفعل التفضيل قلنا: هذا صفة، صفة معناها أنها مشتقة، فإذا كان كذلك فيها شبه بالفعل، حينئذٍ الضمير يكون مستتراً فيها يرجع إلى سابقه. إذاً: أجمعوا على أنه يرفع الضمير المستتر وهذا عام في جميع اللغات، وهل يرفع الظاهر أم لا؟ وإذا رفع الظاهر هل يرفع الظاهر مطلقاً أو في بعض المواضع؟ هذا فيه خلاف عن العرب، فبعضهم يرفعه به مطلقاً، ويقول: مررتُ برجلٍ أفضلَ منهُ أبوهُ، مررتُ برجلٍ: مررتُ فعل وفاعل، وبرجلٍ اسم مجرور، وأفضلَ بالفتح على أنه صفة ممنوع من الصرف، أفضلَ منه أبوه، فتخفض أفضل بالفتحة على أنه صفة لرجل، وترفع الأب على الفاعلية، مررتُ برجلٍ أفضلَ، أفضلَ هذا صفة مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف، وأبوه هذا فاعل مرفوع به، وهذا قليل .. لغة قليلة حكاها سيبويه، وأكثرهم يوجب رفع أفضل في ذلك على أنه خبر مقدم وأبوهُ مبتدأ مؤخر، يعني: يقول: مررت برجل أفضلَ؟ لا، أفضلُ منه أبوه، فصار أفضلُ هذا خبر مقدم، وأبوهُ مبتدأ مؤخر بالرفع، إذاً: إذا فُتح صار أبوهُ مرفوعاً بأفضل، وإذا رفع حينئذٍ صار خبراً مقدماً وأبوه مبتدأ مؤخر، وفاعِلُ أفعَل حينئذٍ يكون مستتراً عائداً عليه، يعني: إذا رفعنا أفضلُ منه أين فاعل أفعل التفضيل أفضل؟ نقول: ضمير مستتر يعود على السابق، وأكثر العرب لا يرفعون بأفعل الاسم الظاهر إلا في مسألة واحدة التي عنوَن لها الناظم هنا: كَلَنْ تَرَى فِي النَّاسِ مِنْ رَفِيقِ: وبعضهم يعنون لها بمسألة الكُحْل، وهذا سيأتي في الشرح.

إذاً: الأصل في أفعل التفضيل أنه لا يرفع إلا ضميراً مستتراً، ولا يرفع اسماً ظاهراً ولا ضميراً بارزاً إلا ما حُكي في لسان العرب من قلة، بعضهم حكم عليها بالشذوذ، فحينئذٍ نقول: لا يرفع الاسم الظاهر ولا الضمير البارز إلا شذوذاً، ولذلك الناظم قال: وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ قليل، ويحتمل أنه أراد بـ نَزْرٌ هنا أنه شاذ، وسواء كان قليلاً أو نزراً أو شاذاً لا يقاس عليه لضعفه. حكى سيبويه مررتُ برجلٍ أكرمَ منهُ أبوهُ على الطريقة السابقة التي ذكرناها، فأما رفعه الضمير المستتر فلأن العمل فيه ضعف لا يظهر أثره لفظاً فلا يحتاج إلى قوة العامل؛ لأنه قد يقال: لماذا رفع ضميراً مستتراً، ولم يرفع اسماً ظاهراً أو ضميراً بارزاً وكلٌ منهما فاعل؟ نقول: فرق بين الضمير المستتر وبين الاسم الظاهر، أما الضمير المستتر فرفعه لأن العمل فيه ضعيف لا يظهر أثره لفظاً، يعني: العمل في أفعل التفضيل .. لأنه لا يحمل على الفعلِ ولا يحمل على اسم الفاعل؛ لكونه لا يؤنث ولا يفرد ولا يثنى ولا يجمع كما سبق في باب الصفة المشبهة، حينئذٍ له قوة أن يرفع الضمير المستتر، وهو في نفسه ضعيف، إذاً: لا يقوى على رفع الاسم الظاهر، وأما الضمير المستتر فلا يحتاج إلى قوة العامل، وأما عدم رفعه الظاهر فلأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل، من جهة أنه في حال تجريده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، وهذا إذا لم يحسن أن يقع موقعه فعلٌ بمعناه، وأما إذا كان كذلك فهي التي قال فيها الناظم: وَمَتَى عَاقبَ فِعْلاً فَكَثِيراً ثَبَتَا إذاً: يكون قليلاً أو شاذاً أو نزراً إذا لم يصلح أن يقع في محله فعلٌ، حينئذٍ العمل .. رفع الاسم الظاهر يكون شاذاً. وأجمعوا على أنه لا ينصب المفعول به مطلقاً .. بالإجماع، أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به، هذا أمرٌ مجمع عليه، لماذا؟ لأن ما نصب من المشتقات إنما حمل على اسم الفاعل، واسم الفاعل إنما نصب لكونه حمل على الفعل مباشرة، إذاً: هذه لا تشبه اسم الفاعل التي هي أفعل التفضيل، حينئذٍ نقول: لا ينصب المفعولَ به وهذا أمر مجمع عليه. وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ، نَزْرٌ يعني شاذ، ورَفْعُهُ: مبتدأ، وهو مضاف إلى فاعله، والضمير هنا يعود إلى أفعل التفضيل، والظَّاهرَ مفعول به للمصدر ونَزْرٌ هذا خبر، والمراد به أنه شاذ، وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ، ومراده بالظاهر هنا المصرح الملفوظ به، حينئذٍ يشمل الاسم الظاهر كأبوهُ مثلاً أو الضمير البارز؛ لأنه ظاهر كما سبق في حكم الفاعل هناك، وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ المراد به المصرح به، فيشمل الضمير البارز المنفصل كما يدخل فيه نحو: زيد وأبوه، وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ، ثم قال: هذه لغة، قلنا قليلة وهي شاذة، واللغة الكثيرة التي عليها الاعتماد في لسان العرب، ويمكن القياس عليها، بل هو مطرد: وَمَتَى عَاقبَ فِعْلاً فَكَثِيراً ثَبَتَا مَتَى هذا اسم شرط ظرف معلق بـ عَاقبَ، عَاقبَ فعلٌ ماضي فعل الشرط، وفِعْلاً: عَاقبَ هو، أي: أفعل التفضيل، فِعْلاً: مفعول به، فَكَثِيراً ثَبَتَا: الفاء واقعة في جواب الشرط، وثَبَتَا الألف للإطلاق وكَثِيراً هذا حال من الضمير المستتر في ثَبَتَا.

إذاً: إذا صح أن يحل محل أفعل التفضيل فعلٌ وصح التركيب حينئذٍ صح أن يرفع فاعلاً، لكن هذه اللغة لجميع العرب، وهي أن أفعل يرفع الظاهر، ولكن ذلك مشروط بأن يكون معاقباً لفعلٍ. قال الشارح: لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه أوْ لا. إما أن يصلح أن يقع في محله فعل من جنسه: أفضل، يفضلُ، أحسن يحسنُ، أكرمَ يكرمُ من جنسه. أولى، فإن لم يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهراً، وإنما يرفع ضميراً مستتراً، نحو: زيدٌ أفضلُ من عمروٍ، أفضل فيه ضمير مستتر يعود على زيد. ففي أفضل ضمير مستتر عائد على زيد، فلا تقل: مررت برجل أفضلَ منهُ أبوهُ بفتح أفضلَ إلا على الرفع فيجوز على أنه خبر مقدم، وأبوه مبتدأ مؤخر. حينئذٍ تكون الجملة في محل خفض، وإذا كان كذلك حينئذٍ إذا فتحنا أفضلَ صار فيه ضمير مستتر أو لا؟ إذا قلنا: برجلٍ أفضلَ منهُ أبوهُ، بأفضلَ، هل فيه ضمير مستتر أو لا؟ ليس فيه ضمير، لماذا؟ لأن أبوه هو الفاعل، طيب. إذا رفعنا على التصحيح أفضلُ منهُ أبوهُ، فيه ضمير مستتر أو لا؟ في ضمير مستتر، حينئذٍ في المثال الأول أفضلَ لم يتحمل أفضلَ ضميراً مستتراً، وفي الثاني صار متحملاً لضمير مستتر، في الأول –أفضلَ- صار النعت بالمفرد: برجلٍ أفضلَ، أفضلُ منهُ أبوه النعت صار جملة اسمية، أفضلُ منهُ أبوهُ، مبتدأ وخبر في محل خفض صفة لرجل. فترفع أبوهُ بأفضلَ إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه، فإن صلح لوقوع فعل بمعناه موقعه صح أن يرفع ظاهراً قياساً مطرداً، لكن ذلك مشروطٌ بماذا؟ وذلك في كل موضع وقع فيه أفعلُ بعد نفيٍ أو شبهه، وكان مرفوعه أجنبياً مفضلاً على نفسه باعتبارين، هذه ثلاثة شروط ويزاد عليها اشرط رابع: أن يكون أفعل صفة لاسم جنس، بهذه الشروط الأربعة صح أن يرفع اسماً ظاهراً على أنه فاعلٌ له، وإذا تخلف واحد منها، حينئذٍ رجعنا إلى الأصل، وهو أنه شاذٌ أن يرفع به الاسم الظاهر. أن يرفع ظاهراً قياساً مطرداً، في كل موضع وقع فيه أفعل بعد نفي أو شبهه، شبه النفي هو الاستفهام والنهي. قال في شرح التسهيل: لم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعلَ إلا بعد نفي, يعني: لم يسمع في لسان العرب .. طبعاً هذا استثناء، يعني: إذا قيل: بأن أفعل التفضيل رفع اسماً ظاهراً، هذا صار خروجاً عن القياس، وإذا كان كذلك حينئذٍ اللفظ الذي سُمع أو التركيب الذي سُمع يستنبط منه الشروط، ثم لا يقاس عليه غيره، فيقال: الذي سُمع هو بعد نفي، لكن جاء في لسان العرب أنه يعامل شبه النفي مقام النفي، كما سبق في باب كان وأخواتها .. تفتأ وزال ونحوها. قال: لم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعل إلا بعد نفي .. ثم قال: ولا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي, يعني: من باب الاستحسان، ولذلك قالوا: نفي أو شبهه، المراد بشبه النفي الاستفهام الذي فيه معنى النفي وكذلك النهي، كقوله: لاَ يكُنْ غيرُكَ أَحبَّ إِليهِ الخَيرُ مِنْهُ إِلَيكَ، وهَلْ فِي النَّاسِ رَجُلٌ أَحقُّ بهِ الحمدُ مِنهُ بمُحْسِنٍ لاَ يَمُنُّ؟ هذان مثالان لشبه النفي على ما ذكره ابن مالك في شرح التسهيل.

إذاً: كل موضع وقع فيه أفعلُ بعد نفي أو شبهه .. هذا الشرط الأول، والثاني: كان مرفوعه أجنبياً، سبق أن الأجنبي والذي لا يعتبر أجنبياً العبرة فيه بالضمير، إن كان مجرداً عن الضمير قيل بأنه أجنبي، وإذا كان متلبساً بضمير هو مباشرة أو مضاف إلى ما فيه ضمير يعود إلى الموصوف حينئذٍ قلنا: هذا ليس بأجنبي، وهنا اشترط أن يكون مرفوعه أجنبي، بمعنى: أنه ليس متلبساً بضمير يعود على الموصوف، فإن تلبس بضمير، حينئذٍ قلنا: المسألة ليست مستكملة للشروط. وكان مرفوعه أجنبياً، يعني: غير ملابس لضمير الموصوف، أي: غير عائدٍ على المفضل. الثالث: مفضلاً على نفسه باعتبارين، يعني: الفاعل الذي رفعه أفعلُ التفضيل يكون هو متحد الذات، ثم له حلان، في حال أفضلُ منه في حال أخرى، سبق أن المفضل والمفضل عليه لابد وأن يكونا ذاتين، يعني: منفصلين لا يكونا متحدين، هذا استثناء مما سبق، وهذا مما أضعف المسألة، حينئذٍ ننظر فيه كالمثال الذي ذكره: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَحْسَنَ فيِ عَيْنِهِ الكُحْلُ مِنْهُ في عَيْنِ زَيْدٍ، مَا: هذا نفي، رَأَيْتُ رَجُلاً: رَجُلاً هذا اسم جنس، أَحْسَن نعت له، فيِ عَيْنِهِ: متعلق بقوله: أَحْسَنَ، أَحْسَنَ هو أفعل التفضيل، والكُحْلُ هو الاسم الظاهر الذي رفعه أحسن، نحن نقول: الاسم الظاهر الذي يرفعه أحسن، أو أفعل التفضيل يكون مفضلاً على نفسه باعتبارين، حينئذٍ "الكحل في عين زيد أفضل منه في عين غيره"، الكحل هو هو، الكحل لو وضعه زيد في عينه أجمل وأحسن من الكحل نفسه لو وضعه آخر.

إذاً: المفضل والمفضل هو الكحلُ، لكن باعتبارين: فضلتَ كحلاً على كحلٍ، كحلاً في عين زيد على كحلٍ في عين عمروٍ مثلاً، والمفضل والمفضل عليه هو الكحلُ نفسه، يعني: النظر إلى الكحل لا إلى العين، وإنما الكحلُ نفسه، نقول: هذا مفضل باعتبارين، هو ذات واحدة، لكن نظر فيها إلى جهتين: كونه في عين رجلٍ وفي عين زيدٍ، ولذلك قيل: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحلُ منه في عينِ زيدٍ، الكحل هذا مفضل في عينِ زيد، ومفضل عليه في عينِ غير زيدٍ، إذاً: عينان، عين زيد وعين غيره، هو في عينِ زيد أفضل من عينِ غيره، بقطع النظر عن غيره، هذا مبالغة في الحسن، أنه لا يوازيه أحد؛ لأن الكحل جمال وزينة، إذاً: مفضلاً على نفسه باعتبارين، يعني: بين ذات واحدة باعتبار حالين، وعبارتهم موهمة التي هي: مفضلة على نفسه باعتبارين، والأولى أن يقال: ذاتٌ واحدة باعتبار حالينِ، يعني: الكحلُ في عين زيد والكحلُ في عين غيره، والكحلُ هو الكحلُ، هو المفضل والمفضل عليه، إذاً: هذه ثلاثة شروط، إن وجدت حينئذٍ نقول: استوفت المسألة شروطها، زاد بعضهم قيداً، وهو أن يكون أفعل صفة لاسم جنس ليكون أفعل التفضل معتمداً عليه، ولم يكف النفي كما في اسم الفاعل؛ لأنه لم يقو قوته، ولهذا لا ينصب المفعول به بخلاف اسم الفاعل، وإنما اشترطوا النفي ليكون أفعل التفضيل بمعنى الفعل فيعمل عمله، كل هذه كما ذكرناه سابقاً؛ كل ما كان فرعاً في العمل لابد من شروط من أجل أن تقربه إلى الفعل، كاشتراط النفي واشتراط أن يكون مفضلاً على نفسه باعتبارين، وأن يكون مرفوعه أجنبي .. كل هذا من أجل أن يقرب من الفعل، وإلا الأصل عدم العمل. إذاً: اشتراط النفي ليكون أفعل التفضيل بمعنى الفعلِ فيعمل عمله، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَحْسَنَ فيِ عَيْنِهِ الكُحْلُ مِنْهُ في عَيْنِ زَيْدٍ، إذاً: الكحلُ هو المرفوع .. هو الاسم الظاهر، وهنا أفعل التفضيل عَاقبَ فِعْلاً، يعني: صلح أن يقع في محله فعلٌ، أحسنُ ... يحسُنُ، ما رأيتُ رجلاً يحسنُ في عينه الكحلُ منه في عين زيد صح التعبير وصح التركيب، فالكحلُ مرفوع بأحسن لصحة وقوع فعلٍ بمعناه موقعه. نحو: ما رأيتُ رجلاً يحسن في عينه الكحلُ كزيدٍ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: {ما من أيامٍ أحبَّ إلى الله فيها الصومُ}، أحبَّ الصومُ، الصوم هذا فاعل، ورافعه أحب، وهو اسم تفضيل، هنا الصومُ مفضلٌ على نفسه في حالين، الذات واحدة، الصيام في هذه الأيام أفضل من الصيام في غيرها، إذاً: أيامٌ وأيام والصومُ هو المفضل باعتبار حالين، إيقاع الصومِ في هذه الأيام العشر أحبُّ من إيقاعها في غيرها، فالصوم هو عينه، كالكحل الذي في عين زيد وغيره. وقول الشاعر .. أنشدهُ سيبويه: مَرَرْتُ عَلَى وَادِي السِّبَاعِ وَلاَ أَرَى ... كَوَادِي السِّبَاعِ حِينَ يُظْلَمُ وَادِيَا أَقَلَّ بِهِ رَكْبٌ أَتَوْهُ تئيةً ... وَأَخْوَفَ إِلاَّ مَا وَقَى اللهُ سَارِيَا فـ (رَكْبٌ) مرفوع بـ (أَقلَّ). فقول المصنف: وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ إشارة إلى الحالة الأولى التي انتفى منها شرط من الشروط السابقة، وَمَتَى عَاقبَ فِعْلاً فَكَثِيراً ثَبَتَا.

قال ابن هشام: والأصل: أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين؛ -هذا مهم في المسألة-، الأصل أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين: أولهما للموصوف، وثانيهما للظاهر، كالمثال الذي ذكرناه: ما رأيتُ رجلاً أحسنَ في عينهِ الكحلُ منه، انظر الكحلُ هو الفاعل، سبقه "في عينه" ضمير، وجاء بعده "منهُ" ضمير. إذاً: وقع بين ضميرين، والأصل أن يقع هذا الظاهر بين ضميرين: أولهما للموصوف: في عينهِ .. رجلاً، وثانيهما: للظاهر .. منهُ أي: الكحلُ، وقد يحذف الضمير الثاني، وتدخل (من) إما على الاسم الظاهر، أو على محله، أو على ذي المحل؛ فتقول: من كحلِ عين زيد، ما رأيتُ رجلاً أحسن في عينهِ الكحلُ من كحل عينِ زيدٍ، يعني: حذفت الضمير منه، منه احذف الضمير، فتقول: من عينِ زيدٍ. أو من عينِ زيدٍ، أو من زيدٍ؛ فتحذف مضافاً أو مضافين، المراد: أنه قد يحذف الضمير الثاني، فتحذف مضافاً أو مضافين، وقد لا يؤتى بعد المرفوع بشيء؛ لا يأتي بعد المرفوع شيء البتة، الكحلُ ويكتفى به: ما رأيتُ كعينِ زيدٍ أحسن فيها الكحلُ، وقالوا: ما أحدٌ أحسنُ به الجميل من زيدٍ، والأصل: ما أحدٌ أحسنُ به الجميل من حسن الجميل بزيدٍ، ثم إنهم أضافوا الجميل إلى زيدٍ لملابسته إياه، ثم حذفوا المضاف؛ ومثله في المعنى مثال الناظم الذي ذكره .. البيت الثاني: والأصل ولاية الفضل بالصديق، ثم من فضل الصديق ثم من الصديق. كَلَنْ تَرَى فِي النَّاسِ مِنْ رَفِيقِ ... أَوْلَى بِهِ الْفَضْلُ مِنَ الصِّديقِ كَلَنْ: الكاف هذه داخلة على محذوف كقولك: لَنْ حرف نفي، إذاً وقع نفياً، سبق الكلام نفي هذا أول الشروط. تَرَى فِي النَّاسِ، تَرَى أنتَ فِي النَّاسِ هذا متعلق بترى، مِنْ رَفِيقِ ترى رفيقاً، من زائدة دخلت على مفعول ترى، مِنْ رَفِيقٍ هذا اسم جنس، إذاً: تقدم، رفيق نكرة اسم جنس، أَوْلَى: هذا أفعل التفضيل، يقع نعت لرفيق، مِنْ رَفِيقِ أَوْلَى، أَوْلَى نعت لرفيق، أَوْلَى بِهِ: بِهِ جار ومجرور متعلق بأولى، والضمير يعود إلى الرفيق، الْفَضْلُ هذا فاعل أولى. إذاً: أَوْلَى هنا رفع اسماً ظاهراً، استوفى الشروط أو لا؟ نعم، استوفى الشروط: أولاً: تقدمه نفي، ثانياً: قال: الْفَضْلُ هذا أجنبي لم يتلبس بضميرٍ يعود إلى الموصوف، ثالثاً: تقدمه اسم جنس "رفيق"، رابعاً: مفضلٌ هو ذاتٌ واحدة، مفضلٌ على نفسه باعتبارين: الفضلُ في الصديق هذا أولى من الفضل في غيره، لو نظرنا إلى الفضل نفس الفضل عين الفضل من حيث هو وجوده في الصديق هذا أولى من وجوده في غيره، أَوْلَى بِهِ الفَضْلُ مِنَ الصَّدَّيقِ، مِنَ الصَّدَّيقِ جار ومجرور متعلق بأولى، والأصل: أَوْلَى بِهِ الفَضْلُ مِنَ الصَّدَّيقِ، والشروط تامة وهو: تقدُّم النفي وهو لن، والفاعل الأجنبي من الموصف، وهو مفضل على نفسه باعتبار محلين.

يعني: الفضل محله أبو بكر، الصديق المراد به أبو بكر، وغير أبي بكر هذا محل للفضل، فالفضلُ ننظر إليه باعتبارين، الفضل نفسه، مفضل ومفضل عليه، ننظر للفضل باعتبار كونه في أبي بكر والفضل في غيره، لا شك أنه أولى في أبي بكر، فالمنظور إليه هو الفضل من حيث هو، ثم ننظر إلى المحلين: أبي بكر وغيره، إذاً: فضل شيء الذات واحدة، هذا خلاف الأصل، الأصل في التفضيل أن يكون ثم ذاتين: زيدٌ أكرمُ من عمروٍ، لابد زيد وعمرو كلٌ منهما مباين للآخر، لكن إذا اتحدا زيدٌ أكرم من زيد هذا لا يصلح، اتحاد المحل نقول: هذا فاسد .. يفسد أفعال التفضيل؛ لأن المراد بها اشتراك وزيادة، اشتراك في أصل الوصف مع الزيادة، وهنا ليس فيه ذلك، ولكن هذه المسألة مستثناة يعني: خروج عن أصل، ولذلك قيدت بهذه الشروط، فإذا انتفى منها شرط، حينئذٍ نقول: لا يجوز الرفع. كَلَنْ تَرَى فِي النَّاسِ مِنْ رَفِيقِ ... أَوْلَى بِهِ الفَضْلُ مِنَ الصَّدَّيقِ إذاً: الخلاصة نقول: أصله تغاير المفضل والمفضل عليه ذاتاً، وهنا اتحدا ذاتاً فحصل في معناه التفضيلي ضعفٌ، ولذلك اشترطت الشروط السابقة. الخلاصة نقول: أفعل التفضيل يرفع ضميراً مستتراً بإجماع .. محل وفاق، ولا ينصب مفعولاً به بإجماع، وهل يرفع اسماً ظاهراً أم لا؟ أكثر العرب: لا؟ أنه لا يرفع، وإن رفعوا به اسماً ظاهراً فحينئذٍ قيدوه بشروطٍ لأنه خارج عن الأصل، ولذلك نظر الناظم إلى شرطٍ واحد، وهو أهمها: وَمَتَى عَاقبَ فِعْلاً فَكَثِيراً ثَبَتَا هذا الأصل لابد منه، ثم بقية الشروط مأخوذة من المثال كعادته رحمه الله يذكر المثال ومن المثال نأخذ الأحكام. قال في شرح الكافية: أجمعوا على أنه لا ينصب المفعولَ به، فإن وجد ما يوهم جواز ذلك جُعل نصبه بفعل مقدر يفسره أفعل، نحو: ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) [الأنعام:124] ذكرنا هذا مراراً، الله أَعْلَمُ: أَعْلَمُ حَيْثُ، حَيْثُ ظاهرها أنها مفعول به لأعلم، فحينئذٍ نقول: لا، الله أَعْلَمُ .. يعلم حيثُ، فحيث هذا إن صح أنها مفعول به، وإن سبق معنا أنها ملازمة للظرفية المكانية ولا تخرج عنها .. لا تتصرف، فحينئذٍ على مثال الناظم هنا وَالشَّأنُ لاَ يُعتَرضُ المثَالُ: ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ)) [الأنعام:124]، يَعْلَمُ حَيْثُ، فحيث هذه منصوبة مفعول به لفعل مقدر، يفسره أعلم، لماذا لا ينصب بأعلم نفسها؟ لأن أعلم لا تنصب مفعولاً به؛ لأن الذي ينصب إما أن يكون اسم فاعل أو محمولاً على اسم الفاعل، إما أن يكون اسم فاعل واسم الفاعل يكون محمولاً على الفعل، وإما أن يكون محمولاً على اسم الفاعل، أفعل التفضيل لا هذا ولا ذاك، ((اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) [الأنعام:124]، فحيثُ هنا مفعول به لا مفعول فيه، وهو في موضع نصب بفعل مقدر يدل عليه أعلم.

وقال أيضاً -في تعدية أفعل التفضيل بحروف الجر-: وجملة القول في ذلك: أن أفعل التفضيل إذا كان من متعدٍ بنفسه دالٍ على حبٍّ أو بغضٍ عُدِّى باللامِ إلى ما هو مفعول في المعنى، وبإلى إلى ما هو فاعل في المعنى، نحو: المؤمن أحبُّ للهِ من نفسهِ، هذا تعدى إلى ما هو مفعول في المعنى، وهو أحبُّ إلى الله تعدى إلى الفاعل من غيره، وإن كان من متعدٍ بنفسه دالٍ على علمٍ عدي بالباء، نحو: زيدٌ أعرفُ بي وأنا أدرى بهِ، إذا كان متضمناً لمعنى العلم تعدى بالباء، وإن كان من متعدٍ بنفسهِ غير ما تقدم عُديَ باللامِ، نحو: هو أطلبُ للثأرِ وأنفع للجار، وإن كان من متعد بحرف جر عدي به لا بغيره، يعني: إذا كان مشتقاً مأخوذاً من فعل يتعدى بحرف جر عدي بهِ لا بغيره، نحو: هو أزهدُ في الدنيا، الزهُد يتعدى بـ (في)، هو أزهدُ في الدنيا وأسرع إلى الخيِر: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ)) [آل عمران:133]، وأسرع إلى الخيرِ، وأبعدُ من الإثمِ، وأحرصُ على الحمدِ، وأجدرُ بالحلمِ، وأحيدُ عن الخنى. حينئذٍ نقول: هذه أسماء التفضيل تعدت بحروف مختلفة، بناء على ماذا؟ بناء على الفعل الذي اشتق منه، إذا اختص الفعل بحرف يتعدى به، فإذا أخذنا منه أفعل التفضيل حينئذٍ عُديَ بمثل ذلك الحرف، ولفعل التعجب من هذا الاستعمال ما لأفعل التفضيل، نحو: ما أحبَّ المؤمن لله، وما أحبَّه إلى الله، وما أعرفهُ بنفسه، وأقطعهُ للعوائق، وأغظهُ لطرفه، وأزهدهُ في الدنيا، وأسرعهُ إلى الخير، وأحرصهُ عليه، وأجدرهُ به انتهى كلامه. وهذا فصل نفيس يكتب بماء الذهب، يفيدك في التفسير. قال رحمه الله تعالى: التَّوَابِعُ .. النَّعْتُ: يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ الاَسْمَاءَ الأُوَلْ ... نَعْتٌ وَتَوْكِيدٌ وَعَطْفٌ وَبَدَلْ التَّوَابِعُ جمع تابع، والتابع في اصطلاح النحاة: هو عبارة عن الكلمات التي لا يمسها الإعراب إلا على سبيل التبع لغيرها، هذا من حيث العلامة، يعني: لا يأتيها الإعراب ولا يمسها الإعراب إلا على جهة التبعية لغيرها، لماذا رفعناه؟ باعتبار متبوعه، لماذا نصبناه؟ باعتبار متبوعه، لماذا جررناه؟ باعتبار المتبوع، إذاً: لا يمسه الإعراب إلا باعتبار المتبوعِ على سبيل التبع لغيره. وأما في اصطلاحهم فالمراد بالتابع هو المشارك لما قبله في إعرابهِ مطلقاً، وقد حده ابن عقيل بهذا الحد، الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً، الاسم هذا جنس يشمل كل الأسماء سواءٌ شارك في الإعراب ما قبلها أو لا، وقوله المشارك لما قبله في إعرابه هذا يشمل سائر التوابع: النعت والتوكيد والعطف .. عطف البيان والنسق والبدل دخلت فيها؛ لأنها مشاركة لما قبلها في الإعراب، فالنعت مرفوع إن كان متبوعه مرفوعاً، ومنصوبٌ إن كان متبوعه منصوباً، ومخفوضٌ إن كان متبوعه مخفوضاً .. وهكذا الباقي.

إذاً: دخلت سائر التوابع، وكذلك دخل خبر المبتدأ؛ لأنه مشارك لما قبله في إعرابه: تقول: زيدٌ قائمٌ، زيدٌ: مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضمة، وقائمٌ خبره مرفوع ورفعه ضمة، أينما حل المبتدأ ومعه خبرٌ حينئذٍ يكون حكمُهُ حكمَهُ ما لم يدخل عليه ناسخ، حينئذٍ هل يكون الثاني تابعاً للأول، يصدق عليه أنه من التوابع؟ لا، نحن نقول: التابع هو الذي لا يمسه الإعراب إلا على سبيل التبع .. انتبه لهذا المعنى، حينئذٍ زيدٌ قائمٌ، قائمٌ هذا مرفوع، مثل المبتدأ، لا يوجد مبتدأ ولم يسبقه ناسخ ومعه خبر ليس بمرفوع، لا يوجد، إذاً: متابع له كما أنه لا ينفك النعتُ عن متابعة منعوته، جاء زيدٌ الفاضلُ مثلهُ، تغير زيد رأيتُ زيداً تغير معه الفاضل الفاضلَ، مررت بزيدٍ الفاضلِ يدور معه، إذا نُصِب نصب معه، إذا رفع رفع معه إذا خفض خفض معه مثله الخبر. إذاً: من حيث كونه متابعاً مشاركاً لما قبله في الرفعِ فهو مثله، لكن قال: مطلقاً؛ لأن الخبر وإن شارك المبتدأ إلا أنه لا يشاركه مطلقاً؛ لأن المبتدأ قد يدخل عليه ناسخ فحينئذٍ ينفك الخبر من حيث الإعراب عن المبتدأ، زيدٌ قائمٌ كان زيدٌ قائماً انفك عنه، إن زيداً قائمٌ، إذاً: انفك ليس مطلقاً، بخلاف النعت، النعت لا يمكن أن يوجد النعت مرفوعاً والمنعوت منصوباً أو العكس، وإنما مثله في أي تركيب من تراكيب العرب فالنعت تابعٌ لمنعوته رفعاً ونصباً وخفضاً، وأما الخبر فلا، يُفصَّلُ فيه فيقال: الخبر إن لم يدخل ناسخٌ على المبتدأ فحكمهُ حكمهُ، وإن دخل عليه ناسخٌ فحينئذٍ لا، انفصل عنه، إذاً: ليس مطلقاً، كذلك الحال إذا قيل: رأيت زيداً راكباً، راكباً هذا مثل: جاء زيدٌ الفاضلُ ورأيتُ زيداً الفاضلَ، حينئذٍ نقول: النعت تابع لمنعوته في حالة النصب: رأيتُ زيداً الفاضلَ، فهو منصوب مثله، ورأيتُ زيداً فاضلاً، فاضلاً هذا حال .. مثله، هل هو تابع له مطلقاً، أو أنه في بعض التراكيب دون بعض؟ لا شك أنه الثاني، وإن كان مشاركاً لما قبله في إعرابه في حال نصب صاحب الحال، الحال نقول: شارك ما قبلهُ متى؟ إذا كان صاحب الحال منصوباً، إذاً: شاركهُ، لكن نقول: مطلقاً أخرجنا الحال، لماذا؟ لأن صاحب الحال لا يكون دائماً منصوباً، إذا قلت: رأيتُ زيداً راكباً، راكباً هذا حال، وهو مشارك لما قبله في الإعراب .. لصاحب الحال لكون كل منهما منصوباً. جاء زيدٌ راكباً، مررتُ بزيدٍ راكباً، بقي الحال منصوباً وصاحب الحال انتقل من النصب إلى الرفع، ومن الرفع إلى الخفض ولم ينتقل معه الحال. إذاً: ليس مطلقاً، شاركه في بعض الأحوالِ، وهو إذا كان صاحب الحالِ منصوباً، وفارقه فيما عدى ذلك، ومثله التمييز إذا كان صاحبهُ منصوباً فهو منصوبٌ مثله، لكن قد يكون مرفوعاً وقد يكون مجروراً والحكمُ حكمهُ.

إذاً: الاسم المشارك لما قبله في إعرابه، هذا دخل فيه سائر التوابع وخبر المبتدأ، نحو: زيدٌ قائمٌ، وحال المنصوب: ضربتُ زيداً مجرداً شاركه في إعرابه، ويخرج بقولك: مطلقاً الخبر وحال المنصوب، فإنهما لا يشاركان ما قبلهم في إعرابه مطلقاً، بل في بعض أحواله، وهو إذا كان صاحب الحال منصوباً، وأما في الرفع والخفض ففارقه، وكذلك الخبر إنما يشارك المبتدأ فيما إذا لم يدخل عليه ناسخ، وأما إذا دخل عليه ناسخ فلا. بخلاف التابع فإنه يشارك ما قبله في سائر أحواله من الإعراب، نحو: مررت بزيدٍ الكريمِ، ورأيت زيداً الكريمَ، مررتُ بزيدٍ الكريمِ هنا شاركه مطلقاً، ورأيت زيداً الكريمَ، مررتُ بزيدٍ الكريمِ، زيدٍ الكريمِ، الكريم هذا نعت، ومنعوته زيد، وهو مخفوضٌ مثله، كل منهما مخفوض، انتقل زيد صار منصوباً رأيتُ زيداً الكريم انتقل معه مباشرة، جاء زيدٌ الكريمُ، الكريمُ بالرفع لماذا؟ لأن منعوته مرفوع، إذاً: يدور معه رفعاً ونصباً وخفضاً.

إذاً: الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً، المشارك لما قبله في إعرابه نقول: مطلقاً لإخراج الخبر وحال المنصوب، وحال المنصوب يعني: دون حال المرفوع والمجرور؛ لأنه خارج لأنه غير مشارك، والتمييز كذلك مثله في حال النصب، بقي ماذا؟ يرد عليه شيء واحد التعريف هنا سبَّبَ خللاً له وهو تعدد الخبر، الخبر الثاني: وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا، الخبر الثاني يوافق السابق .. الخبر الأول مثلهُ، إذا كان مرفوعاً حينئذٍ صار مرفوعاً، وإذا كان منصوباً منصوباً، وإذا كان مخفوضاً مخفوضاً، هذا حلوٌ حامضٌ، هذا مبتدأ وحُلوٌ بضم الحاء، حُلوٌ فُعْلٌ .. حامضٌ، حلوٌ هذا خبر أول، وحامضٌ خبر ثاني، إن هذا حلوٌ حامضٌ، كان هذا حلواً حامضاً، ظننتُ هذا حلواً حامضاً .. معه يدور، الثاني مع الأول، أما الأول فيتغير، فنحن أخرجنا الأول فقط بقولنا: مطلقاً؛ لأنه مباين لما قبله غير مشارك له، لكن الثاني موافق للخبر الأول، فهو يدور معه رفعاً ونصباً، ولا يكون خفضاً، حينئذٍ تقول: هذا حلوٌ حامضٌ، حامضٌ هذا تابع للسابق مثله مرفوع، إذا رفع رفع، وإذا نصب نصب، لا يكون مرفوعاً وهو منصوب، ولا العكس، حينئذٍ نتحاج إلى إخراجه، ولذلك نقول: الأولى أن يعرف بأنه: المشارك لما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبرٍ، ولو زيد غير خبر على قوله مطلقاً لا إشكال، يعني: تقول: الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقاً غير خبرٍ، ما في إشكال، الحدود ليست توقيفية، وأما المشارك لما قبله في إعرابه الحاصل والمتجددِ غير خبر، معنى الحاصل المتجدد أنه كلما تغير الإعراب للسابق بسبب تغير التراكيب يتغير الاسم اللاحق بنفس ذلك التغير .. كما ذكرناه سابقاً، فخرج به ثلاثة أمور: خبر المبتدأ، إذ لو تغير المبتدأ بالنواسخ لم يتغير الخبر بنفس تغيره .. خرج به، لم يتغير بنفس تغيره بل بشيء مغاير، لو رفع: كان زيدٌ تغير الخبر، لكن لا بتغير المبتدأ، كان المبتدأ مرفوعاً والخبر مرفوعاً، زيدٌ قائمٌ، ثم قلت: كان زيدٌ قائماً، لم يتغير الخبر هنا بتغير المبتدأ، وخرج المفعول الثاني، فإنه لو تغير إعراب المفعول الأول بأن صار نائب فاعل، كما في: أُعطيَ زيدٌ درهماً، تغير الأول ولم يتغير المفعول الثاني، وخرج الحال المنصوب كما ذكرناه سابقاً. غير خبر: خرج به الخبر الثاني، فيما إذا تعددت الأخبار، نحو: الرمانُ حلوٌ حامضٌ، إذاً: التعريف هذا أجود من سابقه، وإن زيد على السابق مطلقاً غير خبر كذلك لا إشكال. قال الناظم: يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ الاَسْمَاءَ الأُوَلْ ... نَعْتٌ وَتَوْكِيدٌ وَعَطْفٌ وَبَدَلْ يَتْبَعُ: هذا فعل مضارع، فِي الإِعْرَابِ: جار ومجرور متعلق به، الأَسْمَاءَ: هذا مفعول به، الأُوَلْ: نعت له، نَعْتٌ: هذا فاعل يَتْبَعُ، يَتْبَعُ نَعْتٌ، وما عطف عليه: تَوْكِيدٌ وَعَطْفٌ وَبَدَلْ .. يَتْبَعُ في الإِعْرَابِ الأَسْمَاءَ الأُوَلْ السابقة، الأَسْمَاءَ الأُوَلْ أفاد قوله الأُوَلْ: أن هذه تكون تابعة، وأن المتبوع لا يتقدم على تابعهِ كما سيأتي.

يَتْبَعُ فِى الإِعْرَابِ: ما المراد بالإعراب؟ يعني: في الرفعِ والنصبِ والخفضِ، الأثر الظاهر .. أثرٌ ظاهرٌ أو مقدرٌ يجلبهُ العامل في آخر كلمة أو ما نزل منزلة الآخر، والأثر الظاهر قلنا: يكون حرفاً ويكون حركة، يكون وجوداً ويكون عدماً، يكون تقديرياً ولفظياً ومحلياً، هذه كلها داخلة في قوله: يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ أي: وجوداً وعدماً، قد يعدم الإعراب، مثل ماذا؟ أُورِد على الناظم هنا: يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ قامَ قامَ زيدٌ، لاَ لاَ أَبُوحُ بحِبِّ بَثْنَةَ ... )، قامَ قامَ زيدٌ، قام الأول فعل ماضي، وقامَ الثاني توكيد لفظي، هل أتبعه في الإعراب؟ ليس عندنا إعراب هنا، هنا بناء، ليس عندنا إعراب، لاَ لاَ أَبُوحُ، لا الثانية هذه توكيد، أين الإعراب؟ ليس عندنا إعراب. إذاً: يتبعه في الإعراب وجوداً وعدماً، لابد أن نوسع الدائرة، فنقول: الإعراب المراد به وجوداً وعدماً، ليدخل المبني فيما إذا أكد الفعل أو أكد الحرف، فتوكيد الفعل اللفظي بإعادته مرة ثانية .. إعادة اللفظ بعينه مرة ثانية، وكذلك إذا أعيد الحرف مرة ثانية نقول: هذا توكيد لفظي، الثاني من الفعل والحرف لم يتبع الأول في الإعراب؛ لأنه غير معرب. إذاً: يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ، الإعْرَابِ أي: وجوداً وعدماً؛ ليشمل: قامَ قام زيدٌ، ولاَ لاَ أَبُوحُ بحِبِّ بَثْنَةَ، ويشمل كذلك عطف النسق، إذا لم يكن للمعطوف عليه إعرابه كالجملة المستأنفة، العطف .. عطف النسق حينئذٍ نقول: هذا تابع لما سبق، الجملة المستأنفة قد يعطف عليها، حينئذٍ نقول: هذا ليس له محلٌ من الإعراب، المعطوف على ما لا محل له من الإعرابِ لا محل له من الإعراب، وكيف تبعه؟ نقول: لم يتبعه وجوداً، وإنما تبعه عدماً، إذاً: لابد من توسيع الدائرة. وعطف النسق إذا لم يكن للمعطوف عليه إعرابٌ كالجملة المستأنفة، وكذا المراد بالإعراب وما يشبه الإعرابَ، سيأتينا في باب المنادى هناك: يا زيدُ الفاضلُ، الفاضلُ هذه حركة بناء تابع لزيد، وزيدٌ مبني على الضم، فاضلُ بني أعطي حركة زيد، لكن هذه الحركة ليست حركة إعراب، وإنما هي حركة إتباع، هل يدخل فيه؟ نعم يدخل فيه، سيأتينا هذا بحثه. ويا سعيدُ كرزُ، كذلك بضم كرزُ. بضم الفاضلُ وكرزُ إتباعاً لضمة زيدُ وسعيدُ، فإن تبعيتهما في الضم لا في الإعراب. إذاً: الإعراب وجوداً وعدماً، الإعرابُ وما يشبههُ، والمراد كذلك ما يشمل الظاهر والمحلي والتقديري، فدخل نحو: هذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ هذا مثال مشهور، أكثر العرب على "خَرِبٌ" بالرفع، هذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، خَرِبٍ هذا نعت لـ (جُحْرُ)، هذَا مبتدأ، جُحْرُ خبر، وهو مضاف .. جُحْرُ ضَبٍّ مضافُ إليه، خَرِبٍ أكثر ما نقل "خَرِبٌ" بالرفعِ، لكن نقل كذلك بالخفضِ، حينئذٍ نقول: الإعراب تقديري، تبعه أو لا؟ هنا يرد السؤال يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ الأَسْمَاءَ الأُوَلْ، خَرِبٍ تبع جُحْرُ أم لا؟ تبعه. هذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، خَرِبٍ بالخفض، تبعه أم لا؟ تبعه، لكن باعتبار الإعراب التقديري، إذاً: الإعراب يدخل فيه جنس أنواع الإعراب، وهو المحلي والتقديري والظاهر.

يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ الاَسْمَاءَ، الاَسْمَاءَ سيأتي أن البدل .. وَيُبْدَلُ الْفِعْلُ مِنَ الْفعْلِ، سيأتي. إذاً: الناظم خص بكون الإتباع هنا يكون بالأسماء، هل هو احترازٌ عن الأفعال فلا يُتبع الفعلُ ولا يُتبع الحرفُ؟ لأنه سيأتي: قام قامَ زيدٌ، لا لا أبوحُ، أُتبع الحرف وأُتبع الفعلُ قام قامَ، هل هو تخصيص أو أغلبي؟ أغلبيٌ، إذاً: التوكيد والبدل وعطف النسق قد تتبع غير الاسم، وإنما خص الأسماء بالذكر لكونها الأصل في ذلك. يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ الأَسْمَاءَ الأُوَلْ: هذا فيه إشارة إلى منع تقديم التابع على المتبوعِ، وأجازه بعضهم؛ أجاز بعضهم تقديم الصفة على الموصوف، إذا كان لاثنين أو جماعةٍ، وقد تقدم أحد الموصوفينِ: قامَ زيدٌ العاقلانِ وعمروٌ، قامَ زيدٌ وعمروٌ العاقلانِ، هذا جاء على الأصل، هل يجوز أن يتقدم؟ جاء العاقلانِ زيدٌ وعمروٌ؟ لا، على الصحيح، وأجاز بعضهم، لكن بعضهم فصل، قال: إن وقع بين اثنين أو جماعة وهو نعت لهم أو لهما جاز وإلا فلا، وهذا ليس بصحيح فاسد هذا؛ لأن المنعوت كالشيء الواحد، جاء زيدٌ وعمروٌ العاقلانِ، العاقلان هذا نعت لزيد وعمرو، حينئذٍ صار المنعوت في المعنى كالشيء الواحد فلا يجزأ، لا يفصل بينهما، وهذا نقول: هذا فاسد. وأجاز الكوفيون تقديم المعطوف بشرطه وسيأتي معنا في عطف النسق أنه يجوز التقديم، والصواب أنه لا يجوز، نَعْتٌ وَتوْكِيدٌ وَعَطْفٌ والعطف يشمل اثنين: عطف البيان وعَطْفٌ النسق، والبدل، هل الترتيب مراد عند الناظم هنا؟ أم الترتيب باعتبار النظم: نَعْتٌ وَتوْكِيدٌ وَعَطْفٌ وَبَدَلْ؟ هو مشى على هذا، نعتٌ بوَّبَ النعت، ثم بوَّبَ للتوكيد، ثم عطف البيان، ثم عطف النسق، ثم البدل آخر باب، بهذا الترتيب، إذاً: جرى على ما سار عليه، لكن عند البيانيين ترتيب معين: إذا اجتمعت هذه كلها لا يقدم فيها التوكيد على النعت، لا تقدم يعني هكذا بالمزاج، وإنما تقدم ما هو أولى عندهم، وهذا سبق مراراً معنا في الجوهر المكنون وغيره. يُبدأ عند اجتماع التوابع بالنعتِ، ثم بعطف البيان، ثم بالتوكيد ثم بالبدل ثم بالنسق، هذا المشهور عند البيانين، وهذا مقررٌ عندهم، فيقال: جاء الرجلُ الفاضلُ أبو بكرٍ نفسهُ أخوكَ وزيدٌ، جاء الرجلُ: الرجل هذا خارج عن القسمة، الفاضلُ: نعته، أبو بكرٍ: عطف بيان، نفسهُ: توكيد، أخوكَ: بدل، وزيدٌ هذا عطف نسق، لكن هذا استحسان ليس على جهة الإيجاب.

والتابع على خمسة أنواع: النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل، واختلف النحاة في العامل في التابع، ما هو على خلاف طويل عريض. وللنحاة خلاف في العامل في التابع، فأما النعت والتوكيد وعطف البيان فمذهب الجمهور: أن العامل في كل واحد منهما هو العامل في المتبوع، النعت العامل في المتبوع هو العامل في النعت، هذا هو الصحيح، فإذا قلت: جاءَ زيدٌ الفاضلُ، جاءَ: فعلٌ ماضي، وزيدٌ فاعل، والفاضلُ هذا نعت لزيد مرفوع، ونعت المرفوع مرفوع، زيد مرفوع بماذا؟ بجاءَ، والفاضلُ مرفوع بماذا؟ بجاءَ أيضاً، هذا المراد بكون العامل في التابع هو العامل في المتبوع، أن: زيدٌ الفاضلُ، زيدٌ مرفوع بجاءَ، كذلك الفاضلُ مرفوع بجاء، هذا مراد الجمهور بكون العامل في التابع، هو عين العامل في المتبوع. إذاً: النعت والتوكيد وعطف البيان العامل متحد، الذي عمل في المتبوع هو العامل في التابع، هذا مذهب الجمهور. وذهب الخليل والأخفش: إلى أن العامل في كل واحدٍ منها تبعيته لما قبله؛ التبعية مشهورة عند النحاة، الآجرومية يذكرونها كثير، وهي عامل ضعيف لا يعول عليه؛ لأنها معنوي، وسبق أن العامل المعنوي، وهو ما لا حظ للسان فيه ضعيفٌ في أصله، ولولا أنه لم يوجد في المبتدأ إلا الابتداء والتجريد في باب الفعلِ لما قيل بهما، لكن أُلجئَ النحاة إلى القول بهما في هذين البابين من باب الضرورة .. ما يوجد عامل لفظي. فلا يعدل إلى العامل المعنوي إلا عند تعذر وجود العامل اللفظي -انتبه لهذا-، فالتبعية التي هي أمر معنوي، التبعية فعلك أنت، يعني: إذا قلت: جاءَ زيدٌ الفاضلُ، أنت ذكرت الفاضل من أجل أن يكون تابعاً لزيد، هذا هو العامل، هذا ضعيف، ولذلك نقول هناك: جعلك الاسم أولاً لتخبر عنه ثانياً، هو وصف لك أنت، العامل المعنوي في الأصل وصف لك أنت، وأنت شيء خارج عن اللفظ، العوامل منسوب إليها العمل وإن كانت هي أعراض، وإن كان الإنسان له حكاية أو له عمل في نفس العوامل، ولذلك ابن مضاء له رسالة في الرد على النحاة، يقول: فكرة العامل هذه خيالية، هذه خزعبلات لا أصل لها، لماذا؟ يقول: ما في شيء اسمه عامل ويعمل نصب ورفع، أنت إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، تستطيع تقول: إن زيداً قائماً، إن زيدٌ قائمٌ، إن زيدٍ قائمٍ .. أنت الذي تتحكم ليس العامل! يقول: ما في شيء اسمه عامل، إذا قلت: "إنَّ" هو عمل بنفسه كأنك جعلت له قوة وهو لفظ، هو حروف هواء لا يقدم ولا يؤخر، كيف تجعل له قوة ومعنى في نفسه، ثم يرفع وينصب؟ لا، لكن هذا جوابه سهل أن المسألة اصطلاحية فقط، نظرية العامل هذه مسألة اصطلاحية، وإلا في الأصل نعم صحيح، قد يتحكم الإنسان في: جاءَ زيداً، رأيتُ زيدٍ تستطيع تتحكم أنت. إذاً إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، أنت الذي نصبت وأنت الذي رفعت، و "إنَّ" هذه علامة لنصبك بعد إنَّ ولرفعك بعد إنَّ، كلام مقبول معقول؛ لكن قال المتأخرون بعد ابن مضاء كلامه لا يلتفت إليه، مع كون كلامه له وجاهة. إذاً: ذهب الخليل والأخفش إلى أن العامل في كل واحد منها هي تبعيته لما قبله، وهي أمر معنوي، وأما البدل فمذهب الجمهور أن العامل فيه محذوفٌ مماثل للعامل في المبدل منه.

وذهب المبرد: إلى أن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه، يعني: سوى بين الجميع، والصحيح هو أن العامل في البدلِ على نية تكرار العامل، بمعنى أن العامل ليس هو عين الأول خلاف السابق، جاءَ زيدٌ الفاضلُ، الفاضلُ قلنا: هذا مرفوع بجاء، العامل في المتبوع هو عين العامل في التابع، وأما في البدل فلا، فعلى نية تكرار العامل، إذا قلت: جاء زيدٌ أخوكَ، على أن أخوكَ بدل، كأنك قلت: جاء زيدٌ جاء أخوكَ؛ لأنه في الغالب أن المبدل منه في نية الطرح، فإذا كان في نية الطرح صار معرضاً عنه، وإذا صار معرضاً عنه لا يمكن أن يجمع بين البدل والمبدل منه في عاملٍ واحد، وهذا يأتي في المحل، والمراد هنا التعميم. أن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه .. هذا قول المبرد، واختاره ابن مالك، تسوية بينه وبين النعت، وأما عطف النسق: جاء زيدٌ وعمروٌ، فمذهب الجمهور: أن العامل فيه هو العامل في المعطوف عليه، لكنه عمل بواسطة حرف العطف: جاء زيدٌ وعمروٌ، عمروٌ مرفوع، ما الذي رفعه؟ نقول: جاء، مثل: جاء زيدٌ الفاضل، لكن هنا بواسطة حرف العطف، وقيل: حرف العطف؛ وقيل: عامل مقدر، لكنه عمل فيه بواسطة حرف العطف؛ وقيل: العامل هو حرف العطف، وقيل: العامل محذوف. فَالنَّعْتُ تَابِعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ ... بِوَسْمِهِ أَوْ وَسْمِ مَا بِهِ اعْتَلَقْ هذا تعريف وشروع من الناظم في بيان النعت، وهو أول التوابع. فَالنَّعْتُ: الفاء هذه فاء الفصيحة، النعتُ اصطلاحاً .. في اصطلاح النحاة. قوله: النَّعْتُ، النعت هل هو مغاير للصفة؟ أم أنهما متغايران؟ ابن القيم له بحث نفيس في بدائع الفوائد على أن ثم فرقاً بين النعت والصفة، وخص النعت بما يتغير، والوصف والصفة بما يثبت، العلم ثابت، والفضلُ ثابت مثلاً، حينئذٍ هذا يسمى صفةً، وأما ما يكون قابلاً للتغير كقامَ وضربَ، ضارب وقائم، نقول: هذا نعت، ولذلك يقول: نعوتُ الرب وصفاته كثيرٌ هكذا؛ لأن بينهما فرق. إذاً: النعت ويقال له الوصف والصفة، وقيل: النعت خاص بما يتغير والوصف والصفة لا يختصان به، يعني: كل نعت صفة ولا عكس، يعني: الصفة والوصف أعم من النعت، يشمل ما يتغير وما لا يتغير، نحو: عالم وفاضل. وفي القاموس: النعت والوصف مصدران بمعنى واحد، وأن الصفة تطلق مصدراً بمعنى الوصف واسماً لما قام بالذات كالعلم والسواد. إذاً: في القاموس وهو كتاب مرجع لغة؛ أن النعت والصفة بمعنى واحد، وإذا فُصِّل بين النعت والصفة حينئذٍ نحتاج إلى نقل، وإلا يصير من قبيل الاصطلاح، إذا فرق مفرق بينهما إما أن يثبته لغةً، وإما أن يدعي أنه اصطلاح، إذا قال: هذا هو لسان العرب، لابد من إثباته، وإذا قيل: بأنه اصطلاح لا إشكال فيه. فَالنَّعْتُ -اصطلاحاً- تَابِعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ ... بِوَسْمِهِ أَوْ وَسْمِ مَا بِهِ اعْتَلَقْ

قال ابن عقيل: عرف النعت بأنه التابع المكمل متبوعه ببيان صفة من صفاته، تعبير الناظم فيه نوع صعوبة. التابع المكمل، التابع جنس يشمل جميع التوابع الخمسة السابقة. المكمل متبوعه، هذا أتى به بياناً لقول الناظم: مُتِمٌّ مَا سَبَقْ، والذي سبق هو المتبوع، مُتِمٌّ أي: مكملٌ مَا سَبَقْ ببيان صفة من صفاته، بِوَسْمِهِ: يعني: بتعليمه، والوسم هو العلامة، والعلامة هنا بكونه إما موضحاً وإما مخصصاً، يعني: دل على معنى في المتبوع، وهذا المعنى مكمل له، ثم أفاد إما تخصيصاً وإما إيضاحاً، كما سيأتي. إذاً: التابع هذا جنس، والمكمل متبوعه هذا أراد به بيان قول الناظم: مُتِمٌّ مَا سَبَقْ؛ لأن النعت متمم لمنعوته. ببيان صفة من صفاته: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ كَرِيمٍ، رجلٍ: هذا جار ومجرور متعلق بمررت، كريمٍ: هذا النعت، مكملٌ للمنعوت وهو رجل، ببيان صفة من صفاتهِ وهو الكرم، لو قيل: مررتُ برجلٍ هل يعرف أنه كريم؟ الجواب: لا، إذاً: لا يعرف أنه كريم. إذاً: قوله: كَرِيمٍ تمم به المعنى السابق، فحينئذٍ نقول: النَّعْتُ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ يعني: الذي سبق، وهو المنعوت، بِوَسْمِهِ جار ومجرور متعلق بقوله مُتِمٌّ، وذكر الصبان أنها سببية، يعني: بسبب وسمه، حصل التتميم بسبب وسمه. الباء سببية والوسم يطلق بمعنى العلامة -في الأصل- يطلق بمعنى العلامة، وعليه -على هذا- يقدر مضاف أي: بإفهام وسمه، أنه يفهم وسمه، أي: علامته، ويطلق يعني: الوسم بمعنى المصدر، وهو الوسم بالسمة وهي العلامة، فحينئذٍ لا يقدر على هذا القول، ومعنى العبارة، -عبارته فيها غموض-، ومعنى العبارة: تابعٌ مكملٌ لمتبوعه بسبب دلالته على معنىً في متبوعهِ أو في سببي متبوعهِ، وهذا يدل على عناية ابن عقيل بالمعنى أكثر من اللفظ؛ لأنه أتى بما أتى به الصبان، مكمل متبوعه ببيان صفة من صفاته، مكمل لمتبوعه بسبب دلالته على معنى في متبوعه, وهذا لا شك أن النعت يدل على معنىً يقيد به أو يوضح المنعوت. بِوَسْمِهِ أَوْ وَسْمِ مَا بِهِ اعْتَلَقْ: هذا بين فيه قسمي النعت، وأنه قد يكون النعت حقيقياً وقد يكون سببياً، إذا كان حقيقياً فهذا أراده بقوله: بِوَسْمِهِ. أَوْ وَسْمِ مَا بِهِ اعْتَلَقْ: وسم الذي اعتلق به يعني: تعلق بالنعت الأصلي، فحينئذٍ صار النعت لما بعده لا لما قبله، لو قال مثلاً: مررتُ بزيدٍ الفاضلِ أبوهُ، لو قلت: مررتُ بزيدٍ الفاضلِ، الفاضلِ هذا متمم لزيد؛ لأن زيد فاضل وغير فاضل، فإذا قلت: الفاضلِ تممت السابق، طيب إذا قلت: مررتُ بزيدٍ الفاضلِ أبوهُ، الفضل وصف لمن؟ لزيد أو لأبي زيد؟ لأبي زيد. إذاً: رجع على شيء تعلق به، أو وسم ما اعتلق به، ما الذي اعتلق؟ أبوه، يعني: تعلق به كونه معمولاً له، وهو الذي يسمى سببياً، أَوْ وَسْمِ، يعني: تعليم وإيضاح وكشف معنى الذي اعتلق به، والذي اعتلق به هو مرفوعه كما سيأتي.

فَالنَّعْتُ تَابعٌ مُتِمٌّ، قوله: مُتِمٌّ مَا سَبَقْ: هذا فيه تفسيران، بني عليه طعن في التعريف، أولاً -كما عرفه الأشموني-: بأنه المفيد ما يطلبه المتبوع بحسب المقام، المراد بقوله: مُتِمٌّ مَا سَبَقْ المفيد ما يطلبه المتبوع بحسب المقام، وعليه يشمل كل أنواع الأسباب التي من أجلها يؤتى بالنعت، التي يعبر عنها بأغراض النعت، بعضهم وصلها إلى ثمانية، بعضهم إلى عشرة، بعضهم إلى خمسة عشر .. إلى آخره، وإن كان أصلهما .. مدارهما التوضيح والتخصيص، ويزاد عليها الذم والترحم والتعميم والإبهام .. هذه الأغراض كلها داخلة في قوله: مُتِمٌّ مَا سَبَقْ، فهو المفيد ما يطلبه المتبوع بحسب المقام، إن احتاج المقام إلى أن يوضح المتبوع أُتي بالنعت موضحاً، إن احتاج المقام أن يؤتى بتخصيصٍ للمتبوع أتي بالنعت مخصصاً، إن احتاج المقام أن يؤتى بنعتٍ لذم المتبوع أتي به على غرض الذم، وهكذا الترحم، وهكذا التعميم وهكذا الإبهام ونحو ذلك، بحسب المقام، متى ما احتجنا إلى الذم جئنا بالنعت متمماً لما سبق على وجه الذم، ومتى ما احتجنا الترحم جئنا بالنعت متمماً لما سبق على وجه الترحم، فاللفظ عام يشمل جميع أغراض النعت، مُتِمٌّ مَا سَبَقْ، هذا المشهور في شرح عبارة الناظم وعليها الأشموني وأكثرهم، لكن ابن هشام في الأوضح ما ارتضى هذا، قال: مُتِمٌّ مَا سَبَقْ أي: مكملٌ بتوضيحِ أو تخصيصِ ما سبق، خصه بغرضين: توضيح وتخصيص، وهذان لا شك أنهما غرضان للنعت، وعليه قال: فَالْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لأنه خرج ما إذا جيء بالنعت ذماً، أو ترحماً أو تعميماً أو إبهاماً وعدَّ عليه، عدَّ عليه أشياء كثيرة تركها الحدُّ، حينئذٍ يكون غير جامع، والجواب سهل، نقول: التخصيص والتوضيح هذا أهم، وأعلى درجات النعت أن يؤتى به إما موضحاً وإما مخصصاً، وما عدا هذين الشيئين فهو قليل نادر، حينئذٍ يكون الحكم على الكثير، فلا اعتراض على الناظم، ثم قد يقال: بأن الذم والترحم والتعميم؛ هذه كلها فيها توضيحٌ أو تخصيصٌ وزيادة، إذاً: لم تخرج عن التوضيح والتخصيص فلا إشكال، لا اعتراض على الناظم. إذاً: المعنى الثاني في تفسير قوله: مُتِمٌّ مَا سَبَقْ أي: المكملُ الموضحُ للمعرفة والمخصص للنكرة كما سيأتي. وهذا تفسير قاصرٌ لخروج سائر الأغراض غير التوضيح والتخصيص، فيكون التعريف غير جامع، وأجيب بأن التوضيح والتخصيص أشهر أغراض النعت، وما عداهما نادر، أو يجاب بأن كل ما ذكر انتقاداً للناظم داخلٌ تحت التوضيح والتخصيص، حينئذٍ تقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا للمدحِ، فهو توضيحٌ وزيادة. أَعُوذُ بالِلهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، هذا توضيح وزيادة وهو الذم. إذاً: يشمل الجميع وهذا حسن. النَّعْتُ تَابِعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ: يعني: مكمل لمتبوعه، بِوَسْمِهِ: عرفنا بِوَسْمِهِ، أي: بوسم مَا سَبَقْ، أي: بصفة مَا سَبَقْ، يعني: بدلالته على صفة مَا سَبَقْ.

أَوْ وَسْمِ مَا بِهِ اعْتَلَقْ، أَوْ وَسْمِ: هذا معطوف على قوله: بِوَسْمِهِ، يعني: معطوف على المجرور والمعطوف على المجرور مجرور، مَا: وَسْمِ مضاف ومَا مضاف إليه بمعنى الذي، اعْتَلَقْ به، اعْتَلَقْ هذا فعل ماضي، والمراد اعْتَلَقْ أي: تعلق، بكونه معمولاً للنعتِ، فحينئذٍ نقسم النعت إلى نوعين: نعت حقيقي ونعت سببي. شرح التعريف: قوله: تابع جنس، ومتم ما سبق: أخرج البدل والنسق، لأنهما لا يتمان متبوعهما لا بإيضاح ولا تخصيص، أي: لم يقصد بهما ذلك أصالةً، فلا ينافي عروض الإيضاح بالبدل، بل ولعطف النسق في بعض الصور. وبِوَسْمِهِ أَوْ وَسْمِ مَا بِهِ اعْتَلَقْ مخرج لعطف البيان والتوكيد؛ لأنهما شاركا النعت في إتمام ما سبق؛ لأن الثلاثة تكمل دلالته، وترفع اشتراكه واحتماله، إلا أن النعت يتممه بدلالته على معنى في المتبوع، أو فيما كان متعلقاً به، والتوكيد والبيان ليسا كذلك؛ لأن البيان عين الأول، والتوكيد المعنوي كذلك، وكذلك اللفظي، و "كل وأجمع" سيأتي بيانهما. والنعت يكون مخصصاً ويكون موضحاً، والمراد بالتوضيح رفع الاشتراك، والمراد بالتخصيص تقليل الاشتراك، التوضيح يكون للمعرفة، والتخصيص يكون للنكرة، حينئذٍ التخصيص حصل بتقليل الشيوع، إذا قلت: مررتُ برجلٍ كريمٍ، رجل كريم، رجل ما زال هو نكرة، لكن لما قلت: كريمٍ، حينئذٍ قل، أخرجت البخيل، ثم إذا قلت: برجل كريم هل تعرَّف؟ لم يتعرَّف، بقي الرجل من هو؟ ما ندري من هو، وإنما يصدق عليه أنه وصفه كريم، وهذا يصدق على زيد وعمرو وخالد .. إلى آخره، إذاً لم يحصل له تعريف، وإنما حصل له تقليل اشتراك فقط؛ لأن لفظ رجل يشترك فيه البخيل والكريم، فإذا قلت: برجلٍ كريم أخرجت الأكثر، وبقي القليل وهو الكريم، حينئذٍ نقول: كريم هذا مقلل للشيوع. إذاً: التوضيح رفع الاشتراك اللفظي في المعارف، ويكون بعد المعرفة، والتخصيص: تقليل لاشتراك المعنوي في النكرات، وذكر ابن عقيل هنا خمس أغراض للنعت: أن يكون للتخصيص: مررتُ بزيدٍ الخياط، هل هذا المثال مسلَّم؟ على المشهور لا، هو ما ذكر التوضيح، ولعله يقصد بالتخصيص هنا التوضيح، قد يكون هذا مراده، لكن ليس هذا المشهور عند النحاة، النحاة: أن يكون النعت بعد المعرفة مفيداً للتوضيح، تقول: جاء زيدٌ العالمُ، إذا عندك زيد جاهل وعالم، فإذا وصفته بالعلم، تقول: جاء زيدٌ العالمُ، حينئذٍ تعين .. رُفِع الاشتراك، كان زيد مشترك بين الجاهل وبين العالم، فإذا قلت: جاء زيدٌ العالم، فحينئذٍ حصل رَفعٌ للاشتراك اللفظي في المعارف .. بعد المعارف، وأما التخصيص فهو تقليل للاشتراك، ويكون بعد النكرات، لو قال: مررتُ برجلٍ خياطٍ، قلنا: برجلٍ خياط هذا حصل نوع تخصيص. وللمدح: نحو: مررتُ بزيدٍ الكريمِ، ومنه قوله تعالى: ((بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحِيمِ)) [الفاتحة:1]، الْرَّحمَنِ هذا نعت للفظ الجلالة، والْرَّحِيمِ: هذا نعتٌ ثاني، أو نعتُ النعت، ونعت النعت هذا فيه خلاف، يعني: لا ينعتُ النعت مع وجود المنعوت .. قاعدة: لا يُنعتُ النعت مع وجود المنعوت، يأتينا إن شاء الله.

وللذم: مررتُ بزيدٍ الفاسقِ، ذم هذا، مررتُ بزيدٍ السارق اللئيم، هذا كله ذم، ((فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) [النحل:98]، الرَّجِيمِ هذا نعت للشيطان، ما المراد به؟ مدح؟ لا، المراد به الذم .. مرجوم. وللترحم: مررتُ بزيدٍ المسكين، المسكين: اللهم عبدك المسكين، هذا ترحم. وللتأكيد: أمسِ الدابرُ لا يعود، أمسِ الدابرُ، الدابرُ هذا نعت لأمس، أمس هو الدابر، ولكن جيء بالنعت من باب التوكيد، ومنه: ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ)) [الحاقة:13]، وَاحِدَةٌ هذا توكيدٌ لـ نَفْخَةٌ. ومن أغراضه التعميم: إن الله يرزق عباده الطائعين والعاصين، الطائعين وعطف عليه العاصين، هذا فيه تعميم، لو قال: إن الله يرزق عباده عمَّ، لكن هذا جاء من باب تأكيد العموم. والترحم: وهذا ذكره: اللهم عبدك المسكين، والإبهام: تُصُدِّقَ بصدقةٍ قليلةٍ أو كثيرة. والتفصيل: مررتُ برجلين عربي وعجمي. إذاً: يؤتى بالنعت للأغراض المذكورة وغيرها، لكن أصلها هو التوضيح والتخصيص، وكلها ترجع إلى هذين المعنيين. وهذان المعنيان وما ذكر من أغراض النعت داخلة في قوله: مُتِمٌّ مَا سَبَقْ، يعني: مفيدٌ معنى في المتبوع، إما على جهة التوضيح في المعارف أو التخصيص في النكرات. ثم شرع في بيان أحكام كلٍّ من النوعين: النعت الحقيقي والنعت السببي. ونقف على هذا. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

89

عناصر الدرس * حد النعت. وذكر أقسامه وحكم كل * وقوع النعت جملة وشروط الجملة * وقوع النعت مصدراً وشروط المصدر * صور تعدد النعت والمنعوت * القطع وأحكامه * شرط حذف النعت أو المنعوت. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلا زال الحديث في الباب الأول من أبواب التوابع وهو: النعت، حيث قسم التوابع إلى أربعة أنواع في الجملة وعند التفصيل إلى خمسة. يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ الاَسْمَاءَ الأُوَلْ ... نَعْتٌ وَتَوْكِيدٌ وَعَطْفٌ وَبَدَلْ العطف هذا يشمل نوعين: عطف البيان وعطف النسق، ثم عرَّف النعت بأنه: فَالنَّعْتُ تَابِعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ ... بِوَسْمِهِ أَوْ وَسْمِ مَا بِهِ اعْتَلَقْ النَّعْتُ تَابِعٌ يعني: مشارك لما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر، وهذا حدُّ التابع كما سبق بيانه، (مُتِمٌّ مَا سَبَقْ) أي مُتِمٌّ متبوعه بوصفه، أو وصف ما اعتلق به، وهذا ما يشار إليه بأن الوصف جارٍ على ما هو له، أو جارٍ على غير ما هو له بشرط أن يكون قد رفع اسماً ظاهراً أو ضميراً بارز. حينئذٍ ينقسم النعت إلى نوعين: نعت حقيقي ونعت سببي، والمراد بالنعت الحقيقي: هو ما رفع ضميراً مستتراً، والنعت السببي: ما رفع اسماً ظاهراً. فحينئذٍ إذا لم يرفع اسماً ظاهراً حكمنا عليه بأنه نعت حقيقي سواء أضيف إلى ما بعده أو نصب ما بعده، ولذلك نقول: زيدٌ حسنُ الوجهِ، نقول: هذا نعت حقيقي وليس نعتاً سببياً، وكذلك تقول: زيدٌ حسنٌ وجهاً، وجهاً هذا منصوب على التمييز أو أنه مشبَّه بالمفعول به، قلنا المنصوب بعد حسن وفعل نقول: إما أن يكون معرفة وإما أن يكون نكرة، إذا كان معرفة تعين أن يكون مشبهاً بالمفعول به، وإذا كان نكرة جاز فيه وجهان، الأرجح أن يكون تمييزاً. إذاً: إذا قيل زيد حسنٌ وجهاً نقول: هذا نعت حقيقي؛ لأنه رفع ضميراً مستتراً، والمنصوب الذي يليه، نقول: شرط السببي أن يكون رافعاً .. لا بد أن يكون رافعاً لاسم ظاهر، فإذا لم يرفع اسماً ظاهراً حينئذٍ حكمنا عليه بكونه نعتاً حقيقياً، ولو نصب أو خفض ما بعده، أشار إليه .. أدخله بقوله: (أَوْ وَسْمِ مَا اعْتَلَقْ بِهِ) حينئذٍ يكون راجعاً إلى ما بعده، يعني وسم ما اعتلق به بأن يكون الوصف جارياً على غير ما هو له، فإذا قيل: جاء زيدٌ الفاضلُ، الفاضلُ نقول هنا: رفع ضميراً مستتراً، وهذا الوصف جار على ما هو له، يعني على الذي هو له، ما هو الذي هو له؟ جئنا به في هذا المثال لأي شيء؟ لنصف زيد، بماذا؟ بمضمون النعت وهو كونه دالاً على ذات متصفة بصفة هي الفضلُ، حينئذٍ تقول: جاء زيدٌ الفاضلُ، نقول: الفاضل هذا نعت لزيد وهذا الوصف الموصوف به زيدٌ، وهذا واضح بين لا إشكال فيه.

وأما السببي فلا، فهو جار على غير ما هو له، جاء زيدٌ الفاضلُ أبوهُ، إذاً رفع اسماً ظاهراً، نقول: جاء فعل ماضي وزيدٌ فاعل، والفاضلُ نعتُ زيد .. صفة له، أبوهُ هذا فاعل بالفاضل، فإذا جئنا نحقق: الفاضل نعت لزيد إذاً هو صفة وذاك موصوف، هل هذا الوصف -وهو الوصف بالفضلِ- هل جرى لما هو له؟ في الإعراب نقول هو صفة لزيد، وزيد موصوف، إذاً هذا في الإعراب، صفة وموصوف، نعت ومنعوت .. هل جرى، يعني من حيث المعنى هل أثبت معناه لموصوفه أم لغيره؟ لغيره، هذا نسميه جارياً على غير ما هو له، وإن كان في الإعراب نقول: هو صفة، لكن في الحقيقة ليس صفة لزيد، وإنما هو صفة لأبي زيد، جاء زيدٌ الفاضلُ أبوهُ، إذاً قسم لنا بهذا الحدَّ فأدخل في الحد قسمي النعت: الحقيقي والسببي. ابن هشام عرف النعت في القطر بأنه: التابع المشتق أو المؤول به المباين للفظ متبوعه، وهذا التعريف جيد وأوضح من تعريف الناظم إلا أنه خاص بالنعت الحقيقي، فلا يشمل النعت السببي، ويمكن إدراجه لكن على تأويل، التابع عرفنا معنى التابع، المشتق أو المؤول به، فحينئذٍ خرجت جميع التوابع؛ لأنه لا يشترط فيها أن تكون مشتقة، وسيأتي أن النعت يشترط عند الجمهور أن يكون مشتقاً أو مؤولاً بالمشتق .. وَانْعَتْ بَمشْتَقٍّ ثم قال: وَشِبْهِهِ، يعني شبه المشتق، يعني مؤولاً بالمشتق، حينئذٍ خرجت جميع التوابع لأنها ليست مشتقة، ولو وُجد فيها نوع اشتقاق إما أنه مؤول وإما أنه يجاب بأنه لا يشترط فيها كما إذا قلت: رأيت شاعراً وكاتباً، شاعراً هذا مشتق، وكاتباً هذا مشتق .. رأيتُ شاعراً وكاتباً. أوله ابن هشام على أنه: رأيت رجلاً شاعراً ورجلاً كاتباً، فهو في الحقيقة نعت لمنعوت، لكنه محذوف وهذا صار مهجوراً لا يلتفت إليه، وإلا الأصل كل مشتق إن كان نعتاً أو خبراً إلى آخره، فهو إما أن يكون نعت للفظ شخص أو رجل أو نحو ذلك، فإذا قلت: أبوك كريمٌ وعالمٌ، كريم هذا واضح أنه خبر، وعالمٌ هل يمكن تأويله أو لا؟ من حيث المعنى نعم، عالمٌ يعني رجلٌ أو شخصٌ عالمٌ، لكن لا يتأتى فيه التأويل الذي ذكره ابن هشام في شرح القطر. وأما: جاء أبو بكرٍ أو قال أبو بكرٍ الصديق، هذا بدل أو عطف بيان، قال عمر الفاروق .. هذا مشتق .. نقول: هذا سلب الاشتقاق لأنه قبل العلمية أو قبل جعله لقباً حينئذٍ نقول: هو مشتق، ولكن لما اشتهر لقباً على الصديق أبي بكر الصديق، وكذلك عمر الفاروق حينئذٍ عومل معاملة الأعلام الجامدة.

بقي إذا أكد بالتوكيد اللفظي المشتق، جاء زيدٌ الفاضلُ الفاضلُ، الفاضلُ الأول نعت والثاني يصدق عليه أنه نعت، لكن يشترط في النعت والمنعوت أن يكون بين اللفظين تباين، يعني اختلاف، زيد الفاضل بينهما تخالف، وأما إذا جاء الفاضلُ الفاضلُ، العالم العالم، الأمين الأمين .. نقول: الثاني هذا توكيد؛ لأنه تكرار للسابق، كما إذا قلت: جاء زيد زيد، زيد الثاني هذا توكيد، ليس فاعلاً، والأول هو الفاعل، كذلك إذا قلت: قام قام زيد، الثاني ليس فعلاً مسنداً إلى ما بعده، وإنما هو فعل لا فاعل له، حينئذٍ المباين للفظ متبوعه أخرج به التوكيد اللفظي إذا وقع مشتقاً، لكن يرد عليه كما ذكرنا أنه لا يشمل النوع الثاني، (فَالنَّعْتُ تَابِعٌ مُتِمٌّ) أي: مكملٌ (مَا سَبَقْ) يعني: الذي سبقه، الذي هو المنعوت، (بِوَسْمِهِ) يعني: بوصفه (أَوْ وصف مَا اعْتَلَقْ بِهِ). ثم قال رحمه الله: وَلْيُعْطَ في التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا ... لِمَا تَلاَ كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا كلٌّ من نوعي النعت الحقيقي .. ، عرفنا الفرق بين الحقيقي والسببي، الحقيقي: ما يرفع ضميراً مستتراً، والسببي: ما يرفع اسماً ظاهراً أو ضميراً بارزاً، بقطع النظر عن عملٍ آخر، فلو نصب ولم يرفع اسماً ظاهراً أو ضميراً بارزاً كالصفة المشبهة؛ لأنها لا ترفع اسما ظاهرا، حينئذٍ نقول: هذا يعتبر من الحقيقي لا من السببي، إذاً ما جرى لغير ما هو له فيه تفصيل، إن رفع اسماً ظاهراً أو ضميراً بارزاً فهو سببياً، وإلا فهو حقيقي. زيدٌ حسنٌ وجهاً، حقيقي، ووجهاً هذا معمول ليس مرفوعاً والكلام في المرفوع، كل من نوعي النعت الحقيقي والسببي يشتركان في أنهما يتبعان المنعوت في اثنين من خمسة، وهي: واحد من الرفع والنصب والخفض، وهذا مستفاد من قوله: تَابِعٌ؛ لأنه قال في السابق: (يَتْبَعُ في الإِعْرَابِ الأَسْمَاءَ الأُوَلْ) ثم قال: (فَالنَّعْتُ تَابِعٌ). كونه تابعاً عرفنا أنه الاسم المشارك لما قبله في إعرابه، إذاً النعت لا يكون إلا محكوماً عليه بما حكم لمتبوعه رفعاً ونصباً وخفضاً، هل هذا يحتاج إلى تنصيص مرة أخرى أم أنه داخل في حدِّ النعت؟ أما قلنا النعت أحد التوابع؟ ما معنى التابع؟ الاسم المشارك لما قبله مطلقاً، أو في إعرابه الحاصل المتجدد غير خبر، إذاً صدق عليه أنه لا بد أن يكون مشاركاً لما قبله، رفعاً، نصباً، خفضاً، فإن خالفه فليس بمشارك. وهذا مستفاد من قوله: تَابِعٌ، في حد النعت، أو في الأبواب التبويب، وواحد من التعريف والتنكير. الاسم له أحوال عشرة؛ لأن الإعراب إما أن يكون رفعاً أو نصباً أو خفضاً، فهو واحد من هذه الثلاث، وإما أن يكون مفرداً أو مثنىً أو جمعاً، وهذه ثلاث ست، وإما أن يكون نكرة أو معرفة، هذه ثمان، وإما أن يكون مذكراً أو مؤنثاً، هذه عشر. فباعتبار الإعراب ثلاث، وباعتبار الإفراد وضديه وهو التثنية والجمع ثلاث، وباعتبار التعريف والتنكير اثنان، وباعتبار التذكير والتأنيث اثنان هذه عشرة.

لكل اسم أربعة منها، لا يمكن أن يجتمع الثلاثة رفعاً ونصباً وخفضاً في اسم واحد من جهة واحدة، قد يكون من جهتين نعم، وأما من جهة واحدة فلا، كأن يكون الإعراب تقديري رفعاً، نصباً، أو أن يكون لفظي رفعاً نصباً لا، ما يجتمعان، إنما يجتمع أن يكون الظاهر مرفوع، وفي المحل منصوب، هذا لا إشكال فيه، ((لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ)) [البقرة:251] هذا من حيث اللفظ مخفوض ومن حيث المعنى إعرابه محلي فهو مرفوع، إذاً اجتمعا لكن من جهتين لا من جهة واحدة، وأما من جهة واحدة كأن يكون الإعراب تقديري رفعاً، نصباً، خفضاً .. أو ظاهر أو محلي فلا يجتمعان، كذلك التثنية والجمع والإفراد: زيدٌ، زيدان، زيدون، لا يجتمع في كلمة واحدة اسم يكون مفرداً مثنى مجموعاً إلا من جهة أخرى، من جهتين فريق مثلاً قلنا من جهة اللفظ مفرد، ومن جهة المعنى جمع، ومر معنا كذلك كلا وكلتا من جهة اللفظ مفرد، ومن جهة المعنى مثنى .. إذاً لا إشكال فيه باختلاف الاعتبار، وأما من جهة واحدة فلا، كذلك معرفة نكرة لا، لا يكون كذلك إلا من جهتين كمدخول أل الجنسية، مدخول أل الجنسية في اللفظ معرفة، وفي المعنى نكرة خلافاً لأبي حيان، ولذلك سيأتي معنا: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني، اللَّئِيمِ يَسُبُّني الجملة هذه نعت للئيم، ومعلوم أن الجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال، ومع ذلك اللَّئِيمِ مدخول أل أعربنا الجملة يَسُبُّني على أنه صفة، لماذا؟ مراعاة للمعنى، ترجيحاً للمعنى على اللفظ فهو نكرة، حينئذٍ من جهة اللفظ معرفة لا إشكال فيه، لكن من جهة المعنى فهو نكرة، إذاً باختلاف التعريف والتنكير في اسم واحد من جهة واحدة لا يجتمعان، باقي التذكير والتأنيث، فكذلك لا يجتمعان إلا باختلاف وهذا سبق مثاله مراراً. إذاً: هذه عشرة أحوال، النعت الحقيقي له منها أربعة من ستة، لكن النحاة يفصلون، إذا ذكروا الرفع والنصب والخفض الذي هو حالة الإعراب يجمعون معه التنكير والتعريف، ثم بقية الأحوال تقرن بالنعت السببي، ولذلك ابن هشام يغلط في شرح القطر المعربين بأنهم يقولون: للنعت الحقيقي أربعة من عشرة، يقول: الصواب اثنان من خمسة، نقول: نعم اثنان من خمسة، هذا فيما اتفق فيه النعتان الحقيقي والسببي، وأما النعت السببي فله اثنان من خمسة باعتبار الإعراب والتعريف والتنكير، وأما باعتبار الإفراد فيلزم حالة واحدة وباعتبار التذكير والتأنيث فالنظر يكون إلى الاسم المرفوع، على كلٍّ قوله: (وَلْيُعْطَ فِي التَّعْرِيفِ) نقول: هذا المراد به النوعين النعت الحقيقي والسببي، فحينئذٍ لهما اثنان من خمسة، ما هي هذه الخمسة؟ الرفع، أو النصب، أو الخفض، أو التعريف، أو التنكير .. هذه خمسة أحوال للاسم، للنعت مطلقاً سواء كان حقيقياً أو سببياً له اثنان من خمسة؛ لأنه إما أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً واحد من هذه الثلاث ولا يجتمع اثنان، ثم واحد من التعريف والتنكير، إذاً اثنان من خمسة، وهذا أمر متفق عليه. قال: (وَلْيُعْطَ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا لِمَا تَلاَ)

(وَلْيُعْطَ) اللام هذه لام الأمر، ويُعْطَ فعل مضارع مغير الصيغة، وأصله يتعدى إلى اثنين، فلما غير وبني للمجهول حينئذٍ ارتفع المفعول الأول على أنه نائب فاعل، و (ما) الموصولة الأولى ليست المجرورة باللام .. (ما) الموصولة الأولى في محل نصب مفعول ثاني، يُعْطَ مَا أي: الذي لِمَا تَلاَ. (وَلْيُعْطَ في التَّعْرِيفِ) جار ومجرور متعلق بقوله: يُعْطَ. (وَالتَّنْكِيرِ) معطوف على التعريف، إذاً يعطى في هذين الحالين باعتبار التعريف والتنكير (مَا لِمَا تَلاَ) للذي تلاه، الذي هو المنعوت. إذاً: إذا كان المنعوت معرفة فليعط النعت التعريف، وإذا كان المنعوت نكرة فليعط النعت التنكير ولا يختلفان، فحينئذٍ لا ينعت النكرة بالمعرفة، ولا ينعت المعرفة بالنكرة، لا يختلفان، لا بد من اتحادهما تعريفاً وتنكيراً، وهذا قول جماهير النحاة، خلافاً للأخفش كما سيأتي. حينئذٍ نقول: إذا كان المنعوت نكرة فالنعت نكرة، وإذا كان المنعوت معرفة فالنعت معرفة، لا بد من التطابق تعريفاً وتنكيراً. (كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا) امْرُرْ هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت (بِقومٍ) جار ومجرور متعلق بقوله: امْرُرْ، (كُرَمَا) بالقصر للضرورة كرماء بالهمز الأصل قصره للضرورة. كُرَمَا نقول: جمع كريم ووقع هنا نعتاً لقومٍ، قومٍ نكرة، وكرماء نكرة، طابقه، لا يصح أن يقال بقومٍ الكرماء؛ لأن الكرماء هذا معرفة، وقومٍ هذا منعوت وهو نكرة، وإذا نعتنا النكرة بالمعرفة وقعنا في مخالفة ما اتفق عليه العرب في الجملة، وإذا أردنا التعريف فنقول: (كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا) امرر بالقوم الكرماء، فالكرماء صار نعتاً وهو معرفة لكون المنعوت معرفة، إذاً: النعت مطلقاً الحقيقي والسببي يجب أن يطابق منعوته تعريفاً وتنكيراً، حينئذٍ مع الرفع أو النصب أو الخفض هذه اثنان من خمسة، فطابق النعت منعوته في اثنين من خمسة، وهذا محل وفاق بين النحاة. (وَلْيُعْطَ) يعني: النعت مطلقاً، في بعض النسخ: فَلْيُعْطَ بالفاء، لكن المشهور بالواو، وهي أحسن. (وَلْيُعْطَ) أي: النعت مطلقاً سواء كان حقيقياً أو سببياً. (فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا) أي: الذي. (لِمَا تَلاَ) مَا لِمَا: جار ومجرور، تلا ما يعني: تبع ما، لا أقصد تلا أفسرها، الجار والمجرور وقع بعد (مَا) و (مَا) هذه تقتضي جملة .. أن يكون ما بعدها جملة؛ لأنها موصولة، حينئذٍ الجار والمجرور لا يصلح أن يكون جملة، فلا بد من تقديره بمتعلق يتعلق به الجار والمجرور، فتقول: ما استقر وثبت ولا يصح مستقرٌ وثابتٌ، لما استقر، تلا يعني: تبع المنعوت، فتلا .. تلاه الفاعل يعود على (مَا) وهو ضمير مستتر، والعائد محذوف؛ لأنه مفعول به وهو منتصب فجاز حذفه، تلاه وجملة تلاه لا محل لها من الإعراب، صلة (مَا) الثانية المخفوضة باللام،

(كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا) أي: كقولك، لماذا نقدر كقولك؟ لأن الكاف حرف، والجملة جملة لا تكون مدخولاً للحرف، وإنما الذي يكون مدخولاً للحرف هو الاسم، فلو جاء حرف كـ: في قلنا: قصد لفظه، لو جاء كقام، كاستقر، قلنا: قصد لفظه فهو علم، نؤوله، وأما الجملة لا، دائماً تقول الكاف هذه داخلة على قول محذوف كقولك: (كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا) ثم إذا أعربت الجملة تقول: في محل نصب مقول القول المحذوف، يعني: كامرر تقول: الكاف هذه حرف جر، مجرورها قول محذوف كقولك، ثم: امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا بعد إعرابها تقول: والجملة في محل نصب مفعول به أو مقول القول المحذوف. النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في إعرابه وتعريفه وتنكيره نحو: مررتُ بقوم كرماء، ومررتُ بزيدٍ الكريم، وبهندٍ الكريمة تأتي بالتأنيث، فلا تنعت المعرفة بالنكرة، فلا تقول: مررتُ بزيدٍ كريمٍ لعدم التطابق، لا بد أن يكون النعت معرفة كما أن المنعوت معرفة، ولا تنعت النكرة بالمعرفة .. عكس، فلا تقول: مررتُ برجلٍ الكريمِ. رجلٍ هذا منعوت وهو نكرة، والكريمِ هذا نعته وهو معرفة، نقول: هذا لا يصح. وأجاز الأخفش نعت النكرة بالمعرفة؛ بشرط أن تكون النكرة مخصصة، يعني خالف ما اشتهر عند النحاة، هذا اشتراط التنكير والتعريف الأصل أنه إذا ذكر القول هذا ألا يذكر الخلاف الآخر لقلة القائلين به، ولذلك ابن عقيل لم يتعرض له، ابن عقيل من سيما الشرح أنه لا يتعرض إلا للخلاف المعتبر، ولا يذكر أقوالا ضعيفة جداً إلا إذا نبه عليها يقول: وهو ضعيف، وهو أضعفها، وهذا لا يلتفت إليه .. مثل هذه العبارات، ولذلك في هذه الأبواب قلل ذكر الخلاف في هذا الشرح، تلاحظون هذا يذكر المشتهر عند النحاة؛ لأن الأبواب هذه والسابقة التعجب، وأفعل التفضيل .. كثير من المسائل شهيرة جداً يكاد أن يكون فيها إطباق، وإنما وقع خلاف من المتأخرين أرباب الحواشي ونحوها، فمثل هذه لا يشتغل بهذا السياق، لكن الأخفش له حجمه وهو من المتقدمين، يعني قوله قد يكون له اعتبار. أجاز الأخفش نعت النكرة إذا خصصت بالمعرفة، يعني ليس مطلق النكرة، سبق أن النكرة تكون تامة وتكون ناقصة، وقد تكون مخصصة وقد تكون محضة، إذاً هذا تجعله تقسيماً للنكرة معك. إذا خصصت النكرة جاز نعتها بالمعرفة، يعني يكون النعت معرفة، والمنعوت نكرة لكنها مخصصة، موصوفة مثلاً، جوز الأخفش النعت، واستدل بآية وهي قوله تعالى: ((فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ)) [المائدة:107]، قال: آخرَان، هذا منعوت، الأوليان هذا نعته صفته، إذاً آخران تثنية آخر، وهو نكرة .. آخَرَانِ نكرة، والأوليان معرفة .. مدخول أل، إذاً صح أن ينعت بالمعرفة النكرة، لكن قال: هذه النكرة ليست محضة؛ لأنها مخصوصة بالجار والمجرور ((مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ)) [المائدة:107] جار ومجرور متعلق محذوف نعت لآخران. إذاً هي مخصوصة، ومعلوم أن المخصصة أقرب إلى المعرفة، فلما خصصت النكرة صح أن توصف بالمعرفة، هذا رأي الأخفش، فجعل الأوليان وهو معرف بأل نعتاً لقول: آخران، مع أنه نكرة وسوغ ذلك عنده لكونه موصوفاً بالجار والمجرور.

وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة، وخصه ابن طراوة بشرط تكون النكرة مما لا ينعت بها غير هذه المعرفة؛ كقوله: فِي أَنْيَابِهَا السُّمُّ نَاقِعُ، قال: السُّمُّ، هذا منعوت، ونَاقِعُ هذا نعته، السُّمُّ محلى بأل، ونَاقِعُ هذا نعته، فناقع نعت للسم، والصحيح من الأقوال مذهب الجمهور. وما مثلا به مؤول، يعني الأخفش جوابه سهل، فيجوز أن يكون أوليان بدلاً من آخران، وسيأتي أنه يبدل النكرة من المعرفة والعكس، لا يشترط فيه التطابق تعريفاً وتنكيراً في البدل، بخلاف النعت، إذاً جاز أن يعرب الأوليان بدلاً من آخران، ودائماً مثل هذه المخالفات للقواعد العامة، لا يصح أن يستند إلى بيت إلا إذا تعين فيه الإعراب الذي انبنى عليه هذا الاستثناء، أما إذا جاز احتمال آخر، نطبق القاعدة الشهيرة عند الفقهاء: إذا ورد الاحتمال إلى الدليل نقول: يضعف الاستدلال به، ولا نقول: يسقط، يضعف الاستدلال به. حينئذٍ إذا جاز وجه آخر وهو وجه صحيح معتبر، لا نقول: يتعين، ونخالف القاعدة العامة نقول: لا، نحمله على هذا الوجه ولو جاز غيره نقول: هذا يعتبر شاذاً لا نحمله على الوجه الذي مشى عليه الأخفش. فيجوز أن يكون بدلاً من آخران، أو خبراً لمبتدأ محذوف أي: هما الأوليان. ويجوز أن يكون نَاقِعُ بدلاً من السُّمُّ، أو خبراً ثانياً، والجار والمجرور خبراً أولاً مقدم عليه، فِي أَنْيَابِهَا نقول: هذا خبر مقدم، واستثنى كثير من النحاة الاسم المحلى بأل الجنسية، هذا كما ذكرناه في السابق .. هذا كثير من النحاة استثنوا أل إذا كانت جنسية ودخلت على الاسم قالوا: هو في معنى النكرة، وحينئذٍ إذا وقع بعده النعت أو الجملة حينئذٍ نقول: لا يشترط فيه التطابق، فلو جاء النعت نكرة بعد محلى بأل الجنسية لا نقول: وقع التخالف، لماذا؟ لأنه روعي المعنى هنا، فحصل التطابق بين النعت وهو نكرة ومعنى مدخول أل الجنسية، وهذا أمر بين واضح. استثنى كثير من النحاة الاسم المحلى بأل الجنسية فإنه لقربه من النكرة يجوز نعته بالنكرة، ومنه قوله تعالى: ((وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ)) [يس:37] نسلخ: هذه الجملة صفة لليل؛ لأنه ليس مراداً به ليل معين، وإنما مراد به مطلق ليل صار نكرة، أو فرد مبهم فصار نكرة، ومثله البيت المشهور: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني، أيُّ لَّئِيمِ ما هو معين أيُّ لَّئِيمِ يتسفه علي، يَسُبُّني، يشتمني .. كأني ما سمعت شيئاً. وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني فَمَضيْتُ، إذاً نقول: يَسُبُّني الجملة هنا نعت .. صفة، كيف والجملة مؤولة بالنكرة كما سيأتي (وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرَا)؟ الجملة لا تقع نعتاً إلا بعد النكرة؛ لأنها لو وقعت بعد معرفة صارت حالاً لا نكرة، فحينئذٍ اللَّئِيمِ يَسُبُّني نقول: يَسُبُّني هذا صفة ونعت وليس بحال؛ لأن اللَّئِيمَ وإن كان معرفة في اللفظ، إلا أن المراد به نكرة فهو في معنى النكرة، حينئذٍ يستويا اللئيمُ واللئيم، وإنما استفدنا الجنس من أل، وهذا فيه عموم في النكرة، والآية واضحة بينة.

والحاصل: أنه لا يمتنع النعت في النكرات بالأخص، يعني الأقل شيوعاً، إذا قيل: ينعت النكرة بالنكرة، والمعرفة بالمعرفة، إذاً هل النكرات في مرتبة واحدة أم أنها متفاوتة؟ لا شك أنها متفاوتة، النكرة المحضة ليست كالنكرة المخصوصة، والمعارف كما سبق هي ست، وهي درجات، فحينئذٍ هل ينعت الأعلى بالأدنى أو الأدنى بالأعلى؟ هذا محل نزاع بين النحويين، بعضهم يرى أن كل معرفة تنعت بمعرفة بدون استثناء، وكل نكرة تنعت بكل نكرة بدون استثناء، والبصريون لا يجرون على هذا؛ لأنهم ينظرون إلى المعنى. لا يمتنع النعت في النكرات بالأخص: رجل فصيح، جاء رجلٌ فصيح، جاء فعل ماضي، ورجلٌ فاعل، وفصيح نعت، أيهما أخص وأيهما أعم؟ رجل وفصيح، كل منهما نكرة، رجل منعوت وفصيح نعت، أيهما أعم وأيهما أخص؟ رجل أعم، وفصيح أخص؛ لأن رجل يشمل فصيح وغير فصيح فهو أعم، مع كونه نكرة، وفصيح نكرة كذلك، لكنه يختص بالفصيح دون غيره. إذاً نُعِت هنا الأعم بالأخص هذا لا إشكال فيه، هذا غلامٌ يافعٌ. مراهق يعني، غلام: غلام هذا يشمل مراهق وغيره، إذا وصفته بيافع حينئذٍ وصفته بالأخص، هل هذا جائز؟ نقول: نعم جائز، جائز أن توصف النكرة بالنكرة وهي أخص منها، والأخص المراد به الأقل شيوعاً، إذاً: لا يمتنع النعت في النكرات بالأخص نحو: رجلٌ فصيح وغلام يافع. وأما في المعارف ففيه تفصيل عند البصريين، فلا يكون النعت أخص عند البصريين -يعني: أعرف-، وهذا مر معنا: مررتُ بزيدٍ صاحبكَ، قلنا المضاف إلى الضمير في رتبة العلم، لماذا؟ لأن الشرط عندهم .. عند البصريين ألا يكون النعت أعرف من المنعوت، لا بد أن يكون مساوياً أو أعم منه، أما أن يكون أعرف لا. وأما في المعارف فلا يكون النعت أخص عند البصريين -أخص: يعني أعرف- بل مساوياً أو أعم، يعني أقل تعريفاً. فنحو: مررتُ بالرجلِ أخيكَ، أيهما أعلى درجة؟ أخيكَ أعلى؛ لأنه مضاف إلى الضمير فهو في رتبة العلم، والرجل هذا مرتبة متدنية؛ لأنه محلى بأل، إذاً وصف الرجل بما هو أعرف منه، نقول: هذا ممنوع، حينئذٍ نلجأ إلى أن يكون مررتُ بالرجل أخيكَ، أن يكون أخيك بدلاً لا نعتاً. وقال الفراء: ينعت الأعم بالأخص، ولم يلتفت إليه كثير من البصريين، وبعضهم أطلق فقال: توصف كل معرفة بكل معرفة كما توصف كل نكرة بكل نكرة. إذاً: (وَلْيُعْطَ في التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا لِمَا تَلاَ) لما تلاه. حكم النعت في التعريف والتنكير أنه يتبع منعوته مطلقاً تعريفاً وتنكيراً (كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا). وَهْوَ لَدَى التَّوْحِيدِ وَالتَّذْكِيرِ أَوْ ... سِوَاهُمَا كَالْفِعْلِ فَاقْفُ مَا قَفَوْا (وَهْوَ لَدَى التَّوْحِيدِ) بقي ماذا من العشرة؟ بقي الإفراد، والتثنية، والجمع، والتذكير، والتأنيث، هذه خمسة. عرفنا الخمسة الأُول السابقة اشترك فيها النعت بنوعيه الحقيقي والسببي، وأما ما يذكر من التوحيد وهو الإفراد والتذكير وسواهما، وسوى الإفراد وهو التثنية والجمع، وسوى التذكير هو التأنيث. هنا يفصل بين النعتين، فالنعت الحقيقي يكون كسابقه، بمعنى أنه يوافقه إفراداً وتثنية وجمعاً، ويوافقه كذلك تأنيثاً وتذكيراً.

إذاً: يأخذ حكم ما قبله المنعوت في الإفراد، إن كان مفرداً فهو مفرد، وإن كان مثنىً فهو مثنى، وإن كان جمعاً فهو جمع، وكذلك إن كان مذكراً فهو مذكر، والمؤنث مؤنث .. مثل التنكير والتعريف، حينئذٍ النعت الحقيقي له أربعة من عشرة؛ لأن الأقسام أربعة: إعراب، وتذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية وجمع، وتعريف وتنكير. النعت الحقيقي يأخذ من كل قسم واحد، ويتبع ما قبله فيه، فله أربع من عشرة، وأما النعت السببي فلا؛ لأن حكمه حكم الفعل، وإن كان الضابط يعمم على النعت الحقيقي والسببي، فينظر فيه نظر الفعل، فلو وضع في مقامه فعل، إذا قلت: مررت برجلٍ فاضلٍ أبوهُ، قالوا: فاضلٍ، هذا يلزم الإفراد، وما بعده ينظر إليه باعتبار التأنيث والتذكير. إذاً يلزم الإفراد لأنه في مقام الفعل، والفعل إذا كان فاعله مثنى، أو جمعاً على اللغة الفصحى يكون مفرداً، قام زيد، قام الزيدان، قام الزيدون .. إذاً لا يلتفت إلى ما بعد النعت الذي هو المشتق؛ لكونه مثنى أو مجموعاً، بل يبقى على حاله وهي الإفراد، ثم التذكير والتأنيث يكون باعتبار الاسم المرفوع بعده، فإن كان مذكراً حينئذٍ ذكر، وإن كان مؤنثاً أنث، ولا يلتفت إلى المنعوت البتة. قال رحمه الله: (وَهْوَ) أي: النعت، (لَدَى التَّوْحِيدِ) أي الإفراد التَّوْحِيدِ وحَّد يوحِّد توحيداً، قلنا التوحيد المراد به الإفراد، (وَالتَّذْكِيرِ) يعني: باعتبار هذين النوعين (أَوْ سِوَاهُمَا) يعني: سوى التوحيد وهو الإفراد، سواه ما هو؟ التثنية والجمع، وسوى التذكير هو التأنيث، (كَالْفِعْلِ) يعني: ينظر كأن الفعل أقيم مقام النعت، فتنظر ماذا تصنع بالفعل، لو كان في النعت الحقيقي وأقمت الفعل مقامه فقلت مثلاً: جاء رجلٌ فاضلٌ، نقول: فاضلٌ هنا رفع ضميراً مستتراً، لو كان في مقامه فعل، هل يرفع اسماً ظاهراً، هل يؤنث، أم يبقى على تذكيره؟ يبقى على تذكيره، فإذا قلت: جاء الزيدانِ الفاضلانِ، هنا تبع ما قبله في التذكير وفي التثنية، كما تقول: الزيدانِ قاما، تأتي بالتثنية؛ لأن الذي سبق المنعوت مثنى، وإذا قلت: جاء الزيدون الأفضلون تأتي به جمعاً، كما تقول: الزيدون قاموا تأتي بالواو. وأما النعت السببي فإذا كان ما بعده مرفوعاً على أنه فاعل .. وهو كذلك إن كان مثنى ثني له الوصف، وإن كان مذكراً ذكر له الوصف، حينئذٍ ينظر فيه نظر الفعل. قال هنا: (كَالْفِعْلِ) يعني: أحال في ذلك على الفعل، فعلم أن النعت الحقيقي يجب مطابقته للموصوف في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، وأن السببي لا يجب مطابقته في ذلك؛ لأنه أحالنا فيه على الفعل، والفعل يطابق ما قبله في النعت الحقيقي ويخالفه في السببي. قال هنا: فإن رفع ضميراً مستتراً طابق المنعوت مطلقاً: زيدٌ رجلٌ حسنٌ، رجلٌ هذا خير، وحسنٌ هذا نعته، والزيدان رجلانِ حسنانِ .. يحسنان، والزيدونَ رجالٌ حسنونَ .. يحسنونَ، وهندٌ امرأةٌ حسنةٌ .. حسنتْ، والهندانِ امرأتانِ حسنتانِ .. تحسنانِ، والهندات نساءٌ حسناتٌ .. يُحسنَ.

إذاً لو وضعت مكانه فعلاً حينئذٍ لا يتعلق بما بعده؛ لأنه ليس عندنا شيء يذكر، وإنما هو ضمير مستتر، نعربه ضميراً مستتراً، ثم ليس له من الأحكام لا باعتبار التذكير ولا التأنيث ولا الإفراد ولا غيره، وإنما يلزم حالة واحدة. فيطابق في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع كما يطابق الفعل لو جئت مكان النعت بفعل لو قلت: رجلٌ حسُن، ورجلان حسُنا طابق الفعل؛ لأنه رفع ضميراً بارزاً يعود على ما سبق، ورجال حسنوا، وامرأة حسنت، وامرأتان حسنتا، ونساء حسُنَّ. إذاً باعتبار ما سبق ينظر إلى النعت الحقيقي مطلقاً في الأحوال العشرة، ولو لم يعلق بالفعل لكان أجود؛ لأنه لم يرفع اسماً ظاهراً، فلذلك هو وإن كان في معنى الفعل من حيث دلالته على الحدث، لكن باعتبار ما يلحقه لا، وهذا سبق معنا أن بعضهم يرى: زيدٌ قائمٌ، هل هو ثلاث كلمات أم كلمتان؟ كلمتان، فيه ضمير مستتر، إذا نعت به: زيدٌ قائم .. هذا زيدٌ قائمٌ، حينئذٍ قائم نقول: نعم فيه ضمير مستتر، هو ضابطه في كونه نعتاً حقيقياً، لكن هذا من حيث النظر في المعنى فحسب، أما ما يترتب عليه من أحكام فلا، لا يترتب عليه أحكام، ولذلك: زيد قامَ (قامَ) رفع ضميراً مستتراً، وزيدٌ قائمٌ فيه ضمير مستتر، لكن فرق بينهما كما بين السماء والأرض؛ لأنك تقول: الزيدانِ قاما، زيد قام ضمير مستتر، فإذا ثني برز، فتقول: الزيدانِ قاما، فإذا جمعت: الزيدون قاموا برز، صار جمعاً فبرز صار ظاهراً، إذاً هذا دل على أن "زيدٌ قام" الضمير المستتر هنا معتبر، ولذلك تقول: زيدٌ مبتدأ والخبر هنا ما نوعه؟ جملة ليس فعلاً، وإنما هو جملة باعتبار الفاعل الذي هو الضمير المستتر، لكن قائمٌ ما يعتبر، ولذلك تقول: الزيدان قائمانِ، الألف هذه ما نوعها؟ هل هي فاعل؟ علامة رفع فقط، وعلامة تثنية، أين الفاعل؟ لو كان الضمير المستتر معتبر كاعتبار المستتر في الفعل .. مثله، زيدٌ قائمٌ لو كان الضمير المستتر معتبر هنا لبرز في التثنية كما برز قاما، ولبرز في الجمع فتقول: الزيدونَ قائمونَ، هذه الواو ليست ضمير كما الشأن في الزيدون قاموا، إذاً فرق بينهما.

ولذلك الإحالة في النعت الحقيقي إلى الفعل لا أرى لها وجه، وإنما ينظر فيه باعتبار الأصل، فيقال: النعت الحقيقي يطابق ما قبله في أربعة من عشرة فحسب، ولا يوازن بالفعل البتة؛ لأنه ليس مقام الفعل، بخلاف الذي رفع: زيدٌ قائمٌ أبوهُ، هذا لا شك أنه فاعل، بل هو أقوى من الضمير المستتر، وحينئذٍ لما رفع فاعلاً علمنا أنه مساوٍ للفعل، فلو قيل: ينزل منزلة الفعل فتضبط المسائل عليه هذا جيد، بل هذا المشتهر عند النحاة، إذاً كَالْفِعْلِ ساوى الناظم هنا في النظر إلى النعت بنوعيه بأنه يعامل معاملة الفعل، وهذا صحيح لا إشكال فيه، لكن الأولى أن يعلق الحكم بالنظر إلى الفعل في النعت السببي فحسب؛ لأن الضمير المستتر في النعت الحقيقي كأنه غير موجود كأنه معدوم، ولذلك يعترض على من اعترض بأن "زيدٌ قائمٌ" مثالٌ لما أُلِّفَ من اسمين، في أول الكتب .. الحواشي، زيدٌ قائمٌ نقول: أقل ما يتألف منه الكلام اسمان كزيدٌ قائمٌ، يأتيك بعض أرباب الحواشي يقول: لا. ليس اسمين هذا، هذا من ثلاثة الذي هو زيد، وقائم، والضمير المستتر، يرد عليه بما ذكرناه: أن الضمير هنا المستتر ينظر إليه باعتبار المعنى فحسب، وأما باعتبار الإعراب والعد في الكلمات فلا، لا يلتفت إليه. وإن رفع أي: النعت اسماً ظاهراً أو ضميراً بارزاً، يعني: رفع فاعلاً هذا المقصود، فاعلاً ظاهراً سواء كان اسماً ظاهراً، أو ضميراً بارزاً أعطي حكم الفعل، وهذا صحيح؛ لأنه ساوى الفعل في دلالته على الحدث وفي كونه رفع فاعلاً، أعطي حكم الفعل ولم يعتبر حال الموصوف، يعني: إذا رفع الاسم ظاهر انقطعت علاقتنا بالمنعوت في هذه الخمسة الأشياء، لا نلتفت إلى المنعوت، وإنما ننظر إلى ما بعده في التذكير والتأنيث فحسب، وأما في الإفراد والتثنية والجمع فنلزمه على اللغة الفصحى الإفراد فقط، وإن ثني وإن جمع الفاعل الذي رفعه. أعطي حكم الفعل ولم يعتبر حال الموصوف فتقول: مررت برجلٍ قائمةٍ أمه، رجلٍ موصوف، وقائمةٍ صفة، كيف هذا؟! ما طابقه في التأنيث؛ لأن المرفوع بعده مؤنث، حينئذٍ في التأنيث لما رفع اسماً ظاهراً راعينا الاسم المرفوع، فتقول: مررتُ برجلٍ قائمةٍ -تؤنث- أمه، لماذا أنثت؟ لأن الفاعل مؤنث، وهو فاعل حقيقي، لو وضع فعل في هذا المحل وكان فاعله أمه ماذا يكون وضعه؟ يكون واجب التأنيث قامت أمهُ، ولذلك تقول كذلك: بامرأةٍ قائمٍ أبوها، مررت بامرأةٍ، امرأةٍ هذا مؤنث وهو منعوت، قائمٍ بالتذكير أبوها، لماذا؟ لأنك لو جئت بفعل في هذا المقام قلت: قامَ أبوها، ولا تقل: قامت أبوها، كما لا تقل: قام أمه، وإنما تقول: قامت أمه وقام أبوها، إذاً ينظر باعتبار التذكير والتأنيث إلى الاسم الذي يلي النعت، فإن كان مؤنثاً حينئذٍ راعينا فيه الأحكام التي تتعلق بالتأنيث، وكذلك التذكير. إذاً: مررتُ برجلٍ قائمةٍ أمه، وبامرأة قائمٍ أبوها، كما تقول: قامت أمه وقام أبوها، فإذا جئت تعرب تقول: مررتُ برجلٍ، رجلٍ هذا جار ومجرور متعلق بمر .. مررتُ برجل قائمة نعت .. صفة، ولم يطابقه في التأنيث والتذكير؛ لأنه سببي والسببي يكون تذكيره وتأنيثه باعتبار ما بعده، فإن كان مؤنثاً أنث له، وإن كان مذكراً حينئذٍ ذكر.

إذاً: برجلٍ قائمةٍٍ أمه نقول: ألزم الإفراد والتأنيث إنما أنث باعتبار ما بعده لا باعتبار ما قبله، وتقول: مررتُ برجلين قائمٍ أبواهما، برجلينِ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: مر، وهو مثنى منعوت، برجلينِ قائمٍ نعت، طابقه هنا في الإفراد والتثنية؟ لا. لم يطابقه، لماذا؟ لكونه سببياً، وإذا كان سببياً يلزم حالة واحدة وهي الإفراد؛ لأن الفعل إذا كان فاعله مثنى لزم الإفراد في اللغة الفصحى، فتقول: مررتُ برجلينِ قائمٍ –بالإفراد- أبواهما، كما تقول: قام أبواهما، ومن قال: قاما أبواهما على لغة أكلوني البراغيث، حينئذٍ يقول: مررت برجلين قائمينِ أبواهما، كما يقول هو في لغته: قاما أبواهما، فيصح مراعاة الفعل باعتبار التثنية هنا لا باعتبار المنعوت، فإذا قيل: مررتُ برجلينِ قائمينِ أبواهما، قائمينِ على لغة أكلوني البراغيث، لا تقل هنا: طابق النعت المنعوت! لا. وإنما تقول: نظر إلى الفعل وفي لغتهم يجوز إلحاق علامة تثنية إذا كان الفاعل مثنى، فجُوِّز لا باعتبار ما قبله، وتقول: مررتُ برجالٍ قائمٍ آباؤهم، مررت برجالٍ هذا منعوت وهو جمع، قائمٍ نعت واحد مفرد، آباؤهم. إذاً أفرد مع كون المنعوت جمعاً، باعتبار كونه في مقام الفعل، والفعل إذا كان فاعله جمعاً حينئذٍ على اللغة الفصحى يفرد، وعلى لغة أكلوني البراغيث مررتُ برجالٍ قائمينَ آباؤهم، يجوز على لغة أكلوني البراغيث، ومن قال: قاموا آباؤهم قال: قائمين آباؤهم، وأجاز الجميع .. النحاة أن تجمع الصفة جمع تكسير إذا كان الاسم المرفوع جمعاً، فتقول: مررتُ برجالٍ قيامٍ آباؤهم، وبرجلٍ قعودٍ غلمانه، ورأوا ذلك أحسن من الإفراد الذي هو أحسن من جمع التصحيح. يعني إذا جُمع على لغة أكلوني البراغيث، حينئذٍ جمعه جمع تكسير أفصح، ثم الإفراد، ثم جمع التصحيح. على هذه المراتب الثلاث. (فَاقْفُ مَا قَفَوْا) يعني اتبع ما اتبعوه وهو ما ذكرناه سابقاً. قال ابن عقيل: فالحاصل أن النعت إذا رفع ضميراً -يعني: مستتراً- طابق المنعوت في أربعة من عشرة ما لم يمنع مانع كـ: إذا كان على وزن فعيل، كصبور وجريح و؟؟؟، فلا يؤنث ولو كان منصوبه مؤنث، وأفعل التفضيل هذا سبق معنا الاستثناء، مجرد من أل والإضافة، أو المضاف إلى النكرة؛ لأنه لا يثنى ولا يجمع ولو كان المنعوت مثنى أو مجموعاً. وواحد من ألقاب الإعراب وهو الرفع والنصب والجر، وواحد من التعريف والتنكير، وواحد من التذكير والتأنيث، وواحد من الإفراد والتثنية والجمع. هذا في النعت الحقيقي يتبعه في أربعة من عشرة. وإذا رفع ظاهراً طابقه في اثنين من خمسة واحد من ألقاب الإعراب، وواحد من التعريف والتنكير. وأما الخمسة الباقية وهي: التذكير، والتأنيث. فهذا باعتبار الاسم المرفوع، وأما الإفراد والتثنية والجمع. فيلزم حالة واحدة وهي الإفراد؛ لأنه في مقام الفعل. فحكمه فيها حكم الفعل إذا رفع ظاهراً، فإن أسند إلى مؤنث أنث وإن كان المنعوت مذكراً. ولذلك جاء ((رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا)) [النساء:75] الظالمِ هذا نعت، والقرية منعوت، ولم يحصل التطابق باعتبار ما بعده ((الظَّالِمِ أَهْلُهَا)) [النساء:75].

وإن كان المنعوت مذكراً، وإن أسند إلى مذكر ذُكِّر وإن كان المنعوت مؤنثاً، وإن أسند إلى مفرد أو مثنى أو مجموع أفرد وإن كان المنعوت بخلاف ذلك. إذاً أشار بالبيتين: وَلْيُعْطَ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا ... لِمَا تَلاَ كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا وَهْوَ لَدَى التَّوْحِيدِ وَالتَّذْكِيرِ أَوْ ... سِوَاهُمَا كَالْفِعْلِ فَاقْفُ مَا قَفَوْا قال: أفهم قوله كَالْفِعْلِ جواز تثنية أو جمع الوصف الرافع للسببي على لغة أكلوني البراغيث, وهْوَ هذا مبتدأ و (لَدَى التَّوْحِيدِ وَالتَّذْكِيرِ) هذا متعلق بما تعلق به الخبر، وأين الخبر؟ قوله: كَالْفِعْلِ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ وهو، وقوله: لَدَى بمعنى عند، كما سبق وهو مضاف والتوحيد مضاف إليه، والتذكير معطوف عليه. (أَوْ) هذا للتنويع. (سِوَاهُمَا) يعني سوى التوحيد والتذكير، وهو ما أشرنا إليه سابقاً. (كَالْفِعْلِ) هذا خبر المبتدأ (فَاقْفُ): اتبع. (مَا قَفَوْا) إذا كان هذا هو لسان العرب، ويكاد أن يكون مجمعاً عليه وإن لم يكن كذلك، فحينئذٍ لا يسعك إلا المتابعة. ثم قال رحمه الله تعالى: وَانْعَتْ بِمُشْتَقًّ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ ... وَشِبْهِهِ كَذَا وَذِي وَالْمُنْتَسِبْ (وَانْعَتْ بِمُشْتَقًّ) أشار إلى أن النعت كما مر معنا في حد ابن هشام أنه لا يكون إلا مشتقاً، أو مؤولاً بالمشتق، ولا يخرج عن هذين الحالين البتة. إذاً إما أن يكون مشتقاً وإما أن يكون مؤولاً بالمشتق. (وَانْعَتْ) هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، إذاً إذا لم تنعت بمشتق وشبه المشتق لم يحصل منك النعت على وجهه الصحيح، وهذا خلافاً لما ذهب إليه ابن الحاجب من جواز النعت بغير مشتق. (وَانْعَتْ بِمُشْتَقًّ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ وَشِبْهِهِ) الضمير يعود على المشتق. إذاً: إما أن يكون مشتقاً وإما أن يكون شبيهاً بالمشتق، وهو الجامد الذي يؤول بالمشتق، يعني يكون معناه معنى المشتق، أو إن شئت قل: أقيم مقام المشتق، عبر بهذا أو بذاك، يعني يفهم منه ما يفهم من المشتق. نقول: الأشياء التي ينعت بها أربعة: المشتق، والمؤول به، والجملة، والمصدر. وهذه كلها ذكرها الناظم (المشتق، والمؤول به، والجملة، والمصدر) ابن مالك نص على الجملة والمصدر، إن شئت قل: إن أُولت الجملة بالنكرة فحينئذٍ داخلة في قوله: مؤول بالمشتق، والمصدر إن أُول ولا بد أن يؤول لأنه جامد، فهو مؤول بالمشتق، فعند التحقيق الجملة والمصدر وإن جعلها الناظم هنا مباينة في الظاهر، مباينة للمشتق وشبه المشتق إلا أنها راجعة إليهما، ولذلك جزم ابن عقيل هنا قال: لا ينعت إلا بمشتق لفظاً أو تأويلاً. طيب ابن مالك يقول: وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ مُنكَّرَا، وسيأتي أن المصدر: وَنَعَتُوا بِمصْدَرٍ كَثِيراً، نقول: المصدر جامد لكنه مؤول بالمشتق، والجملة هذه مؤولة بالنكرة، فحينئذٍ إذا جعلناها داخلة فيما سبق فنقول: النعت منحصر في مشتق ومؤول بالمشتق.

فأما المشتق كما سبق مراراً فالمراد به ما دل على حدث وصاحبه، وفسرناه مراراً، ويشمل حينئذٍ اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل، وأمثلة المبالغة، وفعيلاً بمعنى مفعول .. هذه ستة، نقول: (وَانْعَتْ بِمُشْتَقًّ) كأنه قال لك: وانعت باسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل، وأمثلة المبالغة، وفعيلاً أو فعيل بمعنى مفعول. وهل يشمل المشتق؛ لأن المشتق عند النحاة غير المشتق عند الصرفيين، المشتق عند الصرفيين: كل ما أخذ من المصدر ولو لم يدل على ذات وحدث، وعند النحاة المشتق لا بد أن يكون دالاً على ذات وحدث، حينئذٍ اسم المكان، واسم الزمان، واسم الآلة عند الصرفيين هذه من المشتقات، حينئذٍ المشتقات عندهم عشرة أظن أو تسعة، فإذا قيل بأنه مشتق اسم الآلة، واسم المكان، واسم الزمان .. هل يدخل معنى هنا؟ نقول: لا. لماذا لا يدخل مع كونه مشتقاً؟ لأن أهل الاصطلاح إذا نصوا على شيء فإنما ينصرف على ما اصطلحوا عليه في ذلك الفن، فإذا قيل مشتق عند النحاة فمرادهم به ما دل على ذات وحدث، فحينئذٍ ما أخذ من المصدر للدلالة على زمان الفعل أو مكانه أو آلته، وذلك اسم المكان، اسم الزمان، اسم الآلة .. فلا ينعت بواحد من هذه الثلاثة البتة؛ لأنه عند النحاة ليس مشتقاً، وإنما هو اسم جامد. والثاني: المؤول بالمشتق، هنا مثّل قال: (وَانْعَتْ بِمُشْتَقًّ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ) صعب: فَعْل، ما نوعها؟ صفة مشبهة، لماذا حكمنا عليه بأنه صفة مشبهة؟ لأنه صعب فَعْل، وفَعْل هذا كما سبق أنه ليس اسم فاعل ولا اسم مفعول، اسم الفاعل الثلاثي فاعل، ومن غير الثلاثي مُفْعِل، واسم المفعول من الثلاثي مفعول، ومن غيره مُفعَل، إذاً صَعْب ليس واحداً منها. إذاً: (كَصَعْبٍ) نقول: هذا صفة مشبهة، (وَذَرِبْ) بالذال مع كسر الراء فَعِل، صَعْب معلوم معناه، وَذَرِبْ المراد به الحاد من كل شيء، وهو كذلك صفة مشبهة. (وَانْعَتْ بِمُشْتَقًّ) انْعَتْ: فعل أمر، قلنا الفاعل أنت، وهو يدل على الوجوب وهو مراد هنا، وبِمُشْتَقًّ متعلق به. و (كَصَعْبٍ) هو أراد أن يمثل، فإذا كان كذلك صعبٍ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، يعني وذلك كصعبٍ. (وَذَرِبْ) معطوف على صعبٍ. (وَشِبْهِهِ) هذا النوع الثاني، وهو الشبيه بالمشتق، وهو ما أقيم مقام المشتق في المعنى من الجوامد، إذاً هو جامد يعني ليس واحداً من اسم الفاعل ولا اسم المفعول وما عطف عليه مما ذكرناه في المشتق، ليس واحداً منها، وإنما يدل على ذات فقط، أو على معنى فقط. الجامد إما أن يدل على ذات فقط وهو تسميه جامداً مثل: زيد، أو على معنى فقط مثل: عِلم، نقول: هذا معنى، ولا يدل على ذات، وزيد يدل على ذات لا على معنى. فالجامد واحد من هذين الأمرين، إذا وقع نعتاً أُوِّل بالمشتق، لكن ليس كل ما يكون جامداً يُوؤل بالمشتق! لا. لا بد من نظر خاص عند النحاة. والثاني: الجامد وهو المؤول بالمشتق ويشمل ما ذكره الناظم بقوله: (كَذَا) أي وذلك كـ ذا، (وَشِبْهِهِ) هذا معطوف على قوله: (بِمُشْتَقًّ). (كَذَا) أي: مثل ذا، يعني: وذلك كـ ذا، فهو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف.

(وَشِبْهِهِ كَذَا) أي: اسم الإشارة وهو النوع الأول من الجامد الذي يؤول بالمشتق، أي اسم الإشارة لكن يقيد بكونه لغير مكان، كثم وهنا لا يقع مباشرة نعتاً كما سيأتي، فإذا قلت: قام زيد هذا، هذا اسم إشارة، وزيد هذا فاعل، نقول: هذا (ذا) اسم إشارة نعت .. صفة لزيد كيف صفة وهو ليس بمشتق؟ نقول: هو في معنى المشتق؛ لأن أسماء الإشارة كلها سواء كان المفرد والمثنى والجمع في قوة قولك: الحاضر أو المشار إليه، والحاضر اسم فاعل من حضر والمشار إليه اسم مفعول، هي تدل على هذا المعنى، إذاً: كأنه قال: جاء زيد، أو هذا زيد الحاضرُ كأنه نعت بلفظ الحاضر، فهذا في قوة قولك الحاضر، أو هذا في قوة قولك المشار إليه، وكلاهما مشتقان. إذاً: قام زيد هذا فإنه في قوة زيد الحاضر أو المشار إليه، فاسم الإشارة هنا نفسه نعت، بنفسه وقع نعتاً يعني لا بغيره. فاسم الإشارة هنا نفسه نعت لزيد، أما اسم الإشارة لمكان كهنا وثم فإنه لا يقع نعتاً بنفسه؛ لكونه ظرفاً، فهذا مثل لو قيل: جاء رجل عندك، مثله، أو جاء رجل في العِلم بمكان مثلاً، فنقول: الظرف إذا وقع بعد النكرة وكذلك الجار والمجرور يتعلق بمحذوف، ليس هو عينه الصفة، وإنما يتعلق .. مثله اسم الإشارة إذا كان ظرف مكان. فإنه لا يقع نعتاً بنفسه لكونه ظرفاً، لكنه يتعلق بمحذوف قد يكون نعتاً، رأيت رجلاً هنا، رأيت رجلاً فعل وفاعل ومفعول به، هنا هذا اسم إشارة هل نقول نعت مباشرة؟ نقول: لا. لكونه ظرفاً وهو اسم مكان نقول: متعلق بمحذوف نعت، إذاً وقع نعتاً لكن لا بنفسه مباشرة وإنما بواسطة غيره. أي كائناً هنا، رأيت رجلاً هنا أي: كائناً هنا نقدره كائناً بالنصب. إذاً: وَشِبْهِهِ كَذَا يعني مثل (ذا) وهو اسم إشارة، هل هو خاص بـ (ذا) أو يشمل فروع (ذا) ذان وتان وهؤلاء وأولى وأولاء، يشمل أو لا؟ نعم يشمل، فكل أسماء الإشارة داخلة، إذاً: كذا وفروعه، تقدره هكذا: كذا وفروعه من أسماء الإشارة غير المكانية. (وَذِي) ذي هذا معطوف على (ذا) وهو في محل جر، ولذلك جره، قال: ذِي، فدل على أنه أراد بها بمعنى صاحب، ومن عمم قال بأنه أراد بها بمعنى: ذو الطائية أخطأ إلا إذا كانت في حال الإعراب وهي لغة قليلة لأنها مبنية، لو قال ابن مالك: كذا وذو قلنا: أطلق ذو بالرفع، فشمل حينئذٍ ذو التي بمعنى صاحب وذو الطائية، لكنه لما جرها ذي امتنع أن يكون المراد به ذو التي بمعنى الذي، وهي الطائية، وإن كانت مما يؤول، إلا إذا جعلنا ابن مالك رحمه الله أراد بذي النوعين، وهذا خلاف الأصل. إذاً: الثاني من الجوامد مما يقع مؤولاً بالمشتق ذو بمعنى صاحب، تقول: هذا رجل ذو مال، ذو علم، ذو تقوى .. هذا رجل، رجل هذا منعوت، ذو وقعت نعت، ذو في اللفظ جامد، كيف صح إيقاعها نعت؟ حينئذٍ نقول: لأنها في قوة المشتق، والمشتق هو صاحب، كأنه قال: جاء رجل صاحب مال، صاحب علم، صاحب تقوى .. فأولت بالمشتق. ويلحق به كذلك فروعه، وهي ذوا وذوي في المثنى المذكر، وذووا وذوي في جمع المذكر، وذات في المفردة المؤنثة، وذاتي في المثنى المؤنث، وذاتُ في جمع المؤنث، ولذلك جاء في القرآن: ((جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ)) [سبأ:16] ذواتي هذا نعت لجنتين وهو مثنى.

إذاً قوله: (وَذِي) كذلك تضيف إليه: وفروعه مطلقاً بدون استثناء. (وَالْمُنْتَسِبْ) انتسب ينتسب فهو منتسب، المراد به اسم النسبة، والمنتسب يعني المنسوب، وسيأتي باب كامل كبير عريض ستة وعشرين بيت، كلها في باب المنسوب، جاء رجل قرشي، رجل نقول: فاعل، قرشي نعت، كيف وقع نعت وهو قريش علم؟ نقول: قرشي في قوة قولك منسوب إلى قريش، إذاً منسوب إلى قريش أخذناه من الياء، قرشي، نقول: منسوب إلى قريش، وَالْمُنْتَسِبْ يعني: النسبة إلى قريش في المثال الذي ذكره. إذاً الاسم المنسوب يعتبر من الجوامد التي تؤول بالمشتق، إذاً ذكر الناظم كم نوع لما يؤول بالمشتق؟ ذكر ثلاثة أنواع: الأول: أسماء الإشارة عموماً. ثانياً: ذو التي بمعنى صاحب. وثالثاً: الاسم المنسوب. هذه ثلاثة، وعلى قول من يرى يمكن حمله لكن ليس بظاهر، أن قوله: ذِي يشمل النوعين، ذي الطائية كحالة الإعراب، لكن لا ذي الطائية الأصل أنها .. الأفصح ملازمة للبنا، فتقول: ذو، فذي هنا بمعنى صاحب، وأما الموصولة إذا أعربت وفروعها هذا يحتاج إلى تأويل. الرابع مما يكون من الجوامد ويؤول بالمشتق "ذو" الموصولة الطائية، التي بمعنى الذي وفروعها كذلك كذات وذواتُ، جاءني الرجل ذو تحدثت إليه، يعني المتحدَّث إليه؛ لأنه بمعنى الذي وسبق قاعدة عند البيانيين الموصول مع صلته في قوة المشتق، يعني تؤولها باسم الفاعل أو اسم المفعول، إذا قلت مثلاً: جاءني الرجل ذو تحدثت إليه، يعني الذي تحدثت إليه، فحينئذٍ صار موصولاً مع صلته، فهو في قوة المشتق، هكذا، وجامد في قوة المشتق، ما هو المشتق؟ إما اسم فاعل أو اسم مفعول، يعني تأتي في هذا المحل باسم فاعل أو اسم مفعول، جاء الرجل المتحدث إليه، وسبق أن ذكرنا فرقاً بين ذي التي بمعنى صاحب وذي أو ذو الطائية من حيث ما ينعت بها، فقلنا: ذو التي بمعنى صاحب ملازمة للتعريف، يعني لا ينعت بها إلا لمعرفة، وذو الطائية، الموصولات معارف فلا ينعت بها إلا المعرفة، إذاً لا يصح جاءني رجل ذو تحدثت إليه، نقول: لا يصح؛ لأن المنعوت هنا نكرة وذو معرفة ملازمة للتعريف؛ لأن الموصولات كلها معارف، فلا يصح أن يكون المنعوت إلا معرفة. وذو التي بمعنى صاحب ينعت بها النكرة والمعرفة، لكن إذا نعت بها النكرة نكرت المضاف إليه، تقول: جاءني رجل ذو مالٍ، تنكير، ولا تقل: جاءني رجل ذو المالِ. لا غلط؛ لأن المنعوت هنا رجل وهو نكرة، وذو في نفسها نكرة، ما الدليل؟ نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا ... أَوْ وَاقِعٌ مَوْقِعَ مَا قَدْ ذُكِرَا إذاً: ذو مال نقول: ذو هذا نكرة، وإذا أضيف إلى نكرة اكتسب التخصيص، فحينئذٍ جاءني رجل ذو مال، صحيح. جاءني رجل ذو المال. غلط، جاءني الرجل ذو مالٍ، غلط. جاءني الرجل ذو المال، صحيح. إذاً ذو التي بمعنى صاحب ينعت بها النكرة والمعرفة لكن إذا نعت النكرة وجب إضافتها إلى نكرة، وإذا نعت بها المعرفة وجب إضافتها إلى المعرفة، وأما التغاير فهذا لا يجوز عند جماهير النحاة.

الخامس من الجوامد التي يؤول بها بالمشتق: الأسماء الموصولة، المبدوءة بهمزة الوصل كالذي والتي، أما غير المبدوءة بهمز الوصل كمن وما أو المبدوءة بهمزة القطع كأي فلا تقع نعتاً، وتؤول بالمشتق كما ذكرنا القاعدة العامة الموصول مع صلته في قوة المشتق. السادس: لفظ أي الوصفية، سبق معنا هذا، جاءني رجل أيُّ رجلٍ، جاءني الرجل أيُّ رجلٍ، أيُّ الوصفية قلنا هذه ينعت بها المعرفة والنكرة أو تختص بالنكرة؟ إذا تليت معرفة فهي حال، وتلزم الإضافة إلى نكرة. إذاً: جاءني فارس أيُّ فارسٍ صفة، رأيت فارساً أيَّ فارسٍ صفة، جاء زيد أيُّ رجلٍ حال. إذاً السادس: لفظ أيّ الوصفية. سبق بيانها. السابق: شبه الجملة .. الجار والمجرور والظرف، لكن لا يقع بنفسه وإنما يتعلق بمحذوف. وإن جعلنا الجملة كذلك ثامناً، والمصدر تاسعاً فهو صحيح، حينئذٍ تكون تسعة، إذاً ما يؤول بالمشتق تسعة. وَانْعَتْ بِمُشْتَقًّ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ ... وَشِبْهِهِ كَذَا وَذِي وَالْمُنْتَسِبْ ذي معطوف على (ذا) والمنتسب كذلك معطوف على (ذا)، والظاهر من صنع المصنف هنا اشتراط كون النعت مشتقاً، وهذا قول جماهير النحاة، فإذا لم يكن مشتقاً لم يصح أن يكون نعتاً، وهذا رأي الجمهور، وذهب جمع ومنهم ابن الحاجب إلى عدم الاشتراط، بل قال: كل ما أدى معنًى حينئذٍ صح أن ينعت به، ولو لفظ رجل، جاء زيد الرجل، الرجل نعت عنده يصح؛ لأن فيه معنى الرجولة، فحينئذٍ كل ما كان فيه معنىً -وهذا كل الألفاظ- يصح النعت به، وأن الضابط دلالته على معنى في متبوعه كالرجل الدال على الرجولية، لكن الصواب هو ما سبق، أنه لا بد أن يكون مشتقاً أو مؤولاً بالمشتق. وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرَا ... فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا تقع الجملة نعتاً كما تقع خبراً وحالاً، الجملة مؤلفة من مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل، تقع نعتاً كما تقع خبراً وتقع حالاً. قال: (وَنَعَتُوا) أي العرب (بِجُمْلَةٍ) أطلق الناظم هنا الجملة فشملت النوعين الاسمية والفعلية، وإن كان النعت بالجملة الفعلية أقوى من الاسمية، لماذا؟ لأن الفعلية متضمنة لفعلٍ، والفعل في معنى المشتق، بل هو من المشتقات، وأما الاسمية قد تخلو من المشتق، فتقول مثلاً: زيدٌ رجلٌ، زيدٌ هذا مبتدأ ورجلٌ خبر ليس فيه مشتق، إذاً قد تخلو الجملة الاسمية من وصف دال على ذات ووصف .. من وصف يعني اسم فاعل أو اسم مفعول دال على صفة. فحينئذٍ نقول: هذه خالية من الدلالة على الحدث تقع نعتاً أو لا؟ تقع نعتاً، حينئذٍ نقول: الوصف بالجملة الفعلية أقوى، إذاً كل منهما يقع نعتاً هذا المراد. (وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ) لكن ليس مطلقاً، قال: (مُنَكَّرَا) إذاً بشروط، وقالوا: بثلاثة شروط: شرط في المنعوت وهو أن يكون منكراً، أشار إليه بقوله: (مُنَكَّرَا)، هذا شرط في المنعوت، فحينئذٍ إذا وقعت الجملة بعد النكرة على القاعدة هي صفة .. نعت، إذا وقعت بعد معرفة لا يصح أن تكون نعتاً.

إذاً: (وَنَعَتُوا) أي: العرب (بِجُمْلَةٍ) مطلقاً بثلاثة شروط: شرط في المنعوت وهو ما أشار إليه بقوله: (مُنَكَّرَاً) وهو مفعول به، نعتوا العرب، هم منكراً .. حال كونهم منكرين هم أنفسهم، انظر المعنى كيف، وإذا قلت: بجملة يعني حال كونها نكرة، حينئذٍ قد تكون الجملة معرفة، هذا إذا أعربناها حال يفسد المعنى، مُنَكَّرَاً نعتوا منكراً يعني: لفظاً منكراً، هذا المراد؛ لأن التنكير وصف للألفاظ وقد يكون وصفاً للمعنى، إذاً مُنَكَّرَاً هذا مفعول به. شرط المنعوت أن يكون نكرة، إما لفظاً ومعنى، أو معنى لا لفظاً؛ ليعم ما سبق وهو اللئيم، إذاً: أن يكون المنعوت نكرة إما لفظاً ومعنى نحو: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) [البقرة:281] (يوماً) مفعول به، (ترجعون) الجملة من الفعل المغير الصيغة ونائب الفاعل نعت لـ يوماً، الجملة هنا وقعت نعتاً لـ يوماً وهو نكرة في اللفظ والمعنى، والضمير فيه هو العائد، أو معنى لا لفظاً، وهذا مختلف فيه هل يكون في المعنى نكرة وفي اللفظ معرفة؟ قلنا: نعم، وهو المحلى بأل الجنسية، كما في الآية السابقة ((وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ)) [يس:37] وكذلك قول الشاعر: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني، حينئذٍ هذان اللفظان في المعنى نكرتان، وأما في اللفظ فهما معرفتان، الليل، واللئيم دخلت عليه أل فهو معرفة. أو معنى لا لفظاً وهو معرف بأل الجنسية وهذا اختيار ابن مالك رحمه الله تعالى، واختار أبو حيان أنه لا يجوز أن تكون الجملة نعتاً للاسم المحلى بأل، وإن كانت أل الجنسية؛ لأنها مثل أل العهدية في كون مدخول كل منهما معرفة. إذاً نظر أبو حيان إلى اللفظ، ونظر ابن مالك إلى المعنى. نظر أبو حيان إلى اللفظ فقال: أل الجنسية كالمعرِّفة، يعني في كون مدخولها اسماً ثم تكسوه بالتعريف، ونظر ابن مالك إلى المعنى لكون مدخول أل هنا غير معرف، فحينئذٍ صار مبهماً، وإذا صار مبهماً هذا حقيقة النكرة: شائع في جنس موجود أو مقدر، فصدق عليه من حيث المعنى حد النكرة، فحينئذٍ نظر ابن مالك إلى المعنى .. وهذا قول الجماهير، ونظر أبو حيان إلى اللفظ. (وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرَا) هذا شرط منعوت الجملة أن يكون نكرة، إما لفظاً ومعنى كقوله: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) [البقرة:281] وإما أن يكون معنىً لا لفظاً والمراد به المحلى بأل الجنسية. (فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا) إذاً الشرط الأول فيما يتعلق بمنعوت الجملة، وثم شرطان يتعلقان بالجملة، الجملة نفسها، الشرط الأول: أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمنعوت، يعني لا بد من ضمير وهذا كالشأن مع جملة الخبر، ولذلك قال: فَأُعْطِيَتْ، يعني الجملة التي وقت نعتاً، أُعْطِيَتْ مَا -الذي- أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا من الضمير الذي يكون رابطاً بين الجملة النعتية والمنعوت. إذاً: أن تكون مشتملة على رابط، وهو ضمير يربطها بالموصوف. والثاني: أن تكون خبرية، الشرط الثاني الذي يكون في الجملة: أن تكون خبرية، وهذا أشار إليه بقوله: (وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ) كما سيأتي.

وبقي شرط: أن تكون النكرة المنعوتة مذكورة فلا يجوز حذفها إلا في حالة سيأتي ذكرها، هذه ثلاثة شروط تشترط في الجملة التي يصح أن تقع نكرة: الشرط الأول: أن يكون منعوتها نكرة. الشرط الثاني والثالث يعودان إلى الجملة نفسها لا إلى المنعوت، وهو أن تكون مشتملة على ضمير يربطها بالمنعوت، وهذا متفق عليه، وكذلك يشترط فيها أن تكون خبرية، وأما الطلبية فالجماهير على أنه لا تقع نعتاً. (وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرَا) قال الشارح: تقع الجملة نعتاً كما تقع خبراً وحالاً، وسبق بيانه، وهي مؤولة بالنكرة، ولذلك اشترط في منعوتها أن يكون نكرة؛ ليحصل التطابق بين النعت والمنعوت (وَلْيُعْطَ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا لِمَا تَلاَ)، إذاً لماذا اشترط النحاة في كون منعوت الجملة نكرة؟ لكونها هي مؤولة بالنكرة، لماذا نقول مؤولة بالنكرة ولا نقول هي نكرة؟ لأن التنكير والتعريف وصف للأسماء المفردة لا للجمل، ولذلك النحاة يقولون: مؤولة بالنكرة، ولا يحكمون عليها بأنها نكرة، لماذا؟ لأن التنكير وصف للاسم المفرد، وكذلك التعريف، ولا يوصف به الجملة. قيل: الجملة ليست نكرة ولا معرفة، هذا بالفعل ليست نكرة ولا معرفة، لماذا؟ لأن التعريف والتنكير من عوارض مدلول الاسم، والجملة من حيث هي جملة ليست اسماً، وإنما جاز نعت النكرة بها دون المعرفة لتأولها بالنكرة، يعني كأنها في قوة النكرة. ولذلك لا ينعت بها إلا النكرة نحو: مررت برجل قام أبوه، أو أبوه قائم، ولا تنعت بها المعرفة، فلا تقول: مررت بزيد قام أبوه على أنه نعت، التركيب جائز على أنه حال، أو أبوه قائم. وزعم بعضهم أنه يجوز نعت المعرف بالألف واللام الجنسية بالجملة وجعل منه: ((وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ)) [يس:37] والبيت الذي ذكرناه، وهذا ميل منه إلى قول أبي حيان والصواب خلافه، أنه يجوز أن ينعت بالجملة ما حلي بأل الجنسية خلافاً لما ذكره هنا. وأشار بقوله فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَاً إلى أنه لا بد للجملة الواقعة صفة من ضمير يربطها بالموصوف وقد يحذف للدلالة عليه. الرابط هنا لا يكون إلا ضميراً، يعني فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا، يعني مراده في اشتمالها على الضمير، ولذلك عبارته موهمة، قد يظن المساواة مطلقاً بين جملة الخبر وجملة النعت وليس الأمر كذلك، وإنما مراده أنها تشتمل على ضمير يربطها بالمنعوت كما أن الخبر يشتمل على ضمير يربطها بالمبتدأ، هذا مراده. إذاً الرابط هنا لا يكون إلا ضميراً بخلاف الخبر، هناك يكون اسم إشارة، إعادة المبتدأ بلفظه، بمعناه، العموم .. الخ، أما هنا فلا يتأتى هذا، وإنما لا بد من ضمير، وقد يحذف للعلم به، يعني لماذا فرقنا بين المنعوت والخبر؟ والفرق أن المنعوت لا يستلزم النعت صناعة، بخلاف المبتدأ، المبتدأ يطلب الخبر، إذاً: إذا قلت: هذا مبتدأ يلزم منك أن تذكر له خبر وإلا أخطأت في الإعراب، لكن إذا قلت: جاء رجل لا يلزم أن تنعته، إذاً المنعوت لا يستلزم النعت، بخلاف المبتدأ.

والفرق أن المنعوت لا يستلزم النعت صناعة, فضعف طلبه له فاحتيج لدليل قوي يدل على ارتباط الجملة به, وأنها نعت له، وهذا خاص بالضمير، بخلاف المبتدأ فإنه يستلزم الخبر, يعني المبتدأ بنفسه قبل أن تذكر الخبر هو دال عليه؛ لأن كل مبتدأ لا بد أن يكون له خبر. إذاً المبتدأ يستلزم الخبر، والنعت والمنعوت لا يستلزم النعت، إذا كان لا يستلزمه لا بد من رابط قوي، وأقوى الروابط هو الضمير، لذا سبق معنا في شأن الرابط بين الجملة الخبرية والمبتدأ أن الأصل هو الضمير، وما عداه فهو مقام مقام الضمير، توسعوا هناك لوجود هذا الاستلزام، وهنا لا. بخلاف المبتدأ فإنه يستلزم الخبر، فقوي طلبه له فاكتُفي بأي دليل يدل على ارتباط الجملة به, وأنها خبر عنه. أي دليل يدل على أن هذه الجملة مرتبطة بالمبتدأ صح أن تكون خبر، وأما هنا لا، لماذا؟ لقيام الاستلزام هناك مقام الرابط، وأما هنا فلا، بل يحتاج إلى رابط قوي. وقد يحذف للدلالة عليه كقوله: وَمَا أَدري أَغَيَّرَهمْ تَناءٍ ... وطُولُ الدَّهرِ؟ أَمْ مَالٌ أَصابُوا؟ يعني: أصابوه، مَالٌ: هذا منعوت، وأَصابُوا الجملة هذه نعت .. أصابوه .. أصابوهم. ويفهم من قوله: فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا أنها لا تقترن بالواو بخلاف الحالية؛ لأنه لم يقل: فأعطيته ما أعطيته حالاً، يعني: تدخل عليه واو الحال لا، هنا دل على أنها تكون متصلة مباشرة، فلا يفصل بينهما عاطف. ومن الحذف قوله: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي)) [البقرة:48] يعني: فيه، حذف فيه، يوماً هذا مثل ((يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ)) [البقرة:281] ((يَوْمًا لا تَجْزِي)) [البقرة:48] فيه، حذف فيه للعلم به. ثم قال: وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ ... وَإِنْ أَتَتْ فَالْقَوْلَ أَضْمِرْ تُصِبِ يشترط في جملة النعت أن تكون خبرية، ما معنى خبرية؟ أن تكون محتملة للصدق والكذب، والطلبية: غير محتملة للصدق والكذب. لماذا؟ لأنها لم تقع، ليست واقعة، قم يا زيد، ما قمت أنت بعد، كلامي قبل حصول الحدث منك هو الذي يوصف بكونه إنشاء، ليس بعد القيام، إذا قلت: قم يا زيد، قولي: قم، هل له شيء موجود في الخارج حتى نقول: صدقت قام أو لم يقم ليس له وجود. إذاً: الجملة الخبرية: ما احتمل الصدق والكذب لذاته، والطلبية أو الإنشائية ما ليس كذلك. إذاً: شرط الجملة التي يصح أن تقع نعتاً: أن تكون خبرية؛ لأن النعت يوضح المنعوت أو يخصصه، النعت وظيفته الكبرى توضيح، أو تخصيص، هذا أو ذاك، والجملة لا تصلح لذلك إلا إذا كان مضمونها معلوماً للسامع قبلُ. ومضمون الجملة الإنشائية غير معلوم قبل النطق بها، حينئذٍ إذا أردت أن تخصص أو توضح هل توضح للسامع .. المخاطب؟ هل توضح له بشيء معلوم عنده وقع أو بشيء غير معلوم؟ ما يتصور في العقل أنه يحصل بالثاني، ولذلك اشترطوا أن تكون الجملة خبرية، يعني: مدلولها واقع في الخارج حاصل، هذا مرادهم، فإذا نعت وجئت بالنعت المخاطب يعلم، يعلم أن هذا الجملة قد وقعت وهي مخصصة أو موضحة للمنعوت، أما شيء لم يقع ما حصل لا يحصل به ذلك.

إذاً: شُرط أن تكون الجملة خبرية لأن النعت يوضح المنعوت أو يخصصه، والجملة لا تصلح لذلك إلا إذا كان مضمونها معلوماً للسامع قبل، ومضمون الجملة الإنشائية غير معلوم قبل: (وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ) هذا كالاستدراك بل هو استدراك، من قوله: فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا، سبق أن الصحيح قول الجمهور .. من صحة إيقاع الجملة الطلبية خبراً عن المبتدأ خلافاً لابن الأنباري، فإذا قيل: زيد اضربه، زيد مبتدأ وجملة اضربه خبر، زيد لا تهنه، زيد مبتدأ ولا تهنه الجملة خبر. هذا صحيح وهو المرجح هناك. وجوِّز هناك أن يكون الخبر جملة إنشائية؛ لأن الخبر حكم والأصل في الحكم أن يكون مجهولاً، فلا مانع من أن يؤدى بالجملة الإنشائية .. بشيء لم يكن معلوماً عند المخاطب، وأما هنا فلا؛ لأن المراد به التخصيص أو التوضيح فهذا لا بد أن يكون معلوماً، وأما الخبر فهو حكم والأصل فيه أن يكون مجهولاً، ولذلك لا يشترط فيه أن يكون معرفة بخلاف المبتدأ. (وَامْنَعْ هُنَا) يعني في هذا الباب لا في الخبر على المختار وهو قول الجمهور. (وَامْنَعْ) هذا فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت وجوباً. و (هُنَا) هذا ظرف. لا في الخبر على المختار، قيده لئلا يفهم أن الحكم عام، فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا. حينئذٍ قد يفهم من المنع لو لم يقيده أن الحكم عام وليس الأمر كذلك. (وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ) (إِيقَاعَ) أوقع يوقع إيقاعاً، إيوقاعاً هذا الأصل؛ لأنه من الوقوع. (إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ) إيقاع هذا مصدر، مضاف إلى المفعول، يعني إيقاعك أنت ذات الطلب، أنت الموقع وذات الطلب هي الموقعة، إذاً إِيقَاعَ نقول: مصدر مضاف إلى المفعول، وذَاتِ الطَّلَبِ في المعنى هي مفعول والفاعل ضمير مستتر أنت، أنت الفاعل. (إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ)، ذَاتِ: هذا نعت لمحذوف، يعني: إيقاع الجملة ذات الطلب، فذات الطلب ليست وصفاً لك أنت، وإنما وصف للجملة. (وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ) نعتاً. (وَإِنْ أَتَتْ) يعني: الجملة التي منعنا إيقاعها وهي الجملة الطلبية والمراد بها جملة الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والعرض والتحضيض .. فلا يقع شيء من ذلك نعتاً؛ لأنها لا تدل على شيء محصل يحصل به تخصيص المنعوت. (وَإِنْ أَتَتْ) يعني الجملة الطلبية الممنوع إيقاعها نعتاً في كلام العرب، يعني في المنثور أو المنظوم. (فَالْقَوْلَ أَضْمِرْ تُصِبِ) فأضمر القول، فأضمر: يعني انو، وقدر القول. (تُصِبِ) جواب الأمر، أين الأمر؟ (أَضْمِرْ تُصِبِ) ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:151] أتلو هذا فعل مضارع واوي، مثل: أدعو، ((أَتْلُ)) [الأنعام:151] أنت لا تقرؤها بالواو، مجزوم، ما الجازم له؟ وقوعه في جواب الأمر .. طلب. سيأتي معنا هذا. (وَإِنْ أَتَتْ) الجملة الطلبية يعني: نعتاً (فَالْقَوْلَ) الفاء واقعة في جواب الشرط (إن). (فَالْقَوْلَ أَضْمِرْ): يعني فأضمر القول تُصِبِ، يعني يكون النعت ليس هو الجملة الطلبية، وإنما المقدر المضمر، لو قال: مررت برجل اضربه وقعت هنا، ماذا نصنع؟ لو نقل الكلام هكذا: مررت برجل اضربه، اضربه هذه الجملة طلبية.

قال: (فَالْقَوْلَ أَضْمِرْ): يعني: انو أن القول محذوف، برجل مقول فيه اضربه، مقولٍ هو الذي وقع نعت، وأما الجملة فليست نعتاً، وإنما هي مفعول لمقول كما ذكرناه في: بنعم الولد، وعلى بئس العير، حينئذٍ دخل على مقول محذوف. فأضمر القول تُصِبِ، (تُصِبِ) هذا مجزوم بجواب الشرط. قال الشارح هنا: لا تقع الجملة الطلبية صفة فلا تقول: مررت برجل اضربه وتقع خبراً خلافاً لابن الأنباري، وفرق بينهما كما ذكرناه سابقاً. فتقول: زيد اضربه، هذا جائز، ولما كان قوله: فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا، يوهم أن كل جملة وقعت خبراً يجوز أن تقع صفة قال: (وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ). إذاً: ماذا استفدنا من قول ابن مالك: فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا؟ أولاً: أن تكون خبرية؛ لأن فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا يفهم منه .. بل هو ظاهره أنها تشمل الجملة بنوعيها الخبرية والإنشائية، ثم استثنى الإنشائية (وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ) بقي الخبرية، إذاً: دل على أنها خبرية. ثانياً: اشتماله على رابط، لكنه لم يبين حقيقة هذا الرابط فأوقع في إيهام: وهو أن الرابط مطلق، لكنه هنا خاص بالضمير، إذاً عمم والمراد التخصيص، هذا محل نظر. ثالثاً: يمكن أن يستفاد بأنها لا تتصل بها الواو كالجملة الحالية؛ لأن ثم نسب بين هذه الجمل التي تقع خبراً ونعتاً وحالاً. الجملة النعتية لا تكون متصلة بالواو، يعني لا تدخل عليها الواو كالجملة الخبرية. إذاً: ثلاثة أحكام تؤخذ من قوله: فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا. فلما كان القول موهماً بأن الإنشائية تقع نعتاً .. الطلبية قال: (وَامْنَعْ هُنَا) لا هناك، أما هناك فالصواب أنه جائز، (وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ) أي: امنع وقوع الجملة الطلبية في باب النعت وإن كان لا يمتنع في باب الخبر، ثم قال: فإن جاء ما ظاهره أنه نعت فيه بالجملة الطلبية فيخرج على إضمار القول، على حذفه، ويكون المضمر صفة والجملة الطلبية معمول القول المضمر. وذلك مثل البيت المشهور: حَتى إِذا جَنَّ الظَّلامُ واخْتَلَطْ ... جاؤُوا بمَذْقٍ هَلْ رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ؟ المذق ما هو؟ هو اللبن المخلوط بالماء، (بمَذْقٍ هَلْ رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ؟) بمَذْقٍ هَلْ رَأَيتَ يعني موصوف بكونه (هل رأيت الذئب قط) يعني مثله، لونه لون الذئب. وهل هذا استفهام، فهي جملة طلبية إنشائية هل تقع نعتاً؟ قال: لا. إذاً: بمذق مقول فيه هَلْ رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ؟ حينئذٍ هَلْ رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ ليست نعتاً وإنما هي في محل نصب للمقول المقدر. (بمَذْقٍ هَلْ رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ) لأن المذق: هو اللبن الممزوج بالماء، شبهه بالذئب لاتفاق لونهما؛ لأن فيه غبرة وكدرة. فظاهر هذا أن قوله: هَلْ رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ صفة لمذق، وهي جملة طلبية ولكن ليس هو على ظاهره بل هَلْ رَأَيتَ الذِّئْبَ قَطْ معمول لقول مضمر هو صفة لمذق، والتقدير: بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط. وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيراً ... فَالْتَزَمُوا الإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا

مما يقع نعت .. وهو النوع الرابع، قلنا: المشتق، والمؤول به، والجملة، بقي المصدر. والمصدر في الأصل هو جامد، وإذا كان جامداً فحينئذٍ الأصل أنه لا يصح أن ينعت به، كان حقه ألا ينعت به، فإذا قيل: هذا رجل عدل، عدل هذا مصدر، وهو نعت، ورجل هذا منعوت. انظر في مدلول كل لفظ: رجل يدل على ذات، وعدل يدل على معنى. إذاً لا يصح أن ينعت بالمعنى الذات، ولذلك اتفق الفريقان البصريون والكوفيون على التأويل، لا بد من التأويل؛ لأنه لا يمكن أن ينعت الذات بالمعنى؛ لأن المصدر دال على حدث، فلو بقي على ظاهره كنت قد وصفت الذات بالمعنى وهو لا يجوز، ومن أجل هذا التزم البصريون والكوفيون جميعاً تأويل العبارة للتخلص من هذا الظاهر، لا بد من الفرار منه إما بجعل اسم المعنى في تأويل المشتق، الذي هو عدل، نؤوله في تأويل المشتق عادلٌ، هذا رجل عادلٌ خرجنا من الإشكال، فعدل في قوة عادل، وهو مشتق، إذاً أولناه بمشتق. إما بجعل اسم المعنى في تأويل المشتق الدال على الذات، ومعنى قائم به أو واقع عليه، وإما بتقدير مضاف يدل على الذات وهو ذو التي بمعنى صاحب. هذان مشهوران: إما هذا رجل ذو عدل، ذو عدل: يعني صاحب عدل، رددناه إلى ذي .. كَذَا وَذِي، وإما أنه بمعنى عادل، فأولناه باسم الفاعل .. رددناه إلى اسم الفاعل، وكلاهما جائز، إلا أن مذهب البصريين أدق. (وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيراً) نَعَتُوا: أي العرب، وصفوا منعوتاً، بمصدرٍ جار ومجرور متعلق بقوله: نَعَتُوا. (كَثِيراً) يعني وقع كثير كما وقع هناك في الحال: (وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ بِكَثْرَةٍ)، كذلك هنا (كَثِيراً) كثير المصدر يتصرفون فيه، على خلاف الأصل؛ لأن المصدر جامد لكنه إذا عرفنا التأويل السابق فهو شبيه بالمشتق. (فَالْتَزَمُوا الإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا) ولو كان المنعوت مثنى أو جمعاً، ولو كان مؤنثاً، فتقول: جاءت هندٌ عدلٌ، ما تقول: عادلةٌ ولا عدلةٌ، لماذا؟ لأنه مصدر. وهذان الزيدان عدلٌ بالإفراد، وهؤلاء الزيدون عدلٌ بالإفراد، حينئذٍ التزموا فيه الإفراد ولو كان المنعوت مثنى أو جمعاً، والتذكير ولو كان المنعوت مؤنثاً. (فَالْتَزَمُوا الإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا) .. كَثِيراً الألف الأولى بدل عن التنوين، وَالتَّذْكِيرَا الألف الثانية هذه للإطلاق. (وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيراً) وذلك عند الكوفيين مؤول بالمشتق وعند البصريين على تقدير مضاف أي: ذو كذا، وبهذا التزم إفراده وتذكيره كما لو صرح بذو. يكثر استعمال المصدر نعتاً لكنه غير مطرد كَثِيراً: يعني غير مطرد، لا يلزم من الكثرة أن يكون مطرداً قياساً، قد يكون كثيراً وهو شاذ عند النحاة.

نحو: مررت برجلٍ عدلٍ، وبرجلين عدلٍ، وبرجالٍ عدلٍ، وبامرأةٍ عدلٍ، وبامرأتين عدلٍ، وبنساء عدلٍ .. اللفظ واحد مطلقاً بقطع النظر عن المنعوت، ويلزم حينئذٍ الإفراد والتذكير، والسر في ذلك: أنهم نظروا إلى اللفظ، يعني لفظ المصدر، والمصدر من حيث هو لا يثنى ولا يجمع، ولم ينظروا إلى المعنى الذي يصح عليه الكلام، وهذا مما يرجح تقدير البصريين مضافاً محذوفاً؛ لأنهم لو نظروا إلى المعنى بكونه اسم فاعل أو مفعول لثنوه وجمعوه، يعني: العرب لما نعتوا به لم يراعوا فيه المعنى، بل راعوا فيه اللفظ، حينئذٍ إذا جئت تقدر إما أن تقدر باعتبار اللفظ وإما أن تقدر باعتبار المعنى، ما الدليل على أن العرب لم يراعوا فيه المعنى؟ التزام اللفظ من حيث هو مع المذكر والمثنى والجمع، فلما التزموا تذكيره وإفراده علمنا أنهم قصدوا اللفظ من حيث هو لفظ لا باعتبار المعنى، فإذا جئنا نؤوله نؤوله بما يكون مضافاً أولى من أن ننظر إلى المعنى، لأنهم تركوا؛ إذ لو نظروا للمعنى لقالوا: عادلاً، وعادلتينِ، وعُدّل، ونحو ذلك، لكنهم تركوا هذا فدل على أنهم نظروا إلى اللفظ. وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيراً ... فَالْتَزَمُوا الإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا قال: وهو مؤول -هنا قال-: ويلزم حينئذٍ الإفراد والتذكير والنعت به على خلاف الأصل؛ لأنه يدل على المعنى لا على صاحبه، وهو مؤول إما على وضع عدلٍ موضع عادل أو على حذف مضاف والأصل مررت برجلٍ ذي عدلٍ، وهذا أولى، ثم حذف ذي وأقيم عدل مقامه وإما على المبالغة بجعل العين نفس المعنى مجازاً أو ادعاء. يعني: جاء زيدٌ عدلٌ هو العدل نفسه، مبالغة، لذلك عبر به، لكن هذا ليس بجيد. قوله: (وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ) العرب لم ينعتوا بالمصدر إلا بشرط: أن يكون مصدراً لفعل ثلاثي، أو بزنة مصدر الفعل الثلاثي، فالأول: كعدلٍ، ورضى، وزور، والثاني: كفطر اسم مصدر فعله أَفطَر، فِطْر هذا اسم مصدر؛ لأنه نقص حرف من الفعل الماضي، أفطَر فِطْر، أفطر مفطرٌ ولا تقل: فاطر، أفطر فهو مفطر. وألا يكون هذا المصدر مصدراً ميمياً كمضرب، ومنصب، إذاً يشترط فيه .. في هذا المصدر الذي يصح أن يقع نعتاً .. ليس مطلقاً، فإن أطلق الناظم هنا (بِمَصْدَرٍ) ليس كل مصدر، المصدر الرباعي، والخماسي، والسداسي لا، وإنما هو مصدر ثلاثي بشرط ألا يكون ميمياً فقط. إذاً: ليس كل مصدر. وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ إِذَا اخْتَلَفْ ... فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ لاَ إِذَا ائْتَلَفْ هذا شروع منه في تعدد النعت، هل يجوز أن يتعدد النعت أولاً؟ نقول: نعم. يجوز أن يتعدد النعت كما جاز تعدد الخبر لأن محملهما واحد، كل منهما فيه معنى الإخبار، كل منهما وصف. وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ إِذَا اخْتَلَفْ ... فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ لاَ إِذَا ائْتَلَفْ (غَيْرِ وَاحِدٍ) أراد به المثنى والجمع، هذا الظاهر من عبارة الناظم وجماهير النحاة على هذا، أن الحكم مخصوص بما إذا كان المنعوت مثنى أو مجموعاً. (وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ) غير الواحد هو المثنى والجمع، وهذا تحته صورتان:

إحداهما: اختلاف معنى النعتين، أو النعوت، يعني: إذا اختلف معنى النعت: مررت بالزيدين الكريم والبخيل، الكريم والبخيل تعددت النعوت هنا، والمنعوت مثنى، مررت برجال كريم وبخيل وسفيه، هذه تعددت النعوت والمنعوت جمع. إحداهما: اختلاف معنى النعتين أو النعوت، فهذه يعطف فيها النعت بعضها على بعض، يعني النعوت كلها يعطف بعضها على بعض، فلا يصح أن تقول: جاء الزيدان البخيل الكريم، وإنما يجب أن يعطف الثاني على الأول، فتقول: جاء الزيدان الكريم والبخيل. إذا اختلفت حينئذٍ وجب التفريق، إذا اختلفت فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ، فرقه بالعاطف وهو حرف الواو على جهة الخصوص. فهذه يعطف فيها النعوت بعضها على بعض بالواو خاصة، نحو: مررت برجلين كريمٍ وبخيل، أو برجالٍ كريمٍ وبخيلٍ وعاقلٍ، إذاً: إذا كان المنعوت مثنى أو جمعاً وتعددت النعوت فحينئذٍ ننظر فيها، اختلفت أم اتفقت؟ اختلفت بخيل، كريم، عاقل .. هذه معاني متحدة أو مختلفة؟ مختلفة، إذاً فرقه، ائت بحرف العطف فتقول: جاء الزيدون الكريم، والبخيل، والعاقل بالواو واجب؛ لأنه يمتنع أن تثني النعت أو أن تجمعه، فتقول: مررت برجال كريم وعاقل وسفيه، نقول: وجب التفريق، هذه الصورة الأولى. الثانية: أن تكون مؤتلفة، يعني بمعنى واحد، زيد كريم والثاني زيد كريم، فتقول: جاء الزيدان الكريم والكريم، أو تقول: الكريمان؟ الكريمان هو هذا المراد، إذا كان المنعوت مثنى وكان النعت مؤتلفاً، يعني: متفقاً: كريم وكريم وكريم، فتقول: جاء الرجال الكرماء، فلا تقل: جاء الرجال الكريم والكريم والكريم، هذا يخالف لسان العرب وهو القاعدة الكبرى: الاختصار، لا بد من الاختصار، حينئذٍ بدلاً من أن نأتي بالألفاظ على أصلها: الكريم والكريم والكريم، نقول نجمعها. إذاً الصورة الثانية: ائتلافهما أو ائتلافها، فهذه يستغنى فيها بالتثنية والجمع عن العطف، نحو: مررت برجلين كريمين، ولا تقل: برجل كريم كريم، ولا: برجل كريم وكريم، لماذا؟ لاتفاق لفظي النعت، وتقول: مررت برجال كرام، بدلاً من أن تقول: برجال كريم كريم كريم، هذا مراده بهذا البيت. (وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ). نَعْتُ مبتداً وهو مضاف و (غَيْرِ وَاحِدٍ) هذا مضاف إليه. و (وَاحِدٍ) هذا نعت لمحذوف تقديره: ونعت غير منعوتٍ واحدٍ. لا بد من هذا، والمراد به المثنى والمجموع فقط. (إِذَا اخْتَلَفْ فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ) إذا اختلف لفظاً ومعنى، كالعاقل والكريم في المثال الذي ذكرناه، أو معنى لا لفظاً، أو لفظاً لا معنى، إذاً الاختلاف إما أن يكون في اللفظ والمعنى معاً، أو في اللفظ دون المعنى، أو في المعنى دون اللفظ، القسمة ثلاثية عقلية كلها مرادة. (وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ إِذَا اخْتَلَفْ) أي لفظاً ومعنى، كالعاقل والكريم، أو معنى لا لفظاً كالضارب من الضرب بالعصا مثلاً والضارب من الضرب في الأرض أي: السير فيه، أو لفظاً لا معنى كالذاهب والمنطلق.

(فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ) إذاً تقول: جاء الزيدان الذاهب والمنطلق، اتفقا في المعنى واللفظ أم اختلفا؟ اختلفا في اللفظ دون المعنى، إذاً قوله: (إِذَا اخْتَلَفْ) يشمل هذه الأحوال الثلاثة، فيما إذا اختلفا لفظاً ومعنى كالكريم والبخيل، معنى البخيل مغاير بل هو ضد لمعنى الكريم، واللفظ مختلف، كذلك إذا اتفقا لفظاً واختلفا معنى كالضارب، جاء الزيدان الضارب والضارب، هنا يجب التفريق، إذا كان معنى الأول "الضارب" الذي يضرب "يصفع"، والثاني: الذي يضرب يعني: يسير في الأرض، إذاً اتفقا في اللفظ واختلفا في المعنى. (فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ) يجب التفريق هنا، لعدم الاتحاد، كذلك إذا اتفقا معنىً واختلفا لفظاً، جاء الرجلان المنطلق والذاهب، عين المنطلق هو عين الذاهب بمعنى واحد، لكن اختلفا في اللفظ، إذاً قوله: (إِذَا اخْتَلَفْ) هذا عام، مطلق الاختلاف. (فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ) الفاء واقعة في جواب الشرط، يعني ففرقه عاطفاً .. حال كونك عاطفاً، عَاطِفاًحال من الضمير في فَرَّقْهُ، وفرقه فعل أمر، والضمير هذا المتصل في محل نصب مفعول به. (فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ) أي فرق النعت حال كونك عاطفاً بالواو، أطلق الناظم هنا، فعاطفاً بأي حرف؟ يحتمل الواو، ويحتمل أو، ويحتمل ثم، الفاء .. إلى آخره، لكن المراد به الواو. (فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ) أي: فرق النعت حال كونك عاطفاً بالواو فقط إجماعاً بخلاف ما إذا كان المنعوت واحداً، فإنه يجوز العطف بغير الواو، حكى سيبويه: مررت برجل راكبٍ فذاهبٍ، وليس هذا محله، الكلام هنا ليس في هذا، مررت برجلٍ، الكلام هنا فيما إذا كان مثنى أو جمع، وأما الواحد فاستثناه الناظم قال: (وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ) يعني المفرد إذا نُعت ليس الكلام فيه. مررت برجل راكب فذاهب يجوز، مررت برجل راكب فذاهب عطفته بغير الواو وهو جائز. وبرجل راكب ثم ذاهب؛ لأن قصد الترتيب في حصول الوصفين للرجل سائغ؛ لأنه قد يكون رتب بين الوصفين، بخلاف ما إذا كان المنعوت مثنى أو جمعاً. (لاَ إِذَا ائْتَلَفْ) أما إذا ائتلف حينئذٍ تثنيه وتجمعه، يعني إذا اتفق النعت لفظاً ومعنى وكان المنعوت مثنى ثنيت النعت، وإذا كان المنعوت جمعاً جمعت النعت، فتقول: مررت برجلين كريمين، ولا تقل: كريم وكريم؛ لأنهما ائتلفا لفظاً ومعنى، وتقول: مررت برجال كرماء، ولا تقل: كريم وكريم وكريم؛ لأنها ائتلفت لفظاً ومعنى. وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ إِذَا اخْتَلَفْ ... فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ لاَ إِذَا ائْتَلَفْ (وَنَعْتُ) قلنا هذا مبتدأ، أين الخبر؟ ... أين جملة الشرط؟ (إِذَا اخْتَلَفْ) (إذا) هذه ظرف زمان مضمنة معنى الشرط، واختلفا هذا فعل الشرط. (فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ) فرقه عاطفاً، (لاَ إِذَا ائْتَلَفْ) (لا) حرف عطف، (إِذَا ائْتَلَفْ) أين جوابه؟ فلا تفرقه، معلوم مما سبق، دل عليه ما سبق، أين الخبر؟

جملة: إذا اختلف ففرقه عاطفاً، هذه الجملة في محل رفع على الصحيح، أن جملتي الشرط: فعل الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ، وقيل: جملة الشرط فقط، دون الجواب، وقيل العكس وقيل: مما سد فيه جملة الشرط مسد الخبر، يعني: هذا المبتدأ لا خبر له، إذا قيل: (وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ) عند بعض النحاة وليسوا بقلة: نَعْتُ هنا مبتدأ وليس له خبر، مثل: أقائم الزيدان، قائم مبتدأ وليس له خبر، وإنما له فاعل سد مسد الخبر، كذلك له هنا جملة شرط سدت مسد الخبر. وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ إِذَا اخْتَلَفْ ... فَعَاطِفاً فَرَّقْهُ لاَ إِذَا ائْتَلَفْ إذا نعت غير الواحد فإما أن يختلف النعت أو يتفق، فإن اختلفا وجب التفريق بالعطف، كذلك أطلق ابن عقيل، لا بد أن نقيده بالواو فتقول في المختلف: مررت بالزيدين الكريم والبخيل، وبرجال فقيه وكاتب وشاعر، وإن اتفقا جيء به مثنى أو مجموعاً نحو: مررت برجلين كريمين وبرجال كرماء. قال في التسهيل: يُغلب التذكير والعقل عند الشمول يعني: عند الجمع إذا جمع، فإذا جمع .. جمعت هذا وذاك، وعبرت بمثنى أو جمع تغلب التذكير والعقل، التذكير على المؤنث، والعقل على غير العاقل، يعني تأتي به بصيغة جمع تصحيح مثلاً بالواو والنون. يُغلَّب التذكير والعقل عند الشمول وجوباً وعند التفصيل اختياراً، تقول: مررت برجل وامرأة صالحين، الأصل: مررت برجل وامرأة صالح وصالحة، لكن نقول هنا: وجب العطف أو أن نأتي بمثنى؟ الثاني، أن نجمعهما بلفظ واحد فتقول: مررت برجل وامرأة صالحَين، صالحين مثنى مذكر أو مؤنث؟ مذكر، إذاً مررت برجل وامرأة صالحين، ولم تقل صالحتين، لو قلت: صالحتين غلبت المؤنث على المذكر، وهنا مررت برجل وامرأة صالحين، غلبت المذكر على المؤنث، مع أن كلاً منهما عاقل: الرجل عاقل والمرأة عاقل. وبرجلٍ وامرأتين صالحِين، ولا تقل: صالحات؛ لأن الرجل واحد يغلب، وبرجلٍ وأفراس سابقين ولا تقل: سابقات؛ لاعتبار أفراس؛ لأنه جمع ما لا يعقل. والتغليب بالعقل خاص بجمع المذكر وعند التفصيل، يعني: التفريق اختياراً: مررت بعبيد وأفراس سابقين وسابقات، سابقين وسابقات، يجوز هذا وذاك، وعلى عدمه: سابقين وسابقات. وَنَعْتَ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعنْىَ ... وَعَمَلٍ أَتْبِعْ بِغَيْرِ اسْتِثْنَا إذا نُعت معمولان لعاملين متحدي في المعنى والعمل أتبع النعت المنعوت رفعاً ونصباً وجراً، نأخذ المثال؛ لأنا وقفنا مع البيت. إذا قيل: ذهب زيد وانطلق عمروٌ، وجمعت بينهما في نعت واحد فقلت: العاقلان، هنا العاقلان هذا نعت لمعمولين وهو فاعل ذهب وفاعل انطلق، العاقلان نعت لمعمولين، ما حكم هذين المعمولان؟ هل اتفقا في المعنى والعمل أم اختلفا؟ ذهب زيد، انطلق عمرو، ذهب وانطلق مختلفان في المعنى أو متحدان؟ متحدان في المعنى، الذهاب والانطلاق بمعنى واحد، ذهب زيد رفع فاعلاً، وانطلق عمروً رفع فاعلاً، إذاً وقع النعت هنا لمعمولين متحدي في المعنى والعمل، هذا الذي أراده بالبيت.

(وَنَعْتَ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعنْىَ وَعَمَلٍ أَتْبِعْ): يعني يكون تابعاً لما قبله، في الرفع؛ لأن التابع يأخذ حكم المتبوع، فإذا كان مرفوعاً رفع، ولكون المتبوع هنا في المحلين المعمولين مرفوعاً كذلك صار النعت مرفوعاً. (وَنَعْتَ مَعْمُولَيْ) نَعْتَ هذا مفعول مقدم لقوله: أَتْبِعْ، نَعْتَ هذا مصدر أضيف إلى المفعول، (وَنَعْتَ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعنْىَ وَعَمَلٍ) يعني متحدين في المعنى والعمل. وقوله: (وَحِيدَيْ) هذا نعت لمحذوف يجب تقديره، يعني نعت معمولي عاملين، (وَحِيدَيْ مَعنْىَ وَعَمَلٍ) يعني: متحدين في المعنى والعمل. (أَتْبِعْ) مطلقاً (بِغَيْرِ اسْتِثْنَا) يعني: لا تقطعه بأن تفصله عما سبق، فتفصله عن كونه نعتاً لسابقه، بل تعربه نعتاً لما سبق. وَنَعْتَ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعنْىَ ... وَعَمَلٍ أَتْبِعْ بِغَيْرِ اسْتِثْنَا أي: متحدين في المعنى والعمل، سواء اتحدا لفظاً أم لا، يعني المعمولان قد يتحدان في اللفظ: جاء زيد وجار عمرو العاقلان، العاقلان هذا نعت، أين المنعوت؟ زيد وعمرو، المنعوت هو المعمولان زيد وعمرو، إذاً جاء زيد، وجاء عمرو العاقلان، نقول: العاقلان نعت، أين منعوته؟ زيد وعمرو، ما العامل فيهما؟ جاء، اتحدا في اللفظ والمعنى؟ نعم اتحدا في اللفظ والمعنى. إذاً: (وَحِيدَيْ مَعنْىَ وَعَمَلٍ) يعني متحدين في اللفظ والمعنى معاً، أو متحدين في المعنى دون اللفظ فيشمل هذا وذاك، مثل المثال الذي ذكره ابن عقيل: ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان، العاقلان نعت لأي شيء؟ لزيد وعمرو، ما العامل فيهما؟ ذهب وانطلق، متحدان في المعنى دون اللفظ. فالأول: كجاء زيد وجاء عمرو العاقلان، والثاني: كذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان. زاد بعضهم شرطاً ثاني وهو اتفاق المنعوتين تعريفاً وتنكيراً، فلا يجوز جاء رجل وجاء زيد العاقلان، العاقلان نعت لأي شيء؟ لرجل وزيد، لا يصح هذا، لماذا؟ لاشتراط اتفاق اتحاد النعت والمنعوت تعريفاً وتنكيراً، فلا يجوز: جاء رجل وجاء زيد العاقلان، ولا عاقلان، يعني: لا يجوز لا بالتعريف ولا بالتنكير، لما يلزم من نعت النكرة بالمعرفة والعكس. وزاد بعضهم شرطاً رابعاً: وهو ألا يكون أحد المنعوتين اسم إشارة، فلا يجوز جاء هذا وجاء زيد العاقلان، لا يجوز أن يكون أحد المنعوتين اسم إشارة، جاء هذا وجاء زيد العاقلان؛ لعدم جواز الفصل بين المبهم ونعته، يعني سيأتي اسم الإشارة إذا نعت لا بد أن يكون متصل به بلا فاصل، لو فصل بينهما ما جاز أن يكون نعتاً، فإذا قلت: جاء هذا وجاء زيد العاقلان امتنع، لو عكست: جاء زيد وجاء هذا العاقلان صح؛ لأن العلة السابقة منفية هنا، وهو الفصل بين النعت والمبهم. لعدم جواز الفصل بين المبهم ونعته، فإن أخر اسم الإشارة كجاء زيد وجاء هذا العاقلان جاز. (وَنَعْتَ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعنْىَ وَعَمَلٍ أَتْبِعْ) أي أجز الإتباع، لا أن الإتباع واجب؛ لأنه يجوز فيه القطع، وفهم منه جواز الإتباع إذا كان العامل فيهما واحداً نحو: ذهب زيدٌ وعمروٌ العاقلان وهو من باب أولى وأحرى، وليس الحديث فيه.

إذاً قوله: (أَتْبِعْ) المراد به جواز الإتباع لا أنه واجب؛ لأنه نقل عدم الإتباع، مطلقاً بغير استثناء، هنا قال: (بِغَيْرِ اسْتِثْنَا) ما مراده بغير استثناء؟ فسر بثلاثة أقوال .. بغير استثناء؛ لأنه متعلق بقوله: (أَتْبِعْ) مطلقاً (بِغَيْرِ اسْتِثْنَا) مراده: بغير استثناء قصره للضرورة، أي: سواء كان المتبوعان مرفوعي فعل أو خبري مبتدأين، أو منصوبين أو مخفوضين مطلقاً كله منعوت، لا يستثنى شيء من هذه؛ لأن بعضهم استثنى إذا كان خبري مبتدأ، وبعضهم استثنى إذا كان مرفوعي فعل، والصواب أنه مطلقاً، فالمنعوت يكون مطلقاً، إذاً بِغَيْرِ اسْتِثْنَا أي: سواء كان المتبوعان مرفوعي فعل أو خبري مبتدأين أو منصوبين أو مخفوضين. وقيل: يحتمل قوله (بِغَيْرِ اسْتِثْنَا) أن الإتباع سائغ فيما ذكر بغير استثناء، يشير إلى قول من يمنع الإتباع وإن اتفقا في المعنى وهو قول ابن السراج ويحتمل أنه يريد بغير استثناء في الرفع والنصب والجر وبه جزم ابن الناظم، على أن مراده بِغَيْرِ اسْتِثْنَا سواء كان مرفوعاً أو مخفوضاً أو منصوباً، وكلها متداخلة هذه خاصة القولان الأخيران متداخلان. وَنَعْتَ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعنْىَ ... وَعَمَلٍ أَتْبِعْ بِغَيْرِ اسْتِثْنَا قال الشارح: إذا نعت معمولان لعاملين متحدي المعنى والعمل أُتبع النعت المنعوت رفعاً ونصباً وجراً نحو -فيما اتحدا معنى لا لفظاً-: ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان، العاقلان هذا نعت منعوته زيد وعمرو، فهما معمولان لفعلين متحدي في المعنى والعمل، كل منهما رفع فاعلاً. وحدثت زيداً وكلمت عمراً الكريمين، الكريمين نعت، منعوته زيداً وعمراً اتفقا، لعاملين حدثتُ وكلمتُ، اختلفا في اللفظ واتفقا في المعنى، والعمل كذلك؛ لأن كلاً منهما نصب، والكريمين نعت للمنصوبين. ومررت بزيدٍ وجزت على عمروٍ الصالحين، الصالحين نعت، لماذا؟ زيد وعمرو معمولان للباء وعلى، إذاً نقول هنا: أَتْبِعْ يجوز الإتباع. (وَنَعْتَ مَعْمُولَيْ وَحِيدَيْ مَعنْىَ وَعَمَلٍ أَتْبِعْ) إذا اختلف معنى العاملين لا يجوز الإتباع، يجب القطع. إذا اختلف معنى العاملين لم يجز الإتباع وتحته ثلاث صور .. اختلاف المعنى. إذا اختلف معنى العاملين لم يجز الإتباع وفيه ثلاث صور: الأولى: أن يختلفا في المعنى واللفظ، اختلفا مطلقاً، اختلاف كلي من كل وجه معنى ولفظاً نحو: ذهب زيد وهذا عمروٌ العاقلان أو العاقلين يجوز الوجهان، على القطع العاقلان خبر مبتدأ محذوف، والعاقلين مفعول به. إذاً: ذهب زيد وهذا عمروٌ العاقلان، هنا اختلفا في المعنى، ذهب هذا فعل، وهذا هذا اسم، إذاً اختلفا في الجنس، هذا من جنس الفعل وهذا من جنس الاسم، إذاً لا يمكن أن يكون ما بعدهما تابعاً لهما. إذاً: زيد وعمروٌ نقول: العاقلان نعت لهما، هذا في الأصل، لكن لما اختلف العاملان في المعنى وجب القطع، فالعاقلان بالألف على أنه خبر لمبتدأ محذوف، ويجوز النصب، فتقول: ذهب زيد وهذا عمروٌ العاقلين .. أعني العاقلين.

الثانية: أن يختلفا في اللفظ والمعنى ويتحدا في الجنس، قام زيد وخرج عمروٌ الكريمان، قام وخرج مختلفان في اللفظ وفي المعنى، لكن قام فعل وخرج فعل اتحدا في الجنس، العاقلان لا نقول: نعت، وإنما هو خبر لمبتدأ محذوف هما العاقلان، أو العاقلين بالنصب على أنه مفعول به. الثالثة: أن يتفقا في الجنس وفي اللفظ ويختلفا في المعنى. يتفقا في الجنس، كل منهما فعل، وفي اللفظ .. النطق، ويختلفا في المعنى نحو: وجد زيد ووجد عمروٌ، إذا أريد بوجد الأول حزن، وبالثاني أصاب .. وجد ضالته، فالوجود يختلف، اتفقا في اللفظ وفي الجنس كل منهما فعل واختلفا في المعنى. إذاً إذا اختلف معنى العاملين مطلقاً ولو اتحدا في اللفظ حكمنا عليه بوجوب القطع. فإن اختلفا معنى العاملين أو عملهما، قد يتحدان لكن يختلف العمل لم يجز الإتباع بل يجب القطع، ضربت زيداً وقام عمروٌ العاقلان، نقول: اختلف العمل هنا، الأول نصب زيداً والثاني رفع، إذاً العاقلان بالرفع أو بالنصب؟ لو أردنا أننا نتبعه النعت لا بد أن يكون مطابقاً للمنعوت، حينئذٍ لما اختلف العمل لا يمكن الإتباع، امتنع الإتباع؛ لأنه إذا اتحدا رفعاً كالصورة الأولى: ذهب زيد وانطلق عمروٌ العاقلان لا إشكال فيه، أما ضربت زيداً وقام عمروٌ العاقلان! نقول: لا. العاقلان هذا خبر لمبتدأ محذوف، أو العاقلين. وكذا إذا كان العامل واحداً واختلف عمله نحو: خاصم زيدٌ عمراً العاقلان لا يصح، وإن جوزه البعض، الجمهور على عدم الجواز، حينئذٍ خاصم زيد عمراً لا نقول: العاقلان، على أنه تابع لما سبق. إذاً: إذا اختلف معنى العاملين أو عملهما وجب القطع وامتنع الإتباع، لماذا؟ لأن العمل الواحد لا يمكن نسبته لعاملين، من شأن كل واحد منهما أن يستقل بنفسه. وامتنع الإتباع فتقول: جاء زيدٌ وذهب عمروٌ العاقلين، جاء زيدٌ وذهب عمروٌ هنا اختلف المعنى أو العمل؟ المعنى؛ لأن العمل متحد، كل منهما مرفوع، هذا اقتضى فاعل وهذا اقتضى فاعل، وأما جاء وذهب مختلفان. بالنصب على إضمار فعل أي: أعني العاقلين وبالرفع على إضمار مبتدأ أي هما العاقلان، وتقول انطلق زيد وكلمت عمراً الظريفين، اختلفا في المعنى والعمل، أي: أعنى الظريفين أو الظريفان، أي: هما الظريفان، ومررت بزيدٍ وجاوزت خالداً الكاتبين أو الكاتبان. كسابقه. وَإِنْ نُعُوتٌ كَثُرَتْ وَقَدْ تَلَتْ ... مُفْتَقِراً لِذِكْرِهِنَّ أُتْبِعَتْ (وَإِنْ نُعُوتٌ كَثُرَتْ) قد يكون للمنعوت الواحد نعتان فصاعداً بعطفٍ كقوله تعالى: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)) [الأعلى:1] ((الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)) [الأعلى:2] ((وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)) [الأعلى:3] ((وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى)) [الأعلى:4] ((وَالَّذِي)) هذه كلها نعوت والمنعوت واحد ومعطوفاً بالواو، لا نعربها نعوت، هي في المعنى نعت، الأول نعت، وما بعده الذي عطف بالواو فصل هذا صار عطف النسق، وبغير عطف كقول: ((هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)) [القلم:11] هذه كلها نعوت وبدون واو. فإن كان المنعوت مفتقراً لذكرها كلها وجب إتباعها، وهو الذي عناه بالبيت الأول:

(وَإِنْ نُعُوتٌ كَثُرَتْ وَقَدْ تَلَتْ مُفْتَقِراً) تَلَتْ: يعني تبعت منعوتاً مُفْتَقِراً لِذِكْرِهِنَّ أُتْبِعَتْ يعني: إذا كان المنعوت لا يعرف إلا بهذه النعوت مجتمعة لا يجوز القطع، ويجب الإتباع، متى؟ إذا اتحد المنعوت .. كان واحداً، ثم النعوت متعددة: زيدٌ البخيل، الكريم، العالم .. إلى آخره، نقول: إذا كان لا يتميز المنعوت إلا بذكر النعوت كلها وجب الإتباع؛ لأن النعت من شأنه أن يكون موضحاً ومخصصاً، فإذا كان التخصيص والتوضيح لا يحصل إلا باجتماع هذه النعوت وجب أن تكون تابعة لما سبق. (وَإِنْ نُعُوتٌ كَثُرَتْ) وإن كثرت نعوت. (كَثُرَتْ) فعل ماضي. و (نُعُوتٌ) هذا فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده أي: وإن كثرت نعوت. (وَإِنْ نُعُوتٌ كَثُرَتْ) كثيرة .. يعني: زادت على نعت واحد، نعت واحد فصاعداً، اثنان فصاعداً. (وَقَدْ) الواو واو الحال، وقد للتحقيق. (تَلَتْ): يعني تبعت منعوتاً واحداً. (مُفْتَقِراً) افتقاراً كلياً (لِذِكْرِهِنَّ) جميعاً .. كلها، بأن كان لا يعرف إلا بذكرها جميعاً. (أُتْبِعَتْ) وجوباً، أي: وجب إتباعها للمنعوت في إعرابه، لماذا؟ لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد، كأنها شيء واحد؛ لأنه مفتقر لها. إذا تكررت النعوت وكان المنعوت لا يتضح إلا بها جميعاً وجب إتباعها كلها، للعلة التي ذكرناها لتنزيلها منه منزلة الشيء الواحد، فتقول: مررت بزيد الفقيه الشاعر الكاتب. وهذه إذا كان لا يتميز إلا بها، هذا متى؟ إذا كان عندنا زيد فقيه، زيد آخر شاعر، زيد ثالث كاتب، إذا عندنا ثلاثة وهذا الرابع، إذا عندنا زيد فقيه، وزيد شاعر، وزيد كاتب، حينئذٍ لو قلت: زيد الفقيه الشاعر الكاتب، لو سكت على الأول أتبعته التبس بغيره وهو الشاعر فقط، ولو قلت الكاتب فقط أتبعته التبس بغيره. إذاً: لا يتميز إلا بذكر هذه النعوت كلها تابعة لسابقه، هذا تصور المثال، يعني لو وجد زيد آخر شاعر، ووجد زيد ثان وهو فقيه، ووجد زيد ثالث وهو كاتب، حينئذٍ إذا نعت زيد آخر رابع بهذه النعوت لا يتميز إلا بهذا؛ لأنك لو سكت على الأول التبس بالفقيه أو بالشاعر أو بالكاتب، ونحو ذلك. وقد يكون المنعوت معيناً غير محتاج إلى تخصيص بالنعت وإليه أشار بالبيت الآتي. وَاقْطَعْ أَوَ اتْبعْ إِنْ يَكُنْ مُعَيَّنا ... بِدُونِهَا أَوْ بَعَضَهَا اقْطَعْ مُعْلِنَا يعني: إذا اجتمعت أو تعددت النعوت -كثرت-، لكن قد يتضح المنعوت بدونها كلها، فحينئذٍ يجوز قطعها كلها ويجوز إتباعها كلها .. لا يجب، في الأول يجب، هنا يجوز الإتباع، ويجوز القطع، وإذا كان بعضها مفتقراً إليها المنعوت دون بعض، فحينئذٍ وجب في المفتقَر إليه الإتباع، وجاز في غيره الوجهان الذي هو القطع والإتباع. وَاقْطَعْ: يعني الجميع. أَوَ اتْبعْ: يعني الجميع إِنْ يَكُنْ: المنعوت. مُعَيَّنا: يعني تعين مسماه بدون النعت. بِدُونِهَا: كلها.

أو اقطع بعضها: متى؟ إذا تعين البعض دون البعض، يعني إذا كان يتميز .. في المثال السابق عندنا زيد شاعر وكاتب وليس عندنا فقيه، فحينئذٍ قلنا: بزيد الفقيه الشاعر الكاتب، نقول: الأول الذي هو الفقيه هذا يتعين؛ لأنه يحصل به التعيين، وما بعده يجوز فيه الوجهان، فتقول: مررت بزيد الفقيه بالنعت وجوباً، والثاني يجوز الشاعرُ الكاتبُ، الشاعرَ الكاتبَ على القطع، لماذا؟ لأن المنعوت غير مفتقر لهذين الوصفين، وأما الوصف الأول فهو مفتقر إليه، فإن لم يفتقر إليها كلها جاز فيها الوجهان القطع والإتباع، وإن افتقر إليها كلها فهو البيت الذي سبق، إن افتقر لبعضها دون بعض فما افتقر تعين الإتباع وما لا فيجوز فيه الوجهان. (وَاقْطَعْ) الجميع (أَوَ اتْبِعْ) الجميع، أو أقطع البعض واتبع البعض، وهو ما أشار إليه بقوله: (أَوْ بَعْضَهَا اقْطَعْ) اقطع بعضها (اقْطَعْ) هذا فعل أمر، وبَعْضَهَا هذا مفعول مقدم. (مُعْلِنَا) يعني مظهراً ذلك وهو تنكيت على من يقول: أن القطع لا يكون إلا بعد الإتباع. قال الشارح هنا: إذا كان المنعوت متضحاً بدونها كلها جاز فيها جميعها الإتباع والقطع، وإن كان معيناً ببعضها دون بعض وجب فيما لا يتعين إلا به الإتباع، وجاز فيما يتعين بدونه الإتباع والقطع .. جاز فيه الوجهان، لكن بشرط تقديم المتبع الأول، فإذا كان لا يتعين إلا بالأول حينئذٍ وجب تقديمه أو الثالث وجب أن يتقدم. بشرط تقديم المتبِع. وإذا كان المنعوت نكرة تعين في الأول من نعوته الإتباع وجاز في الباقي القطع، فلو كان نعتاً نكرة واحداً نحو: جاء رجل كريم لم يجز قطعه إلا في الشعر ضرورة على المشهور، ونقل عن سيبويه جوازه. إذاً: إذا كان متعدداً في النكرة مطلقاً يجب أن يتبع الأول، وأما إذا كان غير متعدد فحينئذٍ تعين فيه الإتباع، ولم يتعرض هنا للقطع عند عدم تعدد النعت، والصحيح جوازه، يعني لو قال: مررت بزيد الكريم دون تعدد، الكلام فيما سبق في المتعدد، مررت بزيد الكريم، هنا الأصل الإتباع الكريمِ إذاً نقول: لم يتعرض هنا الناظم للقطع عند عدم تعدد النعت والصحيح جوازه خلافًا للزجاج المشترط في جواز القطع تعدد النعت. ثم النعت إذا قطع خرج عن كونه نعتاً. إذا قيل: مررت بزيد الكريمِ، الكريمِ هذا على الإتباع بمعنى أن يكون نعت لما سبق بالخفض، هل يجوز قطعه أم لا؟ الزجاج شرط أن القطع لا يصح إلا في المتعدد: مررت بزيدٍ الكريمِ الفقيهِ، فيجوز القطع، أما إذا كان واحداً فلا، والجمهور على الجواز، فيصح أن يقال: مررت بزيد الكريمِ الكريمَ الكريمُ، بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وبالنصب على أنه مفعول به، ولذلك إذا قطع النعت سواء قطع إلى الرفع أو إلى النصب خرج عن كونه نعتاً .. فليس بنعت، وإنما نرتب عليه جواز القطع وعدم النظر إلى أصله، وهو أنه نعت، نحكم عليه أولاً أنه نعت فُيتبع ثم نقول: لك وجه آخر وهو القطع إلى الرفع أو إلى النصب. (وَاقْطَعْ أَوَ اتْبِعْ إِنْ يَكُنْ) يعني المنعوت (مُعَيَّناً بِدُونِهَا) كلها، حينئذٍ جاز لك الوجهان ولا يتعين. (أَوْ بَعْضَهَا اقْطَعْ مُعْلِنَا) أي: مظهراً ذلك وهو تنكيت على من منع. ثم قال:

وَارْفَعْ أَوِ انْصِبْ إِنْ قَطَعْتَ مُضْمِرَا ... مُبْتَدأً أَوْ نَاصِباً لَنْ يَظْهَرَا إذا قطعنا النعت فإما أن نقطعه إلى الرفع أو إلى النصب، ولا يجوز وجه ثالث، يعني تقول: مررت بزيدٍ الكريمِ هذا الأصل، هذا الإتباع، المراد بالإتباع أن يكون نعتاً لما سبق فيأخذ حكمه وهو الخفض في مثل هذا المثال، لك أن تقطعه، يعني: تفصله، يجعل جملة مستقلة ليس تابعاً لما سبق، هذا يسمى قطعاً، تقطعه إلى ماذا؟ إما الرفع وإما النصب، الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف: مررت بزيدٍ الكريمُ أي وهو الكريمُ، والنصب: مررت بزيدٍ الكريمَ أي: أعني الكريم، أو أمدح أو أذم .. إلى آخره، لا يأتي الذم هنا، أي: أعني الكريمَ، حينئذٍ يتعين هذان الإعرابان عند القطع في الرفع والنصب، ولا يجوز غيرهما، وأما باعتبار وجوب الإضمار وعدمه ففيه تفصيل. (وَارْفَعْ) على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وارفع يعني: إن قطعت النعت، ارفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف. (أَوِ) هذا للتخيير، أنت المخير. (انْصِبْ) على أنه مفعول به. (إِنْ قَطَعْتَ) النعت عن التبعية أو النعوت أو بعضها، الحكم عام فيما سبق كلها، إن قطعت النعت إن كان واحداً، عن التبعية، أو النعوت كلها، أو بعضها، إن قطعت هذا شرط في جواز الوجهين، إن لم تقطع وجب الإتباع، إن لم تقطع يعني: لم تنو انفصال هذا النعت عن سابقه، حينئذٍ وجب الإتباع، لا يجوز أن ترفع أو تنصب إلا بنية القطع. (إِنْ قَطَعْتَ) شرط في جواز الوجهين، وهذا قلنا مفعوله محذوف، يعني: قطعت النعت. حال كونك (مُضْمِرَا) يعني: حاذفاً مقدراً (مُبْتَدأً أَوْ نَاصِباً) مبتدأ في حالة الرفع، لست مقدر المبتدأ الذي رفعته لا، الذي رفعته على أنه خبر، المبتدأ هو المضمر، هو المحذوف. (أَوْ نَاصِباً) فعل وهو ناصب على الأصل في النصب، وهو أن يكون للأفعال. (لَنْ يَظْهَرَا) الألف هذه تثنية فاعل، يعني لن يظهرا الذي هو المبتدأ والناصب، وهذا إذا كان النعت لمجرد مدح أو ذم أو ترحم وجب الإضمار، وأما إذا كان للتخصيص أو الإيضاح فيجوز فيه الوجهان: الذكر والحذف. قال الشارح: إذا قطع النعت عن المنعوت رفع على إضمار مبتدأ أو نصب على إضمار فعل نحو: مررت بزيد الكريمُ أي هو الكريمُ أو الكريمَ يعني: أعني الكريم. الحمدُ للهِ الحميدُ، ((وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ)) [المسد:4] [المسد:4] حمالةُ الجمهور على الرفع، وقرأ عاصم بالنصب حَمَّالَةَ يعني: أذم. وقول المصنف (لَنْ يَظْهَرَا) معناه أنه يجب إضمار الرافع أو الناصب، وإنما وجب حذف العامل ليكون حذفه الملتزم أمارة على قصد إنشاء المدح أو الذم أو الترحم، ولا يجوز إظهاره وهذا صحيح إذا كان النعت لمدح أو ذم أو ترحم، كما ذكرناه في الأمثلة السابقة. فأما إذا كان لتخصيص أو توضيح فلا يجب الإضمار بل يجوز الوجهان: مررت بزيد الخياطُ خبر لمبتدأ محذوف، مررت بزيد هو الخياط يجوز، هو ابن مالك الذي ذكره سابقاً، أو الخياطَ يعني: أعني الخياطَ. وإن شئت أظهرت فتقول: هو الخياطُ أو أعنى الخياطَ، والمراد بالرافع والناصب لفظة: هو أو أعني.

إذاً قوله: (لَنْ يَظْهَرَا) المراد به أنه خاص بما إذا كان النعت لمجرد مدح أو ذم أو ترحم، أما إذا كان للتخصيص أو التوضيح فيجوز فيه الوجهان ولا يجب، وهذا ما اعتُذر به على الناظم في أول الألفية: قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، إذ كيف أظهر؟ نقول: لا. هنا للإيضاح وليس للمدح أو الذم أو الترحم، وإنما يجب الإضمار فيما إذا كان واحداً من هذه الأمثلة، ولذلك نقول: مررت بزيد الكريمُ، وهذا مدح هو الكريمُ، فيجب حينئذٍ إذا رفعت أن تضمر المبتدأ، ولا يجوز إظهاره، فلا يصح أن يقال: مررت بزيد هو الكريمُ، أو ذم مررت بعمروٍ الخبيث أي هو الخبيث، فيجب حذف المبتدأ، أو ترحم مررت بزيد المسكينُ، فيجب حينئذٍ أن تحذف المبتدأ، فأما إذا كان لتخصيص أو توضيح فلا يجب الإضمار، مررت بزيد الخياطُ أو الخياطَ، وإن شئت أظهرت فتقول: هو الخياطُ أو أعني الخياطَ، والمراد بالرافع والناصب لفظة هو أو أعني، وبعضهم عمم، هذا تعميم، لكن في مقام المدح أو الذم يجوز أن تقول: أمدح، ولذلك ((وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)) [المسد:4] أي: أذم حمالة الحطب، ثم قال رحمه الله: وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ... يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ يجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم، وكان النعت إما صالحاً لمباشرة العامل نحو: ((أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)) [سبأ:11] أي: دروعاً سابغات، أو بعض اسم مقدم مخفوض بـ (من) أو (في)، فالمخفوض بـ (من) نحو قوله: (مِنَّا ظَعَنَ وَمِنَّا أَقَامَ) أي: منا فريق ظعن، ومنا فريق أقام .. فريق وفريق حذفه في الموضعين، والثاني كقوله: لَوْ قُلْتَ مَا فِي قَوْمِهَا لَمْ تِيثَمِ تأثم .. يَفْضُلُهَا فِي حَسَبٍ وَمَيسَمِ، هذا فيه تفصيل. قال: أصله لو قلت: ما في قومها أحد يفضلها، يفضلها هذه الجملة نعت لموصوف محذوف تقديره أحد. إذاً: (وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ) ما عقل: يعني علم، (ما) مبتدأ، وجملة (عقل) صلة الموصول، و (مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ) متعلق بعقل. (مِنَ الْمَنْعُوتِ) جار ومجرور متعلق بعقل، وعقل بمعنى العلم؛ لأن المراد به الإدراك والإدراك هو عين العلم. (يَجُوزُ حَذْفُهُ) الجملة خبر عن المبتدأ، ويكثر ذلك في المنعوت ويقل في النعت. قال: (وَفِي النَّعْتِ يَقِلّ) ويقل في النعت، في النعت متعلق بقوله يقل، والضمير هنا يعود على الحذف، يعني يقل الحذف في النعت. مفهومه: أنه في المنعوت كثير، إذاً يحذف كلٌّ من النعت والمنعوت إذا علم، وأما إذا لم يعلم فلا يجوز على القاعدة المشهورة، والأكثر أن يكون الحذف للمنعوت بخلاف النعت؛ لأن النعت إنما جيء به للغرض الذي ذكرناه. قال الشارح: أي: يجوز حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه إذا دل عليه دليل نحو قوله تعالى: ((أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)) [سبأ:11] وهذا لأن العامل صالحاً لأن يباشره، أي: دروعاً سابغات، وكذلك يحذف النعت إذ دل عليه دليل لكنه قليل: ((قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)) [البقرة:71] البين، ((إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)) [هود:46] الناجين .. حذف الناجين. ((يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) [الكهف:79] سفينة صالحة.

وقوله: (مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ) يشمل حذفهما معاً، نحو: ((لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا)) [طه:74] يعني: لا يموت فيها ولا يحيا حياة نافعة، حذف الموصوف وصفته، إذ لا واسطة بين مطلق الحياة والموت، وقوله: (عُقِلْ) مفهومه أنه إذا لم يعقل لا يجوز الحذف، وقوله: (يَجُوزُ حَذْفُهُ) هذا إطلاق ومفهومه مقيد بقوله: (وَفي النَّعْتِ يَقِلّ) يعني: أنه كثير. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

90

عناصر الدرس * شرح الترجمة. التوكيد. وحده * أنواع التوكيد. بيان التوكيد المعنوي وبعض أحكامه * توكيد النكرة عند النحاة * الفاظ توكيد المثنى. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: التَّوْكِيدُ. هذا هو ثاني التوابع، بعد أن أنهى ما يتعلق بالنعت ثنى بالتوكيد، وبعض النحاة يعكس ويقدم التوكيد على النعت بناء على أن التوكيد هو عين المتبوع، تقول: جاء زيد نفسه، نفسه هو عين زيد وزيد هو عين نفسه، فهما شيء واحد، وهذا كله في التوكيد سواء كان اللفظي أو المعنوي، فحينئذٍ إذا كان عين المتبوع فهو أولى بالتقديم، وابن مالك هنا قدم النعت على التوكيد، وخالف في بعض كتبه .. عكس، قدم التوكيد على النعت. قد يقال بأنهم يراعون الترتيب، إذا اجتمعت قلنا يقدم النعت، لكن هذا ليس بظاهر، قد يقال بأنهم لا يراعون ترتيباً معيناً بين النعت والتوكيد، على كل ثنَّى بالتوكيد. التَّوْكِيدُ: تفعيل، مصدر وكَّد يُؤكِّد توكيداً، فهو في الأصل مصدر ثم نقل سمي بالتابع المخصوص، يعني: نفسه وكلهم أجمعون، هذا تابع مخصوص، سمي توكيداً، نقل من المصدرية إلى التابع المخصوص، سبق أن العلم قد يكون منقولاً من المصدر كفضل، قلنا فضل هذا منقول من المصدر إلى العلمية، ثم جرد عن المعنى، لكن هنا هل جرد عن معناه الأصلي؟ الجواب: لا؛ لأن التوكيد بمعنى التقوية، وهذه ملاحظة في المؤكدات بنوعيها، سواء كانت مؤكدات لفظية أو معنوية. إذاً نقل وجعل علماً على التابع المخصوص مع ملاحظة المعنى اللغوي له، يعني لم يسلب الدلالة على معنى، فضل إذا سميت فضل، قلنا فضل يدل على الزيادة، طيب. إذا سميت رجلاً فضل، حينئذٍ نزعته من معناه، لا يدل على معناه، صالحاً، لو سميت صالح، قد لا يكون صالحاً؛ لأنه فاسداً، ولكن حينئذٍ نقول: لما نقل من الوصفية إلى العلمية جرد عن معناه الأصلي، سلب صار جامداً، فحينئذٍ صالح وفضل مثل رجل، رجل لا يدل على ذات ولا يدل على وصف، وصفٍ باعتبار اصطلاح النحاة، حينئذٍ توكيد نقل، هو في الأصل مصدر يدل على التقوية، نقل فجعل علماً على التابع المخصوص نفسه، وكلهم .. إلى آخره، هل سلب معناه اللغوي؟ نقول: لا، لم يسلب، بل روعي فيه المعنى الأصلي، إذاً هو مصدر ثم سمي به التابع المخصوص، هكذا يقول النحاة، لكن لا يفهم منه أنه سلب عنه معناه الأصلي اللغوي وهو التقوية، بل المراد به التقوية. ويقال فيه أيضاً التأكيد، يعني بالهمزة، وبإبدالها ألفاً على القياس، في نحو: فأس، ورأس .. فأس فاس، رأس راس .. هذه صحيحة، قلبت الهمزة ألفاً، حينئذٍ نقول: التأكيد تاكيد .. إذاً كم لغة؟ ثلاث لغات: توكيد، وتأكيد، وتاكيد، وأفصحها التوكيد لورودها في القرآن ((بَعْدَ تَوْكِيدِهَا)) [النحل:91] فدل على أنها هي الأفصح، ويقال أيضاً: التأكيد بالهمز، تأكيد: تفعيل، وبإبدالها ألفاً على القياس في نحو فأس، ورأس، يقال: أكد تأكيداً، ووكد توكيداً، وأيهما أصل؟ هو بالواو أكثر، وهي الأصل والهمزة بدل، إذاً وكَّد أصل أكَّد، يقال فيه فعلان، وكَّد توكِيداً، وأكَّد توكيداً، والواو أصل والهمزة بدل عنها.

إذاً التوكيد نقول: هذا تفعيل من فعَّل يُفعِّل تفعيلاً، وكَّد يوكِّد توكيداً، وهو مصدر في الأصل نقل وجعل علماً على التابع المخصوص ومعناه اللغوي وهو التقوية مراد كذلك. التَّوْكِيدُ لم يعرفه النحاة، لم يشتغلوا بتعريفه كعطف البيان، والنعت، لماذا؟ لأنه ألفاظ محصورة، هو نوعان: توكيد لفظي وهذا يكون بإعادة اللفظ لا يحتاج إلى تعريف، أعد اللفظ مرة أخرى صار توكيداً لفظياً، لا نحتاج أن نتعب أنفسنا ونأتي بتعريفه، إعادة اللفظ الأول بعينه أو بمرادفه: قام قام زيد، لا لا لا. نقول: هذا كله توكيد: نعم نعم، بلى بلى، هذا توكيد لفظي، إذاً لا نحتاج إلى تعريفه، والمعنوي نفسه وعينه وكلهم وأجمعون .. سبعة ألفاظ محصورة، وما كان معدوداً بالعد سبعة ألفاظ لا يحتاج إلى حد، ولذلك نقول: التوكيد نوعان: توكيد معنوي، وتوكيد لفظي، وقدم الناظم هنا التوكيد المعنوي على التوكيد اللفظي، والمراد بالتوكيد المعنوي أن ثم ألفاظاً معدودة بالسبعة سيأتي ذكرها في النظم واحداً واحداً، وهذه يؤكد بها ويُقَوَّى المتبوع ولا يستعمل غيرها في موضعها، فهي توقيفية، يعني: لا يقال هذا اللفظ يستعمل توكيداً، نقول: لا. هذا ليس من عندك، الأمر موقوف على السماع، فهي سبعة ألفاظ المشهور منها، وزاد بعضهم ثلاثتهم وغيرها، لكن نقول: هذا كله استعماله في التوكيد نادراً، ثم هو مختلف فيه وأما الذي ذكره الناظم فكله متفق عليه، والشروط المذكورة كلها في الجملة متفق عليها، فباب النعت وباب التوكيد الإجماع فيه كثير. فبدأ بالتوكيد المعنوي فقال: بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا ... مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ إِنْ تَبِعَا ... مَا لَيْسَ وَاحِداً تَكُنْ مُتَّبِعَا النفس والعين، هذان لفظان يؤكد بهما الاسم، فيقال: جاء زيد نفسه، وجاء عمرو عينه، ويجمع بينهما كما سيأتي. (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا)، بِالنَّفْسِ جار ومجرور متعلق بقوله: أُكِّدَا، وبِالعَيْنِ معطوف عليه كذلك. (أَوْ) مانعة خلو، يعني لا يلزم منهما الجمع. (الاِسْمُ) هذا مبتدأ، وأُكِّدَا الألف للإطلاق، أُكِّدَا فعل ماضي مغير الصيغة، ونائب الفاعل يعود على الاسم، وهو الرابط بين الجملة الخبرية وبين المبتدأ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. الاسم أكدا بالنفس أو بالعين، وهل تقديم بالنفس أو بالعين وهو متعلق بأكدا يفيد الحصر؟ الجواب: لا. وإنما ذكر أو قدم إما من أجل النظم وإما من أجل الاهتمام بهذين اللفظين؛ إذ لهما شروط ولهما استعمال قد لا يكون في غيره، وهما أشهر استعمالاً من غيرهما، فحينئذٍ نقول: تقديم ما حقه التأخير لا يفيد الاختصاص ولا القصر؛ لأنه سيذكر أن ثم ما يؤكد به غير النفس والعين، النفس في الأصل المراد بها الذات، هذا الأصل في استعمالها ((تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)) [المائدة:116] جاء زيد نفسه أي: ذاته، نفسه استعمال حقيقي في إرادة الذات جاء زيد نفسه، نفسه يعني: ذاته، فرفع احتمال المجاز.

أما عينه فالأصل في إطلاق العين: العين الباصرة، إذاً جزء من الذات، فأُطلق مراداً بها الكل، حينئذٍ يكون استعمالها في الأصل استعمالاً مجازياً؛ لأنها العين هي العين هذه الباصرة وهي جزء من الذات بخلاف النفس، النفس الشخص كله جسده وروحه يطلق عليه أنه نفس، جاء زيد نفسه ذاته، وأما جاء زيد عينه، عينه: الأصل العين هذه الباصرة، فنقول: أطلق الجزء مراداً به الكل، وهذه سبب الانتقال أو النقل من عين وهي جزء مراداً به الكل هو علة عدم جواز تقديم العين على النفس إذا اجتمعا؛ لأنه يؤكد بالنفس فقط، وبالعين فقط، وبهما معاً، فتقول: جاء زيد نفسه، وتقول في تركيب آخر: جاء زيد عينه، ويجوز أن تجمع بينهما فتقول: جاء زيد نفسه عينه، ولا يصح لك أن تقول: جاء زيد عينه نفسه، بتقديم العين؛ للعلة المذكورة؛ لأن نفسه دال على الذات فهو أوجب وآكد بالتقديم من عين، وأما عين فالأصل فيها أنها مجاز. بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا ... مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا ما المراد بتأكيد أو الفائدة من تأكيد النفس والعين؟ قالوا: لرفع احتمال المجاز، هذا المشهور عند النحاة، وهو ما عبر عنه ابن عقيل هنا ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكَّد، وهو زيد، إذا قيل: جاء زيد أو جاء الأمير هنا أسند المجيء إلى الأمير، قالوا: هذا يحتمل، سبق في باب المضاف أنه يجوز حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه؛ حينئذٍ تقول: جاء الأمير، الأمير فاعل، هنا احتمالات: يحتمل أن المتكلم أخطأ في الإسناد، أراد أن يقول: جاء زيد فقال: جاء الأمير. ثانياً: يحتمل أنه على حذف مضاف، جاء الأمير أي: رسول الأمير. ويحتمل أنه على حذف مضاف من جهة أخرى وهو جاء الأمير .. جاء خبر الأمير.

إذاً صار التركيب محتملاً، إما الأمير نفسه، وإما الأمير لا بنفسه وإنما بغيره، إما برسوله وإما بخبره، وإما أن يكون التركيب من أصله سهو وغلط أخطأ، فأراد أن يقول: جاء زيد فقال: جاء الأمير، إذاً: صار محتملاً، إذا جئت بـ: جاء الأمير نفسه رفعت الاحتمال، لا نقول: رفعته بالكلية وإنما أضعفت بعض الاحتمالات الواردة الثلاث، وأهمها أولاً: رفع نسبة الخطأ والسهو والغلط في الكلام، وأما الباقي فهو محتمل بقاؤه، أن تقول: جاء الأمير نفسه، أكدت. هل الاحتمالات الثلاثة السابقة كلها ارتفعت؟ قال به بعض النحاة: كل احتمال متعلق بالفاعل الأمير قد ارتفع بقولنا: نفسه، وهذا فيه نظر، لماذا؟ لأنه بالإجماع يجوز أن يؤكد الأمير في هذا التركيب بنفسه عينه، فالأول جيء به للتقوية .. التوكيد ورفع الاحتمال، والثاني وظيفته كوظيفة الأول لرفع الاحتمال، فلو كان الأول نفسه رفع كل الاحتمالات، الثاني ما موقعه في المعنى؟ أكد ماذا؟ هل أكد المؤكِّد؟ لا، لم يؤكد نفسه، عينه هل هو توكيد لنفسه أو توكيد للأمير؟ توكيد للأمير، ونحن نقرر أن عينه يجاء به من أجل رفع الاحتمال، إذا كان نفسه رفع جميع الاحتمالات ماذا رفع عينه؟ هذا يجعلنا نقول: بأن المؤكِّد الأول رفع بعض الاحتمالات، وجاء المؤكِّد الثاني فأكَّد .. قوى بأن لم يبق احتمال لا إسناد من جهة الغلط ولا رسول الأمير، ولا خبر الأمير، فتعين 100% أن يكون الذي جاء هو الأمير عينه، وأما الأول فبقي الإشكال، إلا أن: جاء الأمير نفسه، جاء الأمير نفسه عينه، أي هذه التراكيب أقوى؟ ما جمعنا بين النفس والعين، جاء الأمير نفسه عينه هو الأمير بذاته، بجسده وروحه، هو الذي جاء، وأما جاء الأمير نفسه، إذاً التركيب صحيح جاء الأمير قطعاً ليس غلطاً ولا سهواً، وإنما محتمل: جاء الأمير خبره، جاء الأمير رسوله .. يحتمل هذا، ما زال الاحتمال باقياً. جاء الأمير هذا محتمل. (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا) إذاً نقول: يؤتى بالنفس والعين للتوكيد ويدلان على إثبات الحقيقة، ورفع المجاز عن الذات، قد يقول قائل: أنا ما أقول بالمجاز فكيف نقول: النفس والعين رافع للمجاز؟ نقول: لا. قل احتمال حذف مضاف، إذا كنت ما ترى مجاز قل: يحتمل التركيب جاء الأمير، جاء رسول الأمير، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه موجود في لسان العرب سواء سميته مجازاً أو حقيقة لا إشكال، لكنه موجود. إذاً: إذا لم تقل مجاز حينئذٍ كيف تقول هذا لرفع المجاز؟ لا تنكر وجود النفس والعين، وإنما قل: النفس والعين يرفعان احتمال حذف مضاف في التركيب والحمد لله سلمنا من أن نقول مجاز؛ لأن البعض إذا قيل: مجاز، ما أدري كأنه يرتعش هكذا، نقول: هذه المسألة ميسرة سهلة، ولذلك ينتقد يعني بشدة في مسألة المجاز هذه. (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا) إذاً ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكَّد يدل على إثبات الحقيقة، ورفع المجاز عن الذات.

(مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا) يعني: من شرط صحة التأكيد بالنفس والعين أن يتلبس هذان اللفظان بضمير، ومن شرط هذا الضمير شرط في الشرط أن يكون مطابقاً للمؤكد؛ لأن النفس والعين يؤكد بهما المفرد، ويؤكد بهما المثنى، ويؤكد بهما الجمع .. إذاً ليست من خصائص المفرد، ولذلك نقول في قوله: (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا) ليس المراد عين اللفظ، بل المراد المادة، لماذا؟ لأنه سيقول: (وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ) فدل على أن قوله: الاسم أكدا بالنفس أي: بمادة النفس، أو بالعين: أي بمادة العين. لماذا؟ ليشمل المفرد والمثنى والجمع، لو قلت المراد به عين اللفظ حينئذٍ أخرجت المثنى والجمع، فيكون مفهومه بالنفس مفرداً لا بغيره، وهذا المفهوم مطروح مرفوض، بدليل قوله: (وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ). إذاً: (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ) أي: بهاتين المادتين، هكذا قال الصبان، بقطع النظر عن إفرادهما وغيره. مادة النفس ومادة العين. وليس المراد بالنفس والعين مفردين حتى يفيد أن النفس والعين يبقيان على إفرادهما وإن أكِّد بهما المثنى أو المجموع، مع أنه ليس كذلك، قد يقال بأن هذا المفهوم نعم، لكن ليس كل مفهوم يكون معتبراً؛ لأنه قال: بالنفس أو بالعين، إذاً لا بمثنى النفس والعين ولا بجمع النفس والعين الاسم أكدا، إذاً لا يؤكد الاسم إلا بلفظ النفس وهو مفرد ولفظ العين وهو مفرد وليس الأمر كذلك، وهذا مفهوم ومطروح. (مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا) يعني يشترط أن يتصل النفس والعين بضمير، ثم هذا الضمير يطابق المؤكدا إفراداً إفراداً، تثنية تثنية، جمعاً جمعاً، فتقول: جاء زيد نفسه عينه، وجاءت هند نفسها عينها تأنيث مفرد، وجاء الزيدان أنفسهما أعينهما، وجاء الزيدون أنفسهم أعينهم، انظر أضيف إلى ضمير عائد على الزيدون، جاء الزيدون أنفسهم هم جمع، جاء الزيدان أنفسهما مثنى، جاءت الهندان أنفسهما، جاءت الهندات أنفسهن، جاءت هند نفسها عينها. إذاً: لا بد أن يكون مشتملاً على ضمير ثم هذا الضمير يشترط فيه أن يكون مطابقاً للمؤكَّد، إن كان مفرد فمفرد، وإن كان مثنى فمثنى، وإن كان جمعاً فجمعاً. نأخذ من هذا فائدة: وهي أن لفظ النفس والعين معرفتان مطلقاً؛ لأنه يشترط فيهما أن يضافا إلى الضمير، نفس نكرة، عين نكرة، أضيف إلى الضمير نفسه صار معرفة. إذاً في التوكيد المعنوي الأصل عند جمهور النحاة لا يؤكَّد به إلا المعرفة؛ لأنها معارف في أنفسها، فحينئذٍ إذا كانت معرفة يشترط التطابق عند بعضهم وعند الجمهور، وسيأتي أن فيه تفصيلاً. (مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا) مَعَ بالنصب، هذا متعلق بمحذوف، حال من النفس وما عطف عليه، (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا) كأنه قال: الاسم أكد بالنفس والعين حال كونهما مع ضمير، طَابَقَ هذا فعل والفاعل ضمير مستتر يعود على الضمير، أي ضمير مطابق، الْمُؤَكَّدَا مؤكِّد ومؤكَّد، المؤكَّد هو المتبوع، والمؤكِّد هو نفسه اللفظ .. نفسه وعينه مؤكداً، الْمُؤَكَّدَا الألف هذه للإطلاق يعني: في الإفراد والتذكير وفروعه. وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ إِنْ تَبِعَا ... مَا لَيْسَ وَاحِداً تَكُنْ مُتَّبِعَا

(وَاجْمَعْهُمَا) الضمير يعود على النفس والعين، وَاجْمَعْهُمَا النفس والعين. (بِأَفْعُلٍ): يعني جمعاً ملابساً لأفعل، أو على وزن أفعُلٍ، أفعُل من جموع القلة كما سيأتي كما تقول: أفلس، فتقول: أنفس وأعين. (وَاجْمَعْهُمَا) الأمر يقتضي الوجوب، هل هو مستعمل مطلقاً في وجوبه أم على الجواز؟ أما باعتبار الجمع فهو واجب، إذا كان المتبوع المؤكد جمعاً فيجب الجمع لا بد منه، فحينئذٍ تقول: جاء الزيدون أنفسهم، لا بد من التطابق، وأما إذا كان مثنى فهذا ليس بواجب، كما سيأتي. إذاً قوله: (وَاجْمَعْهُمَا) الأمر مستعمل في الوجوب بالنسبة إلى الجمع، وفي الأولوية بالنسبة إلى المثنى. (بِأَفْعُلٍ) يعني على وزن أفعُل، أو جمعاً ملابساً لأفعل، الباء إما بمعنى على وإما بمعنى الملابسة، هذا أولى كلاهما صحيح. إما اجمعهما جمعاً ملابساً لأفعل، وإما اجمعهما جمعاً على وزن أفعل، وأفعل كأفلس، جمع قلة. (إِنْ تَبِعَا) ليس مطلقاً (وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ) مطلقاً؟ لا. مقيد ليس على إطلاقه بل هو مقيد. (إِنْ تَبِعَا) الألف هنا للتثنية، يعني النفس والعين، تبعا (إن) حرف شرط، إذاً صار قيداً، وتبعا هذا فعل ماضي، وألف الاثنين فاعل يعود على النفس والعين. (مَا لَيْسَ)، (ما) اسم موصول بمعنى الذي مفعول به لتبع. (مَا لَيْسَ وَاحِداً) ما ليس هو يعود على (ما)، (مَا لَيْسَ وَاحِداً) وَاحِداً هذا خبر ليس، ما هو الذي ليس بواحد؟ وَنَعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مثله هذا، (مَا لَيْسَ وَاحِداً) الذي هو المثنى والجمع، إذاً متى يجمعان، سواء كان على وجه الوجوب أو الأولوية؟ إذا كان المتبوع الذي هو المؤكَّد مثنى أو جمعاً، مفهومه أن المفرد يجب فيه المطابقة، جاء زيد نفسه، لا يقال: أنفسه، إنما تجب المطابقة إفراداً في اللفظ وفي الضمير، تجب المطابقة النفس والعين مع المفرد في اللفظ، فلا يثنى ولا يجمع، وفي الضمير على ما ذكره سابقاً، وأما في الجمع فتجب المطابقة، والضمير على الأصل، وأما المثنى فلا تجب المطابقة كما سيأتي. (إِنْ تَبِعَا مَا لَيْسَ وَاحِداً) أما مع المفرد فيجب إفرادها. (تَكُنْ مُتَّبِعَا)، (تَكُنْ) جواب الطلب، واجمعهما تكن، اجمعهما بأفعل تكن متبعاً، متبعاً للعرب في أفصح كلامهم. واجمعهما تكن هذا مجزوم بجواب الأمر الذي هو اجْمَعْهُمَا. تَكُنْ أنت، اسم تكن ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، مُتَّبِعَا خبر تكن. إذاً مراده بهذا البيت أنه إذا أُكد المثنى والجمع لا يؤتى بلفظ النفس والعين مفردين، فلا يقال: جاء الزيدان نفسهما، هذا كلام الناظم .. ظاهره، ولا تقول: جاء الزيدون نفسهم، نفسهم عينهم هذا ليس بصواب عند الناظم، وهذا متفق عليه في الجمع، أما المثنى ففيه. (وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ إِنْ تَبِعَا) تبعا النفس والعين. (مَا لَيْسَ وَاحِداً) مؤكَّداً ليس واحداً، (ما) هنا تصدق على المؤكَّد. (لَيْسَ وَاحِداً) ليس "ما" هذا الذي هو المؤكَّد وَاحِداً يعني: ليس مفرداً، مفهومه أنه يجب المطابقة مع المفرد إفراداً في الضمير وفي اللفظ.

(تَكُنْ مُتَّبِعَا) أفهم كلامه يعني: أشار بكلامه السابق من جهة الفهم، أفهم كلامه منع مجيء النفس والعين مؤكَّداً بهما غير الواحد وهو المثنى والمجموع غير مجموعين على أفعُل، وهو كذلك في المجموع. وأما المثنى فيجوز فيه أيضاً مع الجمع الإفراد والتثنية، فيه ثلاث لغات، لكن الأفصح هو الجمع، ولذلك قلنا: اجْمَعْهُمَا مستعمل في الوجوب باعتبار الجمع، وفي الأولوية الأفصح الأولى في المثنى، ويجوز التثنية والإفراد، وأما المثنى فيجوز فيه أيضاً مع الجمع الإفراد والتثنية، فيجوز نفساهما. بل كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه يجوز فيه الجمع والإفراد والتثنية، والمختار الجمع، ومنه قوله المشهور عند النحاة: ((فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)) [التحريم:4] (قُلُوبُكُمَا): قلبا امرأتان فقط، (قُلُوبُكُمَا) جمع القلوب هنا لإضافتهما إلى ضمير تثنية، وهذا الأفصح، إذا أضيف إلى ضمير تثنية فالأفصح الجمع؛ لأنهما مضاف ومضاف إليه، فلو كان مثنى وهذا مثنى أضيف الشيء إلى نفسه، سيأتي. ((فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)) [التحريم:4]، ويترجح الإفراد على التثنية عند ابن مالك -يمكن في غير هذا الكتاب-، يترجح الإفراد على التثنية عند ابن مالك، يعني يقال: جاء الزيدان الأفصح أنفسهما أعينهما بالجمع على وزن أفعل، هذا الأفصح، ويجوز جاء الزيدان نفسهما عينهما، مفرد مضاف إلى ضمير المثنى، وبعضهم ضعفها جاء الزيدان نفساهما، عيناهما بالتثنية، والإفراد أرجح من التثنية، والأرجح من الاثنين الجمع وهو الأفصح. ويترجح الإفراد على التثنية عند ابن مالك، وعند غيره بالعكس، وكلاهما مسموع، لكن الأكثر المطرد قياساً الجمع على وزن أفعل. قلنا: يترجح الإفراد على التثنية، فأما على التثنية –الإفراد- فلأن المتضايفين كالشيء الواحد، فكرهوا الجمع بين تثنيتهما، لماذا رجحنا نفسهما على نفساهما، مع أن الأصل المتبادر إلى الذهن أنه يثنى ليطابق المؤكَّد؟ قال: لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، فإذا قيل: نفسا مثنى، هما مثنى .. وهذا فيه كراهة، أن يضاف الشيء إلى نفسه، كل منهما مثنى. فكرهوا الجمع بين تثنيتهما -المضاف والمضاف إليه هما كالشيء الواحد-، وأما على الإفراد فلأن الاثنين جمع في المعنى. إذاً: وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ إِنْ تَبِعَا ... مَا لَيْسَ وَاحِداً تَكُنْ مُتَّبِعَا إذا أُكِّد بالنفس والعين الجمعُ وجب الجمع على وزن أفعُل مضافاً إلى ضمير يعود على المؤكَّد وهو جمع، وإذا أُكد به المفرد فهذا مفهوم قوله: مَا لَيْسَ وَاحِداً أنه تجب المطابقة، بقي المثنى، قلنا: (وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ إِنْ تَبِعَا مَا لَيْسَ وَاحِداً) دخل فيه المثنى، إذاً الأرجح في المثنى أن يجمع النفس والعين على وزن أفعل مضاف إلى ضمير المثنى، فيقال: جاء الزيدان أنفسهما وجاء الزيدان أعينهما هذا الأفصح، بعده لغة مسموعة كذلك لكنها ليست هي بالأشهر: أن يبقى على إفراده مضافاً إلى ضمير المثنى جاء الزيدان نفسهما، كما هي نفسهما، عينهما. اللغة الثالثة: جاء الزيدان نفساهما بالتثنية، عيناهما بالتثنية.

(وَاجْمَعْهُمَا) أي النفس والعين (بِأَفْعُلٍ) يعني على وزن أفعل (إِنْ تَبِعَا) إن تبعا النفس والعين (مَا) مؤكداً (لَيْسَ وَاحِداً) هذا له مفهوم، (تَكُنْ مُتَّبِعَا). ولذلك يقال: جاء زيد نفسه باعتبار المفرد، وجاء زيد عينه، وجاء زيد نفسه عينه، فتجمع بينهما بلا عطف بخلاف النعوت كما سيأتي، النعت يجوز العطف ويجوز ترك العطف على التفصيل الذي ذكرناه سابقاً، وأما التوكيد فلا يجوز، يجب فيه عدم العطف. وتقديم النفس على العين لازم إذا جمع بينهما، يجب تقديم النفس على العين، ولا يجوز العكس، هذا المشهور عند النحاة؛ للعلة التي ذكرناها. وقيل: حسن ليس بواجب، لكن التعليل الأول أوفق. ويجوز جرهما بباء زائدة، يعني يجوز أن تدخل الباء على نفسه وعينه تقول: جاء زيد نفسه، جاء زيد بنفسه، وجاء زيد عينه، وجاء زيد بعينه، وجاءت هند بنفسها -وهذا مستعمل عند الناس- بعينها صحيح هذا. إذاً موافق للسان العرب، فكيف نعربه؟ جاء زيد نفسه، جاء زيد بنفسه. الباء حرف جر زائد، ونفسه توكيد للمرفوع وهو مرفوع تقديراً، مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، إذاً جاء زيد بنفسه، الباء حرف جر زائد ونفس هذا مؤكد، لماذا نعربه هكذا؟ لأننا عندنا قاعدة، قبل الولوج في هذه الأبواب قلنا: التابع الاسم المشارك لما قبله في إعرابه، لا بد تستحضر هذا التعريف في جميع الأبواب؛ لأن التابع جنس يدخل تحته النعت والتوكيد، وعطف البيان إلى آخره. فإذا قلت: جاء زيد بنفسه .. كيف الاسم المشارك لما قبله في إعرابه؟ إذا حكمنا على الباء بأنها زائدة إذاً الإعراب لا بد أن يكون كقوله: ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19]، و ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)) [فاطر:3] فيبقى على أصله وهو أنه مرفوع ولذلك قلنا: يَتْبَعُ فِي الإِعْرَابِ يشمل الإعراب التقديري والإعراب المحلي والإعراب الظاهر، وهذا تجعله مثالاً لما هناك. ومحل المجرور إعراب المتبوع. قال ابن عقيل هنا: التوكيد قسمان: أحدهما: التوكيد اللفظي وسيأتي في آخر الباب والثاني: التوكيد المعنوي وله سبعة ألفاظ معدودة فلا نحتاج إلى حده، وهو على ضربين: الأول: ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكَّد، وهذه هي عين العبارة التي يعبر بها الأكثر من النحاة: ما يرفع توهم مجاز، ما يرفع المجاز عن الذات، أو يدل على إثبات الحقيقية ورفع المجاز عن الذات .. كلها عبارات مؤداها واحد، المراد أن اللفظ السابق يحتمل حذف مضاف سميته مجازاً أو سميته حقيقاً لا إشكال، المراد أنه يرفع احتمال حذف المضاف، ويبقى على حقيقته، جاء زيد نفسه، جاء الأمير نفسه، إذاً لا رسول الأمير، ولا خبر الأمير، ولا احتمال الخطأ في الإسناد وإن كان هذا فيه بعد.

وهو المراد بهذين البيتين وله لفظان النفس والعين، إذاً لرفع المجاز عن الذات له لفظان فقط النفس والعين، تقول: جاء زيد نفسه، فنفسه توكيد لزيد، وهو يرفع توهم أن يكون التقدير: جاء خبر زيد، أو رسول زيد، أو أخطأ، أراد أن يقول: جاء عمرو فقال: جاء زيد، هذا محتمل، لكن هذا بعيد، أو رسوله وكذلك: جاء زيد عينه. ولا بد من إضافة النفس أو العين لضمير يطابق المؤكَّد نحو: جاء زيد نفسه أو عينه وهند نفسها أو عينها، ثم إن كان المؤكَّد بهما مثنى أو مجموعاً جمعتهما على مثال أفعُل .. جمع قلة، ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون .. أفعُل، فإذا قيل: جاء الزيدون عيونهم، ما يصح، لماذا لا يصح؟ لم يسمع عيونهم، وجاء الزيدون نفوسهم، نقول: لا يصح. ولا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس ولا عيون، لكن النفوس لوحدها لو استعملت دون توكيد جائز، نفوس المؤمنين محرمة صحيح هذا، أرواح المؤمنين .. جائز، ولكن إذا أريد به التأكيد حينئذٍ اختلفا. فلا يجوز أن يؤكد بهما مجموعين على نفوس وعيون، ولا في العين مجموعاً على أعيان أفعال؛ لأن أفعال هذا من جموع القلة مثل أحمال، أما جمع كثرة فلا، فُعُول نقول: هذا لا يجمع النفس والعين على جمع كثرة، وأما أفعل فهو المسموع، وأما أعيان على وزن أفعال فهذا جوزه البعض، لكن المشتهر عندهم لا. فتقول: جاء الزيدان أنفسهما أو أعينهما، والهندان أنفسهما أو أعينهما، والزيدون أنفسهم أو أعينهم، والهندات أنفسهن أو أعينهن. وَكُلاًّ اذْكُرْ فِي الشُّمُولِ وَكِلاَ ... كِلْتَا جَمِيعَاً بِالضَّمِيرِ مُوصَلاَ هذه أربعة ألفاظ مع الاثنين ستة، بقي واحد وهو عام. (وَكُلاًّ اذْكُرْ) اذكر كلاً، يعني من المؤكِّدات، (وَكُلاًّ اذْكُرْ) كلاً مفعول به، واذكر فعل أمر، اذكر كلاً فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، أنت اذكر كلاً، في ماذا؟ (فِي الشُّمُولِ) ليس الشمول، وإنما في التوكيد المقصود به تأكيد الشمول، تقوية الشمول، والمراد بالشمول هنا العموم والإحاطة، ولذلك هذه الألفاظ من ألفاظ العموم، يعني مما يدل على أن المراد بالمؤكَّد الشمول والإحاطة والعموم لا الخصوص، ولذلك يعبر عن هذا النوع وهو النوع الثاني الذي عناه ابن عقيل هنا بأنه: ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول، لرفع احتمال تقدير بعض المضاف إلى متبوعهم، هذا أيضاً قول. أو احتمال إرادة الخصوص بالمؤكد، تقول: جاء القوم، القوم يطلق في استعمال العرب قد يراد به كل القوم .. جميعهم، وقد يراد به بعض القوم، جاء القوم، فإذا أريد باللفظ صار اللفظ محتملاً للشمول وعدم الشمول، للكل وللبعض، إذا أردت توكيده تقويته بأنه لم يرد به الخصوص فحينئذٍ جئت بلفظ مؤكد دال على الشمول وهو كل جاء القوم كلهم، إذاً هل يحتمل التخصيص، هل يحتمل إرادة الخصوص؟ الجواب: لا. لماذا؟ فإن كان اللفظ المتبوع الذي هو المؤكد يحتمل أن يكون من إطلاق الكل مراداً به الخصوص، وهذا مستعمل في لسان العرب. (وَكُلاًّ اذْكُرْ فِي الشُّمُولِ): يعني في التوكيد، توكيد الشمول المقصود أو المسوق لقصد الشمول، والشمول المراد به العموم والإحاطة.

(وَكِلاَ وَكِلْتَا) وسبق أن كلا وكلتا، كلا للمثنى المذكر، وكلتا للمثنى المؤنث، وهما كذلك للشمول؛ لأنه قد يجوز إطلاق "الزيدان" مراداً بهما أحدهما، فيقال: جاء الزيدان على نية حذف المضاف، جاء أحد الزيدين، وجاءت الهندان، يجوز أن يكون على حذف مضاف جاءت إحدى الهندين، فرفعاً لهذا المضاف المتوهم وجوده فتقول: جاء الزيدان كلاهما، وجاءت الهندان كلتاهما، إذاً فيه رفع لتوهم إرادة المؤكد باللفظ العام الخاص، يحتمل أن يراد بـ"الزيدان" أحد الزيدين، وبـ"الهندان" أحد الهندين، فحينئذٍ قلت: كلاهما أكدته بأن المراد باللفظ هو مدلوله وعينه، فليس ثم مضافاً محذوف، وليس ثم دعوى مجاز، وكذلك الهندان، وَكِلاَ كِلْتَا: يعني وكلتا بحذف حرف العطف. (جَمِيعاً): أي وجميعاً. قال ابن هشام في جَمِيعاً: التوكيد بها غريب -قاله في الأوضح-، التوكيد بها غريب يعني قليل، وهي بمنزلة كل -مثل: كل- القول فيها كالقول في الكل. إذاً: هذه أربعة ألفاظ يؤكد بها ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول، يعني رفع احتمال تقدير بعضٍ مضاف إلى متبوعهن: كل، وكلا، وكلتا، وجميع. قال: (بِالضَّمِيرِ مُوصَلاَ) يعني: موصلاً بالضمير، هذا حال من كل وما عطف عليه. كُلاًّ: اذكر كلاً حال كونه موصلاً بالضمير، يعني: كالشرط السابق: مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا، إذاً يشترط في هذه الأربع إذا أُكد بهن أن تضاف إلى ضمير، ثم قوله: (بِالضَّمِيرِ) أل للعهد، يعني الضمير الذي سبق ذكره في قوله: مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا، فكأنه قال: موصلاً بالضمير المطابق للمؤكَّد، فأل للعهد. إذاً هذه أربع ألفاظ: كل، وكلا، وكلتا، وجميع .. فلا يؤكد بهن إلا ما له أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه، لرفع احتمال إرادة الخصوص بلفظ العموم فهي لرفع احتمال تقدير بعضٍ مضاف إلى متبوعهن. يعبر النحاة عن هذا النوع بما ذكره هنا ابن عقيل: ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول -الشمول العموم-، يعني اللفظ السابق يحتمل أنه أريد به الخصوص فيؤتى بهذه الألفاظ تأكيداً بأن المراد بها الشمول والإحاطة –العموم-، ويعبر بعضهم بأنها لرفع احتمال حذف مضاف من المتبوع، كأنه إذا قال: جاء الركب كله: جاء بعض الركب، يحتمل ماذا؟ أن ثم مضافاً محذوف، جاء القوم: جاء بعض القوم، جاء الزيدان: جاء أحد الزيدين، جاءت الهندان: جاءت إحدى الهندين .. إذاً يحتمل أن ثم مضافاً محذوفاً. إذاً لرفع احتمال تقدير بعض .. كلمة "بعض" مضاف لمتبوعهن -المتبوع المؤكَّد-. ثم اعلم أن "كل" يشترط في التوكيد بها شروط: أولاً: أن يكون المؤكد بها غير مثنى، كل (وَكُلاًّ اذْكُرْ) ليس على إطلاقه، يشترط فيها أن يكون المؤكد بها غير مثنى، أما المثنى فلا يؤكد. الثاني: أن يكون متجزئاً، يعني يقبل التجزئة، وهو الذي عبر عنه بعضهم بأنه لا يؤكد بهن إلا ما له أجزاء، لا بد أن يكون متجزئاً، إما بذاته وإما بعامله.

بذاته بنفسه يتجزأ مثل الجمع: جاء القوم، القوم: زيد وعمرو وخالد كلهم قوم، يتجزأ بذاته أو لا؟ يتجزأ بذاته، ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ)) [الحجر:30] الملائكة يتجزءون أم لا؟ نعم يتجزءون ملك ملك ملك .. كلهم منفصل عن الآخر، إذاً له أجزاء متجزئة بذاتها .. منفصلة، هذا أول. بذاته مثل: ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ)) [الحجر:30]، جاء القوم كلهم، أو بعامله، أما هو في ذاته فلا يتجزأ، ولهم مثال مشهور عند النحاة: اشتريت العبد كله، العبد زيد مثلاً واحد ما يتقسم رجل ويد إلى آخره ما يتقسم، ليس مثل القوم والملائكة، لكن كونه عبداً هو قال: اشتريت العبد، والعبد معلوم أنه يتبعض باعتبار الرق .. وصف، وأما باعتبار ذاته فلا يتبعض، اشتريت العبد يحتمل بعضه، قد يكون اثنان مشتركين في عبد واحد .. مبعض، وهذا الذي يسميه المواريث مبعض، حينئذٍ إذا اشترى بعض العبد، تجزأ أو لا؟ تجزأ، إذاً يحتمل، إذا قال: اشتريت العبد يعني: الثلث أو النصف أو بعضه، والثاني الباقي مملوك للغير، لكن إذا قال: اشتريت العبد كله رفع احتمال التجزئة، لكن باعتبار العامل هو قابل للتجزئة. فرفع قوله: كله احتمال تجزئة العبد، والعبد في الأصل لا يتجزأ باعتبار ذاته، وإنما يتجزأ باعتبار عامله، والذي دلك على أنه يتجزأ اشتريت، والعبد يتبعض. إذاً: أن يكون المؤكد بكل متجزئاً إما بذاته بنفسه اللفظ نفسه وما يصدق عليه، وإما بالعامل، والأول مثاله كما ذكرنا، والثاني مثاله المشهور: اشتريت العبد كله. ولا يجوز جاء زيد كله، جاء زيد كله لا يصح؛ لأن زيد لا يتجزأ لا بذاته ولا بعامله، إلا إذا كان مؤولاً بأنه عبد، هذا شيء ثاني، وأما إذا كان حراً فيبقى على الأصل، وكذلك العامل لو كان عبداً مجيئه لا يتجزأ بخلاف الشراء، هنا. إذاً: لا يجوز جاء زيد كله. ثالثاً -من شروط كل-: أن يتصل بها ضمير عائد على المؤكد، وهذا ذكرناه فيما نص عليه الناظم بقوله: (بِالضَّمِيرِ مُوصَلاَ). إذاً: يشترط في التوكيد بكل ثلاثة شروط: أن يؤكد بها غير مثنى. أن يكون متجزئاً بذاته أو بعامله. أن يتصل بها ضمير عائد على المؤكَّد. وشروط كلا وكلتا: أن يكون المؤكد بهما دالاً على اثنين، ولا يقصد به المثنى اصطلاحاً لا، أن يكون دالاً على اثنين، جاء زيد وعمروٌ كلاهما، يصح أو لا يصح؟ زيد وعمروٌ ليس مثنى، نقول: ليس المراد هنا المثنى الاصطلاحي، وإنما المراد أن يكون المؤكد دالاً على اثنين، إما بالعطف وإما باللفظ نفسه، فجاء زيد وعمروٌ كلاهما، كلاهما توكيد، والمؤكد مثنى .. دالاً على اثنين، كيف مثنى؟ نقول: لغة لا اصطلاحاً. إذاً: الشرط الأول: أن يكون المؤكد بهما دالاً على اثنين. الثاني: أن يصح حلول الواحد محلهما .. محل الاثنين، هذا احترازاً من الأفعال التي تستلزم المشاركة، اختصم زيدٌ وعمروٌ كلاهما، غلط على الصحيح، لماذا؟ لأن اختصم زيدٌ .. لو قال: اختصم زيدٌ ما يصح التعبير؛ لأن اختصم يقتضي فاعلين، وإن كان أحدهما فاعلاً في الاصطلاح والثاني في المعنى، حينئذٍ نقول: هل يصح حلول المفرد الواحد محل فاعل اختصم؟ نقول: لا، لا يصح.

أن يصح حلول الواحد محلهما، فلا يجوز اختصم الزيدان كلاهما؛ لأنه لا يحتمل أن يكون المراد: اختصم أحد الزيدين، هذا احتمال غير وارد، نحن نقول: كلا هذا لرفع توهم مضاف إلى المتبوع، وهذه قاعدة عامة في الكل .. في الأربعة، حينئذٍ لا يحتمل اختصم أحد الزيدين، اختصم مع من؟ مع نفسه؟ هذا ما يحتمل بعيد، إنما لا بد من شخص آخر، إذاً هو يستلزم فاعلاً آخر؛ لأنه لا يحتمل أن يكون المراد اختصم أحد الزيدين، فلا حاجة للتأكيد. الثالث: أن يكون ما أسندته إليهما غير مختلف في المعنى، فلا يجوز مات زيد وعاش عمرو كلاهما، لا يصح، لكن جاء زيد وانطلق عمروٌ كلاهما يصح. (وَكُلاًّ اذْكُرْ فِي الشُّمُولِ وَكِلاَ كِلْتَا جَمِيعاً) جَمِيعاً هذه مثل كل في الشروط، (بِالضَّمِيرِ مُوصَلاَ) يعني موصلاً بالضمير. فإذا جاء لفظ من هذه الألفاظ غير موصل بالضمير لا يكون مؤكِّداً، ولذلك قوله: ((خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا)) [البقرة:29] هذا حال، لا نقول: توكيد، لماذا؟ لأن من شرط التوكيد بجميعاً وكل وما عطف عليه أن يكون مضافاً للضمير، فإذا جرد عن الضمير لا يكون مؤكداً. خلافاً لمن وهم، ولا قراءة بعضهم: (إِنَّا كُلاً فِيهَا) (كلاً) هل يصح أن يكون توكيداً؟ (كلاً) ما يصح لا بد من الضمير كلهم أو كله، لا بد أن يكون مضافاً إلى الضمير، (إِنَّا كُلاً) إننا كلاً، لا بد أن يكون مضافاً إلى الضمير، ولذلك خرجه البصريون على أنه بدل من اسم (إن) ولا يصح أن يكون تأكيداً لاسم (إن). ولا قراءة بعضهم: (إِنَّا كُلاً فِيهَا) خلافاً للفراء والزمخشري، بل جميعاً حال وكلاً بدل، ويجوز كونه حالاً من ضمير الظرف، (إِنَّا كُلاً فِيهَا) فيها كلاً؛ لأنه إذا كان الوصف تقدم على جار ومجرور حينئذٍ أعرب حالاً. قال الشارح هنا: هذا هو الضرب الثاني من التوكيد المعنوي وهو ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول، أو إن شئت قل: لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهم، والمستعمل لذلك أربعة ألفاظ: كل، وكلا، وكلتا، وجميع. جميع بمنزلة كل في المعنى، وكلا وكلتا كذلك بمنزلة كل في المعنى، كل منها يؤكد بها الشمول والإحاطة والعموم، ويشترط فيها كلها أن تكون مشتملة على الضمير؛ ليحصل الربط بين التابع والمتبوع. فيؤكد بكل وجميع ما كان ذا أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه نحو: جاء الركب كله، لجواز أن يقال: جاء بعض الركب، وهكذا. أو جميعه، والقبيلة كلها، بعض القبيلة أو جميعها، والرجال كلهم أو جميعهم، والهندات كلهن أو جميعهن ولا تقول: جاء زيد كله، لا يصح، لماذا؟ لأنه غير متجزئ، لا بد أن يكون متجزئاً إما بذاته أو بعامله. ويؤكد بكلا المثنى المذكر، لجواز أن يقال: جاء أحد الزيدين، وإحدى الهندين، نحو: جاء الزيدان كلاهما، وبكلتا المثنى المؤنث نحو: جاءت الهندان كلتاهما، ولا يجوز اختصم الزيدان كلاهما على مذهب الفراء والأخفش وأبي علي الفارسي، وذهب الجمهور إلى الجواز، ووافقهم الناظم في التسهيل، ولا يقال حينئذٍ: اختصم الزيدان كلاهما، ولا الهندان كلتاهما، لامتناع التقدير المذكور.

إذا كان الضابط هو حذف مضاف .. لفظ بعض، لا بد أن يكون مطرداً، فلا يقال: اختصم بعض الزيدين أو أحد الزيدين، أو اختصم إحدى الهندين أو بعض الهندين .. ما يصح هذا، فإذا كان الاحتمال هو رفع دفع مضاف في المتبوع وهو لفظ بعض أو أحد أو إحدى، نقول: هذا لا يوجد في اختصم، وتضارب الزيدان، وتقاتل العمران .. نقول: هذا يستلزم أن يكون كل منهما فاعل، فحينئذٍ لا يصح أن يقال: بعض، فلا يقع فيه مجاز. ولا بد من إضافتها كلها إلى ضمير يطابق المؤكد كما مُثِّل. ولا يجوز حذف الضمير استغناء بنيته، يعني بنية الإضافة خلافاً للفراء والزمخشري، ولذلك جوز هناك جميعاً أن يكون توكيداً؛ لأنه يجوز حذف الضمير، والصواب لا، وكذلك (إِنَّا كُلاً) جوزوا حذف الضمير على نيته والصواب لا. وَاسْتَعْمَلُوا أَيْضاً كَكُلٍّ فَاعِلَهْ ... مِنْ عَمَّ فِي التَّوْكِيدِ مِثْلَ النَّافِلَهْ هذا اللفظ السابع والأخير، وهو لفظ عامة، وقل من ذكره من النحاة، هذا يدل على قلته في استعمال العرب. إذاً: اللفظ السابع والأخير: هو لفظ عامة. قال: (وَاسْتَعْمَلُوا) أي: العرب. (أَيْضاً) أي: كما استعملوا غير عامة في التوكيد فاعله، حال كونه من عم ككل، يعني يراد بعامة ما يراد بكل، فكل ما اشترط هناك اشترط هنا. (وَاسْتَعْمَلُوا أَيْضاً) أي: العرب، أَيْضاً إعرابه مفعول مطلق لفعل محذوف، آض يئيض أيضاً، والرجوع هنا أي: كما استعملوا غير عامة، غير لفظ عامة، وقوله: مِنْ عَمَّ أي: مشتقاً من مصدره، واستعملوا أيضاً فَاعِلَهْ هذا مفعول به، مِنْ عَمَّ هذا حال من فاعله .. حال منه. (كَكُلٍّ) هذا كذلك حال مقدمة، فِي التَّوْكِيدِ: متعلق بقوله: اسْتَعْمَلُوا، استعملوا في التوكيد، مِثْلَ النَّافِلَهْ: هذا حال ثالثة، ثلاثة أحوال في هذا التركيب. تقدير البيت هكذا: استعملوا أيضاً فاعلة من عم ككل مثل النافلة، وأما قوله: فِي التَّوْكِيدِ فلا داعي له، لماذا؟ حشو هذا، استعملوا فاعله ككل، حال كونه مثل كل، إذاً وكل يستعمل في التوكيد، لماذا قال: في التوكيد؟ هذا يعتبر حشواً. وَاسْتَعْمَلُوا أَيْضاً أي: كما استعملوا غير عامة، وقوله: مِنْ عَمَّ فاعله حال كونه من عم، عم فعل ماضي، يعني مشتقاً من مصدره، وقوله: فِي التَّوْكِيدِ متعلق بـ اسْتَعْمَلُوا ويغني عنه قوله: كَكُلٍّ. إذاً: استعملوا أيضاً حال كونه ككل في الدلالة على الشمول اسماً موازناً لفاعله، وهذا فاعله ليس هو الذي استعمل، إنما مشتق من عم، إذا أخذ من عم .. عم بمعنى شمل، عموم .. لفظ العموم نفسه، إذا أخذ منه وزن فاعله تقول: عامة، إذاً جئت بلفظ عامة، تقول: عامة، جاء القوم عامتهم، كما تقول: جاء القوم كلهم، إذاً قوله: فَاعِلَهْ .. استعملوا فاعله يعني: اسماً موازناً لفاعله، حال كونه مشتقاً من مصدر عم. مِثْلَ النَّافِلَهْ هذا اختلفوا فيه، مراده مثل النافلة هل هي بمعنى أن عدها من ألفاظ التوكيد يشبه النافلة، يعني كأن الألفاظ ستة، وليست سبعة، هي الفرض، وعامة نافلة متممة لها، ولذلك قل من ذكرها من النحاة، إذاً أشبهت النافلة بعد الفرض. والمراد بالنافلة: هي الزيادة؛ لأن أكثر النحويين لم يذكرها.

وقال في التوضيح: إلا أخرى، قول ابن مالك هنا: (مِثْلَ النَّافِلَهْ) يقول: ليس المراد بأنه زائدة على ما سبق لا، مراده أن تاءها مثل تاء النافلة أنها تستعمل مع المؤنث والمذكر، جاء القوم عامتهم، جاءت الهندات عامتهن، بقيت التاء كما أن النافلة تبقى. قال في التوضيح: والتاء فيها بمنزلتها في النافلة، التاء في عامة بمنزلة التاء في النافلة، فتصلح مع المؤنث والمذكر، والمقصود من التشبيه أن التاء في عامة مثل التاء في نافلة، يؤتى بها مع المذكر ومع المؤنث، وليس ذكره استدراكاً على النحاة. على كلٍّ هذا أو ذاك نقول: ذكر سيبويه عامة من ألفاظ التوكيد. اعتبار اللفظ عامة بمعنى جميع، ومجيئه توكيداً هو مذهب سيبويه. قال الشارح هنا: أي: استعمل العرب للدلالة على الشمول ككل عامة -لفظ عامة-، وإنما لم يصرح الناظم هنا بلفظ عامة، لماذا؟ لأنها ما يمكن أن يأتي به إلا بحذف الألف: عم عامة الأول من المدغمين ساكن والألف ساكنة، ولا يجتمع ساكنان عند العرضيين أبداً، لا بد حرف متحرك وساكن، أو متحركان، أما ساكن فساكن فلا، فلذلك لم يأت به وإنما جاء به على وزن فاعله. ولم يقل عامة مع أنه أخصر؛ لأن فيه اجتماع ساكنين وهو غير جائز في النظم، عاممة هذا الأصل، أريد إدغام المثلين فسلب الحركة من الأول الميم ثم أدغمت الميم في الميم. إذاً استعمل العرب للدلالة على الشمول ككل عامة مضافاً إلى ضمير المؤكد نحو: جاء القوم عامتهم والقبيلة عامتها، والزيدون عامتهم والهندات عامتهن، مثل كلهن وإلى آخره. وقل من عدها من النحويين في ألفاظ التوكيد وقد عدها سيبويه ويكفي، وإنما قال: مِثْلَ النَّافِلَهْ بالنصب لأن عدها من ألفاظ التوكيد يشبه النافلة أي: الزيادة؛ لأن أكثر النحويين لم يذكرها. وخالف المبرد في عامة وقال: إنما هي بمعنى أكثرهم، جاء القوم عامتهم أي أكثرهم، فيكون من باب التخصيص، عكس ما أراده الناظم، إذا قيل: جاء القوم عامتهم، إذا كانت للشمول أفادت نفي التخصيص، احتمال التخصيص منفي، فحينئذٍ تأكيد للشمول، وعلى مذهب المبرد جاء القوم عامتهم يكون تخصيصاً بعد تعميم، جاء القوم كلهم، ثم قال: عامتهم، يعني: أكثرهم، مثل قوله: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ)) [آل عمران:97]. ولذلك يعرب عامتهم بمعنى أكثرهم بدل بعض من كل، فيعد من المخصصات. عرفتم الفرق بين المذهبين؟ مذهب سيبويه والذي اختاره الناظم هنا: أن عامة ترفع احتمال الخصوص، جاء القوم عامتهم، يعني: جميعهم تأكيد، فرفع احتمال الخصوص، بعض القوم عامتهم رفع الاحتمال. وعلى مذهب المبرد أن عامتهم بمعنى أكثرهم، صار تخصيصاً بعد تعميم، فهو من بدل البعض من الكل، وخالف المبرد في عامة وقال: إنما هي بمعنى أكثرهم، فتكون بدل بعض من كل، جاء القوم عامتهم أي: أكثرهم. إذاً (وَاسْتَعْمَلُوا) أي: العرب أيضاً فاعله من عم ككل، يعني: في حال الدلالة على الشمول، (فِي التَّوْكِيدِ) هذا متعلق بقوله: استعملوا ولا حاجة إليه، (مِثْلَ النَّافِلَهْ) هذا حال من فاعله، فاعله حال كونها مثل النافلة، الزيادة على ما ذكره النحاة.

وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا ... جَمْعَاءَ أَجْمَعِينَ ثُمَّ جُمَعَا وَدُونَ كُلٍّ قَدْ يَجِيءُ أَجْمَعُ ... جَمْعَاءُ أَجْمَعُونَ ثُمَّ جُمَعُ هذا ما يسمى بتوابع كل. (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا)؟؟؟ إذاً يؤتى بهذه الألفاظ مؤكدة بعد كل على جهة الخصوص، فهل هي مؤكدة لكل أو أنها مؤكدة لمؤكَّد كل؟ الثاني، مؤكدة لمؤكد كل، يعني تقوي عمل كل، فكل منهما مؤكد بذاته، فيكون التوكيد بعد توكيد من باب تقوية المؤكَّد في النفي، نفي الاحتمال بالإضافة. (وَبَعْدَ كُلٍّ) قلنا هذا متعلق بقوله: أَكَّدُوا، (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) مفهومه أنه يلزم أن تكون هذه الألفاظ بعد كل لا سابقة عليها، فيقال: جاء القوم كلهم أجمعون، ولا يصح: جاء القوم أجمعون كلهم؛ لأنها تابعة لكل والتابع تابع كاسمه، فلا يكون متبوعاً بكل، ولذلك قال: بَعْدَ كُلٍّ، كما قال هناك: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ، فدل على أن رتبة الفاعل بعد رتبة الفعل، هنا قال: (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) دل على أن رتبة أجمع بعد رتبة كل ولا يجوز التقديم. فهم منه أمران: أحدهما واجب وهو أن أجمع إذا ذكر مع كل لا يكون إلا متأخراً عنها، والآخر غالب وهو أنه لا يؤكد به دون كل، وهذا نبه عليه بالبيت الذي يليه، يعني: (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) الغالب أنه لا يؤكد بأجمع إلا بعد كل، لكن هذا لو نظرنا إلى أصله نقول: قد يفهم الوجوب، لكن نقول: هذا ليس بواجب بل هو غالب لمجيء قوله: (وَدُونَ كُلٍّ قَدْ يَجِيءُ أَجْمَعُ) يعني قد يؤكد بأجمع دون كل، فيقال: ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) [الحجر:30] جاء القوم أجمعون يصح، إذا جئت بها مع كل سبقت كل وتأخرت أجمع، إذا حذفت كل وجئت بأجمع فقط حينئذٍ قلت: جاء القوم أجمعون، الأول لازم واجب، والثاني من غير الغالب وهو كون أجمع يؤكد بها دون كل، يعني تنفرد عن كل فيؤكد بها، هذا غير غالب. (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) يعني غالباً بدليل قوله: (وَدُونَ كُلٍّ) أما البعدية فهي لازمة واجبة، كونها بعد كل فهو واجب، وأما دائماً لا تكون إلا بعد كل! لا. ليس بلازم، بل قد يؤتى بأجمع دون كل، فهذا غالب أن يكون أجمع بعد كل، ومن غير الغالب أن يكون أجمع دون كل. (وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا) أي غالباً، فلهذا استغنت عن أن يتصل بها ضمير يعود على المؤكد ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) [الحجر:30] أين الضمير؟ لا تحتاج إلى ضمير، لا يشترط فيها الضمير؛ لكونها تابعة لكل واشترط الضمير في كل، فأغنى عن أن يتصل بها ضمير. استغنت عن أن يتصل بها ضمير يعود على المؤكد فتقول: اشتريت العبد كله أجمعَ، أجمعَ ممنوع من الصرف، والأَمة كلها جمعاء للمؤنث مفرد، والعبيد كلهم أجمعين، والإماء كلهن جُمَع، جُمَع هذا توكيد لجمع المؤنث السالم، إذاً لا يؤتى بها إلا بعد كل، وأما إذا نزعت كل جاز. وَبَعْدَ كُلٍّ أَكَّدُوا بِأَجْمَعَا ... جَمْعَاءَ أَجْمَعِينَ ثُمَّ جُمَعَا (بِأَجْمَعَا) هذا للمفرد المذكر، والألف هذه للإطلاق.

و (جَمْعَاءَ) للمفرد المؤنث، و (أَجْمَعِينَ) للجمع المذكر (ثُمَّ) هذا بالواو .. بمعنى الواو، (ثُمَّ جُمَعَا) للجمع المؤنث، والألف هذه للإطلاق، ولا يثنيان فلا يقال: أجمعان ولا جمعاوان، لا يثنيان وهذا سينص عليه الناظم، فلا يقال: أجمعان ولا جمعاوان، وهذا هو مذهب جمهور البصريين وهو الصحيح؛ لأن ذلك لم يسمع، كونه لم يسمع يكفي، وكذلك استغناءً بكلا وكلتا عنها. قال الشارح: يجاء بعد كل بأجمع وما بعدها لتقوية قصد الشمول، إذاً قصد الشمول هذا معنى في المؤكَّد، فدل على أن أجمع وما عطف عليه توكيد للمؤكَّد بكل لا لكل نفسها، لا توكيد للمؤكِّد، فإذا أريد تقوية التوكيد يجوز أن يتبع كله بأجمع وكلها بجمعاء وكلهم بأجمعين وكلهن بجمع، فلذلك يقال: جاء الركب كله أجمع، وبجمعاء بعد كلها، جاءت القبيلة كلها جمعاء، وبأجمعين بعد كلهم نحو: جاء الرجال كلهم أجمعون، وبجمع بعد كلهن نحو: جاءت الهندات كلهن جمع، ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)). (وَدُونَ كُلٍّ قَدْ يَجِيءُ أَجْمَعُ) قد للتقليل، فهم منه أن ذلك قليل بالنسبة لذكرها بعد كل، وأما في القرآن فموجود ((لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)) [الحجر:39] ((لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)) [الحجر:43] ورد في القرآن. (وَدُونَ كُلٍّ) أي قد يؤكد بهن وإن لم يتقدم لفظ كل، يجرد دون لفظ كل، لكن الغالب هو الأول، أن يؤتى بلفظ كل ثم يأتي بعدها لفظ أجمع، (وَدُونَ كُلٍّ قَدْ يَجِيءُ أَجْمَعُ)، قَدْ يَجِيءُ قلنا: قد هذه للتقليل، فهم منه أن ذلك قليل بالنسبة لذكرها بعد كل. (وَدُونَ) هذا متعلق بـ يَجِيءُ وهو مضاف، وكل مضاف إليه، يعني: وقد يجئ أجمعُ وما عطف عليه دون كل، وقد يجيء دون كل أجمعُ وجمعاءُ وأجمعون ثم جمعُ. أي: قد ورد استعمال العرب أجمع في التوكيد غير مسبوقة بكله نحو: جاء الجيش أجمع، واستعمال جمعاء غير مسبوقة بكلها، نحو: جاءت القبيلة جمعاء، واستعمال أجمعين غير مسبوقة بكلهم نحو: جاء القوم أجمعون، واستعمال جُمع فُعَل غير مسبوقة بكلهن نحو: جاء النساء جمع، وزعم المصنف أن ذلك قليل ومنه قوله: حَولاً أَكْتَعَا إِذًا ظَلِلتُ الدَّهْرَ أَبْكِي أَجْمَعَا، إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع وليس الثاني تأكيداً للتأكيد لما ذكرناه سابقاً أنه إذا قيل: كله أجمع فالثاني توكيد للمتبوع الأول، وكذلك إذا قيل: جاء زيد نفسه عينه فعينه توكيد لزيد، لا توكيد للتوكيد؛ لأن المؤكِّد نفس المؤكِّد اللفظ لا يؤكَّد، لماذا؟ لأن العلة إما رفع احتمال مجاز وإما رفع احتمال بعض .. مضاف محذوف، وهذه غير موجودة في ألفاظه لا كل ولا نفس ولا عين، حينئذٍ انتفت علة التوكيد. إذاً: إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع وليس الثاني تأكيداً للتأكيد، ولا يجوز قطعها إلى الرفع أو إلى النصب ولا عطف بعضها مطلقاً، فلا يقال: جاء زيد نفسه وعينه، بالواو كما يجوز في النعت، ولا جاء الركب كلهم أجمعون بالواو، نقول: هذا لا يجوز، وألفاظ التوكيد كلها معارف. وهذا فيما أضيف إلى الضمير ظاهر إذا قيل: نفسه، عينه، كله، كلهم، أنفسهم، أعينهم .. واضح لأنه مضاف إلى الضمير، والمضاف إلى الضمير معرفة لا إشكال فيه.

وما خلى عن الإضافة إلى الضمير ففي تعريفه قولان: قيل: بنية الإضافة، إضافة منوية إلى الضمير، وقيل: بالعلمية الجنسية، وحينئذٍ تكون ممنوعة من الصرف، إذا قيل بأنها معرفة وهي لم تضف إلى الضمير، وهذا مثل أجمع وما عطف عليه، إما بأنها منوية وإما أنها علم بالجنس. قال الناظم رحمه الله تعالى: وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ ... وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ (وَإِنْ يُفِدْ) (إن) حرف شرط، و (يفد) هذا فعل مضارع مجزوم بإن. (تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ) تَوْكِيدُ هذا فاعل، وهو مضاف ومَنْكُورٍ المراد به النكرة، قُبِلْ يعني: قبِلَ، هذا جواب الشرط. (وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ) وَعَنْ نُحَاةِ: جار ومجرور متعلق بقوله: الْمَنْعُ، المنع عن نحاة البصرة شمل، الْمَنْعُ مبتدأ وشَمِلْ هذا فعل مبني للمعلوم والفاعل ضمير مستتر يعود على المنع. (شَمِلْ) يعني شمل المفيد وغير المفيد؛ لأن قوله: (وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ) مفهومه إن لم يفد فلا يقبل. (وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ) يعني إذا كان التوكيد للاسم المؤكَّد النكرة مفيداً قبل، مفهومه إن لم يفد فلا يقبل. (وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ) شمل ماذا؟ المفيد وغير المفيد يعني مطلقاً، ولذلك المذاهب في توكيد النكرة ثلاثة، وعلة الخلاف أو سبب الخلاف ما ذكرناه آنفاً: وهو أن ألفاظ التوكيد معارف، فإذا قيل: التزم هذا حينئذٍ هل يشترط في المؤكِّد المطابقة مع المؤكَّد تعريفاً وتنكيراً أو لا؟ هذا محل النظر هنا. النعت لا شك فيه، يشترط فيه التنكير والتعريف المطابقة. وَلْيُُعْطَ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا ... لِمَا تَلاَ كَـ"امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا هل هذا الشرط موجود في التوكيد؟ هذا محل النزاع، فمن منع كالبصريين قال: لا بد من التطابق، فالنكرة لا تفيد؛ لأن هذا معرفة وهذا نكرة، وبعضهم جوز مطلقاً، وبعضهم فصَّل. إذاً: في توكيد النكرة ثلاثة أقوال: المنع مطلقاً، وهذا مذهب البصريين وهو الذي حكاه الناظم هنا (وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ) مطلقاً شمل المفيد وغير المفيد، كل توكيد لنكرة باطل ولو أفاد فهو ممنوع. المذهب الثاني: الجواز مطلقاً أفاد أو لم يفد، وهذا بعيد في عدم الإفادة؛ لأن مبنى الكلام على الإفادة، إذا كان لا يفيد شيء لمَ نؤكده؟ وهذا مذهب بعض الكوفيين. والثالث: التفصيل بين توكيد نكرة أفاد وبين توكيد نكرة لم يفد، فإن أفاد قُبِل وإلا رُدَّ، وهذا مذهب الكوفيين عامة، وهو الذي اختاره ابن مالك هنا وقال ابن هشام في التوضيح: وهو الصحيح، يعني التفصيل. إن أفاد قبل وإلا فلا. (وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ) يعني إذا لم يفد توكيد النكرة لم يجز، هذا صار محل وفاق باعتبار الكوفيين والبصريين، اعتبار الكوفيين والبصريين ما لم يفد حكي الاتفاق أنه لا يصح توكيده، وإن أفاد جاز عند الكوفيين قال ابن هشام: وهو الصحيح.

هنا قال ابن عقيل: مذهب البصريين أنه لا يجوز توكيد النكرة سواء كانت محدودة أو غير محدودة، يعني لها أول وآخر، شهر له أول وآخر، أسبوع له أول وآخر محدود، وكذلك يوم له أول وآخر، وأما زمن، ووقت، وساعة، وبرهة، وحين .. ألفاظ ليس لها أول ولا آخر، إن أُكِّد المحدود المؤقت حينئذٍ أفاد، وإن أكِّد غير المحدود حينئذٍ لم يفد، مذهب البصريين المنع مطلقاً، ولذلك قال هنا: سواء كانت محدودة أو لا. كيوم وليلة وشهر وحول أو غير محدودة كوقت وزمن وحين. ومذهب الكوفيين واختاره المصنف وصححه ابن هشام، جواز توكيد النكرة المحدودة لحصول الفائدة بذلك. إذاً نقول: النكرة نوعان: نكرة محدودة ونكرة غير محدودة. النكرة المحدودة: هي التي لها مدة معلومة، معلومة المقدار كأسبوع، ويوم، وليلة، وشهر، وحول .. هذه محدودة لها أول وآخر، وغير المحدودة هي التي تصلح للقليل والكثير يعني: ليس لها ولا آخر، لا ابتداء ولا انتهاء مثل: زمن، ووقت، وحين، ومدة، وساعة، ومهلة. والثاني متفق على منعه لعدم الفائدة، ما هو الثاني؟ غير المحدود، قال: وهذا متفق بين البصريين وإلا حكي خلافه، لكن بين عموم البصريين والكوفيين متفق على أنه لا يؤكد لعدم الفائدة؛ لأنه لو قال: قد انتظرتك وقتاً كله، ما الفائدة، انتظرتك وقتاً .. وقت نصف ساعة، ساعة، يوم، يومين .. يحتمل قليل وكثير، إذا قال: كله ما الفائدة؟ ليس فيه فائدة؛ لأن وقتاً ليس له أول ولا آخر، فإذا أكده لا فائدة، وأما الأول وهو المحدود فأجازه الكوفيون واستدلوا على ذلك بدليلين: الأول: السماع، ورد السماع، وإذا ورد السماع صار هو الأصل. فورد السماع عن العرب المعتد بكلامهم، ومنه قول القائل: تَحْمِلُنِي الذَّلفَاءُ حَولاً أَكْتَعَا، أكتع هذا من توابع أجمع، حولاً: حول له أول وله آخر، وأكده بأكتعا، إذاً سمع. (يَا لَيْتَ عِدّةَ حَوْلٍ كُلِّه رَجَبُ) أكد حول، (قَدْ صَرَّتِ البَكْرَةُ يَومَاً أَجْمَعَا) يَومَاً أَجْمَعَا إذاً أكده، انظر: حولاً ويوماً هذه نكرة محدودة لها أول ولها آخر، إذا ورد. ثانياً: حصول الفائدة مع وجود الدليل وهو السمع، حينئذٍ نلحظ من جهة المعنى ففي توكيد النكرة المحدودة فائدة، بخلافها في غير المحدودة، فمثلاً يوم معلوم المقدار، فإذا قلت: قد انتظرتك يوماً جاء الاحتمال، ما هو الاحتمال؟ بعض اليوم، نصفه، ثلثه، غالبه .. يحتمل، فحينئذٍ إذا أكد هل حصلت فائدة أم لا؟ حصلت فائدة، فإذا قلت: انتظرتك يوماً كله يعني: أربعة وعشرين ساعة من أوله إلى آخره، لكن يوماً هذا محتمل أنك أطلقت العام وأردت به الخاص، أو إطلاق الكل مراداً به الجزء، فهو وارد. إذاً إذا قال: قد انتظرتك يوماً كان محتملاً للمجاز، أو إن شئت قل: من إطلاق الكل مراداً به الجزء. أنه يقارب اليوم إما نصفه أو أقل أو أكثر، فإذا قال: قد انتظرتك يوماً كله فقد أزال بلفظ كله الاحتمال، ومنه صمت شهراً، يحتمل أنه ثمانية وعشرين يوم، أقل من هذا، ويحتمل النصف، ويحتمل الثلث، لكن إذا قال: صمت شهراً كله، رفع الاحتمال، إذاً حصلت الفائدة، ولذلك كل من نظر في مذهب الكوفيين علم أنه هو أصح.

وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ ... وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ مذهب الكوفيين واختاره المصنف وصححه ابن هشام في التوضيح: جواز توكيد النكرة المحدودة لحصول الفائدة بذلك، والأمثلة التي ذكرناها واضحة. (وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ) قلنا: الْمَنْعُ مبتدأ، وشَمِلْ هذا الجملة خبر، وَعَنْ نُحَاةِ متعلق به. وقوله: (شَمِلْ) أي: عم، الشمول المراد به العموم، المفيد وغير المفيد، ولا يجوز على القولين: صمت زمناً كله، على القولين لا يجوز هذا، ولا شهراً نفسه، لماذا؟ هل يؤكَّد بالنفس والعين ما يحتمل عدم الشمول؟ قلنا: يوماً يحتمل بعضه، مثل: جاء القوم كلهم، جاء القوم .. القوم يحتمل من إطلاق العام وإرادة الخاص، يوم يحتمل من إطلاق الكل مراداً به الجزء. هذا التعليل يستلزم ألا يؤكَّد النكرة المحدودة إلا بما يستعمل في الشمول وهو كل وما عطف عليه، إذاً يقال من الشروط التي يصح فيها توكيد النكرة: أن تكون النكرة محدودة، وأن يكون المؤكِّد مما يؤكد به الشمول وَكُلاًّ اذْكُرْ فِي الشُّمُولِ وأما نفسه: صمت شهراً نفسه، ما يصح هذا؛ لأنه لو احتمل شهر أنه دون الشهر رفع الاحتمال لا يكون بنفس، وإنما يكون بكل وهو دال على الشمول، فلا بد أن يكون من ألفاظ الإحاطة ككل وجمع وما عطف عليه. وَاغْنَ بِكِلْتَا فِي مُثَنًّى وَكِلاَ ... عَنْ وَزْنِ فَعْلاَءَ وَوَزْنِ أَفْعَلاَ (وَاغْنَ) يعني: استغن، استغن بكلتا عن وزن فعلاء، يعني لا تثنِ فعلاء تقول: فعلاوان؛ لوجود كلتا. وَوَزْنِ أَفْعَلاَ: أجمعا، فلا يقال: جمعاوان؛ لوجود كلا، إذاً لا يثنى أجمع فيقال: جمعاوان، وكذلك لا يقال: أجمعان ولا يقال: جمعاوان؛ للاستغناء بكلا وكلتا، بدلاً أن تثني جمعاوان ائت بكلتاهما، وبدلاً من أن تثني أجمع فتقول: أجمعان ائت بكلا. إذاً يستغنى عن تثنية وزن فعلاء ووزن أفعلا بكلتا وكلا، هذا مراده، وهذا نصصنا عليه فيما سبق. (وَاغْنَ): أي: استغن. (بِكِلْتَا) جار ومجرور متعلق بقوله: اغْنَ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. (في مُثَنًّى) ما المراد بالمثنى هنا .. اصطلاحاً أو لغةً؟ لغةً، يعني ما دل على اثنين وإن لم يسم في الاصطلاح مثنى، ليدخل نحو: جاء زيد وعمرو كلاهما، وهند ودعد كلتاهما، (وَكِلاَ) معطوف على قوله: كِلْتَا، (عَنْ وَزْنِ فَعْلاَءَ) .. عن وزن فعلاء، أو عن تثنية وزن فعلاء؟ الثاني، إذاً يجب تقدير مضاف هنا .. على تقدير مضاف؛ لأن نفس وزن فعلاء لا يصلح للمثنى حتى يستغنى فيه عنه بغيره. (عَنْ وَزْنِ فَعْلاَءَ وَوَزْنِ أَفْعَلاَ) كما استغني بتثنية سي عن تثنية سواء، فلا يقال: سواءان؛ لوجود سيان، سي ثم ألف ونون، إذاً هذه تثنية سي، فيستغنى عن تثنية سواء فلا يقال: سواءان لوجود سيان، كذلك لا يقال: جمعاوان ولا أجمعان لوجود كلا وكلتا، وأجاز ذلك الكوفيون والأخفش، معترفين بعدم السماع والحمد لله. أجازوه معترفين .. حالة كونهم معترفين بعدم السماع، لم يسمع، فإذا كان لم يسمع حينئذٍ نقول: الأصل التوقيف لأنه لفظ مسموع كما هو.

قال الشارح: قد تقدم أن المثنى يؤكد بالنفس أو العين وبكلا وكلتا، ومذهب البصريين: أنه لا يؤكد بغير ذلك فلا تقول: جاء الجيشان أجمعان، ولا جاء القبيلتان جمعاوان استغناء بكلا وكلتا عنه، وأجاز ذلك الكوفيون. إذاً: المشهور أن كلا للمذكر وكلتا للمؤنث، هذا هو المشهور، وقد يستغن بكليهما عن كلتيهما، كلا قد يقوم مقام كلتا، كلا في المؤنث المثنى يقام مقام كلتا، قاله في التسهيل. وقد يستعمل عن كليهما وكلتيهما بـ كلهما، ويقال على هذا: جاء الزيدان كلُّهما، وجاءت الهندان كلُّهما، لكن هذا كله قليل. إذاً الاستغناء عن كلتا بكلا نقول: هذا قليل. والاستغناء بكل عن كلا وكلتا نقول: هذا قليل. ونقف على هذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

91

عناصر الدرس * شروط تأكيد ضمير الرفع المتصل * التوكيد اللفظي وحده * توكيد لضمير المبصل تأكيداُ لفظياً * توكيد الحروف * التوكيد بضمير رفع منفصل * شرح الترجمة العطف وبيان نوعيه * حد عطف البيان واغراضه * ما يتبع فيه عطف البيان متبوعه * كل عطف بيان يصح إعرابه بدل كل من كل إلا ما استثنى. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: وقفنا عند قول الناظم - رحمه الله تعالى -: وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ ... بِالنَّفْسِ وَالعَينِ فَبَعْدَ المُنْفَصِلْ عَنَيْتُ ذَا الرَّفْعِ، وَأَكَّدُوا بِمَا ... سِوَاهُمَا وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَمَا (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) يعني: إذا أُكِّد ضميرٌ مرفوعٌ متصل، سبق أن الضمير قد يكون مُتصلاً وقد يكون منفصلاً، وإذا كان مُتصلاً قد يكون منصوباً، وقد يكون مخفوضاً، وقد يكون مرفوعاً، يعني: في محل رفع، وفي محل نصب، وفي محل خفضٍ، هنا قال: (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ) يعني: إذا أُكِّد ضميرٌ مرفوعٌ متصل (بِالنَّفْسِ وَالعَينِ) على جهة الخصوص وجب توكِيده أولاً بالضمير المنفصل، يعني: يَجب أن يُفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد بالضمير المنفصل، ولذلك قال: (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) هذا متى؟ إذا أُكِّد الضمير المتصل المرفوع، حينئذٍ لا بُدَّ من توكيده بضمير رفعٍ منفصل، ثُمَّ بعد ذلك يأتي النفس والعين. لو قلت: (قم) هذا فعل أمر فيه ضمير مستتر، هذا الضمير المستتر لا شك أنه متصلٌ ليس مُنفصلاً، وهو مرفوع، إذا أردت توكيده بالنفس: قم، لا تقل: قم نَفْسُك .. قم عَينُك قم نَفْسُك عَينُك لا، لا بُدَّ أن تفصل بين النفس وبين الضمير المؤكَّد بلفظ: أنت، وهو ضميرٌ؟؟؟ ليس أنت على جهة الخصوص وإنما بضمير رفعٍ منفصل، فتقول: قُم أنَتَ نَفسُك، حينئذٍ أكَّدْتَ الضمير المستتر المرفوع في (قم) بِنفسُك، وهو لفظ النفس الذي عناه الناظم هنا، وكذلك لفظ العين، ولكن بعد الفَصْل، وخَصَّصَ الناظم هنا الفصل بالضمير المُنفصِل. حينئذٍ: قم أنت نفسك أو عينك .. قُمْنَا نحن أنفسنا، (قُمْنَا) (نا) هذا ضمير مُتَّصِل مرفوع، وإذا أردت توكيده بالنفس حينئذٍ تقول: قمنا نَحنُ، (نَحنُ) هذا ضمير رفع منفصل، أكَّدْتَه أو فَصَلَت بين الضمير المؤكَّد، وبين النفس الذي هو المؤكِّد بالضمير. إذاً عرفنا مُراد الناظم هُنا: أنه إذا أرَدْتَ أن تؤكِّد ضميراً مرفوعاً مُتَّصلاً، حينئذٍ (بِالنَّفْسِ وَالعَينِ) على جهة الخصوص لا بغيرهما من المؤكِّدات وجَبَ الفصل بضميرٍ منفصل، فتقول: (قُم نَفسُك) غَلَط، بل لا بُدَّ أن تقول: قُمْ أنَتَ نَفسُك، قمنا نحن أنفسنا، وأمَّا: قمنا أنفسنا، هذا لا يصح. قال رحمه الله: (وَإِنْ تُؤكِّدِ) إن: حرف شرطٍ، وتُؤكِّدِ: هذا فعل مضارع مجزوم بإن الشرطية وهو فعل الشرط، وإنما حرك هنا للتخلص من التقاء الساكنين، فجزْمه حينئذٍ يكون بسكونٍ مقدر على آخره، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، (وَإِنْ تُؤَكِّدِ الضَّ) إذاً التقى ساكنان، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: تؤكد أنت. (الضَّمِيرَ) هذا مفعول به لتؤكد، و (المتَّصِلْ) هذا نعته، (بِالنَّفْسِ) متعلق بقوله: (تُؤكِّدِ)، إذاً: التأكيد هنا على جهة الخصوص، (بِالنَّفْسِ وَالعَينِ) معطوفٌ عليه، (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) يعني: بعد الضمير المنفصل.

(فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) بَعْدَ: هذا ظرف قيل: متعلق بمحذوف تقديره: فأكد بهما بعد الضمير المنفصل، أو فبعد أن يؤكِّده المنفصل، (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) مطلقاً مستتراً كان أو بارزاً، بِالنَّفْسِ وَالعَينِ لا بغيرهما، لا بـ (كل) ولا بـ (كلا) ولا بـ (كلتا) ولا بـ (جميع) ولا بـ (عامة)، فهذه الألفاظ كلها يجوز فيها الوجهان: التوكيد .. الفصل وعدم الفصل، وأمَّا الحكم هنا فهو خاصٌ بالنفس والعين دون غيرهما. وإنما اختص هذا الحكم بالنفس والعين لقوة استقلالهما، فإنهما يستعملان في غير التوكيد كثيراً، نحو: علمت ما في نفسك، وعين زيدٍ حسنة، العين الباصرة حسنة، حينئذٍ نقول: هذا اللفظ استعمل في غير التوكيد، هذا بخلاف: (كل) هناك، والكثير أن يكون تابعاً، وكذلك: (كلا) و (كلتا) و (جميعاً) و (أجمع) وتوابعها، الأكثر أن تقع مؤكدات، هنا استعمل النفس والعين استعمال الأسماء، يعني: لا التوكيد كثيراً في لسان العرب: علمت ما في نفسك، ليس توكيداً ونفس، عين زيدٍ جميلةٌ أو حسنة، عين باصرة، بخلاف بقية الألفاظ فلم يكن لها من قوة الاستقلال ما للنفس والعين، فلم يَكرهوا توكيد المرفوع المتصل بها. إذاً: إذا أردت التوكيد بالنفس والعين لا بد من الفصل، لماذا؟ لأن استعمال هذين الاسمين النفس والعين في غير التوكيد كثير، وهذا لم يقوَ في باب (كل) ونحوه، لأن استعمالها التوكيد كثير، فقويت أن تؤكد دون فاصل، وأمَّا النفس والعين فلا. (بِالنَّفْسِ وَالعَينِ) دون غيرهما، (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) يعني: بعد الضمير المنفصل .. بعد أن يؤكده الضمير المنفصل، يعني: تفصل بينهما بالضمير المنفصل. (عَنَيْتُ ذَا الرَّفْعِ) هذا تقييد لقوله: (الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) في قوله: (وَإِنْ تُؤَكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) هذا عام يشمل الضمير المتصل المرفوع، والضمير المتصل المنصوب، والضمير المتصل المخفوض هذا عام، هل الحكم عام؟ لا، قال: (عَنَيْتُ) بقولي: (إِنْ تُؤَكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ: ذَا الرَّفْعِ) إذاً: فهم أن المنصوب المتصل، والمخفوض المتصل لا يجب أن يُفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد، بل هو حسنٌ كما سيأتي. وَإِنْ تُؤَكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ ... بِالنَّفْسِ وَالعَينِ فَبَعْدَ المُنْفَصِلْ حتماً واجباً، وإنما وجب ذلك، قالوا: لوقوع اللبس في بعض المواقع، كما لو قلت: هندٌ ذهبت نفسها، وسعدى خرجت عينها، هذا يحتمل .. فيه لبس، هندٌ خرجت نفسها يعني: روحها يحتمل، خرجت نفسها هل هذا توكيد أم فاعل؟ يحتمل أنه فاعل فنفسها خرجت .. روحها، ويحتمل أنه توكيد للضمير المستتر، خرجت هي نفسها، فلما وقع اللبس حينئذٍ لا بد من الفاصل.

وسعدى خرجت عينها، عينها يعني: بذاتها .. هي نفسها خرجت؟ أو خرجت عينها على الأصل؟ عينها الباصرة، فهذا يحتمل أن تكون نفسها ذهبت وعينها خرجت، فإذا قيل: ذهبت هي نفسها تعين أن يكون نفسها توكيداً لا فاعل، لم يكن لبسٌ، حينئذٍ لم يفرقوا بين هذين المثالين وغيرهما طرداً للباب، لما وقع اللبس في بعضٍ، وإن لم يقع اللبس في بعضٍ، حينئذٍ طرداً للباب قالوا: يتعين أن يُفصل بين الضمير المتصل المرفوع، وبين مؤكِّده بالنفس والعين بضميرٍ منفصل، لا بد أن يُفصل بينهما. وقيل: إنما وجب الفصل لأن المرفوع المتصل بمنزلة الجزء، فكرهوا أن يؤكدوه أولاً بمستقلٍ من غير جنسه، فأكدوه أولاً بمستقل من جنسه، وبمعناه وهو الضمير المنفصل المرفوع ليكون تمهيداً لتأكيده بالمستقل من غير جنسه، وهو النفس والعين، يعني: كأنهم فروا من أن يؤكَّد الضمير بالاسم الظاهر، والاسم الظاهر الذي هو من غير جنس الضمير، وحينئذٍ قالوا: أولاً نمهد بأن يؤكَّد بضميرٍ منفصل ثم بعد ذلك يؤتى بالنفس والعين. ليكون تمهيداً لتأكيده بالمستقل من غير جنسه، وهو النفس والعين اللذان هما من الأسماء الظاهرة، أمَّا إذا كان المؤكَّد اسماً ظاهراً، أو ضمير رفعٍ منفصل، أو ضمير نصبٍ مطلقاً فلا يشترط هذا الشرط، ولذلك قال: (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ) إذاً: لا الاسم الظاهر .. خرج به الاسم الظاهر، فإذا قلت: جاء زيدٌ نفسه، لا نحتاج: جاء زيدٌ أنت أو هو نفسه كما سبق معنا، إذاً: لا نحتاج لأنه ظاهرٌ بنفسه. وكذلك الضمير المنفصل والضمير المخفوض، لأنه قال: (عَنَيْتُ ذَا الرَّفْعِ) يعني: قصدت بهذا الحكم الضمير المتصل المرفوع، وأمَّا غيره فهو واضحٌ، فلا يشترط هذا الشرط لفقد العلة المقتضية له، إذ الظاهر مستقلٌ بنفسه، والمنفصل ليس كالمتصل لاستقلاله بنفسه، إياك إياك لا نحتاج إلى التوكيد، والمنصوب ليس كالمرفوع في شدة الاتصال، لأن المنصوب مفعولٌ به كما سبق، والمفعول به ليس في قوة المرفوع، لأن المرفوع كجزءٍ من الفعل، ولذلك كانت رتبة الفاعل متقدمة على رتبة المفعول. إذاً: المنصوب ليس كالمرفوع (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) إذاً مفهومه: أن الضمير المؤكد بالنفس والعين إذا كان منفصلاً لا يلزم توكيده بالضمير نحو: أنت نفسك قائمٌ، هل يحتاج إلى توكيد؟ نقول: لا، لأنه في قوة الاسم الظاهر هنا. (عَنَيْتُ ذَا الرَّفْعِ) يعني: عنيت بهذا الضمير في قولي: (إِنْ تُؤَكِّدِ الضَّمِيرَ المتَّصِلْ)، عَنَيْتُ بهذا الضمير (ذَا الرَّفْعِ) يعني: صاحب الرفع، الضمير المتصل بكونه مرفوعاً، وهذا واضحٌ بيِّن. مفهومه: أنه إذا لم يكن مرفوعاً حينئذٍ لا يُلتَزَم الفصل. (وَأَكَّدُوا بِمَا سِوَاهُمَا) هذا تصريحٌ بالمفهوم السابق، لأنه قال: (بِالنَّفْسِ وَالعَينِ) قلنا: هذا قيد، مفهومه -وإن تؤكد بالنفس والعين فبعد المنفصل- مفهومه: إن لم تؤكد بالنفس والعين فلا يشترط، إذاً: هذا تصريح بالمفهوم السابق.

(وَأَكَّدُوا بِمَا سِوَاهُمَا) أكدوا الضمير المتصل المرفوع (بِمَا) يعني: بمؤكدٍ (سِوَاهُمَا) سوى العين والنفس، (وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَمَا)، أيُّ قيد .. أين هو من كلامه؟ (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) هكذا، يعني: حتماً، فأكد بهما قلنا: بعد هذا منصوب بعامل محذوف، تقديره: فأكد بهما بعد المنفصل، إذاً: وجب التوكيد بعد المنفصل إذا كان التوكيد بالنفس والعين. (وَأَكَّدُوا) أي: العرب، الضمير المتصل المرفوع (بِمَا) جار ومجرور متعلق بقوله: أَكَّدُوا، وما: هنا اسم موصول بمعنى: المؤكد، أكدوا بمؤكدٍ (سِوَاهُمَا) يعني: سوى النفس والعين، استقر سواهما، أو ثبت سواهما، (والقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَما) فيجوز تركه، إذا كان القيد السابق (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) لن يلتزم حينئذٍ جاز تركه. وفهم من عبارته: أنه جائزٌ التوكيد، لأنه قال: لن يُلتَزَم .. لن يجب، ونفي الوجوب لا يستلزم نفي المشروعية، هذا الأصل، في الشرع إذا قيل: ليس بواجب معناه: ليس بمشروع؟ لا، قد يكون مندوباً، المشروع: هذا يشمل الواجب والندب، فإذا قيل: ليس بمندوبٍ لا يُفهم منه أنه ليس بواجب، وإذا قيل: ليس بواجبٍ لا يُفهم منه أنه ليس بمندوب، وإذا قيل: ليس بواجبٍ لا يُفهم منه أنه ليس بمشروع، والعكس بالعكس، لأن المشروع أعم، يعني: جاء به الشرع. (وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَما) نفى الوجوب .. شرطية، وهذا لا ينفي أنه يجوز -الجواز والإباحة- أنه يجوز أن يؤكَّد بعد الفصل. (وَأَكَّدُوا بِمَا سِوَاهُمَا) يعني: سوى النفس والعين، (وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَمَا) القيد السابق الذي أشار إليه بقوله: (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) .. لَنْ يُلْتَزَمَا، القَيْدُ: مبتدأ، ولَنْ: هذا ناصبة، ويُلْتَزَمَا: الألف للإطلاق، ويُلْتَزَمْ: فعل مضارع مُغيِّر الصيغة منصوب بلن، ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، (وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَمَا) يعني: غير مُلتَزَمٍ به، فُهِمَ منه أنه جائز، حينئذٍ يجوز تركه. قال الشارح هنا: " لا يجوز توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو العين إلا بعد تأكيده بضميرٍ منفصل " وهذا على قول الجمهور .. بل الجماهير: أنه يشترط أن يكون الفاصل ضمير منفصل، وذهب بعضهم ورجحه السِيُوطي في: الهمع، أنه لا يشترط الضمير، بل بأي فاصلٍ، وذهب بعضهم إلى أن الشرط مطلق الفصل، ولا يشترط أن يكون ضميراً. قال السِيُوطي: " لا يشترط في كون الفاصل ضميراً "، لكن المشهور هو ما ذكره الناظم هنا، أنه يجب أن يكون الفاصل هو الضمير المنفصل. إلا بعد توكيده بضميرٍ منفصل: قوموا أنتم أنفسكم، قوموا: هذا فعل أمر، فيه ضمير متصل وهو الواو، هذا ضمير رفع متصل بعامله، أردت توكيده بالنفس، لا يصح أن تقول: قوموا أنفسُكم هكذا! على أن يكون أنفس هو توكيدٌ للضمير المتصل، بل لا بد أن يُفصل بينهما، والعلة التي ذكرنها سابقاً. قوموا أنتم أنفسكم، أو أعينكم، ولا تقل: قوموا أنفسكم، بل تقول: قم أنت نفسك أو عينك، وقمنا نحن أنفسنا، وقاموا هم أنفسهم، إذاً: لا بد من الفصل بين الضمير المتصل المرفوع، والتوكيد إذا كان بالنفس والعين.

بخلاف: قام الزيدون أنفسهم، هل يشترط؟ لا يشترط، وهذا مأخوذٌ من الأبيات السابقة، وكذلك من قوله: (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ) إذاً: إذا أكدت الاسم الظاهر فعلى الأصل: أنه لا نحتاج إلى فاصلٍ. بخلاف: قام الزيدون أنفسهم، فيمتنع توكيده بالضمير، لأن الاسم الظاهر لا يؤكَّد بالضمير، لأن الضمير أعرف كما سبق، فحينئذٍ لا يكون مؤكداً. قال: فإذا أكدته بغير النفس والعين لم يلزم ذلك، تقول: قوموا كلكم .. قوموا أنفسُكم، لا يصح، قوموا أنتم أنفسُكم .. قوموا كلكم، صح، لماذا؟ لأن الشرط أن يكون المؤكد هو النفس والعين، وما عداهما لا يجب، (وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَما) إذاً: قوموا كلكم .. قوموا أنتم كلكم، يجوز؟ يجوز الوجهان والفصل أحسن. تقول: قوموا كلكم، أو: قوموا أنتم كلكم فالضمير جائزٌ لا واجب بل هو حسنٌ .. أن يُفصل بين الضمير المتصل المرفوع وبين ما عدى سوى .. إذا أكد بما سوى والعين حينئذٍ نقول: الفصل حسنٌ وليس بواجبٍ. وكذا إذا كان المؤكد غير ضمير رفعٍ، بأن كان ضمير نصبٍ أو جرٍ فتقول: مررت بك نفسك، أو عينك، ومررت بكم كلكم، ورأيتك نفسك أو عينك، ورأيتكم كلكم، حينئذٍ نقول: هذا توكيدٌ بما سوى النفس بضميرٍ متصل، لكنه منصوبٌ أو مخفوض، حينئذٍ لا يتعين الفصل. إذاً خلاصة هذا البحث: أنه إذا أُكد الضمير المتصل المرفوع وجب الفصل بضميرٍ منفصل، وهذا إذا كان التوكيد بالنفس والعين فقط، والعلة ما ذكرناها سابقاً، وأمَّا إذا أُكد غير الضمير المتصل المرفوع، وهذا يشمل الاسم الظاهر، ويشمل الضمير المتصل المنصوب أو المخفوض، فلا يجب بل هو حسنٌ فيما إذا كان التوكيد بالنفس والعين، وإذا كان التوكيد بغير النفس والعين، حينئذٍ لا يجب الفصل مطلقاً، سواءٌ أُكد الضمير المتصل المرفوع أو سواه، هذا مراده بهذين البيتين. إذاً: (عَنَيْتُ ذَا الرَّفْعِ) هذا تقييد لقوله: (الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) .. انتبه لهذا! (وَأَكَّدُوا بِمَا سِوَاهُمَا) هذا تصريحٌ بالمفهوم بقوله: (بِالنَّفْسِ وَالعَينِ) لأنه متعلق بقوله: (تُؤَكِّدِ). ثُمَّ قال: وَمَا مِنَ التَّوكِيدِ لَفْظِيٌّ يَجِي ... مُكَرَّراً كَقَوْلِكَ ادْرُجِي ادْرُجِي ... هذا شروعٌ منه في بيان القسم الثاني من نوعي التوكيد، سبق أن التوكيد نوعان: توكيدٌ معنوي، وتوكيدٌ لفظي، التوكيد المعنوي محصورٌ في سبعة ألفاظ، ولذلك لم يحده النحاة، والتوكيد اللفظي هذا كذلك مقابلٌ للأول، الأول باعتبار المعنى، ولكنه بألفاظٍ محصورة، وهذا بذات اللفظ، وليس له ألفاظاً محصورة وإنما له الجنس، لأنه يقع بالفعل، ويقع بالجملة، ويقع بالحرف، ويقع بالاسم، يكون التوكيد اللفظي بماذا؟ بالفعل .. جنس الفعل، وأمَّا إذا أردنا أن نعدد الأفعال فهذا لا حصر لها، وكذلك بالاسم، وكذلك بالحرف، وكذلك بالجملة، يؤكّد بها.

عرفه بعضهم: بأن التوكيد اللفظي هو إعادة اللفظ الأول بعينه .. بذاته .. بنفسه، بعينه قلنا: عين هذا يُجر بالباء، إعادة اللفظ الأول بعينه، وهذا يشمل الحرف والاسم والفعل، والجملة كذلك، والمركب غير جملة أيضاً، غلام زيدٍ غلام زيدٍ، هذا مركب ليس جملة. فإعادة الاسم كأن تقول: قام زيدٌ زيدٌ، إعادة اللفظ الأول بعينه سواء كان فاعلاً أو مفعولاً، فتقول: قام زيدٌ زيدٌ، قام: فعلٌ ماضي، وزيدٌ: فاعلٌ مرفوع، وزيدٌ الثاني: توكيدٌ لفظي، ولا تقل: فاعل، إنما هو توكيدٍ لفظي لزيد، فهو إعادة للفظ الأول الذي هو زيد الفاعل بعينه .. بنفسه كما هو. رأيت زيداً زيداً، رأيت: فعل وفاعل، وزيداً: مفعولٌ به، وزيداً الثاني: ليس مفعولاً ثاني لرأى، وإنما هو توكيدٌ للمفعول به، لأنه إعادة اللفظ بعينه: أَخَاكَ أَخَاكَ، إِنَّ مَنْ لاَ أَخَاً لَهُ ... كَسَاعٍ إِلى الهَيْجَا بِغَيرِ سِلاَحِ (أخاكَ أخاكَ) (أخاك) الأول: منصوبٌ بفعلٍ محذوف على الإغراء: الزم أو احفظ أخاك، أخاك الثاني توكيدٌ للأول منصوبٌ مثله، لأن حكم التوكيد حكم المؤكَّد، لأنه تابع وهذا لا يحتاج أن ننصص عليه في كل مقام، فلما كان التابع هو الاسم المشارك لما قبله في إعرابه دخل فيه أنواع التوابع كلها، ومنها التوكيد المعنوي والتوكيد اللفظي. إذاً: يكون في الاسم: أَخَاكَ أَخَاكَ، إِنَّ مَنْ لاَ أَخَاً لَهُ ... كَسَاعٍ إِلى الهَيْجَا بِغَيرِ سِلاَحِ فـ: (أخاك) الأول هذا منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ وجوباً على الإغراء، والثاني توكيدٌ له. أو فعلاً، تقول: جاء جاء زيدٌ، قام قام زيدٌ إذا أردت توكيد القيام، فقام الأول: فعل، وقام الثاني: كذلك فعل، لكن قام الأول فعلٌ أسند إلى فاعله، وقام الثاني قُصِدَ به التوكيد فحسب فليس له فاعل، وهذا سبق معنا في الفعل الذي ليس له فاعل، وهو إذا كان الفعل مؤكِّداً لما سبق، فحينئذٍ قام قام زيدٌ، زيدٌ هذا لا نقول: من باب التنازع كما قيل، وإنما نقول: قام الأول فعلٌ قُصدت فعليته، لأنه مستقل بذاته لم يكن تابعاً لغيره، وقام الثاني قُصِدَ به التوكيد، فلما قُصِدَ به التوكيد حينئذٍ نُزِع منه الإسناد، يعني: لا يفتقر إلى فاعل، من حيث هو لو يكن مؤكِّداً لزم أن يكون مسنداً إلى غيره، لأن كل فعلٍ لا بد أن يكون ثم فاعلٌ له، وهنا لم يقصد به هذا، وإنما قصد به توكيد الفعل السابق، حينئذٍ لا فاعل له، وزيدٌ الملفوظ به فاعلٌ للأول. ومنه: أتاكَ أتاكَ، أو أتاكِ أتاكِ، ضُبط بالوجهين، (أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ احْبِسِ احْبِسِ .. )، هذا فيه توكيدٌ للفعل، أتاكِ أتاكِ اللاحقون .. اللاحقون أتاكِ أتاكِ، أتى: هذا فعل ماضي، والكاف في محل نصب مفعول به، واللاحقون فاعل للأول، والثاني: توكيدٌ للأول أتاكِ، أعاد الضمير المتصل وهو منصوبٌ توكيداً لسابقه، واللاحقون: هذا فاعلٌ للأول، قال بعضهم: أن أتاكِ أتاكِ، واللاحقون من باب التنازع، وهذا لا يصح، لماذا؟ لأن اللاحقون فاعل، وسبق أنه إذا أُعْمِل الأول أو الثاني وجب الإضمار، ولا يجوز الحذف، لو كان المقام من مقام التنازع لقال: أتوكِ أتاكِ اللاحقون، إذا أعْمَلَ الثاني، أتاكِ أتوكِ اللاحقون.

قال بعضهم: أتاكِ أتاكِ اللاحقون، الفعلان تنازعا في "اللاحقون" على أنه فاعلٌ لهما. نقول: أتاكِ أتاكِ، على أن الفعلين تنازعا اللاحقون، نقول: هذا فاسد، لماذا؟ لأنه لو أُعْمِلَ الثاني وجب باتفاق البصريين والكوفيين الإضمار في الأول، فيقول: أتوكِ أتاكِ اللاحقون، هذا إذا أعمَلَ الثاني، وإذا أعمَلَ الأول أتاكِ أتوكِ اللاحقون لكنه لم يضمر، فدل على أن اللاحقون فاعلٌ للأول والثاني توكيدٌ له ولا فاعل له، وقال بعضهم: أتاكِ أتاكِ اللاحقون، اللاحقون: هذا فاعلٌ للفعلين معاً، وهذا أفسد، لماذا؟ لأن الشيء الواحد لا يكون فاعلاً لاثنين، ولو كانا متحدين اللفظ والمعنى، بل كل فعلٍ يقتضي فاعلاً مختصاً به، هذا هو الأصل. إذاً الصواب نقول: أَتَاَكَ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ، أتاكِ الأول فعل ماضي، والكاف مفعولٌ به، واللاحقون: فاعله، أتاكِ الثاني: توكيد، الحاصل أن هذا من مقام توكيد الفعل بالفعل. احْبِسِ احْبِسِ: هذا ظاهره أنه من توكيد الجملة، لأنك تقول: قام زيدٌ قام زيدٌ قام زيدٌ، تؤكِّد والتوكيد أقصى ما يكون ثلاثة، قام زيدٌ قام زيدٌ قام زيدٌ، وهذا الذي عللنا به فيما سبق: أن التوكيد قائمٌ مقام تكرير جملتين أو ثلاثة، إذا زيد حرفٌ في الجملة قلنا: هذا يؤكِّد، يعتبر من المؤكِّدات، وإذا كان من المؤكِّدات معناه: أنه أُقِيمَ مُقَام جملتين فأكثر، هذا المراد بالتوكيد، أليس التوكيد هو التقوية؟ إذا أردنا تقوية قام زيدٌ قام زيدٌ، أو: زيدٌ قائمٌ زيدٌ قائمٌ زيدٌ قائمٌ، قال بعض أهل البيان: أنه إذا قيل: إن زيداً قائمٌ، هذا في قوة قولك: زيدٌ قائمٌ زيدٌ قائمٌ زيدٌ قائمٌ، فحذفت زيدٌ قائمٌ الثانية وزيدٌ قائمٌ الثالثة، وعوضت عنها: إنَّ، ولذلك نقول: إنَّ مؤكدةٌ للنسبة، نسبة مضمون الخبر إلى المبتدأ .. الاسم، ما المراد بهذه النسبة؟ النسبة هذه لا تكون في اسمٍ، ولا تكون في خبرٍ، وإنما تكون بين اسمين: وهو ما يقتضيه تركيب الكلام. الحاصل: أن احْبِسِ احْبِسِ، نقول: هذه الجملة الثانية مؤكدة للجملة الأولى. قوله: هو إعادة اللفظ الأول بعينه، هذا فيه قصور، لماذا؟ لأنه قد يُعاد اللفظ الأول بمعناه، ويكون مؤكداً له، ولذلك جوزوا بعامة أن يُقال: نعم نعم، هذا في توكيد الحرف، نسينا أن نذكره! يؤكَّد الحرف: زيدٌ قام .. قام زيد؟ نعم نعم، تعيد نعم الثانية توكيداً للأولى، ويصح أن يُقال: نعم جيري! وجيري بمعنى: نعم، هنا حصل توكيدٌ بين اللفظين، لكن أعيد الأول مرةً ثانية لكن بمعناه لا بلفظه، هذا يسمى توكيداً لفظياً، على هذا الحد المشهور عند النحاة، وهذا يُعرِّف به ابن هشام كثير في كتبه: إعادة اللفظ الأول بعينه لا يشمل ما كان معاداً بمرادفه، ولذلك عَرَّفه في التسهيل: بأنه هو إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنىً، هذا أجمع، إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنىً .. بما وافقه في المعنى، حينئذٍ يشمل ما ذكرناه، فله صورتان:

فالأول: يكون في الاسم والفعل والحرف، وذكرنا أمثلتها، والمركب غير جملة: غلام زيدٍ غلام زيدٍ، هذا مركب غر جملة، جاء غلام زيدٍ غلام زيدٍ غلام زيدٍ، نقول: هذا توكيد غير مفرد وغير جملة: "جاء زيدٌ جاء زيدٌ"، "نكاحها باطل باطل باطل"، هذا توكيد مثلث، "قام قام زيدٌ، نعم نعم، لا لا" هذا إعادة اللفظ الأول بعينه، أمَّا بموافقه أو مرادفه في المعنى، مثَّلوا له بقوله: أَنْتَ بِالخَيْرِ حَقِيقٌ قَمِنٌ، قَمِنٌ: ما المراد بها؟ حقيق نفسها، فأكد: حقيقٌ بقمنٌ، وقمن هي في المعنى حقيق، هنا أعاد اللفظ لا بلفظه ولكن بمعناه، إذاً: وجد التوكيد بالإعادة والتكرار إلا أنه بالمعنى لا باللفظ. ومنه توكيد الضمير المتصل بالمنفصل، منه يعني: من إعادة الشيء بموافقه .. بمرادفه دون لفظه: التوكيد .. توكيد الضمير المتصل بالمنفصل، قال الناظم: (وَمَا مِنَ التَّوكِيدِ لَفْظِيٌّ يَجِي مُكَرَّرَاً) وما: اسم موصولٌ بمعنى: الذي مبتدأ، (مِنَ التَّوكِيدِ) هذا حالٌ من الضمير في (لَفْظِيٌّ) (لَفْظِيٌّ) الياء هذه ياء النسبة، ومر معنا عند قوله: (وَشِبْهِه كَذَا وَذِي) أن المنسوب في قوة المشتق، وإذا كان كذلك فحينئذٍ يرفع ضميراً مستتراً، بل عند بعضهم يرفع المنسوب اسماً ظاهراً. إذاً: إذا كان كذلك فحينئذٍ قوله: لفظيٌ حال كونه من التوكيد، فمن التوكيد: جار ومجرور متعلق بمحذوف حالٌ من الضمير في لفظي، ولماذا جوزنا أن يكون حالاً من الضمير فيه؟ لأننا قلنا إنه في قوة المشتق، كأنه ذاتٌ منسوبةٌ إلى قريشٍ إذا قلت: قرشيٌ، مكيٌ ذاتٌ منسوبةٌ إلى مكة، يعني: المقام فيها، حينئذٍ نقول: هذا منسوبٌ، وإذا كان كذلك ففيه ضميرٌ صح مجيء الحال منه، إذاً: مِنَ التَّوكِيدِ جار ومجرور متعلق بمحذوف حال الضمير في لَفْظِيٌّ. ولَفْظِيٌّ: ما إعرابه؟ خبر المبتدأ، لا يصح، والذي لفظيٌ ما يصح، ما هو المحذوف .. أين صلة الموصول؟ إذا قيل: ما اسم موصول تبحث عن صلة الموصول، يَجِي .. إذا قلت: يجي وما يجيء من التوكيد لفظيٌ، ما يستقيم، يَجِي: هو الخبر .. خبر ما الموصول، ولَفْظِيٌّ: هو صلة الموصول على تقدير محذوف، وما: هو لفظيٌ من التوكيد يجيء مكرراً صحَّ؟ صحَّ، وما هو لفظيٌ إذاً: صارت صلة الموصول جملة اسمية، لَفْظِيٌّ: خبرٌ لمبتدأ محذوف تقديره هو. وما هو لفظي حال كونه من التوكيد يجي مكرراً، وجملة يَجِي هي خبر المبتدأ، وإذا أعرب البيت عرفت المعنى، (وَمَا مِنَ التَّوكِيدِ لَفْظِيٌّ يَجِي) كما قلنا: جا يجي، وجاء يجيء، إذا قيل: جا يجي لغة، وإذا قيل: يجي من جاء حينئذٍ حذفت لامه ضرورة، لأن الهمزة هي اللام، جاء على وزن فعل، إذاً: الهمزة هي لام الكلمة، أين هي هنا، يجي؟ محذوفة، إذاً يجي: يحتمل أنه لغة وهذا هو الظاهر والأولى، ويحتمل أنه من جاء حينئذٍ يكون يجيء حذفت اللام التي هي الهمزة ضرورة لأجل الوزن. (يَجِي) الضمير هنا يعود على: (وَمَا).

(مُكَرَّراً) هذا حالٌ من فاعل: (يَجِي) حال كونه مكرراً، والتكرار هو الإعادة، ولذلك قلنا في حد التوكيد اللفظي إعادة اللفظ الأول بعينه، أو إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنىً، إذاً: متضمنٌ لمعنى الإعادة، والتكرار هنا لا يزيد على ثلاث مرات، هذا يكاد أن يكون اتفاق بين النحاة والبيانيين، بل قيل: المكرر يكون مرتين، وقيل: ثلاثاً، ولا قائل بالزيادة، أمَّا مرتين أو ثلاثة، حينئذٍ يصح أن يُقال: قام زيدٌ زيدٌ، قام زيدٌ زيدٌ زيدٌ، إذا أردت التأكيد القوي فتعيد مرة ثالثة، مكرراً ثلاث مرات فقط لاتفاق على أنه لم يقع في لسان العرب أزيد منها، والتكرار هنا لفظاً ومعنىً أو معنىً، ليشمل النوعين اللذين ذكرهما في حد التوكيد اللفظي، لأننا قلنا: إعادة اللفظ الأول بعينه أو بموافقه، يعني: مرادفه في المعنى، إذاً: التكرار حصل لشيءٍ لفظي ومعنوي، وحصل لشيءٍ معنوي فحسب. إذاً قوله: مكرراً لفظاً ومعنىً كـ قام قام زيد، أو معنىً فحسب نحو: أَنْتَ بِالخَيْرِ حَقِيقٌ قَمِنٌ، هنا أعيد وكرر لكن بالمعنى دون اللفظ. (كَقَوْلِكَ ادْرُجِي ادْرُجِي) كَقَوْلِكَ: الكاف هنا للتشبيه .. مثال، إذاً ليست استقصائية، (كَقَوْلِكَ ادْرُجِي ادْرُجِي) (ادْرُجِي) هذا فعل أمر، والياء فاعل، كأنه قال: اركعي اركعي، الياء هذه فاعل، تركعين تركعين .. تدرجين تدرجين، إذاً: (ادْرُجِي ادْرُجِي) أي: اقربي اقربي، أو ادْرُجِي يعني: اصعدي الدرج، الدرج: جمع درجة وهي المرقاة .. السُلَّم، (ادْرُجِي ادْرُجِي) يعني: اصعدي الدرج، هل هذا من توكيد الجملة، أو من توكيد الفعل، أو من توكيد الضمير؟ يحتمل الثلاث، لكن ظاهر صنيع الناظم هنا: أنه من توكيد الجملة، لأن ادْرُجِي: هذا فعل وفاعل، فأعاده مرةً ثانية لأن أكثر ما يقع التوكيد اللفظي في الجمل كما سيأتي، ولذلك نحمله على الأكثر والأشهر أولى. هذا المثال: (ادْرُجِي ادْرُجِي) يحتمل أن يكون من تأكيد الجملة وهذا ظاهر بيِّن، بل الظاهر هذا مراد الناظم، وعليه حمله الأشْمُوني، وأن يكون من تأكيد الضمير المتصل وهو معلومٌ من البيت الآتي وداخلٌ فيه فيكون تكرار، والأولى عدم حمله على هذا، وأن يكون من توكيد الفعل فقط - السِيُوطي حمله على الثاني لكنه مرجوح – وأن يكون من توكيد الفعل فقط: قام قام زيد، (ادْرُجِي ادْرُجِي) إذا قال: ادْرُجِي، لمَ أعاد الضمير مرةً أخرى؟ قال: لئلا يوهم أن المخاطب مُذَكَّر، لو قال: ادرجي ادرج، قد لا يفهم أن الثاني توكيداً للأول، لماذا؟ لأن الأول خطاب للمؤنث والثاني خطاب للمُذكَّر، لئلا يتوهم متوهم هذا أعاد مرةً ثانية الضمير المتصل، فقال ادْرُجِي ادْرُجِي، فيكون من باب توكيد الفعل مثل: قام قام زيدٌ، وهذا كذلك محتمل. أن يكون من تأكيد الفعل فقط، وجيء بالضمير معه لئلا يلتبس بأمر المخاطب، الثاني توكيدٌ للأول ادْرُجِي .. ادرج هذا الأصل، لكن أعاد الضمير لئلا يلتبس أنه توكيدٌ والفاعل المخاطَب وليس الأمر كذلك.

قال الشارح: " هذا هو القسم الثاني من قسمي التوكيد، وهو التوكيد اللفظي، وهو تكرار اللفظ الأول بعينه اعتناءً به " (ادْرُجِي ادْرُجِي) وكقوله: (أَتَاكِ أَتَاكِ اللاَّحِقُونَ احْبِسِ احْبِسِ) وهذا مشهور. والأكثر في التوكيد اللفظي أن يكون في الجمل، هذا الأكثر، وأمَّا المفردات فهذا قليل، سواءً كان فعلاً، أو حرفاً، أو اسماً، وكثيراً ما يقترن بعاطفٍ إذا كان جملة، يعني: يُعد بعاطف: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: 4 - 5] الثانية توكيدٌ للأولى، والعاطف يكون ثَم على جهة الخصوص. وجعل الرضي الفاء مثل ثُم، بمعنى: أنه يُعطف الجمل المؤكدة بعضها لبعض، سواءً كانت اثنتين أو ثلاث، أن يعطف بثُم، وألحق بها الرضي الفاء، ومنه: ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة: 34 - 35] اجتمع فيها حرفان. ويأتي بدون عاطف، حديث: {وَاللَّهِ لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا} ثلاث مرات، يعني: أعادها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: {لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا} وهذا قد يرجِّح بأن التوكيد ثلاث لا اثنين، ولذلك يأتي في الأحاديث: ثلاثاً .. ثلاثاً كثير، هذا يدل على ماذا؟ أولاً: على أن التأكيد لا يزيد على الثلاث، ولم يرد أربعاً. ثانياً: ترجيح القول بأنه مثلث دون أن يكون مثنى، لأن بعضهم يرى أن التكرار مرتين فحسب، أمَّا الثالثة فلا، نقول: وروده في الأحاديث كثيرة ثلاثاً .. ثلاثاً يدل على أن التوكيد يكون بالثلاث. والمراد بعاطفٍ: صورةً، لأن بين الجملتين تمام الاتصال، إذا قيل: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: 4 - 5] الثانية توكيدٌ للأولى، طيب! العاطف هذا ما دوره؟ لو كان حقيقةً لكان من باب عطف النسق، عطف جملة على جملة، لو كان حقيقةً لخرج عن باب التوكيد فصار من عطف النسق، حينئذٍ لما لم يكن من عطف النسق ونحن جعلناه توكيداً، ثم عطفنا بحرف عطف لا بد أن نجعل هذا الحرف صورةً فحسب، يعني: لا وجود له من حيث المعنى، وعند البيانيين: أن الجملة الثانية إذا كانت عين الأولى لا يفصل بينهما بعاطف، إذا كانت هي عين الأولى حينئذٍ يكون بينهما تمام الاتصال .. متصلة بها .. هي عينها، فالأصل فيه أنها لا يعطف، فالفصل خلاف الفصيح، إذاً: لا بد أن نجعل أن هذا العاطف صورةً لا معنى له. والمراد بعاطفٍ صورةً لأن بين الجملتين تمام الاتصال، فلا تعطف الثانية على الأولى حقيقةً، ولأن حرف العطف لو كان عاطفاً حقيقةً كان تبعية ما بعده لما قبله بالعطف لا الترتيب، صحيح هذا.

لو قيل بأن: ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة:34] مثل: جاء زيدٌ وعمروٌ، وجاء زيدٌ وذهب عمروٌ، هذا من باب العطف في المفردات والجمل، إذاً: يقتضي أن الثاني منسوقاً على الأول، وهو من باب عطف النسق، ونحن حديثنا في التوكيد الذي يفيد التقوية، قام زيدٌ وخرج عمروٌ، ليس فيه تقوية، هذا عطف بالواو، حينئذٍ: ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة:34] ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: 4 - 5] نقول: لو جعل من باب العطف لخرج عن باب التوكيد، فلا يفيد تقويةً. إذاً: هذا يؤكد أن هذا الحرف إنما جيء به لمجرد الربط الصوري فحسب، وأمَّا المعنى فلا. ويجب ترك العاطف عند الإبهام للتعدد، لو قال: ضربت زيداً ضربت زيداً، الثانية توكيدٌ للأولى، لو عطف: ضربت زيداً ثُم ضربت زيداً، يوهم أنه ضربه مرة ثانية، إذاً: فيه إيهام بالعطف فيجب الترك، ضربت زيداً ضربت زيداً، فإذا قلت: ضربت زيداً ثم ضربت زيداً، وقع إيهامٌ وهو أن الضرب مكررٌ. هنا مثل ابن عقيل بقوله تعالى: ((كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)) [الفجر: 21 - 22] هاتان الآيتان أكثر النحاة على أنهما من قبيل التوكيد، وليس الأمر كذلك، بل ((دَكّاً دَكّاً)) [الفجر:21] دَكّاً الأول حال، والثاني معطوفٌ عليه بحذف العاطف، دَكّاً فدكاً، لأن المراد دَكّاً بعد دكٍّ .. صفاً بعد صفٍ، هذا المراد، فالمراد به ما ذكرناه، وأمَّا أنها توكيد فلا. ((كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً)) [الفجر:21] نقول: هذا ليس من التأكيد في شيء، لأن معناه: دَكّاً بعد دكٍّ، وأن الدك كرر عليها حتى صارت هباءً منثوراً، فالمراد به: ((دَكّاً دَكّاً)) [الفجر:21] يعني: تكرار الدك، وصفاً صفاً، ليس المراد صفاً واحداً لا، صفاً بعد صف، إذاً: كلٌ سابق عن الآخر. وكذلك: ((وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)) [الفجر:22] ليس من التوكيد، إذ المعنى: أنه تنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صفٍ، محدِقين بالخلق، فليس الثاني في الآيتين تأكيداً للأول، بل المراد التكرار، كما يُقال: علمته الحساب باباً باباً، فالثاني معطوف على الأول بحذف حرف العطف، وبعضهم إذا جعله حال يجعله في قوة: مُبَوَّباً، كما في قوله: ادخلوا الأول فالأول، لكن صُرِّحَ هنا بالعطف، إذاً: باباً بعد باب ليس من التوكيد للجملة. وكذلك قول المؤذن: الله أكبر الله أكبر، الثانية .. الله أكبر: مبتدأ وخبر، الثانية: مبتدأ وخبر، هنا لم يعطف بينهما، هل هو من باب التوكيد؟ نقول: لا، بل المراد به: إنشاء تكبيرٍ ثانٍ، بخلاف: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، فالثاني المراد به الإخبار فهو في قوة التوكيد للسابق. ولاَ تُعِدْ لَفْظَ ضَمِيرٍ مُتَّصِلْ ... إِلاَّ مَعَ اللَّفْظِ الَّذِي بهِ وُصِلْ

إذا أريد تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد، لم يَجُز ذلك إلا بشرط أن يُعاد مع المؤكِّد ما اتصل بالمؤكَّد، فإذا قلت مثلاً: مررت بك، ذكره ابن عقيل هذا المثال، إذا أردت أن تؤكد الضمير في: بك، الكاف هل تقول: مررت بكك .. تلحق به ضمير آخر؟ لا، إنما تؤكد الضمير، تعيده مرةً أخرى مع مدخوله: مررت بك بك، الثاني الكاف توكيد للضمير الأول، لكن لا يجوز أن يستقل بنفسه، ولا أن يتصل بالضمير السابق، حينئذٍ لا بد من إعادة ما اتصل بالمؤكَّد، إذاً: بك الأولى مؤكَّد، وبك الثانية توكيد، فوجب إعادة ما اتصل بالأول من أجل التوكيد. (وَلاَ تُعِدْ لَفْظَ ضَمِيرٍ مُتَّصِلْ) إذا أكدته تأكيداً لفظياً، لا: ناهية، وتعد: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، ولفظَ: هذا مفعول به، وهو مضاف والضمير مضاف إليه، ومتصل: هذا نعت. (إِلاَّ) أداة استثناء (مَعَ اللَّفْظِ) هذا ظرف متعلق بمحذوف حال من لفظ، إلا حال كونه مع اللفظ الذي وصل به، (الَّذِي) هذا نعت للفظ، (بهِ وُصِلْ) به جار ومجرور متعلق بقوله: (وُصِلْ)، الذي وصل به، وصل ما هو؟ المؤكَّد، (بهِ): بذلك الذي اتصل به، سواءٌ كان اسماً أو فعلاً أو حرفاً، فتقول: رغبت فيه فيه، إذا أردت أن تؤكد في وهو حرف، فيه: الضمير الذي دخل عليه: فيه، حينئذٍ لا تقل: فيهه! وإنما تقول: فيه فيه، أعدته بالسابق. إذا أرِيدَ تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد لم يجز ذلك إلا بشرط اتصال المؤكِّد بما اتصل بالمؤكََّد، نحو: مررت بك بك، ورغبت فيه فيه، والنحاة هنا ابن هشام وغيره، ابن عقيل جرى على هذا، يمثلون بالمجرور، ولا يمثلون بالمنصوب والمرفوع، مع أن الحكم واحد رأيتك رأيتك، قمت قمت، قالوا: لأنه لا يفيد المثال، لماذا؟ لأنه يوهم أنه من باب توكيد الجملة، إذا قلت: قمت قمت، ولذلك اختلف الشراح هنا في: (ادْرُجِي ادْرُجِي) هل هو من توكيد الجملة .. هل هو من توكيد الفعل .. هل هو من توكيد الضمير؟ اختلفوا فيه، لأنه مُحتَمِل، والمثال لا يصلح أن يكون مُحتملاً، وإنما تأتي بشيءٍ نصاً في المسألة، فالضمير به به .. بك بك .. فيه فيه، هذا لا إشكال فيه. ولذلك يصح أن نُمثل نقول: قمتُ قمتُ، فإذا أردنا أن نؤكِّد التاء في: قمتُ، إذا أردنا توكيده نقول: قمت قمت، أعدنا الفعل مع التاء، فالتاء الثانية توكيدٌ للأول .. التاء في: قمت، وأعدنا الفعل، لكن لو مثل بهذا: قمت قمت، هذا يلتبس، لماذا؟ لأنه مُحتمل أن يكون من باب توكيد الفعل للفعل، ويحتمل أنه من باب توكيد الجملة للجملة. على كلٍ: (وَلاَ تُعِدْ لَفْظَ ضَمِيرٍ مُتَّصِلْ) مطلقاً، سواءٌ كان مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً، إلا مع اللفظ الذي وصل به، سواءٌ كان فعلاً كـ: (قمتُ قمتُ) أو اسماً كغلامك غلامك، أو حرفاً كبك بك، اسماً مثل المضاف غلامك غلامك، مررت بغلامك غلامك، هذا توكيدٌ للكاف مع تكرار الاسم.

إذاً: (وَلاَ تُعِدْ لَفْظَ ضَمِيرٍ مُتَّصِلْ) مُطلقاً سواءً كان مرفوعاً كـ: (قمتُ قمتُ) أو منصوباً كضربتكَ ضربتكَ، أو مخفوضاً بحرفٍ كفيه فيه، أو بالاسم نحو: (غلامكَ غلامكَ)، إلا مع اللفظ الذي وصل به بأن تكرره مرةً أخرى، وهنا: لم يذكر المنفصل، وإنما قال: متصل، لأنه واضح، المتصل: إياكَ إياكَ ضربت، لا يحتاج إلى تنصيص، إياك إياك ضربت، ضربت إياه إياه، هذا لا يحتاج إلى تنصيص لأنه ليس من شرطه أن يُعاد، لأنه مثل: جاء زيدٌ زيدٌ، كما أنه يتكرر وهو لفظٌ مستقل بنفسه، حينئذٍ لا يحتاج إلى تنصيص، والاسم الظاهر كذلك لا يحتاج إلى تنصيص لأنه واضح. ولذلك نبه بعضهم قال: وإن كان اسماً ظاهراً، وضميراً منفصلاً منصوباً فواضح، فواضح أنه يُكرر اللفظ بعينه دون إعادة ما عَمِلَ فيه، فتقول: إياكَ إياكَ ضربت، إذاً: إياك الأول مفعولٌ به، وإياك الثاني توكيدٌ له، وضربت فعل وفاعل، والاسم الظاهر كذلك جاء زيدٌ زيدٌ، زيدٌ زيدٌ قام توكيد للمبتدأ أو توكيد للفاعل. (كَذَا الحُرُوفُ) يعني: الحروف كذا، كَذَا هذا متعلق بمحذوف خبر مقدم، الحُرُوفُ: مبتدأ، (كَذَا) أي: مثل ذا، ما هو المشار إليه؟ الضمير المتصل، يعني: الحرف إذا أردت تأكيده فلا بد من إعادة ما دخل عليه، فإذا قلت مثلاً: إن زيداً قائمٌ، إذا أردت توكيد اسم إنَّ ماذا تقول؟ إن زيداً زيداً قائمٌ، أكد لي الخبر: إن زيداً قائمٌ قائمٌ، أكد لي إنَّ فقط، الظاهر أنك تقول: إنَّ إنَّ زيداً قائمٌ، مثلما قلت: زيداً زيداً، فقلت: قائمٌ قائمٌ، لكن النحاة مطبقون على أنه لا بد من إعادة مدخولها، فتقول: إنَّ زيداً إنَّ زيداً قائمٌ، واختلفوا في إعادة اسم إنَّ بالضمير، إنَّ زيداً إنه قائمٌ، أعدته لا بلفظه وإنما بمعناه أو بمرادفه أو بموافقه، لأن الضمير إذا رجع إلى شيء معين صار مرادفاً له، أنت لا تقول: ضربتُه، ضربتُه صار مبهم هذا، لكن إذا قلت: زيدٌ ضربتُه، الضمير هنا معيَّن أو لا؟ مبهم؟ ليس مبهماً لأن مرجعه معيَّن، فإذا قلت: إنَّ زيداً إنَّه قائمٌ، صار من التوكيد لـ (إنَّ) فأعدت اسم إنَّ معها لكن بالضمير، وهذا أولى كما سيأتي. فيجوز فيها الوجهان: إنَّ زيداً إنَّ زيداً قائمٌ، إنَّ زيداً إنَّه قائمٌ. (كَذَا الحُرُوفُ) أي: كالضمير المتصل، (غيْرَ مَا تَحَصَّلاَ بِهِ جَوَابٌ) يعني: الحروف التي تقع في جواب السؤال: نعم .. بلى .. جيري .. إي .. لا، هذه الحروف لا نحتاج إلى إعادة .. ليس لها مدخول أصلاً، هل جاء زيدٌ؟ نعم، انتهينا ليس فيه شيء يُعاد. (غيْرَ مَا تَحَصَّلاَ) غيرَ منصوبٌ على ماذا، هل يجوز فيه الرفع؟ على الاستثناء (غيْرَ مَا تَحَصَّلاَ بِهِ جَوَابٌ) غيْرُ ما تحصلا، يصح أو لا؟ لا، لماذا لا يصح؟ لأنه يصح أن تكون نعت للحروف .. صفة، جَوَّزه بعضهم (كَذَا الحُرُوفُ غيْرُ مَا تَحَصَّلا) فلم يُقْصَد بها أن تقوم مقام (إلا) لكن الأولى النصب، غيْرَ مَا تَحَصَّلاَ هذا أولى.

(كَذَا الحُرُوفُ غيْرَ) منصوبٌ على الاستثناء أو بالرفع نعت لحروف، غيْرَ: مضاف، وما: اسم موصول بمعنى: الذي مضافٌ إليه، (مَا تَحَصَّلاَ) الألف للإطلاق، تَحَصَّلاَ يعني: حصل، (تَفَعَّلَ) قصد به أصل الفعل ليس عندنا تفعُّل، إنما المراد به الحصول، وهذا لعله من أجل النظم، ما حصلَ به (جَوَابٌ)، جَوَابٌ هذا فاعل تَحَصَّلاَ، وذلك (كَنَعَمْ) هل جاء زيد؟ نعم، أليس زيدٌ قادماً؟ بلى، (كَنَعَمْ وَكَبَلى) وأجل، وجيري، وإي، ولا. نعم: حرف تَصْدِيق للمُخْبِرِ وإعلامٍ للمُسْتَخبِرِ، ووعدٌ للطالب، وبمعنى نعم: جيري، وأجل، وأي، كما في المغني، وأمَّا: بلى، فلا تقع باطرادٍ إلا بعد النفي مجرداً، نحو: ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي)) [التغابن:7] أو مقروناً باستفهامٍ حقيقي: أليس زيدٌ بقائم؟ نقول: بلى، أو توبيخِي: ((أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى)) [الزخرف:80] هذا استفهام توبيخي، أو تقريري: ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)) [الأعراف:172]. على كلٍ: المراد هنا بهذين المثالين: (كَنَعَمْ وَكَبَلى) أدخل الكاف على: كَبَلى لماذا؟ لأنها في الغالب تقع في جواب نفيٍ، ونعم لا، لا تختص بالنفي. قال الشارح هنا: " كذلك"، أي: كذلك، إذا أريد توكيد الحرف الذي ليس للجواب، حينئذٍ وجب فيه أمران: يجب أن يُعاد مع الحرف المؤكِّد ما اتصل بالمؤكَّد، نحو: إنَّ زيداً إنَّ زيداً قائم، ولا بد من الفصل بين الحرفين باسم إنَّ، وأمَّا إذا أعيدت إنَّ لوحدها حكموا عليها بأنها شاذ، مع أن القياس يقتضي هذا: إِنَّ إِنَّ الكَرِيمَ يَحْلُمُ مَا لَمْ ... ... يَرَيَنْ مَنْ أَجَارَهُ قَدْ ضِيمَا (إِنَّ إِنَّ الكَرِيمَ) قالوا: هذا شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، لماذا؟ لأنه لا بد أن يُعاد مدخولها معها هذا الأصل، مثل الحرف، الذي هو حرف الجر ونحوه، مثل الذي دخل على الضمير المتصل، إنَّ إنَّ زيدٌ قائمٌ يعاد هو أو ضميره إن كان ظاهراً، والأولى: إنَّه قائمٌ لأنه الأصل، لماذا لأنه الأصل؟ لأن الاسم الظاهر إذا أعيد حينئذٍ نأتي بضميره، فإذا جئنا باسمه كما هو حينئذٍ أقمنا الظاهر مقام الضمير، هذا خروجٌ عن مقتضى الظاهر، فلذلك كان الأصل أن يؤتى بالضمير: إنَّ زيداً إنَّه قائمٌ، وهذا أولى كما ذكرنا. وإنما كان إعادة ضمير المؤكَّد أولى من إعادة لفظه لأمرين: الأول: أنه يلزم على إعادة لفظه: إنَّ زيداً إنَّ زيداً قائمٌ، التكرار لفظاً، وليس مما يَحسن لغير موجب، لا بد من موجب يقتضي التكرار، وهنا ليس الموجب بظاهر.

ثانياً: أن إعادته بلفظه ربما يوهم أن الثاني غير الأول، لو قال: إنَّ زيداً إنَّ زيداً قائمٌ، قد يقول: إنك وصفت زيدين بالقيام .. يحتمل، هذا موهم. أن الثاني غير الأول وإنما وقع بينهما اشتراكٌ، ولذلك قيل: جاء في القرآن بإعادة الضمير: ((فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) [آل عمران:107] فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ: هم في رحمة الله خالدون .. فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا، هم في رحمة الله، ففي الثانية مؤكدة لـ (في) في قوله: في رحمة، ثم أعاد الرحمة بالضمير هكذا قيل. فإن (في) الثانية في قوله: فيها، توكيدٌ لـ (في) الأولى في قوله: فِي رَحْمَةِ اللَّهِ. إذاً: يشترط فيما إذا كان حرفاً غير جوابيٍ أن يُعاد مع الحرف المؤكِّد ما اتصل بالمؤكَّد، وإن كان اسماً ظاهراً فالأولى أن يُعاد بضميره، ثم لا بد من الفصل بينهما، فحينئذٍ لا يُقال: إنَّ إنَّ زيداً، فإن كان الحرف جواباً كنعم، وبلى، وجيري، وأجل، وإي، ولا، جاز إعادته وحده بنفسه أو بمرادفه، يعني: يصح أن تقول: نعم نعم .. نعم جيري، حينئذٍ يكون من باب توكيد الموافق لا بلفظه وإنما بمعناه. جاز إعادته وحده فيقال لك: أقام زيدٌ؟ فتقول: نعم نعم .. تقول: نعم جيري، لا لا .. ألم يقم زيد؟ تقول: بلى بلى، هذا من توكيد الحرف. لاَ لاَ أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا ... ... أَخَذَتْ عَلَيَّ مَوَاثِقَاً وَعُهُودَا وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدِ انْفَصَلْ ... أَكِّدْ بِهِ كُلَّ ضَمِيرٍ اتَصَلْ يَجوز أن يُؤكد بضمير الرفع المنفصل كل ضميرٍ متصل، كل ضمير متصل إذا جئت تؤكده حينئذٍ تأتي بضمير الرفع مرفوعاً كان نحو: قمت أنت، أو منصوباً نحو: أكرمتك أنت، أو مجروراً نحو: مررت به هو، فضمير الرفع المنفصل يجوز أن يؤكَّد به كل ضميرٍ متصل، سواءً كان الضمير المتصل الذي هو المؤكَّد مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً، يعني: في محلٍّ من هذه المحآل. (وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ) هذا مبتدأ، ويجوز أن يكون منصوباً على الاشتغال، (أَكِّدْ بهِ) مررت به، أكِّد مُضمَر الرفع، (ومُضْمَرُ الرَّفْعِ) قلنا مبتدأ، وهو مضاف والرفعِ مضافٌ إليه (الَّذِي) نعتٌ، الَّذِي يعني: يصدق على التوكيد اللفظي المرادف، (قَدِ انْفَصَلْ) يعني: المنفصل، (أَكِّدْ بهِ) يعني: بضمير الرفع، (كُلَّ) مفعولٌ به، (كُلَّ ضَمِيرٍ اتَصَلْ) أي: يجوز أن يؤكَّد بضمير الرفع المنفصل كل ضميرٍ متصل: رأيتك أنت .. مررت بك أنت .. زيدٌ جاء هو. إذاً: حصل التوكيد بهذا، لكن ليس متفقاً عليه، لأنه في حالة الرفع: قُمْتَ أنْتَ، أنتَ: ضمير رفع، وهو مؤكِّد، والمؤكَّد ضمير رفع من جنسه، لا إشكال في حالة الرفع، قمتَ أنتَ، فقد أُكِّد الضمير المرفوع، أو أكَّد الضمير المرفوع ضميراً آخر مرفوعاً، فهو توكيدٌ منفصل ليس له عاملٌ ملفوظٌ به حتى يمكن أن يجيء متصلاً .. هذا واضح. أمَّا في حالة النصب: أكْرَمتُكَ أنتَ، فقد وقع الضمير المنفصل الذي أصله أن يكون في محل رفع توكيداً للضمير المتصل المنصوب، فهذا محل إشكال مع ما مر معنا في باب الضمائر. ومذهب الكوفيين: أنه في هذه الحالة يجوز أن يؤتى بالضمير المنفصل المنصوب، فيقال: أكرمتُكَ إياكَ، يعني:

وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدِ انْفَصَلْ ... أَكِّدْ بِهِ كُلَّ ضَمِيرٍ اتَصَلْ مُتصل، عند الكوفيين إذا كان الضمير المتصل المؤكَّد منصوباً فيؤتى بالضمير المنصوب هذا الأصل فيه: أكرمتُكَ إياكَ، نؤكده بما من جنسه لا بالمرفوع، وإنما نأتي به بالمنصوب، فيُقال: أكرمْتُكَ إياكَ، بدل أن يُقال: أكرمتُكَ أنتَ، حصل تخالف .. أكرمتُكَ: الكاف هذه في محل نصب، وأنتَ: هذا الضمير في محل رفع في الأصل، فكيف يؤتى به في مقامٍ المنصوب؟! ولذلك مذهب الكوفيين أكرمتُك إياكَ، ورأيته إياه .. رأيته الضمير الهاء، إذا أكدته على مذهب البصريين: رأيته هو، وهو لا يأتي في محل نصب، وإنما دائماً يكون ملازماً للرفع، وعلى مذهب الكوفيين: رأيته إياه، واختاره ابن مالك في غير هذا الكتاب، وهنا كلامه مطلق. وأمَّا البصريون فقد أوجبوا حين تريد التوكيد أن تأتي بالضمير المنفصل المرفوع وصححوا نحو قولك: أكرمتُكَ إياكَ، وأكرمته إياه، على أن يكون بدلاً لا توكيداً، صححوا هذا التركيب: أكرمتُكَ إياكَ صحيح، لكن بدل لا توكيد، وأمَّا إذا أردت التوكيد فتأتي بضميرٍ مرفوع لا بد، ومذهب الكوفيين واضح بيِّن. إذاً: (مُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدِ انْفَصَلْ) يعني: ضمير الرفع المفصول المنفصل (أَكِّدْ بهِ كُلَّ ضَمِيرٍ) متصل مطلقاً، هذا ظاهر النظم، سواءٌ كان الضمير المتصل مرفوع أو منصوب أو مخفوض، وعلى مذهب الكوفيين وافقوا في المرفوع، وأمَّا المنصوب المخفوض فلا. الْعَطْفُ هذا انتقال إلى الباب الثالث وهو (العَطْفُ)، لما أنهى ما يتعلق بالنعت وأردفه بالتوكيد شرع في بيان العطف، والعطف في الأصل مصدر، مصدر قولك: عطفتُ الشيء إذا ثنَّيتَه فجعلتَ أحد طرفيه على طرفه الآخر، هذا الأصل في معناه. العَطْفُ إِمَّا ذُو بَيَانٍ أَوْ نَسَقْ ... وَالغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبَقْ فَذُو البَيَانِ تَابعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ ... حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ وهو لغةً: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه، ومراده بهذا الباب هنا: عطف البيان، وسيأتي عطف النسق. وسمي التابع: عطف بيان، لأن المتكلم رجع إلى الأول فأوضحه به، وسيأتي مزيد بيان. إذاً: أراد أن يُبيِّن بهذا الباب عطف البيان، وأمَّا عطف النسق فهذا سيأتي بحثه بعد هذا الباب. (العَطْفُ) هذا مبتدأ، (إِمَّا ذُو بَيَانٍ أَوْ نَسَقْ) قسَّم أولاً ثم حدَّ عطف البيان، لأن عطف البيان وعطف النسق حقيقتان مختلفتان، وإذا كان الأمر كذلك حينئذٍ يمتنع أن يُجمعا في حدٍّ واحد، فلا بد أن نعرف التقسيم أولاً بأن العطف هذا على نوعين: عطف بيان، وعطف نسق، ثُمَّ نُعرِّف عطف النسق وعطف البيان كلاً على حده، لماذا؟ لأن كل واحدٍ منهما له حقيقة مخالفة تمام المخالفة للآخر، فيمتنع أن يُجمعا في حدٍّ واحد. إذاً: حقيقة عطف البيان تخالف حقيقة عطف النسق، فلذلك لم يَذْكر الناظم ولا غيره من النحاة تعريفاً واحداً يجمعهما، لأن الحقائق المختلفة لا يجمعها تعريفٌ واحدٌ.

(العَطْفُ إِمَّا) قلنا: العطف مبتدأ، (إِمَّا) هذا حرف تفصيل، سيأتي بحثه في عطف النسق (ذُو بَيَانٍ) صاحب بيان فهو خبر العطف، (أَو نَسَقْ) أو هنا استغنى بـ (أو) عن (إمَّا) الثانية، وهذا سيأتي بحثه في باب النسق، لأن الأصل أن نقول: عطف إمَّا ذو بيانٍ، وإمَّا ذو نسقٍ، فاستغنى بـ (أو) عن (إمَّا) يعني: أقيمت (أو) مُقام (إمَّا) هذا الأصل، إمَّا ذو بيانٍ أو نسق على حذف مضاف، يعني: أو ذو نسقٍ، يعني: صاحب نسق. (وَالغَرَضُ) المقصود الآن الغرض: مبتدأ، و (الآنَ): هذا ظرف زمان (بَيَانُ)، هذا خبر المبتدأ الغرض، (بَيَانُ مَا سَبقَ) وهو عطف البيان، يعني: الذي سبق، ما هو الذي سبق في أول التقسيم؟ عطف البيان، إذاً: الغرض في هذا الباب، والآن .. الغرض الآن: تقييد، يعني: في هذا الباب، لأنه عَمَّمَ في الترجمة، فقال: (العَطْفُ) وهذا يشمل النوعين، لكنه أراد أن يبيِّن عطف البيان، قال: (وَالغَرَضُ الآنَ) يعني: في هذا الباب، (بَيَانُ) وهذا خبر المبتدأ، الغرض، (مَا سَبقْ) يعني: الذي سبق، وهو عطف البيان. ثم شرع في بيان عطف البيان، فقال: (فذُو البَيَانِ تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ)، فذُو البَيَانِ الفاء هذه يحتمل أنها فصيحة، أو مجرد العطف، لأنه "فصيحة" قد يعرضها أنه قَدَّم مُقدِّمة: (وَالغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ)، لو قال: (العَطْفُ إِمَّا ذُو بَيَانٍ أَوْ نَسَقْ .. فذُو البَيَانِ، قد يقول قائل .. ثَمَّ سائل سئل: ما هو ذو البيان؟ فقال: فذُو البَيَانِ، لكن لمَّا قال: (والغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ) حينئذٍ أفسد علينا أن تكون الفاء هنا فصيحة، لأن الفصيحة تقع في جواب سؤال مُقَدَّر، وهنا لم يُجعل سؤال لأنه قدم مقدمة وهو في قوله: (والغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ). (ذُو البَيَانِ) صاحب البيان، إنما سُمي: عطفَ بيان لأنه يبيِّن متبوعه، إذ اللفظ الثاني تكرارٌ للفظ الأول، يشبه أن يكون مُرادفاً للأول، فإذا قلت: جاء زيدٌ أخوك، أخوك له ذات، وزيد ذات، أخوك: هذا عطف بيان، وزيد: مُبيَّن، حينئذٍ إذا قلت: زيد أخوك .. أخوك زيد، قدمت وأخرت، الذات في البيان والمبيَّن واحدة، أليس كذلك؟ الذات واحدة أو لا؟ جاء أخوك زيدٌ .. جاء زيدٌ أخوك، زيد: ذات، وأخوك: ذات، هل هما ذاتان أم ذات واحدة؟ ذاتٌ واحدة، إذاً: أشبه ما يكون بتكرار للفظ الأول، لكن تضمن إيضاحاً أو تخصيصاً. إذ اللفظ الثاني تكرارٌ للفظ الأول، يشبه أن يكون مرادفاً للأول، فالذات المدلول عليهما باللفظين واحدة، وإنما يؤتى بالثاني لزيادة البيان. (فذُو البَيَانِ) هذا مبتدأ (تَابعٌ) هذا خبر جنس يشمل جميع التوابع. (شِبْهُ الصِّفَةْ) يعني: أشبه النعت، في ماذا؟ في كونه موضحاً لمتبوعه في المعرفة، مخصصاً لمتبوعه في النكرة، إذاً: أشبه ذو البيان الصفة، فحينئذٍ بقوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ) أخرج عطف النسق، لأنه لا يكون موضحاً لمتبوعه ولا مخصصاً، وأخرج كذلك البدل، لأنه لا يكون موضحاً لمتبوعه ولا مُخصصاً، وأخرج كذلك التوكيد، إذاً: ثلاثة أشياء من التوابع خرجت بقوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ)

قال بعضهم: وأخرج النعت كذلك، لأنه قال: شبه النعت وشبه الشيء: غيره، فخرج النعت بهذا القيد (فذُو البَيَان تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ) أشبه الصفة .. أشبه النعت، ومشبه النعت: غيره، إذاً: خرج النعت، وكونه أشبه النعت بكونه موضحاً أو مخصصاً أخرج الثلاث البقية، إذاً: إلى هنا انتهى الحد. ما المراد بقوله: (حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ)؟ قالوا: هذا أراد به أن يبيِّن الغرض الأصلي من عطف البيان، وهو أن يكون موضحاً لمتبوعه، ولذلك سُمي: بيان كاسمه، فالغرض الأعلى في عطف البيان: أن يكون مبيِّناً، والبيان والتبيين هو الإيضاح، وهو الكشف الذي عناه الناظم بقوله: (مُنْكَشِفَهْ). (حَقِيقَةُ القَصْدِ به) يعني: ما المقصود بعطف البيان .. ما هو؟ الإيضاح، قصدك هو الإيضاح، (مُنْكَشِفَهْ) هذا خبر قوله: (حَقِيقَةُ). فَذُو البَيَان تَابعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ ... حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ حقيقة: هذا مبتدأ، وهو مضاف، والقصد: مضافٌ إليه، وبه: متعلق بالقصد لأنه مصدر، ومنكشفة: هذا خبر المبتدأ. إذاً نقول: (فَذُو البَيَان تَابِعٌ) هذا جنسٌ (شِبْهُ الصِّفَةْ) أي: في الإيضاح والتخصيص وغيرهما، يعني: لا يكون عطف البيان فقط موضحاً ومبيِّناً، بل يأتي كذلك للمدح، وقيل: للتوكيد، وابن مالك أضعف التوكيد، فقد جاء للمدح كما جاء للإيضاح والتخصيص، كما في قوله: ((الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:97] .. ((جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:97] قال الزمخشري: الْبَيْتَ الْحَرَامَ عطف بيان أريد به المدح، إذاً: هو عطف بيان، لكن هل أريد به الكشف؟ الكعبة اسمٌ من أسماء مكة، انتبه! فائدة مهمة: الكعبة اسمٌ من أسماء مكة، حينئذٍ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ عَلَم، لو لم تعرف أنت علم، فإذا كان كذلك إذا قال: ((الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) [المائدة:97] هذا مدحٌ له بأنه بيتٌ مُحرَّمٌ، حينئذٍ نقول: جيء بعطف البيان هنا من أجل المدح، لكن هذا قليل نادر، وإلا الأصل أن يكون مبيناً بمعنى: أنه تنكشف به حقيقة سابقه، وهذا ما عناه الناظم في قوله: (حَقِيقَةُ القَصْدِ به مُنْكَشِفَهْ). إذاً: يأتي للإيضاح، وهذا إنما يكون بعد المعارف، ويأتي للتخصيص، وهذا إنما يكون بعد النكرات، وهل يأتي للمدح؟ نعم، على قلةٍ على ما ذكره الزمخشري في الآية، وهل يأتي للتوكيد؟ قيل: نعم، يأتي للتوكيد، ومثلوا بقول القائل: يَا نَصْرُ نَصْرَاً نَصْرَا، لكن هذا ابن مالك أضعفه: بأنه إذا اتحد اللفظ فالأولى أن يكون من باب التوكيد لا من باب عطف البيان، يَا نَصْرُ نَصْرَاً نَصْرَا، نَصْرَاً نَصْرَا نقول: هذا توكيد أو عطف بيان؟ على ما تقرر في السابق: (وَمَا مِنَ التَّوكِيدِ لَفْظِيٌّ يَجِي مُكَرَّراً) الظاهر أنه توكيد لفظي، وهذا أولى، بأن يُقال: إن عطف البيان لا يأتي للتوكيد، لأنه إذا اتحد لفظه مع متبوعه انتقل إلى كونه توكيداً لفظياً، فلا بد أن يكون مبايناً لمتبوعه، فإن اتحدا حينئذٍ نقول: رجع إلى الأصل. تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ ... حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ ..

حَقِيقَةُ القَصْدِ، يعني: الأصل فيه ذلك، (حَقِيقَةُ القَصْدِ به مُنْكَشِفَهْ) يعني: انكشاف الذات التي هي المتبوع هذا المقصود .. المقصود به أصالةً هو الإيضاح والكشف، فلا يرد عطف البيان الذي للمدح وغيره، لماذا؟ لأنه وإن كان على قلة إلا أن الأصل والأكثر هو الإيضاح. (حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ) قال بعضهم: أخرج النعت، أي: أنه فارَق عطف البيان النعت من حيث إنه يكشف المتبوع نفسه، يعني: بنفسه لا بمعنىً في المتبوع ولا في سببيه، ولذلك فُسِّرَ قوله: (بِهِ) يعني بنفسه، بخلاف النعت. النعت: بما تضمنه من معنى، لاحظ معي: إذا قلت: جاء زيدٌ الفاضل .. جاء زيدٌ أخوك .. جاء زيدٌ الفاضل، الكشف والإيضاح حصل بالنعت لما فيه من معنى، لا بذات اللفظ، وأمَّا: جاء زيدٌ أخوك، فقلنا: مسمى أخوك هو عين مسمى زيد، فحصل الكشف بذات اللفظ لا بما تضمنه من معنى، لأنه كما سيأتي: عطف البيان لا يكون إلا جامداً، ففرقٌ بينهما من جهة أن عطف البيان يحصل به الكشف بذات اللفظ لا بما تضمنه من معنى، لأنه لا يتضمن معنى، لأنه ليس بمشتق بل هو جامد. وأمَّا النعت فإنما يكشف لا بذاته، وإنما بما تضمنه النعت من معنى، معنىً في المتبوع، سواء كان حقيقياً أو في سببيه، وهو ما بعده .. الاسم المرفوع. إذاً نقول: فارَق عطف البيان النعت: من حيث إنه يكشف المتبوع نفسه، لا بمعنىً في المتبوع، ولا في سببيه، وقيل: النعت خرج بقوله: شِبْهُ الصِّفَةْ، وهذا واضح .. هذا أجود، لأن شبه الشيء: غيره، وعليه فقوله: (حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ) لبيان الفرق بين النعت وعطف البيان لا للإخراج. إذاً قوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ) أخْرَج ثلاثة أنواع: عطف النسق، والتوكيد، والبدل، بقي ماذا؟ النعت، اختُلِفَ فيه: هل خرج بقوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ) أو بقوله: (حقِيقَةُ القَصْدِ)؟ الظاهر أنه خرج بقوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ) وحينئذٍ قوله: (حقِيقَةُ القَصْدِ) لا داعي له، لماذا؟ لأن عطف البيان شبه الصفة .. أشبه الصفة، أشبه الصفة في ماذا؟ في كونه موضحاً، وهو الذي دل عليه قوله: (حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ) إذاً: ليس فيه فائدة كبيرة بقوله: (حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ) فليس للإخراج، لأنه يُستغنى عنه بقوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ) لأن شبه الشيء: غيره، لكن لمَّا كان هذا الشبه غير مُبيَّن فسره بقوله: (حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ). يحتمل هذا، ويحتمل أنه إحالةٌ على ما سبق: النَّعْتُ تَابعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ، قلنا: المراد بكونه متماً ما سبق: أنه موضحٌ لمتبوعه في المعارف، ومخصصٌ لمتبوعه في النكرات، لما أحال هنا على ما هناك فسرناه بما سبق، حينئذٍ يكون تفسيراً لما أحال عليه.

عرفه في قطر الندى بقوله: " عطف البيان: هو تابعٌ موضحٌ أو مخصصٌ جامدٌ غيرُ مؤول " وهذا مما يرد على تعريف الناظم، أن قوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ) الصفة لا تكون إلا مشتقةً أو مؤولةً بالمشتق، ولم ينص هنا على أن عطف البيان يشترط أن يكون جامداً، على عكس ما اشترط في النعت، هناك اشترط في النعت: أن يكون مشتقاً، فإذا وقع الجامد موقع النعت وجب تأويله بالمشتق، وهنا يشترط فيه أن يكون جامداً، فإذا وقع المشتق موقع عطف البيان، وجب تأويله بالجامد، هذا في نوعٍ واحد وهو العلم المنقول. (تَابِعٌ) هذا جنس يشمل التوابع الخمسة. وموضحٌ أو مخصصٌ: مخرجٌ للتأكيد وعطف النسق والبدل، لأنه ليس فيها توضيح ولا تخصيص: جاء زيدٌ نفسه، تقوية فقط، ليس فيه توضيح، جاء زيد واضح، ونفسه نقول: هذا تقوية، وعطف النسق: جاء زيدٌ وعمروٌ، هذا معطوف على سابقه ليس فيه توكيد ولا تخصيص، وللبدل تقول: أكلت الرغيف ثلثه، ليس فيه توضيح ولا تخصيص. موضحٌ أو مخصصٌ جامدٌ: هذا أخرج النعت، لأن النعت لا يكون إلا مشتقاً. غير مؤولٍ: أخرج النعت فيما إذا وقع جامداً مؤولاً بالمشتق، وهذا الحد أسلم من حد الناظم رحمه الله تعالى، بل واضح أن المراد بعطف البيان: التابع الموضح أو المخصص الجامد غير المؤول، وأمَّا كونه (تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ) هذا أشبه ما يكون برسم، وفيه إحالة وفيه إبهام، وفيه تعميم وليس بواضح، ويرد عليه ما سبق. حينئذٍ نقول: تابعٌ موضحٌ أو مخصص جامدٌ غير مؤول، فاختص بكونه تابعاً، وبكونه مفيداً للتوضيح بعد المعارف، وللتخصيص بعد النكرات، كذلك يشترط فيه أن يكون جامداً، فإذا كان جامداً ثم وقع موقعه المشتق، حينئذٍ وجب تأويل المشتق بالجامد. وغير مؤول: مخرجٌ لما وقع من النعوت جامداً، نحو: جاء زيدٌ هذا، هذا: جامد، هل نقول: عطف بيان؟ جاء زيدٌ هذا .. هذا: المشار إليه، إذاً: هو جامد، لكنه مؤول بماذا؟ بالمشتق، فلا نُعرِبه عطف بيان، لأنه وإن كان جامداً إلا أنه في قوة المشتق، ولذلك نقول: الجامد نوعان: جامدٌ محضٌ خالص لا يؤول بالمشتق، وجامدٌ غيرٌ محضٍ في قوة المشتق .. مؤولٌ بالمشتق، وليست المسألة هكذا مفلوته، وإنما الجامد المؤول بالمشتق هو ما كان واحداً من تلك التسعة أو العشر التي ذكرناها سابقاً: اسم الإشارة، والمنسوب، والجملة، وشبه الجملة، إلى آخر ما ذكرناه، وأمَّا ما عداها فالأصل أنه جامدٌ محضٌ، فالتفريق بينهما واضحٌ بيِّن، فالجامد نوعان:

جامدٌ مؤول بالمشتق، وجامد غير مؤول بالمشتق، وعطف البيان الأصل فيه أن يكون جامداً محضاً، وقد يقع مشتقاً بشرط أن يكون مسماً به، الصديق .. قال أبو بكرٍ الصديق، الصديق: هذا عطف بيان، طيب! كيف عطف بيان هو فِعِّيل من صيغة المبالغة وهو مشتق؟! نقول: كونه فِعِّيلاً قَبل نقله وجعله لقباً، قال عمر الفاروق، فاروق: فاعول، فهو مشتق، حينئذٍ كيف وقع مشتقاً وهو عطف بيان، وعطف البيان لا يكون إلا جامداً؟! نقول: كونه مشتقاً قبل جعله علماً، وهذا بيَّناه سابقاً وقلنا: هذا مثله مثل الأعلام التي تكون مشتقة، صالح! يُسمى صالح وليس بصالح، نقول: كونه صالحاً قبل جعله علماً، وأمَّا صالح بعد جعله علماً فهو كزيد، زيد لا يدل على معنى، كذلك الأسماء التي في الأصل هي مشتقة سواء كان اسم فاعل .. اسم مفعول .. فعيل إلى آخره. فإذا كان كذلك حينئذٍ إذا جُعِلَ علماً سُلِبَ منه المعنى الذي كان قبل العلمية. إذاً: عطف البيان المراد به هنا: تَابِعٌ شِبْهُ الصِّفَةْ، وحَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ إذا قلنا: أنها تابعة .. داخلٌ في الحد أولى، على الخلاف الذي ذكرناه والأولى ما ذكره ابن هشام في قطر الندى. عطف البيان، قال أبو حيان: " سُمي به لأنه تكرار الأول لزيادة البيان، فكأنك رددته على نفسه، بخلاف النعت والتوكيد والبدل " وقيل: سُمي عطف بيان أو عطف لأن أصله هو العطف، فأصل: جاء أخوك زيدٌ وهو زيدٌ هذا الأصل، لكن هذا يحتاج إلى دليل، جاء زيدٌ أخوك، أو جاء أخوك زيدٌ، أصل زيد وهو زيدٌ فحذفت الواو ثم الضمير، وهذا لا دليل عليه. والكوفيون يسمونه: الترجمة، وهو الجاري مجرى النعت في تكميل متبوعه توضيحاً في المعارف، نحو: جاء أخوك زيد، جاء: فعل ماضي، وأخوك: فاعل، وزيد: عطف بيان، لأنك إذا قلت: جاء أخوك، أخوك من زيد أو عمرو أو خالد، إذا كان عنده عدة إخوة؟ فإذا قلت: جاء أخوك زيدٌ رجعت إليه، انظر جاء أخوك، ثم رجعت فبيَّنت من هو هذا أخوه؟ فقلت: زيدٌ، إذاً: حصل توضيح أو لا؟ حصل توضيح، هذا واضح بيِّن. وتخصيصاً في النكرات: ((مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ)) [النور:35] شجرة مباركة نكرة هذا، يحتمل الزيتونة وغيرها، زيتونةٍ: خصها، مثلما تقول: جاءني رجلٌ، ثم تقول: طويلٌ، خصصته. وتخصيصاً في النكرات، نحو: ((مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ)) [النور:35] وقيل: توكيداً، وهذا قلنا: ضعيف، في المكرر بلفظٍ نحو: لقائل يَا نَصرُ نَصرٌ نَصراً، قال ابن مالك: الأولى عندي جعله توكيداً لفظياً وهذا أولى وهذا الظاهر، لأن عطف البيان حقه أن يكون للأول به زيادةٌ ووضوح، وتكرير اللفظ لا يتوصل به إلى ذلك، هذا شيء آخر أيضاً، يعني: إذا قيل: بأنه اتحد معه في اللفظ، هذا الأصل في التوكيد اللفظي، ثم زد على ذلك: أن الأصل في عطف البيان أن يكون موضحاً: (حَقِيقَةُ القَصْدِ بِهِ مُنْكَشِفَهْ) وإذا كرر اللفظ بعينه هو هو: جاء زيد زيد، هل حصل توضيح؟ ما حصل، هذا مثله .. هذا جيد.

ويجب جموده ولو تأويلاً، وبذلك يقابل النعت، والمراد بالجامد تأويل العلم الذي كان أصله صفةً فغلبت يعني: العلمية، "ولا يشترط كونه أخص من المتبوع أو غير أخصٍ في الأصح " هكذا نص عليه السيوطي في جمع الجوامع، ولا يكون عطف البيان مضمراً وفاقاً، يعني: لا يقع عطف البيان ضميراً، ولا تابعاً للمضمر على الصحيح، لأنه في الجوامد نضير النعت في المشتق، وجَوَّزه بعضهم في نحو: قاموا إلا زيداً، زيداً بيان للمضمر في قاموا، ولا يكون جملةً ولا تابعاً لها، لا يقع جملةً تابعاً عطف البيان، ولا تكون الجملة معطوفاً عليها بالبيان، يعني: لا يأتي عطف البيان عطفاً لجملة، وهو لفظٌ مفرد ولا العكس. قال هنا الشارح: " وعطف البيان هو التابع الجامد المشبه للصفة " هذا تنكيت على الناظم، وهو قوله: التابع الجامد، يعني: يرد على حد الناظم بكونه لم يبيِّن أن عطف البيان يشترط فيه أن يكون جامداً، فنكت عليه فقال: التابع الجامد المشبه للصفة، انظر شِبْهُ الصِّفَةْ أبقاها كما هي، وزاد عليه: الجامد، وهذا جيد. المشبه للصفة: أشبهه في ماذا؟ فَسَّره ابن عقيل في إيضاح متبوعه وعدم استقلاله، نحو: "أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ"، أَقْسَمَ: فعلٌ ماضي، وبِاللَّهِ: جار ومجرور متعلق بقوله: أَقْسَمَ، أَبُو حَفْصٍ: فاعل، عُمَرُ: بالرفع في الأصل عطف بيان، لأن "أبو حفص" هذا ما هو واحد، اثنين .. ثلاثة .. عشرة، فإذا قال: جاء أبو عبد الله، من هو أبو عبد الله؟ يحتمل، فإذا قال: جاء أبو عبد الله زيد، حينئذٍ تعين، حصل كشف وإيضاح لما سبق، فعمر: عطف بيان لأنه موضحٌ لأبي حفصٍ. فخرج بقوله الجامد: الصفة، لأنها مشتقةٌ أو مؤولة به، وخرج بما عدا ذلك التوكيد وعطف البيان، لأنهما لا يوضحان متبوعهما، والبدل الجامد لأنه مستقل، الجامد البدل لأنه على إعادة العامل، سيأتي أنه جملة مستقلة، وأمَّا التوكيد وعطف النسق فلا يوضحان استقلالاً، وإلا يقع بهما التوضيح، ولكنه يكون تبعاً، يعني: ليس المقصود أصالةً بالتوكيد وعطف النسق أن يكون موضحاً، أي: لا يؤتى بواحدٍ منهما لقصد الإيضاح أو التخصيص استقلالاً، فإن أفاد واحدٌ منها شيئاً من ذلك كعطف أحد المترادفين على الآخر عطف نسق، وكبدل الكل من الكل فإن هذه الفائدة ليست مقصودة، لأن بدل الكل من الكل وإن أفاد الإيضاح، إلا أنه ليس هو الأصل، إذا قلت: جاء زيدٌ أخوك، على أن يكون أخوك هو بدل، فحينئذٍ نقول: حصل به إيضاح، جاء أخوك زيدٌ، زيدٌ: بدل من أخوك، حصل به إيضاح أو لا؟ حصل به الإيضاح، لكن ليس هو القصد الأصلي في البدل، وإنما هو القصد الأصل يكون في عطف البيان. فَأَوْلِيَنْهُ مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ ... مَا مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ النَّعْتُ وَلِي سبق أن النعت الحقيقي يجب أن يوافق متبوعه في اثنين من عشرة، أو أربعة من عشرة، في اثنين من خمسة هذا عام، والنعت الحقيقي: في أربعة من عشرة.

عطف البيان في ذلك مثل النعت الحقيقي، عطف البيان في موافقة متبوعه في أربعة من عشرة مثله، فيشترط في النعت: أن يكون مطابقاً لمنعوته إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتنكيراً وتعريفاً وتذكيراً وتأنيثاً، هذا يشترط في النعت الحقيقي، مثله عطف البيان بإجماع، إلا مسائل خفيفة وقع فيها نزاع. أن يكون عطف البيان موافقاً لمتبوعه المُبَيَّن في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث والتعريف والتنكير. فَأَوْلِيَنْهُ مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ ... مَا مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ النَّعْتُ وَلِي أَعرِبُوا: (فَأَوْلِيَنْهُ) الفاء هذه للتفريع، لأنه قال: (شِبْهُ الصِّفَةْ) أشبه الصفة، لمَّا أشبه الصفة أخذ حكمه، لما أشبه الصفة في كونه موضحاً في المعارف مخصصاً في النكرات أخذ حكمه. (فَأَوْلِيَنْهُ) إذاً: الفاء للتفريع، أَوْلِ بمعنى: أعط، أولِ: فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، (أَوْلِيَنْهُ) النون هذه فاعل .. توكيد أو فاعل؟ لماذا لا نقول فاعل؟ نريد أن نفحص، لماذا لا نقول: أَوْلِيَنْهُ، النون هنا فاعل؟ متى تكون النون فاعل؟ .. نون الإناث، وهل هذا الموضع منه؟ الجواب: لا، (فَأَوْلِيَنْهُ) إذاً النون هذه نون التوكيد الخفيفة، إذاً: فعل الأمر هنا مبني أو معرب؟ مبني، على ماذا؟ أصله: أولى كأعطى، إذا قلت: أعطينه، مبني على الفتحة، ترجع المحذوف .. هذا سيأتي: اخشين، حينئذٍ المحذوف يرجع، وهو الذي حذف من أجل البناء هنا. (أَوْلِيَنْهُ) الياء هذه هي الألف في "أولى" رجعت على أصلها، (فَأَوْلِيَنْهُ)، والضمير المتصل هنا؟ مفعول به أوَّل لـ أَوْلِ، أين مفعوله الثاني؟ الاسم الموصول (مَا)، أَوْلِيَنْهُ، يعني: أعطينه، (مَا) اسم موصول بمعنى الذي، (مِنْ وِفَاق الأَوَّلِ)، مِنْ وِفَاق: جار ومجرور متعلق بقوله: أَوْلِ، (وِفَاقِ) مضاف والأَوَّلِ مضاف إليه، مَا: اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول ثاني لـ أَوْلِ. (مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ النَّعْتُ وَلِي) النعت: مبتدأ، وولي .. وليَ: هذا فعل ماضي، والضمير العائد على (ما) محذوف، ما وليه .. ما النعت وليه، لأن جملة "النعت ولي": هذه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول مَا؛ كأنه قال: ما النعت وليه من وفاق الأوَّل، فـ مِنْ وِفَاقِ الثانية متعلق بقوله: وَلِي، أي: وليه، والضمير المستتر في ولي عائدٌ على النعت، وتقدير البيت: [فأولينه من وفاق الأوَّلِ الذي النعت وليه من وفاق الأوَّلِ] هذا البيت فيه ركة. (مِنْ وِفَاقِ) المراد بالوفاق الموافقة، والأول المراد به المتبوع، يعني: فأعطينه، الضمير يعود على عطف البيان، فأعطينه: أعط عطف البيان من موافقة الأول المتبوع ما أعطيته النعت الحقيقي من موافقته للأول، وذاك أربعة من عشرة. لما كان عطف البيان مشبهاً للصفة لزم فيه موافقة المتبوع كالنعت، فيوافقه في إعرابه وتعريفه أو تنكيره، وتَذْكِيره أو تأنيثه، وإفراده أو تثنيته أو جمعه، حينئذٍ لا بد أن يكون موافقاً لما سبق. وقوله: (النَّعْتُ) هنا وإن أطلقه إلا أن مراده النعت الحقيقي، لأنه هو الذي دخل في قوله: (شِبْهُ الصِّفَةْ).

قوله: (النَّعْتُ) أي: الحقيقي، لأنه يجب في البيان أن يكون كالمبيَّن في الإفراد والتذكير وفروعهما، كالنعت الحقيقي بخلاف السببي، وهذا مُجمعٌ عليه .. متفقٌ عليه بين النحاة، أي: وجوب مطابقة البيان والمبيَّن تعريفاً وتنكيراً وإفراداً وتذكيراً وغيره، فهذا متفقٌ عليه. (فَأَوْلِيَنْهُ مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ) أي: موافقة الأول المتبوع، أي: أعطينه ما النَّعْتُ أي: الحقيقي وليه، أي: أخذه من موافقة الأول، -هذا شرحٌ لحل البيت-، أعطينه ما النعت أي: الحقيقي، وليه أي: أخذه من موافقة الأول. (فَقَدْ يَكُونَانِ مُنَكَّرَيْنِ) هذا مختلفٌ فيه، هل يشترط في عطف البيان أن يكون في المعارف أو يجوز في النكرات؟ الصواب: الثاني، أنه يجوز في النكرات، ولذلك قال: فَقَدْ يَكُونَانِ مُنَكَّرَيْنِ ... كَمَا يَكُونَانِ مُعَرَّفَيْنِ فَقَدْ: هذه للتفريع على قوله (فَأَوْلِيَنْهُ) .. تفريع على قوله: (فَأَوْلِيَنْهُ)، (فَقَدْ يَكُونَانِ) يعني: العطف ومتبوعه، يَكُونَانِ هذا فعل مضارع ناقص، والألف اسمه، مُنَكَّرَيْنِ خبر، والمراد بالألف هنا: عطف البيان ومتبوعه، قَدْ يَكُونَانِ مُنَكَّرَيْنِ .. كلٌ منهما نكرة، كقوله: ((مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)) [إبراهيم:16] ماء: متبوع .. مبيَّن، وصديد: هذا عطف بيان، إذاً: وقعا نكرتين. (كَمَا يَكُونَانِ) الكاف هذه للتشبيه، وما: مصدرية، (يَكُونَانِ) أي: عطف البيان ومتبوعه، مُعَرَّفَيْنِ وهذا متفق عليه .. المعرفان، وإنما وقع النزاع في التنكير، ولذلك عكس في التشبيه، يعني: الكاف هنا دخلت على المتفق عليه، والأصل العكس. أشار بإتيانه بكاف التشبيه المفهمة للقياس الشبهي بل الأولي، لماذا الأولي؟ لأن احتياج النكرة إلى البيان أشد من غيرها، فإذا احتجنا أن يُبيِّن المعرفة فكذلك نحتاج أن يُبيِّن النكرة، بل هي أولى. إذاً: (فَقَدْ يكُونَانِ مُنَكَّرَيْنِ) أن يكون عطف البيان والمتبوع كلٌ منهما نكرة، بل هو أولى من المعرفة، لأن النكرة أشد احتياجاً وافتقاراً إلى البيان من المعرفة، المعرفة كاسمها معرفة. إذاً: أشار بإتيانه بكاف التشبيه المفهمة للقياس الشبهي بل الأولي، أشار إلى خلاف من منع إتيانهما نكرتين، لأن ثَمَّ من نازَع. (فَقَدْ يكُونَانِ مُنكَّرَيْنِ) لماذا؟ قالوا: لأن النكرة تقبل التخصيص بالجامد، النكرة ليست على مرتبة واحدة، قلنا: نكرة محضة ونكرة غير محضة، يعني: مخصصة، ثم التخصيص مراتب، إذاً: قد يُبيَّن المُخَصِّص المُخَصَّص، يعني: مُخَصَّص بأعلى، مُخَصَّص بأدنى، وقد يُبيِّن المُخَصَّص النكرة المحضة، إذاً: ليست على مرتبة واحدة، لأن النكرة تقبل التخصيص بالجامد، كما تقبل المعرفة التوضيح به، نحو: لبست ثوباً جبةً، ثوباً: هذا مفعولٌ به، جبةً: هذا عطف بيان، بَيَّن الثوب ما هو؟ جبةً، الثوب عام.

هذا مذهب الكوفيين: أنه يجوز أن يُخَصَّص النكرة بالنكرة، يعطف عطف بيان النكرة بالنكرة، وذهب غيرهم إلى المنع، بأن عطف البيان خاصٌ بالمعارف وأمَّا النكرات فلا، وهذا نُسِبَ إلى جمهور البصريين، وذهب غيرهم إلى المنع، وأوجبوا في الأمثلة التي ذكرها ابن عقيل هنا: ((مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)) [إبراهيم:16] .. ((مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ)) [النور:35] هذه واردة، ((أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ)) [المائدة:95] ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ)) [النبأ: 31 - 32] هذه كلها ذكرها الكوفيون على أن النكرة قد تكون نكرةً في باب عطف البيان، كلٌ منهما يُبيَّن بالآخر، وخَصّوا عطف البيان بالمعارف. قال ابن عصفور وإليه ذهب أكثر النحويين، وقيل: هو مذهب البصريين، قال في الهمع: " ومنع البصرية جريانه على النكرة، وقالوا: لا يجري إلا في المعارف " يعني: عطف البيان لا يكون إلا في المعارف، أمَّا النكرات فلا، هذا مذهب البصريين، والصواب هو مذهب الكوفيين لوروده. وقيل: يختص عطف البيان بالعلم فقط اسماً أو كنيةً أو لقباً، وحجة من منع: بأن البيان بيانٌ كاسمه، والنكرة مجهولة، والمجهول لا يُبيِّن المجهول، إذا كانت النكرة مجهولة، وعطف البيان إنما جيء به للبيان، حينئذٍ المجهول لا يُبيِّن المجهول. ورُدَّ: بأن بعض النكرات أخص من بعضٍ، والأخص يُبيِّن الأعم .. الأخص من النكرات يُبيِّن الأعم مثلما قلنا: رجلٌ فصيح، فصيح: أخص، ورجل: عام، إذاً: صح ذلك. وقول الزمخشري والجرجاني: يشترط كونه أوضحَ من متبوعه مخالفٌ لقول سيبويه: يَا هَذا ذَا الجُمَّة، إن "ذا الجمة" عطف بيان مع أن اسم الإشارة أوضح من المضاف إلى ذي الأداة، ولذلك اشترط الزمخشري أن يكون عطف البيان أوضحَ من متبوعه، وهذا ضعيف، لماذا؟ لأن سيبويه أعرب: (يَا هَذا ذَا الَجُمة)، ذَا الجمَّة هذا عطف بيان، وأيهما أعرف؟ اسم الإشارة أعرف، إذاً: وقع عطف البيان هنا أدنى، إذاً: لا يشترط فيه أن يكون مساوياً له لا في التعريف ولا في التنكير. فَقَدْ يَكُونَانِ مُنكَّرَيْنِ ... كَمَا يَكُونَانِ مُعَرَّفَيْنِ ذهب أكثر النحويين إلى امتناع كون عطف البيان ومتبوعه نكرتين، وذهب قومٌ منهم المصنف وهو مذهب الكوفيين إلى جواز ذلك: فَقَدْ يَكُونَانِ مُنكَّرَيْنِ ... كَمَا يَكُونَانِ مُعَرَّفَيْنِ قيل: ومن تنكيرهما قوله تعالى: ((يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ)) [النور:35] زيتونة: عطف بيان، وعند المانع: بدل، البصريون يعربونها بدلاً، ((وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)) [إبراهيم:16] صديد: عطف بيان، وعند البصريين .. المانعين: بدل، فزيتونة عطف بيان لشجرة، وصديد عطف بيان لماء، ((أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ)) [المائدة:95] .. ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ)) [النبأ: 31 - 32] إذاً: هنا حصل عطف البيان النكرة للنكرة. ثم وجد فيه ما اشترطه بقوله: فَأَوْلِيَنْهُ مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ ... مَا مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ النَّعْتُ وَلِي فكان مطابقاً لما قبله.

وأمَّا قول الزَّمَخشَرِي: أن (مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) عطف على (آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ)، في قوله تعالى: ((فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ)) [آل عمران:97] هل يصح أن يُعرَب مقام إبراهيم عطف بيان على ما سبق؟ الجواب لا، لماذا؟ لأن مقام إبراهيم وآيات بينات مخالفٌ للشرط الذي ذكره في قوله: (فَأَوْلِيَنْهُ) هل حصل تطابق بينهما، آيات جمع .. مقام إبراهيم واحد .. آيات مؤنث، مقام إبراهيم مذكر، آيات بينات: نكرة .. مقام إبراهيم معرفة، إذاً: خالفه في ثلاثة أشياء، ولا يمكن أن يكون نعتاً .. لا يمكن أن يكون عطف بيان. وَصَالِحَاً لِبَدَلِيَّةٍ يُرَى ... فِي غَيْرِ نَحْوِ يَا غُلاَمُ يعْمُرَا وَنَحْوِ بِشْرٍ تَابِعِ البَكْرِيِّ ... وَلَيْسَ أَنْ يُبْدَلَ بِالمَرْضِيِّ كل اسمٍ صح الحكم عليه بأنه عطف بيان مفيدٌ للإيضاح أو للتخصيص صح أن يُحكم عليه بأنه بدل كل من كل. كل ما صح إعرابه عطف بيان مفيدٌ للإيضاح أو للتخصيص، صح أن يحكم عليه بأنه بدل كل من كل مفيدٌ لتقرير معنى الكلام وتوكيده، لكونه على نية تكرار العامل من غير عكسٍ. يعني: يُعرب عطف البيان بدلاً، وليس كل ما صح إعرابه بدل أن يُعرب عطف بيان، لماذا؟ لأن عطف البيان كما سبق: أن العامل فيه هو العامل في المتبوع، إذا قلت: جاء زيدٌ أخوك، أخوك: هذا عطف بيان، أو جاء أخوك زيد، زيد: عطف بيان، ما العامل فيه .. الرفع؟ جاء نفسه. وأمَّا إذا قلت: بأنه بدل حينئذٍ العامل فيه ليس هو جاء، وإنما هو عاملٌ محذوف مماثل للمذكور: جاء زيدٌ جاء أخوك، فأخوك معمولٌ لجاء المقدر هذا، وليس لجاء الملفوظ، إذاً: فرقٌ بينهما، جاء أخوك زيدٌ على أنه عطف بيان جملة واحدة، وجاء زيدٌ أخوك على أنه بدل جملتان، وفرقٌ بين الجملة والجملتين. إذاً: كل ما أعرب عطف بيان صح أن يعرب بدل كل من كل من غير عكس، إلا ما استثناه الناظم رحمه الله تعالى، ولذلك قال: (وَصَالِحَاً) وإذا كان جائزاً حينئذٍ أيهما أولى؟ إذا جاز أن يُعرب عطف بيان، وقلنا: الأصل أن العطف .. عطف بيان، يجوز إعرابه بدل كل، أيهما أولى؟ عطف البيان؛ لأنه يجعله جملة واحدة، وإذا أمكن إيصال الكلام وجعله جملةً واحدة أولى من فصله وجعله جملتين، ولذلك عَبَّر عنه: (وَصَالِحاً). قيل: أشار بالصلاحية إلى أن عطف البيان أولى من البدل في غير ما استثني، لأن الأصل في المتبوع ألا يكون في نية الطرح، -هذا سيأتي بحثه في البدل-، وألا يكون التابع كأنه من جملةٍ أخرى ثانية، لأنه على نية تكرار العامل، ثم جواز الأمرين بالنظر إلى صورة التركيب، وأمَّا بالنسبة لقصد المتكلم فلا يصح إلا أحدهما، يعني: إذا أنت تكلمت وقصدت الثاني عطف بيان ما يجوز أن يُعرب بدل، لماذا؟ لأن الجواز هنا باعتبار اللفظ نفسه لا باعتبار النية، إذا عُلِمَ قصد المتكلم ما جاز إلا أحدهما، إن عَنَى البدل تعيَّن، وهذا لا شك فيه واضح، وإن عَنَى عطف البيان لا يجوز إعرابه بدلاً.

يعني: لو أنا تكلمت الآن .. قصدت عطف البيان فقلت: جاء أخوك زيدٌ، لا يجوز أن تُعرِب زيد بدل، لأني قصدت ماذا؟ عطف البيان، يعني: عُلِمَ القصد، وأمَّا إذا لم يُعلَم فالتركيب من حيث هو: فكل ما جاز إعرابه عطف بيان جاز إعرابه بدل إلا ما استثني، إذاً: ليس على أطلاقه، وأمَّا بالنسبة لقصد المتكلم فلا يصح إلا أحدهما. وَصَالِحاً لِبَدَلِيَّةٍ يُرَى ... فِي غَيْرِ نَحْوِ يَا غُلاَمُ يعْمُرَا صالحاً: هذا مفعول ثاني ليُرَى، ويُرَى: هذا مُغيَّر الصيغة، و (لِبَدَلِيَّة) متعلق بقوله: (صَالِحاً)، وَيُرَى صَالِحاً لِبَدَلِيَّةٍ فِي غَيْرِ نَحْوِ، نحن نقول: ما أُعرِبَ عطف بيان صلح أن يُعرب بدل، إذاً: يُرَى، ما هو الذي يُرَى .. الضمير نائب الفاعل يعود على ماذا؟ عطف البيان، إذاً: يُرَى عطف البيان صالحاً لبدليةٍ، إذا استحضرت الضمير حينئذٍ عرفت المراد، يُرَى عطف البيان صالحاً لبدليةٍ، يعني: مطرداً مطلقاً إلا في موضعين: أشار إلى الأول بقوله: (فِي غَيْر نَحْو يَا غُلاَمُ يعْمُرَا) يَا غُلاَمُ يعْمُرَا بضم الميم وفتحها علمٌ منقولٌ من المضارع منصوبٌ عطف بيان على محل غلام، هذا عطف بيان ولا يجوز إعرابه بدل كل من كل، لماذا؟ لأن شرط البدل والمبدل منه أنه يحل محله، كما سيأتي محله. ولذلك هذه المسالة لو تؤخر في باب البدل لكان أجود، والفروق بين النوعين: عطف البيان وعطف البدل يذكرها النحاة في هذا المحل، والصواب تأخيرها إلى ما بعده. إذاً: شرط البدل والمبدل منه أن يصح حلوله محل الأول، الثاني يصح أن يحل محل الأول فيتسلط عليه العامل مباشرةً، فإذا امتنع امتنع، هنا إذا قلنا ماذا؟ (يَا غُلاَمُ يعْمُرا) غلام: هذا يا: حرف نداء، وغلام: منادى، ويعمرا: عطف بيان، هل يصح أن يُعرب بدل؟ لا يصح .. لا يصح حلوله محل غلام، لماذا لا يصح حلوله محل غلام؟ يعمرا حركة الراء الفتحة، منصوب إذاً، منصوب باعتبار محل غلام، أنت إذا نطقت .. أنا سمعت رجل يقول: يا غلام يعمرا، إذا أعربت كلامه حينئذٍ أقول: يا: نداء، غلام: مبني، يعمرا بالنصب، هو نطق به منصوباً، إذاً: عطف بيان باعتبار المحل، لو جوَّزت أن أعربه بدل كل من كل حينئذٍ لا بد أن يكون مدخولاً لـ (يا)، وإذا كان مدخولاً لـ (يا) حينئذٍ يكون: يَعْمُرُ، لو نطق به هكذا: يا غلامُ يَعْمُرُ قلنا: جاز، وأمَّا نطقه بالنصب نقول: يمتنع، لأن إعراب يَعْمُرَا يصح بدلاً بحيث يبقى على إعرابه كما هو ويَحل مَحل الأول، وهنا لا يصح أن يُقال: يا يَعْمُرَا بالنصب، لماذا؟ لأنه عَلَم، والعَلَم إذا وقع منادًى وجب بناؤه على الضم، فتقول: يا غلام يَعْمُرُ هذا الأصل، لو نطق به هكذا، قلنا: صح إعرابه بدل. حينئذٍ لمَّا لم يصح إحلاله محل الأول امتنع إعرابه بدلاً لأنه منصوب في اللفظ، وليس المراد أنك تغير الحركة من عندك .. تبدل وتغير لا، إنما تنظر في المنطوق به الذي أمَّامك، فحينئذٍ تقول: يا غلام يَعْمُرَا بالنصب، لا يجوز أن يُعرب الثاني بدلاً، لماذا؟ لأنه إنما يجوز إعرابه بدلاً إذا صح إحلاله محل الأول وهو غلام، وهنا لا يصح لأنه منصوب، وغلامٌ مبني على الضم، امتنع إحلاله محل الأول.

(وَنَحْو بِشْر تَابِع البَكْرِيِّ) هذا يقصد به البيت: أَنا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ ... عليه الطَّيْرُ تَرْقُبُه وُقُوعاً ... (أَنا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ) أين محل الشاهد؟ بشرٍ: هذا عطف بيان مِمَ؟ البَكْرِيِّ، ولذلك قال الناظم هنا: (ونَحْو) يعني: في غير، هذا المستثنى مما لا يجوز إعرابه بدل مع كونه عطف بيان، الأول غَلاَمُ يعْمُرَا، الثاني: (وَنَحْوِ) هذا معطوف على: (غَيْرِ)، (بِشْرٍ تَابِعٍ البَكْريِّ) إذاً: البكري هذا متبوع، وبشرٍ: تابع له .. عطف بيان، ابن مالك يقول: لا يجوز أن يُعرب بدل، ما العلة؟ ما العلة في كونه لا يصح إعرابه بدل؟ البدل يحل محل المبدل منه، وهنا يصح ابْن التَّارِك بِشرٍ؟ لماذا لا يصح؟ نعم: وَوَصْلُ أَلْ بِذَا المُضَافِ مُغْتَفَرْ ... إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ كَالْجَعْدِ الشَّعَرْ أنا ابن التارك بشرٍ، الضارب زيدٍ، هل يصح؟ الضارب زيدٍ لا يصح، لأن المضاف إذا حُلَِّي بـ (أل) مما يشابه يفعلُ، حينئذٍ لا بد أن يكون المضاف إليه قد حُلِّي بـ (أل) أو مضاف إلى ما فيه (أل): وَوَصْلُ أَلْ بِذَا المُضَافِ مُغْتَفَرْ ... إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ ............ إن لم توصل بالثاني لا يغتفر، فحينئذٍ (التَّارِكِ) اسم فاعل، وهو مضاف و (البَكْريِّ) مضافٌ إليه، (بِشْرٍ) هذا عطف بيان من المضاف إليه البَكْريّ، وحينئذٍ لمَّا لم يصح إحلال بشرٍ مقام البكري امتنع إعرابه بدل كل من كل، والسبب في ذلك أنه محلىً بـ (أل) المضاف، فلا يجوز. (ونَحْو بِشْر تَابِع البَكْريِّ) أي: من كل تركيبٍ عطف فيه على اسمٍ خالٍ من (أل) معرَّف بها مضافٌ إليه وصفٌ مُحلى بـ (أل)، (وَلَيْسَ أَنْ يُبْدَلَ بِالمَرْضِيِّ) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم ليس، منه (بِالمَرْضِيِّ) المرضي: هذا خبر ليس دخلت عليه الباء الزائدة. هذا فيه تنكيت أو رداً على من جَوَّز الضارب زيدٍ وهو الفراء، يعني: ليس أن يُبدل منه بشرٍ من البكري بالمرضي، وإن جَوَّزه الفراء بناءً على جواز: الضارب زيدٍ، لأنه لم يشترط في المضاف إليه شيءٍ، وهذا راجعٌ للصورة الثانية، وصرح به مع علمه مما قبله رداً على الفراء المجوِّز للأول. إذاً القاعدة العامة: أنه يصح كل ما أُعرِبَ عطف بيان أن يُعرب بدل كل من كل من غير عكس، إلا فيما استثناه الناظم والقاعدة فيه .. الضابط العام: أن يمتنع إحلاله محل الأول، فإن لم يمتنع حينئذٍ صح إعرابه بدل كل من كل. والضابط العام: إن لم يمتنع إحلاله محل الأول فإن امتنع حينئذٍ لا يصح، ومن صور الامتناع: يا زيد الحارث، الحارث: هذا عطف بيان، ولا يجوز إعرابه بدل كل من كل، لماذا؟ لأنه محلى بـ (أل) والمحلى بـ (أل) لا يتلوا ياء النداء إلا في صور معدودة، مستثناة وهذا ليس منها، لأنه لا يصح أن تقول: يا الحارث! هنا ليس كالسابق: (يَا غُلاَمُ يعْمُرا) يعْمُرَا: هذا عَلَم، لو كان: يعْمُرُ لصح، وهنا: يا زيد الحارث بالبناء على الضم، نقول: هذا لا يصح أن يكون بدل كل من كل .. من زيد، لماذا؟ لأنه يُقال: يا الحارث، لأن مدخول (أل) لا تدخل عليه ياء.

من كل منادًى أتبع بما فيه (أل) فإنه لا يجوز لك أن تقول: يا الحارث فتنادي ما فيه (أل)، ونحو كذلك: يا أيها الرجل زيدٌ، فالرجل نعت لأي، وزيد عطف بيان عليه، ولا يصح أن تقول: يا أيها زيد، فيُعرَب عطف بيان ولا يجوز أن يُعرب بدل. فيجوز أن يُعرَب عطف بيان ولا يجوز أن يُعرب بدل لأنك تقول: يا أيها الرجل، الرجل نعت لأي، وزيد: هذا عطف بيان، حينئذٍ لا يصح أن يكون بدل كل من كل. ومنه: يا زيد هذا، كذلك يُعرب هذا: عطف بيان، ولا يجوز أن يُعرب بدل كل من كل، لماذا؟ لأنه كما سيأتي أن هذا إذا وقع منادًى لا بد من وصفه بمحلًى بـ (أل) وهنا لم يحل بـ (أل) لم يوصف، يا زيدُ هذا هكذا، نقول: هذا عطف بيان، ولا يجوز أن يُعرب بدل كل من كل، لماذا؟ لأنه إذا قيل: يا هذا لم يُنعت بما فيه (أل) وهذا ممتنع. ومنه: زيدٌ أفضل الناس الرجال والنساء، زيدٌ: مبتدأ، أفضلُ: خبر، الناسِ: مضاف إليه، الرجالِ والنساءِ، أفعل التفضيل إذا أُضِيف صار بعضاً من المضاف إليه، إذا قيل: زيدٌ أفضل الناس الرجالِ، نقول: هذا عطف بيان، ولا يجوز أن يُعرب بدل، لماذا؟ لأنك إذا أعربته بدل صار زيدٌ أفضل بعض الرجال وبعض النساء، هذا المعنى فاسد أو صحيح؟ فاسد، لماذا؟ لأنه بإعادة العامل أفضل الناس، العامل في الناس ما هو؟ أفضل، فإذا أعربته بدل حينئذٍ أفضل الرجال يعني: بعض الرجال والنساء معطوفٌ عليه، فصار أفضل بعض النساء، وهذا فاسد المعنى. إذَاً القاعدة العامة: أنه متى ما صح إحلال العطف .. عطف البيان محل سابقه جاز أن يُعرب بدل كل من كل. قال الشارح هنا: كل ما جاز أن يكون عطف بيان جاز أن يكون بدلاً -من غير عكس-، نحو: ضربت أبا عبد الله زيداً، زيداً: عطف بيان، وبدل كل من كل، واستثنى المصنف من ذلك مسألتين تتعيَّن فيهما كون التابع عطف بيان: الأولى: أن يكون التابع مفرداً معرفةً معرباً، والمتبوع منادًى، نحو: (يَا غُلاَمُ يعْمُرَا) فيتعيَّن أن يكون يعمُرَا عطف بيان، ولا يجوز أن يكون بدلاً، لأن البدل على نية تكرار العامل، فكان يجب بناء يعْمُرَا على الضم، لأنه لو لفظ بياء معه لكان كذلك، إذاً: المثال بالنصب، أمَّا لو رفعه بالضم لا إشكال فيه يجوز. الثانية: أن يكون التابع خالياً من (أل) والمتبوع بـ (أل) فقد أضيفت إليه صفةٌ بـ (أل) نحو: أنا الضارب الرجل زيدٍ، فيتعين كون زيد عطف بيان ولا يجوز كونه بدلاً من الرجل، لأن البدل على نية تكرار، وسبق أن ثَمَّ خلاف في هذا، هل يصح أن يعطف أصلاً مما لا يصلح أن يكون مضافاً إليه أو لا؟ سبق معنا هذا: أنه يُغتَفر في التوابع .. في الثواني ما لا يُغتَفر في الأصول. ولا يجوز كونه بدلاً من الرجل، لأن البدل على نية تكرار العامل، فيلزم أن يكون التقدير: أنا الضارب زيدٍ، ولا يجوز ذلك، لما عرفت في باب الإضافة من أن الصفة إذا كانت بـ (أل) لا تضاف إلا إلى ما فيه (أل) أو ما أضيف إلى ما فيه (أل).

ومثله: الضارب .. أنا الضارب الرجل زيدٍ، قول الشاعر: (أَنا ابنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ) فبشرٍ: عطف بيان، ولا يجوز كونه بدلاً، إذ لا يصح أن يكون التقدير: أنا ابن التارك بشرٍ، وأشار بقوله: (وَليْسَ أَنْ يُبْدَلَ بِالمَرْضِيِّ) إلى أن تجويز كون بشرٍ بدلاً غير مرضيٍّ، وقصد بذلك التنبيه على مذهب الفراء والفارس، لأنه يجوز عندهما: الضاربُ زيدٍ. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

92

عناصر الدرس * شرح الترجمة. عطف النسق. وحده * أقسامه وحروف كل قسم * معاني حروف العطف. الواو. ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: عَطَفُ النَّسَقْ. أي: هذا باب عطف النسق، وهذا الباب الرابع من أبواب التوابع، إذ التوابع خمسة: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، لأنه سبق قال: الْعَطْفُ إِمَّا ذُو بَيَانٍ أَوْ نَسَقْ ... وَالْغَرَضُ الآنَ بَيَانُ مَا سَبقْ فبين عطف البيان ثم هذا رديفه، وبعضه جمع بينهما في العنوان فحسب، وأمَّا عند التفصيل فيبوب لكل واحدٍ منها باباً يختص به، التوابع أربعة من حيث الجملة: النعت، والتوكيد، والعطف والبدل، ثُمَّ يُقال: العطف نوعان: عطف بيان، وهذا سبقت أحكامه، وعطف نسق. عَطَفُ النَّسَقِ، النَّسَقْ: بفتح السين، اسم مصدر بمعنى: المفعول، يُقال: نسقت الكلام أنسَقُه عطفت بعضه على بعض، والمصدر بالتسكين: النَسْقُ، والنَسَق بالفتح على وزن: فَعَل، هذا اسم مصدر، وقيل: بالتحريك مصدر كذلك، النَسَق قيل: مصدر واسم مصدر، وأمَّا النَسْق فهو مصدر. وقيل: النَسَق في اللغة: النظم، قال الزبيدي: " والنَسَق العطف على الأول "، النَسَق إذاً: عرفنا أن المراد به التتابع، أو المراد به النظم، أو المراد به عطف الشيء بعضه على بعض، جاء زيدٌ وعمروٌ، عطفت عمراً على زيد، وهذا يسمى نسق لأنه تابع متوسط بينه حرفٌ من حروف العطف الآتي ذكرها. قال رحمه الله: تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ عَطْفُ النَّسَقْ ... كَاخُصُصْ بِوُدِّ وَثَنَاءٍ مَنْ صَدَقْ عرَّف لنا عطف النسق بأنه التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف التي سيذكرها الناظم وهي تسعة. فالتابع: هذا جنس، يشمل النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والبدل، وعطف النسق، يشمل هذه الأحكام الخمسة كلها .. الأنواع الخمسة، ثم قوله: المتوسط بينه وبين متبوعه، التابع قلنا: الاسم المشارك لما قبله في إعرابه، إذاً: عندنا تابع ومتبوع، هذا يصدق على النعت، والتوكيد، وعطف البيان، والبدل، وعطف النسق، عندنا تابع ومتبوع. التابع: هو الذي نُعربه بدلاً أو عطف بيان، والمتبوع: هو الذي أُتبِعَ، حينئذٍ المتوسط بينه وبين متبوعه حرفٌ هذا أخرج بقية التوابع، فاختص الحكم بعطف النسق، إذاً: جاء زيدٌ وعمروٌ، عمروٌ: هذا تابع، زيدٌ: متبوع. الاسم المشارك لما قبله في إعرابه، شاركه هنا، رأيت زيداً وعمراً، عمراً: هذا تابع، وزيداً: هذا متبوع شاركه في إعرابه وهو النصب، مررت بزيدٍ وعمروٍ، عمروٍ: هذا تابع، زيدٍ: هذا متبوع، وشاركه في الخفض.

إذاً: الاسم المشارك لما قبله، لكن هنا يختلف الحكم عن النعت والتوكيد والبيان والبدل، بأن ثَمَّ فاصل بين التابع والمتبوع وهو حرفٌ من حروف المعاني الآتي ذكرها، إذاً: المتوسط، يعني: الذي توسط بينه .. بين عطف النسق وبين متبوعه، إذاً إذا قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ، لا بد أن نحدد أين التابع الذي نسميه عطف نسق، أين المعطوف الذي نسميه عطف نسق؟ هو عمرو، الذي بعد الواو، وما قبل الواو معطوفٌ عليه، وليس هو بعطف نسق، جاء زيدٌ، زيدٌ: فاعل، والواو حرف عطف، وعمرو: هذا هو المنسوق، ولذلك بعضهم يقول: نَسَق من إطلاق المصدر أو اسم المصدر مراداً به اسم المفعول، أي: العطف المنسوق، إذاً: عندنا متبوع. المتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف التي سنذكرها، فخرج بقوله: متوسط إلى آخره بقية التوابع، هذا هو الحد باعتباره تابعاً، وبعضهم عرفه باعتباره مصدراً. وعُرِّف النسق باعتبار المصدر: بأنه تشريك، إذاً: تفعيل، إذا قيل: تكليم، تلفظ ونحو ذلك صار مصدراً، صار وصفاً لمن؟ للمتكلم، إذاً: أنت الذي تعطف وأنت الذي تتبع عطف النسق والنعت والتوكيد ونحو ذلك، كما نقول: أنت مؤكد، أنت الذي أخذت ألفاظ التوكيد وجعلتها تابعةً لما قبلها. هنا النسق باعتبار كونه مصدر: تشريكُ معمولين في عاملٍ واحدٍ مع توسط حرفٍ بينهما يقوم مقام تكرار العامل، وسبق في أول التوابع لأن العامل في عطف النسق هو العامل في المعطوف عليه على الصحيح، وقيل: بواسطة الواو، وقيل: الواو، وقيل: عاملٌ مقدر، والمشهور أنه العامل بواسطة الواو، وهذا منسوبٌ إلى الجمهور، إذا قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ، زيدٌ: مرفوعٌ على أنه فاعل، والعامل فيه جاء، الواو: حرف عطف، عمروٌ: مرفوع، ما الرافع له؟ نقول: الرافع له هو: جاء السابق، لكن بواسطة الواو، وقيل: الواو نفسها، وهذا غريب، وقيل: عامل مقدر كالعامل السابق، يعني: جاء عمروٌ وجاء زيدٌ .. جاء زيدٌ وجاء عمروٌ، وهذا ليس بصواب، لماذا؟ لأننا نجعله في مقام جملتين وليس الأمر كذلك. فحينئذٍ إذا قيل: بأنه على تقدير عامل امتنع العطف في المفردات، إذا كل مفرد أُتبع ما قبله بحرفٍ من حروف العطف وكان العامل فيه هو العامل في الأول امتنع العطف في المفردات، لأنه لا يوجد عندنا عامل إلا وهو مقدرٌ قبله فعلٌ أو نحو ذلك، رأيت زيداً وعمراً، يعني: ورأيت عمراً، إذاً: صار من عطف الجملة على الجملة، جاء زيدٌ وعمروٌ، إذاً: جاء زيدٌ وجاء عمروٌ ونحو ذلك. حينئذٍ نقول: هذا يُضعف أو يُقل أن يكون العطف داخلاً في المفردات، وهذا فيه فسادٌ، إذاً: تشريكٌ معمولين في عاملٍ واحدٍ على الصحيح، مع توسط حرفٍ بينهما يقوم مقام تكرار العامل، كأنه قال: الأصل هو التكرار، لكن هذا الحرف كالواو مثلاً قام مقام تكرار العامل، يعني: كأن الواو نابت مناب العامل الذي حقه أن يتكرر. (تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ عَطْفُ النَّسَقْ)، (تَالٍ) هذا خبر مقدم، وعطف النسق: هذا مبتدأ مؤخر، وتالٍ نقول: هذا خبر مقدم مرفوع، ورفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، لأنه منقوص: تالي .. قاضي .. مشتري، إذا كان نكرة وجب تنوينه.

وسبق أن خلافاً بين النحاة في هذا التنوين، هل هو تنوين عوضٍ عن حرف، أو تنوين تمكين؟ والجماهير على أنه تنوين تمكين، وليس تنوين عوضٍ عن حرفٍ، والذي يكون عوضاً عن حرف ليس في: قاضي، ومشتري، وإنما هو في الجمع المنتهي، أو صيغة منتهى الجموع كـ: (جوارٍ وغواشٍ) وهذا سيأتي في الممنوع من الصرف، وأمَّا: تالٍ ونحوه كـ: (مشترٍ وقاضٍ) نقول: هذا التنوين تنوين تمكين، بدليل رجوع الياء وبقاءها مع التنوين في حالة النصب: رأيت قاضياً، لو كان التنوين عوضاً عن حرف، العوض لا يجتمع مع المعوض عنه، البدل والبدل منه لا يجتمعان، فإذا قيل: قاضٍ، التنوين هذا عوض عن ياء، حينئذٍ ما هو هذا التنوين في قوله: رأيت قاضياً .. ما نوعه، الياء موجودة، أين العِوض .. أين المعَوض عنه؟ لم تحذف الياء، فنبقى على ماذا؟ فيه إشكال، والصواب أنه تنوين تمكين، وليس بتنوين عوضٍ عن حرف. إذاً: (تَالٍ) هذا خبر مُقدَّم مرفوع، ورفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، وما هما الساكنان؟ الياء: تالي، لأن الحركة هنا محذوفة للثقل، حينئذٍ نوينا وقدرنا الحركة، ثم نُوِّن والتنوين حكمه أنه واجب لأنه نكرة، نُوِّن فالتقى ساكنان: الياء والتنوين، فقيل: تَالٍ، إذاً تالٍ: هذا خبر مُقدَّم و (بِحَرْفٍ) مُتعلِّقٌ به لأنه اسم فاعل و (مُتْبِعٍ) نعتٌ لـ حَرْفٍ. تَالٍ المراد به: تابع، فهو جنس دخل فيه جميع التوابع، قوله: (بِحَرْفٍ) يعني: تبع ما قبله وشارك ما قبله في إعرابه بواسطة حرفٍ، حينئذٍ خرجت جميع التوابع الأربعة: النعت، والتوكيد وعطف البيان والبدل، لأنها تتبع متبوعها بدون واسطة حرفٍ، وهذا الحكم خاصٌ بعطف النسق. (تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) يعني: الحرف هو المُتْبِع الذي أتْبَع ما بعده بما قبله، في الحكم والمعنى، أو في الحكم فقط، يعني: في اللفظ والمعنى، أو في اللفظ فقط، بمعنى: أنه شَرَّكَه فيما قبله في الإعراب والمعنى، أو شَرَّكَه في الإعراب لا في المعنى، وبذلك نَعْرف أن القسمة ثنائية أو ثلاثية. (تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) بِحرفٍ، الناظم هنا قال: (بِحَرْفٍ) الصَبَّان قال: ولو تقديراً بناءً على مذهب الناظم الذي نذكره دائماً أنه يجوز حذف حرف العطف بين المتعاطفين، وهذه مسألة مختلف فيها بين النحاة، اتفقوا على جوازها في النظم .. الشعر، اتفقوا على جوازها في النظم، تقول: جاء زيدٌ عمروٌ، وأيُّ عمروٌ؟ معطوف على ما سبق بحذف حرف العطف وهذا كثير، ولذلك قال: (فَالْعطْفُ مُطْلقاً بِوَاوٍ ثمَّ فَا) يعني: بواوٍ وثم وفاء: (حَتَّى أَمَ اوْ كَفِيكَ) حَتَّى وحتى وأم، كلها حذفت الواو، هذا جائز باتفاق، مع كون كل حرفٍ أو كل لفظٍ من هذه الألفاظ تابعٌ لما قبله بواسطة الواو، فهو عطف نسق، لو قيل: عطف نسق (بِوَاوٍ ثُمَّ) (ثمَّ) هذا معطوف على واو في مَحل جر، كيف معطوف عليه بدون حرف عطف، نقول: حرف هنا مقدر بمعنى: أنه حذف أسقط، لكنه منوي، وإذا كان كذلك حينئذٍ لم يخرج عن حد عطف النسق، فيقال: هو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف الآتي ذكرها، أين الحرف هنا؟ نقول: هذا مقدر، وهذا متفق عليه.

وأمَّا في النثر فجماهير النحاة على المنع، على أنه لا يجوز أن يحذف حرف العطف ثم يكون الكلام من قبيل عطف النسق؛ لأنه يوقع في اللبس، لو قيل: جاء زيدٌ أخوك .. جاء زيدٌ وأخوك، جاء زيدٌ عمروٌ، عمروٌ: هذا يحتمل أنه بدل غلط مما سبق، لو قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ ثم حذفت الواو، جاء زيدٌ عمروٌ هذا يلتبس .. يوقع في اللبس، لأن السامع يتوهم أن عمرو عطف نسق أو أنه بدل غلط مما قبله؟ هذا محتمل، كل ما أوقع في لبسٍ للسامع حينئذٍ الأصل اجتنابه. بحرفٍ ولو تقديراً، لأن حذف العاطف جائزٌ عند المصنف نظماً ونثراً، ونجري كلامه دائماً على ما رجحه هو لا ما رجحه غيره. (تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) أي: موضوعٍ للإتباع، ليس كل حرفٍ يستعمل في النسق لا، وإنما نستقرئ كلام العرب فننظر ما الذي استعملوه من حروف العطف فنستعمله، ولذلك ثَمَّ حروف يختلف فيها النحاة: هل هي حرف عطفٍ أم لا؟ (بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) أي: موضوعٍ للإتباع، وهو تَشْرِيك الثاني مع الأول في عامله، وقلنا: هذا هو المعنى المصدري لعطف النسق: تشريك معمولين في عاملٍ واحدٍ، لأن الكلام هنا في النوايا والمقاصد، تَشرِيك معمولين في عاملٍ واحدٍ، لا بد أن يكون هذا الحرف الموضوع للإتباع مُشَرِّكاً لما بعده فيما قبله إمَّا لفظاً ومعنىً، وإمَّا لفظاً لا معنىً. إذاً (مُتْبِعٍ) أي: موضوعٍ للإتباع، وما المراد كونه موضوعاً للإتباع؟ هو تشريك الثاني مع الأول في عامله، فأخرج نحو: (مررت بغضنفرٍ، أي: أسدٍ)، (أي) هذه عند الكوفيين حرف عطف، فيها خلاف بين النحاة البصريين والكوفيين، الكوفيون يرون أنها حرف عطف، والبصريون يرون أنها حرف تفسير، مثل (أل) التفسيرية، فحينئذٍ ينبني على هذا خلاف، رأيت أسداً، أي: غضنفراً، رأيت غضنفراً، أو: مررت بغضنفرٍ، أي: أسدٍ، أسد: لو اعتبرنا (أي) هذه حرف عطف حينئذٍ صار مثل: جاء زيدٌ وعمروٌ، مررت بغضنفرٍ، جار ومجرور، (أي) حرف عطف، أسدٍ: معطوفٌ على غضنفر، والمعطوف على المجرور مجرور، و (أي) هذه مثل الواو، كأنك قلت: مررت بزيدٍ وعمروٍ، حكمه واحد، هذا عند الكوفيين. وعند البصريين لا: ما بعد (أي) يكون بدلاً، أو عطف بيان مما سبق، حينئذٍ (مررت بغضنفرٍ أي) أي: حرف تفسيرٍ مبنيٌ على السكون لا محل له من الإعراب، وليس بحرف عطف، فلن يكون من عطف النسق البتة، إذا نفينا أن يكون حرف عطف، حينئذٍ لن يكون من عطف النسق البتة، وأسدٍ بالخفض: تابعاً لغضنفر، ما نوعه؟ إمَّا أنك تعربه عطف بيان، أو بدل، لا إشكال، فأسدٍ: بدل. قد يرد السؤال هنا: (أي .. أسدٍ) أسد تابع، وغضنفر متبوع، توسط بينهما حرفٌ، هل يصدق عليه حد عطف النسق أو لا؟ نقول: لا يصدق عليه، لأن هذا الحرف (أي) لم يوضع للتَشْرِيك، نحن اشترطنا قلنا: بحرفٍ مُتْبِعٍ، يعني: موضوع للإتباع، ما المراد بكونه: موضوعاً للإتباع؟ تشريك الثاني مع الأول في عامله، وليس الأمر كذلك في (أي). إذاً: فإن أسداً تابعٌ بحرفٍ وليس معطوفاً عطف نسق بل بيان، فهو عطف بيان، نعربه عطف بيان، لأن (أي) حرف تفسيرٍ لا حرفٌ متبع، والناظم قال: (تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) يعني: موضوعٌ للإتباع، و (أي) لم يوضع للإتباع.

إذاً (بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) نقول: موضوعٌ للإتباع، والمراد بالإتباع تشريك معمولين في عاملٍ واحدٍ في إعرابه، يعني: يكون الإعراب الثاني تابعاً للأول بواسطة هذا الحرف، فحينئذٍ أخرج حرفاً لم تضعه العرب للإتباع، وهو (أي) التفسيرية، فإذا قال قائل: حدُّ عطف النسق التابع الذي توسط بينه وبين متبوعه حرفٌ، و (مررت بغضنفرٍ أي: أسدٍ) تابعٌ ومتبوعٌ وتوسط بينهما حرف، إذاً: هذا عطف نسق، نقول: لا! ارجع إلى الحد، ما هو حد عطف النسق؟ التابع المتوسط بينه وبين متبوعه بحرفٍ، أي: موضوعٍ للإتباع، حينئذٍ إذا لم يوضع للإتباع فحينئذٍ لا يرد نقداً أو اعتراضاً على الحد. لا حرفٍ متْبِعٍ على الصحيح، وليس لنا عطف بيان بعد حرفٍ إلا هذا. يعني: ليس عندنا عطف بيان بعد حرفٍ إلا هذا النوع، وهو الواقع بعد (أي) التفسيرية. وخرج التوكيد المسبوق بحرفٍ كما ذكرناه: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: 4 - 5] سبق أن ثُمَّ هنا، و ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة:34] أن هذا الحرف صُورِي، قلنا: توكيد الجملة اللفظي الأكثر أن يكون في الجمل، وتعطف بثُمَّ وألحق الرضي بها الفاء، طيب! إذا وقع العطف بثُم هل هو عطف نسق؟ قلنا: لا، ليس بعطف نسق، لأن المعنى غير مراد، إذ لو كان عطف نسق لخرج عن التوكيد، لأن ما بعد ثم مطابقٌ في اللفظ لما قبل ثم: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: 4 - 5] مطابقٌ له، إذاً: (ثم) جيء بها هنا لعطف ما بعدها على ما قبلها صورةً فسحب، إذ لو كان المراد بها حقيقة العطف لخرج من باب التوكيد إلى باب عطف النسق، وليس هذا المراد، لأنهم أطلقوا على أنها من أمثلة التوكيد بالجملة، والتي فُصِل بينهما حرفٌ. وقلنا: ما كان متصلاً .. الجملة الثانية هي عين الأولى وبينهما اتصالٌ شديد، فعند البيانيين أنه يمتنع الفصل بينهما بحرف عطف، و (ثُم) هنا في هذا التركيب ليست بحرف عطفٍ لفظاً ومعنى، وإنما هي من جهة المعنى. وخرج التوكيد المسبوق بحرفٍ نحو: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: 4 - 5] ولو جُعِلَ قوله: (بِحَرْفٍ) الباء للسببية لخرج جميع ذلك، يعني: لو قيل: تَالٍ بِحَرْفٍ، الباء إذا حملناها على الملابسة ورد علينا ما سبق وأخرجناه بما ذُكِر، وإذ جعلناها -بِحَرْفٍ - سببية، يعني: بسبب حرفٍ متبعٍ لم يرد شيء، لأن مررت بغضنفرٍ، أي: أسدٍ التبعية ليست بسبب (أي) هنا، وإنما بسبب ما قبله، حينئذٍ صار عطف بيان، لانطباق حد عطف البيان عليه، وكذلك الذي ذكره في التوكيد.

لخرج جميع ذلك، لأن تبعية البيان المسبوق بـ (أي) التفسيرية، والتوكيد المسبوق بالعاطف ليست بسبب الحرف، لثبوت التبعية لهما مع حذف (أي) والعاطف، لأننا لو قلنا: السبب هو وجود الفاء أو ثم، طيب! احذفها: كلا سيعلمون .. كلا سيعلمون، هل خرج عن كونه توكيداً؟ لا، إذاً: كونه تابعاً لما قبله ليس بسبب ثم، بخلاف: جاء زيدٌ وعمروٌ، عمروٌ تابعاً لما سبق بوجود الواو، لو حذفت الواو لسقط العطف .. لما صار كلاماً فصيحاً، صار حشواً .. لغواً، فحينئذٍ كون وجود هذا الحرف لم يؤثر دل على أنه ليس بعطف نسق، ولذلك تقول: مررت بغضنفرٍ أسدٍ، صحيح؟ صحيح، إذاً: أسدٍ عطف بيان، سواءٌ وجدت (أي) أم لا، وكذلك: كلا سيعلمون الثانية، مؤكدة للأولى سواءٌ وجدت (ثم) أو لا. إذاً: (بِحَرْفٍ) يعني: بسبب الحرف، لو لم يوجد الحرف لما كان ما بعده تابعاً لما قبله، وهذا ليس موجود في عطف البيان الذي يكون بعد (أي) التفسيرية، وكذلك الجملة المؤكدة التي تقع بعد (ثم) أو فاء. (تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ عَطْفُ النَّسَقْ) عَطْفُ النَّسَقْ: مضاف ومضاف إليه، وهو مبتدأ، وتال: خبرٌ مقدم عليه. (كَاخُصُصْ بِوُدِّ وثَنَاءٍ مَنْ صَدَقْ) الكاف هذه تمثيلية داخلةٌ على محذوفٍ تقديره كقولك، اخُصُصْ هذا فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، (بِوُدِّ) الباء حرف جر، ودِّ: اسمٌ مجرورٌ بالباء، والباء أصلية، فتقتضي حينئذٍ متعلقاً تتعلق به، لماذا؟ نقول: هو حرفٌ أصلي، وإذا كان حرفاً أصلياً يقتضي متعلقاً يتعلق به، لماذا يقتضي الحرف الأصلي متعلقاً؟ معمول والمعمول يقتضي عاملاً لا بد، إذا قيل: بودٍ حرف جر، بزيدٍ، مع عمروٍ، تعرف أن هذا معمول، وكل معمول لا بد له من عاملٍ يقتضي العمل فيه، حينئذٍ لذلك قيل: بزيدٍ، زيدٍ: هذا مفعول به في المعنى تعدى إليه عامل وسبق أن حروف الجر إنما سميت حروف جر، لأنها تجر معاني الأفعال إلى مجروراتها، أو للأسماء، فإذا قلت: بزيدٍ بعمروٍ بودٍ، إذاً: ثَم معنى جُر إليه، والحرف أصلي، الكلام مفروض في الحرف الأصلي. إذاً: ثَم معنى جُر إلى المعنى هذا، هو معنى العامل، سواء كان فعلاً أو كان وصفاً، إذاً: (بِوُدٍ) جار ومجرور متعلق بقوله: اخْصُص، يعني: بمحبةٍ وثناءٍ معطوف على وُدٍ عطف نسقٍ، والحرف هو الحرف المُتْبِع الذي عناه بقوله: (بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ). (ثَنَاءٍ) معطوفٌ على (وُدِّ) والمعطوف على المجرور مجرور، إذاً: (ثَنَاءٍ) هو المَعْنِي بقوله: (تَالٍ) والواو هو المعنِي بقوله: (بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) انتبه! يظن البعض أن زيدٌ وعمروٌ كله عطف نسق لا، جاء زيدٌ وعمروٌ: يتصور زيد وعمرو كلٌ منهما عطف نسق لا، عطف النسق: ما بعد الواو، هو الذي يُعرب بأنه عطف نسق، بِحَرْفٍ يكون سابقاً عليه.

إذاً: إذا طبقت حد الناظم (تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) هذا الحد، (بِوُدِّ وَثَنَاءٍ) تقول: ثناء هو قوله: (تَالٍ) المراد تابع، والواو قبله هي المعنية بقوله: (بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) أتبعه في الإعراب، شَرَّكه في إعراب ما قبله، إعراب ما قبله ما هو؟ الخفض .. الجر بالباء، وَثَنَاءٍ: مجرور بأي شيء؟ بـ: (اخْصُص) أو بالباء؟ بالباء لأنه خفض، و (اخصص) هذا فعل، والفعل لا يقتضي الخفض، وإنما يرفع أو ينصب. إذاً (بِوُدِّ) بمحبةٍ وثناءٍ يعني: بخيرٍ، (ثَنَاءٍ) هذا العامل فيه هو العامل في المَتْبُوع، التالي الذي هو: ثناء، العامل فيه هو العامل في المَتْبُوع وهو الباء. (مَنْ صَدَقْ) يعني: الذي صدق، من: اسمٌ موصولٌ بمعنى: الذي، وصدق: فعلٌ ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على (من)، حينئذٍ نقول صدق: فعل وفاعله، والجملة لا محل لها صلة الموصول، طيب! (من) هنا يحتمل أن يكون بمعنى: الذي، أو: الذين، لماذا قلنا بمعنى: الذي؟ أو يحتمل أن يكون بمعنى: الذين، أليست (من) هذه اسم موصول مشترك، مفرد ومثنى والجمع، متى نقول: هذه بمعنى: الذين، أو بمعنى: اللذين، أو بمعنى: الذين؟ لمَّا أفرد الفاعل مذكر علمنا أن مراده (من) المفرد، إذ لو كان مثنًى لقيل: من صدقا .. من صدقوا بالواو، مثل أن تقول: جاء الذي قام، واللذان قاما، والذين قاموا، كذلك (من) .. جاء من قام .. جاء من قاما .. جاء من قاموا، فتنظر إلى العائد، فإن كان مفرداً حكمت عليه بالإفراد، إلا فيما إذا كان السياق قد يدل على أنه أعاد الضمير على (من) لفظ دون المعنى، وهذا سبق معنا: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ)) [البقرة:8] هنا أعاده على اللفظ مع كون المعنى جمع، لكن لا بد من قرينة أخرى: ((وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)) [البقرة:8]. إذاً: تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ عَطْفُ النَّسَقْ ... كَاخُصُصْ بِوُدِّ وَثَنَاءٍ مَنْ صَدَقْ حَدَّ لنا عطف النسق، ثُمَّ بيَّن لنا الحروف التي يعطف بها، يعني: كأنه فَسَّرَ لنا قوله: (بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) ما هو هذا الحرف؟ لا بد أن يكون توقيفياً، وثَمَّ حروف متفق عليها، وثَمَّ حروف مختلف فيها، والقول هنا كالقول في حروف الجر، يعني: ذكر المعاني التي تُذكر في هذا الباب لا يمكن استقصاؤها، وإنما نذكر الأصول، ومغني اللبيب من أراد التوسع فليرجع إليه، وإلا ثَمَّ مسائل فيها خلاف طويل عريض جداً. (فَالْعَطْفُ) الفاء هذه فاء الفصيحة، كأن سائلاً قال: ما هو هذا الحرف المُتْبِع؟ فقال: (فَالْعَطْفُ مُطْلَقَاً)، فَالْعَطْفُ الفاء: فاء الفصيحة، والْعَطْفُ: مبتدأ وخبره قوله: (بِوَاوٍ) وما عطف عليه، الباء حرف جر، واوٍ أي: مسمى واوٍ، لأن الواو ليست هي حرف عطف، وإنما هي اسمٌ، بدليل دخول الباء عليها: و (بِوَاوٍ) .. والتنوين كذلك، فهي اسمٌ، وإنما لمراد: مسمى الواو، جاء زيد وا .. وه .. وه، هذا هو الذي هو مسمى الواو، أمَّا الواو فهي اسمٌ وليست بحرفٍ.

(بِوَاوٍ) الواو اسمٌ مجرورٌ بالباء، وجره كسرة ظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تقديره كائنٌ .. كائنٌ بالرفع ولا تقول: كائناً أو كائنٍ، إنما تقدره: كائنٌ بالرفع لأنه خبرٌ، والخبر مرفوع، (فَالْعَطْفُ مُطْلَقَاً بِوَاوٍ) كائنٌ بواوٍ، لكن هنا نقول: بواوٍ وما عطف عليه، لأن الخبر هنا مجموع، لأنه أراد أن يبيِّن حروف العطف، العطف كائنٌ بأي شيء؟ ليس بالواو فقط، وما عداها ليس بحرف عطف لا، إنما المراد الواو وما عطف عليه. حينئذٍ نقول: الواو وما عطف عليه خبر المبتدأ، لكن هذا عند بيان الحكم العام، وأمَّا عند التفصيل فتعرب كل واحدةٍ على حدة، فَالْعَطْفُ مُطْلَقَاً بِوَاوٍ .. فالعطف بواوٍ مُطلقاً، كائنٌ بواوٍ مُطلقاً، مُطْلَقَاً: هذا حال من الضمير المستتر في متعلَّق الجار والمجرور، التركيب هكذا: فالعطف كائنٌ مُطلقاً بواوٍ .. كائنٌ بواوٍ مُطلقاً .. حال كونه مطلق، والمراد بالإطلاق هنا في اللفظ والمعنى، بمعنى: أن الحرف يُشرِّك، ما قبله في المعنى، يعني: معنى العامل، وفي اللفظ الذي هو الحكم الإعراب: الرفع والنصب والخفض، فإذا قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ، الواو هنا اقتضت ثلاثة أحكام، أو حكمين؟ الواو هنا شَرَّكت ما بعدها فيما قبلها في المعنى، ما المراد بالمعنى؟ يعني: معنى العامل، أليس الفاعل الذي عُطف عليه في عمرو، أليس هو متصف بالمجيء في الزمن الماضي؟ بلى، هو هذا المعنى، فإذا قيل: جاء زيدٌ، زيدٌ: موصوفٌ بكونه وقع منه مجيءٌ في الزمن الماضي، هذا معنى السابق، إذا قيل: وعمروٌ، الواو شَرَّكت عمرو مع زيد في المعنى الذي ثبت له وهو المجيء في الزمن الماضي، هذا المراد به في المعنى. ثُمَّ في الإعراب، إذا كان ما قبله مرفوع شَرَّكت ما بعده في الرفع، وإذا كان ما بعده منصوباً شَرَّكته في النصب، وهكذا في الخفض، إذاً: تشريكٌ في المعنى وفي الحكم، هذا المراد بقوله: (مُطْلَقَاً) لأن بعض الحروف تُشَرِّك ما بعدها فيما قبلها في الإعراب فحسب، وأمَّا الحكم لا، إمَّا أن يكون مسكوتاً عنه كما هو الشأن في بعض أحوال (بل) وأمَّا أن يكون ثابتاً له نقيض ما قبل، ولذلك قال: (وَأَتْبَعَتْ لَفْظَاً فَحَسْبُ بَلْ) هذا مقابل لقوله: (مُطْلَقاً) يُفسِّره. إذاً: قَسَّم لك الحروف إلى قسمين: عطف مُطلقاً بمعنى: أن هذا الحرف شَرَّك ما بعده فيما قبله في الحكم، وهو الإعراب، والذي عبر عنه باللفظ رفعاً ونصباً وخفضاً، وفي المعنى بمعنى: أنه يثبت لما بعد الحرف ما ثبت لما قبل الحرف، وهو مقتضى العامل السابق. (وَأَتْبَعَتْ لَفْظَاً فَحَسْبُ) يعني: فقط دون المعنى (بِواوٍ ثُمَّ فَا) يعني: بواوٍ وثُم على إسقاط حرف العطف، و (فَا وحَتَّى أَمَ اوْ) أصلها: أمْ أَو .. أمْ: بإسكان الميم وأو، وكل همزةٍ في حرفٍ فهي همزة قطع إلا همزة واحدة اختلفوا فيها: همزة (أل) هل هي همزة قطع أم همزة وصل؟ على الخلاف السابق، وأمَّا ما عداها فهو متفقٌ عليه أن همزته همزة قطع، إذاً: هنا أسقطها الناظم لضرورة النظم، وهكذا تقرؤها: أَمَوْ .. (أَمَ اوْ)، (كَفِيْكَ صِدْقٌ وَوَفَا) كَفِيْكَ يعني: كقولك: فيك صدقٌ ووفاء.

من يعربه تفصيلاً ليس اختصاراً؟ نقول: هو في مقام التعليم الطالب ما يختصر، لا يقول: جاء فعل وفاعل، هذا المنتهي يُعرِب هكذا، لكن تقول: جاء فعل ماضي إلى آخره. ؟؟؟ إنما نقول: وفاءٌ هذا الأصل ووفاء، حينئذٍ نقول: الضمة الأصل أن تكون ظاهرة على الهمزة المحذوفة ضرورةً، لأنه: ووفاءٌ. (كَفِيْكَ صِدْقٌ وَوَفَا) إذاً: ذكر في هذا البيت ستة أحرف، فهذه الستة الأحرف تُشرِّك بين التابع والمتبوع لفظاً ومعنىً، وهذا المراد بقوله: (مُطْلَقاً) فعرفنا المراد التشريك في اللفظ أو في الحكم، يعني: في الإعراب، يكون ما بعده مرفوع كشأن سابقه، وفي المعنى يعني: يثبت لما بعد الواو مثلاً من المعنى ما ثبت لما قبل الواو، يعني: معنى العامل يثبت لما بعد الواو. قال الشارح هنا: " حروف العطف على قسمين " هذا يأتي. وَأَتْبَعَتْ لَفْظَاً فَحَسْبُ بَلْ وَلاَ ... لَكِنْ كَلَمْ يَبْدُ امْرُؤٌ لَكِنْ طَلاَ وَأَتْبَعَتْ بَلْ لَفْظَاً، أتبعت ما بعدها لما قبلها، لأنه يقول: (بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) إذاً: أتبعت (بل) بل: هذا فاعل، وأتبع فعلٌ ماضي مبنيٌ على الفتح، والتاء تاء التأنيث .. حرفٌ مبنيٌ على السكون لا محل له من الإعراب، (لَفْظاً) هذا تمييز، يعني: من جهة اللفظ، أو منصوب بنزع الخافض، دائماً مثل هذا يُجوِّز فيه النحاة وجهين، لكن كونه تمييزاً أولى، لماذا؟ لأن النصب بنزع الخافض مسموع، ولا يُجوَّز مُطلقاً بهذا الإطلاق، وإن توسع النحاة وغيرهم في الإعراب أو في الكلام به، أو في تجويزه، لكن إذا قرروا مسألة على جهة التأصيل حكموا عليه بأنه سماعي: (نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ) كما سبق معنا. إذاً: (لَفْظاً) نقول: يجوز فيه وجهان: تمييزه أولى، يعني: وأتبعت من جهة اللفظ، حينئذٍ صار التقييد هنا له مفهوم .. صار وصفاً، فإذا قال: (لَفْظَاً) يعني: مراده في الحكم، بمعنى: أن ما بعده يأخذ حكم ما قبله في الإعراب، لأنه لم يكن عطف نسق إلا من أجل هذا، كل الحروف التسعة الآتية كلها تُشرِّك ما بعدها فيما قبلها في الإعراب، ولكن انفردت هذه عن السابقة الستة لكونها تُشرِّك في اللفظ فقط، وأمَّا المعنى فلا، يعني: معنى العامل السابق للحرف لا يُعطى بما بعد (بل) و (لا) و (لكن).

(وَأَتْبَعَتْ لَفْظاً فَحسْبُ) الفاء هذه زائدة لتزيين اللفظ كما سبق، وحسب بمعنى: قط، بقية حروف العطف، (بَلْ) هذا فاعل أتبعت و (لاَ) معطوف عليه (لَكِنْ) على إسقاط العاطف يعني: ولكن، (كَلَمْ يَبْدُ امْرُؤٌ لَكِنْ طَلاَ)، كَلَمْ يَبْدُ يعني: كقولك، حينئذٍ صارت الكاف جارَّةً لقول محذوف، لَمْ: حرف نفيٍ وجزمٍ وقلب، مبني على السكون لا محل له من الإعراب، (يَبْدُ) فعل مضارع مجزومٌ بلم، وجزمه حذف حرف العلة الواو، لأنه من بدا يبدو كـ: دعا يدعو، مثله: لم يدع، حينئذٍ (يَبْدُ) نقول: هذا فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم، وجزمه حذف حرف العلة وهو الواو، والفاعل (امْرُؤٌ) .. فاعل مرفوع بـ: يبدو، فاعلٌ مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، (لَكِنْ) حرف عطف مبنيٌ على السكون لا محل له من الإعراب، (لَكِنْ طَلاَ) بفتح الطاء مقصوراً، هو نفسه مقصور طلا الولد من ذوات الظلف، وقيل: ولد بقر الوحش فقط، يعني: مختلف فيه. إذاً: (لَكِنْ طَلاَ)، طَلاَ: هذا معطوف على (امْرُؤٌ) والمعطوف على المرفوع مرفوع، إذاً: شَرَّكت ما بعدها فيما قبلها في الرفع، وسيأتي من أحكام الباب: قد يكون العطف محلاً، وقد يكون تقديراً، وقد يكون لفظاً. (طَلاَ) نقول: هذا مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، لأنه كفتى، فتى: حركته مُقدَّرة، (طَلاَ) مثله، وهو معطوف على (امْرُؤٌ) إذاً: الضَمَّة مُقدَّرة على آخره، لَمْ يَبْدُ امْرُؤٌ: لم يظهر، هذا نفيٌ للبداء عنه وهو الظهور، (لَكِنْ طَلاَ) يعني: لكن ظهر طلا، أو الظاهر طلا، إذاً شَرَّكَتْه في اللفظ دون المعنى، لأن ما قبل (لكن) وهو امرؤٌ الحكم منفيٌ عنه، وما بعد (لكن) وهو طلا الحكم ثابتٌ له، فالذي نُفي أولاً أثبت ثانياً لما بعد (لكن)، إذاً: شَرَّكَت بينهما في الإعراب فحسب، وهذا مراده بقوله: (وَأَتْبَعَتْ لَفْظاً فَحسْبُ بلْ) فقط يعني، وأمَّا في المعنى فلا، هذا يختلف، لكن هو مثَّل بـ (لكن) دون (بل) و (لا) وسيأتي البحث فيها على جهة التفصيل، والمراد هنا الإشارة إلى أن (لكن) أثبتت لما بعدها ما قبلها في الإعراب فحسب لفظاً، وأمَّا في المعنى فيختلفان. قال الشارح: " حروف العطف على قسمين: أحدهما: ما يُشرِّك المعطوف مع المعطوف عليه مُطلقاً، أي: لفظاً وحكماً " حكماً عبر به هنا عن المعنى، وإن كان الكثير يقول: لفظاً ومعنىً، وقد يطلق الحكم كذلك على اللفظ، لكن المقصود في اللفظ أن يكون الإعراب، وفي المعنى أن يكون المعنى الثابت لما قبل الحرف، وهي الواو نحو: جاء زيدٌ وعمروٌ، وثُم نحو: جاء زيدٌ ثُم عمروٌ، والفاء: جاء زيدٌ فعمروٌ، وحتى: قدم الحجاج حتى المشاة، وأم: أزيد عندك أم عمروٌ؟ وأو نحو: جاء زيدٌ أو عمروٌ؟ هذه كلها الحروف الستة شَرَّكت ما بعدها ما قبلها في الإعراب وفي المعنى.

" والثاني: ما يُشرِّك لفظاً فقط لا معنىً " وهو المراد بقوله: (وَأَتْبَعَتْ لَفْظاً فَحسْبُ بَلْ وَلاَ لَكِنْ) هذه الثلاثة تُشرِّك الثاني مع الأول في إعرابه لا في حكمه، يعني: لا في معناه، نحو: ما قام زيدٌ بل عمروٌ، عمروٌ هو القائم، وزيدٌ منفيٌ عنه القيام، إذاً: أثبتت لما بعدها نقيض ما قبلها، أثبتت القيام لعمرو ونفته عن زيد لما سبق، لأنها لا تكون بعد نفيٍ، وجاء زيدٌ لا عمروٌ، فالجائي زيدٌ دون عمرو، جاء زيدٌ لا عمروٌ: لا هنا أثبتت لما بعدها حكم ما قبلها في الإعراب، ونفت المعنى عنه، ولا تضرب زيداً لكن عمراً، يعني: اضرب عمراً، عمراً مضروب .. مأمورٌ بضربه، وزيداً: منهي عن ضربه. إذاً: هذه الأحرف الثلاثة تُشرِّك ما بعدها ما قبلها في الإعراب فحسب، وأمَّا في الحكم الذي هو المعنى فلا. تكون هذه الحروف التي ذكرها الناظم هنا في البيتين تسعة: ستة في الأول، وثلاثة في الثاني، وثَمَّ أربعة أو خمسة أحرف مذكورة في المغني فليرجع إليها. حروف العطف المذكورة تسعةٌ، وهي ثلاثة أقسام، وإن كان المشهور أنها على قسمين على ما ذكره الشارح: - ما يُشرِّك في اللفظ فقط دائماً، وهو ثلاثة: (بل) و (لكن) و (لا) لاختلاف المتعاطفين فيها بالإثبات والنفي، المعطوف والمعطوف عليه يختلفان في الإثبات والنفي كما سبق: جاء زيدٌ لا عمروٌ، جاء زيدٌ مثبت له المجيء، لا عمروٌ منفيٌ عنه المجيء، إذ ما قبل (بل) و (لكن) منفي، وما بعدهما مثبت، و (لا) بالعكس كما سيأتي تفصيله. - وما يُشرِّك لفظاً ومعنىً دائماً، وهو أربعة: (الواو) و (الفاء) و (ثم) و (حتى). - وما يُشرِّك لفظاً فقط تارةً، ولفظاً ومعنىً تارةً أخرى، وهو: (أم) و (أو)، (أم) و (أو) مختلف فيها، هو ذكرها الناظم مع القسم الأول، وهو: (فَالْعَطْفُ مُطْلَقاً) يعني: ما يُشرِّك لفظاً ومعنىً مُطلقاً في كل تركيب، لكن (أم) و (أو) فيه نوع خلاف، لكنه في غير الغالب لا تكون مُشرِّكةً في اللفظ والمعنى، والناظم لم يراع هذه القلة، ولذلك حكم عليها بما حكم على (الواو) و (حتى) و (ثم) و (الفاء)، هذه دائماً في كل تركيب مُشرِّكة لما بعدها ما قبلها في اللفظ وفي المعنى، أمَّا (أو) و (أم) الغالب الكثير أنها مثل (الواو) ومن غير الغالب أنها لا تُشرِّك. حينئذٍ الناظم لا إشكال بأنه راعى الكثرة وهي التي يؤصل عليها فحكم على (أم) و (أو) بأنها تُشرِّك ما بعدها ما قبلها في اللفظ والمعنى. (أم) و (أو) أكثر النحاة على أنهما يُشرِّكان في اللفظ لا في المعنى، ونسبته لأكثر النحاة كما ذكرناه سابقاً، كثيراً ما ينسب شيء لأكثر النحاة يكون فيه نزاع. (أم) و (أو) وأكثر النحاة على أنهما يُشرِّكان في اللفظ لا في المعنى، وصحح الصبَّان أنهما يُشرِّكان لفظاً ومعنىً ما لم يقتضيا إضراباً، يعني: (أم) و (أو) كما سيأتي (أو) أنها تأتي للإضراب، و (أم) تأتي منقطعة: (وَبِانْقِطَاعٍ وَبِمَعْنَى "بَلْ").

(أم) المنقطعة، و (أو) الإضرابية، إذاً: يُشرِّكان في اللفظ والمعنى ما لم يستعملا في معنى الإضراب، وإذا استعملا في معنى الإضراب حينئذٍ قال هنا: (وَأَتْبَعَتْ لَفْظاً فَحَسْبُ بلْ) (بل) هذه تأتي للإضراب، ولذلك ضبط (أم) المنقطعة بأنها بمعنى: (بل) وَبِانْقِطَاعٍ وَبِمَعْنَى "بَلْ"، إذاً: (أم) تأتي بمعنى: (بل)، وهو قد ذكرها في المُشرِّكة في اللفظ والمعنى، ثم تأتي بمعنى: (بل)، و (بل) تُشرِّك في اللفظ لا في المعنى، إذاً: قد يكون ثَمَّ اعتراض على الناظم بهذا، لكنه راعى الأكثر والمشتهر في: (أم) أنها إذا أطلقت انصرفت إلى المتصلة، وهي المعادلة كما سيأتي. إذاً: والصحيح أنهما يُشرِّكان لفظاً ومعنىً ما لم يقتضيا إضراباً، فإنهما حينئذٍ يُشرِّكان في اللفظ فقط، لأنهما بمعنى: (بل) و (بل) إنما تُشرِّك في اللفظ فقط. إذاً: (أم) و (أو) فيهما تفصيل: إذا كانتا بمعنى: (بل) أخذت حكم (بل) في أنهما يُشرِّكان في اللفظ وحسب، وإذا لم يكونا بمعنى: (بل) رجعنا إلى الأصل الذي أطلقه الناظم هنا، وهو الكثير الغالب. لأن القائل: أزيدٌ في الدار أم عمروٌ .. إذا قال قائل: أزيدٌ في الدار أم عمروٌ هل فيه تَشرِيك أم لا؟ هو عالمٌ قاطع بأن أحدهما موجود، ولكن الذي أشكل عليه تعيين الموجود، إذاً: سوى بينهما في الوجود في الدار، (أم) هنا سَوَّت بينهما، لو قيل: أزيدٌ في الدار أم عمروٌ، ثَمَ تسوية بينهما .. تَشرِيك، ما بعد (أم) مشاركٌ لما قبلها في كونه موجوداً في الدار أو لا؟ وهو قاطعٌ بأن واحداً منهما في الدار، ولكن التعيين هو الذي يحتاجه جواباً لسؤاله، ولذلك في مثل هذا التركيب لا يُجاب: نعم أو لا، وإنما يقال: زيد .. عينته، عمرو .. إذاً: عينته، عينته بكونه هو الكائن في الدار، مع تجويز أن يكون الثاني كائناً في الدار. إذا قيل: أزيدٌ في الدار أم عمروٌ؟ القائل عالمٌ بأن الذي في الدار أحد المذكورين لا بد، وغير عالمٍ بتعيينه وهذا واضح، فالذي بعد (أم) مساوٍ للذي قبلها في الصلاحية لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه وحصول المساواة إنما هو بأم، هذا كلامٌ نفيسٌ للصبَّان، وهو: أن (أم) حصل بها تسوية، ما بعدها لما قبلها، في كون كلٍ منهما صالحٌ لأن يكون مستقراً في الدار، وهذا هو المعنى، نحن الآن لا نتحدث عن إعراب، الإعراب واضحٌ بيِّن، وأمَّا المعنى فنقول: (أم) شَرَّكت ما بعدها فيما قبلها في المعنى، ما هو المعنى؟ صلاحية كل واحدٍ من المذكورين بعد (أم) وقبل (أم) أن يكونا هو الذي استقر في الدار، وهذا هو التشريك المعنوي، وليس فيه أزْيَدُ من هذا، كلام جميل! وكذلك: (أو) مُشرِّكة لما قبلها وما بعدها فيما يُجاء به لأجله من شكٍ أو غيره، وهذا واضح بيِّن: تعلم النحو أو الفقه، كلٌ منهما يشتركان في معنى، وهو: صلاحية أن يكون مطلوباً في العلم الشرعي أو غيره، حينئذٍ نقول: (أو) هنا شركت ما بعدها فيما قبلها في صلاحية أن يكون مطلوباً العلم به.

وأمَّا إذا اقتضيا إضراباً فإنهما يُشرِّكان في اللفظ فقط، وهذا واضحٌ بيِّن لماذا؟ لأنهما بمعنى: (بل) وتقرر أن (بل) إنما تكون للتشريك اللفظي فحسب دون المعنى، وإنما لم ينبه عليه الناظم لأنه قليل، يعني: لماذا الناظم لم يجعل (أم) و (أو) مع (بل) و (لكن) و (لا)؟ نقول: جعل النوعين مع الكثير الغالب، وأمَّا مجيء (أم) و (أو) للإضراب هذا مختلفٌ فيه، يعني: حتى (أو) فيه خلاف بين النحاة: هل تأتي للإضراب أم لا؟ كما سيأتي. فجعلهما الناظم مما يُشرِّك في اللفظ والمعنى باعتبار أن ما قبلها وما بعدها مستوٍ في المعنى الذي سيقا له من شكٍ وغيره، إذاً: وضح عندنا أن (أم) و (أو) يكونان لتشريك ما بعدهما لما قبلهما في المعنى، سواءٌ كانت (أم) في التسوية، أو (أو) في المعاني التي سيقت لها، وهي السبعة الآتي ذكرها. ثم شرع في بيان معاني الحروف. إذاً: عدَّها أولاً، ثم فصَّل: فَاعْطِفْ بِوَاوٍ سَابِقاً أَوْ لاَحِقَاً ... فِي الْحُكْمِ أَوْ مُصَاحِباً مُوَافِقَاً (فاعْطِفْ) الفاء .. ما نوع الفاء؟ التفريع .. طيب! الآن إذا قال: فَالْعَطْفُ مُطْلَقَاً بِوَاوٍ عدَّها .. عَدَّ لنا الحروف التسعة، هل يتفرع على ذلك ذكر المعاني؟ يحتمل .. هل بعد ذكر الحروف التسعة .. هل يتصور أن سائلاً يسأل: ما معاني هذه الحروف التسعة؟ أيهما أقرب؟ الثاني. إذاً: كلٌ منهما جائز، لكن التفريع فيه بعد، لأن الأصل في التفريع: أن ما بعدها يكون فرعاً، وذاك أصل، يعني: يكون بينهما علاقة ارتباط لا من جهة تفصيل المعاني، وإنما من جهة كون ما بعد الفاء مُفرَّعاً على ما قبله، بمعنى: أن وجوده بوجود أصله، هذا الأصل في التفريع، وهنا يمكن لكن على تأويل. (فَاعْطِفْ بِوَاوٍ) فَاعْطِفْ يعني: جوازاً، لا يجب أنك إذا عطفت إنما تعطف بالواو دون غيرها لا، إنما المراد فاعطف، يُباح لك العطف بالواو: لاحقاً أو سابقاً أو مصاحباً في الحكم، (فَاعْطِفْ) فعل أمر مبنيٌ على السكون لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، و (بِوَاوٍ) جار ومجرور متعلقاً بقوله: اعطف، (لاَحِقاً) انظر بواوٍ هذا فيه معنى التخصيص. (فَاعْطِفْ بِوَاوٍ) يعني: لا بغيرها، لأنه خَصَّ، إذا قيد العامل بجار ومجرور فهو يعتبر من المخصصات. (لاَحِقاً) مفعولٌ به لاعطف، (أَوْ) للتنويع، (سَابِقاً .. أَوْ مُصَاحِباً) (سَابِقاً) معطوف على لاَحِقاً، ومُصَاحِباً: معطوفٌ على (لاَحِقاً)، و (فِي الحُكْمِ) جار ومجرور متعلق بسابقاً أو بلاحقاً أو مصاحباً على قول، من يرى أنه إذا تَوسَّط الاسم بين المعمولات جاز أن يكون من باب التنازع، والصحيح قلنا: لا، إنما التنازع هنا يكون في ماذا؟ (لاَحِقاً أَوْ سَابِقاً فِي الحُكْمِ) في الحكم تنازع فيه لاحقاً أو سابقاً، ومصاحباً هذا يحتاج إلى تقدير. نقف على هذا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

93

عناصر الدرس * تتمة معاني حروف العطف (الغاء , ثم , حتى) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: وقفنا عند قول الناظم - رحمه الله تعالى -: فَاعْطِفْ بِوَاوٍ لاَحِقَاً أَوْ سَابِقَاً ... فِي الحُكْمِ أَوْ مُصَاحِبَاً مُوَافِقَاً أراد في هذا البيت أن يبيِّن لنا معنى الواو .. واو العطف، ماذا تقتضي؟ حكي الإجماع على أنها للمعية مطلق المعية، وهي التي أرادها بقوله: (لاَحِقاً أَوْ سَابِقَاً أَوْ مُصَاحِبَاً). الفاء هذه (فَاعْطِفْ) قلنا: فاء الفصيحة، و (بِوَاوٍ) مُتعلِّقٌ به، (فَاعْطِفْ بِوَاوٍ لاَحِقَاً) هذا أيضاً قيدٌ لـ: (فاعْطِفْ) لأن المفعول به .. المعمولات سواءٌ كانت مرفوعة أو منصوبة أو مخفوضة مكملات ومقيدات للعوامل، يعني: اعطف بواوٍ لا بغيرها، اعطف بواوٍ ماذا؟ قال: (لاَحِقَاً)، لاَحِق هذا اسم مفعول، وهو مفعولٌ به لقوله (اعْطِفْ): اعطف أنت لاحقاً، (أَوْ) للتنويع، (سَابِقَاً) هذا النوع الثاني، (أَوْ مُصاحِباً) (أَوْ) للتنويع أيضاً، و (مُصَاحِباً) معطوف على قوله: (لاَحِقاً) وكلٌ منها .. الثلاثة اسم فاعل، لاحق: اسم فاعل .. سابق .. مصاحب، كلها اسم فاعل، اسم الفاعل يعمل. وقوله: (فِي الحُكْمِ) جار ومجرور تنازع فيه العاملان السابقان، وهما: (لاَحِقاً أَوْ سابقاً) يعني: كلٌ منهما يطلبه على أنه معمولٌ له، حينئذٍ نُعْمِل الثاني لقربه، وهو: (فِي الحُكْمِ) ونقول: فِي الحُكْم مُتعلِّق بقوله: (سَابِق) طيب! لاحقاً هذا نُقدِّر له ثُمَّ نَحذفه؛ لأنه فَضْلة ليس بعمدة، فنقول: (لاَحِقاً) هذا مفعولٌ به حُذِفَ معموله .. هكذا عند الإعراب، أو حذف متعلقه وهو قوله: (فِي الحُكْمِ) لدلالة ما بعده عليه، وهو قوله: (فِي الحُكْمِ) وهذا تقرير ما سبق معنا في باب التنازع، على رأي من يرى أنه لا بأس أن يقع الاسم المتنازع فيه بين العوامل، حينئذٍ نقول: تنازع (فِي الحُكْمِ) ثلاثة عوامل: (لاَحِقاً أَوْ سَابِقاً أَوْ مُصَاحِباً). فـ: (سَابِقاً) عُلِّقَ به في الحكم، وأضمر في الأول ثُمَّ حُذِف، (أَوْ مُصَاحِباً) إمَّا أن يكون من باب التنازع، أو أن يكون معطوفاً على لاحقاً وحذف معموله، لا لكونه متنازعاً فيه، وإنما اكتفاءً بما سبق من قوله: (في الحُكْمِ) يعني: حُذف من الثاني لدلالة الأول عليه، حينئذٍ مُصَاحِباً هذا: إمَّا أن يكون مُنازعاً لـ: (لاَحِقاً) أو سَابِقاً لقوله: (في الحُكْمِ) الجار والمجرور، وإمَّا أن يكون منفكاً، والثاني أصح، لماذا؟

لأن (سَابِقاً فِي الحُكْمِ أَوْ مُصَاحِباً) كقولك: ضربتُ زيداً وأهنتُ، قلنا: هذا ليس من باب التنازع، فزيداً يكون مفعولاً به لقوله: ضربت، ونُقدِّر للثاني: أهنت زيداً، فحذف من الثاني لا لكونه منازعاً للأول فأعطي الأول الاسم الظاهر لا، وإنما نقول: ضربت زيداً: فعل وفاعل ومفعولٌ به، وأهنت: هذا فعل وفاعل حذف مفعوله لدلالة ما قبله عليه، هذا مثله: (سَابِقاً في الحُكْمِ أَوْ مُصَاحِباً) حينئذٍ تَجويز بعضهم كالصبَّان وغيره: أن يكون مُصَاحِباً كذلك منازع فيه نظر، بل الصواب: أن التنازع إنما يكون بالسابقين، وهذا ما قرره ابن مالك فيما سبق: (إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ قَبْلُ). إذاً: يشترط في التنازع: أن يكون العاملان سابقين، فإن توسط بينهما خرجا من باب التنازع، إن تأخرا خرجا من باب التنازع، فالذي تأخر خرج من باب التنازع، والذي تَقدَّم فالحكم باقٍ له. (فَاعْطِفْ بِواوٍ لاَحِقاً) يعني: أن يكون ما بعده لاحقاً وتابعاً في الوجود لما قبله، تقول: جاء زيدٌ وعمرو بعده، هذا لاحق عمرو معطوفٌ على زيد وهو بعده، تقول: جاء زيدٌ وعمروٌ بعده، (أَوْ سَابِقاً) جاء زيدٌ وعمروٌ قبله، إذاً: عطفت عمرو وهو سابق على زيد في المجيء، أيهما جاء أولاً؟ جاء زيدٌ وعمروٌ قبله، (أَوْ مُصاحِباً) جاء زيدٌ وعمروٌ معه، الواو هنا عطفت عمراً على زيد، وهو مصاحبٌ لما قبله، هذا فيما إذا نُصَّ، يعني: إذا جاءت قرينة ظاهرة واضحة بينة، حينئذٍ نَحمل ما بعد الواو على أحد هذه المعاني الثلاث. إمَّا أن يكون لاحقاً بأن يكون ما بعد الواو وصف بالعامل .. مقتضى العامل بعدما وصف به ما قبل الواو: جاء زيدٌ، اتصف زيدٌ بالمجيء، وعمروٌ بعده، عمروٌ: معطوفٌ على زيد، متى جاء؟ بعد زيد، إذاً: وصف الأول بمضمون العامل وهو المجيء، ثم بينهما زمن أو فترة أو دون ذلك، فُوصف ما بعد الواو بما قبل الواو. (أَوْ سَابِقاً) عكس الأول، جاء زيدٌ وعمروٌ قبله، فالسابق في المجيء هو عمرو، وقد وقع بعد الواو، إذاً: عُطِف بها سابق على لاحق. (أَوْ مُصَاحِباً) يعني بمعنى: المعية. ومن الأول قوله تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ)) [الحديد:26] هذا لاحق، نوح قبل إبراهيم، وإبراهيم لاحق، ونوح أول الرسل. ومن الثاني وهو السابق: ((كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ)) [الشورى:3] يوحى إليك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خاتم الرسل، ((وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ)) [الشورى:3] الواو حرف عطف، عطفت السابق على اللاحق، وهذا واضح بيِّن، ... ((فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ)) [العنكبوت:15] الواو هنا للمصاحبة. (أَوْ مُصَاحِباً مُوَافِقَاً) موافقاً له .. متابعاً له: هذا صفة لمصاحباً.

إذاً: الواو نقول: هي لمطلق الجمع عند البصريين، سواءٌ عُبِّر مطلق الجمع أو الجمع المطلق فالمعنى واحد لا فرق بينهما على المشهور عند النحاة، فإذا قلت: جاء زيدٌ وعمروٌ، الواو: حرف عطف، وعمروٌ: معطوف على زيد، ماذا تفيد هذه الواو؟ تدل على مطلق الجمع فقط .. الاجتماع، ثُمَّ الاجتماع هذا يُفَسَّر إمَّا بسابق أو لاحق أو معه، وهذا يحتاج إلى قرينة خارجة عن معنى الواو، أمَّا الواو تدل على أن عمرو وزيد اجتمعا في هذا الوصف وهو المجيء، وما عداه فنحتاج إلى قرينة، مع ترجيحٍ لبعض المعاني على بعض من حيث الأكثرية. جاء زيدٌ وعمروٌ: دل ذلك على اجتماعهما في نسبة المجيء إليهما فقط، هذا المراد بالواو: مطلق الجمع، يعني: مطلق الجمع، الجمع غير المقيد، لأننا إذا قلنا: لاحق، قيدنا الجمع، وإذا قلنا: سابق، قيدنا الجمع، وإذا قلنا: مصاحب، قيدنا الجمع لا، نقول: الواو لمطلق الجمع، الجمع المطلق عن القيد بكونه مصاحباً أو لاحقاً أو سابقاً. حينئذٍ إذا قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ، لا يُفهم منهما .. لا يفهم من الواو: أيُّ أحدهما أسبق؟ لا يفهم، يحتمل أن يكون زيد، الترتيب الظاهر هو المراد جاء زيدٌ وعمروٌ، زيدٌ جاء قبل عمرو يحتمل، ويحتمل العكس، ويحتمل أنهما جاءا معاً، واحتمل كون عمروٍ جاء بعد زيد، أو جاء قبله، أو جاء مصاحباً له، وإنما يَتبيِّن ذلك بالقرينة، كالمعية في قوله تعالى: ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)) [البقرة:127] الواو هنا للمعية والمصاحبة، علمناها من خارجٍِ ليس من اللفظ، وإنما جاء في السابق .. القرآن أو في السنة ما يُفَسِّر أن إسماعيل كان يرفع البيت مع إبراهيم عليه السلام، حينئذٍ نستفيد من هذه القصة الخارجة عن مجرد النص المذكور معنا، بأن الواو هنا للمصاحبة. إذاً: استفدنا المعية بقرينة: ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)) [البقرة:127] إسماعيلُ: بالرفع معطوفاً على إبراهيم، إذاً: الواو هنا للمصاحبة بدليلٍ أو بقرينةٍ خارجة. والترتيب في قوله: ((إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا)) [الزلزلة: 1 - 3] الواو هنا للترتيب، لأن هذه الوقائع إنما تحصل مرتبةً كما جاء في السنة، وكذلك عكس الترتيب الذي هو قوله: سابقاً على لاحقٍ، في قوله تعالى: ((مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)) [الجاثية:24] عكس الترتيب، نموت ونحيا .. نحيا ونموت، حينئذٍ: نموت ونحيا عطفت السابق على اللاحق، نحيا ونموت هذا الأصل، سيأتي مزيد بيان. إذاً نقول: لمطلق الجمع عند البصريين الواو، وحكي الإجماع على ذلك، زعمه السيرافي وغيره، أن إجماع النحاة على أن الواو لمطلق الجمع، والمراد بمطلق الجمع: أنه لا يُقيِّد بقيدٍ من القيود الثلاثة التي ذكرناها.

إذاً: لمطلق الجمع والجمع المقيد، فذِكر المطلق ليس للتقييد بالإطلاق، بل لبيان الإطلاق، فلا فرق بين العبارتين كما ذكرناه سابقاً، والمراد بالجمع هنا في مقتضى الواو، يعني: ماذا تفيد؟ المراد الاجتماع في الحصول في عطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وفي نسبة العامل إلى المتعاطفين أو المتعاطفات في غير ذلك لا الاجتماع في زمانٍ أو مكان، يعني إذا قيل: اجتماع، ماذا تفيد هذه الكلمة: لمطلق الجمع، هل تفيد الاجتماع في زمنٍ مُعيَّن، أو تفيد الاجتماع في مكانٍ مُعيَّن، أو مطلق عن هذا ولا ذاك؟ نقول: الثاني، وإنما تدل على أن العامل الذي عطف عليه، وهو العامل فيما بعد الواو مثلاً نقول: شُرِّك بينهما في النسبة، فكما أنه نُسِبَ المجيء إلى زيد المعطوف عليه، كذلك نُسِبَ ما بعد الواو إلى المجيء الذي هو الأصل في العمل، فحينئذٍ نقول: جاء زيدٌ وعمروٌ، الواو شَرَّكت في النسبة، ما هي النسبة؟ نسبة العامل إلى الفاعل: جاء زيدٌ، هنا نسبة بينهما، وهو إثبات المجيء لزيد في الزمن الماضي، حينئذٍ وعمرو الواو شَرَّكت ما بعدها في نسبة العامل للمعمول السابق، هذا المراد .. الاجتماع، وكذلك في الجمل. إذاً المراد بالجمع: الاجتماع في الحصول .. في عطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب: قام زيدٌ وخرج عمروٌ، أفادت الجمع، ما المراد بالجمع هنا في الجمل: قام زيدٌ وخرج عمروٌ؟ حصول قيام زيد وحصول خروج عمرو، الحصول فقط، هذا الاجتماع .. هذا الجمع المراد به في العطف، وأمَّا في المفردات فالتشريك يحصل في مدلول العامل الذي ثبت لما قبل الواو يحصل كذلك لما بعد الواو، إذاً: فرقٌ بين عطف المفردات وبين عطف الجمل: عطف الجمل: ما بعد الواو يُشرِّك ما قبله في مجرد الحصول، كلٌ منهما حاصل، إذاً: اجتمعا في مطلق الحصول، وكذلك فيما إذا كان لها محلٌ من الإعراب شَرَّكته في المحل، فالمعطوف على الجملة الواقعة حالاً، كذلك يكون محلها النصب، وأمَّا من حيث المعنى حينئذٍ نقول: المراد به مطلق الحصول، وأمَّا في المفردات فكما أنها تُشرِّك في الإعراب كذلك تُشرِّك في النسبة، وفي نسبة العامل إلى المتعاطفين أو المتعاطفات في غير ذلك، لا الاجتماع في زمانٍ أو مكان. إذاً: عرفنا أن الواو لمطلق الجمع، وهذا هو مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أنها للترتيب، بمعنى: أن ما بعدها مؤخرٌ عما قبلها، يعني: تفيد ما تفيده الفاء وثُم من حيث: أن ما بعدها قد وجد بعد ما قبلها: جاء زيدٌ فعمروٌ، دلت الفاء على الترتيب، يعني: مجيء عمرو بعد مجيء زيد، عند الكوفيين: أن الواو للترتيب كذلك.

ورُدَّ بقوله تعالى: ((إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)) [المؤمنون:37] هؤلاء المنكرون للبعث نَمُوتُ وَنَحْيَا، نَمُوتُ وَنَحْيَا لو كانت للترتيب: الحياة كائنةٌ بعد الموت، إذاً: أنكروا البعث أو أثبتوه؟ أثبتوه، وحكا الله تعالى قولهم بناءً على أنهم ينكرون البعث، إذاً: موتٌ ولا حياة، فلو كانت للترتيب حينئذٍ نموت ونحيا، نموت أولاً وبعد ذلك تقع الحياة وتحصل، إذاً: هذا إثباتٌ للبعث، ولذلك قال هنا: ورُدَّ بقوله تعالى، يعني: القول بأنها للترتيب رُدَّ بقوله: ((إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا)) [المؤمنون:37] إذ لو كانت الواو للترتيب لكان اعترافاً بالموت بعد الحياة. فأجابوا تأويلاً لهذه الآية: بأن المراد -نموت ونحيا- المراد به: يموت كبارنا وتولد صغارنا فنحيا، هذا تأويل بعيد! ومن أوضح ما يرد عليهم قول العرب: اختصم زيدٌ وعمروٌ، اختصم على وزن: افتعل، وفاعله اثنان، لأنه يقتضي المشاركة افتعل وتفاعل، واتفقوا على أن الثاني في باب افتعل وتفاعل لا يعطف بـ (الفاء) و (ثُم) لأنهما للترتيب، هذا محل وفاقٍ بين البصريين والكوفيين: أن في باب اختصما، يُقال: اختصم زيدٌ وعمروٌ، إذ لا يقال: اختصم زيدٌ، لأن باب افتعل الذي يدل على المشاركة، وكذلك باب تفاعل: تشارك وتضارب وتقاتل، يقتضي أن يقع الفعل بين اثنين، تشارك زيد وعمرو .. تضارب زيد وعمرو. هل يصح أن يُقال: تضارب زيدٌ فعمروٌ؟ لا يصح، لأن (الفاء) هنا للترتيب، هل يصح أن يُقال: تضارب زيدٌ ثم عمروٌ؟ لا يصح، لأنها للترتيب، إذاً: نُفي صحة قولنا: اختصم زيدٌ فعمروٌ، أو اختصم زيدٌ ثم عمروٌ، نُفي هذا التركيب لكون (الفاء) و (ثم) للترتيب، واتفقوا على أنه يُقال: اختصم زيدٌ وعمروٌ، فلو كانت للترتيب لما صح أن يؤتى بالواو هنا كما نُفي (ثم) و (الفاء)، واضح؟ نحن نرد على الكوفيين القائلين بأن (الواو) للترتيب، لماذا؟ نقول: نرد عليهم لأن قولهم فاسد، هذا قول ضعيف جداً، نرد عليهم بماذا؟ بما دل من الأفعال على المشاركة بين اثنين، في باب افتعل وتفاعل. اتفق البصريون مع الكوفيين على أنه لا يؤتى بالعطف هنا بـ (الفاء) ولا (ثم) فلا يقال: تضارب زيدٌ فعمروٌ، لماذا لا يؤتى بالفاء؟ قالوا: لأنها تفيد الترتيب، والفعل يقتضي المشاركة بين اثنين، كيف تضارب زيدٌ فعمروٌ، أو تضارب زيدٌ ثم عمروٌ؟ هذه تدل على التعقيب والترتيب، إذاً: منعنا (الفاء) و (ثم) هنا في هذا التركيب، لأنهما يأتيان للترتيب. وجَوَّزنا معاً في لسان العرب أن يُقال: اختصم زيدٌ وعمروٌ، هل يمكن أن يُقال: بأن الواو للترتيب؟ لا يمكن، لأننا منعنا (الفاء) و (ثم) لأجل الترتيب فكيف نقول: الواو للترتيب؟! هذا فاسد، ولذلك ابن هشام في قطر الندى قال: من أظهر ما يرد عليهم بهذه الأمثلة التي جاءت في لسان العرب في الأفعال التي تقتضي المشاركة بين اثنين، ثم عطف الثاني على الأول بالواو ولم يُجوَّز أن يعطف الثاني على الأول بـ (الفاء) و (ثم) لأنهما يقتضيان الترتيب. حينئذٍ نقول: جاء في لسان العرب: اختصم زيدٌ وعمروٌ. ظ

ومن أوضح ما يُرَدّ عليهم قول العرب: اختصم زيدٌ وعمروٌ، وامتناعهم أن يعطفوا بـ (الواو) أو بـ (ثم) لكونهما للترتيب، فلو كانت (الواو) مثلهما لامتنع ذلك كما امتنع معهما، أن يعطف بـ (الفاء) و (ثم). إذاً نقول: (الواو) لمطلق الجمع على الصحيح، ثم هي محتملة لواحدٍ من المعاني الثلاثة المذكورة. قال في التسهيل: " وتنفرد الواو بكون متبوعها في الحكم محتملاً للمعية برجحانٍ، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة " هذا نستفيد منه: أن مطلق الجمع يدخل فيه هذه الأنواع الثلاثة: عطف اللاحق على السابق، أو بالعكس، أو المصاحبة، يرد السؤال: هل كلها مرتبة واحدة، أم متفاوتة؟ نقول: لا، متفاوتة، هذا مراد ابن مالك في التسهيل: أنها متفاوتة، قال: " وتنفرد الواو بكون متبوعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة " يعني: الكثير في لسان العرب: أنه إذا قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ، الترتيب أن يكون الثاني لاحق للأول هذا الكثير، والعكس بقلة مع وجوده، والمعية برجحانٍ، يعني: شيء مرجوح. ولذلك مضى معنا في باب المفعول معه: أن جاء زيدٌ وعمروٌ يجوز أن ينصب، يُقال: جاء زيدٌ وعمراً، لكنه مرجوح؛ لأن الأصل أن الواو لمجرد العطف، تعطف الثاني على السابق، وهذا معناه: أن مجيئها لعطف اللاحق على السابق أكثر، والعكس كذلك مثله، ولكن للمعية هذا قليل، لذلك قال: للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة. فهي وإن كانت موضوعةً لمطلق الجمع الصادق بالأمور الثلاثة لكنها متفاوتة، فاستعمالها في المعية أكثر، وفي تقدم ما قبلها كثير، وفي تأخره قليل، لكن هذا لم يسلم لابن مالك رحمه الله مطلقاً، المراد أنها ليست على مرتبة واحدة. فتكون عند التجرد عن القرائن للمعية بأرجحية، ولتقدم ما قبلها برجحان، ولتأخره بمرجوحية، ولكن هذا يحتاج إلى إثبات. فَاعْطِفْ بِوَاوٍ لاَحِقَاً أَوْ سَابِقَاً ... فِي الحُكْمِ أَوْ مُصَاحِبَاً مُوَافِقَاً إذاً كأنه قال: اعطف بواوٍ لمطلق الجمع، وفَسَّر هذا الإطلاق بقوله: (لاَحِقاً أَوْ سَابِقَاً ... أَوْ مُصَاحِبَاً فِي الحُكْمِ). وَاخْصُصْ بِهَا عَطْفَ الَّذِيْ لاَ يُغْنِي ... مَتْبُوعُهُ كَاصْطَفَّ هَذَا وَابْنِيْ (اختصم زيدٌ وعمروٌ) لا عطف هنا إلا بالواو، تقاتل زيدٌ وعمروٌ: لا عطف هنا إلا بالواو، كل ما كان على وزن افتعل وتفاعل مما يقتضي المشاركة وإيقاع الحدث بين اثنين فصاعداً لا يجوز العطف بينها إلا بالواو: تضارب زيدٌ وعمروٌ وخالدٌ وبكرٌ، كل هؤلاء فاعل .. فاعل في المعنى، لأنك تقول: تضارب، يعني: حصل حدث فيه مشاركة، مشاركة ممن؟ زيد وعمرو وخالد وبكر، إذاً: كلهم فعلوا الحدث وهو الضرب، مضاربة كلٌ منهم ضرب الآخر.

وكما ذكرنا سابقاً ونعيد: أن الأول يُعرب فاعلاً اصطلاحاً، والثاني والثالث والرابع يعتبر معطوفاً ولا يعطف إلا بالواو، وأن الأربعة كلٌ منها فاعل ومفعول، الأول فاعل في الاصطلاح مفعولٌ في المعنى، ثُمَّ الثلاثة زيد وعمرو وبكر وخالد .. الثلاث المعطوفات بالواو كلٌ منها فاعل ومفعول، لأنه إذا ضارب فهو ضارب ومضروب، إذا قلت: تضارب زيدٌ وعمروٌ، عمروٌ هذا الثاني ضارب ومضروب، إذاً: هو فاعل للضرب ووقع عليه الضرب، والأول: تضارب زيد، في الاصطلاح هو فاعل ولا شك، وهو في المعنى مفعولٌ. (وَاخْصُصْ بِهَا) يعني: بالواو (عَطْفَ)، (اخْصُصْ) فعل أمر، والفاعل أنت، (بِهَا) الضمير يعود على الواو، (عَطْفَ الَّذِي) مفعولٌ به، (عَطْفَ) مضاف و (الَّذِي) مضاف إليه، (لاَ يُغْنِي متْبُوعُه) يعني: لا يكتفي الكلام به، هكذا قدره بعضهم، وقيل: يعطف بها ما لا يستغنى به عن متبوعه وهذا أحسن، لذا قال: (لاَ يُغْنِي): وَاغْنَ بِكِلْتَا .. وَبِسِوَى الْفَاعِلِ قَدْ يَغْنَى فَعَلْ .. ابن مالك يستعمل هنا: يُغْنِي يَغْنِي غَنَى، يستعمله بمعنى الاستغناء، (الَّذِي لاَ يُغْنِي) يعني: ما لا يُستَغنَى به عن متبوعه، وهذا فيما إذا كان الفعل دالاً على المشاركة. (كَاصْطَفَّ)، (اصْطَفَّ) أصله: (اصتفف) على وزن (افْتَعَل) كـ: (اجتمع) كـ: (اختصم) حينئذٍ نقول: ما كان على وزن افتعل فاعله اثنان، لكن في المعنى، الفاعل الاصطلاحي واحد له، والثاني لازمٌ له، لأنه لا يقول: اختصم زيد، كيف اختصم زيد .. اختصم مع من؟ خاصم زيدٌ خصمَ من؟ عمراً، إذاً: هذا الفعل المخاصمة والخصومة تقتضي اثنين، لا يمكن أن يتصور أنه يقع من واحد، إلا كما ذكرنا؟؟؟ إذا كان مريضاً، يخاصم نفسه ويختصم. (كَاصْطَفَّ) أصله: (اصتفف) فأبدل من التاء طاءً وأدغمت الفاء في الفاء، فاصطفوا إذا وقفعوا في الحرب صفاً، (اصْطَفَّ هذَا وابْنِي) هذَا فاعل، وابْنِي: هذا معطوفٌ عليه، الواو حرف عطف، هل يمكن أن يؤتى بحرفٍ غير الواو في هذا المقام؟ الجواب: لا، لأن نسبة الحدث إلى الثاني كنسبته إلى الأول، يعني: وقعا معاً، حينئذٍ لا يمكن أن يؤتى بـ (الفاء) ولا بـ (ثم). (وَاخْصُصْ بِهَا) يعني: اختصت الواو بأنه يعطف بها في الأفعال التي لا يتصور أن يستغني بواحدٍ عن متبوعه (كَاصْطَفَّ هَذَا وابْنِي). (وَاخْصُصْ بِهَا) يعني: بالواو، (عَطْفَ الَّذِي لاَ يُغْنِي مَتْبُوعُهُ) وهذا فيما إذا دل الفعل على اشتراكٍ .. مشاركةٍ بين اثنين فصاعداً، حينئذٍ نعطف الثاني على الأول بالواو لا بـ (الفاء) ولا بـ (ثم)، وهذا من الأدلة في الرد على الكوفيين، بكون الواو تأتي للترتيب، وهذا الدليل محفوظ: وَاخْصُصْ بِهَا عَطْفَ الَّذِي لاَ يُغْنِي ... مَتْبُوعُهُ .. يعني: لا يكتفى الكلام به (كَاصْطَفَّ هَذَا) كقولك: (اصْطَفَّ هَذَا وابْنِي)، (ابْنِي) معطوفٌ على هَذَا، وكلٌ منهما وقعت منه المصافَّة، لأن الاصطفاف لا يقع من واحد، كيف تصف نفسك؟! ما يمكن هذا، وإنما يقع مع شخصٍ آخر وثالث ورابع.

قال: اختصت الواو من بين حروف العطف، بأنها يعطف بها حيث لا يُكْتَفى بالمعطوف عليه، اختصم زيدٌ وعمروٌ، ولو قلت: اختصم زيد لم يجز، ولو قلت: اختصم زيدٌ فعمروٌ لم يجز، ولو قلت: اختصم زيدٌ ثم عمروٌ لم يجز، لا بد أن تأتي بالواو، ما جئت بالواو لحنٌ! لو جئت بواحدٍ: اختصم زيد كضارب زيد، نقول: هذا ما يصلح، لا بد أن تأتي بالمعطوف والواو. ولو قلت: اختصم زيدٌ لم يجز، ومثله: اصطف هذا وابني، وتشارك زيدٌ وعمروٌ، ولا يجوز أن يعطف في هذه المواضع بالفاء ولا بغيرها من حروف العطف، ولا يُقال: اختصم زيدٌ فعمروٌ. إذاً: يعطف بها حيث لا يُكْتَفَى بالمعطوف عليه، يعني: يعطف بها اسمٌ على اسمٍ، لا يُكْتَفى في الكلام به إلا بمتبوعه، فهي من المعاني النسبية التي لا تقوم إلا باثنين فصاعداً، وهذا المشهور أنه في باب افتعل وتفاعل وفاعل، ضارب زيدٌ عمراً هذا لا يحتاج إلى عطف، لأنه يتعدى إلى مفعول، ضارب زيدٌ عمراً من باب: فاعل، وأمَّا باب افتعل وتفاعل هذا الذي يُراد هنا. وَاخْصُصْ بِهَا عَطفَ الَّذِي لاَ يُغْنِي ... مَتْبُوعُهُ .. أمَّا قوله: (بَيْنَ الدَّخُول فَحَوْمَلِ) بالفاء هنا، قالوا: الأصل هنا على تقدير مضاف .. على حذف مضاف، تقديره: بين أماكن الدخول فأماكن حومل، فهو بمنزلة: اختصم الزيدون فالعمرون، جائز أو لا؟ إذا قلت: اختصم الزيدون، كلٌ منهم خاصم الآخر، فاعل ومفعول، فالعمرون: هذا جائز، لأن الثاني ليس معطوفاً على الأول في كونه مشاركاً له في العامل، وإنما هو في قوة قوله: اختصم زيدٌ فاختصم العمرون .. اختصم الزيدون فاختصم العمرون، إذاً: كلٌ منهم له خصومة تخصه منفكة عن الآخر، فلا إشكال في هذا .. هذا جائز. لو قيل: اختصم الزيدون، صح أو لا؟ صح، لأنك أوقعت الجمع موقع الثلاثة فأكثر، وكذلك اختصم الزيدان، أمَّا إذا جئت بالعطف على الأصل: اختصم زيدٌ وعمروٌ لأن التثنية والجمع إذا اشتركا كلٌ منهما المخاصِم والمخاصَم زيد، إذاً قلت: اختصم الزيدان، هذا جائز، لأنهما منفكان، واختصم الزيدون كأنك قلت: اختصم زيد وزيد وزيد، أمَّا إذا كانا مختلفين: اختصم زيدٌ وعمروٌ لا بد من الفصل. وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِاتِّصَالِ ... وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ بِانْفِصَالِ (وَالفَاءُ) التي ذكرها سابقاً بقوله: (فَا .. وَالفَا) (أل) هذه للعهد الذكري، يعني: الفاء المذكورة في عَدِّ حروف العطف هناك، والفاء العاطفة لها ثلاثة أحكام: الأول: تُشرِّك ما بعدها فيما قبلها في الحكم، وهذا معلومٌ في كل حرف سيأتينا، ولا نحتاج إلى تنصيص عليه، لأنها ما كانت حرف عطف إلا لكونها مُشرِّكة للثاني فيما قبله في الرفع أو النصب أو الخفض، فلا نحتاج أن نقول: لها حكمٌ مستقلٌ بها، وإنما نَتعرَّض إلى المعنى. الثاني: أنها تفيد الترتيب، ما المراد بالترتيب؟ يعني: تدل على تأخر المعطوف على المعطوف عليه، يعني: ما بعد الفاء وقع بعد ما قبل الفاء، جاء زيدٌ فعمروٌ، مجيء عمرو ليس مقارناً لمجيء زيد، لماذا؟ لأنك عطفت بالفاء، والفاء تدل على الترتيب، بمعنى: أن ما بعدها حصل له المجيء بعد حصول المجيء لما قبلها، إذاً: لم يَتَّحِدا .. لم يقعا معاً، هذا المراد بالترتيب.

(لِلترْتِيبِ بِاتِّصَالِ) احترازاً من (التَّرتِيبِ بِانْفِصَالِ) الذي هو معنى: (ثُمَّ) إذاً قوله: (بِاتِّصَالِ) متعلق بقوله: (لِلترْتِيبِ)، ولِلترْتِيبِ: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ الفاء، وَالفَاءُ: مبتدأ، كائنٌ للترتيب، و (بِاتِّصَالِ) متعلقٌ به، والمراد بالاتصال: ما يُعبِّر عنه جماهير النحاة بالتعقيب، يعني: أن يكون عقبه بلا مهلةٍ، يعني: ليس بين المعطوف والمعطوف عليه في إيقاع الحدث منهما مهلة، يعني: بلا تراخٍ، كما هو الشأن في (ثم) يعني: إذا قلت: جاء زيدٌ فعمروٌ، نقول: دلت الفاء على أمرين: أولاً: الترتيب. ز تأخر المعطوف عن المعطوف عليه في إيقاع الحدث، ثم أفادت معنىً آخر وهو: أنه ليس بين الفعلين الواقعين بين المعطوف والمعطوف عليه .. ليس بينهما مهلة .. مباشرةً، جاء زيد فجاء عمروٌ بعده، ليس بينهما زمن، حينئذٍ نقول: هذا المراد بالتعقيب، وتعقيب كل شيءٍ بحسبه: تزوج زيدٌ فوُلد له، الفاء هنا للتعقيب، تزوج فوُلد، هل هو مثل: جاء زيدٌ فعمروٌ مباشرة بعده عمرو؟ نعم، هنا وقعت بعده، لكن تزوج زيدٌ فولد له لا، وإنما لا بد من تسعة أشهر، إذاً: بينهما مهلة لكنها عرفية .. مهلة عرفية، فهذا تعقيب؟ نقول: نعم، الفاء هنا أفادت التعقيب، لكن هذا التعقيب ليس المراد أن ينفي الزمن لأنه منافٍ للعقل، وإنما المراد أنه لم يتأخر عن المهلة المعهودة، يعني: لو جلس سنتين أو ثلاث ما ولد له ثم قيل: تزوج زيدٌ فولد له خطأ، لماذا؟ لأنه وجد زيادة على تسعة أشهر، أمَّا إذا قيلت هذه بعد تسعة أشهر مباشرةً صار المعنى صحيح. فإذا أردت أن تخبر بأن زيد تزوج فولد له في الوقت المعهود لم يتأخر عن السنة مثلاً، تقول: تزوج زيدٌ فولد له، وأمَّا إذا تأخر سنتين فأكثر تقول: تزوج زيدٌ ثم ولد له. (وَالفَاءُ لِلترْتِيبِ بِاتِّصَالِ) يعني: بلا مهلةٍ .. بلا تأخر، وهذا المراد بمعنى: التعقيب عند النحاة، ((أمَّاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)) [عبس:21] مباشرة، موت ثم قبر، دخلت البصرة فبغداد، أول كان السفر ليس مثل الآن، دخلت البصرة فبغداد، إذا كانت المسافة بين البصرة وبغداد ثلاثة أيام وقد حصل دخوله بغداد بعد البصرة بثلاثة أيام فهي للتعقيب، فإذا زادت عن ذلك حينئذٍ خطأ في التعبير، فيقال: دخلت البصرة ثم بغداد، وهو في كل شيءٍ بحسبه، كما ذكرناه: تزوج فلانٌ فولد له، كذلك: دخلت البصرة فبغداد. (وَالفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِاتِّصَالِ) المراد بالترتيب هنا المعنوي، لأن الترتيب نوعان: ترتيب معنوي، وترتيبٌ ذكري، يعني: أن يذكر الشيء بعد الأول لكن لا بد من مناسبةٍ، وهنا المراد بالترتيب الترتيب المعنوي، بمعنى: أنه يَتعلَّق بالمعنى.

وقد تكون للترتيب الذكري، وأكثر ما يكون -هذا الترتيب الذكري- في عطف مفصلٍ على مجملٍ، نحو قوله تعالى: ((فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ)) [النساء:153] ما هو السؤال .. ما هي هذه الأسئلة؟ ((فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ)) [النساء:153] إذاً: وقع تفصيل بعد إجمال، نقول: الفاء هنا للترتيب الذكري، لأنه وقع بعد إجمال، والذي انحط عليه الكلام، وليس المراد من الترتيب الذكري مجرد ترتيب شيئين في الذكر، يعني: مجرد أنه قيل: جاء زيدٌ فعمروٌ، إذا قيل: الترتيب الذكري هنا، نقول: لا، ليس هذا المراد، لأن هذا مأخوذٌ من غير الفاء، لو أسقطت الفاء وجيء بحرفٍ آخر حينئذٍ نقول: هذا أفادت الترتيب، كون الشيء مذكوراً أولاً، ثُمَّ الذي يليه سواءٌ كان بحرف عطف أو لا .. سواءٌ كان بالفاء أو بغيرها، نقول: الترتيب حاصل. لأن هذا القدر لازمُ للذكر مع إسقاط الفاء أيضاً، ليس من أجل الفاء، ونحن نعلق الحكم هنا: الترتيب الذكري بالفاء على جهة الخصوص، بل ترتيب مراتب المذكور في الذكر، أي: بيان أن المذكور أولاً حقه أن يتقدم في الذكر لتقدم رتبته على رتبة المتأخر، إذاً: أفادت الفاء إذا كانت للترتيب الذكري أن رتبة المتقدِّم .. رتبته التقدِّيم، وما بعد الفاء رتبته التأخير، وهذا يكون في عطف المفَصَّل على المجمل كثيراً. وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِاتِّصَالِ ... وَثُمَّ لِلتَّرْتِيْبِ بِانْفِصَالِ وكثيراً ما يقتضي أيضاً -الفاء-: التسبب، إن كان المعطوف جملة، وهذا يذكرها الأصوليون هناك في جهة التعليل: سها فَسَجد .. زنا فرُجِم .. سرق فقُطِع، هنا الفاء عطفت جملة على جملة، وأفادت السببية، ولذلك نقول: سرق فقطع، أفادت الفاء أن علة القطع السرقة، زنا فرجم، علة الرجم زنى، سها فسجد سجود السهو، إذاً: ما قبله علةٌ لما بعده. إذاً: كثيراً ما تقتضي الفاء التسبب إن كان المعطوف جملةً: ((فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ)) [القصص:15] قضى عليه بسبب الوكز، كذلك الأمثلة التي ذكرناها. ولدلالتها على ذلك كونها تدل على السببية في عطف الجمل لا في عطف المفردات، استعيرت للربط في جواب الشرط، نقول: الفاء تقع رابطةً لجواب الشرط بالشرط، لماذا اختيرت الفاء؟ لأن فيها معنى السببية، ومعلومٌ أن الشرط وجواب الشرط .. فعل الشرط وجوابه أن بينهما تعليق، وأنه مرتبٌ عليه ترتيب السبب على المسبب: إن جئتني أكرمتك يعني سبب أو مسبب على المجيء.

ولدلالته على ذلك استعيرت للربط في جواب الشرط: من يأتيني فإني أكرمه، إني: جملة وجب دخول الفاء عليها، من يأتيني فإني أكرمه، ولهذا إذا قيل: من دخل داري فله درهم، أفاد استحقاق الدرهم بالدخول، يعني: إن دخل استحق الدرهم، إن لم يدخل لم يستحق الدرهم، إذاً: جعل الدخول علة .. سبباً لاستحقاق الدرهم، ولو حذف الفاء احتمل ذلك واحتمل الإقرار بالدرهم له، إذا قيل: من يأتيني له درهمٌ، هذا صار محتملاً للسببية، ويحتمل الإقرار: من يأتيني له درهم، يعني: له دين عندي درهم، إقرارٌ بالدرهم، ويحتمل السببية لو أسقطت الفاء، من يأتيني له درهمٌ، نقول: هذا ليس جزماً .. قطعاً في أن الدرهم حاصلٌ للإتيان، وإنما يحتمل الإقرار بالدرهم، من يأتيني فله درهمٌ، صار محتملاً. ولو حذف الفاء احتمل ذلك السببية واحتمل الإقرار بالدرهم له. وقد تخلوا الفاء العاطفة للجمل عن هذا المعنى نحو: ((الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى)) [الأعلى: 2 - 4] خلت عن معنى الترتيب ومعنى السببية لمجرد العطف. (وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِاتِّصَالِ وَثُمَّ) يُقال: ثُمَّ ثُمَّت بالتاء، (وَثُمَّ) هذا مُبتدأ قصد لفظه، (لِلتَّرْتِيبِ) كائنٌ للترتيب، وعرفنا معنى الترتيب: تأخر المعطوف عن المعطوف عليه، (بِانْفِصَالِ) مُقابل لقوله: (بِاتِّصَالِ) يعني: بمهلة، كل ترتيب حصل بين المعطوف والمعطوف عليه مهلةٌ من الزمن قلت أم كثرت يُجاء بـ (ثم)، وإذا كان ليس بينهما مهلة إلا ما يتصور في العقل أو العادة، حينئذٍ يلزم أن نأتي بالفاء، إذاً: كلٌ من (الفاء) و (ثم) تفيد الترتيب، إلا أن الترتيب في (الفاء) مع التعقيب، يعني: بنفي المهلة بين المعطوف والمعطوف عليه، و (ثم) كذلك تفيد الترتيب إلا أنه بمهلةٍ، يعني: تأخرٍ في الزمن، بينهما انفصال: (وَ"ثُمَّ" لِلتَّرْتِيبِ بِانْفِصَالِ). أي: تدل (الفاء) على تأخر المعطوف عن المعطوف عليه متصلاً به، و (ثم) على تأخره عنه منفصلاً، أي: متراخياً عنه، ولذلك يُقال: (ثم) للتراخي، نحو: جاء زيدٌ فعمروٌ، ومنه قوله تعالى: ((الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى)) [الأعلى:2] هذا محتمل ليس جزماً، وجاء زيدٌ ثم عمروٌ، ومنه قوله تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ)) [فاطر:11]. وَاخَصُصْ بِفَاءٍ عَطْفَ مَا لَيْسَ صِلَهْ ... عَلَى الَّذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ الصِّلَهْ هذا من خصائص الفاء، كما أن الواو هناك تختص أن يعطف بها ما لا يستغنى عنه في الكلام، هنا تختص الفاء لما فيها من معنى السببية أن يعطف بها على جملة الصلة ما لم يكن فيها ضميرٌ يعود على الجملة أو على الموصول، وتختص الفاء بأنها تعطف على الصلة، يعني: بها، ما لا يصلح كونه صلةً.

يعني: المعطوف بالفاء لا يصلح أن يكون صلةً للموصول، يأتي اسم الموصول، ويأتي بعده جملة صالحة للموصولية، ثُمَّ يؤتى بالفاء وتعطف جملة على جملة الموصول، لو نظرنا في هذه الجملة التي بعد الفاء، هل يصلح أن تقع جملة الموصول؟ لا، لخلوها عن الضمير، وهذا الحكم عام، الناظم هنا خصصه بالصلة، وهو حكمٌ عامٌ في الخبر والنعت والحال والصلة، في أربعة مواضع، سواءٌ تقدمت أم تأخرت. وتختص الفاء: بأنها تعطف على الصلة .. جملة الصلة يعني، ما لا يصلح كونه صلةً لخلوه من العائد، ولذلك المثال المشهور ذكره ابن عقيل: الذي يطير فيغضب زيدٌ الذبابُ، بعض المسائل أمثلتها ما أظن لها مثال يسلم، الذي يطير فيغضب زيدٌ الذباب، الذي: مبتدأ، الذباب: خبر، وجملة يطير: صلة الموصول، فيها ضمير أو لا؟ يطير هو، يعود على: الذي، الذي يطير لا إشكال مبتدأ وهو جملة الصلة، يغضب زيدٌ: فعل وفاعل، هل يصح أن نقول: الذي يغضب زيدٌ؟ أين الضمير .. أين الرابط بين الموصول وصلته؟ الذي يغضب زيدٌ .. الذي يقوم عمروٌ، يصح؟ لا يصح. إذاً: لكونها لم تشتمل على ضمير لا يصلح أن تكون صلةً للموصول، لكن لكون الفاء مُتضَمِّنة لمعنى السببية أغنت عن الضمير في جملة: يغضب زيدٌ، فقامت مقام الضمير، إذاً: صلاحيتها في كونها يعطف بها على جملة الصلة لكونها أقيمت مقام الضمير، إذاً: عُطف بالفاء هنا على جهة الخصوص دون غيرها، عُطف بها جملٌة خاليةٌ عن الضمير، لو أردنا أن نوقعها صلة الموصول لما صلُحت، والذي سوَّغ العطف هنا: أنه بالفاء على جهة الخصوص. إذاً: الذي يطير، الذي هذا مبتدأ، ويطير: فعل مضارع وفاعله: ضمير مستتر يعود على: الذي، إذاً: وجد الرابط، الذباب: هذا خبر، يغضب زيدٌ: هذه جملة معطوفة على يطير، وإذا عُطف عليه حينئذٍ لا بد أن يكون صالحاً لأن يقع صلة الموصول، لكن لا يصلح، لأنها غير مشتملة على ضمير يعود على الموصول، لكن نقول هنا: جاز بالفاء على جهة الخصوص فقط، هذا استثناء. حينئذٍ: كأن الفاء أقيمت مقام الضمير، كذلك مثله: اللذان يقومان فيغضب زيدٌ أخواك، نفس المثال يغضب زيدٌ، هذه جملة معطوفة بالفاء على يقومان، اللذان: اسم موصول مبتدأ، يقومان: فعل وفاعل، والألف هذه فاعل وهي عائدة على الاسم الموصول، إذاً: صالحة لأن تكون جملة الصلة، أخواك: خبر المبتدأ اللذان، فيغضب زيدٌ: هذه فعل وفاعل ليس فيها ضمير يعود على الموصول، لأن الموصول مثنى، وليس عندنا هنا شيء مثنى في اللفظ، فدل على أنها خاليةٌ من الضمير، جاز عطفها على جملة الصلة مع كونها خاليةً عن الضمير لكون العطف خاصةً بالفاء. يعني: العرب جَوَّزَت هذا التركيب، مع كونها الجملة خالية عن الضمير، لقيام الفاء مقام الضمير.

وعكسه نحو: والذي يقوم أخواك فيغضب هو زيدٌ، ومثل ذلك جارٍ في الخبر والصفة والحال: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً)) [الحج:63] .. ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)) [الحج:63] أَنَّ: حرف توكيد ونصب، ولفظ الجلالة اسمها، وأنزل من السماء: خبر، "أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ" هنا الشاهد، الجملة في محل رفع خبر المبتدأ " أَنَّ اللَّهَ "، فيها ضمير؟ أنزل هو الله، إذاً: فيها ضمير .. مشتملة على ضمير، صلحت أن تكون خبراً؟ صلحت أن تكون خبراً، ((فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً)) [الحج:63] هذه الجملة خاوية من ضميرٍ يعود على المبتدأ الذي هو في الأصل: أن الله، ما الذي جوَّز عطف هذه الجملة على جملة الخبر، مع كون الأصل في العطف على الجمل إذا كانت خبرية أن يصلح أن يُخبر بها، فإذا قيل: ألم تر أن الله تصبح الأرض مخضرة، هل يصلح أن تقع خبر؟ لا يصلح لخلوها عن الضمير، لكن هنا عطفت على جملة الخبر مع كونها خاليةً من الضمير لكون العطف حاصلاً بالفاء، ((فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً))، ففيها معنى السببية. وَاخَصُصْ بِفَاءٍ عَطْفَ مَا لَيْسَ صِلَهْ ... عَلَى الَّذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ الصِّلَهْ والصفة نحو: مررت بامرأة تضحك فيبكي زيدٌ، هذا من أمثلة الأشْمُوني، مررت بامرأة تضحك ما إعراب تضحك؟ صفة، تضحك، مشتملة على ضمير؟ مشتملة على ضمير هو المصحِّح لكونها واقعةً صفة، فيبكي زيدٌ، يبكي زيدٌ: فعل وفاعل، خالية عن ضمير الموصوف، عُطف بها على جملة الصفة: تضحك، ما الذي جوَّز؟ كون العطف حاصلاً بالفاء. وبامرأة يضحك زيدٌ فتبكي، يضحك زيدٌ: هذه الجملة صفة، فتبكي: مثلها، وكذلك الخبر: زيدٌ يقوم فتقعد هندٌ، وزيدٌ تقعد هندٌ فيقوم، يعني: زيد، والحال: جاء زيدٌ يضحك فتبكي هندٌ، وجاء زيدٌ تبكي هندٌ فيضحك. على كلٍّ، القاعدة هنا: أنه يعطف بالفاء على جملة الصلة، وجملة الصفة، وجملة الخبر، وجملة الحال، إذا خلت الجملة المعطوفة بالفاء عن ضميرٍ، فحينئذٍ لا تصلح هذه الجملة المعطوفة بالفاء أن تقع خبراً، ولا أن تقع صفةً، ولا أن تقع حالاً، ولا أن تقع صلةً لخلوها في الأربع المسائل عن الضمير، لأن الضمير شرطٌ في الجميع، كما سبق بيانه. قال ابن عقيل: " واختصت الفاء بأنها تعطف ما لا يصلح أن يكون صلةً لخلوه عن ضمير الموصول، على ما يصلح أن يكون صلةً لاشتمالها على الضمير، نحو: الذي يطير فيغضب زيدٌ الذبابُ " ولو قلت: ويغضب زيدٌ أو ثم يغضب زيدٌ، لم يجز، لأن (ثم) و (الواو) لا تفيد السببية. لأن (الفاء) تدل على السببية خاصةً دون (الواو) ودون (ثم) فاستغني بها عن الرابط، هنا العلة: لكونها دالةً على السببية استغني بها عن الرابط، ولو قلت: الذي يطير ويغضب منه زيدٌ الذبابُ جاز، لأنك جئت بالضمير، والمسألة ليست مفترضة في جملةٍ مشتملة على الضمير، لو قال: الذي يطير ويغضب زيدٌ مُنع، الذي يطير ويغضب منه زيدٌ صح، لأنه صرَّح بالضمير. بَعْضَاً بِحَتَّى اعْطِفْ عَلَى كُلٍّ وَلاَ ... يَكُونُ إِلاَّ غَايَةَ الَّذِي تَلاَ

حتى: حرف عطفٍ، ويشترط للعطف بها أربعة شروط، إذا تخلف واحدٌ منها لم يجز: الشرط الأول: كون المعطوف اسماً لا فعلاً، وهذا مذهب جمهور النحاة، إذ الأصل في (حتى) أنها حرف جر، والعاطفة منقولة عنها، (حتى) العاطفة .. حرف عطف منقولة عن الجآرة، وحرف الجر خاصٌ بالأسماء كما سبق بيانه: (بِالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ) إلى آخره، فبقي لـ (حتى) بعد نقلها ما كان ثابتاً لها قبل النقل وهو الاختصاص بالأسماء، إذاً: لا يعطف بـ (حتى) إلا اسمٌ، لماذا؟ لأنها لو دخلت على الفعل حينئذٍ دخلت على ما لا تختص به، لأن (حتى) العاطفة هي عينها (حتى) الجآرة، يعني: نُقلت عنها، والجآرة خاصةٌ بالأسماء فبقي لها الاختصاص بعد النقل. وقيل لا، يعني: لا تَخْتصُّ بالاسم، نظراً لما طرأ عليها من النقل، يعني: للعطف، وقيس على غيرها من حروف العطف، يعني: حروف العطف لا تَخْتصُّ باسمٍ، وإنما هي مطلقة يعطف بها الاسم، ويعطف بها الفعل، كذلك (حتى) وإن كانت منقولة عن (حتى) الجآرة المختصة بالأسماء إلا أنها تجري مجرى أخواتها، وهي حروف العطف الأخرى، من كونها لا تَخْتصُّ بالأسماء، لكن جمهور النحاة على الأول: على أن (حتى) باقيةٌ بالاختصاص قبل النقل وبعد النقل، حينئذٍ لا يجر بها الفعل، هذا الشرط الأول. الثاني: كونه ظاهراً، فلا يجوز: قام الناس حتى أنا، ليس بظاهر .. هذا ضمير، ولا: أكرمت القوم حتى إياك، وسبق معنا في أول حروف الجر: حتاك .. حتاه، قلنا: هذا شاذ، لا يُجر بها الضمير ولا يعطف بها الضمير، إذاً: مراعاةً لأصلها، حتاك قلنا: هذا شاذ، حتاه على أنها تجر الضمير، قلنا: هذا شاذٌ. كذلك العطف بها، لا يعطف بها إلا الاسم الظاهر، وأمَّا الضمير فلا، حتى أنا، نقول: هذا ليس بصحيح، ولا: أكرمت القوم حتى إياك. الشرط الثالث: كونه بعضاً من المعطوف عليه، يعني: جزءً منه، إمَّا بالتحقيق أو بالتأويل، إمَّا محققاً تحقيقاً وإمَّا مؤولاً، إذاً: الشرط الثالث كونه: بعضاً من المعطوف عليه، إمَّا تحقيقاً نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أكلت السمكة: فعل وفاعل ومفعولٌ به، حتى: حرف عطف، رأسَها بالنصب، لأنه معطوفٌ على ما قبله، والعاطفة تُشرِّك ما بعدها فيما قبلها في الحكم فهو منصوب، حتى رأسَها إذا نصبنا يدل على أن الرأس مأكول أو غير مأكول؟ مأكول، إذاً: هو جزءٌ حقيقةً أو لا؟ جزءٌ حقيقةً. وضابطه التحقيقي، بثلاثة أمور .. واحدٌ من ثلاثة أنواع: - أن يكون جزءً من كلٍّ كالمثال السابق، لأن الرأس جزء من السمكة، والسمكة لفظٌ يطلق على الرأس وغيره. - الثاني: أن يكون فرداً من جمعٍ .. واحد من جمع، مثاله: قدم الحجاج حتى المشاة، المشاة: هذا اسمٌ، وهو ظاهر وهو فردٌ واحد من جمعٍ، لأن الحجاج يشمل المشاة وغيرهم، حتى المشاةُ، إذاً نقول: هذا تحقيقي، لكونه فرداً من جمعٍ. - الثالث: أن يكون نوعاً من جنس، أكلت التمر حتى البرني، التمر: جنس .. البرني وغيره، البرني: هذا مأكول، إذاً: هو نوعٌ من جنس. وأمَّا التأويل: أن يكون جزءً لكنه على جهة التأويل، يعني: ليس بظاهر، لكن لا بد من تأويله، كقول القائل: أَلقَى الصَّحِيفةَ كَي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ ... وَالزَّادَ حَتَى نَعْلَهُ أَلقَاهَا

الزَّادَ حَتَى نَعْلَهُ، نقول هنا: نَزَّل النعل مُنَزَّلة الجزء من الزاد، وإلا ليس بداخل في الأصل، لكنه ما ترك شيء، يعني: إذا ترك نعله فغيره من بابٍ أولى، (حتى نَعْلَهَ) بالنصب مفعولٌ لفعلٍ محذوف يفسره المذكور بعده، تقديره: حتى ألقى نعله. أو شبهها يعني: شبه الجزء بالبعض، كقولك: أعجبتني الجارية حتى كلامُها، هنا ليس بجزء الكلام، وإنما هو شبه جزءٍ. نحن نقول: الشرط الثالث: كونه بعضاً من المعطوف عليه، إمَّا بالتحقيق، أو بالتأويل، أو الشبيه بالبعض، ليس بعضاً ولا جزءً، وإنما هو مُنَزَّلٌ مُنَزَّلة الجزء أو البعض، لأن الكلام ليس بجزء هو عرض: أعجبتني الجارية حتى كلامُها، ويمتنع: أعجبتني الجارية حتى ولدُها، هذا ممتنع لماذا؟ لأنه منفصلٌ وليس كالجزء، بل هو جزءٌ منفصل، حتى ولدها. وضابط ذلك: أنه إن حسن الاستثناء حسن دخول (حتى)، يعني لو قال: أعجبتني الجارية إلا كلامُها، حسن أو لا؟ حسن، إذاً: هي شبهٌ بالبعض، وأمَّا أعجبتني الجارية إلا ولدُها، هذا ليس له دخل. الشرط الرابع: كونه غايةً في زيادةٍ حسية أو معنوية، حسية مثل ماذا؟ فلانٌ يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوفَ، فلان .. زيد تاجر، يهب يعطي، الأعداد الكثيرة حتى الألوفَ: هذا زيادة حتى الألوف، إذاً: الألوف غاية في زيادةٍ. أو معنوية: مات الناس حتى الأنبياءُ، يعني: الموت ما يخصص أحد دون أحد، مات الناس حتى الأنبياءُ، يعني: شمل الموت الأنبياء أيضاً، هذه زيادة، لأن الناس مراتب، الأدنى فالأدنى حتى الأنبياء. أو في نقصٍ كذلك نحو: المؤمن يُجْزى بالحسنات حتى مثقالِ الذرة، هذا فيه نقص، مثال الذرة: قليل! ونحو: غلبك الناس حتى الصبيان والنساء. إذاً: هذه أربعة شروط لا بد من استيفائها، نص الناظم على اثنين منها فقط: (بَعْضَاً بحَتَّى اعْطِفْ عَلَى كلِّ) اعْطِفْ: فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، اعطف بعضاً .. جزءً، بِحَتَّى: جار ومجرور متعلق بقوله: اعْطِفْ، وبَعْضَاً: مفعول مقدم، (عَلَى كلِّ) جار ومجرور متعلق بقوله: اعْطِفْ، إذاً: (اعطف بحتَّى بعضاً على كلٍّ) بأن يكون المعطوف جزءً من المعطوف عليه حقيقةً أو تأويلاً أو شبيهاً بالبعض، والأمثلة كما ذكرناها. (وَلاَ يَكُونُ إِلاَّ غَايَةَ الَّذِي تَلاَ) هذا الشرط الرابع: أن يكون غاية، يعني: نهاية الشيء أو آخر الشيء، (وَلاَ يَكُونُ) يكون الضمير هنا يحتمل أنه يعود على البعض أو على المعطوف: ولا يكون المعطوف إلا غايةً .. ولا يكون البعض إلا غاية، (وَلاَ يَكُونُ) أي: البعض أو المعطوف، (إِلاَّ غَايَةَ) يعني: آخر الشيء، (الَّذِي تَلاَ) يعني: المتلو، ما هو المتلو؟ المعطوف عليه، يعني: المعطوف يكون غايةً للمعطوف عليه، فإن انتفى بأن لم يكن غايةً له .. آخر الشيء، متعلقاً به على الجهات الثلاث السابقة، حينئذٍ لا يصح العطف بـ (حتى).

(وَلاَ يَكُونُ) هذا يكون: فعل مضارع ناقص، والضمير المستتر اسم يكون، (إِلاَّ غَايَةَ الَّذِي تَلاَ) أين خبر يكون؟ (الَّذِي) اسم موصول مضاف إليه، و (تَلاَ) فعل ماضي، وفاعله ضميرٌ مستترٌ جوازاً، والجملة لا محل لها صلة الذي، وجملة تكون واسمه خبر في محل نصب حال، أين خبر يكون؟ غَايَةَ، وغَايَةَ: مضاف، والَّذِي: مضاف إليه، وتَلاَهُ: الضمير المحذوف هنا العائد يكون صلة الموصول، وجملة: (لاَ يَكُونُ) أعربها محيي الدين أنها: في محل نصب حال. من ماذا؟ اعطف بعضاً حال كونه لا يكون إلا غاية الذي تلا، هذا محتمل. (إِلاَّ غَايَةَ) يعني: آخر الشيء (الَّذِي تَلاَ) الذي هو المعطوف وحذف الضمير. قال ابن عقيل: " يشترط في المعطوف بـ (حتى) أن يكون بعضاً مما قبله وغايةً له " ولذلك عَبَّر ابن هشام عن هذا المعنى: أن (حتى) للغاية والتدريج، ومعنى الغاية: آخر الشيء، والتدريج: أن ما قبلها ينقضي شيئاً فشيئاً، هذا صحيح: قدم الحجاج حتى المشاة، ما يأتون دفعة واحدة .. لحظة واحدة، وإنما يأتون شيئاً فشيئاً، مات الناس حتى الأنبياءُ .. شيئاً فشيئاً، لا يموتون دفعةً واحدة، أكلت السمكة حتى رأسَها لا يقع دفعةً واحدة. إذاً التدريج: أن ما قبلها ينقضي شيئاً فشيئاً إلى أن يبلغ الغاية، في زيادةٍ أو نقصٍ، نحو: مات الناس حتى الأنبياءُ، وقدم الحجاج حتى المشاةُ. نقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

94

عناصر الدرس * تتمة معاني حروف العطف (أم) وأنواعها * أو ... إما ... لكن .... لا ... بل * العطف على الضمير المرفوع المتصل * العطف على الضمير المخفوض. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال الناظم - رحمه الله تعالى -: وَ"أَمْ" بِهَا اعْطِفْ إِثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَهْ ... أَوْ هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ (أمْ) على قسمين: منقطعة وستأتي، ومُتَّصِلة: وهي التي عناها الناظم رحمه الله تعالى بهذا البيت: (وَ"أَمْ" بِهَا اعْطِفْ إِثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَهْ)، و (أم) المُتَّصِلة سميت مُتَّصِلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، وتسمى: معادِلة، لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية، وهذا في النوع الأول الذي عناه بقوله: (وَ"أَمْ" بِهَا اعْطِفْ إِثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَهْ) والاستفهام في النوع الثاني وهي (أم) التي تكون مغنيةً عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ"). إذاً (أم) المراد بهذا البيت أم المُتَّصِلة، المنقطعة ستأتي. (أَمْ) هذا مبتدأ، و (اعطف بها) (بها) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (اعْطِفْ) وهو فعل أمر، والجملة خبر، كما سبق أنه يجوز إيقاع الجملة الطلبية خبراً عن المبتدأ، فـ (أم) قصد لفظها وهي حرف في الأصل، لكن هنا مبتدأ، و (بِهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اعْطِفْ) والفاعل: ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، هذا بناءً على قول الجمهور من صحة إيقاع الجملة الطلبية خبراً عن المبتدأ. (إِثْرَ) هذا ظرف، بمعنى: بعد، ظرف مكان مُتعلِّق بقوله: (اعْطِفْ) اعطف بعد .. إثر، وهو مضاف و (هَمْزِ التَّسْوِيَهْ) (هَمْز) مضاف إليه، و (هَمْزِ) مضاف و (التَّسْويَهْ) مضافٌ إليه، (أَوْ) للتنويع (هَمْزَةٍ) هذا معطوف على (هَمْزٍ) يعني: أو إثر همزٍ .. أو إثر همزةٍ، معطوف عليه، والهمز يُذكَّر ويُؤنَّث، ولذلك ذَكَّره في الأول وأنَّثَه في الثاني، فهو معطوفٌ على قوله: (هَمْزٍ). (عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ) مغنية هذا نعت لهمزٍ، همزة مغنيةٍ، (عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ") عن لفظ: جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مُغْنِيَهْ) لأن المغني اسم فاعل فتعلق به الجار والمجرور، ولفظ: مضاف، وأيِّ: مضافٌ إليه. إذاً: أشار بهذا البيت إلى أن (أم) تكون مُتَّصِلة، وهي التي تقع بعد همزة التسوية (إِثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَهْ) يعني: تقع بعد همزة التسوية، نحو: سواءٌ عليَّ أقُمتَ أم قَعَدتَ، (أمْ) نقول: هذه مُتَّصِلة، لماذا؟ لأنها وقعت بعد همز التسوية، وهي الداخلة على: أقُمت، وهي المتقدمة عليها سواء وليس اللفظ خاصٌ بسواء.

(وَ"أَمْ" بِهَا اعْطِفْ إِثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَهْ)، همز التسوية هي الهمزة الداخلة على جملةٍ في محل المصدر، يعني: ما بعدها يكون مصدراً، وسبق معنا: أن همز التسوية بعضهم يرى أنها من حروف المصدرية، يعني: تؤول مع ما بعدها بمصدر، وإن كان المشهور عند النحاة خلاف ذلك، حينئذٍ: ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] الهمزة هنا همز التسوية، دخلت على فعل .. جملة فعلية، حينئذٍ تؤول مع ما بعدها بمصدرٍ عند بعضهم، فيجعلون مثل (أن) المصدرية و (ما) المصدرية و (لو) و (كي)، فهي حرفٌ مصدري، حينئذٍ تصير الحروف المصدرية ستة، مع ما سبق خمسة وهذه السادسة، لكن أكثر النحاة على المنع. وجعلوا ما بعدها في قوة المصدر، يعني: يؤول بمصدر، وهذا من الغرائب! ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ)) [البقرة:6] يعني: مستوٍ عليهم إنذارك وعدمه، من أين جئنا بإنذارك؟ قالوا: جُعل ما بعدها همزة التسوية مصدر، فهي داخلةٌ على جملة في محل المصدر، ولكنها لا تؤول مع ما بعدها بمصدر، من أين جئنا بالمصدر؟ لا بُدَّ من حرفٍ ينسبك مع ما بعده فيؤول بالمصدر، قالوا: لا، وإنما دخلت على جملةٍ في محل المصدر. إذاً (هَمْزُ التَّسْوِيَهْ) هي الهمزة الداخلة على جملةٍ في محل المصدر، يعني: ما بعد الهمزة في محل المصدر، وليست الهمزة حرفاً مصدرياً تؤول مع ما بعده بمصدر، هذا على قول الجمهور، ومن رأى أنها مصدرية أولها ما بعدها بمصدر، مثل: (أن) و (ما) المصدرية. وتكون هي والمعطوفة عليها فعليتين وهو الأكثر، نحو قوله تعالى: ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] يعني: تكون (أمْ) والمعطوف عليها جملتان فعليتان، ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] أمْ: هنا الشاهد، أأنذرتهم: هذه سابقة على (أمْ) ((أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] هذه لاحقة، إذاً: وقعت (أمْ) بين جملتين فعليتين، الأولى: أنذرتهم، والثانية: أم لم تنذرهم، وقعت (أمْ) بينهما. والجملة الأولى دخلت عليها همزة التسوية: أأنذرتهم، الهمزة الأولى همزة التسوية، إذاً: (أمْ) مسبوقة بهمزة التسوية، ودخلت على جملةٍ فعلية، وجاء بعد (أمْ) جملة فعلية، هذا صورة لـ (أمْ) المُتَّصِلة. أن تكون هي والمعطوفة عليها فعليتين وهو الأكثر، كالآية التي ذكرناها. واسميتين، نحو: (أَموتيَ ناءٍ أَمْ هوَ الآنَ واقعُ) إذاً (أمْ) المُتَّصِلة وقعت بين جملتين، أموتي ناءٍ: بعيد، جملة اسمية مؤلفة من مبتدأ وخبر، أم هو الآن واقع .. هو واقع، إذاً: وقعت بين جملتين اسميتين، ودخلت همزة التسوية على الجملة الأولى: أموتي، إذاً: (أَموتيَ ناءٍ أَم هوَ الآنَ واقعُ) (أمْ) المُتَّصِلة وقعت بين جملتين اسميتين، والجملة الأولى دخلت عليها همزة التسوية.

ومختلفتين، يعني: أن تقع (أمْ) بين جملتين إحداهما اسمية والأخرى فعلية، نحو: ((سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ)) [الأعراف:193] أدعوتموهم: همزة التسوية، دخلت على: دعوتموهم، جملة فعلية دعا، فعلٌ ماضي، ((أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ)) [الأعراف:193] أنتم صامتون: جملة اسمية، إذاً: وقعت (أمْ) المُتَّصِلة بين جملتين مختلفتين. نأخذ من هذا: أن (أمْ) المُتَّصِلة لا يشترط فيها أن تقع بين جملتين فعليتين، أو اسميتين، أو مختلفتين، بل تقع في الأحوال الثلاثة مع الجميع، ولكن الأكثر أن تقع بين جملتين فعليتين. وَ"أَمْ" بِهَا اعْطِفْ إِثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَهْ ... أَوْ هَمْزَةٍ .. إذاً: عرفنا الأولى أن (أمْ) يعطف بها بعد همز التسوية، وهمز التسوية قيل: أنها المسبوقة بسواء، وهذا الكثير الغالب: ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] يعني: مستوٍ عليهم، ومن هنا أُخذت همزة التسوية، سُويَّ بين ما قبل (أمْ) وما بعدها، ولكن هذا ليس بلازم، يعني: همزة التسوية لا يلزم أن تكون واقعةً بعد لفظة: سواء، بل كما تقع بعدها تقع بعد: ما أبالي، وما أدري، وليت شعري ونحوه، لكن الأكثر أنها تقع بعد: سواء. ويُفهم من غيرها حينئذٍ المساواة بين طرفين: كل ما دل على مساواةٍ بين طرفين حينئذٍ ما بعده تكون الهمزة همزة التسوية. (أَوْ هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ) هذا النوع الثاني مما يُحكم عليه بكونها مُتَّصِلة، وهو أن تقع (أمْ) بعد همزة تؤدي معنى (أي)، أيهما عندك: زيدٌ أم عمروٌ .. أزيدٌ عندك أم عمروٌ؟ (أمْ) هذه المُتَّصِلة، وقعت بين مفردين، أزيدٌ: الهمزة هذه ليست همزة تسوية، وإنما هي همزة مغنيةٌ عن لفظ (أي) يعني: يستغنى بلفظها عن لفظ (أي) فإذا قلت: أزيدٌ عندك أم عمروٌ في قوة قولك: أيهما عندك؟ حينئذٍ الهمزة هنا و (أي) في المعنى واحد، وليس فيه استواء كما هو الشأن في الهمزة السابقة. إذاً: ضابط (أمْ) المُتَّصِلة هو ما ذكرنا. (أَوْ هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ) وهي الهمزة التي يُطلب بها وبـ (أمْ) التعيين، مثل: أيهما عندك زيدٌ أم عمروٌ؟ وهي الهمزة -المعادلة لـ (أيٍّ) - التي يُطلب بها وبـ (أمْ) التعيين، وتقع بين مفردين غالباً، انظر! همزة التسوية السابقة التي تقع بعد (أمْ) الغالب، بل لا تقع إلا بين جملتين فعليتين أو اسميتين أو مختلفتين، (أمْ) التي تقع بعد الهمزة المعادلة لـ (أيِّ) في الغالب تقع بين مفردين، إذاً: لا لبس. ومن غير الغالب أن تقع بين مفردٍ وجملة لكنه قليل، أمَّا الغالب المُطَّرِد في لسان العرب تقع بين مفردين.

وهي الهمزة التي يُطلب بها وبـ (أمْ) التعيين، وتقع بين مفردين غالباً، ويتوسط بينهما ما لا يسأل عنه، نحو: ((أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا)) [النازعات:27] يتوسط بينهما ما لا يسأل عنه، إذا قيل: أزيدٌ عندك أم عمروٌ؟ هنا توسط بين زيد وعمرو: عندك، إذاً: قطعنا .. السائل لم يسأل: هل عندك أحدٌ أم لا، بل قطع بكون أحد المذكورين عندك، إذاً: زيدٌ عندك أم عمروٌ؟ فالمسئول عنه هو تحديد الذي هو كائنٌ عندك، فتوسط بين اللفظين المفردين ما لا يسأل عنه، أنا لا أسألك عن وجود أحد، بل أقطع بأن واحداً منهما موجودٌ عندك، وإنما المشكوك فيه: هو تعيين هل هو زيد أم عمرو؟ إذاً: توسط بين المفردين ما لا يسأل عنه، نحو: ((أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا)) [النازعات:27] ما لا يسأل عنه في الأول المسند، لأن السؤال عن المسند إليه، وفي الثاني العكس، وبيان ذلك: أن شرط الهمزة المعادلة لـ (أمْ) أن يليها أحد الأمرين المطلوبُ تعيين أحدهما، ويلي (أمْ) المعادل الآخر، ليفهم السامع من أول الأمر ما طُلب تعيينه، تقول إذا استفهمت عن تعيين المبتدأ دون الخبر: أزيدٌ قائمٌ أم عمروٌ؟ قائم: توسط بين زيد وعمرو، هذا لا يسأل عنه، هنا المستفهم عنه هو المبتدأ، أزيدٌ: هو الذي وليَّ الهمزة، إذا استفهمت عن تعيين المبتدأ دون الخبر قلت: أزيدٌ قائمٌ أم عمروٌ؟ وإن شئت أخرت قائم، لأنه غير مسئول عنه، فإذا قلت: أزيدٌ أم عمروٌ قائمٌ؟ صح، أخرت قائم، لأنه غير مسئول عنه، بل هو مجزوم به، ولا يطلب تعيينه، إنما المطلوب تعيينه هو ما وليَّ همزة الاستفهام: أزيدٌ عندك أم عمروٌ قائم .. أزيدٌ قائمٌ أم عمروٌ؟ حينئذٍ نقول: المستفهم عنه هو قائم. وإن شئت أخرت قائم لأنه غير مسئولٍ عنه، وإذا استفهمت عن تعيين الخبر دون المبتدأ قلت: أقائمُ زيدٌ أم قاعدٌ؟ زيدٌ موصوفٌ بأحد الوصفين قطعاً، لكن المستفهم عنه هو ما وليَّ همزة الاستفهام: أقائمٌ زيدٌ أم قاعدٌ؟ وإن شئت أخرت زيد، لأنه غير مسئولٍ عنه، وقس على هذا. إذاً: الهمزة المُعَادلة تقع بين مفردين غالباً ويتوسط بينهما ما لا يسأل عنه، يعني: أنت السائل .. أنت المستفهم، تسأل عن أي شيء، أزيدٌ عندك أم عمروٌ؟ سؤالك ليس عن كون أحد المذكورين عندك، بل هذا مقطوعٌ به، وإنما المستفهم عنه هل هو زيدٌ أم عمروٌ؟ حينئذٍ توسط بين اللفظين المفردين اللذين توسطت بينهما (أمْ) ما هو مقطوعٌ به، فقلت: أزيدٌ عندك أم عمروٌ، ولذلك لا يُجاب في هذه الحال بنعم ولا لا، وإنما يُقال: زيد، أو يُقال: عمروٌ، حينئذٍ نقول: هذا حصل به الجواب، لأن المراد هنا التعيين. إذاً: (أَوْ هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ") يعني: قائمةٌ مقام (أيٍّ) والغالب أنها تكون بين مفردين يتوسط بينهما ما لا يُسأل عنه، ثم إن استفهمت عن المبتدأ أوْلَيْتَه الهمزة: أزيدٌ قائمٌ أم عمروٌ؟ وإن استفهمت عن الخبر أوْلَيْتَه الهمزة، فقلت: أقائمٌ زيدٌ أم قاعدٌ؟ فالذي يلي الهمزة هو المستفهم عنه في الأصل.

ويتوسط بينهما ما لا يُسأل عنه، -وعرفنا الحالتين المذكورتين-، أو يتأخر عنهما نحو: ((وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ)) [الأنبياء:109]. وبين فعلين، كقوله: فَقُلتُ: أَهْيَ سَرَتْ أَمْ عادَنِي حُلُم .. إذ هي فاعلٌ لفعلٍ محذوف يفسره المذكور. واسميتين، كقوله: شُعَيْثُ بنُ سَهمٍ أَم شُعَيْثُ بن مِنقَرِ .. الأصل: (أشعيث) فحذفت الهمزة والتنوين معاً، لكن هذا ليس بالمُطَّرِد، يعني: وقوع (أمْ) المعادلة بين غير مفردين ليس بالغالب، وإنما الغالب وقوعها بين مفردين، وقد تقع بين جملتين اسميتين أو فعليتين، لكنهما ليسا بالغالب. قال الشارح هنا: (أمْ) على قسمين منقطعة وستأتي، والمُتَّصِلة وهي التي تقع بعد همزة التسوية، وليست سواءً هي التي تعين أنها همزة التسوية ومثلها نقول: ما أبالي، وما أدري، وليت شعري، وكل لفظٍ يدل على مساواة بين شيئين، فإذا وقعت الهمزة بعدها، حكمنا عليها بكونها همزة التسوية: سواءٌ عليِّ أقمت أم قعدت، يعني: مستوٍ عليِّ قيامك وقعودك .. يستوي عندي ومستوٍ قيامك، أولناها بمصدر، لأن همزة التسوية هي داخلة على جملةٍ في محل مصدر: مستوٍ عليِّ قيامك وقعودك. ومنه قوله تعالى: ((سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا)) [إبراهيم:21] مستوٍ علينا جزعنا .. جزعنا أُوِّلت بمصدر، سواءً جعلنا الهمزة .. همزة التسوية حرفاً مصدرياً أم لا، والتي تقع بعد همزةٍ مغنيةٍ عن (أيٍّ) نحو: أزيدٌ عندك أم عمروٌ، أي: أيهما عندك؟ إذاً: (أمْ) حرف عطف إذا كانت مُتَّصِلة وهي على نوعين: (أمْ) تقع بعد همزة التسوية، وعرفنا ضابطها، وهمزة تكون مغنيةً عن لفظ (أيٍّ) وتقع (أمْ) بعدها. وَرُبَّمَا أُسْقِطَتِ الهَمْزَةُ إِنْ ... كَانَ خَفَا المَعْنَى بِحَذْفِهَا أُمِنْ الهمزة السابقة: همزة التسوية والمعادلة لـ (أيٍّ) هذه قد تُذْكَر وقد تحذف، يعني: قد تكون موجودة ملفوظاً بها، وقد تكون محذوفة كالشأن في الاستفهام على جهة العموم، همزة الاستفهام مطلقاً، وهذا محل وفاق .. مجمع عليه أنه يحذف: أزيدٌ عندك أم عمروٌ .. زيدٌ عندك أم عمروٌ؟ يجوز حذفها إذا فُهِم المراد، وأمَّا إذا لم يُفهم وقد يُخشى الإيقاع في اللبس، حينئذٍ لا يجوز الحذف على القاعدة العامة، ليس خاصاً بهمزة التسوية، بل على جهة العموم. (وَرُبَّمَا) (رُبَّ) هنا للتقليل، يعني: قليل، (وَرُبَّمَا) رب: الأصل أنها من خواص الأسماء، تدخل على النكرة، من علامات الأسماء، وهي التي تعين أن مدخولها نكرة، (أُسْقِطَت) دخلت على الجملة الفعلية، لماذا؟ (ما) كافة هنا، كفتها عن العمل، فحينئذٍ سوَّغَت دخولها على الجملة الفعلية.

إذاً: (وَرُبَّمَا أُسْقِطَتِ الهَمْزَةُ) أسقط: فعلٌ ماضي مغيَّر الصيغة، والهمزة: هذا نائب فاعل، وَرُبَّمَا أُسْقِطَتِ الهَمْزَةُ .. المذكورة، يعني: التسوية والمعادلة لـ (أيٍّ)، (أُسْقِطَتِ) يعني: حذفت، متى؟ (إِنْ كَانَ خَفَا المَعْنَى بِحَذْفِهَا أُمِنْ) إذا أُمِنَ اللبس وعدم الوقوع في خفاء المعنى جاز حذفها، وإن لم يُؤمَن بأن يكون المعنى فيه خفاء بعد حذفها ولبسٌ، حينئذٍ مُنِع، (إِنْ كَانَ) إن حرف شرط، وكان: فعل الشرط، (خَفَا المَعْنَى) خفاء المعنى، قصره للضرورة، الأصل بالهمز: خفاء المعنى، خفاء: مضاف، والمعنى: مضاف إليه، وخفاء: مرفوع على أنه اسم كان. (خَفَا المَعْنَى) خفاء المعنى، معنى ماذا؟ معنى الهمزة، الذي هو التسوية أو كونها معادلة لـ (أيِّ)، إن كان عُلِمَ بعد الحذف حينئذٍ نقول: أمِنَ اللبس فجاز، وإن لم يُعْلَم هل المراد به الاستفهام الحقيقي، أم المراد به الاستفهام مع التسوية، وكون هذه (أي) نائبة مناب (أي) إذا خفي المعنى .. ، (إِنْ كَانَ خَفَا المَعْنَى بِحَذْفِهَا أُمِنْ)، (أُمِنْ) هذا فعل ماضي مغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على خفاء المعنى، و (بِحَذْفِهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: خفا، إن كان خفاء المعنى بسبب حذفها أمِنَ، والباء سببية هنا. حينئذٍ القاعدة: أن الأصل أن (أمْ) تكون تاليةً لهمزة التسوية أو همزة معادلة للفظ (أيٍّ) ثم الأصل أن تكون مذكورة، وهذا هو الكثير الغالب، وَرُبَّمَا على قلةٍ حذفت الهمزة بنوعيها إن كان خفاء المعنى بحذفها مأمون ليس بخافٍ، فإذا كان خافياً فالخفاء حينئذٍ يوقع في اللبس، وكل ما أوقع في اللبس فهو ممنوعٌ. أي: قد تحذف الهمزة، والهمزة المغنية عن (أيٍّ). إذاً: (خَفَا المَعْنَى) يعني: معنى همزة التسوية، ومعنى الهمزة المغنية عن (أيٍّ) فاللفظ عام. عند أمن اللبس وتكون أم مُتَّصِلة كما كانت والهمزة موجودة، إذاً: لا فرق بينهما، فحذفت الهمزة قبل (أمْ) لا يخرجها عن كونها مُتَّصِلة، هذا مراده، إذا حذفت الهمزة حينئذٍ نقول: (أمْ) لم تسبق بهمزة: ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] أين الهمزة؟ لا يوجد عندنا همزة، بقراءة ابن محيصن: سواءٌ عليهم أَنذرتهم، القراءة المشهورة: ((أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] حذفت الهمزة لدلالة سواء، لأن سواء تدل على التسوية، فحذفت الهمزة، هل وجود (أمْ) في اللفظ هنا غير مسبوقة بهمزة التسوية يخرجها عن كونها حرف عطف .. كونها مُتَّصِلة؟ الجواب: لا. عند أمن اللبس، وتكون (أمْ) مُتَّصِلة كما كانت والهمزة موجودة، ومنه قراءة ابن محيصن: سواءٌ عليهم أنذرتهم، همزة واحدة، ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] بإسقاط الهمزة من: أنذرتهم، إذاً: (أمْ) هذه تحكم عليها بأنها مُتَّصِلة وهي مسبوقة بهمزة التسوية تقديراً، ومنه قول الشاعر: لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنتُ دَارِياً ... بِسَبعٍ رَمَينَ الجَمرَ أَمْ بِثَمَانِ

(لَعمرُكَ مَا أدري) ما أدري هذا مثل: سواء، مثل: ليت شعري، (بسبعٍ رمينَ الجمرَ أمْ بِثَمَانِ) (أمْ) هنا نقول: مُتَّصِلة لكونها مسبوقة بما دل على التسوية وهو: (مَا أدري)، من شرطها أن تكون مسبوقةً بالهمزة، أين الهمزة؟ نقول: الهمزة هنا مُقدَّرة، ولا يشترط في الحكم عليها بكونها مُتَّصِلة: أن تكون الهمزة ملفوظاً بها لا، وإنما ولو كانت بالنية .. ولو كانت مُقدَّرة، (ورُبَّمَا أسقِطَت الهمزة) إذاً: هنا أسقطت: أبسبعٍ رمين الجمر أم بثمان؟ لا يدري، إذاً: فرق بين (أمْ) المُتَّصِلة و (أمْ) المنقطعة، و (أمْ) المُتَّصِلة هذه هي المسبوقة بهمزة التسوية أو همزة مغنيٍة عن لفظ (أيٍّ)، وسواءٌ كانت هاتان الهمزتان ملفوظاً بهما أم محذوفين. ويُفرَّق أيضاً بين النوعين، يعني: ما كان مسبوقاً بهمزة التسوية، والهمزة المغنية عن لفظ (أيٍّ)، يفرق بينهما من أربعة أوجه: الأول والثاني: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جواباً، يعني: لا ينتظر المُتكَلِّم جواباً من المخاطب، لأنه ما قصد بها الاستفهام بخلاف التي أغنت عن لفظ (أيٍّ). أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جواباً، لأن المعنى معها ليس على الاستفهام، بل على الإخبار بالتسوية: ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] يعني: يستوي عليهم إنذارك وعدمه، أين الجواب؟ ما تقتضي جواباً، المعنى واضح، بل على الإخبار بالتسوية، أخبر بأنه يستوي عندهم الإنذار وعدمه، إذاً: لا تقتضي جواباً. وأن الكلام معها قابلٌ للتصديق والتكذيب، لأنه خبر، وليست تلك كذلك -التي هي المغنية عن لفظ (أيٍّ) - ليست كذلك، لأن الاستفهام معها على حقيقته، ولذلك تقتضي جواباً: أزيدٌ عندك أم عمروٌ؟ زيد جواب .. عمرو جواب، تقتضي جواب لأنها قائمةٌ مقام (أيّ) و (أيّ) استفهامية بخلاف التي للتسوية. وليست تلك كذلك لأن الاستفهام معها على حقيقته، يعني جملة: سواءٌ علي أقمت أم قعدت، تقبل التصديق والتكذيب لأنه خبر صادق أم كاذب، قد يقول: سواءٌ عليِّ قعدت أم مشيت، نقول: لا هذا يحتمل أنه يكذب، ويحتمل أنه يصدق بخلاف جملة: أزيدٌ قائمٌ أم عمروٌظ لأنه استفهام وهو إنشاء، والاستفهام لا يحتمل التصديق والتكذيب، هذا الأول والثاني. الثالث والرابع: أن (أمْ) الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين ولا تقع بين مفردين كما ذكرناه، ولا تكون الجملتان معها، إلا في تأويل المفردين، حينئذٍ يُفرَّق بين النوعين، وأهم شيء: أن الأولى لا تقتضي جواباً: سواءٌ عليَّ أقمت أم قعدت، لا تقتضي جواباً، والثانية بخلافها، لأن الاستفهام معها باقٍ، ولذلك تؤول بـ (أيّ)، أيهما عندك؟ زيد، أيهما عندك؟ عمرو. وَبِانْقِطَاعٍ وَبِمَعْنَى "بَلْ" وَفَتْ ... إِنْ تَكُ مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ خَلَتْ هذا هو النوع الثاني، وهو: (أمْ) المنقطعة، وهي بمعنى: (بل) الإضرابية، والإضراب المراد به: الإبطال، يعني: أن يُبْطَل حكم ما قبل (أمْ) كما هو الشأن في (بل) في بعض مواضعها.

(وَبِانْقِطَاعٍ) هذا مُتعلِّق بقبله: (وَفَتْ) يعني: (أمْ)، أيُّ (أمْ)؟ الضمير في قوله: (وَفَتْ، وتَكُ .. قُيِّدَتْ .. خَلَتْ) هذا أربعة ضمائر تعود على (أمْ) السابقة، وهو قد تكلم عن (أمْ) المُتَّصِلة، قال بعضهم: يلزم منه تعارض، كيف يَحكم على (أمْ) المُتَّصِلة السابقة بأنها بمعنى (بل)؟ هذا تناقض، لا: الضمير هنا يرجع إلى لفظ (أمْ) السابقة دون معناها. (أمْ) السابقة من حيث اللفظ بمعنى: (بل) وأمَّا (أمْ) المُتَّصِلة المقيدة بالمعنى .. المُتَّصِلة، فلا يرجع إليها الضمير، وإلا حصل تناقض، كيف يَحكم عليها بأنها مُتَّصِلة، ثُمَّ يقول: (وَبِانْقِطَاعٍ وبِمَعْنى "بَلْ" وَفَتْ) وفت يعني: أتت، يُقال: وافى فلان إذا أتى. (وَبِانْقِطَاعٍ) قلنا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (وَفَتْ) يعني: وفت بانقطاعٍ، (وَبِمَعْنَى "بَلْ") ما الفرق بين الانقطاع ومعنى (بل)؟ هذا من عطف أحد المتلازمين على الآخر، لأنه إذا قيل: منقطعة معناه أنها بمعنى: (بل) وإذا قيل بمعنى (بل) لزم أن تكون منقطعة، فالمعنى حينئذٍ من عطف أحد اللازمين على الآخر. (وَبِانْقِطَاعٍ) قلنا مُتعلِّق بقوله: (وَفَتْ)، (وَبِمَعْنَى "بَلْ") كذلك معطوفٌ على بانقطاعٍ، والمراد بـ (بل) هنا: بل المنقطعة. (إِنْ تَكُ) أن تك (أمْ) (مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ) وهو أن تكون مسبوقةً بإحدى الهمزتين السابقتين: همزة التسوية و (هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ)، إن لم تكن مسبوقةً بواحدةٍ من هاتين الهمزتين لفظاً أو تقديراً فهي (أمْ) المنقطعة التي بمعنى: (بل)، إِنْ تَكُ مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ وما هو القيد؟ أن تكون مسبوقةً: . . . إِثْرَ هَمْزِ التَّسْوِيَهْ ... أَوْ هَمْزَةٍ عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ هذا هو القيد. إذاً: إذا خلت عن هذا القيد فاحكم عليها بأنها منقطعة وبمعنى (بل). إذاً قوله: (قُيِّدَتْ بِهِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (قُيِّدَتْ)، وهو أن تكون مسبوقةً بإحدى الهمزتين لفظاً أو تقديراً. قوله: (وَبِانْقِطَاعٍ) ظاهره أنها عاطفة .. أنها باقيةٌ على عطفها، وهذا أمرٌ مختلفٌ فيه، إذا كانت منقطعة هل هي عاطفة أم لا؟ لكن ظاهر من كلام الناظم هنا أنها عاطفة، وعليه يكون ذكرها هنا استطرادياً لتتميم أقسام (أمْ)؛ لأنه ما دام أنه ذكرها في السابق حينئذٍ تذكر (أمْ) من حيث هي، وأمَّا من حيث ذكر الأقسام فهذا من باب التتميم، لأننا إذا ذكرنا الحرف بكونه عاطفاً وأثبتناه بأحد أنواعه كفى، لأنه يريد ماذا بهذا الباب؟ أن يثبت ما يحصل به عطف النسق، حينئذٍ أثبت أن عطف النسق يحصل بـ (أمْ) المُتَّصِلة، فكفى عن أن يذكر القسم الثاني لـ (أمْ) وهي المنقطعة. حينئذٍ إذا أثبت أنها عاطفة، وهو ظاهر كلامه هنا، يكون ذكرها هنا استطرادياً لتتميم أقسام (أمْ)، وفي كون (أمْ) المنقطعة عاطفة أم لا؟ ثلاثة أقوال، يعني: مختلف فيها، السابقة عاطفة لا شك .. مُتَّصِلة عاطفة، وأمَّا المنقطعة ففيها ثلاثة مذاهب: الأول: ليست عاطفةً أصلاً لا في مفردٍ ولا جملة، وهو قول ابن جني.

الثاني: أنها للعطف في المفرد قليلاً، وفي الجمل كثيراً، وعليه ابن مالك في غير هذا الكتاب: أنها عاطفة في المفرد قليلاً، يعني: تكون عاطفةً في المفردات والجمل، لكنها في الجمل أكثر منها في المفرد. الثالث: للعطف في الجمل فقط، ولا تعطِف مفرداً البتة، وكل ما ورد في لسان العرب من أن ظاهره عطف مفرد على مفرد بـ (أمْ) المنقطعة فهو مؤول. (وَبِانْقِطَاعٍ وبِمَعْنى "بَلْ") هذا معطوفٌ على قوله: (بِانْقِطَاعٍ) لأن الجار والمجرور قد يعطف على ما قبله، لا يلزم منه أن يكون بمعنى (بل) مُتعلِّق بقوله: (وَفَتْ) لا، بل هو جار ومجرور معطوفٌ على ما سبق، يعني: قد يعطف الاسم المفرد على الاسم المفرد، وقد تعطف الجملة على الجملة، وقد يعطف الفعل على الفعل، وقد يعطف الجار والمجرور على الجار المجرور مثله. (وَبِانْقِطَاع) نقول: هذا مُتعلِّق بقوله: (وَفَتْ)، (وبِمَعْنى "بَلْ") معطوف على (بِانْقِطَاعٍ) لأنه متممٌ له، كلٌ منهما ملازمٌ للآخر، ولذلك العطف هنا من عطف أحد المتلازمين على الآخر، والضمير في قوله: (وَفَتْ)، و (تَكُ)، و (قُيِّدَتْ)، و (خَلَتْ) راجعٌ إلى (أمْ) في قوله: (وَ"أَمْ" بِهَا اعْطِفْ) والمراد بها ثَمَّ لفظها. (إِنْ تَكُ) ما إعراب: تكُ؟ فعل مضارع ناسخ مجزوم، وجزمه السكون على النون محذوفة، علة الحذف تخفيفاً، (إِنْ تَكُ) واسمها: ضمير مستتر يعود على (أمْ) هي، وأين الخبر؟ (خَلَتْ) إن تكُ خاليةً .. مفردة، (مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ) مما: جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: خلت، إن تك خلت من الذي قيدت به، وجملة: قيدت به، لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، لأن (مِمَّا) من: حرف جر، وما: اسمٌ موصولٌ بمعنى: الذي، مجرور .. جار ومجرور لا بُدَّ لهما من مُتعلَّقٍ تتعلق به وهو خلت. و (قُيِّدَتْ بِهِ) نقول: ما هذه اسم موصولٌ بمعنى: الذي، تقتضي الصلة .. تقتضي جملة لا بُدَّ من تتميمها وكشف الإبهام الذي فيها بجملةٍ، وهو جملة: قيدت به. ولا يفارقها حينئذٍ معنى الإضراب، إذا قيل: (بِانْقِطَاعٍ وبِمَعْنى "بَلْ") معناه حينئذٍ دلت على معنى الإضراب وهو الإبطال، قيل: لا يفارقها حينئذٍ معنى الإضراب، وكثيراً ما تقتضي مع ذلك استفهاماً حقيقياً، يعني: تكون دالةً على معنيين معاً، وهما الإضراب والاستفهام، يعني: دلت على الإضراب وهو الإبطال .. وهو الانقطاع وهو معنى: (بل) كلها هذه مترادفة. وكذلك دلت مع ذلك .. اقتضت استفهاماً حقيقياً نحو: إنها لإبلٌ أم شاءٌ؟ (أمْ) هنا نقول: مُتَّصِلة أم منقطعة؟ منقطعة، لماذا؟ لأنها لم تسبق بهمزة التسوية ولا بهمزة عَنْ لَفْظِ "أَيٍّ" مُغْنِيَهْ، إذاً: إذا خلت عن القيد المشترط في (أمْ) المُتَّصِلة حكمنا عليها بكونها منقطعة، يعني بمعنى: (بل).

طيب! إذا قال قائل -وهذا مسموعٌ-: إنها لإبلٌ أم شاءٌ؟ يعني: بل شاءٌ، إمَّا إبل أو شاء واحد منهما، المحكوم عليه شيء واحد، إنها لإبلٌ ثم ظهر له أنها ليست بإبل، قال: أم شاءٌ يعني: بل هي شاء. أي: بل أهي شاءٌ، وإنما قُدِّرَ بعدها المبتدأ لأنها لا تدخل على المفرد .. المنقطعة لا تدخل على المفرد، أو كان الاستفهام إنكارياً، عرفنا المثال السابق: إنها لإبلٌ أم شاءٌ؟ أم أهي شاءٌ؟ إذاً: الكلام هنا فيه معنى الاستفهام، أم منقطعة قطعاً، لأنها لم تسبق بالهمزتين. قال بعضهم: في هذا المحل هي مشربةٌ معنى الاستفهام، لأن قوله: إنها لإبلٌ أم شاءٌ .. أم أهي شاءٌ؟ على معنى الاستفهام، ويُقدَّر لشاء أنه خبر مبتدأ محذوف داخلةٌ عليه الهمزة، لأن (أمْ) المنقطعة لا تدخل على المفرد. أو كان الاستفهام إنكارياً نحو قوله تعالى: ((أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ)) [الطور:39] يعني: بل أله البنات؟ إذاً نقول: بعد (أمْ) هنا المنقطعة له البنات، وهي جملة ليست مثل: شاء، حتى نحتاج إلى تقدير، وإنما قال: ((أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ)) [الطور:39] يعني: أم أله، إذاً: صار استفهاماً لكنه ليس استفهاماً حقيقياً كالسابق، وإنما استفهام مرادٌ به الإنكار. أو إنكارياً نحو: ((أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ)) [الطور:39] أي: بل أله البنات، وقد لا تقتضيه البتة، يعني: تكون مجردةً للإضراب فحسب، وليست متضمنة للاستفهام، نحو: ((أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)) [الرعد:16] أم: هذه منقطعة، يعني: بل، ((هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)) [الرعد:16] هل يصح أن يكون التقدير: بل أهل تستوي الظلمات والنور، فيدخل الاستفهام على الاستفهام؟ لا يصح، إذاً: هنا جُرِّدت لمعنى الإضراب فحسب، لأن الجملة التي تليها هي للاستفهام، فكيف تكون متضمنةً لمعنى الاستفهام؟! فحينئذٍ يلزم منه إدخال الاستفهام على الاستفهام وهذا باطل. إذاً: ((أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)) [الرعد:16] نقول: هنا الجملة (أمْ) منقطعة، وهي مقتضية للإضراب فحسب، وليست مقتضية للاستفهام قطعاً، لأن ما بعدها جملةٌ مستفهم عنها بـ (هل) والاستفهام لا يدخل على الاستفهام. أي: بل هل تستوي، إذ لا يدخل استفهامٌ على استفهام، وهذا مذهب الكوفيين: أن (بل) المنقطعة تأتي للإضراب مشربةً الاستفهام بنوعيه الحقيقي والإنكاري، وتأتي للإضراب فحسب البتة، إذاً: قد تُجرَّد للإضراب عن الاستفهام، هذا مذهب الكوفيين. ومذهب البصريين: أنها أبداً بمعنى (بل) والهمز جميعاً، لا يمكن أن تكون (أمْ) المنقطعة مُجرَّدةً للإضراب، بل لا بُدَّ وأن تكون في كل مثال متضمنة لمعنى الاستفهام. ومذهب البصريين: أنها أبداً بمعنى: (بل) والهمز جميعاً، فلا تكون في مثالٍ ما للإضراب وحده، ولا تكون في مثالٍ ما للاستفهام وحده، بل لا بُدَّ أن يجتمعا.

وقيل: لا خلاف بينهما -بين البصريين والكوفيين- في مجيء (أمْ) للدلالة على الإضراب وحده، وإنما الخلاف في تسميتها، فالكوفيون يسمونها: منقطعة، والبصريون يقولون: لا مُتَّصِلة ولا منقطعة، يعني: أراد التسوية بين المذهبين، يقول: البصريون لا يمنعون أن تأتي (أمْ) المنقطعة للإضراب وحده، لكن لا يسمونها منقطعة. إذاً الخلاصة: أن (أمْ) إذا كانت منقطعة ففي معناها مذهبان: الأول: أنها للإضراب والاستفهام معاً، لا تنفك عن الاستفهام البتة، لا تكون في محلٍ للاستفهام دون الإضراب، ولا في محلٍ للإضراب دون الاستفهام، بل لا بُدَّ من اجتماعهما معاً، وهذا مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين لا: تأتي مشربةً استفهام وتأتي مُجرَّدةً عن الاستفهام، والمثال الذي ذكروه واضح: ((أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)) [الرعد:16] لأنه لا يتصور هنا مذهب البصريين إلا على تأويلٍ بعيد، وهم قد يسلمون بأنها هنا للإضراب، لكنها لا يسمونها: منقطعة، فحينئذٍ تكون النتيجة في ماذا؟ يكون الخلاف لفظياً، لكن لو سُلِّم هذا وإلا الخلاف موجود. وَبِانْقِطَاعٍ وَبِمَعْنَى "بَلْ" وَفَتْ ... إِنْ تَكُ مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ خَلَتْ قال الشارح: " أي: إذا لم يتقدم على (أمْ) همزة التسوية ولا همزة مغنيةٌ عن (أيّ) فهي منقطعة، وسميت بذلك لوقوعها بين جملتين مستقلتين "، منفصلتين مثل: (بل)، ما جاء زيدٌ بل عمروٌ .. منفصلة، وتفيد الإضراب، والمراد بالإضراب: الإبطال، يعني: أبطلت ما قبله، وجعلت الحكم لما بعده: ما جاء زيدٌ بل عمروٌ، من الذي ثبت له الحكم؟ ما بعد (بل) ولذلك قال: (بِمَعْنَى "بَلْ"). و (بل) ليست دائماً للإضراب قد تكون للانتقال، لكن المراد به هنا: الإبطال الكلي، يعني: الذي يُعرض كلياً عن ما قبلها. وتفيد الإضراب كـ (بل) كقوله تعالى: ((لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ)) [يونس: 37 - 38] بل يقولون افتراه، ومثله: إنها لإبلٌ أم شاء، أي: بل أهي شاءٌ على مذهب الكوفيين، بل هي شاءٌ على مذهب البصريين، لأنه لا ينفك عندهم الاستفهام عن الإضراب، وأمَّا عند الكوفيين فالمثال صالحٌ للاجتماع، وليس بصالحٍ للانفكاك، أي: بل هي شاءٌ، ويحتمل هذا. إذاً: اختلف في معنى (أمْ) المنقطعة على مذهبين، فقيل: الإضراب والاستفهام معاً، وقيل: الإضراب فقط، وقد تُشرب معنى الاستفهام. خَيِّرْ أَبِحْ قَسِّمْ بِأَوْ وَأَبْهِمِ ... وَاشْكُكْ وَإِضْرَابٌ بِهَا أَيْضَاً نُمِي (خَيِّرْ أَبِحْ قَسِّمْ بِأَوْ)، بأو جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (خَيِّرْ)، وأو هنا قُصِدَ لفظها، فحينئذٍ صارت اسماً فدخل عليه الحرف فجُرَّ بحرفٍ .. جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (قَسِّمْ)، وخير وأبح حينئذٍ نُقدر له بأو ثم نحذفها، خير بأو .. أبح بأو .. قسم بأو، والجمل هنا معطوفة بحذف العاطف: خَيِّرْ وأَبِحْ وقَسِّمْ وَأَبْهِمِ ... وَاشْكُكْ وَإِضْرابٌ .. إذاً: (بِأَوْ) تنازع فيه العوامل الثلاثة السابقة، فأعمل ما شئت منها، والأولى أن يُعمَل المتأخر وهو (قَسِّمْ)، حينئذٍ تقول بأو مُتعلِّق بقوله: (قَسِّمْ)، وأمَّا (خَيِّرْ أَبِحْ) حينئذٍ نحتاج إلى محذوفٍ نقدره له.

(وَأَبْهِمِ وَاشْكُكْ) يعني: أبهم بأو، واشكك بأو، هنا لا نقول: تنازع، لأنه متأخر إلا على مذهب من يرى التوسط، أنه من باب التنازع، والصواب أن نقول: وأبهم بأو حذف منه الجار والمجرور لدلالة ما سبق عليه، حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، وَاشْكُكْ: واشكك بأو كذلك. (خَيِّرْ أَبِحْ) .. خَيِّر بـ: (أوْ) يعني: إتي بـ (أوْ) حال كونك مريداً معنى التخيير، فتُستعمل (أوْ) في ستة معانٍ ذكرها الناظم في هذا البيت، وهو التخيير المراد بقوله: (خَيِّرْ)، و (أَبِحْ) الإباحة، و (قَسِّمْ) التقسيم، الثالث (وَأَبْهِمِ) الإبهام، (وَاشْكُكْ) الشك، وسادساً: الإضراب، وهذا محل النزاع. إذاً: تأتي (أوْ) للتخيير، ليس المراد هنا خيِّر بمعنى: أن الفعل هنا يدل على الوجوب لا، وإنما أبيح لك أن تأتي بـ (أوْ) مراداً بها التخيير، وأبيح لك أن تأتي بـ (أوْ) مراداً بها الإباحة وهكذا. تُستعمل (أوْ) للتخيير نحو: خذ من مالي درهماً أو ديناراً، خيره يعني: أنت مُخيِّر بين شيئين، وقد تأتي بين أشياء، لكن المثال هنا بين اثنين: خذ من مالي درهماً أو ديناراً، نقول: (أوْ) هنا أفادت التخيير، يعني: لا تجمع بينهما خذ واحداً فقط، خذ إمَّا دينار وإمَّا درهم .. هذا التخيير. وللإباحة: (أَبِحْ) الإباحة الشرعية أم العقلية؟ لا يمكن أن يتصور أن تكون الإباحة الشرعية، لماذا؟ لأن البحث لغوي، واللغة سابقة على الشرع، قطعاً هذا، يعني: موجودة اللغة ثم جاء الوحي، فهي سابقة، إذاً: ليس المراد بالإباحة هنا الإباحة الشرعية، لأن الكلام في معنى (أوْ) بحسب اللغة قبل ظهور الشرع، بل المراد الإباحة بحسب العقل .. الإباحة العقلية، أو بحسب العرف في أي وقتٍ كان وعند أي قومٍ كانوا. إذاً: ينظر في العرف هنا .. العرف مُحكَّم، حينئذٍ إذا ثَمَّ كان تخيير بين أشياء عرفاً، وقد لا يقتضيه العقل، نقول: لا بأس به أن تستعمل (أوْ) في الإباحة، نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين، -النحاة من الآجرومية إلى شروحات الألفية والمثال هذا معهم-، جالس الحسن: مفعولٌ به، أو ابن سيرين، هنا أو: للإباحة، لماذا؟ لأنه ليس كالأول، خذ من مالي ديناراً أو درهماً .. واحد لا تجمع بينهما، فـ: (أو) هنا تقتضي عدم الجمع بين ما قبلها وما بعدها، وأمَّا: جالس الحسن أو ابن سيرين، يجوز الجمع، ادرس النحو أو الفقه هذا للإباحة، ليس المراد ألا تجمع هذا إلا إذا ثَمَّ قرينة شيء آخر هذا، إنما المراد من اللفظ من حيث هو: ادرس النحو .. تعلم النحو أو الصرف، نقول: لك أن تجمع بينهما. إذاً: الفرق بين (أوْ) التي للتخيير، والتي للإباحة: أن الإباحة لا تمنع الجمع، يباح أن تجمع بينهما، وأمَّا التخيير فيمنعه، هذا التخيير يعني: بين اثنين أو أكثر. (قَسِّمْ) يعني: تأتي (أوْ) للتقسيم بنوعيه، سواء كان التقسيم: من تقسيم الكلي إلى جزئياته، أو تقسم الكل إلى أجزاءه، الكلمة: اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، الكلام: خبرٌ أو إنشاء، الكلام: اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، يجوز في نوعي التقسيم أن تأتي بـ (أوْ) إذاً: جاءت (أوْ) للتقسيم.

(أَبْهِمِ) يعني: تأتي للإبهام .. لإبهام التعمية على السامع، جاء زيدٌ أو عمروٌ؟ أنت تعرف الذي جاء، لكن تريد أن تُلبِّس عليه، فتقول: جاء زيد أو عمرو، لأنك تعلم أنه لو علم أن عمرو الذي جاء قد يأتي، فإذا قلت: جاء زيدٌ أو عمرو قد تصرفه وما يأتي، حينئذٍ نقول: هذا فيه إبهام وتدليس على السامع، جاء زيدٌ أو عمروٌ، إذا كنت عالماً بالجائي منهما وقصدت الإبهام على السامع، قيل: منه قوله تعالى: ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [سبأ:24] هذا تقسيم أو إبهام؟ مُثِّل به للتقسيم ومُثِّل به للإبهام، الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى أنه للتقسيم ولا يصح أن يكون للإبهام، لكن بعضهم يذكره في الإبهام. (وَاشْكُكْ) يعني: تأتي للشك، والفرق بين الشك والإبهام: أن المُتكَلِّم عالمٌ بالحكم في الإبهام دون الشك، يعني: المثال واحد، جاء زيدٌ أو عمروٌ، إذا كنت عالماً بالجائي فأنت مُبهِم، فـ (أوْ) حينئذٍ تكون للإبهام، إذا كنت ما تدري من الجائي صارت للشك، لأن الشك هو التردد، إذاً: الفرق بين الشك والإبهام أن المُتكَلِّم عالمٌ بالحكم في الإبهام دون الشك، والشك: هو كون المُتكَلِّم نفسه واقعاً في التردد. وبعضهم يزيد: التشكيك، ولم يذكره المصنف، وهو معنىً زائد، يعني: مقارب لقوله: الإبهام، وهو أن تقول: جاء زيدٌ أو عمروٌ، تريد تشكيك المخاطَب، لكن هذا قد يكون داخلاً في الإبهام، وأمَّا التشكيك فهو أن يوقع المُتكَلِّم المخاطَب في الشك والتردد، وهذا في الظاهر أنه مرادف للإبهام ولذلك لم يذكره الناظم. إذاً: (خَيِّرْ) يعني: ائتي بـ (أوْ) مراداً بها التخيير، و (أَبِحْ) كذلك في معنى الإباحة، و (قَسِّمْ) كذلك في معنى التقسيم، (بِأَوْ وَأَبْهِمِ) يعني: ائتي بها مبهماً على غيرك .. على السامع، (وَاشْكُكْ) ائتي بها وأنت شاكَّاً في صدق النسبة على أيٍّ من المعطوفين، (وَإِضْرابٌ بِهَا أَيْضاً نُمِي) فصله عما قبله للخلاف، هل (أوْ) تأتي للإضراب بمعنى: (بل) أم لا؟ فيه نزاع بين النحاة، (وَإِضْرابٌ) يعني: إبطال، إِضْرَابٌ: هذا مبتدأ، وجملة: (نُمِي) يعني: نُسِبَ إلى العرب، وإضرابٌ نُمي: نُسِبَ إلى العرب، هذا خبر. (أَيْضَاً) آض يئيض أيضاً، نرجع إلى ذِكْر معاني (أوْ)، و (بِهَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (إِضْرابٌ)، وجعله الصبَّان مما تنازع فيه المصدر والفعل، لكن هذا فيه نظر، لأن الواو هنا استقلال يعني: كلام جديد أو منفصل، ولذلك يُعلَّل: لماذا لم يقل: واضربِ، أو: للإضراب .. لماذا قال: (وَإِضْرَابٌ بِهَا أَيْضاً نُمِي) .. نُسِبَ إلى العرب؟ هذا دل على أن ثَمَّ فرقاً بين هذا المعنى المتأخر السادس، وبين المعاني الخمسة السابقة، حينئذٍ وقع نزاع في السادس دون غيره. (وَإِضْرَابٌ) إشارة إلى أن الإضراب غير متفق عليه، ولذلك فصله عما قبله، إذاً: بِهَا مُتعلِّق بقوله: (إِضْرَابٌ).

قال النحاة: التخيير والإباحة يكونان بعد الطلب ملفوظاً أو مقدراً، والمراد بعد الطلب يعني: صيغة الطلب، وما سواهما يكون بعد الخبر. الكلام: إمَّا طلب وإمَّا خبر: خذ من مالي ديناراً أو درهماً: جاء بعد: خذ، وهو طلب، جالس الحسن أو ابن سيرين: جاء بعد طلب، إذاً: التخيير والإباحة يكونان بعد الطلب ملفوظاً بهما أو مقدراً، والمراد بعد الطلب أي: صيغته، وما سواهما من المعاني التقسيم والإبهام والشك والتشكيك مثلاً أو الإضراب فبعد الخبر. مَثَّلوا للمُقدَّر من الطلب، قوله تعالى: ((فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)) [البقرة:196] ففديةٌ، يعني: فليفعل .. ليفعل فديةٌ، وصَرَّح الشاطبي: بأن الذي يختص بالخبر الشك والإبهام، وأمَّا الباقي فيستعمل في الموضعين. (وَإِضْرَابٌ بِهَا أَيْضَاً نُمِي) إذاً: تأتي للإضراب (أوْ) عند الناظم، فيقال: جاء زيدٌ أو عمروٌ، يعني: بل عمروٌ .. أضرب عن الأول يعني: أراد أن يقول: جاء عمرو، فقال: جاء زيد، أو عمروٌ يعني: بل عمروٌ، تبين له أنه يحتاج إلى إضراب فأتى بـ (أوْ). وللإضراب: وهذا في قول الكوفيين وأبي علي وابن جني مطلقاً، يعني: تأتي (أوْ) مطلقاً دون قيدٍ أو شرط للإضراب. والمراد بالإطلاق سواءٌ أكان المتقدم عليها خبراً مُثبَتاً أو منفياً، أم كان المتقدم عليها أمراً أو نهياً، وسواءٌ أعيد معها العامل في الكلام المتقدم عليها أم لم يُعد، إذاً: هذا المراد بالإطلاق، يعني: لا تقيد بقيدٍ مهما كان من جهة تقديم أو تأخير، ومن جهة كونها مسبوقة بأمر أو نهي .. نفي إلى آخره، تقول: أنا مسافرٌ اليوم، ثم يبدو لك فتقول: أو مقيمٌ، يعني: بل مقيم، أنا مسافرٌ اليوم فيبدوا لك أنك معرض عن السفر فتقول: أو مقيمٌ، يعني: تستمل استعمال (بل) أنا مسافرٌ اليوم بل مقيمٌ .. أو مقيم، استعملتها للإضراب، تريد الإضراب عن الكلام الأول وإثبات ما بعد (أوْ). إذاً في قول الكوفيين وأبي علي الفارس وابن جني: أن (أوْ) تأتي للإضراب مطلقاً، ونسبه ابن عصفور لسيبويه: أن (أوْ) للإضراب هو مذهب سيبويه، لكن بشرطين لا مطلقاً بخلاف ما ذهب إليه الكوفيون. الشرط الأول: تقدُّم نفي أو نهي، يعني: لا تكون (أوْ) عند سيبويه للإضراب إلا إذا تقدم النهي أو النفي. الثاني: إعادة العامل، فإن لم يُعد لا تكون للإضراب، نحو: ما قام زيدٌ أو ما قام عمروٌ، يعني لو قال: ما قام زيدٌ أو عمروٌ، بأن (أوْ) هنا للإضراب لا تصح، لا بُدَّ أن يعيد العامل، ما قام زيدٌ أو ما قام عمروٌ، حينئذٍ إذا عاد العامل صح أن تكون (أوْ) هنا للإضراب، وأن يكون النفي أو النهي متقدماً عليها، وقيل: إنها حينئذٍ غير عاطفةٍ، نعم إذاً: إعادة العامل نحو: ما قام زيدٌ أو ما قام عمروٌ، ولا يقم زيدٌ ولا يقم عمروٌ بالإعادة، وقيل: إنها حينئذٍ غير عاطفة كـ (أمْ) الإضرابية على رأي الجمهور، لا تكون عاطفةً إذا كانت (أوْ) بمعنى: الإضراب .. بمعنى: (بل) ليست حرفاً من حروف العطف.

وقيل: عاطفٌة، وإن كان بعدها جملة، إذ العطف يكون في المفردات والجمل وهذا ظاهر كلام المصنف، لأنه ذكر هذا المعنى في ضمن ذكره لـ (أوْ) العاطفة، فدَلَّ على أن (أوْ) الإضرابية عاطفةٌ عند الناظم، إذاً: (أوْ) للإضراب، وهذا مذهب الكوفيين وهو الذي عناه الناظم هنا بذكره: (وَإِضْرابٌ بِهَا أَيْضاً نُمِى) نُسِبَ للعرب، وذِكْره لهذا المعنى من معاني (أوْ) العاطفة دل على أنها عاطفةٌ عنده. إذاً: هذه ستة معانٍ ذكرها لـ (أوْ) في هذا البيت. قال الشارح هنا: " وللإضراب كقوله: مَاذا تَرَى فِي عِيَالٍ قَدْ بَرِمْتُ بِهِمْ ... لمْ أُحْصِ عِدَّتَهُمْ إِلاَّ بِعَدَّادِ كَانُوا ثَمَانِينَ أَوْ زَادُوا ثَمَانِيَةً ... . . . . . . . . ............................. يعني: بل زادوا، إذاً (أوْ) هذه للإضراب. قيل: ومنه قوله تعالى: ((وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ)) [الصافات:147] يعني: بل يزيدون، وهذه الآية فيها نزاع كبير، ولكن يذكرونها في هذا الموضع. وَرُبَّمَا عَاقَبَتِ الْوَاوَ إِذَا ... لَمْ يُلْفِ ذُو النُّطْقِ لِلَبْسٍ مَنْفَذَا ما المراد بهذا البيت؟ تأتي بمعنى الواو: مطلق الجمع، لأن الواو تأتي بالمعنى الأصلي: مطلق الجمع، ما معنى: مطلق الجمع؟ لا تقتضي ترتيباً ولا معية، يعني: تَعْطِف اللاحق على السابق والمصاحب، (وَرُبَّمَا) ماذا يعني بها؟ التقليل، هذا المعنى هو المعنى السابع لـ (أوْ) وهي أنها تكون بمعنى: الواو، جاء زيدٌ أو عمروٌ، يعني: جاء زيدٌ وعمروٌ .. لمطلق الجمع. ثُمَّ بعد ذلك قد تَعْطِف اللاحق على السابق أو العكس، أو تفيد المصاحبة، إذا كانت (أوْ) بمعنى الواو كانت لمطلق الجمع: وهو مذهب الكوفيين. (وَرُبَّمَا) تقليل، وما: هذه كآفة، والدليل على أنها كآفة: أنها أدخلتها على الجملة الفعلية، (عَاقَبَتِ الوَاوَ) يعني: عاقبت (أوْ) .. الضمير يعود على الواو، يعني: جاءت عَقِبَها، والمراد بكونها جاءت معاقبةً لها أنها جاءت بمعناها، ومعنى الواو: هو مطلق الجمع. أي: تجيء (أوْ) بمعنى الواو فتكون للجمع، وهو مذهب الكوفيين، لكن شرطه الناظم ليس مطلقاً، قال: (إِذَا لَمْ يُلْفِ ذُو النُّطْقِ لِلَبْسٍ مَنْفَذَا) إذا لم يكن ثَمَّ لبسٌ، إن كان ثَمَّ لبسٌ حينئذٍ امتنع مجيء (أوْ) بمعنى الواو، وإذا ظهر المعنى حينئذٍ صحَّ مجيء (أوْ) بمعنى الواو، وهنا ينظر في السياق والسباق، يعني: الذي يُلبِس أو لا يُلبِس هذا له ضابط معيَّن، إنما يُرجع إلى السياق. (إِذَا لَمْ يُلْفِ) لم يَجد يعني، (يُلْفِ) هذا فعل مضارع مجزومٌ بلم، وجزمه حذف حرف العلة الذي هو الياء، والكسرة دليلٌ عليها، (ذُو النُّطْقِ) (ذُو) هذا فاعل (يُلْفِ) مرفوع ورفعه ضمة مُقدَّرة .. الواو لأنه من الأسماء الستة، وذُو: مضاف، والنطق: مضاف إليه. (لِلَبْسٍ مَنْفَذَاً) للبس جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مَنْفَذَاً) يعني: طريقاً، منفذاً للبسٍِ، منفذاً: هذا إعرابه أنه مفعول أول (يُلْفِ)، وأين المفعول الثاني؟ المفعول الثاني محذوف .. جواب إذا محذوف، (إِذَا لَمْ يُلْفِ ذُو النُّطْقِ لِلَبْسٍ مَنْفَذَا) أي: إذا أُمِنَ اللبس.

(إِذَا لَمْ يُلْفِ) يعني: يجد، (ذُو النُّطْقِ لِلَبْسٍ مَنْفَذَاً) لِلَبْسٍ: جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مَنْفَذَاً) والمنفذ المراد به: الطريق. قال الشارح: " قد تستعمل (أوْ) بمعنى الواو عند أمن اللبس: (جَاءَ الْخِلاَفَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَراً) يعني: وكانت له قدراً، شيءٌ مكتوبٌ له، جاء الخلافة وكانت له قدراً، لأن (جَاءَ الْخِلاَفَةَ) أمرٌ وقع .. حصل (أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرَاً) لا يقع الشيء إلا بشيءٍ مُقَدَّر، إذا قال: (جَاءَ الْخِلاَفَةَ) إذاً وصل إلى الخلافة، إذاً: وقع المقدَّر .. حصل .. علمنا أنه مكتوبٌ عليه، حينئذٍ: (أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرَاً) (أوْ) هنا ليست للتخيير، ولا يمكن أن تُحمل على معنىً من المعاني السابقة، وإنما هي بمعنى: الواو، أي: وكانت له قدراً. وقوله (وَرُبَّمَا) أفاد أن ذلك قليل مطلقاً، أي: سواءٌ كانت للإباحة أو لا .. مطلقاً جميع المعاني السابقة، وذكر في التسهيل: أن (أوْ) تعاقب الواو في الإباحة كثيراً، وفي عطف المصاحبة والمؤكد قليلاً، والإباحة كما سبق معنا، فالمصاحبة نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: {فإنما عليك نبنيٌ أو صديقٌ أو شهيد} أو .. أو هنا ليست بمعناها الأصل، إنما هي بمعنى الواو، ثم هي بمعنى الواو في أي الأحوال الثلاثة؟ المصاحبة: نبيٌ وصديقٌ وشهيد، هذا المراد، والمؤكَّد نحو: ((وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً)) [النساء:112] وإثماً: من عطف الشيء على نفسه هذا الأصل، لكنه باعتبارٍ آخر .. باعتبار وصفٍ آخر، فيكون تأكيداً لما سبق. إذاً: هذه سبعة معانٍ ذكرها الناظم رحمه الله تعالى، والأخير هذا مذهب الكوفيين، وقيل: أن الصحيح أن (أوْ) موضوعةٌ لأحد الشيئين أو الأشياء، وقد تخرج إلى معنى: (بل) والواو، وأمَّا بقية المعاني فمستفادةٌ من غيرها، يعني: جالس الحسنَ أو ابن سيرين، (أوْ) هنا ليست للإباحة وإنما تستفاد الإباحة من التركيب نفسه، وكذلك في التخيير، وكذلك في التقسيم، وكذلك في الشك والإبهام، لا يُقال: بأن (أوْ) لوحدها هي التي للإبهام، أو هي التي للشك أو التقسيم، وإنما يُعرف من التركيب، حينئذٍ الأصل في وضع (أوْ) أنها تكون لأحد الشيئين أو الأشياء، أشبه ما يكون بالتخيير، وخروجها إلى الواو، أو معنى (بل) هذا يحتاج إلى سند يعني دليل، وهذا ثابتٌ. بقي المعاني الأخرى، حينئذٍ نقول: المعاني الأخرى ليست مستفادة من (أوْ) من حيث هي، وإنما مستفادة من القرائن والتركيب، ثم قال: وَمِثْلُ "أَوْ" فِي الْقَصْدِ "إِمَّا" الثَّانِيَهْ ... فِي نَحْوِ إِمَّا ذِي وَإِمَّا النَّائِيَهْ

(وَمِثْلُ "أَوْ" فِي الْقَصْدِ "إِمَّا") الناظم لم يَذْكر "إمَّا" لمَّا عَدَّ الحروف، فهل هذا استدراكٌ بأنه حرفٌ ثابتٌ فيما سبق، أو أنه تفريعٌ على ذكر معاني (أوْ) .. هل هو ذِكْرٌ لما تركه في عدِّ الحروف، بأن ثَمَّ حرفاً تركه إمَّا عمداً وإمَّا نسياناً، ثم استدركه، أو أنه ليس بحرف عطفٍ، وإنما ذكره لمناسبة معاني (أوْ)؟ الظاهر الثاني، والدليل على ذلك قوله: (فِي القَصْدِ) يعني: في المعنى لا في العمل الذي هو العطف، قوله: (فِي القَصْدِ) نقول: دَلَّ على أن مراده به: أن (إمَّا) هنا مثل (أوْ) في المعنى، يعني: تستعمل في المعاني السابقة كلها ظاهر النظم، سيأتي استثناء (فِي القَصْدِ) لا في العمل الذي هو العطف، لأن (أوْ) إذا كانت عاطفةً حينئذٍ تعطف ما بعدها على ما قبلها فتُشرِّكه في حكمه .. في الإعراب رفعاً ونصباً وخفضاً. (وَمِثْلُ "أَوْ")، مِثْلُ: مبتدأ، وهو مضاف، و (أَوْ) قُصِدَ لفظه مضافٌ إليه، و (فِي القَصْدِ) هذا مُتعلِّق بقوله: مثل، لأنه مصدر: مثل .. فعل، و ("إِمَّا") هذا خبر المبتدأ، قُصِدَ لفظه فهو خبر، (الثَّانِيَهْ) هذا نعت، (فِي نَحْوِ) هذا مُتعلِّق بمحذوف، يعني: أعني .. أقصد (فِي نَحْوِ) قولك: (إِمَّا ذِي وَإِمَّا النَّائِيَهْ)، النَّائِيَهْ يعني: البعيدة. تَزوَّج (إمَّا ذِي) (ذِي) اسم إشارة (وَإِمَّا النَّائِيَهْ) ماذا أراد بـ (إمَّا) الثانية أم الأولى؟ الثانية لأنه قيدها، قال: ("إِمَّا" الثَّانِيَةُ) بالرفع على أنها صفة لـ (إمَّا)، (فِي نَحْوِ) قولك: تَزوَّج (إمَّا) هذه و (إمَّا) النائية، (إمَّا) الثانية مثل (أوْ) في القصد، فتأخذ المعاني السابقة كلها السبعة، تأتي للتخيير وللإباحة وللتقسيم وللإبهام وللشك والتشكيك والإضراب، وتأتي بمعنى: (أوْ) جميع المعاني السبعة السابقة أعطاها لـ (إمَّا) الثانية في قولك: (إمَّا ذِي وَإِمَّا النَّائِيَهْ). فتقول: خذ من مالي إمَّا ردهماً وإمَّا ديناراً، إذاً: جاءت للتخيير، وتقول: جالس إمَّا الحسن وإمَّا ابن سيرين: جاءت للإباحة، وتقول: الكلمة إمَّا اسمٌ وإمَّا فعلٌ وإمَّا حرفٌ: جاءت للتقسيم، وجاء إمَّا زيدٌ وإمَّا عمروٌ، الإبهام إذا علمت الحكم والشك إذا لم تعلم الحكم، وهل تأتي للإضراب؟ الناظم أطلق هنا، وهل تأتي بمعنى: الواو؟ كذلك الناظم أطلق، فظاهره أنها تأتي بمعنى الإضراب وبمعنى الواو، وليس الأمر كذلك. فقوله (مِثْلُ أَوْ) أطلَق المِثْلية هنا في المعنى .. مِثْلُ (أَوْ) فِي الْقَصْدِ .. في المعنى ("إِمَّا" الثَّانِيَهْ)، ظاهر كلامه أنها للمعاني السبعة المذكورة في (أوْ) وليس كذلك، فإنها لا تأتي بمعنى الواو، ولا بمعنى: (بل) الإضراب يعني .. لا تأتي بمعنى: الواو (وَرُبَّمَا عَاقَبَتِ الوَاوَ إِذَا) نقول: هذا خاصٌ بـ (أوْ) وكذلك (وَإِضْرابٌ بِهَا أَيْضَاً نُمِى) هذا خاصٌ بـ (أوْ) ولا تكون (إمَّا) الثانية مثل (أوْ) في كونها تعاقب الواو أو أنها للإضراب، فإنها لا تأتي بمعنى الواو، ولا بمعنى: (بل) وورودهم في هذين المعنيين قليل، بل هو مختلفٌ فيه، يعني: في جوازه.

فالإحالة إنما هي على المعاني المتفق عليها، وهي خمسة، إذاً: يستثنى المتأخران. قيل: قال بعضهم: ظاهر كلامه أنها مثل (أوْ) في العطف والمعنى، وهو مذهب أكثر النحاة، قال: بعضهم: أن ظاهر كلام الناظم هو هذا، وهل هذا يُوافق عليه؟ لا، ما يُوافق عليه، لماذا؟ لأنه قيَّد، لو قال: مثل (أوْ) إمَّا الثانية، قلنا: هذا الظهور واضح بيِّن، أن الناظم هنا جعل (إمَّا) الثانية حرف عطف، مثل (أوْ) في كونها عاطفة تُشرِّك ما بعدها فيما قبلها في الإعراب، وكذلك تُشرِّكه في المعنى الذي هو من معاني (أوْ)، لكن هذا ليس بظاهر. إذاً قال بعضهم: ظاهر كلامه أنها مثل (أوْ) في العطف والمعنى، وهو مذهب أكثر النحاة، وقال الفارسي وابن كيسان، وابن برهان: مثلها في المعنى فقط، وهو الذي أشار إليه بقوله: (في القَصْدِ). ووافقهم الناظم هنا وهو الصحيح، ويؤيده قولهم: إنها مُجامعة للواو لزوماً، يعني: لا تكون الثانية في هذا الموضع في مثل هذا التركيب إلا إذا سبقتها الواو، حينئذٍ قيل: (إِمَّا ذِي، وَإِمَّا النَّائِيَهْ) يلزم (إمَّا) الثانية أن تكون مسبوقةً بالواو لازم، وإلا ما صار كلاماً فصيحاً، إذا كان كذلك حينئذٍ إذا قيل بأن (إمَّا) حرف عطف، والواو حرف عطف، حينئذٍ دخل حرف عطفٍ على حرف عطف وهذا ممتنع، من قال بأنها حرف عطفٍ أولاً وخَرَّج الواو على أنها زائدة، وهذا خلاف الأصل .. خلاف الأصل أن تُجعل الواو زائدة و (إمَّا) عاطفة، بل لو دار الأمر بين جعل أحد الحرفين زائداً لكان (إمَّا) أولى بالزيادة. إذاً نقول هنا: ويؤيده قوله: إنها مجامعة للواو، يؤيد ماذا؟ القول بأنها: ليست عاطفة، وإنما هي مثل (أوْ) في المعنى فحسب. والعاطف لا يدخل على العاطف، وقد نقل ابن عصفور اتفاق النحويين: أنها ليست عاطفةً، وإنما أوردوها في حروف العطف لمحصاحبتها لها .. للواو يعني، وكذلك بأنها بمعنى: واو، لكن الإجماع هذا محل نظر ليس متفقاً عليه. إذاً: (وَمِثْلُ "أَوْ" فِي القَصْدِ) إشارة إلى أنها ليست عاطفةً، وإنما في القصد، أي: المعنى لا سيما أنه لم يعدها في الحروف أول الباب، هذا دليل على أنه يرى أنها ليست عاطفة. (إِمَّا) مذهب سيبويه أنها مركبة من (إنْ) و (مَا)، وذهب غيره إلى أنها بسيطة، وهو الظاهر لأنه الأصل، يختلف كثير من النحاة في كثير من الحروف: هل هي أصلية .. هي هكذا نُطِقَ بها، أم أنها فرعٌ، فيقال: (لَنْ) هل هي لن، أم أصلها: لا، فقلبت الهمزة، أو أصلها: لأن، وإمَّا هل أصلها: إنْ ما، ثُمَّ أدغمت النون في ما؟

نقول: هذا كله أشبه ما يكون بدعوى بلا دليل؛ لأن الأصل في وضع الحروف أن ينطق بها الناطق كما هي، يعني: الأصل أنها بسيطة غير مركبة، فلا يُعدل إلى القول بالتركيب إلا أن يُصرَّح بالتركيب ولو شذوذاً، فأي خلاف يمر معك في حرفٍ .. ومغني اللبيب من أوله إلى آخره ما يأتي حرف إلا في الغالب يقول: اختُلِفَ فيه، هل هو مركب أم بسيط؟ فالراجح أنه بسيط، إلا أن يثبت من ادعى أنه مركب ببيت أو لفظٍ منقول عن العرب نطق بأصل التركيب، وما عداه فالترجيح أنه بسيط، لماذا؟ لأنه الأصل .. لأنه مفرد، والتركيب فرع، حينئذٍ نستصحب الأصل حتى يثبت الفرع، فالأصل: أن (إمَّا) هكذا نطق بها العرب، وإمَّا القول بأن الأصل (إنْ وما) ثم أدغمت فيها واستعملت بمعنىً آخر، نقول: هذا يحتاج إلى دليل، ائتي به على العين والرأس، وإن لم تأتِ به فحينئذٍ نقول: الأصل هو البساطة فنستصحبها ونقول: هو الراجح. فهذه قاعدة معك: في كل حرفٍ اختلفوا فيه، هل مركبٌ أم بسيط؟ فالصحيح أنه بسيط إلا إن ادعى أو أقام مدعي التركيب بدليل، ما هو الدليل هذا؟ ليس اجتهاد هكذا من عنده، إنما يُنظر فيما نُقِل عن العرب: إن نُطِقَ به نقول: هذا شذوذٌ يستدل به على أصل، ولذلك ذكرت لكم سابقاً: أن الصرفيين يتمسكون .. يفرحون بمثل هذه الشذوذات للاستدلال بها على أصولٍ، يُقال: هذا أصلٌ مهجور، يعني: النطق بهذا أصلٌ مهجور، الأصل في الكلام: أن يأتي على ما نَطَق به، هو شاذ .. نحكم عليه بأنه شاذ، لكنه في التقعيد والتأصيل: أصل الكلام أن يكون موافقاً لهذا الشاذ، ولكن خرجوا عنه إلى هذا الذي حصل الآن، ثم نطق به ليدل على أن هذا الفرع ليس أصلاً وإنما هو فرعٌ. إذاً: ذهب سيبويه إلى أنها مركبة من: (إنْ وما) وذهب غيره إلى أنها بسيطة وهو الظاهر، بل الأصح لأنه الأصل. (إِمَّا) قلنا: هذا خبر و (الثَّانِيَه) هذا نعته، (الثَّانِيَه) احترز به عن الأولى، فإن الأولى لا خلاف في أنها غير عاطفة بالإجماع، والدليل على أنها ليست عاطفة لأنها تعترض بين العامل والمعمول، تقول: قام إمَّا زيدٌ وإمَّا عمروٌ، وإذا جاء الحرف تالياً للفعل علمنا أنه ليس بحرف عطف، لأنه لا يُقال: جاء جاء وعمروٌ زيدٌ، لا يصح أن تكون الواو تاليةً للفعل، إلا ما استثني فيما سيأتي إن شاء الله، حينئذٍ نقول: كونها تاليةً للعامل دون فاصلٍ دل على أنها ليست عاطفةً. إذاً قوله: (الثَّانِيَه) احترز به عن الأولى، فإنه لا خلاف في أنها غير عاطفة. (في نَحْوِ) قلنا: هذا مُتعلِّق بمحذوف، أي: أعني، وقوله: (في القَصْدِ) أي: في المعنى لا في العمل. (إِمَّا ذِي، وَإِمَّا النَائِيَه) ذِي: هذا مفعولٌ بفعلٍ محذوف، تزوَّج (إِمَّا ذِي، وَإِمَّا النَّائِيَه)، فـ (إمَّا) هنا بمعنى: (أوْ) والنائية يعني: بعيدة.

مقتضى كلامه في المثال: أنه لا بُدَّ من تكرارها -لأن ابن مالك يعطي الأحكام بالأمثلة-، مقتضى كلامه في المثال: أنه لا بُدَّ من تكرارها وذلك غالبٌ لا لازمٌ، فقد يستغنى عن الثانية، بذكر ما يغني عنها، نحو: إمَّا أن تتكلم بخير، وإلا فاسكت: وإمَّا أن تسكت، هذا الأصل، فأُبْدِل بدلاً من (إمَّا) الثانية جيء بها .. ببدلها أو بما يقوم مقامها، إذاً ظاهر كلامه: أنه لا بُدَّ من التكرار، ونقول: هذا ليس بلازمٍ، فقد تحذف الثانية ويعوض عنها ما يقوم مقامها كـ (إلا) في قولك: إمَّا أن تتكلم بخير وإلا فاسكت، وإمَّا أن تسكت .. وإلا فاسكت، وقد يستغنى عن الأولى بالثانية، أي: لفظاً لا تقديراً، كما سيأتي. وَمِثْلُ "أَوْ" فِي الْقَصْدِ "إِمَّا" الثَّانِيَهْ ... فِي نَحْوِ إِمَّا ذِي وَإِمَّا النَّائِيَهْ قال المكُودِي: " فُهِمَ من قوله: ("إِمَّا" الثَّانِيَهْ) فائدتان: الأولى: أن التي بمعنى (أوْ) إنما هي الثانية دون الأولى. الفائدة الثانية: أنها لا بُدَّ أن تكون مسبوقةً بـ (إمَّا) أخرى. وفُهِمَ من المثال: أنها لا بُدَّ أن تكون مع الواو وهذا واضح: (وَإِمَّا النَّائِيَهْ) استعملها بالواو، فدل على أنها لا تكون كذلك إلا إذا سبقتها الواو: وَمِثْلُ "أَوْ" فِي الْقَصْدِ "إِمَّا" الثَّانِيَهْ ... فِي نَحْوِ إِمَّا ذِي وَإِمَّا النَّائِيَهْ نقول: في (إمَّا) مباحث -تلخيصاً لما سبق-: الأول: لغة أكثر العرب كسر همزة (إمَّا) ولغة تميم وقيس وأسد: فتح همزتها (أَمَّا)، يعني يقال: أَمَّا ذِيِ وأَمَّا النَائِيَه .. في لغة تميم وأسد: أَمَّا ذِيِ وأَمَّا النَائِيَه. الثاني: الغالب في (إمَّا) هذه تكرارها، وقد تحذف الثانية ويُؤتى في الكلام ما يقوم مقامها، نحو: إمَّا أن تتكلَّم بخير وإلا فاسكت، وقد تحذف الأولى ويُكتفى بالثانية، وذلك نحو قول الشاعر: تُلِمُّ بِدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا ... وَإمَّا بِأَمْوَاتٍ أَلَمَّ خَيَالُهَا (تُلِمُّ بِدَارٍ) المعنى تُلِمُّ إمَّا بِدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا ... وَإمَّا بِأَمْوَاتٍ والفراء يقيس على هذا فيجوز عنده: زيدٌ يبقى وإمَّا يسافر، يعني: يحذف الأولى، كما تقول: زيدٌ يبقى أو يسافر. ثالثاً: اتفق النحاة على أن (إمَّا) لا تأتي بمعنى: الواو، ولا بمعنى: (بل) هذا باتفاق، ولذلك قلنا: (مِثْلُ "أوْ" في القَصْدِ) هذا فيه إشكال! وإنما تأتي لما تأتي له (أوْ) من المعاني المشهورة المتفق عليها، وهي التخيير، والإباحة بعد الطلب، والشك والإبهام بعد الخبر، وأمثلتها أمثلة (أوْ) كما سبق. رابعاً: اختلف النحاة في (إمَّا) هذه أمركبةٌ أم بسيطة؟ فمذهب سيبويه: أنها مركبة من (إن وما) وذهب غيره: إلى أنها بسيطة وهو الصحيح، لأن البساطة هي الأصل. خامساً: لا خلاف بين النحاة في أن (إمَّا) الأولى غير عاطفة، هذا باتفاق، وذلك لأنها قد تقع بين العامل ومعموله: تزوَّج إمَّا هنداً وإمَّا أختها، واختلفوا في (إمَّا) الثانية: فمذهب أكثر النحاة أنها عاطفة، والواو التي قبلها زائدة، لئلا يلزم دخول العاطف على العاطف، وهذا فيه ضعف، من حيث إن الحكم على الواو بكونها زائدة فيه إشكال.

ومذهب أبي عليّ الفارسي وابن كيسان وابن برْهَان: أن العاطف هو الواو، و (إمَّا) دالةٌ على الإباحة أو التخيير أو الشك أو الإبهام، إذاً: لها معنى وهو الذي دلت عليه (أوْ) لكن العطف لا، إنما العطف يكون بالواو. فإمَّا مثل (أوْ) في الدلالة على المعنى فقط عندهم، وهذا الذي كلام الناظم يشير إليه، وليست مثلها في عطف ما بعدها على ما قبلها، وزعم ابن عصفور: أن هذا مجمعٌ عليه، وفيه نظر. ولذلك قال ابن عقيل هنا: " وليست (إمَّا) هذه عاطفة خلافاً لبعضهم وذلك لدخول الواو عليها، وحرف العطف لا يدخل على حرف العطف " وهذا الصحيح: أن (إمَّا) ليست عاطفة، ولذلك ذكرها بن آجروم هناك في حروف العطف. ثُمَّ قال رحمه الله: وَأَوْلِ "لَكِنْ"نَفْيَاً اوْ نَهْيَاً وَ"لاَ" ... نِدَاءً اوْ أَمْرَاً أَوِ اثْبَاتَاً تَلاَ (وَأَوْلِ "لَكِنْ" نَفْياً أَوْ نَهْيَاً) يعني: اجعل (لكِنْ) تاليةً .. مواليةً .. تابعةً (نَفْياً أَوْ نَهْيَاً) يعني: لا تكون (لكِنْ) حرف عطفٍ إلا إذا كانت تابعةً لنفي أو نهي، (وَأَوْلِ) أي: اجعلها واليةً، أي: تاليةً وتابعةً، (لكِنْ)، أَوْلِ أنت ولَكِنْ: مفعولٌ أول، قُصِدَ لفظه، و (نَفْياً) هذا مفعولٌ ثاني، (أَوْ نَهْياً) معطوفٌ على نَفْياً، والمعطوف على المنصوب منصوب. (لكِنْ) حرف عطفٍ عند الجمهور بشروطٍ كما سيأتي، وذهب يونس بن حبيب: إلى أنها لا تكون حرف عطفٍ أبداً، إذاً: في كون (لكِنْ) حرف عطف أم لا؟ فيه خلاف، الجمهور على أنها حرف عطف، لكن ليست مطلقاً .. ليست في كل موضع، وإنما بشروط. وذهب يونس بن حبيب: إلى أنها لا تكون حرف عطفٍ أبداً .. مطلقاً، وأنها تكون حرف استدراكٍ في كل كلامٍ وردت فيه مطلقاً .. في كل كلام إذا جاءت (لكِنْ) حينئذٍ هي حرف استدراكٍ وليست بحرف عطفٍ، فإن ذُكِرَت معها الواو فالعاطف هو الواو .. لا شك .. إذا قيل: جاء زيدٌ ولكن عمروٌ، فالعاطف هو الواو، وإمَّا (لكِنْ) تكون حرف استدراك، نحو: ما قام زيدٌ ولكن عمروٌ. وإن لم تُذكر معها الواو فهي حرف استدراك، وما بعدها معمولٌ لمحذوف، إذا قيل: ما قام زيدٌ لكن عمروٌ، (لكِنْ) هنا ليست حرف عطفٍ عند يونس، وإنما هي حرف استدراك، حينئذٍ ما بعدها يكون معمولاً لفعلٍ محذوف يُفَسِّره المذكور، ما قام زيدٌ لكن قام عمروٌ، فعمروٌ: فاعل لفعل محذوف يدل عليه المذكور، والتقدير: ما قام زيدٌ لكن قام عمروٌ، ووافقه في التسهيل، يعني: رجح ابن مالك في التسهيل رأي يونس بن حبيب بكون (لكِنْ) لا تكون حرف عطفٍ البتة، وخالفه هنا! وأمَّا عند الجمهور فهي حرف عطفٍ لكن بشروط ثلاثة، لأن الناظم هنا لم يذكرها:

الأول: ألا تتقدم عليها الواو، متى تكون حرف عطف عند الجمهور؟ بشرط: ألا تتقدم عليها الواو، يعني لا يصح أن يُقال: ما جاء زيدٌ ولكن عمروٌ، على أن (لكِنْ) حرف عطف، لماذا؟ لأنها لو دخلت الواو فالواو هي حرف العطف، فإن تقدمت الواو نحو: ما مررت بزيدٍ ولكن عمروٌ كانت الواو هي العاطفة، ثم إن أكثر النحاة: على أن المعطوف بالواو يعني: إذا كان قبل (لكِنْ) .. على أن المعطوف بالواو إذا كان مفرداً فإنه يجب فيه أن يشارك المعطوف عليه في الإثبات والنفي، يعني: إذا كان ما قبلها منفي .. إذا كان ما بعد (لكِنْ) مفرداً، فوجب أن يشارك ما قبلها في النفي والإثبات، بمعنى: أنه لا يُقدَّر له محذوف فتُجعل الجملة مستقلة، وإنما يبقى على كونه مفرداً، فحينئذٍ يَثبت له ما ثبت لما قبل (لكِنْ) إمَّا من جهة الإثبات أو النفي. ثُمَّ إن أكثر النحاة: على أن المعطوف بالواو إذا كان مفرداً، فإنه يجب فيه أن يشارك المعطوف عليه في الإثبات والنفي، وعلى هذا يقدر للمعطوف عامل مُثبَتٌ من جنس العامل في المعطوف عليه، وتكون الواو قد عطفت جملة على جملة، فتقدير المثال السابق: ما مررت بزيدٍ ولكن مررت بعمروٍ، هذا عند الجمهور. إذاً الشرط الأول: ألا تكون مسبوقةً بالواو، فإن سُبِقَت بالواو فليست حرف عطف. الشرط الثاني: أن تُسْبَق (لكِنْ) بنفيٍ أو نهيٍ، وهو الذي نَصَّ عليه الناظم هنا، وهذا الشرط اشترطه البصريون ولم يشترطه الكوفيون، كونها: مسبوقةً بنهي أو نفي، هذا الشرط عند البصريين ولم يشترطه الكوفيون، فنحو: قام زيدٌ لكن عمروٌ، فعمروٌ عند الكوفيين معطوفٌ على زيد عطف مفرد على مفرد، و (لكِنْ) عاطفةٌ وإن لم يتقدمها نفيٌ ولا نهيٌ، وعند البصريين لا تكون عاطفةً، فعمروٌ في هذا المثال لا يجوز أن يكون معطوفاً على زيد عطف مفرد على مفرد لعدم الشرط، وهو النفي والنهي، يعني: لم يتقدم نفيٌ ولا نهيٌ، حينئذٍ يكون فاعلاً بفعلٍ محذوفٍ يدل عليه المتقدم على (لكِنْ)، والتقدير: قام زيدٌ لكن عمروٌ لم يقم .. لكن لم يقم عمروٌ. قام زيدٌ لكن: لكن هنا سبقت بماذا؟ بإيجاب .. بإثبات، إذاً: لا تكون حرف عطف، طيب! إذا عُطِفَ بعدها مفرد: قام زيدٌ لكن عمروٌ؟ نقول: (لكِنْ) تقتضي أن ما بعدها يأخذ حكم نقيض ما قبلها، حينئذٍ نقول: قام زيدٌ لكن لم يقم عمروٌ، على النفي. ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف، وتقديره: قام زيدٌ لكن عمروٌ لم يقم، وعلى كلا التقديرين: (لكِنْ) حرف ابتداء جيء به لإفادة الاستدراك لا حرف عطف. إذاً: يشترط في (لكِنْ) أن يتقدمها نفيٌ أو نهيٌ، فإن لم يتقدمها فحينئذٍ هي حرف استدراكٍ عند البصريين، وحرف عطفٍ عند الكوفيين. الشرط الثالث: ألا يقع بعد (لكِنْ) جملة تامة، فإن وقع بعدها جملة تامة فهي حينئذٍ حرف عطف، وليس عاطفةً. إذاً: بهذه الشروط الثلاثة، نحكم على (لكِنْ) بكونها حرف عطفٍ: ألا يتقدمها الواو، الثاني: أن يتقدمها نهيٌ أو نفيٌ، والثالث: ألا يكون بعدها جملة تامة.

(وَأَوْلِ "لَكِنْ") يعني: اجعلها واليةً، يعني: تاليةً وتابعةً، (نَفْياً أَوْ نَهْيَاً) فُهِمَ منه أن (لكِنْ) لا تجيء بعد الإيجاب، لأنه خصَّ الحكم بماذا؟ بكونها تاليةً للنفي أو النهي، ولم يذكر الإيجاب فدل على أنها لا تكون حرف عطفٍ بعد الإيجاب، خلافاً للكوفيين فإنهم لا يشترطون تقدم النفي أو النهي. (وَ"لاَ" نِدَاءً اوْ أَمْرَاً أَوِ اثْبَاتَاً تَلاَ)، وَ"لاَ" تَلاَ .. لاَ: قُصِدَ لفظه وهو مبتدأ، وتَلاَ: فعلٌ ماضي والضمير المستتر فيه يعود على (لاَ)، تلا (نِدَاءً) نداءً هذا مفعول بتلا مُقدَّم عليه، يعني: تابعةً للمنادى، (أَوْ أَمْرَاً أَوِ اثْبَاتَاً)، إذاً: "لاَ" تلا نِدَاءً أَوْ أَمْرَاً أَوِ اثْبَاتَاً، فهي تاليةٌ لواحدة من هذه الأمور الثلاثة. إذاً: (لاَ) تكون عاطفة، وذكر الناظم شرطاً واحداً، وهو: أن تكون تالياً لأمرٍ أو إثباتٍ وهو الإيجاب أو النداء، حينئذٍ إذا وقعت تاليةً لواحدٍ من هذه الأمور صح أن تكون عاطفةً، نقول: (لاَ) يُعطف بها بشروط، والناظم هنا قَصَّر في ذكر الشروط: الأول: إفراد معطوفها، يعني: أن يكون المعطوف بها مفرداً: جاء زيدٌ لا عمروٌ، عمروٌ: هذا مفرد. الثاني: أن تُسْبَق بإيجابٍ أو أمرٍ اتفاقاً، نحو: هذا زيدٌ لا عمروٌ، سبقت بإيجاب .. هذا زيدٌ موجَب ليس بمنفي ولا نهي. أن تُسْبَق بإيجابٍ أو أمرٍ: اضرب زيداً لا عمراً، أو نداءً نحو: يا ابن أخي لا ابن عمي. الثالث: ألا يَصْدُق أحد مُتعاطِفَيْها على الآخر، نَصَّ عليه السُهَيِلي، قال ابن هشام في التوضيح: وهو حقٌ، فلا يجوز حينئذٍ: جاءني رجلٌ لا زيد، زجل وزيد معطوف ومعطوف عليه، يصدق أحدهما على الآخر، جاءني رجلٌ لا زيدٌ: معروف هذا .. ما الفائدة من هذا الكلام؟ ليس فيه فائدة، إذاً: صدق المعطوف على المعطوف عليه، صدق أحدهما على الآخر، هو هو! لكن لو قلت: جاءني زيدٌ لا عمروٌ، ذاتان مختلفتان، وأمَّا: جاءني رجلٌ لا زيدٌ، نقول: زيد هو الرجل، والرجل هو زيد، ليس بشيءٍ آخر، لأنه يصدق عليه. إذاً: الثالث: ألا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر، نَصَّ عليه السُهَيِلي، قال ابن هشام في التوضيح: وهو حقٌ، فلا يجوز: جاءني رجلٌ لا زيدٌ. ويجوز: جاءني رجل لا امرأة، ما يصدق الرجل على المرأة والمرأة على الرجل، ما يصدق هذا على ذاك. الرابع: ألا تقترن بعاطف، فإن اقترنت بعاطف نحو: جاء زيدٌ لا بل عمروٌ، بل: حرف عطف، حينئذٍ (بل) هي حرف العطف، فإن اقترنت بعاطف فالعاطف وهو (بل) في المثال المذكور هنا هو الذي أُدي به العطف، و (لاَ) غير عاطفةً لكنها أفادت نفي ما قبلها، يعني: ليست زائدة، وإنما جيء بها لكونها نافية، لا بل .. فهي نافيةٌ. خامساً من شروط العطف بـ (لاَ): ألا يكون مدخولها صفةً لسابقٍ، أو خبراً، أو حالاً. ألا يكون مدخولها يعني: ما بعدها، الذي يتلوها لا يكون صفة لما يسبق (لاَ) أو خبراً، أو حالاً. فليست عاطفةً حينئذٍ ووجب تكرارها، نحو: إن هذا رجلٌ لا صادق ولا كاذب، صادق: ما إعرابه؟ صفة لرجل، وقع بعد (لاَ) صفة لما قبلها، إذاً: لا تكون (لاَ) عاطفة، فوجب تكرارها: لا صادقٌ ولا مأمونٌ.

ونحو: خالدٌ لا شجاعٌ ولا كريم، خالدٌ: مبتدأ، أين خبره؟ شجاع، إذاً: وقع بعد (لاَ) ما هو خبرٌ للسابق، إذاً: لا يصح أن تكون (لاَ) حرف عطف، ولا كريمٌ: وجب تكرارها. ونحو: جاء زيدٌ لا ضاحكاً ولا رضا النفس، ضاحكاً: هذا حال من زيد، حينئذٍ نقول: (لاَ) هنا ليست عاطفةً، ولا رضا النفس، فوجب تكرارها. إذاً: (وَ"لاَ" ... نِدَاءً أَو أَمْراً أَوِ اثبَاتاً تَلاَ) أشار إلى أحد هذه الشروط الخمسة، وترك البقية. قال الشارح هنا: " أي: إنما يعطف بـ (لكنْ) بعد النفي، نحو: ما ضربت زيداً لكن عمراً، وبعد النهي نحو: لا تضرب زيداً لكن عمراً، ويعطف بـ (لاَ) بعد النداء " ولذلك قال: (وَ"لاَ" نِدَاءً) يعني: تاليةً أو تابعةً للمنادى، نحو: يا زيد لا عمرو، والأمر نحو: اضرب زيداً لا عمراً، وبعد الإثبات نحو: جاء زيدٌ لا عمروٌ، ولا يُعطف بـ (لاَ) بعد النفي، نحو: ما جاء زيدٌ لا عمروٌ، لأنه يحصل تناقص لما قبلها في المعنى. ولا يعطف بـ (لكنْ) في الإثبات، حينئذٍ لو عُطف بها في الإثبات تكون حرف ابتداء، يعني: كونها لا يعطف .. يعني: إذا جاءت (لكنْ) في الإثبات لا يحكم عليها بكونها حرف عطف، وليس المراد: أنه لا يستخدم (لكنْ) في الإثبات لا، المراد أنه يستخدم لكن لا على أنه حرف عطف، وإنما هو حرف استدراك، نحو: جاء زيدٌ لكن عمروٌ. ثُمَّ قال: وَ"بَلْ" كَـ "لَكِنْ" بَعَدَ مَصْحُوبَيْهَا ... كَلَمْ أَكُنْ فِي مَرْبَعٍ بَلْ تَيْهَا (وَ"بَلْ") مبتدأ، (كَ "لَكِنْ") جاء ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ، (كَـ "لَكِنْ") يعني: مثل لكن في تقرير حكم ما قبلها، وجَعْل ضده لما بعدها، (لكِنْ) تثبت لما بعدها نقيض حكم ما قبلها، مع إقرار ما قبلها، يعني: لا تسلُب عنه الحكم وتجعله في حكم المسكوت عنه لا، وإنما تبقيه كما هو، لو قال قائل .. مثلاً المثال الذي هنا: لا تضرب زيداً لكن عمراً، فهو منهيٌ عن ضرب زيد، ثم قال: لكن عمراً، يعني: لكن اضرب عمراً، فالمسلوب عن الأول مثبتٌ للثاني، فالمحكوم على الأول بكونه لا تضرب مثبتٌ للثاني، يعني: اضرب عمراً، والأول هل سُلِبَ عنه النهي: لا تضرب زيداً؟ لا، باقٍ كما هو: لا تضرب زيداً لكن اضرب عمراً. إذاً: فائدة (لكنْ) تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها، ما هو ضد: لا تضرب زيداً؟ اضرب زيداً، طيب! ما بعد (لكِنْ) ثَبَتَ له نقيض الحكم السابق، طيب! ما قبل (لكِنْ) هل هو باقٍ على حكمه؟ نعم باقٍ: لا تضرب زيداً منهي، ولو قلنا لك: اضرب عمراً .. ما بعد (لكِنْ) فهو باقٍ على ما هو عليه. (وَ"بَلْ" كَـ "لَكِنْ") يعني: في تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها، (بَعَدَ مَصْحُوبَيْهَا) بعد: ما إعرابه؟ مُتعلِّق بالاستقرار في موضع نصب حال، كَـ (لَكِنْ) وبل كائنٌ كـ (لكِنْ) حال كونه بعد مصحوبيها، ومصحوبيّ (لكِنْ) هما النفي والنهي: (وَأَوْلِ "لَكِنْ"نَفْيَاً اوْ نَهْيَاً) .. مصحوبا (لكِنْ) هما النفي والنهي.

(كَلَمْ أَكُنْ في مَرْبَعٍ بَلْ تَيْهَا)، لَمْ أَكُنْ: يعني كقولك .. الكاف داخلة على مقولٍ محذوف: لم أكن أنا في مَرْبَعٍ، مَرْبَعٍ: هذا موضع الربيع، أو منزل الربيع، (بَلْ تَيْهَا) أصله: تيهاء بالهمز: الأرض التي لا يُهتدى بها، وقيل: الفلاة، وقيل: القفر، قصره للضرورة، إذاً: (بل) تفيد ما تفيده (لكِنْ)، لكن بشرط: أن يكون بعد نفيٍ أو نهيٍز يعطف بـ (بل) وتكون حرف عطف بشرطين: الأول: إفراد معطوفها، يعني: أن يكون ما بعدها مفرد، مثل: (لاَ). الثاني: أن تُسبَق بإيجابٍ، أو أمرٍ، أو نفيٍ، أو نهيٍ، فإن وقع بعد (بل) جملة لم تكن عاطفة، لأن من شرط كونها عاطفة: أن يعطف بها المفرد، فإن وقع بعدها جملة لم تكن (بل) عاطفة، وكانت حينئذٍ حرف ابتداءٍ مثل (لكِنْ) دالٍ على الإضراب سواءٌ كان إبطالياً أو انتقالياً، الإضراب الإبطالي مثل ماذا؟ مثل قوله تعالى: ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)) [الأنبياء:26] بل: مضربٌ عنه بالكلية .. باطل، بل هم عبادٌ، عبادٌ: هذا خبر مبتدأ محذوف، لماذا؟ هل نقول: عدم التقدير أولى من التقدير؟ ((بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)) [الأنبياء:26] كيف نقول: من شروط (بل) إفراد معطوفها، وهنا نقول: بل عباد، أي: بل هم عبادٌ؟ ليست عاطفة، إذا كانت إضرابية حينئذٍ لم تكن عاطفة، وهنا لا بُدَّ من التقدير وإلا فسد المعنى، حينئذٍ تلا (بل) جملة، فحكمنا عليها بكونها ليست عاطفة بل هي حرف ابتداء: ((وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)) [الأنبياء:26]. أو انتقالياً .. ليس إضراب وإنما انتقال من حكمٍ إلى حكمٍ آخر، ولا يلزم منه أن يكون ما قبلها مبطلاً، يعني: باطل، كقوله تعالى: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ)) [الأعلى: 14 - 16] هل هو مثل: ((بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)) [الأنبياء:26]؟ لا، ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)) [الأعلى: 14] هو الأصل هذا، ((بَلْ تُؤْثِرُونَ)) [الأعلى: 16] إذاً: انتقال من حكمٍ إلى حكمٍ آخر، هذا يُسمى: إضراباً انتقالياً، والأول الذي قُصِدَ به إبطال ما قبل (بل) بأنه حكمٌ فاسد يُسمى: إبطالاً كلياً. إذاً: ("بَلْ" كَـ "لَكِنْ") يعني: أن (بل) إذا وقعت بعد مصحوبيّ (لكِنْ) وهما: النفي والنهي، كانت بمنزلة (لكنْ) في تقرير حُكْم ما قبلها وجعل ضِده لما بعدها. ثُمَّ قال رحمه الله: وَانْقُلْ بِهَا لِلثَّانِ حُكْمَ الأَوَّلِ ... فِي الْخَبَرِ المُثْبَتِ وَالأَمْرِ الْجَلِي إذاً: (بلْ) تقع بعد ماذا؟ يُعطف بها في أربعة مواضع: - بعد النفي والنهي.

- وبعد الأمر والخبر المُثْبَت، أشار بالبيت الأول: أنها تقع بعد النفي النهي، فتكون بمعنى: (لكنْ) من حيث المعنى، وتقع كذلك بعد الخبر المثبَت، وبعد الأمر، حينئذٍ تكون بماذا؟ (وَانْقُلْ بِهَا) يعني: بـ (بل) (لِلثَّانِ) الذي هو المعطوف بها (حُكْمَ الأَوَّلِ)، فيصير ما قبل (بل) كالمسكوت عنه. يُعطف بـ (بل) في النفي والنهي، فتكون كـ (لكنْ) في أنها تُقرر حُكْم ما قبلها وتثبت نقيضه لما بعدها: ما قام زيدٌ بل عمروٌ، نقول: (بلْ) هنا مثل (لكِنْ) ما تقرير المعنى هنا: ما قام زيدٌ بل عمروٌ؟ عمروٌ: مثبتٌ له الحكم الذي نُفِي قبل (بل) .. ما قام زيدٌ بل عمروٌ، يعني: بل قام عمروٌ، فأُثبت القيام لعمرو الذي هو بعد (بل). طيب! ما قام زيدٌ، هل الحكم باقٍ في النفي .. مقرر كما هو، أم أنه مسلوب؟ مقرر كما هو، لأن (لكنْ) تفيد هذا المعنى، فـ (بلْ) مثل (لكنْ)، (بلْ) و (لكنْ) يتفقان فيما إذا وقعا بعد نفيٍ أو نهيٍ، أنه يُثبت لما بعدهما نقيض الحكم الذي قبلهما، والحكم السابق يبقى كما هو ثابتٌ لا يتغير: ما قام زيدٌ بل عمروٌ، ولا تضرب زيداً بل عمراً، يعني: اضرب عمراً، وزيداً كذلك منهيٌ عن ضربه .. مستمر الحكم، فقرَّرَت النفي والنهي السابقين، قررته يعني: أبقته كما هو، لم يُسلب الحكم، وأثبتت القيام لعمرو، لأنه نقيض ما قبله، والأمر بضربه لأنه نقيض ما قبله. ويُعطف بها في الخبر المُثْبَت والأمر، حينئذٍ تفيد الإضراب عن الأول وتنقل الحكم إلى الثاني، فحينئذٍ يصير الأول في حكم المسكوت عنه، يعني: كأنه سُلِبَ لم تُقِرُّه على ما هو عليه: قام زيدٌ بل عمروٌ، إذا قلت: قام زيدٌ بل عمروٌ، (بلْ) هنا جاءت بعد إثبات، الذي يُميِّز هو وقوعها بعد إثباتٍ وأمرٍ، أو نهيٍ ونفيٍ، إذا قيل: قام زيدٌ بل عمروٌ، ماذا تفهم من هذه الجملة؟ ما هو هكذا بالرأس، لغة العرب أن (بلْ) إذا وقعت بعد إيجابٍ .. بعد إثباتٍ، حينئذٍ يُثْبَت لما بعدها الحكم الذي أُثْبِتَ للسابق. قام زيدٌ بل عمروٌ .. لا النقيض، فتفيد الإضراب عن الأول وتنقل الحكم إلى الثاني، قام زيدٌ بل عمروٌ: بل الذي قام عمروٌ، فأثبتت الحكم الذي قبل (بل) لما بعدها، طيب! قام زيدٌ الأول الذي هو قبل (بلْ) سُلِبَ الحكم، فلم يُثبَت له قيام ولم يُنف، موقوفٌ فيه، زيد هل قام؟ ما ندري قام أو لا، لماذا؟ لأن (بلْ) هنا نقلت الحكم .. أخذته، وهو إثبات القيام لما قبلها، فأثبتته لما بعدها، فلما أخِذَ القيام وهو الوصف، حينئذٍ صار ما قبلها في حكم المسكوت عنه، لا نثبت له قيام ولا ننفي، إذاً: قام زيدٌ بل عمروٌ .. بل قام عمروٌ، فنقلت الحكم من السابق إلى اللاحق .. المعطوف. طيب! ماذا يكون حكم ما قبل (بل)؟ نقول: مسكوتٌ عنه، يعني: لا نُثْبِت له قيام، ولا ننفي عنه القيام، ولذلك قال هنا ابن عقيل: حتى يصير الأول كأنه مسكوتٌ عنه، يعني: سلْب الحكم عما قبله وجعْله لما بعدها، هذه وظيفة (بل) بعد الإثبات .. (فِي الخَبَرِ المُثْبَتِ) غير منفي (وَالأَمْرِ): اضرب زيداً بل عمراً، عمراً هو المأمور بالضرب، أن يُضرب، وزيد لا تضربه ولا لا تضربه: مسكوتٌ عنه.

(وَالأَمْرِ الجَلِيّ) الجلي يعني: الواضح، هذا تتميمٌ لصحة الاستغناء عنه، إذاً: (لكِنْ) و (لاَ) و (بَلْ) هذه الحاصل نقول: أنهما يشتركان ويفترقان، ابن هشام رحمه الله قرر هذه الأحرف الثلاثة في شرح قطر الندى من أحسن ما يكون، قال رحمه الله هناك: " والحاصل: أن بين (لاَ) و (لكِنْ) و (بلْ) اشتراكاً وافتراقاً " هذه الحروف الثلاث تشترك وتفترق، فأمَّا اشتراكها فمن وجهين: الأول: أنها عاطفة، كلها عاطفة بالشروط السابقة ليس مُطلقاً. الثاني: أنها تفيد رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب، وهذا أيضاً قدر مشترك بينها .. تفيد رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب: ما قام زيدٌ بل قام عمروٌ، إذاً: فيه رَدٌّ، وإمَّا افتراقهما فمن وجهين أيضاً: أحدهما: أن (لاَ) تكون لقصر القلب وقصر الإفراد، و (بلْ) و (لكِنْ) إنما يكونان لقصر القلب فقط: قصر إفراد، وقصر قلب، وقصر تعيين، الذي هو الإفراد أيضاً، تقول: جاءني زيدٌ لا عمروٌ، قلنا: (لا) تكون لقصر القلب وقصر الإفراد: جاءني زيدٌ لا عمروٌ هذا يحتمل أنه رَدُّ على من اعتقد أن الذي جاءك عمروٌ لا زيد، حينئذٍ قلبت الاعتقاد عنده، هو اعتقد أن الذي جاء زيد مثلاً، فأنا أقول: جاءني عمروٌ لا زيدٌ، أنت اعتقدت شيء واحد في نفسك: أن الذي جاءني زيد، فأقول لك: جاءني عمروٌ لا زيدٌ، هنا قصر قلب، قلبت الذي اعتَقَدْتَه أنت، وأنت يحتمل في هذا المثال أن يكون جواباً لمن اعتقد الشركة، فيمن إذا اعتَقَدتَ أن الذي جاءني زيدٌ وعمروٌ، فأقول لك: جاءني زيدٌ لا عمروٌ، هنا إفراد، هذا يُسمى: قصر إفراد. على كلٍّ: (لا) تكون لقصر القلب وقصر الإفراد، يعني: تستعمل لهذا وتستعمل لهذا، ليس في وقتٍ واحد، وإنما في تركيبين، وأمَّا (بلْ) و (لكِنْ) إنما يكونان لقصر القلب فقط، جاءني زيدٌ لا عمروٌ، رداً على من اعتقد أن عمراً جاء دون زيد، أو أنهما جاءاك معاً، وتقول: ما جاءني زيدٌ لكن عمروٌ، أو: بل عمروٌ، ردٌّ على من اعتقد العكس: أن الذي جاءني زيد، وأنا أرد عليه .. أقلب عليه .. قلبت عليه الحكم، فأقول: الذي جاءني .. ما جاءني زيدٌ لكن عمروٌ .. ما جاءني زيدٌ بل عمروٌ، قلبت الذي عنده. والثاني مما يفترقان: أن (لا) إنما يعطف بها بعد الإثبات، و (بل) يعطف بها بعد النفي، -على ما ذكرناه سابقاً-، و (لكِنْ) إنما يعطف بها بعد النفي، ويعطف بـ (بل) بعد الإثبات، ومعناها حينئذٍ: إثبات الحكم لما بعدها وصرفه عما قبلها وتصييره كالمسكوت عنه. وَإِنْ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ ... عَطَفْتَ فَافْصِِلْ بِالضَّمِيْرِ المُنْفَصِلْ أَوْ فَاصِلٍ مَا وَبِلاَ فَصْلٍ يَرِدْ ... فِي النَّظْمِ فَاشِياً وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ (وَإِنْ عَلَى ضَمِيرِ)، (إِنْ) حرف شرط، أين فعله؟ (عَطَفْتَ) لأني قلت حتى تفهم البيت .. ابن مالك ألفاظه غريبة أحياناً! ما تفهمها إلا بالإعراب.

(وَإِنْ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ فَافْصِلْ بِالضَّمِيْرِ المُنْفَصِل) لَمَّا عَرَفتَ فعل الشرط تم واستقام معك الكلام، وإن عَطَفْتَ على ضميرٍ، إذاً (عَلَى ضَمِيرِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (عَطَفْت)، وعَلَى ضَمِيرِ: مجرور بعلى وهو مضاف ورَفْعٍ: مضاف إليه، و (مُتَّصِلْ) صفة لرفع، وقوله: فَافْصِلْ الفاء واقعة في جواب الشرط، وافصل: هذا أمرٌ .. جواب الشرط. (فَافْصِلْ بِالضَّمِيْرِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: افصل، والفاعل ضمير مستتر وجوباً، و (المُنْفَصِلْ) هذا صفة للضمير. (أَوْ فَاصِلٍ مَا) هذا معطوف على قوله: (بِالضَّمِيْرِ)، (أَوْ فَاصِلٍ مَا) و (مَا) هذه زائدة، إن على ضمير رفعٍ مُتَّصِل عَطَفْتَ فافصل .. فافصل بين المعطوف عليه وحرف العطف، وهذا شروعٌ من الناظم في بيان أحكامٍ تتعلق بالـ؟؟؟. إذا عطفت على ضمير الرفع المُتَّصِل، إذا قيل: ضمير الرفع المُتَّصِل احتمل واحداً من اثنين: إمَّا أن يكون مستتراً، وإمَّا أن يكون بارزاً، وهنا الناظم أطلق فشمل المستتر والبارز، يعني: إذا عطفت على ضمير رفعٍ مستتر، فافصل بالضمير المنفصل، وإن عطفت على ضمير رفعٍ بارزٍ فافصل بالضمير المنفصل. قمتَ أنت وزيدٌ، قمتَ: فعل وفاعل، الفاعل هنا ضمير رفع مُتَّصِل بارز أو مستتر؟ قمتَ بارز، عطفت عليه زيد، قلت: قمتَ وزيدٌ، يقول لك ابن مالك: لا، لا تعطف هكذا مباشر الاسم الظاهر على ضمير الرفع، افصل بينهما بالضمير المنفصل، اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ، قمتَ أنت وزيدٌ، فزيدٌ: هذا معطوفٌ على التاء الذي هو الضمير المُتَّصِل البارز المرفوع، حينئذٍ في قولٍ أن يُفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وكذلك إذا عطفتَ على الضمير المستتر: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ، زوجُ بالرفع معطوف على الضمير المستتر وجوباً في: اسكن، لأنه فعل أمر والفاعل ضمير مستتر، إذا عطفت عليه حينئذٍ تعطف عليه بفاصل، ولا تعطف عليه هكذا مباشرة، وإنما تقول: قم أنت وزيدٌ .. اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ، قم أنت وزيدٌ زيدٌ: هذا معطوف على الضمير وهو مرفوع. إذاً: وإن عطفتَ على ضمير رفعٍ مُتَّصِل، مستتراً كان أو بارزاً، نحو: قمتَ أنتَ وزيدٌ، وقم أنتَ وزيدٌ، وما اتصل كذلك بالوصف، ولا يكون إلا مستتراً: زيدٌ قائمٌ هو وعمروٌ، زيدٌ: مبتدأ، قائمٌ خبر، وعمروٌ: أردت أن تعطف على الفاعل المستتر في الوصف، لأنه كما سبق أن الوصف يرفع ضميراً مستتراً على أنه فاعل، تقول: زيدٌ قائمٌ هو وعمروٌ، أو ضاربٌ هو وعمروٌ، فتأتي بالفاصل الذي هو لفظ: هو.

فَافْصِلْ بين المعطوف والمعطوف عليه بِالضَّمِيْرِ المُنْفَصِلْ، لماذا؟ قالوا: لأن المُتَّصِل المرفوع كالجزء مما اتصل به، يعني: قمت وقم كما سبق: أن الفاعل كجزءٍ من عامله .. من الفعل، فلو عُطِف عليه كان كالعطف على جزء الكلمة، هذا كالتعليل في كونه لا يعود الضمير على المضاف إليه، لأنه كالجزء، حينئذٍ لا يرجع الضمير، هنا لو عُطف عليه مباشرةً: قمت وزيدٌ .. اسكن وزوجك، لو عطف مباشرة كأنه عطف على جزءٍ من الكلمة .. كأنك عطفت على الباء الذي هو أحد أجزاء الكلمة. على جزءٍ من الكلمة، فإذا أُكِّد بالمنفصل دل إفراده مما اتصل به بالتأكيد على انفصاله في الحقيقة، فحصل له نوع استقلال، يعني: إذا قلت: قمتَ أنتَ، لمَّا أكَّدَته بـ: أنتَ- لأنا نعربه ماذا: أنت؟ توكيد-، لمَّا أكَّدته حينئذٍ دل على أن له نوع استقلال، فصار كالتمهيد لأن يعطف عليه بالواو، هذا تعليل. فحصل له نوع استقلال، ولم يجعل العطف على هذا التوكيد لأن المعطوف في حكم المعطوف عليه، فكان يلزم كون المعطوف تأكيداً للمُتَّصِل وهو باطل، على كلٍ: مراده أن يكون له نوع استقلالٍ فأُكد أولاً فكأن الكلمة مستقلة، فكان لها وضعٌ ثم عطف عليها بعد ذلك، وأمَّا إذا عطف عليه دون توكيد، دون الفصل حينئذٍ كأنك عطفت على جزء الكلمة والحجة هو السماع. (وَإِنْ عَلَى ضَمِيِرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ) ضمير هذا قيد و (رَفْعٍ مُتَّصِلْ) هذا قيدٌ ثانٍ، وأفهم كلامه جواز العطف على الضمير المنفصل مطلقاً، لأنه قيده بضمير رفعٍ مُتَّصِل، إذاً: أفهم كلامه جواز العطف على الضمير المنفصل مطلقاً مرفوعاً كان أو منصوباً، وعلى المُتَّصِل المنصوب بلا شرط لأنه قال: (ضَمِيرِ رَفْعٍ) دون شرطٍ، إذاً: يجوز أن يعطف على ضمير النصب مطلقاً، نحو: أنا وزيدٌ قائمان، أنا: هذا ضمير رفع منفَصِل لا مُتَّصِل، إذاً: جاز العطف عليه فتقول: أنا وزيدٌ، لا نحتاج: أنا وهو زيدٌ، لا بد من الفصل لا، نقول: نعطف عليه مباشرة، لأن الشرط أن يكون مُتَّصِلاً، وهذا منفصل. وإياك والأسد، هذا منصوبٌ على التحذير، احذر .. أحذرك، إياك والأسدَ، عُطف الأسد على: إياك، جاز دون فاصلٍ لكون: إياك ضمير نصب، ونحو: ((جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ)) [المرسلات:38] جَمَعْنَاكُمْ: الكاف في محل نصب، وَالأَوَّلِينَ: معطوفٌ عليه، جاز دون فاصلٍ لأن الشرط: أن يكون ضمير رفعٍ، وجاز ذلك لأن كلاً من المذكورين ليس كالجزء فأُجري مُجرى الظاهر. (أَوْ فَاصِلٍ مَا) هذا أشبه ما يكون بصرفٍ لما سبق عن أن يكون متعيناً، لأن ظاهر قوله: (فَافْصِلْ بِالضَّمِيْرِ المُنْفَصِلْ) أنه يجب أن يكون الفاصل هو الضمير المنفصل لا، ليس هذا بالشرط، المراد: أن يُفْصَل بينهما فحسب، سواءٌ كان ضميراً منفصلاً أو فاصلٍ ما، أي فاصلٍ كان، وإنما نَصَّ على الضمير المنفصل لكثرته، يعني: لكثرة الفصل به في لسان العرب.

(أَوْ فَاصِلٍ مَا)، (مَا): اسمٌ نكرة في موضع نعتٍ لفاصل، بمعنى: أيّ فاصلٍ كان، وجُوَّز المكُودِي أن تكون زائدة، وإنما اكتفي بأي فاصلٍ، لأن فصل الكلام قد يغني عما هو واجبٌ، فغير الواجب من باب أولى وأحرى، سبق معنا: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ، التأنيث هنا واجب، والفصل أغنى عن الوجوب، صار مندوباً مستحباً أن يُؤنَّث، فلما قيل بالفصل هنا في إسقاط الوجوب .. وجوب التأنيث، إذاً: صار الفاصل له مقامٌ في صرف الحكم، وإنما اكتفي بأي فاصلٍ يعني: بين العاطف والمعطوف، لأن فصل الكلام من حيث هو فصلٌ قد يغني عما هو واجب، نَحْوِ أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ، فلأن يغني عما هو غير واجبٍ أولى، لأنه ليس بواجب هنا، وإنما هو مستحبٌ، ولذلك قال: وبِلاَ فَصْلٍ يَرِدْ ... فِي النَّظْمِ فَاشِياً وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ. إذاً (أَوْ فَاصِلٍ مَا) هذا معطوف على قوله: (بِالضَّمِيْرِ) إذاً: المراد أن يُفصل، حينئذٍ قد يُقال: بأن الواجب هو الفصل، وأمَّا الذي يقع فاصلاً فهذا يقع أيُّ فاصلٍ كان، سواءٌ كان ضميراً منفصلاً أو مفعولاً به، أو جار ومجرور إلى غيره. (أَوْ فَاصِلٍ مَا) يعني: إمَّا بين العاطف والمعطوف عليه، وإمَّا بين العاطف والمعطوف، كالمفعول به: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ)) [الرعد:23] من صلح: من هذا معطوفٌ على الواو، وهذا ضمير رفعٍ مُتَّصِل، يدخلون: الواو ضمير رفع مُتَّصِل، قال: ((وَمَنْ صَلَحَ)) [الرعد:23] هم يدخلون، ومن صلح: معطوفٌ عليه، الأصل: أن يكون الفاصل ضمير منفصل، ولكن هنا فصل بالمفعول به، يدخلونها الجنة ((وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ)) [الرعد:23] فـ (من) معطوفٌ على الواو في يدخلونها، وصح ذلك للفَصْل بالمفعول به، وهو الهاء من يدخلونها. ومثل الفاصل بـ (لا) النافية: ((مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا)) [الأنعام:148] (مَا أَشْرَكْنَا) (نَا) هذا ضمير رفع مُتَّصِل، عطف عليه آباؤنا، وآباؤنا هذا الأصل: عطفٌ على (نا) حينئذٍ نقول: الأصل المنوع، لكن سوَّغ هن العطف للفصل، ما نوع الفاصل؟ (لا) النافية، فآباؤنا معطوفٌ بالواو على (نا) وجاز ذلك للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بـ (لا). وقد اجتمع الفصلان، في نحو: ((مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ)) [الأنعام:91] جميل هذا! وآباؤكم: هنا معطوف فُصِل بينهما بـ (أنتم) و (لا) جُمِعَ بينهما، أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ هذا معطوف آباؤكم على تعلموا .. الواو، مثل: يدخلون. إذاً (أَوْ فَاصِلٍ مَا) نقول: المراد هنا أن يَفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وهو ضمير الرفع المُتَّصِل أيُّ فاصلٍ، سواءٌ كان ضميراً منفصل، أو كان مفعولاً به، أو كان (لا)، أو يُجمع بينهما.

(وبِلاَ فَصْلٍ يَرِدْ ... فِي النَّظْمِ فَاشِياً) ويرد الفصل -العطف- دون فصلٍ .. (بِلاَ فَصْلٍ)، (فِي النَّظْمِ) .. في الشِّعْر، (فَاشِياً) كثيراً، ولكن (ضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) اعتقد ضعفه .. ضعيف، لأنه مخالفٌ للواجب، إذاً: فافصل على أصله أنه واجب، ولكن الذي يحصل به الفصل أنت مُخيرٌ به. أَوْ فَاصِلٍ مَا، ثم نبه على أنه قد ورد العطف على ضمير الرفع المُتَّصِل من غير فصلٍ. قال: و (يَرِدْ) أي: العطف، (بِلاَ فَصْلٍ) من غير فصلٍ .. لا بمعنى: غير، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله: (يَرِدْ)، (فِي النَّظْمِ) يعني: الشِّعْر، (فِي النَّظْمِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَرِدْ)، (فَاشِياً) هذا حال من فاعل (يَرِدْ) يعني: كثيراً، فُهِمَ منه أنه كثيرٌ في الشِّعْر، وفُهِمَ منه العكس: أنه غير فاشٍ في النثر، (فَاشِيَاً) كثيراً مُنتشِراً، فحينئذٍ فاشياً هذا حالٌ من فاعل (يَرِدْ) فُهِمَ منه لأنه صفة .. حال وصفٌ في المعنى، حينئذٍ فُهِمَ منه: أنه غير فاشٍ في النثر. (وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) يعني: مع فشوه وكثرته اعتقد ضعفه أنه ضعيف، لأنه مخالفٌ للأصل، (وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) اعتقد ضعفه، أي: على مذهب البصريين، وأجازه الكوفيون بلا ضعفٍ قياساً على البدل نحو: أعجبْتني جَمالُك، جمالُك: بدل من التاء .. أعجبْتني .. التاء .. أنت، جمالُك: وقع بدل دون فاصلٍ، قيس عليه العطف، لكن هذا بعيد، لأن البدل والمُبدل منه شيءٌ واحد، وأمَّا العطف فلا، فهما منفصلان: ((أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ)) [الأنعام:91] فرقٌ بينهما. وأجازه الكوفيون بلا ضعفٍ قياساً على البدل، نحو: أعجبتني جمالُك، والفرق على مذهب البصريين، يعني: بين البدل وبين العطف، لماذا لا تقيسون كما قاس الكوفيون؟ قالوا: لا، ثَمَّ فرق، الفرق على مذهب البصريين: أن الثاني في العطف غير الأول غالباً، يعني: مُنفصل .. منفك، وأمَّا البدل هو عينه، البدل والمبدل منه شيءٌ واحد، جاء زيدٌ أخوك: أخوك هو زيد، وزيد هو أخوك، إذاً: هذا أمرٌ سهل. أن الثاني في العطف غير الأول غالباً، فلا بُدَّ من تقوية الأول بخلاف البدل، وكالبدل التأكيد إلا النفس والعين، قال المكودي: " ووجه الضعف: أن ضمير الرفع المُتَّصِل شديد الاتصال برافعه، فصار كأنه حرفٌ من حروف عامله، فإذا لم يفصل بينهما فكأنه عُطف اسمٌ على فعلٍ ". إذاً: أَوْ فَاصِلٍ مَا وَبِلاَ فَصْلٍ يَرِدْ ... فِي النَّظْمِ فَاشِياً وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ فِي النَّظْمِ فَاشِياً: كثيراً، مفهومه أنه في النثر قليل، (وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ) سواءٌ كان في النظم أو في النثر، هذا مطلقٌ. قال ابن عقيل: " والضمير المرفوع المستتر في ذلك كالمُتَّصِل نحو: اضرب أنت وزيدٌ .. "اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ" هذا على المشهور عند النحاة، ومنه قوله تعالى: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)) [البقرة:35] فزوجك: معطوفٌ على الضمير المستتر في: اسكن، وصح ذلك للفصل بالضمير المنفصل وهو: أنت. وأشار بقوله: بِلَا فَصْلٍ يَرِدْ: إلى أنه قد ورد في النظم كثير من العطف على الضمير المذكور بلا فصلٍ، كقوله: قُلتُ إِذْ أقْبَلَتْ وَزُهْرٌ تَهَادَى ... كَنِعَاجِ الفَلاَ تَعَسَّفْنَ رَمْلاَ

(زُهرٌ) معطوفٌ على الضمير المستتر في: أقْبَلَتْ، من غير فصلٍِ ولا توكيد، وقد ورد ذلك في النثر قليلاً، هذا مفهوم قوله: (فِي النَّظْمِ فَاشِيَاً) إذاً: في النثر وقع لكنه قليل، وعلى ضعفه جوَّزه بعضهم في السَّعة، حكى سيبويه رحمه الله: مررت برجلٍ سواءٍ والعدمُ، يعني: مستوٍ هو والعدم، مستوٍ .. سواءٍ، هذا في قوة المشتق، والمشتق هذا فيه ضمير، كأنه قال: مستوٍ والعدمُ، العدم بالرفع معطوف على الضمير المستتر في: مستوٍ، دون فاصلٍ. مررت برجل سواءٍ والعدمُ، سواءٍ نقول: هذا مؤول بمشتق، أي: مستوٍ، والعدم الأصل أن يقول: مستوٍ هو والعدم، لا بُدَّ من الفاصل، لكن نقول: هذا قليل. برفع العدم، بالعطف على الضمير المستتر في سواء، لأنه مؤولٌ بالمشتق، أي: مستوٍ هو العدم وليس بينهما فاصل. وعُلِمَ من كلام المصنف: أن العطف على الضمير المرفوع المنفصل لا يحتاج إلى فصلٍ، هذا واضح نحو: زيدٌ ما قام إلا هو وعمروٌ، وكذلك الضمير المنصوب المُتَّصِل والمنفَصِل، زيدٌ ضربته وعمراً، عمراً: معطوف على الضمير ضربته، لا يحتاج إلى فاصل، وما أكرمت إلا إياك وعمراً، عمراً: معطوف على إياك ولا يحتاج، مثل: إياكَ والأسد. وأمَّا الضمير المجرور فهذا لا يعطف عليه إلا بإعادة الجآر له، يعني: لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجآر، سواءٌ كان اسماً أو حرفاً، نحو: مررت بك وبزيدٍ، لا يصح أن يُقال: مررت بك وزيدٍ، لا بُدَّ أن تعيد حرف الجر، فتقول: مررت بك وبزيدٍ، بحرف الجر. ولا يجوز: مررت بك وزيدٍ، هذا مذهب الجمهور، وأجاز ذلك الكوفيون، واختاره المصنف هنا، ولذلك قال: وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى ... ضَمِيرِ خَفْضٍ لاَزِمَاً قَدْ جُعِلاَ (وَلَيْسَ عِنْدِي لاَزِمْاً) .. خَالَف! وَلَيْسَ عِنْدِيْ لاَزِمَاً إِذْ قَدْ أَتَى ... فِيْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ الصَّحِيحِ مُثْبَتَا هنا نسختان: (فِيْ النَّثْرِ وَالنَّظْمِ الصَّحِيحِ) .. فِيْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ الصَّحِيحِ، لكن هذا أولى: (فِيْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ الصَّحِيحِ) لأن مراده بالنثر: القرآن، النثر الصحيح يعني: القراءة الثابتة الصحيحة، ولم يُعهد أنهم يصفون الشِّعْر بكونه صحيحاً، حينئذٍ النسخة الأولى .. شرحوا على هذا وذاك، تقديم وتأخير، لكن الأولى أن يقال: (فِيْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ الصَّحِيحِ) فيكون الصحيح صفة للنثر لا للنظم، لأنه هو هذا المعهود. (وَعَوْدُ خَافِضٍ) يعني: إذا عُطِفَ اسمٌ على الضمير المخفوض، لزم إعادة الخافض، وشمل المخفوض بالحرف: مررت بك وبزيدٍ، والمخفوض بالاسم: جلست بينك وبين زيدٍ، لا يُقال: جلست بينك وزيدٍ، زيدٍ: معطوف على الكاف، بينك: بين هذا مضاف، والكاف مضاف إليه، لو عطفت على المضاف إليه حينئذٍ لو قيل بالجواز لقيل: جلست بينك وزيدٍ، وإذا قيل بالمنع على المشهور: لا يُقال: إلا جلست بينك وبين زيدٍ بإعادة الخافض.

إذاً (عَوْدُ خَافِضٍ) يشمل الخافض إذا كان حرفاً: مررت بك وبزيدٍ، ويشمل الخافض إذا كان اسماً: جلست بينك وبين زيدٍ، لا بُدَّ من إعادته. فإعادة الخافض في ذلك لازمةٌ عند جمهور البصريين إلا في الضرورة، وذهب الكوفيون: إلى أنه لا يلزم، يعني: يجوز العطف دون إعادته الخافض، فيُقال: مررت بك وزيدٍ، وجلست بينك وزيدٍ دون إعادة الخافض. (وَعَوْدُ خَافِضٍ) عود: مبتدأ وهو مضاف، وخافضٍ: مضاف إليه، وهذا عام شاملٌ للحرف والاسم، لكن لا يعاد الاسم إلا إذا لم يُلبِس، فإن ألبس حينئذٍ مُنِعَ، كقولك: جاء غلامك وغلام زيدٍ، لو قال: جاء غلامك وزيدٍ، وهو غلام واحد، حينئذٍ لا يُعاد، فلا يُقال: جاء غلامك وغلام زيدٍ، لأنه إذا أعيد أوقع في لبسٍ، وهو أن المراد به غلامان، والمراد به في النفس غلامٌ واحد، جاء غلامك وزيدٍ، لا يُعاد الخافض هنا، لماذا؟ لأنك لو أعدته لأوقعت في لبسٍ، وهو أن الغلام هو واحد لزيد ولك، فإذا قلت: جاء غلامك وغلام زيدٍ صار اثنين، وأنت تريد أن يكون واحداً، إذاً: السامع لا يفهم أنه واحد، وإنما يفهم أنه اثنان، فتقول: جاء غلامك وزيدٍ، يعني: غلامك وغلام زيدٍ. تريد غلاماً واحداً مشتركاً بينهما لم يجز إلا إذا قامت قرينة تدل على المقصود. (وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَىَ) (لَدَىَ) بمعنى: عِنْدَ، مُتعلِّق بقوله: عود، لأن عود هذا مصدر: عاد يعود عوداً، فيتعلق بالظرف. (وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَىَ) يعني: عِنَد، (عَطْفٍ عَلَى ضَمِيِر خَفْضٍ): عِنَد عطفك أنتَ عَطْفٍ عَلَى ضَمِيِر خَفْضٍ، (لاَزِمَاً قَدْ جُعِلاَ) قد جُعِلَ لازماً، قد: للتحقيق، وجُعلا: الألف للإطلاق، وجُعِلَ: هذا مغيِّر الصيغة، وفيه نائب فاعل هو المفعول الأول و (لاَزِمَاً) مفعولٌ ثاني، قد جُعِلَ لازماً في غير الضرورة، وعليه جمهور البصريين، ومنه: ((فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ)) [فصلت:11] أعاد اللام، لها وللأرض: أعاد اللام مرة أخرى. كذلك: ((وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ)) [المؤمنون:22] ما قال: والفلك، إنما عطف على الضمير المجرور بإعادة الخافض. وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى ... ضَمِيرِ خَفْضٍ لاَزِمَاً قَدْ جُعِلاَ قد جُعِلَ لازماً عند جمهور البصريين في غير الضرورة، والآيات واضحة. (وَلَيْسَ عِنْدِي لاَزِمْاً) خالف! وَلَيْسَ عِنْدِي يعني: وليس عَودُ الخافض لازماً عندي، (عِنْدِي) هذا مُتعلِّق بقوله: (لاَزِمْاً) وهو معمولٌ للخبر، وقد فصل بين العامل وهو ناسخ، وبين الخبر: وَلا يَلِي الْعَامِلَ مَعْمُولُ الْخَبَرْ ... إِلاَّ إِذَا ظَرْفَاً أَتَى أَوْ حَرْفَ جَرّ فهو مُستساغ .. فهو جائز، لأنه ظرف، إذاً: معمول الخبر هنا فصل بين العامل والخبر، وهذا جائزٌ لكونه ظرفاً.

(وَلَيْسَ عِنْدِي لاَزِماً)، (لاَزِمْ) هذا خبر ليس، واسم ليس ضمير مستتر يعود على عود الخافض، وَلَيْسَ عِنْدِي لاَزِمَاً وفاقاً ليونس والأخْفَش والكوفيين، لماذا؟ قال: (إِذْ قَدْ أتَى فِي النَّظْمِ والنَّثْرِ الصَّحِيحِ مُثْبَتَا) حالٌ من فاعل أتى، (إذْ) للتعليل، (قَدْ) للتحقيق، (أَتَى) الضمير هنا يعود إلى عدم عَود الخافض، إذاً: عكس لأنه قال: وَلَيْسَ لاَزِمَاً عِنْدِي، ما هو الذي ليس لازماً؟ إعادة الخافض إذا عُطِفَ على الضمير المخفوض، هذا ليس بلازم عند ابن مالك رحمه الله تعالى وفاقاً للأخفش والكوفيين ويونس، لماذا؟ قال: (إِذْ) تعليل هذا، لا بُدَّ من دليل: (إِذْ قَدْ أتَى) ولما كانت المسألة قوية هنا علل في المتن، والأصل أن لا يُعلَّل في المتون كما سبق، المتون ليست مقام للتعليل. (إِذْ) تعليل، (قَدْ) للتحقيق، (أتَى) أي: العود دون إعادة الضمير، العطف على ضميرٍ مخفوض دون إعادة الضمير، (فِي النَّظْمِ) يعني: الشِّعْر، (وَالنَّثْرِ الصَّحِيحِ) الذي هو القرآن .. يقصد به القرآن .. القراءة الثابتة، (مُثْبَتَا) حالٌ من فاعل (أَتَى). قال هنا: أي: جعل جمهور النحاة إعادة الخافض إذا عُطِفَ على ضمير الخفض لازماً، ولا أقول به .. ليس عندي لازماً، لورود السماع نثراً ونظماً، بالعطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض، فمن النثر قراءة حمزة: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ)) [النساء:1] والأرحامِ: بالخفض معطوف على (به) الضمير، إذاً: لم يرجع .. لم يُعِد الضمير، دل على أنه جائز. بجر الأرحام عطفاً على الهاء المجرورة بالباء. ومن النظم ما أنشده سيبويه: فَاليَومَ قرَّبتَ تَهجُونَا وَتَشتُمُنَا ... فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ والأيام: هذا عطف على الكاف المجرورة بالباء. وحكا قطرب: مَا فِيهَا غَيْرُهُ وَفَرَسِهِ، ما فيها: ليس فيها، غيره وفرسه يعني: غير فرسه، لم يُعِد الخافض. نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

95

عناصر الدرس * حذف المعطوف وحرف العطف * حذف المعطوف عليه * عطف الفعل على الفعل , عطف الفعل على الشبيه بالفعل والعكس. (خاتمه) ـ * شرح الترجمة. البدل. وحده * أنواع البدل * إبدال الظاهر من الضمير إلى ضمير * الإبدال من اسم الإستفهام * إبدال الفعل من الفعل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفَتْ ... وَالْوَاوُ إِذْ لاَ لَبْسَ وَهْيَ انْفَرَدَتْ بِعَطْفِ عَامِلٍ مُزَالٍ قَدْ بَقِي ... مَعْمُولُهُ دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى: (وَالفَاءٌ) قلنا: هذا مبتدأ، (قَدْ) للتقليل، و (تُحْذَفُ) هذا فعل مضارع مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير يعود على الفاء، وقوله (مَعْ) هذا ظرفٌ مُتَعلِّق بقوله: (تُحْذَفُ)، و (مَا) اسمٌ موصول بمعنى: الذي مضاف إليه، و (مَعْ) مضاف كما سبق أنها ملازمةٌ للظرفية: وَمَعَ مَعْ فِيهَا قَلِيلٌ .. و (عَطَفَتْ)، (عَطَفَ) فعل ماضي مبني على الفتح، والتاء هذه حرف تأنيث مبنيٌ على السكون، والفاعل: ضمير مستتر تقديره هي، لأنه أنث هنا، ما حكم التأنيث؟ واجب، لماذا؟ إذا عاد الضمير على مُتَقدِّم .. مطلقاً سواءٌ كان مُؤنَّثاً مجازياً أو حقيقياً وجب التأنيث: الشمس طَلَعَتْ واجب التأنيث، هندٌ خَرَجَتْ واجب التأنيث، خَرَجَتْ هندٌ واجب تأنيث، طَلَعَتْ الشمس جائز التأنيث. يُقال: طلعت الشمس وطلع الشمس، مثل: قالت الصحابة .. قال الصحابة، الصحابة: هذا جمع تكسير، فهو مجازٌ من حيث كونه مؤولاً بالجماعة، إذاً: (عَطَفَتْ) أين العائد .. الضمير؟ الجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الذي هو: الذي، أين العائد؟ الضمير: عَطَفَتْه، الضمير المحذوف، إذاً: عَطَفَ يتعدى إلى مفعول وهو محذوف هنا: عَطَفَتْه، وليس الفاعل هو؛ لأن الفاعل لا يعود على (مَاَ) مع معطوفها، الاسم الموصول مع ما دخلت عليه في تأويل مُشتَق، كأنه قال: والفاء قد تُحذف مع مَعْطُوفها، يعني: مع الذي عطفته. (وَالْوَاوُ) كذلك، الواو: مبتدأ، وخبره محذوف تقديره كذلك .. الواو كذلك. إذاً: تَختَّص الفاء والواو بجواز حذفهما مع معطوفهما، لدليلٍ .. القاعدة العامة، هنا لم يُبيِّن الناظم لكنه في كل بابٍ إذا جَوَّز الحذف إنما يُقيِّده: (إِذَا عُلِمْ) .. حَيْثُ لاَ لَبْسَ .. (وَحَذفُ ما يُعْلَم جائزٌ) إذاً: قاعدة عامَّة كما ذكرناه سابقاً، ولذلك نجعل قوله في باب المبتدأ والخبر: (وَحَذفُ مَا يُعْلَم جَائزٌ) بأنها قاعدة عامة تشمل أبواب النحو كله من أوله آخره، لا يحذف أبداً إلا ما عُلم، وما لم يعلم الأصل فيه عدم الحذف إلا إذا جُوِّز في بابٍ مُعيَّن فيختص به الجواز ولا يَتعدَّى. هنا: (وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ ... وَالْوَاوُ) يعني: حرف العطف الواو تُحذف هي ومعطوفها، وكذلك: الفاء حرف عطف تُحذف هي ومعطوفها، لكن لا بُدَّ من دليلٍ وقرينة إمَّا لفظية أو حالية، حالية بمعنى: أنه يكون ثَمَّ شيءٌ خارج عن اللفظ وإنما يقتضيه المقام، وأمَّا اللفظية تكون في السياق.

مثال الفاء قوله تعالى: ((فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَت)) [البقرة:60] هنا ظاهر اللفظ غير مُراد، لماذا؟ لأننا لو قلنا: ((فَانفَجَرَت)) [البقرة:60] ليس ثَمَّ معطوف .. محذوف، حينئذٍ وقع الانفجار في مقابل: ((فَقُلْنَا اضْرِبْ)) [البقرة:60] .. ((اضْرِبْ فَانفَجَرَتْ)) [البقرة:60] إذاً: موسى ليس له دور في هذه المعجزة، فحينئذٍ نقول: إذا جعلناه على ظاهره ((اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ)) [البقرة:60] انفجار الحجر صار مقابلاً لأمر الله تعالى: ((اضْرِب ْفَانفَجَرَت)) [البقرة:60] إذاً موسى مأمور بأي شيء؟ إذاً: فضربَ فانفجرت، إذاً: الفاء هي حرف العطف، وضرب: هذا معطوفٌ على قوله: (فَقُلنا). ((فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ)) [البقرة:60] أي: فضرب فانفجرت، وهذا الفعل المحذوف معطوفٌ على: (فَقُلنا) إذاً: من ظاهر السياق قرينة واضحة بينة أنه لا يمكن أن يكون قوله: فانفجرت مقابلاً لقوله: اضرب أو فقلنا، لماذا؟ لأنه لو كان الأمر كذلك على ظاهره، لما كان لأمر موسى شأن، وإنما المراد أن يظهر لموسى فضل هذه المعجزة، حينئذٍ لا بُدَّ من تقديرٍ، ونقول هنا: حذفت الفاء مع مدخولها، وهذا جائزٌ متفقٌ عليه. ومَثَّل بعضهم بقوله تعالى: ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:184] فأفطر .. جمهور الفقهاء على تقدير: فأفطر، خلافاً لابن حزم رحمه الله تعالى، إذا لم نُقدِّر وجعلنا الظاهر هو المراد، حينئذٍ كل من كان مريضاً أو على سفر صام أو لا عليه القضاء، وبهذا قال ابن حزم رحمه الله تعالى، أمَّا إذا جعلنا ثَمَّ محذوفاً وهو الفاء ومعطوفها، حينئذٍ نُقدِّر: فأفطر فعليه عدةٌ، عدةٌ ما إعرابه؟ مبتدأ، أين خبره؟ فعليه، يعني: محذوف، إذاً عدةٌ: هذا مبتدأ، وعليه: هذا خبر محذوف، فعليه عدةٌ مطلقاً سواءٌ صام أو لا، ودلت السنة على خلاف هذا، فحينئذٍ علمنا أن في الآية محذوفاً وهو: فأفطر، الفاء ومدخولها. وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ ... وَالْوَاوُ. . . . . . . . . مثاله في الواو قول القائل: فَمَا كانَ بَيْنَ الخَيرِ لَوْ جَاء سَالماً .. فما كان بين الخير وبيني، حذف الواو مع معطوفها، ومثله قوله تعالى: ((سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)) [النحل:81] أي: والبرد، حذف الواو مع مدخولها، وهذان الحكمان: حذف الواو أو الفاء مع معطوفهما متفقٌ عليه بين النحاة. إذاً: وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ ... وَالْوَاوُ. . . . . . . . . لكنه قليل .. هذا الأمر قليل ليس بالكثير، إنما في مواضع، ولذلك نشترط فيه: أن يكون ثَمَّ قرينة واضحة بينة تدل على حذف حرف العطف والمعطوف. (والْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ) مع ما عطفته .. يعني: مع معطوفها. (والْوَاو كذلك إِذْ لاَ لَبْسَ) قَيَّده الناظم: (ِإذْ لاَ لَبْسَ) هو قيد فيهما، يعني: في حذف الفاء مع معطوفها، والواو مع معطوفها، لأنه ذكر جملتين ثُم ذكر: (إِذْ لاَ لَبْسَ).

(وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ ... والْوَاوُ) الفاء قد تحذفُ: هذه جملة مبتدأ وخبر، (وَالْوَاوُ) جملة كذلك مبتدأ وخبر، ثُمَّ عَلَّل الحكمين: (إِذْ لاَ لَبْسَ) وهو قيدٌ في النوعين: حذف الفاء مع معطوفها، والواو مع معطوفها، أي: وقت عدم اللبس، فـ (إذ) ظرفية لا تعليلية .. لا يمكن يُتصور أنها تعليلية، تعليل للحذف محتمل، لكن الأولى أن يُقال: بأنها ظرفية، فـ (إذ) ظرفية لا تعليلية. (إِذْ لاَ لَبْسَ) لا: نافية للجنس تعمل عمل (إنَّ)، ولبس: اسمها. عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ .. لَبْسَ: هذا نقول: اسم لا مبنيٌ معها على الفتح في محل نصب، (إذْ لاَ لَبْسَ)، والخبر محذوف، إذ لا لبس موجودٌ. . . . . . . . . ... . . . . . وَهْيَ انْفَرَدَتْ بِعَطْفِ عَامِلٍ مُزَالٍ قَدْ بَقِي ... مَعْمُولُهُ. . . . . . . (وَهْيَ) أي الواو؛ لأن الضمير هنا يعود إلى أقرب مذكور .. الواو، (انْفَردَتْ) من بين حروف العطف (بعَطْفِ عَامِلٍ مُزَالٍ) يعني: محذوف (قَدْ بَقِي مَعْمُولُهُ) يعني: انفردت الواو عن سائر أخواتها من حروف العطف بأنه يُعْطَف بها عاملٌ محذوف، وهذا العامل المحذوف له معمول، بقي المعمولُ وحُذِفَ العامل. (دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي)، (دَفْعَاً) هذا مفعول لأجله، (لِوَهْمٍ) هذا مُتَعلِّق به، و (اتُّقِي) أي: حُذِرَ. (وَهْيَ) مبتدأ، (انْفَرَدَتْ) كعطفت، والجملة خبر، (بِعَطْفِ عامِلٍ) بِعَطْفِ: جار مجرور مُتَعلِّق بقوله: (انْفَرَدَتْ)، و (عَطْفِ) مضاف و (عَامِلٍ) مُضاف إليه، (مُزَالٍ) أي: محذوف .. أزِيل، يعني: حذف عبَّر بالإزالة عن الحذف، محذوفٍ مُزَالٍ: هذا صفة لعامل. (قَدْ بَقِي مَعْمُولُهُ) هذه الجملة في محل جر صفة ثانية لعامل، (عَامِلٍ) وصفه بوصفين: كونه مزالاً أي: محذوفاً، وكونه (قَدْ بَقِي مَعْمُولُهُ) قَدْ: هنا للتحقيق، و (بَقِي) هذا فعل ماضي، (مَعْمُولُهُ) هذا فاعل. وإنما لم يُجعل العطف فيهن على الموجود دفعاً لوهم اتقي، يعني: لا بُدَّ أن نَجعل المعطوف هنا على محذوفٍ، متى؟ إذا كان ثَمَّ وهمٌ، وهذا سبق مثاله في باب: عَلَفْتُهَا تِبناً ومَاءً بَارِداً .. المفعول معه. قلنا: (عَلَفْتُهَا تِبناً وَمَاءً)، (وَ) حرف عطف، وَهْيَ انْفَرَدَتْ بِعَطْفِ عامِلٍ مُزَالٍ قَدْ بَقِي مَعْمُولُهُ)، (مَاءً)، (مَاءً) هنا لو عطفناه على عَلَفْتُهَا، الماء لا يُعلف، أليس كذلك .. فيه شك؟ إذاً: لا بُدَّ أن يكون ماء معمولاً لعامٍل محذوف معطوف على سابقه، فالواو على أصلها: حرف عطف، وماءً: معمول، أين العامل؟ محذوف، إذاً: الواو قد عطفت عاملاً محذوفاً تقديره: سقيتها، وبقي معموله وهو: ماءً، لماذا؟ (دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي)، لماذا قَدَّرنا أن ثَمَّ عاملاً؟ لأنه يحتمل، الأصل عدم الحذف، فإذا أمكن حمل الظاهر أن يكون معطوفاً على سابقه فهو الواجب والمتعين، أمَّا إذا لم يُمكن حينئذٍ لا بُدَّ من تقدير عاملٍ محذوف، والواو عاطفة لذلك العامل على سابقه، وأن المعمول الباقي .. الذي بقي، هذا معمولٌ لذلك العامل المحذوف:

(وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونا)، (زَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ) هذا فعل، وفاعل، ومفعول به، والعُيُونا: الواو حرف عطف، والعُيُونا الأصل: معطوف على الحَوَاجِبَ، متى تُقدِّر العامل وتجعل الواو عطفت عاملاً محذوفاً؟ إذا كان ثَمَّ وهمٌ أو لبسٌ، أو لا يُمكن الجمع مع العامل السابق، حينئذٍ لا بُدَّ من التقدير، (زَجَّجن الحَوَاجِبَ) يعني: أخذن من الحواجب .. نمص، والعيون: العيون ما تزجج، إذاً: نُقدِّر له عامل يناسبه: وكحلن العيون، العيون تُكْحل. إذاً: (وَزَجَّجن الحَوَاجِبَ وَالعُيُونا)، إذاً: العيون هذا عامل لمعمولٍ حُذِفَ بعد الواو، عطفته الواو وبقي معموله، لماذا قدرنا هذا والأصل عدم التقدير؟ (دَفْعَاً لِوَهْم اتُّقِي)، ما هو هذا الوهم؟ أن يكون العيون معطوفا على الحواجب هذا ممتنع، وأن يكون: ماءً، معطوفاً على علفت هذا ممتنع، إذاً: لا بُدَّ من التقدير. (وهْيَ انْفَردَتْ) أي: الواو، (بعَطْفِ عَامِلٍ مُزَالٍ) أي: محذوف، (قَدْ بَقِي مَعْمُولُهُ) مرفوعاً كان، أو منصوباً، أو مجروراً مُطلقاً؛ لأنه أطلق قال: (قَدْ بَقِي مَعْمُولُهُ) فالعامل حينئذٍ يحتمل أن يكون فعلاً، وأن يكون حرفاً، أو اسماً مضافاً، وسبق هذا بيانه في باب الإضافة. مثلوا للمرفوع بقوله: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] بناءً على أنه ليس معطوفاً على الضمير ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] أي: وليسكن زوجك: والشَّأنُ لاَ يُعتَرَض المِثَالُ ... إذْ قَدْ كَفَى الفَرْضُ والاِحتِمَال أو منصوباً نحو قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ)) [الحشر:9] التبوء: المنزل، والإيمان لا يتبوأ .. هذا الأصل، إذاً: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ)) [الحشر:9] وألفوا الإيمان، الإيمان: هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوف عامل: عطفته الواو على ما قبله: ألفوا الإيمان. أو مجروراً نحو: مَا كُلُّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً وَلاَ سَوْدَاءَ تمْرَةً، أي: ولا كل سوداء، ما كل بيضاء شحمة، ولا سوداء تمرة، سوداء هذا نقول: معمول لعامل محذوف تقديره: كل. إذاً: (دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي) أي: حُذِرَ، وهو: أنه يلزم في المثال الأول: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] رفع الأمر للاسم الظاهر، لو لم نُقَدِّم أن يكون الأمر قد رفع الاسم الظاهر، وهذا مُغتَفَر لأنه في الثواني، لكن كمثال: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] قالوا: زوجُ: هذا مرفوع بعامل محذوف مُزَال .. قد حُذِفَ، وبقي معموله وهو فاعل، ليس معطوفاً على الضمير المستتر، وإن كان الأولى جعله على الضمير المستتر، لكن هذا وجه آخر .. يَحتمل. ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ)) [البقرة:35] أي: وليسكن زوجك، زوجك: هذا فاعل لفعلٍ محذوف، والواو هنا عطفت عاملاً مُزَالاً قد بقي معموله. وفي الثاني: كون الإيمان متبوأ وإنما يُتَبَوأُ المنزل: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ)) [الحشر:9] الدار: شيء محسوس، والإيمان: ما يُتَبَوأ، وألفوا الإيمان.

وفي الثالث: العطف على معمُوليِّ عاملين مختلفين: ما كل بيضاء شحمَة ولا سوداء، لا بُدَّ من تقدير عامل لئلا يلزم هنا العطف على معمولين لعاملينِ مختلفينِ، والعاملان: (ما) و (كل)، والمعمولان: بيضاء وشحمَة. إذاً (دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي) لا بُدَّ من تقدير عاملٍ محذوفٍ بعد الواو، عطفت الواو ذلك العامل المزال المحذوف مع بقاء عمله، وهذا خلاف الأصل، وإنما يُلجأ إليه (دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي) دُفِعَ: حُذِرَ يعني، (اتُّقِي) أي: الوهمُ، والجملة صفة لوهمٍ، (دَفْعَاً) مفعولٌ لأجله، و (لِوَهْم) مُتَعلِّق بـ: (دَفْعَاً) لأنه مصدر، و (اتُّقِي) هذا فعل وفاعل، الفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على الوهم، والجملة في محل صفة لوهمٍ. إذاً: وَالفَاءُ قَدْ تَحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفَتْ ... وَالْوَاوُ إِذْ لاَ لَبْسَ وَهْيَ. . . . . أي: الواو دون الفاء، بل دون سائر حروف العطف (انْفَرَدَتْ بِعَطْفِ عَامِلٍ) قد أزيِل .. حُذِفَ، وبقي معموله دفعاً لوهمٍ يمكن أن يتلبس بالتركيب. فائدة: وقد يُحذف العاطف وحده على قول الفارسي، وابن عصفور، ومنعه ابن جني والسهيلي، يَمر معنا: أن هذا على إسقاط حرف العطف، وهذه المسألة فيها نزاع كما ذكرنا، هل يحذف أو لا؟ نقول: يُحذف العاطفُ وحده على قول الفارسي ومن ذُكر معه، وإنما جاز حذف حرف الاستفهام اتفاقاً؛ لأن للاستفهام هيئة تُخالف هيئة الإخبار، يعني: زيدٌ قائمٌ، هذا له هيئة تُخالف هيئة الإخبار، حينئذٍ جاز حذف حرف الاستفهام اتفاقاً، هذا متفق عليه، وإنما وقع النزاع فيما عدى حرف الاستفهام. ومنه: كيف أصبحت كيف أمسيت؟ يعني: وكيف أمسيت؟ وفي الحديث: {تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ} قالوا: هذا على حذف حرف العطف، يعني: تصدق رجل من ديناره، ومن درهمه، ومن صاع بره، ومن صاع تمره، هذا نقول: على حذف حرف العطف. وحكا أبو عثمان عن أبي زيد، أنه سُمِعَ: أَكَلتُ خُبزاً لَحْماً تَمْراً، يعني: جمع بينها كلها: أكلت خبزاً ولحماً وتمراً، ولا يكون ذلك إلا في الواو و (أو)، يعني: الحذف .. حذف حرف العطف، إن جاز إنما يكون في الواو و (أو) على جهة الخصوص، وأمَّا ما عادها فلا، لكثرة استعمال الواو، وإذا حذفت الواو قد يُعْلَم أن ثَمَّ عطف، وحينئذٍ لو كان بالفاء و (ثُم) و (أم) نقول: لا يصلح، لماذا؟ لأن هذه لها معاني خاصة، فإذا حذفت قد يُوقع في اللبس. وكذلك الواو لا تُحذف إذا أوقع حذفُها في اللبس، كأن يُتَوقع أن ما بعدها بدل مما قبله أو عطف بيان ونحو ذلك، إذا احْتُمِلَ ذلك مُنِعَ، وأمَّا إذا ظهر العطف حينئذٍ على رأي ابن مالك ومن ذُكِرَ: يجوز حذف الحرف بشرط أن يكون واواً، أو (أو).

قال الشارح هنا: " وقد تُحذف الفاء مع معطوفها للدلالة، ومنه قوله تعالى: ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:184] أي: فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، فحُذِفَ أفطر، والفاء الداخلة عليه، وكذلك الواو، ومنه قولهم: (رَاكِبُ النَّاقَةِ طَليِحَانِ)، (راكب النَّاقةِ والنَّاقةُ طليحان) يعني: ضعيفان، هنا واضح راكب الناقةِِ طليحان، أن ثَمَّ معطوف ومعطوف عليه، لأنه قال: (طليحان) هذا خبر، وراكب الناقةِ واحد، إذاً: أخبر باثنين عن واحدٍ، إذاً لا بُدَّ من التقدير: راكب الناقةِ والناقةُ، حُذِفَتْ الواو (مَعْ مَا عَطَفتْ) حينئذٍ نقول: الذي دَلَّ على الواو (إِذْ لاَ لَبْسَ) كون الخبر مُثنَّى، لكن هل يصح: راكبُ الناقةِ طليحٌ، ثم نقول: ثَمَّ حذفٌ؟ لا، وإنما طليحان. وانفردت الواو من بين حروف العطف بأنها تَعْطِف عاملاً محذوفاً بقي معمول، الناظم هنا خَصَّ الواو، وابن هشام رحمه الله استدرك عليه الفاء التي تقع بعدها الحال. الفاء تَعْطِِفُ عاملاً محذوفاً بقي معمول: اشتريت بدرهمٍ فصاعداً: فذهب الثمن صاعداً، هذه الفاء تعطف صاعداًً هذه حال تدل على التدريج، أين عاملها؟ محذوف، أي: فذهبَ الثمنُ صاعداً، لأن تقديره: فذهب الثمن صاعداً، ومنه البيت الذي ذكرناه. وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ ... وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحّ (وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ) أي: معطوفٍ عليه. فيما سبق الواو والفاء تحذف المعطوفَ، والآن حذف المعطوف عليه .. المتبوع السابق، الأول الفاء مع ما بعدها، والواو مع ما بعدها، وهنا لا، الحذف يتعلق بالمعطوف عليه، وذكرنا حذف العاطف نفسه، إذاً الأقسام ثلاثة: قد يُحذفُ حرف العطف وحده، وقلنا: هذا محصورٌ في الواو و (أو). ثانياً: يُحذف المعطوف مع الحرف، وهو الذي عناه بقوله: (وَالْفَاءُ) .. (وَالْوَاوُ) كذلك. الثالث: حذف المعطوف عليه، وهذا الذي عناه بهذا البيت: (وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ)، (اسْتَبِحْ) يعني: اجعله مباحاً .. استبحه فافعله. (حَذْفَ مَتْبُوعٍ) هذا مفعولٌ به مُتَقدِّم وهو مضاف و (مَتْبُوعٍ) مضافٌ إليه، (بَدَا) يعني: ظهر (هُنَا) في هذا المحل، وهو ما يتعلق بالفاء والواو .. ليس مُطلقاً، وإنما هنا في هذا الموضع. أي: حذف المتبوع وهو المعطوف عليه جائزٌ إذا ظهر معناه، ولذلك قَيَّده بقيدين: (هُنَا) يعني: في الفاء والواو. و (بَدَا) يعني: ظهر معناه، لا بُدَّ من هذا القيد وهو قيدٌ عام، أي: حذفَ المتبوع وهو المعطوف عليه جائزٌ إذا ظهر معناه.

(وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ) كقول بعضهم: وَبكَ وَأهلاً وَسهلاً، هذه ثلاث واوات، الأولى: عاطفةٌ لجملة على جملة. جواباً لمن قال له: مرحباً بك، يقول: وبكَ وأهلاً وسهلاً، والتقدير: ومرحباً بك وأهلاً، الواو الأولى: لعطف جميع الكلام على كلام المُتَكلِّم، يعني: عطف الجملة على الجملة، وهذا لا إشكال فيها، كقوله: السلام عليكم .. وعليكم السلام، الواو هذه عاطفة للجملة على الجملة، وعليكم السلام: الواو عطف .. عطف على جملة المُتَكلِّم الأول المُسَلِّم، فليست داخلة في الشاهد. الواو الأولى: لعطف جميع الكلام على كلام المُتَكلِّم الأول، كالواو في قوله: وعليكم السلام، جواباً لمن قال: السلام عليكم، والثانية: لعطف أهلاً على مرحباً المقدر، عطف مفرد على مفرد وهي محل الاستشهاد. إذاً: وبك وأهلاً .. وبك ومرحباً وأهلاً، حذف المعطوف عليه وبقي وأهلاً معطوف .. بقي المعطوف وهو: أهلاً، وحذف المعطوف عليه وهو: مرحباً. مَثَّل الزمخشري بقوله تعالى: ((أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ)) [الجاثية:31] قال التقدير: ألم تأتكم آياتي فلم تكن، ثَمَّ محذوف بين الهمزة و (لم) وهذا يُقدِّره في جميع القرآن من أوله إلى آخره على هذا التقدير، دائماً تكون الفاء حاذفةً لشيءٍ .. للمذكور على معطوف محذوف: ألم تأتكم ((أَفَلَمْ تَكُنْ)) [الجاثية:31] ولذلك صح مجيء الفاء بعد الهمزة: (ألم) هذا الأصل .. (فألم) لكن استحساناً للفظ وتحسيناً له أُخِّرَت الفاء عن الهمزة وقيل: (أفلم .. فألم) حينئذٍ نَعْلَم أن الفاء هذه عاطفة، أين المعطوف عليه؟ هذه تأتي في أول الآية .. أين المعطوف عليه؟ حينئذٍ لا بُدَّ من التقدير .. تقدير معطوفٍ عليه محذوف قبل الفاء، بمثل هذه قال: ألم تأتكم آياتي فلم تكن تتلى عليكم، فحُذف المعطوف عليه وهو: ألم تأتكم وهو جملة. إذاً القاعدة العامة: يجوز حذفُ المعطوف عليه إذا كان العطف بالفاء، (وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا)، (هُنَا) يعني: في هذا الموضع، وهو العطف بالواو والفاء، (اسْتَبِحْ) وما عداه فيبقى على الأصل. إذاً الأقسام ثلاثة: حذفُ المعطوف عليه فقط مع بقاء المعطوف وحرف العطف، وهذا يكون بالفاء والواو. ثانياً: حذف المعطوف مع الفاء والواو، وهذا خاصٌ بهما. ثالثاً: حذف المعطوف مع بقاء الحرف، وهذا خاصٌ بالواو، وأمَّا حذف حرف العطف فقط، هذا كما ذكرناه أنه فيه نزاع، وإن جاز لا بُدَّ من تقييده: بأن يكون بالواو وأو لا بغيرهما، وألا يكون ثَمَّ لبسٌ بألا يَحتمل أن يكون بدلاً، أو عطف بيان أو نحو ذلك، فإن احتمل فلا يجوز، فيبقى على الأصل، متى نَحْذِف الواو؟ إذا قرأنا الجملة وعلمنا أن ثَم عطفاً: أكلتُ لحماً خبزاً معلوم هذا، خاصة إذا عدد ثلاثة أو أربعة، حينئذٍ نقول: لا يَحتمل البدل.

(وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ) العَطْفُ قد يكون عطف اسمٍ على اسمٍ، وقد يكون عطفَ جملة على جملة، وقد يكون عطف فعلٍ على فعلٍ، يعني: يحصل العطف بين أنواع الكلمة الثلاث .. بين أنواع الكلمة: الاسم والفعل، ويدخل في ذلك الفعل ما إذا عُطفَ الفعل مع معموله، وهو عطف الجملة على الجملة؛ لأنه قد يُلاحظ الفعل فقط دون فاعله، ويكون هو المعطوف؛ لأن الفعل لا بُدَّ له من فاعل، حينئذٍ إذا قيل: عُطفَ الفعل مع فاعله، تعين أن يكون عطف الفعل هو عطف الجملة على الجملة. وقد أطبق النحاة على أن ثَمَّ فرقاً بين النوعين، كيف يُعْطَف الفعل على الفعل؟ نقول: دون أن يُلاحظ الفاعل، فإذا لاحظت الفاعل وجعلته معطوفاً عليه، صار من عطف الجملة على الجملة، وهذه العطف .. عطف الجمل والبدل والنعت، هذه يتوسع فيها البيانيون توسع عجيب، من أراد أن يضبطها فليست هنا وإنما هي في: علم البيان. (وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ)، (وَعَطْفُكَ) هذا مبتدأ، أين خبره .. والفعلَ ما ناصبه؟ عطفُ ما نوعه؟ مصدر، طيب! من إضافة المصدر إلى الفاء، عطفك أنتَ الفعل، الفعل هذا مفعولٌ به، العامل فيه عطفك .. بمثله، (وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ) جار مجرور مُتَعلِّق بعطف، فإذاً هو مصدر، (يَصِحْ) هذا فعل مضارع مرفوع ورفعه ضمة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف أو الرويّ، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو يعود على العطف، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ. (وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ) بشرط: اتحاد زمانيهما، سواءٌ اتَّحد النوع أم لا، يعني: لا بُدَّ أن يكون الزمن مُتَّحداً، هكذا شرطه ابن مالك رحمه الله تعالى: لا بُدَّ من شرط اتحاد زمانيهما، سواء اتَّحد نوعهما يعني: عُطفَ مضارع على مضارع، أو ماضٍ على ماضٍ، أو مضارع على ماضٍ، أو بالعكس، وأمَّا عطف الفعل .. فعل الأمر على فعل أمرٍ آخر، فهذا من عطف الجملة على الجملة؛ لأن فعل الأمر: قُم واقعد، حينئذٍ نقول: اقعد وقُم فيهما ضمير مستتر وجوباً وهو فاعل، وحينئذٍ إذا عُطف الثاني على الأول نقول: من عطف الجملة على الجملة، وليس من عطف الفعل على الفعل. سواءٌ اتحد نوعهما، نحو: ((لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ)) [الفرقان:49] نحيي .. نسقي، إذاً: عُطف الفعل المضارع على المضارع، ((فَحَشَرَ فَنَادَى* فَقَالَ)) [النازعات:23 - 24] أي نوع؟ كلها ماضٍ، حشر: فعل ماضي، فنادى: فعل ماضي، فقال: هذا من عطف الماضي على الماضي. إذاً: سواءٌ اتحد نوعهما مضارع على مضارع نحيي .. نسقي، أو ماضٍ على ماضٍ ((فَحَشَرَ فَنَادَى)) [النازعات:23]. أم اختلفا كقوله: ((يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ)) [هود:98] (يَقْدُمُ) (فَأَوْرَدَ) عطف الماضي على المضارع، والماضي هنا بمعنى: المستقبل ((فَأَوْرَدَهُمُ)) [هود:98] يعني: سيوردهم، إذاً: اتحدا في الزمنِ، ((تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)) [الفرقان:10] عطف المضارع هنا على الماضي.

وأمَّا فعل الأمر، فعطفُ مِثله عليه من باب عطفِ الجملِ؛ لأن فيه ضميراً مستتراً وجوباً. إذاً: عطفُ (الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ) بشرط: ألا يُلحظَ فيه الفاعل، فإن لُحِظَ فيه الفاعل حينئذٍ يكون من عطف الجملة على الجملة. قال هنا الشارح: " وأشار بقوله: (وَعَطْفُكَ الفِعْلَ) إلى آخره؛ إلى أن العطف ليس مختصاً بالأسماء، بل يكونُ فيها وفي الأفعال نحو: يقومُ زيدٌ ويقعدُ " يقعدُ: هذا معطوف على يقوم، والعامل فيه هو العامل في الأول: وجاءَ زيدٌ ورَكِبَ، جاءَ .. رَكِبَ: اضرب زيداً وقم، هذا محل خلاف بين النحاة، اضرب قم، هل هو معطوفٌ عليه أم لا؟ قيل: هنا لا يمكن أن يُتَصور انفكاك الفاعل عن الفعل، فإذا كان كذلك صار من عطف الجملة على الجملة. وأمَّا السابق: يقومُ زيدٌ ويقعدُ، (يقومُ) فعل مضارع مرفوعٌ لتجرُّده عن الناصب والجازم ورفعُه ضمة ظاهرة في آخره، وزيدٌ: فاعل، والواو: حرف عطف، ويقعدُ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ معطوفٌ على يقومُ، ولا تقل: مرفوعٌ لتجرُّده عن الناصب والجازم؛ لأن العامل في الأول هو العامل في الثاني، هذا شأن المعطوفات: جاءَ زيدٌ وعمروٌ، عمروٌ: هذا مرفوع، والرافع له هو جاء، فالعامل في الأول هو العامل في الثاني، سواءٌ كان في باب الأسماء .. المعربات، أو كان في باب الأفعال. إذاً: وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ ... وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحّ هُنا فائدة: قد يتقدم المعطوف بالواو للضرورة على مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين جوازه اختياراً بقلة، وجَوَّزه في شرح الكافية إن لم يخرجه التقديم إلى التصدير، أو إلى مباشرةِ عاملٍ لا يتصرف أو تقدم عليه، يعني: هل يجوز أن تتقدم الواو مع معطوفها .. هل يجوز أن يُقال: جاءَ وزيدٌ عمروٌ؟ الأصل: جاءَ زيدٌ وعمروٌ، هل يصح أن نقول: وعمروٌ نُقدمه على زيد .. نُقدم الواو مع ما بعدها على المعطوف عليه؟ هذا الأصل: عدم الجواز، عند البصريين لا يجوز إلا ضرورةً، وعند الكوفيين: أنه جائزٌ اختياراً بقلةٍ .. قليل. وجَوَّزه في (شرح الكافية). لكن بشروط: إن لم يُخرجه التقديم إلى التصدير، يعني مثلاً: إذا قيل: زيدٌ وعمروٌ قائمان، في مثل هذا التركيب لا يصح أن نقول: وعمرٌ زيدٌ قائمان؛ لأننا أخرجناه بالتقديم إلى التصدير، يعني: صار في صدر الجملة وهذا ممتنع، أو إلى مباشرةِ عاملٍ لا يتصرف، مثل ماذا؟ ما أحسنَ وعمراً زيداً .. ما أحسنَ زيداً وعمراً، هل يصح أن نُقدم وعمراً، فنقول: ما أحسن وعمراً زيداً؟ نقول: لا، لماذا؟ لأنه صار تالياً أو مباشراً لعاملٍ لا يتصرف وهو أفعل التفضيل كما سبق، ولا يصح كذلك: أحسنَ زيداً، لعدم التصرف في العامل. إذاً: إن لم يخرجه التقديم إلى التصدير، أو إلى مباشرةِ عاملٍ لا يتصرف، أو تقدم عليه، فلا يجوزُ: وعمروٌ زيدٌ قائمان، لماذا؟ لتصدير المعطوف وفوات توسطه، ولا: ما أحسنَ وعمراً زيداً، ولا: ما وعمراً أحسن زيداً، لعدم التصرف في العامل.

ولم يكن المعطوف مخفوضاً فلا يجوز: مررت وزيدٍ بعمروٍ .. مررت بزيدٍ وعمروٍِ، هل يصح مررت وعمروٍ بزيدٍ؟ لا يصح أن يتقدم هنا المعطوف على المجرور؛ لأن الحرف ضعيف، مثل: ما أحسنَ وعمراً زيداً، نقول: هذا ضعيف؛ لأنه غير مُتَصرِّف، كذلك لا يصح: مررت وعمروٍ بزيدٍ، مررت بزيدٍ وعمروٍ نقول: هذا لا يصح. فلا يجوز: مررت وزيدٍ بعمروٍ، ولم يكن العامل مما لا يَستغني لواحدٍ، فلا يُقال: اختصمَ وعمروٌ زيدٌ .. اختصم زيدٌ وعمروٌ، إذاً: إذا لم يكن واحداً من هذه الأمور حينئذٍ جاز أن يَتقدَّم حرفُ العطف وهو الواو مع معطوفها. وَاعْطِفْ عَلَى اسْم شِبْهِ فِعْلٍ فِعْلاَ ... وَعَكْساً اسْتَعْمِل تَجِدْهُ سَهْلاَ (وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الفِعْلِ يَصِحْ) .. بعض الأسماء في معنى الفعلِ، الاسم المُجرَّد الجامد لا يجوز عطفُه على الفعل، ولا عطفُ الفعل عليه، لماذا؟ لأن العطف يقتضي المشاركة، هذا الأصل، الاسم المشارك لما قبله في إعرابه، وسبق معنا: أن الأصل والأكثر في حروف العطف أنها تُشَرِّك في المعنى واللفظ .. في الإعراب والمعنى، حينئذٍ ما نوع التشريك هنا؟ ينتفي أن يكون الفعل معطوفاً على اسمٍ ليس فيه معنى الفعل، يعني: ليسَ مشتقاً .. ليس اسم فاعل، ولا اسم مفعول، ولا صفة مشبهة ولا نحو ذلك، فلا يجوز عطف الفعل على اسمٍ خالصٍ ولا العكس. وأمَّا إذا كان الاسم فيه معنى الفعل، يعني: من المشتقات .. مما يدل على ذاتٍ وحدثٍ، حينئذٍ جاز عطف كل واحد منهما على الآخر، فيُعْطَف الفعل على اسم الفاعل، كما قال تعالى: ((فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً)) [العاديات:3 - 4] المُغِيرات: جمع مغيرة .. اسم فاعل، فأثرن: هذا .. فعل عُطِفَ بالفاء على اسم الفاعل، إذاً: هذا جائز. كذلك قوله: ((صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ)) [الملك:19] صافاتٍ: جمع صافة، ويقبضن: هذا معطوفٌ عليه، عُطِفَ الفعل على اسم الفاعل، وهذا كذلك محل وفاق، ((إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا)) [الحديد:18] عُطِفَ أقرضوا على المصدقين، يعني: الذين تصدقوا. فألفَيُتُه يَومَاً يُبِيرُ عَدُوَّهُ ... ومُجرٍ عَطاءً يستحقُ المعابرا (مُجرٍ) اسم فاعل معطوف على قوله: يُبِيرُ يعني: يهلكُ، حينئذٍ نقول: هذا من عطف اسم الفاعل، يعني: اسمٍ أشبه الفعل على الفعل، كذلك قوله: (بَاتَ يُغَشِّيها .. يُعَشِّيها) -روايتان- (بَاتَ يُغَشِّيها بِعضبٍ بَاترٍ -سيفٍ قاطعٍ- يَقصِدُ في أَسوقِها وجَائرِ)، وجائرِ: هذا اسم فاعل، معطوف على قوله: يَقصِدُ. إذاً: يجوز عطف الاسم الذي أشبه الفعل على الفعل والعكس، لوروده في القرآن وفي الشعر وفي كلام العرب، وحينئذٍ التعليل واضح؛ لأن الفعل يدل على حدث، والاسم الذي أشبه الفعل يدل على حدث، وثَمَّ جامعٌ بينهما، إذاً: وجِدَ حقيقة العطف.

قال (وَاعْطِفْ) هذا فعل أمرٍ مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، (عَلَى اسْمٍ) جار مجرور مُتَعلِّق بقوله: (اعْطِفْ)، و (شِبْهٍ فِعْلٍ)، (شِبْه) هذا نعت لـ: (اسْمٍ)، (شِبْهٍ فِعْلٍ) يعني: أشبه الفعل .. مُشبهٌ للفعل، احترازاً من اسمٍ لم يُشبه الفعل فلا يجوز والتعليل واضح، (عَلَى اسْم شِبْهٍ فِعْلٍ) شبه: مضاف، والفعل مضاف إليه، (فِعْلاً) اعطف فعلاً على اسمٍ شبهِ فعلٍ، اعطف فعلاً: ففعلاً هذا مفعول به، يجوز أن يُعْطَف الفعل على الاسم الشبيه بالفعل، هذا أراده بهذا البيت. و (اسْتَعْمِل عَكْساً)، و (عَكْساً) وهو أن تعطف الاسم الشبيه بالفعل على الفعل، (اسْتَعْمِل عَكْساً) الاستعمال: هو إطلاق اللفظِ وإرادة المعنى، فلما جَوَّز استعمالهُ دَلَّ على أنه منقولٌ موجودٌ في لسان العرب؛ لأن ثَمَّ وضعاً وثَمَّ حمل، وثَمَّ استعمال، ثَمَّ وضْعاً وهو جعل اللفظ دليلاً على المعنى، أو القواعد العامة وهو المراد هنا .. الوضع النوعي، وثَم استعمال: وهو إطلاقُ اللفظِ وإرادة المعنى، هذا لا يكون إلا بعد الوضع، يعني: ما يُستعمل ويُتَكَلم بألفاظٍ أو تراكيب إلا وهي منقولةٌ في لسان العرب، لا بُدَّ أن يكون ثَمَّ واضع أولاً، ثُم بعد ذلك يأتي الاستعمال. ثُمَّ يكون الحمل: وهو اعتقاد السامع ما يريده المُتَكلِّم من كلام، يعني: يفهم المراد، (وعَكْساً اسْتَعْمِل) استعمل: هذا فعل أمر مبنيٌ على السكون لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، وعكساً: هذا مفعولٌ به، تجده، فعل مضارع مجزوم، وجازمه هو وقوعه في جوابِ الطلب وهو الأمر: استعَمِل تجده، وتجد: هذه يتعدى إلى مفعولين، الفاعل ضمير مستتر أنت، والهاء: مفعول أول، وسهلاً: مفعولٌ ثاني، إذاً: يجوز عطف الاسم الشبيه بالفعل على الفعل. ((يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ)) [الأنعام:95] مُخرج .. يُخرج: عطف الثاني .. اسم الفاعل على الفعل. قال هنا: يجوز أن يُعطفَ الفعل على الاسمِ المشبه للفعلِ كاسم الفاعل ونحوه، ويجوز أيضاً عكس هذا: وهو أن يُعطف على الفعل الواقع موقع الاسمِ اسمٌ، فمن الأول قوله تعالى: ((فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً)) [العاديات:3 - 4] هنا المعطوف عليه صلة، وحقُه أن تكون جملة، فالمغيرات مؤولٌ باللاتي أغرن، لأنه قد يُقال: ثَمَّ حكمة ظاهرة: المغيرات .. مغيرات: هذا صلة (أل)، وصلة (أل) الأصل فيها أن تكون فعلية. إذاً: ((فَأَثَرْنَ)) [العاديات:4] هذا معطوفٌ على ما هو في قوة الجملة الفعلية، كأنه عطفَ فعلاً على فعلٍ، كأنه قال: فاللائي أغرنَ، أو اللاتي أغرنَ صبحاً فأثرنَ، عطف جملة على جملة، كذلك الآية التالية، وكذلك قوله: ((صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ)) [الملك:19] يقبضن: هذا في قوة قابضات، يعني: هنا صار التأويل في الفعل لا في اسم الفاعل، لأن صافاتٍ: هذا حال، والحال الأصل فيها أنها مفردة، وحينئذٍ لمَّا عُطِفَ عليها ويقبضن، إذاً: قابضات، فهو في تأويل قابضات. إذاً: يجوز عطف الفعل على الفعل، والاسم الشبيه بالفعل على الفعل، والفعل الشبيه باسم الفعل على الفعل.

عطف الجملة الاسمية على الفعلية وبالعكس .. قبل ذلك نقول: عطف الجملة على الجملة هذا جائزٌ، هذا لا إشكال فيه، وهذا محل وفاقٍ، فإذا عُطِفَتْ الجملة على الجملة حينئذٍ الجملة نوعان: جملةٌ اسمية، وجملة فعلية. وفي عطف الفعلية على الاسمية والعكس، ثلاثة أقوال: أولها: الجواز مطلقاً، يعني: التخالف، تُعطف الفعلية على الفعلية لا إشكال .. الاسمية على الاسمية لا إشكال، أمَّا العكس الفعلية على الاسمية، أو الاسمية على الفعلية هذا محلٌ نزاع، فيها ثلاثة أقوال: أولها: الجواز مطلقاً بالواو وغيرها، وهذا هو المُرَجَّح عند النحاة، وهو المفهوم من قول النحويين في نحو: قامَ زيدٌ وعمروٌ أكرمتهُ: أن نصب عمرو أرجح؛ لأن تناسب الجملتين أولى من تخالفهما، من المُرَجِّحَات هناك في باب الاشتغال، قلنا: النصب أولى؛ لأننا لو نصبنا عطفنا جملة فعلية على فعلية، والتناسب أولى من التخالف، فدل على الجواز؛ لأنهم جَوَّزوا الرفعَ ورجحوا النصبَ، ما دام أنهم جَوَّزوا الرفعَ فكان جملةً اسمية، إذاً: تكون معطوفة على الفعلية، وهذا محلُ وفاق. الثاني: المنع مطلقاً. والثالث، وهو لأبي علي الفارسي: يجوز في الواو فقط، يعني: يجوز عطف الاسمية على الفعلية وبالعكس، إذا كان العاطف هو الواو، والصواب هو الأول: أنه يجوز مطلقاً. بقي خاتمة، وهي: أن عطف النسق في الأصل أنه يتبع المعطوف عليه في واحدٍ من ثلاثة أشياء، لأنه لا بُدَّ من تَشْرِيكٍ في الإعراب، ثُمَّ هذا الإعراب إمَّا يكون لفظياً أو محلياً أو على سبيل التوهم. فالقسمة ثلاثية: الأمر الأول: العطف على اللفظ، وهذا هو الأصل، وشرطه: إمكان توجه العامل لأن يكون المعطوف صالحاً لأن يلي العامل في المعطوف عليه، إذا قيل: جاءَ زيدٌ وعمروٌ .. رأيت زيداً وعمراً .. مررت بزيدٍ وعمروٍ، حينئذٍ ذِكْرُ الرفع مع النصب مع الخفض في هذه الأمثلة الثلاثة واضح: أن المعطوف قد أخذ حكم الرفع لكون المعطوف عليه مرفوعاً، وهكذا في النصب، وهكذا في الخفض، هذا هو الأصل وهذا هو المطرد، لكن يُشترط فيه: أنه يصلح أن يلي المعطوف عليه العامل، أمَّا إذا لم يصلح فلا يجوز. وهذا له مثالان مشهوران. إذاً: شرطه، أي: إمكان توجه العامل بأن يكون المعطوف صالحاً لأن يلي العامل في المعطوف عليه، فلا يجوز في نحو: ما جاءني من امرأةٍ ولا زيدٍ: بِجر زيد، لماذا؟ لأن العامل الذي جَرَّ امرأة: ما جاءني من امرأةٍ ولا زيدٍ، زيدٍ نقول: هذا معطوف على امرأة لا يجوز أن يتبعه في اللفظ؛ لأن امرأة نكرة، وهو مجرور بـ (من) الزائدة، و (من) الزائدة لا تدخل إلا على النكرة، فتعمل في النكرات لا في المعارف، إذاً: ولا زيدٍ، وزيدٍ نقول: هذا معرفة، حينئذٍ لا يجوز عطفه بالجرِّ على سابقه. كذلك: لا رجلَ في الدار ولا فاطمةَ، نقول: لا يصح أن يعطف على رجل؛ لأن (لا) نافيةٌ للجنس فهي لا تعمل في المعارف إنما تعمل في النكرات، إذاً: العطف باللفظ على اللفظ، فيأخذ حكمه مطلقاً، لا بُدَّ من صحة تسليط العامل الذي عَمِلَ في المعطوف عليه على العامل، إن صحَّ صحَّ، وإن امتنعَ امتنعَ.

الثاني: العطف على المحل، بأن يتبع المعطوف محل المعطوف عليه، والإعراب المحلي كما سبق إنما يكون أكثر ما يكون في المبنيات. وهذا له ثلاثة شروط، يعني: يشترط في صحة العطف على المحل ثلاثة شروط: الأول: إمكان ظهور المحلِ في الفصيح، يعني: أن يكون المحل قد نطق به العربي الفصيح، يعني: جاء في لسان العرب النطق به، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ امتنع أن يُراعى، ولو كان في الأصل متفقا عليه بأن له محلاً، ولذلك قالوا لا يصح: مررت بزيدٍ وعمراً، مع كون النحاة متفقين على أن زيد مفعول به في المعنى، فمحله النصب، لكن لا يصح أن يُقال: وعمراً، لماذا؟ لأنه لم يُسْمَع: مررت زيداً، لا بُدَّ أن يكون هذا المحل قد نطق به العربي الفصيح ولو مرةً واحدة، فلما لم يُنْطَق به ولو مرةً واحدة، حينئذٍ لو كان له محل لا يعتبر عند العطف. إذاً: إمكان ظهور المحلِ في الفصيح: بأن يكون ذلك المحل مما يَظْهَر في فصيح الكلام، فلا يجوز: مررت بزيدٍ وعمراً بالنصب، فإنه وإن كان محل الجار والمجرور نصبٌ؛ لأنه في معنى المفعول به، لكن لمَّا كان لا يجوز أن تقول في الفصيح: مررت زيداً، لم يَجُز النصب للمعطوف هنا، أن يكون المعطوف عليه مَحلاً قد نُطِقَ به ولو مرةً واحدة في الفصيح منصوباً أو مرفوعاً على حسب ما يقتضيه. الثاني: كون المحل بحق الأصالة .. بأن يكون استحقاق المعطوف عليه لذلك المحل لحق الأصالة، فلا يجوز: هذا ضاربٌ زيداً وأخيه، ضاربٌ زيداً يجوز فيه وجهان: ضاربٌ زيداً، وضاربُ زيدٍ، طيب! إذا نَصَبْتَ تقول: ضاربٌ زيداً، لو قال قائل: هذا ضاربٌ زيداً وأخيه، بالجر بناءً على جواز إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله، يعني: ملاحظة ضاربُ زيدٍ فيعطف عليه، نقول: لا، هنا لا يجوز لأن العامل .. اسم الفاعل هنا المستكمل للشروط، الأصل فيه: النصب، وأمَّا الخفض فهذا من باب التخفيف، فهو درئاً لمفسدة الثقل فحسب، فيُراد به تخفيف اللفظ بحذف التنوين، فحينئذٍ لا يراعى، نقول: المحل الذي يراعى هو الذي يكون أصلاً فيه، الأولى والأصل: أن يكون مخفوضاً، وأمَّا اسم الفاعل المستكمل للشروط فالأصل فيه: النصب، ولو جازت الإضافة حينئذٍ لا تُراعى في المحل، نعم لو أضافه حقيقةً: ضاربُ زيدٍ، حينئذٍ صح العطف، وإمَّا أن تُلاحَظ الإضافة ثُم يُعْطَف عليه بناءً على أن محل زيد هو الخفض نقول: لا، لكون هذا الخفض فرعاً لا أصلاً، وإنما تُرَاعَى الأصول. كون المحل بحق الأصالة، بأن يكون استحقاق المعطوف عليه لذلك المحل بحق الأصالة، فلا يجوز: هذا ضاربٌ زيداً وأخيه، يعني: افتراض أنه مجرورٌ بالإضافة؛ لأن استحقاق معمول الوصف الجر ليس بالأصالة، بل الأصل: النصب والجر بالإضافة لقصد التخفيف. الشرط الثالث: وجود العامل الطالب للمحل، المحل إذا قيل: هذا مُعربٌ محلاً مرفوعاً أو منصوباً، لا بُدَّ أن يكون العامل موجودا، أي: باقياً في فصيح الكلام، ولا يجوز: إن زيداً وعمروٌ قائمان، هذا كما سبق بيانه أن بعضهم جعل: وعمروٌ معطوفاً على المبتدأ، أين المبتدأ؟ هو زيد باعتبار الأصل: إن زيداً، أين العامل؟ كأنه جَعَلَ زيداً له محلين: المحل الأول: النصب وهو اللفظ، المحل الثاني: الرفع لكونه مبتدأ في الأصل.

نقول: نعم، كونه مبتدأ في الأصل فهو مرفوع، لكن أين عامله .. هذا الذي لوحِظَ في المحل كونه مرفوعاً أين عامله؟ عامله أُزِيل .. ذهب، لو بَقْي عامله، نعم يُراعى في المحل، وأمَّا وقد أُزِيل عامله حينئذٍ إذا زَاَل العاملُ زَال معه المعمول هذا الأصل، وهنا نُسِخَ بمعنى: أُزيل، نَسْخ .. (إن) نقول: حرف ناسخ، وإذا كان ناسخاً معناه: قد نسخ ورفع وجود الابتداء، إذاً: لا يلاحظ الابتداء البتة. وجود العامل الطالب للمحل أي: باقياً في فصيح الكلام، فلا يجوز: إن زيداً وعمروٌ قائمان برفع عمرو؛ لأن طالب الرفع وهو الابتداء قد زال ليس موجوداً. النوع الثالث: العطف على التوهم، وهذا مختلفٌ فيه، وشرطه: صحة دخول العامل المتوهم على المعمول، وأمَّا كثرة دخوله فشرطٌ للحسن، ولهذا حَسُنَ: لست قائماً ولا قاعد، ولم يَحسُن: ما كنت قائماً ولا قاعداً، لستُ قائماً ولا قاعدٍ، بالخفض: ولا قاعدٍ، قالوا: هذا مجرورٌ على التوهم، ما هو التوهم هنا؟ قالوا: الأكثر في خبر (ليس) دخول الباء الزائدة تأكيداً، وهذا القائل كأنه قال: لست قائماً، ثم قال: ولا قا .. تصوَّر: كأنه أدخل الباء .. لكثرة دخول الباء على الخبر، فعطف عليه مع وجود الباء، توهُّم .. خيال، فتصور: أنه أدخل الباء هو لم يدخلها. حينئذٍ: ولا قاعدٍ بالخفضِ مجروراً بالباء المتوهمة، أين هي؟ لا وجود لها وإنما هي في الخيال، الذي سَوَّغ له ذلك كثرة دخول الباء على خبر (ليسَ)، وهذا عندهم حسن .. عند من جَوَّزه. وأمَّا: ما كنت قائماً ولا قاعدٍ فليس بحسن، لماذا؟ لأن دخول الباء في خبر (كان) منفيةً أقل بكثير من دخول الباء في خبر (ليس) ولمَّا كَثُرَ في باب (ليسَ) صار حسناً، ولمَّا لم يَكْثُر في باب (كانَ) ونحوها لم يكن حسناً. والفرق بين القسمين الأخيرين: أن العامل في العطف على المحل موجود دون أثره، والعامل في العطف على التوهم مفقودٌ دون أثره، الأول: موجود وهذا غير موجود، والأصل: أنه ليس بقياس، يعني: لا يَجر بناءً على التوهم، إن حصل غلطاً فلا إشكال، وأمَّا أن يتعمده نقول: ليس بعاملٍ. وقد يمتنع العطف على اللفظ وعلى المحل معاً، نحو: ما زيدٌ قائماً لكن قاعدٌ، أو بل قاعدٌ، لأنه في العطف على اللفظ إعمالٌ لما في الموجب: ما زيدٌ قائماً بل قاعدٌ، ما بعد (بل) هنا مثبت أو منفي؟ ما زيدٌ قائماً بل قاعدٌ، لو جعلنا قاعد هنا معطوف على سابقه بالنصب، ما زيدٌ قائماً (ما) هنا متى تَعْمَل .. تَعْمَل في موجب أو في منفي؟ لا بُدَّ أن يكون نفياً، طيب! بل لكن قاعداً ما بعد (بل) و (لكن) مثبت، إذاً: لا يمكن العطف على المحل؛ لأن (ما) هنا أُعْمِلَت، وشرط إعمالها: بقاء النفي، وحينئذٍ: ما زيدٌ قائماً، نقول: هذا لا يصح العطف على اللفظ، لأن في العطف على اللفظ إعمال (ما) في الموجب، وفي العطفِ على المحل اعتبار الابتداء مع زوال الابتداء بدخول الناسخ، يعني: لا بُدَّ من وجود العامل في المحل، وهنا قد مُنعَ، لو قيل: بل قاعدٌ عطفاً على محل زيد، بكونه مبتدأً في الأصل، كالكلام في: إن زيداً وعمروٌ قائمان، حينئذٍ نقول: هنا لا يجوز لكون الابتداء قد زال بدخول الناسخ وهو (ما).

قال الناظم رحمه الله تعالى: الْبَدَلُ. هذا هو البابُ الأخير من أبواب التوابع وهو خاتمتها. الْبَدَلُ لغةً: العِوَض، ومنه قوله: ((عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا)) [القلم:32] أي: العوض. وأمَّا في الاصطلاح فَعرَّفه الناظم بقوله: التَّابِعُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ بِلاَ ... وَاسِطَةٍ هُوَ المُسَمَّى بَدَلاَ (التَّابِعُ) جِنس دخل فيه سائر التوابع، خمسة: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل. (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) أي: وحده دون المتبوع، هذا المناسب، إن أخرجنا به عطف النسق بغير (بل) و (لكن) بعد الإثبات، مما قُصِدَ فيه التابع والمتبوع معاً كما سيأتي. (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) المَقْصُودُ: هذا فصلٌ أول، و (بِالحُكْمِ) مُتَعلِّق به، (بِلاَ وَاسِطَةٍ) هذا فصْلٌ ثاني، إذاً: جنس وفصلان .. جنس وقيدان. قوله (التَّابِعُ) أدخل جميع التوابع، قوله: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) أخْرَج ثلاثة: النعت، والتوكيد، وعطف البيان؛ لأن هذه ليست مقصودةً بالحكمِ، وإنما هي مُكَمِّلاتٌ للمقصود، فالمتبوع هو المقصود بالحكم، والنعتُ جاء مُكَملاً له، النَّعْتُ تَابعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ، إذاً: مُتمٌ له، وعطف البيان كذلك جاء موضحاً وجاء مخصصاً، إذاً: مُتمٌ ما سبق، والتوكيد كذلك مُقَوٍّ، إذاً: جاء مقوياً، إذاً: مُتمٌ ما سبق، وليست مقصودة هذه الثلاثة بالحكم. إذاً قولهم: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) يعني: بالإسناد .. نسبة، ما المقصودُ بالكلام هنا؟ سبق أن الإسناد .. ما هو الإسناد؟ نسبة حكمٍ إلى اسمٍ إيجاباً أو سلباً، أو الربط بينهما، أو ضم كلمة إلى أخرى على وجه الإفادة، هذا الإسناد: قامَ زيدٌ، الإسناد هنا شيءٌ معنوي، كونُكَ أسْنَدتَ وجئتَ بقامَ وأضفته إلى زيد على كونه فاعلاً له، هذا هو الإسناد فهو شيءٌ معنوي، ولذلك اتفقوا: على أنه يقتضي مسنداً ومسنداً إليه، يُعَبَّر عن الإسناد بالحكم الرابط بين الفعل والفاعل، كونه واقعاً منه، نفياً أو إثباتاً: ما قامَ زيدٌ، هنا على وجه النفي: قامَ زيدٌ على وجه الإثبات. إذاً: الحكمُ والربطُ والتعلق والعلاقة بين الفعل والفاعل، والاسم والاسم الآخر، مبتدأ وخبر على وجه الإفادة، نقول: هذا هو الحكم، ولذلك قال: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ)، (بِالحُكْمِ) جار ومجرور مُتَعلِّق بقوله: (المَقْصُودُ). (بِلاَ وَاسِطَةٍ) هذا أخرج عطف النسق؛ لأن عطف النسق هو مقصودٌ بالحكم كذلك في الجملة، وسيأتي تفصيله. جاءَ زيدٌ وعمروٌ، كلٌ منهما مقصودٌ بالحكم، إثبات المجيء لزيد كإثبات المجيء لعمرو، إذاًَ: عمرو قُصِدَ بالحكم، وإن لم يكن هو المقصود بالحكم، وكذلك: زيد الذي هو الفاعل مقصودٌ بالحكم ولا إشكال فيه، إذاً: خرجت التوابع الأربعة بقوله: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ بِلاَ وَاسِطَةٍ). وقوله: (بِلاَ وَاسِطَةٍ) يعني: بغير، (لا) هنا اسمية، بمعنى: غير، فهو جار مجرور مُتَعلِّق بقوله: (المَقْصُودُ)، وجعله مُحيي الدين مُتَعلِّقاً بالتابع، هذا ليس بصحيح، والصواب: أنه مُتَعلِّق بالمقصود، و (لا) مضاف، و (وَاسِطَةٍ) مضاف إليه.

(هُوَ المُسَمَّى)، (التَّابِعُ) هذا مبتدأ أول، و (المَقْصُودُ) صفته، و (بِالحُكْمِ) مُتَعلِّق به، و (بِلاَ وَاسِطَةٍ) مُتَعلِّق بالمقصود، (هُوَ المُسَمَّى)، (هُوَ) مبتدأ ثاني، و (المُسَمَّى) هذا خبر الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. (هُوَ المُسَمَّى) في اصطلاح البصريين: (بَدَلاً)، (بَدَلاً) هذا مفعول ثاني للمسمى؛ لأن سمَّى كما سبق تتعدَّى إلى مفعولين: سميت ولدي عبد الله، (ولدي) هذا مفعول أول، و (عبد الله) مفعولٌ ثاني، وقد يَتعدَّى إلى الثاني بالباء: سميتهُ بعبد الله، (سميتهُ) يَتعدَّى إلى الأول بنفسه، و (بعبد الله) يَتعدَّى إليه بالخفض. (هُوَ المُسَمَّى بَدَلا)، (بَدَلا) مفعول ثاني للمسمى؛ لأن المسمى هنا اسم مفعول، الأول: أُنِيبَ عن الفاعل فصار نائب فاعل، يعني: المفعول الأول: نائب فاعل ضمير مستتر، مسمى هو يعود على تابع، (المُسَمَّى بَدَلاَ) في اصطلاح البصريين، وأمَّا الكوفيون فقال الأخْفَش: يسمونه بالترجمة والتبيين، وقال ابن كيسان: يسمونه بالتكرير. (التَّابعُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) أي: المنسوب إلى متبوعه نفياً وإثباتاً؛ لأن الحكم هو الإسناد هنا، (بِلاَ وَاسِطَةٍ هُوَ المُسَمَّى بَدَلا). قال الشارح: " فالتابع جنسٌ والمقصودُ بالنسبة " انظر عَبَّر عن الحكم بالنسبة؛ لأن تعبير النحاة بالنسبة أكثر، وبالحكم هذا تعبير المناطقة، ولذلك عَدَلَ ابن عقيل هنا عن التعبير الذي ذكره الناظم إلى التعبير المشهور عند النحاة وهو: النسبة. فصل أخرج النعت والتوكيد وعطف البيان؛ لأن كل واحدٍ منها مكملٌ للمقصود بالنسبة، ليس مستقلاً وإنما هو مكملٌ للمقصود بالنسبة، لا مقصودٌ بها، و (بِلاَ وَاسِطَةٍ) أخرجَ المعطوفَ بـ (بل) نحو: جاءَ زيدٌ بل عمروٌ، عمروٌ هو المقصود بالنسبة، هو الذي أُثبِتَ له المجيء، فإن عمراً هو المقصود بالنسبة، ولكن بواسطةٍ وهي (بل)، وأخرج المعطوفَ بالواو ونحوها، فإن كل واحدٍ منهما مقصودٌ بالنسبة ولكن بواسطة. إذاً: فَصَّلَ الشارح هنا بقوله: (بِلاَ وَاسِطَةٍ) منه ما أخرج: عطف النسق، إذا كان مقصوداً بالحكم، وبعضه لكونه بواسطةٍ، ولذلك ابن هشام حَقَّقَ المقام فقال: عطف النسق على ثلاثة أنواع، لأن ثَم خلاف: هل عطف النسق خرج بقوله: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) أو (بِلاَ وَاسِطَةٍ)؟ ثُم إذا قيل: خرج بكونه بلا واسطة، المعطوف بـ (بل) هل خرج بقوله: (المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) أو (بِلاَ وَاسِطَةٍ)؟ نقول: النسق على ثلاثة أقسام: أحدها: ما ليس مقصوداً بالحكمِ: كجاءَ زيدٌ لا عمروٌ، جاء زيدٌ أُثبِتَ له الحكم وهو: المجيء، لا عمروٌ، هذا نُفيَ عنه المجيء، إذاًَ: ليس مقصوداً بالحكم: جاءَ زيدٌ لا عمروٌ. ما ليس مقصوداً بالحكم: كجاء زيدٌ لا عمروٌ، وما جاءَ زيدٌ بل أو لكن عمروٌ، أمَّا الأول: فواضح؛ لأن الحكم السابق منفيٌ عنه، جاءَ زيدٌ لا عمروٌ، الحكم السابق عن حرف العطف وهو (لا) منفيٌ عن المعطوف، إذاً: ليس مقصوداً بالحكم، لا إشكال فيه.

وأمَّا الآخران: فَلِأنَّ الحكم السابق هو نفي المجيء، والمقصود به إنما هو الأول، يعني: الذي قُصِدَ به هو الأول؛ لأنه قال: ما جاء زيدٌ بل عمروٌ، أين النسبة هنا .. أين المسند والمسند إليه؟ ما قبل (بل) و (لكن) ما جاء زيدٌ، إذاً المقصود بالحكم: هو نفي المجيء عن زيد، بل عمروٌ الثاني لم يُثْبَت له الأول، إذاً المقصود بالنسبة: هو السابق على (بل) و (لكن)، ما جاءَ زيدٌ بل عمروٌ، أين النسبة؟ نقول: نفي مجيء زيد، بل عمروٌ ما بعدها نقول: ليس هو المقصود بالنسبة، وإنما المقصود بالنسبة ما قبل (بل) و (لكن). إذاً: النوع الأول ما ليس مقصوداً بالحكم، والآخران: فلأن الحكم السابق هو نفي المجيء، والمقصود به: إنما هو الأول، وذلك لأن المعطوف بـ (بل) و (لكن) بعد النفي يَثْبُت لهما نقيض الحكم السابق كما سبق معنا، وأمَّا الحكم المذكور فالمقصود به الأول، يعني: ما قبل (بل) و (لكن) فقولك: ما جاء زيدٌ بل عمروٌ، معناه: أن عدم المجيء ثابتٌ لزيد، وأن عمراً ثبت له المجيء. النوع الثاني: ما هو مقصودٌ بالحكم هو وما قبله، فيصدق عليه أنه مقصودٌ بالحكم لا المقصود بالحكم، ما الفرق بين العبارتين؟ إذا قيل: المقصود بالحكم، هذا صار مُعرَّفاً، المقصود بالحكم حينئذٍ صار محصوراً فيه، فهو المقصود وغيره منفيٌ عنه، أمَّا كونه مقصوداً بالحكم، فلا ينفي أن يكون غيره كذلك مقصودٌ بالحكم، إذاً من عطف النسق: ما قد يكون مقصوداً بالحكم لا أنه هو المقصود بالحكم. النوع الثاني: ما هو مقصودٌ بالحكم هو وما قبله -المعطوف والمعطوف عليه- فيَصدقُ عليه أنه مقصودٌ بالحكم، لا أنه المقصود، وفرقٌ بينهما؛ لأن البدل هو المقصود بالحكم، ولذلك قال: (التَّابِعُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) إذاً: لا ينفي أن يكون شيءٌ آخر مقصوداً بالحكم، لكنه لا يصدق عليه أنه هو المقصود بالحكم، فرق بين العبارتين. لا أنه المقصود وذلك كالمعطوف بالواو، نحو: جاء زيدٌ وعمروٌ، زيدٌ مقصودٌ بالحكم، وعمروٌ مقصودٌ بالحكم، إذاً: عمروٌ مقصودٌ بالحكم، هل هو المقصود بالحكم؟ لا، لماذا؟ لكونه مُثْبَتاً لزيد، لو قلت: هو المقصود بالحكم، حينئذٍ نُفِيَ عن سابقه: جاء زيدٌ وعمروٌ، كلٌ منهما مقصودٌ بالحكم، لو قلت: عمرو الثاني المعطوف هو المقصود بالحكم لَزِمَ أن يُنفىَ المجيء عن زيد وهذا باطل، هذا التفصيل جيد. كالمعطوف بالواو نحو: جاء زيدٌ وعمروٌ، وما جاء زيدٌ ولا عمروٌ، كلاهما مقصودان بالحكم، فهذان النوعان خارجان بما خرج به النعت والتوكيد وعطف البيان، إذا قيل: الفصل الأول المقصود بالحكم، يعني: ألا يكون غيره مقصوداً بالحكم، خرج النعت، وخرج التوكيد، وخرج عطف البيان، وهذه واضح أنها خرجت. بقي نوعان من عطف النسق: وهو ما ليس له قصدٌ في الحكم النوع الأول، والثاني: ما قد يكون مقصوداً بالحكم لا أنه هو المقصود، هذا خرج بقوله: المقصود بالحكم، بقي النوع الثالث: وهو الذي أخرجه بقوله: (بِلاَ وَاسِطَةٍ). النوع الثالث: ما هو مقصودٌ بالحكم دون ما قبله، وهذا هو المعطوف بـ (بل) بعد الإثبات: جاءني زيدٌ بل عمروٌ، قلنا: (بل) بعد الإثبات تنقل الحكم، ماذا قال هناك؟

وَانْقُل بِهَا لِلثَّانِ حُكْمَ الأَوَّل ... فِي الخَبَرِ المُثْبَتِ. . . . . إذاً: ما جاءني زيدٌ بل عمروٌ، عمروٌ هو الذي جاء، والأول مسكوتٌ عنه، إذاً: صار مقصوداً بالحكم ما بعد (بل)، حينئذٍ نحتاج إلى إخراجه فقال: (بِلاَ وَاسِطَةٍ)، إذاً: ما بعد (بل) في سياق الإثبات نقول: هو المقصود بالحكم وليس مقصوداً، بل هو المقصود بالحكم، إذاً: شارك البدل؛ لأن البدل هو المقصود بالحكم، لكن الفرق بينهما: أن المعطوف هنا معطوفٌ بـ (بل) يعني: بواسطة، وذاك بدون واسطة. وهذا هو المعطوف بـ (بل) بعد الإثبات نحو: جاءني زيدٌ بل عمروٌ، وهذا النوع خرج بقوله: (بِلاَ وَاسِطَةٍ) وثَمَّ خلاف طويل عريض في الإخراج، لكن هذا التحقيق جيد: أن يكون قوله: المقصود بالحكم أخرج نوعين من عطف النسق، وهو: ما ليس مقصوداً بالحكمِ و (أو)، والثاني: وهو ما هو مقصودٌ هو وما قبله لا أنه هو المقصود. بقي النوع الثالث: وهو المقصود بالحكم أخرجه بقوله: (بِلاَ وَاسِطَةٍ)، هُوَ المُسَمَّى في اصطلاح البصريين: بَدَلاً. ثُمَّ قال: مُطَابِقَاً أَوْ بَعْضَاً اوْ مَا يَشْتَمِلْ ... عَلَيهِ يُلفَى أَوْ كَمَعْطُوفٍ بِبَلْ وَذَا لِلاِضْرَابِ اعْزُ إِنْ قَصْداً صَحِبْ ... وَدُونَ قَصْدٍ غَلَطٌ بِهِ سُلِبْ كَزُرْهُ خَالِدَاً وَقَبِّلْهُ اليَدَا ... وَاعْرِفْهُ حَقَّهُ وَخُذْ نَبْلاً مُدَى قسَّمَ لك البدل إلى أربعة أقسام: (مُطَابِقَاً أَوْ)، (أَوْ) هنا للتقسيم، (بَعْضَاً أَو مَا يَشْتَمِل عَلَيهِ) هذا الثالث، (أَوْ كَمَعْطُوفٍ بِبَلْ)، ثُمَّ قسَّمَ لك الرابع هذا إلى قسمين: بدل غلط، وبدل إضراب. (مُطَابِقَاً) بالنصب: مفعول ثاني لقوله: (يُلْفَى) والضمير نائب فاعل مفعوله الأول، إذاً: (يُلْفَى) يتعدى إلى مفعولين، وهو مُغيَّر الصيغة هنا، نائب الفاعل مفعوله الأول وهو عائدٌ على البدل، يُلفَى البدلُ مطابقاً، هذا النوع الأول وهو الذي يُعبَّر عنه: بدل كل من كل. (أَوْ بَعْضَاً) أو يُلْفىَ بعضاً، وهو القسم الثاني، وهو المسمى: بدل بعض من كل. (أَوْ مَا يَشْتَمِل عَلَيهِ)، (يَشْتَمِلْ) هذا فعل مضارع، و (عَلَيهِ) مُتَعلِّق به، و (ما) اسمٌ موصول في محل نصب معطوف على مُطَابِقَاً. (يُلْفَى أَوْ) هذا كذلك حرف عطف، (كَمَعطُوفٍ) مثلَ معطوفٍ .. (مثلَ) بالنصب، فالكاف هنا بمعنى: مثل فهي اسمية، وهو مضاف و (مَعْطُوفٍ) مضاف إليه، (بِبَلْ) مُتَعلِّق بقوله: (مَعْطُوفٍ). إذاً: أربعة أقسام: الأول: بدل كل من كل، وشاع عند النحاة: بدل الكل من الكل، وهذا غلط؛ لأن (كل) هذا من الألفاظ الملازمة للإضافة، معنىً، بمعنى: أنه إذا حُذِفَ المضاف حينئذٍ يكون المضافُ إليه منوياً، وإذا كان المضاف إليه منوياً حينئذٍ لا تدخل (أل) على المضاف، الكل .. البعض هذا غلط، وإن شاع عند النحاة: بدل الكل من الكل، وبدل البعض من الكل، وكلا اللفظين لا يصح دخول (أل) عليهما، وإن تُسُومِحَ فيها وتُسُوهِلَ لا إشكال فيه.

بدل كل من كل، وحقيقته: هو بدل الشيء مما يطابق معناه، أي: يطابق معناه معناه، الثاني هو عين الأول، والأول هو عينُ الثاني، كلٌ منهما يصدق على ذاتٍ واحدة، والمرادُ بالمطابقة هنا: بحسب المصدق، المصدق يعني: ما يقع عليه الشيء، بأن البَدَل والمُبْدل منه واقعين على ذاتٍ واحدة، فنقول: جاء زيدٌ أخوك، أخوك نُعْرِبه بدلاً من زيد، بدل كل من كل .. هو عينه، ما يصدق عليه الأول: زيد، هو عين ما يصدق عليه الثاني: أخوك، وما يصدق عليه الثاني: أخوك هو عين ما يصدق عليه الأول: زيد، إذاً: كلٌ منهما يصدقان على ذاتٍ واحدة، هذا يُسمى: بدل كل من كل، يعني: الثاني كل الأول .. عينه .. كله لا بعضه، إذا فهمت أن البدل قد يكون بدل بعض، يعني: جزء، حينئذٍ فهمت أن المراد ببدل كل من كل: أنه عين الأول، كلٌ منهما يصدق على ذاتٍِ واحدة. فلا يرد أنهما كثيراً ما يتغايران بحسب المفهوم: جاء زيدٌ أخوك، نقول: نعم، هذا التغاير باعتبار اللفظ؛ لأننا نقول: كيف يُقال: بأنهما ذاتٌ واحدة، ثم زيد لفظٌ مفهومه: أنه عَلَم على ذات، وأخوك كذلك وصفٌ لذات بالأُخُوة، نقول: هذا التغاير لا باعتبار الذات، وإنما باعتبار مفهوم اللفظ؛ لأن كل لفظٍ .. نحن لا نقول: الثاني عين الأول في اللفظ وإلا صار توكيداً: جاء زيد زيد، جاء أخوك أخوك، حينئذٍ صار الثاني توكيداً للأول، وإنما هنا يكون تغاير بينهما في اللفظ، فيحصل تغاير في مفهوم اللفظين، وأمَّا ما يقع عليه في الخارج .. ما يصدق عليه فهو شيءٌ واحد: جاء زيدٌ أخوك، هو عينه الذات واحدة. وإن وُصِفتَ بكونها زيد لكونه علماً عليه، ووُصِفتَ بكونها أخوك لوصف الأُخوة، إذاً: الوصفان متغايران لكن لا يلزم منهما تغاير الذات فالذات واحدة. بدل كل من كل: وهو بدل الشيء مما يطابق معناه، أي: يطابق معناه معناه، طابق معنى أخوك معنى زيد، " طابق معناه معناه " هكذا يقول هناك الصبَّان، طابق معناه معناه يعني: طابق معنى أخوك معنى زيد، المعنى الذي يصْدُق عليه، المسمى .. مسمى زيد ومسمى أخوك ذاتٌ واحدة، وإن حصل اختلاف في مفهوم اللفظ، هذا لا بُدَّ منه. فلا يرد أنهما كثيراً ما يتغايران بحسب المفهوم نحو: جاء زيدٌ أخوك، ثُم التغاير الذي تقتضيه المطابقة ظاهرٌ إن اختلفا مفهوماً، وإلا جُعِلَ التغاير باعتبار اللفظ، إذاً: بدل كل من كل، وهو: البدل المطابق للبدل منه المساوي له في المعنى، مررت بأخيك زيدٍ، كذا مَثَّلَ ابن عقيل. (وزُرْهُ خَالِدَاً) كما مَثَّل له الناظم، (زُرْهُ خَالِدَاً)، (خَالِدَاً) هذا بدل من الضمير .. ضمير الغَيبة.

مَثَّلوا له بقوله تعالى: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ)) [الفاتحة:6 - 7] صِرَاطَ بالنصب، ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:6] نعت للصراط، ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) [الفاتحة:7]، نقول: صِرَاطَ هذا بدل كل من كل .. عينه .. عين الأول، هل مسماهما واحد؟ ((الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة:6]؟ وصفهُ بكونه مستقيماً، ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) [الفاتحة:7] المُنْعَم عليهم، في الخارج مصدقهما واحد، وإن اختلفا باعتبار الوصف: صراط مستقيم هذا وصفٌ لا شك أنه في اللفظ مغاير لقوله: ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)) [الفاتحة:7] هما متغايران في اللفظِ، أمَّا من حيث ما يصدق عليهما الصراط فنقول: هو واحد، ليس بصراطين، بل هو صراطٌ واحد، ولذلك فُسِّرَ بالقرآن، وفُسِّرَ بالإسلام .. فُسِّرَ بالنبي صلى الله عليه وسلم، كل هذه نقول: مصدقها واحدٌ. وسَمَّاه ابن مالك - رحمه الله تعالى -: (بدل المطابق)، ولا يسميه: بدل كل من كل، لماذا؟ لأن الكُلِّية تقتضي الجزئية، بدل كل إذاً ثَمَّ جزء يُفهَم منه، جزءٌ وكل .. كلية وجزئية، إذاً يُفْهَم منه ذلك. وجاء قوله: ((إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* اللَّهِ)) [إبراهيم:1 - 2] بالجرِّ .. قراءة من جر، فاللهِ هذا بدل، ((صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ)) [إبراهيم:1 - 2] بدل لا نقول: كل من كل؛ لأن الكلية هذه وصف، حينئذٍ نحتاج إلى نَقْلٍ في إثبات هذه الصفة، فباعتبار اللفظ لئلا يوهم نقصاً، انتقلنا إلى وصف مطابق، فاللفظ هذا مطابقٌ لما قبله: ((الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ)) [إبراهيم:1 - 2] اللهِ نقول: هذا مطابقٌ للحميد، مصدقهما واحد، وإن اختلفا في مفهوم اللفظ: عزيز .. حميد .. الله، مختلفة من جهة المعاني، لكن المصدق واحد، فالأسماء متعددة والذات واحدة، حينئذٍ اختلفت في المفهوم ولكن المصدق واحد، ولذلك سماه: بدل المطابق. وإنما يُطْلقُ كلٌ على ذي أجزاءٍ، وذلك مُمتنعٌ هنا، إذاً: (يُلْفىَ مُطَابِقَاً) هذا النوع الأول. (أَوْ بَعْضَاً) يعني: بدل بعض من كل، نحو: أكلتُ الرغيفَ ثُلثَه، الرغيف: هذا كل، وهو قابل للتبعيض والتجزئة، فقيل: ثُلثَه هذا بدل بعض من كل؛ لأن الثلث يعني: ثلث الرغيف جزءٌ من المبدل منه، إذاً: بدل البعض من الكل هو بدل الجزء من كله، قليلاً كان ذلك الجزء أو مساوياً أو أكثر، فهو ليس كالاستثناء، الاستثناء عند النحاة خلاف، هل يجوز استثناء الأكثر أم الأقل، أم المساوي؟ الأقل متفق عليه، والمساوي فيه خلاف، والأكثر فيه خلاف. أمَّا البدل فلا .. لا يُشترط فيه ذلك، سواءٌ كان البدل أقل، أو أكثر، أو مساوي: أكلتُ الرغيف ثُلثَه هذا أكثر، نِصْفَه أقل، ثُلثَيه هذا أكثر، إذاً: هذا جائز.

وهو بدل الجزء من كله قليلاً كان ذلك الجزء، أو مساوياً، أو أكثر (أَكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ أو نِصْفَهُ أو ثُلُثَيْهِ)، ولا بُدَّ من اتصاله بضميرٍ يرجع للمبدل منه، بخلاف بدل كل من كل، ذاك لا يُشترط فيه ضمير؛ لأنه صار كالجملة التي وقعت خبراً، وكانت هي مبتدأ في المعنى، هذا بدل الكل من الكل: جاء زيدٌ أخوك، أخوك هو عين زيد، وزيدٌ هو عين أخيك، حينئذٍ لا نحتاج إلى رابط، كما أن الجملة إذا وقعت خبراً عن المبتدأ وكانت هي المبتدأ في المعنى لا نحتاج إلى رابط، وأمَّا الرغيف والثلث فهما غيران، حينئذٍ نحتاج إلى رابطٍ يربط البدل .. بدل البعض من كل بضميرٍ يعود على المبدل منه. ولا بُدَّ من اتصاله بضميرٍ يرجع للمبدل منه بخلاف البدل المطابق، فإنه لا يحتاج إلى رابطٍِ لكونه نفس المُبدلِ منه في المعنى، كما أن الجملة التي هي نفس المبتدأ في المعنى لا تحتاج لرابطٍ. وقال في (شرح الكافية): " اشترط أكثر النحويين مصاحبة بدل البعض والاشتمال لضميرٍ عائدٍ على المبدل منه، والصحيح عدم اشتراطه، ولكن وجوده أكثر " لكن أكثر النحاة على أنه: شرط .. لا بُدَّ في بدل الجزء أو البعض من كل أن يكون مضافاً إلى ضميرٍ .. هو أو يكون معه ضمير يعود على المبدل منه، وابن مالك لا يرى أنه شرطٌ، وإنما وجوده أكثر. ثُمَّ هذا الضمير قد يكون مذكوراً كالأمثلة السابقة: أكلت الرغيف ثُلثَه، وقد يكون محذوفاً، نحو قوله تعالى: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ)) [آل عمران:97] منهم، مَنِ اسْتَطَاعَ (مَن) هذا بدل بعض من كل ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ)) [آل عمران:97] الناس كل، مَنِ اسْتَطَاعَ: بدل بعض من كل، منهم: هذا ضمير مُقدَّر. وحُمِلَ عليه قوله: ((ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)) [المائدة:71] منهم: هذا كثير إذا أعربناه: بدل بعض من كل، حينئذٍ لا بُدَّ من الضمير، والضمير هنا ملفوظٌ به، وقيل كثيرٌ: هذا مبتدأ مؤخر وعموا: جملة مقدمة خبر. على كلٍّ: لا بُدَّ من الضمير، والضمير قد يكون مذكوراً وقد يكون محذوفاً. بدل بعض من كل نحو: أكلت الرغيف ثُلثَه، (وقَبِّلهُ اليَدَا)، (قَبِّلهُ) الضمير يعود على خالداً، (قَبِّلهُ اليَدَا) قَبِّلهُ كُلَّه؟ اليدَا، إذاً: هذا بدل بعض من كل. وقال بعضهم: شرط صحته صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه، يعني: شرط الصحة هنا، إذا قلت: أكلت الرغيف ثُلثَه، يصح أن تقول: أكلت ثُلثَ الرغيف، صح أو لا؟ صح أن يستغنى عن المبدل منه بالبدل .. بدل البعض من الكل، فبدل من أن تقول: أكلت الرغيف ثُلثَه .. أكلت ثُلثَ الرغيف، وهذا صَحَّ، إذاً: إذا صَحَّ هذا التعبير وهذا التركيب صار بدل بعضٍ من كل. شرط صِحَّته: صِحَّة الاستغناء عنه بالمبدل منه، وكذلك بدل الاشتمال، فلا بُدَّ في كلٍ من بدل البعض وبدل الاشتمال من دلالة ما قبله عليه إجمالاً .. لا بُدَّ أن يَدُّلَ عليه إجمالاً، بخلاف بدل المطابق فلا يشترط ذلك؛ لأنك إذا قلت: أكلت الرغيف، هذا مُحتَمِل أنك أكلت الرغيف كله، أو أكلت بعضه، إذاً: دَلَّ عليه، فإذا قلت: ثُلثَه حينئذٍ دُلَّ على الثُلث بالرغيف لأن الاحتمال وارد.

كذلك إذا قلت: أكلت الرغيف ثُلثَيه .. نِصفَه نقول: الرغيف وإسناد: أكلت إليه، مُحتمِلٌ لأن يكونَ بعضاً من الرغيف لا كُلَّه، فَدُلَّ عليه إجمالا، كذلك: أعجبني زيدٌ عِلمُه، عِلمُه: بدل اشتمال، حينئذٍ نقول: أعجبني زيده دَلَّ إجمالاً على بدل اشتمال. الثالث: بدل الاشتمال: وهو بدل شيءٍ من شيءٍ يشتمل عامِلُه على معناه، هذا على رأي ابن هشام رحمه الله تعالى، إذا قيل: أعجبني زيدٌ عِلْمُه، أين بدل الاشتمال .. أين البدل؟ عِلمُه .. اشتمال، أي الشيئين اشتمل على الآخر .. هل العلم اشتمل على زيد، أو زيد مشتملٌ على العلم، أو العامل: أعجبني، هو الذي اشتمل على البدل؟ هذا محل النزاع .. ثلاثة أقوال. قيل الأول: هو المشتمل على الثاني: زيد اشتمل عِلْمَ .. الذي يليه، وقيل: العلم هو مشتملٌ على زيد الثاني، وقيل: العامل. والظاهر أنه العامل، وإن كان اشتهر عند النحاة أنه الثاني، الذي هو العلم مشتملٌ على زيد، أو زيد مشتملٌ على العلم، وإن كان العلاقة بينهما علاقةٌ بغير الكلية والجزئية كما سيأتي. اختلف النحاة في المشتمل في بدل الاشتمال فقيل: الأول الذي هو المُبْدَل منه السابق: أعجبني زيدٌ علمه، وقيل: الثاني، الذي هو البدل، وقيل: العامل، الذي هو: أعجبني، واختار ابن مالك: بأن المشتمل هو الأول .. المُبْدَل منه، وقال الفارسي: " المشتمل هو الثاني " واختار ابن هشام: أن المشتمل هو العامل في المُبْدَل منه، وهو رأي المُبَرِّد، والسيرافي، وابن جِنّي، قيل: وهو الصحيح، وهو الظاهر. فمثلاً قولك: أعجبني زيدٌ علمهُ، فالإعجاب اشتمل على كلٍ من البدل والمُبْدَل منه، لأن الذي أعجبك زيد، وأعجبك أيضاً علمه، فهما محلٌ الإعجاب، إذاً أعجبني: العامل هو الذي اشتمل على البدل والمُبْدَل منه. فالإعجاب اشتمل على كلٍ من البدل والمُبْدَل منه، ونحو: سُرِقَ زيدٌ ثوبُه، أو فرسُه، فإن السرقة واقعةٌ على المبدل منه وهو زيد بطريق التجَوّز، سُرِقَ زيدٌ ثوبه، نقول: سرق هنا اشتمل على زيد، واشتمل على الثوب أو الفرس، اشتماله على زيد، لم يُسرق هو بعينه وإنما ثوبه، لكن يصح إسناد السرقة لزيد من باب المجاز .. تجَوّز، وإلى الثوب حقيقةً، إذاً: اشتمل اللفظ: سُرِقَ، على المُبْدَل والمبدل منه. وعلى ثوبه أو فرسه بطريق الحقيقة، فهذا القول مطرد في كل الأمثلة، لو أرَدْتَ أن تسلك الأمثلة تجد أن العامل يشتمل على المُبْدَل والمُبْدَل منه، لكن لو قيل بالأول أو بالثاني قد لا يطرد، وإليك الأمثلة. بخلاف القولين الأولين، فلا يطردان في كل الأمثلة: سُرِقَ زيدٌ عبْدُه، هذا لا يشتمل زيد على العبد، زيد منفصل عنه، الثاني منفصلٌ عن الأول، فيكون رَداً للقول الأول، ونحو: سُرِقَ زيدٌ فرسُه، الفرس ليس مشتملٍ على زيد، إذاً: لا يستقيم مع كل الأمثلة، علمه يمكن، علمه .. كلامه .. وجهه .. يحتمل هذا، أمَّا فرسه نقول: لا يشتمل الفرس على زيد. فلا يشتمل الفرس على زيد فيكون رداً للقول الثاني.

إذاً: بدل الاشتمال بدل شيءٍ من شيءٍ يشتمل عامله على معناه، وإن رأيت قول ابن مالك تقول: اشتمل الأول على الثاني، وإن رأيت قول الفارسي تقول: اشتمل الثاني على الأول، فالمشتمل حينئذٍ إمَّا الأول وإمَّا الثاني وإمَّا العامل، ونحن الآن نقول: العامل. بدل شيءٍ من شيءٍ يشتمل عامله على معناه بطريق الإجمال: أعجبني زيدٌ علمه، أو كلامه، فلا بُدَّ حينئذٍ كما اشتُرِطَ في بدل البعض من الكل أن يكون مشتملاً على ضميرٍ عائدٍ على المبدل منه كالشرط السابق، سواءٌ كان مذكوراً أو محذوفاً مقدراً: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ)) [البقرة:217] قِتَالٍ فِيهِ الضمير يعود على الشهر الحرام. أو مُقدَّر: ((قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ)) [البروج: 4 - 5] فيه! هذا بدل اشتمال، فيه نقول: الضمير هنا مُقدَّر. إذاً: بدل الاشتمال، وهو الدآل على معنىً في متبوعه، نحو: أعجبني زيدٌ علمه، وَاعْرِفْهُ حَقَّهُ، حق: هذا بدل اشتمال من قوله: اعْرِفْهُ .. الهاء، حينئذٍ صار بدل اشتمال. بدل الاشتمال قيل: ما صح الاستغناء عنه بالأول، وليس مطابقاً ولا بعضاً، قد يُقال: أعجبني زيد .. سُرِقَ زيد، قد يستغنى عن بدل الاشتمال، لأن الأول قد يُسْنَد إليه الفعل: سُرِقَ زيدٌ، أو أعجبني زيد .. أعجبتني الجارية كلامها، حينئذٍ نقول: الأول يغني عن الثاني .. قد يستغنى عنه، لماذا؟ لصحة إسناد الأول .. الفعل إلى الثاني، ولو على جهة المجاز: سُرِقَ زيدٌ، أطلقت الكل: زيد، على أنه الذي سُرِقَ منه فرسه مثلاً أو ثوبه. إذاً: ما صَحَّ الاستغناء عنه بالأول وليس مطابقاً ولا بعضاً، ولذلك بعضهم يُعبِّر عن بدل الاشتمال: ما كانت العلاقة بينه وبين المُبْدَل منه بغير الكلية والجزئية، وهذا أوضح، لماذا؟ لأنك تنظر في البدل: إمَّا أن يكون بدل كل من كل .. العلاقة بينهما كلية، أو بدل بعض .. جزء من كل، العلاقة جزئية، إن لم يكن هذا أو ذاك فهو بدل اشتمال، وأكثر ما يكون: يُعبَّر عنه بالمصدر، أعجبني زيدٌ علمُه .. كلامُه، ونحو ذلك. وأكثر ما يكون بالمصدر: أعجبني زيدٌ علمُه، وقد يكون بالاسم نحو: سُرِقَ زيدٌ ثوبه، هذا النوع الثالث. الرابع الذي أشار إليه بقوله: (أَوْ كَمَعطُوفٍ بِبَلْ). وَذَا لِلاِضْرَابِ اعْزُ إِنْ قَصْداً صَحِبْ ... وَدُونَ قَصْدٍ غَلَطٌ بِهِ سُلِبْ وهو البَدَلْ المُبَايِّن للمُبْدَل منه، البدل لا بُدَّ أن يكون مقصوداً كما سبق بيانه، التَّابعُ المَقْصُودُ بالْحُكْمِ، إذاً: لا بُدَّ أن يكون مقصوداً، فإن لم يكن مقصوداً فالأصل فيه: ألا يكون بدلاً، هذا الأصل، لكن تَجوَّز النحاة بتسميته بدل غلط، وبدل نسيانٍ كما سيأتي.

إذاً: البدل لا بُدَّ أن يكون مقصوداً، فالمُبْدَل منه إن لم يكن مقصوداً البتة، وإنما سبق اللسان إليه فهو بدل الغلط .. بدلٌ سببه الغلط، يعني: من إضافة المُسبَّب إلى السبب، بدل الغلط أي: بدلٌ سببه الغلط، لأنه بدلٌ عن اللفظ الذي هو غلط، لا أنه نفسه غلط: رأيت كلباً حماراً، هو أراد أن يقول: حماراً فأخطأ في اللسان فقال: كلباً، إذاً: حماراً نقول: هذا بدل غلط، هو البدل المقصود الآن بالحكم، والسابق هو الذي وقع غلطاً، إذاً: ما سبب المجيء بـ حماراً هذا؟ الغلط السابق، وليس هو عينه غلطٌ في نفسه. فهو بدل الغلط، أي: بدلٌ سببه الغلط، لأنه بدلٌ عن اللفظ الذي هو غلط، لا أنه نفسه غلط، هذا إن لم يكن مقصوداً بالأصل. وإن كان مقصوداً فإن تبيَّن بعد ذكره فساد قصده فبدل النسيان، يعني: أراد أن يُخبِر عن شيء، فأخبر به ثم أراد أن يُغيَّر تلك الإرادة الجازمة التي عَبَّر بها عن الأول: تصدقت بدينارٍ ردهمٍ، لمَّا قال: دينار تبين فساد قصده، فقال: درهمٍ، لما قال بدينار بعد لفظه بدا أن ينظر في نيته، فإذا بها فاسدة، فقال: درهمٍ، حينئذٍ يكون الثاني كالأول مقصوداً، كلٌ منهما مقصود، إلا أن الثاني يكون بدل نسيان. وإن كان مقصوداً فإن تَبيَّن بعد ذكره فساد قصده فبدل نسيان، أي: بدل شيءٍ ذُكِرَ نسياناً، ويكون كلٌ منهما صحيح، وكل منهما واقع، إلا أنه أراد أن يَعدِل عن الأول لسوء قَصْدٍ، سواء كان لله أو غيره، والثاني يكون هو المقصود بالبدل .. هو المقصود بالإسناد. وقد ظهر أن الغلط مُتَعلِّق باللسان، والنسيان مُتَعلِّق بالجنان، يعني: إن كان الخطأ مُتَعلِّقاً باللسان فهو بدل الغلط، وإن كان مُتَعلِّقاً بالقلب فهو النسيان، وإن كان قصد كل واحدٍ من المُبْدَل والمُبْدَل منه فبدل الإضراب، ويُسمى أيضاً: بدل البداء، مثل: أكلت خبزاً لحماً، قَصَدْتَ أولاً الإخبار بأنك أكلت خبزاً، ثم بدا لك أن تُخبِر أنك أكلت لحماً أيضاً، فقلت: أكلت خبزاً لحماً، فالثاني بدل إضراب، كأنك أضربت عن الأول، فهو في معنى (بلْ) كأنه قال: أكلت خبزاً بل لحماً، وكلٌ منهما مقصودٌ. قال هنا الشارح: البدل المباين للمبدل منه وهو المراد بقوله: (أَوْ كمَعطُوفٍ بِبَلْ)، وهو على قسمين: أحدهما: ما يُقصَد متبوعه كما يقصد هو، كلٌ منهما مقصود: المبدل والمبدل منه، وهو يُسمى: بلد الإضراب، لأنه بمعنى (بلْ)، وسبق معنا (بلْ) الإضرابية. وبدل البداء، بداء كسحاب أي: الظهور، سُمي به لأن المُتَكلِّم بدا له ذكره بعد ذكر الأول قصداً، يعني: قصد الثاني كما قصد الأول، أكلت خبزاً لحماً، قصدت أولاً الإخبار بأنك أكلت خبزاً، وهو حقيقة أيضاً، ثُمَّ بدا أنك تخبر أنك أكلت لحماً أيضاً، يعني: أضربت عن ذلك في اللفظ فقط، وأمَّا في القصد فهو مراد، وكلٌ منهما مراد. دون أن تسلُب الحكم عن الأول: أكلت خبزاً لحماً، أخبرت عن الأول، ثُمَّ ظهر لك وبدا لك أن تخبر بالثاني، فقلت: أكلت خبزاً لحماً.

والأول ما حكمه؟ كما هو باقٍ مُخبرٌ به، حينئذٍ أكلت اثنين .. شيئين: خبزاً ولحماً، وحينئذٍ صار الإبطال الذي هو معنى (بلْ) في اللفظ فحسب، وأمَّا في القصد فلا، ولذلك عَبَّر الناظم هنا بالقصد: (وَذَا لِلاِضْرَابِ اعْزُ إِنْ قَصْدَاً) فالعبرة حينئذٍ بالمقصد، وهو المراد بقوله: (وَذَا لِلاِضْرَابِ اعْزُ إِنْ قَصْدَاً صَحِبْ) أي: البدل الذي هو (كمَعطُوفٍ بِبَلْ) انسبه للإضراب، فقل: بدل إضراب، إن قُصِدَ مبتوعه كما يُقصَدُ هو، كلٌ منهما مقصود: المبدل والمبدل منه. الثاني: ما لا يُقصَد متبوعه، بل يكون المقصود البدل فقط، وإنما غَلِط المُتَكلِّم فذكر المبدل منه، ويُسمى: بدل الغلط والنسيان، وأكثر النحاة على هذا: أن بَدَلَ الغلط والنسيان شيءٌ واحد، وابن هشام تَكلَّف، حاول أن يُفرق بينهما، والفرق بينهما عسير، والقول: بأن ذاك في الجنان وذاك في اللسان، هذا يحتاج إلى إثبات. نحو: رأيت رجلاً حماراً! رأى شبحاً من بعيد .. رأيت رجلاً، ثُمَّ قرُب منه قال: حماراً، يعني: ظهر له أنه ليس برجل، أو سبق له في اللسان فأراد أن يقول: رأيت حماراً، فقال: رأيت رجلاً، ثم قال: حماراً، يعني: يحتمل هذا ويحتمل ذاك. أردت أن تخبر أولاً أنك رأيت حماراً فغلطت بذكر الرجل، وهو المراد بقوله: (وَدُونَ قَصْدٍ غَلَطٌ بِهِ سُلِبْ) أي: إذا لم يكن المبدل منه مقصوداً فيسمى البدل بدل غلط، لأنه مزيلٌ للغلط الذي سبق، وهو ذكر غير المقصود. إذاً: هذه أربعة أنواع: بدل مطابق .. كل من كل، وبدل جزء من كل، أو بدل بعض من كل، وبدل اشتمال، وبدل الإضراب والغلط، وكلاهما في مرتبة واحدة، زاد بعضهم: بدل كل من بعض عكس، بدل بعض من كل: أكلت الرغيف ثلثه، هذا بدل جزء من كل، وهل يرد بدل كل من بعض؟ جماهير النحاة على المنع: أنه لا يأتي في لسان العرب، لكن بعضهم زاده واستدلوا بقول الشاعر: رَحِم اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوهَا ... بِسِجِسْتَان طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ (رَحِم اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوهَا .. طَلْحَةَ)، طَلْحَةَ قالوا: هذا بدل كل من بعض، لأن الأعظُم جمع عظمٍ، وهو جزء من طلحة، طلحة: عظمٌ ولحمٌ، إذاً: (رَحِم الله أعظماً طلحة الطلحات)، (طلحة) هذا بدل كل من بعضٍ. ومَثَّل له السِيُوطي بقوله تعالى: ((فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ)) [مريم: 60 - 61] فأولئك يدخلون الجنة: جنة واحدة، قال: جنات عدنٍ، هذا بدل كل من بعض، جنات متعددة والجنة هذه واحدة، لكن هذا يمكن أن يُجاب عنه: بأن الجنة صارت اسم جنس هنا، دخلت عليه (أل) فتعم، حينئذٍ يكون بدل كل من كل، لكن في الأول هو في اللفظ واحد، ولكنه في المعنى متعدد، على كلٍ هو فرح بهذه الآية: فأولئك يدخلون الجنة .. جنات عدنٍ. وفائدته تقرير أنها جنات كثيرة لا جنة واحدة. إذاً: هذا البدل الخامس وهو بدل بعض من كل، إن قيل به، ومثل هذا البيت لا يصلح أن يكون مثبتاً لقاعدة عامة، وإلا الأصل المنع، لأنه يمكن تأويله.

وأمَّا بدل الغلط: فاختلف النحاة في جوازه، فمذهب سيبويه وكثيرٌ من النحاة على أنه جائزٌ في النثر والنظم، وقيل: في الشعر خاصة دون النثر، وقيل: عكسه يعني: في الشعر دون النثر، يعني: يجوز في النثر دون الشعر، لأن الشعر يقال بروية .. تفكير، كيف يحصل به الغلط؟ يمكن الغلط نحن نقول: في اللسان، أراد أن يُخبِر بشيء فأخبر بغيره، في النثر ممكن، أمَّا في الشعر هذا فيه نوع صعوبة، وما كان كذلك لا يسوغ الغلط وقيل: لا مطلقاً، لا يوجد لا في النثر ولا في الشعر .. لا وجود له في كلام العرب، وإنما هو مستحدث، وهذا هو الظاهر: أنه لا وجود له في كلام العرب. (وَذَا لِلاِضْرَابِ اعْزُ) عرفنا الآن قوله: (مُطَابِقاً أَوْ بَعْضَاً أَوْ مَا يَشْتَمِل)، (مَا) أي: بدلاً يشتمل على المبدل منه، فما: هنا موصولية واقعة على البدل، أي: بدلاً يشتمل على المبدل منه، هذا على كلام ابن مالك، أو عاملاً يشتمل على المبدل منه، على ما ذكرناه سابقاً، (أَوْ كمَعطُوفٍ بِبَلْ) أي: بعد الإثبات، أو كمعطوفٍ ببل .. ليس مطلقاً وإنما هو بعد الإثبات، وهذا التشبيه إنما يتم في بدل الإضراب دون بدلي الغلط والنسيان، إلا أن يُقال التشبيه في مجرد كون الثاني مبايناً للأول بمعنى: أنه ليس عينه، ولا بعضه، ولا مشتملاً عليه. إذا قيل: (أَوْ كمَعطُوفٍ بِبَلْ) عرفنا أن البدل الرابع هذا على نوعين: بدل غلط ونسيان، وبدل إضراب، حينئذٍ إذا قيل: إضراب بمعنى (بلْ) خرج بدل الغلط والنسيان، حينئذٍ اختص بواحدٍ من النوعين، (أوْ كمَعطُوفٍ بِبَلْ) وهذا إنما يكون بدل الإضراب .. بدل البداء، إذاً: أين النوع الثاني؟ خرج فليس داخلاً، إلا إذا جعلنا التشبيه هنا، أن يُقال التشبيه في مُجرَّد كون الثاني مبايناً للأول .. منفصل عنه .. مغاير له، (أوْ كمَعطُوفٍ بِبَلْ) بأن يكون الثاني مغايراً للأول، بمعنى: أنه ليس عينه، ولا بعضه، ولا مشتملاً عليه، فالمغايرة حصلت بذكر الأقسام الثلاثة الأولى، (أوْ كمَعطُوفٍ بِبَلْ) معناه على ظاهر النظم، إذا عممنا التشبيه ليدخل النوع الثاني، وهو بدل الغلط والنسيان، حينئذٍ (كمَعطُوفٍ بِبَلْ) أي: مغايراً للمبدل منه، ما وجه هذا التغاير؟ بألا يكون مطابقاً، ولا بعضاً، ولا مشتملاً عليه. (وَذَا لِلاضْرَابِ اعْزُ)، (ذَا) اسم إشارة في محل نصب مفعول به، (اعْزُ) يعني: انسب، ذَا ماهو؟ (كمَعطُوفٍ بِبَلْ) فصَّل الرابع، (لِلاضْرَابِ) فَقُل بدل إضراب، (اعْزُ) يعني: انسب (لِلاِضْرَابِ) فَقُل: بدل إضراب، أي: انسب هذا البدل الشبيه بالمعطوف ببل للإضراب، كأن تقول: بدل إضرابٍ، (إنْ قَصْدَاً صَحِبْ) إن صحب قصداً صحب، (قَصْدَاً) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوف، أو تجعله مفعولاً به للفعل المذكور .. على قولٍ. إن صحب قصداً، قصداً أي: مقصوداً، يعني: أن يكون البدل مقصوداً، والأول مقصود، والثاني مقصود، كلٌ من التابع والمتبوع يكون مقصوداً، (صَحِبَ) هو أي: البدل المشار إليه بـ (ذا).

(وَدُونَ قَصْدٍ) يعني: من غير قصدٍ، دون بمعنى: غير منفية، منصوبٌ على الظرفية لمحذوفٍ، يعني: وإن وقع دون قصدٍ، أي: دون قصدٍ صحيح يسبق اللسان إليه، أو يُقصد ثم يتبيَّن فساد قصده ليعم النوعين، لأن الذي يقابل للإضراب نوعان: بدل غلط، وبدل نسيان، على ما ذكره ابن هشام. دون قصدٍ صحيح يسبق اللسان إليه، أو يُقصَد، ثم يتبيَّن فساد قصده. (غَلَطٌ) يعني: فهو غلط، غَلَطٌ خبر مبتدأ محذوف، على حذف مضافٍ، أي: فهو بدل غلطٍ، والهاء في قوله: (بِهِ) .. (غَلَطٌ بِهِ) مُتَعلِّق بقوله: (سُلِبْ) غلطٌ سُلِب به، والهاء هنا عائدٌ على البدل، وسلب صفةٌ لغلط، بمعنى: بدل الغلط، سُلب هو، ونائب الفاعل هنا يعود على الغلط، سلب غلطٌ به، يعني: بهذا البدل. ونائب فاعله ضميرٌ يعود للمُتَكلِّم للحكم المفهوم من السياق، أي: سُلِب ببدل الغلط الحكم عن الأول، وأثبت للثاني، غلطٌ به سُلِبَ .. غلطٌ سُلِبَ به، يعني: بواسطة البدل، سُلِبَ عن الأول ليكون للثاني .. سُلِبَ الحكم عن الأول ليكون للثاني، وجرى على هذا المرادي. ويصح رجوع الضمير للغلط بمعنى: الخطأ، أي: رُفِعَ بهذا البدل الغلط في نسبة الحكم للأول، وَدُونَ قَصْدٍ وإن وقع البدل دون قصدٍ يعني: ليس مقصوداً، غَلطٌ فهو غلطٌ، (بِهِ) بهذا البدل سُلِبَ الحكم عن الأول وأعطي للثاني. (كَزُرْهُ خَاَلِداً) كقولك: زُرْهُ الكاف داخلة على قولٍ محذوف، زُر: هذا فعل أمر، والفاضل ضمير مستتر، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به، و (خَاَلِداً) هذا بدل مطابق .. بدل كل من كل، وفيه إشارة إلى جواز البدل من ضمير الغائب، لأن زُرْهُ: الضمير هنا للغائب، حينئذٍ الاسم الظاهر أُبدل منه، وهذا جائز. (وَقَبِّلْهُ اليَدَا) الألف للإطلاق، (وَقَبِّلْهُ) كزره، والمفعول به الضمير .. الهاء، وهو عائد إلى خالد، (اليَدَا) هذا بدل بعض من كل، (وَاعْرِفْهُ حَقَهُ)، حَقَّهُ بالنصب، بدل من الضمير في اعْرِفْهُ، ثم انظر: (وَقَبِّلْهُ اليَدَا)، اليَدَا هذا بدل بعض من كل، لم يضف إلى ضمير، لو قلنا: شرط صحته أن يكون مضافاً إلى الضمير، وهذا يجري إمَّا على قول ابن مالك في غير هذا الكتاب: بأنه لا يشترط ولا إشكال، أو يشترط وتقوم (أل) مُقامه، لأنه يرى في غير هذا الكتاب أيضاً: أنه يشترط الضمير أو ما يقوم مقامه كـ (أل) وهنا (أل) قامت مقام الضمير فلا إشكال. (وَاعْرِفْهُ حَقَهُ) حقَّ: هذا مصدر، وهنا أضيف إلى الهاء، وهو مرجعه والمُبدل منه.

(وَخُذْ نَبْلاً)، (نَبْلاً) اسم جمع للسهم، (مُدَىَ) جمع مُديِة وهي السكين، (خُذْ نَبْلاً مُدَىَ) غَلِطْ، أراد أن يقول: خذ سكيناً، قال: خذ نبلاً فأخطأ، أو أراد .. قصد النبل فقال: خُذْ نَبْلاً، ثم تبيَّن له أن يُخبِر عن الثاني فقال: (خُذْ نَبْلاً مُدَىَ) إذاً: يَحتمل مُدَىَ أنه بدل غلط، ويَحتمل أنه بدل إضراب، أضرب عن الأول في اللفظ فيكون مقصوداً، وجاء باللفظ الثاني، ولذلك قال هنا قوله: (وَخُذْ نَبْلاً مُدَىَ) يصلح أن يكون مثالاً لكل من القسمين، لأنه إن قُصِدَ النبل والمدى معاً فهو بدل الإضراب، وإن قُصِدَ المدى فقط .. الثاني دون الأول وهو جمع مدية: وهي الشفرة .. السكين، فهو بدل غلط. إذاً: هذه أربعة أقسام للبدل .. لعمومه، وزدنا عليه: بدل البعض من الكل. ثم قال: (وَمِنْ ضَمِيِرِ الحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ تُبْدِلْهُ) البدل كما سبق تابع، يتبع ما قبله في إعرابه، وهل حكمه حكم النعت، وعطف البيان: أنه يُشتَرَط أن يَتبع ما قبله إفراداً وتذكيراً وتثنيةً وجمعاً، وتعريفاً وتنكيراً أم لا؟ هذا فيه تفصيل. يُفهم من كون البدل تابعاً: أنه يوافق متبوعه في الإعراب، وهذا واضح، ولذلك قال: التَّابعُ المَقْصُودُ بالْحُكْمِ، دَلَّ على أنه يكون حكمه في الإعراب حكم المتبوع رفعاً ونصباً وخفضاً، وهذا حكمٌ عامٌ في جميع التوابع. وأمَّا موافقته إياه في الإعراب والتذكير والتنكير وفروعها، نقول: هذا فيه تفصيل: أمَّا التنكير والتعريف فلا يلزم، ولذلك يُبْدَل المعرفة من المعرفة، والمعرفة من النكرة، والنكرة من النكرة، والنكرة من المعرفة، كله وارد، فأمَّا التنكير والتعريف فلا يلزم موافقته لمتبوعه فيهما، بل تُبْدَل المعرفة من المعرفة، كقوله: صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ، كلها معارف في قراءة الجر، والنكرة من النكرة: ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ)) [النبأ: 31 - 32] مَفَازاً .. حَدَائِقَ: النكرة من النكرة، والمعرفة من النكرة: ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ)) [الشورى: 52 - 53] صراط الله: معرفة، وصراط مستقيم: نكرة، وهذا بدل كل من كل، والنكرة من المعرفة: ((لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ)) [العلق: 15 - 16] النَّاصِيَةِ بـ (أل) معرِفة، ناصيةٍ: نكرة، إذاً: أبدل النكرة من المعرفة. إذَاً: لا يشترط التنكير والتعريف، قد يكونا متوافقين، وقد يكونا مختلفين.

وأمَّا الإفراد والتذكير وأضدادهما، فإن كان بدل كل وافق متبوعه فيها ما لم يمنع مانع، يعني: في بدل المطابق، أو بدل كل من كل، يشترط فيه: المطابقة لما قبله، في الإفراد والتثنية والجمع إلى آخره. ما لم يمنع من التثنية والجمع مانع، ككون أحدهما مصدراً، وسبق أن المصدر يطلق ويراد به التثنية والجمع، ولذلك جاء: ((مَفَازاً * حَدَائِقَ)) [النبأ: 31 - 32] مفازاً، لم يقل: مفاوز جمع مفازة، قال: مفازاً واحد، لماذا صح هنا أن يبدل وهو بدل كل من كل؟ نقول: مفازاً في المعنى: جمع، فهو موافق .. مطابق، من جهة المعنى مطابق، ومن جهة اللفظ لا، حينئذٍ العبرة بالمعنى، فإذا وقع مصدراً المبدل منه، ووقع البدل في بدل كل من كل مثنىً أو جمعاً لا إشكال، حينئذٍ نقول: التطابق حاصلٌ في المعنى، وإن لم يكن حاصلاً في اللفظ، لأن إطلاق المصدر وإرادة التثنية أو الجمع هذا واردٌ في لسان العرب. كأن يكون مصدراً أو قُصد التفصيل كقوله: وَكنتُ كَذي رجلينِ رِجلٍ صَحيحةٍ ... ورجلٍ رمى فيها الزَّمانُ فشلَّتِ (رجْلَين) مبدل منه .. متبوع، ورجلٍ صحيحةٍ: هذا بدل كل من كل، لأنه أراد أن يُفَصِّل: رجل صحيحة، ورجلٍ رمى بها الزمان فشلت، إذاً: هذا بدل كل من كل، ولم يحصل التطابق لماذا؟ لكون المراد بالبدل هنا: التفصيل، وحصلت المطابقة في المعنى. وإن كان غيره من أنواع البدل لم يلزم موافقته فيها، إذاً: لا إلزام لا في التنكير والتعريف ولا في الإفراد ولا في التثنية، ولا في الجمع إلا إذا كان بدل كل من كل، ما لم يمنع منه مانع كأن يكون المتبوع مصدراً، أو أن يكون المراد بالبدل التفصيل كالبيت الذي ذكرناه. ثُمَّ قال: وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ ... تُبْدِلْهُ إِلاَّ مَا إِحَاطَةً جَلاَ (وَمِنْ ضَمِيرِ الحَاضِرِ الظَّاهِرَ)، (الظَّاهِرَ) ما إعرابه؟ مفعول به، لأي شيء؟ منصوبٌ من باب الاشتغال، أصل التركيب: الظاهرَ لا تبدله من ضمير الحاضرِ، لذلك لو أعربت أولاً (مِنْ ضَمِيرِ) أعربت الجملة، (مِنْ ضَمِيرِ) مُتَعلِّق بقوله: (تُبْدِلْهُ) إذاً: حقه التأخير، فتقول الترتيب: الظاهرَ لا تبدله من ضمير الحاضر، حينئذٍ أراد أن يتحدث في هذين البيتين على البدل في الضمائر، نقول: يبدل الظاهر من الظاهر، لا إشكال فيه، تقول: جاء زيدٌ أخوك، أبدلت الظاهر وهو أخوك من زيد، ولا إشكال. ولا يُبْدل المضمر من المضمر .. الضمير من الضمير لا يُبدل .. لا يقع بدلاً عنه، ونحو: قُمتَ أنتَ، قد يقول قائل: أنتَ هذا بدل من قمتَ .. من التاء، نقول: لا، هذا توكيد وليس ببدل، ومررت بك أنت، أنتَ: هذا توكيد للكاف وليس بدلاً منه، فهو توكيدٌ اتفاقاً بلا خلاف بين النحاة، وكذلك نحو: رأيتك إياك، إياك: هذا توكيد للكاف وليس بدلاً منه، وكذلك نحو: رأيتك إياك عند الكوفيين والناظم، إذاً: لا يُبدل المضمر من المضمر، ويبدل الظاهر من الظاهر.

ماذا بقي؟ بقي إبدال المضمر من الظاهر، والظاهر من المضمر. ولا يبدل مضمرٌ من ظاهر، يعني: أن يكون المبدل منه .. المتبوع اسماً ظاهراً والبدل ضميراً هذا لا يُبدل .. مضمرٌ من ظاهر، ونحو: رأيت زيداً إياه، إياه قالوا: بدل من زيداً، وهو من بدل الضمير من الاسم الظاهر، قال ابن هشام: هذا من وضْع النحاة. المثال هذا مُصْطَنع، يعني: جوزوا مثل هذا .. وهذا كثير عند النحاة، يعني انتبه! إذا لم يُورِد شاهد من قرآن أو سنة أو بيت، الأمثلة مثل هذه انتبه لها، لأنها كثير ما تكون مصطنعة: رأيت زيداً إياه، استقامت معه، حينئذٍ لا مانع منه، هذا من صنع النحاة كما قال ابن هشام. إذاً: لا يُبْدل المضمر من الظاهر، ماذا بقي؟ الظاهر من المضمر. ويجوز عكسه مطلقاً، الذي هو النوع الرابع: إبدال الظاهر من المضمر، مطلقاً في جميع أنواع البدل، كل من كل .. بعض من كل .. اشتمال .. غلط، إلى آخره. متى؟ إن كان الضمير لغائبٍ، كما قال الناظم: (كَزُرْهُ خَاَلِداً)، ونَحو: ((وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)) [الأنبياء:3] على أحد الوجوه، الذين: هذا ظاهر، جاء بدلاً من الواو، لماذا نقول: بدل وليس بفاعل؟ لئلا يكون من باب: أكلوني البراغيث، لئلا يُحمل، لأن ظاهره .. صورته صورة: أكلوني البراغيث، وأسروا: هذا فاعل، الذين ظلموا، إذاً يلزم أن نقول: هذه الواو حرف وليست بفاعل، فيكون من باب: أكلوني البراغيث، نقول: لا، الصواب: إمَّا أن يُقال: (أسَرُّوا) الجملة خبر مقدمة، والذين ظلموا: مبتدأ مؤخر، ويجوز وجه آخر: أن يكون بدلاً .. بدل كل من كل، الذين ظلموا أسروا، الواو: هذا مبدل منه، إذاً: أبدل الظاهر من الضمير. أو كان لحاضرٍ .. إن كان لغائبٍ أو حاضرٍ، بشرط أن يكون بدل بعضٍ، نحو: أعجبتني وجهك، هذا بدل بعض من كل، وهو لحاضرٍ، قيل ومنه: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ)) [الأحزاب:21] كان لكم خطاب لجميع الصحابة، قيل: ((لِمَنْ كَانَ يَرْجُو)) [الأحزاب:21] هل يلزم منه إذا قيل: بدل بعض من كل أن يكون الصحابة فيهم من يرجو وفيهم من لا يرجو؟ إذا قيل: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ)) [الأحزاب:21] لكم الكاف، قلنا: ((لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)) [الأحزاب:21] حينئذٍ (من) نقول: هذا بدل بعض من كل، إذاً: بعض يرجوا وبعض لا يرجوا؟ نقول: نعم، هو كذلك، ليس للصحابة، الخطاب عام لمن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهم من لا يرجو من المنافقين، حينئذٍ الخطاب عام، ولذلك هي في سورة الأحزاب. أو بَدَل اشتمال نَحو: أعجبتني كلامك، ومنه: بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَسَناَؤُنَا، فـ: (مَجدنا وسناؤها) بَدَل من الضمير البارز الفاعل في بلغنا، وهو بدل اشتمال، أو بدل كلٍّ مفيدٍ للإحاطة، جئتكم كبيرَكم وصغيرَكم، نقول: هذا بدل كل من كل مفيدٌ للإحاطة، وهو بدلُ الظاهر من الضمير المخاطب، جئتكم من الكاف، ليس المُتَكلِّم، جئتكم الكاف هنا مبدل منه متبوع، صغيركم وكبيركم، نقول: هذا فيه معنى الإحاطة.

ويمتنع إن لم يُفد، خلافاً للأخفش فإنه أجاز: رأيتك زيداً ورأيتني عمراً، إذاً نقول القاعدة: أنه يجوز بدل الظاهر من الضمير، لكن بشرط أن يكون الضمير لغائب، أو لحاضرٍ بأن يكون بدل بعض، أو بدل اشتمال، أو بدل كل بشرط أن يكون مفيداً للإحاطة، وهذا الذي عناه بقوله: (وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ تُبْدِلْهُ)، الظاهر لا تبدله من ضمير الحاضر، (مِنْ ضَمِيرِ) قلنا: هذا مُتَعلِّق بقوله: (لاَ تُبْدِلْهُ)، و (الظَّاهِرَ) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوف، لا تبدل الظاهر لا تبدله. والمراد بالحاضر هنا: مُتَكلِّماً كان أو مخاطِباً، والمراد به الضمير البارز منهما، لأن ضمير الحاضر المستتر لا يبدل منه مطلقاً، فإن ورد ما يوهم ذلك قُدِّرَ للثاني فعلٌ من جنس الفعل المذكور، ولذلك قيل: تعجبيني جمالك، ويكون من إبدال الجملة. (إِلاَّ) هذا استثناء، (مَا إِحَاطةً جَلاَ)، (إِلاَّ مَا) يعني: ظاهراً جلا إحاطةً، ظاهراً جلا يعني: اتضح، جَلَا يَجلو، (إِحَاطَةً) هذا مفعولٌ به لقوله: جَلَا، وإِلاَّ هذه أداة استثناء، ومَا: منصوبٌ على الاستثناء، إلا ظاهراً كان بدل كلٍّ وجلا إحاطةً، ولا تحمل هنا (ما) على البدل، وليست (ما) واقعةً على بدل، لأنه يبطله العطف الآتي، لأنه قال: أَوِ اقْتَضَى بَعْضَاً أَوْ ظاهراً كلٌ جلا إحاطةً، حينئذٍ (ما) هنا واقعةٌ على لفظٍ ظاهر، وليست واقعة على البدل، لماذا؟ لأنه عطف عليها (أَوِ اقْتَضَى) فدل على أن المراد به الظاهر. (أَوِ اقْتَضَى بَعْضَاً) هذا معطوفٌ على قوله: (مَا)، (أَوِ اشْتِمَالاَ) ومثاله مثال الاشتمال، لأنه كان بدل اشتمال (كَإنَّكَ)، (كَإنَّكَ) كقولك: (إنَّك) لأن الكاف داخلة على قولٍ محذوف، والهمزة حينئذٍ تكون مكسورةً، (كَإنَّكَ ابْتِهَاجَكَ اسْتَمَالاَ)، (كَإنَّكَ): (إن) والكاف هذه في محل نصب اسمها، (ابْتِهَاجَكَ) أي: فرحك، حينئذٍ يكون من بدل الاشتمال، ابتهاج: مصدر، وبينهما علاقة ليست بكلية ولا الجزئية، مثل: أعجبني علمه .. أعجبني كلامه إلى آخره، (اسْتَمَالاَ) السين والتاء زائدتان، أو للصيرورة، أي: أمَلت القلوب إليك، أو صَيَّرتَها مائلةً إليك، و (اسْتَمَالاَ) الألف هذه للإطلاق وهو فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على الكاف اسم إنَّ، فحينئذٍ تكون الجملة في محل رفع خبر إنَّ. إن ابتهاجك: ابتهاجك هذا بدل اشتمال من الكاف، و (اسْتَمَالاَ) الجملة خبر إنَّ. (وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ ... تُبْدِلْهُ) لماذا مُنِعَ الإبدال هنا؟ قالوا: إنما لم يَجُز البدل .. إبدال الظاهر من ضمير الحاضر لعدم الفائدة، لأن ضمير الحاضر في غاية الوضوح، فلا يحتاج إلى إبدال، لأن الإبدال فيه نوع كشفٍ، وفيه نوع إيضاح، فإذا كان الضمير بنفسه واضحاً فالواضح لا يحتاج إلى إيضاح.

من مفهوم قول الناظم هنا: (وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ ... تُبْدِلْهُ) يُفهَم منه: أنَّ الظاهر يَجوز إبداله من الظاهر، لماذا؟ لأنه نفى نوعاً واحداً: من ضمير الحاضر الظاهر لا تبدله، إذاً: إبدال الظاهر من الظاهر يجوز، ومن ضمير الغائب .. لأنه قال: (وَمِنْ ضَمِيرِ الْحَاضِرِ) .. ومن ضمير الغائب؟ ظاهر النص بالمفهوم: أنه يجوز إبداله، إذاً: تبدل الظاهر من الظاهر، وتبدل الظاهر من ضمير الغائب مطلقاً كما ذكرناه سابقاً .. بالمفهوم، هو نص بالمنطوق على ماذا؟ على أنه لا يبدل من الحاضر الظاهر، يعني: لا يكون الاسم الظاهر بدلاً والمبدل منه ضمير الحاضر مُتَكلِّماً كان أو مخاطَباً، مفهومه: أنه تبدل الظاهر من الظاهر، وتبدل الظاهر من ضمير الغائب. فُهِم منه: جواز إبدال الظاهر من الظاهر، ومن ضمير الغائب مطلقاً، كما ذكره الناظم في أمثلته، ولا يجوز أن يبدل الظاهر من ضمير المُتَكلِّم أو المخاطب، وهذا الذي نص عليه: الظَّاهِرَ لاَ تُبْدِلْهُ من ضمير المُتَكلِّم أو المخاطب، هذا بالنص، والمفهوم: أخذنا منه المسائل الأخرى، (إِلاَّ) هذا استثناء من جواز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر، إذاً: كأنه يقول لك: لا تبدل الظاهر من ضمير الحاضر إلا إذا اقتضى بأن يكون الثاني مقتضٍ للإحاطة، وذلك فيما إذا كان بدل كل من كل، أو كان بدل بعض، أو كان بدل اشتمال. إذاً: ما الذي مُنِع .. إذا جَوَّز بدل البعض والاشتمال والكل؟ بقي: بدل كل من كل .. بدل كل لا يقتضي إحاطةً، وبقي بدل الإضراب، لأنه يجوز أن تبدل من ضمير الحاضر الاسم الظاهر إذا كان البدل بدل بعض، ويجوز إذا كان بدل اشتمال، ويجوز إذا كان بدل كل من كل، لكن مع إحاطةٍ، بأن يكون ثَمَّ بينهما مَا يُشْعِر بالإحاطة، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ المنع، ولم يبق إلا القليل. (إِلاَّ مَا إِحَاطَةً جَلاَ) إلى آخر كلامه .. إلا إذا كان البدل بدل كلٍ وفيه معنى الإحاطة، فإن لم يكن فيه معنى الإحاطة، فمذاهب: أولها: المنع، وهو مذهب البصريين، وهو ظاهر كلام الناظم هنا. والثاني: الجواز، وهو مذهب الكوفيين والأخفش. وثالثها: يجوز في الاستثناء نحو: ما ضربتكم إلا زيداً، وهو قول قطرب. قال الشارح هنا: " أي: لا يبدل الظاهر من ضمير الحاضر إلا أن كان البدل بدل كلٍ من كل، واقتضى هذا البدل .. بدل كل من كل الإحاطة والشمول، يعني: دل على الإحاطة والشمول، أو كان بدل اشتمال، أو بدل بعضٍ من كل، ولم يبق إلا بَدَل الغلط والإضراب، وبدل الكل إذا لم يفد إحاطةً فلا يجوز. " فالأول الذي اقتضى الشمول كقوله: ((تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا)) [المائدة:114] لنا .. نا: هذا ضمير مُتَكلِّم، أولنا: هذا ظاهر، الأصل ألا يجوز إبدال الاسم الظاهر من الضمير الحاضر، لكن هنا لمَّا كان: أولنا وآخرنا، البدل بالعطف يقتضي الإحاطة، حينئذٍ جاز أن يكون بدلاً من (نا).

إذاً لأولنا نقول: هذا بدل من قوله: (نا)، ما الذي جَوَّزه؟ لكونه يقتضي الإحاطة، بنفسه أو بمعطوفه؟ أولنا: هذا بعض، لكن بالمعطوف هنا: لأولنا وآخرنا، إذاً: حصل العطف ثم دَلَّ على الإحاطة، فالإحاطة حاصلة لا بلفظ: أولنا، وإنما بالعطف، و (نا) هذا مبدلٌ منه، إذاً: جاز إبدال الاسم الظاهر من الضمير الحاضر وهو المُتَكلِّم هنا (نا) لكون البدل .. بدل كل من كل وهو يقتضي إحاطة، فإن لم يدل على الإحاطة امتنع: رأيتك زيداً، زيداً: هذا بدل كل من كل، نقول: لا يجوز، لأنه ظاهر، رأيت: معروف أنه يخاطب .. رأيتك، زيداً: هذا ما استفدنا منه شيء. والثاني: الذي هو بدل الاشتمال، كقوله: ذَرِيني إنَّ أمْرَكِ لَنْ يُطَاعَا ... وما ألْفَيتِني حِلْمِي مُضَاعَا حلمي: هذا اسم ظاهر .. بدلٌ من الياء: ألفيتِني .. بكسر التاء، إذاً: الياء هذا ضمير حاضر، وحصل منه البدل بحلم وهو بدل اشتمال، وهو مصدر كما هنا. أَوْعَدَنِي بِالسَّجْنِ وَالأدَاهِمِ رِجْلي .. (رِجْلي) هذا اسمٌ ظاهر، أوعدني: بدل من الياء وهو بدل بعض من كل. ثُمَّ قال: وَبَدَلُ المُضَمَّنِ الهَمَزَ يَلِي ... هَمْزَاً كَمَنْ ذَا أَسَعِيدُ أَمْ عَلِي إذا أبدل من اسمٍ .. اسم استفهام .. معلومٌ أن اسم الاستفهام إنما بُنِي لتضمنه معنى حرف الاستفهام، إذا أُبدِلَ من اسم استفهامٍ وجب أن يقترن بالبدل حرف الاستفهام. (وَبَدَلُ المُضَمَّنِ الْهَمْزَ) وَبَدَلُ: هذا مبتدأ، وهو مضاف، و (المُضَمَّن) مضافٌ إليه. (المُضَمَّن الهَمَزَ) يعني: معنى الهمز، الْهَمْزَ: هذا مفعولٌ به للهمز مفعولٌ ثان، والمفعول الأول نائب فاعل، (وَبَدَلُ المُضَمَّنِ) يعني: المبدل منه، المضَمَّن الهمز المستفهم به، (يَلِي هَمْزاً) يلي الجملة خبر مبتدأ .. بدل مبتدأ، ويلي: الضمير هنا يعود على البدل، يلي البدل همزاً .. يلي همزاً .. يليه همزاً، فالجملة هنا خبر المبتدأ، وهمزاً هذا مفعولٌ ليلي. همزاً مستفهماً به وجوباً، كقولك: (مَنْ ذَا أَسَعِيدُ أمْ عَلِي) من: مبتدأ، وذا: اسم إشارة خبره، أسعيدُ الأصل: من ذا سعيدٌ أم علي؟ لمَّا كان سعيد بدل من (من) وهو اسم استفهام وجب اقتران الهمزة بالبدل، فتقول: (مَنْ ذَا أَسَعِيدُ أمْ عَلِي) فـ: (سعيد) بدل من (من) .. بدل تفصيل. وكذلك: كم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ وما صنعت أخي أخيراً أم شراً؟ وكيف جئت أراكباً أم ماشياً؟ إذاً نقول: إذا أُبدل من اسمٍ اسم استفهامٍ مضمَّن معنى همزة الاستفهام وجب اقتران الهمزة بالبدل، ولذلك قال هنا: إذا أُبدل من اسم استفهامٍ وهو اسمٌ مضمن معنى حرف الاستفهام، وجب دخول همزة الاستفهام على البدل: من ذا أسعيدٌ أم علي؟ وما تفعل أخيراً أم شراً، ومتى تأتنا أغداً أم بعد غد؟ إذاً قوله: (وَبَدَلُ المُضَمَّنِ) هذا فيه تَصريحٌ بإخراج ما صُرِّح معه بأداة الاستفهام، حينئذٍ لا يصح أن تدخل الهمزة على البدل، هل أحدٌ جاءك زيدٌ أو عمروٌ؟ لا تقل: أزيدٌ، لماذا؟ لأنه صُرِّح هنا بحرف الاستفهام، وكلامنا في: اسم استفهامٍ ضُمِّن معنى حرف الاستفهام، فلو صُرِّح به حينئذٍ خرج ما كان نصاً في الاستفهام وهو حرفٌ.

ونضير هذه المسألة: بدل اسم الشرط .. مثلها، لو أبدل من اسم الشرط حينئذٍ جيء بـ (إنْ) الشرطية مع البدل. ونظير هذه المسألة بدل اسم الشرط نحو: من يَقُم إن زيدٌ وإن عمروٌ أقُم معه، من يَقُم زيدٌ .. إن زيدٌ، لا بُدَّ من إعادة الحرف وهو حرف الشرط. من يَقم إن زيدٌ وإن عمروٌ أقم معه، فإنه يلي حرف الشرط الذي تَضمنه المبدل منه وهو بدل تفصيل. (وَبَدَلُ المُضَمَّنِ) إذاً قوله: المضمن، خرج به ما صُرِّح معه بأداة الاستفهام أو الشرط على ما ذكرناه، فلا يلي البدل ذلك، نحو: هل أحدٌ جاءك زيدٌ أو عمروٌ، وكذا: إن تضرب أحداً رجلاً أو امرأةً أضربه، أي: إن تضرب أحداً رجلاً أو امرأةً، هنا صُرِّح به، فلا يجوز إعادة حرف الشرط، لو قيل: من يَقُم أزيدٌ أم عمروٌ أقم معه، حينئذٍ لا بُدَّ من الهمزة .. لا ليست الهمزة، من يَقُم إن زيدٌ وإن عمروٌ، وأمَّا إذا صُرِّح بالحرف .. حرف الشرط، حينئذٍ لا يجوز، فإذا قيل: إن تضرب أحداً، إذاً: صُرِّح بالحرف. (وَبَدَلُ المُضَمَّنِ الهَمَزَ يَلِي هَمْزاً) كقولك: (مَنْ ذَا أَسَعِيدُ أَمْ عَلِي). وَيُبْدَلُ الفِعْلُ مِنْ الفِعْلِ كَمَنْ ... يَصِلْ إِلَيْنَا يَسْتَعِنْ بِنَا يُعَنْ (وَيُبْدَلُ الفِعْلُ مِنْ الفِعْلِ)، (يُبْدَلُ) هذا فعل مُغيَّر الصيغة، و (الفِعْلُ) هذا نائب فاعل، (مِنْ الفِعْلِ) مُتَعلِّق بقوله: (يُبْدَلُ). (كَمَنْ ... يَصِلْ إلَيْنَا يَسْتَعِن بِنَا يُعَنْ) هنا ظاهر كلامه أنه يجوز البدل مطلقاً ما قيده (يُبْدَلُ الفِعْلُ مِنْ الفِعْلِ) مطلقاً مطابقاً أو بعضاً أو ما يشتمل عليه، نقول: كله يدخل فيه، أم فيه تفصيل؟ ظاهر كلام الناظم الإطلاق، لكنه لم يُسْمع في لسان العرب إلا بَدَل كل من كل، وقيل: البعض، وأمَّا بدل الغلط والاشتمال قيل: أنه لم يُسمع. (وَيُبْدَلُ الفِعْلُ مِنْ الفِعْلِ) بدل كلٍ من كلٍ، قيل: باتفاق، فظاهره أن ذلك جائزٌ في جميع أقسام البدل، والمسموع من ذلك بدل الكل وبدل الاشتمال، وأمَّا بدل البعض وبدل الغلط هذا فيه خلاف، قيل: لا يبدل الفعل بدل بعضٍ من الفعل، وأثبته الشاطبي، ومثَّل له بنحو: "إِنْ تُصَلِّ تَسْجُدْ لِلرَّحمَنِ يَرْحَمْكَ"، هذا مصنوع .. إِنْ تُصَلِّ تَسْجُدْ: هذا بدل بعض من كل، لأن السجود بعض الصلاة، لكن هذا مصنوع، نقول: ائتي بالدليل أولاً .. أثبته ثم بعد ذلك يؤتى بالمثال. "إِنْ تُصَلِّ تَسْجُدْ لِلرَّحمَنِ يَرْحَمْكَ". وأمَّا بعد الغلط فقيل: جوَّزَه سيبويه وجماعة، والقياس يقتضيه، ومثَّل له الشاطبي بقوله: إن تُطعم زيداً تَكْسه أكرمك، تَكْسُه .. تُكْسِه، يجوز فيه الوجهان، تكسه أكرمك: هذا بدل غلط، تطعم زيداً، ثم أراد أن يبيِّن أنه قد أخطأ في الأول .. غَلِط، أراد أن يقول: إن تكس زيداً، فقال: إن تطعم زيداً، لكن كما ذكرنا هذا فيه نظر من حيث أن هذا المثال مصنوع وليس بواردٍ. ومَثَّل له المكُودِي بقوله: قام قعد زيدٌ، أراد أن يقول: قعد فقال: قام قعد زيدٌ، إذاً: بدل غلط.

وأمَّا بدل البعض قيل: لم يُسمع، إذاً: قول الناظم هذا محتملٌ أنه يرى الجواز في الجميع، وَيُبْدَلُ الْفِعْلُ مِنَ الْفِعْلِ مطلقاً، أمَّا بدل كل من كل هذا متفق عليه، وبدل الاشتمال قيل كذلك، وأمَّا الغلط والبعض هذا لم يُسمع. (كَمَنْ ... يَصِلْ إِلَيْنَا يَسْتَعِن بِنَا يُعَنْ)، (كَمَنْ) اسم شرط مبتدأ، (يَصِلْ) هذا فعل مضارع فعل الشرط، (إِلَيْنَا) مُتَعلِّق به، (يَسْتَعِنْ) يصل .. يستعن، إذاً: هو مُشْتملٌ على الاستعانة، يصل .. يستعن، (يَسْتَعِنْ) هذا بدل اشتمال من يصل، لأن وصول قاصد الاستعانة يشتمل على الاستعانة، (بِنَا يُعَنْ) يُعَنْ: هذا جواب الشرط. قال الشارح: " كما يُبدل الاسم من الاسم يبدل الفِعْل من الفِعْل، فيستعن بنا بدلٌ من يصل إلينا " قيل: مثله قوله تعالى: ((وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما * يُضَاعَفْ)) [الفرقان: 68 - 69] قيل يضاعف: هذا بدل اشتمال من قوله: ((يَلْقَ أَثَاما)) [الفرقان: 68] لأن لُقِيِّ الآثام أن يحصل له العذاب مضاعفاً، وهو يشتمل على المضاعفة، ولو قيل: بدل كل من كل كذلك .. بل هو الظاهر، فيضاعف: بدلٌ من يلق، فإعرابه بإعرابه وهو الجزم. وكذا قوله: إِنّ عليَّ اللهِ أَن تُبايِعَا ... تُؤْخَذَ كَرْهاً. . . . (تُؤخذَ) هذا بدل من قوله: تبايعا، بدل اشتمال كذلك، ولذلك نُصِبَ، وهنا ليس البدل بدل جملة من جملة لا، وإنما المراد بدل فعل من فعل، ولذلك يأخذ حكمه، هنا قال: تبايعا، بالنصب، تؤخذَ: بالنصب، كما قلنا هناك: عطف الفعل على الفعل، وهو ليس كعطف الجملة على الجملة. قال ابن هشام: " ينبغي أن يُشترط لإبدال الفعل ما اشتُرط للعطف .. عطف الفعل على الفعل "، وهو .. ما هو شرط عطف الفعل على الفعل؟ اتحاد الزمن، ولا يشترط الموافقة في النوع، قال هنا: " ينبغي أن يشترط لإبدال الفعل ما اشتُرط لعطف الفعل على الفعل، وهو الاتحاد في الزمان دون الاتحاد في النوع، حتى يجوز: إن جئتني تمشي إليَّ أكرمك " جئتني تمشي .. تمشي: فعل مضارع، وجئت: هذا فعل ماضي، توافقا في الزمن. وتُبدل الجملة من الجملة كذلك، كما يُبدل الفعل من الفعل. كما يعطف الفعل على الفعل، وتعطف الجملة على الجملة كذلك يُبدل الفعل من الفعل وتُبدل الجملة من الجملة نحو: ((أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ)) [الشعراء: 132 - 133] الجملة الثانية بدلٌ من الجملة الأولى. وقد تبدل الجملة من المفرد كقوله: إِلى اللَّهِ أَشْكُو بالمَدِينةِ حَاجَةً ... وبالشَّامِ أُخْرَى كَيْفَ يَلْتقِيانِ أُبدِلَ: (كَيْفَ يَلْتقيانِ) من (حَاجَةً) و (أُخْرَى)، أي: إلى الله أشكوا هاتين الحاجتين تعذُر التقائهما. وَيُبْدَلُ الفِعْلُ مِنْ الفِعْلِ كَمَنْ ... يَصِلْ إِلَيْنَا يَسْتَعِن بِنَا يُعَنْ ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

96

عناصر الدرس * فائدة: الفرق بين عطف البيان والبدل * شرح الترجمة. النداء. وحده * حروف النداء واستعمال كل حرف * متى يجوز حذف حرف النداء؟ * أنواع المنادى , وحكم (المبني. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: أمَّا بعد: سَبَق في قول الناظم: وَرُبَّمَا عَاقَبَتِ الْوَاوَ إِذَا ... لَمْ يُلْفِ ذُو النُّطْقِ لِلَبْسٍ مَنْفَذَا قلنا (لَمْ يُلْفِ) هذا بمعنى: يَجد، (يُلْفِ) هذا فعل مضارع مجزوم بـ: (لَمْ) والجزم حذف حرفَ العِلَّة، و (ذُو النُّطْقِ) هذا فاعل، و (لِلَبْسٍ) مُتَعلِّق بقوله: (مَنْفَذَاً)، و (مَنْفَذَاً) بمعنى: طريق، وهو إذا جعلنا (يُلْفِ) متعدٍ إلى مفعولين حينئذٍ صار هو المفعول الأول، المفعول الثاني يكون مُقَدَّراً، قدره هناك الأزهري: إذا لم يجد صاحب النطق طريقاً للبسٍِ صحيحةً، فاستعمالها بمعنى: الواو، ويحتمل أن يكون للبسٍ في موضع المفعول الثاني فيتعلق بمحذوف: منفذاً كائناً للبسٍ. وجَوَّز وجهاً ثالثاً: أن يكون لـ (يُلْفِ) أنه متعدٍ لواحد، وهذا الظاهر: أنه في هذا التركيب متعدٍ لواحد؛ لأن وجود المفعول الثاني صحيحةً هذا ما فيه فائدة جديدة. (يُلْفِ ذُو النُّطْقِ مَنْفَذَاً لِلَبْس) إذا لم يجد صاحب النطق منفذاً، أي: طريقاً لِلَبْس، صحيحةً .. ويحتمل على كلٍ .. الأمر واسع في هذا. ثُمَّ ذكرنا أن البدل والعطف بيان فيما سبق: أن كلاًّ منهما متقاربان، ولذلك سبق قول الناظم: (وَصَالِحاً لِبَدَلِيَّةٍ يُرَى) يعني: يَجُوزُ ما وقعَ عطف بيان أن يُعْرَب بدل من غير عكس، وهنا نَفْي العكس لماذا؟ لأن العاطف .. عطف البيان العامل فيه هو العامل في المتبوع، حينئذٍ لا إشكال، فيُعْرَب عطف بيان ويعرب بدلاً في نفس الوقت، فيُقَدَّر له عامل آخر، وأمَّا إذا أُعرِبَ بدلاً حينئذٍ أُعْرِبَ على نية تكرار العامل، فيمتنع أن يُعْرَبَ عطف بيان في نفسِ الوقت. (وَصَالِحاً لِبَدَلِيَّةٍ يُرَى) حينئذٍ كل ما صحَّ أن يُعْرَبَ عطف بيان صَحَّ أن يُعربَ بدل كل من كل، إلا في المسائل التي ذكرناها. يُفارق عطف البيان البدل في ثمان مسائل مشهورات، وزاد بعضهم مسألتين أو مسألة.؟ يُفارق عطف البيان البدل في ثمان مسائل: الأولى: أن العطف لا يكون مُضْمراً، ولا تابعاً لِمُضْمَرٍ، يعني: عطف البيان لا يكون ضميراً ولا يكون تابعاً لضمير؛ لأنه في الجوامد نضير النعت في المشتق، وكما أن الضمير لا يُنْعَت ولا يُنْعَتُ به، كذلك لا يُعْطَف عَطَفَ بيان ولا يُعْطَف عليه، إذاً: الضمير يَمْتَنع أن يكون نعتاً، ويمتنع أن يكون منعوتاً، يعني: لا يُنعَت ولا يُنعَتُ به، كذلك عطف البيان، بخلاف البدل .. سبق تفصيلاً فيه، الذي هو: وَمِنْ ضَمِيرِ الحَاضِرِ الظَّاهِرَ لاَ ... تُبْدِلْهُ إِلاَّ. . . . . . . إذاً: فيه استثناء .. ليس مطلقاً وإنما يجوز في الجملة. الثاني: أن البيان لا يُخالف متبوعه في تعريفه وتنكيره، وهذا على قول بعضهم، عطف البيان لا يُخالف متبوعه في تعريفه وتنكيره، لا بُدَّ من المطابقة: فَأَوْلِيَنْهُ مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ ... مَا مِنْ وِفَاقِ الأَوَّلِ النَّعْتُ يَلِي

إذاً: هو تابعٌ له في التعريف والتنكير، والبدل لا يشترط، قلنا: يُبْدَل النكرة من المعرفة والعكس، المعرفة من المعرفة والنكرة من النكرة، والمعرفة من النكرة، والنكرة من المعرفة، إذاً: لا يُشْتَرطُ فيه. الثالث: أنه لا يكون جملة، يعني: عطف البيان لا يكون جملةً، بخلاف البدل: فإنه يجوز فيه ذلك: (وَيُبْدَلُ الفِعْلُ مِنَ الفِعْلِ) كما سبق، وقلنا: تُبْدَلُ الجملة من الجملة: ((أَمَدَّكُمْ)) [الشعراء:132] إلى آخره. المسألة الرابعة: أنه لا يكون تابعاً لجملةٍ بخلاف البدل. خامساً: أنه لا يكون فعلاً تابعاً لِفِعْلٍ بخلاف البدل، يعني: عطف البيان لا يكونُ فعلاً. سادساً: أنه لا يكون بلفظ الأول، بخلاف البدل: فإنه يجوز فيه ذلك بشرطه، وهذا مختلف فيه بين النحاة. أنه يَجوزُ في البدل أن يكون موافقاً للفظ متبوعه لكن بشرطه، وهو: كون الثاني معه زيادة بيانٍ كما في قراءة يعقوب: ((وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلَّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا)) [الجاثية:28] بنصبِ الثانية: (كُلَّ أُمَّةٍ). بنصبِ: (كُلَّ) الثانية، فإنه قد اتصل بها سبب الجثو، إذاً: هو بدل .. يُعتَبرُ بدلاً مما سبق. سابعاً: أنه ليس في نية إحلاله محل الأول بخلاف البدل، يعني: عطف البيان ليس في نية إحلاله محل الأول، ولذلك كان العامل فيه هو عاملٌ مماثلٌ للمذكور، هذا في البدل. ثامناً: أنه ليس في التقدير من جملةٍ أخرى بخلاف البدل، عَطْفُ البيان جملة واحدة، والبدل: في قوة الجملتين؛ لأن العامل في البدل هو عين العامل في المُبْدَلِ منه من حيث التكرار، يعني: يُقَدَّرُ له مماثل للعامل في المتبوع، إذا قيل: جاء زيدٌ أخوك، أخوك: مرفوع بماذا؟ ليس بـ (جاء) الأول على أنه بدل، وإنما بـ (جاء) مُقَدَّر مماثل للمذكور: جاء زيدٌ .. جاء أخوك، حينئذٍ هو في قوة الجملتين: جاء جاء، جاء زيدٌ .. جاء أخوك. وأمَّا عطف البيان: فالعامل في: أخوك هو العامل في: زيد، إذاً: فرقٌ بينهما. أنه ليس بالتقدير من جملةٍ أخرى بخلاف البدل، وزِيدَ كون المتبوع في البدل في نية الطَّرَح، قيل: غالباً .. نيةِ الطرح، ما معنى نية الطرح؟ ليسَ المراد: أنه السابق معروضٌ عنه؛ لأننا ذكرنا أن السابق المتبوع مقصود: (التَّابِعُ المَقْصُودُ بِالحُكْمِ) فكيف يكون في نية الطرح؟ قال الزمخشري: " مُرَادُهم يكون البدل في نية طرح الأول أنه مستقلٌ بنفسه لا متممٌ لمتبوعه، كالتأكيد والصفة والبيان لا إهدار الأول، بخلافهِ في البيان ". حينئذٍ نقول: الطرح المراد به هنا ليس الإلغاء والإعراض عن السابق، وإنما المراد: أن العامل قد كُرِّرَ وصار اللفظ الذي أُعْرِبَ بدلاً .. صار مستقلاً عن سابقه، حينئذٍ كأن الأول قد أُعْرِضَ عنه وليس هو مُعْرَضاً عنه بالفعل، ولذلكَ إذا جاء في مثل: ((صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* اللَّهِ)) [إبراهيم:1 - 2] حينئذٍ نقول: اللهِ بالخفض: بدل: ((الْعَزِيزِ الْحَمِيد)) [إبراهيم:1]، هل هو في نية الطرح .. أنه مُلْغَى؟ لا، ليس المراد ذلك، بل لا يجوز أن يقال هنا: أنه في نية الطرح، لماذا؟ إلا إذا كان اصطلاح فقط؛ لأن الثاني المراد به أنه مستقلٌ، وأن العامل فيه مستقلٌ عن الأول.

هنا قال: مُرادهم بكون البدل في نية الطرح أنه مستقلٌ بنفسه لا متممٌ لمتبوعه، كالتأكيد والصفة والبيان لا إهدار الأول بخلافه في البيان، فليس المراد به: أنه في نية الطرح، بل هذا مقصود وهذا مقصود، إلا أن قَصْدَه في البيان قَصَد تتميم ومُكَمِّل لسابقه، وليس قصداً مستقلاً. العاشر: كون حذفه في البدل جائزاً عند بعضهم. وخُرِّجَ عليه: ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ)) [النحل:116] .. تصفه ألسنتكم الكذب، الكذب: هذا بدل من الضمير المحذوف. فجُعِلَ الكذب بدلاً من الضمير المحذوف، أي: تصفه، بخلافه في البيان، لا يكون المتبوع محذوفاً، إذاً: إذا قيل: (وَصَالِحاً لِبَدَلِيَّة يُرَى) حينئذٍ لا بُدَّ من التفريق بين البدل وعطف البيان. قال رحمه الله تعالى: (النِّدَاءُ). هذا شروعٌ منه في ما يتعلق بالنداء، وله فصول متتالية ستأتينا إن شاء الله باباً باباً، والأصل فيها: النداء الذي هو: الدعاء، النداء: نداء بالمد، هذا فيه ثلاث لغات النداء، كما سبق عند قوله:؟؟؟ وجاء معنا أيضاً: (وَوَلِيَ اسْتِفْهَاماً أوْ حَرْفَ نِدَا) هذا الموضع الثاني. النِدَاءُ: فيه ثلاث لغات، أشهرها: كَسْرُ النون مع المد (نِدآ)، ثُمَّ مع القصر (النِّدا) يعني: يجوز قصره، ثُمَّ ضَمُها مع المد (النُّدآ) هذه لغةٌ ثالثة. واشتقاقه، أي: أخذه من ندى الصوت، أصله: نَدِيَ كفرِحَ، ندا الصوت وهو: بُعْدُه؛ لأن النداء أصله: رفع الصوت، ندي صوته يندى من باب فَرِحَ يَفْرَحُ، إذا ارتفع وعلا. إذاً: مأخوذٌ من: فلانٌ أندى صوتاً من فلان، إذا كان أبعد صوتاً منه وأرفع صوتاً، هذا من حيث الاشتقاق. وأمَّا في اللغة: فهو الدعاء بأي لفظٍ كان، سواءٌ كان بحرف، أو كان باسمٍ، أو كان بفعلٍ مطلقاً، بل ولو لم يكن بلفظٍ، وإنما كان بإشارة، فيُسمى: دعاءً، إذاً المرادُ بالنداء في اللغة: الدعاء بأي لفظٍ كان، بل ولو لم يكن بلفظٍ. واصطلاحاً عند النحاة: هو طلب الإقبال بحرفٍ ناب مناب: أدعو، ملفوظٍ به أو مُقَدَّر .. طلبُ الإقبال، إذاً فيه طلب، الطلبُ هو الدعاء، والدعاء هو الطلب، بحرفٍ: هذا جار مجرور مُتَعلِّق بقوله: طلب لأنه مصدر. طلب الإقبال بحرفٍ، إذاً: لا باسمٍ ولا بفعلٍ، خَرَجَ: أدعو زيداً .. أُنادي زيداً، هل هذا نداء في اللغة؟ يُعْتَبرُ نِداءً لأنه دعاء بأي لفظٍ كان بفعلٍ أو حرفٍ: زيدٌ مطلوبٌ إقباله، هذا نِداء، وهو حاصل بالاسم، إقبال زيدٍ مطلوبٌ، نقول: هذا نِداءٌ لكنه بالاسم بل والجملة، وأمَّا: أدعو زيداً، وأنادي زيداً، فهذا في اللغة يُسمى: نِداءً، لكن في الاصطلاح لا يسمى نِداء، ولذلك قيل: بحرفٍ، إذاً: أخْرَجَ ما إذا حصل النداء بالاسم أو بالفعل.

ناب مناب: أدعو، هذا زيادة بيانٍ لأن هذا الحرف ليس مستقلاً، وإنما هو نائبٌ عن أصلٍ فهو فرع، وهذا سبق بيانه عند بيان الإسناد .. في الكلام، قلنا: لا بُدَّ أن يكون مركباً، والصحيح: أنه لا تركيب من حرفٍ واسمٍ، خلافاً للفارسي إذ جَوَّزه في باب النداء كما سيأتي، بناءً على أن (يا) هي عاملةٌ، أو سَدَّتْ مسَدَّ الفعل، والصحيح هو مذهب سيبويه: أن الأصل: أدعو زيداً، فنابت (يا) مناب أدعو حُذِفَ لما سيأتي بيانه. بحرفٍ نائبٍ مناب، إذاً: حرفٌ ليس أصلياً، فحينئذٍ نأخذ أن جملة: يا زيدُ، فرعية وليست أصلية. ناب مناب أدعو الذي هو أصلٌ في النداء، ملفوظٍ به أو مُقَدَّر: يا زيدُ، ((رَبَّنَا آتِنَا)) [البقرة:200] .. يا ربنا، ((يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)) [يوسف:29] يوسف، يعني: يا يوسف، حينئذٍ حُذِفَ حرفُ النداء، إذاً: يَجوزُ حذفه كما سيأتي بيانه. إذاً: طلبُ الإقبال بِحرفٍ نائبٍ مناب أدعو ملفوظٍ، هذا النداء أو المُنَادى؟ هذا النداء وهو المصدر، إقبال .. طلب الإقبال .. فعلك أنت، والناظم قال: النداء، ما المراد بالنداء: المعنى المصدري، أو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول؟ الثاني، لماذا؟ لأن مراده: يا زيد .. لفظ: زيد، فزيدٌ مُنَادى. إذاً: المُنَادى في اللغة: المدعو مطلقاً .. المدعو وليس هو الدعاء، أردنا الآن الألفاظ: المدعو مطلقاً، سواءٌ كان بحرفٍ أم لا، وعند النحاة: المُنَادى الذي هو اللفظ الذي تترتب عليه أحكام هو المدعو بحرفٍ من هذه الحروف خاصةً. إذاً: فرقٌ بين النداء وبين المُنَادى، مُنَادى: اسم مفعول، نُودِيَ يُنَادَى فهو مُنَادَى، والأحكام هذه التي تترتب عندنا من ضمٍ ونصبٍ ونحو ذلك هذه مُتَعلِّقة باللفظ الذي هو المُنَادى، أمَّا النداء فهو تحصيل للمنادى فهو سابق، حينئذٍ نقول: المُنَادى في اصطلاح النحاة: هو المدعو بحرفٍ من هذه الحروف خاصةً. (النِّدَاءُ) أي: هذا باب النداء، والهمزة هذا مُنْقَلبة عن واو مثل: كساء .. كساوٌ هذه أصله، وسماء أصله: سماوٌ، وقعت الواو متطرفةً بعد ألفٍ زائدة رابعةً، والأصل: سماوٌ، فقُلِبَت الواو همزةً، نِداء مثل: نداوٌ، فقُلِبَت الواو همزة. قال رحمه الله: وَلِلْمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ يَا ... وَأَيْ وَآ كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا وَالهَمْزُ لِلدَّانِي وَ"وَا" لِمَنْ نُدِبْ ... أَوْ يَا وَغَيْرُ وَا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ أراد أن يُبيِّن لنا حروف النداء يعني: بماذا يُنَادى؟ قلنا: المُنَادى هو: المدعو بحرفٍ، هل كل حرفٍ يصلحُ للنداء؟ الجواب: لا، إذاً: لا بُدَّ من حروفٌ خاصة، ثُمَّ هذه الحروف الخاصة مبنيةً على حال النداء، لأن المُنَادى إمَّا أن يكون بعيداً، وإمَّا أن يكون قريباً، واحد من اثنين، وبعضهم جعل حالةًَ متوسطة: إمَّا أن يكون بعيداً، أو متوسطاً، أو قريباً، ولكل واحدٍ من هذه المراتب الثلاث أحرف تختص به دون غيره، وقد تكون بعض الحروف تُستَعمل في الجميع.

لكن ابن مالك رحمه الله تعالى يرى أن القسمة ثنائية: بعيد، وما هو في حكم البعيد، يُقابل هذه المرتبة القريب، ولذلك قال: (وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ)، (النَّاءِ) يعني: البعيد مسافة، أو كالناء: المُنَزَّل مُنَزَّلةَ الناءِ البعيد، كالساهي والنائم، حينئذٍ جعل القسمة ثنائية، بدليل أنه قابل هذين النوعين بقوله: (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي). (وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ) إذاً: عطف على النَّاء بقوله: (كَالنَّاءِ) مثل: الناءِ .. مثل البعيد، فهذه مرتبة واحدة، هذا الظاهر من صنيعه رحمه الله. (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي) هذا دَلَّ على أنه يرى أن القسمة ثنائية، والأمر واسع؛ لأن الأصل في هذه الأحرف في الغالب أنها تُستَعمل بعضها في بعضٍ، واختص بعضُها ببعض المراتب كما سيأتي بيانه. ذكر أن المُنَادى البعيد له خمسة أحرف: (يا) و (أي) و (وا) و (آيا) و (هيا) هذه كم؟ خمسة (يا) و (أي) و (آ) هي الهمزة لكنها مُدَّت، (آيا) (هيا) كم هذه؟ خمسة، إذاً: ذَكَر للمُنَادى البعيد أو المُنَزَّل مُنَزَّلةَ البعيد بأن له خمسة أحرف. (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي) يعني: للقريب، دَنَا يَدْنو فَهوَ دَانٍ، يعني: قريب. . . . وَ "وَا" لِمَنْ نُدِبْ ... أَوْ يَا وَغَيرُ وَا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ هذا نداءٌ لكنه من نوعٍ آخر، وهو ما يُسمى: بالنُّدْبَة، يعني: المتفجع عليه أو منه، حينئذٍ نقول: المُنَادى إمَّا أن يكون مندوباً أو لا، المندوب: هذا ستأتي له أحكام، لكن ذكره هنا لأن المندوب نداءٌ، وليس كل مُنَادى يكون مندوباً، المندوب جزءٌ من المُنَادى، حينئذٍ حَرْفُه يُذْكَرُ في أَحرف النداء، وليس كل مُنَادى يكون مندوباً. له (وا) وا زيداه .. وا رأساه .. وا ظهراه، هذا كله ندبٌ، حينئذٍ نقول: هذا نداٌ لكنه ندبٌ، (له وا) هذا هو الأصل فيه. قال: و (يا) أو (يا) وهذه فرعية وليست أصلية، وإلا الأصل فيها: (وا) وبعضهم مَنَع أن تُسُتَعمل (يا) في الندب، ولذلك قال: (وَغَيرُ وَا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ) غَيرُ (وا) ما هو غَيرُ (وا)؟ في المندوب (يا)؛ لأنه ذكرَ حرفين فقط: أحدهما أصلٌ متفقٌ عليه، والثاني: مختلفٌ فيه وهو فرعٌ؛ لأن (يا) في الأصل: أنها تُسُتعمل للجميع، (وَغَيرُ وَا) الذي هو (يا)، (لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ) هذا على جهة العموم. قال رحمه الله: (وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ يَا)، (يَا): هذا مبتدأ مؤخر قُصِدَ لفظه، وهو حرف في الأصل، لكنه قُصِدَ لفظه، حينئذٍ نقول: هو مبتدأ مؤخر، وقوله (لِلمُنَادَى) جار مجرور مُتَعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، (يا) للمُنَادى، يعني: المدعو في لسان العرب وفي اصطلاح النحاة: النَّاءِ .. المُنَادى الناءِ، النَّاءِ: هذا صفة للمُنَادى، والمراد به: البعيد المسافة .. حقيقةً يعني، يا زيد، وهو بعيد عنك تناديه: يا زيد أقبل، ونحو ذلك. فالناءِ المراد به: البعيدُ مسافةً: ناءِ بحذف الياء والاستغناء بالكسرة عنها، نائي: بالياء الأصل، لكن حُذِفت الياء واستغني بالكسرة. (أَوْ) للتنويع، (كَالنَّاءِ) يعني: مثل النَّاءِ.

(وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ) بعضهم قَدَّرَ موصلاً: أو من هو كالنَّاءِ، لكن لا نحتاج إلى هذا، وإنما نجعل الكاف مثلية .. اسمية، فحينئذٍ يكون من عطف الاسم على الاسم، وللُمنَادى الناءِ البعيد أو مثل البعيد، فالكاف نقول: اسمية وهي مضاف، والناءِ: مضاف إليه. وهو كذلك حُذِفت منه الياء استغناءً بالكسرة عنه، والأصل: كالنائي مثل ماذا (كالنَّاءِ)؟ البعيد واضح المسافة الذي ما يسمعُ صوتك، وإن كان البُعد هنا قيل: البُعدُ المراد به: البُعدُ العرفي، القُرب .. البُعدُ إذا قيل هنا العرفي، يعني: ما يتعارف عليه الناس، ثُم قد يُنَزَّل .. الكلام في الحقائق، الأصل: البعيد .. هو بعيد، قد يُنَزَّل القريب مُنَزَّلةَ البعيد، بجوارك قلت: يا زيد، كأنه ما يسمع مثلاً، حينئذٍ نَزَّلتَه مُنَزَّلة البعيد، هذا أمرٌ آخر. والمراد هنا (كَالنَّاءِ) المراد به من لا يستجيب في الأصل، قيل: كالساهي، وكالنائم، وكالمرتفع المرتبة .. ارتفاع محلٍ أو انخفاضه، وهذا كذلك جَوَّز بعضهم أن يكون على جهة التنزيل، يعني: يُخاطبَ الصغير بـ (يا) تعظيماً له مُنَزَّلاً له مُنَزَّلةَ البعيد، يعني: الكبير العظيم، إذا كان مرتفع المنزلة، حينئذٍ يُخَاطبُ بـ (يا)، يا سماحة كذا مثلاً، حينئذٍ نقول: أُتي بـ (يا) هنا بناءً على ماذا؟ هو يكون بجوارك، حينئذٍ نقول: هذا فيه تنزيلٌ للقريب مُنَزَّلةَ البعيد وإلا هو يسمعك .. أمامك نصف متر، فتقول له: يا سماحة الشيخ .. يا مفتي كذا، نقول: هذا تنزيلٌ للقريب مُنَزَّلةَ البعيد. (لِلمُنَادَى النَّاءِ) أي: البعيد المسافة، (أَوْ كَالنَّاءِ) وعرفنا أن البُعد المراد به هنا: البُعد العُرْفِي، يعني: الذي يَحكُم هذا وذاك إنما هو البُعد العُرُفي. (يَا) هذا الحرفُ الأول. (وَأَي)، (وَآ) آيعني، هذه الهمزة على جهة المد: آزيد أقبِل هذا بعيد. كذلك: (أَيَا) هي ياء زِيدَت عليه الهمز، هكذا قيل كما سيأتي. (ثُمَّ هَيَا)، (يَا) قلنا: مبتدأ مؤخر، (وَأَي) معطوفٌ على (يَا)، حينئذٍ يكون قُصِدَ لفظه فهو في محل رفع، أو نقول: مرفوع والضَمَّة مُقدَّرة هذا أحسن، نقول: مُقدَّرة منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الحكاية .. (أيْ) بسكون الياء، وقد تُمَد همزتها (آي) كما سيأتي. (وَآ) آهذه همزة ممدودة: آزيدٌ للبعيد كذلك، وهو معطوفٌ على (يا) والمعطوف على المرفوع كذلك مرفوع، والضَمَّة مُقدَّرة. (كَذَا أَيَا) أيا كذا هذا الأصل: أيا كذا، حينئذٍ (أيا) نقول: هذا أصله: (يا) دخلت عليه الهمز هكذا قيل، وهو مبتدأ هنا، و (كَذَا) يعني مثل (ذا) السابق في كونه (لِلمُنَادَى النَّاءِ أَو كَالنَّاءِ) (أيا)، فيُستَعمل (أيا) للمنادى الناءِ أو كالناءِ، فـ (كَذَا): هذا خبرٌ مُقدَّم مُتَعلِّق بمحذوف.

(ثُمَّ) قلنا بمعنى: الواو؛ لأنه ليس تراخي بينهما، إلا إذا أُريد بأن (هَيَا) فرعُ (أَيَا)، قيل: ليست أصلية بل هي فرعُ (أيا)، (هَيَا) قيل: هي فرعُ (أيا) بإبدال الهمزة هاء، أيا هيا أُبدِلَت الهمزةُ هاء، والهمز والهاء بينهما علاقة، كلٌ منهما يُمَرُّ على الثاني، يعني: الهمزة تُبدَلُ هاء: أريقُوا هريقُوا (أيا هيا) إذاً: كلٌ منهما يُبْدَل إلى الآخر هذا قولٌ، وقيل: أصلٌ (هَيَا) هكذا نُطِقَ بها، ليست مبدلةً الهاء هنا من الهمزة. فليست هاؤها بدلاً من همزةِ (أيا)، لماذا؟ قال: لأن الإبدال نوعٌ من التصريف، والتصريف لا يدخل الحروف وإنما يدخل الأسماء المتَمَكِّنة والفعل، حينئذٍ إذا قيل: بأن الهمزة أُبدِلتَ هاءً هذا نوع تصريف لأنه بدل، والإبدال سيأتي باب خاصٌ به، حينئذٍ كيف يقع البدل في الحرف؟ وسيأتي أن الحرف بريءٌ من الصرف كليةً، يعني: لا يدخل فيه الصرف بكلية. قيل: الإبدال هنا لغوي لا تصريفي. ولزيادة أحرُفِهما يعني: (أَيَا) و (هَيَا) كان فيهما دلالةٌ على زيادة بُعدِ منَاداهُما عن مُنَادى (يا) هكذا قيل، وإلا ابن مالك أوردها في موردٍ واحدٍ. (وَأَي وَآ كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا)، من حروف نداء البعيد: (أي .. آي) يعني: بالمد، ولذلك ابن هشامٍ قال: " الهمزة وأي ممدودتين ومقصورتين"، الهمزة: أزيد أقبل .. آزيد أقبل .. أي زيد أقبل .. آي زيد أقبل، بالمد والقصر وهي أربعة، والهمزة إذا مُدَّتْ حينئذٍ صارت لنداءِ البعيد؛ لأن مد الصوت يُنَاسبهُ أن يكون المُنَادى بعيداً: يا زيدُ هذا الذي يناسب، أمَّا القريب: أزيدُ (أ) هذا حرف قصير ليس له هوى. إذاً: من حروف النداء .. نداء البعيد: (آي) بمد الهمزة وسكون الياء، وقد عَدَّهَا في التسهيل من جملة ما يُنَادى به البعيد، فجملةُ الحروف حينئذٍ تكون ثمانية. ذهب المُبَرِّد: إلى أن (أَيَا) و (هَيَا) للبعيد، كما ذكرها الناظم هنا. و (أي) والهمزة للقريب، و (يا) لهما، إذاً: جَعَلَ (أي) دون مدٍ للقريب، وابن مالك جعلها للبعيد، قلنا: ذكر خمسة للبعيد، أو ما هو في حكم البعيد، وذكرَ منها: (أي). المُبَرِّد ذهب إلى أن (أَيَا) و (هَيَا) للبعيد، وهذا موافقٌ للناظم ولا إشكال فيه، و (أي) والهمزة للقريب، الهمزة للقريب لا إشكاله فيه: (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي)، باقي الخلاف بينهما في (أي) أنها للقريب، و (يا) لهما يعني: للقريب والبعيد. وذهب ابن برهان: إلى أن (أَيَا) و (هَيَا) للبعيد، كما ذهب إليه الناظم .. لا خلاف بينهما، والهمزة للقريب .. وافق الناظم، و (أي) للمتوسط، وهذا مشهور عند النحاة أن: (أي) للمتوسط، حينئذٍ أثبت مرتبة بين البعيد والقريب، وهذا أولى لو جُعِلَ لأن العقل يقتضيه فلا يمنع أن يكون لكل معنىً من هذه المعاني حروف خاصة، لأنه إمَّا قريب، وإمَّا بعيد، وإمَّا ما بينهما، فالبعيد له (يا) وما عُطِفَ عليه، والقريب له الهمزة، والمتوسط بينهما له (أي) وهذا لا بأس به.

والهمزةُ للقريب، و (أي) للمتوسط، و (يا) للجميع، يعني: ينادى بها القريب والبعيد والمتوسط، وأجمعوا .. النحاة: على أن نداء القريب بما للبعيد يَجوزُ توكيداً، يعني: استعمال ما وُضِعَ للبعيد في القريب يجوز، لأنه قريبٌ وزيادة، إذا قيل: (يا) .. (هيا) .. (آيا) هذا للبعيد فيشمل القريب، لو ناديت بعيداً سمعه القريب كذلك، حينئذٍ هو قريب وزيادة، فيُسْتَعملُ ما للبعيد للقريب؛ لأنه يكون فيه دلالة على النداء وزيادة من باب التأكيد، فيسمع من لم يسمع: يا زيد هو قريب، فيُستعمل له ما للبعيد. وأجمعوا على أن ندا القريب بما للبعيد يجوز توكيداً، وعلى منع العكس، ما هو العكس؟ أن يُنَادى البعيد بما للقريب، فلا يُقال للبعيد: أصفوان، وهو بعيد هناك إلا بمكبر، نقول: هذا ممنوع لأن القريب لا يُمَدُّ معه الصوت، ولذلك الحروف هذه بعضها ممدودة الصوت: (هيا) (آيا) (يا) فيها مد صوت، ولذلك قيل: النداء مأخوذٌ من: نَدا صوته أو نَدِيَ صوته، وهو إذا رفع صوته وعلا، حينئذٍ فيه معنى الرفع، والبعيد يناسبه رفع الصوت والمد، بخلاف القريب: أزيد أقبل، هذا قريب. وعلى منع العكس لعدم تأتي التوكيد في صورة العكس، ومحل المنع إذا لم يُنَزَّل البعيد مُنَزَّلةَ القريب، وإلا جاز نداؤه بما للقريب إذ لا مانع منه حينئذٍ، مسألة التنزيل هذه مختلفة من شخص إلى شخص، ومن حالٍ إلى حال، والمراد: الأصول استعمال اللفظ بحقيقته، هو للبعيد وهذا للقريب، قد يُعامل القريب مُنَزَّلةَ البعيد وقد يُعامل البعيد مُنَزَّلةَ القريب، القريب يُعامل مُنَزَّلةَ البعيد فيؤتى بأحرف النداء الدالة على البُعد، وكذلك البعيد والكلام في الحقائق. وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ يَا ... وَأَي وَآ كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا (أَي) قلنا بسكونٍ وقد تُمَدُ همزتها، و (أَيَا) قيل: أصلها (يا) ودخلت عليها الهمزة، (ثُمَّ هَيَا) وقيل: هذه مُبدَلة عن (أَيَا). (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي) يعني: بالقريب نحو: أزيدُ أقبِل، (وَوَا لِمَنْ نُدِبْ) لِمَن نُدِب يعني: المندوب، (من) وما دخلت عليه في تأويل مشتق، يعني: مندوب، (من) هنا موصولة، ونُدِب: هذا مُغَيَّر الصيغة، يعني: لمن دُعيَ ونُودِيَ على جهة الندبِ، والمندوب هو المُتَفَجَّعُ عليه أو المُتَوَجَّعُ منه، مُتَفَجَّع عليه: ولداه .. وولداه، يخاف عليه يسقط مثلاً، نقول: هذا مُتَفَجَّع عليه. مُتَوَجَّعٌ منه: وارأساه .. واظهراه هذا مُتَوَجَّعٌ منه. نحو: واولداه وارأساه. قال الرضي: وقد يُستعملُ في النداء المحض وهو قليل " يعني: (وا) قد يُستعملُ في النداء المحض الذي ليس فيه تَفَجَّعُ لكنه قليل، لكن بعضهم حكى الإجماع أنه لا يُستعملُ إلا في الندبة فقط، وأمَّا ما عداه فلا يُستعمل، لكن الرضي قال: هنا قليل. وقال في المغني: أجاز بعضهم استعمال (وا) في النداء الحقيقي، وافق ما ذهب إليه الرضي أو العكس لأنه مُتقدِّم. حينئذٍ الأصل في الندب .. أن يكونَ مُتَفَجَّعاً عليه أو منه، أو مُتَوَجَّعاً منه، الأصل: أن يكون بـ (وا) واولداه .. واظهراه، هل يُستعملُ (وا) في غير الندبة؟ قليل جداً، يعني: يجوزُ ولكنه على قلة.

(أَو يَا) يعني: يُستعملُ في الندْبةِ (يا) وعرفنا المندوب المراد به: المُتَفَجَّع عليه أو المُتَوَجَّع منه، حينئذٍ نقول: يا ولداه .. يا ظهراه .. يا رأساه، إن دَلَّتْ قرينة على أنه مندوب جاز، وإن لم يدل قرينة فحينئذٍ الأصل في استعمال (يا) أن يكون للمُنَادى على جهة العموم .. حقيقي، ولذلك قال: (وَغَيرُ وَا) يعني: يُستعملُ في الندبة متى؟ (لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ). (وَغَيرُ وَا)، (غَيْرُ) مبتدأ وهو مضاف و (وَا): مضافٌ إليه .. قُصِدَ لفظه، (لَدَى) بمعنى: عِنْدَ مُتَعلِّق بقوله: (اجْتُنِبْ). و (لَدَى اللَّبْسِ)، (لَدَى) مضاف و (اللَّبْسِ) مضافٌ إليه، و (اجْتُنِبْ) نائب الفاعل هنا ضمير يعود على استعمال (يا) في الندب، إذا حَصَلَ لبسٌ حينئذٍ يُمنعُ استعمال (يا) في الندب، نحو ماذا؟ حَمَلْتَ أمراً عَظِيماً فاصْطَبَرْتَ لهُ ... وَقُمْتَ فِيهِ بِأمْرِ الله يا عُمَرَا قالوا: هذه (يا) هنا استُعْمِلَت استعمالَ (وا)، وهذا واضحٌ أنه المرادُ به: الندْبَة لأنه قاله حين وفاة عمر، فليس ثَمَّ نداء، ثُمَّ لو كان مُنَادى لقال: يا عُمَرُ، لكنه قال: يا عُمَرَا، كما يُقال: يا ولداهُ .. واولداهُ، حينئذٍ نقول: الألف هذه ألف الندبة. فَصَدَر ذلك مع موت عمر، فدَلَّ على أنه مندوب، وقال الصبان: وليس الدليل الألف؛ لأنها تلحق آخر المستغاث والمُتَعَجب منه " لكن الظاهر أن الألف هنا ألف الندبة؛ لأنه لو كان كذلك لقيل: يا عُمَرُ، إذاً: هذه الأحرف تختص بالنداء على التفصيل الذي ذكرناه. قال الشارح هنا: " لا يخلو المُنَادى من أن يكون مندوباً أو غيره " غيره يعني: غير مندوب " فإن كان غير مندوبٍ فإمَّا أن يكون بعيداً أو في حكم البعيد " منزلة واحدة .. هذه مرتبة واحدة، " كالنائم والساهي، " النائم والساهي هذا في حكم البعيد، لو كان بجوارك تخاطبه كأنه بعيد لأن الساهي في واد آخر، هو معك بجسمه وأمَّا عقله وروحه فليست معك .. تكون في دولة أخرى! فيحتاج إلى حرفٍ تجذبه إليك. " كالنائم والساهي، أو قريباً، فإن كان بعيداً أو في حكمه فله من حروف النداء (يا) و (أي) و (آ) و (هيا) "، أسقط من الشرح (أيا) خمسة هي: (يا) و (أي) و (آ) و (أيا) و (هيا) ليست موجودة في الشرح، هذه الخمسة يُنَادى بها البعيد أو ما هو في حكم البعيد، وإنما نودي البعيد بهذه الأدوات المشتملة على حرف المد انظر! حرف مد (يا) .. (آي) .. (وآ) يعني: (آ) .. (أيا) .. (هيا) كلها مشتملة على حرف مد؛ لأن البعيد يحتاج في نداءه إلى مَدِّ الصوت ليُسْمَع .. تريد أن تسمعه من أجل أن يسمع تَمُدَّ له الصوت فناسب أن يكون للبعيد، وهو ظاهرٌ في غير (أي) بقصر الهمز. وهذه العلة تؤكد ما ذهب إليه ابن برهان: أن المتوسط له (أي) وهذا أولى: أن يُجْعَل (أي) للمتوسط، والهمز للداني وما عداهما تُجعلُ للبعيد، وأمَّا مسالة التنزيل لا ضابط لها .. مسألة التنزيل هذا خروجٌ عن الأصل .. كأنه مجاز، والكلام في الحقيقة.

وإن كان قريباً فله الهمزة: أزيدُ أقبل، وإن كان مندوباً وهو المُتَفَجَّعُ عليه أو المُتَوَجَّعُ منه فله (وا): وا زيداه .. وا ظهراه، و (يا) أيضاً يُستَعْمَل في الندب عند عدم التباسه بغير المندوب، فإن التَبَس تَعَيَّنَت (وا) وامتنعت (يا)، و (يا) هذه عند النحاة: هي أُمُّ الباب، ولذلك تدخل في كل نداء، على القريب والبعيد والمتوسط، وتَتَعيَّن في لفظ الجلالة: اللهُ .. يا اللهُ، لا يُنَادى لفظ الجلالة: يا الله إلا بـ (يا)، وأمَّا ما عداها فلا تدخل، لا يُقال: اللهُ .. آلله لا، آلله: هذا قسم. وتَتَعيَّن في الله تعالى، فعمومها باعتبار المحل، ولا يُقَدَّرُ عند الحذف سواها: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا)) [البقرة:200] رَبَّنَا: هذا مُنَادى، بماذا نُقَدِّر حرف النداء؟ (يا) فقط، ما يجوز: أربنا .. أي ربنا ما يجوز، وإنما يُقدَّرُ (يا) فقط فهي التي تُحذَفُ. ولا يُقدَّرُ عند الحذف سواها، وكما تَتَعيَّن في لفظ الجلالة تَتَعيَّن في المُستغاث و (أيها) و (أيتها): يا أيها المسلمون، نقول: هذا (يا) ما يصح أن تأتي بغيرها، كذلك: أيتها المسلمات .. يا أيتها المسلمات، يَتَعيَّن معها (يا) ولا يجوز غيرها؛ لأن الأربعة لم يسمع نداؤها إلا بـ (يا)، ما هي هذه الأربعة؟ لفظ الجلالة: الله .. المُستغاث. (أي). (أيها) المؤمنون. (أيتها) المسلمات. لم يسمع نداؤها (أي) و (أيتها) إلا بـ (يا) فيَتَعيَّن معها، ولذلك أُمَّ الباب دائماً يُتَصَرَّفُ فيه ما لا يُتصَرَّفُ في غيره. إذاً نقول: الحروف التي ذكرها الناظم هنا كم؟ خمسة للبعيد، (وَالهَمْزُ لِلدَّانِي) هذه السادسة، و (وَا) هذه سبعة أحرف، و (آي) بالمد هذه ثمانية، إذاً: للنداء ثمانية أحرف جاءت في لسان العرب على التفصيل الذي ذكرناه. ونقول هنا تلخيصاً لما سبق: (يا) هي أم الباب وهي أعم حروف النداء، ولا يُقَدَّرُ عند الحذف غيرها، واختُلِفَ فيما يُنادى بها، فقال ابن مالك: " هي للبعيد حقيقةً أو حكماً كالنائم والساهي " وهذا الذي ذكره في الألفية، وقال أبو حيان: " هي أعم الحروف وتُستعملُ للقريب والبعيد مطلقاً " وهذا لم يُنَازِع فيها أيضاً ابن مالك رحمه الله. قال ابن هشام: " (يا) حرفٌ لنداء البعيد حقيقةً أو حكماً - هذا وافق فيه ابن مالك -، وقد يُنَادى بها القريب توكيداً " وهذا قلنا: ليس خاص بـ (يا) كل ما كان للبعيد يجوز أن يُنَادى به القريب فيكون الزيادة على القرب توكيدٌ له، من غير عكس، يعني: ما كان للبعيد لا يُنَادى به القريب إلا على جهة التنزيل، وقد يُنَادى بها القريب توكيداً وقيل: هي مشتركة بين القريب والبعيد، وقيل: بينهما وبين المتوسط، هذه كلها متداخلة .. الخلاف هنا لفظي وليس حقيقي؛ لأن (يا) تُستعملُ في الجميع: البعيد والقريب والمتوسط.

و (أَيْ) بفتحٍ وسكون قال المُبَرِّد: " هي لنداء القريب كالهمزة المفردة "، وقال ابن مالك: " هي لنداء البعيد كـ (يا) وقيل للمتوسط "، وهذا قول ابن برهان وهو أولى: أن يُجعل للمنادى ثلاث مراتب: بعيد ومتوسط وقريب، و (أيا) عند جمهور النحاة: لنداء البعيد، وهذا أعَدَّه ابن مالك هنا للبعيد، وفي الصحاح: أنها لنداء القريب والبعيد، قال في المغني: " وليس الأمر كذلك ". وَلِلمُنَادَى النَّاءِ أَوْ كَالنَّاءِ يَا ... وَأَيْ وَآ كَذَا أَيَا ثُمَّ هَيَا وَالهَمْزُ لِلدَّانِي وَ"وَا" لِمَنْ نُدِبْ ... أَوْ يَا وَغَيرُ وَا لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ إذاً نقول: النداء حقيقةً: هو طلب الإقبال بحرفٍ نائبٍ مناب أدعو، وهو واحدٌ من هذه الأحرف الثمانية، ولا يجوز أن يُدعى أحدٌ بحرفٍ غير هذه الحروف الثمانية؛ لأن المسألة توقيفية .. مبناها على لسان العرب. ناب مناب أدعو ملفوظٍ به أو مُقَدَّر، والتقدير الغالب يكون في الهمز أو (يا) إلا إذا تَعيَّنَ (يا) حينئذٍ لا يجوز تقدير غيرها. قال بعضهم: ولا يرِد يا زيد لا تُقبل، إذا قيل: بأنه نداء يا زيد لا تُقبل، هذا نداء أو لا .. أو تعارض صدره مع عَجُزه؟ نقول: هذا نداء لأن النداء هنا إقبالٌ على الذات: يا زيد حصل النداء، ثُمَّ: لا تُقبل، هذا الخطاب موجه إلى المُنَادى: نَاديتَه أولاً: يا زيدُ أقبل .. يا زيد خذ ما معك، إذاً: عندنا نداء وعندنا نهي: يا زيدُ لا تُقبل، أيهما المُنَادى؟ زيد، إذاً: نَاديتَه أولاً يا زيدُ ثُم خاطبته، إذاً: لا اعتراض .. لا ينتقض هذا بكون النداء طلب إقبالٍ، يا زيد لا تحضر .. يا زيد لا تأت، هذا لا إشكال فيه لأنه مخالف، أمَّا: يا زيد لا تُقبل، هذا فيه إشكال، لكن نقول: المرادُ به: أن (يا) لطلب الإقبال لسماع النهي، والنهي عن الإقبال بعد التوجه، قال: يا زيد، فنظر إليه: لا تُقبل .. لا تحضر. واعتُرِضَ نيابةُ حرف النداء عن أدعو، بأن أدعو خبر والنداء إنشاء، أدعو زيداً خبر، ويا زيدُ هذا إنشاء، فكيف أُقيمَ (يا) مُقامَ (أدعو)؟ نقول: نعم، الأصل فيه أنه للإخبار لكن نُقِلَ، لماذا حُذِفَ أدعو وأُنيب (يا) مُنابه؟ نقول: لقصد الانتقال من الإخبار إلى الإنشاء فلا تعارض حينئذٍ. وأُجيب بأن (أدعو) نُقِلَ إلى الإنشاء، ثُم إنما يُنَادى المُمَيِّز، هذا يذكره بعضهم وفيه نظر .. نأت. إنما يُنَادى المُمَيِّز الذي يَعْقِل، يعني: من يَعْقِل هو الذي يُنَادى، وأمَّا من لا يعقل فلا يُنَادى، حينئذٍ: ((يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ)) [سبأ:10] قالوا: هذا ليس بنداء؛ لأنه لا يعقل. وإنما صَحَّ توجيهُ النداء تَنْزيلاً له مُنَزَّلة العاقل: ((يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ)) [هود:44] هذا ليس بنداء؛ لأنه لا يُنَادى إلا المُمَيِّز، والصواب التفصيل: أنه إن كان من الله تعالى فهو نداءٌ حقيقي، ولا مانع أن يُخاطِب الرب جل وعلا الجبال، أو الأرض، أو السماوات أياً كان من الجامدات فتسمع وتلبي الطلب، وقد تتكلم وقد تتحدث .. لا مانع من هذا، وإنما يمتنع في تصورنا نحن.

وأمَّا إذا قال شاعر: يا جبال .. يا سماء .. يا شمس .. يا أرض، من المعاني المجازية، فحينئذٍ نقول: نَزَّلَ غير العاقل مُنَزَّلةَ العاقل فخاطبه، لأن الإنسان يخاطب من .. إذا ناديت شخص: يا جدار تعال .. أقبل؟ مجنون هذا! لكن إذا خاطب من أجل معانٍ معينة في الشعر: الجبال والشمس ونحو ذلك، حينئذٍ نقول: عَامَلَ هذه الجمادات معاملة من يعقل، وأمَّا الرب جل وعلا فلا ندخل كل مسائل تأتي في النحو أو في غيرها لا بُدَّ من تعاريف عامة ونحو ذلك لا، نُجِّلُه عن مثل هذه المسائل نقول: لا، ((يَا جِبَالُ)) [سبأ:10] حقيقةً، ((يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ)) [هود:44] حقيقةً، ولا نقول: هذا مجاز. وإنما يُنَادى المُمَيِّز، فأمَّا نحو: ((يَا جِبَالُ)) [سبأ:10] و ((يَا أَرْضُ)) [هود:44] فقيل: إنه من باب المجاز، وهذا غلط ليس من باب المجاز بل هو حقيقةً، وأمَّا في شأن البشر فلا إشكال أن يُقال بأنه مجاز. ثُمَّ قال رحمه الله: وَغَيرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا ... جَا مُسْتَغَاثَاً قَدْ يُعَرَّى فَاعْلَمَا وَذَاكَ فِي اسْمِ الجِنْسِ وَالمُشَارِ لَهْ ... قَلَّ وَمَنْ يَمْنَعْهُ فَانْصُرْ عَاذِلَهْ وَغَيرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا ... جَا مُسْتَغَاثَاً قَدْ يُعَرَّى .. يُعَرَّى يعني: يُجَرَّد من حروف النداء لفظاً، يعني: يجوز حذف حرف النداء، وهذا له ثلاثة أقسام .. مُنَادى، على ثلاثة أقسام: القسم الأول: قسمٌ يمتنع معه حذف حرف النداء، لا يجوز أن يُحذفَ البتة. وقسمٌ يجوز على قلةٍ .. يقل. وقسمٌ يجوز. إذاً: هل يجوز حذف حرف النداء ويُقال: مُنَادى كما هو؟ نقول: هذا فيه تفصيل، لأن المُنَادى باعتبار حذف حرف النداء وعدمه ثلاثة أقسام: قسمٌ يمتنع أن يُحذف معه حرفُ النداء .. ممنوع لا يجوز. وقسمٌ يجوز على قلةٍ يقل. وقسمٌ: جائزٌ مطلقاً. أشار إلى الأول: الذي هو يمتنع معه الحذف، وما يجوز بقوله: (وَغَيرُ مَنْدُوبٍ)، إذاً: هذين البيتين أشار بهما إلى ما يمتنع وما يجوز .. البيت الأول. (وغَيرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا ... جَا مُسْتَغَاثَاً) هذه الثلاث المذكورات: المندوب، والضمير، والمُستغاث إذا نُوديت يمتنع حذف حرف النداء معها، غيرها يجوزُ، غير المذكور، إذاً دَلَّ على القسم الأول بالمنطوق أو بالمفهوم؟ ما يمتنع حذف حرف النداء معه، أشار إليه بقوله: (وَغَيرُ مَنْدُوبٍ) هل هو بالمنطوق أو بالمفهوم؟ بالمفهوم. وأمَّا ما يجوز مُطلقاً فدَلَّ عليه بالمنطوق: (وَغَيرُ مَنْدُوبٍ قَدْ يُعَرَّى)، قد: هنا للتقليل، (يُعَرَّى) يعني: يُجَرَّد، يُعَرَّى من حرفٍ، أو من أحرف النداء لفظاً، (غَيرُ) مبتدأ وهو مضاف، و (مَنْدُوبٍ) مضافٌ إليه، (وَمُضْمَرٍ) معطوفٌ على مندوب. (وَمَا جَا) إمَّا بالقصر ضرورةً وإمَّا لغة، لأنه يقال: جَا يَجِي وجاءَ يَجِيءُ، جَا يَجِي بدون همز، وجاءَ يَجِيءُ، هنا نقول: لغة، وإن كان أكثر الشُرَّاح على أنه قصره للضرورة.

(مُسْتَغَاثَاً) هذا حال من فاعل جَا، (مَا جَا مُسْتَغَاثَاً) والذي (ما) هنا معطوف على قوله: (مَنْدُوبٍ)، و (جَا) هذه صلة الموصول، والفاعل ضمير مستتر يعودُ على غير، (مُسْتَغَاثَاً) هذا حالٌ من فاعل (جَا)، (قَدْ يُعَرَّى) الجملة في محل رفع خبر المبتدأ (غَيرُ)، (قَدْ يُعَرَّى) يعني: قد يُجَرَّدُ من حروف النداء لفظاً، (فاعْلَمَا) الفاء هذه عاطفة، (اعْلمَا .. اعْلمن) الألف هذه هي نون التوكيد الخفيفة مُنْقَلبة ألفاً، فاعْلمن .. فاعْلمَا تَمَّمَ به البيت. وإن لزم عليه حذف النائب والمنوب عنه، لأنه إذا قيل: ((يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)) [يوسف:29] يوسف: حينئذٍ نحن أنبنا (يا) مناب أدعو، فحُذِفَ المُناب عنه: أدعو، وأُقيمَ (يا) مُنابه، حذفنا النائب كذلك، إذاً: لزِمَ على القول بتجويزِ حذف حرف النداء أن يُحذفَ النائب وما أُنيبَ عنه ولا بأس، لماذا؟ لأن القرينة واضحة بينة على أن المراد نِداء ((يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)) [يوسف:29] ((رَبَّنَا آتِنَا)) [البقرة:200] نقول: ربنا حُذِفت (يا) كيف يُحذَف وهي عوض؟ نقول: نعم، يُحْذَف لقوة الدلالة على أن المراد هنا: النداء. إذاً: يمتنع حذف حرف النداء مع هذه الثلاثة التي ذُكِرَت وهي: المندوب، والضمير، والمستغاث، المستغاث سيأتينا باب مستقل .. ثلاثة أبيات في محله إن شاء الله تعالى. وقوله: (مُضْمَرٍ) ظاهره أنه يجوزُ نداء كلُ مُضْمَر سواءٌ كان مُتَكَلم: يا أنا، أو يا أنت، أو يا هو مطلقاً، ظاهره: أنه يجوز نِداءُ كل ضمير، سواءٌ كان لمتكلمٍ: يا أنا، أو يا أنت، أو يا هو، والصحيح منعه مطلقاً، والخلاف في ضمير المخاطب فقط، أمَّا ضمير المُتَكلِّم والغائب فندائهما ممنوعٌ اتفاقاً: يا هو .. يا أنت .. ، يا هو: هذا ضمير غائب .. يا أنت: مخاطب .. يا أنا: هذا مُتَكَلم، الخلاف واقع في ضمير المُخاطَب فحسب: يا أنت، هل هو جائز أم لا؟ أمَّا: يا هو، نقول: هذا ممتنع اتفاقاً، ويا أنا: هذا ممتنعٌ اتفاقاً. إذاً قوله: (وَمُضْمَرٍ) نُنَكِّت عليه بأن ظَاهره: أنه يجوز مطلقاً، إلا إذا صَحَّ أن الناظم يرى الجواز مُطلقاً، والصحيح: منعه مُطلقاً. وثالثها التفصيل: وهو جوازه في الشعر خَاصَّةً، والخلاف في ضمير المُخاطَب فقط، أمَّا ضمير المُتَكلِّم والغائب فندائهما ممنوعٌ اتفاقاً. وشذَ إيَّاكَ قَدْ كَفَيْتُكَ .. (إيَّاكَ قَدْ كَفَيْتُكَ) يا إيَّاكَ قَدْ كَفَيْتُكَ، (يا) حرفُ نِداء و (إِيَّاكَ) هذا ضمير مُنْفَصل وهو ضمير نصبٍ، قَدْ كَفَيْتُكَ، هذا شاذٌ يُحفظُ ولا يُقاس عليه. وَغَيرُ مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا ... جَا مُسْتَغَاثَاً قَدْ يُعَرَّى فَاعْلَمَا أمَّا امتناع حذف (يا) مع المندوب والمستغاث قيل: لأن المستغاث والمندوب يُطلبُ فيهما مَدُّ الصوت، والحذف ينافيه، ولتفويت الدلالة على النداء مع الضمير، إذ هو دالٌ بالوضع على الخطاب، إذاً: يمتنع حذف حرف النداء مع المندوب والمستغاث؛ لأن المستغاث والمندوب يُطلبُ فيهما مَدُّ الصوت، وهذا لا يمكن أن يوجد مع الحذف.

وأمَّا الضمير فيمتنع حذف (يا) إذا قيل: بأنه يجوزٌ إدخال (يا) على المناداة .. ضمير المخاطب، نقول: لتفويت الدلالة على النِداءِ مع الضمير، وعَدَّ في التسهيل من هذا النوع لفظ الجلالة: الله، يعني: مما لا يجوز حذف حرف النداء معه المندوب، والمضمر، والمستغاث، ولفظ الجلالة: الله، فيقال: يا الله ولا يقال: الله بناءً على حذف (يا) النداء، والمُتعجب منه كذلك، وأمَّا في لفظ الجلالة يمتنع؛ لأن نداءه على خلاف الأصل لوجود (أل). قاعدة في المُنَادى: أن لا يكون المُنَادى مُحلىً بـ (أل) يا الرجل هذا ممتنع .. يا المؤمن هذا ممتنع، لا بُدَّ أن يكون ثَمَّ وُصْلة بين (يا) النداء والمُنَادى، حينئذٍ نقول الأصلُ: المنع. لأن نداءه على خلاف الأصل لوجود (أل) فيه، فلو حُذِفَ حرف النداء لم يدل عليه دليل، بخلاف ((يُوسُفُ أَعْرِضْ)) [يوسف:29] (يا) يُوسُفُ، أمَّا: اللهُ حينئذٍ نقول: إذا حُذِفَ (يا) الأصل في المحلى بـ (أل) أنه لا تدخُل عليه (يا) النداء، حينئذٍ كيف يُفهم حذفُ (يا) النداء؟ ولذلك امتنع. والمُتَعجب منه؛ لأنه كالمستغاث لفظاً وحكماً، إذاً: زادوا هذين الاثنين مع الثلاثة فصارت خمسة: المندوب، والمُضمر، والمستغاث، ولفظ الجلالة: الله، والمتعجب منه؛ لأنه كالمستغاث كما سيأتي في محله. وعَدَّ في التوضيح المُنَادى البعيد .. سادساً: المُنَادى البعيد؛ لأن مَدَّ الصوت معه مطلوبٌ ليسمع فيُجيب، والحذف ينافيه: يا زيد .. بعيد هو، فإذا حُذِفت (يا) النداء حينئذٍ نقول: هو ما جِيءَ بحرف النداء إلا من أجل إبلاغ الصوت ليسمع، حينئذٍ إذا حُذِفَ كيف يسمع؟ قال: هذا يمتنع فيه، إذا كان بعيداً المُنَادى يمتنع حذف حرف النداء، إذاً هذه ستة مما يمتنع فيها حذف النداء. (وَذَاكَ فِي اسْمِ الجِنْسِ وَالمُشَارِ لَهْ قَلَّ)، (وَذَاكَ) أي: التَعَرِّي من الحروف .. المشار إليه: التَعَرَّي (قَدْ يُعَرَّى)، إذاً: أشار إلى المصدر: (قَدْ يُعَرَّى). (وَذَاكَ) أي: التَعَرِّي من الحروف (فِي اسْمِ الجِنْسِ قَلَّ)، (قَلَّ) فِي اسْمِ الجِنْسِ، (ذَاكَ) مبتدأ، وجملة قَلَّ في محل رفع خبر، و (فِي اسْمِ الجِنْسِ) مُتَعلِّق بـ: (قَلَّ)، والمراد باسْمِ الجِنْسِ: النكرة. (وَالمُشَارِ لَهْ) في اسْمِ الجِنْسِ قلنا المراد به: النكرة، لكن يُقَيَّد المُعَيَّن، النكرة سيأتي: نكرة مقصودة، ونكرة غير مقصودة، هنا المراد باسْمِ الجِنْسِ: النكرة المقصودة .. المُعَيّن: هي التي لا يجوز حذف النداء، أو أنه يجوز لكنه على قلة، فيه خلاف. (وَالمُشَارِ لَهْ) يعني: إذا كان المُنَادى اسم إشارة: يا هذا أقْبِل .. يا هذا خُذ معك كذا، حينئذٍ نقول: لو قيل هذا خُذ معك، قد لا يُفْهَم أنه مُنَادى إذا حُذِفَ حرفُ النداء، ولذلك منعَ البعض وجَوَّزَ البعض لكنه على قلةٍ.

وَذَاك للتعري من الحروف فِي اسْمِ الجِنْسِ أي: المُعَيَّن، (وَالمُشَارِ لَهْ) اسْمِ الجِنْسِ قلنا: أطلقه .. هنا اسْمِ الجِنْسِ أطلقه لم يُقَيِّده، وقَيَّده في التسهيل بالمبني للنداء، ما هو المبني للنداء .. النكرة اسْمِ الجِنْسِ متى يكونُ مبنياً للنداء؟ إذا كان نكرة مقصودة، وأمَّا ما عداه فلا. إذ هو محل الخلاف، فأمَّا اسْمُ الجِنْسِ المفرد غير المُعيّن كقول الأعمى: يا رجلاً خُذ بيدي .. (يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُهُ) فَنَصَّ في شرح الكافية: على أن الحرف يلزمه، إذاً: هذا يُجعلُ سابعاً على قول ابن مالك رحمه الله تعالى: أنه يَلزمُ يعني: لا يجوز حذف حرف النداء معه، وهو النكرة غير المقصودة: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه .. يا رَجُلاً خُذْ بِيَدي، قال: هذا نكرة غير مقصودة، فحينئذٍ يلزمه الحرف فلا يجوز حذفه. إذاً: قوله (وَذَاكَ فِي اسْمِ الجِنْسِ) لا بُدَّ من تقييده، وأن المراد به: النكرة المقصودة، وأمَّا غير المقصودة فَعَدَّها ابن مالك رحمه الله في شرح الكافية مما يلزم إبقاء حرف النداء معه ولا يجوز حذفه. (وَالمُشَارِ لَهْ) معطوف على (اسْمِ الجِنْسِ)، كذلك حذفه قليل، يعني: إذا كان المشار إليه مُنَادى حينئذٍ لا يُحذَفُ حرف النداء معه إلا على قلةٍ. اعْتُرِضَ بأن حقه أن يقول: وَالمُشَارِ به، لا المُشَارُ لَهْ، لأنه هو الذي يُشارُ به .. هذا المقصود اللفظ، والمُشَارُ له، هذا ليس هو المقصود .. ليس هو مدخول (يا). فأٌجيبَ بأن في كلامه حذف مضاف أي: ولفظ المُشارِ له من حيث إنه مُشارٌ له، وهو اسم الإشارة يعني: لا بُدَّ من لفة حتى نُسَلِّم ابن مالك رحمه الله تعالى من الوقوع فيما يوهم. أُجيبَ بأن في كلامه حذف مضاف تقديره: ولفظِ المُشَارِ لَهْ، ما هو لفظ المُشَارِ لَهْ؟ المُشَارِ لَهْ: هو الرجل نفسه، لفظ المُشَارِ لَهْ، يعني: هذا .. اللفظُ الذي أُشِيرَ به له، إذاً: والمُشَارِ لَهْ، نقول: المُشَار له هو الشخص نفسه لا حرف النداء، ونحن نتكلم عن الألفاظ: يا هذا .. ذا .. هذا لفظ، وأنت المُشار له، والآن دخولُ (يا) على ماذا .. على اللفظ أو على المُشَار إليه؟ على اللفظ لا شك. حينئذٍ لا بُدَّ من التقدير. بأن في كلامه حذف مُضاف أي: ولفظَ المُشَارِ لَهْ، من حيثُ إنه مشارٌ لَهْ وهو اسمُ الإشارة، وظاهره جواز نداء اسم الإشارةٍ مطلقاً .. كل اسم إشارة، وقَيَّده الشاطبي بغير المتصل بالخطاب: يا ذاك، هذا منعهُ الشاطبي، وظاهر كلام الناظم هنا: أنه يجوز مطلقاً. (قَلَّ) قلنا الجملة (قَلَّ) .. ما هو الذي قل؟ التَعَرِّي، لا بُدَّ من الرابط بين الجملة الخبرية مع المُبتدأ. (وَمَنْ يَمْنَعْهُ)، (وَمَنْ) هذه شرطية مبتدأ، (يَمْنَعْهُ) (يَمْنَعْ) هذا فعل الشرط مجزوم بـ (مَنْ) والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَنْ)، والضمير هنا: مفعولٌ به. (فَانْصُرْ عَاذِلَهْ) فَانْصُرْ لَائِمَهْ، يعني: الذي يلومُ من يمنع انْصُره، إذاً: ابن مالك يرى الجواز أو المنع؟ يرى الجواز؛ لأنه وقف مع مَن؟ وقف مع الذي يلومُ المانع، والذي يلومُ المانع مُجَوِّز لا مانع؛ لأنه لام المانع فدل على أنه يُجَوِّز.

(وَمَنْ يَمْنَعْهُ) فيهما، يعني: (فِي اسْمِ الجِنْسِ وَالمُشَارِ لَهْ)؛ لأن بعض النحاة ألحقوا اسْم الجِنْسِ، واسْمِ الإشارة بالمندوب، والمُضمر، والمُستغاث، بأنه لا يجوزُ حذفُ حرف النداء البتة منها، فهي خمسة حينئذٍ بإدخال اسْمِ الجِنْسِ وَالمُشَارِ لَهْ، لكن بعضهم: يرى الجواز، ونصره ابن مالك. وَمَنْ يَمْنَعْهُ فيهما أصلاً، (فَانْصُرْ عَاذِلَهْ) يعني: لائِمَهُ على ذلك. والمنع مذهب البصريين، والجواز مذهب الكوفيين، من يمنع هم البصريون، يمنعون ماذا؟ يمنعون حذف حرف النداء مع اسْمِ الجِنْس .. النكرة المقصودة، ويمنعون حذف حرف النداء مع اسم الإشارة، فلا يجوز عندهم مطلقاً بلا استثناء، وجَوَّزَه الكوفيون بناءً على وروده في السمع مطلقاً، لكنه على قلة، وابن مالك وافق الكوفيين، والصواب: هو مذهب الكوفيين لوروده؛ لأنه ورد في السماع. قال الشارح هنا: لا يجوز حذف حرف النداء مع المندوب، نحو: وازيداه، ولا مع الضمير نحو: يا إياك قد كَفيتُكَ .. كُفِتُكَ يُقرأ بالوجهين، ولا مع المستغاث نحو: يا لزيدٍِ، هذه الثلاثة نَصَّ عليها ابن مالك هنا بالمفهوم: بأنه لا يجوز حذف حرف النِداء معها، وزدنا عليها أربعة، وأمَّا غير هذه، ما هو؟ غير هذه المذكورات فهو جائزٌ. حينئذٍ ذَكَرَ الأقسام الثلاثة كلها، ما يمتنع حذف حرف النداء معه، ذَكَرَ ثلاثة منها، بالمنطوق يجوز إذا لم يكن واحداً من هذه الثلاثة، ما يجوز مع قِلَّةٍ أشار إليه بالبيت الثاني: (وَذَاكَ فِي اسْمِ الجِنْسِ وَالمُشَارِ لَهْ قَلَّ) فهو قليل، إذاً: البيت الأول تَضَمَّن قسمين: الممتنع، والجائز مطلقاً، ثُم قيَّدَ الجواز مطلقاً بقوله: (وَذَاكَ فِي اسْمِ الجِنْسِ وَالمُشَارِ لَهْ) لأن قوله: (وَغَيرُ مَنْدُوبٍ) وما عُطِفَ عليه قد يُعَرَّى، قد يُفهم منه أنه يجوز فيه مُطلقاً، ودخلَ فيه اسمُ الجنس واسم الإشارة، بأنه مطلقاً يستوي فيه الحذفُ وعدمه، ولمَّا كان الحذف قليلاً في اسمِ الجنسِ، واسمُ الإشارة قَيَّده هنا وهو القسم الثاني. قال هنا: " وأمَّا غير هذه فيُحذَفُ معها الحرف جوازاً "، حينئذٍ الحذف يكون في غير الخمسة، فيما إذا كان علماً: يا زيدُ أَقبل .. زيد أقبل، يجوزُ فيه الوجهان، يا زيد أقبل هنا علم، ليس واحداً من هذه الأمور الخمسة التي عناها الناظم ((يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)) [يوسف:29]. وقد يكون مُضافاً: يا غُلامَ زيدٍ أقبل .. غلام زيدٍ أقبل، ((أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ)) [الدخان:18] يا عباد الله حُذِفَ لكونه مُضافاً. وكذلكَ الموصول: "مَنْ لاَ يَزَالُ مُحسِناً أَحْسَنْ إليَّ، يعني: يا من لا يزال محسناً. وكذلك: المُطَوَّل الذي هو الشبيه بالمضاف: طالعاً جبلاً أقبل. و (أي) أيها المؤمنون، حينئذٍ هذه كلها مما يجوزُ فيه بكثرة، ليس مما نَصَّ عليه بكونه قليلاً، القليل في اثنين فقط: اسْمِ الجِنْسِ، وَالمُشَارِ إليه، وما عدا هذا حينئذٍ يدخل فيه العلم، ويدخل فيه المُضاف، والموصول، والمُطَوَّل، و (أي) هذه كلها كثيرٌ فيها حذف حرف النداء.

وأمَّا غير هذه فيُحذفُ معها الحرف جوازاً لا مع قِلَّةٍ، فتقول: يا زيد أقبل .. زيد أقبل، يا عبد الله اركب .. عبد الله اركب إلى آخره، لكن الحذف مع اسم الإشارة قليل .. (قَلَّ)، وكذا مع اسْمِ الجِنْسِ حتى إن أكثر النحويين منعوا، وهو مذهب البصريين، ولكن أجازه طائفةٌ منهم وتبعهم المصنف، ولهذا قال: (وَمَنْ يَمْنَعْه فَانْصُرْ عَاذِلَهْ) انْصُرْ عَاذِلَهْ، يعني: انْصُرْ من يعذله على من منعه لورود السماعِ به، فمِمَّا ورد منه مع اسم الإشارة قوله تعالى: ((ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ)) [البقرة:85] وسطه بماذا؟ ((هَؤُلاءِ)) [البقرة:85] ثم أنتم يا هؤلاء تقتلون أنفسكم. وقولُ الشاعر: ذَا ارْعِوَاءً البيت يعني: يا ذا، (ذا) هذا اسم إشارة وهو مُنَادى، ومما ورد منه مع اسم الجِنْس قولهم: أَصبِح ليلُ يعني: يا ليلُ .. أَصبِح يا ليلُ، حُذِفت (يا) قيل: أَصبِح ليلُ، ومنه: ثوبي حجر .. ثوبي يا حجر، وأطرِقْ كَرَا، أصله: يا كروان ثُم رُخِّم، أطرِقْ كَرَا .. يا كرا إن النَّعَامَ في القَرَى، وهذا مثلٌ يُضربُ لمن تَكَبَّر وقد تواضع من هو أشرف منه هكذا قيل، أي: اخفِض يا كرى عُنُقَكَ للصيد .. حيوان، فإن من هو أكبر وأطول منك عُنقاً وهو النعامُ قد صِيدَ، إذاً: قيل: يا كَرَا .. يا كَرَوان هذا الأصل .. فجاز. وكلاهما عند الكوفيين مَقيسٌ مُطَّرِد الذي هو: حذف (يا) النداء، أو حرف النداء مع اسم الإشارة واسْمَ الجِنْس، مُطِّرِد عند الكوفيين قياساً مُطَّرِداً، ومذهبُ البصريين المنعُ فيهما، وحُمِلَ ما وَردَ على شذوذٍ أو ضرورة، كل ما ورد إمَّا شاذ وإمَّا ضرورة. ولذلك لحنوا المتنبي: (هَذِي بَرَزْتِ لَنا فَهِجْتِ رَسيسَا .. ) هذي، يعني: يا هذه لحَّنُوا المتنبي، والبصريون عندهم قوة في تلحين الشعراء. إذاً نقول: يجوز حذُفُ حرف النداء إلا فيما منعه الناظم بقوله: (مَنْدُوبٍ وَمُضْمَرٍ وَمَا جَا مُسْتَغَاثَاً). هنا قال: " الحاصل أن الحرف يَلْزَم في سبعة مواضع: المندوب، والمستغاث، والمُتعجبُ منه، والمُنَادى البعيد، والمُضمر، ولفظ الجلالة، واسمُ الجنسِ غير المُعيَّن، وفي اسم الإشارة واسم الجنس المُعيَّن خلافٌ كما عرفته" فمنعُ البصريين مشهور، وكذلك جواز الكوفيين. أمَّا حذف المُنَادى وإبقاء حرفِ النداء .. العكس، حذف المُنَادى وإبقاءُ حرف النِداء يعني: تَحذف زيد وتبقي الحرف، المسألة السابقة في حذف حرف النداء وإبقاء المُنَادى، هنا العكس. وأمَّا حَذفُ المُنَادى وإبقاء حرف النداء فهذا خَاصٌ الخلافُ الوارد فيه في (يا) فقط، وأمَّا ما عداه فلا يجوز .. لا يجوز أن يُحذف المُنَادى ويبقى حرفُ النداء، وأمَّا الخلاف الوارد فهو في (يا) على جهة الخصوص. فذهب ابن مالك إلى جوازه، لكن بشرط: أن يكون قبل الأمر والدعاء: ألا يا اسجدوا .. ألا يا هؤلاء اسجدوا، حُذِفَ المُنَادى وبقي (يا) على قول. أَلاَ يا اسْلَمي يَا دارَ مَيَّ عَلى الْبَلى ..

يا اسْلَمي: هذا دعاء، (يا) وقلنا: (يا) لا تدخل إلا على الأسماء، إذاً: يا هؤلاء مثلاً، أو يا قومِ، أو يا هذه، نقول: هنا حُذِفَ المُنَادى وبقي حرف النداء، وهو مقيسٌ عند ابن مالك رحمه الله، فيما إذا تلاه -يعني: حرف النداء- أمرٌ أو دعاءٌ، وما عداه فهو على الأصل من المنع. وذهب أبو حيَّان إلى منعه مُطلقاً ولو كان بعد الأمر والدعاء. وعَلَّلَه: بأن الجمع بين حذف فعل النداء وحذف المُنَادى إجحافٌ، ولم يرد بذلك سماعٌ عن العرب. و (يا) في الشواهد التي استدل بها ابن مالك وغيره للتنبيه، ليست حرفَ نداء وإنما هي للتنبيه، وهذا مضى معنا في أول الباب. كـ (هي) قبل (ليت)، و (رُبَّ) و (حبذا)، هذا يكاد يكون محل وفاق: أن (يا) إذا كانت تاليةً لها (ليت) ((يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ)) [يس:26] يا حبذا، سبق معنا أن (حبذا) هذه تدخل عليها (يا)، كذلك: يا رُبَّت ما، دخلت (يا) على رُبَّ، حينئذٍ نقول: هذه حرف تنبيه وليست بحرف نداء، وهذا التعليل واضح بيِّن، أمَّا: (أَلاَ يا اسْلَمي) نقول: لو جُعِلتَ (يا) حرف تنبيه، و (ألاَ) حرف تنبيه للزِمَ دخول حرف تنبيهٍ على حرف تنبيه، حينئذٍ لا بُدَّ أن نقول: بأن (يا) هنا حرف نداء على الأصل، والمُنَادى محذوف، وما أجاب به أبو حيَّان فهو فيه نظر. ثُمَّ قال رحمه الله: وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا هذا شروعٌ في حكم المُنَادى نفسه، انتهينا من النِداء .. تعريفه، وانتهينا من حروف النِداء، وما يجوزُ حذفه وما لا يجوزُ، واستعمالاته ونحو ذلك. الآن دخولٌ في المُنَادى نفسه، المُنَادى: إمَّا أن يكون مبنياً، وإمَّا أن يكون مُعْرَباً، وإن شئت قل: إمَّا أن يكون مرفوعاً، وإمَّا أن يكون منصوباً، متى يكون مبنياً، ومتى يكون معرباً على النصب؟ قال: (وَابْنِ) أمر. وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا (ابْنِ) هذا فعل أمر مبنيٌ على حذف حرف العلة وهو (الياء) بنا يبني ابْنِ، إذاً: يبني ابْنِ، إذاً: حذف حرف العلة وهو (الياء). (وَابْنِ) والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت و (المُعَرَّفَ) مفعولٌ به، و (المُنَادَى) هذا بدل أو عطف بيان، (المُفْرَدَا) الألف هذه للإطلاق، والمفردَا: نعتٌ للمُنَادى، ابْنِ عَلَى الَّذِي .. إذاً: عَلَى الَّذِي: جار مجرور مُتَعلِّق بقوله: (ابْنِ). (قَدْ عُهِدَا فِي رَفْعِهِ)، (في رفعه) مُتَعلِّق بقوله: (عُهِدَا) والألف للإطلاق في عُهِدَا وهو مُغَيَّر الصيغة، و (قَدْ)، وجملة: (قَدْ عُهِدَا) من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، إذاً: هكذا البيت: وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا (عَلَى الَّذِي قَدْ عُهِدَا فِي رَفْعِهِ)، وسيأتي تأويل: (رَفْعِهِ).

المُنَادى إمَّا أن يكون مفرداً أو لا، والمراد بقولنا أو لا: إمَّا أن يكون مضافاً أو شبيهاً بالمضاف، الكلام في أحكام المُنَادى من حيث التقسيم الكلي، كالكلام في أحكام اسم (لا)، إمَّا أن يكون مفرداً، وإمَّا أن يكون مضافاً، وإمَّا أن يكون شبيهاً بالمضاف، المفرد في باب (لا) ما هو؟ ما ليس مضافاً ولا شبيهاً بالمضاف، المضاف ما هو؟ هو المضاف: غلامُ زيدٍ .. صاحبَ علمٍ، وإن شئت قل: كل اسمين نُزِّلا ثانيهما مُنَزَّلةَ التنوين مما قبله لا إشكال: كغلام .. غلام زيد .. صاحب علمٍ. والشبيهُ بالمضاف المَمْطُول والمُطَوَّل ما ضابطهُ في باب (لا)؟ ما اتصل به شيءٌ من تمام معناه، يعني: عامل، اسم فاعل، أو صفة مشبهة، أو اسم مفعول عَمِلَ فيما بعده إمَّا نصباً: يا طالعاً جبلاً، وإمَّا رفعاً: حَسَناً وجُهه، وإمَّا خفضاً: ماراً بزيدٍ، حينئذٍ: اتصل به شيءٌ من تمام معناه، وسبق أن المعمول يُتممُ معنى العامل، وهذا تعريف يوضح لك العلاقة بين العامل والمعمول. هذه العلاقة عند الطلاب ملتبسة، ولذلك يظهر أثرها .. عدم وضوحها في الذهن عند المُتَعلِّقات .. الجار والمجرور ونحو ذلك، حينئذٍ نقول: ما اتصل به، يعني: بنفس المضاف، شيءٌ من تمام معناه: يا طالعاً جبلاً .. تمَّمهُ، يا حسناً وجهه .. رأسه .. يده، يحتمل هذا، فإذا قلت: وجهه .. يا حسناً وجهه عرفت أن: وجهُهُ هذا مُتممٌ لسابقه. إذاً: إمَّا أن يكون مفرداً، وإمَّا أن يكون مضافاً، وإمَّا أن يكون شبيهاً بالمضاف، المفرد هناك في باب (لا) وكذلك المُضَاف والشبيه بالمُضَاف هو نفس التقسيم في باب النداء، فالبابُ واحد، حينئذٍ دخل في المفرد في باب (لا) وفي باب النداء، دخل ماذا؟ المُفرد في باب الإعراب، كزيد سواءٌ أُعرِبَ بحركة أو أُعرِبَ بحرف كأب وأخ ونحو ذلك. ودخل فيه المثنى، ودخل فيه الجمع، ودخل فيه المركب المزجي، لأنه ليس بمضاف ومضاف إليه، عندنا مضاف وهذا خاص، ودخل فيه المركب العددي، إذاً: هذه كلها تدخل تحت قولنا: المُفرد .. (وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا) كزيد، وأخ .. بإرجاع الواو، وزيدان، ورجلان، ورجيلون، وهنود ونحو ذلك فكلها داخلة، وأحد عشر ومعدي كَرِب، كلها داخلة في قولنا: (المُفْرَدَا). (وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا) إذاً: إذا كان المُنَادى مفرداً، وكان واحداً مما ذُكِر حينئذٍ حكمه: أنه مبني، وستأتي العلة لماذا بُني، يُبنى على ماذا؟ قالوا: يُبنى على ما يُرفعُ به لو كان مُعْرباً، فتقول: يا زيد، زيد هذا مُبنيٌ على الضم، لماذا اخترت الضم؟ لأنه لو أُعربَ رفعاً لرفعته بالضمة، فتقول: جاء زيدُ، إذاً: لو أُعربَ رفعاً لرُفِعَ بالضمة، تقول: جاءَ الزيدان .. يا زيدانِ، هذا زيدانِ مُنَادى مبنيٌ على الألف، لماذا بُني على الألف؟ لأنه لو رُفِعَ في حالة الإعراب لرُفِعَ بالألف، فتقول: جاءَ الزيدانِ، كذلك تقول: يا زيدون .. يا مسلمون، فتبنيه على الواو تقول: مُنَادى مبنيٌ على الواوِ، لماذا بُنيَ على الواو؟ لأنه لو رُفِعَ في حالة إعرابه لرُفِعَ بالواوِ وهكذا.

إذاً قوله: (وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا) المُنَادَى هذا قالوا: ليس بقيدٍ بل بيان، وأخَّره عن قوله: (المُعَرَّفَ) ضرورة، يعني: الأصل أن يقول: وَابْنِ المُنَادَى المُعَرَّفَ هذا الأصل، وإنما أخرهُ من باب الضرورة، هل هو للاحتراز أو لبيان الواقع .. هل احترز به عن شيء مُعرَّف وليس بمُنَادى .. هل احترز به، أم أنه لبيان الواقع؟ نقول: لبيانِ الواقع؛ لأن الكلام الآن في أحكام المُنَادى، إذاً: لا يدخل غير المُنَادى، منذ أن قال: النِداءُ، علمنا أن كل ما يُذْكَر فهو داخلٌ في النداء. ولذلك نَرُدُّ اعتراض ابن عقيل هناك: (وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الْفَائِدَهْ) معَ المُبتدأ .. هكذا قال، لا بُدَّ أن يقول الناظم: مع المبتدأ، وإلا صار مُنتَقداً، نقول: لا، هذا مع المبتدأ قاله معنىً، بقوله: الابتداء، لمَّا قال: الابتداء، علمنا أن الأحكام التالية كلها تتعلق بالمُبتدأ والخبر فلا اعتراض، إذاً: المُنَادى هنا ليس بقيدٍ بل بيان. وأخَّره عن قوله: المُعرَّف ضرورةً، والأصل أن يقول: وَابْنِ المُنَادَى المُعَرَّفَا، ولذلك إعرابه: بدل أحسن. (المُفْرَدَا) والمرادُ بالمفرد هنا: هو المفرد في باب (لا)، فدخل في ذلك المركب المزجي، والعددي، والمثنى، والمجموع، وهو معرفة، حينئذٍ كيف نقول: معرفة؟ يا زيدان هل هو معرفة أو نكرة .. ويا زيدون هل هو معرفة أو نكرة .. زيدان لوحدها معرفة أو نكرة .. زيدان هكذا دون (أل) معرفة أو نكرة؟ نكرة، والزيدان؟ معرفة، مُعرَّف بماذا؟ بـ (أل)، وهو مثنى لأي شيء؟ زيد، زيد علم أو معرفة؟ معرفة. كيف يكون الأصل المفرد معرفة علم، وفرعه المثنى والجمع ليس بعلم؟ نقول: كما ذكرنا سابقاً من شرط التثنية والجمع: قصد التنكير، إذاً: نُكِّرَ أولاً ثُم ثُنِّيَ، فلما ثُنِّيَ صارَ: زيدان بدون (أل)، فأُدخلت عليه (أل) من أجل أن يُعَرَّف فيرجع إلى أصله، إذا لم تدخل عليه (أل) بقيَ على تنكيره، فحينئذٍ إذا قيل: زيدان هكذا نكرة، فإذا أدخلت عليها (يا) فقلت: يا زيدان صار نكرة مقصودة، وإذا صار نكرة مقصودة حينئذٍ صار معرفةً. إذاً: هو مُعرَّفٌ بالنداء، وليس معرفاً بأصله، وإلا فهو نكرة، زيدان نكرة، يا زيدان معرفة، والتعريف إنما حصل له بالنداء، كما أنه حصل له في قولنا: الزيدان بـ (أل)، وكذلك: يا زيدون، زيدون هذا معرفة، يا زيدون بالتركيب هكذا معرفة، لماذا؟ لأنه صار نكرة مقصودة فتَعرَّف بالنِداء. ونحو: يا زيدان ويا زيدون من النكرة المقصودة لا من العلم .. انتبه لا من العلم؛ لأن العلمية زالت، فتعريفهما حينئذٍ بالقصد والإقبال، مثل تعريف: يا رجل، وأمَّا: يا زيد، فهو معرفة قبل النداء وبعد النداء، وإنما زاده القصد والإقبال زيادة إيضاح وتعريف، خلافاً لما قال بعضهم: من أنه قد سُلِب العلمية ثم دخلت عليه (يا) فتَعرَّفَ؛ لأن النداء مُعَرِّف .. إقبال، والقصد مُعرِّف، حينئذٍ اجتمع معرفان، نقول: لا، هو الأصل معرفة وعلم، ثُمَّ بإدخال (يا) عليه وبالقصد والإقبال ازداد وضوحاً وتعريفاً.

قال الشارح هنا: " قوله: "عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ" قلنا: (فِي رَفْعِهِ) مُتَعلِّق بقوله: (عُهِدَا)، أي: في رفع نضيره، لأنه أورد اعتراض على الناظم يقول: وابْنِ، ثُمَّ يقول: في رفعه؟ فالمحكوم عليه شيء واحد، كيف يحكم عليه بابن ثُمَّ يقول: في رفعه، والبِناء والرفع متغايران .. ضدان، لا بُدَّ من تأويل قوله: (فِي رَفْعِهِ) يعني: في رفع نضيره: يا زيد .. جاء زيد نضيره: جاء زيدٌ .. يا زيدُ، زيد إذا أردت أن تبنيه فتبنيه على ما يُرفعُ به: جاء زيدٌ، زيدٌ من قولك: جاء، فهو في نضيره وهذا إلا إشكال به. أو والمُراد: رفعه في غيرِ النداء، وهذا المشهور عند النحاة، ولذلك قيل: لو كان معرباً، يعني: قبل النداء .. قبل إدخال (يا) تنظر في حاله: على أي شيءٍ تُعربه، وبماذا تُعربهُ؟ فحينئذٍ تبنيه عليه، وهذا هو المشهور، أو المُرادُ: (فِي رَفْعِهِ) يعني: في غير النداء. أو رَفْعِهِ على فرض إعرابه، فاندفع ما يقال: الرفعُ إعرابٌ فيتنافى مع قوله: (وَابْنِ)، ما عِلَّةُ البِناء هنا (وَابْنِ) .. ما عِلَّة البِناء؟ قيل: إنما بُنيَ لوقوعه موقع الكاف الاسمية في نحو: أدعوك، أدعوك هنا وقع المُنَادى موقعَ الكاف الاسمية، حينئذٍ أشبه الكاف الاسمية لفظاً ومعنىً المُشبهة للكاف الحرفية. إنما بُنيَ لوقعه موقع الكاف الاسمية في نحو: أدعوك، المشابهة لفظاً ومعنىً لكاف الخطاب الحرفية، ومماثلته لها إفراداً وتعريفاً، يعني: شابه الكاف الخطابية والاسمية في كلٍّ منهما إفراداً وتعريفاً باعتبار المُنَادى. إذاً: أشبهت الكاف الاسمية لفظاً ومعنىً كاف الخطاب الحرفية، ومماثلته لها إفراداً وتعريفاً، يعني: أشبه المُنَادى الكاف الاسمية في الإفراد والتعريف، وخَرَجَ بقولنا: مماثلته لها إفراداً وتعريفاً: المُضاف والشبيهُ بالمضاف، لأنه لم يشبه الكاف الاسمية، الكاف الاسمية بُنِيَت لكونها أشبهت الكاف الحرفية لفظاً ومعنىً، والمُنَادى وقع موقع الكاف الاسمية، فهو مماثلٌ لها في الإفراد والتعريف. خَرَجَ بقولنا: إفراداً وتعريفاً: المُضاف والشبيه بالمُضاف؛ لأنه مُعْرَب كما سيأتي ليس مبنياً؛ لأنهما لم يماثلا الكاف الاسمية إفراداً .. ليس مفرداً، وإنما هما مركب، ذاك تركيب عامل ومعمول، وهذا تركيبٌ لفظي، كل اسمين إلى آخره. لم يماثلا الكاف الاسمية إفراداً، والنكرة غير المقصودة؛ لأنها لم تماثلها تعريفاً، إذاً: علةُ البِناء مشابهة المُفرد المُعَرَّف بالكاف الاسمية في كونه وقع موقعها وأشبهها من حيث المماثلة من حيث الإفراد والتعريف. المماثلة من حيث الإفراد والتعريف، فأخرَجَ المضاف، والشبيه بالمضاف، والنكرة غير المقصودة؛ لأنها لم تماثل الكاف الاسمية. وبُنِيَ على حركة للإعلام بأنَ بناءهُ غير أصلي، هذا الأصل: وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أنْ يُسَكَّنَا ..

إذاً: إذا بُنيَ على حركة هذا دَلَّ على أن بناءه ليس أصلياً، وكانت ضمة، لماذا .. لا فتحة ولا كسرة؟ لأنه لو بُنيَ على الكسرِ لالتبس بالمُنادى المضاف إلى (ياء) المُتَكلِّم عند حذف ياءه: عبدي .. يا عبدي، حينئذٍ لو بُنيَ على الكسر لأشبه المُنَادى المُعرَّف هنا المُضاف إلى ياء المُتَكلِّم مُنَادىً وقد حُذِفت ياؤه؛ لأنه سيأتي يُقالُ: يا عبدِ، بالكسر مع حذف الياء، لو قيل: يا زيدِ حينئذٍ يحتمل أنه مضاف وحُذِفت ياؤه. لالتبس بالمُنادى المضاف إلى (ياء) المُتَكلِّم عند حذف ياءه اكتفاءً بالكسرة أو على الفتح .. لالتبس به عند حذف ألفه: عبدَا .. كَعَبْدَ عَبْدِ، عبدَا أصله: عبديَ، ثم نُقِلَت الكسرة فتحة فقُلِبَت الياءُ ألفاً فصار عبدَا، لو حُذِفت الألف التي هي نائبة عن الياء أو مُنقلبة عن الياء صار يا عبدَا، لو قيل: يا زيدَا لاحتمل أنه مضافٌ إلى (ياء) المُتَكلِّم وقُلِبت الكسرة فتحة. وأمَّا جوازُ الضَمِّ: يا عبدُ هذا محتمل .. يا زيدُ، قالوا: هذا قليل فلا يُلتفتُ إليه، بخلاف الكسر والفتح. وأمَّا جوازُ الضَمِّ عند حذف ياءه فلا يَرِد؛ لأنه قليلٌ فلا يُنظرُ إليه. وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا فتقول: يا زيدٌ، ونحو: يا مُوسى .. يا قاضيِ، قاضي .. موسى نقول: هنا مبني أو لا؟ مبني لا شك فيه، وحينئذٍ يكون البِناء على ضَمٍّ ظاهرٍ كـ: يا زيدُ، ويكون كذلك على ضمٍ مُقَدَّر يا مُوسى، إذاً ونحوِ: يا مُوسى ويا قاضيِ، فيه ضَمَّةٌ مُقدَّرة، ويا قاضيِ .. قاضٍ .. يا قاضي، أين التنوين؟ ذهب مع البِناء، بعضهم جَوَّزَ أن يكون باقياً على أصله بحذف الياء: يا قاضٍ هذا أصله، دخلت عليه (يا) حينئذٍ صار مبنياً فسُلِبَ التنوين الذي هو تنوين التمكين كما مر معنا. ويا قاضي بحذف التنوين اتفاقاً لحدوث البِناء وإثبات الياء، إذ مُوجبُ حذفها غير موجود، وما هو مُوجبُ الحذف؟ التنوين، فحُذفَ التنوين للبناء؛ لأن التنوين .. تنوين التمكين لا يُجامِع البِناء .. تنوين التمكين الذي يدل على الإعراب وتمكن الاسم في الإعراب لا يُجامع البِناء، ولذلك هناك: لا مسلماتٍ، جاز بقاء التنوين؛ لأنه ليس تنوين تمكين. إذ لا مُوجب لحذفها، وذهبَ المُبَرِّد: إلى أن الياء تُحذف: يا قاض؛ لأن النداء دخل على اسمٍ مُنوَّن محذوف الياء، فيبقى حذفها بحال وتُقدَّرُ الضَمَّة فيها، لكن هذا حُكيَ الإجماع على خلافه. قال الشارح هنا: " لا يخلوا المُنَادى من أن يكون مفرداً، أو مضافاً، أو مشبَّهاً به، فإن كان مفرداً: فإمَّا أن يكون معرفة، أو نكرة مقصودة، أو نكرة غير مقصودة "، واحد من ثلاثة: إذا كان مفرداً، إمَّا أن يكون معرفة، أو نكرة مقصودة، أو نكرة غير مقصودة، فإن كان مفرداً معرفةً أو نكرة مقصودة بُنيَ على ما كان يُرفعُ به لو كان مُعرَباً. وقوله: معرفة يعني: سواءٌ كان ذلك التعريف سابقاً على النداء، نحو: يا زيدُ، أو عارضاً فيه بسبب القصد والإقبال وهو النكرة المقصودة، يعني: التعريف في النداء نوعان:

تعريفٌ أصلي: وهو ما دخل حرف النداء عليه وهو معرفة، مثل: زيد، زيد لوحده معرفة .. عَلَم، يا زيدُ، حينئذٍ نقول: يا زيدُ، زيدُ هذا معرفة قبل النداء وبعد النداء، ولكن زادهُ النِداء إيضاحاً؛ لأنه يا زيد، زيد محتمل أولاً زيد هذا .. إلى آخره، إذا قلت: يا زيدُ .. أقبلتَ عَلَيه عيَّنتهُ .. ازداد وضوحاً. وكذلك يدخل فيه؟؟؟ كما صار التعريف له طارئاً بعد النداء، وهذا مثل: يا رجل، نكرة مقصودة، يا زيدان .. يا زيدون قلنا: هذا حصل له تعريف بعد النداء، ولذلك يُعتبرُ النداء من المعَرِّفات، بُنيَ على ما كانَ يُرفعُ به لو كان معرباً، فإن كان يُرفعُ بالضمة بُنيَ عليها، فتقول: مبنيٌ على الضم: يا زيدُ (يا) حرف نداء مبنيٌ على السكون لا محل له من الإعراب، زيدُ: مُنَادى مبنيٌ على الضم في محل نصب مفعول به، إذاً: بُنيَ على الضم لكونه لو أُعرِبَ أُعْرِب بالضمة رفعاً. ويا رجل: هذا نكرة مقصودة مبنيٌ على الضم في محل نصب، وإن كان يُرفعُ بالألف أو بالواو، بالألف في حالة المثنى، أو بالواو في حالة الجمع، فكذلك: يا زيدان ويا رجلان، ويا زيدون، ويا رُجيلون، ويكون في محل نصبٍ على المفعولية؛ لأن المُنادى مفعولٌ به في المعنى، وناصبهُ فعلٌ مضمرٌ نابت (يا) منابهُ، فأصله: يا زيد أدعو زيداً كما عرفنا، بحرفٍ ناب مناب أدعو، فأصل الكلام: أدعو زيداً، فأٌرِيدَ الإخبار أن يُنقلَ اللفظ من الإخبار إلى الإنشاء، فحُذفَ أدعو، فقيل: يا زيداً، فبُنيَ معه للعلة التي ذكرناها سابقاً. ثُمَّ نُظرَ فيه فأولى ما يُبنىَ عليه هو حالة الرفع فقيل: يا زيدُ، إذاً: (يا) نابت مناب أدعو، حينئذٍ هل صار العامل نسياً منسياً؟ الجوابُ: لا، بدليل بقاء أثره وهو النصب لكنه محلاً لا لفظاً؛ لأن زيد من حيث اللفظ مبني، ومن حيث المحل فهو مُعربَ؛ لأنكَ تقول: في محل نصب، والنصب هذا إعراب، حينئذٍ نقول: هو في محل نصب، ولذلك لو عطفت عليه أو نعته: يا زيدُ الظريفُ الظريفَ، يجوزُ فيه الوجهان: الظريفُ .. الظريفَ، الظريفَ باعتبار المحل. وناصبهُ فعلٌ مُضمرٌ نابت (يا) منابه، فأصل يا زيد: أدعو زيداً، فحُذِفَ أدعو ونابت (يا) منابه. يا زيدُ، الصحيحٌ بقاءه على تعريفه بالعلمية، وازدادَ بالنِداءِ وضوحاً، وقيل: سُلبَ تعريفه، يعني: يا زيدُ .. سُلبَ تعريفه ثم دخلت عليه (يا).

وتعرَّفَ بالنداء، وردَّه الناظم في غير هذا الكتاب بما لا يمكن سلب تعريفه كلفظ الجلالة واسمِ الإشارة، يعني إذا قيل: يا هذا، لو قيل: يا زيدُ، زيدُ: سُلِبت علميته ثُم عُرِّفِ بـ (يا) النداء، نقول: هذا محتمل؛ لأن زيد هذا يُمكن تنكيره .. قابل للتنكير، ولذلك إذا ثُنِّيَ قُصِدَ تنكيره فقبل التنكير، وكذلك إذا أُضيف: زيدٌ .. علا زيدُنا حينئذٍ نقول: هذا مُتَصوَّر فيه، لكن لفظُ الجلالة: الله، هل سُلبَ العلمية ثم دخلت عليه (يا) فردت علميته؟ هذا ما يُتصَوَّر، كذلك: هذا .. يا هذا، (ذا) اسم إشارة لا يقبل التنكير البتة، إذاً: يبطل قول من ادعى أن زيد سُلِبَ العلمية ثم رجعت بالنداء، نقول: هذا باطل بدليل أنه يُنَادى المعرفة مما لا يُمكنُ سلبُ العلمية منه البتة كلفظ الجلالة واسم الإشارة، اسم الإشارة لا يُمكن أن يُنكَّرَ. وَانْوِ انضِمَامَ مَا بَنَوا قَبْلَ النِّدَا ... وَلْيُجْرَ مُجْرَى ذِيْ بِنَاءٍ جُدِّدَا ماذا يعني؟ قلنا: المعرَّف المُنَادى يُبنى إذاً: يصير مبنياً، كان معرباً فصارَ مبنياً، طيب! لو أدخلنا (يا) على ما هو مبني في الأصل، نبني المبني .. هل يزداد بناءً، أو يبقى مبنياً وننظر في حاله من حيث البِناء .. يُبنىَ على ماذا؟ (وَانْوِ انْضِمَامَ) انْوِ، إذاً: قَدِّر، هذا دَلَّ على أنه بقي على بناءه، فلا يزول البِناء بدخول (يا) النداء عليه، فيبقى على بناءه. (وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا قَبْلَ النِّدَا)، وَانْوِ .. الكسرة دليل، ولذلك لا يجوز حذف حرف العلة إلا إذا بقي دليلٌ قبله وهو: الكسر هنا دَلَّ على أن المحذوف هو لمثل: انْوِ .. ادعُ .. اخشَ، كل حرف بقي له دليله، إذاً: هو فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهو: الياء، والكسرة دليل عليه. (انْضِمَامَ) مفعول به وهو مضاف، وما الموصولية: مضاف إليه في محل جر. ما: اسم موصول، و (بَنَوا) فعل وفاعل، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، بقي أيضاً، أين العائد؟ محذوف تقديره بنوه، (قَبْلَ) مُتَعلِّق بماذا؟ (بَنَوا قَبْلَ)، قبل: مضافُ، والنداء: مضافٌ إليه، (وَليُجْرَ) (الواو) عاطفة، (اللام) لامُ الأمر، (وَل) لام الأمر: ((ولِيُنفِقْ)) [الطلاق:7] الأصل: أن تكون مكسورة، لمَ سكنت هنا؟ فيها لغتان، طيب! ما ضابط اللغة الثانية .. المشهور الأصل: الكسر إذا جاء قبلها (واو) حينئذٍ سكنت ((ولِيُنفِقْ)) [الطلاق:7] .. ((ثُمَّ لْيَقْضُوا)) [الحج:29] إذا جاءت بعد الواو و (ثُمَّ) وقيل: والفاء، تُسَكَّن اللام، (وَليُجْرَ) فعل مضارع، مبني للمعلوم أو مُغيَّر الصيغة؟ مُغيَّر الصيغة، يُجْرَ: فعل مضارع، ما إعرابه؟ مجزوم بماذا مجزوم .. ما هو العامل؟ مجزومٌ بلام الأمر، وجَزْمهُ حذف حرف العلة، يُجْرَ، أين الفاعل؟ نائب فاعل ضمير مستتر جوازاً يعود إلى (ما) .. يُجْرَ ما، مُجْرَى: مفعول مطلق، يُجْرَ مُجْرَى، أجرَى مُجْرَى .. يَجْري مَجْرَى، إذا كان من الرباعي مُجْرَى أو يُجْرَ مُجْرَى بضم الميم، إذا كان من الثلاثي جَرى مَجرى بفتح الميم، هنا قال: مُجْرَى فدل على أن يُجْرَ هذا مُغيَّر الصيغة من الرباعي.

(وَليُجْرَ مُجْرَى ذِي)، (مُجْرَى) مضاف، و (ذِي) مضاف إليه، يعني: صاحب، (ذِي) مضاف و (بِنَاءٍ) مضاف إليه، و (جُدِّدَا) هذا مُغيَّر الصيغة، والألف: للإطلاق. (وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا قَبْلَ النِّدَا)، (انْوِ انْضِمَامَ) عَرفْنَا أن المُنَادى المعرَّف المُفرد يكون مبنياً، حينئذٍ لا إشكال فيما إذا كان معرباً ثُم بُنيَ، أنه يُبنىَ على ضَمٍّ ظاهر، لكن إذا كان قبل النداء هو مبني، قال: (انْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا) يعني: مَا بَنَوه قبل النداء مثل: سيبويه، سيبويه: هذا مركبٌ مزجي مختوم بـ: (ويه) مبني قبل النداء، فإذا قلت: يا سيبويه تبقيه على حاله من حيث اللفظ، وتَنوي انْضِمَامَ آخره، حينئذٍ تقول: سيبويه مُنادى مفرد، ولذلك قلنا في المفرد: دخل المركب المزجي، ومنه: سيبويه ومعدِكرب، فتقول: يا سيبويه (يا) حرف نداء، وسيبويهِ: مُنادى مبني على ضمٍّ مُقدَّر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة البِناء السابق، هذا وجهٌ في الإعراب. (وَانْوِ انْضِمَامَ) كـ: (سيبويه) و (حذامي) في لغة الحجاز، وخمسة عشر .. يا خمسةَ عشر، لو سميت رجل: يا خمسة عشر، حينئذٍ خمسة عشر يكون مبنياً، وحينئذٍ البِناء لا يمكن أن يكون له محلان هنا؛ لأنه ليس مُعْرَباً، إنما المحل يكون باعتبار النصب، وأمَّا البِناء التي هي الضَمَّة حينئذٍ تُقدَّرُ على آخره، منع من اشتغالها حركة البِناء السابق. وخمسة عشر فتقول: يا سيبويه، يَظهرُ البِناء ونيةُ البِناء تظهرُ في النعت، تقول: يا سيبويهِ العالمُ .. العالمَ .. العالمَ لا إشكال أنه جاء من حيث إتباعهُ للمحل؛ لأن سيبويه في محل نصب. طيب! بقي ماذا؟ العالمُ .. يا سيبويه العالمُ، العالمُ: نعت لسيبويه، من أين جاءت هذه الضمة؟ نقول: هذه ضمة تابع المُنَادى، لأن التابع يجوز أن يُتبعَ بالضَمِّ إتباع ما قبلهُ: يا زيدُ الظريف، الظريف هنا بالضم بناءً على حركة البِناء، يا سيبويه العالمُ، دَلَّ على أن ثَم ضمة منوية في سيبويه. فتقول: يا سيبويه العالمُ، برفع العالم ونصبه .. العالمُ .. العالمَ، كما تفعل في تابع ما تَجدَّد بناؤه، لم يكن مُعرَباً ثم تَجدَّدَ بناؤه، تقول: يا زيدُ الظَريفُ الظَريفَ، مثل: يا سيبويه العالمُ العالمَ، فيستوي فيه الوجهان، إذاً: لا فرق في البِناء هنا في قوله: وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا إن كان قبل النداء هو مبني حينئذٍ بقيَ بناؤه على ما هو عليه، ونُوِي الضم على آخره.

والمحكيُّ كالمبني، تقول: يا تأبطَ شراً، تأبطَ شراً: مُنَادىً مبني، فتنوي حينئذٍ الضم، لكن: تأبط شراً هل هو مثل سيبويه؟ لا، ليس مثل سيبويه، ولذلك عَطَفَ الشُرَّاح: (وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا) أو حكوا، فالمحكي داخلٌ فيما إذا نُودِيَ المبني، فحينئذٍ تكون الضَمَّة مُقدَّرة، والمراد حينئذٍ: تقدير البِناء سواءٌ كان مبنياً في الأصل أو كان محكياً، فتقول: يا تأبطَ شراً .. تأبط شراً قبل دخول (يا) هو مُعرَب، لكن إعرابه ليس إعراباً تفصيلياً، وإنما هو إعرابٌ تقديري لا ظاهر، حينئذٍ تقول: تأبطَ شراً مبني، وبناؤه على ضَمٍّ مُقدَّر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الحكاية. يظهرُ ذلك في النعت: يا تأبطَ شراً المقدامُ .. المقدامَ، المقدامُ بالضَمِّ بناءً على الضَمَّة المُقدَّرة بناءً على آخره .. ضَمَّة مُقدَّرة بناءً، يعني: مبنيةً على آخره، والمقدامَ باعتبار المحل، إذاً: (انْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا) في الموضعين، (انْوِ انْضِمَامَ) يعني: انْضِمَامَ آخر المُنَادى في موضعين: مَا بَنَوا، ومَا حكوه، المبني يكون الضَمُّ مُقدَّراً منوياً، وكذلك المحكي يكون الضمُ مُقدَّراً ومنوياً. (قَبْلَ النِّدَا) لأنه بعد النداء كذلك يكون مبنياً، وإذا كان قبل النداء فحينئذٍ يكون مبنياً لكن لا على رفعه، لأنه إذا رُفِعَ حينئذٍ تكون الحركة مُقدَّرة وهي الضَمَّة، فيُبنى عليها كذلك بعد النداء، والعلة هي العلة. (وَليُجْرَ مُجْرَى ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا)، وَليُجْرَ في المنوي الضم .. الذي نويَ ضمهُ مُجْرَى الظاهر الضَّم، يعني: ما نويَ ضمهُ يُجرى مجرى الضم الظاهر، إذاً كلٌ منهما سواءٌ كان الضم ظاهراً أو منوياً فالحكم واحد، الحكم واحد من حيث الإتباع الذي ذكرناه سابقاً: يا سيبويه العالمُ .. يا سيبويه العالمَ، كما تقول: يا زيدُ الظريفُ .. يا زيدُ الظريفَ. إذاً: زيدُ تَجدَّد بناءه بعد أن لم يكن، عُومِلَ نعته بالوجهين، كذلك ما كان مبنياً قبل حرف النداء، نعتهُ يوجَّهُ بالوجهين السابقين، وَليُجْرَ في المنوي الضم مُجْرَى الظاهر الضَّمْ (ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا) وهو الذي جُدِّد بناءه، أي: حدث له البناء، وقوله: (جُدِّدَا) يحتمل أن المراد يجري مجراه في كونه في محل نصب وهو كذلك، ويحتمل في جواز رفع تابعه ونصبه وهو كذلك، ولذلك أطلقه الناظم. إذاً: يُجْرَ مُجْرَى ما جُدِّد بناءهُ من جهتين: أولاً: في تابعه يجوز فيه الوجهان: النصب باعتبار المحل، والرفع باعتبار اللفظ .. الإتباع، وكذلك يَجْري مجراه في كونه في محل نصب، حينئذٍ سيبويه: في محل نصب لا شك في ذلك. قال الشارح هنا: " إذا كان الاسم المُنَادى مبنياً قبل النداء قُدِّرَ بعد النِداءِ بناءه على الضم، نحو: يا هذا .. يا برق نحرهُ، ويَجري مَجْرَى ما تَجدَّد بناءه بالنداء كزيد " لأن زيد غير مبني، فإذا دخلت عليه (يا) حينئذٍ تَجدَّدَ له بناء.

" في أنه يُتْبعَ بالرفع مراعاةً للضم المقدر فيه، وبالنصب مراعاةً للمحل " حينئذٍ سوى بينهم على الاحتمالين المذكورين، كقوله: جُدِّدَا ما الذي جُدِّدَا؟ إمَّا أنه يُراد المحل، وإمَّا أنه يُراد باعتبار التابع، وابن عقيل ماشي على النوعين، وهذا هو الظاهر، جُدِّدَا باعتبار النصب .. المحل، وباعتبار التابع، فتقول: يا هذا العاقلُ والعاقلَ بالرفع والنصب كما تقول: يا زيدُ الظريفُ والظريفَ. ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

97

عناصر الدرس * تتمة الأحكام أنواع المنادى * حكم المنادى العلم الموصوف بابن * تنوين المنادى (المبني) في الضرورة الشعرية * الجمع بين (ال) وحرف النداء. خاتمة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وقفنا عند قول الناظم رحمه الله تعالى: وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ وَالْمُضَافَا ... وَشِبْهَهُ انْصِبْ عَادِمَاً خِلاَفَا هذا هو النوع الثاني من أنواع (المُنَادى). قلنا: المُنَادى ثلاثة أقسام أو ثلاثة أنواع: لا يخلو إما أن يكون مفرداً، أو مضافاً، أو شبيهاً بالمضاف. والمفرد هذا ثلاثة أنواع عند التفصيل: إمَّا أن يكون معرفةً، وإمَّا أن يكون نكرة مقصودة، أو نكرة غير مقصودة، عنى باثنين من هذه الثلاثة المعرفة وهما: المعرفة، والنكرة المقصودة بالبيت الذي سبق، وهو قوله: وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى المُفْرَدَا ... عَلَى الَّذِي فِي رَفْعِهِ قَدْ عُهِدَا بَيَّن أن المعرَّف المُنَادى المفرد حكمه: أنه يُبنى على ما يُرفعُ به لو كان مُعرَباً، وقلنا: المفرد هذا يشمل المفرد في باب الإعراب، ويدخل تحته المثنَّى، ويدخلُ تحته المجموع، وهو جمع المذكر السالم، وكذلك يشمل المركب المزجي: (سيبويه) والمركب العددي كـ: (أحد عشر وخمسة عشر)، هذه كُلها إذا نُودِيت حينئذٍ نقول: حكمها أنها تُبنىَ، وبَيَّنا سبب البِناء، ثُم ما كان يُرفعُ بالضمة حينئذٍ يُبنىَ على الضمة كـ: (زيد)، وما كان يُرفعُ في حالة الرفع بالألف أو بالواو حينئذٍ يُبنىَ على الألف ويُبنىَ على الواو، هذا حكمٌ مُطَّرِد. وذكرنا أنَ المعرفة سواءٌ كان ذلك التعريف سابقاً على النداء، أو حاصلٌ بالنداء، وذلك فيما إذا كان المُنَادى نكرة، ثُمَ أقبل عليه وعيَّنَه بالقصد والإقبال صار معيَّناً، حينئذٍ نحكم عليه بأنه معرفة. لكن التعريف لاحق لا سبق، بخلاف (زيد) فقول الجماهير: أن تعريفه سابق، وهو باقٍ بعد نداءه، يا زيدٌ، هذا عَلَم وهو معرفة، قبل جعله نداءً هو عَلَم .. معرفة، وبقي معه التعريف والعلمية بعد النداء، خلافاً لمن قال: بأنه سُلِبَ التعريف ثُم عُرِّف هذا، هذا قولٌ ضعيف ورده ابن مالك بما لا يمكن سلب تعريفه كلفظ الجلالة واسم الإشارة. ثُمَ بيِّنَ أن الضم قد يكون منوياً، يعني: يُبنىَ على الضم ظاهراً أو مُقدَّراً، والظاهر كما سبق: فيما إذا لم يكن قبل النداء مبنياً، ثُم إذا نُوديَ المبني حينئذٍ صار الضم مُقدَّراً. (وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا قَبْلَ النِّدَا) إذا كان المُنَادى مبنياً قبل النداء حينئذٍ قال: (انْوِ انْضِمَامَ) فتقول: يا سيبويه، (سيبويه) هذا مُنَادى مثل: يا زيدُ، إلا أن زيد ظَهَر فيه الضم .. يا زيدُ، وأمَّا: يا سيبويه هذا قُدِّرَ فيه الضم فهو منوي .. فهو مُقدَّر. (وَليُجْرَ مُجْرَى ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا) يعني: وهو الذي جُدِّدَ بناؤه أي: حدث في النداء، يعني: من حيث ماذا؟ من جهتين: الجهة الأولى: أن يكون في محل نصب؛ لأن أصله مفعولٌ به.

والجهة الثانية: فيما إذا نُعِت، حينئذٍ يجوز فيه الوجهان، تقول: يا سيبويه العَالمَ باعتبار المحل، ويا سيبويه العَالمُ حركة إتباع باعتبار الضمة المُقدَّرة، مثله المحكي نحو: تأبط شراً .. يا تأبط شراً، تأبطَ شراً: هذا ليسَ كـ (سيبويه) من حيث أنه مبني لا، هو من قسم المُعرَبات، لكن إعرابه تقديري، حينئذٍ إذا كان إعرابه تقديرياً قبل النداء، كذلك بعد النداء يكون بناؤه تقديرياً، وحكمه حكم سيبويه، وحكم زيد من حيث المحل، ومن حيث الإتباع، يعني: تابعه يكون بالوجهين: الرفع باعتبار اللفظ .. الضَّم المُقدَّر، والنصب باعتبار المحل، فيُقال: يا تأبط شراً المِقْدَامَ .. يا تأبط شراً المِقْدَامُ باعتبار الضَّم. (وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا) أو (حكوا) من أجل أن نجعل البيت عاماً، (قَبْلَ النِّدَا وَليُجْرَ) في المنوِّي الضَّم مُجْرَى الظاهر الضَّم (ذِي بِنَاءٍ جُدِّدَا) وقلنا هذا (جُدِّدَا) يحتمل الأمرين: أنه في محل نصبٍ، وكذلك من حيث الإتباع. هذا النوع الأول وهو: المفرد، ودخل فيه: العَلَم .. المعرفة، والنكرة المقصودة، والنكرة المقصودة: تشمل يا زيدان، ويا زيدون، المُثنىَ إذا كان نكرة، والمجموع جمع تصحيح إذا كان نكرة، حينئذٍ نقول: هذا من قسم النكرة المقصودة: يا زيدان ليس بعَلَم، وإنما هو نكرة مقصودة. وكذلك يا زيدون هذا ليس بعلم، وإنما هو نكرة مقصودة، فإن قيل: زيدان تثنية زيد، وزيدٌ عَلَم وهو معرفة، حينئذٍ نقول: لا يُثنَّى إلا إذا سُلِبَ العلمية. وكذلك: يا زيدون جمع زيد، كيف يقال: بأن زيدون نكرة وهو جمع زيد، وزيد معرفة عَلَم؟ نقول الجواب: أنه لا يُجْمعُ إلا إذا قُصِدَ تنكيره فصار نكرة، إذاً (زيد) معرفة .. عَلَم، و (زيدان) بدون (أل) وبدون نداء نكرة، وكذلك (زيدون) بدون (أل) وبدون نداء فهو نكرة. أمَّا (الزيدان) و (الزيدون) و (يا زيدان) و (يا زيدون) هذا معرفة، إذا دخلت عليه (أل) أو (نُودِي) حينئذٍ نقول: هذا من المعارف، ولذلك سبق في المعارف: زيادة تَابعٍ على المشهور .. الأقسام الستة، وهو النكرة المقصودة في باب النداء. ثم قال: (وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ وَالمُضَافَا وَشِبْهَهُ) هذه تتمة القسمة، فالمُفرد له البِناء، وما عدا المفرد فعلى الأصل، ولذلك قلنا المُنَادى: إما أن يكون مبنياً، وإما أن يكون مُعرَباً، إذا كان مبنياً حينئذٍ بناؤه يكون على ما يُرفعُ به لو كان مُعرَباً، وذلك بالقسم السابق، وإما أن يكون مُعرَباً وذلك إذا كان نكرةً غير مقصودة، وكان مضافاً، وكان شبيهاً بالمضاف، وعرفنا المُراد بالنكرة المقصودة والنكرة غير المقصودة. هنا في باب النداء: النكرة المقصودة، يعني: التي أُقبِلَ على صاحبها (عُيِّنَ) بالقصد والتوجه: يا رجلُ، حينئذٍ نقول: يا رجل، إذا أقْبَلَ على شخص بعينه، وناداه: يا رجلُ، نقول: بالإقْبَالِ والقصد مع النداء تعيَّنَ فصار نكرة في اللفظ لكنه مقصودٌ من جهة المعنى فهو معرفة.

والنكرة غير المقصودة: أن لا يُعيِّن .. نفسه، فيقول: يا رجلاً، أيَّ رجلٍ .. لا يُحَدِّد رجلاً بعينه .. لا يُقْبِل على شخصٍ بعينه، ولذلك يمثلون بقول الأعمى؛ لأنه ما يرى من أمامه: يا رجلاً خذ بيدي، أيَّ واحد .. أياً كان: يا رجلاً خذ بيدي، إذاً: لم يُعيِّن شخصاً بعينه، ولذلك اقتضى أن تكون منصوبة. (وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ) (المفرد) بالنصب مفعول مُقدَّم لقوله: (انْصِبْ) وجوباً، إذ لا يجوز فيه إلا النصب. (انْصِبْ) هذا فعل أمر، (وَالمُفْرَدَ) مفعولٌ به مُقدَّم، و (المَنْكُورَ) المُرادُ به هنا باعتبار ما سبق، المرُادُ به: النكرة غير المقصودة، لأنه قال: (وَابْنِ المُعَرَّفَ) (المُعَرَّفَ): دخل فيه كل مُنادىً معرفة، فدخل فيه النكرة المقصودة. قال: (وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ) ولم يُقيِّدهُ بالتعريف بل بقي على تنكيره، حينئذٍ نقول: قابل المُعرَّف السابق فبقيَ على أصله وهو: أنه نكرة، وهذا إنما يكون في باب النداء في النكرة غير المقصودة، كقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي، أو قول الواعظ: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه، يا غَافِلاً .. على المنبر يقول: يا غَافِلاً لا يُعيِّن شخص بعينه، وإنما من يصدق عليه الوصف فهو هو: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه. (وَالمُضَافَا) الألف هذه للإطلاق، يعني: وانْصِب المضافا، وعرفنا المضاف المُراد به: كل اسمين نُزِّلَ ثانيهما مُنَزَّلة التنوين مما قبله، فيقال: يا غلام زيدٍ، بالنصب .. يا غُلامَ زيدٍ. هناك: يا رجلاً خذ بيدي، (رجلاً) نقول: هذا مُنَادى منصوب، وعلامة نصبه فتحة ظاهرة على آخره .. على الأصل، ليس عندنا بناء، وليس عندنا محل، فإنما يظهر الإعراب على اللفظ، فهو مُعرَب، إذا كان مُعرَباً لا إشكال فيه، فتقول: (يا) حرف نداء، و (غافلاً) أو (رجلاً) مُنادى وهو نكرة غير مقصودة، وهو منصوبٌ واجب النصب، وما بعده يكون تابعاً له. (وَالمُضَافَا) يا غلامَ زيدٍ .. يا صاحبَ علمٍ .. يا طالبَ العلم، نقول: هذا كله مضاف، حينئذٍ يَتعيَّن فيه النصب، ولذلك قال: (انْصِبْ) بلا خلاف، كما قال: (عَادِماً خِلاَفَا). والمضاف هنا هل يشمل الإضافة المحضة .. خاص بالإضافة المحضة، أم أنه عام؟ نقول: (وَالمُضَافَا) هذا عام أطلقه الناظم، فيشمل النوعين سواءٌ كانَت الإضافة إضافةً محضة أو إضافةً لفظية غير محضة، فتقول: يا ضارب زيدٍ .. يا حسنَ الوجه .. يا مضروبَ العبد، نقول: هذا كله يكون منصوباً؛ لأنه مُنَادى مضاف فدخل في قوله: (المُضَافَا). (وَالمُضَافَا) سواءٌ كانت الإضافة محضة: ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا)) [آل عمران:147] (ربنا) هذا إضافة محضة، أو غير محضة نحو: يا حسن الوجه. وعن ثَعْلب: إجازة الضَّمِّ في غير المحضة، يعني: اللفظية أجاز ثَعْلب فيها الضَّمْ، لكن لم يعتبره الناظم، ولذلك قال: (عَادِمَاً خِلاَفَا) يعني: انصب والفاعل أنت، (عَادِمَاً) حال كونك عَادِماً خِلاَفَا في المسائل الثلاث، سواءٌ كان النكرة غير مقصودة، والمضاف بنوعيه ولم يعتبِر خلاف ثعلب، وشبه المضاف. إذاً: عن ثعلب أنه في الإضافة اللفظية يجوز فيها الضَمُّ: يا ضاربُ زيدٍ .. يا ضاربَ زيدٍ: يجوز الوجهان عند ثعلب.

وأمَّا على قول جماهير النحاة الذي حكا فيه الإجماع ابن مالك هنا: أنه يجب فيه النصب، لأنه في الأصل: مفعولٌ به، فبقي على أصله، ولم يُوجد فيه ما يقتضي بناءه، فأما المفرد فوجد فيه ما يقتضي البناء، وهو مشابهته للكاف الاسمية، حينئذٍ نقول: لمَّا لم توجد هذه العِلَّة في المضاف ولا الشبيه بالمضاف فبقي على أصله، والأصل الإعراب .. الأصل في الأسماء الإعراب. ثُم أصله مفعولاً به وهو منصوب، حينئذٍ لا نَعْدِل عن الإعراب إلى البناء إلا بمقتضي، ثُم إذا أثبتنا إعرابه فيبقى على أصله وهو النصب، ولا نعدل عنه إلى الضَمِّ إلا بِمُوجبٍ وليس ثَمَّ مُوجِب لأن هنا لا يوجد ما يقتضي رفعه، وإنما وُجِدَ ما يقتضي نصبه وهو: أدعو، وأنادي، أدعو زيداً .. أدعو صاحب زيدٍ. حينئذٍ نقول: الأصل أنه مُعْرَب وإعرابه يكون بالنصب، حينئذٍ ما وجه العُدُول إلى الضَّمّ؟ نقول: لا وجه له، ولذلك لم يعتبره ابن مالك هنا وقال: (عَادِماً خِلاَفَاً). (وَشِبْهَهُ) يعني: شبه المضاف، وهو ما اتصل به شيءٌ من تمام معناه، نحو: يا طالعاً جبلاً .. يا حسَناً وجهه .. يا ثلاثةً وثلاثين .. يا مارَّاً بزيدٍ، كل هذه أمثلة لما اتصل به شيءٌ من معناه. (وَالمُضَافَا) استثنى بعضهم المضاف لضمير الخطاب، هل يُنَادى أصلاً .. قبل أن نقول: منصوب أو لا .. هل يُنادى؟ قيل: لا، لا يُنَادى، ولذلك (وَالمُضَافَا) نقول: لغير ضمير الخطاب، أما المضاف إليه فلا يُنَادى .. فلا يقال: يا غُلامُك، أو يا غُلامَك لا يقال، لماذا؟ لأن النداء يقتضي أنه مُخاطب، وإضافته إلى الكاف يقتضي أنه غير مُخاطب حينئذٍ حصل تنافٍ بينهما. (وَالمُضَافَا) لغير ضمير الخطاب، أما المضاف إليه فلا يُنَادى، فلا يقال: يا غُلامكَ؛ لاستلزام اجتماع النقيضين، وما هما النقيضان؟ لاقتضاء النِداء خطاب الغلام، وإضافته إلى الكاف يقتضي أنه غير مخاطب، ما أضفته إلى الكاف غُلامكَ إلا لكونه غير مُخاطب، ثُم تُناديه باعتبار أنه مُخاطب، كيف هذا؟ هذا حصل فيه تناقض. لاقتضاء النداء خطاب الغُلام، وإضافته إلى ضمير خطاب عدم خطابه، لوجود تغاير المتضايفين وامتناع اجتماع خطابين لشخصين في جملةٍ واحدة، حينئذٍ لو سوَّغنا: يا غُلامَكَ نقول: غُلامُكَ أصلاً قبل النداء يقتضي أنه غير مُخاطَب، لماذا؟ لأنك أضفته إلى كاف الخطاب، فالغُلام غير مُخاطب، أضفته لكاف الخطاب من أجل خطابه، ثُمَّ النداء يقتضي أنه مُخاطب، فكيف يُحْكَم على الغلام بكونه مخاطب غير مخاطب في تركيبٍ واحد؟ هذا فيه تناقض. إذاً: (وَالمُضَافَا) يستثنى منه المضاف لغير ضمير الخطاب، فإنه لا يُنَادى أصلاً، يعني: لا يَرِد على الناظم هذا، وإنما نقول: كونه مضافاً لضمير الخطاب ليس منادىً أصلاً، فضلاً عن أن يدخل في قوله: انصب المُضَافَا .. فليس بداخلٍ أصلاً، لم يتسلط عليه العامل وهو قوله: (انْصِبْ). إذاً: (وَشِبْهَهُ) المُرادُ به: الشبيه بالمضاف، وهو ما اتصل به شيءٌ من تمام معناه. (انْصِبْ) فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فهو واجب النصب في هذه الأحوال الثلاثة: النكرة المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف.

(عَادِماً خِلاَفَا) يعني: حال كونك عَادِماً خِلاَفَا، (عَادِماً) هذا اسم فاعل وهو حال، ويرفع ضميراً مستتراً، ونَصَبَ خلافاً على أنه مفعولٌ به له، (خلافاً) هذا مفعولٌ للحال، وسبق أن الحال: إذا كان اسم فاعل أو جاء صفةً، (صفةً) قلنا: هذا عام يشمل النعت والحال، وهذا مثالٌُ لما سبق. قال الشارح هنا: " تَقدَّم أن المُنَادى إذا كان مفرداً معرفةً أو نكرة مقصودة يُبنى على ما كان يُرفعُ به، وذَكَر هنا أنه إذا كان مفرداً نكرة، أي: غير مقصودة، أو مضافاً، أو مشبهاً به، نُصِبَ وجوباً، فمثال الأول قول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي .. قول الواعظ: يا غَافِلاً وَالَموْتُ يَطْلبُه، وقولُ الشاعر: أَيَا رَاكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنّ ... نَدَامَايَ مِنْ نَجْرَانَ أَلاَّ تَلاَقِيَا (أيَا رَاكِباً) أيَّ راكبٍ، هذا نكرة غير مقصودة، ولذلك وجب نصبه، (راكباً) تقول: مُنَادى وحرف النداء: (أيَا)، و (راكباً) مُنَادى منصوب واجب النصب، لماذا نُصِب؟ لكونه نكرة غير مقصودة، ولا نحتاج إلى محلٍ؛ لأنه ظاهر الإعراب. ومثال الثاني وهو المضاف: يا غلامَ زيدٍ .. يا ضارب عمروٍ، انظر ابن عقيل مَثَّل بمثالين، الأول: يا غُلامَ زيدٍ، إشارة إلى الإضافة المحضة، يا ضارب عمروٍ، إشارة إلى الإضافة اللفظية، النحاة يعتبرون الأمثلة. ومثال الثالث وهو الشبيه بالمضاف: يا طالعاً جبلاً، ويا حسناً وجهه، ويا ثلاثةً وثلاثين، لمن سميته بذلك .. ليس عدداً، وإنما صار علماً: يا مارَّاً بزيدٍ، (بزيدٍ) هذا مُتعلِّق بـ: (مارَّاً) حينئذٍ صار شبيهاً بالمضاف. إذاً هذه الأحوال الثلاثة: النكرة غير المقصودة، والمضاف، الشبيه بالمضاف منصوبة. وانتصابُ المُنَادى لفظاً في هذه الأحوال الثلاثة، أو محلاً في النكرة المقصودة والمعرفة، انتصاب المُنَادى لفظاً في هذه الثلاثة، أو محلاً في المبني هناك .. في المُعَرَّف بنوعيه عند سيبويه، والمشهور عند النحاة: على أنه مفعولٌ به. وناصبه اخْتُلِف فيه على مذاهب خمسة، أشهرها اثنان: الأول: أن ناصبه الفعل المُقدَّر الذي نابت عنه (يا) وهذا سبق في بيان حد النداء: أنه مُنَادى مطلوبٌ إقباله بـ (يا) نائبٍ مناب (أدعو) هذا الصحيح، فأصل: يا زيدُ عند سيبويه: أدعو زيداً، هذا الأصل، ثُم حُذِفَ الفعل حذفاً لازماً .. حذفاً واجباً يعني؛ لكثرة الاستعمال هذا أولاً، ولدلالة حرف النداءِ عليه وإفادته فائدته. إذاً: لماذا حُذِفَ حذفاً لازماً؟ نقول لأربعة أسباب: أولاً: لظهور معناه فاستغنوا به، يعني: بـ (يا) النداء عنه. ثانياً: النداءُ إنشاء، وإظهار الفعل يوهمُ الإخبار. ثالثاً: كثرة استعمالهم النداء في كلامهم .. كثير هذا في كلام العرب. رابعاً: عوَّضُوا عنه (يا) ولا يُجمعُ بينهما.

لهذه الأسباب الأربعة حكمنا على الفعل بكون حذفه (لازماً) .. أصل الحذف: الجواز، ولكن نقول: (لازماً) للأسباب الأربعة: لظهور معناه فاستغنوا بالحرف عنه .. ظاهر المعنى، إذا قال: يا زيدُ، المعنى: أدعو زيداً .. إذا قال: أزيدُ .. أدعو زيداً، فالمعنى ظاهر، ولذلك تُحذَف حتى (يا) النداء، يقال: ((يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)) [يوسف:29] ظهر المعنى فجاز الحذفُ، النائب وما أُنيبَ عنه وهذا واضحٌ بَيِّن، إذاً: لظهور معنى النداء استغنوا بالحرف عن الفعل. ثانياً: إن جاء النداء إنشاء: يا زيد، هذا مطلوبٌ إقبالهُ بعد اللفظ، وكل ما يَقعُ مدلوله بعد التلفظ، حينئذٍ نقول: هذا إنشاء، وما وقع سابقاً فهو خبرٌ، وإظهار الفعل، لو قال: أدعو زيداً: فعل مضارع، أو أنادي زيداً: هذا يوهم أنه خبر، والمُرادُ من النداء الإنشاء، فحذفوا الفعل دفعاً لهذا الوهم، ثم التزموا حذفه. ثالثاً: كثرة استعماله للنداء. رابعاً: التعويض .. عوَّضُوا عنه (يا)، ومعلومٌ أن القاعدة العامة: أنه لا يُجمعُ بين العوض والمُعَوَّض عنه، إذا عُوِّذِضَ شيء عن شيء حينئذٍ لا يُجمعُ بينهما، إلا شذوذاً أو ضرورة في الشعر خاصة، حينئذٍ نقول: عوَّضُوا عنه، ولا يُجمعُ بين (يا) وبين (أدعو) لذلك وجب حذفه. إذاً: أصل التركيب: أدعو زيداً، ثُمَّ حُذِفَ الفعل حذفاً لازماً للأسباب السابقة، لكن إذا كان مبنياً حينئذٍ تَسلَّطَ العمل على المحل، وإذا لم يكن مبنياً حينئذٍ ظهر أثر العامل في المُنَادى نفسه .. في اللفظ نفسه، واضحٌ هذا. إذا كانَ مبنياً لوجود المُقْتَضِي حينئذٍ نقول: تَسلَّط عمل العامل على المحل، لأن الأصل أن يَتَسلَّط عليه فيُظهره لفظاً، فإذا امتنع كالمبني حينئذٍ رجع إلى المحل، ولذلك نقول: انتصاب المُنَادى لفظاً أو محلاً. وأما النكرة غير المقصودة، والمضاف، والشبيه بالمضاف، لمَّا لَمْ يكن موجب البِناء ملحوظاً فيها كلها، حينئذٍ بقيت على أصلها وهو الإعراب، فظهر أثر العامل لفظاً، وليس عندنا شيءٌ اسمه محل في هذه الأحوال الثلاثة. هذا المذهب الأول: وهو مذهب سيبويه، والجماهير على ذلك وهو الصحيح؛ لأنه مستقيم. وأجازَ المُبَرِّد نصبهُ بحرف النداء لسده مَسَدَّ الفعل، هذا يأتي المذهب في الرتبة الثانية، وأما بقية المذاهب فهي ضعيفة: أن (يا) النداء هي التي نَصَبَتْ، حينئذٍ: يا زيد، نقول: هذا في محل نصب، ما الذي أحدث النصب؟ قال: (يا) لأنها سَدَّت مَسَدَّ الفعل، فإذا سَدَّت مَسَدَّ الفعل حينئذٍ صار الفعل كأنه نسياً منسياً، فإذا حصل أثرٌ في اللفظ أو في المحل فحينئذٍ يُنْظَرُ إلى النائب نفسه، وما سَدَّ مَسَدَّ الفعل فيُحَالُ العمل عليه، إذاً: الناصب للمُنَادى لفظاً أو محلاً عند المُبَرِّد هو (يا) النداء، لكونها سَدَّتْ مَسَدَّ الفعل .. لكن هذا ضعيف؛ لأن معلوم أن الأصل: أدعو زيداً، ولذلك تُصَرِّح به فتقول: أُنادي زيداً، حينئذٍ كان الأصل هو.

فعلى المذهبين .. مذهب المُبَرِّد وسيبويه: يا زيدُ، في قوة الجملة، ولذلك يُعَبَّر مجازاً أنه جملة، بل هو باعتبار الأصل جملة، لكن باعتبار: يا زيدُ، اللفظ لوحده ليس بجملة، لماذا؟ لا يُوجدَ مسند ومسند إليه مؤلَّف من حرفٍ واسمٍ. إذاً: في اللفظ .. من حيث اللفظ لا .. ليس بجملة، أما باعتبار الأصل فنعم، لماذا نظرنا إلى الأصل؟ لأننا نقول: أن يا زيد، لو سَلَّمْنا بظهوره أنه أفاد فائدة الجملة الاسمية أو الفعلية لحكمنا بكون (يا) و (زيد) مسند ومسند إليه، وهذا من الأدلة أيضاً مما يبطل أن (يا) هي العامل، لأننا لو قلنا: (يا) هي العامل وصار الفعل نسياً منسياً حينئذٍ صار التركيب مؤلفاً من اسمٍ وحرفٍ، وهذا باطل. إذاً: على المذهبين: أن (يا زيدُ) جملة، لكن باعتبار الأصل، سواء الأصل الملاحظ عند سيبويه والأثر الموجود المحلي، أو الظاهر في المضاف، والشبيه بالمضاف المنسوب للعامل، أو على مذهب المُبَرِّد: بأن الفعل صار نسياً منسياً، وسَدَّت (يا) النِدائية مَسَدَّ ذلك الفعل، على المذهبين: (يا زيدُ) جملة، يعني: مفيدٌ فائدة الجملة. وهل المُنَادى أحد جزئي الجملة .. إذا قيل: (يا زيدُ) جملة، هل المُنَادى أحدُ جزئي الجملة؟ على المذهبين أيضاً لا، لماذا؟ لأن جزئي الجملة فعل وفاعل، على مذهب سيبويه وعلى مذهب المُبَرِّد، حينئذٍ على مذهب سيبويه: زيد .. يا زيدُ، (زيد) هذا مفعولٌ به، إذاً: ليس جزءً أساسياً في الجملة، وإنما: (أدعو) فعل وفاعل، أُنيبَ (يا) مُقَامَ (أدعو) فحُذِفَ الفعل مع فاعله، وعلى مذهب المُبَرِّد (يا) سَدَّتْ مَسَدَّ الفعل، فحُذِفَ الفعل مع فاعله. إذاً: الجملة مؤلفة من الفعل والفاعل، فعلى المذهبين زيد ليس جزءً من الجملة؛ لأنه مفعولٌ به على المذهبين، وليس المُنَادى أحد جزئيها، فعند سيبويه (جزءاهما) الفعل والفاعل مُقدَّران؛ لأنه لمَّا حُذِفَ الفعل وحُذِفَ معه الفاعل، وهذا سبق معنا: أن حذف الفاعل قد يكون مُطَّرِداً فيما إذا حُذِفَ الفعل، من ضَرَبْتَ؟ زيداً، (زيداً) مفعولٌ به، أين عامله؟ (ضرب) .. أين الفاعل؟ محذوف .. حُذِفَ معه؛ لأنه متصلٌُ به. فعند سيبويه (جزءاهما) أي: الفعل والفاعل مُقدَّران، وعند المُبَرِّد: حرف النداء سَدََّ مَسَدَّ أحد جزئي الجملة، أي: الفعل، والفاعل مُقَدَّر، يعني: أن المُبَرِّد يرى: أن (يا) هنا سَدَّتْ مَسَدَّ الجزء الأول وهو: الفعل، فحينئذٍ كأنه موجود، والفاعل هو المحذوف، وهذا فيه تَكَلُّف. والمفعول هنا على المذهبين: واجب الذكر لفظاً أو تقديراً، إذ لا نداء بدون المُنَادى، إذاً الصواب أن نقول: أن النصب هنا فيما إذا بُنِي محلاً، أو فيما إذا أُعرِبَ لفظاً، إنما هو بالعامل المحذوف، الذي أُنيبت (يا) أو (حرف النداء) مُنابه، وليست (يا) هي التي نصبت، وهذا قولٌ ضعيف. إذاً: قول الناظم هنا: وَالمُفْرَدَ المَنْكُورَ وَالْمُضَافَا ... وَشِبْهَهُ انْصِبْ عَادِمَاً خِلاَفَا يعني: انْصِبْ حال كونك عَادِماً خِلاَفَا المفرد المنْكُور، وما عُطِفَ عليه، هذا يُعتبرُ من المنصوبات. ثم قال: وَنَحْوَ زَيْدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ ... نَحْوِ أَزَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ لاَ تَهِنْ

وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا ... أَوْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا (وَنَحْوَ زَيدٍ ضُمَّ) (ضُمَّ نَحْوَ زيدٍ)، (ضُمَّ) هذا فعل أمر، (وَافْتَحَنَّ) كذلك فعل أمر، و (نَحْوِ) قيل: إنه مُتنَازعٌ فيه الفعلان المتأخران، بناءً على جواز التنازع في سابقٍ، حينئذٍ أُعمِلَ أحد الفعلين وأُضْمِر للثاني. ونحن نقول: و (نَحْوَ) هذا مفعولٌ به لضُمَّ؛ لأنه الألصق به، ثُمَ نُقَدِّر مفعولاً به لـ: (افْتَحَنَّ) نحو زيدٍ، حُذِفَ من الثاني لدلالة الأول عليه، وهذا سائغٌ في لسان العرب: الحذفُ من الثاني إذا دَلَّ الأول عليه، يعني: إذا اشتمل الأول على أمرٍ ثُم أعِيدَ مرةً أخرى حينئذٍ نقول: يسوغ حذفه من باب الاختصار. و (نَحْوَ) نقول: هذا مفعولٌ به لـ: (ضُمَّ)، ومفعول (افْتَحَنَّ) ضميرٌ محذوف يعود على (نَحْوَ). (مِنْ نَحْوِ) جار مجرور مُتَعلق بقوله: (ضُمَّ)، وجَوَّزَ بعضهم أن يكون حالاً من زيد. (مِنْ نَحْوِ أَزَيدُ بْنَ سَعِيدٍ لاَ تَهِن) (لا) ناهية، و (تَهِنْ) بفتحِ التاء مضارع وَهَنَ، أي: ضَعُفَ، وبضمها مضارع أهان .. تُهِنْ .. أهَاَن .. تَهِن وهَنَ، حينئذٍ نقول: على الحالين المضارعين (تُهِن وتَهِن) الهاء مكسورة، وهو فعل مضارع هنا مجزوم بـ (لا) الناهية وجزمه سكون آخره. (ونَحْوَ زَيدٍ) من قولكَ: أزيدَ .. أزيدُ، (نَحْوَ زَيدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ) يعني: يجوزُ فيه الوجهان: الضَمُّ والفتح. (ابْنَ سَعِيدٍ لاَ تَهِن) هنا انظر إلى المثال: زيد بن سعيدٍ، في مثل هذا المثال .. في مثل هذا التركيب، حينئذٍ ثَمَّ شروط نأخذها من المثال: أولاً: مُنَادى مفرد زيد .. منادى مفرد. ثانياً: (زيدٌ) عَلَم. ثالثاً: موصوفٌ بـ: (ابن) .. ابن .. زيد، موصوفٌ بـ: (ابن). ثُمَّ رابعاً: (ابنٌ) مضاف، وليس مفصولاً عن الإضافة. وخامساً: مضافٌ إلى سعيد، و (سعيدٌ) هذا عَلَم كـ: (زيد). وسادساً: اتصل الوصف: (ابن) بـ: (زيد) المُنَادى، لم يفصل بينهما فاصلٌ، هذه ستة. وزاد بعضهم: سابعاً وثامناً كما سيأتي، لكن من كلام الناظم هذه ستة شروط: أن يكون المُنَادى مفرداً .. علماً .. موصوفٌ بلفظ (ابن) .. ولفظُ (ابن) مضاف ومضافٌ إلى عَلَم، ولم يُفْصَل بين (المُنَادى) وبين (ابن) حينئذٍ (ضُمَّ وَافْتَحْ) (المُنَادى) .. الكلام في (المنادى) ليس في (ابن). حينئذٍ (ضُمَّ وَافْتَحْ) يجوز لك الضَّم، فتقول: أزيدُ بْنَ سعيدٍ، ويجوز لك الفتح: أزيدَ بْنَ سعيدٍ، وهذا في المثال المذكور وهو مسموعٌ هكذا. إذاً: جاز لك في المُنَادى وجهان: البناء على الضَمِّ .. ضُمَّ ضمَ بناء، وهذا على الأصل لا يحتاج إلى تعليل؛ لأنه الأصل: أزيدُ .. يا زيدُ .. أزيدُ، الأصل: أنه مبنيٌ على الضَّم، فإذا ضُمَّ لا نسأل عنه، نقول: على الأصل. و (الفتح) هذا الذي هو خلاف الأصل ويحتاج إلى تعليل، و (الفتح) إمَّا على الإتباع لفتحة (ابن)؛ لأن (ابن) بالنصب هنا بناءً على محل زيد، (ابن) صفة .. (ابن بالنصب) صفة، صفة لـ: (زيد) لماذا نُصِبَ؟ باعتبار المحل. إذاً: (ابن) نقول: هذا منصوب، (أزيدَ ابنَ) أعطينا زيد الفتح لمناسبة ومُشاكَلة الصفة، حينئذٍ تكون هذه الحركة حركة إتباع.

والفتح إما على الإتباع لفتحة (ابن)، و (ابن) منصوب كما علمنا، إذ الحاجز بينهما ساكن فهو غير حصين، ليس بينهما حاجز، والحاجز الموجود وهو الألف .. همزة وصل، وهي ساكنة. والحاجز الساكن غير حصين، يعني: كأنه لم يَفْرِق بينهما فارق، أو على تركيب الصفة مع الموصوف، وجعلهما شيئاً واحداً كـ: (خمسة عشر). (زَيدَ بْنَ سَعِيدٍ) .. (زَيدَ بْنَ) كأنه رَكَّبَ (زيد) مع (ابن) حينئذٍ صار كتركيب (خمسة عشر). أو على إقحام (ابن) وإضافة زيد إلى سعيد، الأصل .. أصل التركيب: أزيدَ سعيدٍ ابن، هذا أصل التركيب. إذاً (أزيدَ سعيدٍ) هذا مضاف ومضاف إليه، والمضاف والمضاف إليه ما حكمه؟ النصب، ثُمَّ أُقْحِمَ .. زِيدَ .. حُشِرَ يعني، (ابن) بين المضاف والمضاف إليه، فقيل: (أزيدَ بن سعيدٍ) إذاً: فُصِلَ بين المضاف والمضاف إليه بلفظ (ابن). هذه ثلاثة أقوال في توجيه هذا التركيب في حالة الفتح، إذا قيل: (أزيدُ بن سعيدٍ) لا إشكال فيه هذا على الأصل، (زيدٌ) مُنادى مبني على الضم في محل نصب، و (ابن) بالنصب تابعاً للمحل. لكن إذا قيل: (أزيدَ ابْنَ سعيدٍ) حينئذٍ إمَّا أن يُقَال: بأن الحركة هنا حركة إتباع، حينئذٍ إذا قيل: حركة إتباع، سبق معنا أن الحركات سبع، وحركة الإتباع مُغايرة لحركة الإعراب والبناء، حينئذٍ: زيدُ .. وَابْنِ المُنَادَى المُعَرَّفَ .. (المُعَرَّفَ المُنَادَى). حينئذٍ نقول: (أزيدَ بن سعيدِ) على هذا القول: أزيدَ .. (زيدَ) مُنَادى مبنيٌ على الضم المُقَدَّر، مَنَعَ من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع؛ لأن الفتحة هذه قلنا: حركة إتباع، ليست بحركة بناء، ولا بحركة إعراب، وهذا أحسن التوجيهات لهذا التركيب. وأمَّا كونه مركب تركيب (خمسة عشر) أو (إقحام) هذا فيه تَكَلُّف، والصواب أن يُقال: (أزيدَ) بالفتح .. إذا فُتِح: (أزيدَ بن سعيدٍ) الأصل فيه أنه مبني، ثُمَّ أُتبعَ (زيد) (ابن)، أُتبعَ في حركته، فأُعطيَ الفتحة، حينئذٍ قيل: (أزيدَ) فهو مُنَادى مبني على الضم المُقَدَّر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع في محل نصب. المذهب الثاني: أنه رُكِّبَ معه تركيب الصفة مع الموصوف، وجعلهما شيئاً واحداً كـ: (خمسة عشر). والثالث: أنه إقحام (ابن) وإضافة زيد إلى سعيد؛ لأن ابن الشخص تجوزُ إضافته إليه لملابسته إياه، وعليه حينئذٍ إذا قيل على الأول .. حركة الإتباع، حينئذٍ الفتحة هل هي فتحة إعراب؟ الصَبَّان يقول: فتحة إعراب، وهذا غريب! لأنه إذا سمينا: حركة إتباع ليس بحركة إعراب، وإنما نقول: هي حركةٌ مغايرةٌ لحركة البناء والإعراب. حينئذٍ إذا قيل بأن (أزيدَ) حركته حركة إتباع، حينئذٍ نقول: ليست إعراباً ولا بناءً، ونَصَّ الصَبَّان على أنها حركة إعراب وهذا فيه نظر.

وعلى الثاني .. القول: بأنه تركيب الصفة مع موصوفِها وجعلهما شيئاً واحداً كـ: (خمسة عشر) صارت حركة (زيد) حركة بِنْيَة، لأنه مثل التاء: خمسة عشر .. (خمسةَ) التاء هنا مفتوحة، هذا الفتح فتح بِنْيَة، عرفنا المُراد بفتح بِنْيَة، يعني: الحرف الذي لا يكون محلاً للبناء ولا للإعرابِ، كـ: (زاي) زيد .. (زَه) هذا مفتوح، نقول: هذا حركة بِنْيَة، إذاً (خمسة عشر) التاء هذه مُحَرَّكة بالفتح وهي حركة بِنْيَة، لا إعراب ولا بناء ولا إتباع. كذلك إذا قيل: أزيدَ ابنَ، مركب تركيب خمسة عشر، حينئذٍ لا إعراب له، الإعراب يكون آخر المُركب وهو النون، وهذا فيه نظر كذلك. أو على الإقحام حينئذٍ تكون الفتحة فتحة إعراب: أزيدَ ابن سعيدٍ .. أزيدَ سعيدٍ، مثل: غُلامَ زيدٍ، إذاً: هو مضاف منصوب (أزيدَ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ثُم أُقْحِمَ زيد بين المضاف والمضاف إليه، فقيل: أزيدَ بنَ سعيدٍ، وهذا فيه نظر كذلك؛ لأنه تَكَلُّف، والصواب: الأول. إذاً: يجوزُ فيه الوجهان، ثُم توجيه الضَّم بأنه على الأصل، وتوجيه الفتح، قلنا: فيه ثلاثة مذاهب، والأرجح: أنها حركة إتباع وليست حركة إعراب ولا حركة بناء، وإنما يكون البناء مُقَدَّرا على آخره. والمختار من الوجهين عند البصريين غير المُبَرِّد: الفتح .. المُختار الفتح على الضَّم، وهذا غريب يعني إلا إذا كان كثيراً، وإلا الأصل .. أن يكون الأصل هو المختار. إذاً: جاز لك في المُنَادى وجهان، والمختار عند البصريين: الفتح. وشرط الوجهين: كون الابن صفةً، ولذلك قلنا: وُصِفَ بـ: (ابن) طيب! إذا قلنا: أزيدُ ابنَ سعيدٍ، (ابنَ) هذا صفة، لو أعربناه بدلاً أو عطفَ بيان، هل يبقى الحكم كما هو، أم نُعَيِّن أن يكون (ابن) مُعرَباً على أنه صفة؟ الثاني، يعني: شرط الوجهين: أن يكون (ابن) مُعْرَباً على أنه صفة .. نعت، وأما إذا أُعرِبَ لا على هذا الوجه كأن قُطِعَ: أعني ابن، حينئذٍ نقول: لا هذا يَتَعيِّن في الأول الرفع .. البناء على الضَّمْ. وشرط الوجهين: كون الابن صفةً، فلو جُعِلَ بدلاً، أو عطفَ بيان، أو مُنادىً، أو مفعولاً بفعلٍ مُقدَّر تَعيَّن الضَّم، هذه أربعة أوجه فيه: أزيدُ ابنَ، الأول: أن يكون صفةً، هذا إعراب، وإذا أعربناه صفةً جاز في زيد الوجهان. الوجه الثاني في (ابن) أن يُعْرَب بدلاً، على اعتبار تكرار العامل .. أزيدُ ابنَ؛ لأنه في قوة (أزيدُ ابْنَ سعيدٍ) هذا مضاف ومضاف إليه، يا ابْنَ سعيدٍ، إذاً: يُنصب على الأصل. أو عَطَفَ بيان باعتبار المحل هنا، (ابن) عطف بيان على محل زيد. أو مُنَادى: يا زيدُ يا ابْنَ سعيدٍ، مُنَادى على الأصل، يُعْرَب على أنه مضاف ومضاف إليه وهو منصوبٌ. أو مفعولاً بفعلٍ مُقَدَّر: يا زيدُ أعني ابْنَ سعيدٍ. حينئذٍ نقول: في الأوجه هذه الأربعة دون الصفة يَتَعيِّن أن يُقال: أزيدُ بالضم .. مبني، وإنما تَعيَّن أن يكون بجواز الوجهين فيما إذا أُعرِبَ (ابن) صفة، وأما إذا أُعرِبَ بدلاً، أو عطفَ بيان، أو مُنَادىً مستقلاً، أو مفعولاً به لفعلٍ محذوف حينئذٍ تَعيَّنَ الضَّمُّ.

وشَرَطَ في التسهيل شرطاً سابعاً: أن يكون المُنَادى ظاهر الضم، بأن يكون صحيح الآخر، يعني لا يُقال: يا موسى ابْنَ سعيدٍ مثلاً، لو قيل: يا موسى ابْنَ سعيدٍ، حينئذٍ لا يجوزُ إلا أن ينوي الضَّم فحسب، ولا يجوزُ الوجهان، بناءً على أن الوجهين إنما يجوزان فيما إذا كان المُنَادى صحيح الآخر، يعني: إذا كان الضُّم ظاهراً، وهذا يُمكن أخذه من المثال نفسه، بل نَصَّ المكُودِي: على أنه مأخوذٌ من المثال، فهذا شرطٌ سابع يُزَادُ. وشُرِطَ أن تكون البُنُوَّة حقيقية، يعني: لو كان قولُه: أزيدُ ابْنَ سعيد، ابْنَ سعيد: ليس ابنه حقيقةً، وإنما من باب المجاز .. التربية ونحوها، حينئذٍ (أزيدُ) يَتَعيَّن فيه الضم. وشُرِطَ أن تكون البُنُوَّة حقيقية، وشُرِطَ كون لفظ (ابن) مفرداً لا مثنَّىً ولا مجموعاً، وهذا يُمكن أخذه من المثال. إذاً: الشروط ثمانية: أن يكون مفرداً .. عَلَماً .. موصوفٌ بابنٍ .. مضاف إلى عَلَم، ولم يُفْصَل، هذه ستة مأخوذة من النظم صراحةً، أن يكون المُنادى ظاهر الضم هذا سابع .. أن تكون البنوة حقيقية هذا ثامن، وشُرِطَ كون لفظ (ابن) مفرداً لا مثنَّىً ولا مجموعاً، هذا كم؟ تسعة، لكن كون البنوة حقيقية هذا مُنازعٌ فيه، وكلها يُمكن أخذها من المثال الذي ذكره الناظم: (نَحْوِ أَزَيدَ بْنَ سَعِيدٍ لاَ تَهِن). ومحترزات الشروط خَرَجَ بكونه مُنَادى مفرداً، نحو: يا عبد الله ابْنَ زيد، (عبد الله) مُنَادى وهو مُضاف، حينئذٍ يَتَعيَّن فيه النصب وهذا واضح، (انْصِبْ عَادِماً خِلاَفَا) (المُضَافَا) إذاً: هو داخلٌ فيه، وبالعلم نحو: يا رَجلُ ابْنَ زيدٍ، (رجل) هذا نكرة مقصودة، إذاً: ليس بعلم، إذاًَ: يَتَعيَّن فيه الضم، ولا يُقال: يا رجلَ ابْنَ زيدٍ، وابْنَ سعيدٍ. وبكونه بعده (ابن) نحو: يا زيدُ الفاضلُ، يَتَعيَّن الضَّمْ هنا: يا زيدُ، لا يُقال: يا زيدَ الفاضل، لكونه نُعِتَ بغير (ابنٍ)، وبكونه متصلاً به، نحو: يا زيدُ الفاضلُ ابْنَ عمروٍ، (ابْن) هنا نعت ثاني لـ: (زيد) لكنه مفصولٌ بينه وبين زيد، فلا يُقالُ: يا زيدَ الفاضل ابْنَ عمروٍ بالنصب، إنما يَتَعيَّن فيه الضَّمُ، وبكونه صفةً له، نحو: يا زيدُ ابْنَ عمروٍ على أنه بدل، هذا ذكرناه سابقاً. وبكونه مضافاً إلى عَلَم، نحو: يا زيدُ ابْنَ أخينا، (ابن) هنا مضاف ومتصلٌ به، و (زيد) عَلَم ومفرد إلى آخره، لكن ماذا تخلَّف؟ كونهُ مضافاً إلى علم، هنا: يا زيدُ ابْنَ أخينا، (أخينا) ليس بعَلَم، بل هو مضاف ومُضاف إليه، حينئذٍ يَتَعيَّن الضم في زيد، فيجب النصب في الأول والضم في البقية. وَنَحْوَ زَيْدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ ... نَحْوِ أَزَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ لاَ تَهِنْ (ابْن)، قالوا: مثلهُ (ابْنَة) يعني: مثلها في الحكم؛ لأن أصل (ابْنَة) بالتاء، أصلها: ابْن زيدت عليها التاء، ومثله: (ابْنَةُ) نحو: يا هندُ ابْنَةَ زيدٍ .. يا هندُ .. يا هندَ ابْنَةَ زيدٍ، الشروط كلها موجودة مع تأنيث لفظ (ابن)، بخلاف الوصف بـ (بنت) لا يُقال: أهندُ بنتَ زيدٍ .. أهندَ بنتِ عمروٍ مثلاً، فـ: (هندَ) هنا لا نقول: أنه يجوزُ فيه الوجهان، لماذا؟ لأنَ ثَمَّ فرقاً بين (بنت) و (ابن) .. بعيدة الشبه عنها.

بخلاف الوصف بـ (بنت)، فنحو: يا هندُ بنتُ عمروٍ .. يا هندُ بالرفع بنتَ عمروٍ، واجب الضَّمِّ. والفرقُ: أن (ابْنَة) هي (ابنٌ) بزيادة التاء بخلاف (بنت) فهي بعيدة الشبه. ومثله .. مثل هذا التركيب فيما سيأتي: إذا كُرِّرَ مضافاً: يا سَعدُ سَعدَ الأوس، مثله، لو جمع بينهما في محلٍ واحد لكان أولى، لكنه سيأتي: أنه يجوز فيه الوجهان: يا سَعدُ سَعدَ .. يجوز فيه الوجهان .. سعدَ الأوس، ويجوزُ فيه ما جاز في هذا الموضع، نفس الكلام يُقالُ في البيت الآتي. وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا ... أَوْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا والضَّمُّ قَد حُتِمَا .. فالضمُّ متحتمٌ،؟؟؟، قَدْ حُتِمَا: خبر المبتدأ، والضَّمُّ قَد حُتِمَا .. إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا أَوْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ فالضمُّ متحتمٌ، أين جواب الشرط؟ هنا قال: (إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا ... أَوْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ) لم يأتِ جواب الشرط، فالضَّمُ حتمٌ .. متحتمٌ، إذاً: جواب الشرط محذوف، والذي سَوَّغ حذفه وجودُ جملة الخبر، ويجوز أن يكون: (قد حُتِمَا) جملة الجواب، حينئذٍ أين الخبر .. خبر الضُّم؟ الجملة الشرطية كلها. يبقى إشكال: أنه لا رابط بين الجملة الشرطية والضَّمُّ، لكن نقول: استغني بالضمير الذي في (حُتِمَا) بالربط لأن جملتي الضَّم والشرط يستغني فيهما بضميرٍ واحدٍ، يكفي لتنزيلهما مُنَزَّلةَ الجملة الواحدة، وعلى هذا فلا حذف. وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا ... أَوَ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ قَدْ حُتِمَا ذكر لك ما يَتَخلَّف فيه شرط أو شرطين، شرطنا: أن يكونَ (الابن) مسبوق بعلم، وأن يضاف إلى علم، إذا تَخَلَّف الأول بأن لم يكن مسبوقاً بعلم كقولنا: يا رجلُ ابْنَ سعيدٍ، أو لم يكن الثاني المضاف إليه علَماً، كقولنا: يا زيدُ ابْنَ أخينا، حينئذٍ الضَّم حتْمٌ. (والضَّمُّ إِنْ لَمْ يلِ الاِبْنُ عَلَمَا) يعني: لم يكن الابن صفةً لعَلَم، كقولنا: يا رجلُ ابْنَ سعيدٍ، حينئذٍ قال: الضَّمُّ حتْمٌ .. يجبُ الضَّم. (أَوَ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ) يعني: لم يَتْلُ الابن علمٌ بأن أُضيفَ الابن إلى غير العَلَم، كقولنا: يا زيدُ ابْنَ أخينا، حينئذٍ قد حُتِمَ الضَّمُ، وقد عرفنا هذا من تَخلُّفِ الشروط، وإنما ذكر بعضاً ليستدل به على الآخر، يعني: هذا يؤكد لك أن الناظم بالمثال أراد الأحكام .. الشروط، فهو ذَكَر لك المثال من أجل أن تستنبط منه الشروط، وذَكَرَ لك نصَّاً فيما إذا تَخلَّف شرط أو شرطين، فألحق به سائر الشروط في كون الضَّمِ مُتَعيِّن، وقد ذكرناها سابقاً كلها. (وَالضَّمُّ إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنُ عَلَمَا) قال الشارح: " أي: إذ لم يقع (ابنٌ) بعد علم، أو لم يقع بعده علم - لم يُضَف إلى علم - فوجب ضَمُّ المُنَادى " لو قال: وجب ضَمُّ المُنَادى وامتنع فتحه، فمثال الأول: يا غُلامُ بن عمروٍ، (ابنَ عمروٍ) هذا صفة مضافة إلى عَلَم، لكن تَخلَّف الأول بأنه ليس عَلَماً، غُلام ليسَ بعَلَم، يا غُلامُ: هذا نكرة مقصودة، ويا زيدُ الظريفَ ابْنَ عمروٍ، هنا الفصل .. (لَمْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ)، هذا يدخل فيه أيضاً، يعني: بأن يليه شيءٌ ليس مضافاً.

زيدُ الظريفَ بن عمروٍ، (أَوَ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ) .. (إِنْ لَمْ يَلِ الاِبْنَ عَلَمٌ) لماذا أدخل هذا ابن عقيل: ويا زيدُ الظريفَ ابْنَ عمروٍ؟ الظاهر أن مُرادَ ابن مالك هنا: أنه لم يُضَف إلى العلم؛ لأنه قَيَّدَه بـ (ابن) و (ابن) مُضاف دائماً .. ملازم للإضافة، إما أن يُضَاف إلى علم أو لا، لَعْلَّ ابن عقيل عَمَّمَ الشروط. ومثال الثاني: يا زيدُ الظريفَ ابن عمروٍ، هذا مثال ثاني، يعني: (ابن) لم يل العَلَم الذي هو الظريف، لكن لا .. ليسَ بظاهر هذا .. هذا الفَصْل .. لكن هو مَثَّل به، قال: مثال الأول: إذا لم يقع (ابن) بعد عَلَم: يا غُلامُ ابنَ .. يا زيدُ الظريفَ ابنَ، فُصِلَ بينهما. على كلٍ:؟؟؟ بكلام الناظم. ومثال الثاني: يا زيدُ ابْنَ أخينا، (ابْنَ) مضاف، و (أخينا) مضاف إلى غير عَلَم، فيَجِبُ بناء زيد على الضَمِّ في هذه الأمثلة، ويجب إثبات ألف (ابن) والحالة هذه: يا زيدُ الفاضلُ ابْنُ عمروٍ. إذاً: وَنَحْوَ زَيدٍ ضُمَّ وَافْتَحَنَّ مِنْ ... نَحْوِ أَزَيدَ بْنَ سَعِيدٍ .. (زيد) قلنا: يجوزُ فيه الوجهان، وأما (ابن) فقيل: لا إشكال أن فتحة (ابن) فتحة إعراب إذا ضُمَّ موصوفه، وأما إذا فُتِحَ فكذلك عند الجمهور، يعني: (ابن) سواءٌ ضُمَّ (زيد) أو فُتِح فهو فتحةُ إعرابٍ عند الجمهور. لا إشكال أن فتحة (ابن) فتحة إعرابٍ إذا ضُمَّ موصوفه، وأما إذا فُتِحَ فكذلك عند الجمهور، وهذا هو الظاهر؛ لأن مذهبهم أن الفتح في الأول ليس للتركيب بل للإتباع، وهذا الصحيح، أن: (أزيدَ) الفتح هنا ليس للتركيب، وليس للإقحام، وإنما هو حركة إتباع، وإذا كان كذلك فليست إعراباً، وليست بناءً. وقال عبد القاهر الجُرْجَاني: "حركة بناء - ليس بظاهر هذا (ابْنَ) حركة بناء - لأنك رَكَّبْته معه تركيب (خمسة عشر)، فحركة (زيد) على هذا حركة بِنْيَه"، ليس بظاهر لا هذا ولا ذاك. ثُمَّ قال الناظم - رحمه الله - تعالى: وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا ... مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ بُيِّنَا (وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ ماَ)، (ما) اسم موصول، بمعنى: الذي، في محل نصب مفعولٌ به، تنازع فيه العاملان: انْصِبْ .. اضْمُمْ، تنازعَ فيه العاملان، فأُعطي للثاني الذي هو (انْصِبْ) ثُم أُضمِرَ في الأول فحُذِف. وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا ... مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمِّ بُيِّنَا ما هو الذي استَحَقَّ الضَّم مما سبق .. في المُنَادى ما هو الذي استَحَقَّ الضم؟ المفرد بنوعيه، سواءٌ كان علماً أو نكرة مقصودة، في الشعر قد يجوز تَنْوِينُه ضرورةً، في الشعر: يا زيدُ .. يا عدي، نقول: هذا في الشعر خاصَّة ليس في الكلام .. في الشعر خاصَّةً قد يجوزُ .. يضطر الشاعر إلى تنوينه، فإذا نَوَّنه حينئذٍ جاز لك فيه وجهان: النصب رَدَّاً إلى الأصل، والضَّمُّ بناءً على ما هو عليه.

(وَاضْمُمْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا) .. (مَا نُوِّنَ اضْطِرَاراً)، (نُوِّنَا): الألف هذه للإطلاق، و (اضْطِرَاراً) هذا مفعولٌ لأجله، (نُوِّنَ لأجل الاضطرار)، وإذا قال النحاة: في الضرورة أو للاضطرار، مُرادهم به في الشعر خاصَّة، لأن النثر ما فيه ضرورة .. ليس هناك وزن، وإنما هو كلامٌ مستقيم، فحينئذٍ نقول إذا قيل: (مَا اضْطِرَاراً) حينئذٍ يُحمَلُ على الشعر خاصَّة. (وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا)، وجملة (نُوِّنَا) لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. (مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ)، (مِمَّا) هذا بيان لـ (مَا) الموصولة، (مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ)، (استحقاق) هذا مبتدأ، ويَحتمل أن خبره: (لَهُ) جار مجرور مُتَقدِّم عليه. ويَحتمل .. (مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمَ بُيِّنَا) يَحتمل أن جملة: (بُيِّنَا) خبر استحقاق، ويَحتمل أن (استحقاق) مبتدأ وخبره له، وهذا أجْوَد كما قال الشاطبي، (لَهُ) خبر مُقَدَّم، و (اسْتِحْقَاقُ) مبتدأ مؤخر، و (اسْتِحْقَاقُ) مضاف، و (ضَمِّ) مضاف إليه، وجملة (بُيِّنَا) هذا صفة لـ: (ضَمٍّ) (ضَمٍّ مُبَيَّنٍ) مُظْهَرٍ يعني. (وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا) تَقدَّم أنه إذا كان المُنَادى مفرداً معرفة، أو نكرة مقصودة، يجب بناؤه على الضم، وذَكَر هنا: أنه إذا اضْطَُرَّ شاعرٌ إلى تنوين هذا المُنَادى كان له تنوينه، وهو مضموم .. وهو مبني على أصله، إذا أبقى البناء ضَمَّه، وإذا أخَرَجه عن البناء حينئذٍ نَصَبه رجوعاً إلى الأصل في الأسماء. وكان له نصبه فهو مُعرَب رجوعاً إلى أصله في الأسماء إذا نُصِبَ؛ لأن النصب لا يكون في المبني. واختيار الناظم هنا: الضَمُّ مُقَدَّم على النصب، ولذلك قَدَّمَه، قال: (وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ). فمن الأول قول الشاعر: سَلاَمُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا ... وَليسَ عَلَيكَ يَا مَطرُ السَّلامُ أين الشاهد؟ (سَلاَمُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ) .. مَطَرُ .. مَطَرْ، حينئذٍ الأصل فيه: أنه مبني على الضَّم، فاضْطُرَّ إلى تنوينه فأبقاه على أصله وهو الضَّمْ، فهو مبني حينئذٍ، وإنما جُوِّز تنوينه ضرورةً. (وَلَيسَ عَلَيكَ يَا مَطَرُ) على الأصل، هذا دَلَّ على أن الأول إنما اضْطُرَّ إليه، هذا شاهدٌ للأول أنه: يُضَمُّ إذا نُوِّنَ. ضَرَبتْ صَدْرها إليَّ وقالتْ ... يا عَديّاً لقدْ وَقَتْك الأَواقِي (يا عَديّاً) .. يا عَديُّ، عَدِيّ: عَلَم مبني على الضم، اضْطُرَّ إلى تنوينه فَنَوَّنه ورَدَّه إلى أصله: (يا عَديّاً). (وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً): الضَمُّ كما في قوله: (سَلاَمُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ). و (انْصِبْ) كما في قولها: (وقالتْ يَا عَديّاً). حينئذٍ رَجَع إلى أصله، فـ (يَا مَطَرٌ): مبني .. على الأصل، و (يَا عَديّاً): هذا مُعْرَب، فَرقٌ بينهما.

(وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا ... مِمَّا) يعني: المُنَادى الذي (لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ) ظَاهِرُه: ولو فيما ضَمُّه مُقدَّر، لو قال: يا موسى، وأراد تنوينه، حينئذٍ كيف يصنع .. هل يجوز فيه الوجهان: أن تُقَدَّر الضمة وتُقَدَّر فيه الفتحة؟ ظَاهر كلامه: ضَمٍّ ولو في ما ضَمُّه مُقَدَّر. وقيل: ليس هذا بِمُراد، وإنَّما عَيَّن أن يكون الكلام فيما إذا كان الضَمُّ ظاهراً؛ لأنه هو الذي يحتاج إلى تنوين، وأمَّا ما عداه لو نَوَّنَه حينئذٍ الساكن إذا حُذِفَ جاء محله ساكن. الآن إذا اضْطُرَّ .. (يا مَطَرُ) .. إذا اضْطُرَّ إلى تنوينه حينئذٍ زاده - إذا افْتَقَر إلى حرف ساكن - جاء بالتنوين: يا مَطَرٌ، يستقيم معه الوزن مثلاً، وأما إذا قيل: يا فتىً .. يا موسىً، نقول: (موسى) ساكن .. (فتى) ساكن، إذا جاء بالتنوين ضرورةً حينئذٍ حُذِفَ الأول وجاء التنوين محله فصار ساكن، إذاً: ماذا استفاد؟ ذَهَبَ ساكن وأتى ساكن، لكن يا مَطَرُ .. مَطَرٌ، جاء ساكن بعد الحرف، ولذلك قُيِّدَ قوله (ضَمٍّ): أن يكون الضم ظاهراً؛ لأنه لا ضرورة في تنوين مقصورٍ ونحوه؛ لأنه لو ذهب الحرف الساكن وجاء بالتنوين حَلَّ مَحَلَّ الساكن ساكنٌ آخر، وأما مَطَرٌ، وعديّاً لا. وقوله (بُيِّنَا) أي: أُظْهِر صفةٌ لـ (ضَمّ). واختار الخليل وسيبويه الضَمَّ على النصب، ولذلك قَدَّمَه الناظم قال: (وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ). وأبو عمرو، وعيسى، ويُونس والمُبَرِّد اختاروا النصب، يعني: النصب أرجح، يجوز الوجهان اتفاقاً، لكن الخلاف في الأرجح منهما، اختار الخليل وسيبويه: الضَّم، وأبو عمرو وعيسى ويُونس والمُبَرِّد: النصب، ووافق الناظم الأولَين الخليل وسيبويه في العَلَم، وفي الآخرين في اسم الجنس، يعني: فَصَّل، هذا في غير هذا الكتاب: وافق الخليل وسيبويه في تقديم الضَّمِّ على النصب؛ لأنه أرجح إذا كان عَلَماً. ورجح النصب على الضَّم إذا كان اسم جنس، يعني: نكرة مقصودة، ووجه: (أن اسم الجنس أصْلٌ بالنَظَر إلى العَلَم) .. النكرة أصل للمعرفة هذا لا إشكال، (والإعراب أصلٌ بالنَظَر إلى البناء) فَلَمَّا اضْطُرَّ الشاعر أُعطِي الأصل للأصل والفرع للفرع، أُعطِي الأصل للأصل، يعني: أُعطِي الأصل .. الإعراب للأصل الذي هو النكرة، فإذا نَوَّنَ النكرة المقصودة اسم الجنس، حينئذٍ نَصَبه فكان أرجح رجوعاً إلى أصله، وإذا نَوَّنَ العَلَم، حينئذٍ التعريف فرع، والبناء فرع، فأعطى الفَرع للفَرع، هكذا قيل. وَاضْمُمْ أَوِ انْصِبْ مَا اضْطِرَاراً نُوِّنَا ... مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ .. (اسْتِحْقَاقُ ضَمِّ لَه) قلنا: الجملة هذه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، و (ضَمٍّ): هذا مُضاف إليه، و (بُيِّنَا) أي: أُظهِر هذا صفةٌ لـ: (ضَمٍّ)، احترز به من الضَمِّ المُقَدَّر، فإنه لا يُضْطر إلى تنوينه، وقيل (بُيِّنَا) بمعنى: فيما ذكرناه سابقاً. حينئذٍ يَعُم قوله: (ضَمِّ) فيما إذا كان ضَمُّه مُقَدَّراً، وإذا جعلنا (بُيِّنَا) يعني: ظاهر حينئذٍ صار احترازاً، انظروا الكلام كيف؟ يَحتمل هذا ويحتمل ذاك.

إذا قال: (مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ) .. ظاهرٍ .. مُظْهَرٍ، حينئذٍ صار احترازاً من الضَمِّ المُقَدَّر، إذا قيل: (مِمَّا لَهُ اسْتِحْقَاقُ ضَمٍّ قد بُيِّن فيما سبق) .. (وَابْنِ المُعَرَّفَ المُنَادَى) حينئذٍ نقول: ليس فيه استثناء بل هو عام. إذاً: تقديمه للضَّمِّ هنا إشعارٌ باختياره له مُطْلَقاً، وإذا ضممت المُنَادى المُفرد المُنَوَّن ضرورةً فلك في نعته: الضم والنصب، إذا ضممته حينئذٍ إذا نَعَتَّه فلك الوجهان؛ لأننا قلنا: إذا ضَمَّه ونَوَّنه أبقاه على أصله وهو البناء فهو مبني .. (يا مَطَرٌ) مبني هذا، و (يا عديّاً) هذا مُعْرَب، إذا قيل: واضْمُم حينئذٍ بقي على أصله وهو البناء مع التنوين ضرورة. و (انْصِبْ) حينئذٍ أدْخَل التنوين ضرورة ثُم أرجعه، إذاً: فيه عملان، الضَمُّ والتنوين فيه عملٌ واحد وهو: إدخال التنوين على المبني، والنَصْب حينئذٍ فيه عملان، الأول: التنوين ثُم رَدَّه إلى أصله؛ لأنه إذا نَوَّنَ ضرورةً، يقول: يا عديٌ هذا الأصل، لماذا تزيده شيئاً آخر فتقول: يا عديّاً؟ فالأصل: أن يبقيه على ما هو عليه. حينئذٍ نقول: (اضْمم ضَمَّ بناءٍ)، و (انصِب نَصْب إعرابٍ) فَخَرَج عن أصله، إذا نُعِت ما نُوِّنَ وبقي على أصله وهو المبني: يا مَطَرٌ مثلاً، إذا نُعِت لك في نعته وجهان: النَصب والضَمُّ، الضَّم على الإتباع؛ لأنه مبني، والنَصْب لاعْتِبَار المحل، فلك في نعته الضَمُّ والنَصب. وإن نَصَبْته: (يا عديّاًً) حينئذٍ ليس لك في نعته إلا وجهٌ واحد وهو: النَصْب؛ لأن الضَمَّ ذهب .. لا وجُود له. فإن نُوِّنَ مقصُورٌ، نحو: يا فتىً على القول به جاز الوجهان في نعته، أو النَصْب: يا فتىً .. لو نَوَّنَ فتىً مثلاً: يا فتىً .. نكرة مقصودة، لو نَوَّنَ حينئذٍ لا يَظْهر لا الرفع ولا النَصْب، إن نوى أنه مرفوع واضمم جاز في نعته وجهان، وإن نوى النَصْب: يا فتىً أنه منْصُوب، فليس لك في نعته إلا النَصْب، إذاً: {إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّات}. إذا نَوَى في الأول أنه مضموم حينئذٍ نقول: لك في نعته وجهان .. يا فتىً، وإن نوى أنه منصوب حينئذٍ ليس لك في نعته إلا وجهٌ واحد وهو: النَصْب. ثم قال - رحمه الله -: وَبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ ... إِلاَّ مَعَ اللَّهِ وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ (وَبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَل) ؟؟؟ (خُصَّ) إذا قيل بأنه فعل ماضي يحتاج إلى فاعل، أين فاعله؟ ؟؟؟ (خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ ... إِلاَّ مَعَ اللهِ)؟؟؟ نقول (مَعَ): هذا مُتعلق بمحذوف ظرف .. مُتعلق بمحذوف حال من نائب الفاعل، (حال كونه إلا مع الله) (مع) مضاف، ولَفظ الجلالة: مضاف إليه. (وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ)، (مَحْكِيِّ)؟ معطوف على لفظ الله الجلالة: (إِلاَّ مَعَ اللَّهِ) .. وإلا مع مَحْكِيِّ الجُمَل. إذاً نقول القاعدة .. الأصل: أنه لا يجوز الجمع بين حرف النِداء و (أل)، فلا يُقَال: يا العالم، ويا الرجل، هذا لا يجوز إلا في الضرورة، وإلا ما استُثْني .. الذي استثناه الناظم هنا. (وَبِاضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ): (خُصَّ أنت جمعَ) .. (خُصَّ جَمْعُ) على أنه نائب فاعل.

(خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ) هنا عَيَّن (يا) ليس احترازاً عن غيرها، وإنما ذكرها مثالاً، وإلا الأصل: أن الحُكْم عام، يعني كأنه قال: خُصَّ جَمْع (يا) مثلاً، لظهور أن سائر حروف النِداء كذلك، فالحكم عام .. ليسَ خاصَّاً بـ (يا). (وَأَل) يعني: مع (أل)، الواو هنا تفيد المصاحبة لظهوره في المعنى، خُصَّ جَمْع (يا) و (أل) باضطرارٍ، مفهومه .. مفهوم مخالفة، أنه دون اضطرارٍ لا يجوز الجمع بينهما وهو النثر. إذاً القاعدة: لا يجوز الجمع بين حرفي النداء و (أل)، لماذا؟ لأن (أل) مُعرِّفة، والنداء قلنا: مُعرِّف، حينئذٍ لا يجتمع أداتا تعريفٍ في لفظٍ واحدٍ، فإذا كانت (أل) مُعرِّفة و (يا) مُعرِّفة فحينئذٍ لا يجتمعان، لا بُدَّ من أحدهما، فحينئذٍ لا بُدَّ من حَذْف (أل)، يعني: لا يجوز أن يدخل (يا) على مُنَادىً مُحلىً بـ (أل) إلا بِوُصْلة كما سيأتي: يا أيها الرجل .. يا أيها الذين أمنوا، فَصَارت (أيُّ) وُصْلة للمُنَادى، أو هي مُنَادى نفسها. على كلٍّ القاعدة نقول: (لا يجوز الجمع بين حرفيّ النداء و (أل) إلا في الضرورة)، ولذلك قال: (خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَل) .. بِاضْطِرَارٍ، (اضْطِرَارٍ) هذا مُتعلق بقوله: (خُصَّ). إذاً له مفهوم: وهو أنه إذا لم يكن مُضْطَرَّاً إليه فلا يجوز الجمع بينهما، ففي النثر لا يجوز إلا ما استثناه الناظم، وهو مع لفظ الجلالة: الله، (وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ) .. (مَحْكِيِّ الجُمَلْ) يعني: الجُمَل المحكية، من إضافة الموصوف إلى الصفة، لو سُمي رجل: المُنْطَلِق أبوه مثلاً، سُمي رجل بهذا الاسم، تقول: يا المُنْطَلِق أبوه؛ لأن (أل) صارت جزءً من العَلَم لأنه صار علَماً، فإذا كان كذلك حينئذٍ (أل) هذه صارت جزءً من مدخولها، فلا يُعَارضُ بين جمع (يا) و (أل). (إِلاَّ): هذا استثنى، (مَعَ اللَّهِ) فيُقَال: يا الله .. الله هذه (أل) هنا ليست جزءً من الكلمة، وإنما عُومِلَت معاملة الجزء، فيجوزُ في الاختيار: يا ألله بِقَطْع الهمزة، ووصلها يعني يُقال (ياالله) بدون همزة، أو بقطعها كما تقول: جَاء الرجل .. هذا الرجل وصلت الهمزة، وأما: يا ألله نقول: هذا بالقطع. (إِلاَّ مَعَ اللَّهِ) فيجوزُ إجماعاً، للزوم (أل) حتى صارت كالجزء منه، فتقول: يا ألله بإثبات الألفين، ويا الله بحذف الهمزة الثانية. (وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ)، يعني نحو: يا المُنْطَلِق زيدٌ، أو المُنْطَلِق أبوه، يعني: لو سُمي رجل .. (مَحْكِيِّ الجُمَلْ) يعني: جملة محكية، سواءٌ كانت جملة اسمية أو جملة فعلية، تأبط شراً .. شاب قرناها، تقول: هذه جملة فعلية مُحَوَّلة من جملة إلى كونها علَماً، وسبق هذا في باب العلم. في نحو: يا المُنْطَلِق زيدٌ، فيمن سُمي بذلك، نَصَّ على ذلك سيبويه: أن المستثنى هو لفظ الجلالة الله ومَحْكِيُّ الجُمَل، وزاد عليه المُبَرِّد: ما سُمي به مِن موصولِ مبدوء بـ (أل)، لو سُمي بالذي: قام أبوه .. يا الذي قام أبوه .. يا التي قام أبوها، نقول: إذا سُمي به وهو مبدوء بالهمزة جاز أن يلي (يا) النِدائية.

أي: مع الصلة إذ هو محل الخلاف، وأما مُجرَّد الموصول المُسَمى به فوفاقاً على المنع من نِدائه، يعني لو سُمي رجل: الذي فقط، هذا ممنوع من النداء .. (الذين) لو سُمي الذين لا يلي. أمَّا إذا سُمي به مع الصلة هذا محل النزاع، أجازه المُبَرِّد: يا الذي قام أبوه .. يا التي قام أبوها، حينئذٍ يلي (يا). وصَوَّبه الناظم في غير هذا الكتاب، وزاد في التسهيل (اسم الجنس المُشَبه به) نحو: يا الأسد شِدَّةً أقبل، والجمهور على منعه. إذاً مَمَّا قيل: أنه مُستثنى بالإجماع: (الله) .. لفظ الجلالة، هذا محل وفاق. (وَمَحْكِيِّ الجُمَلْ): أقرب إلى الإجماع: يا المُنْطَلِق. وأمَّا الاسم الموصول المُسَمى به مع جملة الصلة، وهذا أجازه المُبَرِّد، والجمهور على المنع، وكذلك اسم الجنس المشبه به نحو: يا الأسَد شِدَّةً أقبل، هذا الجمهور على منعه وجَوَّزه بعضهم. وَبِاْضْطِرَارٍ خُصَّ جَمْعُ يَا وَأَلْ ... إِلاَّ مَعَ اللهِ ومَحْكِيِّ الْجُمَلْ (مَحْكِيِّ) معطوف على لفظ الجلالة، (الجُمَل)، وَالأَكْثَرُ اللَّهُمَّ يعني: في نداء اسم الله: يا الله، الأكثر أن تُحْذَّف (يا) ويُعَوَّض عنها (ميم) في آخره فيقال: اللهم، إذاً: عُوِّض عن (يا) النِدائية بعد حذفها (ميم) في الأخير. (وَالأَكْثَرُ) هنا قال: أكثر، فُهِمَ منه أن قولهم: يا الله قليل .. أقل، وإن كان جاء على القياس: يا الله. فُهِمَ منه أن قولهم: يا الله، وإن كان جائزاً في الاختيار دون: اللهم، في الكثرة، والأكثر في قولهم، أو نداء اسم الله: اللهم، أن يُحْذف حرف النداء ويُعوَّض عنه (الميم) بِالتَعْوِيضِ، أي: بتعويض ميمٍ مُشَدَّدَة عن حرف النِداء. حينئذٍ إذا كانت الميم عِوَض، واللهم أصله: يا الله وحُذِفت (يا) وعوض عنها (الميم)، حينئذٍ على القاعدة: أنه لا يُجْمَع بين العِوَض والمُعَوَّض عنه، فلا يُقال: يا اللهم، ولذلك قال: (وَشَذَّ يَا اللَّهُمَّ) شَذَّ لماذا؟ للجمع بين (يا) و (الميم)؛ لأن (الميم) عِوَض عن (يا) حينئذٍ لا يُجْمَع بينهما .. العِوَض والمُعوَّض عنه لا يُجْمَع بينهما. (فِي قَرِيضِ) ما المُراد به؟ الشعر .. شَذَّ في الشعر، وأما في النثر فلا يجوز استعماله البتة، (وَالأَكْثَرُ) هذا مبتدأ، (اللهُمَّ) خبره، (بِالتَّعْوِيضِ): متعلق به. (وَشَذَّ يَا اللَّهُمَّ فِي قَرِيضِ) واضح. لا يجوز الجمع بين حرف النِداء و (أل) في غير اسم الله تعالى، وما سُمي به من الجمل إلا في ضرورة الشعر كقوله: فَيَا الغُلاَمَانِ اللَّذَانِ فَرَّا ... إِيَّاكُمَا أَنْ تُعْقِبَانَا شَرَّا هذا لا يجوز في الاختيار، (فَيَا الغُلاَمَانِ) .. غلامان .. الغلامان: هذا ممتنع. وأما مع اسم الله تعالى ومَحكِي الجُمَل فيجوز، فتقول: يا الله بقطع الهمزة ووصلها، وتقول فيمن اسمه الرجل المُنْطَلق: يا الرجل المُنْطَلق أقبل.

والأكثر في نِِداءِ اسم الله: (اللَّهُمَّ) بميمٍ مُشَدَّدة مُعوَّضة من حرف النداء، هذا على مذهب البصريين، وأما عند الكوفيين فـ (الميم) بقية جملةٍ محذوفة، وهي: (أمنَّا بخيرٍ) .. يا الله أمنَّا بخيرٍ: حُذِفت: (أمنَّا بخيرٍ) وعُوِّض عنها (الميم)، إذاً: هل يجوز الجمع بينهما؟ نعم يجوز؛ لأن (الميم) هنا ليست عِوَض عن الياء، فيقال: يا اللهم على مذهب الكوفيين؛ لأن الميم ليست عِوَضاً عن (يا) بل هي موجودة، وليست عِوَضاً عن حرف النداء ولذا أجازوا الجمع بينهما في الاختيار. إذاً: الأكثر في نِداءِ اسم الله: اللهم بميم المشَدَّدة معوضة من حرف النداء، وشَذَّ الجمع بين الميم وحرف النداء في قول: إِنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا ... أَقُولُ يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا ... هذا شَاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقَاس عليه. نقول الخاتمة: تُسْتَعمل (اللَّهُمَّ) على ثلاثة أنحاء .. (اللهم) هذه ترد في ألسنة الناس: الأول: النداء المحض، وهو الذي سبق بيانه: اللهم اغفر لي .. اللهم ارحمني إلى آخره، أصله: يا الله. الثاني: أن تقع جواباً لتمكين الجواب في نفس المُخَاطَب، كأن يُقال: أزيدٌ قائمٌ؟ فتقول: اللهم نعم، تقع مُؤكِّدة للجواب، تُسأل فتقول: اللهم نعم .. اللهم سأذهب، هذا من باب التأكيد. الثالث: أن تُسْتَعمل دليلاً على الندْرَة وقلة وقوع المذكور عند قولك مثلاً: أنا أزورك اللهم إذا لم تدعُني، هذه تأتي عند الناس في مقام الاستثناء: اللهم إلا أن يحصل كذا، حينئذٍ نقول: هذا اقترانٌ بلفظ: اللهم دليلٌ على القلة .. على أن ما بعدها قليل الوقوع: سآتيك اللهم إلا أن يحصل أمرٌ آخر، نقول: الأصل الإتيان، وحصول أمرٍ آخر هذا مُسْتَثنىً بـ: (اللهم). (أن تُسْتَعمل دليلاً على الندْرَة وقلة وقوع المذكور) نحو قولك: أنا أزورك اللهم إذا لم تدعُني، فوقوع الزيارة مقرونة بِعَدَم الدعاء قليل. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

98

عناصر الدرس * أحكام تابع المنادى * ملخص الفصل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال الناظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ). أي: في أحكام تابع المُنَادى، لأنه لمَّا ذَكَر المُنَادى شرع في بيان ما يتبعه، والمُراد بالتابع: ما سبق من التوابع الخمس، وهي: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل، لأنه قد يقع بعد مُنَادى، سواءٌ كان مُنَادىً مبنياً أو مُعْرَباً بالنصب، والمضاف، والنكرة غير المقصودة، والشبيه بالمضاف قد يقع بعده ما يصلح أن يُعْرَب واحداً من هذه التوابع الخمس. (فَصْلٌ) أي: هذا كلامٌ مفصولٌ عَمَّا سبق، ويتعلق بجنسٍ مُعيَّن من أحكام التوابع. قال رَحِمه الله تعالى: تَابِعَ ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ ... أَلزِمْهُ نَصْبَاً كَأَزَيدُ ذَا الحِيَلْ تَابِعَ ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ .. (تَابِعَ): هذا مفعولٌ منصوب، والعامل فيه محذوف، يعني: من باب الاشتغال: (تَابِعَ أَلزِمْهُ)، إذاً (أَلزِمْ): هذا فعل أمر عَمِلَ في ضميرٍ يرجع إلى هذا المتُقدِّم، وهذا قلنا: هو حقيقة باب الاشتغال: إِنْ مُضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلاً شَغَلْ ... عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمحَلّ فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِفعْلٍ أُضْمِرَا ... حَتْمَاً مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا وهنا: (أَلزِمْ تَابِع ذِي الضَّمِّ)، حينئذٍ صار محذوفاً وحكمه -حكم الحذف-: الوجوب، لأنه ذُكِر: لا يُجْمَع بين المُعَوَّض والعِوَض عنه. (تَابِعَ) إذاً: مفعولٌ به وهو مضاف، و (ذِي الضَّمِّ): مضاف إليه، (المُضَافَ) بالنصب: نعت لـ (تَابِعَ) ونعت المنصوب منصوب. إذاً: (تَابِعَ ذِي الضَّمِّ)، (تَابِعَ) هذا مفعولٌ به، و (المُضَافَ) هذا نعته، و (دُونَ أَلْ) هذا مُتعلِّق بِمحذوف منصوب على الظرفية .. مُتعلِّق بِمحذوف حال من تابع، وهو مضاف، و (أَل) قُصِد لفظه: مضافٌ إليه. و (أَلزِمْهُ) الجملة لا محل لها من الإعراب، لأنها مُفَسِّرة، الهاء: في محل نصب مفعول أول، أَلزِمْ: يتعدى إلى مفعولين، و (نَصْباً) مفعولٌ ثانٍ، والجملة لا محل لها من الإعراب، لأنها وقعت مُفَسِّرة، والجملة المُفَسِّرة لا محل لها من الإعراب، المُفَسِّرة لأي شيء؟ للعامل المحذُوف، في قولنا: (تَابِعَ) .. أَلزِمْ تَابِع ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَل نَصْباً، حينئذٍ نُقَدِّر لـ: (تاَبِعَ) لأنه مفعول أول يُعْتَبر لـ: (أَلزِمْ) ونُقَدِّر له مفعولاً ثانياً: نَصْباً. (كَأَزَيدُ ذَا الحِيَل) يعني كقولك: أَزَيدُ، الهمزة للاستفهام، وزَيدُ: مُنَادى مبنيٌ على الضَمِّ في محل نصب، لماذا بُنِي على الضَم؟ لأنه مفرد، وشأن المفرد في باب المُنَادى: أنه يُبْنى على الضَمِّ. (ذَا الحِيَل) ذَا: هذا نعت .. صفة، حينئذٍ نُصِبَ باعتبار المحل، ذا: مضاف، والحيل: جمع حيلة مضاف إليه.

(تَابِعَ ذِي الضَّمِّ) (تَابِعَ) هذا جنس يدخل فيه جميع التوابع، وشأن الأجناس أنها تَعُم .. ما عَمَّ اثنين فصاعداً، حينئذٍ التوابع الخمسة دخلت في قولنا: تَابِعة، لكن بالمقابلة بغيره فالمُراد بالتابع هنا: واحدٌ من ثلاثة أمور وهي: النعت، والتوكيد، وعطف البيان، ويَخرج منه: عطف النسق، والبدل، بدليل قوله: وَاجْعَلاَ كَمُّسْتَقلٍِّ نَسَقاً وبَدَلاَ .. هذا دَلَّ على أن قوله: (تَابِعَ) الحكم هنا في البيت الأول خاصٌ بالنعت، والتوكيد، وعطف البيان، وأما النسق بنوعيه المحلى بـ (أل) والمُجرَّد عن (أل) هذا خارج عن الحكم، والبدل كذلك خارجٌ عن الحكم. إذاً: الحكم الذي هو قوله (أَلزِمْهُ نَصْبَا) هذا مُتَعْلقٌ بالنعت، والتوكيد، وعطف البيان، وما عداها فهو خارجٌ. (تَابِعَ ذِي الضَّمِّ) ذِي: يعني المُنَادى، (ذِي) هذا من حيث المعنى صفة لموصوفٍ محذوف، يعني: مُنَادى، لأننا نتكلم عن أحكام تابع المُنَادى، ولذلك هذا الفاصل مقرونٌ بسابقه. (تَابِعَ ذِي) يعني: المُنَادى ذي .. صاحب الضَمِّ، وما هو المُنَادى صاحب الضم؟ العَلَم، والنكرة المقصودة، سواءٌ كانا مبنيين قبل النداء أو طرأ عليهما البناء، يعني: عن حكم عام، ليس خاصاً بما طرأ عليه البناء، بل هو عامٌ في النوعين. (وَانْوِ انْضِمَامَ مَا بَنَوا قَبْلَ النِّدَا) إذاً: الحكم يُعْتَبر داخلاً، إذاً: (ذِي الضَّمِّ) المُراد به: العَلَم، والنكرة المقصودة، والمبني قبل النداء، لأنه يُقَدَّر ضَمُّه، خرج به المنصوب، فحينئذٍ (تَابِعَ) المنصوب له حكمه الخاص، لا يُقال: (أَلزِمْهُ نَصْبا) بل يجوز فيه الوجهان: (ومَا سِوَاه انْصِب أَوِ ارْفَعْ)، إذاً: خرج المنصوب، فإن تابعه غير النسق والبدل منصوبٌ مطلقاً، نحو: يَا أخَانَا الفَاضِلَ، ويا أخانا الحَسَنُ الوجهِ، ويَا خَيْراً من عمروٍ فاضلاً، إذاً: خرج المنصوب، فإن تابعه منصوبٌ مُطْلَقاً، يعني: بدون قَيد .. خرج به المنصوب، لأنه منصوبٌ بدون قيدٍ، بخلاف التابع الذي يكون (تَابِع ذِي الضَّمِّ) فلا بُدَّ من تقييده. قوله: (ذِي الضَّمِّ)، قيل: لو قال: بالبناء لَشَمِل نحو: يا زيدان ابني عمروٍ، ويا زيدان، أصحاب بكرٍ، لأن قوله: (ذِي الضَّمِّ) أخرج ذي الألف وذي الواو، وهذا يُعْتَبَر من المفرد، لأن المرُاد هنا: تابع المُنَادى المبني، وهذا المبني يشمل ما كان مبنياً على الضَّمِّ، وما كان مبنياً على الألف، وما كان مبنياً على الواو. فقوله: (ذِي الضَّمِّ) هذا فيه قُصُور، ولذلك لو قال: (ذي البناء) لَشَمِل نحو: يا زيدان ابني عمروٍ، ويا زيدان أصحاب بكرٍ، والمُرَاد بـ (الضَّمِّ) هنا لفظاً أو تقديراً، كـ: (يا سيبويه ذا الفضل)، ولذلك قلنا: (ذِي الضَّمِّ) يَشمَل المبني قبل النِداء، لأنه يُقَدَّر ضمه. (تَابِع ذِي الضَّمِّ المُضَافَ) هذا شرطٌ ثاني: أن يكون التابع مضافاً، خَرَج َبه تابع المفرد، حينئذٍ له حكمه الخاص: (ومَا سِوَاه انْصِب أوِ ارْفَعْ) خرج به المضاف.

ومَحلُّ وجوب نصب التابع المضاف - أطْلَق الناظم هنا - قال: (المُضَافَ) إذاً: كل تابعٍ مضاف (أَلزِمْهُ نَصْباً) يَجِّب فيه النصب، حينئذٍ يَعُمُّ ماذا؟ يَعُمُّ الإضافة المحضة والإضافة اللفظية. ومَحل وجوب نصب التابع المضاف إذا كانت إضافته محضة، وإلا جاز رفعه إذا كانت إضافته لفظية، ولكن إنما يُنْعَت المُنَادى المضموم - مبني - بمضافٍ إضافةٍ غَيْرِ محضة إذا كان نكرة مقصودة، إذ يجوز نعتها بالنكرة لكون تعريفها طارئاً، فلا يُقال حينئذٍ: كيف النكرة المقصودة وهي معرفة تُنْعَت بالنكرة؟ نقول: لا، هنا رُوعِي الأصل، التعريف هنا طارئ، وهذا التعريف لم يَمنع أن تُنْعَت النكرة المقصودة بالنكرة، فيجوز نَعْت النكرة المقصودة - وهي معرفة بعد النداء - بالنكرة. فلا يُقال: كيف يُنْعَت المضموم بالمضاف إضافةً غير محضة، مع كون المنعوت معرفةً والنعْت نكرة؟ ومثل المضاف هنا: الشبيه بالمضاف، فيَتَعيَّن نصبه، وجَوَّز الرضِي رفعه، وجَوَّز السيُوطي رفع المضاف إضافةً غير محضة لأنها على تقدير الانفصال. إذاً قوله: (المُضَافَ) ليس على إطلاقه، وإنما المُراد به .. مَحلُّ الوجوب إذا كانت الإضافة محضة خالصة، وأما غير المحضة فمحل خلاف، منهم من جَوَّز الرفع، ومنهم من أوجب النصب، فمحل نزاع. (تَابِع ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ) يعني: أن يكون دون (أل) يعني: غير مقرون بـ (أل)، أشار به إلى أن المُراد بالتابع: ما عدى البدل والنسق بقرينة المقابلة. (أَلزِمْهُ نَصْبا)، إذاً: بهذين الشرطين: أن يكون مضافاً، وغير مقرون بـ (أل)، (أَلزِمْهُ نَصْباً) يعني: يجب نصبُه، نَصْباً مراعاةً لأي شيء؟ للمحل، لأن (ذِي الضَّمِّ) من حيث اللفظ مبني، ومن حيث المحل مُعْرَب فهو منصُوب، إذاً: (أَلزِمْهُ نَصْباً). (كَأَزَيدُ ذَا الحِيَل) .. (أَزَيدُ ذَا الحِيَل): صاحب الحيل، ولا يصح (أَزَيدُ ذَو الحِيَل) اعتباراً باللفظ، يعني: لا يجوز أن يُعْرَب بحركة أو حرف لمشاكلة حركة المبني، وهو لا يكون مبنياً، وإنما إذا أُعرب الثاني سيأتينا: (وَمَا سِوَاه انْصِب أَوِ ارْفَعْ)، الرفع لا يكون بناءً في الثاني، وإنما يكون من باب الإتباع .. حركة مشاكلة فحسب، وإلا ليس مبنياً إلا في البدل وعطف النسق. (كَأَزَيدُ ذَا) ذَا: هذا نعت صفة، (ذَا الحِيَل): هذا في النعت. (أو بياناً) نحو: يا زيد عائِدَ الكلب، (أو توكيداً): يا زيد نَفْسَه، هنا يَتعيَّن النصب .. يجب: يا زيد نفسه، ويا تَميم كلهم أو كلكم، يجوز أن يكون الضمير هنا بالخِطَاب وبالغيبة. إذاً: (أَلزِمْهُ نَصْباً) نعتاً كان: (كَأَزَيدُ ذَا الحِيَل)، أو بياناً - عطف بيان - نحو: يا زَيدُ عائد الكلب، أو توكيداً، نحو: يا زَيد نفسه بوجوب النصب، ويا تميمُ كلهم، إذا كان توكيداً .. كلهم أو كلكم، يجوز فيه الوجهان، لماذا؟ لأن المُنَادى إذا كان اسماً ظاهراً صار له جهتان: جهة كونه مُنَادى، وهذا يقتضي الخِطَاب. وجهة كونه اسماً ظاهراً، والاسم الظاهر من أنواع الغَيْبَة، حينئذٍ لك أن تَعْتبِر الخطاب، فتقول: كلكم .. يا تميم كلكم، ولك أن تَعْتبِر أن الاسم الظاهر هذا غَيْبَة: يا تميم كلهم، يجوز فيه الوجهان.

قال الشارح هنا: " إذا كان تابع المُنَادى المضموم مضافاً غير مُصَاحِبٍ للألف واللام وجَبَ نصبه: يا زيد صَاحِب عمروٍ ". إذاً: تَابِع ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ ... أَلزِمْهُ نَصْباً .. يعني: في التابع المستوفي للشروط، وذلك إذا كان التابع غَير عطف النسق والبدل، مضافاً مُجرَّداً من (أل). قال السيُوطي: " ومثله الشبيه بالمضاف ". (وَمَا سِوَاه انْصِب أوِ ارْفَعْ) .. (ما سِوَاه) يعني: سوى المضاف دون (أل). (وَمَا سِوَاهُ) أي: سِوَى التابع المُسْتكْمِل للشرطين السابقين، تابع المضموم خاصةً، المستكمل للشرطين المذكورين وهما: الإضافة والخلو من (أل). (ما سواهما) قال: (انْصِب أَوِ ارْفَعْ) يعني: يجوز فيه الوجهان: الرفع والنَصْب، وذلك شيئان: المضاف المقرون بـ (أل) والمفرد، إذاً: يُقابل المضاف دون (أل) المضاف المقرون بـ (أل)، ويقابل المضاف المفرد، لأننا قلنا: خرج بـ (المضاف) المفرد، وخرج بدون (أل) ما كان مقترناً بـ (أل) إذاً: يشمل شيئين: المضاف المقرون بـ (أل) والمفرد. قيل: ومثله أيضاً -على الخلاف- مثله الشبِيه بالمضاف، لأن بعضهم جَوَّز فيه الرفع، هنا قلنا: الشبيه بالمضاف هذا مُخْتَلَف فيه: منهم من جعله من القسم الأول: أنه يلزم النَصْب، ومنهم من جعله من القسم الثاني: أنه يجوز فيه الوجهان: الرفع والنصب. ومثله: الشبيه بالمضاف، والمضاف إضافة غير محضة، لأننا قلنا: المضاف إضافة غير محضة لا يلزم النَّصْب، فقوله: (المُضَافَ) في البيت السابق مُخَصَّص بالإضافة المحضة، إذاً: المُضاف المقرون بـ (أل) والمفرد، وكذا الشبيه بالمضاف، والمضاف إضافة غير محضة. هذه أربعة أشياء: المضاف المقرون بـ (أل)، والمفرد، والشبيه بالمضاف، والمضاف إضافة غير محضة. (وَمَا سِوَاهُ) يعني: سوى المذكور الذي هو: المضاف، ودون (أل)، فدخل فيه هذه الأربعة الأنواع، ما حكمه؟ (انْصِب أَوِ ارْفَعْ)، يجوز فيه الوجهان أنت مُخَيَّر بين الوجهين. ووجه جواز الأمرين في المضاف المقرون بـ (أل) والشبيه بالمضاف، والمضاف إضافة غير محضة، إلحاقها بالمفرد، يعني: إذا ضُمَّت ونُصِبت، نقول: وجه الجواز هنا - الجمع بين النوعين - إلحاقها بالمفرد، لأنك إذا نَعتَّ بالمفرد قلت: يا زيد الظرِيفُ الظرِيفَ، جاز فيه الوجهان، حُمِلَ عليه كأنه جُعِلَ أصلاً، وحُمِلَ عليه الشبيه بالمضاف، والمقرون بـ (أل)، والمضاف إضافة غير محضة، إلحاقاً بالمفرد، لأن غَيْرَ المحضة ومنها: إضافة المقرون، كـ: لا إضافة .. كأنها غير مضافة، لأن الإضافة غير المحضة في نِيَّة الانفصال فكأنه غير مضاف، وكذلك الإضافة غير المحضة هي في نية الانفصال، وكذلك المقرون بـ (أل). ولم يُلْحَقَا به إذا نُوديا مستقلين محافظةً على إعرابهما الذي هو الأصل، فأُلْحِقا به تابعين، لأنه قد يَرِدْ: لماذا لا نقول: يا صَاحَب الدار بالبناء إلحاقاً له بالمفرد؟ ونحن هنا ألحقناه بالمفرد، نقول: فرقٌ بين أن يُنْظر إليهما بالإعراب وهما أصلٌ،, وبين أن يُنْظر إليهما في الإعراب وهما فرعٌ، يعني: تابعين غير مستقلين، ففرقٌ بين النوعين.

فأُلحقا بالمفرد حيث كانا تابعين غير مستقلين، ونُظر إليهما في الاستقلال بانفكاكهما عن المفرد، إذاً: هذا له جهة وله جهة. ولم يُلحقا به إذا نُودي مستقلين محافظةً على إعرابهما الذي هو الأصل .. الأصل فيه: أنه مُعْرَب، لأنه مضاف فلا يُبْنى، فأُلحقا به تابعين لمشابهتهما له مع حُصول الإعراب لفظاً وتقديراً، يعني: أُلحقا به وأعطيا الرفع لكنه صورة، وإلا في الحقيقة فهما مُعْربان، لأن الإعراب يكون مُقدَّراً. وهذا في حالة رفعهما على القول بأن الحركة إتباع لا إعراب، وهذا هو الصحيح: أن الحركة إتباع لا إعراب، ولم يُلحقا به مستقلين محافظةً على الإعراب، فَرُوعي الإعراب في الحالين، ودخل في المفرد هنا نعت النكرة المقصودة، مُعَرَّفاً بـ (أل) أولا، فيجوز حينئذٍ أن يُقال: يا رجل العاقلُ والعاقلَ، (العاقلُ) بالرفع ليست هذه حركة بناء، وإنما هي حركة إتباع، و (العاقلَ) اعتباراً بالمحل، ويا رجلُ عالمٌ وعالماً .. (عالمُ) بدون تنوين، و (عالماً) باعتبار المَحلِّ. فإن نَصَبْت (رجلاً) .. يا رجلاً، حينئذٍ جاز، لجواز نَصْب النكرة المقصودة الموصوفة تَعيَّن نصبه. (قولٌ): أن النكرة المقصودة إذا نُعِتت جاز نصبها: يا رجل خُذْ بيدي، قيل: إذا نُعِتَ (يا رجل) جاز نصبها، لكنه غير مشهور. إذاً: (وَمَا سِوَاهُ) قلنا: سوى المضاف المقرون بـ (أل)، (انْصِب أَوِ ارْفَعْ): يجوز فيه الوجهان: النَصْب والرفع، وهنا قَدَّم النصب على الرفع، لكن ظاهره لمَّا أتى بـ (أو) أن الوجهين على السواء. (انْصِب أوِ ارْفَعْ): النَصب واضح باعتبار المحل، (أَوِ ارْفَعْ) ظاهره: أن رفع التابع إعرابٌ، لأنه قال (ارْفَع)، وهذا إنما يُعَبَّر به في الإعراب، حينئذٍ يَرِد السؤال: ما العامل؟ هذا مَحلُّ إشكال، لا جواب عليه إلا أن نقول: ليست الحركة حركة إعراب، وإنما هي حركة مُشاكَلة .. متابعة، حينئذٍ تُقدَّر الحركة عليه، يُقال: هو منصوبٌ تابعٌ .. نعتٌ مثلاً منصوبٌ وعلامة نصبه الفتحة المُقَدَّرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بِحركة الإتباع أو المُشاكَلة. قوله: (أَوِ ارْفَعْ) ظاهره أن الرفع .. رفع التابع إعرابٌ، واستُشكل بأنه: لا عامل هناك يقتضي رَفْع التابع، بل هناك ما يقتضي نَصْبَه وهو (أدعو) .. أدعو زيداً، حينئذٍ نقول: وُجِدَ ما يقتضي النصب، ولم يُوجَد ما يقتضي الرفع، وحينئذٍ ما وجه الرفع؟ لا عامل هناك يقتضي رفع التابع، بل هناك ما يقتضي نصبه وهو: (أدعو) فقيل: العامل مُقدَّرٌ من لفظ عاملٍ متبوعٍ مبنياً للمجهول، وهذا تَكَلُّف! أن يكون كل لفظ رُفِع فيه المقرون بـ (أل) وهو تابع، أو المفرد، حينئذٍ نُقَدِّر له عامل، نقول: هذا فيه تَكَلُّف، وخاصةً إذا كان مبنياً للمجهول، ومن لفظ المتبوع، وهذا فيه تَكَلُّف، ويؤدي إلى التزام قَطْع التابع. وقيل: حركته حركة إتباع لا إعراب ولا بناء وهذا هو الصحيح. إذاً: (وَمَا سِوَاهُ) يعني: سوى التابع مِنْ تابع المضموم خَاصةً المُستَكمِل للشروط المذكورة السابقة وهما: الإضافة، والخلو من (أل)، وذلك شيئان: المضاف والمقرون بـ (أل)، والمفرد.

(انْصِب أَوِ ارْفَعْ) فتقول: يا زَيدُ الكريمُ الأبِ، (زَيْدُ) هذا مُنَادى (ذِي الضَّمِّ) إذاً: وجِدَ فيه الشرط، قال: (الكريم) نُعِتَ بما فيه (أل) وهو مضاف .. مضافٌ مقرونٌ بـ (أل)، حينئذٍ يجوز فيه الوجهان: يا زَيدُ الكرِيمَ الأبِ، ويا زَيْدُ الكرِيمُ الأبِ. أما: يا زَيْدُ الكرِيمَ الأبِ بالنصب فواضح على أنه إتباعاً لمحل زيد فهو نصب، وأما: يا زَيدُ الكرِيمُ الأب، حينئذٍ نقول: هو منصوبٌ ونصبه فتحة مُقَدَّرة، وإنما جاز لك نطقاً أن تنطِق به مضموماً إتباعاً للسابق في المشاكلة فحسب، فالحركة حركة إتباع. يا زَيْدُ الكرِيمُ الأبِ، ويا زَيْدُ الحسَنُ الوجهِ .. الحسَنَ الوجهِ .. الحسَنُ الوجهِ، هذا محلىً بـ (أل)، ويا زَيدُ الظَرِيفُ .. يا زَيدُ الظَرِيفَ: هذا مفرد، جاز فيه الوجهان: النصب باعتبار المحل، والرفع باعتبار المشاكلة. (الظرِيفُ) بالرفع، هل نقول: هو مبني؟ لا، ليس مبنياً هو مُعْرَب على الأصل، من أين جاءت هذه الضَمَّة؟ نقول: هذه الضَمَّة ليست ضَمَّة إعراب، ولا بناء، وإنما هي حركة مُشَاكلة فحسب، حينئذٍ نُقدِّر الفتحة أصله: يا زيد الكرِيمَ الأب، ويا زيد الظرِيفَ، هذا الأصل، ثُمَّ منَاسبةً لضَمَّة (زيد) قلت: الكرِيمُ .. الظرِيفُ فقط، وإلا فالأصل: هو مُعرَبٌ، حينئذٍ تكون الفتحة مُقَدَّرة، وهذا أحسن ما يُقال في المقام، وما عداه فهو تَكَلُّف. (يا زيد الظَريِفُ والظَريِفَ) بالرفع والنصب، فـ (الرفع) إتباعاً للفظ؛ لأنه يُشْبِه المرفوع من حيث عروض الحركة، و (النصب) إتباعاً للمحل: ..... وَاجْعَلاَ ... كَمُسْتَقلٍّ نَسَقاً وبَدَلاَ وَمَا سِوَاهُ ارْفَعْ أَوِ انْصَبْ هذا تابعٌ لقوله: تَابِع ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ ... أَلزِمْهُ نَصْبَاً ......... حينئذٍ يكون الحكم في البيت، ونصف الشطر الأول من البيت الثاني: يكون متعلقاً بالنَّعْت، والتوكيد، وعطف البيان. هذان الحكمان: إلزام النصب، وجواز الوجهين، في هذه التوابع الثلاثة فحسب، وهي: النَّعْت، والتوكيد، وعطف البيان. إن كان مضافاً (التابع) وهو واحد من هذه الثلاثة .. مضافاً مقروناً بـ (أل) وجَبَ النَصب .. إن كان عطف البيان، والتوكيد، والنَّعت مضافاً لـ (أل) أو مفرد جاز فيه الوجهان. فأما: النَّسق، والبدل، فالنسق نوعان: نسقٌ مقرونٌ بـ (أل) .. مصحوب (أل)، ونسقٌ مُجرَّدٌ عن (أل). (وَاجْعَلاَ كَمُسْتَقِلٍّ نَسَقاً وَبَدْلاَ)، (وَاجْعَلاَ): الألف هذه مُنقَلِبة عن نون التوكيد الخفيفة. (اجْعَلنَّ) يعني: صَيِّرَن، (كَمُسْتَقِلٍّ نَسَقاً) .. (اجْعَلن نَسَقاً كَمستَقلٍ) (نَسَقاً): هذا مفعول أول لـ: (اجْعَل)، و (كَمسْتَقلٍ): مُتَعلِّق بمحذوف مفعول ثاني لـ: (اجْعَل)، (اجْعَل نَسَقاً) يعني: المعطوف عطف نسق (كَمُسْتَقِلٍّ) يعني: كمُنَادى مستقل. حينئذٍ تُقَدِّر قبله حرف نِداء، ثُمَّ تعامله مُعامَلة المُنَادى، هل يجب نَصْبه .. هل يجب ضَمُّه؟ إلى آخره، فتنظر إليه من حيث كونه مُنَادىً مُستقلاً. (وَاجْعَلاَ كَمُسْتَقِلٍّ) يعني: بالنِداء، سواءٌ كان المُنَادى مبنياً على الضم أو منصوباً، فيُنْظر في حاله نسقاً خالياً من (أل) لقوله:

وَإِنْ يَكُنْ مَصْحُوبَ أَلْ مَا نُسِقَا ... فَفِيهِ وَجْهَانِ ........ إذاً: نُقيِّد قوله: (نَسَقاً) في البيت هذا .. نقيده بالمُجْرَّد عن (أل)، حينئذٍ يُعَامل مُعَاملة المُنَادى المستقل. تقول: يا رَجُلُ وزيد، (زَيدُ) كأنك قلت: ويَا زَيدُ، عَامَلتَه مُعَامَلة المنادى المستقل، تقول: يا زيد وأبا عبد الله .. ويا أبا عبد الله، حينئذٍ إذا قلت: يا زَيدُ .. إذا قلت: يا رَجُلُ وزَيْدُ، (زَيْدُ): هذا يَتَعيَّن فيه الرفع .. البناء، ولا يجوز فيه النصب، فلا تقل: يا رَجُلُ وزَيْدَ، باعتبار المحل، لماذا؟ قالوا: إقامةً للواو هنا مُقَام العامل .. نائبة عن عامل، حينئذٍ نَنْظُر إلى النسق كأنه مُنَادى مُستَقل مُنْفَصل عَمَّا سبق، فتقول: يا رَجل ويا زَيْدُ، لو قلت: يا زَيْدُ، حينئذٍ تَعيَّن البناء، فإذا قلت: يا رَجُلُ وأبا عبد الله، حينئذٍ الثاني يتَعيَّن فيه النصب. إذاً: لا يجوز فيه الوجهان والمحل واحد .. (النسق المُجرَّد من (أل)) لا يجوز فيه الوجهان والمحل واحد: يا رَجلُ وزَيْدُ، هذا محل واحد، هل يجوز فيه الوجهان؟ لا، إنَّما جاز فيه الضَمُّ وجوباً، بناءً على أنه مُنَادى مستقل: يا رَجلُ وأبا عبد الله، تَعيَّن فيه النصب. إذاً: جاز فيه الرفع .. البناء، وجاز فيه النصب، ولكن لا في محلٍ واحد، بخلاف: يا زَيْدُ الظرِيفْ، يجوز فيه الرفع والنصب والمحل واحد، نفس التركيب. إذاً: (واجْعَلَّنْ كَمُسْتَقِلٍ نَسَقاً): نَسَقاً مُجرَّداً عن (أل) كَمسْتَقلٍ، يعني: بالنداء، كأنه مُنَادى مستقل. فيجب بناؤه على الضَمِّ إن كان مُفرداً، ونصبه إن كان مضافاً، على ما سبق بيانه. أو (وَبَدَلاَ)، يعني: إذا كان التابع بدلاً - هذا معلوم مما سبق - حينئذٍ نَنظر إليه نَظراً مستقلاً، لماذا؟ لأن البدل إعرابه بِنية تَكرار العامل. فإذا قلت: يا زَيْدُ أبا عبد الله، تَعيَّن النصب، لماذا؟ لأن: يا زَيدُ أبا عبد الله، (أبا عبد الله): هذا بَدَل كل من كل، فحينئذٍ بِنِيَّة تَكْرار العامل، وهو العامل فيه، كأنك قلت: يا أبا عبد الله، بل هو في المعنى كذلك: يا أبا عبد الله، و (أبا عبد الله) هذا يجب نصبه. وتقول: يا رجلُ زيدُ، هنا يجب فيه البناء، كأنك قلت: يا رجلُ يا زيدُ فهو بدل، حينئذٍ يَتعيَّن فيه البناء على الضَم، كما تَعيَّن في الأول النصب لكونه مضافاً. (وَاجْعَلاَ كَمُسْتَقِلٍّ) بالنداء (نَسَقاً) خالياً من (أل) (وَبَدْلاَ)، هنا لم يُقَيد (بدل) لكونه خالياً من (أل)، لماذا؟ قالوا: لأنه لا يكون في النداء إلا خالياً من (أل) .. لا يكون البدل في النداء إلا خالياً من (أل)، فحينئذٍ لا نحتاج إلى أن نُقَيده، لأنه لا يوجد في النداء إلا وهو خالٍ عن (أل)، بخلاف النسق فيجوز فيه الوجهان. قال الشارح: (وَمَا سِوَاهُ) أي: ما سوى المضاف المذكور يجوز رفعه ونصبه، رفعه إتباعاً للفظ، لأنه يُشْبِه المرفوع، ونَصْبه إتباعاً للمحل، وهو المضاف المصاحب لـ (أل) والمفرد، فتقول: يا زَيْدُ الكرِيمُ الأب، بِرفع الكريم ونصبه، ويا زيد الظرِيفُ، برفع الظريف ونصبه.

وحُكْم عطف البيان والتوكيد حُكْم الصفة، فتقول: يا رَجُلُ زَيْدٌ وزَيْداً، بالرفع والنصب، ويا تميم أجمعون وأجمعين – انظر! ابن عقيل هنا ما ذكر هذا الحكم في البيت السابق - يعني: كأنه جَعَل (تَابِعَ ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ) مُقَيَّد بالمثال .. المثال خاصٌ بالصفة، حينئذٍ كأنه قَيَّدَه بالمثال، فقال: (تَابِعَ) أي: صفة (ذِي الضَّمِّ) .. نَعْت (ذِي الضَّمِّ). فحينئذٍ فات الناظم أن يُنَبِّه على عطف البيان والتوكيد، ولذلك قال: " وحكم عطف البيان والتوكيد حكم الصفة " كأنه استدراك على الناظم، والصواب أن يقال: (تَابِعَ) هذا جنس يشمل التوابع كلها، حينئذٍ نخص منها النسق والبدل بالأبيات اللاحقة، ويُجْعَل الحكم عَامَّاً في عطف البيان، والنعت، والتوكيد. وأما عطف النسق والبدل ففي حكم المُنَادى المستقل، (عطف النسق) يُقَيد بأن يكون مُجرَّداً عن (أل) والبدل في حكم المُنَادى المستقل، فيجب ضَمُّه إذا كان مُفرَداً نحو: يا رجل زَيْدُ .. (زَيْدُ) هذا بدل من رجل، مبنيٌ على الضَّمِّ في محل نصب، ويا رجلُ وزيدُ: هذا معطوفٌ على رجل، وهو مُنَادى مبني في محل نصب. كما يجب (الضَّمُّ) لو قلت: يا زيد، ويجب نصبه إن كان مُضافاً، نحو: يا زيد أبا عبد الله، ويا زيد وأبا عبد الله، كما يجب نصبه إذا قلت: يا أبا عبد الله، وهكذا حُكمُهمَا مع المُنَادى المنصوب، لأن البدل في نِيَّة تَكرار العامل، والعَاطِف كالنائب عن العامل، فإذا كَرَّرَت حرف النداء مَعهُما كَانَا كالمبَاشِرَين لحرف النداء. وَإِنْ يَكُنْ مَصْحُوبَ أَلْ مَا نُسِقَا ... فَفِيهِ وَجْهَانِ ............................... ما معنى البيت؟ إذاً: المَنْسوق له حالان: مَنْسوقٌ مُجرَّدٌ عن (أل) فحينئذٍ يَتعيَّن فيه وجهٌ واحد: وهو أنه كمُنَادى مستقل. ومَنْسوقٌ مُحلى بـ (أل) فحينئذٍ فيه وجهان: كالمضاف المقرون بـ (أل)، والمفرد. (وَإِنْ يَكُنْ) .. (مَا نُسِقَا) .. (مَصْحُوبَ أَل)، (مَصْحُوبَ) ما إعرابه؟ خبر (يكن) (مصحوب): مضاف، و (أل) قُصِد لفظه مضافٌ إليه. (مَا نُسِقَا): (ما) اسم موصول بمعنى: الذي، و (نُسِقَا): الألف هذه للإطلاق .. (نُسِقَ) هو نائب فاعل، والجملة صلة الموصول، و (مَا) هذه قلنا: في محل رفع اسم (يكن)، و (مَصْحُوبَ): خبر مقدم. (فَفِيهِ) يعني: في المنْسُوق بـ (أل) إذا وقع تابعاً، (وَجْهَانِ): ما هما هذان الوجهان؟ ما ذكر هو، هو ذكر قال: (وَرَفْعٌ يُنْتَقَى) وسكت عن الوجه الثاني، حينئذٍ يُقابله النصب من باب أنه مذكورٌ في قوله: (وَمَا سِوَاه انْصِب أَوِ ارْفَعْ) لأن الخفض هنا غير وارد، وحينئذٍ إما نصبٌ، وإما رفعٌ. (فَفِيهِ وَجْهَانِ): وهذا بالإجماع .. محل وفاق، وإنما الخلاف في الأرجح، يجوز وجهان في المنْسُوق المصحوب لـ (أل) بالإجماع، وإنما وقع الخلاف في أيهما أرجح، قال: (وَرَفْعٌ يُنْتَقَى) تقول: يا زيد والحارث، (الواو) حرف عطف، و (الحارثُ) و (الحارثَ) هذا منسوق مُحلىً بـ (أل) فيجوز فيه الوجهان.

يا زيد وحارثُ .. وحارثُ وحارثاً، هل يجوز فيه الوجهان؟ يَتعيَّن البناء على الضم هنا، لماذا؟ لكونه مُجرَّداً عن (أل) أما: يا زيدُ والحارثُ .. والحارثَ، جاز فيه الوجهان، عَطْف على المحل بالنصب، ومراعاة المُشَاكَلة في الرفع. (فَفِيهِ وَجْهَانِ) بالإجماع وهما الرفع والنصب، تقول: يا زيد الحارثُ .. الحارثَ. (وَرَفْعٌ يُنْتَقَى): يُخْتَار يعني، عُلم منه أن ثاني الوجهين هو النصب، لأنه اختار الرفع .. نَصَّ على الرفع، فالخلاف في الاختيار، والوجهان مجمعٌ على جوازهما. (وَرَفْعٌ يُنْتَقَى) أي: يُخْتَار وفاقاً للخليل وسيبويه والمازني، لما فيه من مُشاكَلة الحركة، ولحكاية سيبويه: " أنه أكْثَر في كلام العرب من النصب "، إذاً (وَرَفْعٌ يُنْتَقَى): موافقةً لسيبويه، لأن سيبويه حَكَا أن أكْثَر كلام العرب الرفع، يعني: وجوده في لسان العرب الرفع أكثر من النصب، وإذا وُجِدَ أكثر كان هو المختار، مع جواز الوجه الآخر. واختار أبو عمرو ويونس (النصب)؛ لأن ما فيه (أل) لم يَلِ حرف النداء، فلا يُجْعَل كلفظ ما وليه، اختار النصب يعني: النصب أرجح، لماذا؟ لأننا قلنا في البيت السابق: أن حرف العطف نائبٌ مناب العامل، فكأنه مُكَرَّر، فلو قيل: يا زيد ويا الحارث، هل يصح؟ لا يصح أن يتسلَّط عليه العامل، أو (يا) الندائية؛ لكونه مُحلىً بـ (أل)، و (يا) والمحلى بـ (أل) قلنا: لا يجتمعان إلا في الضرورة، هذا هو الأصل. حينئذٍ مراعاةً لهذا قال: " النصب أرجح " لأنك لو رفعت حينئذٍ صار في قوة: يا زيدُ ويا الحارثُ، وهذا محذور، لكن ليس بظاهر. واختار أبو عمرو ويونس (النصب)؛ لأن ما فيه (أل) لم يَلِ حرف النِداء فلا يُجْعَل كلفظ ما وليه، فلا تُطْلَب مُشاكَلتُه له. وقال المُبَرِّد بالتفصيل: " إن كانت (أل) مُعرِّفة فالنصب، وإلا فالرفع " إن كانت مُعرِّفة: ((يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)) [سبأ:10] (أل) مُعرِّفة، حينئذٍ النصب، " وإلا فالرفع " لأن المُعرَّف بـ (أل) يشبه المضاف حينئذٍ يُنْصَب. وقال المُبَرِّد: " إن كانت (أل) مُعرِّفة فالنصب، وإلا فالرفع " لماذا؟ لأن المَعْرِفة .. المُعَرَّف بـ (أل) يشبه المضاف. وَإِنْ يَكُنْ مَصْحُوبَ أَل مَا نُسِقَا ... فَفِيهِ وَجْهَانِ: الرفع والنصب. (وَرَفْعٌ يُنْتَقَى): يُخْتَار، وقلنا: هذا بالإجماع أنه جائزٌ فيه الوجهان، وإنما الخلاف في المختار، إلا فيما عُطِفَ على نكرة مقصودة، نحو: يا رجل والغلام، فلا يجوز فيه عند الأخْفَش إلا الرفع، إذا كان معطوفاً على نكرة مقصودة لا يجوز عند الأخْفَش، وإلا الكثير على خلافه. قال الشارح هنا: أي إنما يجب بناء المنْسُوق على الضَمِّ إذا كان مُفرَداً مَعْرِفةً بغير (أل) " -هذا ما يتعلق بالبيت السابق- " فإن كان بـ (أل) جاز فيه وجهان الرفع والنصب، والمختار عند الخليل وسيبويه ومن تبعهما الرفع وهو اختيار المصنف، ولهذا قال: (وَرَفْعٌ يُنْتَقَى) أي: يُخْتَار، فتقول: يا زيد والغُلامَ .. والغُلامُ، بالرفع والنصب. ومنه قوله تعالى: ((يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)) [سبأ:10] والطَّيْرُ .. والطَّيْرَ، لكن استبعد الطيْرَ (النصب).

وَأَيُّهَا مَصْحُوبَ أَلْ بَعْدُ صِفَهْ ... يَلزَمُ بِالرَّفْعِ لَدَى ذِي المَعْرِفَهْ وَأَيُّ هَذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَد ... وَوَصْفُ أَيٍّ بِسِوَى هَذَا يُرَد (أَيّ) .. لفظ (أَيّ) .. الآن انتقلنا إلى لفظ (أَيّ)، (أَيّ) قد تكون مُنَادى: يا أيُّ .. يا أيُّها .. يا أيَّتُها. إذاً: قد تقع مُنَادى، فلها أحكامٌ تَختَص بها، (أَيُّ) إذا كانت مُنَادى لَزِم وصفها بمصحوب (أل) واجب الرفع، نحو: يا أيها الرجلُ، لَزِم وصفها بمصحوب (أل)، وسيأتي أنه قد يكون غير ذلك، وأنه يَلْزَم الرفع: يا أيُّها الرجلُ، وإنما لزم رفع وصفها، وإن كان يجوز فيه الرفع والنصب إذا كان المُنَادى غير (أيّ) لإبهامها، وهي نكرة مقصودة. (يا أيُّ): هذه نكرة مقصودة .. (الرجلُ) في مثله يجوز فيه الوجهان، النكرة المقصودة: يا رجلُ الظَرِيْفَ .. الظَرِيْفُ، قلنا يجوز فيه الوجهان، وهنا في باب (أَيّ) الصفة يَتعيَّن، أن يكون مرفوعاً، ولا يجوز فيه النصب، مع كون محل (أَيّ) النصب، ومع ذلك يمتنع، قيل: لإبهامها وهي نكرة مقصودة. و (أَيُّهَا): هذا مبتدأ، (يَلزَمُ): هذا خبرها. و (أيها يلزم) ما قال: (تلزم) باعتبار اللفظ، الأصل أن يقول: تلزم هي (أَيُّ). و (أَيُّهَا)، أَيُّ: هذا مبتدأ، (يَلزَمُ): هذا خبر، (مَصْحُوبَ أَلْ) هذا مفعول: (يَلزَمُ أَيُّ مَصْحُوبَ أَلْ). (بَعْدُ) بعدها (صِفَهْ). (بِالرَّفْعِ) واضح البيت؟ (أَيُّهَا) مبتدأ، (يَلزَمُ) خبر، ((يَلزَمُ أَيُّ مَصْحُوبَ أَل بعدها صِفَهْ بِالرَّفْعِ). إذاً: الشرطان مأخوذان من البيت، يجب أن يكون ما بعد (أَيّ) مصحوب (أَلْ)، (الرجل)، ثم بالرفع ولا يجوز فيه النصب، (يَلزَمُ) يعني: يجب. إذاً: و (أَيُّهَا) يلزم مصحوب (أَلْ)، (بَعْدُ) هذا حال من قوله صفة؛ لأن الظرف إذا تَقَدَّم على النكرة أُعْرِب حالاً، يعني أصل التركيب: مصحوب (أل) صفةً بعدها .. هذا الأصل، (بَعْدُ) صفة لصفة، لكن لمَّا قُدِّم عليه الظرف إذا كان صفةً لنكرة، وكذلك الجار والمجرور إذا تَقدَّم على الموصوف حينئذٍ أُعْرِب حالاً. فالأصل هنا: مصحوبة (أَلْ) صفةً .. (صفةً) هذا حال من مصحوب (أل). (بعدها) يعني: بعد (أَيّ)، فـ (بَعْدُ): مُتعلق بِمحذوف صفة لصفة، لكن لمَّا قُدِّم حينئذٍ صار منصوباً على الحالية من صفة. إذاً: (بَعْدُ) هذا حالٌ من صفة، حُذِف المضاف ونُوِي معناه. (بعدها) فالضمير المحذوف يعود على (أَيّ). (يَلزَمُ بِالرَّفْعِ): هذا حال ثانية من مصحوب (أل) وليس متعلقاً بيلزم لا! لأننا نتكلم عن مصحوب (أل) .. مصحوب (أل) بالرفع. إذاً وصفان: أن يكون مُحلىً بـ (أل) وأن يكون مرفوعاً، فلا يجوز فيه الوجه الثاني مِمَّا جاز في غيره وهو النصب، يتَعيَّن فيه الرفع. (لَدَى): هذا مُتعلِّق بقوله: (يَلزَمُ) بمعنى: عند. (يَلزَمُ) .. (لَدَى): عند، (ذِي) (لَدَى) مضاف، و (ذِي): بمعنى صاحب، مضاف إليه معرفة، وهذا تَعرِيضٌ لمذهب المازِني كما سيأتي.

إذاً: إذا نُودِيَت (أَيّ) فهي نكرة مقصودة مبنية، هذا مُطَّرِد، يأتيك: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:104] .. ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)) [الأنفال:64] .. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) [النساء:1] إعراب واحد، "أيُّ" مُنَادى نكرة مقصودة مبني، وما بعدها إما مُحلى بـ (أل) أو اسم إشارة، أو اسمٌ موصول. فهي نكرة مقصودة مبنية على الضم، وتلزمها (هاء) التنبيه مفتوحة، وقد تُضَمُّ لتكون عِوضَاً عَمَّا فاتها من الإضافة. وتُؤَنَّث لتأنيث صفتها، يعني: (أيّ) تُؤَنَّث، فيقال: ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ)) [الفجر:27] .. (يا أيها) هذا الأصل، لم زِيدَت التاء؟ نقول: هذه التاء تاء التأنيث، لأن الموصوف مُؤَنث، فتقول: يا أيتها النفس .. يا أيها الرجل .. يا أيها الناس: هذا مُذَكَّر. فإذا كان مُذَكَّر الموصوف ذُكِّرَت (أَيّ)، وإذا كان مُؤَنث أُنِّثَت (أَيّ) كقوله: ((يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ)) [الانفطار:6] .. ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ)) [الفجر:27] ويَلْزم تابعها الرفع، يعني: لا يكون منصوباً البتة. إذاً: (أَيُّ) نكرة مقصودة مبنية، صفتها يكون مصحوب (أل) .. لا بُدَّ أن يكون مقروناً بـ (أل). قوله: (صِفَهْ) ظاهره: أنه صفةٌ مطلقاً، يعني: سواءٌ كان مُشتقاً أو جامداً، ليؤول الجامد حينئذٍ بالمشتق. (صِفَهْ) يا أيها الرجلُ .. يا أيها العاقل .. يا أيها الفاضل: هذا صفة وهو مشتق، جاء لا إشكَال فيه، يا أيها الرجلُ: هذا صفة، هو يقول: (بَعْدُ صِفَهْ): عام .. أطْلَق الناظم، حينئذٍ هل الرجل من الجامد الذي يؤول بالمشتق؟ وَانْعَتْ بِمُشْتَقٍّ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ ... وَشِبْهِهِ كَذَا وَذِي وَالمُنْتَسِبْ هل الرجل واحد مما ذكرناه من التسعة أو العشرة التي سبقت معنا في باب النعت؟ ليس منها إلا على مذهب ابن الحاجب: أنه لا يُشْترَط أن يكون النعت والصفة مشتقاً، وهذا يُنْسَب للمحققين: أنه لا يُشْترَط أن يكون مشتقاً، حينئذٍ يصح النعت بالرجل؛ لما فيه من معنى الرجولة. على مذهب ابن الحاجب: يا أيها الرجل، لا إشكال صفة .. نعت، أمَّا على مذهب الجمهور: يا أيها الرجلُ .. (الرجل) هل هو جامدٌ مؤولٌ بالمشتق؟ قلنا: المؤوُل بالمُشتق لا بُدَّ أن يكون سماعي، لا نأتي بأي لفظٍ هكذا، نقول: مؤول بالمشتق، حينئذٍ نقول: (الرجل) ليس في تأويل المشتق، والناظم هنا قد أطلق. إذاً قوله (صِفَهْ): ظاهره أنه صفةٌ مطلقاً، أي: سواءٌ كان مُشتقاً أو جامداً، حينئذٍ نحتاج إلى تأويل الجامد بالمشتق، إن أمكن فبها ونعمت، وإلا فيبقى إشكال. وقيل: عَطْف بيان، يعني: لا نقول صفة ما بعد (أَل) يا أيها الرجل .. يا أيها الفاضل .. يا أيها العاقل، (الرجل) و (الفاضل) و (العاقل) عطف بيان وليس بصفة، يعني: مطلقاً سواءٌ كان مُشتقاً أو جامداً، ويَرِد عليه: أن عَطف البيان لا يكون إلا جامداً، ويا أيها العاقل، ويا أيها الفاضل، هذا محل إشكال. وقيل: عطف بيان، وقيل .. وهو قولٌ ثالث: إن كان مُشتقاً فهو نَعْت، وإن كان جامداً فهو عَطْف بيان! إن كان مشتقاً نحو: يا أيها الفاضلُ فهو نعت، وإن كان جامداً، نحو: يا أيها الرجلُ فهو عطف بيان.

حينئذٍ هذا القول يسير مع الأقوال السابقة في الأبواب المختلفة، مع النعت ومع عطف البيان، فلا يَرِد عليه شيء البتة. أمَّا على رأي ابن مالك: (بَعْدُ صِفَهْ) يا أيها الرجل، أنت ما قلت .. (وَشِبْهِهِ كَذَا وَذِي وَالمُنْتَسِبْ) ما عَددت الرجل منها، حينئذٍ محل إشكال، وإذا قيل: عطف بيان مطلقاً، حينئذٍ جاء أن عطف البيان لا يكون إلا جامداً، وأما التفصيل فهو محل استحسان. (وَأَيُّهَا مَصْحُوبَ أَلْ)، أطلق الناظم (أَلْ) هنا، فيشمل (أَلْ) العهدية، والجنسية، واللازمة، والزائدة وغير اللازمة مطلقاً، لكن هذا ليس بِمُرَاد، وإنَّما مقصوده: (أل) الجنسية. يُشْتَرط أن تكون (أل) جنسية، أي: لا زائدة لازمة كـ: (اليسع)، أو غير لازمة كـ: (اليزيد)، ولا التي للمح الأصل كـ: (الحارث)، ولا التي للعهد كـ: (الزيدَين) و (الزيدِين)، ولا الداخلة على العلَم بالغلَبة كـ: (الصعق) و (النجم). والمُراد: أنها جنسية بحسب الأصل قبل دخول (يا)، فلا يُنَافي أن مصحوبها بعد دخول (يا) مُعيَّن حاضر. إذاً: المراد بـ (أل) هنا: اللفظ، أي: الجنسية، يعني: لا العهدية، ولا اللازمة الزائدة سواءٌ كانت زائدة للمح الصفة، أو دَالَّةً على الغلبة، أو نحوه مطلقاً، جميع أنواع (أل) خارجة بقولنا: الجنسية. طيب! متى تكون جنسية: بعد دخول (يا)، أو قبلها؟ قبلها .. بحسب الأصل، لأنه إذا دَخلَت (يا) حينئذٍ قلنا (يا) هذه تُعَرِّف .. ما بعدها يكون معرفة، وقلنا: (أيّ) نكرة مقصودة فهو معرفة. حينئذٍ نقول: (الرجل) هذا مُعَيَّن حاضر، لماذا؟ لكونه نَعْت للنَّكرة المقصودة، أو عطف بيان من النكرة المقصودة، إذاً: صار معناه مُعيَّناً، و (أل) الجنسية مدخولها معناه غير مُعيَّن، حينئذٍ كيف نَشتَرط أن يكون مصحوب (أل) .. أن تكون (أل) جنسية، ثُمَّ نقول: (الرجل) في قولنا: يا أيها الرجل .. يا أيها الإنسان هذا مُعيَّن؟ نقول: لا تنافي، اشتراط كونها جنسية قبل دخول (يا)، وأما كونه مُعيَّن فهو بعد دخول (يا) ففرقٌ بينهما، لأن (يا) لها تأثير، تَجعل النكرة معرفة بالإقبال والقصد. إذاً: (وَأَيُّهَا مَصْحُوبَ أَل): الجنسية، (بَعْدُ صِفَهْ)، (بَعْدُ) يعني: بعدها .. بعد (أيّ) يُعْرَب صفة، وهذا حالٌ من مصحوب (أل). (يَلزَمُ): يلزم أَي بِالرَّفْعِ .. (يَلزَمُ): الضمير هنا يعود على ماذا؟ على (أَيُّهَا). (بِالرَّفْعِ): هذا حالٌ من مصحوب (أل) حالٌ ثالثة، (بَعْدُ): حالٌ من (صِفَة)، و (صِفَة) هذا حالٌ مصحوب (أل)، و (بِالرَّفْعِ): حال من مصحوب (أل)، وبعضهم جَعَل (بَعْدُ) كذلك حال من مصحوب (أل)، لكن ليس بظاهر، لأن (صِفَة) بعدها .. بعد (أَي) هذا المُراد.

(لَدَى ذِي المَعْرِفَهْ): هذا تَعرِيضٌ بمذهب المازِني حيث أجاز نَصْبَه قياساً على صفة غيره من المُنادات المضمومة، يعني قول المازني -وهذا قيل: أنه خَرْقٌ للإجماع- جَوَّز: يا أيها الرَجُلَ، ويا أيها الإنسَانَ، لأنه في غير هذا المحل: يا زيدُ الظَرِيْفُ الظَرِيْفَ (صفة) يَجوز فيه الوجهان، كذلك فيما إذا كان نَعتاً لـ (أي) فتقول: يا أيها الرجُلُ .. يا أيها الرجُلَ .. يا أيها الفَاضِلُ .. يا أيها الفَاضِلَ .. يا أيها الإنْسَانُ .. يا أيها الإنْسَانَ، باعتبار الأصل، كما أنه يَجوز: يا زيد الظَريْفُ .. الظَريفَ، هذا مثله، والجمهور على خلافه. (وَأَيُّ هَذَا): هذا النوع الثاني مِمَّا يُوصف به (أَيُّ)، نقول: (أَيُّ) لا بُدَّ من وصفها: إمَّا بمصحوب (أل) وإمَّا باسم الإشارة، وإمَّا بـ: (الذي). (وَأَيُّ هَذَا) .. (أَيُّهَا الَّذِي): هذا الثاني والثالث. (مَصْحُوبَ أَل) .. (أَيُّ هَذَا) .. (أَيُّهَا الَّذِي) أي: (وَرَدَ). (أَيُّ هَذَا) مبتدأ، (أَيُّهَا) هذا معطوفٌ عليه على حذف حرف العطف. (الَّذِي) هذا صفة لـ (أَيّ)، (وَرَدْ) .. وَرَد المذكور (وَرَدْ) ولم يقل: (وردا) أي: ورد المذكور. أو على حذف مضاف، ولفظُ (أَيُّ هَذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدْ) اللفظ .. فلا إشكال، فإمَّا أن يؤوَّل الفاعل هنا الضمير بقولنا: (المذكور): ورد المذكور فيشمل المثنَّى، لأن الأصل أن يقول: (وردا)، (أَيُّ هَذَا) و (أَيُّهَا الَّذِي) وردا صفةً لـ (أَيّ)، حينئذٍ نقول: إمَّا أن يؤوَّل بالمذكور، وإمَّا أن يُجْعَل على حذف مضاف، فنقول: لفظُ (أَيُّ هَذَا) صار مفرداً. أي: وورَدَ أيضاًَ وصف (أيِّ) في النداء باسم الإشارة .. باسم الإشارة مطلقاً مفرداً، أو مثنَّىً، أو جمعاً، فلا يَختص بِما عيَّنَه الناظم (أَيُّ هَذَا) (ذا) اسم الإشارة المفرد، لا يُفْهَم منه أنه خاصٌ بالمفرد، وإنِما مُرَاده أنه وُصِف (أَيّ) باسم الإشارة، فيَعُم المفرد والمثنَّى والجمع. (أَيُّهَا الَّذِي) يعني: بموصولٍ فيه (أل)، نحو قوله: أَلاَ أَيُّهَذا البَاخِعُ الوَجْد نَفْسَهُ .. وقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ)) [الحجر:6] (الَّذِي): هذا نعتٌ لـ (ذا)، و (ذا) نعتٌ لـ (أيُّ). إذاً: وَأَيُّ هَذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَد ... وَوَصْفُ أَيٍّ بِسِوَى هَذَا يُرَدّ إذاً: حَصَر لك نعت (أَيّ) في ثلاثة مَحآل فحسب، وما عَدَاها فهو باطل لا يصح البتة، وهو: أن يكون مصحوب (أل) .. مُحلىً بـ (أل)، وأن يكون اسم إشارة مُطلقاً، وأن يكون اسماً موصول مبدوءً بـ (أل) فقط، وهو مُعيَّن، والقضية سَمَاعية. (وَوَصْفُ أَيٍّ بِسِوَى هَذَا يُرَدّ)، (وَصْفُ) مبتدأ، وهو مضاف و (أَيٍّ) مضافٌ إليه، و (بِسِوَى) مُتعلقٌ بوصف، (هَذَا) الذي ذُكِرَ (يُرَدّ)، ما إعراب (هَذَا)؟ مضاف إليه، و (يُرَدّ) خبر المبتدأ. (وَوَصْفُ أَيٍّ بِسِوَى هَذَا يُرَدّ): هل فيه فائدة جديدة هذا الشطر؟ قال الشاطِبِي: " حَشْوٌ لا فائدة فيه البتة " لماذا؟ لأنه قال: وَأَيُّهَا مَصْحُوبَ أَلْ بَعْدُ صِفَهْ ... يَلْزَمُ بِالرَّفْعِ لَدَى ذِي المَعْرِفَهْ

وَأَيُّ هَذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدْ ... ................................. مفهومه: أن غير المذكور من الثلاثة الأنواع لم يَرِد، حينئذٍ قوله: (وَوَصْفُ أَيٍّ بِسِوَى هَذَا يُرَدّ) (يُرَدُّ) فهو مردودٌ، قال الشاطِبِي: "إنه حَشْوٌ لا فائدة فيه". وأُجِيبَ: بأنه لمَّا عُلِمَ بقوله: (وَأَيُّ هَذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدْ) أن اللُّزُوم ليس ظَاهِرَه .. أنه ليس لازماً، لا اللُّزُوم ظَاهِرُه، لأنه قال: (وَرَدْ) .. (وَأَيُّ هَذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدَ): هذا الذي وَرَد في لسان العرب. مفهومه: أنًّ ما عداه لم يَرِد، فإذا لم يَرِد حينئذٍ ما وَرَد لازم، هذا الذي فهمه الشاطبي، وأُجِيْب بأنه قال: (أَيُّ هَذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدْ): لا يُفْهَم منه أنه لازم فيَتَعيَّن، حينئذٍ احتاج أن ينُصَّ على اللُّزُوم، فقال: (وَوَصْفُ أيٍ بِسِوَى هَذَا) المذكور السابق وهو الثلاثة الأنواع - مَصْحُوبَ أَلْ، واسم الإشارة، والذي- يُرَدُّ. على كلٍّ: يمكن أن يُقال: بأنه فيه فائدة، إذاً: (مَصْحُوبَ أَلْ)، واسم الإشارة، والذي هو الذي يكون صفةً لـ (أَيٍّ). قال الشارح هنا: " يُقال: يا أيها الرَجلُ، ويا أي هذا، ويا أيها الذي " أتى بالأوصاف الثلاثة: يا أيها الرَجلُ، مذهب الكوفيين: أن (ها) للتنبيه مع اسم الإشارة، فإذا قلت: يا أيها الرجل، تريد: يا أي هذا الرجل، ثُمَّ حُذِف (ذا) اكتفاءً بـ (ها). و: يا أي هذا .. يا أي هذا الرَجل، فـ (أي) مُنَادى مبنيٌ على الضَّم -هكذا نقول إعرابه-: (أي) منادى مبني على الضَّمِّ؛ لأنه نكرة مقصودة في محل نصب، و (ها) حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له من الإعراب، و (ذا) اسم الإشارة صفة لـ (أي) .. (أي): في محل رفع، لأنه قال: بالرفع هذا عام في: (مَصْحُوبَ أَلْ) واسم الإشارة، و (الذي) فهو عامٌ فيها الثلاث، و (ذا) صفةٌ لـ (أي) في محل رفع، و (الرجل) صفة لـ (ذا). إذاً: يا أيُّ هذا الرجل، (ذا) صفةٌ لـ (أيّ) و (الرجل) صفةٌ لاسم الإشارة، و (الرجل) صفةٌ لـ (ذا) أو عطف بيان مرفوع بضمة ظاهرة، ونحو: يا أيُّها الذي قام، فالذي: صفة (أي) في محل رفع، وهذا كله مبنيٌ على أن حركة التابع إعرابٌ، وهذا هو الصحيح. إذا قيل: بالرفع حينئذٍ نقول: ليست حركة إعراب، إذا قيل: يا أيها الرَجلُ، لا نقول: هذا مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، نقول: هذه حركة مُشاكَلة، وإنما هو باعتباره يكون منصوباً. قال هنا: " يُقال: يا أيها الرجل، ويا أي هذا، ويا أيها الذي فعل كذا، فـ (أيُّ) مُنَادى مُفرد مبني على الضم و (ها) زائدة – تنبيه يعني – و (الرجل) صفةٌ لـ (أي) ويجب رفعه عند الجمهور، لأنه هو المقصود بالنداء ". وأجَاز المازِنِي نصبه قياساً على جَواز نصب الظريف، في قولك: يا زيد الظرِيفُ بالرفع والنصب، ولا توصف (أيٌ) إلا باسم جنسٍ مُحلىً بـ (أل) كالرجل، أو باسم إشارة نحو: يا أي هذا أقبل، أو بموصولٍ مُحلىً بـ (أل): يا أيها الذي فعل كذا، ولا توصف إلا باسم جنسٍ مُحلىً بـ (أل) أو باسم إشارة.

ولا يُشْتَرَط لوصف (أيٍ) باسم الإشارة: خلوه من كاف الخطاب، وهو ظاهر المتن، لأنه أطلق قال: (أَيُّ هَذَا) حينئذٍ لو كان مُتصلاً بكاف الخطاب، ولا يُشْترَط في اسم الإشارة المذكور أن يكون منعوتاً بـ ذي (أل) بل ولو لم يكن منعوتاً. ثُم قال: وَذُو إِشَارَةٍ كَأَيٍّ فِي الصِّفَةْ ... إِنْ كَانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المَعْرِفَهْ (وَذُو إِشَارَةٍ) يعني: اسم الإشارة (كَأَيٍّ فِي الصِّفَه) يعني: في وجوب وصفه بما وُصِفَت به (أي)، من واجب الرفع مُعرَّف بـ (أل) أو الموصول المُصَدَّر بـ (أل)، وأما اسم الإشارة فلا، إنما يَتعيَّن فيه اثنان: وهو أن يكون مصحوب (أل) أو الاسم الموصول، (وَذُو إِشَارَةٍ) هذا مبتدأ، (كَأَيٍّ) يعني: مثل (أي) وهو خبر، (فِي الصِّفَةْ) حالٌ من الضمير المستكن في (أيٍ) .. جار ومجرور مُتعلق بِمحذوف، أو نقول: مثل (أيٍ) فهي اسمية، حينئذٍ يكون من المضاف. (إِنْ كَانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المَعْرِفَه) .. (يُفِيتُ) يعني: يُفَوِّت المعرفة، مفهومه -مفهوم مُخالفة-: أن اسم الإشارة قد لا يُفِيت المعرفة، فلا يَفْتقر إلى وصفٍ كسائر أنواع المُنَادى، (إِنْ كَانَ تَرْكُهَا) أي: ترك الوصف .. الصفة، (يُفِيتُ) أي: يُفَوِّت عِلْم المُخَاطَب بالمُنَادى، (المَعْرِفَهْ) يعني: العِلْم بالمُنَادى. إذاً: (وَذُو إِشَارَةٍ كَأَيَ فِي الصِّفَةْ) في لزوم وصفها بِمصحوب (أل) أو الموصول إذا كان عَدمُ الوصف يُفَوِّت المعرفة، يعني: لا يَدْري المُخَاطب ما المُراد باسم الإشارة، فإذا لم يدر تَعيَّن الوصف، فإن دَرَى حينئذٍ لا يَتعيَّن الوصف. (إِنْ كَانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المَعْرِفَهْ) بأن تكون هي مَقصُودة بالنداء، واسم الإشارة قبلها لمُجرَّد الوُصْلة لا نِدَائها كقولك لقائمٍ بين قومٍ جلوس: يا هذا القائم، أمَّا إذا كان اسم الإشارة هو المقصود بالنداء بأن قَدَّرَت الوقوف عليه فلا يلزم شيءٌ من ذلك، يعني: إذا قيل يا هذا القائم، إمَّا أنك تَقْصد أن المُنَادى هو القائم، حينئذٍ صارت لفظ (هذا) وصْلة مثل (أي)، وإمَّا أنك تقصد أن (هذا) هو المُنَادى، إن عَنَيت الأول فلا بُدَّ من الصفة، وإن عَنَيت الثاني فحينئذٍ يُمكن أن يُسْتَغْنى عن الصفة. إذا كان المقصود بالنداء هو لفظ الإشارة نفسه، حينئذٍ لا يلزم الوصف، بأن صَحَّ الوقف عليه: يا هذا، وأنا أعَيِّنك: يا هذا، لا نَحتاج أن نقول: يا هذا الرجل .. يا هذا القائم، يجوز حذف (القائم)، حينئذٍ صار هذا هو المقصود بالنداء، فحينئذٍ لا نحتاج إلى الوصف، وأمَّا إذا لم يكن كذلك حينئذٍ لا بُدَّ من الصفة.

إذاً: (إِنْ كَانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المَعْرِفَهْ) متى؟ بأن تكون هي مَقصودة بالنداء يعني: (الصفة)، واسم الإشارة قبلها لمُجرَّد الوصْلة إلى نِدائها، كقولك لقائمٍ بين قومٍ جلوس: يا هذا القائم، فيَتَعيَّن حينئذٍ الوصف .. لا بد من ذكر الصفة؛ لأن الوصف هو المقصود بالنداء، فصار (هذا) مثل (أي) في كونه وصْلة يُتَوَصل بها إلى نِداء ما فيه (أل)، أمَّا إذا كان اسم الإشارة هو المقصود بالنداء بأن قَدَّرت الوقوف عليه، يعني: يُمكن الوقف عليه فيَتم المعنى، فلا يلزم شيءٌ من ذلك، أي: مجموع ما ذُكِر، لأن بعضه يَلزم وهو القرن بـ (أل) .. منعوت (أل) .. صفة (أل) لا بُدَّ أن يكون مُحلىً بـ (أل). وإلا لصَحَّ: يا هذا رجلٌ وليس كذلك، لكن نقول: هنا (مَصْحُوبَ أَلْ) لا يُؤْخَذ حكمُه من هنا، وإنما يُؤْخَذ حكمه من باب النعت،؟؟؟ أن النَعْت .. اسم الإشارة لا بُدَّ أن يكون مُحلىً بـ (أل)، لا يجوز أن يكون نكرة: يا هذا رجلٌ لا يصح، بل لا بُدَّ أن يكون مُحلىً بـ (أل)، حينئذٍ يكون الحكم مأخوذ من حكمٍ سابق .. من باب النعت. ويجوز في صفته حينئذٍ ما يجوز في صفة غيره من المُنَاديات المبنيات على الضم، يعني: إذا قُصِد اسم الإشارة حينئذٍ لا يلزم الصفة، لكن لو ذُكِرَت فيجوز فيه الوجهان، مثل غيره من تابع المُنَادى، كأنك قلت: يا زيد الظرِيفُ الظرِيفَ، إذا قُلت: يا هذا القائم، وكان المقصود بالنداء هو لفظ (هذا) حينئذٍ لا نحتاج إلى القائم، لو ذكرناه جاز فيه الوجهان، وأما إذا كان هو المقصود تَعيَّن فيه الرفع وهو وجهٌ واحد. (وَذُو إِشَارَةٍ كَأَيٍّ فِي الصِّفَةْ) يعني: في لزومها، ولزوم رفعها، ولزوم كونها بـ (أل) على ما مَرَّ، نحو: يا ذا الرجل، ويا ذا الذي قام، ويا هذا الرجلُ، ويا هذا الذي قام، ويا هؤلاء الكرام، فـ (ها) للتنبيه، واسم الإشارة مُنَادى مُقدَّرٌ فيه الضَّم، وما بعده صفةٌ له مرفوعة باعتبار اللفظ للمُشاكَلة. وَذُو إِشَارَةٍ كَأَيٍّ فِي الصِّفَةْ ... إِنْ كَانَ تَرْكُهَا .. يعني: ترك الصفة .. (يُفِيتُ المَعْرِفهْ) .. (إِنْ كَانَ تَرْكُهَا)، (تَرْكُهَا) هذا اسم كان، و (يُفِيتُ المَعْرِفهْ)، (يُفِيتُ): خبر كان، و (المَعْرِفهْ): مفعول يفيت، فَات .. يُفِيت، أي: يُفَوِّت عِلْم المُخاطب بالمُنَادى. قال هنا الشارح: " يُقال: يا هذا الرجل، فيجب رفع الرجل إن جُعِل (هذا) وُصْلة لنِدائه، كما يجب رفع صفة (أي)، وإلى هذا أشار بقوله: (إِنْ كَانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المَعْرِفهْ)، فإن لم يُجْعَل اسم الإشارة وصْلة لنِداءِِ ما بعده لم يجب رفع صفته، بل يجوز الرفع والنصب ". فِي نَحْوِ سعْدُ سعْدَ الاَوْسِ ينتَصِبْ ... ثانٍ وضُمَّ وَافْتَحْ أَوَّلاً تُصِبْ (فِي نَحْوِ) فُهِم منه أنه ليس مقصوراً على المذكور، بل فيه قياسٌ كما سيأتي. (فِي نَحْوِ سَعْدُ سَعْدَ) يا سعد .. (سعد) هذا مُنَادى حُذِف (يا) النداء، (سعْدُ سعْدَ الأَوْسِ) يعني: في مثل هذا التركيب انظر: (سعْدُ سعْدَ الأَوْسِ) الأول علم مُفرد، والثاني علم مُفرد، والثاني مضاف: يا زَيْدُ زَيْدُ العِلْم مثلاً .. مثلُه.

من كل تركيبٍ وقع فيه المُنَادى مُفرَداً مُكرَّراً .. نفس اللفظ: (يَا زَيْدُ زيْدَ الْيَعْمَلاَتِ) .. من كل تركيب وقع فيه المُنَادى مُفرَداً مُكرَّراً، ووقع بعد المرة الثانية مضافٌ إليه، يعني: الثاني أُضِيْف وقع مضاف، وبعضهم لا يقول الثاني أُضِيْف من أجل إدخال بعض المذاهب، يُقال: ووقع بعد المرة الثانية مُضَافٌ إليه. إذاً: في مثل هذا التركيب يَنْتَصب ثانٍ وجُوباً، الذي هو (سعد) الثاني، (ينتَصِبْ ثَانٍ) وجُوباً، (ثانٍ) هذا فاعل، أين الرفع؟ مُقَدَّر على الياء المحذوفة تَخفيفاً، أو يُقال: بأنه سُكِّنَ (ثَانِي) ثُمَّ نُوِّنَ (ثانٍ) إذاً: فاعل ينتصب. (يَنتَصِبْ ثَانٍ) وجوباً، لماذا؟ لأنه مُضاف، مثل: يا غُلامَ زيدٍ .. يا صَاحبَ عِلْمٍ، مثلُه مضاف. (وَضُمَّ وَافْتَحْ أَوَّلاً) يعني: الأول يجوز فيه الوجهان: (سَعْدُ سَعْدَ) الضَمُّ بناءً على الأصل، والفتح هنا جاء فيه الخلاف كما سيأتي. إذاً (فِي نَحْوِ): هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَنتَصِبْ). (فِي نَحْوِ) يا (سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ يَنْتَصِبْ ثَانٍ) وجوباً، (وَضُمَّ) على الأصل (وَافْتَحْ) على الإتباع (أَوَّلاً)، - (أَوَّلاً) هذا متنازع فيه (ضُمَّ وَافْتَحْ) -، (تُصِبْ): هذا جواب الأمر، ضُمَّ تُصِب، (تُصِبْ): هذا فعل مضارع مجزوم لوقوعه في جواب الطلب. فإن ضَمَمْتَه فلأنه مُنَادى .. مُفرَد .. مَعرِفة، وانتصاب الثاني حينئذٍ، لأنه مُنَادى مضاف، أو توكيد، وهذا انْتُقِد كما سيأتي، أو عطف بيان، أو بدل، أو بِإضْمَار (أعني) كم وجه؟ خمسة: يجوز فيه أن يكون مُنَادى مضاف، يعني كأنه قال: (يا سَعْدُ يا سَعْدَ الأَوْسِ) .. (يا سَعْدَ) مُنَادى مضاف فهو منصوب. أو توكيد، وتوكيد المنصوب منصوب .. باعتبار المحل. أو عطف بيان، أو بدل، أو بإضْمَار (أعني)، يعني: صار مقطوعاً بتقدير عاملٍ محذوف. فإن ضُمَّ الأول كان الثاني منصوباً على التوكيد، وهذا مُعْتَرَض، لأنه إمَّا أن يكون تَوكِيداً مَعنَوياً أو لَفظِياً، (معنوياً) هذا محصور في السبعة الألفاظ: نفس، وعين إلى آخره. إذاً: ليس واحداً منها، وتوكيد اللفظ بأن يكون الثاني هو عَيْن الأول، وهنا هل هو عَيْنَه؟ (يَا سَعْدُ) غير مُضاف مفرد، (سَعْدَ الاَوْسِ) إذاً: يمتنع أن يكون توكيداً في اللفظي أو المعنوي، ولذلك أُعْتُرِض إعرابه توكيداً. أو على إضْمَار (أعني) أو على البدلية، أو عطف البيان، أو على النداء، وإن نُصِبَ الأول: (يا سَعْدَ)، فمذهب سيبويه: أنه مُنَادى مضاف إلى ما بعد الاسم الثاني، وأن الثاني مُقْحَمٌ بين المضاف والمضاف إليه، وهذا غريب! لماذا؟ لأنه يقول: أن الأول مضافٌ للثاني .. أنه مضافٌ إلى ما بعد الاسم الثاني، يعني: الأول مضاف للأوس. أصل التركيب: يا سَعْدَ الأَوْسِ سَعْدَ، ثُمَّ جيء بـ: (سعد) فأُقْحِم بين المضاف والمضاف إليه، وهذا مُعْتَرَض بأن المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة فلا يُفْصَل بينهما وهذا أجنبي عنه، حينئذٍ يكون يا سَعْدَ الأَوْسِ سَعْدَ، (يَا سَعْدَ) هذا يكون النصب هنا على الأصل، لأنه مضاف ومضاف إليه، وهذا يَتعيَّن فيه النصب، وهذا ضعيف.

المذهب الثاني .. مذهب المُبَرِّد: أنه مُضاف إلى محذوفٍ مثل ما أُضيف إليه الثاني، والثاني مضافٌ إلى الآخر كذلك، يعني كأن التركيب: يا سَعْدَ الاَوْسِ يا سَعْدَ الاَوْسِ .. يا سَعْدَ الأَوْسِ سَعْدَ الأَوْسِ، فحُذِف من الأول لدلالة الثاني عليه، حذف الأول: الأَوْسِ فقال: يا سَعْدَ سَعْدَ الأَوْسِ، وهذا مُعْتَرضٌ أن الحذف إنما يكون من الثاني لدلالة الأول عليه، لا العكس، لأن الذي يَدل ليس في أول الكلام .. ليس هو الذي يُحْذَف، وإنما لو قال: يا سْعَدَ سَعْدَ الأَوْسِ بأنه حُذِفَ الثاني ودَلَّ عليه الأول لصَحَّ: يا سَعْدَ الأَوْسِ سَعْدَ: هذا لا بأس به .. أن يُقال: حُذِف من الثاني (الأوس) فَدَّل عليه الأول، أما بالعكس هذا قليل نادر، فلا يُحْمل عليه. المذهب الثالث: أن الاسمين رُكِّبَا تركيب خمسة عشر، ففتْحَتُهما حينئذٍ فتحة بناء لا إعراب، ومجموعهما مُنَادى مضاف، وهذا مذهب الأعلى. إذاً: يا سَعْدَ سَعْدَ الأَوْسِ: إن ضُمَّ الأول يا سَعْدُ جاز في الثاني خمسة أوجه، وإن فُتِح الأول: يا سَعْدَ سَعْدَ الأَوْسِ: هنا وقع الإشكال. فلو قيل: بأن الفتحة هنا ليست فتحة إعراب، وإنما هي حركة مُشاكَلة لما بعده، وهو مُنَادى مبني في المحل .. انتهينا من الخلاف، وأمَّا على رأي سيبويه حينئذٍ: يا سَعْدَ سَعْدَ الأَوْسِ أصله: يا سَعْدَ الأَوس سَعْدَ، فأُقْحِم (سعد) بين المضاف والمضاف إليه. وعلى مذهب المُبَرِّد: أنه مضافٌ محذوف المضاف، يعني: يا سَعْدَ الأوس سَعْدَ الأوس، فحُذِف من الأول: يا سَعْدَ الأوس، فقيل: (يا سَعْدَ) وأُبقي الثاني دليلاً عليه، وهذا فيه ضعف. أو .. المذهب الثالث: أن الاسمين رُكٍّبَا تركيب خمسة عشر، وكل هذا فيها إشكال. إذاً: فِي نَحْوِ سعْدُ سعْدَ الاَوْسِ ينتَصِبْ ... ثانٍ وضُمَّ وافتح أَوَّلاً تُصبْ أما الثاني فهو منصوبٌ مُطلقاً، وإنما الوجهان في الأول فحسب. صَرَّح في الكافية: بأن الضَمَّ أمثل الوجهين، يعني قوله هنا: (وَضُمَّ وَافْتَحْ) قَدَّم الضَّمَّ فَدَّلَ على أنه أرجح، بل صَرَّحَ في الكافية: بأن الضَّمَّ أمثلُ الوجهين. ومذهب البصريين: أنه لا يُشْتَرط في الاسم المُكرَّر أن يكون عَلَماً بل اسم جنس: يا رَجُلُ رَجُلَ قومٍ، ولذلك قال: (فِي نَحْوِ)، إذاً يَجوز القياس، فلا يُشْتَرط في الأول أن يكون عَلَماً، فُهِم منه: أن ذلك جائزٌ في العلَم، وفي النكرة المقصودة، يُقال: يا غُلامُ غُلامَ زيد .. يا غُلامُ .. يا غُلامَ، بالوجهين، إذاً: لا يُشْتَرط أن يكون في العلَم، وهو مذهب البصريين كما ذكرناه سابقاً. مذهب البصريين: أنه لا يُشْتَرط في الاسم المُكرَّر أن يكون عَلَماً، بل اسم جنسٍ، نحو: يا رَجُلُ رَجُلَ قومٍ، هذا جائز مثل: يا غُلامُ غُلامَ زجلٍ أو زيدٍ، و (الوصف) نحو: يا صَاحِبُ صاحبَ زيدٍ يجوز فيه الوجهان، يا صَاحِبُ صَاحِبَ .. صَاحِبَ زيدٍ كالعَلَم.

وخالف الكوفيون: فمنعوا نصبه، وفي الوصف فذهبوا: إلى أنه لا يُنْصَب إلا مُنوَّناً، نحو: يا صاحباً صاحبَ زيدٍ، يعني لا يُقال: يا صَاحِبَ بدون تنوين كما هو مذهب البصريين، بل لا بُدَّ من تَنوِينه، هذا إذا كان الثاني مضاف، أمَّا إذا كان الثاني غَير مضاف: يا زيدُ زيدُ، دون إضافة، جاز ضَمُّه يعني: ضَمَّة بناء بدلاً ورفعه ونصبه عطف بيان على الأول أو المحل: يا زَيِدُ زَيِدَ .. يا زَيِدُ زَيدُ، يجوز فيه الوجهان. فأمَّا البدل فَمُنِع لأنه لا يَتَّحِد لفظ بدلٍ ومبدلٍ منه، إلا ومع الثاني زيادة بيان - وهذا ذكرناه من الفوارق -. وجَوَّز بعضهم أن يكون مُنَادىً ثانياً: يا زَيْدُ، كأنه مستقل، وأن يكون توكِيداً لفظياً، وهذا لا مانع منه لاتحاد اللفظ، ورَدَّه في شَرِح الكافية .. ردَّ كونه عطف بيان، لأن الشيء لا يُبيِّن نفسه، لو قيل: يا زيدُ .. (زيد) الثاني توكيد كان جيد، أو يُجْعَل كأنه مُنَادىً مستقل، أمَّا كونه عطف بيان: زيد وزيد، ليس فيه فائدة، بل قلنا: عطف البيان إذا اتَّحَد اللفظ خَرَج عن كونه بياناً، صار تُوكِيداً. ومثلُ: (يَا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ) .. (يَا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ)، ومثله المثال المشهور: (يَا زَيْدُ زيْدَ الْيَعْمَلاَتِ). إذاً خلاصة هذا الفصل، وهو أحكام تابع المُنَادى، نقول: تابع المُنَادى المبني على أربعة أقسام .. من أجل التشويش الذي أوْرَدَه النَّظم: القسم الأول: ما يجب نصبه مراعاةً لمحل المُنَادى، وهو ما اجتمع فيه شيئان: مضاف، ودون (أل): أن يكون نعتاً، أو بياناً، أو توكيداً. والثاني: أن يكون مُضافاً أو مُجرَّداً من (أل) .. (تَابِعَ ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ)، يُشْترط فيه: ما يجب فيه النصب مراعاةً لمحل المُنَادى، ما اجتمع فيه شيئان، الأول: أن يكون نعتاً، أو بياناً، أو توكيداً، يعني: لا بدلاً، أو عطف نسقٍ بالوجهين. الثاني: أن يكون مضافاً، أو مُجرَّداً من (أل) نحو: يا زَيدُ صاحبَ عمروٍ، ويا زَيدُ أبا عبد الله، ويا تَيمُ كلَّهم أو كلَّكم، هذا ذكرناه فيما سبق، ووجوب النصب هنا لتابع المُنَادى، بالشرطين المذكورين هو مذهب جمهور النحاة. وحُكِي عن جماعةٍ من الكوفيين منهم الكِسائي والفَرَّاء: جواز الوجهين النصب والرفع، فأمَّا النصب مراعاةً لمحل المُنَادى والرفع تبعاً للفظه، يعني: حركة مُشاكَلة وإتباعٍ، لأن هذه الضمة عارضة، لأن المبني طارئ لا أصلي، فتزول الضمة بزوال النداء، فأشبهت حركة الإعراب فجاز مُراعاتُها، وحكوا ذلك في النعت والتوكيد لا في عطف البيان؛ لقرب الشبه بالبدل، والبدل إذا كان مُضَافاً وجب نَصبُه، لأنه كنِداء مستقل، فما أشبهه وأخذ حكمه. الحاصل: أن القِسم الأول: ما يجب نَصبُه عند جمهور النحاة، خلافاً للكِسائي وغيره، وهو ما وُجِدَ فيه أمران: - أن يكون توكيداً، أو نعتاً، أو عطف بيان. - وأن يكون مضافاً مقروناً بـ (أل) هذا القسم الأول: ما يجب نصبه، وهو الذي عناه الناظم بالبيت الأول. القسم الثاني: ما يجب رفعه مراعاةً للفظ المُنَادى، وهو نعت (أيٍّ) و (أيَّةٍ) .. (أيَّةٍ): هذه التي ننبه عليها، (أيتها) نفسها.

ونعت اسم الإشارة إذا كان اسم الإشارة وُصْلة لنِدائه، نحو: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) [البقرة:21] .. ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ)) [الفجر:27] .. يا هذا الرجل، إن كان المُراد أولاً نِداء الرجل، هذا يَتعيَّن فيه الرفع وهو صفة (أيّ) أو (ذو) الإشارة الذي عُومِل معاملة (أيّ)، ليس فيه إلا وجه واحد وهو الرفع .. يَلْزَمُ بِالرَّفْعِ. القسم الثالث: ما يجوز رفْعُه ونصْبُه وهو نوعان: الأول: النعت المضاف المقرون بـ (أل) نحو: يا زيد الحسَنُ الوجهِ. الثاني: ما كان مُفْرداً من نعتٍ، أو بيانٍ، أو توكيدٍ، أو كان معطوفاً مقروناً بـ (أل) نحو: يا زيد الحْسَنُ الحْسَنَ، يجوز فيه الوجهان، ويا غُلامُ بشرٌ وبشراً، يجوز فيه الوجهان، ويا تَيْمُ أجمعون وأجمعين يجوز فيه الوجهان، قال تعالى: ((يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)) [سبأ:10] قراءة السبعة بالنصب وقُرِئ بالرفع. القسم الرابع: مَا يُعْطى تابعاً ما يَستَحقه إذا كان مُنَادىً مستقلاً، يعني: هو تابع، لكنه يُعَامل مُعامَلة المُنَادى المستقل وهو: البدل، وعطف النسق المُجرَّد من (أل)، يا زيد بِشْرُ .. (بِشْرُ) هذا بدل كل من كل، حينئذٍ نقول: هو على نِيَّة تكرار العامل: يا زَيدُ يا بِشرُ. ويا زَيدُ وبِشرُ، ويا زيدُ أبا عبد الله، ويا زيدَ وأبا عبد الله، وهكذا حكمهما مع المُنَادى المنصوب. هذا ما يتعلق بأحكام تابع المُنَادى. ونقف على هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

99

عناصر الدرس * المنادى المضاف إلى ياء المتكلم , وأحكامه * أسماء لازمت النداء. وأنواعه * شرح الترجمة / الإستغاثة , وحدها * حكم المستغاث وحكم لامه * حذف لام المستغاث. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: فقال الناظم - رحمه الله تعالى -: (المُنَادَى المُضَافُ إِلَى يَاءِ المُتَكَلِّمْ). المنادى قد يكون مُجرَّداً عن إضافةٍ مُطلقاً، وقد يكون مُضافاً، ثُمَّ إذا أضيف قد يُضاف إلى ياء المُتَكلِّم، وقد يضاف إلى غير ياء المُتَكلِّم، لمَّا اختص المنادى المضاف إلى ياء المُتَكلِّم بأحكام أفْرَدَه بفصلٍ كعادته فيما سبق. المنادى المضاف إلى ياء المُتَكلِّم أفرده بالترجمة لأن له أحكاماً تَخصُّه، فَتَقَدَّم فيما سبق في باب الإضافة: أن الأصل في ياء المُتَكلِّم، قيل السكون، وقيل الفتح .. لغتان: السكون والفتح، وأيهما أصل؟ قيل السكون، وقيل الفتح، كلٌ منهما ادعي أنه أصلٌ والآخر هو الفرع. وجُمِعَ بين القولين لأن السكون أصلٌ أول، والفتح أصلٌ ثاني، السكون أصلٌ أول، لأن الأصل في المبني أن يُسَكَّن: (وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا)، والفتح أصلٌ ثانٍ إذ هو الأصل فيما وضع على حرفٍ واحد، هذا فيما سبق معنا أيضاً، قلنا: التاء ضَرَبْتُ، هنا الأصل فيما وضع على حرفٍ واحد يكون مُحَرَّكاً، ثُمَّ إذا حُرِّكَ بالفتح حينئذٍ يكون حُرِّكَ طلباً للخفة، يعني: لماذا كانت الحركة فتحة؟ نقول: طلباً للخفة. (المُنَادَى المُضَافُ إِلَى يَاءِ المُتَكَلِّمْ). لو قال إلى الياء لاحتمل أنه مضاف إلى ياء المخاطبة، هكذا قيل! إذ لا يُضاف لياء المخاطبة، حينئذٍ نقول: قوله (المُتَكَلِّمْ) هذا لبيان الواقع، إذ لا يُضَاف لياء المخاطبة، وليس في الضمائر ياءٌ غيرهما، يعني: غير ياء المُتَكلِّم وغير ياء المخاطبة، لكن لا يضاف إلى ياء المخاطبة، لأن ياء المخاطبة هذه علامةٌ على الفعلية، فلا تدخل على الاسم .. لا تكون مضافاً. قال رحمه الله: وَاجْعَلْ مُنَادَىً صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا ... كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا هذه خمس لغات (وَاجْعَل) هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت (مُنَادَىً) هذا مفعولٌ أول، لأن اجعل يَتَعدَّى إلى مفعولين، (كَعَبْدِ) هذا مُتعَلِّق بمحذوف هو المفعول الثاني لاجعل، إذاً (مُنَادَىً) هذا مفعول أول، (كَعَبْدِ) هذا مفعولٌ ثاني، (اجْعَلْ مُنَادَىً) هذا مفعول أول، المنادى يعم .. يشمل المنادى الصحيح الآخر، والمعتل الآخر، لأنه نوعان: إمَّا أن يكون صحيحاً، وإمَّا أن يكون معتلاً، وسبق بيان الحكم في النوعين، ماذا قال هناك؟ آخِرَ مَا أُضِيفَ لِلْيَا اكْسِرْ إِذَا ... لَمْ يَكُ مُعْتَلاًّ. .... . . . إذاً: فَرَّقَ بين ما كان معتلاً، وما كان صحيح الآخر. هنا قال: (اجْعَل مُنَادَىً) فَعَمَّ، والحكم الخاص هنا وهو جعل خمس لغات في المضاف إليه المُتَكلِّم خاصٌ بالصحيح، حينئذٍ قال: (صَحَّ) يعني: منادىً صحيح .. صَحَّ آخره، صح: فعلٌ ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعود على المنادى، والجملة صفة، حينئذٍ صار قيداً .. قيداً لإخراج المنادى المعتل المضاف لياء المُتَكلِّم، حينئذٍ ليس له إلا لغةٌ واحدة، قبل النداء وبعد النداء حكمه واحد.

إذاً قوله: (صَحَّ) بأن يكون آخره حرفاً غير لين، يعني: غير حرف علة، أو آخره حرف علة لكنه يكون ساكن، يعني: ما قبله يكون ساكن، إذ شرط حروف العلة: أن يكون ما قبلها من جنس الحرف، إن كان واواً أن يكون مضموماً، إن كان ياءً أن يكون ما قبلها مكسوراً، والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً، ولذلك هي حرف مدٍ ولين، وأمَّا الواو والياء فيفترقان، إن ضُمَّ ما قبل الواو فهي حرف علة .. إن سَكن حينئذٍ نقول: هذا حرف لين. (صَحَّ) بأن آخره صحيحاً، يعني: ليس حرفاً من حروف العلة، أو كان آخره حرفاً من حروف العلة .. الواو أو الياء على التوسع، ولكن يكون ما قبلها ليس من جنسها، حينئذٍ نقول: هذه يجري مجرى الصحيح، مثل: دلوٍ وضبيٍ، (دلوٍ) هذا آخره واو، لكنه ليس معتلاً عند النحاة ولا عند الصرفيين، لأن شرط المعتل أن يكون ما قبله من جنس الحرف، يعني: حرَكَتُه دلوٌ .. ضبيٌ، إذاً: هذا يَجري مَجرى الصحيح. (صَحَّ) بأن يكون آخره حرفاً غير لين، أو ليناً قبله ساكن، لِين أو لَين يجوز فيهما الوجهان. إذاً: المعتل آخره ليس فيه إلا لغةٌ واحدة، وهي ثبوت ياءه مفتوحة، نحو: يا فتايَّ .. يا قاضيَّ، قاضيَّ نقول: هذا أدغمت الياء في الياء، يا فتايَّ .. يا قاضيَّ ليس فيه إلا لغةٌ واحدة، فالمعتل في النداء كحاله في غير النداء، الحكم واحد قبل النداء وبعد النداء، هنا قال: (صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا) لِيَا أي ياء؟ ياء المُتَكلِّم، لأنه كما سبق لا يضاف إلا إليها، وهي اسمٌ، لذلك نقول: هي مُرَكَّب إضافي، يعني: المضاف والمضاف إليه: غلامي .. عبدي، نقول: هذا مُرَكَّب إضافي، ولا تركيب إلا بين اسمين، إذ لا تركيب في حرف، لا نقول: ذاك وذلك مُرَكَّب تركيب إضافي، لأن الكاف واللام حرفان، وأمَّا هنا غلامي، نقول: هذه الياء اسمٌ. (إِنْ يُضَفْ لِيَا كَعَبْدِ) هنا المثال: كعبدِ قَيَّد قوله: (إِنْ يُضَفْ)؛ لأن إِنْ يُضَفْ .. يُضَف: هذا فعل، وهو مُنسبِك من مصدر، وقع في حَيِّز الشرط فيعم نوعي الإضافة: الإضافة المحضة، والإضافة اللفظية، لكن بقوله: (كَعَبْدِ) أخرج الإضافية اللفظية، إذ هذه الأوجه الخمسة المذكورة في الشطر الثاني لا تتأتى إلا في الإضافة المحضة، ولذلك قال: (عَبْدِ) هذا مثالٌ لأي شيء؟ للإضافة المحضة، عبدٌ لي: هذا الأصل. إذاً: هذه الأوجه الخمسة الآتية فيما إضافته إضافةٌ محضة، حينئذٍ لا بُدَّ من تقييد قوله: (إِنْ يُضَفْ) لأن هذا عام .. صيغة عموم (إِنْ يُضَفْ) كل إضافة لفظية أو معنوية، وهذه الأوجه فيما إضافته إضافة محضة ليست لفظية، وهذا مشعرٌ به التمثيل .. أشعر بهذا، أمَّا الوصف المشبه للفعل، وهو الإضافة اللفظية فإن يائه ثابتةٌ لا غير لا تحذف: ضاربي مطلقاً، لكن في الياء وجهان: الفتح والإسكان، إذاً: الياء ثابتة لا غير، لا يجوز حذفها إذا نودي: يا ضاربي .. يا مكرمي .. نقول: الياء ثابتة لا غير، لا بُدَّ من إثباتها ولا يجوز حذفها، ثُمَّ فيها وجهان: الإسكان والفتح، فياؤه ثابتة لا غير، وهي إمَّا مفتوحة أو ساكنة، نحو: يا مكرمي .. مكرميَّ، ويا ضاربي.

وهذا إن لم يكن الوصف مثنىً أو جمعاً وإلا تَعيَّن الفتح، يعني: إذا كان الوصف مفرداً حينئذٍ يكون فيه وجهان: الفتح في الياء .. الياء ثابتة لا غير، الكلام في حركة الياء، إمَّا ساكنة أو مفتوحة، فيما إذا كان الوصف ليس مثنىً أو جمعاً، فأمَّا إذا كان مثنىً أو جمعاً فليس فيه إلا الفتح. إذاً قوله (صَحَّ) أخرج المعتل فليس فيه إلا لغة واحدة، قبل النداء وبعد النداء، وهي إثبات الياء وتحريكها بالفتح، قوله: (إنْ يُضَفْ كَعَبْدِ) أخرج الإضافة اللفظية، وما حكمها؟ نقول: وجوب إثبات الياء ولا يجوز حذفها البَتَّة، ويجوز في الياء لغتان: الإسكان والفتح، وهذا إذا لم يكن الوصف مثنًى أو جمعاً، يعني: كان مفرداً: مكرمي .. ضاربي، وأمَّا إذا كان مثنىً أو مجموعاً فالياء ثابتة كذلك، وليس فيه إلا الفتح، وأمَّا الإسكان فلا يجوز. (إِنْ يُضَفْ لِيَا) أَيُّ ياء؟ نقول: ياء المُتَكلِّم .. تقييد بالترجمة، لأنه إذا قيَّد في الترجمة حينئذٍ يُحمل ما تحت الترجمة على الترجمة، فلما قال: المضاف إلى ياء المُتَكلِّم، أخرج المضاف إلى غير ياء المُتَكلِّم، كصاحب زيدٍ وغلام زيد، هذا ليس داخلاً معنا، ولذلك أضافه إلى ياء المُتَكلِّم، فقَيَّد الياء هنا بالمُتَكلِّم، إذاً: لمَّا أطلق (إنْ يُضَفْ لِيَا) حُمِلَ على ما قُيِّد به في الترجمة. هذا المضاف الصحيح الآخر، إذا أضيف لياء متكلم وليس معتلاً، وليس وصفاً مشبهاً للفعل، فيه خمس لغات، أشار إليها بالشطر الثاني، وسردها سرداً، ذكر الأولى، وهي الأشهر والأفصح، ثُم ثنى بما دونها، ثم الثالث والرابع والخامس لم يسوي بينهما، وإنما لم يستطع الترتيب من أجل الوزن، وإلا الأصل أنها مرتبة، لكنه قدم الأُولى وهي: (عَبْدِ) الأصل: عبدي، نقول: هذا هو الأكثر والأفصح، أن يُحْذَف الياء وتبقى الكسرة دليلاً عليها، تقول: يَا عَبدِ. إذاً: الأُولى أشار إليها بقوله: (كَعَبْدِ)، وقلنا (كَعَبْدِ) هذا مُتعلِّق بمحذوف مفعول ثاني لـ (اجْعَلْ)؛ لأن (اجْعَلْ) يطلب مفعوليه. (كَعَبْدِ) هذه اللغة الأولى، وهي حذف الياء والاستغناء بالكسرة، يعني: الاكتفاء بالكسرة .. يحذف ويستغني بالكسرة: عَبْدِ .. يَا عَبْدِ .. يَا غُلَامِ، تبقى الميم مكسورة وتبقى الدال مكسورة، نحو: يا عبد، وهذا هو الأكثر والأفصح، ومنه قوله تعالى: ((يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)) [الزمر:16] سواءً كان في المفرد أو الجمع، المضاف قد يكون مفرداً وقد يكون جمعاً، وكلٌ منهما قد يُضاف إلى ياء المُتَكلِّم: غِلْمَانِ، نقول حينئذٍ إذا أضيف مطلقاً فالأفصح الاستغناء بالكسرة عن الياء: ((يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)) [الزمر:16]. (كَعَبْدِ عَبْدِي) هذا الثاني، وهو إثبات الياء ساكنة: (عَبْدِي) الياء ثابتة لم تحذف، لكنها ساكنة، وهذا دون الأول في الكثرة، ومنه: ((يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)) [الزخرف:68] بإثبات الياء ساكنة.

الثالث مِمَّا أشار إليه الناظم: (عَبْدَ) وهو بقلب الياء ألفاً وحذفها والاستغناء عنها بالفتحة، أصله: يا عبدي، قُلِبَتْ الياء ألفاً، والألف لا يناسبها ما قبلها إلا مفتوحاً، ونُقِلَتْ الكسرة صارت فتحة، حُذِفَتْ الألف فقال: (عَبْدَ) .. (يَا عبْدَ) .. (يا غُلَامَ) حينئذٍ نقول: هذه الفتحة بدلٌ عن الكسرة، لماذا قلبت الكسرة فتحة؟ لأن الياء انقلبت ألفاً، والألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً. حينئذٍ عَبْدِ بالكسر استغناءً بها عن الياء هذا حُذِفَتْ الياء أصلاً، يعني: ليست مُنْقَلبة، وبقيت الكسرة على أصلها، وأمَّا: (عَبْدَ) حينئذٍ نقول هنا: حُذِفَتْ الألف لكنها فرعٌ عن الياء، وبقي دليلها وهو الكسرة منقلبة إلى الفتحة. إذاً: قلب الياء ألفاً وحذفها، والاستغناء عنها بالفتحة، نحو: يَا عَبْدَ، هذا أجَازه الأخْفَش، والمازني، والفارسي، ونُقِلَ عن الأكثرين المنع: بأن تبقى الألف: يَا عَبْدَا، ولا تحذف. وأمَّا قلبها فهو وارد .. وارد في فصيح الكلام: ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] .. ((يَا أَسَفَى)) [يوسف:84]، هذا وارد في الفصيح، فقلب الياء ألفاً لا إشكال فيه ثابتٌ في فصيح الكلام، وأمَّا حذفها والاجتزاء بالفتحة هو الذي منعه الجمهور: عَبْدَا هو أصل: عَبْدَ، يعني: قُلِبَتْ الياء ألفاً وفُتِحَ ما قبلها لمناسبة الألف فبقيت كما هي، إذاً: أيهما أصل، وأيهما فرع؟ عَبْدَا بالألف أصل، والتي تليها .. التي هي حذف الألف وإبقاء الفتحة دليلاً عليها هذه فرع، ولكن قَدَّم وأخر هنا كما ذكرنا للنظم. إذاً الرابع: أشار إليه بقوله: (عَبْدَا) وهو قلبها ألفاً، لتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها، لأن الألف أخف من الياء، حينئذٍ هذه الألف هل هي اسمٌ أم حرفٌ؟ اسمٌ لأنها مُنْقَلِبة عن اسمٍ، ليست كالياء المُنْقَلِبة في (فتى) مثلاً أو (رمى) تلك نقول: حرف، لأنها مُنْقَلِبة عن حرف: فَتَيا .. رَمَيا هذا الأصل، حينئذٍ: رميا نقول: تَحرَّكت الياء وانفتحَ ما قبلها فَقُلِبَتْ ألفاً، هذه الألف حرف لا شك، لأنها مُنْقَلِبة عن حرف، وأمَّا: (عَبْدا) الأصل: عبدِيَ، نقول: قُلِبَت الكسرة فتحةً للتمكُّن من قلب الياء ألفاً، فقيل: تَحرَّكت الياء وانْفَتح ما قبلها فقُلِبَت ألفاً فصار: عَبْدا، بقيت كما هي. ومنه قوله تعالى: ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] .. ((يَا أَسَفَى)) [يوسف:84] .. يا حسرتي: هذا الأصل، يا أسفي .. يا أسفي على يوسف .. هذا الأصل، فحصل فيها ما حصل. إذاً: قَلْبُها ألفاً وإبقاؤها، وقلب الكسرة فتحة، وقلبت لماذا؟ كما ذكرنا: لِتَحرُّكها وانفتاح ما قبلها، لأن الألف أخف من الياء، والظاهر أن هذه الألف اسمٌ، لأنها مُنْقَلِبةٌ عن اسمٍ، فهي مضاف إليه في محل جر، ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] حسرتا تقول: هذا منادى منصوب، ونصبه فتحة مُقدَّرة، حسرتا نقول: هنا منادى منصوب لأنه مضاف ومضاف إليه، فهو منصوب على الأصل، والفتحة مُقدَّرة، وهذه الفتحة الموجودة: يا حسرَتَا .. يا غُلامَا، ليست حركة إعراب، وإنما هي حركة مناسبة، لأنها في الأصل مُنْقَلِبة عن الكسرة التي لمناسبة الياء، وهذه لمناسبة الفتحة.

حينئذٍ نقول: منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة .. مناسبة الألف، وحسرتا: مضاف، والألف مضاف إليه، وإن شئت قل: الألف المُنْقَلِبة عن ياء مضاف إليه في محل جر بالمضاف، ومثله: ((يَا أَسَفَى)) [يوسف:84]. الخامس أشار إليه بقوله: (عَبْدِيَا) إثبات الياء مُحَرَّكَة بالياء، (عَبْدِيَا) الألف هذه للإطلاق، أصله: عَبْدِيَ. عَبْدِي: بالإسكان وبالفتح لغتان، بالإسكان وهي الأكثر وهي الأفصح، وبالفتح: عَبْدِيَ، ثُمَّ تُقْلَب الياء ألفاً، وتبقى .. هذه لغة، وتُحذَف ويُكْتَفَى بالفتحة قبلها .. هذه لغةٌ رابعة، بقي لغةٌ واحدة: وهي حذف الياء والاجتزاء بالكسرة، هذه خمس لغات ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا)) [الزمر:53] هذا دليلٌ على الخامسة. وَاجْعَل مُنَادَىً صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا ... كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا هذه خمس لغات، قال في شرح الكافية: " وذكروا أيضاً وجهاً سادساً - يعني: لغةً سادسة - وهو: الاكتفاء عن الإضافة بنيتها، وجَعْلُ الاسم مضموماً كالمنادى المفرد "، يعني: يُحذف المضاف ويُنْوى معناه، حينئذٍ إذا حُذِفَ المضاف ونُويَ معناه بُنِيّ .. بُنِيّ على ماذا؟ على الضم تشبيهاً له بالمفرد. وهو: الاكتفاء عن الإضافة بنيتها، وجَعْلُ الاسم مضموماً كالمنادى المفرد، ومنه قراءة: (رَبُّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) .. ربي .. رَبُّ، رَبُّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، هنا رَبُّ بالضم بناءً على أنه حُذِفَ المضاف إليه وهو الياء ونُويَ معناه، حينئذٍ ضُمَّ كالمنادى المفرد. وحكا يونس عن بعض العرب: يا أم لا تفعلي، أصله: يا أمي، ويقولون: رَبُّ اغفر لي، والأصل: ربي، حُذِفَتْ الياء ونُويَ معناها، ويا قَومُ لا تفعلوا، يا قومي: هذا الأصل، هذا كله محكي عن العرب، حينئذٍ نجعل هذه سادسة، وإن كان بعضهم قال: إنها شاذة أو نادرة، هو قليل لا شك، لأن الضَمَّ ثقيل. ويا قَومُ لا تفعلوا، ويظهر أن قائله يحذف الياء والكسرة، ثُمَّ يعامله معاملة الاسم المفرد، فيضم آخره ضَمَّة مشاكلة للمفرد المبني فهو منصوبٌ تقديراً، يعني: أبقاه على أصله، هذا كلام الصبَّان: أنه أبقاه على أصله، فحينئذٍ حَذَفَ الياء ونَوَى معناها، ثُم أعطى المضاف ما يُعْطَى المفرد وهو الضم تشبيهاً له بالمفرد. حينئذٍ: رَبُّ احْكُمْ، رَبُّ: هذا منادى منصوب لأنه مضاف باعتبار الأصل .. منادى منصوب، ونصبه فتحة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المشاكلة أو المناسبة .. المشاكلة أحسن. فهو منصوبٌ تقديراً بفتحة مُقدَّرة، منع من ظهورها ضمة المشاكلة. إذاً: هذا المضاف إلى ياء المُتَكلِّم الصحيح الآخر ليس معتلاً، وليس المضاف شبيهاً بالفعل، وليست الإضافة فيه إضافة لفظية، فيه خمس لغات، وزاد في شرح الكافية لغةً سادسة. ثُمَّ قال: وَفَتْحٌ اوْ كَسْرٌ وَحَذْفُ اليَا اسْتَمَرّ ... فِي يَا ابْنَ أُمَّ يَا ابْنَ عَمَّ لاَ مَفَرّ

المنادى إذا كان مضافاً عرفنا حكمه من البيت السابق، ثُم المنادى إذا كان مضافاً إلى مضافٍ إلى ياء المُتَكلِّم .. مضاف إلى مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، هنا: يَا ابْنَ أمي .. (يَا ابْنَ أُمَّ)، (ابْنَ) هذا مضاف، و (أُمَّ) مضاف إليه، أصله: يا ابن أمي .. يا ابن عمي، ابن: هذا مضاف، وهو مضاف إلى مضاف إلى مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، الأصل في هذا أن حكمه حكم غير المنادى .. حكم واحد، لأنه غير مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، لكن خُصَّ هذان اللفظان لكثرة الاستعمال بمزيد عناية عند العرب. ثُمَّ إن المنادى إذا كان مضافاً إلى مضافٍ إلى ياء المُتَكلِّم، فإن حكم الياء منه كحكمها في غير النداء، لا فرق: يا ابن أمي .. يا ابن أخي .. يا ابن عمي .. يا ابن خالي .. يا ابن جاري، كلها الحكم واحد، قبل النداء وبعد النداء، وإنما يَخْتَص المضاف إلى ياء المُتَكلِّم .. هو نفسه المنادى يكون مضاف، وياء المُتَكلِّم تكون مضافاً إليه. أمَّا إذا كان المنادى مضافاً إلى اسمٍ صحيح، وليس ياء متكلم، ولكن هذا المضاف إليه مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، فالحكم لا يدخل في الحكم السابق، بل هو مستقل. فإن حكم الياء منه كحكمها في غير النداء، نحو: يا ابن أخي، ويا ابن صاحبي، إلا إذا كان لفظ: ابن أم، وابن عم .. ابن أمِّ .. ابن عمِّ، هذان اللفظان مختصان فقط لكثرة الاستعمال خُصَّا بمزيد عناية، ولذلك عناه بهذا البيت. (وَفَتْحٌ أَوْ كَسْرٌ) يعني: يَجوز الوجهان الفتح والكسر، (وَحَذْفُ اليَا) الواو بمعنى: مع، يعني: مع حذف الياء، (وَفَتْحٌ أَو كَسْرٌ) أنت مُخيَّر بين الاثنين، يعني لغتان: الفتح والكسر، وحذف الياء مع الكسر، والألف مع الفتح، وحذف الياء والألف كما سيأتي (اسْتَمَرَّ) يعني: اطَّرَد، في قولهم: (يَا ابْنَ أُمَّ) يا ابن أمِّ، (يا ابْنَ أُمَّ) بالفتح و (يا ابْنَ أمِّ) بالكسر، وأصله: يا ابن أمي، أم: مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، وكذلك: (يَا ابْنَ عَمَّ) يا ابْنَ عمِّ، بكسر الميم وفتحها في اللفظين، ولذلك تقول: وفتحٌ أو كسرٌ للميم، وأجاز بعضهم الضَم: يا ابْنَ أُمُّ .. يا ابْنَ عَمُّ، لكنه قليل هذا، والمشهور هو الفتح والكسر. في قولهم: (يَا ابْنَ أُمَّ) ومثل: ابْنْ ابْنَه، كما سبق .. الحكم واحد، لأنه نفس اللفظ لكنه مُؤنَّث. يا ابْنَ أُمَّ ويا ابْنَة أُمَّ، ويَا ابْنَ أُمِّ، ويا ابْنَة أُمِّ، بالكسر فقط، ويا ابْنَ عَمَّ ويا ابْنَة عَمَّ، ويا ابْنَ عَمِّ بالكسر دون ياء .. مع حذف الياء، ويا ابْنَة عَمِّ، لا فرار عن هذين الوجهين. أمَّا الفتح: يا ابْنَ أَمَّ ويا ابْنَ عَمَّ ففيه قولان: أحدهما: أن الأصل أُمَّا وعُمَّا، يعني: بقلب الياء ألفاً، مثل: يَا عَبْدا .. يَا غُلَاما، قُلِبَتْ الياء ألفاً، ثُمَّ حُذِفَتْ الألف، يعني: يا ابْنَ أُمَّ، ويا ابْنَ عَمَّ مثل عَبْدا .. مثل غُلَاما .. يا غُلاما، قُلِبَتْ الياء ألفاً ثُمَّ حذفت الألف فبقيت الفتحة دليلاً عليها، هذا وجهٌ. أن الأصل: أُمَّ وعَمَّ بقلب الياء ألفاً، فحذفت الألف وبقيت الفتحة دليلاً عليها، وهذا وجهٌ حسن.

والثاني: أنهما جُعلا اسماً واحداً مُرَكَّباً وبُنِيا على الفتح، هذا بعيد: ابْنَ أمَّا .. أمَّا، فحينئذٍ رُكِّبَ تركيب خمسة عشر، مثل: عَشَرَ الراء مفتوح هذا مثله، وهذا بعيد. والأول قول الكِسَائي: وهو أن الأصل: أمَّا وعمَّا، وحذفت الألف ثُم اكتفي بالفتحة، والثاني قول سيبويه والبصريين، أنه مُرَكَّب تركيب خمسة عشر، هذان الوجهان في الفتح، لمَ فُتِحا يا ابْنِ أمَّ، ويا ابْنَ عَمَّ؟ مذهب الكِسَائي إمام الكوفيين: أن الأصل (أمَّا) بالألف، قُلِبت الياء ألفاً ثُمَّ حُذِفت، يا ابْنَ عَمَّا، الأصل: يا ابن عمي، قلبت الياء ألفاً ثُمَّ حذفت، وهذا جيد وله أصل هناك .. له أصلٌ في الصحيح، وهذا ما دام أنه خارجٌ عن الأصل فالأولى أن يُحمل على الأصل ذاك، هذا جيد. والثاني: أنه مُرَكَّب تركيب خمسة عشر، وهو قول البصريين، وقول إمامهم سيبويه. وأمَّا الكسر: يا ابْنَ أمِّ .. يا ابْنَ عَمِّ، فظاهر مذهب الزَجَّاج أنه مِمَّا اجتزئ فيه بالكسرة عن الياء المحذوفة من غير تركيب وهذا واضح، يا ابْنَ أمِّ أصله ماذا؟ مثل: عَبْدِ ((يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)) [الزمر:16] عباد .. عبد، يا ابن أمي، بالياء ثم حذفت الياء، واكتفي بالكسرة دليلاً على المحذوف، يا ابن عمي بالياء حذفت الياء واكتفي بالكسرة عن المحذوف، إذاً: لا إشكال هذا واضح. إذاً: هذان اللفظان محمولان على بعض اللغات السابقة: (كَعَبْدِ عَبْدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا) إذاً: هاتان اللغتان مأخوذتان مما سبق، فالقول فيهما قولٌ في السابق، وإنما انفردا لكون المنادى ليس مضافاً إلى ياء المُتَكلِّم، وإنما مضاف إلى مضاف إلى ياء المُتَكلِّم، والأصل أنه يستوي فيه قبل النداء وبعد النداء. (وَفَتْحٌ او كَسْرٌ) يعني: للميم، وأجاز قومٌ ضمها أيضاً، إذاً: ثلاث لغات. (وَحَذْفُ اليَا .. وَفَتْحٌ) ما إعراب فتحٌ؟ مبتدأ، (أَو كَسْرٌ) عطفٌ عليه، (وَحَذْفُ اليَا) كذلك عطفٌ عليه، (حَذْفُ) مضاف و (اليَا) مضافٌ إليه للضرورة الياء وكلها لغة. (اسْتَمَر) الجملة خبر المبتدأ، والمراد بالاستمرار هنا هو معنى اطَّرَد، يعني: مُطَّرِد، يعني: كثير في لسان العرب، يستعملون هذا اللفظ: يا ابْنَ أمَّ .. يا ابْنَ عَمَّ، يا ابن أمَّ .. يا ابن أمِّ، ولذلك قرئ بهما في السبع. في: يا ابن أمَّ ويا ابن عمَّ، لماذا خُصَّ هذان اللفظان؟ نقول: لكثرة الاستعمال، أمَّا ما لا يكثر استعماله من نظائر ذلك نحو: يا أبن أخي، ويا ابن خالي، فالياء ثابتةٌ لا غير، ولذلك قال الناظم هنا: (فِي يَا ابْنَ أُمَّ) ولم يقل: في نحو كما سبق معنا مراراً: فِي نَحْوِ سَعْدُ سَعْدَ الاَوسِ يَنْتَصِبْ ... ثَانٍ. . . . . . . . . . قلنا (فِي نَحْوِ) إشارة إلى أن غيره يُقاس عليه مثله، وأمَّا هنا قال: (فِي يَا ابْنَ) حينئذٍ دَلَّ على أنه مقصورٌ على اللفظين المذكورين، وقوله: (يَا ابْنَ) هذا خاصٌ بالنداء، ولذلك قال الناظم: (فِي يَا ابْنَ أُمَّ) إلى آخره، ولم يقل: في نحو.

قال الشارح هنا: " إذا أضيف المنادى إلى مضافٍ إلى ياء المُتَكلِّم وجب إثبات الياء إلا في (ابْنَ أُمّ) و (ابْنَ عَمّ) فتحذف الياء منهما لكثرة الاستعمال " وتكسر الميم أو تفتح، فتقول: يا ابن أمَّ .. يا ابن أمِّ أقبل، ويا ابن عمَّ يا ابن عمِّ، (لاَ مَفَرّ) هذا تابعٌ للمثال، ويَحتمل أنه تابعٌ للحكم، لا مفر عن هذين النوعين، يعني: اختصاص هذين النوعين بهذين اللفظين لا فرار عنه، يحتمل هذا وذاك. " بفتح الميم وكسرها، وقد ورد ثبوت الياء في: ابن أمِّ في قول أبي زُبِيد الطائي يرثي أخاه: (يَا ابنَ أُمِّي ويَا شُقَيِّقَ نَفْسِي) " (يَا ابنَ أُمِّي) بإثبات الياء، هذا على الأصل، وورد قلب الياء ألفاً وبقاؤها في ابنة عم: (يَا ابنةَ عَمَّا لاَ تَلُومِي واهْجَعِي) إذاً: كم لغة؟ أربع لغات، لكن المشهور هو ما ذكره الناظم، وأمَّا إبقاء الياء وقلب الياء ألفاًف حكم بعضهم بأنها ضرورة أو شاذ، كما يأتي في: مثلهما، وأبتِ وأمتِ: وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ عَرَضْ ... وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ (وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ عَرَضْ) ولذلك يُمكن أن يُقال: بأن قول الناظم هنا: (اسْتَمَرَّ) يعني: اطرد في هذين اللفظين الحذف .. حذف الياء، ولذلك قال: (وَحَذْفُ اليَا) قد يُقال بأنه يُفهم منه أنه في غير هذين اللفظين إثبات الياء فيه ضعف. فُهِمَ منه أن غيره وهو إثبات الياء غير مُطَّرِد ضعيف، يعني: في هذين اللفظين، أمِّ .. يا ابن أمِّ .. يا ابن عمِّ، قال: اطرد حذف الياء، إذاً: إثبات الياء أو قلبها ألفاً غير مُطَّرِد، فإذا لم يكن مُطَّرِد صار مسموعاً. وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ عَرَضْ ... وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ (فِي النِّدَا) يعني: وفي النداء، هذا مُتعَلِّق بقوله: (عَرَضْ) .. عرض في النداء، إذاً: قَدَّم الجار والمجرور فدل على الاختصاص، على أن هذين اللفظين يكونان باللغتين المذكورتين في النداء فحسب، أمَّا غير النداء فلا، ولذلك سيأتي: أن هذين اللفظين مما اختصا بالنداء، (وَفِي النِّدَا) دَلَّ على أن التعويض هنا من ياء المُتَكلِّم في أبٍ وأمٍ لا يكون إلا في النداء، إذاً: هو خاص. (أَبَتِ أُمَّتِ)، (أَبَتِ) هذا مبتدأ، و (أُمَّتِ) هذا معطوفٌ عليه بإسقاط حرف العطف، يعني: يا أبتِ يا أُمتِ هذا المراد، (عَرَضَ) هذا فعل ماضي، والجملة خبر، (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) أمران، (وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ) التاء مبتدأ، و (عِوَضْ) خبر، (وَمِنَ اليَا) مُتعَلِّق بقوله: (عِوَضْ). إذاً: في النداء لا في غيره، يا أبتِ .. يا أُمتِ (عَرَضْ) ما هو الذي عَرَض؟ قلب الياء تاءً، السابق في اللغتين: ابن عمِّ وعَبْدِ، المعروف المشهور: أن الياء تقلب ألفاً، وأمَّا أنها تقلب تاءً هذا خاصٌ بهذين اللفظين، إذاً: عرض في النداء لا في غيره أبتِ .. أمتِ، بقلب الياء تاءً، والأصل: أبي .. أمي.

إذاً: فُهِمَ من قوله: (فِي النِّدَا) أن التعويض هنا من ياء المُتَكلِّم في أبٍ وأم لا يكون إلا في النداء، لتقديمه الجار والمجرور، وفُهِمَ أيضاً من التنصيص على قوله، بقوله: (أَبَتِ أُمَّتِ) أنه خاصٌ بهذين اللفظين، ولذلك لم يقل: في نحو، وإنما قال: (أَبَتِ أُمَّتِ) فدل على أنه خاصٌ بهذين اللفظين، وفُهِمَ أيضاً أن ذلك مختصٌ بالأب والأم، وأفْهَمَ أيضاً: أن التعويض ليس بلازمٍ فيهما، لأنه قال: (عَرَضْ) والعَرَض ليس بلازمٍ. إذاً: نأخذ من الشطر الأول: أن اللفظين خاصان بأب وأم، أصله: أبي وأمي، في النداء لا في غيره عَرَضَ، إذاً: ليس بلازم، تقلب الياء تاءً، (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) يعني: التاء أبتِ .. أبتَ، أمتِ .. أمتَ، يا أبتِ .. يا أبتَ، يا أمتِ .. يا أمتَ، بالفتح والكسر، وهنا قَدَّم الكسر لأنه أكثر، وأخر الفتح لأنه أقل، وإن كان الثاني أقْيس من الأول، الثاني الذي هو الفتح أقْيس، والكسر أكثر، يعني: هو الشائع في لسان العرب. (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) وهو الأقْيس الذي هو الفتح، لأن التاء عوضٌ عن الياء، وحركتها الفتح، وتَحرُّكها بحركة أصلها هو الأصل، لماذا؟ لأن التاء عِوضٌ عن الياء، والياء في الأصل أنها مُحرَّكة، لأن ما نقلبها تاء إلا إذا تَحرَّكت، وتَحرَّكت بالفتح. إذاً نقول: يا أبتَ .. يا أمتَ، بالفتح لمناسبة الياء لأنها مُنْقَلِبة عن الياء، والياء حركتها حركة فتح، فحينئذٍ نقول: تُعْطَى حكم ما انقلبت عنه، إذاً: الفتح هو الأقْيس، لأن التاء عوضٌ عن الياء وحركة الياء الفتح، وتَحرُّكها يعني: التاء بحركة أصلها وهو الياء هو الأصل، وهذا واضح، لذلك قيل: أقيس. والكسر أكثر في لسان العرب، لأن الكسر عوضٌ عن الكسر الذي كان يستحقه ما قبل الياء، يعني: كأنه قيل: يا أبتِ .. يا أمتِ، لماذا كُسِرَتْ التاء؟ لأن التاء منقلبة عن ياء، هذه الياء يناسبها ما قبلها أن يكون مكسوراً، هذا بعيد قليلاً، حينئذٍ نقول: الأقْيس هو التاء، ولكن الكسر مسموعٌ في لسان العرب، كأنهم راعوا أن ما قبل الياء يكون مكسوراً فأُعْطِي حركةً للتاء، والكسر أكثر لأن الكسر عوضٌ عن الكسر الذي كان يستحقه ما قبل الياء، وزال حين مجيء التاء لأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحاً، كأنهم أخذوا الكسرة التي قبل الياء فأعطوها للتاء. على كل: هكذا سُمِعَ بالكسر والفتح، وننطق بهما. (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) إذاً: قَدَّم الكسر لأنه أكثر وإن لم يكن أقْيس، والفتح ثنى به لأنه أقل استعمالاً في لسان العرب.

(وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ) تاء التأنيث هذه التي في: أبتِ وأمتِ، كما سيأتي أنها تاء التأنيث، عوضٌ عن الياء، وإذا كان كذلك فلا يُجْمَع بينهما، فلا يُقال: يا أبتي ويا أمتي، نَجمع بين التاء والياء، لأن التاء عوضٌ عن الياء، حينئذٍ لا يُجْمَع بين العِوَضْ والمُعَوَض عنه، وإنما عُوضَ تاء التأنيث عن الياء .. لماذا اختير تاء التأنيث عن الياء؟ قيل في التعليل عن الياء إذا أضيف إليها: لأن الأب والأم مَظِنة التفخيم والتعظيم، والتاء هذه تستعمل في: علاَّمة، فيها معنى المبالغة والتعظيم والتهويل، حينئذٍ ناسب أن يُبْدَل عن الياء تاء .. هكذا قيل! وإنما عُوِّضَ تاء التأنيث عن الياء إذا أضيف إليه الأب والأم، لأن كلاً منهما مَظِنة التفخيم الذي هو الأب والأم، والتاء تدل عليه كما في: علاَّمة. إذاً نأخذ من قوله (وَمِنَ اليَا التَّا عِوَضْ) التاء عوضٌ من الياء أنهما لا يكادان يجتمعان، لأن العِوَضْ والمُعَوَض لا يجتمعان. ويجوز فتح التاء وهو الأقْيس كما سبق، وكسرها وهو الأكثر وبالفتح قرأ ابن عامر، وبالكسر قرأ غيره من السبعة: (قَالَ يَبْنَؤُمِّ لاَ تَأْخُذْ) [طه:94]. إذاً (وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ) بالتاء فيهما على النداء يا أبتِ .. يا أمتِ (عَرَضَ) الذي هو إبدال الياء تاءً، (عَرَضْ) بمعنى: أنه عارضٌ ليس بلازمٍ، فلك أن تستعمله كما سبق: يا أبي .. يا أبَ .. يا أبا، باللغات الخمس، حينئذٍ تزيد عليه هاتان اللغتان صار سبع، سيأتي مزيد لغتين .. (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ). إذاً قوله: (عَرَضْ) أفْهَم أن التعويض ليس بلازمٍ، فيجوز فيهما ما جاز في غيرهما من الأوجه السابقة، والأصل: يا أبي ويا أمي. قال الشارح هنا: يُقال في النداء: يا أبتِ ويا أمتِ بفتح التاء وكسرها، وكلٌ منهما حينئذٍ منصوب على الأصل، لأنه مضاف ومضاف إليه، والكلام في المنادى المضاف إلى ياء المُتَكلِّم، حينئذٍ الأصل فيه أنه منصوب، ثم تنظر في الحركة وتُقدِّر على حسب ما يظهر. وكلٌ منهما منصوب لأنه مُعْرَب، فإنه من أقسام المضاف لفتحة مُقدَّرة على ما قبل التاء .. ليس على التاء، لأن التاء هذه منقلبة عن الياء، والتقدير إنما يكون على الحرف الذي هو قبل الياء: يا أبي الباء، إذاً: يا أبتِ على الباء تُقَدِّره، وأمَّا التاء فهي عِوَضٌ عن الياء فلا تُقَدَّر عليه. بفتحة مُقدَّرة على ما قبل التاء منع من ظهورها اشتغال المحل بالفتحة لأجل التاء لاستدعائها فتح ما قبلها، لا على التاء لأنها في موضع الياء التي يسبقها إعراب المضاف إليه، ولذلك يُقال: يا أبتِ .. يا أمتِ، بفتح التاء وكسرها، ولا يجوز إثبات الياء، فلا تقول: يا أبتي ويا أمتي، لأن التاء عوضٌ من الياء فلا يُجمع بين العِوَضْ والمُعَوض منه، وقد ورد ثبوت الياء في الشعر: (يا أَبَتِي لا زلتَ فينا فإنما) إلى آخره، يا أبَتِي، جاء فيه إثبات الياء. وكذلك ورد ثبوت الألف المنقلبة عن ياء المُتَكلِّم. تَقُولُ بِنْتِي قَدْ أَنَى أَنَاكَ ... يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَا يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَا، وقول الراجز في البيت المشهور: يَا أبتا أرَّقنِى القِذّانُ ... فالنّوْمَ لا تَطْعَمُهُ الْعَيْنَانُ

هذا سبق معنا الْعَيْنَانُ، ويجوز إبدال هذه التاء هاءً: يا أبتاه، وهو يدل على أنها تاء التأنيث، قال في التسهيل: " وجعلها هاءً في الخط والوقف جائزٌ، وقد قُرِئ بالوجهين في السبع، ورسمت في المصحف بالتاء"، إذاً: تقلب هذه التاء هاء، فدل على أنها تاء التأنيث. اخْتُلِف في جواز ضم التاء في أبتِ وأمتِ، مثل: رَبُّ احْكُمْ هناك، قلنا: فيه لغة سادسة، هل أبَتُ وأمتُ مثلها، يعني: تضم فيهما التاء أم لا؟ اخْتُلِف في جواز ضم التاء في أبتِ ويا أمتِ، فأجازه الفراء ومنعه الزَجَّاج، ونُقِل عن الخليل: أنه سَمِع من العرب من يقول: يا أبَتُ ويا أمَتُ بالضم، إذاً: سُمِعَ ضم التاء. وعلى هذا يكون في ندائهما عشر لغات: ست سابقة، وأربع لاحقة، الأربع اللاحقة: يا أبَتِ .. يا أمتِ بكسرهما، ويا أبَتَ ويا أمتَ بفتحهما .. الكسر والفتح، ويا أبَتِي بإثبات الياء ويا أبَتَا بقلب الياء ألفاً، هذه عشرة، يا أبَتِ بالفتح والكسر: (وَاكْسِرْ أَوِ افْتَحْ) لغتان، وإثبات الياء لغة ثالثة، وقلب الياء ألفاً لغة رابعة، مع الست فهي عشرٌ. وعلى هذا يكون في ندائهما عشر لغات: الست السابقة، في: يا عَبْدِ، وهذه الأربعة: تثليث التاء، يعني: الفتح والكسر والضم، يا أبَتِ يا أبَتَ يا أبَتُ .. يا أُمتِ يا أُمتَ يا أُمتُ، هذه ثلاث لغات، والجمع بينهما وبين الألف في نحو: يا أبَتَا ويا أبَتِي، هذه كلها عشر لغات. إذاً خلاصة ما سبق نقول: المنادى المضاف للياء أربعة أقسام: الأول: ما فيه لغةٌ واحدة، وهو المعتل، فإن ياءه واجبة الثبوت والفتح، نحو: يا فتايَ وقاضيَّ، ولا يجوز إسكانها لئلا يلتقي ساكنان، ولا بالكسر والضَّم لأن هاتين الحركتين ثقيلتان على الياء فلم يبق إلا الفتح، إذاً: ما فيه لغةٌ واحدة، وهو المعتل المضاف إلى ياء المُتَكلِّم، ليس فيه إلا إثبات الياء ولا يجوز حذفها، بل إثباتها واجب ثم تُحرَّك بالفتح، وأمَّا الكسر والضَّم فثقيلان. القسم الثاني: ما فيه لغتان، وهو الوصف المشبه للفعل، يعني: ما كانت إضافته إضافة لفظية، فإن ياءه ثابتة لا غير، وهي إمَّا مفتوحة وإمَّا مكسورة، مثل: يا مكرمي ويا ضاربي. القسم الثالث: ما فيه ست لغات، وهو ما عدى ذلك وليس أباً ولا أمَّاً .. لا بُدَّ أن نُقَيِّده، ما عدى ذلك، يعني: ما عدى المعتل، والوصف المشبه للفعل، وليس أباً ولا أمَّاً، فيه ست لغات، مثل: غلامي وعبدي. الرابع: ما فيه عشر لغات، وهو الأب والأم، ففيهما مع اللغات الست أن تُعَوِّض تاء التأنيث عن ياء المُتَكلِّم، وتكسرها وهو الأكثر، أو تفتحها وهو الأقيس، أو تضمها على التشبيه بنحو: ثبةٍ وهبة، وهو شاذٌ .. قيل: شاذ، يعني: قليل، يعني: يُثْبَت لغة ثُم بعد ذلك هل يستعمل أو لا؟ مسألة ثانية، نحن نتكلم في اللغات الواردة.

وربما جُمِعَ بين التاء والألف فقيل: يا أبَتَا ويا أُمتَا، وهذا في الشعر خاصة، وأَمَّا: ابْنَ أُمّ وابْنَ عَمّ، فالأكثر الاجتزاء بالكسرة عن الياء، يا ابْنَ أمِّ .. يا ابْنَ عَمِّ الأكثر الكسر وهذا واضح، أو أن يفتحا للتركيب المزجي .. وهذا على قول، سيبويه والبصريون على أنه تركيب، لكن المشهور أنه تركيب خمسة عشر. وقد قُرِئ بالوجهين: ((قَالَ يَبْنَؤُمَّ)) [طه:94] .. قال يَبْنَؤُمِّ، وهذا تخريج سيبويه والبصريين. وذهب الكسائي والفراء إلى أن الأصل: يا ابن أمَّا، يعني: بالياء ثُم قلبت الياء ألفاً، ابن عَمَّا بقلب ياء المُتَكلِّم ألفاً، ثُمَّ حذفت الألف المنقلبة عن ياء المُتَكلِّم وبقيت الفتحة التي قبلها دليلاً عليه. إذاً: أربعة أقسام، ولم نذكر ابن أمَّ .. ابن عمَّ من الأقسام، لماذا؟ لأنه ليس منادى مضاف، وإنما هو يُذْكَر فرعاً ولا يَدْخُل في الأربعة الأقسام، وإنما الذي يُعْنَى به هو أن يكون المضاف نفسه الذي يلي حرف النداء: أن يكون مضافاً، أمَّا المضاف إلى مضاف إلى ياء المُتَكلِّم هذا خارج، لأن الأصل فيه عدم دخوله فيما ذُكِر. أَسْمَاءُ لاَزَمَتِ النِّدَاءْ الأصل في الاسم أن يكون منادىً .. مِمَّا جاز نداؤه، أن يصلح أن ينادى وألا ينادى، هذا الأصل فيه، زيد .. جاء زيد .. يا زيد، جاء غلام زيد .. يا غلام زيد، يجوز فيه الوجهان هذا الأصل، فإذا لزم حالة واحدة وهو النداء حينئذٍ نقول: هذا خارجٌ عن الأصل، ولذلك كلمات معدودة هي التي لزمت النداء. قال: أَسْمَاءُ لاَزَمَتِ النِّدَاءْ، لأن الذي يلازم النداء .. الذي يكون مدخولاً للنداء هو .. أو الذي ينادى هو الاسم "لازمت النداء"، ثُمَّ هذا الملازم للنداء على ثلاثة أقسام: مسموعٌ، ومقيس، وشائعٌ غير مقيس، مسموع .. منقول عن العرب، ومقيس، وشائع غير مقيس. وَفُلُ بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا ... لُؤْمَانُ نَومَانُ كَذَا وَاطَّرَدَا فِي سَبِّ الاُنْثَى وَزْنُ يَا خَبَاثِ ... وَالأَمْرُ هَكَذَا مِنَ الثُّلاَثِي وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ فُعَلُ ... وَلاَ تَقِسْ وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ (وَفُلُ) بضمتين للمُذكَّر، وفُلةُ: للمُؤنَّث، (بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا) يُفْهَم منه أن هناك ألفاظاً أُخر تَختَّص بالنداء، وهذا ما أشار إليه، وقلنا يأتي: (وَفِي النِّدَا أَبَتِ أُمَّتِ عَرَضْ) إذاً: مِمَّا يَختص بالنداء (أبَتِ وأمتِ) بالأحوال السابقة، إذاً قوله: (بَعْضُ) إشارة إلى أن هناك ألفاظاً أُخر تختص بالنداء كـ: (أبت وأمت). (وَفُلُ) و (فُلةُ) هذا مِمَّا يَختَّص بالنداء، يعني: لا يستعمل إلا منادى، ولا يأتي إلا مسبوقاً بِحرف نداء، وأمَّا هكذا جاء فل .. جاء فلة، ما يصح هذا، لماذا؟ لأنها في هذا اللفظ: (فُلُ وفُلةُ) لم يُنقَل في لسان العرب أنه مستعمل إلا في سياق النداء فيختص به، ما المراد بـ (فُلُ) و (فُلةُ)؟ مختلفٌ فيه:

مذهب سيبويه: أنهما كنايتان عن نكرتين، يعني مثل (هنُ) سبق أن الهنُ هذا كناية، إذاً: لا يستعمل إلا ويراد به معنىً آخر، إمَّا اسم جنس .. إمَّا الفَرْج خاصةً .. إمَّا نكرات، إلى آخر ما ذكرناه سابقاً، أو ما يستقبح ذكره فَيُكنَّى عنه بلفظ (هنُ)، هنك، يعني: عينك ونحو ذلك، كذلك (فُلُ) و (فُلةُ) كنايتان، عن ماذا؟ قال سيبويه: كنايتان عن نكرتين فـ (فُلُ) كناية عن رجل، يعني إذا قال: يا فُلُ يعني: يا رجل، فَكَنَّى عن كلمة: رجل بـ (فُلُ) و (فُلةُ) كنايةٌ عن امرأة، فإذا قال: يا فُلةُ كأنه قال: يا امرأة، وإنما لم يُصَرِّح بامرأة كنَّى .. أتى بلفظٍ يصدق على امرأة، هذا مذهب سيبويه وهو المشهور. ومذهب الكوفيين: أن أصلهما: فلانٌ وفلانةٌ، (فُلُ) فلان، فإذا قال: يا فُلُ، كأنه قال: يا فلان، ويا فُلةُ، كأنه قال: يا فلانة .. مُؤنَّث فلان. فَرُخِّمَا ترخيماً، يعني: حذف منهما المتأخر .. حرف أو حرفان أو ثلاث فصار (فُلُ)، فلان يعني: حذف منه الألف والنون، رُخِّمَ بحذف الحرفين المتأخرين فصار (فُلُ)، وكذلك: فُلةُ .. فُلانةٌ حذف منه الألف والنون، والتاء بقيت للتأنيث، للفرق بين (فُلُ) و (فُلةُ) هذا مذهب الكوفيين، أصلهما: فلان فَرُخِّم فقيل (فُلُ)، وفلانةٌ فَرُخِّم وقيل (فُلةُ). ورُدَّ هذا المذهب .. مذهب الكوفيين، بأنه لو كان مُرَخَّماً لقيل فيه: فلا، لأنه يحذف الحرف الأخير فقط، أمَّا حذف الحرفين، فلان: أربعة أحرف، وهذا لا يحذف إلا الحرف الأخير كـ: يا سعا، وهي: سعاد، يحذف الحرف الأخير هذا القياس، أمَّا حذف الحرفين إنما يكون فيما زاد على أربعة: (مُكَمِّلاً أَرْبَعَةً فَصَاعِداً) كما سيأتي. إذاً: هذا مردود، لأنه لو كان كذلك لقيل: (فُلا) ولما قيل في التأنيث: (فُلةُ). وقيل: هما كنايةٌ عن العَلَم، فـ (فُلُ) كنايةٌ عن زيد مثلاً، بدلاً من أن أقول: يا زيد، أقول: يا فُلُ، أُكَنِّي به بدلاً عن كلمة: رجل، وهو نكرة يكون كنايةً عن العلم، يا فُلةُ، يعني: يا هند .. بدلاً من أن أقول: يا هندُ، أقول: يا فُلةُ، إذاً: كناية عن العَلَمْ مقابل للقول الأول .. كناية عن النكرة. هما كنايةٌ عن العلم نحو: زيد وهند، بمعنى: فلان وفلانة. قال في شرح التسهيل: " إن يا فُلُ بمعنى: يا فلان، ويا فُلةُ بمعنى: فلانة، فلا يستعملان منقوصين – يعني: محذوفين الأخير – في غير النداء إلا في ضرورة ".

وحاصل مذهب الناظم: أنهما كنايتان عن العلم فأصلهما: فلان وفلانة، فدخلهما مُجَرَّد الحذف تخفيفاً لا ترخيماً، إذاً: على مذهب الناظم أن (فُلُ) هو أصله: فلان، يعني: مثل مذهب الكوفيين، الكوفيين يقولون أصلهما: فلان، لكن اختلفا في علة الحذف، فالكوفيون يرون أن الحذف ترخيماً، والصواب أنه ليس بترخيم وإنما هو تخفيف، وهذا سائغ في لسان العرب، إذاً: فلان وفلانة هما الأصل، فدخلهما مُجرَّد الحذف تخفيفاً لا ترخيماً، والكوفيون يقولون: هما كنايتان عن العَلَم، وأصلهما: فلان وفلانة، فدخلهما خصوص الترخيم، إذاً: اتفق مذهب الناظم مع الكوفيين في: أنهما كنايتان عن فلان وفلانة، واختلفا في علة الحذف، فالكوفيون يرون أن الحذف ترخيماً، والناظم يرى أنه تخفيفاً وليس بترخيم. على كلٍّ: المشهور مذهب سيبويه: أن (فُلُ) كناية رجل، و (فُلةُ) كنايةٌ عن امرأة. (وَفُلُ بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا)، (لُؤْمَانُ) هذا الثالث، (لُؤْمَانُ) بِضَمِّ اللام والهمز الساكن، (لُؤْمَانُ) يعني يُقال: (يا لؤمان) للعظيم اللؤم .. كثير، فـ: (لؤمان) على وزن (فُعْلَان) لا يستعمل إلا في النداء خاصة، (لُؤْمَانُ) بمعنى: كثير .. عظيم اللؤم، (نَومَانُ) (مَفْعَال) لكثير النوم، يا نومان استيقظ، هذا كثير النوم .. ينام وهو جالس .. وهو واقف، (لُؤْمَانُ نَومَانُ) يعني: ونومان بفتح النون، (كَذَا) أي: مِمَّا يَختَّص بالنداء، (لُؤْمَانُ نَومَانُ كَذَا)، ما إعراب (لُؤْمَانُ نَومَانُ كَذَا؟ لُؤْمَانُ) مبتدأ، و (نَومَانُ) معطوفٌ عليها بإسقاط حرف العطف، (كَذَا) أي: مثل ذا، مِمَّا يختص بالنداء. إذاً (وَفُلُ) هذا مبتدأ، (بَعْضُ) هذا خبره، (وَفُلُ) قلنا: للمُذكَّر، وحذف فُلةُ بناءً على ماذا؟ على أنه إذا علم المُذكَّر حينئذٍ فُهِمَ المُؤنَّث، (بَعْضُ) هذا خبر وهو مضاف، و (مَا يُخَصُّ) ما اسمٌ موصول بمعنى: الذي، في محل جر مضاف إليه، و (يُخَصُّ) هذا مُغيَّر الصيغة، و (بِالنِّدَا) مُتعَلِّقٌ به، والباء هذه داخلةٌ على المقصور عليه، يعني: قُصِرَ على النداء، مقصورٌ على النداء: هذا (بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا) فلا يستعمل في غير النداء. (لُؤْمَانُ نَومَانُ كَذَا) مِمَّا يختص بالنداء، هذا كله سَماعي. ثُمَّ قال: . . . . . . . . ... . . . . . . . وَاطَّرَدَا فِي سَبِّ الاُنْثَى وَزْنُ يَا خَبَاثِ ... . . . . . . . . . هذا مِمَّا لازم النداء لكنه مقيس، (وَاطَّرَدَا) الألف للإطلاق .. فعل ماضي، (فِي سَبِّ الاُنْثَى) يعني: شتمها، (وَزْنُ يَا فَعَال) كل فعلٍ دَلَّ على سبٍ فأتِ به على وزن: فَعَاَل، فتقول: (يَا خَبَاثِ) يا لَكاع .. يا فَساق، حينئذٍ نقول: هذا مقيس، لكنه ملازمٌ للنداء، لا يأتي إلا في سياق النداء، ما عداه فلا.

(فِي سَبِّ الاُنْثَى وَزْنُ يَا خَبَاثِ) يعني: يا فَعَاَل، معناه: أن بناء وزن فَعَاَل -هكذا بفتح الفاء والعين- من كل فعلٍ دَالٍّ على السَبِّ مُطَّرِد، ومعنى الاطراد: أنك لا تحتاج فيه إلى السماع من العرب .. هذا المراد، أنك لا تحتاج فيه إلى السماع من العرب بل كل فعلٍ دالٍّ على السب يجوز أن يُبْنَى منه هذا الوزن في النداء .. على وزن: يا فَعَاَل .. لَكاع .. فَساق .. خَباث إلى آخره. (وَالأَمْرُ هَكَذَا مِنَ الثُّلاَثِي) لمَّا ذَكَر فَعَاَل استدرج فذكر اسم فعل الأمر .. اسم فعل الأمر قد يكون على وزن فَعَاَل، فناسب أن يذْكُره وإلا ليس هذا محله، (وَالأَمْرُ) هذا على حذف مضافين، يعني: واسم فعل الأمر، (هَكَذَا) مثل ذا، مُطَّرِد وهو على وزن (فَعَاَل)، (مِنَ الثُّلاَثِي) عند سيبويه، فحينئذٍ تقول: نَزال .. دَراك لا مسموع، هو يُقال: دراك، لكن سيأتي أنه مسموع ليس مقيس، ولذلك قال: (مِنَ الثُّلاَثِي) فشرطه: أن يكون ثلاثياً، يعني: إذا زاد عن ثلاثة أحرف حينئذٍ لا يجوز أن يؤتى به على وزن: فَعَال إلا السماع، فدراك: هذا اسم فعل أمر من أدرِك، وأدرك هذا رباعي، إذاً: ليس بقياسي. إذاً: ينقاس استعمال فَعَاَلِ -هكذا مبنياً على الكسر- من كل فعلٍ ثلاثي للدلالة على الأمر، نحو: نَزال وضَراب وقَتال، أي: انزل واضرب واقتل، وتَراك من اترك. (وَالأَمْرُ هَكَذَا مِنَ الثُّلاَثِي)، وَالأَمْرُ مبتدأ، و (هَكَذَا)؟؟؟، (مِنَ الثُّلاَثِي) جار مومجرور متعلق بـ؟؟؟ يعني: اطَّرَد من الثلاثي، يحتمل أنه مُتعَلِّق باطَّرَد من الثلاثي، أمَّا إذا لم يكن من الثلاثي فغير مُطَّرِد، يشترط في: (فَعَاَلِ) إذا كان أمراً أربعة شروط: الأول: ما نص عليه الناظم بقوله: (مِنَ الثُّلاَثِي) أن يكون مُجرَّداً عن الزوائد، لأنه إذا قال: ثلاثي، معناه: مُجرَّد، لأن المزيد يكون من أربعة أحرف فأكثر، أن يكون مُجرَّداً أي: عن الزوائد، فأمَّا غير المُجرَّد لا يُقال فيه إلا ما سُمِع .. لا يُقال: قياساً، إلا ما سُمِع، نحو: دراك من أدرك، أدرك هذا فعل أمر، اسم فعل الأمر منه: دراك على وزن فَعَاَلِ، لَكِنَّه مسموعٌ لا قياس، لماذا؟ لأنه من الرباعي .. مما زاد على ثلاثة أحرف، وهذا معلوم من اشتراط الناظم كونه ثلاثياً، لأن قوله: (مِنَ الثُّلاَثِي) وهو جرى على طريقة النحاة لا يشمل المزيد، إذا قال: الثلاثي، لا يدخل فيه المزيد، وهذا حتى عند الصرفيين، بل هو خاصٌ بمقابل المزيد، لأن المزيد نوعان: مزيدٌ ثلاثي، ومزيدٌ رباعي، والمُجرَّد قد يكون ثلاثياً وقد يكون رباعياً. الشرط الثاني: أن يكون تاماً، فلا يبنى من ناقص، كان وأخواتها، وكاد وأخواتها، لا يبنى منه فَعَاَلِ: كواني ما يصلح .. كوادي ما يصلح. الثالث: أن يكون مُتَصرِّفاً فخرج الجامد: نعم وبئس ونحوهما. الرابع: أن يكون كامل التَصَرُّف، فلا يُبْنى من يدَع ويذَر: داعِ .. ذارِ لا يصح، لأنه غير مُتَصرِّف كامل التَصَرُّف. وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ فُعَلُ ... وَلاَ تَقِسْ. . . . . . ......... إذاً قوله: (وَفُلُ) إلى قوله: (كَذَا) هذا مسموعٌ، وقوله: . . . . . . . ..... ... . . . . . . . وَاطَّرَدَا

فِي سَبِّ الاُنْثَى وَزْنُ يَا خَبَاثِ ... . . . . . . . . . هذا مقيس وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ فُعَلُ ... وَلاَ تَقِسْ. . . . . . . هذا شائعٌ غير مقيس، يجتمع (فُلُ) وما عُطِفَ عليه مع فُعَلُ في أن كلاً منهما سماعي، لكن الثاني هذا فُعَلُ كثير شائع، ولذلك قيل بقياسه، وأمَّا (فُلُ) وما عُطِفَ عليه فهي كلمات مسموعة قليلة. إذاً: مسموع قليل، ومسموعٌ شائعٌ لا ينقاس عليه، ومقيس، المقيس: هذا ماكان على وزن خَبَاثِ. (وَشَاعَ) يعني: كَثُرَ، (فِي سَبِّ الذُّكُورِ) كما يُسَبُّ الإناث .. قسمان، فُعَلُ لكن جعلوه في النساء مقيساً، وفي الرجال .. قال: (وَلاَ تَقِسْ) يعني: مسموعٌ وليس مقيساً، (وَشَاعَ فِي سَبِّ الذُّكُورِ فُعَلُ) يعني: يا فُعَلُ .. يا خُبَثُ .. يا غُدَرُ .. يا لُكَعُ، ولا ينقاس ذلك، واختار ابن عصفور كونه قياسياً ونُسِبَ لسيبويه. إذاً: (وَشَاعَ) يعني: كَثُرَ، (فِي سَبِّ الذُّكُورِ) كما كان قياسياً في سب الأنثى، (فُعَلُ) يعني: يا فُعَلُ (وَلاَ تَقِسْ) وإنما هو سماعي. (وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ) هذا عطفٌ على الأول، و (فُلُ) خُصَّ بالنداء (وَفُلُ بَعْضُ مَا يُخَصُّ بِالنِّدَا)، إذاً: الأصل فيه ماذا؟ هو خارجٌ عن الأصل في كونه التزم النداء، ثُمَّ جُرَّ في الشعر على جهة الخصوص فهو شذوذٌ بعد شذوذ، فهو ضرورة بعد ضرورة، حينئذٍ نقول: (وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ) .. جُرَّ فُلُ .. (فُلُ) هذا نائب فاعل، و (فِي الشِّعْرِ) مُتعَلِّق به، وهو في قول القائل: في لُجَّةٍ أَمْسِكْ فُلاَناً عَنْ فُلِ .. (عَنْ فُلِ) عن حرف جر، وفل: اسمٌ مجرورٌ بعن، إذاً: لم يأت في النداء، حينئذٍ نقول: خرج عن الأصل .. خروجٌ عن خروج، والأصل فيه أن يكون مختصاً بالنداء، فخرج عن النداء فقيل: عن فل، وهذا مختلفٌ فيه، هل هو (فُلُ) الذي يختص بالنداء، أو (فُلُ) الذي هو مجزوء من فلان؟ فيه قولان، ورجَّحَ الأشْمُوني: أنه ليس هو (فُلُ) الذي يختص بالنداء، وإنما هذا (فُلُ) الذي هو مقتطعٌ من: فلان. فالشاهد في البيت: (عَنْ فُلِ) حيث استعمل (فُلِ) في غير النداء، وجرَّه بالحرف وذلك ضرورة، هذا إذا سَلَّمنا أنه هو الذي يختص بالنداء، لأن من حقه: ألا يقع إلا منادى، إلا إذا ادَّعَييَا أن (فُلُ) هنا مقتطعٌ من (فلان) بحذف النون والألف، وهذا صَوَّبَه الأشْمُوني، قال: " إذ معناهما مختلفٌ على الصحيح، فالمُختَّص بالنداء كنايةٌ عن اسم الجنس: رجل، وفلان كناية عن علم، ومادتهما مختلفة ". (فُلُ) الذي هو مختصٌ بالنداء: فَه .. لَه .. يَه، وأمَّا (فُلُ) الذي يكون مختصراً من (فلان) فهو: فَه .. لَه .. نَه، يعني: آخر حرف نون .. اللام نون، والذي يختص بالنداء: اللام ياء، ففرقٌ بينهما من حيث المادة ومن حيث المعنى، ولذلك قال: " فالمختص مادته: فَه .. لَه .. يَه " يعني: لامه ياء، ولذلك يُصَغَّر على: (فُلِيٍّ) بإرجاع الياء المحذوفة وإدغامها في ياء التصغير. وهذا مادته: فه .. له .. نه، فالتصغير على: (فُلَين) فُعَيِل.

إذاً إذا قيل: بأنه أصله (فلان) وحذفت منه الألف والنون حينئذٍ لا إشكال .. ليس عندنا استثناء، وإذا قيل: أنه هو الأصل (فُلُ) الذي يَخْتَص بالنداء، حينئذٍ نقول: هذا استعمل ضرورةً في الشعر. قال الشارح هنا: " من الأسماء ما لا يستعمل إلا في النداء " وهذا خروجٌ عن الأصل، وإلا الأصل في الاسم أنه يستعمل منادى وغير منادى. نحو: يا فُلُ، أي: يا رجل، ويا لؤمان: للعظيم اللؤم، ويا نومان: لكثير النوم وهو مسموع، ويؤخذ ذلك من تعبيره بالاطِّرَاد فيما بعدها، لأنه قال: (وَاطَّرْدَا) مفهومه: أن ما قبله ليس مُطَّرِداً، يعني: ليس مقيساً. وأشار بقوله: (وَاطَّرَدَا فِي سَبِّ الأُنْثَى) إلى أنه ينقاس في النداء استعمال فَعَالِ مبْنِياً على الكسر في ذم الأنثى وسبها، من كل فعلٍ ثلاثي -وزدنا عليه ثلاثة شروط-: يا خباث .. يا فساق .. يا لكاع، وأمَّا استعمال (لكَاَع) في قول الشاعر: إليَ بَيْتٍ قَعيدَتُهُ لكَاَعِ .. هذه يُخَرَّج .. خَرَّجُوه على أنه على تقدير قولٍ محذوف، أي: بيتٍ قعيدته مقولٍ لها: يا لكاع، إذاً: ليس مستعملاً في غير النداء، وكذلك ينقاس استعمال (فَعَالِ) المبني على الكسر من كل ثلاثي للدلالة على الأمر .. نعم الثلاثي والشروط في الأمر ليست في سب الأنثى، أنا قلت هناك. نحو: نزالِ وضرابِ وقتالِ، أي: انزل واقتل واضرب، وتراك أي: اترك، وكَثُرَ استعمال (فُعَلْ) في النداء خاصةً، مقصوداً به سب الذكور، نحو: يا فُسَقُ .. يا فاسق يعني، يا غُدَرُ .. يا غادر، يا لُكَعُ .. يا لاكع، ويا خُبَثُ، يعني: يا خبيث، ولا ينقاس ذلك، واختار ابن عصفور كونه قياسياً ونُسِبَ لسيبويه. وأشار بقوله: (وَجُرَّ فِي الشِّعْرِ فُلُ) إلى أن بعض الأسماء المخصوصة بالنداء قد تستعمل في الشعر في غير النداء: في لُجَّةٍ أَمْسِكْ فُلاَناً عَنْ فُلِ .. والأكثر في بناء: (مفعلان) نحو: ملئمان أن يأتي في الذم: (لُؤْمَانُ ونَومَانُ) (مَفْعَلاَن) .. وزن مَفْعَلاَن، الأكثر أن يكون في الذم .. الأكثر وزن مَفْعَلاَن أن يكون في الذم. نحو: ملئمان، من اللؤم، وقد جاء في المدح نحو: يا مكرمان، وهو العزيز المُكْرَم .. يا مكرمان، حكاه سيبويه والأخفش، ويا مطيبان، طيب يعني، هذا مدح. قال في (شرح الكافية): " هذه الصفات مقصورة على السماع بإجماع " ما كان على وزن (مفعلان) نَوْمَان بالفتح، هذه مقصورة على السمع بإجماع، وهو صحيحٌ في غير مفعلان فإن فيه خلافاً، أجاز بعضهم القياس عليه، فتقول: يا مخبثان، وفي الأنثى: يا مخبثانة. وحكا في الهمع: الذي سُمِعَ منه من (مفعلان) ستة ألفاظ فحسب .. فقط ستة -وهذا طيب-: مكرمان، وملئمان، ومخبثان، وملعكان، ومطيبان، ومكذبان، هذه كلها مسموعة، يعني: تُحفظ ولا يُقاس عليها، إذاً: هذه أسماء لازمت النداء على الترتيب الذي ذكرناه، منها ما هو مسموعٌ قليل، ومنها ما هو مقيس، ومنها ما هو شائعٌ غير مقيس. (الاِسْتِغَاثَةُ) المنادى قد يكون استغاثةً، يعني: يستعمل ويراد به الاستغاثة، والاستغاثة مأخوذةٌ من الغوث، والغوث المراد به: نداء من يُخلِّص من شدةٍ ويعين على دفع مشقة، هذا المراد بالاستغاثة، ولذلك قيل: مستغيثٌ ومستغاثٌ به.

نداء من يُخلِّص، إذاً: هي نوعٌ من المنادى .. نوعٌ من أنواع النداء، ولكن اخْتَصَّت بوصفٍ أو حالٍ دون غيرها، لمَّا كان المنادى هنا إنما يُنادى ويستغاث به ليدفع مشقة أو يُخلِّص من شدة، إذاً: لها واقعة معينة، فلذلك اخْتَصَّت بحرفٍ واحد، واخْتَصَّت ببعض الأحكام الآتي ذكرها. (الاِسْتِغَاثَةُ) إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَىً خُفِضَا ... بِاللاَّمِ مَفْتُوحَاً كَيَا لَلْمُرْتَضَى (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) استغيث: هذا مُغَيَّر الصيغة، و (اسْمٌ) هذا نائب فاعل، إذاً: أصله مفعولٌ به، وعليه فـ (استغاث): مُتعدٍّ يَتَعدَّى بنفسه، حينئذٍ استعمال النحاة: المستغاث به، نقول: هذا في غير محله، إلا إذا ادُّعِي أنه يستعمل لازماً ومتعدياً .. وقد ادُّعِي، أو يُقال: إنه من باب التوسع، وإلا (استغاث) يَتَعدَّى بنفسه، حينئذٍ لا نحتاج إلى حرف جر، وإنما نحتاج إلى حرف جر متى؟ إذا كان الفعل لازماً، وأمَّا إذا كان مُتعدِّياً بنفسه فلا. (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) إذاً: دَلَّ على أن (استغاث) يَتَعدَّى بنفسه، والنحاة يقولون: مستغاثٌ به، قال تعالى: ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)) [الأنفال:9] انتهينا! يعني: ربكم: هذا مفعولٌ به، فدل على أن الاستغاثة تتعدى بنفسها. (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) يعني: إذا نؤدِي ليُخَلِّص من شدةٍ أو يعين على مشقةٍ، (اسْمٌ مُنَادىً)، اسْمٌ قلنا: نائب فاعل، و (مُنَادىً) نعته، اسمٌ: هذا شامل للمضاف وشبه المضاف، يعني: يكون مفرداً، ويكون مضافاً، ويكون شبيهاً بالمضاف، وأمَّا النكرة غير المقصودة، فهذه وقع تردد فيها عند الشاطبي وغيره، هل مما يصلح أن يستغاث به أو لا؟ لأن الأصل هنا الإقبال .. الإقبال على المستغاث به، فحينئذٍ كيف يكون نكرة غير مقصودة؟ هذا محل تردد. إذاً: (إذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) هذا قد يكون مفرداً، وأطلق الاسم فيشمل المضاف والشبيه بالمضاف، وأمَّا النكرة غير المقصودة فهي محل نظر، وإيقاع الاستغاثة هنا على الاسم على جهة التأويل، لأنك لا تستغيث بالاسم: يا زيد، إنما تستغيث بمسمى زيد .. بمدلول اللفظ، والحقيقة إنما تكون .. الذي يرفع ويدفع هو المسمى وليس باللفظ، حينئذٍ (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) نقول: هنا على جهة التأويل. إيقاع الاستغاثة على الاسم، أي: على اللفظ، اصطلاحي، يعني: شأنه اصطلاحٌ عند النحاة، فإن المستغاث حقيقةً المعنى، أي: مدلول اللفظ، أو نقول: التقدير مدلول اسمٍ .. (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) يعني: مدلول اسمٍ، وهذا حسن أيضاً. (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادىً) هذا فيه فائدة: وهو أن المستغاث لا يكون إلا منادى، لأنه قد يرد أنه ذكر المنادى ثم أتبعه بفصول المنادى، وهذه عادة النحاة، يبدؤون بالمنادى ثم تأتي الفصول متتابعة، والاستغاثة نوعٌ منها، ولذلك سبق: غير مندوب ومستغاث، فاستثنى المستغاث فدل على أنه نوعٌ من أنواع المنادى، إذاً: هنا تأكيد إلى أن الاستغاثة من باب النداء. (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادىً) منادىً: هذا نعت لاسم، فائدته: التنبيه على أن المستغاث اصطلاحاً لا يكون إلا منادىً.

(خُفِضَا بِاللاَّمِ)، (خُفِضَا) فعل ماضي، والألف هذه للإطلاق، والفاعل ضمير مستتر يعود على الاسم .. خفض الاسم، يعني: الذي وقعت عليه الاستغاثة، (خُفِضَا بِاللاَّمِ) والجملة جواب (إِذَا) .. (إِذَا اسْتُغِيثَ) أين الجواب؟ (خُفِضَا بِاللاَّمِ)، باللام: جار ومجرور مُتعَلِّق بخفض، غالباً .. ليس مُطَّرِداً غالباً، ولذلك سيأتي: وَلاَمُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ .. يعني: أنه قد لا يكون فيه لام .. (خُفِضَا بِاللاَّمِ) أي: غالباً، فخفضه للتنصيص على الاستغاثة. (بِاللاَّمِ مَفْتُوحاً) مفتوحاً: هذا حالٌ من اللام، إذاً: يَتَعيِّن في المستغاث أن يُخْفَضَ باللام مفتوحاً، فيقال: يا لَلمرتضى .. يا لَزيدٍ، يا لَـ .. باللاَّم مفتوحة، زيدٍ: هذا مجرور، إذاً المستغاث نقول: تدخل عليه اللام غالباً، وهي مفتوحة، وإذا دخلت عليه اللام فهي حرف جر كما سيأتي، وإذا كانت حرف جر حينئذٍ صار مدخولها مخفوضاً. إذاً: (خُفِضَا) أي: الاسم المستغاث، (بِاللاَّمِ مَفْتُوحاً) حال كون اللام مفتوحاً، (كَيَا لَلمُرْتَضَى) فخفضه للتنصيص على الاستغاثة، وفتح اللام لوقوعه موقع الضمير الذي تُفتَح معه اللام لكونه منادى، لأن المنادى قلنا: في قوة ضمير الخطاب .. فيما سبق، المنادى في معنى ضمير الخطاب .. الكاف، ولذلك بُنِي، لأنه أشبه الكاف الاسمية لفظاً ومعنى، المشبهة للكاف الحرفية لفظاً ومعنى، حينئذٍ ماثله إفراداً وتعريفاً، ولذلك بُنِي المنادى. هنا نقول: جُرَّ باللام للتنصيص، وكانت اللام مفتوحة تشبيهاً لما بعده بالضمير، لأنه في قوة المخاطب. فخَفْضُه للتنصيص على الاستغاثة، وفُتِح اللام معه لوقوعه موقع الضمير الذي تفتح معه اللام لكونه منادى، ليحصل بذلك فرقٌ بينه وبين المستغاث من أجله: يا لَزيدٍ لِعمروٍ، زيدٍ: هذا مستغاثٌ به، ولعمروٍ: مستغاثٌ له، اللام تكون مفتوحة مع المستغاث به، وأمَّا مع المستغاث له فهذه تكون مكسورة، إذاً: فُتِحَتْ مع المستغاث به ليكون ثَمَّ فرقٌ بين النوعين. ليحصل بذلك فرقٌ بينه وبين المستغاث من أجله، وإنما أُعْرِبَ مع كونه منادىً مفرداً معرفةً، لأن تركيبه مع اللام أعطاه شبهاً بالمضاف، إذاً: إذا قيل بأنه منادى، وزيد: هذا في الأصل أنه إذا نُودِي يكون مبنياً، وهنا نقول: يا لَزيدٍ، لماذا خفضناه، والخفض يكون إعراب؟ قالوا: للزوم اللام معه غالباً كأنه صار شبيهاً بالمضاف، حينئذٍ أشبه المضاف. إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَى خُفِضَا ... بِاللاَّمِ مَفْتُوحَاً ............ وإنما اخْتِيرت اللام دون غيرها لمناسبة معناها للاستغاثة، قالوا: لأن لامها للتخصيص، أدخلت على المستغاث دلالةً على أنه مخصوصٌ من بين أمثاله، فتدل على التخصيص، ولذلك هناك تدل على الملك، وتدل على الاستحقاق، وتدل على الاختصاص، حينئذٍ لها مزية على غيرها من حروف الجر، فهي تدل على التخصيص، إذاً: كأن المنادِي أقبل على فلان .. زيد، وخَصَّه بالاستغاثة.

وإنما اختيرت اللام لمناسبة معناها للاستغاثة لأن لامها للتخصيص أُدخلت على المستغاث دلالةً، على أنه مخصوصٌ من بين أمثاله بالنداء، وكذا المُتَعَجب منه كما سيأتي .. مخصوصٌ من بين أمثاله باستحضار غرابته. وقوله: (خُفِضَا بِاللاَّمِ) دَلَّ على أن المستغاث معربٌ مطلقاً، لكنه يكون بالخفض. واختلف في هذه اللام الداخلة على المستغاث، فقيل: هي بقية (آل) وهو مذهب الكوفيين، والأصل: يا آل زيدٍ، فاللام مقتطعة من (آل) فأصل العبارة: يا آل زيدٍ، فحذفت الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال، ثُمَّ حذفت الألف تخلصاً من التقاء الساكنين وبقيت اللام، لكن هذا ضعيف. فقيل: هي بقية (آل) فالأصل: يا آل زيدٍ، فزيدٌ مخفوضٌ بالإضافة، ونُسِبَ للكوفيين، وذهب الجمهور إلى أنها لام الجر، وهو الصحيح، لأن تلك (آل) اللام ليست حرف معنى، وإنما هي حرف مبنى، فكيف خفَضت .. فإذا حذف المضاف حينئذٍ كيف عَمِل؟ هذا يحتاج .. والجمهور على أنها لام الجر، ثم اختلفوا: هل هي زائدة لا تتعلق بشيء، أم أنها حقيقية أصلية تحتاج إلى مُتَعَلَّق؟ إذا قيل: يا لَزيدٍ، اللام حرف جر، مثل: مررت بزيدٍ، حينئذٍ إذا قيل: بأنها حرف جر، فالحرف قد يكون زائداً، وقد يكون أصلياً، إذا قيل: بأنها زائدة لا نحتاج إلى مُتَعَلَّقٍ تَتَعلَّق به، نقول: اللام حرف جر زائد، وزيد: مجرور وانتهينا، لا نحتاج إلى أن نقول: الجار والمجرور مُتعَلِّق بكذا. وإذا قلنا بأنها أصلية .. وهو الصحيح، حينئذٍ لا بُدَّ من مُتَعَلَّقٍ تَتَعلَّق به، فما هو هذا المُتَعَلَّق؟ فاختلفوا -القائلون بأنها لام الجر-، فقيل: زائدة لا تتعلق بشيء، وهذا ضعيف لأن الزيادة خلاف الأصل، لا يحكم بزيادة شيءٍ إلا بِثَبَت، وقيل: ليست بزائدة، وفيما تتعلق به قولان، إذا قيل أنها أصلية: أحدهما: بالفعل المحذوف، لأننا قلنا: (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَى) إذاً: المنادى موجود .. النداء موجود، ولذلك: يا لزيدٍ، يا: هذه نائبةٌ مناب أدع، حينئذٍ له أثرٌ. بالفعل المحذوف، وهو مذهب سيبويه. والثاني: بحرف النداء، قلنا: هذا ضعيف، لأن حرف النداء لا يعمل، والفعل ملاحظ، بدليل بقاء أثره في المحل. وعلى مذهب سيبويه: أنه الفعل الذي نابت عنه ياء، لكن بتضمينه معنى فعلٍ يَتَعدَّى بالحرف، يعني: أدعو زيداً، أدعو لزيدٍ ما يأتي هذا، لا بُدَّ أن نُضَمِّن أدع معنى فعلٍ يَتَعدَّى باللام، ألتجئ لزيدٍ، إذاً: أدعو زيداً نُضَمِّنه معنى ألتجئ فيَتَعدَّى باللام فلا إشكال فيه، وعلى مذهب سيبويه: لا بُدَّ أن نُضَمِّنه معنى فعلٍ يَتَعدَّى بالحرف كألتجئ ونحوه، في نحو: يا لزيدٍ، وأتَعَجَّب في نحو: يا للماء .. يا للعلماء .. يا للمصيبة، هذا من باب التعجب، حينئذٍ: أدعو .. ألتجئ لزيدٍ، لأن معنى الاستغاثة كذلك، يا للماء .. تعجب من كثرة الماء، حينئذٍ يا للماء، أدعو بمعنى: أتعجب .. أتعجب للماء، لأنه يَتَعدَّى باللام. إذاً: (خُفِضَا بِاللاَّمِ) نقول: هذا غالب، ثُم الصحيح أن هذه اللام لام الجر، وليست بقية: (آل)، ثُم الصحيح أنها أصلية، ثُم الصحيح أنها مُتعَلِّقة بالفعل لا بالياء، كل المسائل داخلة في قوله:

خُفِضَا ... بِاللاَّمِ مَفْتُوحاً كَيَا لَلمُرْتَضَى. كَيَا لَلمُرْتَضَى يعني: كقولك .. وذلك كقولك، والقول وما دخل عليه نقول: هذا خبر مبتدأ محذوف، وذلك كقولك: يَا لَلمُرْتَضَى. دَلَّ لمثال على أمور، يعني: فيه أحكام: أولاً: أنه يجوز اقترانه بـ (أل)، يعني: المستغاث يجوز اقترانه بـ (أل)؛ لأنه قال: المرتضى .. (لَلمُرْتَضَى)، إذاً: دخلت اللام .. لام الجر الاستغاثة هنا و (يا) واستغيث بما هو محلىً بـ (أل). أنه يجوز اقترانه بـ (أل) وإن كان منادى، وإن كان السابق معنا هناك نقول: المنادى لا يجوز أن يكون محلًى بـ (أل) إلا بواسطة، لا يُقال: يا العالم .. يا الرجل، لكن هنا لمَّا فُصِلَ باللام حينئذٍ سَاغَ أن يكون مدخول اللام محلًى بـ (أل). وإن كان منادىً لأن حرف النداء (يا) لا يباشرها، وهذا مُجمعٌ عليه. ما هو المجمع عليه؟ أن يكون المستغاث .. الاسم المستغاث محلىً بـ (أل) .. هذا متفقٌ عليه. الثاني: يفهم من المثال أن المستغاث يختص من حروف النداء بـ (يا)، ولا يجوز أن يُقال: ألا المرتضى .. أيا المرتضى .. هيا المرتضى، كل هذا غير جائز، وإنما يختص بـ (يا). فوجب كون الحرف ياء. ثالثاً: كونها مذكورة، ولا يجوز حذفها، وهذا سبق مما يمتنع حذفه .. حذف (يا) أو حرف النداء المستغاث، لأنه يلتبس .. لو حُذِفَ التبس بغيره. إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَى خُفِضَا ... بِاللاَّمِ مَفْتُوحَاً كَيَا لَلْمُرْتَضَى قوله: (اسْمٌ) هذا يشمل الضمير، وهذا مختلفٌ فيه، يجوز أن يكون كلٌ من المستغاث له والمستغاث ضميراً كقولك: يا لك لي، لك: الكاف مستغاث به، لي: الياء هنا مستغاثٌ من أجله، إذاً: وقع ضميراً في الموضعين، هذا جائزٌ عند بعضهم. يجوز أن يكون كلٌ من المستغاث له والمستغاث ضميراً كقولك: يا لك لي، تدعو المخاطب لنفسك. قال الشارح: " يُقال: يا لزيدٍ لعمروٍ، فيُجَر المستغاث بلامٍ مفتوحة - الداخلة على زيد -،ويُجَر المستغاث له بلامٍ مكسورة " وهذا سيأتي الذي هو: لعمروٍ، فعمروٍ: هذا اللام هنا مكسورة، وهو مستغاثٌ له، أو من أجله، سمه بذا أو ذاك، واللام في الموضعين تسمى لام الاستغاثة سواءً كانت داخلة على المستغاث به أو المستغاث له، لكنها تفتح مع المستغاث وتكسر مع المستغاث من أجله: يا للمسلمين .. يا لله .. تكون مفتوحة. وإنما فتحت مع المستغاث لأن المنادى واقعٌ موقع المضمر، والضمير تفتح معه .. له ولك، بخلاف الياء: لي، واللام تفتح مع المضمر نحو: لك وله. ثم قال: وَافْتَحْ مَعَ المَعْطُوفِ إِنْ كَرَّرتَ يَا ... وَفِي سِوَى ذَلِكَ بِالكَسْرِ ائْتِيَا قوله: (إِنْ كَرَّرتَ يَا) يؤكِّد معنى السابق وهو قوله: (يَا لَلمُرْتَضَى)، أن المُتَعيِّن من حروف النداء هو (يا) على جهة الخصوص، ولا يجوز غيرها .. لا يجوز غيرها البَتَّة. (وَافْتَحْ) افتح ماذا؟ افتح اللام، (مَعَ المَعْطُوفِ)، (افتح) هذا فعل أمر، والفاعل: أنت، المفعول به لا بُدَّ من تقديره، افتح اللام مع المعطوف، (مَعَ المَعْطُوفِ) يعني: مع المستغاث المعطوف، (مَعَ) منصوبٌ على الحالية مُتعَلِّق بمحذوف حال، حالٌ من اللام .. افتح اللام حال كونها مع المعطوف.

(إنْ كَرَّرتَ يَا) إن كَرَّرت أنت .. فعل وفاعل، (يَا) مفعولٌ به قُصِدَ لفظه، ماذا تقول إن كَرَّرت (يا)؟ يا لَزيدٍ ويا لَعمروٍ لِبَكرٍ، إذا كان المستغاث به اثنين، إذا كان المستغاث به اثنين حينئذٍ تقول: يا لَزيدٍ ويا لَعمروٍ لِبَكرٍ، فيحتمل إمَّا أنك تكَرِّر الياء وإمَّا ألا تُكَرِّر. هنا قال: (وَافْتَحْ مَعَ المَعْطُوفِ إنْ كَرَّرْتَ) مفهومه: إن لم تكَرِّر اكسر، يعني: إذا قلت: يا لزيدٍ ولعمروٍ لبكرٍ، عَطَفَت على الأول المستغاث به مع عدم تكرار (يا) حينئذٍ اكسر. وإذا أعدت (يا) .. كَرَّرتها حينئذٍ وجب الفتح، إذاً: وافتح اللام مع المعطوف .. مع المستغاث المعطوف، (إنْ كَرَّرْتَ يَا) متى؟ (إنْ كَرَّرتَ يَا)، مفهومه: إن لم تكَرِّر (يا) حينئذٍ لا تفتح بل اكسر، فتقول: يا لَزيدٍ ولِعمروٍ لِعمروٍ لِبكرٍ، لماذا؟ لأنه لا يلتبس حينئذٍ الثاني بالمستغاث من أجله، كونه معطوفاً على الأول ولامه مكسورة، والأول مستغاثٌ به لا يلتبس بالمستغاث من أجله، هكذا عندنا التركيب. أولاً قلنا: يا لَزيدٍ لِعمروٍ، فتحت اللام في الأول فرقاً بينها وبين لام المستغاث من أجله، قد يقع اللبس هنا .. تقديم وتأخير، لكن إذا قيل: يا لَزيدٍ ولِعمروٍ لِبكرٍ، هل يقع لبس في الثاني .. أنه مستغاثٌ به؟ لا يقع، لأن الواو حرف عطف، فحينئذٍ لِعمروٍ معطوف لَزيدٍ .. يا لَزيدٍ، والأول مُتعيِّن أنه مستغاثٌ به، وعطفنا عليه ما لم تتصل به (يا) وكسرنا اللام، إذاً: لا لَبس. وأمَّا إذا كَرَّرنا (يا) فحينئذٍ نبقى على الأصل، هذه جملة منفكة وهذه جملة منفكة، مثل ما قلنا: يا زيدُ زيدُ الثاني نُقَدِّر له (يا) في البدل. وَافْتَحْ مَعَ المَعْطُوفِ إِنْ كَرَّرتَ يَا ... وَفِي سِوَى ذَلِكَ ............. وَفِي سِوَى ذَلِكَ -التكرار- ائْتِيَا بِالْكَسْرِ، هذا تصريحٌ بالمفهوم، يعني: لا نحتاج إليه، إلا على تأويل، (وَفِي سِوَى ذَلِكَ) في سوى جار ومجرور مُتعَلِّق بـ: (ائتيا)، و (ائتيا) هذا فعل أمر، والألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، (فِي سِوَى ذَلِكَ) المشار إليه هنا التكرار .. في سوى الكرار، سوى: مضاف، وذلك: مضاف إليه، (بِالكَسْرِ) ائتيا بالكسر، جار ومجرور مُتعَلِّق بـ: (ائتيا). (بِالكَسْرِ) الكسر واجب أو جائز؟ واجب، بالكسر وجوباً ائتيا على الأصل لأمن اللبس، لأن الأصل في اللام هنا قلنا: هي لام الجر، والأصل فيها هو الكسر، حينئذٍ لمَّا أُمِنَ اللبس رجعنا إلى الأصل وهو كسر اللام، وفي سوى ذلك التكرار ائتيا بالكسر وجوباً، ولا يجوز الفتح. إذا عُطِفَ على المستغاث مستغاثٌ آخر، فإمَّا أن تتكَرَّر معه (يا) أو لا .. إذا عُطِفَ على المستغاث الأول مستغاثٌ ثاني، فإن تكَرَّرت لزم الفتح: يا لَزيدٍ ويا لَعمروٍ لِبكرٍ، وهذا واضح نَصَّ عليه بقوله: (وَافْتَحْ مَعَ المَعْطُوفِ إنْ كَرَّرتَ يَا). ومنه: يَا لَقَومي ويَا لأَمْثَالِ قَوْمي، أعاد (يا) كَرَّرها، وفتح اللام مع الثاني كما هو الشأن في الأول، يا لَزيدٍ ويا لَعمروٍ لبكرٍ، هذا إذا كُرِّرَت، وإن لم تُكَرَّر لزم الكسر نحو: يا لَزيدٍ ولِعمروٍ لِبكرٍ، ومنه قوله:

يا لَلْكُهُولِ ولِلشُّبَابِ لِلْعَجَبِ .. يا لَلْكُهُولِ: الكبار .. جمع كهل، (ولِلشُّبَابِ) حينئذٍ نقول: للشباب، لم يقل: يا لَلشباب، لو أعاد (يا) وَجَبَ فتح اللام، ولمَّا حذف ياء .. لم يُكَرِّرها وإنما عطفه على الأول حينئذٍ تَعيَّن الكسر لأمن اللبس، لأنه لا يلتبس بغيره .. مع التكرار والعطف لا يلتبس بغيره. وإن لم تَتَكَرَّر لزم الكسر، كما يلزم كسر اللام مع المستغاث له، لام المستغاث له واجبة الكسر، الذي هو يكون في الأخير: يا لَزيدٍ لِبكرٍ، نقول: اللام هنا على الأصل، وإنما فتحت في الأول لتنزيل المستغاث منزلة الضمير، وأمَّا الثاني فلا. كسرُ اللام مع المستغاث من أجله .. المستغاث له، واجبٌ على الأصل، وهو ظاهرٌ في الأسماء الظاهرة، وأمَّا المُضْمَر .. لو كان ضميراً، فتفتح معه إلا مع الياء .. على الأصل، نحو: يا لَزيدٍ لَك، لك: اللام هذه .. لَك: الكاف مستغاثٌ من أجله، هنا وجب فتحه، لقيام مانعٍ من الكسر، الأصل الكسر إلا إذا منع منه مانع، فحينئذٍ رجعنا إلى الفتح لأن الكاف ضمير ولا يُكْسر معه اللام، فتقول: لك .. يا لَزيدٍ لَك، وأمَّا: يا لَزيدٍ لِ كُسِر على الأصل. وإذا قلت: يا لك احتمل الأمرين، وفي اللام .. لام المستغاث من أجله خلافٌ لما تتعلق به، في الأول: يا لَزيدٍ، قلنا: اختُلِفَ فيه على ما مضى، والصواب أنها مُتعَلِّقة بالفعل الذي نابت عنه (يا) مع التضمين، ولام المستغاث من أجله كذلك مختلفٌ فيما تتعلق به، فقيل بحرف النداء، وقيل بفعلٍ محذوف، أي: أدعوك لِزيدٍ، فيُقَدَّر بعد المستغاث والكلام حينئذٍ جملتان، يعني: يُقَدَّر له فعل غير الأول .. غير الذي تعلق به لَزيدٍ المستغاث، حينئذٍ نُقَدِّر له بعد المستغاث، كأنه يقول: أدعوك لَزَيدٍ .. أدعوك لَبكرٍ، فيُقَدَّر فعل آخر وإن لم يكن مُضَمَّنا معنى اللام، فهما جملتان. وإلى هذا أشار بقوله: (وَفِي سِوَى ذَلِكَ بِالكَسْرِ ائْتِيَا) أي: وفي سوى المستغاث والمعطوف عليه الذي تَكَرَّرَت معه (يا) اكسر اللام وجوباً، فتكسر مع المعطوف الذي لم تَتَكَرَّر معه (يا) ومع المستغاث له. وَلاَمُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ ... وَمِثْلُهُ اسْمٌ ذُو تَعَجُّبٍ أُلِفْ (وَلاَمُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف، و (مَا اسْتُغِيثَ) ما اسم موصول بمعنى: الذي، في محل جر مضاف إليه، و (اسْتُغِيثَ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، فُهِمَ منه أن اللام غير لازمة في قوله: (عَاقَبَتْ)، ولذلك قلنا هناك (خُفِضَا بِاللاَّمِ) .. قلنا: غالباً، لماذا غالباً؟ لأنه استثنى هنا: (وَلاَمُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ) قد تُحْذَف اللام ويُعَوَّض عنها ألف، فبدلاً من أن يُقال: يا لَزيدٍ، يُقال: يا زيدا، بالألف .. الألف هذه ألف الاستغاثة نائبةٌ عن لام المستغاث حُذِفَت وعُوِّضَ عنها ألف، دَلَّ على أنها ليست بلازمة، لأن الحذف هنا قياسي.

(وَلاَمُ مَا اسْتُغِيثَ) التي عناها الناظم بقوله: (خُفِضَا بِاللاَّمِ مَفْتُوحاً)، هذه اللام (عَاقَبَتْ أَلِفْ) عاقبت ألفاً، ألفاً: هذا مفعولٌ به، و (عَاقَبَتْ) فعل وفاعل، وألفاً: هذا مفعولٌ به وَقَفَ عليه بالسكون على لغة ربيعة، ويَحتمل أن (أَلِفْ) فاعل .. عَاقَبَتْ أَلِفٌ: عاقبتها ألفٌ، هذا مُحتمل، وجَوَّزه المكودي هناك، وهذا لا بأس به. (عَاقَبَتْ أَلِفْ) وهذه الألف عِوَضٌ عن اللام، وفُهِمَ بهذا أن اللام غير لازمة، لأن الألف تعاقبها، وفُهِمَ من كون الألف عِوَضاً عن اللام أنه لا يجوز الجمع بينهما، فلا يُقال: يا لَزيدا، هذا ممنوع، لأن: زيدا .. الألف هذه عِوَض عن اللام، وأنت جمعت بينهما: يا لزيدا، هذا غير جائز .. ممتنع، لأنه لا يُجمع بين العِوَض والمُعَوَّض عنه. ولا يجوز الجمع بينهما فلا تقول: يا لزيدا، وقد يخلوا منهما، يعني: إذا دَلَّ عليه دليل، فلا تُذْكَر اللام ولا العِوَض عنه: أَلاَ يَاقُومِ للْعَجَبْ العَجِيبِ، ألا يا لَقُومِ، أو: ألا قوما، لم يأت بالألف ولا باللام، هنا الشاعر حذف اللام وحذف الألف: أَلاَ يَاقُومِ للْعَجَب العَجِيبِ. (وَلاَمُ مَا اسْتُغِيثَ عَاقَبَتْ أَلِفْ) إذاً نَخلُص من هذا: أن الألف قد تكون نائبةً عن اللام التي تدخل على المستغاث، حينئذٍ تأخذ حكمها في الدلالة على الاستغاثة، نحو: يا زيدا، وإذا وقفت على المستغاث أو المتعجب منه حالة إلحاق الألف جاز الوقف بهاء السَّكت، فيقال: يا زيدا .. يا زيداه، جاز الوقف بهاء السَّكت، إذاً يجوز: يا لَزيدٍ .. يا زيدا .. يا زيداه. وإذا جُعِلَ الحذف قياساً يجوز: يا زيدِ، وهذا فيه إشكال. (وَمِثْلُهُ اسْمٌ ذُو تَعَجُّبٍ أُلِفْ) هذا استطراد، كما قال هناك: (وَالأَمْرُ) هنا استطرد كذلك، وإنما ذكر اسم التعجب هنا وإن لم يكن من هذا الباب لاشتراكهما في الحكم، والداعي إلى نداء المُتَعَجب منه استعظام أمر، كما سبق: أن التعجب إنما هو استعظام، قد يناديه .. يرى الماء كثير يقول: يا لَلماء، قد يرى قلة العلماء: يا لَلعلماء .. يا لَلدَّواهي، ونحو ذلك، قَدْ يُتَعَجب من شيء فينادى جنسه. كل أحكام الاستغاثة: من حيث اللام وفتحها، ومن حيث حذفها، وتعويض الألف عنها، كله ثابت للمُتَعَجب منه. (وَمِثْلُهُ اسْمٌ ذُو تَعَجُّبٍ أُلِفْ) قلنا: النداء المُتَعَجب منه سببه استعظام أمرٍ بعده عظيماً، أو يَعُود عظيماً، فينادَى جنس ما رآه المُتَعَجِّب، كا يالَلماء، ويا للعشب ونحو ذلك. (وَمِثْلُهُ) هذا خبر مُتَقَدِّم .. مثله في ذلك، (اسْمٌ) هذا مبتدأ، (وَمِثْلُهُ) خبر مُتَقَدِّم، ولا بأس بالعكس، و (ذُو تَعَجُّبٍ) نعت .. صفة لاسم، (أُلِفَ) يعني: مألوف، صار مثله مثل حكم المتسغاث، فالألفة بينهما في تساوي الأحكام سَوَّت بينهما، (أُلِفْ) فالجملة حينئذٍ تكون صفةً لتعجب.

قال هنا: تُحذف لام المستغاث، ويؤتى بألفٍ في آخره عوضاً عنها، نحو: يا زيدا لِعمروٍ، ومثل المستغاث المُتَعَجب منه: يالَلدَّاهية .. يالَلعجب، فيُجَرُّ بلامٍ مفتوحة كما يُجَرُّ المستغاث، وتُعَاقِب اللام في الاسم المُتَعَجب منه ألفٌ، فتقول: يا عجباً لِزيدٍ، يا عجباً أصلها: يا لَعَجبٍ، حذفت اللام فنُصِِبَ، لِزيدٍ: هذا بالكسر، كقولهم: يا لَلماء، ويا لَلدواهي، إذا تعجبوا من كثرتهما، ويُقال: يا للعجب، ويا عجباً لزيدِ. إذاً: هذا ما يتعلق بالاستغاثة. ثُمَّ قال: (النُّدْبَةُ). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

100

عناصر الدرس * شرح الترجمة (الندبة) وحدها * مايجوز ندبه ومالا يجوز * حكم آخر المندوب * حكم ندب المضاف إلى ياء المتكلم * شرح الترجمة (الترخيم) وحده * مايجوز ترخيمه ومالايجوز * الترخيم بحذف حرف واحد وشروطه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم - رحمه الله تعالى -: (النُّدْبَةُ). أي: هذا باب ما يتعلق بأحكام النُّدْبَة .. (النُّدْبَة) بضَمِّ النون، مصدر: نَدَب الميت إذا ناح عليه وذكر خصاله الحميدة، وأكثر من يتكلم بها النساء لضعفهن عن احتمال المصائب، لأنه في مقابل توَجُّع وتَفَجُّع، وهذا في النساء غالب، لأن المرأة ضعيفة ولا تقبل المصائب إذا وقعت عليها وإنما يقع منها توَجُّع وتفَجُّع. إذاً: (أكثر من يتكلم بها النساء لضعفهن عن احتمال المصائب). (النُّدْبَة) .. وأمَّا في اصطلاح النحاة: فالمراد (بالمندوب) المتفَجَّعُ عليه والمتَوَجَّع منه، هكذا يُعرِّفها كثير من النحاة، وهذا فيه نوع قصور، لأن لا بُدَّ من التقييد: أن النُّدْبَة إنما تكون بـ (وا) هذا هو الأصل فيها، و (يا) إذا أُمِن اللبس. حينئذٍ يُقال: المتَفَجَّع عليه بـ (وا) أو (يا) ليخرج نحو: تَفَجَّعت على زيدٍ، هذا في المعنى (مندوب) أنا مُتَفجَّعٌ عليه، نقول: هذا (نُدْبَة) لكنه ليس في اصطلاح النحاة، يعني: لا يسمى مندوباً في اصطلاح النحاة، لأنه يُشْتَرط: أن يكون بـ (وا) على جهة الخصوص أو (يا) بشرط أمْن اللبْس. (مُتَفَجَّع عليه) لِفَقْده حقيقةً، أو لتنزيله مُنَزَّلة المفقود .. (المُتَفَجَّع عليه حقيقةً) يعني: أن يكون مفقوداً .. مات، حينئذٍ يُتَفجَّع عليه. كقول القائل: وَقُمْتَ فِيهِ بِأَمرِ اللَّهِ يَا عُمرَا، كما سبق معنا أنه قاله عند موته، حينئذٍ صار مفقوداً حقيقةً. أو لتنزيله مُنَزَّلة المفقود، كقول عمر وقد أُخْبِر بجدبٍ أصاب بعض العرب: واعمراه .. واعمراه، هو موجود حيّ، لكنه يَنْدُب نفسه: واعمراه .. واعمراه، تنزيلاً له مُنَزَّلة المفقود. إذاً: (المتُفَجَّع عليه بـ (وا) أو (يا) لفقده حقيقةً أو لتنزيله مُنَزَّلة المفقود). (والمُتَوَجًّع منه): وارأساه .. واظهراه .. وامصيبتاه، الأول في الذوات .. (المتَفَجَّع عليه)، (المُتَوجَّع) الألم، وهذا قسمان: ما هو محل الألم نحو: وارأساه .. واظهراه، وهذا محل الألم. أو النوع الثاني: ما هو سبب الألم: وامصيبتاه، نقول: هذا سببٌ للألم، إذاً: (المندوب) المُصطلح عليه عند النحاة هو: المُتَفَجَّع عليه بـ (وا) أو (يا)، ليخرج ما جاء لفظ (التَفَجُّع) ومشتقاته، ولا يسمى مندوباً عند النحاة. (تَفَجَّعت عليه) و (التَفَجُّع) المراد به: إظهار الحزن: وازيداه، و (المُتَوَجَّع منه) بقسميه كذلك نحو: واظهراه .. وارأساه .. وامصيبتاه. إذاً: هذا المندوب، لذا قال الناظم هنا: (النُّدْبَة) لكنه من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول، لأن الندْبَة ليس هو عين ما أراده النحاة، لأن أحكامهم تتعلق بالألفاظ، حينئذٍ يكون من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول. قال - رحمه الله تعالى -: مَا لِلْمُنَادَى اجْعَلْ لِمَنْدُوبٍ وَمَا ... نُكِّرَ لَمْ يُنْدَبْ وَلاَ مَا أُبْهِمَا وَيُنْدَبُ المَوْصُولُ بِالَّذِيْ اشْتَهَرْ ... كَبِئْرَ زَمْزَمٍ يَلِي وَا مَنْ حَفَرْ

(مَا لِلمُنَادَى اجْعَل لِمَنْدُوبٍ): هذه قاعدة عامة .. (اجعل ما للمنادى لمندوبٍ)، (اجْعَلْ) هذا فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، (مَا) اسم موصولٌ بمعنى الذي .. مفعول مُقدَّم .. مفعول أول لـ: (اجْعَلْ)، و (لِلمُنَادَى) هذا مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، (لِمَنْدُوبٍ) هذا المفعول الثاني. (اجعل ما للمنادى لمندوبٍ) ما هو الذي للمنادى؟ فـ (مَا) واقعة على الأحكام، يعني: الأحكام التي تَعلَّقت بالمنادى اجعلها لمندوبٍ، اجعل ما .. (ما) واقعةٌ في الاسم الموصول بمعنى: الذي، مُبْهَم .. واقعة على أحكام المُنَادى. إذاً: اجعل الأحكام الثابتة السابقة التي ثبتت للمُنَادى من حيث البناء، ومن حيث النصب، ومن حيث ما يصح نداؤه وما لا يصح، جميع الأحكام السابقة اجعله لمندوبٍ، فَيُضَمُّ في نحو: وازيد .. يُضَّم، وإذا جئت بالألف أبدلت الضَمَّة فتحة: وازَيْدَا، فتكون الضَمَّة مُقدَّرة، إذا حذفتها تقول: وازيدُ .. واعُمرُ، وإذا جئت بالألف وهي ليست لازمة إنما غالبة، حينئذٍ تقول: واعُمرَا .. وا زَيْدَا. إذاً: يُضَّمُّ المندوب كما يُضَّمُّ المُنَادى، ويُنْصَب في نحو: وا أمير المؤمنين كما ينصب المندوب: يا أمير المؤمنين، ونَصْبُه واضح بَيِّن، ويُنصَب إذا قيل: واطالعاً جبلاً، كما تقول: يا طالعاً جبلاً، لكن قوله: (اجعل ما للمُنَادى لمندوبٍ) وفي السابق قال: (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادًى) هناك حَكَم على الاسم المُستَغَاث بأنه مُنَادى، وهنا قال: اجعل الأحكام التي للمُنَادى لمندوبٍ، أليس فيه إشارة بأن المندوب ليس مُنَادى؟ ألا يفهم من عبارته أن المندوب ليس مُنَادى؟ لأنه لم يَحكم أنه مُناَدى كما حكم في باب الاستغاثة؟ الاستغاثة عَيَّن .. جَزَم: إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادَى خُفِضَا ... بِاللاَّمِ مَفْتُوحَاً كَيَا لَلْمُرْتَضَى إذاً: حَكَم بكون الاسم المستغاث (مُنادى). وهنا غَايَر في العبارة، فقال: (اجْعَل مَا لِلمُنَادَى لِمَنْدُوبٍ)، نقول: فيه إشارة إلى أنه - يعني: المندوب - في المعنى ليس بمُنَادى وهو كذلك، لأن المُنادى فيه إشارة إلى أنه في المعنى ليس بمُنَادى وهو كذلك، لماذا؟ لأن المُنَادى هو طلب إقبال، وهنا ليس فيه طَلَب إقبال، لأنه لم يَطْلَب إقباله. وقيل: (منه) يعني: من المُنَادى. وقيل: المندوب والمتعجب منه ليسا مناديين حقيقةً، وإنما هما مناديان مجازاً، إذاً: فيه خلاف: هل المندوب مُنَادى أو لا؟ لكن الظاهر أنه مُنَادى، ولذلك سبق عَدَّ حروف الندْبِ في أحرف النداء (وا) و (يا) إذا أُمِنَ اللبْس، ولذلك صَحَّ أن يُؤتى بـ (يا) وهي حرف نِداء قطعاً في الندْبَة، فَدَلَّ على أنه جزءٌ منه، إذ لو لم يكن كذلك حينئذٍ لما صَحَّ أن يؤتى بـ (يا) وهي الأصل في النداء بل هي أمُّ الباب: أن تستعمل في الندْبَة، وهذا فيه نوع طلب إقبال، إذا قيل: وارأساه، تنزيلاً للشيء المندوب مُنَزَّلة الشيء الذي يُخَاطب، ويُطْلَب إقباله أو دفعه ونحو ذلك. إذاً: في قوله السابق في أول الباب .. باب المُنادى: عَدَّ (وا) لمن نُدب، و (يا) إذا أُمِنَ اللبْس، وعَدَّهما في باب المُنادى.

إذاً: لكونه في الظاهر ليس مندوباً، عَامَله هنا مُعامَلة المقابلة، فقال: (اجْعَل مَا لِلمُنَادَى لِمَنْدُوبٍ) يعني: كأنه مُقابلٌ له، لكن في الحقيقة عند التأمل، قد يُقال: بأن المندوب مُنَادى، وإن كان فيه نوع بحثٍ. (مَا لِلمُنَادَى اجْعَل لِمَنْدُوبٍ) إذاً حُكم المندوب كحُكم المُنَادى فيُضَمُّ في حالة الضَّم، وينصب كذلك في حالة النصب، وإذا اضْطُّرَ إلى تنوينه، إذا ضَمَّ (وازيدُ) جاز ضَمُّه ونصبه: وافقْعَسُ هذا الأصل، مثل: وازَيْدُ، إذا اضْطُّرَ إلى تنوينه جاز رفعه ونصبه، كما هو الشأن فيما سبق، كقول الشاعر: وَافَقْعسٌ وَأَيْنَ مِنِّي فَقْعَسُ .. (وافقعساً) أصله (وافَقْعَسُ) فلما اضْطُّرَ إلى تنوينه حينئذٍ رَدَّه إلى أصله وهو النصب، ويجوز: وافقْعسٌ بالرفع. إذاً: كل ما ثَبَت للمُنَادى من الأحكام يَثبُت للمندوب، لكن من حيث ما يصح ندائه وما لا يصح، وما يصح ندبه وما لا يصح، القاعدة هذه: (مَا لِلمُنَادَى اجْعَل لِمَنْدُوبٍ) تَدُل على أن كُلَّ ما نُودِي هناك يَصِح نَدْبُه هنا، ولكن هذا ليس على ظاهره، ولذلك استثنى الناظم بقوله: ....................... وَمَا ... نُكِّرَ لَمْ يُنْدَبْ وَلاَ مَا أُبْهِمَا وَيُنْدَبُ المَوْصُولُ بِالَّذِيْ اشْتَهَرْ ... ........................................ إذاًَ: ليس كل ما صَحَّ نِداؤه صَحَّ ندبه، بل هو خاصٌ بما سيذكره. (وَمَا نُكِّرَ لَمْ يُنْدَبْ) إذاً: بَعدمَا بَيَّن الحُكم نَبَّه على ما يمتنع الإتيان به في حالة الندب، قال: (وَمَا نُكِّرَ لَمْ يُنْدَب) يعني: والذي نُكِّرَ .. (الذي) مبتدأ .. (ما) هنا، و (نُكِّر) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، والضمير نائب الفاعل يعود على (ما). (لَمْ يُنْدَبْ) يعني: لا يجوز ندْبُه، إذاً: كل نكرة لا يجوز ندبها، سواءٌ كانت نكرة مقصودة أو لا، إذاً: خَالَف المندوب المُنَادى في كونه يَختص بالمعرفة، فالنكرة لا وجود لها في باب المندوب. وَمَا نُكِّرَ لَمْ يُنْدَبْ وَلاَ مَا أُبهِمَا، هذا الثاني، يعني: ولا يُنْدَب ما .. (مَا) معطوفٌ على ما نُكِّرَ، (أُبهِمَا) من الإبهام، الألف للإطلاق: وهو فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، والمبهم المراد به هنا ثلاثة أشياء: اسم الإشارة، والضمير، والموصول بما لا يعيِّنه. إذاً: (وَلاَ مَا أُبهِمَا) المبهم وهو اسم الإشارة لا يَصِح نَدْبُه مطلقاً، فلا يقال: (واهذاه) على أنه مندوب، ولا: (واأنتاه) أنتَ أتى بألف الندْبَة، نقول: هذا لا يصح، ولا: (وامن ذهباه) الذي ذهب، من هو الذي ذهب؟ غير مُعيَّن، هذه صلة موصول (مَنْ)، (مَنْ) سيأتي أنه يجوز نَدْبُها لكن بشرط: أن تكون الصِّلَة مشهورة .. مُتعيِّنة بذاتها، موضحة لـ (من) لأن (من) مبهم. حينئذٍ إذاً كانت الصلة .. صلة الموصول واضحة بَيِّنة مُعيَّة جاز ندبها وإلا فلا، فيكون الأصل في الموصول: أنه لا يصح ندبه، لأنه مُبهَم هذا هو الأصل، ولو عُرِّف بالصلة، إلا إذا كانت الصلة مشهورة تغني عن المعرفة، يعني: في قوة المعرفة.

إذاً لا يُقال: (واهذاه) ولا: (واأنتاه) ولا: (وامن ذهباه) هذه الثلاثة داخلة في قوله: (وَلا مَا أُبهِمَا) يعني: ولا يُنْدَب ما أبهم، (ما) اسم موصول، والموصول مع صلته في قوة المشتق، كأنه قال: (وَمَا نُكِّرَ) (المنكر لم يندب) و (المبهم لا يندب) ولا يندب المبهم، لماذا؟ قالوا: لأن غَرَض الندْبَة وهو الإعْلام بعظمة المصاب مفقودٌ في هذه الثلاثة: (وامصيبتاه) مصيبة عظيم حلت بها، حينئذٍ الإعلام بعظمة المصاب مفقودٌ في هذه الثلاثة، فلذلك لا يُنْدَب إلا المعرفة السالمة من الإبهام هذه القاعدة، لأن هذا مَعرِفة لكنه مُبْهَم. إذاً: (وَمَا نُكِّرَ لَمْ يُنْدَبْ) مفهومه: أنه لا يُنْدَب إلا المعرفة، ثُمَّ المعرفة قد تكون مبهمةً، وقد تكون سالمةً من الإبهام، لأن قوله: (وَلاَ مَا أُبهِمَا) أخرج اسم الإشارة وهو معرفة، ونحن نقول: (لا يندب إلا المعرفة). إذاً: المعرفة قسمان: معرفة مبهمة .. فيها إبهام، وهو: اسم الإشارة، والضمير، والموصول من حيث هو موصول، فهذه الثلاثة مُبْهمة، قال: (وَلاَ مَا أُبهِمَا) إذاً: هذا استثناءٌ بعد استثناء. فقوله: (مَا لِلمُنَادَى اجْعَل لِمَنْدُوبٍ) عام، حينئذٍ كما أنه يُنَادى النكرة يندب النكرة، وكما أنه يُنَادى الموصول بشرطه السابق، كذلك في الندْبَة، قال: (وَمَا نُكِّرَ لَمْ يُنْدَبْ) إذاً: أخرج النكرة. مفهومه: أنه لا يُنْدَب إلا المعرفة، والمعرفة منها ما هو مبهم، ومنا ما هو واضح، حينئذٍ لمَّا كان المبهم لا يصح نداؤه ولو كان معرفة، قال: (وَلاَ مَا أُبهِمَا)، إذاً: فلذلك لا يُنْدب إلا المعرفة السالمة من الإبهام. وأمَّا (الموصول) فقلنا: فيه تفصيل. قال هنا: اختار مذهب الكوفيين خلافاً للبصريين، وهذا تصريحٌ منه بتجويز ما منعه جماهير البصريين، بل يكاد يكون إطباق أنه لا يجوز ندب الموصول مطلقاً، فهو داخل في قوله: (وَلاَ مَا أُبهِمَا) لكن ابن مالك منصف، رَاعَى مذهب الكوفيون هنا. (وَيُنْدَبُ المَوصُولُ بِالَّذِي اشْتَهَرْ) الموصول بالصلة أو بالوصل المشْتَهِر، يعني: الصلة إذا كانت شهيرة .. مشتهرة واضحة بيِّنة، إذا تَكلَّم بها المتَكلِّم علمها كل سامع جاز، وما لا فلا، لكن هل كل موصول؟ قوله: (يُنْدَبُ المَوصُولُ) هذا فيه تعميم، لأن الموصول: منه ما كان مبدوءاً بالهمزة كـ: (الذي) و (التي) و (الذين) ومنه: ما ليس كذلك. أجمع الكوفيون والبصريون قولاً واحداً: على أنه لا يُندَب المبدوء بالهمزة، فلا يقال: (واالذي) مَن حَفَر بئر زمزمٍ، ولو كان شهيراً، لكونه مبدوءاً بالهمزة. إذاً: الموصول المبدوء بالهمز، هذا ممنوع مطلقاً، ثُمَّ ما لم يكن مبدوءاً بالهمزة كـ (من) و (ما) هذا نوعان: منه ما صلته .. جملة الصلة شهيرة، ومنه ما ليس كذلك. البصريون قلنا: على المنع مطلقاً سواءً كان مبدوءاً بالهمزة أو لا، والكوفيون فَصَّلُوا، قالوا: نَنْظر إلى الموصول، ما هي صلته؟ إن كانت شهيرة واضحة بيِّنة ترفع الإبهام عن الموصول، ويعرفها كل سامع جاز نَدْبُه، وإلا فالمنع على الأصل.

إذاً قوله: (وَيُنْدَبُ المَوصُولُ) هذا فيه رجوعٌ إلى قوله: (وَلاَ مَا أُبهِمَا) لأن الموصول مبهم عام، الناظم يستثني جملة بعد جملة. (وَلاَ مَا أُبهِمَا) دخل فيه الموصول مطلقاً، ثُمَّ استثنى الموصول بالصلة المشتهرة، قال: (وَيُنْدَبُ المَوصُولُ بِالَّذِي اشْتَهَر) إذاً: دخل في قوله: (مَا أُبهِمَا): الموصول بالذي لم يشتهر، لكن بقي عليه تخصيص يؤخذ من المثال، وهو أن المراد بقوله: (المَوصُولُ) ما ليس مبدوءاً بهمزة الوصل، لأن قوله: (وَيُنْدَبُ المَوصُولُ) عام، يشمل كل موصول سواءٌ بُدء بالهمزة أو لا، لكن نقول: الناظم يُعْطِي الأحكام بالأمثلة، لأنه قال: (كَبِئْرَ زَمْزَمٍ يَلِي وَا مَنْ حَفَر) .. (مَنْ) اسم موصول بمعنى: الذي. فحينئذٍ نُقيِّد قوله: (المَوصُولْ) بكونه لم يبدأ بهمزة الوصل، أجمعوا على عدم جواز نُدْبَة الموصول المقترن بـ (أل): (الذي) و (التي) و (الذين)، واختلفوا في جواز نُدْبَة الموصول غير المقترن بـ (أل) فمنعه البصريون مُطلقاً دون استثناء، وذهب بعضهم إلى الجواز إذا كانت الصلة لما اشتهر، كالمثال الذي ذكره الناظم. إذاً قوله: (المَوصُولُ) أي: الخالي من (أل)، أي: عند الكوفيين، وهو عند البصريين شاذ. واتفق الجميع على منع نُدْبَة الموصول المبدوء بـ (أل) وإن اشتهرت صلته، كالمثال الذي ذكره، لو قال: (والذي حفر بئر زمزمٍ) من الذي حفر بئر زمزم؟ عبد المطلب، ولذلك لمَّا كانت هذه مشتهرة، كأنه قال: (واعبد المطلباه .. وامن حفر بئر زمزمٍ) نُدْبَة هذا، واتفق الجميع على منع ندبة الموصول المبدوء بـ (أل) وإن اشتهرت صلته فلا يُقال: (وا الذي حفر بئر زمزماه) إذ لا يُجْمَع بين حرف الندْبَة و (أل). إذاً: (وَيُنْدَبُ المَوصُولُ بِالَّذِي اشْتَهَر) .. (بِالَّذِي) جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (المَوصُولُ)، و (الموصول) هذا نائب فاعل (يُنْدَبُ)، و (يُنْدَبُ) مُغيَّر الصيغة، (بِالَّذِي) متعلقٌ به، (اشْتَهَر) يعني: المشتهر اشتهاراً يُعيِّنُه ويرفع الإبهام، فصار معرفةً واضحة بينة. (كَبِئْرَ زَمْزَمٍ يَلِي)، (بِئْرَ) هذا حكاية لأنه مفعولٌ به، حينئذٍ يكون مجروراً بالكاف، لكن الحركة مُقدَّرة. (بِئْرَ زَمْزَمٍ يَلِي) الذي هو بئر زمزمٍ، قول القائل: (وَا مَنْ حَفَرْ)، (وَا مَنْ حَفَرْ) الجملة هذه مَحْكية: مفعول به لقوله: (يَلِي). (وا من حفر بئر زمزمٍ)، (وا) حرف نُدْبَة، (من) اسم موصول ليس مبدوءاً بـ (أل)، (وا من حفر بئر زمزمٍ) الذي حفر بئر زمزم معروف وهو عبد المطلب، كأنه قال: إذاً قالوا بمنزلة (واعبد المطلباه) وهو معرفة واضح بَيِّن، كأنه عَدَلَ عن العَلَم إلى وصفٍ مختصٍ بالعَلَم، وهذا جائزٌ وهو بيِّنٌ واضح. إذاً الخلاصة: ليس كل منادىً يَصح نَدْبُه، بل إنما يُندب ما ليس بنكرة، ولا مبهماً من عَلَمٍ، ومضافٍ إلى معرفةٍ تُوضَّحُ بها، وموصولٍ بما يُعيِّنه خالٍ من (أل) نحو: (وازيداه) .. (وغلام زيداه) .. (وامن حفر بئر زمزماه) هذا الذي يَتعلَّق به من حيث الأحكام العامة.

قال الشارح هنا: المندوب هو المتَفَجَّعُ عليه نحو: (وازيداه) والمتَوَجَّعُ منه نحو: (واظهراه) ولا يُندب إلا المعرفة، فلا يُندب النكرة .. فلا يقال: (وارجلاه) - رجُل .. (وارجلاه) ما يصح هذا - ولا المُبهَم كاسم الإشارة نحو: (واهذا)، كاسم الإشارة: يعني ليس خاصاً بها، إنما هو أعَم، ندخل معه الضمير، لا يُقال: (وا أنتاه) هذا فاسد، (واهذاه) ولا الموصول إلا إن كان خالياً من (أل) واشتهر بالصلة كقولهم: (وامن حفر بئر زمزماه). ثم قال: وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ صِلْهُ بِالأَلِفْ ... مَتْلُوُّهَا إِنْ كَانَ مِثْلَهَا حُذِفْ كَذَاكَ تَنْوِينُ الَّذِيْ بِهِ كَمَلْ ... مِنْ صِلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا نِلْتَ الأَمَلْ (وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ) يعني: نهايته وآخره، وهو الحرف الأخير، (صِلْهُ بِالأَلِفْ) وهي ألف الندْبَة، حينئذٍ إذا وصَلْته بالألف، الألف لا يناسبها ما قبلها إلا الفتح، فإذا كان مضموماً في الأصل، لأننا قلنا: (مَا لِلمُنَادَى اجْعَل لِمَنْدُوبٍ) فيُضَّمُ، في نحو: (وازيدُ) هذا مبني على الضَّم، حينئذٍ قال: (صِلْهُ بِالأَلِفْ) والألف لا يناسبها ما قبلها إلا الفتح، فتقول: (وازيدا) بالألف، أين الضَمَّة؟ نقول: هذه الحركة أُبْدِلَت الضَمَّة فتحاً لمناسبة الألف حينئذٍ: (زيدا) نقول: هنا مُقدَّرٌ الضَمُّ عليه لحركة المناسبة، وكذلك: (واأمير المؤمنا) .. (واأمير المؤمنينا) بالنون ثابتة، (واغلام زيدا). (وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ صِلْهُ بِالأَلِفْ)، (وَمُنْتَهَى) هذا منصوبٌ على الاشتغال، وهو مضاف، و (المَنْدُوبِ) مضاف إليه، أي: صل منتهى المندوب، (صِلْهُ بِالأَلِفْ) .. (بِالأَلِفْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (صِلْهُ)، و (صِلْهُ) أمر لَكِنَه المراد به الجواز، إذ يجوز خُلوُّ المندوب عن هذه الألف. (صله جوازاً لا وجوباً)، (وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ) أي: آخر حرفٍ منه، ومنتهى المندوب مطلقاً، أي: منتهاه حقيقةً أو حكماً، كما في الموصول، فإن الألف تكون في آخر الصلة، المندوب ما هو؟ (وامن حفر بئر زمزم) أين المندوب هنا .. ما الذي نُعْرِبه أنه مندوب؟ (مَن) إذاً: إذا ألحقناه بألف الندْبَة هل نلحقها بـ (من) أو بآخر الصلة؟ آخر الصلة. إذاً قوله: (وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ) هنا لحق صلة الموصول ولم يلحق المندوب نفسه، لكن نقول: لحقه حُكماً، لأن الموصول مع صلته في قوة الكلمة الواحدة، وعند البيانيين: في قوة المشتق، ولذلك يقول: (مُنْتَهَى المَنْدُوبِ) يعني: آخره، (صِلهُ بِالأَلِفْ) يعني: منتهاه حقيقةً كقولنا: (وازيدا) .. (زيد) هو المندوب آخره الدال، وصلته بالألف، وحكماً في الموصول .. صلة الموصول، لأنك تقول: (وامن) أنت ما تقول: (وامنَا حفر) لا وإنما تقول: (وامن حفر بئر زَمْزَمَا) تأتي بالألف بعد الميم، حينئذٍ لحقت الألف .. ما لحقت المندوب، وإنما لحقت صلة المندوب فهي له حُكماً لا حقيقةً. إذاً: (مُنْتَهَى المَنْدُوبِ) حقيقةً أو حكماً، و (حكماً) المراد به هنا كما في الموصول، فإن الألف تكون في آخر الصلة وهو آخر الموصول حكماً، (وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ) أطلق الناظم هنا، نقول: مطلقاً، حينئذٍ يشمل المفرد، والمضاف، والشبيه بالمضاف.

فتقول في المفرد: (وازيدا) أصلها: (وازَيْدُ) ألحقته ووصلته بألف الندْبَة، قلت: (وازيدا) فتحت الدال لمناسبة الياء، وفي المضاف: (يا غلام زيدا) وصلته بالمضاف إليه، لأنه كالكلمة الواحدة، ولذلك حُذِفَ التنوين هنا: (واغلام زيدٍ) هذا الأصل، حَذَفت التنوين كما سيأتي: كَذَاكَ تَنْوِينُ الَّذِي بِهِ كَمَلْ .. تحذِفه، حينئذٍ تقول: (واغلام زيدا) .. وكذلك تقول: (واعبد الملكا .. واعبد الملك) وصَلْته بألف الندْبَة في آخره، وهو المضاف إليه. وفي المشبه به: (واثلاثةً وثلاثينا) إذا كان اسم رجل ثلاثةً وثلاثين، (واثلاثةً وثلاثيناه)، وفي الصلْة: (وامن حفر بئر زمزما) بالألف، وفي المركب: (وامعد كربا) وفي المحكي، لو سُمي رجل بقام زيد: (واقام زيدا) يَلْحق الأخير أيضاً، فيمن اسمه: (قام زيد). إذاً قوله: (وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ) مُطْلقاً .. مُفرَداً، أو مضافاً، أو شبيهاً بالمضاف، أو مُركباً عددي، أو مركباً مَزْجي، فيَعُم .. كل ما صَحَّ نَدْبُه تَصِلُه بالأخير، ثُمَّ قد يكون آخراً له حقيقةً، وقد يكون حُكماً. وأجاز يونُس وصْلَ ألف الندْبَة بآخر الصفة لو وصفته: (وازيد الظريفا) هذا حُكماً أو حقيقةً؟ قال يونُس: يجوز أن تُلْحِق الألف بالصفة: (ظريف) بدلاً من أن تقول: (وازيدا الظريف) تقول: (وازيد الظريفا) تأتي بالألف في الصفة، يعني: تُلحِقها بالصفة، هذا آخر المندوب حُكماً لا حقيقةً: (وازيد الظريف)، وعزاه في الهمع إلى الكوفيين؛ لأن مذهب الكوفيين جواز إلحاق ألف النُدْبَة بالصفة، يعني: صفة المندوب. وحينئذٍ لم يتصل بالمندوب، وإنما اتصل بآخره حُكْماً، والمشهور هو الأول. إذاً: (وَمُنْتَهَى المَنْدُوبِ) مُطلقاً، (صِلهُ بِالأَلِفْ) .. صِلْه جوازاً بالألف، (بِالأَلِفْ) هذا مُتعلِّقٌ به. (مَتْلُوُّهَا إِنْ كَانَ مِثْلَهَا حُذِفْ): واموسى، صل به الألف؟ هذا ما يُمكن، (مَتْلُوُّهَا) سابقها إن كان مثلها ألف، كما في ندبة (موسى) تقول: (واموساه) تحذف الألف الأصلية السابقة، ألف (موسى) تحذفها، وتأتي بألف الندْبَة، لأنه التقى عندنا ألفان ساكنان، ولا يمكن التحريك .. لا يمكن أن يجتمعا البتة، حينئذٍ يَتعيَّن أن نَحذف الأولى؛ لأنها حرف بِنْيَة، وأن نُبْقِي الثانية؛ لأنها حرف معنى فنقول: (واموساه) بِحذف الألف الأولى لأنها صارت ألف واحدة: (واموسا) هذه ألف واحدة، أين الألف الثانية؟ نقول: حُذِفت، وهي الألف الأصلية السابقة. ولذلك قال: (مَتْلُوُّهَا)، (مَتْلُوُّهَا) مبتدأ حُذِفْ هذا الخبر، (إِنْ كَانَ مِثْلَهَا) إن كان ألفاً مثلها .. إن كان هو المتلو، و (مِثْلَهَا) هذا خبر كان، حُذِفْ وجب حذفه، لأجلها .. لأجل ألف الندْبَة، لأنه جيء بها لمعنى نحو: (واموساه). وأجاز الكوفيون قلبه ياءً قياساً فقالوا: (وامُوسِياه) بقلب الألف الأولى ياءً، إذاً: إذا كان آخر المندوب ألف عند البصريين وجماهير النحاة يجب حذف الألف الأولى للتخلُّص من التقاء الساكنين التي هي: ألف موسى، وجوَّز الكوفيون قلبها ياءً (وامُوسِياه) قلبت الألف ياءً.

إذاً: (مَتْلُوُّهَا) وهو منتهى ما يتلوها .. (مَتْلُوُّهَا) يعني: ما تتلوه هي، (مَتْلُوُّهَا) هذا مبتدأ .. (مَتْلُوُّهَا) وهو منتهى المندوب إن كان ألفاً مثلها حُذِف لأجلها. (كَذَاكَ) يُحْذَف لأجل ألف الندْبَة، قوله: (بِالأَلِفْ) هذه (أل) هنا للعهد الذهني، ليست أيَّ ألف، وإنما المراد بها: الألف المعهودة عند النحاة في هذا الباب، أي: العهد الذهني، وهي المسماة: بألف الندْبَة، (كَذَاكَ) يُحْذَف لأجل ألف النُدْبَة: تَنْوِينُ الَّذِي بِهِ كَمَلْ، كَمُلْ .. كَمَلْ يجوز فيه الوجهان، لكن هنا بالفتح من أجل الأمل. كَذَاكَ تَنْوِينُ الَّذِيْ بِهِ كَمَلْ ... مِنْ صِلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا نِلْتَ الأَمَلْ (نِلْتَ الأَمَلَ) فعل وفاعل ومفعولٌ به .. تتميم للبيت، إذاً: يُحْذَف لأجل ألف الندْبَة التنوين، مثل ماذا؟ (يا غلام زيدٍ .. واغلام زيدٍ)، (غلام زيدٍ) مضاف ومضاف إليه، والمضاف إليه هنا مُنوَّن واجب التنوين، قلنا: تَصِله الألف .. صله .. آخره ألف، فتقول: (واغلام زيدا) حَذَفت التنوين (زيدٍ .. زيدا) إذاً: يُحْذَف التنوين لأجل ألف الندْبَة كما تُحذف الألف إذا كانت أصلية في أصل الكلمة. كذلك إذا كان في الصلة، لأنه قال: (مِنْ صِلَةٍ) .. (وامن حفر بئر زمزمٍ .. زمزما)، (زمزمٍ) فيه وجهان: هل هو ممنوع من الصرف أو لا؟ لكن على الثاني، (زمزمٍ .. زمزما) حَذَفْت التنوين لأجل ألف الندْبَة، لماذا حذفت التنوين؟ تخلصاً من التقاء الساكنين، لا يمكن الجمع، ويُذْكَر عِلَّة أخرى. (كَذَاكَ تَنْوِينُ) يعني: التنوين الذي في آخر المندوب يُحْذَف، (كَذَاكَ) هذا خبر مقدم، و (تَنْوِينُ) هذا مبتدأ مؤخر وهو مضافٌ، و (الَّذِي) مضاف إليه، و (كَمَل .. بِهِ) هذا صلة الموصول، و (كَمَلْ) أي: المندوب .. الضمير يعود على المندوب، (مِنْ صِلَةٍ) بيانٌ لـ: (الذي) يعني ما هو الذي كمل؟ لأن التنوين معروف أنه يُكَمِّل مدخوله، لأنه يَدُّل على تَمكينه، ويَدُّل على كمام اسميته، وتَمَكُّنِه في باب الاسمية وباب الإعراب، فهو مُكَمِّلٌ له، وما عداه فهو ناقص. (مِنْ صِلَةٍ) مثل: بئر زمزما، (أَو غَيرِهَا) يعني: غير الصلة، كما مَثَّلْناه بالشبيه بالمضاف: (واغلام زيدٍ .. واغلام زيدا). (نِلتَ الأَمَلْ) قيل لضرورة أن الألف لا يكون قبلها إلا فتحة، والتنوين لا حظ له في الحركة بل هو ساكن، لأن ألف الندْبَة ألفٌ، ومعلومٌ أن الألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مُحرَّكاً، ولا يناسبها أن يكون ساكناً، مُحرَّك لا بد أولاً، أمَّا الساكن فلا، حينئذٍ إذا كان ثَمَّ ساكن فلا يجتمعان، لأنه لا يُمكن أن يُحَرَّك الأول، لأنه إذا كان ألف فالأصل: أن الألف لا تَقبَل الحركة، فإذا كان تنوين فالتنوين كذلك مُلازِم للسكون هذا الغالب، لأن التنوين قد يُحَرَّك: ((عَاداً الأُولَى)) [النجم:50] حُرِّك التنوين لا إشكال فيه، لكن على جهة التعميم، قالوا: التنوين ساكن والألف ساكن، حينئذٍ ما قبل الألف يلزم أن يكون مُحرَّكاً والتنوين ليس بِحركة.

لضرورة أن الألف لا يكون قبلها إلا فتحة، والتنوين لا حظ له في الحركة، فعِلَّة وجود حَذْف التنوين هي التخلص من التقاء الساكنين، وهذا مذهب سيبويه والبصريين: (أنه يجب حذف التنوين كما تُحْذَف الألف). وأجاز الكوفيون فيه مع الحذف وجهين، يعني: جَوَّزوا ما ذهب إليه سيبويه وهو: حذف التنوين، فيُقال: (يا غلام زيدا) عند الكوفيين كما هو الشأن عند البصريين، لكن جَوَّزوا مع ذلك وجهين: فتحه وكسره. جَوَّزوا مع حذف التنوين وجهين: فتحه فتقول: (واغلام زيدنا) يبقى التنوين ويُحرَّك: ((عَاداً الأُولَى)) [النجم:50] هذا بالكسر. إذاً: قد يُحرَّك التنوين لأنه نون، وإذا كان نوناً فحينئذٍ النون تقبل الحركة، فأثبتوه كما هو، قالوا: بدلاً من حذفه، لأنه حرف معنى، حينئذٍ إذا كان حرف معنى فالأصل: بقاؤه ولا يجوز حذفه إلا عند عدم تَمكُّن تحريكه، وقد أمكن تحريكه. فقالوا: تقول: (واغلام زيدناه) زيدٍ قالوا: نبقيه ونُحرِّكه بالفتحة، هذا مذهب جيِّد. وكسره مع قلب الألف ياءً، إذا كُسِر التنوين .. نون مكسورة وجاء بعدها الألف، معلوم أن الألف إذا كُسِر ما قبلها قُلِبَت الألف ياءً، كما أنه إذا ضُمَّ ما قبلها قُلِبَت واواً، فقيل: (واغلام زَيِدَنِيهِ) .. (زَيدَنِيهْ) بإسكان الهاء .. هاء السكت هذه .. تكون ساكنة، (واغلام زَيدَنِيهْ) النون التي هي التنوين مكسورة، ثم جاءت بعدها ألف الندْبَة، فجاءت الألف وقبلها مكسور، وجب قلب الألف ياءً فقيل: (واغلام زَيدَنِيهْ) بإسكان الهاء. إذاً قوله: (كَذَاكَ) أي: يُحْذَف لأجل ألف الندْبَة (تَنْوِينُ الَّذِي بِهِ كَمَلْ مِنْ صِلَةٍ أَوْ غَيرِهَا) هذا واجبٌ عند سيبويه والبصريين، وأمَّا عند الكوفيين فليس بواجب، وإنما هو جائز مع كسر أو فتح التنوين، يجوز الكسر ويجوز الفتح، إلا أنه إذا فُتِحَ بقيت الألف على حالها، وإذا كُسِر قلبت الألف ياءً. قال الشارح هنا: يَلحق آخر المُنَادى المندوب ألفٌ .. انظر: حَكَم بكون المندوب مُنَادى. ألفٌ نحو: (وازيدا) ويُحْذَف ما قبلها إن كان ألفاً كقولك: واموساه، فحُذِف ألف موسى وأُتي بالألف للدلالة على الندْبَة، أو كان تنويناً في آخر صلةٍ أو غيرها، نحو: (وامن حفر بئر زمزما) هاء السَّكْت ليست بلازمة، ونحو: (يا غلام زيداه) فأتي بالألف هنا وحُذِف التنوين، وهذا على مذهب البصريين واجب، ولا يجوز تحريك التنوين البتة، وجَوَّزه الكوفيون فتحاً وكسراً. وَالشَّكْلَ حَتْمَاً أَوْلِهِ مُجَانِسَا ... إِنْ يَكُنْ الْفَتْحُ بِوَهْمٍ لاَبِسَا (وَالشَّكْلَ) أي: الحركة، ابن مالك يُطلق على الحركة (الشكل): وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ .. فالشكل، يعني: الحركة، (وَالشَّكْلَ حَتْماً أَولِهِ حَرْفاً مُجانِساً) قلنا: الألف يلزم ما قبلها أن يكون مفتوحاً، حينئذٍ إذا كان المندوب مفتوحاً في أصله فلا إشكال: (واأحمداه) .. جاءت الألف، (وازيداه) كذلك لا إشكال. وإذا كان مكسوراً .. آخره كسر أو ضَّم، حينئذٍ وجب قلب الكسرة فتحة لمناسبة الألف، ووجب قلب الضَّمَّة فتحة لمناسبة الألف.

إذاً: إذا جيء بألف الندْبَة وجب أن يكون ما قبلها مفتوحاً، إن كان مفتوحاً حينئذٍ لا إشكال، وإن كان مكسوراً أو مضموماً حينئذٍ وجب قلب الكسرة والضَّمَّة فتحة .. هذه القاعدة، إلا إذا وقع لبسٌ أو خِيف اللبس، وهو ما إذا كان المضاف مُضافاً إلى ضمير، وهذا الضمير للمخاطبة أو للمخاطب، حينئذٍ إذا غَيَّرت الكسرة إلى الفتحة، أو الضمة إلى الفتحة أوقعنا في لبْسٍ. لو قلت: (غُلامَكِ .. واغُلامكِ)، (غلام) هذا منصوب بالفتحة، وهو مضاف والكاف: مضاف إليه، الكسرة هذه هل لها معنى؟ مُخاطبة تَدُّل على امرأة .. تُخاطب امرأة: (واغلامك) لو أرَدت أن تَصِله بألف الندْبَة، لا يُمكن أن تَصِله إلا إذا قلبت الكسرة فتحة، ماذا يكون النتيجة؟ (واغُلامَكَا) تُخاطب رجل أو امرأة؟ أوقعنا في لبْسٍ. كذلك إذا قلت: (غلامَه .. واغلامَهُ) المُخاطب هنا .. الضمير عائد على مُذَكَّر، فإذا وَصَلْته بألف الندْبَة وجئت بالألف قَلَبْت الضَّمَّة فتحة، فقلت: (واغلامَهَا) انقلب المعنى من مُذَكَّر إلى مُؤنَّث، كما أن الأول انقلب المعنى من المؤنَّث إلى المُذَكَّر. حينئذٍ في هاتين الحالتين إذا أوقعا في لبْسٍ، قال الناظم: وَالشَّكْلَ حَتْماً أَولِهِ حرفاً مُجَانِساً إِنْ يَكُنِ الفَتْحُ بِوَهْمٍ لاَبِسَا إن أوقع الفتح .. فتح المكسور .. قلب الكسرة فتحة، أو الضمة كسرة .. إن أوقع في لبْسٍ وجَبَ أن تأتي بـ .. (أَولِهِ حرفاً مُجَانِساً) بأن تَقْلِب الألف حَرَفاً من جنس الحركة، فتقول في (غُلامَكِ) تأتي بالألف، ثُم ألفٌ قبلها كسرة، فماذا نصنع؟ نَقْلِب الألف ياء، نقول: (واغلامكيه) لأنه لا يُمكن أن تبقى الألف كما هي. كما قال الكوفيون في: (واغلام زَيدَنِيهِ) لمَّا كسروا التنوين وجَبَ قلب الألف ياءً، هنا تَقْلِب الألف من جنس الحركة السابقة، إن كانت الحركة كسرة قَلَبت الألف ياءً، وإن كانت الحركة السابقة ضَمَّة، وامتنع قلبها ألفاً، حينئذٍ وجَبَ قلب الألف واواً، فتقول: (واغلامهُوه .. واغلامكيه). (وَالشَّكْلَ) بالنصب .. من باب الاشتغال، (أَولِهِ) أولِ الشكل أي: الحركة، وهو منصوبٌ بفعلٍ مضمر واجب الإضمار، دَلَّ عليه اللاحق، (حَتْماً) هذا حالٌ من الضمير في (أَولِهِ) المفعول الأول. (أَولِهِ) حالة كونه حتْماً أي: محتوماً، (أَولِهِ حرفاً مُجَانِساً) مُجَانِساً هذا صفة لموصوفٍ محذوف، و (مجانس) هذا المفعول الثاني. (أَوْلِ) هذا يَتعدَّى إلى مفعولين، فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تَقْدِيره أنت، والهاء (أَولِهِ) في محل نصب مفعول أول، و (حَتْماً) حالٌ منه، و (مُجَانِساً) هذا مفعولٌ ثاني لـ: (أَولِهِ)، مُجانساً للحركة السابقة، فإن كانت كسرة حينئذٍ تأتي بالياء، وإن كانت ضَمَّة جئت بالواو. (فَأَولِ الكسرة ياءً والضمة واواً)، هكذا كأنه قال: (فَأَولِ الكسرة ياءً والضمة واواً) متى؟ (إِنْ يَكُنِ الفَتْحُ بِوَهْمٍ لاَبِسَا) لاَبِسَا الألف هذه بدل تنوين، يعني: دفعاً للبْس.

(إِنْ يَكُنِ) هذا قيد، (إِنْ يَكُنِ الفَتْحُ) اسم يكن، (لاَبِسَاً) هذا خبر يكن، (بِوَهْمٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (لاَبِسَاً) من لبَستُ الأمر عليه إذا خَلَطُّته فلم يُعْرَف وجهه، (بِوَهْمٍ) قلنا: هذا جار مجرور مُتعلَّق بـ: (لاَبِسَا)، والوهم بسكون الهاء ذهاب ظن الإنسان إلى غير المراد، حينئذٍ يُقال: وَهَمْتُ .. أَهِمُ .. وهْمَاً، بخلاف الوَهَم .. الوَهَم غلط، وأمَّا الوَهْم غلطٌ في الذهن، والوَهَم غلطٌ في اللسان. (إِنْ يَكُنِ الفَتْحُ بِوَهْمٍ لاَبِسَا) .. (إن يكن الفتح لابساً بوهمٍ)، وهذا الإتباع متفقٌ على التزامه، إذاً معنى البيت: أن آخر المندوب إذا كان مُحرَّكاً بالكسر أو الضَّم فإن ألف الندْبَة تُقْلَب حرفاً مُجانساً للحركة ولا تُحْذَف الحركة، ويُؤتى بالحركة المناسبة، لأن الندْبَة إن كانت هذه الحركة وهي الفتحة مُوقعة في اللبْس حينئذٍ لا بُدَّ من قلب الألف واواً، أو ياءً. قال الشارح: إذا كان آخر ما تلحقه ألف الندْبَة فتحةً لحقته ألف الندْبَة من غير تغييرٍ لها - وهذا واضح بين - فتقول: (واغلام أحمداه)، (أحمدَا) الدال مفتوحة، فإذا لحقته ألف الندْبَة بقي كما هو بلا تغيير ولا إشكال، وإن كان غير ذلك وجَبَ فتحه، يعني: إن لم يكن مفتوحاً بأن كان مضموماً أو مكسوراً وجب فتحه، لأن ألف الندْبَة لا يناسبها ما قبلها إلا الفتح. " إلا " هذا استثناءٌ من وجوب الفتح " إلا إن أوقع قلب الكسرة أو الضَمَّة فتحاً في لبْسٍ، فمثال ما لا يُوقع في لبْسٍ قولك في غلام زيدٍ: (واغلام زيدا) " قلبت الكسرة فتحة، وهذا لا إشكال فيه واضح بيِّن، لأنه مضاف إليه .. المضاف إليه معلوم، وفي زيد: (وازيداه) ومثال ما يوقع فتحه في لبسٍ: (وا غلامهوه .. وا غلامكيه) وأصله: (وا غلامكِ) بكسر الكاف خطاب لمؤنثة، (وا غلامهُ) بضم الهاء، الضمير هنا للغَيْبَة .. مُذَكَّر، فيجب قلب ألف الندْبَة بعد الكسرة ياء، ويجب بعد الضَمَّة واواً، لأنك لو لم تفعل ذلك وحذفت الضَمَّة والكسرة، وفتحت وأتيت بألف الندْبَة فقلت: (وا غلامكاه) التبس المعنى هل هو لمُذَكَّر أو لمؤنَّث، بل ظاهره أنه لمُذَكَّر. (واغلامهاه) لالتبس المندوب المضاف إلى ضمير المخاطب بالمندوب المضاف إلى ضمير المخاطبة، والتبس المندوب المضاف إلى ضمير الغائب بالمندوب المضاف إلى ضمير الغائبة، وإلى هذا أشار بقوله: (وَالشَّكْلَ حَتْماً) إلى آخره، أي: إذا شُكِل .. حُرِّك آخر المندوب بفتحٍ أو ضَمٍّ أو كسرٍ، فأوله مجانساً له من واوٍ أو ياء، إن كان الفتح موقعاً في لبسٍ. ولا أدري لماذا ذَكَر الفتح هنا ابن عقيل، الأصل: حذفها، إذا شُكِِل آخر المندوب بضمٍّ أو كسرٍ، فأوله مجانساً له من واوٍ أو ياء، إن كان الفتح موقعاً في لبسٍ، نحو: (واغلامهوه .. واغلامكِيه) وإن لم يكن الفتح مُوقعاً في لبسٍ فافتح آخره، وأوله ألف الندْبَة: (وازيداه .. واغلام زيداه). وَوَاقِفَاً زِدْ هَاءَ سَكْتٍ إِنْ تُرِدْ ... وَإِنْ تَشَأْ فَالمَدُّ وَالهَا لاَ تَزِدْ

هذا ما يتعلَّق بهاء السَكْت، قلنا: (وا زيد .. وا زيدا) هذا فيما مضى، يجوز أن يُنْطَق به دون إلحاق ألف الندْبَة، ثُمَّ قال: (صِلهُ بِالأَلِفْ) يعني: ألف الندْبَة، تقول: (وا زيدا). وهنا قال: (وَوَاقِفَاً زِدْ هَاءَ سَكْتٍ) يعني: إذا وقَفْتَ على المندوب وقبله ألف (زِد هَاءَ سَكْتٍ) فتقول: (وا زيداه) وأمَّا في الوصل فلا، (وَوَاقِفَاً زِدْ) (زِدْ واقفاً .. زِدْ أنت حال كونك واقفاً) مفهومه: أن هاء السكْت لا تكون في حال الوَصْل، بل هي في حال الوقف. إذا: (وَوَاقِفَاً) نقول: هذا حالٌ من فاعل زِدْ .. زِدْ هَاءَ سَكْتٍ، و (هَاءَ سَكْتٍ) مضاف ومضاف إليه، ونَصبه هنا على أنه مفعولٌ به، والغَرَض منها .. فائدتها: بيان الألف، إذا قال: (زيدا) هذا يحتمل أنه أشبع الفتحة، لكن إذا قال: (زيداه) علمنا أن الألف مقصودة، إذا قال: (وا زيدا) يحتمل أنه أنْقَص أو أشْبَع الفتحة شيئاً من الألف، كأنه أتى بفتحتين، حينئذٍ نقول: يأتي بهاء السكْت تثبيتاً للألف وبيان للألف. (وَوَاقِفَاً) إذاً: (زِد واقفاً هَاءَ سَكْتٍ .. زِدْ في آخر المندوب حال كونك واقفاً هاء سكتٍ بعد المَدِّ مطلقاً ألفاً، أو واواً، أو ياءً، ألفاً إذا كانت أصلية كما هي، واواً أو ياءً إذا قُلِبَت، كما ذكر هنا المثال .. قال ابن عقيل: وا غلامهوه، جئت بهاء السكْت بعد الألف أو بعد الواو المنقلبة ألف؟ بعد الواو، إذاً: بعد المَدِّ، نُعمِّم من أجل أن ألف الندْبَة قد تبقى على أصلها، وقد تقلب واواً أو ياءً، الواو هذه: غلامهوه الواو هي ألف الندْبَة مُنْقَلبة. وكذلك: (غلامكيه) الياء هذه هي ألف الندْبَة، إذاً: مَدَّة ثُمَّ تأتي بعدها هاء السكْت، لو لم تكن هذه ألف الندْبَة من جهة الحكم لما جاءت بعد هاء السكت، إذا قيل: (وا غلامهوه) نقول: هاء السكت إنما تأتي في الندْبَة هنا .. تأتي بعد ألف الندْبَة وهذه واو، نقول: نعم، هي ألف الندْبَة لكنها مُنقلِبة واواً، وكذلك: (غلامكيه) نقول: الهاء .. هاء السكْت هذه تأتي بعد ألف الندْبَة، وهنا ياء؟ نقول: نعم، هذه الياء مُنقلِبة عن ألف الندْبَة. إذاً: (زد واقفاً في آخر المندوب هاء سَكْتٍ بعد المد) والمد يصدق على الألف والواو والياء، بعد المد ألفاً كـ: (وا زيداه) أو ياء كـ: (واغلامكيه) أو واواً كـ: (وا غلامهُوه) على ما سبق بيانه. (وَاقِفَاً) فُهِم منه أنها لا تثبت وصْلاً، يعني: إنما يكون في حالة الوقف، وأمَّا في حالة الوصل فتحذف، وربما ثبتت في الضرورة مضمومةً أو مكسورة، مضمومةً تشبيهاً بهاء الضمير، ومكسورة لالتقاء الساكنين، يعني: قد تُوصَل، إمَّا أنها تُضَّم تشبيهاً بالضمير (لهُ) شُبهَت بالضمير هاء السكْت، فحُمِلَت على الضمير، فإذا حُرِّكَت حينئذٍ تُحَرَّك بالضَمِّ، ويَحتمل أنها تُحَرَّك بالكسر بناءً على أن هاء السكْت ساكتة، والتقى ساكنان حينئذٍ تُكْسَر هاء السكْت، إذاً: ربَّما في الضرورة وصِلَت في الشعر مضمومةً أو مكسورة، إن ضُمَّت تشبيهاً لها بهاء الضمير: (له .. غلامه) مضمومة هذه مثلها، وبالكسر للتخلُّص من التقاء الساكنين، وأجاز الفراء إثباتها في الوَصْل بالوجهين الذي هو الضَمُّ والكسر.

(إِنْ تُرِدْ) .. (زِدْ .. إِنْ تُرِدْ)، (زِدْ) هذا فعل أمر فالأصل: أنه واجب، لكن لما قال: (إِنْ تُرِدْ) يعني: أنت مُخيَّر، إن شئت زِدْ وإن شئت لا تزد: (وازيداه .. وازيدا) دون هاء. (إِنْ تُرِدْ) فهو جائزٌ لا واجب، وقد صَرَّح بهذا المفهوم في قوله: (وَإِنْ تَشَأْ فَالمَدُّ وَالهَا لاَ تَزِدْ)، (وَإِنْ) هذا شرط، (تَشَأْ) عدم الزيادة، (فَالمَدُّ) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، و (المَدُّ) هذا مبتدأ خبره محذوف أي: المدُّ كافٍ، وهنا عَبَّر بالمد ليشمل الألف والواو والياء. (فالمد كافٍ) يعني: يكفي عن هاء السكْت فلا تأتي بها (وَالهَا لاَ تَزِدْ) ما إعراب الهاء؟ لا تزد الهاء، إذاً الهَا: مفعولٌ به مقدم، و (لاَ) ناهية، و (تَزِدْ) فعل مضارع مجزوم بـ (لا) الناهية، والفاعل أنت، لا تزد الهاء. إذاً: (وَإِنْ تَشَأْ فَالمَدُّ وَالهَا لاَ تَزِدْ) الهاء قَصَره للضرورة: مفعول مُقدَّم لـ: (تَزِدْ)، هذا تقرير، حينئذٍ ينطوي تَحت هذا البيت صورتان: الأولى: اجتماع الألف والهاء. الثانية: الاستغناء بالألف عن الهاء (وَوَاقِفَا زِد هَاءَ سَكْت إِنْ تُرِدْ) إن لم ترد لا تزد الهاء، إذاً صورتان: ألفٌ وهاء: (وازيداه) ألفٌ فقط دون هاء .. لا تزد الهاء: (وازيدا) هذا إذا جَعَلنا المَدَّ: مبتدأ، يعني: مرفوع، وإذا قيل (فَالمَدَّ) مفعول، والهاء معطوفٌ عليه حينئذٍ دَرَجت صورة ثالثة. (فَالمَدَّ وَالهَا لاَ تَزِدْ) لا تزد المد والهاء، حينئذٍ ماذا تقول؟ (وازيد) هذه صورة ثالثة، إذا نَصَبنا المد وهذا استظهره المكُودِي في شرحه: أن الأولى أن المَد هنا منصوب، لكن أكثر الشُرَّاح على الرفع، حينئذٍ يجوز النصب: (فَالمَدَّ)، فَالمَدَّ مفعولٌ به مُقدَّم لقوله: (تَزِدْ) لا تزد المد، (وَالهَا) معطوفٌ على المد، والمعطوف على المنصوب منصوب. حينئذٍ صار عندنا ثلاث صور، وجَوَّز المكُودِي نَصْب (المَدَّ) بالفتحة، لأنه مفعول والهاء: معطوفٌ عليه، وعطف الهاء عليه أحسن ليندرج تحته ثلاث صور: الأولى: الجمع بينهما .. بين الألف والهاء، وذلك مفهومٌ من قوله: (وَوَاقِفَا زِد هَاءَ سَكْت). الثانية: الاستغناء بالألف عن الهاء نحو: (وازيدا) دون الهاء، وهو مفهومٌ من قوله: (إنْ تُرِدْ). إذاً: الشطر الأول تَضمَّن صورتين، بقوله: (زد واقفاً هاء سكتٍ) الجمع بينهما، (إنْ تُرِدْ) زيادة الهاء، فإن لم تُرِد فأبق الألف كما هي، هذه الصورة الثانية. الثالثة: الاستغناء عنهما معاً .. عن الألف والهاء، لا تُزَاد الألف ولا الهاء، نحو: (وازيدْ) تقف عليه بالسكون، وهذه مفهومة من قوله: (وَإِنْ تَشَأْ فَالمَدَّ وَالهَا لاَ تَزِدْ) يعني: إن شئت لا تزد المد والهاء، فالبيت الثالث يكون مستقلاً بالصورة الثالثة وهذا أجود. وهذه مفهومة من قوله: (وَإِنْ تَشَأْ فَالمَدَّ وَالهَا لاَ تَزِدْ) أي: لا تزد الألف والهاء، وهذه كلها .. يعني الصورة الثلاث .. جائزةٌ في الوقف. قال الشارح: أي إذا وقف على المندوب لحقه بعد الألف هاء السكْت، نحو: (وازيداه) أو وُقِف على الألف، نحو: (وازيدا) ولا تثبت الهاء في الوصل إلا ضرورة. أَلاَ يَا عَمْرُو عَمْرَاهُ ... وَعَمْرُو بْنُ الزُّبَيرَاهُ

بالتحريك. وَقَائِلٌ وَاعَبْدِيَا وَاعَبْدَا ... مَنْ فِي النِّدَا اليَا ذَا سُكُونٍ أَبْدَى وقائلٌ في ندبة المضاف للياء، (قَائِلٌ) هذا خبر، (وَاعَبْدِيَا) قُصِد لفظه: مبتدأ مؤخر. (وَاعَبْدَا .. مَنْ فِي النِّدَا اليَا ذَا سُكُونٍ أَبْدَى)، (أَبْدَى) يعني: أظهر، (مَنْ) هذا مبتدأ وهو اسم موصول، و (أَبْدَى) هذا صِلة الموصول، من أبدى فِي النِّدَا مُتعلِّق بقوله: (أَبْدَى) و (اليَا) قَصَرَه للضرورة، أو لغة عند بعضهم مفعول (أَبْدَى)، (ذَا سُكُونٍ) حال كونه صاحب سكونٍ، يعني: إذا نُدِب المضاف إلى ياء المتكلم على لغة من سَكَّن الياء: عَبديْ، جاز له لغتان في الندْبَة، فيقول: (واعَبديَا) ماذا صنع؟ حَرَّك الياء بالفتحة. على لغة من سَكَّن الياء قيل فيه: (واعَبْديَا) بفتح الياء، لأجل ألف الندْبَة، هي ساكنة في الأصل، فَحرَّكها للتخلُّص من التقاء الساكنين، وإلحاق ألف الندْبَة، أو: (يا عبدا) بحذف الياء، حذف الياء للتخلُّص من التقاء الساكنين، وإلحاق ألف الندْبَة، وأمَّا ما عداه في اللغات الأربعة فتبقى كما هي بدون تغيير، حينئذٍ نقول: (عبدا) كل اللغات الأخرى الأربع، يقول فيها: (عبدا)، وأمَّا (عبديْ) بإسكان الياء فيجوز أن يُحرِّكها ويزيد ألف الندْبَة: (عبديا)، ويجوز له أن يحذف الياء: (عبدا) ويقلب الكسرة فتحة طبعاً. قال الشارح: إذا نُدِب المضاف لياء المتكلم على لغة من سَكَّن الياء قيل فيه: (واعبديا) بفتح الياء وإلحاق ألف الندْبَة، أو: (يا عبدا) بِحذف الياء لالتقاء الساكنين وإلحاق ألف الندْبَة، وإذا نُدِب على لغة من يحذف الياء، أو يستغني بالكسرة، أو يقلب الياء ألفاً، والكسرة فتحة، ويحذف الألف ويستغني بالفتحة، أو يقلبها ألفاً، ويبقيها قيل: (واعبدا) ليس إلا - ليس له إلا لغة واحدة: (وا عبدا) -، وإذا نُدِب على لغة من يفتح الياء يُقال: (واعبديا)، هذا على لغة من يفتح الياء ليس إلا. فالحاصل: أنه إنَّما يجوز الوجهان، أعني: (واعبديا .. واعبدا) على لغة من سَكَّن الياء فقط وما عداه لا، فإن كانت الياء مفتوحة ليس إلا: (عبديا .. وا عبديا) وإذا لم تكن مفتوحة بأن قُلِبَت الياء ألفاً، أو أُكتُفِي بالكسرة، أو بالفتحة حينئذٍ وجب القول فيها: (وا عبدا). (مَنْ فِي النِّدَا اليَا ذَا سُكُونٍ أَبْدَى) ولذلك قيَّده هنا في هاتين اللغتين (وَقَائِلٌ) في نُدْبَة المضاف للياء (وَاعَبْدِيَا وَا عَبْدَا) لغتان جائزٌ عند من؟ (من أَبْدَى) يعني: أظهر، (فِي النِّدَا اليَا) هذا مفعول (أَبْدَى)، (ذَا سُكُونٍ) احترازاً من: ذا فتحٍ، أو قلب الياء ألفاً ونحو ذلك، فكلَّ اللغات لا يجوز فيها الوجهان، وإنما إمَّا (عبدا) فقط وإمَّا (عبديا) فقط، وهو فيما إذا كان مضافاً إلى ياءً مُحرَّكة بالفتح.

فُهِم منه أن باقي اللغات ليس فيها زيادةٌ ولا نقص من قوله: (ذَا سُكُونٍ) وهذا ونحوه منصوبٌ بفتحة مُقدَّرة منع من ظهورها الفتحة لأجل الألف، وليس بمبني لأنه مضاف، إذا قيل: (واعبديا .. واعبدَا)، (عبدَا) نقول: هذا أصلٌ مضاف، هذه الألف ألف الندْبَة، حينئذٍ نقول: (عبدَا) هذا منصوب، ونصبه فتحة مُقدَّرة على آخره، لأن هذه الفتحة لمناسبة الألف، وكذلك (عبديا) نقول: الفتحة مُقدَّرة على الدال، لأن الياء هذه ياء مُتكلِّم مضاف، والألف ألف الندْبَة. قال رحمه الله تعالى: التَّرْخِيمُ. تَرْخيم: تفعيل، مصدر: رخَّم يُرَخِّم ترخيماً فهو مصدر، لكن إذا أطلق النحاة في مثل هذه المواضع المصادر فليس المراد المصدر، لأن المصدر معنى، وإذا كان معنى لا ينصب عليه الحركات، وإنما تنصب الحركات والأحكام على الملفوظات وأما المعاني فلا. الترخيم مَصْدر: رخَّم يُرَخِّم ترخيماً، وهو في اللغة: ترقيق الصوت وتليينه، يُقال: صوتٌ رخيم، أي: سهلٌ ليِّن، وفي القاموس: رَخُم الكلام كـ: (كَرُم)، رَخُمَ من باب: فَعُلَ. رَخُم الكلام كـ: (كَرُم) فهو رَخِيم .. جاء على وزن: فَعِيل، لأنه من باب: فَعُل. لان وسهل، كـ: (رَخَمَ) كـ: (نَصَرَ) ورَخُم كَرُم. إذاً: فيه وجهان: يأتي من باب: (فَعَل) نَصَر يَنْصر، ومن باب: (فَعُل يَفْعُل) إذاً: المضارع فيهما على وزن (يَفْعُل) والماضي هو الذي يقع فيه اختلاف حركة العين: فَعُل .. كَرُم .. رَخُم، ورَخَمَ كـ: (نَصَرَ)، المضارع فيهما يأتي على وزن (يَفْعُل). ومنه قوله الشاعر: لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ ... رَخِيمُ الحَوَاشِي لاَ هُرَاءٌ وَلاَ نَزْرُ (رَخِيمُ الحَوَاشِي) أي: رقيق الحواشي، هذا من حيث اللغة، إذَاً: الترخيم في اللغة: فيه معنى الترقيق، وفيه معنى السهولة والتليين، وهذا يناسبه المعنى الاصطلاحي الآتي عند النحاة، لأن الترخيم لا يختص بباب النداء وإنما هو أعَم، ولذلك له حدان: حدٌ عام وحدٌ خاص، أما العام: فهو حَذْف بعض الكلمة على وجهٍ مخصوص، يعني: الوجه المخصوص الشروط التي تأتي في كل باب، لأن الحذف هنا قد يكون في باب النداء ثُمَّ قد يُحْذَف حرف، وقد يُحْذَف حرفان، وقد تُحْذَف كلمة، وقد تُحْذَف حرفٌ وكلمة .. أربعة أنواع في باب الترخيم في النداء: إما حرفٌ، وإما حرفان، وإما كلمة، وإما حرفٌ وكلمة، أربعة أشياء، فالقسمة رباعية. وأمَّا النوع الثاني: وهو الحذف في باب التصغير، لأنه يُحْذَف بعض الحروف كما سيأتي، ويأتي أيضاً في النسب، وفي جمع التكسير، وقد يُحْذَف بعض الحروف، حينئذٍ نقول: ثَمَّ حذفٌ في غير باب النداء، وهل يُسَمَى ترخيماً أو لا؟ أمر اصطلاحي بينهم، إذاً: حذف بعض الكلمة على وجهٍ مخصوص وهو نوعان: ترخيم تصغير، وترخيم نداء.

ترخيم تصغير: أي حذف بعض الحروف لأجل التصغير: كـ: (أسود وسويد) أين الهمزة؟ حُذِفَت، لماذا حُذِفَت؟ لتصغيره، لأنه لا بُدَّ أن يأتي على وزن (فُعَيْل) والهمزة محذوفة، إذاً حصل حذفٌ .. حذف بعض الكلم على وجهٍ مخصوص .. (على وجهٍ مخصوص) يعني: طلباً لأن يكون على وزن (فُعَيل) هذا يسمى: ترخيم التصغير (أسود .. سويد)، وهذا سيأتي له باب .. باب التصغير، واحد وعشرون بيت. وترخيم النداء: وهو حذف آخر المُنَادى، وهو الذي عَرَّفه الناظم هنا: (تَرْخِيماً احْذِفْ آخِرَ المُنَادَى)، ولذلك عَرَّفه ابن عقيل هنا: بأنه حذف أواخر الكَلِم في النداء، هذا نوعٌ من نوعي الترخيم، لأن الباب هنا معقودٌ للنداء، إذاً: يختص به. إذاً: الترخيم هنا في هذا المحل نقول: حذف أواخر الكَلِم في النداء، فهو خاصٌ بباب النداء. (تَرْخِيماً احْذِفْ آخِرَ المُنَادَى) لماذا يُرَخَّم في المُنَادى؟ قالوا: للتخفيف لا للإعلال، يعني: عِلَّة الحذف هنا تخفيف .. من أجل أن يكون الكلام خفيفاً على اللسان، فَيُحْذَف شيءٌ من المُنَادى: إمَّا حرف وما ذُكِر معه. للتخفيف لا للإعلال. (احْذِفْ) هذا فعل أمر والفاعل أنت، و (آخِرَ المُنَادَى) مفعولٌ به، و (آخِر) مضاف و (المُنَادَى) مضاف إليه، و (تَرْخِيماً) هذا اختلفوا فيه على ستة أقوال، ما إعرابه؟ -لأنه بدأ به (تفعيلاً) -، احذف ترخيماً، قيل (تَرْخِيماً) أن يكون مفعولاً لأجله، احذف لأجل الترخيم. ومن اشترط أن يكون المفعول لأجله قلبياً رَدَّ هذا القول، لأن الترخيم ليس بقلبي إنما هو لفظي، حَذْفُك أنت: (يَا جَعْفُ) أنت الذي حذفت، ليس قلبياً بل هو متعلقٌ باللسان، وهو من أفعال الجوارح .. حسية، فليس مفعولاً لأجله. إذاً: قيل مفعولٌ له، أو مصدراً في موضع الحال، كأنه قال: احذف حال كونك مُرَخِّماً، وهذا لا بأس به، أو ظرفاً على حذف المضاف: احذف ترخيماً، أي: وقت ترخيمٍ وهذا ضعيف. وأجاز المُرادي وجهاً رابعاً: وهو أن يكون مفعولاً مطلقاً وناصبه احذف، يعني من باب: قَعَدْتُ جلوساً، لكن هنا احذف .. الحذف والترخيم ما العلاقة بينهما؟ العموم والخصوص المطلق، لأن الحذف قلنا: هذا عام يشمل: ما حُذِف للترخيم في باب النداء، وما هو أعم من ذلك، قد يُحْذَف لا ترخيماً يعني: في باب النداء، وإنما يكون في باب التصغير، إذاً: أعَم، فاعتُرض عليه بمثل هذا. وناصبه (احذف) لأنه يلاقيه في المعنى، وأجاز المكُودِي وجهاً خامساً: وهو أن يكون مفعولاً مطلقاً، وناصبه (احذف) لأنه يلاقيه في المعنى، أي: رَخِّم ترخيماً .. رَخِّم احْذِف، وهذا أيضاً مُحتمل. وجَوَّز خالد الأزهري، وجهاً سادساً: أن يكون مفعولاً به لفعلٍ، وهذا الفعل فعل شرطٍ مع أداته حُذِفا معاً -وهذا بعيد .. أضعفها هذا، في كثرة المُقدَّرات، وإذا كَثُرت المُقدَّرات أضعف القول-. إذاً: (تَرْخِيماً) الأحسن أن يُقال: إما أنه مفعولٌ مطلق، أو مصدر أريد به الحال، مُرَخِّماً .. حال كونك مرخِّماً.

(احْذِفْ آخِرَ المُنَادَى) .. (تَرْخِيماً) حال كونك مرخِّماً (احْذِفْ آخِرَ المُنَادَى) إذاً: الحذف هنا للتخفيف لا للإعلال، ولم يُقيِّد الآخر بكونه حرفاً، ما قَيَّده، قال: آخر المُنَادى، وآخر المُنَادى يشمل: الحرف، والحرفين، والكلمة وما قبلها، إذاً: هو عام، فشمل الأقسام الأربعة في باب ترخيم النداء، لأنهم ثلاثة على المشهور، وفي باب اثنا واثنتا حذفُ كلمة وحرف وهو خاصٌ باثني واثنتي. لم يُقيِّد الآخر بكونه حرفاً، فشمل: الحرف، والحرفين، وعجُز المركب، والحذف هنا لأجل المُنَادى، أي: من حيث هو آخر المُنَادى، فلو قال: يا يدُ، معلوم أن (يد) أصلها: (يديٌ) فإذا قيل: يا يدُ .. ويا دمُ، أين الحرف الثالث؟ محذوف، هل يَصدق عليه أنه ترخيم .. يا يدُ .. يا دمُ .. يا أخُ .. يا أبُ هل يَصدق عليه أنه ترخيم؟ لا؛ لأن الحذف هنا سابق على النداء، والحذف اعتباطي وليس لأجل النداء، إنما تقول: جعفر .. منصور، ثم تقول: يا مَنْصُ .. يا جَعْفُ، إذاً: (جعفُ) هكذا دون نداء ما يجوز، لا يجوز حذف (جعف) و (منص) و (مسك) هذا كله لا يجوز إلا بعد نداءه. إذاً: أن يكون الحذف من أجل المُنَادى من حيث هو مُنَادى، وأمَّا إذا كان الحذف اعتباطياً سابقاً على النداء، مثل: (يد) و (أخ) فإذا نُودِيَت لا نقول هذا من باب الترخيم، ولو كان آخره محذوفاً، لأن الحذف سابق، ونحن هنا نقول: أن يُحْذَف لأجل كونه مُنَادى، تقول: (جعفر) ثم تقول: (يا جعف) .. (سعاد .. يا سعا). تَرْخِيمَاً احذِفْ آخِرَ المُنَادَى ... كَيَاسُعَا ......................................... مَثَّل لنا، ثُمَّ بعد ذلك سيذكر الشروط (كَيَا سُعَا) يعني: كقولك، أو: وذلك كـ: (يا سعا). (فِيمَنْ دَعَا سُعَادَا) (يا سعادا .. يا سعادُ) بالبناء .. مبني على الضَّم .. مفرد، (يا سعادُ) ثُمَّ يُحْذَف الدال حذف ترخيم لأجل النداء، فيقال: (يا سُعا) حُذِفَت الدال تخفيفاً وترخيماً في باب النداء، يَصدق عليه الحذف (احذِفْ آخِر المُنادَى تَرخِيماً) يعني: ترقيقاً وتسهيلاً وتلييناً. (كَيَا سُعَا) وذلك كـ: (يا سعا) فهو خبر مبتدأ محذوف، (كَيَا سُعَا) مُتعلِّق بمحذوف، خبر لمبتدأ محذوف، وذلك كـ: (يا سعا)، انظر هنا ما نقول: كقولك، وإن كان يَحتمل. (فِيمَنْ) (في) حرف جر، و (من) اسم موصول في محل جر، و (دَعَا) بمعنى: نادى، لأننا نتكلم في النداء، فـ: (دَعَا) هنا مُرادُه تَصريحاً بأصل الفعل (فِيمَنْ دَعَا) يعني: فيمن نادى سُعادا، لأننا في باب النداء، والألف هذه للإطلاق. ثُمَّ قال: وَجَوِّزَنْهُ مُطْلَقَاً فِي كُلِّ مَا ... أُنِّثَ بِالهَا وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا بِحَذْفِهَا وَفِّرْهُ بَعْدُ وَاحْظُلاَ ... تَرْخِيمَ مَا مِنْ هَذِهِ الهَا قَدْ خَلاَ إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ فَمَا فَوقُ الْعَلَمْ ... دُونَ إِضَافَةٍ وَإِسْنَادٍ مُتَمّ (وَجَوِّزَنْهُ)، (جَوِّز) فعل أمر اتصلت به نون التوكيد الخفيفة فهو مبنيٌ معها على الفتح.

(جَوِّزَنْهُ) الضمير يعود إلى الترخيم، كأنه يقول لك الأصل: المنع، الصحيح هذا، لا يُحْذَف حرف، لأن الحرف حرف مبنى، وهو أصلٌ من الكلمة، وخاصةً حذف كلمة كاملة كما في المركب المزجي، حينئذٍ الأصل فيه المنع، قال: (وَجَوِّزَنْهُ) وإذا كان كذلك حينئذٍ لا بُدَّ من شروطٍ في التَجوِيز. (وَجَوِّزَنْه) أي: الترخيم، (مُطْلَقاً) .. مُطْلَقاً هذا حالٌ من المفعول به، وهو قوله: (جَوِّزَنْه) الضمير المتصل هنا مبني على الضَّم في محل نصب. (مُطْلَقاً فِي كُلِّ مَا أُنِّثَ بِالهَا مُطْلَقاً) .. جَوِّزنه في كلِّ، (فِي كُلِّ) جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (جَوِّز)، و (فِي كُلِّ) هو مَحلُّ الجواز، أين يُنَزَّل؟ (فِي كُلِّ مَا)، (كُلِّ) مضاف و (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، في محل جر مضاف إليه. (أُنِّثَ) هو .. يعود على (مَا)، (أُنِّثَ) هذا مُغيَّر الصيغة، والضمير نائب فاعل. (بِالهَا) أُنِّث بالهَاء، يعني: بتاء التأنيث .. مربوطة، لأنه يُوقَف عليها بالهاء. إذاً قوله: (وَجَوِّزَنْه مُطْلَقاً فِي كُلِّ مَا ... أُنِّثَ بِالهَا) أي: يجوز ترخيم المنادى إذا كان مؤنَّثاً بالتاء مطلقاً، بدون شرطٍ أو قَيد، يعني: لا يُشْتَرَط فيه الشروط الآتية فيما إذا لم تتصل به التاء، فكُلُّ مؤنَّث في باب المُنَادى جَاز تَرخِيمُه مُطلقاً، سواءٌ كان معرفةً .. علماً أو لم يكن .. سواءٌ كان نكرة أو لا .. ثلاثياً رباعياً خماسياً سداسياً أو لا .. عَلَم جنس .. عَلَم شخص مطلقاً جَوِّزْنه بدون استثناء. (وَجَوِّزَنْه مُطْلَقاً) أي: يجوز ترخيم المُنَادى إذا كان مؤنَّثاً بالتاء مطلقاً، أي: من غير شرطٍ من الشروط المذكورة في غير ذي التاء، (مُطْلَقاً) أي: سواءٌ كان علماً، أو غير علم، علم كـ: (فاطمة) مثلاً: أَفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذَا التَدَلُّلِ .. (أَفَاطِمُ) حذف الحرف الأخير وهو التاء، فقال (أَفَاطِمُ .. أَفَاطِمَةُ) هذا الأصل احذِفْ آخِرَ المُنَادَى تَرْخِيمَاً .. حذفه وهو حرف، حينئذٍ نقول: (أَفَاطِمُ مَهْلاً). أو غير عَلَم كـ: (جاري) لمُعيَّنة، كقوله: جَارِىَ لاَ تَسْتَنْكِرِى عَذِيِرِى .. يعني: يا جارية هذا الأصل، فحذف التاء كما حذف التاء من (فاطمة). أي: سواءٌ كان عَلَماً أو غير علم .. ثلاثياً أو لا، مثل: ثُب .. يا ثُبَ، (ثُبَةُ) هذا الأصل: (يا ثُبَتُ .. يا ثُبَ) .. (يا هِبَة .. يا هِبُ) كما سيأتي، ثلاثياً أو زائداً على الثلاثي. وقوله: (مُطْلَقاً) أي: في الجملة، وإلا لاقتضى جَوَاز ترخيم المؤنث بالهاء، ولو كان مضافاً أو مركباً إسنادياً وليس كذلك. إذاً: (جَوِّزَنْهُ مُطْلَقاً) إلا ما سيأتي استثناؤه، فيما إذا كان مُركباً تركيباً إسنادياً أو إضافياً ونحو ذلك، وهذا يؤخذ مما بعده. إذاً: (وَجَوِّزَنْهُ مُطْلَقاً) قيَّد في التسهيل ما أطلَقَه هنا بالمُنَادى المبني، لإخراج النكرة غير المقصودة والمضاف، فلا يجوز الترخيم في نحو قول الأعمى: (يا جاريةً خذي بيدي) لغير مُعيَّنة، ولا في نحو: (يا طلحة الخير)، (يا طلح الخير) لا يجوز، إذاً: يُسْتَثنى من قوله: (مُطْلَقاً) النكرة غير المقصودة والمضاف، ولذلك قال الصَبَّان: "في الجملة".

فلا يجوز الترخيم في نحو قول الأعمى: (يا جاريةً خذي بيدي .. يا جاري) هذا لا يصح لأنه نكرة غير مقصودة لغير مُعيَّنة، ولا في نحو: (يا طلحة الخير) نقول: هذا لا يجوز. قال الشارح هنا: لا يخلو المُنَادى من أن يكون مؤنثاً بالهاء أو لا، فإن كان مؤنثاً بالهاء جَازَ ترخيمه مطلقاً، أي: سواءٌ كان عَلَماً كـ: (فاطمة) أو غير عَلَم كـ: (جارية)، يعني: لمُعيَّنة، أمَّا غير معينة فلا يجوز. زائداً على ثلاثة أحرف كما مُثِّل، أو ثُنائياً كما في: (يا ثُبَة، وهِبَة)، أو غير زائداً على ثلاثة أحرف كـ: (شاةٍ)، فتقول: (يا فاطمَ، ويا جاريَ، ويا شا) .. (يا شا) تحذف التاء لأنه ثلاثي، فتحذف التاء فيبقى على حرفين، هذا لا إشكال فيه لأنه مختومٌ بالتاء. ومنه قولهم: (ياشا ادجني) يعني: أقيمي بالمكان، (أدْجَنَ) يعني: أقام بالمكان. أي: أقيمي، بِحذْف تاء التأنيث للترْخِيم، ولا يُحذف منه بعد ذلك شيءٌ آخر. ولذلك قال: (وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا بِحْذْفِهَا وَفِّرْهُ بَعْدُ) يعني: إذا حَذَفت من المُنَادى المختوم بتاء التأنيث حرفاً (وَفِّرْهُ بَعْدُ) يعني: لا تَحذف بعده حرفاً آخر، فلا يجوز حذف حرفين منه البتَّة، وإنما يَتعيَّن أن يُحْذَف حرفٌ واحدٌ فحسب. (وَالَّذِي) هذا منصوب على الاشتغال، (وَفِّرْهُ) يعني: وفِّرْ الذي، (قَدْ رُخِّمَا) الألف هذه للإطلاق، والجملة صِلَة الموصول لا محل لها من الإعراب، (رُخِّمَا) هذا فيه ضمير نائب فاعل يعود على الذي، هو العائد من الجملة صلة الموصول. (بِحْذْفِهَا) بحذف الهاء، لأن الذي يُحْذَف إذا كانت مختومة بالتاء، الذي يُحْذَف التاء فقط، ويبقى الاسم قبل التاء على حاله. (بِحْذْفِهَا) أي: بحذف الهاء: جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (رُخِّمَا). (وَفِّرْهُ بَعْدُ)، (وَفِّرْ) هذا فعل أمر، والفاعل أنت، والهاء هنا (وَفِّرْهُ) مفعولٌ به، (بَعْدُ) هذا ظرف، مقطوع عن الإضافة أو لا؟ (وما كنت قبلاً) قبلاً وبعداً بالنصب، إذا قلت: (قبلاً وبعداً .. قبلٍ وبعدٍ) صار مقطوعا عن الإضافة، إذا قيل: مقطوع عن الإضافة، يعني: لفظاً ومعنىً، حينئذٍ تَعيَّن إعرابها ونصبها: من قبلٍ ومن بعدٍ .. قبلاً وبعداً، فصار استعمالها استعمال الأسماء النكرات، مثل: رجلاً وغلاماً، حينئذٍ إذا قيل: بَعْدُ .. وبَعْدَ .. قبل ذلك: مِنْ قَبْلِ نَادَى .. لم تُنوَّن، لو كانت مقطوعة عن الإضافة مُطلقاً لقال: (مِنْ قَبْلٍ)، لكن (مِنْ قَبْلِ نَادَى) يعني: من قبل ذلك، هذه لا نقول: أنها مقطوعة عن الإضافة، بل هي منوِّية. (مِن قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ) هذه مبنية .. هذه هي الأصل، وما عَدَاها هي المُعرَبة .. أربعة أحوال، متى تُبْنَى؟ إذا حُذِف المضاف ونوِّي معناه، إذاً ليست مقطوعة، وهنا كذلك حُذِف المضاف ونوي معناه، والمعنى هنا: الضمير بعد هاء يعني بعد حذف الهاء.

(وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا بِحْذْفِهَا وَفِّرْهُ) يعني: أبقه، (بَعْدُ) بعد حذفها، أي: لا تحذف منه شيئاً بعد حذف الهاء، لأن الذي يُحْذَف في هذا النوع هو تاء التأنيث فحسب، وأمَّا ما قبل تاء التأنيث فأبقه .. (وَفِّرْهُ) لا تتعرض له بحذفٍ البتة، أي: لا تحذف منه شيئاً بعد حذف الهاء، ولو كان ليناً .. ساكناً .. زائداً .. مكملاً أربعةً فصاعداً، أي: إذا حَذَفت الهاء للترخيم وفِّر ما بقي من الاسم المرَخَّم، أي: لا تحذف منه شيئاً ولا تغيِّره، فتقول في ترخيم (عقنبات: يا عقنبا) بالألف، وهو حديدة المخالب. وأجاز سيبويه أن يُرَخَّم ثانياً، لكن قول جماهير النحاة: على أنه إذا حُذِفَت التاء: (يا فاطمُ) لا يجوز حذف حرفٍ بعده البَتَّة، لكن نُقِل عن سيبويه: أنه أجاز أن يُرَخَّم ثانياً على لغة من لا ينتظر، كما سيأتي. ومنه: أَحَارِ بنَ بَدْرِ قَدْ وَلِيتَ وِلاَيَةً .. (أَحَارِ) هذا حجة قوية، (أَحَارِ) أصله: (أحارثة) كم حرف حُذِف؟ أَحَارِ بنَ بَدْرِ، أصلها: (حارثة) مثل: (فاطمة) حُذِف منه التاء ثُمَّ رَخَّمه مرة ثانية، لكن هذا إن جُوِّز يكون قليلاً .. غير مُطَّرِد، وأما الأول فهو المُطَّرِد. (وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا بِحْذْفِهَا وَفِّرْهُ بَعْدُ) إذاً: لا يُحْذَف منه بعد ذلك شيءٌ آخر، وإلى هذا أشار بقوله: (وَجَوِّزَنْه) إلى قوله: (بَعْدُ). إذاً: النوع الأول من المُنَادى الذي يُرَخَّم: ما كان مختوماً بـ (تاء التأنيث) حينئذٍ يُرَخَّم بِحذف حرفٍ واحد وهو التاء، وعلى قول جماهير النحاة: لا يجوز بعد حذف التاء ترخِيمٌ آخر، إلا ما نُسِب لسيبويه أنه يجوز ترخيمه مرةً ثانية على لغة من ينتظر. وإذا وُقِف على المرَخَّم بحذف الهاء فالغالب – الغالب ليس مُطَّرداً - فالغالب أن تلحقه هاءٌ ساكنة، فتقول في المرَخَّم: (يا طلحة .. يا طلح) وقفت بالسكون مثلاً، فإذا وقفت تقول: (يا طلحة) من أجل أن تُظهِر الحاء؛ لأنه على لغة من ينتظر، يعني: ينتظر المحذوف، أو لغة من ينوِي، هي نفسها، يعني: ينوي أن المحذوف كالموجود، فَيُبَقِّي الحركة كما هي: يا طلحة، بالهاء. فتقول في المرَخَّم: (يا طلحة) فقيل: هي هاءُ السكْت، إذاً: تلحقه هاء واختلف فيها. قيل: هي هاءُ السكْت وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل: لا، هي التاء المحذوفة - لأنها رَجَعَت – هي التاء المحذوفة أُعِيدت لبيان الحركة، وإليه ذهب المصنِّف كما في التسهيل، يعني: ابن مالك - رحمه الله - في التسهيل ذهب إلى أن هذه الهاء التي وُقِف عليها بالسكون هي التاء التي حُذِفت ترخيماً، فلمَّا وقفنا عليه ورجعنا الهاء حينئذٍ أولى أن يُقال: بأنها هي التاء المحذوفة، رجعت ووقِفَ عليها بالسكون. أو تعويض ألفٍ منها، يعني: إمَّا أن يؤتى بهاءٍ ساكنة ثُمَّ اختُلف فيها، ظاهر مذهب سيبويه: أنها هاء السكْت، وذهب بعضهم منهم الناظم في التسهيل: إلى أنها هي التاء المحذوفة أُعِِيدت فرجعت، وقيل: يُعَوَّض ألفٌ منها، ونَصَّ سيبويه: على أن الألف لا تكون عِوضاً عن الهاء إلا في الضرورة. قال أبو حيان: أطلقوا في لحاق هذه الهاء، يعني: مُطلقاً، لم يفصِّلوا بين اللغتين: من ينتظر ومن لا ينتظر، وهو عنده تفصيل.

ونقول: إن كان الترخِيم على لغة من لا ينتظر لم تلحق. عند أبي حيان: إذا كان الترخيم على لغة من لا ينتظر، يعني: من حَذَف وأجرى المحذوف نسياً منسياً فبنى آخر حرف على الضَّمّ حينئذٍ لا تلحقه الهاء. إذاً: إذا وقِفَ على المرَخَّم بحذف الهاء فالغالب أن تلحقه هاءٌ ساكنة أو ألفٌ بدلٌ عنها، وبعض العرب يقف بلا هاءٍ ولا عِوض، حكا سيبويه: (يا حَرْمَلْ .. حرملةُ) على الأصل .. أن الأصل أن العرب تقف على الحرف بالسكون: (يا حَرْمَلْ)، فالوقف بغير هاءٍ ولا عِوَض. إذاً: (وَجَوِّزَنْه مُطْلَقاً فِي كُلِّ مَا أُنِّثَ بِالهَا) هذا النوع الأول: جَوِّزنه مُطلقاً بدون شرطٍ أو قيد. (وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا)، ثُمَّ بيَّن حُكم ما قبل التاء المحذوفة للترخيم، فقال: (وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا بِحْذْفِهَا) بحذف الهاء، (وَفِّرْهُ بَعْد) بعد حذفها، يعني: الحرف الذي قبل الهاء لا تتعرض له البتَّة. ثُمَّ انتقل إلى النوع الثاني: وهو ما ليس مختوماً بتاء التأنيث، لأن المُنَادى: إمَّا أن يكون مختوماً بالتاء أو لا، الأول عناه بالبيت السابق. ثم قال: (وَاحْظُلاَ ... تَرْخِيمَ مَا مِنْ هَذِهِ الهَا قَدْ خَلاَ)، (وَاحْظُلاَ) الألف هذه بَدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة، (وَاحْظُلاَ) (الحظل) المراد به: المنع، يعني: (وَامْنَعَنّ) هذا نهيٌ مؤكد .. نهيٌ من حيث المعنى وإلا لفظه أمر، (وَاحْظُلاَ) أي: امْنَعَنّ، (تَرْخِيمَ) الفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. (تَرْخِيمَ مَا) (ترخيم) مفعولٌ به و (ما) اسم موصول بمعنى: الذي، في محل جَر مضاف إليه، (ما) يعني منادى .. يصدق على (مُنَادى) .. منادى قَد خلا من هذه الهاء، يعني: البحث هنا في المُنَادى، (قَدْ) هنا للتحقيق، (خَلاَ) هذا فعل ماضي، (مِنْ هَذِهِ) جار مجرور متعلِّق بقوله: (خَلاَ)، و (الهَا) قصره للضرورة نعت أو عطف بيان أو بدل، الاسم المُحلى بـ (أل) بعد اسم الإشارة الأكثر على تَجوِيز عطف البيان والبدل، والنعت فيه كلام، لكن أكثر المُعرِبِين على أنه يجوز فيه ثلاثة أوجه: إما نعت، وإما عطف بيان، وإما بدل. إذاً: (ترخيم ما قد خلى من هذه الهاء) إذاً: كُل ما كان من المُنَادى وليس مختوماً بتاء التأنيث فالأصل فيه المنع. (إِلاَّ) استثناء، حينئذٍ حُكم ما بعد (إِلاَّ) نقيض حكم ما قبل (إِلاَّ)، وما قبل (إِلاَّ) هو المنع، وما بعد (إِلاَّ) هو الجواز، حينئذٍ استثنى من المحظور فكان جائزاً. إلا ما اشتمل على أربعة أو ثلاثة شروط: إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ فَمَا فَوقُ الْعَلَمْ ... دُونَ إِضَافَةٍ وَإِسْنَادٍ مُتَمّ (إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ فَمَا فَوقُ) يعني: فما فوقه وهو الخماسي والسداسي، (العَلَمْ) هذا بَدَل من الرباعي أو عطف بيان، (دُونَ إِضَافَةٍ)، (دُونَ) هذا متعلِّق بمحذوف حالٌ من الرباعي، (وإِسِنَادٍ) معطوف على إضافةٍ، يعني: ودون إِسِنَادٍ، (مُتَمّ) على زنة اسم المفعول من (أتْمَمْتُ) نعت إسنادٍ .. (وإِسِنَادٍ مُتَمّ) حينئذٍ هذا نعتٌ له، كأنه احترز عن النسبة الإضافية والتوصيفية. إلا ما وجِدَت فيه هذه الشروط الأربعة حينئذٍ يجوز تَرْخِيمه: - أن يكون رباعياً فما فوق.

- وأن يكون عَلَماً غير مضافٍ وغير تركيب إسنادٍ، بأن يكون عَلَماً منقولاً من جملة اسمية أو فعلية، فقوله: (دُونَ إِضَافَةٍ وإِسْنَادٍ) إِسْنَادٍ هذا نقول: في الغالب، لأنه سيأتي أنه يقول: وَالعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّبٍ .. كيف تقول هنا: (وَالعَجُزَ) وهنا تشْترِط: أن يكون غير مُسند؟! إذاً: لا بُدَّ من التقييد: وإسنادٍ في الغالب، حينئذٍ هل يصلح أن يكون شرطاً؟ الظاهر لا، ولذلك عَدَّها ابن عقيل ثلاثة: أن يكون رباعياً فما فوق .. علماً .. غير مضافٍ، وأدمج فيه الإسناد. قال: " إلا بثلاثة شروط "، وأكثر الشُرَّاح .. المكُودِي والأشْمُوني: على أنها أربعة، لكن إذا قيل: دون إسناد، ثُمَ سيأتي أن العجز يُحْذَف من مركبٍ، ومنه: الإسنادي، هذا محل إشكال. (إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ فَمَا فَوقُ)، إذاً: (إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ) هذا منصوبٌ على أنه مُسْتثنى، (فَمَا) (فَ) هذه فاء عاطفة، (فَمَا فَوقُ) يعني: فالذي فوق، يعني: فوقه .. فوق الرباعي وهو الخماسي والسداسي. قوله: (الرُّبَاعِيَّ) شَمِل الرباعي الأصول كـ: (جعفر) والثلاثي المزيد بحرف، لأن الثلاثي المزِيد بحرف يصدق عليه أنه رباعي كـ: (يَعْمُرْ)، وشَمِل ما فوق الخماسي بقوله: (فَمَا فَوقُ) شَمِل الخماسي والسداسي .. شَمِل الخماسي الأصول كـ: (فرزدق) والمزيد كـ: سموأل والسداسي والسباعي، ولا يكونان إلا مزيدين، نحو: مستخرج وأشهيباب) .. مستخرج كم حرف؟ ستة، إذاً على ستة أحرف، وأشهيباب: هذا على سبعة أحرف، ولا يكون سداسي، والسباعي إلا في الاسم ولا يكون إلا مزيداً .. لا يكون أصلياً. الاسم والفعل يشتركان في كون الفعل والاسم على أحرفٍ أصول في الثلاثي والرباعي .. محل اشتراك، ويزيد الاسم في كونه يكون خماسي الأصول والفعل لا يكون كذلك، لخفة الاسم جاز أن يكون فيه خماسي الأصول، يعني: كلها أصول ليس فيه زائد وهو خماسي، وأمَّا الفعل فلا .. لا يوجد فعل خماسي الأصول، وأمَّا السداسي فاتفقا، وأمَّا مزيد السباعي فهذا يوجد في الأسماء ولا يوجد في الأفعال. (إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ) إذاً: عَرَفنا أن الرباعي هنا يشمل الرباعي الأصول، والثلاثي المزيد بحرف، وقوله: (فَمَا فَوقُ) يعني: فأكثر، فما فوقه يعني: ما زاد على الرباعي وهو الخماسي والسداسي والسباعي. أن يكون رباعياً فأكثر، لماذا؟ لأنه لو كان ثلاثياً فَرُخِّم حينئذٍ أقلُّ ما يكون عليه الاسم هو ثلاثة أحرف، فإذا رُخِّم بحذف حرفٍ وهو الثالث حينئذٍ صار إجحافاً .. نَقَص عمَّا يقتضيه. لئلا يلزم نقص الاسم عن أقل أبنية المُعرَب بلا موجبٍ. إذاً مفهومه: (إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ فَمَا فَوقُ) الرباعي وما زاد يجوز ترخيمه إذا كان خالياً من تاء التأنيث مع بقية الشروط، مفهومه: أن ما كان على ثلاثة أحرف لا يجوز مطلقاً، سواءٌ كان مُحرَّك الوسط أمْ ساكن الوسط، فلا يجوز تَرْخِيمه البتَّة .. فيه خلاف.

فلا يجوز تَرخِيم الثلاثي، سواءٌ سَكَن وسطه كـ: (زَيْد) أو تَحرَّك وسطه كـ: (حَكَم .. يا حَكَمُ .. يا زَيْدُ) لا يجوز حذف الثالث البتَّة، لأنه إجحافٌ به، أقل ما يوضع عليه الاسم ثلاثة أحرف، وإذا حُذِف صار على حرفين، هذا مذهب الجمهور: (أن الثلاثي مطلقاً، سواءٌ كان ساكن الوسط، أم مُحرَّك الوسط لا يجوز ترخيمه البتة). وأجاز الفراء والأخْفَش: ترخيم المُحرَّك الوسط كـ: (حَكَم) وأما الساكن فلا، لأن عندهم - وهذا قد يأتينا في باب الممنوع من الصرف -: أن مُحرَّك الوسط يُنَزَّل مُنَزَّلة حرف رابع، ولذلك (حِمْصٌ ولُوطٌ) .. على القول بأن (لوط) أعجمي هنا صُرِف لأنه ثلاثي، ويُشترط فيه العلمية .. أن يكون رباعياً فأكثر، إذا كان مُحرَّك الوسط قالوا: نُزِّل حركة العين مُنَزَّلة حرف رابع فعُومِل مُعامَلة الرباعي. إذاًَ: هنا الأخفش والفراء استثنوا ما إذا كان الثلاثي مُحرَّك الوسط حينئذٍ جَوَّزوا أن يُرَخَّم. وأجاز الفراء والأخفش ترخيم المحرك الوسط، وأمَّا الساكن الوسط فقال ابن عصْفُور: "لا يجوز ترخيمه قولاً واحداً ". قال في الكافية: "ولم يُرخِّم نحو بكرٍ أحدٌ " يعني: ثلاثي ساكن الوسط، وخَصَّ (بَكْرٍ .. فَعْلٍ) لأن ما كان مُتحرِّك الوسط هذا جَوَّزه الفراء والأخفش. وأثبت بعضهم عن بعض الكوفيين: جواز ترخيمه ولو كان ساكن الوسط، فنَقْل الإجماع إمَّا أنه لم يلتفت إلى هذا القول، وإمَّا أنه لم يَدْر عنه. إذاً: (إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ فَمَا فَوقُ) ما دون الرباعي على قول الجمهور: لا يجوز مطلقاً وهو الثلاثي سواءٌ كان ساكن الوسط أو مُتَحرِّك الوسط. (العَلَمْ) إذا نقول: هذا بَدَل من الرباعي أو عطف بيان عليه. فلا يُرَخَّم المُنَادى إلا إذا كان عَلَماً، يعني: بعد أن يكون رباعياً فأكثر، إذا ثبت أنه رباعي لا يُرَخَّم إلا العَلَم سواءٌ كان عَلَم شَخْصٍ كـ: (جَعْفَر) أو عَلَم جنسٍ كـ: (أسامة). إذاً: النكرة لا وجه لترخيمها البَتَّة هنا، وفيه خلاف. إذاً: العلم أخرج النكرة، ثُمَّ هو عامٌ في نفسه: يَشْمَل العلم الشخصي كـ: (جعفر) وعلم الجنس كـ: (أسامة) وسبق الفرق بين النوعين في باب العلم. أن يكون علَماً، وأجاز بعضهم ترخيم النكرة المقصودة: (غضنفر .. يا غضنف) في: غضنفر، قياساً على قولهم: (أطرق كرا) السابق معنا، و (يا صاح) هذا شَذَّ فيه باصطلاح، إذاً: أن يكون عَلَماً، فإذا لم يكن عَلَماً بأن كان نكرة، فجماهير النحاة: على أنه لا يجوز ترخيمه البتَّة. (دُونَ إِضَافَةٍ) يعني: لا يُرَخَّم المضاف ولو كان عَلَماً، (إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ) ثُم قد يكون الرباعي عَلَم، وقد يكون غير عَلَم، أخرجنا غير العَلَم بقولنا: علَم، ثُمَّ العَلَم قد يكون مضافاً: (عبد الله) فلا يُرَخَّم، لأنه قال: (دُونَ إِضَافَةٍ) وشَمِل العَلَم الكُنْية كـ: (أبي بكرٍ) فلا يُرَخَّم كذلك لأنه مضاف، إذاً: فلا يُرَخَّم المضاف ولو كان علَماً، وشَمِل قوله (العَلَمْ) الكُنْية كـ: (أبي بكرٍ) وغيرها.

(دُونَ إِضَافَةٍ وإِسِنَادٍ) هذا معطوف على (إضَافَةٍ)، (إِسِنَادٍ مُتَمّ) يعني: أن المركَّب تركِيب إسنادٍ لا يجوز ترخيمه، إذاً: خَصَّ نوعين، وسَكَت عن الثالث والرابع، سَكَت عن المزجي والعددي، مفهومه: أنه يجوز تَرخيم العددي، فيُقال: (خمسة عشر) لو سمي رجل خمسة عشر. ففُهِم منه: أن المركَّب تركيب مزجياً لا يمتنع ترخيمه، إذاً: ألا يكون مركَّباً تركيب إضافةٍ ولا إسنادٍ. قوله: (دُونَ إِضَافَةٍ) هل يشمل النوعين: الإضافة المحضة، والإضافة اللفظية؟ نعم، يشمل النوعين، بل إذا مُنِع المضاف إضافة محضة فالشبيه من بابٍ أولى .. اللفظي من بابٍ أولى، لأن تسميته إضافة هذا من باب المجاز، هو على نيَّة الانفصال، وليس بمضافٍ حقيقةً، إذاً: ألا يكون مركباً تركيب إضافةٍ حقيقةً أو حُكماً فيدخل في النفي هنا: شبه المضاف. ألا يكون مركباً تركيب إضافة خلافاً للكوفيين في إجازتهم ترخيم المضاف إليه، نحو قول الشاعر: خُذُوا حِذْرَكُمْ يَا آلَ عِكْرَمَ .. (آل عِكْرِمة) هذا الأصل .. (يَا آلَ عِكْرِمَ .. يَا آلَ عِكْرَمَ) هكذا بفتح الراء موجود. وهو عند البصريين نادرٌ، يعني: تَرخِيم المضاف إليه بِحذف آخره (التاء) هذا نادر ولا يقاس عليه. وعِلَّة منع ترخيم المضاف، لأن المتضايفين كالشيء الواحد، فهو بِمنْزِلة حذف حشو الكلمة -هذا من المضاف-، والحذف من المضاف إليه يَمنَع منه: أن تالي أداة النداء المضاف، فالحذف من المضاف إليه بِمنْزِلة الحذف من غير المُنَادى. إذاً: لا يُحْذَف من المضاف .. عندنا مضاف ومضاف إليه، لا يُحْذَف من المضاف، لماذا؟ لأنك الذي ستحذفه هذا حشوٌ في الكلمة .. كأنك حذفت (الياء) من (زيد) هذا مُمتنع، لأن المضاف والمضاف إليه كالجزء الواحد، إذاً: يَمتَنع أن تحذف الحرف الأخير من المضاف، حينئذٍ لا يُحْذَف لكونه حشواً في الكلمة، وإذا حَذَفْتَ من المضاف إليه، الذي يلي أداة النداء هو المضاف، والمضاف إليه فَصَل بين الأداة والمضاف إليه بالمضاف، حينئذٍ صار كـ: (لا مُنَادى) والحذف إنما يكون من المُنَادى – هذا التعليل جيد -. إذاً نقول: لا يُحْذَف ترخيماً من المركب تركيب إضافي، لا من المضاف، ولا من المضاف إليه، لماذا من المضاف؟ لأن المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة، فإذا حذفت آخر .. مثلاً: (غلام زيدٍ) تحذف الميم؟! هذا ما يصح، لأنه صار حشواً .. كالجزء من الكلمة .. وسط الكلمة فلا يجوز حذفه، هذا من المضاف وهو واضح، وأمَّا المضاف إليه فللفصل بين الأداة وبينه بالمضاف، كأنه غير منادى، والحذف هنا خاص بالمنادى. إذاً: بهذه الشروط الأربعة أو الثلاثة، نقول: يَجوز الحذف، وهو ما إذا كان المنادى غير مختوم بتاء التأنيث، لأن الأصل فيه المنع، وإنما يجوز باسْتِيفَاء هذه الشروط الأربعة: أن يكون رباعياً فأكثر .. علماً غير مضافٍ، وغير مسندٍ إسنادٍ مُتِم، على زنة اسم المفعول .. نعت إسناد كأنه احترز عن النسبة الإضافية والتوصيفية .. (وإِسْنَادٍ مُتَمّ) يعني: كأنه أخرج التوصيفي كذلك.

هنا قال: وذلك كـ: (عثمان وجَعْفر)، (جَعْفر) رباعي وهو عَلَم، وغير مضاف، وغير مسند، وغير توصيفي، وغير عددي .. على القول بِمنع العددي، وكذلك: (عثمان) فوق الرباعي .. خماسي، وهو عَلَم، وليس مضافاً ولا مسند، فتقول: يا (عُثْمُ .. يا عُثْمَ) بحذف الألف والنون كما سيأتي، وتقول كذلك: (يا جَعْفَ .. يا جَعْفُ). وخَرَج ما كان على ثلاثة أحرف: كـ: (زيد وعمرو)، وما كان على أربعة أحرف غير عَلَمٍ كـ: (قائم وقاعد)، وما رُكِّب تركيب إضافة كـ: (عبد شمسٍ)، وما رُكِّب تركيب إسنادٍ، وهذا قلنا: سيأتي استثناء من الناظم، أي: ألا يكون منقولاً عن الجملة، لأن الجملة مَحْكِية، إذا كانت مَحْكِية صارت كالجزء الواحد، فإذ حُذِف منها حينئذٍ حُذِف من الحشو. ألا يكون منقولاً عن الجملة، لأن الجملة مَحكِيةٌ بحالها فلا تُغَيَّر، وهذا الاشتراط أكْثَري .. أغلبي، يعني: ليس مُطَّرداً. نحو: (شاب قرناها) فلا يُرَخَّم شيءٌ من ذلك، وأمَّا مَا رُكِّب تركيب مزجٍ فيُرخَّم بِحذف عجُزِه، وهو مفهومٌ من كلام المصنف، لأنه لم يُخرجه، فتقول فيمن اسمه معد يكرب: (يا معدِي) تحذف: (كرب) وهذا سيأتي التنصيص عليه. إذاً: ذَكَر لنا في هذه الأبيات الثلاثة ما يجوز ترخيمه، لأن الأصل: هو المنع، لأنه يرد السؤال: لماذا قال الناظم: (جَوِّزَنْهُ) يعني: الترخيم؟ نقول: الأصل عدم حذف حرف من أجزاء الكلمة، حينئذٍ لا يُعْدَل إليه إلا بشروطٍ. ولذلك قيل: من شروط الترخيم مطلقاً .. (مطلقاً) يعني: لا يُقْدَم عليه في باب النداء، من شروطه: ألا يكون مُختصَّاً بالنداء، يعني: الذي يَقْبل الترخيم ألا يكون مُختصَّاً بالنداء فلا يُرَخَّم (فُلُ وفُلَةُ) هذا ما يقبل الترخيم. الثاني: ألا يكون مندوباً، المندوب لا يُرَخَّم، وهذا واضح. الثالث: ألا يكون مُستغاثاً، وهذا يكاد يكون متفق عليه الثلاثة الأولى: أن لا يكون مُختصَّاً بالنداء (فُلُ .. فُلَةُ)، وأن لا يكون مندوباً، وأن لا يكون مُستغاثاً، هذا محل وفاق. الرابع: ألا يكون مبنياً قبل النداء، فلا يُرَخَّم نحو: (حَذَامِ)، وسيأتي أنه يُرَخَّم (سيبويه). فإمَّا أن يُقال: بأن الشرط هنا - لأنه اشترطه السيوطي في همع الهوامع - إمَّا أن يُقال بأن الشرط هنا في غير المركَّب تركيب مزجي، لذلك مَثَّل بـ: (حَذَامِ)، وإمَّا أن يُقال: بأن القائل بجواز ترخيم (سيبويه) لا يُسلِّم بهذا الشرط، سيأتي أن (سيبويه) يُرخَّم على الصحيح، إذاً: إمَّا أن يُجْعَل هذا الشرط بغير المركَّب المزجي المختوم بـ (ويه)، وإمَّا أن يقال فيه نزاع، والصواب ما سيأتي. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

101

عناصر الدرس * الترخيم بحذف حرفين وشروطه * ترخيم المركب ترخيم الجملة * اللغات في آخر المرخم * ترخيم غير المنادى. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: ما زال الحديث في باب التَرخِيم، وقلنا: (المُرَخَّم) على أربعة أنواع: النوع الأول: ما يُحْذَف منه حرفٌ واحد، وهو الذي أشار إليه بقوله: (وَجَوِّزَنْه مُطْلَقاً فِي كُلِّ مَا أُنِّثَ بِالهَا) ثُمَّ قال: .................. وَاحْظُلاَ إِلاَّ الرُّبَاعِيَّ .............................. ... تَرْخِيمَ مَا مِنْ هَذِهِ الْهَا قَدْ خَلاَ ..................................... ذَكَر نوعين: النوع الأول: كل منادىً اتصلت به تاء التأنيث، حينئذٍ يُرَخَّم بِحذف التاء نفسها، وما قبل التاء قال: (وَالَّذِي قَدْ رُخِّمَا بِحَذْفِهَا) حذف الهاء (وَفِّرْهُ بَعْدُ) يعني: بَعدَ حذْفها (وَفِّرْهُ) أبقه على ما هو عليه، هذا النوع الأول. ثم قال: (وَاحْظُلاَ) أي: امنَعن، (ترخيم ما قد خلا من هذه الهاء) كـ: (سُعاد وزينب) مثلاً، فهذا الأصل فيه: المنع، إلا ما استوفى أربعة شروط: أن يكون رباعياً فما فوق .. أن يكون علماً، وأن يكون غير مُرَكَّبٍ تركيباً إضافياً ولا تركيباً إسنادياً، فإذا وجِد في الاسم مُستكملاً لهذه الشروط الأربعة جاز ترخيمه وإلا فلا، وذكرنا محترزات الشروط السابقة. ثُمَّ شَرَع في النوع الثاني: وهو ما يُحْذَف منه حرفان. الترخيم قلنا: على أربعة أقسام، النوع الأول: ما يُحْذَف منه حرفٌ واحد، والنوع الثاني: ما يُحْذَف منه حرفان، قال: وَمَعَ الآخِرِ احذِفِ الَّذِيْ تَلاَ ... إِنْ زِيدَ لَيْنَاً سَاكِناً مُكِمِّلاَ أَرْبَعَةً فَصَاعِداً وَالْخُلْفُ فِي ... وَاوٍ وَيَاءٍ بِهِمَا فَتْحٌ قُفِي (وَمَعَ الآخِرِ احْذِفِ) .. (واحذف مع الآخر) (الَّذِي تَلاَه) يعني: تلاه الآخر. (احْذِف): هذا فعل أمر هنا للوجوب، يعني: ليس على جهة الجواز، بل هو أمرٌ واجب، (احذف مع الآخر في الترخيم). (وَمَعَ الآخِرِ) يعني: مع حذف الحرف الآخر في الترخِيم احذف وجوباً الحرف الذي تلاه، (تلا .. تلاه الآخر) يعني: الحرف الذي قبل الأخير احذفه معه، يعني: تَحذف الحرف الأخير والذي قبله، هنا على حذف موصوفات. (وَمَعَ الاخِرْ) يعني مع حذف الحرف الآخر في الترخيم السابق، احذف وجوباً الحرف الذي فـ: (الَّذِي) هذا صفة لموصوفٍ محذوف، أي: الحرف الذي (تَلاَ) (تلا الآخر هو .. إياه) يعني: تلاه، فالضمير العائد على الاسم الموصول محذوف، والضمير المستتر الفاعل يعود على (الاخِرْ). و (مَعَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (احْذِفِ)، وهو مضاف و (الاخِرْ) مضافٌ إليه، (احْذِفِ الَّذِي) (الَّذِي) هذا مفعول به، وجملة (تلاه) لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، أي: الذي تلاه الآخر، وهو ما قبل الآخر، لكن ليس مطلقاً قال: (إِنْ) يعني: بشروطٍ أربعة: (إِنْ زِيدَ) .. إن كان زائداً لَيْنَاً سَاكِناً مُكِمِّلاَ .. أَرْبَعَةً فَصَاعِداً إن وُجِدَت فيه هذه الشروط الأربعة وجب حذف ما قبل الآخر مع الآخر، (إِنْ زِيدَ) هذا مُغيَّر الصيغة: (زاد .. زِيد) (زيد هو) يعني: الذي تلاه الآخر، (إِنْ زِيدَ) إن كان زائداً.

(لَيْناً) يعني: حرف عِلَّة وليس بصحيح، (سَاكِناً) لا مُتحرِّكاً، (مُكَمِّلاً أَرْبَعَةً فَصَاعِداً) حينئذٍ جاز أن يُحْذَف مع الآخر. قوله: (إِنْ زِيدَ) أي: إن كان ما قبل الآخر حَرفاً زائداً، و (زِيدَ) هذا مُغيَّر الصيغة .. فعل الشرط، (إِنْ زِيدَ) يعني: إن كان ما قبل الآخر زائداً، فإن كان أصلياً لم يَجُز حذفه، ولو كان ظاهره ليناً ساكناً، وهذا فيما إذا كان في الأصل عيناً ثم قُلِبت ألفاً نحو: (مُختار)، قالوا: (مختار) لا تُحذف الألف هذه، ولو كانت ليْناً ساكناً مُكمِّلةً أربعة، نقول: هذا لا يجوز حذفه، لأن هذه الألف عين الكلمة: (مُختيَر .. مُفتعل) هذا الأصل، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فقُلِبت ألفاً. إذاً: إذا كان أصلياً لا يُحْذَف، نحو: (مُختار) ومثله: (مُنْقاد .. قاد يقود .. مُنْقَوَد) هذا الأصل. علمين لأن الألف فيهما مُنقَلبة عن عين الكلمة فتقول: (يا مختا .. يا منقا) مثل: (يا سعا .. سُعاد .. يا سعا) فيُحْذَف منه حرفٌ واحد ولا يُحذف الذي تلاه الآخر، لماذا؟ لأن شرط جَواز حذف ما قبل الآخر: أن يكون زائداً، فإذ كان أصلياً ولو في ظاهره ليناً ساكناً مُكمِّلاً أربعةً فصاعداً، نقول: لا يجوز حذفه، لأن الأصلي أصلي كاسمه، حينئذٍ لو رُخِّم بِحذف الأخير وهو حرفٌ أصلي، لا يُحْذَف معه الحرف الذي قبله، وإنما يُتَوسَّع في اللين الساكن، وأما الصحيح فلا. إذاً: (مُختار) نقول: هذه الألف جاءت رابعة وهي حرف لين وساكن، لكنه لا يُحْذَف لكونه مُنقلباً عن عين الكلمة، وعين الكلمة أصليه: (مختيَر .. منقود) فإذا رخَّمته وهو عَلَم تقول: (يا مختا .. يا منقا) بِحذف الراء فقط. (إِنْ زِيدَ لَيناً)، (زِيدَ) هذا مُغيَّر الصيغة، والضمير المستتر نائب فاعل، (لَيناً) هذا حالٌ منه، إن زيد الحرف الذي قبل آخره .. الذي تلاه الآخر، زيد حال كونه ليناً، (سَاكِناً) نعت له .. نعتٌ أول، (مُكَمِّلاً) هذا نعتٌ ثاني. (إِنْ زِيدَ لَيناً) أي: حرف لين، وهو الألف والواو والياء، يعني: أن يكون ألفاً، أو واواً، أو ياءً، بشرط ألا يكون الألف مثلاً مُنقَلباً عن واوٍ أصلية أو ياء أصليه كما الشأن في (مختار) و (منقاد)، فإن كان صحيحاً لم يُحْذَف، سواءٌ كان مُتحرِّكاً نحو: (سَفَرْجَل) إذا رُخِّم (سَفَرْجَل) يقال: (سَفَرجُ .. سَفَرجَ) بحذف اللام فقط، ولا يجوز حذف الجيم معه، لأنه ليس بِحرف لين بل هو حرفٌ صحيح. أو ساكناً نحو: (قِمَطْرٌ) نقول: يُحذف الراء فقط (يا قِمَطْ) ولا يجوز حذف ما قبل الآخر، فتقول: (يا سَفَرجُ .. يا سَفَرجَ) و (يا قِمَطْ .. يا قِمَطُ) خلافاً للفراء في (قِمَطْرٌ) فإنه يجيز: (يا قِمْ .. قِمَ .. يا قِمُ) يُجوِّز فيه حذف الحرفين. إذاً: (إِنْ زِيدَ لَيْناً) أي: حرف ليْن وهو الألف والواو والياء، فإن كان صحيحاً مُتحرِّكاً أو ساكناً لم يَجُز حذفه.

(إِنْ زِيدَ لَيناً سَاكِناً) فإن كان مُتحرِّكاً لم يَجُز ولو كان حرف علَّةٍ: واو أو ياء .. فإن كان مُتحرِّكاً لم يُحْذَف، نحو: (هَبَيَّخ) عندنا ياءان: الياء الثانية مُحرَّكَة لأن الأولى مُدْغَمة فيها، حينئذٍ نقول: ليست بساكنة فلا يَجوز حذفها، (قنَّوَّر) نقول: الواو مُشدَّدة، حينئذٍ الواو الثانية لا يجوز حذفها لأنها مُتحرِّكة، وشرط الحذف: أن تكون ساكنة، (هَبَيَّخ) قيل: الغُلام السمين الممتلي، و (قنَّوْر) بِزنة: (سَفَرْجل): الصعب اليبوس من كل شيء. (مُكَمِّلاً أَرْبَعَةً فَصَاعِدَاً) إن كان ثلاثياً فلا يجوز الحذف منه البتَّة، ولو كان الألف .. ولو كان ما قبل الأخير واواً، أو ياءً، ساكناً وهو حرف ليْن، فلا يجوز حذف الثالث، خلافاً للفراء، كما في نحو: (ثَمُود) وقَعَت الواو هنا ثالثة لا رابعة، والشرط: أن يَقَع حرف اللين رابعاً، وليس المراد: رُباعي الكلمة، ثُمَّ قَدْ يتلوه حرفٌ أو حرفان، فـ (ثمود) لا يصح تَرخِيمه بحذف حرفين، وإنما بحرفٍ واحد، لماذا؟ لكون الواو هنا وقعت ثالثةً، والشرط أن تقع رابعةً فصاعداً. حينئذٍ يُقال: (يا ثَمُو، أو: يا ثَمِي) إذاً لا يُحْذَف منه الواو، وإنما يُحْذَف منه الدال فقط، فيقال: (يا ثَمُو) بحذف الدال. وكذلك: (عِماد) يُقال: (يا عِما) لا يقال: (يا عم) وكذلك: (سعيد) يُقال: (يا سَعي) ولا يُقال: (يا سع) لكون الياء وقعت ثالثة، والشرط أن تقع رابعةً. إذاً: بهذه الشروط الأربعة يَجوز الحذف .. حذف حرفين .. أن يكون الترخيم بحذف حرفين، مثل: (منصور) وقعت رابعة وهي زائدة، لأنه على وزن (مفعول) وكذلك ساكنة، حينئذٍ تقول: (يا منْصُ) بحذف الواو والراء، فَرُخِّم بحذف حرفين، هذا في الرباعي. (فَصَاعِدَاً): فذهب العدد صاعداً، هذه حالٌ .. منصوبٌ على الحالية، (فَصَاعِدَاً) مثل: (مَصَابِيح) .. عَلَم، إذا جَعَلته عَلَماً وقعت خامسة هنا، فتقول: (يا مَصَابِ .. يا مَصَابُ) بحذف الياء والحاء، تحذف حرفين (يا مصابيح .. يا مَصَابِ .. يا مَصَابُ). والسادس نحو: (اسْتِخْرَاج)، لو سُمي رجل بـ (اسْتِخْرَاج) وقَعَت الألف خامسة، حينئذٍ تَحذف الألف والجيم تقول: (يا اسْتِخْرِ .. يا اسْتِخْرُ) على اللغتين، إذاً: وَمَعَ الآخِرِ احذِفِ الَّذِيْ تَلاَ ... إِنْ زِيدَ لَيْنَاً سَاكِناً مُكِمِّلاَ أَرْبَعَةً فَصَاعِداً .......... ... .................................... يجب أن يُحذف مع الآخر ما قبله إن كان زائداً ليِّناً، أي: حرف ليْنٍ ساكناً رابعاً فصاعداً، وذلك نحو: (عثمان) و (منصور) و (مسكين) و (شِملال) و (قنديل) و (أسماء): يَا أَسْمُ صَبْراً عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَدَثٍ .. (يا أسمُ .. يا أسماء) حُذِفت الألف والهمزة، هذا مستوفٍ للشروط. يَا أَسْمُ صَبْراً عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَدَثٍ .. (مروان .. يا مَرْوُ .. يا مَرْوَ): يَا مَرْوَ إِنَّ مَطِيَّتِي مَحْبُوسَةٌ ..

إذاً: جاز حذف الألف والنون كما حُذِفت من (أسماء) الألف والهمزة، كذلك: (عثمان) فتقول: (يا أسمُ) .. (يا عثمُ) .. (يا منصُ) (يا مسكُ) .. مسكين لو سُمِي رجل (مسكين) بماذا تُدلِّله؟ (يا مسكُ)، وكذلك: (شِملال .. يا شِملُ) و (قنديل .. يا قندُ) فإن كان غير زائدٍ كـ: (مُختار) أو غير لينٍ كـ: (قِمَطْرٍ) وهو الجمل القوي الضَّخم، والرجُل القصير، أو غير ساكنٍ كـ: (قَنُّور)، أو غير رابعٍ كـ: (مجيد) لم يجز حذفه. ليس المراد أنه لم يُجز ترخيمه لا، لم يجز حذفه بحرفين، وإنَّما يُرَخَّم بحذف حرفٍ واحدٍ فحسب، والكلام فيما يُحْذَف مع الأخير ما قبله، وليس فيما يُرَخَّم بِحرفٍ أو لا .. هذا سبق، فكل ما ذُكِر من الممنوع، نقول: يُمْنَع ترخيمه بحذف حرفين، لا أنه لا يُرَخَّم .. لا، يُرَخَّم وإنما بِحذف حرفٍ واحدٍ فتقول: (يا مختا) و (يا قمط) و (يا قنَّو) و (يا مجي .. مجيد) ترخمه: (مجي). ثُمَّ قال: . . . . . . . وَالخُلْفُ فِي ... وَاوٍ وَيَاءٍ بِهِمَا فَتْحٌ قُفِي (وَالخُلفُ) هذا مبتدأ، (فِي وَاوٍ وَيَاءٍ)، (فِي وَاوٍ) متعلِّقٌ بالخلف لأنه مصدر، (وَيَاءٍ) معطوف عليه، (بِهِمَا فَتْحٌ)، (بِهِمَا) هذا خبر مُقدَّم، و (فَتْحٌ) مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ المؤخر والخبر المُقدَّم في محل خفض صفة لواو وياء. (فِي وَاوٍ وَيَاءٍ) مُحرَّكَين بفتحٍ، (قُفِي) أي: تُبِع، يعني: الخُلْف قفي، هذا خبر المبتدأ. قوله: (إِنْ زِيدَ لَيناً) يعني: حرف عِلَّة، فيكون ما قبله – يعني: حَرَكَته - من جنس حرف اللين، إن كان واواً يكون ما قبله مضموماً، وإن كان ياءً كان ما قبله مكسوراً، هنا إذا كانت الواو والياء ما قبلهما مفتوح هل يُلْحَق بمثل (منصور) و (سلمان) و (أسماء) ونحو ذلك؟ قال: فيهما خُلفٌ، يعني: فيهما خُلْفٌ بين النحاة، مثل: (فِرْعَون) و (غُرْنَيق) هذا طيرٌ من طيور الماء، طويل العنق. (فِرْعَون) هل يُرَخَّم أم لا .. هل الواو هذه مثل واو (منصور)؟ الجواب: لا، (منصُور) الصاد مضمومة، إذاً: واوٌ قبلها ضَمَّة، وهنا واوٌ قبلها فتحة، (فِرْعَون) وكذلك: (غُرْنَيْق) ياءٌ قبلها فتحة، ففيه خلافٌ بين النحاة. فمذهب الفراء والجرمي: أنهما يُعاملان مُعاملة (مسكين) و (منصور) يعني: يُرَخَّمان بِحذف حرفين، يُحْذَف مع الآخر كالذي قبله حركة مُجانسة مثل (منصور) و (مسكين)، فتقول عندهما: (يا فِرْعَ .. فِرْعُ) بالفتح والضم، و (يا غُرْنَ) بِحذف الياء والقاف، و (فرعون) بِحذف الواو والنون. ومذهب غيرهما من النحوييِّن: عدم جواز ذلك، حينئذٍ يُرَخَّم بِحذف حرفٍ واحد، فتقول: (يا فِرْعُو) مثل (يا ثَمُو)، و (يا غُرْنَي) بإثبات الياء. إذاً: إذا كانت الواو والياء مفتوحاً ما قبلهما حينئذٍ فيه خلاف بين النحاة، منهم من جَوَّز ترخيمه بحرفين، ومنهم من لم يُجوِّزه بل أبقاه على أصله: وهو بِحذف حرفٍ واحدٍ.

إذاً النوع الثاني مِمَّا يُرَخَّم: ما يُرخَّم بِحذف حرفين، وهو ما اشتمل على أربعة شروط: أن يكون زائداً، وهذا الزائد يكون حرف ليْن .. ساكناً، وما قبله وحَرَكته مُجانسة له .. مُكمِّلاً أربعةً فصاعداً، يعني: أربعة حروف فصاعداً، حينئذٍ يَجوز ترخيمه بِحذف حرفين .. يكون من النوع الثاني. (وَالخُلفُ فِي وَاوٍ وَيَاءٍ بِهِمَا فَتْحٌ قُفِي) هذا أشار إلى أن حرف اللين إذا لم يَكن ما قبله حركة مجانسة له، هل يُرَخَّم أم لا؟ ففيه مذهبان للنحاة، ولذلك أطلقه الناظم ولم يُرجِّح، (والخلف قفي بواوٍ وياءٍ بهما فتحٌ) الباء للتعْدِية الخاصة مُتعلِّقة بـ: (قُفِي)، فالمعنى: أُتْبِعا الفتح، أي: جُعلا تابعين للفتح، يعني: أن حرف الليْن إذا كان قبله حَرَكة غير مُجانسة له، نحو: (فِرْعُون) و (غُرْنَيْق) ففي حذفهما مع الآخِر خلافٌ بين النحاة. وَالْعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّب وَقَلّ ... تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ وَذَا عَمْرٌو نَقَلْ هذا النوع الثالث: وهو ما يُرَخَّم بِحذف كلمة وهو العَجُز، وهذا في المركَّب تركيب مزجي أو تركيب إسنادي، فيحذف بِحذف عَجُزه، المركب له صدر وعَجُز، أوله يُسمى: صدراً، وثانيه يُسمى: عَجُزاً .. مُؤخره يعني، حينئذٍ الترخيم يكون بِحذف آخره. (وَالعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّبٍ)، (احْذِفْ العَجُزَ) هذا مفعول مُقدَّم، (مِنْ مُرَكَّبٍ) مُتعلِّق بقوله: احْذِفْ، (احذف أنْتَ العَجُز .. عجز المركَّب)، (مِنْ مُرَكَّبٍ) هذا أشْبَه ما يكون بيان للعجز، من أين؟ (مِنْ مُرَكَّبٍ) تركيب مزجٍ، لأنه كما سبق أن الناظم اشترط: (دُونَ إِضَافَةٍ وَإِسْنادٍ مُتَمّ). حينئذٍ نقول: احْتَرَز بهذين النوعين عن المركَّب تركيباً مزجياً، (وَالعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّبٍ) أطلق المركَّب، واستثنى هناك الإضافي والإسنادي، فَدَّل على أنه أراد هنا المركَّب المزجي، فنحمله على المركَّب المزجي نحو: (بَعْلَبَّك وسيبويه)، (بَعْلَبَّك) هذا مُركَّب من كلمتين: (بَعْل) و (بَكَّ)، إذا أرَدَت الترخيم، قال: احذف العَجُز من المركب الإضافي، فتقول: (بَعْلَ .. يا بعلَ) تحذف (بَكَّ) لأن هذا هو العَجُز و (بَعَل) هو الجزء الأول، و (سيبويه) (يا سِيْبَ) تَحذف (وَيْه) لأنه مُرَكَّبٌ من كلمتين: (سِيْبَ) و (وَيْه) وهذا هو المختوم بـ (وَيْه). إذاً: نَحو (بَعْلَبَّك) و (سيبويه)، وذكرنا في السابق: أنَّ من شروط الترخيم العام: ألا يكون مبنياً قبل النداء، وهنا جَوَّزوا (سيبويه) حينئذٍ نقول: من جَوَّزه هنا لم يشترط ذاك الشرط هناك .. حذف الشرط، لذلك قُلنا: الشروط الثلاثة الأولى مُتفَق عليها: ألا يكون مندوباً .. ألا يكون مستغاثاً ونحو ذلك. وأمَّا ألا يكون مبنياً قبل النداء هذا ليس مُتفقاً عليه، فلا اعتراض حينئذٍ، فمن مثَّل بـ (سِيْبَويْه) حينئذٍ نقول: هذا لا يُشترط عنده أن الترخيم لا يدخل ما كان مبنياً قبل النداء، ومن اشترط يَحتمل أنه يُمثِّل به على قِلة، وإذا كان كذلك فيكون نادراً فلا يقاس عليه.

نَحو: (بَعْلَبَّك) و (سِيْبَويْه) فتقول: (يا بَعْلَ) و (يا سِيْبَ)، وكذلك تفعل في المركب العددي، لو سُمي: (خمسة عشر) رَجُل .. عَلَماً، تقول: (يا خمسة) وتِحذف (عشرة)، وكذلك تفعل في المركَّب العددي، فتقول في (خمسة عشر) عَلَماً: (يا خمسة)، إذا قيل: (يا خمسة) حينئذٍ كيف تقف عليه؟ قيل: بهاء السكْتِ: (يا خمسه) في اللغتين: من ينتظر ومن لا ينتظر، إذاً: إذا وقَفْت على المُرَخَّم في العددي تقف عليه بهاء السكْت مُطلقاً، على اللغتين: لغة من ينتظر ومن لا ينتظر. وأمَّا (بَعْلَبَّك) إذا رخَّمْته هذا فيه تفصيل. و (بَعْلَبَّك) إذا رُخِّم ثُم وقفت: فعلى لغة من ينتظر - يعني: المحذوف - يَجوز أن تقول: (يا بَعْله) بهاء السكْتِ، ويَجوز ألا تأتي بها وتقف بالإسكان، فَعَلى لغة من ينو المحذوف تقول: (يا بَعْله .. يا بَعْلْ) بالإسكان أو بهاء السكْت، وأمَّا على لغة من لا ينتظر المحذوف .. من لا ينوي المحذوف، فيَتحَتَّم الوقف عنده بالإسكان: (يا بَعْلْ) ولا يَجوز أن تأتي بهاء السكْت، لأنه يقول: (يا بَعْلُ) بالضَّمِّ كما سيأتي. وذهب الأخفش: إلى أنه يُردُّ العَجُز المحذوف من المُرَكَّب المُرَخَّم عند الوقف، فإذا قلت: (يا بَعْلُ .. يا بَعْلَ) حينئذٍ إذا وقفت عند الأخفش تقول: (يا بَعْلَبَّك) تَرُده، كما ذكرناه في التاء هناك .. في الوقف على (فاطمة) .. هل الراجح أن هاء السكْت هي تاء التأنيث رجعت أم لا؟ هنا عند الأخفش يَرى أنه إذا وقفت على المحذوف .. الكلمة الأخير، حينئذٍ تَرْجع كما كانت. ومنَع الفراء من ترخيم المُرَكَّب العددي إذا سُمِّي به لا يُرَخَّم .. لوسُمِّي به قال: لا يُرَخَّم، ومنَع أكْثر الكوفيين من تَرخِيم ما آخره (ويْه)، وذهب الفراء إلى أنه لا يُحْذَف منه إلا الهاء فقط فتقول: (يا سيبَويْ) .. تحذف الهاء فقط، يعني: مِمَّا يُرَخَّم بحذف حرفٍ واحدٍ فحسب، وليس مِمَّا يُرَخَّم بحذف حرفين أو بحذف كلمة، وإنما رَدَّه إلى النوع الأول. إذاً: المُرَكَّب تركيب مَزْجٍ في تَرخِيمه خلافٌ بين النحاة، منهم من جَوَّزه ومنهم من منعه، ثُمَّ إذا رُخِّم حينئذٍ يُرَخَّم بِحذف العَجُز، ثُمَّ إذا وُقِف عليه ثَمَّ تفصيلٌ على ما ذكرناه. (وَالعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّبٍ) يعني: تركيب مزجٍ، ولذلك قال بعضهم: المنقول أن العرب لم تُرخِّم المُرَكَّب، وإنما أجَازَه النحاة قياساً، يعني: لم يُسْمَع في لسان العرب أنه رخموا المُرَكَّب، وإنما جَوَّزه النحاة من باب القياس اجتهاداً، وإلا لم يُسْمَع. (وَقَل تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ): قليل تَرخيم جملة، يعني: تَرخِيم علمٍ مُرَكَّبٍ تركيب إسنادٍ، وهو المنقول من جملة، وهذا كما سبق: (وَجُمْلَةٌ وَمَا بِمَْزجٍ رُكِّبَا) وقبل ذلك قال: (وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ).

إذاً: قد يكون منقولاً من جملةٍ اسمية أو فعلية، حينئذٍ إذا رخَّمْت تَحذف الجزء الثاني، سواءٌُ كان فعلاً أو كان اسماً .. مطلقاً في الاسمية والفعلية، (وَقَلَّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) ترخيم علمٍ مُرَكَّبٍ تركيب إسنادٍ، وهو منقولٌ من جملةٍ: (تأبَّط شراً .. يا تأبَّط شراً) تقول: (يا تأبَّط) وتحذف (شَراً)، (شاب قرناه .. يا شاب) وتحذف (قرناها)، إذاً: يكون بحذف الكلمة الثانية. (وَقَلّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) هل بيَّن كيف يُرَخَّم أم لا؟ قد يُحال إلى السابق: (وَالعَجُزَ احْذِفْ) .. قد يُقال بأنه تَحذف العَجُز، لكن إذا رددناه إلى السابق حينئذٍ قوله: (مِنْ مُرَكَّبٍ) لا نَخصُّه بتركيب مزجي، وإنما نَعمُّ الطرفين من أجل أن يكون قوله: (احذف العَجُز) عامَّاً، يَشمل ما رُكِّب تركيب مزجٍ وما رُكِّب تركيب إسنادٍ، إذاً تشمل هذه: مِنْ مُرَكَّبٍ إذا قلنا: (وَقَلّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) حينئذٍ إمَّا أن نُدخِله في قوله: (مُرَكَّبٍ)، وإمَّا أن نُحيل على ما سبق، فنقول قوله: (احذف العجز من مُرَكَّبٍ) فيعُم هذا: تركيب مزجٍ، وتركيبٍ إسنادٍ، ثُمَّ لئلا يُفْهم أنهما مستويان في القلة والكثرة، قال: (وَقَلّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) هذا مُحتمل ولا إشكال، فإذا حَمَلنا (مُرَكَّبٍ) على أنه مُرَكَّب مزجٍ فقط، حينئذٍ قوله: (وَقَل تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ) لم يُبيِّن كيفية الترخيم، لكن لمَّا كان مُرَكَّباً تركيباً إسنادياً فأقرب ما يُحمَل عليه هو المُرَكَّب التركيب المزجي، فيكون قد دَلَّ بالأول على الثاني، وإن لم يَنُصَّ عليه. (وَقَلّ تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ وَذَا عَمْرٌو نَقَلْ) .. وَذَا عَمْرٌو نَقَل، (ذَا) مبتدأ أول، و (عَمْرٌو) مبتدأ ثاني، و (نَقَلْ) يعني: نقل عن العرب، (نَقَلْ) خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. (وَذَا عَمْرٌو)، (ذَا) الذي هو تَرخِيم الجملة إذا كانت عَلَماً، (عَمْرٌو) الذي هو (سيبويه) .. هذا اسمه، سيبويه: (عمرو بن عثمان بن قُنْبُر الفارسي) وكنيته: (أبو بِشْرٍ) و (سيبويه) لقبه .. (سيب .. سيبويه)، (سِيْبَ) بمعنى: تفاح و (ويْه) بمعنى: رائحة .. رائحة التفاح، لأن الإضافة في لغة العَجَم على قلبها في لغة العرب، عندهم المضاف إليه مُقَدَّم على المضاف: (غلام زيدٍ .. زيدِ غلامُ) هكذا، هذا مثله: (سيب .. سيبويه) يعني: تفاح رائحة .. رائحة التفاح، هكذا قيل.

(وَذَا عَمْرٌو نَقَلْ) يعني: نقله، الضمير يعود على عمرو، حينئذٍ يكون هو الرابط بين المبتدأ الأول والجملة، نَقَله، أي: نقل ذا، الذي هو ترخيم الجملة، نقل ذا عن العرب، وأكثر النحويين لا يُجيزون تَرخِيم المُرَكَّب المضمَّن إسناداً كـ (تأبَّط شراً) وجَوَّزه ابن مالك رحمه الله تعالى بناءً على ما نقله عمروٌ وهو سيبويه، لأنه في باب الترخيم لم يُجَوِّز، هو سيبويه نفسه في الكتاب، قال: "لا يجوز ترخيم الجملة الإسنادية"، وفي باب النسب لمَّا ذَكَر المُرَكَّب الإسنادي (تأبَّط شراً) قال: " يُقال في النسب إليه (تأبَّطِيٌّ) حيث قال العرب (يا تأبَّط) "، فَفَهِم ابن مالك ما لم يَفْهَمُه الكثير: وهو أنه في باب الترخيم مَنَع، ولكنَّه في باب النسب نَقَل عن العرب .. جعله أصلاً وقاس عليه النسب. إذا قيل: (تأبَّط شراً) وأردت النسبة إليه تَحذف عَجُز الكلمة، فتقول: (تأبَّطِيٌّ) حذفت (شراً) قاسه سيبويه على ما سُمِع في لسان العرب .. في الترخيم: (يا تأبَّط) إذاً: هو مَسْمُوعٌ، لَكنَّه لم يُجوِّزه في باب الترخيم، حينئذٍ ابن مالك رأى أن عَدَم تَجويزه في باب الترخيم هذا رأي، وما ذَكَره في باب النسب هذا نقلٌ، حينئذٍ لا مانع أن نقف مع نقله ولا نأخذ برأيه، هو مَنَع لكنَّه نقل، حينئذٍ نقول: لا بأس أن نأخذ بنقله، لأنه خاطب وشافه العرب فسمع منهم، إذاً: سمع أنهم قالوا: (يا تأبَّط) بالترخِيم، حينئذٍ هو المعتمد، وأمَّا رأيه أجاز أو لا هذا رأيه له، ولذلك: العبرة بِما روى لا بما رأى، فإذا نُقِل عن العرب فهو الأصل. هنا قال: والذي نَصَّ عليه سيبويه في باب الترخيم أن ذلك لا يجوز، وفَهِم المُصنِّف عنه من كلامه في بعض أبواب النسب جواز ذلك، حيث قال نَصَّاً سيبويه، قال: "تقول في النسب إلى تأبَّط شراً: (تأبَّطيٌّ) لأن من العرب من يقول: (يا تأبَّط) " مُنَادى .. حينئذٍ حذف العَجُز، فَدَل على أنه يُرَخَّم، إذاً: هذا هو الأصل، فتقول في (تأبَّط شراً) (يا تأبَّط). إذاً: وَالْعَجُزَ احْذِفْ مِنْ مُرَكَّب وَقَلّ ... تَرْخِيمُ جُمْلَةٍ .......... قليل جَوَّزه ابن مالك لكنه على قِلةٍ، نَحو: (تأبَّط شراً) .. فتقول: (يا تأبَّط)، و (برق نحره .. يا برق)، (وَذَا عَمْرٌو نَقَل) يعني: نَقَله عن العرب. قال الشارح: تَقَدَّم أن المُرَكَّب تركيب مزجٍ يُرَخَّم، وذكر هنا أن ترخيمه يكون بِحذف عَجُزه، تَقَدَّم أن المُرَكَّب تركيب مزجٍ يُرَخَّم، بالمفهوم .. لم يَنُص على ذلك ابن مالك قال: (دُونَ إضَافَةٍ وإِسْنَادٍ مُتَمْ) حينئذٍ بالمفهوم، لم يَنُص على ذلك، وهنا نَصَّ عليه، فَصَرَّح بالمفهوم السابق مع بيان كيفية الترخيم. " فتقول في (معدي كرب) (يا معدي)، بحذف الجزء الثاني، وتَقدَّم أيضاً أن المُرَكَّب تركيب إسنادٍ لا يُرَخَّم، وذكر هنا أنه يُرَخَّم قليلاً - (وَقَلّ) نَصَّ .. وأن عمراً يعني: سيبويه نقل ذلك عنه، والذي نَصَّ عليه سيبويه في باب الترخيم أن ذلك لا يجوز. ثم قال رحمه الله: وَإِنْ نَوَيْتَ بَعْدَ حَذْفِ مَا حُذِفْ ... فَالْبَاقِيَ اسْتَعْمِلْ بِمَا فِيهِ أُلِفْ

إذاً: بَقِي نوعٌ واحد مِمَّا يُرَخَّم، وهو: ما يُرَخَّم بِحذف كلمةٍ وحرفٍ وهو (اثنا عشر) و (اثنتا عشرة) فقط إذا سُمَّي بهما، حينئذٍ تَحذف العَجُز والألف، فتقول: (يا اثن .. يا اثنت)، تَحذف الألف والجزء الثاني، (اثنا عشر .. يا اثنا عشر)، إذا أردت أن تُرَخِّمه تقول: (يا اثْنَ .. يا اثْنُ) وتَحذف (عشر والألف) لماذا؟ لأن (عشر) هذا في مَقَام التنوين، فلا يكفي أن يكون ترخيماً، فلا بد من حذف شيءٍ من الجزء الأول .. الصدر، فتحذف منه الألف. إذاً: الأقسام صارت رباعية: ما يُرَخَّم بحذف حرفٍ واحد .. ما يُرَخَّم بحذف حرفين .. ما يُرَخَّم بحذف كلمة .. ما يُرَخَّم بحذف كلمة وحرفٍ. ثُمَّ في المُرَخَّم بعد الترخيم لغتان في لسان العرب وهما: ما يُعَنْوَن لهما بلغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، من ينتظر يعني: ينتظر المحذوف .. ينويه، ولذا عَبَّر هنا الناظم بالنِّية، يعني: يَحذف الحرف والحرفين ويُقَدِّر وجوده، حينئذٍ المحذوف كالموجود هنا، وإن لم يكن لعلَّة تصريفية، وأمَّا من لا ينتظر فيقطع الكلمة، يَجعل الكلمة كأنها موضوعة على تلك الحروف، ينبني عليه أنه إذا راعى المحذوف فيقول: (يا جَعْفَ) بفتح الفاء لأنه يقول: (يا جَعْفَرُ) إذاً: حذف الراء وهو ينتظر، يعني: ينوي المحذوف، إذا نوى المحذوف حينئذٍ يُبقِي الفاء على حالها، فيقول: (يا جَعْفَ) ولا يجوز تغييرها، هذا على لغة من ينتظر، ينتظر ماذا؟ ينتظر المحذوف أو ينوي المحذوف. وعلى لغة من لا ينتظر المحذوف حينئذٍ جَعَل المحذوف نسياً منسياً، لم ينوه ولم يلتفت إليه، حينئذٍ يُعامل الموجود مُعاملة كلمة تامة، كأن الكلمة أول ما وُضِعَت: (جَعْفُ) حينئذٍ صار مثل: (زَيْدُ)، و (زَيْدُ) هذا يكون مبنياً على الضَّمِّ، فيبنيه على الضَّم، فيقول: (يا جَعْفُ .. يا حَارُ .. يا مَنْصُ .. يا مِسْكُ) كلها يبنيها على الضَّم، كأن آخر الكلمة (الفاء) من (جعفُ) .. كأنها هكذا وُضِعَت ابتداءً لم يَحذف شيئاً، حينئذٍ يبنيه على الضَّم، يقول: (يا جَعْفُ .. يا مَنْصُ .. يا مِسْكُ .. يا حَارُ .. الخ) هذه لغة من لا ينتظر، يعني: لا ينتظر المحذوف. (وَإِنْ نَوَيتَ بَعْدَ حَذْفِ) بعد الترخيم بالحذف سواءٌ الذي حُذِف حرف، أو حرفان، أو كلمة، أو كلمة وحرف، فشمل الكل. شَمِل ما حُذِف منه حرفٌ نحو: (يا جَعْفُ في جَعْفَر)، وما حُذِف منه حرفان: (يا مَرْوُ .. مَرْوَ في مروان)، وما حُذِف منه كلمة نحو: (يا بَعْلْ في بَعْلَبَّك)، (وَإِنْ نَوَيتَ بَعْدَ حَذْفِ) إذاً: أطلق الحذف هنا فشَمِل الأنواع الثلاثة.

(مَا حُذِفْ)، (مَا) اسمٌ موصول بمعنى: الذي، مفعولٌ لقوله: (نَوَيتَ) .. (وإن نَويَت ما حُذِف) الذي حُذِف من حرفٍ، أو حرفين، أو كلمة، أو كلمة وحرف، إن نويته، أي: نويت ثبوت المحذوف بعد حذفه للترخيم، (فَالبَاقِي اسْتَعْمِل بِمَا فِيهِ أُلِفْ) فاستعمل الباقي بعد الحذف .. استعمله بِما فيه على حاله أُلِف، من فتحٍ أو كسرٍ أو ضَمٍّ، يعني: تُبقِيه على حاله، فتقول في ترخيم حَارِثَة: (يا حَارِ) الباقي بعد الحذف .. حذف الثاء والتاء أبقه كما هو لا تغيره، وفي (مِسْكِ .. يا مسكين) تَحذف الياء والنون، فتقول: (يا مِسْكِ) تبقي الكاف مكسورة كحالها .. بما أُلِف عليه قبل الحذف، وهو كونها مكسورةً، وتقول في منصور: (يا مَنْصُ) .. (سُعَاَد .. يا سُعَا) تبقى كما هي، هذا في لغة من ينوِي. وإن نَوَيْتَ ما حُذِف بعد حذفٍ، (فَالبَاقِي) هذا مفعول مُقَدَّم لقوله: (اسْتَعْمِلْ) .. فاستعمل الباقي .. الباقي من المُرَخَّم، (اسْتَعْمِل بِمَا فِيهِ أُلِفْ) يعني: بالذي أُلِف فيه، (أُلِفْ) هذا صِلَة الموصول لا محل لها من الإعراب، و (فِيهِ) متعلقٌ به، و (مَا) .. الباء هذه للملابسة: جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (اسْتَعْمِل)، و (مَا) واقعة على حال، يعني: على حاله الذي أُلِف عليه قبل الحذف .. قبل الترخيم، إن كان مكسوراً فأبقه مكسوراً .. إن كان مفتوحاً فأبقه مفتوحاً .. إن كان مضموماً فأبقه مضموماً، هذه لغة من ينتظر. وَإِنْ نَوَيْتَ بَعْدَ حَذْفِ مَا حُذِفْ ... فَالْبَاقِيَ اسْتَعْمِلْ بِمَا فِيهِ أُلِفْ بما أُلِف فيه قبل الحذف، وتُسمى هذه لغة من ينوِي، ولغة من ينتظر، عبَّر الناظم هنا بالنية، لغة من ينوِي، يعني: ينوي المحذوف، أو لغة من ينتظر، يعني: ينتظر المحذوف. وَاجْعَلْهُ إِنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفَاً كَمَا ... لَوْ كَانَ بِالآخِرِ وَضْعَاً تُمِّمَا (وَاجْعَلهُ) أي: الباقي من المُرَخَّم، أو الضمير عائد على الحرف الذي قبل المحذوف، (اجْعَلهُ) يعني: الحرف الذي قبل المحذوف، (إنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً) ما هو المحذوف؟ الحرف، أو الحرفان، أو الكلمة، أو الكلمة والحرف، إن لم تنوه .. لم تنتظره، (اجْعَلهُ) الضمير هنا: مفعول أول، (كَمَا لَو كَانَ) .. (كَمَا لَوِ الاَّ عُدِمَا) .. هذا مثله، الكاف هنا داخلة على (ما) زائدة، و (لَو) هذه مصدرية، لأن المصْدَري لا يدخل على الحرف المَصْدَري، حينئذٍ إمَّا أن نَجْعل (لَو) زائدة أو (ما) زائدة .. واحد منهما. (كَمَا) نقول: هذه زائدة، و (لَو) حرف مصدر، حينئذٍ الكاف داخلة على المصدر، يعني: ككون الآخر مُتَمَّمَاً وضعاً، يعني: تَجعل الآخر كأنه آخر ما وُضِعت عليه الكلمة، (وَاجْعَلهُ إنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً) اجْعَلهُ أي: الباقي من المُرَخّم كما لو كان الباقي بالآخر – أي: آخره بعد الحذف- تُمِّمَ وضعاً يعني: في الوضع، (وَضْعاً) هذا منصوب على التمييز أو حال، (تُمِّمَا) الألف هذه للإطلاق، أي: كالاسم التام الموضوع على تلك الصيغة، فيُعْطى آخره من البناء على الضَمِّ وغير ذلك من الصحْة والإعلال ما يستحقه لو كان آخراً في الوضع.

إذاً: كأن (جَعْفَ) (الفاء) هذه هي آخر الكلمة، كأنها مثل (زيد) .. كأن الواضع وضع هذه الكلمة على ثلاثة أحرف، حينئذٍ ماذا تصنع إذا قلت: (يا جَعْفَ)؟ تبنيه على الضَّم فتقول: (يا جَعْفُ .. يا مِسْكُ .. يا مَنْصُ) فتُقدِّر الضَمَّة هنا، لأن هذه الضَمَّة في الأصل ليست ضَمَّة بناء: (مَنْصُ) ليست الضَمَّة ضَمَّة بناء، وإنما هي حركة بِنْيَة، فإذا نَويَت ضَمَّه حينئذٍ حذفت هذه الضَمَّة وجئت بضَمَّة بناء، فقلت: (يا مَنْصُ). إذاً: (يا مَنْصُ) يحتمل على اللغتين، (مَنْصُ) بهذا اللفظ يَحتمل أنه على لغة من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، إن جَعَلْت الضَمَّة هذه ضَمَّة بِنْيَة فهي لغة من ينتظر، وإن جَعَلتها ضَمَّة بناء فهي لغة من لا ينتظر. (وَاجْعَلهُ إِنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً) اجعله ككون الآخر مُتَمَّمَاً وضعاً، أي: كالاسم التام الموضوع على تلك الصِيغَة، وحينئذٍ يُبنى على الضَّمِّ، ويُعَامل معاملة الموضوع على هذا اللفظ. (فَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ) أي: على الوجه الأول .. وهو مذهب من ينتظر .. لغة من ينتظر، (فِي ثَمُودَ يا ثَمُو)، ثَمُودَ تقول: (يا ثَمُو) بإثبات الواو، والأصل: أنه لا يوجد كلمة .. اسمٌ مُعرَب آخره ألفٌ لازمة البتًّة .. لا يوجد في لسان العرب، قيل: إلا (سمندو) و (قمندو)، أما اسمٌ مُعرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة لا يوجد إلا ويجب قلب الواو والياء والضمة كسرة، لا بُدَّ من القَلْب .. لا بد من الإعلال، وحينئذٍ إذا قيل: (يا ثَمُو) على لغة من ينتظر، هل يرد هذا الإيراد؟ نقول: لا، لا يَرِد؛ لأن الكلمة هنا: (يا ثَمُو) مع انتظار ونية الحرف المحذوف، حينئذٍ الواو هذه هل هي آخر حقيقةً أم حشواً؟ حشواً، لأنه على لغة من ينتظر، فلا يَرِد الإيراد بأنه كلمة مُعرَبة آخره واوٌ قبلها ضمة لازمة، نقول: هذا ليس بوارد، لأن هذه الواو صارت حشواً على لغة من ينتظر. (فَقُلْ) هذا الفاء للتفريع، قل على الوجه الأول، (الأَوَّلِ) هذا صفة لموصوفٍ محذوف .. على الوجه الأول، وهو مذهب من ينتظر، في ترخيم (ثَمُود) (يا ثَمُو) بإبقاء الواو لأنها محكومٌ لها بِحكم الحشو .. بنية المحذوف، فلم يَلْزم مُخالفة النضير، يعني لا نقول: لا نضير له في لسان العرب، كلمة اسمٌ مُعْرَب آخره واو لا نضير له، نقول: لا، هذا الإيراد ليس بواردٍ. (وقُل: (يا ثَمي) على الوجه الثاني (بياء)، يعني: بقلب الواو (ياءً) على لغة من لا ينتظر، لأننا إذا عَاملناها مُعاملة اللفظ الموضوع حينئذٍ ورَدَ الإيراد: ليس عندنا اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة، إذاً وجب قلب الواو ياءً كأن اللفظ هكذا وُضِع أول ما تَكَّلَم الناطق به قال: (يا ثَمُو) فوجب قلب الواو ياءً، لأنه ليس عندنا حرف مُنتظر أو منوي، فبقيت الكلمة على حالها. وقل: (يا ثَمي) بقلب الواو ياءً على الوجه الثاني، (بِيَا) أي: بقلب الواو ياءً لتطرفها بعد ضَمَّة وإلا لزم عَدَم النضير.

إذاً: قَسَّم لنا الناظم هنا المُرَخَّم بعد ترخيمه إلى لغتين: لغة من ينوي المحذوف، وهي التي تُسمى: من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، فأشار إلى الأول بقوله: وَإِنْ نَوَيتَ بَعْدَ حَذْفِ مَا حُذِفْ فَالبَاقِي -من المُرَخَّم- استعمل بما أُلِف فيه .. على حاله الذي نَطَق به الناطق، ومعنى البيت: أنك إذا نويت المحذوف للترخيم فاترك الحرف الذي قبله على حاله قبل الحذف، واستعمله كما كان قبل الحذف. (وَاجْعَلهُ إِنْ لَمْ تَنْوِ مَحْذُوفاً)، (مَحْذُوفاً) هذا مفعول به لـ: (تَنْوِ)، و (تَنْوِ) مجزوم بِحذف حرف العلَّة. (كَمَا لَوْ كَانَ بِالآخِرِ وَضْعاً تُمِّمَا) تُمِّمَ من جهة الوضع، ومعنى البيت، أي: اجعل الحرف الذي قبل المحذوف إذا لم يُنْوَ المحذوف كما لو كان آخر الكلمة، فيتعيَّن بناؤه على الضمِّ، كما تُضَمُّ دال (زَيْد) و (جعفر) قبل الترخيم، تقول: (يا جَعْفَرُ) هل يَجوز فيه وجهان؟ لا يَجوز .. لا يُقال: (يا جَعْفَرَ) وإنما يُقال: (يا جَعْفَرُ) ببنائه على الضمِّ، لأن الكلمة هكذا، لو رخَّمتها: (يا جَعْفَ) جاز لك الوجهان، إذا نويت المحذوف حينئذٍ تقول: (يا جَعْفَ) تُبقِي الفاء على حالها قبل الحذف، وهو كونها مفتوحة، حينئذٍ كيف نُعرِبه (يا جَعْفَ)؟ (يا) حرف نداء، (جعف) مُنَادى مبنيٌ عل الضمِّ .. أين الضَمُّ؟ على الراء المحذوفة .. على الحرف المحذوف، لماذا نُقدِّره عليه؟ لأنه منوي، وإذا قلت: (يا جَعْفُ) مبني على آخره، أين آخره؟ الفاء، إذاً: صار آخره، فرقٌ بينهما في الإعراب. فَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ فِي ثَمُودَ يَا ... ثَمُو وَيَا ثَمِي عَلَى الثَّانِي بِيَا قال الشارح هنا: يجوز في المُرَخَّم لغتان، إحداهما: أن ينوَى المحذوف منه، والثانية: ألا ينوَى، ويُعَبَّر عن الأولى بلغة من ينتظر الحرف، وعن الثانية بلغة من لا ينتظر الحرف، فإذا رخَّمْت على لغة من ينتظر تركت الباقي بعد الحذف على ما كان عليه من حركة أو سكون، فتقول في جعفرٍ: (يا جَعْفَ) أبقيت الفاء على حالها -فتح -، وفي حارثٍ: (يا حَارِ) بكسر الراء كما هي، وفي قِمَِطْرٍ بالسكون: (يا قِمَطْ) وفي منصور: (يا مَنْصُ) بالضمة. وإذا رخَّمْت على لغة من لا ينتظر عَامَلت الآخر بما يُعامل به لو كان هو آخر الكلمة وضعاً - في الوضع .. التمييز- فتبنيه على الضمِّ وتُعامله مُعاملة الاسم التام فتقول: (يا جَعْفُ) بضَمِّ آخره، كما تقول: (يا زَيْدُ) و (يا حارُ) و (يا قِمَطُ) و (يا مَنْصُ) حينئذٍ (يا مَنْصُ) تُقَدِّر الضمَّة. بضَمِّ الفاء والراء والطاء، و (يا مَنْصُ) بالضّمِّ في الجميع كما لو كانت أسماءً تامة لم يُحْذفَ منها شيء.

لو كان ما قبل المحذوف مُعتلاً قَدَّرت فيه الضمَّ على هذه اللغة، فتقول في ناجية: (يا نَاجِيْ) بالإسكان، لأنه ما يظهر عليه الضمّ، حينئذٍ على لغة من لا ينتظر تقول: (يا نَاجِي) تُقدِّر الضمَّة .. تنويها، إذاً: هذا صار مثل (مَنْصُ)، إذا سمعت (يا مَنْصُ) يَحتمل أنه على لغة من ينتظر ولغة من لا ينتظر، لأن الحكم واحد، (يا نَاجِي .. يا ناَجِيَ) نقول: هنا كذلك يَحتمل، فتُقدِّر الضمَّة كما تُقدِّرها في الصاد. وهو علامة تقدير الضمِّ، ولو كان مضْمُوماً قَدَّرَت ضَمَّاً غير ضَمَّة الأول نحو: (يا مَنْصُ). وتقول في (ثَمُود) على لغة من ينتظر الحرف: (يا ثَمُوْ) بواوٍ ساكنة، وعلى لغة من لا ينتظر تقول: (يا ثَمي) فتقلب الواو ياءً والضمَّة كسرة، لأنك تُعامله معاملة الاسم التام، وإذا كان اسماً تاماً حينئذٍ لا يوجد عندنا اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة، لا يوجد اسمٌ مُعْرَب، أمَّا فعلٌ فيوجد (يدعو) آخره واو لازمة، مُعْرَب لا مبني، أمَّا المبني فيوجد (هو) و (ذُو الطَائِيَّة) في حالة البناء. آخره واوٌ لازمة، أمَّا غير اللازمة فموجود: (هذا أخوك) (أخو) هذه آخره واوٌ لكنَّها ليست لازمة؛ لأنها تنقلب ألفاً: (رأيت أخاك) وتنقلب ياءً (مررت بأخيك) إذاً ليست بلازمة، يعني: تنتقل عن الأخ فيكون ياءً أو ألفاً. واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة، وأمَّا إذا لم يكن قبلها ضَمَّة بل ساكن، فهو موجود في لسان العرب نحو: (دلْوٌ) دلْوٌ هذا آخره واوٌ .. اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ، لكن ليس قبله ضَمَّة، وهذه الواو لازمة، لأنها من أصل الكلمة (دلوٌ)، وكذلك (ضبيٌ). إذا وُجِد اسمٌ مُعْرَب آخره واوٌ لازمة قبلها ضَمَّة وجب قلب الواو ياءً، والضَمَّة كسرة، ولذلك: (يا ثَمُوْ) الواو ساكنة وقبلها ميمٌ مضمومة، وجب قلب الواو ياءً حينئذٍ يُقال: (يا ثَمُي) وجب قلب الضمَّة كسرة لمناسبة الياء. وَالتَزِمِ الأَوَّلَ فِي كَمُسْلِمَهْ ... وَجَوِّزِ الْوَجْهَينِ فِي كَمَسْلَمَه يعني: قد يَعترِي اللغتين ما يُوقع في اللبْس، فإن أوقع شيءٌ من إحدى اللغتين السابقتين في اللبْس وهو الاختلاط: المُذكَّر بالمؤنَّث، والمؤنَّث بالمذكَّر، حينئذٍ التُزِم أحد اللغتين، ويُعدَل إلى الأخرى، (وَالتَزِمِ الأَوَّلَ فِي كَمُسْلِمَهْ) يعني: ما لَحقه تاء الفرق بين المُذكَّر والمؤنَّث، حينئذٍ إذا قيل: (مُسْلِمه) هنا يلتزم الوجه الأول، لو رُخِّم فقيل: (يا مُسْلِمَ) هذا يتعيَّن أن أصله: (مُسْلِمَةُ) إذا قيل: (يا مُسْلِمَ) بفتح الميم هذا يتعيَّن أنه مؤنَّث، لأنه مُرَخَّم بحذف آخره، ما الذي دلنا على أنه مُرَخَّم؟ فتح الحرف الأخير، إذ لو كان غير مُرَخَّمٍ لقال: (يا مُسْلِمُ) مثل: (يا زَيْدُ) و (يا جَعْفرُ) لكن لمَّا قال: (يا مُسْلمَ) بفتح الميم حينئذٍ عَلمْنا أنه مُرَخَّم وأن أصله مؤنَّث.

في هذه الحالة يجب التزام لغة من ينتظر، لا يجوز إجراء هذا اللفظ: (يا مُسْلمَ) على لغة من لا ينتظر، لأنك لو عَاملته بِمعاملة لغة من لا ينتظر لقلت: (يا مُسْلمُ) حينئذٍ لا يُدْرى أن ثَمَّ تَرخِيماً، فاختلط المؤنَّث بالمذَكَّر، فيتعيَّن حينئذٍ التزام اللغة الأولى، ولذلك قال: (وَالتَزِمِ الأَوَّلَ) وهو لغة من نوى المحذوف، لا بُدَّ أن تنو المحذوف (فِي كَمُسْلِمَهْ) في مثل .. الكاف اسمية، (في مثل مُسلِمَة) وهو ما كان اللفظ مُتصلاً به تاء التأنيث الدالة على الفرق بين المذَكَّر والمؤنَّث، لأنك لو ضممت آخره على لغة من لا ينتظر حينئذٍ التبَس المذَكَّر والمؤنَّث. (وَجَوِّزِ الوَجْهَينِ) لغة من ينوي ومن لا ينوي على الأصل، ولو تركه لبقينا على الأصل، (فِي كَمَسْلَمَه) مَسْلَمة وحَمْزَة وطَلْحَة، (مَسلَمَه) هذا عَلَم وهو مختومٌ بالتاء، حينئذٍ يجوز فيه الوجهان، لأن (مَسْلَمَ .. مَسْلَمُ) هذا لا يلْتبِس، أمَّا الأول (مُسْلِم) هذا واضح أن ضَمَّ الميم في الأول أنه اسم فاعل من: أسَلَم يُسْلِم فهو مُسْلِم، والتاء داخلة للفرق، أما (مَسْلَمَة) و (حَمْزَة) و (طَلْحَة) إذا حُذِفت منه التاء حينئذٍ لا يلتبس بغيره. (وَجَوِّزِ الوَجْهَينِ فِي كَمَسْلَمَه) في مثل .. (فِي) هنا داخلة على الكاف، حينئذٍ وجَبَ أن نَجعل الكاف هنا اسمية، يعني: مثل .. في مثل (مَسْلَمَة) بفتح الأول اسم رجل لعدم المحذور، فتقول: (يا مَسْلَمَ .. يا مَسْلَمُ) هذا لا يلتبس، بخلاف (يا مُسْلِمُ) هذا يلتبس، والأكثر فيما جاز فيه الوجهان الوجه الأول .. لغة من ينوِ المحذوف. إذاً: (وَالتَزِمِ الأَوَّلَ)، (التَزِمِ) هذا فعل أمر مبني على السكون المُقَدَّر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التَخلُّص من التقاء الساكنين، و (الأَوَّلَ) هذا مفعولٌ به، وهو صفة لموصوفٍ محذوف (والتزم الوجه الأول) أو (المذهب الأول) وهو لغة من نوى المحذوف. (فِي كَمُسْلِمَهْ)، (وَجَوِّزِ الوَجْهَينِ) جَوِّز أنت .. فعل أمر كذلك مُقَدَّر السكون فيه لاشتغال المحل بحركة التخلُّص من التقاء الساكنين، (الوَجْهَينِ) السابقين فيما هو كـ (مَسْلَمَة) و (حَمْزَة) و (طَلْحَة). قال الشارح: إذا رُخِّم ما فيه تاء التأنيث للفرق بين المذَكَّر والمؤنَّث: كـ (مُسْلِمَه) وجب ترخيمه على لغة من ينتظر الحرف، فتقول: (يا مُسْلِمَ) بفتح الميم، ولا يجوز ترخيمه على لغة من لا ينتظر الحرف، فلا تقول: (يا مُسْلِمُ) بِضَمِّ الميم لئلا يلتبس بنداء المذَكَّر، وأمَّا ما كانت فيه التاء لا للفرق فيُرَخَّم على اللغتين فتقول في (مَسْلَمَة) عَلَماً (يا مسلَمَ .. يا مسلَمُ). وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا ... مَا لِلنِّدَا يَصْلُحُ نَحْوُ أَحْمَدَا هذا خاتمة الباب. (وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا)، (لاِضْطِرَارٍ) هذا مفعول لأجله، في الأصل (رخموا لاضطرارٍ)، (لاِضْطِرَارٍ) جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (رَخَّمُوا).

(رَخَّمُوا لاِضْطِرَارٍ مَا لِلنِّدَا) دون نداء، (مَا لِلنِّدَا) ما يصلح للنداء، (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، في محل نصب مفعول به، رخَّموا ماذا؟ رخَّموا (مَا) هذا مفعولٌ به، (وَيَصْلُحُ) صلة الموصول، و (لِلنِّدَا) مُتعلِّقٌ بـ (يَصْلُحُ). إذاً تركيب الكلام: (رخَّموا ما يَصلُح للنداء دون نداء لاضطرارٍ)، فذَكَر شرطين من شروط جواز الترخيم دون نداء: أولاً قال: (ما يصلح للنداء) يعني: بشرط كون المُرَخَّم صالحاً للنداء، يعني: لو دَخَلَت عليه (يا) صَلُح، نحو: (أحمد .. يا أحمد) يَصلُح أن يُنَادى، تقول: (يا أحمد) إذاً: مُنَادى مبني على الضَمِّ، (يا الغلام) لا يصلح، إذاً: يَصِح تَرخِيم (أحمد) دون نداء، لأنه لو دَخَلَت عليه (يا) النداء صَحَّ النداء، (الغلام) هل يصح ترخيمه أو لا؟ (يا الغلام) نقول: دخلت عليه (أل) وحرف النداء لا يدخل على ما فيه (أل) إذاً: لا يجوز ترخيم (الغلام) لاضطرارٍ، لا بُدَّ أن يكون صالحاً للنداء. (لاضطرارٍ لا في السعة) إذاً: لا بُدَّ أن يكون مُضْطرَّاً إليه، فلا يجوز ذلك في السعة. الشرط الثالث: أن يكون إمَّا زائداً على الثلاثة، أو بتاء التأنيث، ولا تُشتَرط العَلَمية ولا التأنيث بالتاء، يعني: لا يُشترط هنا؛ لأنه ليس ترخيماً اصطلاحياً، وإنما هو من باب الضرورة، وإذا قيل: (لاِضْطِرَارٍ) يعني: في الشِّعْر خاصة، لا في سِعَة الكلام، وإذا كان كذلك حينئذٍ لم يكن الترخيم اصطلاحياً ونرجع إلى الأصل: وهو أن ما جاء مُرَخَّماً في الشِّعْر لا بُدَّ من ضَبْطِه بِما ورد فيه، يعني: يُنظَر في أحواله فتؤخذ منه الشروط فتُجْعَل شروطاً في صحته، وما عداه فيبقى على المنع. قلنا: (لاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا) أطلَقه فَلَم يَشتَرط العَلَمية والتأنيث بالتاء، اقتضى كلامه هنا: (ورخَّموا لاضطرارٍ دون نداء): أن هذا الترخيم جائزٌ على اللغتين: لغة من ينتظر، ولغة من لا ينتظر، وهو على لغة التمام إجماعٌ، يعني: على لغة من لا ينتظر هذا محل وفاق، وأمَّا على لغة من ينتظر فأجازه سيبويه ومنعه المُبَرِّد. إذاً قوله: (رَخَّمُوا) ثُمَّ في الترخيم لغتان، أطلق الناظم كأنه يَجوز على اللغتين مُطلقاً، فإذا رخَّم في الشِّعْر جاز أن يرخِّمه على لغة من ينتظر وعلى لغة من لا ينتظر، أمَّا لغة التمام وهي من لا ينتظر، هذا جائزٌ بالإجماع، وأمَّا على لغة من ينتظر فهذا فيه خلاف، أجازه سيبويه ومنعه المُبَرِّد. (وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا)، (دُونَ نِدَاءٍ) قَصَره للضرورة، و (دُونَ) هذا ظرفٌ مُتعلِّق بِمحذوف حالٌ من (مَا) .. من المفعول به، لأن أصل التركيب: (رَخَّمُوا ما يصلح للنداء دون نداءٍ لاضطرارٍ). (نَحْوُ أَحْمَدَا) الألف للإطلاق، يعني: وذلك نحو، (نَحْوُ) خبر مبتدأ محذوف. قال الشارح: " قد سبق أن الترخيم حذف أواخر الكَلِم في النداء. هذا الأصل، إذاً إذا حصل لا في النداء لم يكن هو الترخيم الاصطلاحي معنا هنا. وقد يُحذف للضرورة آخر الكلمة في غير النداء، لكن بشروطٍ ثلاثة، بشرط: كونها صالحة للنداء كـ (أحمد) فلا يجوز حينئذٍ في (الغلام) فلا يُرَخَّم، (الغلام) لا يصح، ومنه قوله:

لَنِعْمَ الفَتَى تَعْشُو إِلَى ضَوءِ نَارِهِ ... طَرِيفُ بْنُ مَالٍ لَيْلَةَ الْجُوعِ وَالخَصَر أي: طريف ابن مالكٍ، (مالٍ .. مالكٍ) فحذف الكاف وجعل ما بقي من الاسم بِمنزلة اسمٍ لم يُحْذَف منه شيء، ولذلك نوَّنه. لَيسَ حَيٌّ عَلَى المَنُونِ بِخَالِ .. يعني: (بِخالدٍ). قال في التسهيل: ولا يُرَخَّم في غيرها - يعني: في غير الضرورة - منادى عارٍ من الشروط إلا ما شَذَّ" أي شروط؟ الثلاثة السابقة: كون الكلمة صالحة للنداء للضرورة .. أن يكون إما زائداً على ثلاثة أحرف، أو بتاء التأنيث. إلا ما شَذَّ من نحو: (يا صاح) و (أطرق كرا)، (أطرق كرا) سبق معنا و (يا صاح) .. يَا صَاحِ شذَّ لمعنًى فِيهِ بِاصْطِلاحِ نقول: هذا شَاذ، لكنَّه لكثرة استعماله وخاصةً في الشِّعْر (يا صاح .. يا صاح شمِّر) نقول: لكثرة استعماله عُومِل مُعاملة العَلَم، حينئذٍ حُذِف منه الأخير وهذه هي علته، وإلا في الأصل: أنه لا يُرَخَّم إلا في الشِّعْر خاصة لاضطرار. إذ الأصل: (صاحب) و (كروان) فَرُخِّما مع عَدَم العَلَمية شذوذاً. لكن الأشهر أنه لا يُشترط إذا رُخِّم لا في باب النداء أن يكون عَلَماً، ولا مستوفياً للشروط السابقة، وأما (صَاحِ) لماذا نَصَّ ابن مالك هنا على أنه شاذ؟ لأنه ليس بعَلَم، ونحن نقول: (وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا) نقول: خالفوا الأصل، لأنه إذا اسْتُعْمِل صاحب في الشعر يؤتى بـ: (يا) النداء، ونحن الآن بحثنا فيما رُخِّم دون نداء، فلا يُشترط فيه العَلَمية. وهنا قال في: (يا صاح) و (أطلق كرا) إذ الأصل: (صاحب) فَرُخِّم مع عَدَم العَلَمية شذوذاً، إذاً: يا صَاحِ (صَاحِ شَمِّرْ) نقول: (صاح) هذا مُنَادى حُذِفت (يا) النداء، إذاً: ليس بعَلَم هو شاذ، وليس بحثنا في هذا. وَلاِضْطِرَارٍ رَخَّمُوا دُونَ نِدَا ... مَا لِلنِّدَا يَصْلُحُ نَحْوُ أَحْمَدَا ثم قال رحمه الله: الاِخْتِصَاصُ. الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا ... كَأَيُّهَا الْفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أَيٍّ تِلْوَ أَلْ ... كَمِثْلِ نَحْنُ الْعُرْبَ أَسْخَى مَنْ بَذَلْ ونقف على، هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

102

عناصر الدرس * شرح الترجمة (الإختصاص) وحده * أحوال الإسم المخصوص وإعرابه * شرح الترجمة (التحذير والإغراء) ـوحد التحذير * احوال الإسم المحذرمنه , وما شذ منه * حد الإغراء وأحواله. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاَة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم - رحمه الله -: الاِخْتِصَاصُ. أي: هذا باب ذِكْر ما يَتعلَّق بالاختصاص، الاِخْتِصَاصُ (افْتِعَال) كالاجتماع مَصدر: افْتَعَل .. يَفْتَعِل .. افْتِعَالاً، كما يُقَال: اجْتَمَع يَجْتَمِع اجْتِمَاعاً، والأصل: أنه من اخْتصَّ فلانٌ فُلاناً بكذا، أي: قَصَره عليه. وهو في الاصطلاح يُلاحظ فيه معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي، المعنى اللغوي: وهو قَصْر الحكم على بعض أفراد المذكور، وهذا إن كان يُعبِّر به البيانيون عن الحصر، وعندهم القَصْر والحَصْر، وهنا عُبِّرَ بالاختصاص. وهذا مُناسبٌ للفعل الذي يُقَدَّر ناصباً، لأنه يقال كما في الحديث: {إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ} (مَعَاشِرَ) هذا منصوبٌ على الاختصاص، لماذا سُمِّي منصوباً على اختصاص؟ لأن الفعل المضمَّر المُقَدَّر: (أخصُّ) ولم يُعيِّنه سيبويه بـ: (أخصُّ) وإنما قال: " منصوبٌ بـ (أعني) " ولكن جماهير المتأخرين على أنه يُقَدَّر (أخصُّ) ولذلك سُمِّي: اختصاصاً، فيُقال: هو منصوبٌ على الاختصاص. والسيوطي في (جمع الجوامع) جَعَل باب الاختصاص داخلاً في باب المفعول به وهو كذلك، فلمَّا عَرَّف المفعول به وبيَّن أحكامه، قال: " ومنه ما نُصِب على الاختصاص" (منه) أي: من المفعول به، ما نُصِب على الاختصاص، كما فعل ابن هشام في (قطر الندى) لمَّا عَرَّف وذَكَر أحكام المفعول به قال: "ومنه المُنَادى". إذاً: المفعول به أشبه ما يكون بالجنس العام، يدخل تحته المُنَادى، ويدخل تحته الاختصاص. إذ هو مفعولٌ به: {إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ} نقو: (مَعَاشِرَ) هذا مفعولٌ به، إذاً مثل: (ضَرَبْت زَيْداً) لكن لمَّا اخْتصَّ بكونه يُنْصَب بفعل مُضمَّر واجب الإضمار، ثُمَّ هو مُعيَّن في كل موقع، فيُقال: (أخصُّ) و (أعني) حينئذٍ اخْتصَّ ببعض المسائل. إذاً: قَصْرُ الحكم على بعض أفراد المذكور، هذا معناه في اللغة. ولم يجتهد النحاة في تعريفه من جهة الاصطلاح، وإنما يذْكرون هذا المعنى العام، ولذلك الأشْمُوني ذَكَر هذا المعنى، قال: " الاختصاص: قصْر الحكم على بعض أفراد المذكور" وهذا معنى: {نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ} هذا فيه معنى التخصيص، ومعنى قُصُور الحكم على بعض أفراد المذكور، {مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ} هذا الحكم: نفي الإيراث هذا مُختصٌّ بالأنبياء، حينئذٍ نقول: هذا قَصْرٌ للحكم على بعض أفراد المذكور. ولكن بعضهم عَرَّفه بقوله: هو تخصيص حُكمٍ عُلِّق بِضميرٍ مَا تأخر عنه من اسمٍ ظاهرٍ معرفةٍ، معمولٍ لأخصُّ واجب الحذف. (تخصيص حُكمٍ) هذا واضح، لأنه اختصاص، ولأنه قَصْر حُكمٍ على بعض الأفراد، وهذا معناه اللغوي. (عُلِّق بِضمير مَا تأخر عنه) لأنه يُشترط كما سيأتي: أن يَتقدَّم ضمير المتَكلِّم {نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ} .. {إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ} (ارجوني أيُّها الفتى) كما مَثَّل الناظم هنا، فيتقدم أوَّل الكلام ضمير مُتكلِّم، ثُمَّ يأتي بعده هذا المفعول به المنصوب على الاختصاص.

(تأخر عنه من اسمٍ ظاهر) لا يكون ضميراً كما سيأتي، (معرفة) لا يكون نكرة، (معمولٍ لأخصُّ) عَيَّن هنا، ولذلك قيل: باب الاختصاص، معمول لفعلٍ مُضْمَر واجب الإضمار تقديره: أخصُّ. ففي مِثَال الناظم هنا (ارجوني أيها الفتى) (ارْجُونِي) الياء هذه مفعولٌ به (أَيُّهَا الفَتَى) يعني: أخصُّ (أَيُّهَا)، فـ: (أَيُّ) هذا منصوب على الاختصاص، لَكنَّه من جهة المحل، لأنه مبني في اللفظ. إذاً: هذا حقيقته من حيث المعنى الاصطلاحي، والمعنى اللغوي. وأما الباعث له، يعني: لماذا يؤتى به؟ قال النحاة: محصورٌ في ثلاثة أمور: الأول: (الفَخْر عَلَيَّ أيُّها الكريم يُعْتَمَد) .. عليَّ أيها الكريم أخص .. (عليَّ) أتى بياء المُتكلِّم، سواءٌ كانت مجرورة أو منصوبة كما في (ارْجُونِي)، (أيُّها الكريم) (الكريم) اسم جنس مُحلىً بـ (أل) وهو نعت لـ (أيُّ) و (أيًُّ) هو المنصوب على الاختصاص، يعني تَقديره: (عَلَيَّ أخصُّ أيُّها الكريم يعتمد الفقير). الثاني -من باب التواضع-: أنا أيُّها العبد الضعيف مُفْتَقِرٌ إلى عفو الله، (أنا أيها العبد .. أنا أخص أيها العبد). الثالث: بيان المقصود بالضمير: (نَحن) هذا مُبْهَم، الضمائر كلها مبهمة: نحن العُرب أقرى الناس للضيف، وهذا مَثَّل به الناظم لكن .. ؟؟؟ (نَحْنُ العُرْبَ أَسْخَى مَنْ بَذَل) فانظر! جاء لفظ العرب وهو مفعولٌ به لفعلٍ محذوف وجوباً تقديره أخُص، فتقول (العُرْبَ) هذا منصوبٌ على الاختصاص، إذاً: الباعث على الإتيان بهذا التركيب، وهو تركيبٌ صحيح فصيح، ولذلك جاء في السنة: {إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ} إمَّا للفخر، وإمَّا للتواضع، وإمَّا لبيان المقصود بالضمير. الاِخْتِصَاصُ وإنْما ذَكَر هذا الباب بعد أبواب النداء، لماذا؟ قالوا: لشبهه به في اللفظ، كما نَصَّ الناظم قال: (الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ) وسيأتي أن الاختصاص يُفارق النداء في ثماني عشرة موضعاً، والناظم تَرَك كثير من المسائل، أو بعض المسائل التي تَتَعلَّق بهذا الباب، ولذلك المكُودِي في شرحه قال: "قد أجحف الناظم بهذا الباب" لأنه لم يذكر إلا بيتين. قال رحمه الله: الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا ... كَأَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أَيٍّ تِلوَ أَلْ ... كَمِثْلِ نَحْنُ العُرْبَ أَسْخَى مَنْ بَذَلْ (الاِخْتِصَاص) مبتدأ وهو خبر، (كَنِدَاءٍ) جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ، (الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ) يعني: مِثلُ النداء، (دُونَ يَا) (دُونَ) هذا ظرف منصوب على الظرفية، مُتعلِّق بمحذوف نعت، و (دُونَ) هذا مضاف و (يَا) قُصِد لفظه: مضافٌ إليه. إذاً: (كَنِدَاءٍ دُونَ يَا) (دُونَ) هذا نعت لنداء، وهو مضاف و (يَا) مضاف إليه (كقولك) الكاف داخلة على قولٍ محذوف، وهذا دائماً نَقَدِّره إذا كانت الكاف داخلةً على جملة (كقولك) بخلاف إذا كانت داخلة على مفردٍ، (كَأَيُّهَا الفَتَى) هذه الجملة في محل جر قُصِد لفظها، (بِإِثْرِ) حال من (أيُّ).

(ارْجُونِيَا) الألف هذه للإطلاق، يعني: (أَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ) يعني: بعد (ارْجُونِيَا) هذا مِثال الاختصاص الذي هو (كَنِدَاءٍ دُونَ يَا) كأنه قال في تركيب المثال: (ارجوني أيُّها الفتى) (ارْجُو) فعل أمر للجماعة مبني على حذف النون و (الواو) فاعل و (النون) للوقاية و (الياء) مفعول، (ارْجُونِي) الياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. و (أَيُّ) مبني على الضَمِّ في محل نصب على المفعولية بأخصُّ، فهو مفعولٌ به مثل (ضَرَبْت زيداً)، لكن الفرق لبعض المسائل بينه وبين المفعول به، والذي يُهْتَمُّ به النحاة أن العامل هنا مُعيَّن وهو (أخصُّ) أو (أعني)، وأن هذا العامل محذوف واجب الحذف، والأكثر في باب الاختصاص: أن يكون المفعول به .. المنصوب على اختصاص .. أن يكون لفظ: (أيُّها) و (أيَّتها) هذا هو الغالب، كثير كما سيأتي. فـ (أَيُّ) مبنيٌ على الضَمِّ في محل نصب على المفعولية بأخصُّ المحذوف وجوباً و (ها) حرف تنبيه و (الفَتَى) مرفوع بِضَمَّة مُقدَّرة على الألف نعتاً لـ: (أَيُّ) تابع للفظها فقط، (أيُّها الفَتَى .. ارجوني أيها الفتى) إذاً (أَيُّهَا): هذا نُصِب على الاختصاص لكن مَحَلاً، لأنه مبنيٌ في اللفظ، و (أَيُّهَا) هي التي في باب النداء هنا ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:104] .. ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) [البقرة:21] هي نفسها ولكن اسْتُعِيرَت هنا لمعنى سيأتي وهو إفادة الخطابية، ثُمَّ اتفقوا هناك على أنها مبنية، وهنا مُخْتَلفٌ: هل هي مبنيةٌ أم مُعْرَبه؟ كما سيأتي. إذاً: (الاِخْتِصَاصُ) وهو خبرٌ (كَنِدَاءٍ دُونَ يَا) يعني: أن الاختصاص شبيهٌ بالنداء، لأنه قال: (كَنِدَاءٍ) إذاً: يُفْهَم منه أن الاختصاص ليس مُنادى، لأن النداء فيه طلب إقبال، وهذا ليس فيه طلب إقبال، إذاً: هو مثل النداء في بعض الأحكام اللفظية، وأمَّا من حيث المعنى فلا، إذاً يعني: أن الاختصاص شبيهٌ بالنداء، وفُهِم منه أنه ليس منادى، لأنه قال: (كَنِدَاءٍ) وإذا قيل (الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ) يعني: مثل نداءٍ، إذاً: ليس منه، هذا هو الظاهر. وفُهِم من قوله: (دُونَ يَا) هذا قيد، يعني: أشبه ما يكون بالصفة التي يُحْتَرَز بها عن غيرها بل هي كذلك، (دُونَ يَا) يعني: الاختصاص لا تدخل عليه (يا) ولا أخواتها، لا لفظاً ولا تقديراً، حينئذٍ نقول: ولو كان .. لأنه قد يَرِد أنه (كَنِدَاءٍ) يعني: أشبه النداء، إذاً: قد يتبادر للذهن أنه يُمكن أن تدخل (يا) على الاختصاص، نقول: لا، لا يُمكن أن تدخل (يا) على المنصوب على الاختصاص. إذاً: وفُهِم من قوله: (دُونَ يَا) أنه لا يَصْحب حرف النداء، وفُهِم من المثال قوله: (أَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونيَا) فُهِم من المثال: أن (أَيَّ) لا توصف باسم الإشارة كما هو الشأن في المنادى هناك، هناك يجوز أن توصف باسم الإشارة وأمَّا هنا فلا، ولا بالموصول، كما في النداء ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:104] وصفت (أَيُّ) بالموصول وهو (الَّذين).

(يا أيُّها الذي قام أبوه) نقول: وصف بـ (الَّذي) أمَّا هنا في باب الاختصاص، ولو كان الاختصاص مِثَل النداء يشبهه إلا أنه لا يُوصَف (أَيُّ) باسم الإشارة ولا بالموصول كما هو الشأن في (أَيُّ) في باب النداء، إذاً: لا تُوصَف باسم الإشارة ولا بالموصول كما في النداء. وفُهِم من قوله: (ارْجُونِي) أنه لا بُدَّ أن يَتقدَّمها كلام وهو كذلك، لأن الفعل الذي يُقَدَّر في الأصل، في الأصل أنه لا يكون إلا مُتوسطاً حَشْواً، إلا في باب الإغراء كما سيأتي: (أخاك أخاك) يعني: الزم أخاك، (الصَّلاَةَ جَامِعَةً) يعني: احضروا الصلاة، فـ (ارْجُونِي) أنه لا بُدَّ أن يَتقدَّمها كلامٌ، لذلك قيَّده الناظم قال: (أَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا). إذاً: لا بُدَّ أن يَتقدَّم على المنصوب على الاختصاص كلامٌ، ولا يكون في أول الكلام، وأنه لا بُدَّ أن يكون فيه ضمير المتَكلِّم، ولذلك خَصَّه من خَصَّه في التعريف السابق: تَخصِيصُ حُكمٍ عُلِّق بضمير ما تأخر عنه، الذي تأخر هنا: (أَيُّهَا الفَتَى) تأخر عن الضمير المُتَقَدِّم، وهو في (ارْجُونِي) الياء. وفُهِم من قوله: (كَنِدَاءٍ) أنه منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ واجب الحذف، لأن المنادى قلنا: منصوب لفظاً أو مَحلاً، والعامل فيه فعلٌ محذوفٌ واجب الحذف، مِثْله هنا لأنه قال: (كَنِدَاءٍ) إذاً: هذه الأحكام كلها مأخوذة من تَصْريح الناظم: ?لاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا ... كَأَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا (ارْجُونِيَا) الألف هذه للإطلاق، (ارْجُونِي) مثل (ادعوني). (الاِخْتِصَاصُ) وهو خبر (كَنِدَاءٍ) لماذا قيل: (كَنِدَاءٍ)؟ أي: جاء على صورة النداء، تفسير وجه الشبه هنا بين الاختصاص والنداء: أن الاختصاص جاء على صورة النداء لفظاً، توسُّعاً، وهذا وجه الشبه بينهما: كونه على صورته غالباً، لأنه سيأتي أنه لا يُسْتَعمل (أيُّ) و (أيَّتها)، الغالب والأصل في باب الاختصاص: أن المفعول الذي يُنصب على الاختصاص (أيُّها) و (أيَّتها) هذا الغالب، إذاً: الاختصاص أشبه النداء في كونه على صورته غالباً، ومن غير الغالب (نَحْنُ العُرْبَ) ما جاءت (أيُّ). حينئذٍ نقول: غالباً يكون المنصوب على الاختصاص (أيُّها) و (أيَّتها) هذا وجه الشبه بين النداء والاختصاص، ولذلك أرى أنَه لو فُصِل الباب عن باب النداء لكان أولى، لأن الأحكام كلها السابقة لا تتأتى في النداء .. لا تتأتى في باب الاختصاص، لكن لا أدري لماذا جعلوا الباب مرتبطاً بالنداء؟! أمَّا الاستغاثة ونَحوها الأمر واضح، يُستعمل بعض أحرف النداء، أمَّا هنا معمول لفعل محذوف (أخصُّ) وهناك (أدعو) إذاً فرقٌ بينهما، على كلٍّ: هذا ما جرى عليه النحاة.

(كَنِدَاءٍ) أي: جَاء صورة النداء لفظاً توسعاً، وهذا وجه الشبه بينهما: كونه على صورته غالباً، لئلا يَرِد أن المنصوب على الاختصاص المقرون بـ (أل) ليس على صورة المنادى، لأنه لا يكون تالياً لـ (أل) .. (نَحْنُ العُرْبَ) ما وجه الشبه هنا؟ ليس فيه شبه، لأن العُرْب هنا لا يُمكن أن يكون تالياً لـ (يا) لأنه مُحلىً بـ (أل)، وأمَّا (أيُّها) و (أيَّتها) يُمكن أن يكون المنصوب على الاختصاص في (أيُّ) و (أيَّتها) أن يكون تالياً لـ (يا) وهذا واضح بَيِّن. ويُمكن أن يكون وجه الشبه بين الاختصاص والنداء: أن كُلاً من الاختصاص والنداء يُوجد معه الاسم تارةً مبنياً على الضَّم، وتارةً منصوب، انظر! تَكلُّف في جَعْل شبه بين النداء والاختصاص، إذاً: نَفْصله ابتداءً، ونقول: هو نوعٌ من المنصوبات ولا يَلزم أن نقول: مِثْل النداء، ثُمَّ نَحكم عليه بأنه كالمنادى، ثُمَّ نأتي ونتكلَّف في وجه الشبه بينهما، لأن الشبه بعيد جداً، كلٌ منهما مُنفصل عن الآخر، ولذلك تَكلَّفوا؛ لأنه في وجه الشبه الأول قول: أنه يأتي المنصوب على الاختصاص بـ (أيُّها وأيَّتها) والمنادى كذلك (يا أيُّها .. يا أيَّتها) قد يرد عليكم (نَحْنُ العُرْبَ) قالوا: هذا من غير غالب، والغالب (أيُّها وأيَّتها). قول آخر في وجه الشبه: أن المنصوب على الاختصاص تارةً يكون مبنياً في اللفظ وهو (أيُّها وأيَّتها)، وتارةً يكون منصوباً (نَحْنُ العُرْبَ) ظَهَر، مثل: يا طالعاً جبلاً .. يا غلام زيدٍ .. (يا أيُّها) هذا مثل (يا زيد)، إذاً: تارةً يكون مبنياً، وتارًة يكون مُعرَباً، يَرد على هذا وجه الشبه: أن عِلَّة البناء هناك ليست هي عِلَّة البناء هنا، (أيُّ) بُنِيت هناك لِعلَّةٍ تقتضي البناء، وهنا مُغايرة، إذاً: ما وجه الشبه؟ لا وجه. كذلك قيل الثالث: أن كلاً منْهما منصوبٌ بِفْعلٍ محذوف وجوباً، وهذا لا يقتضي أن يكون مثله، لأن التحذير قد يُنصَب بِفْعلٍ مَحذوفٍ وجوباً، وكذلك الإغراء قد يكون مُنصوباً بِفعلٍ محذوف وجوباً، إذاً: وجِدَت العِلَّة والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. على كلٍ: الظاهر والله أعلم .. يعني: نَتَجَاسر على النحاة ونقول: لا وجه شبه أصلاً بين البابين: باب الاختصاص مُختَص مُنْفصل، وباب النداء مُنْفَصل، ولذلك أحسن السيوطي أيَّما إحسان عندما قال: " ومنه – أي: المفعول به - ما نُصِب على الاختصاص، من المنصوب مفعولاً به بِفعلٍ واجب الإضمار باب الاختصاص، وقَدَّره سيبويه بـ: (أعني) هذا أولى. إذاً: (الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا) وأخواتها لفظاً ونِيَّةً، كقولكِ: (يَا أَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا) (بِإِثْرِ) يعني: بَعْدَه، حينئذٍ مَثَّل لك بـ (أَيُّ) ومثلها (أيَّتها).

ثُمَّ قال: (وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أيٍّ تِلوَ أَلْ) يعني: النوع الثاني من المنصوب على الاختصاص ليس (أيّ) ولا (أيَّتها)، ودائماً النحاة إذا قدَّروا (أي) حينئذٍ مِثْلُها المؤنَّث، يعني: لا نَحتاج إلى أن يُنَصَّ على النوعين، فيقال: (أيُّها) ومثلها (أيَّتها) وقَدْ لا يكون المنصوب على الاختصاص هو (أي) أو (أيَّتها)، وإنَّما يكون اسماً يأتي بدلاً عن (أيٍّ) مقروناً بـ (أل) ولذلك قال: (وَقَدْ) هذا للتقليل. (وَقَدْ يُرَى ذَا) ما هو (ذَا) المُشار إليه؟ المنصوب على الاختصاص، (وَقَدْ يُرَى ذَا) (يُرَى) هذا مغيَّر الصيغة، و (ذَا) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل، (دُونَ أَيٍّ) مُرَكَّب إضافي منصوبٌ على الظرفية، حال من (ذَا). (وَقَدْ يُرَى ذَا) المنصوب على الاختصاص حالة كونه (دُونَ أَيٍّ) يعني: من غير (أي) (تِلوَ أَلْ) (تِلوَ) هذا مفعول ثاني لـ (يُرَى) لأنه بِمعنى يُعْلمَ، (تِلوَ أَلْ) (تِلوَ) مضاف و (أَلْ) قُصِد لفظه مضافٌ إليه، يعني: بعد (أَلْ) مقروناً بـ (أَلْ) مثل ماذا؟ (كَمِثْلِ نَحْنُ العُرْبَ) (العُرْبَ) هذا جاء (دُونَ أَيٍّ تِلوَ أَلْ) ما جاء نكرة. حينئذٍ نقول: (العُرْبَ) هذا جاء عِوضاً عن (أَيُّ) لأن الأصل في المنصوب على الاختصاص: أن يكون لفظ (أَيَّ)، حينئذٍ (قَدْ) تقليل (يُرَى) المنصوب على الاختصاص من غير أن يكون (أيّاً) ولا (أيَّتها) ولكنه مقروناً بـ (أَلْ) لأنه لا يأتي نكرة كما سيأتي. (كَمِثْلِ نَحْنُ العُرْبَ) (نَحْنُ) مبتدأ (أَسْخَى) هذا خبر بمعنى: أقرى، (مَنْ بَذَلْ) من أعطى، (أَسْخَى) مضاف و (مَنْ) اسم موصول بمعنى: الذي، مضاف إليه و (بَذَلْ) يعني: أعطى، الجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب، (نحن أسخى من بذل) (نحن) من؟ هذا يحتاج إلى بيان، قال: (أخصُّ العرب) يعني: العرب أسخى من بذل، حينئذٍ (العُرْبَ) أو (العَرَب) نقول: منصوبٌ على الاختصاص، وعَامله: فعلٌ مضمرٌ واجب الإضمار لا يجوز ذكره، (العُرْبَ) هذا اسمٌ مُحلىً بـ (أَلْ) هل هذا موافق للأصل؟ لا، ليس موافقاً للأصل، لأن الأصل: أن يكون (أَيّ). إذاً نقول: الاسم المخصوص: وهو الاسم الظاهر الواقع بعد ضميرٍ يَخصُّه، هذا على أربعة أنواع، وكما ذكرنا أن الناظم أجحف بالباب كما قال المكُودِي. الأول: أن يكون (أيُّها وأيَّتها) بل هذا هو الأصل: أن يكون المنصوب على الاختصاص هو لفظ (أيُّها وأيَّتها) فلهما حكمهما في النداء وهو الضَّم، يعني: مبنيان على الضَمِّ لفْظاً، ويلزمهما الوصف باسم مُحلى بـ (أَلْ) لازم الرفع، يعني: لا بُدَّ أن يتلوهما اسمٌ مُحلى بـ (أَلْ) يُعْرَب نعت، اسم جنس مُحلىً بـ (أَلْ) لازم الرفع، نحو: (أنا أفعل كذا أيُّها الرجل) الرجل هنا: اسمٌ مُحلى بـ (أل) وهو نعت لـ (أيُّ)، و (اللهم اغفر لنا أيَّتها العصابة) كذا مثَّل السيوطي في (الجمع): (اللهم اغفر لنا أيَّتها العصابة) عصابة يدعون الله عز وجل، (أيتها العصابة) فـ (العصابة) مُحلىً بـ (أل)، وجاء بعد (أيَّتها)، وأُنٍّث (أيَّتها) لماذا؟ لأن الصفة هنا مؤنَّث .. تابعٌ له.

إذاً: الأصل في الاسم المخصوص الظاهر: أن يكون (أيًّا وأيَّتها) و (أيُّها) للمُذَكَّر و (أيَّتها) للمؤنَّث مُطلقاً، يعني: (أيَّها) للمُذكَّر مُفرداً أو مُثنَّىً أو جمعاً، و (أيَّتها) للمُؤنَّث مُفرداً أو مُثنَّىً أو جمعاً، هذا (أيُّ) .. هذا هو الاسم الأول وهو الأصل الذي يأتي عليه، فلا يَقَع المختصُّ مبنياً على الضَمِّ إلا بلفظ (أيُّها وأيُّتها). إذاً: الاسم المخصوص قَدْ يكون مُعرَباً وقد يكون مبنياً، متى يكون مبنياً؟ إذا كان لفظ (أيُّها وأيَّتها) وما عداه فهو مُعربٌ، والنصب يكون ظاهراً، وأمَّا غيرهما فمنصوبٌ، وناصبه فعلٌ واجب الحذف، تقديره: (أخصُّ) وهذا واضح بَيِّن، وإن كان سيبويه قَدَّره (أعني). ووجه الضَمِّ في (أيُّها وأيَّتها)، لماذا بُنيا؟ قالوا: استصحاب حالهما في النداء، بأن نُقِلا بحالهما عن النداء واستُعمِلا في غيره، وفي المغني: وجه بنائهما على الضَمِّ مشابهتهما في اللفظ (أيُّها وأيَّتها) في النداء، إذاً: ليست هي، وإنما أشبهت (أيُّها) التي تُنْصَب على الاختصاص .. أشبهت (أيّاً) التي يُنَادى بها، هناك صِلَة .. وصْلة، حينئذٍ أشبهت هذه التي معنا تلك، إذاً: ليست هي، ولا يُمكن أن تكون هي أصلاً، لأن تلك تكون مبنيةً على الضمِّ، لأنها منادى وهنا لا. وفي (المغني): وجه بنائهما على الضمِّ مشابهتهما في اللفظ (أيُّها وأيَّتها) في النداء، وإن انتفى هنا مُوجِب بنائهما في النداء، إذاً: مُوجِب البناء هناك مفقودٌ هنا، وإذا كان الأمر كذلك لماذا نقول: هي عينُها .. جئنا بها من المنادى؟ (أيُّ) ليست مخلوقة للنداء فحسب، وإنما تُسْتَعمل في النداء وفي غيرها، تأتي موصولة، وتأتي شرطية، وتأتي استفهامية، إذاً: لا نقول هي مختصة بالنداء، تقع منادى كذلك وصْلة، فالأصل أن نقول: هذا الباب منفك، ولعلَّ هذه هي الشبهة التي أوقعت النحاة، أنهم قالوا: (أيُّ) هي نَفُسها الندائية، الأصل: أنه يُعلَّل البناء بِما عُلِّل هناك، قالوا: لا، عِلَّة البناء غير موجودة، لماذا بُنيت؟ أشبهت (أيُّ). طيب! هي التي جئتم بها، كيف أشبهتها؟ على كلٍّ الكلام غير مُنضَبِط. وموضع (أيُّها وأيَّتها) نصبٌ بـ: (أخُصْ) وهذا مذهب الجمهور: أن (أيُّها وأيَّتها) في اللفظ مضمومان على البناء، وفي المحل منصوبان، وهذا مذهب الجمهور. وذهب الأخْفَش: إلى أنه منادى، وإذا كان منادى لم يَختص ببابٍ مُختصٍ به، وإنما داخلٌ في حد البناء. ولا يُنْكَر أن الإنسان ينادي نفسه، يعني إذا قيل: (ارجوني أيُّها الفتى) قد يأتي في بعض المواضع أنه يُنادي نفسه، وطبعاً الإنسان لا ينادي نفسه، هذا الأصل، ولو نادى نفسه حينئذٍ لا يكون حقيقةً إنما يكون مجازاً، والأخْفَش يقول: أنه منادى ولا يُنْكَر أن الإنسان يُنادي نفسه، لا! يُنْكَر، لماذا؟ لأن النداء إذا كان حقيقةً لا يُمكن أن ينادي نفسه، إذا كان طلب الإقبال ويستعمل (يا) التي للبعيد، ثُمَّ نقول: نادى نفسه حقيقةً، الجواب فيه تَكلُّف. كقول عمر: "كل الناس أفقه منك يا عمر" ليس المراد: عمر ينادي نفسه، واضح هذا المثال، يعني: نزَّل نفسه مُنَزَّلة البعيد أو الذي لا يدري مثل هذه المسألة فقال: يا عمر، وليس حقيقةً.

وذهب السيرافي: إلى أن (أَيّاً) في الاختصاص مُعْرَبة وليست مبنية. ثُمَّ ثَمَّ وجوه في الإعراب: هل هو خبر مبتدأ محذوف أو بالعكس، يرجع إليه في مضآنه. إذاً: (أَيُّ) التي تُنصب على الاختصاص فيها ثلاثة أقوال: مبنية وهو مذهب الجمهور، حينئذٍ سَلَّط عليها العامل في المحل، والقول الثاني وهو قول الأخفش: أنها منادى، القول الثالث وهو قول السيرافي: أن (أَيّاً) في الاختصاص مُعْرَبة، وهذا من الفوارق بين البابين: باب النداء وباب الاختصاص، أن (أَيّاً) هناك مُجمعٌ على بناءها، وهنا مُخْتَلفٌ في بناءها، فقيل مَبْنِية، وقيل مُعْرَبة. إذاً هذا النوع الأول: الاسم المخصوص يكون (أيُّها وأيَّتها) فلهما حُكْمُهما في النداء وهو الضَّم، ويلزمهما الوصف باسمٍ مُحلىً بـ (أل) لازم الرفع، كالمثال الذي ذكرناه. الثاني: أن يكون مُعرَّفاً بـ (أل) وإليه الإشارة بقول الناظم: (وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أَيٍّ تِلوَ أَلْ) (يُرَى ذَا) يعني: المنصوب على الاختصاص، (دُونَ أَيٍّ) يعني: مكان (أيٍّ) ولم يؤتَ بـ (أيٍّ) (تِلوَ أَلْ) يعني: تابعاً لـ (أَلْ) مثاله: (نَحْنُ العُرْبَ). الثالث: أن يكون مُعرَّفاً بالإضافة، لذلك انتبه أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة البتَّة، الأول: (أيُّها وأيَّتها) معرَّفان، ثُمَّ المُحلى بـ أَلْ: (العُرْبَ)، ثُمَّ المُعرَّف بالإضافة كحديث: {نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ} قيل: اللفظ المحفوظ {إنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ} على كلٍ هذا أو ذاك (مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ) هذا مَعْرِفة، لأن (معاشر) أو (معشر) هذا نكرة مُضاف إلى الأنبياء وهو مُحلىً بـ (أل) فاكتسب التعريف، إذاً: هو مَعْرِفة بالإضافة. قال سيبويه: "وأكثر الأسماء دخولاً في هذا الباب (بنو فلان) و (معشَر) مُضافة و (أهل البيت) و (آل فلان) " أربعة، بل نَصَّ السيُوطي نَقْلاً عن سيبويه: " أنه لم ينصب على الاختصاص إلا هذه الأربعة " فقط، كما سيأتي كلام السيُوطي. إذاً الثالث: أن يكون مُعرَّفاً بالإضافة. الرابع: أن يكون عَلَماً وهو قليل، كقول الشاعر: بِنَا تَمِيماً يُكْشَفُ الضَّبَابُ .. (بِنَا .. نَا) ضمير مُتكلِّم، (تَمِيماً) هذا عَلَم وهو منصوب، و (العُرْبَ) منصوب، وكذلك (مَعَشر) منصوب، لأن المبني هنا في باب الاختصاص خاصٌ بـ (أيُّ وأيَّتها) فقط، ومَا عداه فهو منصوب. (بِنَا تَمِيماً يُكْشَفُ الضَّبَابُ)، هذه أربعة أنواع للمخْصُوص، والأكثر في المخْتَص أن يلي ضَمير المُتكلِّم: (نحن .. إنَّا .. بنا) إلى آخره، هذا الأكثر. ولا يجوز حينئذٍ أن يتقدم على الضمير، يعني: لا يتقدم المخصوص على الضمير، فلا يُقال: (معشر الأنبياء نحن) هذا لا يجوز، (أيها الفتى ارجوني) لا يجوز، لا بُدَّ أن يكون مُتأخراً، وقد يلي ضمير مخاطبٍ لكنه على قلة، نحو: (بك الله نرجو الفضل) ولا يكون بعد ضمير غائبٍ.

إذاً: الأصل في الاسم المخْتَص: أن يكون تابعاً لضميرٍ، لا لاسمٍ ظاهر، ثُمَّ الأصل: أن يكون لمتَكلِّمٍ، وما عداه وهو المخاطب والغائب قيل: شاذ، لكن بعضهم حَكم بأنه قليل في المخاطب، ولا يَتَقدَّم عليه إذا كان لمتَكلِّم، ولا يكون بعد ضمير غائبٍ، وجوَّزه السِيُوطي في (الهمع) بناءً على أنه قليل .. قَلَّ أن يأتي بضمير الغائب، لكن الأكثر على أنه شاذ يُحفَظ ولا يُقاس عليه، ولذلك قلنا: (تَخصيص حُكمٍ عُلِّق بضمير ما تأخر عنه) يعني: ضمير مُتكلِّم، ثُمَّ قد يكون خطاباً لمُخَاطَب، ثُمَّ قد يكون لغائب، والاثنان المتأخران الأصل: أنهما شاذَّان، والأصل فيه: أن يكون لمُتكلِّم. تأخر عنه من اسمٍ ظاهرٍ مَعرِفة لا نكرة - لا يكون المخْتَص إلا معرفة -، مَعمولٍ لـ: (أخُصَّ) واجب الحذف. إذاً: عَرَفنا أن الاختصاص عند النحاة مثل النداء - يعني: شبيه بالنداء -، وانظر إلى الفوارق بين البابين عند النحاة ترى العجب. يفارق الاختصاص النداء في أمور: ثمان عشرة موضعاً، أسردها سرداً: الأول: أنه ليسَ معه نداءٌ لا لَفْظاً ولا تَقديراً، يعني: لا يدخل عليه حرف النداء، لا لفظاً ولا تقديراً – يعني: لا يُنوى -. الثاني: أنَّه لا يَقَعُ في أوَّلِ الكلام مثل النداء (يا زيد .. يا عمرو) إلى آخره، بل في أثنائه كالواقع بعد (نحن) في قوله صلى الله عليه وسلم {نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ}. أو بعدَ تمامِه كما في مِثَال الناظم (ارجوني أيُّها الفتى) جاء خاتمة .. لا بأس. أو يقع في الأثناء: {نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ} انظر! المُخْتَص هنا وقع في المنتصف .. حشو الكلام، و (ارجوني أيُّها الفتى) جاء متأخراً، إذاً: لا بأس أن يقع في الأثناء أو متأخراً، أمَّا أن يَتقدَّم فلا. الثالث: أنَّه يُشْتَرط أن يكونَ المقدَّمُ عليه اسْماً بمعناه كـ (الياء) في (ارجوني) فإنها بمعنى (أيُّها الفتى) أي: أن المُراد منهما شيءٌ واحد، يعني: يكون المُختَص كالمُفسِّر للضمير يصدقان على شيءٍ واحد. الرابع والخامس: أنه يقِلُّ كَونُه عَلَماً وأنَّه يُنْصَب مع كونِه مُفْرَداً، أي: لفظاً لا محلاً فقط، مع كونه مفرداً أي: مُعرَّفاً، إذاً: يَقل كون عَلَماً أنه يُنْصَب مع كونه مُفرداً، والمفرد في باب النداء مبني، هنا (نَحْنُ العُرْبَ) مفرد، لو كان شبيهاً بالنداء لقال: (نَحْنُ العُرْبُ) لأن المنادى هناك المفرد مبني، وهنا مفرد وهو منصوب كذلك. السادس: أنه يكونَ بـ (أل) قِياساً (نَحْنُ العُرْبَ) أمَّا هناك فلا .. لا يكون بـ (أل). السابع: أن (أيّاً) تُوصَف بالنداء باسم الإشارة وهنا لا تُوصَف به. الثامن: أن المَازِني أجَاز نصب تابع (أيٍّ) في النداء، ولم يحكوا هنا خلافاً في وجوب رفعه، يعني: مَا بَعْد (أيّ) هنا باتفاق أنه واجب الرفع، ولذلك ذُكِر في الحد السابق. التاسع والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر: أنه لا يكون نكرة، ولا اسم إشارة، ولا موصولاً، ولا ضميراً، وأنه لا يستغاث به، ولا يندب، ولا يُرَخَّم. ما بقي .. أين الشبه هنا؟ غريب هذا .. سبحان الله!!

السادس عشر: أن (أيَّ) هنا اخْتُلِف في ضمَّتها هذه هل إعرابٌ أو بناء؟ مُخْتَلفٌ فيها كما سبق: السِيرَافي يرى أنها مُعْرَبة، والأخْفَش يرى أنها مُنَادى، والجمهور على أنها مبنية، وفي النداء ضمَّتها بناءٌ بلا خلاف. السابع عشر: أن الفعل المحذوف هنا فعل الاختصاص، وفي النداء فعل الدعاء، فرقٌ شاسع .. هذا الفرق يكفي أن يَفْصِل بين البابين، لو قيل باتحاد العامل تَمْشِي، لكن لمَّا كان (أخُصَّ) هنا هو المُقدَّر، وهناك (أدعو) هذا صار مُنْفصلاً. الثامن عشر: أن هذا العامل لم يُعوَّض عنه هنا شيء، وعُوِّض عنه في النداء، قلنا: (يا) هذه عِوض عن (أدعو) وهنا حُذِف فَلَم يُعوَّض، إذاً: فرقٌ بينهما. وعُوِّض عنه في النداء حرفه – أي: حرف النداء -، جميع هذه الأحكام راجعة إلى جهة اللفظ، ثماني عشرة موضعاً. وأمَّا الأحكام المعنوية التي يفترقان فيها فثلاثة أحكام: - أن الكلام مع الاختصاص خبر ومع النداء إنشاء، -هذا أيضاً تَضُمُّه إلى ما سبق-، أن الكلام هنا من قسم الخبر، والنداء إنشاء. - الثاني: أن الغَرَضَ من ذِكْره تخصيص مدلوله من بين أمثاله بما نُسِب إليه بخلاف النداء، يعني: الغَرَض هنا من ذِكْر الاختصاص: تَخصيص مدلوله، يعني: فيه قَصْرٌ، إذا قيل (ارجوني أيها الفتى): ارجوني أنا لا غيري، هذا المُراد به في معنى الاختصاص، قلنا: قَصْر الحكم على بعض أفراد المذكور: (ارجوني لا غيري) وهذا ليس موجوداً في النداء، هذا فارق جوهري أيضاً. - الثالث: أنه مفيدٌ لفخرٍ، أو تواضع، أو بيان مقصود، كما ذكرناه في الإغراء. هذه فوارق لفظيه ومعنوية تَجعل الناظر أنه يَجْزم جَزْماً باتاً: أن لا علاقة لا من قريبٍ ولا من بعيد بين البابين، وأن ما ذُكِر من وجه الشبه إنما هو تكلُّفٌ وحسب. إذاً: الاِخْتِصَاص كَنِدَاءٍ دُونَ يَا ... كَأَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا وَقَدْ يُرَى ذَا دُونَ أَيٍّ تِلوَ أَلْ ... كَمِثْلِ نَحْنُ ?لعُرْبَ أَسْخَى مَنْ بَذَلْ (أَسْخَى) يعني: أقرى الناس للضيف. قال الشارح هنا: "الاختصاص يشبه النداء لفظاً، ويخالفه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا يُستعمل معه حرف نداء. والثاني: أنه لا بُدَّ أن يسبقه شيء. الثالث: أن تصاحبه الألف واللام، وذلك كقولك (أنا أفعل كذا أيها الرجل) و (نحن العرب أسخى الناس) وقوله صلى الله عليه وسلم {نَحْن معَاشِر الأنبياء لا نُورَث مَا تَرَكْنَاه صَدَقة} وهو منصوب لفعل مُضْمَر، والتقدير: أخصُّ العَرَبَ، وأخصُّ معاشر الأنبياء ". السيُوطي يقول في (جمع الجوامع) وشرحه، قال: "ومنه ما نُصِب على الاختصاص" (منه) يعني: من المفعول به. في الشرح قال: "أي من المنصوب مفعولاً به بفعلٍ واجب الإضمار باب الاختصاص، وقَدَّرَه سيبويه بـ (أعني) ويَختصُّ بـ (أيٍّ) الواقعة بعد ضمير المُتكلِّم، نحو: (أنا أفعل كذا) ". يعني: المفعول المنصوب على المفعوليه يختصُّ بـ (أي) – هو (أي) فقط هذا الأصل - وقد ينوب عنه المُحلى بـ (أل)، وينوب عنه كذلك المضاف، ثُمَّ العَلَم، فالقسمة رباعية، لكن الأصل: هو (أي) سواءٌ كانت لمُذَكَّر أو مؤنَّث.

ولذلك قال: "ويَختصُّ بـ (أيٍّ) الواقعة بعد ضمير المُتكلِّم" خَصَّ ضمير المتكلِّم وواقعةٌ بعده لا قبله .. لا يجوز أن تتقدَّم. " نحو: (أنا أفعل كذا أيُّها الرجل) و (اللهم اغفر لنا أيَّتها العصابة)، وإنْما اخْتصَّ بها لأنه لمَّا جَرَى مَجرى النداء لم يكن في المناديات ما لَزِم النداء على صيغة الخاصة إلا (أيُّها الرجل) فلازمه معنى الخطابية الذي في النداء، فناسب أن يكون وحده مفسَّراً" هذه على رابعة، لكنها أضعف مما سبق. فلا يقال: (إني أفعل زيدٌ) لا يصح .. تُعيد نَفْسَك، وحكم (أيٍّ) في هذا الباب حكمها في باب النداء من بنائها على الضمِّ، مَحكوماً على موضعها بالنصب، إذاً: هي مبنية على الضَمِّ في محل نصب. وليس هذا الحكم خاص بالنداء، لو انفرد النداء بهذا لقلنا: كل ما أشبهه فهو شبيهٌ بالنداء، يعني: المبني إذا تَسلَّط العَامِل على مَحله حينئذٍ نقول مثل (ضَرَبْتُ حَذَامِي) (حَذَامِي) مبني على الكسر في محل نصب، إذاً: شابه (يا زيد) مبنيٌ في اللفظ لكنه في مَحل نصب، إذاً: لا يختصُّ بالنداء، لو كان تَسليط العَامِل على المَحل خَاصَّاً بالنداء لكان كل ما أشبهه قلنا هذا شبيهٌ بالنداء، لكن الحكم ليس خاصاً. وحكم (أيٍّ) في هذا الباب حكمها في باب النداء من بناءها على الضَمِّ مَحكوماً على موضعها بالنصب، ووصفها باسم الجنس مُلتَزِماً فيه الرفع. وهذا كذلك ليس خاص بالنداء. ولا يدخل عليها حرف النداء لأن المراد بها: المُتكلِّم، والمُتكلِّم لا ينادي نفسه، ولذلك قيل: خبر، والنداء هنا كـ: (إنشاء)، إذاً: فرقٌ بينهما. ويَقوم مَقَام (أيٍّ) انظر الأصل: هو (أي) .. ويقوم مقام (أيٍّ) في الاختصاص مُصرَّحاً بنصبه اسمٌ دَالٌّ على مفهوم الضمير، مُعرَّف باللام، يعني: مَا يَدُل ويُفسِّر ويكشف ويشرح الضمير، (نحن) من؟! مُبْهَم، لمَّا قال: (العُرْبَ) إذاً: (العُرْبَ) هذا مُفسِّرٌ لمفهوم الضمير الذي فيه الإبهام، (نحن العُرْبَ أقرى الناس للضيف). أو الإضافة .. هذا النوع الثالث: {نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ}. قال سيبويه: "فأكثر الأسماء دخولاً في هذا الباب (بنو فلان) و (معشَر مُضافة) و (أهل البيت) و (آل فلان)، قال: العرب تَنْصِب في الاختصاص هذه الأربعة، ولا ينصبون غيرها" فهي خاصة بباب الإضافة، إذاً: باب الإضافة أُغْلِق .. أربعة فقط التي ذكرها سيبويه، وما عداها اجتهاد منه. وقلَّ كونه عَلَماً كقول رؤبة: بِنَا تَمِيماً يُكْشَفُ الضَّبَابُ .. ولا يكون اسم إشارة ولا غيره، ولا نكرة البتَّة، ولا يَجوز تقديم اسم الاختصاص على الضمير، وإنما يكون بعده حشواً – يعني: في أثناء الكلام - بينه وبين ما نُسِب إليه أو آخراً .. متأخراً، كالمثال الذي ذَكَره الناظم. وقلَّ وقوع الاختصاص بعد ضمير المخاطب، وبعضهم حكم بأنه شاذ (بك الله نرجو الفضل) ولا يكون بعد ضمير غَيْبَة، هذا مُلخَّص ما ذكره السيُوطي في (جمع الجوامع). ثُمَّ قال رحمه الله: التَّحْذِيرُ وَالإِغْرَاءُ. أي: هذا باب التحذير والإغراء، وجَمَع بينهما في بابٍ واحدٍ لاستواء أحكامهما؛ لأنه إذا عُلِمت أحكام التحذير حينئذٍ قيس عليها أحكام الإغراء.

التَّحْذِيرُ وَالإِغْرَاءُ: قلنا جَمَعهما في بابٍ واحدٍ لاستوائهما في أحكامهما، وكان ينبغي تقديم الإغراء على التحذير .. حسن، الإغراء: حَث على التزام شيءٍ محمود، والتحذير: تَخْويف، تفاءلوا .. تُقدِّم الإغراء على التحذير، ولذلك يُقال: (الثواب والعقاب) هكذا جرى البصريون وغيرهم، ولا يُقال: (العقاب والثواب) إنما يُقَدَّم ما فيه حُسنٌ على ما فيه تخويف، لأن الإغراء هو الأحسن معنىً، وعادة النحويين البداءة به كما يقولون: (نِعْمَ وبِئسَ) (نِعْمَ) هذا في المدح و (بئس) في الذمِّ، فيقَدَّم ما هو حسن على ما ليس كذلك. وقَدْ يُقال: إنما قَدَّم التحذير لأنه من قبيل التَخْلِية، والإغراء من قبيل التَحْلِية، والتَخْلِية قبل التَحْلِية هكذا شاع، ونقول: فيه نظر، بل الصواب التَخْلِية مع التَحْلِية، والتَحْلِية مع التَخْلِية كلٌ منهما مصاحبٌ للآخر، وأمَّا التَخْلِية قبل التَحْلِية ويُراد بالقبلية المراد ذهناً هذا فيه نظر، حتى في تزكية النفوس، التخلية مع التحلية وإن شئت قُل: بالتحلية، أمَّا التخلية قبل التحلية هذا فيه نظر. على كلٍّ هنا قال: "لأنه من قبيل التَخْلِية، والإغراء من قبيل التَحْلِية، ثُمَّ هما وإن تساويا حكماً مفترقان معنىً" يعني: من جهة الحكم واحد، الأحكام اللفظية الإعراب ونحوه، وأمَّا من حيث المعنى بينهما فرق واضح. وهما مفترقان معنىً، فالإغراء: التسليط على الشيء (الصَّلاَةَ جَامِعَةً) أو (الصَّلاَةَ .. الصَّلاَةَ) يعني: الزم الصلاة. والتحذير: الإبعاد عنه يعني: عن الشيء المُحذَّر منه، ويشتمل التحذير على مُحذِّر وهو المتَكلِّم، ومُحذَّر وهو المخاطَب، ومُحذَّرٌ منه، وهو الشَّر مثلاً، ومثله يجري في الإغراء. إذاً: ثلاثة أركان في التحذير: (مُحذِّر) وهو المُتكلِّم، و (مُحذَّر) وهو المخَاطَب، و (محذَّرٌ منه) وهو الشَّر (إيَّاك والشَّرَّ) أنا مُحذِّر، وأنت المُخاطَب بـ (إيَّاك) مُحذَّر، والشَّر مُحذَّرٌ منه. (التَّحْذِيرُ وَالإِغْرَاءُ) (التَّحْذِيرُ) مصدر حَذَّرَ .. يُحذِّرُ .. تَحذيراً، مصدر حَذَّرت فلاناً كذا، أو حذَّرته من كذا، أي: خَوَّفْته، فالتحذير في اللغة بمعنى: التخويف، وفعله يَتعدَّى إلى مفعولين: ((وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)) [آل عمران:28] (يُحَذِّرُكُمُ) الكاف مفعول، (نَفْسَهُ): مفعولٌ ثاني، إذاً: يتعدى إلى مفعولين. واصطلاحاً: المشهور عند النحاة أنه التحذير: تنبيه المخاطب على أمرٍ مكروهٍ ليجتنبه، هذا المشهور، ولكن إذا قيل: بأنه تنبيه المخاطَب على أمرٍ مكروهٍ ليجتنبه، نأتي على شرحه ثم ننقضه. و (الإغْرَاءُ): تنبيهه على أمرٍ محمودٍ ليفعله، الإغراء: مَصدَر أغريت فلاناً بكذا إذا حملته عليه، وألزمته أن يفعله. وفي الاصطلاح عندهم: تنبيه المخُاطَب على أمرٍ محمودٍ ليفعله، إذاً: كلاهما تنبيه، وكلاهما مُتعلقَان بالمخُاطَب، لا المتَكلِّم ولا الغائب، إنما نصوا على المخاطب لما سيأتي، وهو مَقيسٌ فيه. تنبيه المخاطب: إمَّا على أمرٍ محمودٍ ليفعله ويلتزمه وهو الإغراء، وإمَّا على أمرٍ مذمومٍ ليجتنبه، إمَّا حث على شيء ليفعل، وإمَّا تحذير من شيء ليترك.

وقوله: (تنبيه المخاطب) إنَّما اقتَصَرَ على المخَاطَب لماذا؟ قيل: لأنه هو المقيس، والمُتكلِّم والغائب قيل: إنهما قليلان أو شاذَّان، إذاً: تنبيه المخَاطَب إنما اقتَصَرَ على المخَاطَب، مع أنه يَحتمل المُتكلِّم، ويَحتمل الغائب، اقتَصَرَ عليه مع أن التحذير يكون لغيره، لأن تحذير المخَاطَب هو الكثير المقيس، ما عداه قليل - سُمِعَ لكنَّه قليل - وإذا كان قليلاً لا يكون مَقيساً. مع أن التحذير يكون لغيره، لأن تَحذير المخَاطَب هو الكثير المقيس، حينئذٍ اخْتصَّ بهذا الحد، ذَكرُوه النحاة دون غيره لما ذَكَرْناه من الفائدة، ويُقال أيضاً: المقيس من التحذير: ما كان صادراً من المتَكلِّم لتخويف المخَاطَب، أمَّا ما صَدَرَ من المتَكلِّم كتحذير نفسه، أو غائبٍ فليس بمقيسٍ بل هو شاذٌ في الحالين -وهذا أجود- أن يُقال: أنه إذا كان التحذير لغائب فهو شاذ، وإذا كان التحذير للمُتكلِّم نفسه فهو شاذ، وإنما يَختصُّ المقيس في لسان العرب وهو الكثير المطَّرِد: أن يكون للمخَاطَب فقط، أمَّا تحذير النفس فهذا بعيد، لو سُمِعَ حينئذٍ يُحْمَل على المجاز ولا يكون حقيقةً، كما قلنا: الإنسان لا ينادي نفسه، ولا يُحذِّر نفسه حقيقةً، لأنه إذا عَلِم الشَّر فالأصل: العاقل أنه يبتعد. على أمرٍ مكروهٍ ولو في زَعْم المُحذِّر فقط أو المخاطب فقط، يعني: لا يُشتَرط فيه أن يكون هذا المكروه الذي يُنَبٍّه المخَاطَب عليه: أن يكون مُتفقاً بينهما، لا، قَدْ يكون مكروهاً عنده، غير مكروه عند المخَاطَب، يعني: إذا نَبهت شخصاً على أمرٍ ترى أنه مكروه .. مذموم، هل يلزم أن يكون المخَاطَب يَعْلَم ذلك وأنه يقرُّ به؟ لا يلزم، يُسمى تَحذيراً ولو لم يكن عنده مذموماً مكروهاً، والحكم حينئذٍ مُنْفَك. ولو في زَعْم المُحذِّر فقط أو المخاطب فقط، ليجتنبه يعني: يبتعد ويتركه. بقي: تَنْبيه المخَاطَب على أمرٍ مذمومٍ ليفعله، لو كان إنسان هكذا نَبَّه المخَاطَب على أمرٍ مذموم ليفعله، كما أنه قد يُنَبهه على أمرٍ محمودٍ ليتركه، هل يُسمى تَحذيراً، ويُسمى إغراءً؟ قالوا: نعم. بقي تَنْبيه المخَاطَب على أمرٍ مذمومٍ ليفعله، مع أن التحذير: تَنْبيه المخَاطَب على أمرٍ مذموم ليتركه ويَجتنبه، لكن هذا خالف العقل والفطرة والدين، فأمره ونَبَّهه من أجل أن يفعله. وتنبيهه على أمرٍ مَحمود ليجتنبه. فقيل: الأول من الإغراء والثاني من التحذير، الأول من الإغراء: الذي هو تَنْبيه المُخاطَب على أمرٍ مذمومٍ ليفعله، إذا كان المُراد به الفعل حينئذٍ هو إغراء، ولو كان مذموماً، والثاني: الترك ولو كان لمحمودٍ فهو تحذير، فقيل: الأول من الإغراء والثاني من التحذير، ولم يذكرهما النحاة في الحد، لأنه لا ينبغي صدورهما من عاقل. ودخل في التعريف، نحو: لا تؤذِ أخاك ولا تعصِ الله، وفي الإغراء: أحسن إلى أخيك وأطع الله واصبر، يعني: ما كان مؤداً بالجملة كما سبق في النُّدْبَة هناك: المُتَفَجَّع عليه لا بد من زيادة (وا) أو (ياء).

إذاً نقول: الأصل في التحذير والإغراء: ما ذكره النحاة في التنبيه، لكن يَرِد اعتراض، وهو أن قولهم: تَنْبيه المخَاطَب على أمرٍ محمود ليفعله، وتَنْبيه المخَاطَب على أمرٍ مذموم ليَجْتنبه، مبحث النحاة في: الإعراب والبناء، وهذا أشبه ما يكون بمعنىً لغوي أو اصطلاحي، أو معنىً عام، أو مؤدى لتركيب إسنادي ونحو ذلك، لكن لا يَتعلَّق بالمنصوب نفسه. نحن نقول هنا: إيَّاك والشَّر، (إيَّاك) منصوب على التحذير، هل تَعرَّض له التعريف؟ وهناك نقول: (الصَّلاَةَ) منصوب على الإغراء، هل تَعَرَّض له التعريف؟ ولذلك انتُقِد هذا التعريف، قيل: الأولى أن يُعرَّف التحذير: بأنه اسمٌ منصوب بأُحَذِّر مَحذُوفاً وجُوباً، هذا؟؟؟ بناؤه وإعرابه، وزِدْ عليه التتميم الآخر، تَنْبيهاً للمخَاطَب لأمرٍ محمودٍ ليفعله، يعني: اجعل هذا مُقدِّمة، لأن بحثنا في ماذا؟ نحن نريد نَصْب وإعراب وجَر، أمَّا هذه المعاني العامة ليست من مصطلحنا، أثرٌ ظاهرٌ أو مُقدَّر يَجلبه العامل .. إلى آخره، حينئذٍ نقول: هذا الذي يعني النحاة، وأمَّا الأمر العام فلا. كذلك في الإغراء، نقول: اسمٌ منصوبٌ بـ: (الزم)، محذوفاً وجوباً، لتَنبيه المخَاطَب إلى آخر التعريف، إذاً: لا بُدَّ من زيادة هذين القيدين من أجل أن يكون البحث في اسمٍ منصوبٍ والعامل محذوف وجوباً. التَّحْذِيرُ وَالإغْرَاءُ. قالوا هنا في فائدة: وإنما ذُكِرا بعد النداء لأن الاسم في التحذير والإغراء مفعولٌ به لفعلٍ محذوف، لا يجوز إظهاره كالمنادى على تَفْصيل آتٍ، يعني: كأنهم أرادوا أن يُلْحِقُوا هذا بالمنادى .. قد تكون مناسبة بينهما، أن كلاًّ منهما منصوبٌ لعاملٍ محذوف. التَّحْذِيرُ وَالإِغْرَاءُ: إيَّاكَ وَالشَّرَّ وَنَحْوَهُ نَصَبْ ... مُحَذِّرٌ بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لإِيَّا انْسُبْ وَمَا ... سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلْزَمَا إِلاَّ مَعَ الْعَطْفِ أَوِ التَّكْرَارِ ... كَالضَّيْغَمَ الضَّيغَمَ يَا ذَا السَّارِي (إيَّاكَ وَالشَّرَّ) هذا مفعولٌ به مُقدَّر، (نَصَبَ مُحذِّرٌ إيَّاكَ والشَّرَّ ونحوه، بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ). (إيَّاكَ وَالشَّرَّ) قُصِد لفظه: فهو مفعولٌ به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مُقدَّرة على آخره، (الشَّرَ هُنا) مُقدَّرة على الراء، (وَنَحْوَهُ) انظر! نَصَبَه، والواو حرف عطف معطوف على (إِيَّاكَ وَالشَّرَّ) إذاً: نَصَبَه فَدَّل على أنه منصوب: وهو مفعولٌ مُقدَّر. (نَصَبَ مُحَذِّرٌ) (نَصَبَ) فعل ماضي مبني على فتحٍ مُقدَّر، منع من ظهوره سكون الروي، (مُحَذِّرٌ) هذا فاعل، إذاً قلنا: عندنا مُحذِّر، وعندنا مُحذَّر، ومُحذَّرٌ منه، (إيَّاكَ) هذا مُحذَّر، أنا المتَكلِّم مُحذِّر، (الشَّرَّ) مُحذَّرٌ منه، (نَصَبَ مُحَذِّرٌ) نَصَب بـ (مَا) بعاملٍ وجب استتاره، (اسْتِتَارُهُ وَجَبْ) التقديم أحسن، (اسْتِتَارُهُ) مبتدأ و (وَجَبْ) خبر، و (اسْتِتَارُهُ وَجَبْ) الجملة الاسمية لا مَحل لها من الإعراب صلة الموصول. إذاً: شَرَع الناظم بِذِكْر الوسيلة الأولى في التحذير وهي أهمها، وهي بـ (إيَّاك وأخواته)، نقول: التحذير يكون بثلاثة أشياء .. له ثلاث طُرق: - (إيَّاك وأخواتها).

- الثاني: ما نَاب عنه من الأسماء المضافة إلى ضمير المخَاطَب: (نفسَك .. نفسَك) كما سيأتي. - الثالث: ذِكْر المُحذَّر منه، هذه ثلاث طرق. (إيَّاكَ وَالشَّرَّ): أشار بهذا البيت إلى النوع الأول وهو الأهم وهو عليه العُمْدَة لأنه الأصل، إذاً: (إيَّاك وأخواته) هي الطريقة الأولى في إيجاد وحصول تركيب التحذير. (إيَّاكَ وَالشَّرَّ وَنَحْوَهُ) نحو ماذا؟ نحو: (إيَّاكَ وَالشَّرَّ .. إيَّاكُمَا وَالشَّرَّ .. إيَّاكُم وَالشَّرَّ .. إيَّاكُنَّ وَالشَّرَّ)، إذاً: نحو (إيَّاكَ أخواتها) وهو ما كان لمخَاطَب: (إيَّاكَ .. إيَّاكِ وَالشَّرَّ .. إيَّاكُما .. إيَّاكَم .. إيَّاكُنَّ) إذاً يعني: أن قولك (إيَّاكَ وَالشَّرَّ وَنَحْوَهُ) من الضمائر المنصوبة المنفصلة الذي هو (إِيَّا)، سبق معنا أن (إيَّا) هو ضميرٌ منفصل، إذا عُطِف عليه نُصِب بِفعلٍ يجب استتاره، لأن التركيب .. كأنه يقول لك: قِس على هذا التركيب وأنت استنبط منه، (إيَّاكَ): هذا ضمير مُنفصل نصب، (وَ) عَطَفَ عليه، (الشَّرَّ) هذا منصوبٌ. قال: (بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ) إذاً: نَصَبَ مُحَذِّرٌ إِيَّاكَ وَالشَّرَّ بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ، نحو: (إيَّاكُما والأسدَ، وإيَّاكُمْ والمخالفة) هذا نحوه، يعني: إمَّا أنك تُغيِّر في لفظ الشر، وإمَّا أنك تأتي بمفردات وأخوات (إِيَّا). وفُهِم منه: أن العامل المُقدَّر يَجب تَقْديره بعد الضمير، لأنه قال (بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبَ) إذاً: إذا كان استتاره واجباً حينئذٍ لا بُدَّ من تَقدِيره، أين يُقَدَّر؟ يَجب أن يتأخر ولا يتقدَّم على (إِيَّا) لأنه لو تقدَّم على (إيَّا) لوجب اتصاله بعامله، ونحن الآن تصورنا المسألة فيما جاز أن يكون الضمير مُنفصلاً، فإذا أمْكَن الاتصال تعيَّن، إذاً: لا يُمكن أن نقدِّر هذا العامل قبل (إيَّا). فُهِم منه: أن العامل المقَدَّر يُقَدَّر بعد الضمير لما يلزم من تقديره قبله اتصاله به. وَفِي اخْتِيَارٍ لاَ يَجِيءُ المنُْْفَْصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أَنْ يَجِيءَ المُتَّصِلْ هذا القاعدة تطبقها هنا، فإذا قدَّرت الفعل المحذوف تُقدِّره بعد (إيَّا) ولا تُقدِّره قبله، لأنك لو قَدَّرته قبله لوجب اتصال الضمير، فإذا اتصل الضمير حينئذٍ انتقل عن لفظ (إيَّا) .. خرج عنه، ونحن نريد هذا اللفظ بِعينه، ولا يُمكن أن نَصل إليه إلا إذا تأخر العامل المُقدَّر. فيلزم تعدي فعل الضمير المتَّصِل لضميره المنفَصِل، وهو ممتنعٌ في غير باب (ظن وأخواتها) سميه هناك الذي ذكرناه استثناء ما عداه فهو ممتنع لا يجوز. ثُمَّ (إيَّاكَ) تُستعمل في التحذير معطوفاً عليها كما تقدم: وَدُونَ عَطْفٍ. قال: (إيَّاكَ وَالشَّرَّ وَنَحْوَهُ نَصَبْ) عرفنا المراد بـ (نَحْوَهُ) (إيَّاكَ وإيَّاكِ وإيَّاكُم وإيَّاكُنَّ). (نَصَبْ مُحَذِّرٌ بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبَ) لماذا وجب استتاره؟ قالوا: لأنه لمَّا كثُر التحذير بهذا اللفظ جعلوه بَدلاً من اللفظ بالفعل، لمَّا كثُر التحذير بهذا اللفظ في لسان العرب: (إيَّاكَ والشَّرَّ .. إيَّاكَ والأسد .. إيَّاك والقتلَ) كَثُر التحذير بهذا اللفظ، حينئذٍ جعلوا هذا اللفظ الملفوظ به بَدَلاً عن الفعل.

بدلاً من اللفظ بالفعل، والأصل: (احْذَر تلاقي نفسِك والشَّرَّ) ثُمَّ حُذِف الفعل وفاعله، (تَلاقِي) هذا مفعولٌ به، حُذِف وهو مضاف، (نَفْسِك) هذا مضاف إليه، انتصب انتصابه: (نَفْسَك) حُذِف (نَفْسَ) ثُمَّ أُقيم (الكاف) مُقامه فانتصب فانفصل فصار: (إيَّاك)، أصلها: أُحَذِّرُ تلاقي نَفْسِك، حُذِف الفعل (أُحَذِّر) مع فاعله، ماذا صار عندنا؟ (تلاقي نَفْسِك والشَّرَّ) (تلاقي) مفعولٌ به، هو مضاف و (نَفْسِك) مضافٌ إليه، حُذِف المضاف وأُقيم المضاف إليه مُقامه فانتصب انتصابه فصار (نَفْسَك والشَّرَّ) (نَفْسَك) مضاف ومضاف إليه، حُذِف الأول وأُقيم الكاف مُقامه فانفصل؛ لأنه سينتصب فإذا انتصب حينئذٍ نأتي بـ (إيَّاكَ والشَّرَّ) هذا أصل الموضوع عندهم. ثُمَّ حُذِف الفعل وفاعله، ثُمَّ المضاف الأول، وأُنِيب عنه الثاني فانْتَصَب، ثُمَّ الثاني، وأُنِيب عنه الثالث فانتصب وانفصل. (وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لإِيَّا انْسُبْ) إذاً: في مثل هذا التركيب (إيَّاكَ وَالشَّرَّ) إذاً عُطِف على (إِيَّا) بالواو حينئذٍ تَعَيَّن أن يكون العامل محذوفاً. (وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لإِيَّا انْسُبْ) (انْسُبْ ذَا) أي: الحكم .. النصب بعامل مستتر وجوباً، الناظم يطلق الاستتار على الحذف وهذا من باب التوسع، يعني: بعاملٍ مَحذُوفٍ وجوباً، كما أنه يكون الحكم مع العطف كذلك دون العطف، لو قال (إيَّاكَ الشَّرَّ). (انْسُبْ ذَا) أي: الحكم المذكور لـ (إِيَّا) إذاً: هي موجودة لا زالت، دُونَ عَطْفٍ تقول: (إيَّاكَ الشَّرَّ .. إيَّاكَ الأسدَ) بدون عطفٍ، كذلك في هذه الحالة الثانية يكون العامل محذوفاً واجب الحذف، لا يجوز أن يَظْهر البتَّة. (وَدُونَ عَطْفٍ) (دُونَ) هذا منصوبٌ على الظرفية مُتعلِّق بقوله: (انْسُبْ) و (ذَا) اسم إشارة مفعول به مُقَدَّم على (انْسُبْ)، (انْسُبْ ذَا) المشار إليه الحكم السابق: النصب على التحذير، (لإِيَّا) جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (انْسُبْ)، (دُونَ عَطْفٍ). إذاً: من التركيب الأول (إيَّاكَ وَالشَّرَّ) بالواو .. بالعطف على الضمير المنفصل، كذلك مِثلُه (دُونَ عَطْفٍ) فيستوي (إيَّاكَ وَالشَّرَّ .. إيَّاكَ الشَّرَّ) بالواو وبدونها. (وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لإِيَّا انْسُبْ) إذاً: هاتان صورتان فيما يَتعيَّن فيهما النصب بفعلٍ مُضمرٍ وجوباً لا يجوز إظهاره. (وَمَا سِوَاهُ) يعني: ما سوى ما بـ (إيَّا) السابق (سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلزَمَا إِلاَّ مَعَ العَطْفِ أَوْ التَّكْرَارِ) يعني: إذا كان - هذا النوع الثاني - ما ناب عنه من الأسماء المضافة، حينئذٍ الأصل فيه: أنه لا يَجب استتار العامل المحذوف، فيجوز ذكره ويجوز حذفه. (وَمَا) هذا مبتدأ و (سِوَاهُ) (سوى) منصوبٌ على الظرفية، مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، (مَا سِوَاهُ) الضمير هنا يعود على أي شيء؟ (مَا سِوَاهُ) يعني: ما نُصِب كـ (إيَّا)، (سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلزَمَا) (سَتْرُ) مبتدأ ثاني، وهو مضاف و (فِعْلِهِ) مضافٌ إليه، و (لَنْ يَلزَمَا) الألف هذه للإطلاق، جملة (لَنْ يَلزَمَا) خبر المبتدأ الثاني، و (سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلزَمَا) هذا خبر (مَا).

إذاً: ما عدى (إيَّا) وهو النوع الثاني من التحذير، ما ناب عنه من الأسماء المضافة إلى ضمير المخَاطَب، لا يلزم حذف العامل في الاسم المنصوب على التحذير، مثل لو قال: (الأسدَ) دون تكرار ودون عطفٍ، (الشَّرَّ) حينئذٍ نقول: يجوز أن يُقال: (احذر الشَّرَّ)، وأن يقال: (الشَّرَّ) يجوز ذكر العامل، ويجوز حذفه. (إِلاَّ مَعَ العَطْفِ أَوِ التَّكْرَارِ) إلا إذا عُطِف على الاسم المنصوب على التحذير غيره، فقيل (الأسد والذئب) حينئذٍ وجب أن يكون العامل محذوفاً (أَوِ التَّكْرَارِ) بأن كُرِّر لفظه فقيل: (الأسد .. الأسد) كما قال الناظم (كَالضَّيغَمَ الضَّيغَمَ) وهو الأسد (يَاذَا السَّارِي) حينئذٍ نقول في هاتين الحالتين: يجب، وما عداهما فالأصل الجواز، يعني: جواز الحذف وجواز الذكر. (إِلاَّ مَعَ العَطْفِ) (إِلاَّ) هذا إيجابٌ لنفي (لَنْ)، (مَعَ العَطْفِ) لكن العطف إنما يتعيَّن أن يكون بالواو، والناظم هنا أطلق، العطف بالواو على جهة الخصوص هذا محل وفاق، (إِلاَّ مَعَ العَطْفِ) سواءٌ ذُكِر المُحذَّر منه نحو: مَازِ رَأْسَكَ وَالسَّيْفَ .. (مَازِ) يعني: يا مازن (رَأْسَكَ وَالسَّيْفَ) أي: يا مازن قِ رأسك واحذَّر السِّيف. أمْ لم يُذكَر نحو ((نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا)) [الشمس:13] نَاقَةَ: هذا منصوبٌ على التحذير، إذاً سواءٌ ذُكِر المُحذَّر منه أو لا، (مَعَ العَطْفِ) يَتعيَّن العامل ولا يجوز ذكره، (أَوِ التَّكْرَارِ) كذلك مثله .. حكمه كحكم سابقه (كَالضَّيغَمَ الضَّيغَمَ) كقولك: الضيغم الضيغم، وهو الأسد .. الأسد، (يَاذَا السَّارِي) صفة (يَا) حرف نداء و (ذَا) اسم إشارة و (السَّارِي) نعته، وقيل: هذا ليس تتميماً للبيت بل هو من تتمة المثال، ونحو: (رأسك رأسك) جعلوا العطف والتكرار كالبدل من اللفظ بالفعل. إذاً خلاصة ما عيَّنَه الناظم هنا -كذلك الباب لم يعطه حقه- نقول: ذَكَر نوعين اثنين: أن يكون المنصوب على التحذير (إيَّاكَ وأخواته) حينئذٍ يَتعيَّن أن يكون العامل محذوفاً واجب الحذف، سواءٌ عُطِف على الضمير أو لم يُعْطَف (إيَّاكَ وَالشَّرَّ .. إيَّاكَ الشَّرَّ)، ثُمَّ النوع الثاني: وهو أن لا يُذْكَر (إيَّا) وإنما يؤتى بالاسم الموصوف على التحذير، حينئذٍ إمَّا أن يُعطف عليه أو يُكرَّر أو لا، إن كان الأول تعيَّن كالأول، وإن لم يكن الأول حينئذٍ جاز فيه الوجهان، هذا خلاصة ما ذكره الناظم. (وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لإِيَّا انْسُبْ) الإشارة بـ (ذَا) للنصب بإضمار فعلٍ لا يظهر، يعني: أن (إيَّاك وأخواتهما) غير معطوفٍ عليها، تنصب بفعلٍ واجب الحذف نحو: (إيَّاكَ الشَّرَّ) وبعضهم يُقدِّره كما سيأتي (إيَّاكَ من الشَّرَّ).

ثُمَّ أشار إلى الثاني والثالث بقوله: (وَمَا سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلزَمَا) (سَتْرُ) بفتح السين مصدر سَتَر، وبالكسر (سِتْر) اسم للشيء الذي يقع به الستْر، يعني: كالجدار، هو عَينُه الستْر، و (السَتْرُ) هو الفعل، (لَنْ يَلزَمَا) فَشَمِل قوله (وَمَا سِوَاهُ) النوعين الثاني والثالث، ما ناب عن (إيَّا) من الأسماء المُضافة لضمير المخاطب والمُحذَّر منه، وقوله: (لَنْ يَلزَمَا) يعني: أنهما منصوبان بفعلٍ مضمر ويجوز إظهاره، (لَنْ يَلزَمَا) الألف للإطلاق، يعني: يُنصبان بفعلٍ مُضْمَر ثُمَّ هذا المُضْمَر لا يجب حذفه بل يجوز ذكره، تقول: (رأسك) يعني: نح رأسك، وهذا تحذير. وتقول في المُحذَّر منه (الأسد) يعني: احذر الأسد، هذا جائز، يجوز أن تظهر الفعل فتقول: (احذَر الأسد) ويجوز أن تقول: (رأسك .. نفسك .. ) (اتق نفسك) يعني: من الشر ونحوه و (الأسد) يعني: احذر الأسد، (رأسك) يعني: نح رأسك. وقد استثنى من ذلك نوعين أشار إليهما بقوله: (إِلاَّ مَعَ العَطْفِ أَوِ التَّكْرَارِ) فالعطف نحو (رأسك) و (الحائط)، والتَكرَّار نحو: (الأسد .. الأسد) وقد مَثَّله بقوله (كَالضَّيغَمَ الضَّيغَمَ يَا ذَا السَّارِي) و (الضَّيغَمَ) الأسد و (السَّارِي) اسم فاعل من سرى إذا مشى ليلاً وهو مَضِنَّة الخوف من الضَّيْغم، يَا ذَا السَّارِي الذي يسري في الليل، وإنما وجب حذف العامل مع (إيَّا) لكثرة الاستعمال، وأما مع العطف والتكرار فقد جُعِل كالبدل عن الفعل. والخلاصة نقول: للتحذير ثلاث طرق: أولاً: بِذِكْر اللفظ .. أن يُذْكَر بلفظ (إيَّاك وأخواته) ولك في هذا الوجه أن تعطف المحذور على (إيَّاكَ) فتقول: إيَّاكَ والأسد، هذا وجهٌ أول، أو تَخْفضه بـ (مِن) هذا على قول يراه بعضهم: (إيَّاكَ من الأسد) أو تَنْصب المحذور بغير عاطفٍ عند سيبويه، ومنعه الجمهور، فتقول: (إيَّاك الأسد) سيأتي أن الصحيح يجوز، الجمهور على المنع، (إيَّاك الأسد .. إيَّاك والأسد .. إيَّاك من الأسد) ثلاثة أوجه في (إيَّا)، (إيَّاك والأسد) متفقٌ عليه، (إيَّاك من الأسد) كذلك متفقٌ عليه في الجملة، (إيَّاك الأسد) بدون (واو) ولا (من) هذا مختلفٌ فيه: الجمهور على المنع، وسيبويه على الجواز، والصحيح أنه يجوز. الطريق الثاني: أن يُذْكَر اسمٌ ظاهر نائب عن (إيَّا) مضافاً إلى ضمير المُحذَّر المخَاطَب، ولك في هذا الوجه: أن تجيء بِما ذُكِرَ من غير عطفٍ ولا تكرار (نفسك .. الأسد .. رأسك) كما ذكرناه، أو مع العطف (نفسك والأسد) أو بالتكرار فتقول: (نفسك .. نفسك) (رأسك .. رأسك) (الأسد .. الأسد) هذا الطريق الثاني. الثالث: أن يُذْكَر المُحذَّر منه مُكرَّراً أو معطوفاً عليه أو بدونهما، فتقول: (الأسد .. الأسد)، أو تقول: (الأسد) أو تقول: (الكسل والتواني) والمشهور الذي عليه الاعتماد هو الأول. (إِيَّاكَ وَالشَّرَّ) قال بعضهم: إن هذا التركيب فيه ضميران، ما هما الضميران؟ (إيَّا) نفسه ضمير .. هذا ضمير نصب، وبقي ضمير مستتر، في هذا التركيب ضميران أحدهما: هذا البارز المنفصل المنصوب وهو (إيَّاك) والآخر: ضمير رفعٍ مستكن فيه منتقلٌ إليه من الفاعل الناصب له.

قلنا: يُحذف الفعل وفاعله، ثُمَّ بعد ذلك ينتقل الضمير من الفعل إلى (إيَّاك)، فصار هو في اللفظ ضمير نصبٍ، وتَحمَّل كذلك ضمير رفعٍ، حينئذٍ إذا أكَّدْتَ (إيَّاك) - جاء التفريع - إذا أكَّدْتَ (إيَّاك) وقلت بوجود الضمير المُنْتقل هذا الرفع حينئذٍ قلت: إيَّاك نفسَك، وأنت بالخيار في تأكيده بـ (أنت) قبل النفس، هذا متى؟ إذا أكَّدت (إيَّاكَ) نفسه .. نَصْب، سبق أنه إذا أُكِّدَ الضمير المُتْصل المرفوع بالنفس والعين وجب أن يؤتى بالضمير المنفصل، لكن هنا أكَّد (إيَّاكَ نفسك .. إيَّاك أنْتَ نفسك) يجوز الوجهان. (إيَّاك نفسَك) وأنت بالخيار في تأكيده بـ (أنت) قبل النفس، هذا إن أكَّدْتَ (إيَّا) نفسه، وإن أكَّدْتَ ضمير الرفع المستكن فيه قلت (إيَّاك أنت نفسَك) ولا بُدَّ من تأكيده بـ (أنت) قبل النفس حينئذٍ، لأنه تأكيدٌ لضميرٍ مرفوع، فوجب أن يُؤكَّدَ أول: ((اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُك)) [البقرة:35] مثل العطف. وأمَّا العطف فتقول في العطف على إيَّاكَ: (إيَّاك وزيداً والشَّرَّ) جاز دون فصلٍ؛ لأنه عطفٌ على ضميرٍ منفصل بارز، وهو منصوب، (إيَّاك وزيداً والشَّرَّ) وإن شئت قلت: إيَّاك أنت وزيداً – فَصَلْت - والشَّرَّ، وتقول إن عطفت على مرفوع: (إيَّاك أنت وزيدٌ) هنا يَقْبُح أن تعطف دون فاصلٍ، ويَقْبُح بدون تأكيدٍ أو فاصلٍ على ما تَقَدَّم بيانه في عطف النسق. إيَّاكَ وَالشَّرَّ وَنَحْوَهُ نَصَبْ ... مُحَذِّرٌ بِمَا اسْتِتَارُهُ وَجَبْ وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لإِيَّا انْسُبْ. . . ... . . . . . . . . . ......................... ثُمَّ انتقل إلى الثاني والثالث وقال: . . . . . . . . . وَمَا ... سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلزَمَا إِلاَّ مَعَ العَطْفِ أَو ?لتَّكْرَارِ ... .......................................... يعني: ما بعد (إِلاَّ) ثابتٌ له نقيض حكم ما قبل (إِلاَّ)، فالأول: (لَنْ يَلزَمَا) (إِلاَّ مَعَ) إذاً: يلزمه، (كالضَّيغَمَ الضَّيغَمَ يَاذَا السَّارِي). قال الشارح: "التحذير: تنبيه المخَاطَب على أمرٍ يجب الاحتراز منه، فإن كان بـ (إيَّاك وأخواته) وهو (إيَّاكِ وإيَّاكُما وإيَّاكُم وإيَّاكُنَّ) وجب إضمار الناصب" والناصب هنا فعل، ولا يُقدَّر وصفاً. سواء وجِدَ تكرارٌ كقولك: فَإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِرَاءَ فَإِنَّهُ .. (إيَّاكَ إيَّاكَ) حَصَل تَكرار هنا، حينئذٍ مُطلقاً وجَبَ إضمار الناصب .. ناصب (إيَّا) سواءٌ كُرِّرت (إيَّا) نفسها أو لا، (إيَّاكَ وَالشَّرَّ) (إيَّا) منصوب بفعلٍ محذوفٍ واجب الحذف، (إيَّاكَ إيَّاكَ والمِرَاءَ فإنَّهُ) كذلك نقول: العامل محذوف. أمْ لم يوجد نحو: (إيَّاكَ من الأسد) وأصل التركيب: (بَاعِد نفسك من الأسد) هذا عند الجمهور، ثَمَّ فرقٌ بين كلام سيبويه، وابن الناظم، وابن مالك، والجمهور. والأصل: (بَاعِد نفسك من الأسد)، انظر! الجمهور قَدَّروا لفظ (باعد) باعد يَتَعَدى إلى مفعولين، تَعَدَّى إلى الأول بنفسه، والثاني بحرف جر.

إذاً: (بَاعِد نفسك من الأسد) ثُمَّ حُذِف (بَاعِد) الفعل وفاعله، وقيل: التقدير (أُحذِّرك من الأسد)، فنحو: (إيَّاكَ الأسد) ممتنعٌ على التقدير الأول وهو قول الجمهور، ولذلك قلنا: مذهب سيبويه جواز: (إيَّاكَ الأسد) وهذا يمتنع على مذهب الجمهور، لأن التقدير عندهم (بَاعِد نفسك من الأسد) فَقدَّروا فعلاً يَتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ بنفسه فحسب، وهذا ينبني عليه في تقدير العامل المحذوف هل هو فعلٌ مُتعدٍ لواحد أو لاثنين .. ينبني عليه تصويب هذه المسألة أو تخطئتها. مُمتنعٌ على التقدير الأول وهو قول الجمهور، وجائزٌ على الثاني الذي هو (أُحذِّرك من الأسد) ولا خلاف في جواز (إيَّاكَ أن تفعل) لصلاحيته لتقدير (من) لأنه سبق أن (أن) يجوز حذف (مِن) قبلها قياساً: نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ .. حينئذٍ إذا قيل هنا في هذا التركيب (إيَّاك من أن تفعل) لا شك في أنه جائز، فلو قُدِّرت (من) هذا لا بأس به، فإذا نُصِب المصدر حينئذٍ نقول: نُصِب بنزع الخافض وهو جائز .. مَقِيس. والحاصل أنه إذا ذُكر المُحذَّر منه بلا عطفٍ فعند الجمهور يتعيَّن جرُّه بـ (من) إذا ذُكِر المُحذَّر منه بلا عطفٍ، يعني: مثل (إيَّاك الأسد) ذُكِر المُحذَّر منه دون عطفٍ، قلنا: هناك قال: (وَدُونَ عَطْفٍ ذَا لإِيَّا انْسُبْ) مَثَّلْنا (إيَّاكَ الأسد) هذا على قول الجمهور لا يَصح، والصحيح: أنه يصح. ذُكِر المُحذَّر منه بلا عطفٍ، فعند الجمهور يتعيَّن جرُّه بـ (مِن) بناءً على أن العامل عندهم في إيَّاك باعد؛ لأنه لا يَتَعدَّى إلى الثاني بنفسه، وإنما يَتَعدَّى إليه بحرف الجر، وقيل: يَجوز نصبه ولا تتعيَّن (مِن) بناءً على أن العامل عنده في: إيَّاك أُحذِّر ونحوه مِما يَتعدَّى إلى اثنين وهذا أصْوب: أن يُقدَّر العامل المحذوف يَتَعدَّى إلى اثنين بنفسه، وهذا عند ابن الناظم. وعند ابن مالك: إمَّا أن يُجرَّ بـ (من) أو يُنْصَب بفعلٍ محذوفٍ آخر تقديره: دع، أو نحوه ويجوز إظهاره. وأمَّا نحو: (إيَّاك أن تفعل) فهذا جائزٌ عند الجميع، لأن الأصل: أن (مِن) يجوز تقديرها قبل (أن)، (إيَّاك من أن تفعل) هذا جائز .. (إيَّاك أن تفعل) فنُقدِّر (من) ثم نقول: المصدر أنْ وما دخلت عليه إذا حذفنا (من) يكون منصوباً على نزع الخافض. فالمُحذَّر منه (أنْ) المصدرية وصلتها، جاز أن تُحذف (من) سواءً قُدِّر العامل فعلاً يتعدى إلى اثنين أو إلى واحد، لأن الحذف .. حذف حرف الجر قبل (أنْ) جائزٌ في سعة الكلام. هنا قال: وجب إضمار الناصب، سواءٌ وجِد عطفٌ أم لا، فمثاله مع العطف (إيَّاك والشَّرَّ) (إيَّاك) منصوب بفعل مُضْمَر وجوباً والتقدير (إيَّاك أحذِّرُ). انظر! قدَّره بعد (إيَّاك) لا يجوز تقديره قبل (إيَّاك) لأنه يصير (أُحذِّرُكَ) فصار (إيَّا) متصلاً والأصل: أن يكون منفصلاً. ومثاله بدون العطف (إيَّاك أن تفعل كذا .. إيَّاك من أن تفعل كذا). انظر! قدَّره هنا مِثَال لما دون عطفٍ، قَدَّره ابن عقيل بِما يِجوز حذف (من) وهو أن يكون (أنْ) المصدرية وصلتها، وأمَّا ما لا يجوز فلم يجعله بناءً على مذهب الجمهور، يعني: (إيَّاك الأسد) هذا المراد.

وإن كان بغير إيَّاك وأخواته وهو المراد بقوله: وما سواه فلا يجب إضمار الناصب إلا مع العطف (ماز رَأْسَكَ وَالسَّيْفَ) يعني: يا مازن قي رأسك واحذر السِّيف، أو التكرار: (الضَّيغَمَ الضَّيغَمَ) أي: احذر الضَّيغَمَ، فإن لم يكن عطفٌ ولا تكرار جاز إضمار الناصب وإظهاره –الأسد .. احذَّر الأسد - فإن شئت أظهرت وإن شئت أضمرت، (لَنْ يَلزَمَا إِلاَّ مَعَ) فهو غير لازم. (إيَّاكَ الأسدَ) هذه حيَّرت النحاة، جوَّزه سيبويه وجعل العامل في الأسد غير العامل في (إيَّاك) .. فَصَل بينهما، (إيَّاك الأسد) كلاهما منصوبان، هل هما منصوبان بعامل واحد، أو كلٌ منهما منصوبٌ بعامل؟ مذهب سيبويه: أن كلاً منهما منصوبٌ بعامل يَختصُّ به، (إيَّاك) منصوبٌ بعامل و (الأسد) منصوبٌ بعامل. (إيَّاك الأسد) جَوَّزه سيبويه، وجَعل العامل في الأسد غير العامل في (إيَّاك) تقديره (باعد نفسك واتقي الأسد). إذاً: (نفسك) هذا مفعولٌ لفعلٍ محذوف تقديره (بَاعِد) و (الأسد) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوف تقديره (اتق) حينئذٍ يكون (إيَّاكَ الأسد) صار جملتين، فعُطِفت جملة على جملة، وجوَّزه ابن الناظم (إيَّاكَ الأسد) أيضاً جائز لكن على تفصيلٍ آخر. جوَّزه ابن الناظم على تقديرٍ آخر وهو: أن يُقدَّر العامل فعلاً يتعدى إلى اثنين بنفسه، حينئذٍ يكون الكلام جملة واحدة، تقديره (أُحذِّرك الأسد) فالكلام حينئذٍ جملة واحدة، فإذا قيل (إيَّاك من الأسد) فهل يَجوز حذف (من) ونصب الاسم المجرور بعدها؟ (إيَّاكَ من الأسد) هل يصلح على هذا التركيب الذي جوَّزه سيبويه (إيَّاكَ الأسد) أن يكون أصله: (إيَّاكَ من الأسد) ثُمَّ حُذِفت (من) وانتصب (الأسد)؟ لا يجوز، لأنه من باب حذف نزع الخافض، ونصب ما بعده على نزع الخافض، وهذا إنما يكون سماعياً ولا قياسياً، حينئذٍ لا يُحمَل هذا التركيب على شاذٍ. فتقول (إيَّاك الأسد)، وجوابه: إن قُدِّر العامل في (إيَّاك) فعلاً يَتعدى إلى مفعولٍ واحد، ولم تُقدِّر للأسد عاملاً آخر كما قَدَّره سيبويه لم يجب النصب، لأن نصب الأسد حينئذٍ يكون على نزع الخافض وهذا شاذٌ، وإن قَدَّرت فعلاً يَتعدى إلى اثنين بنفسه حينئذٍ جاز. وَشَذَّ إِيَّايَ وَإِيَّاهُ أَشَذّ ... وَعَنْ سَبِيلِ القَصْدِ مَنْ قَاسَ انْتَبَذْ (إيَّاكَ) قلنا: للمخَاطَب .. تنبيه المخاطب، (شَذَّ إِيَّايَ) المتَكلِّم والغائب شاذان، وحَكَم بعضهم على أنه قليل: (وَشَذَّ إِيَّايَ) ولذلك في الاختصاص ذكرناه، (إِيَّاكَ وَالشَّرَّ) ذاك في الاختصاص .. حصل تداخل. (إيَّاكَ وَالشَّرَّ) هنا الخطاب .. التحذير يكون لمُخاطَب، هل يُحذِّر نفسه، أو يُحذِّر غائباً؟ قلنا: الأصل فيه: أنه شآذٌ، والعِلَّة فيه السماع، إنما سُمِع (إيَّاكَ وأخواته): (إيَّاكَ .. إيَّاكِ .. إيَّاكُم .. إيَّاكُنَّ)، وأمَّا (إِيَّايَ والأسد) أي: يُحذِّر نفسه الأسد، (إِيَّاه والأسد) كذلك لا يصلح.

وَشَذَّ التحذير بغير ضمير المخَاطَب وهو (إِيَّايَ .. شَذَّ إِيَّايَ) (شَذَّ) فعلٌ ماضي و (إِيَّايَ) قصد لفظه فاعل، و (إيَّانا) مثله إذا كان جماعة، (وَإِيَّاهُ أَشَذّ) يعني: تحذير الغائب أشذ من تحذير المتَكلِّم نفسه، (وَإِيَّاهُ أَشَذّ) (إِيَّاهُ) مبتدأ قُصِدَ لفظه و (أَشَذّ) يعني: أشذُّ من (إِيَّايَ) حَذَف (مِن) ومدخوله، هذا جائز كما سبق معنا (زيدٌ أفضل) يعني: (من عمرو) إذا عُلِم جاز حذفه، هنا (أَشَذّ) يعني: من (إِيَّايَ). (وَعَنْ سَبِيلِ القَصْدِ مَنْ قَاسَ انْتَبَذْ) (?نْتَبَذْ) يعني: اطُّرِح فهو مَطْرُوح، (عَنْ سَبِيلِ) هذا مُتعلِّق بقوله (انْتَبَذْ). (مَنْ قَاسَ) (مَنْ) مبتدأ و (قَاسَ) صلة الموصول و (انْتَبَذْ) خبر المبتدأ. إذاً: (مَنْ قَاسَ انْتَبَذْ) اطُّرِح، (عَنْ سَبِيلِ القَصْدِ) الذي هو الصواب .. فهو منبوذ مطروحٌ، أي: من قاس على (إيَّاكَ) (إِيَّايَ وَإِيَّاهُ) فيما حُفِظَ من تحذير المتَكلِّم نفسه أو الغائب، من قاس عليهما فقوله مُخالفٌ للصواب، من قاس على (إِيَّايَ وَإِيَّاهُ) وما أشبههما فقد حاد عن طريق القصد، أي: الصواب. إذاً: يَختَصُّ التحذير هنا بالمخَاطَب وما عداه فهو شاذ (إِيَّاكَ) فحسب، وأمَّا (إِيَّانِي .. إِيَّايَ) و (إِيَّانَا) هذا شاذٌ، كذلك (إِيَّاهُ) هذا شاذٌ. حق التحذير أن يكون للمخَاطَب، شذَّ مجيئه للمتَكلِّم في قول: "إيَّايَ وأَنْ يَحذِفَ أَحَدُكُمْ الأَرْنَبَ"، قيل: هذا منسوبٌ لعمر، والأصل: إِيَّايَ باعدوا عن حذف الأرنب، وباعدوا أنفسكم عن أن يَحذف أحدكم الأرنب، هذا على قول الجمهور: (بَاعِد .. بَاعِدوا) ثُمَّ حُذِف من الأول المَحْذُور وهو الأرنب، ومن الثاني المُحذَّر وهو أنفسكم، وأشذُّ منه: مجيئه للغائب في قوله: (إذَا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّيْنَ فَإيَّاهُ وَإيَّا الشَّوَابِّ) يعني: جمع شابة، هذا: إيَّاه وإيا الشَّواب أضافه لاسمٍ ظاهر، والتقدير: فَليَحْذر نفسه وأنفس الشَّواب، وفيه شذوذان: - مجيء التحذير فيه للغائب. - وإضافته إلى (إِيَّا) .. إلى ظاهرٍ وهو الشَّواب، هذا شاذٌّ مع شاذ، ولا يقاس على شيء من ذلك البتَّة. وَكَمُحَذَّرٍ بِلاَ إِيَّا اجْعَلاَ ... مُغْرَىً بِهِ فِي كُلِّ مَا قَدْ فُصِّلاَ عرفنا معنى (الإغراء) اصطلاحاً ولغةً، والأحكام السابقة كلها من حيث إيجاب حذف العامل، ومن حيث جواز ذِكْرِه، كُله يُذْكَر في الإغراء. (وَكَمُحَذَّرٍ) هذا مفعول ثانٍ لقوله (اجْعَلاَ) (اجْعَلاَ مُغْرًى بِهِ كَمُحَذَّرٍ)، (اجْعَل مُغْرًى بِهِ) مفعول أول (وَكَمُحَذَّرٍ) مفعول ثاني. (بِلاَ إِيَّا) هذا مُتعلِّق بقوله: (اجْعَلاَ)، (فِي كلِّ مَا قَدْ فُصِّلاَ) يعني: في كل الذي قَدْ فصِّل سابقاً، والألف هذه للإطلاق.

(فِي كلِّ ما قَد فصِّلاَ من أحكام) فلا يلزم سَتْر عامله إلا مع العطف، لكن بدون (إِيَّا) يعني: الذي هو القسم الثاني الذي يَختص بقوله: (وَمَا سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لن يَلزَمَا) إذاً: الأصل فيه: ألا يلزم حذف عاملٍ إلا إذا عُطِف عليه أو كُرِّر، وأمَّا (إِيَّاكَ وَالشَّرَّ) (إيَّاكَ الشَّرَّ) (الشَّرَّ) هذا ليس داخلاً هنا، وإنما المُراد في قوله (وَمَا ... سِوَاهُ سَتْرُ فِعْلِهِ لَنْ يَلزَمَا) الذي هو النوع الثاني من التحذير والنوع الثالث، حينئذٍ النوع الأول يَتعيَّن حذف العامل الذي هو (إيَّاكَ) قولاً واحداً، والثاني هو الذي فيه التفصيل، فالأصل: أنه يَجوز حذف العامل ويجوز ذكره، إلا إذا عُطِفَ أو كُرِّر، كذلك المُغْرَى به هنا يَجوز ذكر عامله، ويَجوز حذفه إلا إذا كُرِّر أو عُطِف عليه. (فِي كُلِّ مَا قَدْ فُصِّلاَ) من أحكامٍ فلا يلزم سَتْر عامله (إِلاَّ مَعَ العَطْفِ) كقوله: (المُرُوءَةَ والنَّجْدَة) يعني: الزم، أَو التَّكْرَارِ: أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لاَ أخَا لَه .. إلى آخره. أي: الزم أخاك، ويَجوز إظهار العامل في نحو: (الصَّلاَةَ جَامِعَةً)، (الصَّلاَةَ) يعني: احضروا الصَّلاَةَ حال كونها جامعةً، (الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ .. الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ .. الصَّلاَةُ جَامِعَةً) أربعة أوجه فيها، (الصَّلاَةَ) هو الشاهد الذي معنا بالنصب على الإغراء (احضروا الصَّلاَةَ جامعةً: حالة كونها جامعةً) هنا يَجب الحذف؟ نقول: لا يجب، لأن المُغْرَى به لم يُكَرَّر ولم يُعْطَف عليه، فإن كُرِّر أو عُطِف عليه حينئذٍ كان حذف العامل واجباً .. الإضمار واجب، وأمَّا إذا لم يُعْطَف ولم يُكَرَّر حينئذٍ نقول: الأصل جواز الذكْر وحذفه. ويَجوز إظهار العامل في نحو: (الصَّلاَةَ جَامِعَةً) إذ الصلاة نُصِبَ على الإغراء بتقدير (احضروا) و (جامعةً) حال، فلو صُرِّح بـ (احضروا) جاز. إذاً: (كَمُحَذَّرٍ بِلاَ إيَّا) قيَّد: (بِلاَ إيَّا) أمَّا إذا كان بـ (إيَّا) فليس مثله، هذا قَيد احترازاً من (إِيَّا) لأن (إِيَّا) الأصل فيه: أنه يجب حذف العامل مُطلقاً، وأمَّا النوع الثاني فهو الذي يجوز ذكر العامل وحذفه إلا إذا عُطِف عليه أو كُرِّر. الإغراء: هو أمر المخاطب بلزوم ما يحمد به وهو كالتحذير في أنه إن وجد عطف أو تكرار وجب إضمار ناصبه وإلا فلا ولا تستعمل فيه "إيا" فمثال ما يجب معه إضمار الناصب قولك: أَخَاكَ أَخَاكَ إنَّ مَنْ لاَ أخَا لَه ... كَسَاعٍ إلى الهَيْجَا بِغيْرِ سِلاَحِ وقولك: (أَخَاكَ والإحسان إليه) عَطَف عليه، إذاً: يجب حذف العامل: (الزم أخاك). ومثال ما لا يلزم معه الإضمار قولك: (أَخَاكَ) فقط .. (الصَّلاَةَ) ذَكَره لوحده (الأسد) وهذا يجوز فيه الوجهان، يَجوز الذكْر وعدمه. قد يُرفع المكرَّر في الإغراء والتحذير، هذا وجهٌ جوَّزه البعض، (إِذَا قَالَ أَخُو النَّجْدَةِ السِّلاَحُ السِّلاَحُ).

وقال الفراء في قوله تعالى: ((نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا)) [الشمس:13] نَصْبُ الناقة على التحذير هذا الأصل، وكل تحذير فهو نَصْبٌ ولو رُفِع على إضمار هذه لجاز، يعني: في غير هذا لو قرئ: (هذه نَاَقَةُ اللهِ) هذا جائز، فإن العَرَب قد تَرْفَع ما فيه معنى التحذير، يعني: يجوز على وجه آخر. وكَمُحَذِّرٍ بِلاَ إِيَّا اجْعَلاَ ... مُغْرًى بِهِ فِي كُلِّ مَا قَدْ فُصِّلاَ والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

103

عناصر الدرس * أسماء الأفعال والأصوات * أنواع اسم الفعل * ينقسم اسم الفعل إلى منقول ومرتجل * عمل اسم الفعل , وحكمه مع معمولاته * متى يحكم على اسم الفعل بكونه معرفة أو نكرة؟ * حد أسماء الأصوات وأنواعه * الحكم الإعرابي لأسماء الأفعال والأصوات. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم - رحمه الله تعالى -: أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ وَالأَصْوَاتِ. أي: سيَذكر في هذا الباب ما يَتعلَّق بأسماء الأفعال، وما يتعلَّق بالأصوات، هنا عطف: الأصوات على الأفعال، أي: وأسماء الأصوات، وقيل: ليست أسماءً، بل ليست كلمات لعدم صِدْق حدِّ الكلمة عليها، لأنها ليست دَالةً بالوضع على معنى، يعني: لم يضعها الواضع، وإنما حُكِي فيها ما لا يعقل كما سيأتي. لأنها ليست دالةً بالوضع على معنىً، لتوقف الدَّلالة على عِلْم المخَاطَب بما وضِعَت له، والمخَاطَب بالأصوات هو: ما لا يعقل. إذاً قيل: أنها ليست أسماء، بل لا يَصْدُق عليها حد الكلمات، وإنما هي مُجرَّد أصوات، وأجاب القائل بأنها أسماء: بأن الدَّلالة كَوْن اللفظ بحيث متى أُطلِق فُهِم منه .. حينئذٍ العَالِم يفهم منه بالوضع معناه، وهذا الذي أُريد، لكن قد يُقال: بأنه ليس هذا حقيقة لغوية، وإنما هو حقيقة عُرْفية، بمعنى: أنه إذا أطلَقه انصرف إلى المعنى الذي أراده، فإذا قال: (غاق .. غاق) حينئذٍ أراد حكاية صوت الغُرَاب، هذا لم يضعه العرب، وإنما حُكي مُحاكاةً للغراب. حينئذٍ: إذا ما يَعْرِف أن الغُرَاب يقول هذا الصوت وأنه يُحْكى له، من أين يعْلَم المخَاطَب؟ لا بُدَّ أنه يسبقه علم سابق، حتى يَعْرِف أن هذا اللفظ إنما يُخاطَب به الغراب، (جئ .. جئ) للبعير أو الذي يُراد أن يشرب الماء، حينئذٍ نقول: لا بُدَّ أن يَعرِف أولاً المخَاطَب أن هذا اللفظ اسْتُعمِل في مثل هذا المعنى، ثُم بعد ذلك يفهم المدلول، ولذلك لا يُرجَع إلى لسان العرب في مثل هذا الأمور. إذاً: أسماء الأصوات مختلفٌ فيه: هل هي أسماء أم لا؟ لكن المشهور عند النُّحاة: أنها أسماءٌ أُجْرِيَت مُجرَى أسماء الأفعال، ولذلك عَقَد هذا الباب جمعاً بين النوعين: أسماء الأفعال وأسماء الأصوات، والأصوات جمع صوت كما سبق وهو صفةٌ مسموعة وعَرَضٌ مسموع، وكل ما يُسْمع، سواءٌ كان مما يعقل أو ما لا يعقل، قلنا: عام يشمل ما يعقل وما لا يعقل. أَسْمَاءُ الأَفْعَال سبق ذكرها في باب المُعْرَب والمبني، حيث بيَّن أنها مبنيةٌ: وَكَنِيَابَةٍ عَنِ الْفِعْلِ بِلاَ تَأَثُّرٍ .. قلنا: المُراد به أسْمَاءُ الأفْعَال، فَقَدَّم الحكم على العلم بالمحكوم عليه، لأن المراد هناك: تعْدَاد الأسباب التي إن وُجِدت حينئذٍ انتقل الاسم من كونه مُعرَباً إلى كونه مبنياً، ولم يتعرَّض لبيان حقيقة أسماء الأفعال هناك، لأن المقصود هو بيان الأسباب التي من أجلها يُبْنى الاسم، وبيَّن أن من الأسماء ما يعمل في غيره ولا يعمل غيره فيه، بل لا يدخل عليه عامل البتَّة، إذا كان عاملاً لفظياً هذا محل وفاق، والعامل المعنوي هذا محل خلاف، والصحيح أيضاً لا يدخل على أسماء الأفعال، ولذلك هي لا محل لها من الإعراب كما هو مذهب جمهور البصريين والنحاة.

عرَّفه ابن مالك هنا بأنها: ما ناب عن فعلٍ، وأسماء الأفعال لو قيل بِعدِّها وتمييز بعضها عن بعض .. اسم الفعل الأمر عن اسم الفعل المضارع .. اسم الفعل الماضي لكان أولى، لأنها معدودة يُمكن حَصْرها كما هو الشأن في ألفاظ التوكِيد المعنوي، قلنا الأصل: أنها لا تُحَد، وإذا كانت لا تُحَد يأتي السؤال: لماذا لا تُحَد؟ نقول: لأنها ألفاظ محصورة، ليست خارجة عن الأصل، هنا الذي هو خارجٌ عن الأصل، فَلمَّا كانت ألفاظاً معدودة محصورة حينئذٍ لا يَحسن حدُّها والاشتغال بالحد. كذلك أسماء الأفعال هي محصورة، وهي مُقسَّمة على ثلاثة أقسام: منها ما هو سماعي، ومنها ما هو قياسي، ولا يُعْرَف القياس إلا ما سَبَق معنا في: وَالأَمْرُ هَكَذَا مِنَ الثُّلاَثِي .. يعني: ما كان على وزن (فَعَال) هذا مَقيس، وما عداه لا يُعْتَبَر مقيساً، فإذا بُيِّن المقيس فيقال: ما عداه مسموعٌ، يعني: يُحْفَظ في لسان العرب ولا يقاس عليه غيره خلافاً للكِسَائي حيث جَوَّز القياس كما سيأتي. أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ وَالأَصْوَاتِ. قال: مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ كَشَتَّانَ وَصَهْ ... هُوَ اسْمُ فِعْلٍ وَكَذَا أَوَّهْ وَمَهْ وَمَا بِمَعْنَى افَعَلْ كَآمِينَ كَثُرْ ... وَغَيْرُهُ كَوَيْ وَهَيْهَاتَ نَزُرْ (نَزَرْ .. نَزُرْ) ونَزُرْ أحسن. (مَا نَابَ عَنْ فِعْل كَشَتَّانَ وَصَهْ) هذا الشطْر بيَّن فيه حدَّ أسماء الأفعال، (مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ) يعني: في العمل، وهل ناب عنه في المعنى؟ هذا سيأتي تفصيله في محله، لكن المشهور هنا الذي يعنينا كـ (عمل) ويتعلَّق به نظر النحويّ من حيث البناء والإعراب: أنه ناب عنه في العمل. فاسم الفِعْل يَعمل عَمل الفعل الذي ناب عنه مُطلقاً، إن كان لازماً فيرفع .. إن كان مُتعدياً فينصب .. إن كان مُتعدياً بِحرف كذلك يتعدى بِحرف، إذاً: هذا الذي يعنينا، وأمَّا كونها نائبةً عن لفظ الفعل، أو معنى الفعل، أو عن المصدَر كما سيأتي، هذه مسألة أخرى مُنْفكة عن مسألة العمل، ولذلك يُعيِّن النحويّ في الحد: كون هذه الألفاظ .. الأسماء نابت عن الفعل في العمل، ولذلك سبق: (وَكَنِيَابَةٍ عَنِ الْفِعْلِ) يعني: في العمل .. في كونها عاملةٌ ولا يعمل فيها غيرها. (مَا نَابَ عنِ فعلٍ في العَمَل ولم يَتَأَثَّر بالعَوَامِل ولم يكن فضلة) هذا تعريف ابن مالك في التسهيل. (مَا) اسمٌ موصول بمعنى: الذي، و (نَابَ) فعلٌ ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا) والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، لكن هو يُعْرَب: فعل ماضي، يعني: يَرِد اعتراض في الحد، قال مثلاً: (كلمةٌ دَلَّت على معنىً في نفسها ولم تقترن بزمن) (دَلَّ) فعل ماضي، يأتي اعتراض: هل دَلَّ بمعنى أنه دَلَّ في الماضي والآن لا يدل؟ لأن الفعل الماضي يَدلُّ على انقطاع، هذا الأصل: حصل ووقع وانتهى، إذاً: دَلَّت في الزمن الماضي، والآن وقت الكلام لم تَدُل مثل: (قام زيد) قبل الكلام، قبل أن تتكلَّم حَصَل القيام والآن لا يوصف بكونه قائماً إلا بدليل.

حينئذٍ في الحدود نقول الأفعال منزوعة الزمن، بمعنى: أنها لا تَدلُّ على فعلٍ ماضٍ قد انقطع حدثه، هذا يُجاب به من أجل الاعتراض فحسب، لأن الحَدَّ ليس له وقت، لا يُوصف بكونه يقع في الزمن الماضي، أو الحال، أو المستقبل لا، منْزُوع الزمن .. ليس له وقت، كلَّما نَطَق الناطق منذ أن وجدت اللغة إلى يومنا فالفعل الماضي يَصدُق عليه حد الماضي، والمضارع يَصدُق عليه حد المضارع، وكذلك الأمر، حينئذٍ (دَلَّ) .. (دَلَّت) نقول: هذا ليس المراد به الزمن الماضي. وهنا مثله، لكن الإعراب يبقى على ظاهره، فتقول: فعل ماضي مبني على الفتح إلى آخره، والفاعل إلى آخره، وأمَّا من حيث التعليل والاعتراض فيُجاب بما ذكرنا، حينئذٍ يكون استعمالاً للفظ في غير معناه الزمني، أمَّا دلالته المعنوية هذه حاصلة، وأمَّا المعنى من حيث والزمن ومُتعلَّق الزمن هذا الذي نُزِع منه كما هو الشأن في (كان الاستمرارية). على كلٍ (نَابَ) الجملة هنا من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، (مَا) أحسن ما تُفسَّر به دون أن نعمِّم من أجل الإخراجات كما فعل الأشْمُوني وغيره نقول: (مَا) هنا بمعنى: اسم، لماذا؟ لأنه هو حَكَم أنها أسماء، قال: (أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ) فيكفي أنه قال في الترجمة: (أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ وَالأَصْوَاتِ) إذاً: هو يريد أن يعرِّف اسماً، لا يريد أن يعرِّف كلمة أو لفظاً، ثُم نقول: اللفظ دخل فيه الجملة، ودخلت فيه المركَّبات، ونحتاج إلى احترازات، لا نقول: (مَا) هنا اسمٌ موصولٌ بمعنى: الذي، أي: اسمٌ. لماذا قلنا: اسمٌ حدَّدناه، والأصل فيه أنها مُبهم؟ لكونه في الترجمة قال: (أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ) ويكفي من أن نقول: أنه جنسٌ ونحتاج إلى إخراج الأفعال والحروف، هذا كله اعتراض وكلامٌ وارد لو عمَّمنا (مَا)، حينئذٍ نقول: (مَا) اسمٌ بدليل الترجمة. (نَابَ عَنْ فِعْلٍ) قلنا: (مَا) هذا جنسٌ يشمل كل اسمٍ، سواءٌ ناب عن فعلٍ أو لا. (نَابَ عَنْ فِعْلٍ) هنا خَرَج ما لا ينوب عن الفعل، وهو الأصل في الاسم: أن لا يكون نائباً عن غيره. (نَابَ عَنْ فِعْلٍ) قال النحاة: يشمَّل ثلاثة أنواع مما ينوب عن الفعل: - وهو اسم الفعل الذي نريد حَده. - والمصدر. - واسم الفاعل، دخلت هذه لأنها تنوب عن الفعل. قوله: (كَشَتَّانَ وَصَهْ .. كَشَتَّانَ .. نَابَ عَنْ فِعْلٍ كَشَتَّانَ) (شَتَّانَ) جار مجرور مُتعلِّق بِمحذوف حال من فاعل ناب .. من الضمير المستتر الذي يعود على (مَا) حينئذٍ صار وصفاً للفاعل، وإذا كان كذلك صار داخلاً في الحد، لم نفصله ونقول (وذلك شتَّان) إذا قلنا (وذلك شتَّان) حينئذٍ انتهى الحد عن قوله (نَابَ عَنْ فِعْل) وإذا قلنا: جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف صفة أو حال من فاعل (نَابَ) حينئذٍ نقول: هذا داخلٌ في الحد وليس خارجاً عنه، والصحيح: أنه داخلٌ في الحد، لأن قوله: (كَشَتَّانَ) أخرج به المصدر واسم الفاعل، لأننا قلنا (اسْمُ) هذا عام يشمل ما ناب عن الفعل، وما لم ينُبْ عن الفعل.

(نَابَ عَنْ الفِعْل) أخرج الاسم الذي لا ينوب عن الفعل، دخل معنا: أسماء الأفعال، والفاعلين، والمصادر، نريد إخراج المصادر، وأسماء الفاعلين نقول: (كَشَتَّانَ) في كونه عاملاً، ولا يعمل فيه غيره، وليس بفضلة. إذاً: (كَشَتَّانَ) أخرج به اسم الفاعل والمصدر، أي: (كَشَتَّانَ) في كونه غير معمولٍ ولا فضلة، فأخرج المصدر واسم الفاعل، فتعيَّن أن يكون الحد صادقاً على أسماء الأفعال. إذاً: كل اسمٍ ناب عن فعلٍ (كَشَتَّانَ وَصَهْ) هذا معطوف على (شَتَّانَ) فهو اسم فعلٍ، هناك قال في (التسهيل) كذلك نقله الأشْمُوني كما هو: "مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ في العمل، ولم يتأثر بالعوامل، ولم يكن فضلة" هذا زاده الأشْمُوني بين قوله (عَنْ فِعْل كَشَتَّانَ) وهذا فيه خلل لأنه جعل (كَشَتَّانَ) داخلاً في الحد، فإذا كان داخلاً في الحد حينئذٍ لا يُقال هذا قبل (شَتَّانَ) وإنما يذكره بعده، أو يُذْكَر تتميماً للحد. (كَشَتَّانَ) إذا قيل بأنه داخلٌ في الحد فحينئذٍ بماذا نُفَسِّر مثل (شَتَّانَ)؟ في كونه عاملاً، ولا يعمل فيه غيره، وفي كونه ليس فضلةً، إذاً: داخل في الحد. " .. في العمل ولم يتأثَّر بالعوامل ولم يكن فضلة، فقوله: (مَا نَابَ عَنْ فِعْل) جنس يشمل اسم الفعل وغيره مما ينوب عن الفعل، وقوله: (لم يتأثَّر بالعوامل) فصلٌ مُخْرِجٌ للمصدر الواقع بدلاً من اللفظ بالفعل واسم الفاعل ونحوها" (المصدر) سبق معنا مراراً: أنه ينوب مناب الفعل (ضرباً زيداً) يعني (اضرب زيداًَ) هنا جاء المصدر بدلاً عن فعله، فحينئذٍ يصير الفعل المحذوف عاملاً في (ضرباً) إذاً: تأثَّر بعاملٍ أو لا؟ تأثَّر بالعامل، (زيداً) هذا معمولٌ لـ (ضرباً) وقيل: معمول للفعل المحذوف. إذاً قوله: "ولم يتأثَّر بالعوامل" فصلٌ مُخرجٌ للمصدر الواقع بدلاً من اللفظ بالفعل، وكذلك اسم الفاعل ونحوهما، نحو: (ضرباً زيداً) و (أقَائِمٌ الزَيْدَان)، سبق معنا مراراً أن: (أقَائِمٌ الزَيْدَان) في قوة (أيَقُومُ الزَيْدَان) و (أمَضْرُوبٌ الْعَبْدُ) في قوة: (أيُضْرَبُ الْعَبْدُ) لأنه عمل هنا لكونه في معنى الفعل، وكأنه رفع فاعلاً، ولذلك ما بعده يكون فاعلاً -بل رفع فاعلاً-، حينئذٍ كأن القائم هنا أُقِيم مُقام الفعل، بل نَصَّ ابن هشام في (شرح القطر) على أن: (أقَائِمٌ الزَيْدَان) في قوة قولك: (يَقُومُ الزَّيْدَان) و (أمَضْرُوب الْعَبْد) في قوة قولك: (أيُضْرَبُ العَبْدُ) إذاً: هو في معنى الفعل، كأنه بدَّلٌ عنه. و (أقَائِمٌ الزَّيْدَان) ونحوهما مما يعمل عمل الفعل، فإن العوامل اللفظية والمعنَويَّة تدخل عليها لا شك بهذا، (ضَرْبَاً زَيْدَاً) هذا منصوب بعامل لفظي وإن كان محذوفاً، و (قَائِمٌ) وإن كان يعمل عمل الفعل، قد عمل فيه العامل المعنوي وهو الابتداء، فتقول: (ضَرَبْتُ زَيْدَاً قَائماً) (قَائماً) رفع ضميراً مستتراً أو (جَاءَ زَيْدٌ راكباً على الفَرَس) مثلاً و (على الفرس) هذا معمُول لـ (راكِبَاً) و (راكباً) معمولٌ لـ (جاء زيدٌ) حينئذٍ يكون معمولاً لعامل لفظي أو لعامل معنوي.

تدخُل عليها فَتَعمل فيها، فـ (ضَرْباً) منصوبٌ بما ناب عنه وهو (اضرب) و (قائمٌ) مرفوعٌ بالابتداء، وقد يكون بعامل، وقد يكون بـ (إنَّ) وقد يكون بـ (كان) ونحوها، إذاً: ما ناب عن فعلٍ نقول: في العمل، ولم يتأثَّر بالعوامل، ولم يكن فضلة، قوله (ولم يكن فضلة) قيل: لإخراج الحروف، وعليه قوله (كَشَتَّانَ) تَتْميمٌ للحد، إذا قيل: الحروف، معناه: عمَّمْنا .. (ولم يكن فضلة) احتاجه ابن مالك - رحمه الله تعالى - لماذا؟ لأنه لم يأخذ الاسم جنساً في الحدِّ بل عمَّمَ، نحن نقول: نرتاح مباشرة ولا نحتاج أن نقول (فضلة). (مَا) اسمٌ، إذاً: خَرَج الحرف .. لم يدخل معنا، (مَا) كلمةٌ، إذاً: دَخَل معنا الحرف ونحتاج إلى إخراجه، (ولم يكن فضلة) قال: أخْرَج الحرف كـ (إنَّ وأخواتها) هذه تنوب مناب الفعل: (إنَّ وأنَّ) كما سَبَق أنها عملت، لأنها أشبهت الفعل في المعنى، وكذلك أشبهته في اللفظ .. في اللفظ والمعنى، إذاً: هي مثل (شَتَّانَ) ومثل (صَهْ) قامت مَقَام الفعل، لكن هناك نقول: قامت مقام الفعل وهي حروف ولا تُسَمَّى أسماء أفعال، إذاً: نريد إخراجها فنقول (مَا) اسمٌ، وإذا عمَّمنا نَحتاج أن نقول: (ولم يكن فضلة) لإخراج الحروف، وعليه فقوله: (شَتَّانَ) تتميمٌ للحدِّ. مَا نَابَ عَنْ فِعْل كَشَتَّانَ وَصَهْ ... هُوَ اسْمُ فِعْلٍ قال السيُوطي في شرحه على الجمع: أسْمَاءُ الأفْعَال هي أسْمَاءٌ قامت مقامها, أي: مقام الأفعال" (أسْمَاءٌ) إذاً صَدَّر بالأسماء وهذا أولى. أسماءٌ قامت مقامها، أي: مقام الأفعال في العمل، غير متصرِّفة لا تصرُّف الأفعال ولا تصرُّف الأسماء كما سيأتي، وبهذا القيْد خَرَجت الصفات والمصادر، فإنها وإن قَامَت مَقَام الأفعال في العمل، إلا أنها تتصرَّف تصرُّف الأسماء فتقع مبتدئة، وفاعلاً ومفعولاً، وأمَّا أسماء الأفعال، فهذه كما سيأتي لا مَحل لها من الإعراب، فلا تَتصرَّف تصرُّف الأفعال في كونها تأتي بصيغة الماضي والمضارع والأمر، ولا تَتصرَّف تصرُّف الأسماء في كونها تأتي مبتدأً، وفاعلاً، وخبراً، ونحو ذلك. (هُوَ اسْمُ فِعْلٍ) (هُوَ) ما هو؟ يعني: مَا صدق عليه الحد السابق، (هُوَ) هذا مبتدأ ثاني و (اسْمُ فِعْلٍ) خبر مبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول الذي هو (مَا). إذاً: ما ناب عن فعلٍ في العمل (كَشَتَّانَ) ولم يتأثَّر بالعوامل، ولا نحتاج أن نقول (ولم يكن فضلةً) لأننا أخرجنا الحروف بقولنا: (مَا) اسمٌ وليست صادقةً على الكلمة. (هُوَ اسْمُ فِعْلٍ) حَكَمنا عليه بكونه (اسْمُ فِعْلٍ) حينئذٍ نقول: ما الفائدة في كون هذه الألفاظ تكون قائمةً مَقَام الأفعال وليست هي بأفعال؟ قيل: فائدة وضعه، وعدم الاستغناء بمسماه، لأن مُسمَّى اسم الفعل هو الفعل وليس هو الزمن والحدث، يعني: كما قلنا في اسم المصدر، ما مُسمَّاه؟ المصدر، إذاً: مُسمَّاه لفظٌ، ثُمَّ دلالة اسم الفعل على الحدث .. اسم المصدر يَدُل على الحدث، والمصدر يَدُل على الحدث، ما الفرق؟ المصدر يَدُل مباشرةً، موضوعه مُسمَّاه: الحدث، واسم المصدر مُسمَّاه هو: لفظ المصدر، ولفظ المصدر مُسمَّاه: الحدث، إذاً: دَلَّ على الحدث بواسطة المصدر.

كذلك هنا اسم الفعل أُقِيم مُقَام الفعل، حينئذٍ صار اسماً مُسمَّاه الفعل، ومُسمَّى الفعل هو الحدث والزمان، فـ (صَهْ) اسمٌ، مُسمَّاه: اسْكُت، (اسْكُت) مسماه: طلب السكوت وهو الحدث في الزمن المستقبل. إذاً: كالقول في المصدر، حينئذٍ: أُقيِمت هذه الأسماء مُقَام الأفعال، ما الفائدة .. لماذا نقول: صَهْ، ما نقول: مباشرة: اسْكُت؟ قالوا: فيها فائدة، فائدة وضْعِه وعدم الاستغناء بِمسمَّاه الذي هو الفعل: قَصْد المبالغة، فإن القائل (أُفّ) مثلاً كأنه قال (أتَضَجَّرُ كثيراً جداً) إذاً: أفاد المبالغة، ليس المراد (أتضجَّر) فحسب، نقول: (أُفٍّ) اسم فعلٍ، مُسمَّاه (أتضجَّر) هل مدلوله مُجرَّد مدلول (أتَضَجَّر) فحسب؟ لا، لا يَدُل على الحَدَث فحسب، وإنما يَدُل على حدثٍ مؤكَّد، كأنه قال: (أتَضَجَّر كثيراً جداً) إذاً: أفاد المبالغة، فإذا أرَدْتَ (التضجُّر) الذي ليس بالكثير، تقول: (أتضجَّر من هذا الأمر) وإذا أردت المبالغة في هذا ما تأتي بـ (أتضجَّر) وإنما تقول: (أُفٍّ) يعني: بلغ السيل الزبى! (أتضجَّر من هذا الشيء كثيراً جداً). والقائل: (هَيْهَاتَ) فإنه قال: (بَعُدَ جداً) .. بَدَل أن تقول (بَعُدَ) هذا ما يحتمل أنه كثير، لأن الحدث يصدق على أقلِّه هذا الأصل، أقل ما يصدق عليه أنه (بُعْد) فتقول: (هَيْهَاتَ) وأمَّا إذا أرَدْتَ البُعْد البعيد جداً فتقول: (هَيْهَاتَ) تأتي باسم الفعل. إذاً: ثَمَّ فائدة من وضع هذه الألفاظ .. أسماء الأفعال، حينئذٍ تَدُل على المسمى وهو الفعل لكن مع زيادة تأكيدٍ، هذه الفائدة من وضع هذه الألفاظ. وهذه الألفاظ أسماءٌ حقيقةً على الصحيح، أسماء وليست بأفعال، ثَمَّ خلافٌ بينهم. وهذه الألفاظ أسماءٌ حقيقةً على الصحيح، وهو قول جمهور البصريين، وقيل: أفعالٌ اسْتُعْمِلت استعمال الأسماء، وذهب الكوفيون: إلى أنها أفعالٌ حقيقة لدلالتها على الحَدَث والزَّمان، إذاً ثلاثة أقوال: - أسماء حقيقةً، يعني: اسم مثل: زيد وعمرو وخالد. - والقول الثاني: أفعالٌ اسْتُعْمِلت استعمال الأسماء. - والقول الثالث: أنها أفعالٌ حقيقة، مقابل قول البصريين، وهو قول الكوفيين. ما الفرق بين القول الأول والثاني .. أو الثاني والثالث .. أفعالٌ اسْتُعْملت استعمال الأسماء .. كيف أفعال ويُسْتَعمل استعمال الأسماء، الفعل والاسم ما يجتمعان! الظاهر والله أعلم أن مرادهم من حيث المعنى: هي أسماء في اللفظ، لكن المراد بها ما يُراد بالفعل، ولذلك قيل أن أسماء الأفعال: لفظٌ الفعل، وقيل: أسماءٌ مُسمَّاها معنى الفعل، يعني: اسمٌ مدلوله مدلول الفعل .. المعنى، وقيل: اسمٌ مدلوله لفظ الفعل نفسه، وفرقٌ بين أن يقال: مدلوله لفظ الفعل الذي هو (اسْكُت) وبين أن يُقال: مدلوله معنى الفعل الذي هو (طلب السكوت) وهذا دَالٌّ على حدثٍ وزمن، حينئذٍ: كأن اللفظ وُضِع وَضع الأسماء ولكن معناه معنى الأفعال، ولذلك سيأتي أن: أسماء الأفعال قيل كلها مَعَارف، وإن كان الصحيح التفصيل فيها، لكن منها ما يدخل عليه التنوين كـ (صَهْ) و (أُفٍّ) ونحوها.

إذاً القول الثاني: أنها أفعال اسْتُعْمِلت استعمال الأسماء، أفعالٌ من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، لا يُمكن أن يُقال: اللفظ نفسه فعلٌ، ثُمَّ نقول: استُعمِل استعمال الأسماء هذا جمعٌ بين نقيضين! وإنما نقول: هذا يُحمل على القول الآخر الذي يُفَسَّر بأن اللفظ وُضِع وهو اسمٌ لكن لمعنى الفعل، فهو مُساوٍ له في المدلول (صَهْ واسكت) في اللفظ متغايران، (صَهْ) اسمٌ و (اسكت) فعلٌ، ومعناهما مُتَّحد، وهذا ضعيف، لماذا؟ لأن معنى الاسم مُغاير لمعنى الفعل، كلمةٌ دلَّت على معنى في نفسها واقترنت .. ، وتلك لم تقترن، إذاً: كيف يقال: بأن المعنى مُتَّحد؟ هذا ضعيف، على كلٍّ الصواب هو الأول. وذهب الكوفيون: إلى أنها أفعالٌ حقيقةً، لدلالتها على الحدث والزمان، والدليل على أنها أسماء – القول الراجح -: أن منها ما هو على حرفين أصالةً مثل (صَهْ) ولا يَتصل بها ضمائر الرفع البارزة، ولذلك (صَهْ) يُستعمل للواحد، والمثنَّى، والجمع، والمذكَّر، والمؤنَّث، تقول للرجل (صَهْ) وللمرأة (صَهْ) وللاثنين (صَهْ) وللجماعة (صَهْ) وللألْف (صَهْ) .. كلمة واحدة (صَهْ)، لا تحلقها الضمائر البارزة، بخلاف (اضرب .. اضربا .. اضربوا .. اضربن .. اضربي) هذه تلحقها الضمائر البارزة، إذاً: (صَهْ) أسماء الأفعال لا يتصل بها ضمائر الرفع البارزة. ومنها: مَا يُخالف أوزان الأفعال نحو: (نَزَالِ .. فعال) ليس في الفعل ما هو على وزن (فَعَالِ) إذاً: جاء منها ما ليس له نضير في الأفعال، وهذا يدل على أنها ليست أفعالاً، وأن الطَّلَبي منها لا تَلْحقُه نون التوكيد .. (صَهْ) لا تَلحقُه نون التوكيد، مع أن الفعل الطَّلبي تلحقه نون التوكيد كما سيأتينا إن شاء الله. إذاً: الطَّلبيُّ من أسماءِ الأفعال لا تلحقه نون التوكيد، والفعل الطَّلبي تلحقه نون التوكيد، حينئذٍ لمَّا فُرِّق بينهما مع أن كلاً منهما طَّلبيٌّ دَلَّ على أن ما لا تلحقه نون التوكيد مع كونه طَلبياً ليس بفعلٍ، ومنها ما يُنوَّن (صَهٍ) هذا التنوين تنوين تنكير، وهو من علامات الأسماء، بل كما سيأتي أن بعضهم قال: كُلها معارف. إذاً: الصحيح أنها أسماء أفعال، ليست بأفعالٍ اسْتُعْملت استعمال الأسماء، وليست بأفعالٍ حقيقةً تَدُل على الزمان والحَدَث، وأمَّا دلالتها .. تَدُل على أي شيء؟ فعلى الصحيح أن مدلولها لفظ الفعل، لا الحَدَث ولا والزمان، وليس المراد أنها لا تَدُل على الحدث والزمان مُطلقاً، لا، وإنما لا تَدُلُّ مباشرةً، لأنها لو دلَّت مباشرةً على الحدث والزمان لكانت فعلاً، لأن هذا مدلول الفعل، حينئذٍ إذا قيل (صَهْ) مدلوله (اسكت) ومدلول (اسكت) الحدث والزمان، إذاً: دَلَّ على الحدث والزمان لكن بواسطة لفظ الفعل، فمُسمَّى (صَهْ) لفظٌ، كما سبق معنا مراراً: أن مُسمَّى اللفظ قد يكون لفظاً، كما أنه يكون معنىً، ويكون زمناً، حينئذٍ: (صَهْ) مدلوله (اسكت) و (اسكت) مدلوله الحدث والزمن.

إذاً: مدلول أسماء الأفعال على الصحيح لفظ الفعل لا الحدث والزمان، بل تَدُل على ما يَدُل على الحدث والزمان، (تَدُل على .. على) ما يَدُل على الحدث والزمان وهو لفظ الفعل، أي: من حيث هو دَالٌ على المعنى الموضوع هو له، لا من حيث كونه مُطلق لفظٍ، يعني: إذا قيل (صَهْ) يَدُل على (اسكت) إذاً: مدلوله لفظ، أيُّ لفظ أو لفظٌ خاص؟ لفظٌ خاص، يعني: (صَهْ) مدلوله (اسكت) و (اسكت) هذا لفظٌ، حينئذٍ مدلول (صَهْ) لفظٌ هل هو مُطَلق اللفظ أو لفظٌ خاصٌ دالٌ على طلبٍ وهو السكوت في الزمن المستقبل؟ لا شك أنه الثاني. أي: من حيث هو دالٌ على المعنى الموضوع هو له، لا من حيث كونه مُطلق لفظ، فـ (آمين) مثلاً مُسمىً به الفعل الذي هو (استجب)، إذاً (آمين) نقول هذا اسم فعلٍ، ما مدلوله؟ (استجب)، إذاً: اللفظ، لا من حيث كونه لفظاً (استجب) .. لا من حيث كونه لفظاً من الألفاظ، بل من حيث كونه لفظاً دالاً على طلب الاستجابة .. بهذا القيْد هذا واضح، ما أظن أنَّ أحداً يخالف فيه. وقيل: أنها تَدُل على الحدث والزمان كالفعل، وهذا الخلاف مبني على الخلاف السابق .. فرعٌ عنه، فمن قال هناك أسماء، قال هنا: لا تدل على الحدث والزمن .. من قال: هناك أفعال لا بُدَّ أنها تَدُل على الحدث والزمان. قيل: أنها تَدُل على الحدث والزمان كالفعل، فهي أسماء بمعنى: الأفعال، لكن بالمادة لكن بأصل الصيغة، يعني: ما ذَكَرتُه سابقاً أن بعضهم يرى أن أسماء الأفعال مدلولها معنى الفعل، وقيل: مدلولها المصادر، يعني: (صَهْ) مدلوله (السكوت) و (السكوت) يستلزم زماناً وفاعلاً، أي: النائبة عن أفعالها، وعليه فقولهم (أسماء الأفعال) أي: اللغوية التي هي المصادر. يعني: إذا قيل (أسماء الأفعال) أيُّ أفعالٍ؟ الاصطلاحية على القول الأول وهو الصحيح، إذا قيل: بأن مدلول أسماء الأفعال هي المصادر، حينئذٍ أسماء الأفعال، يعني: اللغوية التي هي المصادر. وقيل: ما سَبَق استعماله في ظرفٍ أو مصدرٍ باقٍ على اسميَّته كـ (رويداً زيداً) و (دونك زيداً) وما عداه فعلٌ كـ (نَزَال) و (صَهْ) يعني: بَعَّض الباب .. قسَّمه، قال: منه ما هو اسمٌ، ومنه ما هو فعلٍ، ما كان منقولاً عن ظرفٍ أو مصدر، (رويداً) هذا منقول (دونك) ظرف، حينئذٍ قال: (اسمٌ) وما ليس منقولاً بل هو مُرْتَجل كـ (صَهْ) و (أُف) قال: هو فعلٌ، وهذا ما يستقيم. وقيل: هي قسمٌ برأسه يُسمَّى (خالفة الفعل) أي: خليفته ونائبه في الدلالة على معناه، وهذا ما زاداه في القسمة الرباعية السابقة معنا (اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ وخالفةٌ) قلنا: زاده (جعفر بن صابر) وهو قولٌ شاذ خالف الإجماع، ولذلك أظن الصبَّان قال: "وزاد من لا يُعتَدُّ بخلافه - أو لا يُعْتَدُّ به" كلام مثل هذا القبيل، على كلٍّ: لم يُلتَفَتوا إليه أصالةً. فالقسمة ثلاثية (وخالفة) هذا راجع إمَّا إلى كونه فعلاً أو اسماً، والصحيح أنه اسمٌ، إذاً: عرفنا أنها أسماء حقيقةً، وعرفنا أن مدلولها هو لفظ الفعل لا الزمان والحدث، وإنما تدل على الزمان والحدث بواسطة الفعل.

ثُمَّ المبحث الثاني: جمهور النحاة على أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب، وذهب المازِنِي: إلى أنها في موضع نصبٍ بِمضمَر، يعني: فعلٍ مُضْمر، وهذا ضعيف، ونُقِل عن سيبويه القولان، وقيل: في موضع رفعٍ بالابتداء، وأغناها مرفوعها عن الخبر كما في: (أقَائِمٌ الزيدان)، (هَيْهَاتَ العقيق) (هَيْهَاتَ) مبتدأ و (العقيقُ) فاعل سدَّ مَسَد الخبر مثل: (أقَائِمٌ الزيدان) والصواب أنها لا محل لها من الإعراب وهو قول جمهور النحاة. مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ كَشَتَّانَ وَصَهْ ... هُوَ اسْمُ فِعْلٍ وَكَذَا أَوَّهْ وَمَهْ (وَكَذَا) هذا خبر مُقدَّم، (أَوَّهْ وَمَهْ) .. (شَتَّانَ) اسم فعل ماضي (وَصَهْ) اسم فعل أمر، (شَتَّانَ) بمعنى: افترق، (شَتَّانَ زيدٌ وعمروٌ) (وَصَهْ) بمعنى: اسكت (أَوَّهْ) بمعنى: أتوجَّه (وَمَهْ) بمعنى: اكفف، (أَوَّهْ) هذا اسم فعل مضارع (وَمَهْ) مثل (صَهْ) يعني: اسم فعل أمر. (وَكَذَا أَوَّهْ وَمَهْ) كأنه ذَكَر لك في هذا البيت أربعة أفعال، اثنين منها اسم فعل أمر وهو (صَهْ) و (وَمَهْ) و (شَتَّانَ) اسم فعل ماضي و (أَوَّهْ) اسم فعل مضارع، وعليه تَعرِف أن هذه الأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام، ولذلك سبق هناك: واَلأَمْرُ إِنْ لَمْ يَكُ لِلنُّونِ مَحَلّ ... فِيهِ هُوَ اسْمٌ نَحْوُ صَهْ وَحَيَّهَلْ كل ما لا يقبل علامة قسمٍ من الأقسام الثلاثية السابقة فاحكم عليه بأنه اسمٌ لذلك الفعل، فما لا يقبل علامة فعل الأمر مع دلالته على الطَّلب احكم عليه بأنه اسم فعل أمر، وكذلك الماضي، وكذلك المضارع، وعليه تَعرِف أن أسماء الأفعال تنقسم إلى ثلاثة أقسام. قال هنا: وَمَا بِمَعْنَى افْعَل كَآمِينَ كَثُرْ .. يعني: القِسْم الذي هو اسم فعل أمر، وهو الذي بمعنى: افعل، دالٌ على الطَّلب (كَثُرَ) يعني: كثير في هذه الأفعال، أكثر أسماء الأفعال أسماء فعل أمرٍ، ويكفي كما قال المكُودِي: "ويكفي في الدلالَّة على كثرته أن نوعاً منه مَقِيساً" وهو ما كان على وزن (فعال) مَقِيس، يعني: ائتي به على وزن (فَعَال). وأمَّا اسم فعل الماضي، واسم فعل المضارع كله مَسْمُوع، وهذا استدلال جيِّد في الدلالة على أن اسم فعل الأمر أكثر بكثير من اسمي فعل الماضي والمضارع، والدليل على هذا: أنَّ ما كان من اسم فعل الماضي والمضارع كله مسموع .. منقول عن العرب، ليس قياسياً، وأمَّا اسم فعل الأمر فمنه القياسي، وهو ما كان من الثلاثي بالشروط السابقة التي ذكرناها، على وزن (فَعَال)، ومنه ما هو مسموع كـ (صَهْ) (وَمَهْ) ونحوهما.

(وَمَا بِمَعْنَى) (وَمَا) مبتدأ (بِمَعْنَى افْعَلْ) مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، (كَآمِينَ) وذلك كـ: (آمين)، آمِينَ هذا فيه لغتان: (آمِينَ) بالمد بمعنى: (استجب) و (أمين) على وزن (فعيل) وكلتاهما مسموعتان، إلا أن (آمِينَ) قيل إنه أعجمي، لأنه على وزن (فاعيل) وليس عندنا في لسان العرب ما هو على وزن (فاعيل) ولذلك أُوِّل بأن (آمِينَ) أُشبِعت فتحة الهمزة مدة فصارت (آمين)، أُشبعت الحركة ألفاً فصارت مدةً (آمين)، إذاً الأصل: (أمين) ثُمَّ مُدَّت الهمزة فصارت (آمِينَ)، على كلٍّ قيل: وزنه (فاعيل)، وإذا سُلِّم بهذا صار أعجمياً، إلا إذا قيل بأنه فرعٌ لا أصل، والوزن يتعلَّق بالأصل لا بالفرع. (وَمَا بِمَعْنَى .. كَآمِينَ) نقول: هذا (كَثُرْ) يعني: كثير في لسان العرب، وكفى بكثرته أن منه نوعاً مَقِيساً وهو (فَعَالٍ) من الثلاثي، أي: ورَدَ اسم الفعل بمعنى الأمر كثير .. وروده كثير. (وَغَيرُهُ) وهو ما كان بمعنى: الماضي والمضارع (كَوَيْ) بمعنى: أَعْجَبُ، هذا اسم فعل مضارع. (وَهَيهَاتَ) هذا مقابل لـ (شَتَّانَ) اسم فعل ماضي، (نَزُرْ) يعني: قلَّ. إذاً: أشار بهذا البيت إلى أن القسمة ثلاثية، بمعنى: افْعَل .. بمعنى: فَعَلَ .. بمعنى: يَفْعُلُ، ما كان بمعنى: افْعَل، كثير بدليل أن منه ما هو مقيس على وزن (فَعَال) وما كان بمعنى: فَعَلَ، وما كان بمعنى: يَفْعُلُ، فهو قليل، فهو مسموعٌ لا يُقاس عليه. قال الشارح هنا: "أسْمَاءُ الأفْعَال ألفاظٌ تقوم مقام الأفعال" والقول بأنها ألفاظ، هذا محل إشكال، الصواب أن يُقال: (أسْمَاءٌ تقوم مَقَام الأفعال) لأنه يدخل معنا حروف، منها ما هو قائمٌ مقام الفعل "في الدلالة على معناها وفي عملها" في الدلالة على معنى الفعل مُباشرةً، إن كان مباشرة هذا محل إشكال، وإن كان بواسطة فلا إشكال، حينئذٍ نقول: (أسْمَاءُ الأفْعَال) تَدُل على الحدث والزمان، وليس الأمر كذلك، بل هي تَدُل على لفظ الفعل، إذاً قوله: "في الدلالة على معناها" هذا يحتاج إلى تقييد .. استفصال. "وفي عملها وتكون بمعنى الأمر" فعل الأمر "وهو الكثير فيها كـ (مَهْ) بمعنى: اكفف، و (آمِينَ) بمعنى: استجب، وتكون بمعنى الماضي (كَشَتَّانَ) بمعنى: افترق، تقول: (شَتَّانَ زَيْدٌ وعَمْرُوٌ)، و (هَيْهَاتَ) بمعنى: بَعُدَ، تقول (هَيْهَاتَ العَقِيقُ) ومعناه: بَعُدَ، وبمعنى المضارع كـ (أَوَّهْ) أتوجَّع، و (وَيْ) بمعنى: أعجب، وهذا تلحقه كاف الخطاب كما قال أهل العلم، ومنه: ((وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ)) [القصص:82] بمعنى: أَتَعَجَّب. "وكلاهما غير مقيس" ما هو كلاهما؟ الماضي والمضارع، مفهومه: أن الأمر كُلَّه مقيس، وليس الأمر كذلك، بل منه ما هو مقيس وهو ما كان على وزن (فَعَالِ) كَـ: (نَزَال)، (ودَرَاَك) قلنا: هذا شاذ لأنه من الرباعي (أدرك)، ومنه ما هو مسموعٌ كـ (صَهْ) (وَمَهْ). إذاً: (وَغَيرُهُ كَوَي وَهَيهَاتَ نَزُرْ) (غَيرُهُ) أي: غير ما هو من هذه الأسماء، بمعنى: (افعل) أو بمعنى: فعل الأمر (قَلَّ) وذلك ما هو بمعنى الماضي والمضارع.

وقد سَبَق في الأسماء الملازمة للنداء أنه ينقاس استعمال (فَعَالِ) اسم فعل مبنياً على الكسر من كل فعلٍ ثلاثي تام، مُتَصرِّفاً تام التصرُّف، هذه الشروط الأربعة، فتقول: (ضَرَابِ زَيْدَاً)، إذاً: ما سُمِع (ضَرَابِ) لكن لك أن تقيسه، أي: اضْرِبْ و (نَزَال) أي: انْزِلْ و (كَتَابِ) أي: اكْتُبْ، ولم يَذْكره المصنف هنا استغناءً بذكره هناك، أحال على ما سبق. وَالفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيكَا ... وَهَكَذَا دُونَكَ مَعْ إِلَيْكَا كَذَا رُوَيدَ بَلْهَ نَاصِبَينِ ... وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ إذاً: عَرَفْنا حد اسم الفعل، وعرفنا أنواعه الثلاثة. السيُوطي له كلام جيِّد هنا يقول: "هي أسماءٌ قامت مَقَام الأفعال في العمل، غير مُتصرِّفةٍ، لا تَصرُّف الأفعال ولا تَصرُّف الأسماء" انظر! تعريف السيُوطي دقيق، يعني: هي مُلازِمة لحالة واحدة، جامدة، لا تَتَصرَّف تَصرُّف الأفعال ولا تَصرُّف الأسماء، ما المُراد بِتصرُّف الأفعال؟ إذ لا تَختلف أبنيتُها لاختلاف الزمان، (فَعَلَ .. يَفْعِلُ .. افْعَل) الفعل يَتصرَّف من حيث دلالته على الزمن، يأتي على صيغة (فَعَلَ .. فَعُلَ .. فَعِلَ) ويأتي على صيغة (يَفْعُلُ) وعلى (افعل) إذاً: يَتصرَّف، صِيَغُه ليست واحدة. وإذا أُرِيد التعدية قيل: (أَفْعَلَ وافْتَعَلَ وتفَعَّلَ واسْتَفْعَلَ) إذاً: يَتصرَّف في الدلالة على المعنى وفي الدلالة على الزمن، هذا تصرُّف الفعل، إذاً: أسماء الأفعال لا تَتَصرَّف تَصرُّف الأفعال إذ لا تَختلف أبْنيتُها لاختلاف الزمان. لا تَصرُّف الأفعال ولا تصُّرف الأسماء، إذ لا يُسْنَد إليها، بمعنى: أنها لا تكون فاعلاً، ولا مبتدأً، ولا مفعولاً، هل تكون هي مُسندة؟ نعم، لأنه تَرَفع فاعلاً: (هَيْهَاتَ العقيق) إذاً: رفعت فاعلاً، إذاً: هي مُسندة لكن لا يُسْنَد إليها. لا يُسْنَد إليها فتكون مبتدأة، أو فاعلة، ولا يُخْبَر عنها فتكون مفعولاً بها أو مجرورة، إذاً: لا تُجر، ولا تكون فاعلاً، ولا مفعولاً به، ولا مبتدأً، ولا خبراً. ولكن هذا لا يلزم منه ألا تكون مُسندة بأن تعمل في غيرها، إنما لا يدخل عليها عاملٌ يقتضي رفعها على أنها فاعل ولو كانت اسماً، حينئذٍ لا يلزم أن تكون في محلٍّ هي فاعل، لأنه يستلزم أن يَتقدَّم عليها عامل، إذاً: يعمل فيها، فقلنا: ضابط أسماء الأفعال: ألا يعمل فيها شيءٌ البتَّة، لا عاملٌ لفظي وهذا محل وفاق، ولا عاملٌ معنوي، فلو قلنا: هي مبتدأ إذاً لا بُدَّ أن يَتقدَّم عليها عامل الابتداء وهو معنوي، إذا قلنا: مفعول، أو فاعل، أو خبر، لا بُدَّ أن يَتقدَّم عليه عاملٌ لفظي: فعل فيرفع الفاعل، أو مبتدأ فيرفع الخبر، وهذا كُله ممتنع. وبهذا القيد خرجت الصفات والمصادر، فإنها وإن قامت مَقَام الأفعال في العمل إلا أنها تَتَصرَّف تصرُّف الأسماء فتقع مبتدأً وفاعلاً ومفعولاً .. إلى آخره، بِهذا القَيد: كونها لا تَتَصرَّف تَصرُّف الأفعال ولا الأسماء أخرج المصادر وأسماء الفاعلين، وهذا أولى مِمَّا ذكره الناظم رحمه الله تعالى. وأمَّا قول زُهير: دُعِيَتْ نَزَالِ وَلُجَّ فِي الذُّعْرِ ..

(دُعِيَتْ) هذا مُغيَّر الصيغة، والتاء هنا تاء التأنيث، و (نَزَالِ) نائب فاعل، (دُعِيَتْ نَزَالِ) كأنه قال: جاءت نَزَالِ، أسْنَد إليها .. صارت نائب فاعل، فهو من الإسناد اللفظي، ليس المقصود المعنى، إنما (دُعِيَ نَزَالِ) يعني: قِيْل نَزال في الحرب، فحكى اللفظ كما هو، فقُصِد لفظه لا معناه، يعني: إسنادٌ لفظي. ثُمَ قال السيُوطي: "والقول في الحد هي أسماء أحسن من قول التسهيل - التسهيل لابن مالك -: هي ألفاظٌ" وهي التي أخذها ابن عقيل هنا، "هي ألفاظٌ إلى آخره، لأنه يدخل فيه (إن وأخواتها) فإنها ألفاظٌ كذلك قَامَت مَقَام أفعالٍ، فَعمِلت غَيرَ مُتصرِّفةٍ تَصرُّف الأسماء، ولا تَصرُّف الأفعال"، إذاً: يصدق على (إن وأخواتها) أنها غير مُتصرِّفة لا تَصرُّف الأسماء ولا الأفعال، فإذا قلنا: ألفاظٌ دخلت معنا، وإذا قلنا أسماء خرجت، لأنها حروف ليست بأسماء، "فعملت غير مُتصرِّفةٍ تَصرُّف الأسماء ولا تصرُّف الأفعال، وهي حروفٌ لا أسماء وأفعال، ولذا احتاج إلى إخراجها فزاد في (الكافية) قوله: {ولا فضلة} الذي ذكره الأشْمُوني هناك: لإخراج الحروف، لأن الحرف أبداً فَضْلةٌ في الكلام". وعرَّفه ابن هشام في (التوضيح) بقوله: "ما ناب عن الفعل معنىً واستعمالاً" اسم الفعل: ما ناب عن الفعل معنىً واستعمالاً، يعني: أُدِّي به معنى الفعل، و (استعمالاً) بمعنى كونه: يعمل عمل الفعل، "والمراد بالاستعمال: كَونُه عاملاً غير معمولٍ، فخرجت المصادر والصفات، فإن العوامل تدخل عليها" على الصفات والمصادر. ثُمَ قال رحمه الله: وَالفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيْكَا ... وَهَكَذَا دُونَكَ مَعْ إِلَيْكَا كَذَا رُوَيْدَ بَلْهَ نَاصِبَيْنِ ... وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ أشار بهذين البيتين إلى أن أسماء الأفعال على ضربين: أحدهما: مُرْتَجَل. والثاني: منقول. وما المراد بالمُرْتَجَل؟ ابتداءً هكذا وُضِع: (اسم فعل)، والمنقول: سَبَق له استعمال: إمَّا ظرف، أو جار ومجرور، أو مصدر، يعني: أن اسم الفعل على ضربين -نوعين-: أحدهما: ما وضِعَ من أول الأمر كذلك، يعني: اسم فعلٍ، وهذا يُعَبَّر عنه بالمُرْتَجَل: وَمِنْهُ مَنْقُولٌ كَفَضْلٍ وَأَسَدْ ... وَذُو ارْتِجَالٍ كَسُعَادَ وَأُدَدْ وقوله هنا كالقول هناك. أحدهما: ما وضِعَ من أول الأمر كذلك، يعني: اسم فعلٍ مُرْتَجل. والثاني: منقولٌ، يعني: ما نُقِل عن غيره، وهذا نوعان: الأول: منقولٌ عن ظرفٍ، أو جار ومجرور، يعني: أصله ظَرف فنُقِل إلى اسم الفعل، أو جار مجرور ونُقِل إلى اسم الفعل، نحو: (عليك نفسَك) يعني: الزم نفسك أصل: (عليك) جار ومجرور: على والكاف .. (عليك) فنقلت إلى اسم الفعل، يعني: ضُمِّنت المعنى. ومنه: ((عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)) [المائدة:105] (أنفسكم) مفعولٌ به لـ (عليكم) أي (الزموا شأن أنفسكم). إذاً: (عليك) نقول: هذا جار ومجرور في الأصل، نُقِل إلى اسم فعل أمر فصار معناه: الزم، ومنه قوله تعالى: ((عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)) أي (الزموا شأن أنفسكم).

(ودونَك زيداً) دُوْنَ ودُوْنُ .. قبلُ وبعدُ، مثلها، أصلها: ظرف مكان فنُقِلت إلى اسم فعل أمر، (ودونَك زيداً) دونك بمعنى: خذ، و (مكانك) بمعنى: اثبت مكانك، و (أمامك) بمعنى: تَقدَّم، و (ورائك) بمعنى: تأخَّر، و (إليك) بمعنى: تَنَحَّ، ولذلك تعدَّى بـ (عن) .. إليك عنِّي، يعني: تَنَحَّ عنِّي، إذاً: هذه ألفاظ: إمَّا جار ومجرور نُقِل إلى اسم الفعل، وإمَّا ظرفٌ في الأصل فنُقِل إلى اسم الفعل. قال في (شرح الكافية): "وهذا النوع لا يُسْتَعْمَل إلا مُتَّصِلاً بضمير المخاطب" (عليك .. دونك .. أمامك) "لا يُسْتَعْمَل إلا مُتَّصِلاً بضمير المخاطب"، وسيأتي محل الضمير: رفعٌ .. نصبٌ .. خفضٌ، على ثلاثة أقوال. قال في (شرح الكافية): "ولا يُقاس على هذه الظروف غيره" لا يقاس .. مسموع (عليك ودونك) .. ما نُقِل من الظروف، والجار والمجرور، كله سماعي، ولذلك هناك في المكُودِي قال: "وهذا النوع مسموع، والمسموع منه أحد عشر لفظاً" فهو المذكورة هنا، ثلاثة في البيت و (عِنْدك) و (لَدَيْك) و (ورَائَك) و (أمَامَك) و (مَكانَك) و (بَعدَك) هذه كلها مسموعة تُحفظ ولا يُقاس عليها. إذاً قال في (شرح الكافية): "ولا يُقاس على هذا الظروف غيره، إلا أن الكِسَائي" ذهب إلى القياس .. ذَهَب إلى أنه يَصِح القياس، "إلا أن الكِسَائي يقيس على ما سُمِع ما لم يُسْمَع، بشرط: كونه على أكثر من حرفٍ، احترازاً من نحو: (بك) و (لك) " على كلٍّ مذهب الكِسَائي ضعيف، والصواب: أنها سماعي، ومَا ذَهَب إليه من جواز القياس، وإذا قَيَّده بشرطٍ حينئذٍ نقول: هذا التقييد دليل التضعيف، لا بُدَّ من ثَبَتٍ يَدُل عل أنه قياسي. "بشرط كونه على أكثر من حرفٍ احترازاً من نحو: (بك) و (لك)، ولا يُستعمل هذا النوع إلا مُتَّصِلاً بضمير المخَاطَب، وشذَّ قولهم: عليه رجلاً" اتصل بضمير الغَيْبة، والقياس المحفوظ: أنه يَتصل بضمير الخطاب، (عليك) أمَّا: (عليه رجلاً) يعني: يلزم رجلاً فهذا ضعيف، يُحفظ ولا يُقاس عليه. إذاً: عَرَفنا أنه لا بُدَّ من ضمير الخطاب، اخْتُلِف في مَحل هذا الضمير: ما إعرابه .. ما مَحله؟ واخْتُلِف في الضمير المُتصل بهذه الكلمات، فَموضعه: رفعٌ عند الفَراء على الفاعلية وهو ضعيف، يَرُده أن الكاف ليس من ضمائر الرفع (عليك) الكاف هذه: إمَّا ضمير نصب، أو ضمير خفض، والقول: بأنها في محل رفع فاعل، نقول: هذا ضعيف. ونصبٌ عند الكِسَائي على المفعولية والفاعل مُستتر، ويرد هذا القول قولهم: (مَكَانَك وأمَامَك) هذا لازم، (مَكَانَك) لازم، فكيف الكاف تكون في محل نصب وهنا لازم؟ وكذلك (أمامك) لازم؟ إذاً: لا يتعدَّى إلى مفعول به، فكيف يقول الكِسَائي بأنه في محل نصب؟

(وجرٌ عند البصريين) وهذا هو المرجَّح، أنه في محل جَر وهو الصحيح. على الأصل بالإضافة في نحو: (دُونَكَ) وبالحرف نحو: (عَليْكَ) على الأصل قبل النقل، (دَونَكَ) قبل أن تَجعله اسم فعل (الكاف) هنا في مَحل جَر بالمضاف، إذاً: مِثْلُه بعد النقل، (عليك نفسك) قبل النقل (الكاف) هنا مَجرور مَحلاً بـ (على)، إذاً: مثلُه بعد النقل، إذاً: الصواب أن مَحل هذا الكاف – الضمير-: الجر، إمَّا بالإضافة وإمَّا بالحرف، على حسب الداخل عليه، إن كانت في الظروف فهو الظرف، وإن كانت في الحروف فهو الحرف. روى الأخْفَش عن فصحاء العرب: (عليَّ عبدِ اللهِ زيداً) " بِجرِّ عبدِ الله، (عليَّ عبدِ اللهِ) على أنه عَطْف بيان، يَدُل على أن الياء هنا في محل ولو كان شاذاً، (عليَّ) لم يكن بالكاف، لكن نقول: هذه تَدُل على الأصول، يعني: تَفْضَح الأصول من أين أُخِذَت، (عليَّ عبدِ الله) هذا بَدَل أو عطف بيان من الياء، وجَرَّه بالكسرة، فَدَل على أن مَحل الياء خفضٌ بحرف الجَر .. خفضٌ بالحرف، قبل النقل. فتبيَّن أن الضمير مجرور الموضع لا مرفوعه ولا منصوبه، تبيَّن بهذا النقل الذي حكاه الأخْفَش (عليَّ عبدِ اللهِ زيداً) بِجر عبدِ الله .. تبيَّن أن الضمير مَجرور الموضع لا مَرفُوعه ولا مَنصُوبه. ومع ذلك قال النحاة: فمع كل واحدٍ من هذه الأسماء ضميرٌ مستترٌ مرفوع الموضع بمقتضى الفاعلية، فلك حينئذٍ في التوكيد ملحظان، قلنا: هذا الخطاب (الكاف) في مَحل جر، ومع القول: بأنه لا بُدَّ أن يتصل به ضمير خطاب فيه ضميرٌ مستتر مرفوعٌ على الفاعلية، حينئذٍ إذا أكَّدتَه فلك وجهان: إمَّا أن تَرفَع وإمَّا أن تخفض، إن رفعت فمراعاةً للضمير المستتر، وإن خفضت فمراعاةً للضمير الظاهر البارز. مع ذلك فمع كل واحدٍ من هذه الأسماء ضميرٌ مستترٌ مرفوع الموضع بمقتضى الفاعلية، فلك في التوكيد أن تقول: (عليكم كلَّكُم زيداً) و (عليكم كُلِّكُم زيداً) يجوز فيه الوجهان، بالجَرِّ تَوكِيدٌ للموجود المجرور (الكاف) وبالرفع توكيدٌ للمُسْتكِن المرفوع .. يَجوز فيه الوجهان. هنا قال: وَالفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيْكَا ... وَهَكَذَا دُونَكَ مَعْ إِلَيْكَا (وَالفِعْلُ) هذا مبتدأ أول، و (مِنْ أَسْمَائِهِ) هذا جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ الثاني، (عَلَيْكَا) الألف هذه للإطلاق و (عَلَيْكَ) قُصِد لفظه مبتدأ ثانٍ مُؤخَّر، والجملة من الخبر (مِنْ أَسْمَائِهِ) والمبتدأ المتأخِّر في محل رفع خبر المبتدأ الأول الذي هو (الفِعْلُ). إذاً: (وَالفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيْكَا) جملة: (مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيْكَا) هذه مبتدأ وخبر في مَحل رفع خبر المبتدأ. (وَالفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيْكَا) .. (وَهَكَذَا دُونَكَ) دونك هكذا، (دُونَكَ) مبتدأ (وَهَكَذَا) خبر مُقدَّم، (مَعْ إِلَيْكَا) ما إعراب (مَعْ) هنا؟ هذا حالٌ من (دُونَكَ) وهو مضاف و (إِلَيْكَا) مضاف إليه قُصِد لفظه، والألف هذه للإطلاق، أصلُها: (إليكَ) بالكاف مفتوحة، فأطلق الرَّوي من أجل الوزن (إلَيكَا) هذه الألف للإطلاق.

إذاً: أراد بهذا البيت أن يُبَيِّن لك أن من أسماء الأفعال ما هو منقولٌ ومَثَّل له بـ (عَلَيْكَ) و (دُونَكَ) و (إِلَيكَ) بِمثالٍ واحد للمنقول عن الظرف وهو (دُونَكَ) ومثالين منقول عن الجار والمجرور وهو (عَلَيْكَ) و (إِلَيكَا). (كَذَا رُوَيدَ بَلْهَ نَاصِبَينِ) نقول: هذا إشارةٌ إلى النوع الثاني من المنقول، وهو المنقول من مَصدرٍ، قلنا: المنقول نوعان: - منقولٌ عن ظرف وجار ومجرور. - والنوع الثاني، وأشار إليه بالبيت الأول، وهو منقولٌ من مصدر، وهذا على قسمين: - مصدر اسْتُعمل فِعْلُه .. مصدرٌ له فعلٌ مستعمل. - ومصدرٌ أُهمِل فعله. (كَذَا رُوَيدَ بَلهَ) وبَله (نَاصِبَينِ) هذا حال من الضمير المستكن في مُتعلِّق الخبر، (كَذَا) مِثُل (ذا) يعني السابق في كونه من أسماء الأفعال، (رُوَيدَ) بمعنى: أمْهِل، (بَلهَ) يعني: مع بَلهَ بمعنى: دعا. حال كونهما، أو بشرط كونهما (نَاصِبَينِ) ما بعدهما، لكن بدون أن يُنَوَّن (رُوَيدَ) ولا (بَلهَ) وإنما يُذْكَرا هكذا دون تنوين، لماذا؟ لأن أسماء الأفعال كلَّها مبنيَّة، وإذا كانت كذلك حينئذٍ لا يَدخُلها التنوين في الأصل، إلا تنوين التنكير هذا خاصٌ باسم فعل الأمر على جهة القياس. (كَذَا رُوَيدَ بَلهَ نَاصِبَينِ) ما بعدهما بدون تنوينهما وإلا كانا مصدرين، (وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَين) (وَيَعْمَلاَنِ) الألف تعود على (رُوَيدَ) و (بَلهَ) لكن في اللفظ لا في المعنى، وهذا سبق معنا هنا، لماذا؟ لأن (رُوَيدَ) و (بَلهَ) اللذان عادا إليهما الضمير اسما فعلٍ، واللذان يعملان الخفض: مصدران، ليسا باسْمي فعلٍ، حينئذٍ رَجَع إلى اللفظ فقط، لا على كونهما اسْمي فعل وإنما على اللفظ .. لفظ (رُوَيدَ) ولفظ (بَله) فقط، هذان اللفظان يُسْتَعْملان اسْمي فعلٍ ويُسْتَعْملان مصدراً، وشتَّان بين المصدر واسم الفعل. (وَيَعْمَلاَنِ) الضمير في (يَعْمَلاَنِ) عائدٌ على (رُوَيدَ) و (بَلهَ) في اللفظ لا في المعنى، (وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ) فُهِم: أنه يَجوز فيهما التنوين ونصب ما بعدهما، يعني: يَجوز فيهما إذا كانا مصدرين التنوين ونصب ما بعدهما، وعَدَم التنوين وخفض ما بعده، كما هو الشأن في المصدر (ضرباً زيداً .. ضرب زيدٍ) يَجوز فيه الوجهان، إذا كان مصدر جاز فيه الوجهان: - التنوين ونصب ما بعده. - وحذف التنوين وإضافته إلى ما بعده. (وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ) أي: مُعْرَبين بالنصب دالَّين على الطَّلب أيضاً، لكن لا على أنهما اسْما فعلٍ، بل على أن كُلاًّ منهما بَدلٌ من اللفظ بفعله، نحو: (رُوَيدَ زَيدٍ) و (بَلْهَ عَمْرِوٍ) أي: إمهال زيدٍ، وترك عمرٍ، (رُوَيدَ زَيْدٍ) هذا مُضاف إلى المفعول، وكذا يُضاف إلى الفاعل (رُوَيدَ زَيْدٍ عَمْرَاً) يعني: مصدر .. يُعامل مُعاملة المصادر السابقة، قد يُضاف إلى الفاعل (رُوَيدَ زَيْدٍ) إمهال زيد، وقد يُضاف إلى المفعول، (رُوَيدَ زَيْدٍ) هذا مُضاف إلى المفعول، وقد يُضاف إلى الفاعل (رُوَيدَ زَيْدٍ عَمْرَاً) (عَمْرَاً) منصوبٌ بالمصدر.

إذاً: (كَذَا) مثل (ذا) (رُوَيدَ بَلْهَ نَاصِبَينِ) يعني: ما بعدهما، (وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَيْنِ) هذا النوع الثاني قلنا: مما هو مصدرٌ في الأصل .. منقول عن المصدر، ثُمَّ ليس مُطَّرداً في كونه اسم فعلٍ، بل قد يَخرج عن كونه اسم فعل فيكون مصدراً. (رُوَيدَاً) قيل أصله: (أرْوَد زيداً إرْوادَاً) بمعنى: أمهَلَه إمهَالاً، ثُمَّ صَغَّروا الإرواد تصغير ترخيمٍٍ وأقاموه مُقام فعله، واستعملوه تارةً مُضافاً إلى مفعوله فقالوا: (رُوَيدَ زَيْدٍ) مُضاف إلى المفعول ومصدر، وتارةً مُنوَّناً ناصباً للمفعول فقالوا: (رُوَيدَاً زَيدَاً) ثُمَّ إنهم نقلوه وسَمو به فعله فقالوا (رُوَيدَاً زَيْدَاً) وأمَّا (بَلهَ) فهو في الأصل: مَصْدر فعلٍ مُهْمَل. إذاً: (رُوَيدَ) هذا مِثالٌ لمصدر له فعل في لسان العرب و (بَلْهَ) مِثالٌ لمصدر ليس له فعل بل هو مهمل. وأمَّا (بَلْهَ) فهو في الأصل مصدر فعلٍ مهمل مرادفٌ لـ (دع) و (اترك) فقيل (بَلْهَ زَيْدٍ) بالإضافة إلى مفعوله، كَما يُقال (ترك زيدٍ) ثُمَّ قيل (بَلهَ زَيْدَاً) بالنصب .. نصب المفعول وبناء (بَلهَ) على أنه اسم فعلٍ. قال هنا الشارح: من أسْمَاءِ الأفْعَال ما هو في أصله (ظرفٌ)، وما هو (مجرورٌ بحرفٍ) نحو: (عَلَيِكَ زَيْدَاً) " هذا يَتعدَّى بنفسه (عَلَيِكَ زَيْدَاً) يعني: الزم زيداً، وقيل: بالباء (عَلَيِكَ بِزَيْدٍ)، و (إِلَيْكَ) أي: تَنَحَّ، إليك عني، يتعدى بـ: (عن)، و (دُونَكَ زَيْدَاًَ) أي: خذه .. خذ زيداً. ومنها: ما يستعمل مصدراً واسم فعلٍ كـ (رُوَيدَ) و (بَلهَ)، وفُهِم منه أن الفتحة في (رُوَيدَ) و (بَلْهَ) فتحة بناء، لأن أسماء الأفعال كلها مبنية كما سبق، إذاً: مبنيٌ على الفتح لا محل له من الإعراب، وإذا كانا مصدرين صارت الفتحة فتحة إعراب، ولذلك قلنا: (يَعْمَلاَنِ) الألف تعود .. الضمير على اللفظ فحسب، لا على المعنى، لأننا إذا أعدنا على اللفظ والمعنى صار تناقض عندنا، كيف هي مُعْرَبة مبنيَّة في وقتٍ واحد .. كيف هي اسم فعلٍ وهي مصدر في وقتٍ واحد؟ لا، إنما أُعِيد على اللفظ فحسب. إذاً: (يَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَينِ) حينئذٍ (رُوَيدَ) و (بَلهَ) الفتحة فتحة إعراب. وإذا كانا مصدرين ففتحتهما فتحة إعرابٍ، لأن المصادر مُعرَبة. فإن جَرَّا ما بعدهما فهما مصدران (رُوَيدَ زَيْدٍ) أي: إِرْوادَ زَيْدٍ، أي: إمهاله، وهو منصوب بفعلٍ مضمر و (بَلهَ زَيْدٍ) أي: تركه، وإن انتصب ما بَعدهما فهما اسْما فعلٍ (رُوَيْدَ زَيْدَاً) أي: أمهل زيداً، و (بله عمراً) أي: اتركه. وَمَا لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَلْ ... لَهَا وَأَخِّرْ مَا لِذِي فِيهِ العَمَلْ

يعني: هذه الأسماء تَعمل عَمَل الفعل الذي أُنِيبت عنه (مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ) إن كان فعلاً لازماً عملت عَمَل الفعل اللازم، وإن كان الفعل مُتَعديَّاً عَمِلَت عمل الفعل المُتعدِّي، ولذلك نقول: (هَيْهَاتَ العقيقُ) وتقول: (صَهْ) دون اسمٍ ظاهر، وتقول: (رُوَيدَاً زَيْدَاً)، (هَيْهَاتَ العقيقُ) رفع اسماً ظاهراً، و (صَهٍ) رفع ضميراً مستتراً واجب الاستتار، و (رُوَيدَاً زَيْدَاً) نصب مفعولاً به، لماذا اختلف العمل هنا؟ نقول: لأن هذه الأسماء تعمل عمل أفعالها المتعدِّي متعدِّي، واللازم لازم، والمتعدِّي بحرفٍ كذلك هو مُتعدٍّ بالحرف. (وَمَا لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَل لَهَا): (مَا) هذا مبتدأ و (لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ) يعني: لفعلٍ تنوب عنه، (مَا) اسم فعلٍ لما تنوب عنه، (لِمَا) هذا مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، يعني: للذي .. لفعلٍ تنوب عنه، (تَنُوبُ) يعني: أسماء الأفعال (عَنْهُ) عن الفعل (مِنْ عَمَلْ) مُتعلِّق بـ (مَا) يعني: مبين له، (لَهَا) هذا خبر المبتدأ، والذي (لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَل لَهَا) ثابت لها، فالضمير في (لَهَا) يعود على ماذا؟ (لَهَا) لأسماء الأفعال، (الذي تَنُوبُ عَنْهُ) (الذي) قلنا: أسماء أفعال، تنوب عليه من فعلٍ .. أسماء أفعال نابت عن فعلٍ، (مِنْ عَمَلٍ لَهَا) يعني: خبر المبتدأ، (لَهَا) لأسماء الأفعال، فيثبت لأسماء الأفعال ما ثبت للأفعال التي نابت عنها .. هذا تقدير البيت، ولذلك لو قيل (مَا) الأولى مبتدأ واقعة على العمل أجْوَد، (والعَمَل الذي لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ) وهو الفعل (لَهَا) يعني: ثابتٌ لأسماء الأفعال، هذا أجود: أن يكون "ما" مبتدأ واقعةً على العمل. والعمل لما تنوب أسماء الأفعال عنه .. عن الفعل، (مِنْ عَمَل) هذا قلنا: مُبيِّن لـ (مَا) التي هي مبتدأ، وجَعَله المكُودِي (مِنْ عَمَل) مُتعلِّقاً بقوله: (تَنُوبُ) يَجوز، لكن الأولى أن يُجْعَل بياناً لـ (مَا)، (لَهَا) هذا خبر المبتدأ، أي: العمل الذي اسْتَقَرَّ للأفعال التي نابت عنها هذه الأسماء مُستقرٌّ لها، أي: لهذه الأسماء، فترفع الفاعل الظاهر نحو: (هَيْهَاتَ العقيقُ .. هَيْهَاتَ نَجْدٌ) حينئذٍ رَفَعَت اسْماً ظاهراً و (شَتَّانَ زَيْدٌ وعَمْرُوٌ). (ومُضْمَراً) ترفع فاعلاً مُضْمَراً، يعني: ضميراً، نحو: (نَزَالِ وصَهَ)، (نَزَالِ) فيه ضمير مستتر واجب الاستتار، لأنه اسم فعل أمر، فكل اسم فعل أمر يَرفع فاعلاً ضمير مُستتر، ولا يرفع ظاهر البتة، لأنه أُقِيم مقام فعل الأمر، وفعل الأمر لا يرفع اسماً ظاهراً، هذا مثله .. الحكم ثابتٌ له (نَزَالِ)، وينصب منها المفعول ما ناب عن متعدٍّ .. ينصب من هذه الأسماء المفعول ما ناب عن متعدٍّ نحو: (دَرَاكِ زَيدَاً) (أدْرِك زَيداً) هذا الأصل، فـ (دَرَاكِ) فيه ضمير مستتر فاعل و (زَيدَاً) مفعولٌ به، لماذا نصب مفعولاً به؟ لأنه قَائِم مقام (أدْرِك) و (أدرك زيداً) هذا يتعدَّى إلى مفعولٍ به.

ويتعدَّى منها بِحرفٍ من حروف الجر ما هو بمعنى ما يتعدَّى بذلك الحرف، يعني: إذا كان أصله يتعدَّى بحرف كذلك اسم الفعل يتعدَّى بحرفٍ، ومن ثَمَّ عُدِّىَ (حَيَّهَل) بنفسه لمَّا ناب عن (ائت) في نحو: (حَيَّهَلَ الثَّرِيدْ) ائت الثريد .. يتعدى بنفسه، لمَّا ناب عن (ائت)، وبالباء، يعني: تَعدَّى (حَيَّهَلَ) بالباء لمَّا ناب عن عَجِّل (إذَا ذُكِرَ الصَّالِحُون فَحَيهَّلاً بِعُمَر) يعني: فَعَجِّلْ بِذِكرِ عُمَر، تَعدَّى بالباء، وبـ (على) لمَّا ناب عن (أقبل) (حَيَّهلَ على كذا) (حَيَّهلَ .. حيَّهَلاً) يجوز فيه وجهان، حيَّهلْ: ثلاثة أوجه، (حَيَّهلاً على كذا) تعدَّى بالباء، يعني: أقبل على كذا. (وَمَا لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَل لَهَا) عرفنا فكَّ البيت، (وَمَا) هذا مبتدأ يصدق على العمل، (لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ) (لِمَا) جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، و (تَنُوبُ) هذا صلة الموصول، أيُّ موصول .. كم موصول عندنا؟ اثنان: الأول مبتدأ، والثاني مجرور، (مَا) يحتاج إلى صلة موصول، أين صلتها؟ (لِمَا)، الموصول الثاني المجرور هو صلة (مَا) مُتعلِّق بمحذوف، (مَا) اسْتَقرَّ، (لِمَا) (مَا) الثانية هذه المجرورة تحتاج إلى صلة، أين صلتها؟ (تَنُوبُ .. لِمَا تَنُوبُ) ضمير (تَنُوبُ) يعود على ماذا؟ "ما" الثانية صلتها تنوب، أين العائد؟ هو الفاعل .. الضمير، تنوب هي، فـ (مَا) الثانية صادقةٌ على اسم الفعل (وَمَا) الأولى صادقٌ على العمل .. واقع على العمل، العمل (لِمَا) لاسم فعلٍ، تَنُوبُ أسماء الأفعال عنه .. عن الفعل (لَهَا)، ولذلك نَجعل من (عَمَلْ) هذا مُفَسِّرٌ لقوله (مَا) الأولى المبتدأ و (مَا) الثانية واقعة على اسم الفعل، يعني: والعمل لاسم فعلٍ تَنُوبُ عَنْهُ، يعني: تنوب هذه الأسماء .. أسماء الأفعال عن الفعل (لَهَا) لهذه الأسماء، فهو خبر المبتدأ. لكن قيل: لا يبْرُز معها ضميرٌ بل يستكن فيها مُطلقاً، يعني: ظاهر كلام الناظم هنا (لِمَا لَهَا) يعني: لها من العمل ما ثبت لما نابت عنه، يُفْهَم منه الإطلاق، لكن نقول: يُستثنى. أنه لا يبْرز معها ضميرٌ، لأنك تقول: (اضرب .. اضربي .. اضربا .. اضربوا .. اضربن) و (ضَرَابي) ناب مناب (اضرب). إذاً: ما ثَبَت للأصل وهو (اضْرِب) ثابتٌ لـ (ضَرَابي) هذا ظاهر اللفظ، لكن هل هذا على إطلاقه؟ ليس على إطلاقه، اسم الفعل لا يبْرُز معه الضمير البتَّة مُطلقاً، ولذلك (ضَرَابي) تستعمله في الواحد، والاثنين، والجمع المذَكَّر والمؤنَّث، تُخاطب الجماعة تقول: ضرابي .. تخاطب المؤنَّثة تقول: ضرابي .. تُخاطِب المثنَّى تقول: ضرابي، اللفظ واحد، لكن: (اضْرِب) يَختلف تقول: (اضرب .. اضربا .. اضربوا .. اضربن .. اضربي) اختلف، إذاً: هذا مِمَّا يُخالف اسم الفعل أصله الذي ناب عنه.

إذاً نُقيِّد قوله (وَمَا لِمَا) إلى آخره، تقول: لكن لا يبْرز معها ضميرٌ بل يَستَكِن فيها مُطلقاً، بِخلاف الفعل فتقول: (صَهْ) للواحد، والاثنين، والجمع، وللمؤَنَّث والمذكَّر بلفظٍ واحد، أيضاً مِمَّا يُسْتَثنى أن: هذه الأسماء لا تُضْمَر، يعني: لا تَعمَل محذوفةً، بِخلاف فعل الأمر، قَدْ يَعمل مَحذوفاً (ضَرْباً زَيْداً) قلنا: (ضَرْباً) منصوب بـ (اضْرِب) إذاً: عَمِل محذوفاً وأمثلته كثيرة، أمَّا أسماء الأفعال لا، فهي نائبةٌ منَاب فِعْل الأمر، لكنَّها لا تعمل محذوفةً. ولا تُضْمَر، أي: لا تَعمَل مُضمَرةً، بأن تُحذَف ويبقى عَملُها في الأصَح، وجَوَّز ابن مالك أنها تُضمَر وتَعمَل محذوفةً، بِشرط: أن يكون ثَمَّ دليلٌ قائمٌ عليها. مذهب ابن مالك: جواز إعمال اسم الفعل مُضمَراً، قال في (شرح الكافية): "إن إضمار اسم الفعل مُقدَّماً لدلالة متأخِّرٍ عليه جائزٌ عند سيبويه" يعني بشرط: أن يكون ثَمَّ متأخِّر مثله كما سيأتي في المثال، لأن معمول اسم الفعل لا يَتقدَّم عليه، فإذا وجِد مُقدَّماً عليه أضْمَرتَ. قال ابن مالك في (شرح الكافية): "إن إضْمَار اسم الفعل مُقدَّماً لدلالة متأخِّرٍ عليه جائزٌ عند سيبويه، وخَرَّج عليه قول الشاعر: يَا أَيُّهَا المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا .. قال: (دَلْوِي) هذا مَعمولٌ لاسم فعلٍ محذوف دَلَّ عليه المذكور، وهو (دُونَكَ) والتقدير: دونك دولي دونك، لماذا؟ لأن: (دُونَكَ دَلوِي) إمَّا أن تقول: بأن المعمول تَقدَّم على عامله وهو اسم فعلٍ وهذا لا يجوز (وَأخِّرْ مَا لِذِي فِيهِ العَمَل) لا بُدَّ من تأخيره فلا يَتقدَّم عليه على الأصح، حينئذٍ إمَّا أن تقول: بأنه تَقدَّم عليه وهذا مُمْتنع، وإمَّا أن تُقدِّر له مثله. فجعل (دَلوِي) مفعولاً بـ (دُونَكَ) مُضْمَراً لدلالة ما بعده عليه، على كلٍّ المسألة فيها نِزِاع، لكن جماهير النحاة على أنه لا يعمل مُضمَراً. (وَأَخِّرْ مَا لِذِي فِيهِ العَمَل) يعني: معموله يجب أن يتأخَّر ولا يجوز أن يَتقدَّم، فلا يُقال: (زيداً دراك) مع كون الأصل الفعل الذي أقِيم الاسم مُقَامه يَجوز تَقدِيم المفعول عليه مُطلقاً، وحينئذٍ إذا أُقِيمت هذه الأسماء مُقامَها فالأصل: المساواة، لكن هذا يُستَثنَى، لأن هذه فرع، والفرع كما سبق معنا ضعيف، لا يُتَصرَّف في معموله تَصرُّف الأفعال، الفعل قِدِّم وأخِّر، بالشروط التي تُذْكَر في كل باب، وأمَّا ما كان فرعاً عن الفعل فلا، فيلتزم الترتيب الأصلي: تَقدِيم العامل على المعمول. (وَأَخِّرْ مَا) أخِّر وجوباً، (وَأخِّرْ مَا لِذِي فِيهِ العَمَل) (مَا) يعني: الذي .. اسم موصول في مَحل نصب مفعول به، أَخِّرْ الذي .. (لِذِي) ما إعراب (لِذِي)؟ (مَا) موصولة تَحتاج إلى جُملة الصِلة، أين جُملة الصِلة؟ لا بُدَّ أنها فعل، أو أنها جُملة اسمية، أو مُتعلِّق بِمحذوف، (لِذِي العَمَل) العمل كائنٌ (لِذِي) يعني: لذي الأسماء.

حينئذٍ نقول: (العَمَل) هذا مبتدأ مؤخَّر و (لِذِي) هذا جار مجرور مُتعلِّق بِمحذوف خَبَر مُقدَّم، والجمة الاسمية .. المبتدأ المؤخَّر والخبر المقدَّم لا مَحل لها من الإعراب صلة الموصول، و (ذِي) هذا اسم إشارة، والمراد به: الأسماء، يعني: لهذه الأسماء .. لذي الأسماء: لهذه الأسماء. (وَأخِّرْ مَا لِذِي فِيهِ العَمَل) الذي العمل فيه، يعني: الذي حَصَل فيه العمل، وهنا لا إيطاء في البيت؛ لأن قوله: (عَمَل) و (العَمَل) لم يتحدا تعريفاً وتنكيراً، فإذا اختلفا ولو اتحدا في الجملة لا يسمى إيطاءً. (وَأخِّرْ مَا لِذِي) الأسماء فيه (العَمَل) يعني: الذي وقع العمل (فِيهِ) .. (فِيهِ) الضمير يعود على (مَا) .. أخِّرْه وجوباً، خلافاً للكِسَائي حيث جَوَّز أن يُتصرَّف فيها بِتقدُّم معمولها عليها إجراءً لها مُجرى أصولها، وجعل منه قوله: ((كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)) [النساء:24] قال: (عَلَيْكُمْ) اسم فعل أمر (كِتَابَ) مفعولٌ به مُقدَّم لـ (عَلَيْكُمْ)، والجمهور على المنع والتأويل (الزموا كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ) الزموا يعني: من باب الإغراء مثل (الصَّلاةَ جامعةً). إذاً: أشار بهذا البيت إلى أنه يعمل اسم الفعل عمل فعله الذي ناب عنه، ثُمَّ استثنى مسألة واحدة وهي: أنه لا يَتقدَّم عليه معموله. قال الشارح هنا: "أي يثبت لأسماء الأفعال من العمل ما يثبت لما تنوب عنه من الأفعال، فإن كان ذلك الفعل يرفع فقط كان اسم الفعل كذلك" إذا كان هذا الفعل الذي ناب عنه اسم الفعل يرفع فقط، يعني: لازم "كان اسم الفعل كذلك، (صَهْ) بمعنى: اسكت، و (مَهْ) بمعنى: اكْفُفْ، و (وهَيْهَاتَ زَيْدٌ) بمعنى: بَعُدَ زَيْدٌ، ففي (صَهْ) و (مَهْ) ضميران مُستتران كما في (اسكت واكفف)، و (زيد) مرفوعٌ بـ (هَيْهَاتَ) كما ارتفع بـ (بَعُدَ)، وإن كان ذلك الفعل يرفع وينصب كان اسم الفعل كذلك، كـ (دَرَاَكِ زَيْدَاً) أي: أدركه، و (ضَرَاَبِ عَمَرَاً) أي: اضربه، ففي (دَرَاَك) و (ضَرَاَبِ) ضميران مُستتران و (زيداً) و (عمراً) منصوبان بهما" هذا في الغالب، والحكم للغالب. قال ابن مالك في (التسهيل): "وحكمها - يعني: أسماء الأفعال - غالباً في التعدِّي واللزوم حكم الأفعال" ما قال: مُطَّرِداًَ، قال: غالباً، لأنه سُمِع كلمتان قامتا مَقَام فعلين مُتعدِّيين ولم تَنْصِب، ولذلك قال: غالباً، لِئلا يُعْتَرَض، مثل ماذا؟ قال: "واحترز بقوله: غالباً، عن (آمين) فإنها نابت عن متعدٍّ ولم يُحْفَظْ لها مفعول" (آمين) استجب، هذه نابت مناب فعلٍ متعدِّ ولم يُحْفَظْ لها مفعول. وكذا: (إيهِ) بمعنى: زدني، زاده السيُوطي في شرح (الجمع)، هذان الفعلان نابا عن متعدِّيين ولم يُسْمَع لهما مفعولٌ، حينئذٍ نقول: حُكم أسماء الأفعال في التَعدِّي واللزوم حكم الأفعال، مُطلقاً ونَستَثنِي هذين الفعلين، أو نقول: الحكم أغلبي، من أجل استثناء هذين الفعلين، وإذا قيل بأنه لا يوجد إلا هذين الفعلين فقط، لا نقول أغلبي، بل نقول: مُطَّرِد، ونقول: هذا سُمِع دون مفعولٍِ ويبقى استثناءً له.

"وأشار بقوله: (وَأَخِّرْ مَا لِذِي فِيهِ العَمَل) إلى أن معمول اسم الفعل يَجب تأخيره عنه" يعني: أنها فارقت الأفعال في كونها لا يَتقدَّم عليها منصوبها كما يَتقدَّم في الفعل" فتقول: (دَرَاَكِ زَيْدَاً) ولا يجوز تَقديِمه عليه فلا تقول: (زَيْدَاً دَرَاَكِ) " لأنها فرعٌ في العمل عن الفعل فضعفت، مثل أفعال التعجُّب هناك. "ولا يجوز تقديمه عليه" خلافاً للكِسَائي "فلا تقول: (زَيْدَاً دَرَاَكِ)، وهذا بِخلاف الفعل إذ يجوز: (زَيْدَاً أدرك) ". وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ الَّذِي يُنَوَّنُ ... مِنْهَا وَتَعْرِيفُ سِوَاهُ بَيِّنُ وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ الَّذِي يُنَوَّنُ ... مِنْهَا .. إذاً: قد يُنَوَّنُ بعضها، حينئذٍ نَحكم بكونه نكرة، وهذا سبق في بيان أقسام التنوين: أنَّ تَنوِين التنكير هذا من إضافة الدَّال إلى المدلول، بمعنى: أنَّ التنوين دالٌّ على أن مدخوله نكرة، قلنا: (صَهٍ) نكرة و (صَهْ) معرفة، إذاً: يدخل التنوين هنا فرقاً بين النكرات والمعارف، وهذا خاصٌ ببابين اثنين لا ثالث لهما: أسماء الأفعال، و (سيبويه) .. عَلَم مَختوم بـ: (ويه)، أسماء الأفعال مُطلقاً ليس خاص باسم فعل الأمر .. أسماء الأفعال تدخل عليه تنوين التنكير. وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ الَّذِي يُنَوَّنُ ... مِنْهَا .. أي: من أسماء الأفعال، إذاً: يَصِح دخول التنوين على اسم الفعل، لكن ليس على كل اسم فعلٍ بل هو سَماعي، وما لم يُسْمَع فالأصل فيه: عدم إدخاله. (وَتَعْرِيفُ سِوَاهُ) أي: سوى المُنَوَّن، الضمير يعود على المصدر، (الَّذِي يُنَوَّنُ) أي: المُنَوَّن (وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ المُُنَوَّن) (وَتَعْرِيفُ سِوَاه) يعني: سوى المُنَوَّن (بَيِّنُ) واضحٌ ظاهرٌ. قيل: عبارة الناظم هنا (وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ الَّذِي يُنَوَّنُ) ظاهر عبارته مُشْعِرة بأن التنوين وعَدم التنوين سماعي، وهذا واضح، لأنه لم يقل مثلاً: إذا أرَدْتَ التَنْكير فَنَوِّن، أو التعريف فلا تُنَوِّنْ، فَدَّل على أن مسألة التنوين وعدم التنوين إنما هي سماعي، ما نُقِل تنوينه في لسان العرب تَنْطِق به مُنَوَّناً، وما لم يُنْقَل تَنْوينُه البتَّة حينئذٍ ليس لك أن تُنَوِّن من عندك، لأن القضية سماعية. قال في (شرح الكافية): "لمَّا كانت هذه الكلمات من قِبل المعنى: أفعالاً، ومن قبل اللفظ: أسماءً -إذاً: لها جهتان- جُعِل لها تعريفٌ وتنكير، فعلامة تعريف المعرفة: تَجرُّده من التَنْوين، وعلامة تنكير النكرة فيها: استعماله مُنَوَّناً، ولمَّا كان من الأسماء المحضة ما يُلازِم التعريف كالمضمرات" الأسماء المحضة التي ليست مُشْبِهة أو قائمة مَقَام الفعل سماها: أسماء مَحضة. "ما يُلازِم التعريف كالمضمرات وأسماء الإشارات، وما يُلازم التنكير كـ (أحد) و (عِرِّيبْ) و (ديَّار)، وما يُعرَّف وقتاً ويُنَكَّرُ وقتاً كـ (رجل) و (فرس) "جعلوا هذه الأسماء أسماء الأفعال مثلها، غيْر أسماء الأفعال على ثلاثة أنواع: - منها ما يُلازِم التعريف. - ومنها ما يُلازِم التنكير، وهذان على خلاف الأصل.

- ومنها ما يكون في وقتٍ نكرة وفي وقتٍ معرفة، كـ (رجلٌ) هذا نكرة و (الرجل) هذا معرفة، أسماء الأفعال كذلك، منها ما يُلازِم التعريف، ومنها ما يُلازِم التنكير، ومنها ما قد يكون في وقتٍ نكرة وفي وقتٍ آخر معرفة. "جعلوا هذه الأسماء كذلك فألزموا بعضاً التعريف كـ (نَزَاَلِ) و (بَلهَ) و (آمين) " هذه معرفة مُطلقاً، مثل المضمرات وأسماء الإشارات. "وألزموا بعضاً التنكير كـ (واه) و (ويه) واستعملوا بعضاً بوجهين فَنُوِّنَ مَقصُوداً تنكيره كـ (صَهَ) وجُرِّدَ مَقصُوداً تعريفه كـ (صَهْ) و (صَهٍ) و (أُفْ) و (أُفٍّ) " إذاً: (صَهْ) بدون تنوين معرفة، و (صَهٍ) بالتنوين هذا نكرة. وقيل: كلها معارف -كل أسماء الأفعال معارف- لا نكرة فيها البتَّة، وقيل: من قبيل تعريف الأشخاص، بمعنى: أن كل لفظٍ من هذه الأسماء وضِع لكل لفظٍ من هذه الأفعال، وقيل: هي أعلام وأجناس، إذاً: قيل كلها معارف، واختلفوا في وجه التعريف، فقيل: أعلام أشخاص، وقيل: أعلام أجناس. قال الشارح: الدليل على أن ما سُمِّى بأسماء الأفعال أسماء: لحاق التنوين لها - هذا بعض الأسماء - فتقول في صَهْ: (صَهٍ) وفي حَيَّهَلْ: (حَيَّهَلاً) فيلحقها التنوين للدَّلالة على التنكير، فما نُوِّنَ منها كان نكرة، وما لم يُنَوَّنْ كان معرفة. وَمَا بِهِ خُوطِبَ مَالاَ يَعْقِلُ ... مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الْفِعْلِ صَوْتاً يُجْعَلُ كَذَا الَّذِي أَجْدَى حِكَايَةً كَقَبْ ... وَالْزَمْ بِنَا النَّوْعَيْنِ فَهْوَ قَدْ وَجَبْ هذا النوع الثاني، قال في التبويب: (أَسْمَاءُ الأَفْعَالِ وَالأَصْوَاتِ) يعني: أسْمَاءُ الأصوات، وأسماء الأصوات هذا الذي يَتعلَّق بالنحو أنها مبنيَّة فحسب، لا حظَّ لها من الإعراب البتَّة، فهي مبنيَّة كما أن أسماء الأفعال مبنيَّة، وأمَّا عَدُّها والنظر في معانيها، قيل: هو من علم اللغة، يعني: يُرجع إلى المعاجم ونحوها، وإنما يذكرون بعض الأمثلة. إذاً قال: (وَالزَمْ بِنَا النَّوعَينِ فَهْوَ قَدْ وَجَب) (بِنَا النَّوعَينِ) ظاهره أن المراد به ما عَنْوَنَ له في الباب. أسمَاء الأفعَال مبنيَّة، وهذا سَبَق بيانه في أول الكتاب، وأسماء الأصوات كذلك مبنيَّة لمشابهتها الحروف المهملة في أنها: لا عاملةٌ ولا معمولة، فهي أحق بالبناء من أسماء الأفعال، يعني: هذه أولى، لأنها مُجرَّد حروف فقط، لم يوضع لها معنىً في لسان العرب، سُمِع للغراب (غاق .. غاق) قالوا مثله، حينئذٍ صارت حروف، لو نظرنا في لسان الواضع: هل وضع لهذه الألفاظ معنىً؟ ما وضع لها، وإنما مُجَرَّد حكاية فقط. فهي أحق بالبناء من أسماء الأفعال، وهذه الأسماء لا ضمير فيها بِخلاف أسماء الأفعال، فهي من قبيل المفردات، وأسماء الأفعال من قبيل المُرَكَّبات. إذاً: كلٌ منهما مبني: أسماء الأفعال، وأسماء الأصوات، أسماء الأفعال تتحمَّل ضميراً فهي مُرَكَّب يعني: فعل وفاعل، وأسماء الأصوات لا تتحمَّل ضميراً فهي مُفردة. وَمَا بِهِ خُوطِبَ مَالاَ يَعْقِلُ ... مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الْفِعْلِ صَوْتاً يُجْعَلُ

قيل: أسماء الأصوات: ما وُضِع لخطاب ما لا يعقل .. ما لا يعقل من الحيوانات ونحوها كالجماد، قيل: واللَّيْل والنَّهَار، وهذه الأشياء؛ لكن هذه يأتي إخراجها. ما وُضِع لخطاب ما لا يعقل، أو ما هو في حُكِم ما لا يعقل من صغار الآدميين، كالطفل (كُخْ .. كُخْ) قالوا: هذا اللفظ ليس له معنى في لسان العرب، وإنما خُوطِب به الصغير الذي لا يعقل تنزيلاً له مُنَزَّلة ما لا يعقل أصالةً. أو ما هو في حُكِم ما لا يعقل من صغار الآدميين، أو لحكاية الأصوات، هذه ثلاث محال: - خِطاب ما لا يعقل كالجمل والفرس. - أو ما هو في حُكْم ما لا يعقل كصغار الآدميين. - أو حكايةً لأصوات .. أصوات الغُراب ونحو ذلك، وهي نوعان: - أحدهما: ما خُوطِب به ما لا يعقل إمَّا لِزَجْرِه كـ (عَدَسْ) للبغل، البغل يخاطب إذا أرادوا زجره قالوا: عدس، وإما لدعائه كـ (أَوْ) - مثل (أو) العاطفة – (أو) للفرس. - والنوع الثاني: ما وضِع لحكاية صوت حيوان كـ (غاق) لصوت الغراب، أو غير حيوان نحو (قُبْ) لوقوع السَّيف، إذا وقع السَّيف يُظْهر صوتاً، تَحْكِيه: (قُبْ). وَمَا بِهِ خُوطِبَ مَا لاَ يَعْقِلُ .. (مَا خُوطِبَ بِهِ مَا لاَ يَعْقِلُ) (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، وهو مبتدأ (خُوطِبَ بِهِ) هذه الجملة لا محلَّ لها من الإعراب صِلَة الموصول، (مَا) اسمٌ موصول بمعنى: الذي، في محل رفع نائب فاعل لـ (خُوطِبَ) (خُوطِبَ الذي لا يعقل من الحيوان، وما عُطِف عليه في الحدِّ السابق). (مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ) يعني: شيءٌ أشبه اسم الفعل، وهنا الشُرَّاح لم يعرفوا ما الذي احترز به ابن مالك: (مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ) لكن ابن هشام في (التوضيح) قال: "احترز به من قول القائل: أَلاَ أَيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ أَلاَ انْجَلِي .. هنا خاطب ما لا يعقل وهو (اللَّيل) لكنه لم يكتف به، بل لا بُدَّ من شيءٍ يُتَمِّمُه، أمَّا اللفظ وحده: أَلاَ أَيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ أَلاَ انْجَلِي .. قالوا: لا بُدَّ من تمامه: يَا دَارَ مَيِّ عَلَى البِلاَ .. يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ .. قالوا: هنا لا يُكْتَفى به، لا بُدَّ من شيءٍ مُتَمِّمُ، لكن على كلٍّ هذا فيه احتمال. (مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ) يعني: في صِحة الاكتفاء به، لأن هذا اللفظ قالوا لا يُكْتَفى به، لا بُدَّ من إتمامه، هذا إذا خَاطَب ما لا يعقل من غير الأصوات، (مِنْ مُشْبِهِ) هذا جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف حالٌ من الضمير في (بِهِ) .. خُوطِبَ بِهِ حال كونه (مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ) يعني: كأن اسم الصوت أشبه اسم الفعل، أشبهه في أي شيء؟ لم يظهر وجه المشابهة بين النوعين، لكن قَدَّر الشُرَّاحُ هنا (مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ) يعني: في صحة الاكتفاء به، يعني: يُكْتَفى به فيقال: (غاق) اكتفينا، لا نحتاج إلى شيءٍ مُتَمِّم لهذا اللفظ بخلاف قول القائل: أَلاَ أَيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ أَلاَ انْجَلِي ..

لكن اعْتُرِض هنا بأنه قد يُكْتَفى به لكونه نداءً (أَلاَ أَيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ .. أَلاَ يَا أَيُّهَا اللَّيلُ) اكتفى، لكن قيل بأن هذا لم يُشْبِه الفعل، لأنه لم يقف عليه وقف انتهاء من الكلام، فلا بُدَّ من شيءٍ يُتَمِّمه، على كلٍّ المقام يحتاج إلى تحرير. (مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ يُجْعَلُ صَوتاً) مَا خُوطِبَ به مَا لاَ يَعْقِلُ من حيوانٍ ونحوه (صَوتاً يُجْعَلُ) يعني: يُجْعَلُ اسم صوتٍ على حذف مضاف، (يُجْعَلُ) هو (صَوتاً)، (صَوتاً) هذا مفعولٌ ثاني، وأين الأول؟ الضمير (يُجْعَلُ) هو .. نائب الفاعل. كَذَا الَّذِي أَجْدَى حِكَايَةً كَقَبْ .. إذاً قوله: (وَمَا) اسم موصول عام شَمِل ما كان للزَّجْر كما ذكرناه، كـ (عَدَسْ)، وما كان للدُّعاء كـ (أَو) فإن كليهما يُخَاطب به ما لا يعقل. كَذَا الَّذِي أَجْدَى حِكَايَةً كَقَبْ .. (كَذَا) أي: مِثلُ ذا السابق في كونه اسم صوتٍ (الَّذِي) الذي كذا، (كَذَا) خبر و (الَّذِي) مبتدأ مؤخَّر، (أَجْدَى) يعني: أفاد، (حِكَايَةً) أفاد حكايةً، شَمِل قوله (حِكَايَةً) ما كان حكايةً لصوت حيوان كـ (غاق) ولصوت غير حيوان (كَقَبْ) وقوع السَّيف. (كَذَا الَّذِي أَجْدَى حِكَايَةً) حِكَايَةً لأي شيء؟ قلنا: عام، إمَّا لصوت حيوان وإمَّا لصوت جمادٍ إذا وقع، (كَقَبْ) لوقوع السَّيف، يعني: تَحكي الصوت الذي تسمعه، لكن ثَمَّ ألفاظ محفوظة عند العرب لأشياء محدودة، إذا وقع السَّيف لا تأتي بلفظ من عندك تقول (قَبْ) ماذا قال السِّيف إذا وقع؟ (قَبْ)، (قَبْ) هذا اسم صوت مبنيٌّ على السكون لا محل له من الإعراب (كَقَبْ). وَالزَمْ بِنَا النَّوعَينِ فَهْوَ قَدْ وَجَب .. (وَالزَمْ بِنَا النَّوعَينِ) يعني: بناء النَّوعين، قصره للضرورة، والمقصود بالظاهر (النَّوعَينِ) ما هو؟ اسم الفعل واسم الصوت، هذا الظاهر، ويَحتمل وجهاً آخرَ وليس ببعيد: أنه قد بيَّن حُكم اسم الأفعال في الأول .. الأول هناك: وَكَنِيَابَةٍ عَنِ الْفِعْلِ بِلاَ تَأَثُّرٍ، إذاً: عرفنا لا يكون تكرار، فنجعل (بِنَا النَّوعَينِ): ما خُوطِب به ما لا يعقل والذي أفاد حكايةً، لأننا قلنا أسماء الأصوات نوعان: ما خُوطِب به ما لا يعقل، والثاني: ما وضِع لحكاية صوت حيوان. إذاً: (وَالزَمْ بِنَا النَّوعَينِ) أي النوعين؟ المذكورين في هذين البيتين، لأن أسماء الأفعال انتهى البحث فيها: وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ الَّذِي يُنَوَّنُ ... مِنْهَا وَتَعْرِيفُ سِوَاهُ بَيِّنُ كان في أسماء الأفعال، انتقل إلى النوع الثاني: أسماء الأصوات. إذاً: (الزَمْ بِنَا النَّوْعَينِ) مُتعلِّق بنوعي أسماء الأصوات، وأمَّا أسماء الأفعال هذا انتهى منه، لكن الأشْمُوني على ما ذكَرْنَاَه أولاً، وكذلك ابن عقيل هنا. (فَهْوَ قَدْ وَجَبْ) الفاء للتَّعليل، (فَهْوَ قَدْ وَجَب) هذا تتميم، (هْوَ) مبتدأ و (قَدْ وَجَب) خبره، تتميم .. لماذا نقول تتميم؟ لأن الوجوب معلوم من قوله (الزَمْ) واجب (الزَمْ بِنَا النَّوْعَينِ) إذاً: هما مبنيَّان. إذاً: (قَدْ وَجَبْ) هذا يمكن الاستغناء عنه، فإذا أمكن الاستغناء عنه حينئذٍ نقول: هذا يُعْتَبر حَشْواً.

قال الشارح هنا: "أسماء الأصوات ألفاظٌ اسْتُعْمِلت كأسماء الأفعال في الاكتفاء بها" (هَيْهَاتَ العقيقُ) فقط "دالَّةً على خطاب مالا يعقل" إذاً: وجه المشابهة بين اسم الصوت واسم الفعل في الاكتفاء بها .. كونه يُكْتَفى به "دالَّةً على خطاب مالا يعقل، أو على حكاية صوتٍ من الأصوات، فالأول -خطاب ما لا يعقل-: كقولك (هَلا) " مثل (ألا) - قيل: تُنَوَّن وقيل: لا، يعني: تُنْطق مثل (ألا) .. (هلا) "لزَجْر الخيل و (عَدَسْ) لِزَجر البغل، والثاني كـ (قَبْ) لوقوع السَّيف و (غاق) للغراب" و (أَوْ) لدعاء الفرس كما ذكرناه. وكذلك في قولهم في دعاء الإبل لتشرب: (جِيء .. جِيء) مهموزين، يعني: كأن الإبل تَفْهَم هذا الخطاب (جِيء .. جِيء) يعني: تعالي اشربي، سبحان الله! وفي دعاء الضَّأن: (حا .. حا) والمعز (عا .. عا) غير مهموزين في النوعين، والفِعْلُ منهما (حاحَيْتُ وعاعَيْتُ) والمصدر (حَيْحَاء وعَيْعَاء) هذه كُلُّها مُولَّدة، يعني: لم يسمع، ولذلك قال قائلهم: يَا عَنْزُ هَذَا شَجَرٌ وَمَاءُ ... عَاَعَيْتُ لَوْ يَنْفَعُنِي العَيْعَاءُ عَدَسْ مَا لِعبَّادٍ عَلَيْكِ إِمَارَةٌ .. إذاً: وأشار بقوله (وَالزَمْ بِنَا النَّوعَينِ) إلى أن أسماء الأفعال وأسماء الأصوات كلها مبنيَّة، إذاً: حَمَل قوله (بِنَا النَّوعَينِ) على الباب كلِّه، ولا مانع أن يُقال: بأنه بيَّن في الأول حكم أسماء الأفعال، وهنا بيَّن النوعين من أسماء الأصوات، وقد سبق في باب المُعْرَب والمبْنَى أن أسماء الأفعال مبنية لشبهها بالحرف في النيابة عن الفعل وعدم التأثُّر، حيث قال: (وَكَنِيَابَةٍ عَنِ الْفِعْلِ بِلاَ تَأَثُّرٍ) وأمَّا أسماء الأصوات فهي مبنية لشبهها بأسماء الأفعال، وقيل: لمشابهتها الحروف المهملة في أنها: لا عاملة ولا معمولة، مثل: ((حم)) [غافر:1] .. ((الم)) [البقرة:1] ومثلها، إذاً: هي مبنيَّة فلا محل لها من الإعراب، وشَذَّ إعراب بعضها لوقوعه موقع الاسم المتَمكِّن كقوله: إِذْ لَمَّتِي مِثْلُ جَنَاحِ غَاقِ .. (مِثْلُ جَنَاحِ غَاقِ) مضاف إليه، لماذا أَعْرَبه هنا؟ أُعْرِب (غَاقِ) لوقوعه موقع (غُرْاب) لأنه يَدلُّ عليه .. خاصٌّ به، إذا قال: (غاق) فُهِم أنه يريد به الغراب. وتنكيرها بالتنوين كأسماء الأفعال، وأصل بنائها على السكون كـ (قَبْ) و (سَعْ) وما سَكَن وسطه من ثلاثي كُسِر على أصل التقاء الساكنين كـ (غاق) و (طَاقِ) لحكاية صوت الضرب، إذا وقع الشيء .. ضَرَبت (طَاقِ) تَحكيه بهذا اللفظ. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

104

عناصر الدرس * شرح الترجمة (نونا التوكيد) ـ * الأفعال التي يجوز تأكيدها والتي لا يجوز تأكيدها * حكم آخر المؤكد * حكم تأكيد الأفعال المسندة إلى الضمائر * أحكام تختص بنون التوكيد الخفيفة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بعد: قال الناظم - رحمه الله تعالى -: (نُونَا التَّوْكِيْدِ). أي: هذا باب بيان الأحكام المتعلِّقة بِنُونَي التوكيد، وهذا الباب الأصل: أنَّه ليس من أبواب النحو، لأنَّه ليس فيه إلا: (وَآخِرَ المُؤَكَّدِ افْتَحْ) هذا الذي يتعلَّق بالنحو، وبقية الأبيات لا علاقة له بالنحو، لأن المسألة متعلِّقة (بالصرف) يعني: ما يُحْذَف وماذا إذا أُسْنِد إلى المعتل الآخر بالألف، وماذا إذا كان رافعاً لواو أو ياء وألف، كل الأحكام هذه ليست من مجال النحو. (نُونَا التَّوْكِيْدِ) أي: هذا باب بيان ما يَتعلَّق بنوني التوكيد، التوكيد سبق أنَّه تقوية، إذاً: حينئذٍ قد يُقوَّى الفعل .. توكيد الفعل تقويته بأشياء عدَّة، لكن منها: (نونا التوكيد) وإلا قد يُؤكَّد الفعل بالقسم .. قد يؤكَّد بـ (قد) .. قد يؤكَّد بـ (إن) إلى آخر ما يذكره البيانيُّون. وأمَّا هنا فالكلام فيما يتعلَّق بنوني التوكيد، ونونا التوكيد المراد بهما: الثقيلة والخفيفة - والمراد بالثقيلة (المشدَّدة) يعني: عبارة عن نونين - النون الأولى (ساكنة) والنون الثانية (متحرِّكة) فَأُدغِمت الأولى في الثانية. والخفيفة مُرادهم به نون واحدة .. حرف واحد، وهي ساكنةٌ، حينئذٍ نقول: النون الثقيلة والنون الخفيفة باستقراء كلام العرب لا يوجد نونٌ ثالثة يُؤَكَّد بها إلا هاتان النونان، (نونا التوكيد)، لكن هل أحدهما أصل والآخر فرع .. أو كلٌ منهما أصل؟ هذا فيه أربعة مذاهب تقريباً: ذهب البصريُّون إلى أن كلاٌ منهما أصلٌ، يعني: النون الثقيلة أصل، والنون الخفيفة أصل، فليس أحدهما فرعاً عن الآخر، كلٌ منهما أصلٌ برأسه منفصلٌ عن الآخر، لماذا؟ قالوا: لتخالف بعض أحكامهما، يعني: ثَمَّ أحكام تَختصُّ بالثقيلة، وثَمَّ أحكامٌ تَخْتَصُّ بالخفيفة، حينئذٍ لَمَّا تخالفا علمنا أن كلاً منهما أصلٌ برأسه لوجود المخالفة بين النونين. كإبدال الخفيفة ألفاً في الوقف، سيأتي أربعة أحكام تنفرد الخفيفة عن الثقيلة، إبدال الخفيفة ألفاً وقفاً في نحو: (وَليَكُونا) وحذفها في نحو: لاَ تهُيَنَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ .. وهذان الحكمان ممتنعان في الثقيلة - الثقيلة لا تُقْلَب ألفاً في الوقف، وكذلك لا تُحْذَف إذا لقيت ساكن .. تابعها ساكن أو جاء بعدها ساكن، إذاً: هذان حكمان مخْتَصَّان بالخفيفة، ولا يوجدان، بل ممتنعان في الثقيلة، إذاً: بينهما تَخالف. وكوقوع الشَّديدة بعد الألف وهو ممتنع في الخفيفة، إذاً: للتَّخالف جُعِل كلٌ منهما أصلٌ، وهذا مذهب جماهير البصريين بل نُسِب إلى البصريين على جهة العموم، وعُورِض هذا التَّعليل: أن كلاً منهما أصل لوجود التَّخالف بين النونين في بعض الأحكام. نقول: (إنَّ وأنَّ) الثانية فرعٌ عن الأولى ووُجِد التَّخالف، إذاً: وجود التَّخالف .. تَفرُّد الفرع ببعض الأحكام مُخالفاً للأصل لا يَجعله أصلاً مُستقلاً بنفسه، بل تثبت له الفرعية ومع ذلك نَحكم له ببعض التَّخالف مع الأصل.

عُورِض التَّعليل: بأن الفرع قد يختصُّ بأحكام ليست في الأصل وهذا صحيح، كما في (أنَّ) المفتوحة فإنَّها فرعٌ المكسورة، ولها أحكامٌ تَختصُّ بها وهذا واضح بيِّن، إذاً: تعليل البصريين بأن كلاً منهما أصل لوجود المخالفة في بعض الأحكام ليس بِجيِّد، لماذا؟ لأنَّه قد يكون ثَمَّ أصلٌ وفرع، والفرع ينفرد ببعض الأحكام لا ينفرد بها الأصل، إذاً: هذا التَّعليل عليل. وذهب الكوفيُّون: إلى أن الخفيفة فرع الثقيلة، فالثقيلة هي الأصل ثُمَّ حُذِفت منها إحدى النونين فصارت (الخفيفة) وهذا هو الظاهر: أن الخفيفة أصلٌ، كما نقول: (إِنَّ وإِنْ) (أَنَّ) بالتثقيل و (أَنْ) بالتخفيف، إذاً: قد يُحْذَف أحد الحرفين ويبقى الحرف على أصله، إذاً (أَنْ) بالتخفيف فرع (أَنَّ)، و (إِنْ) بالتخفيف .. بإسكان النون فرع (إِنَّ) هذا لا إشكال فيه. وذهب الكوفيُّون إلى أن الخفيفة فرع الثقيلة لاختصارها منها، يعني: هي مُختصرة منها، لأنها جزء .. الخفيفة داخلة في الثقيلة، ولأن التأكيد بالثقيلة أبلغ وهذا واضح بيِّن: ((لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا)) [يوسف:32] أيُّهما أبلغ في التأكيد؟ لا شَكَّ أن الأول أبلغ، فدل على أنَّه أصل، لأنَّه عبارة عن حرفين، والثاني عبارة عن حرفٍ واحد، ولا شَكَّ أن العرب لا تزيد حرفاً إلا لفائدة، إذاً: هذان قولان. وقيل بالعكس، يعني: الخفيفة هي الأصل، والثقيلة هي الفرع، لماذا؟ قالوا: لأن الخفيفة بسيطة والثقيلة مُرَكَّبة، وأيُّهما أصل؟ البسيط أصلٌ للمُرَكَّب، هذا تعليل لكنَّه فيه نظر. وقيل بالعكس: فالخفيفة بسيطة والثقيلة مُرَكَّبة، فالخفيفة أحق بالأصالة والثقيلة أحق بالفرعية. إذاً: هذه ثلاثة أقوال للنحاة في أيِّهما أصلٌ للآخر، والصحيح أن يُقال بأن الثقيلة أصلٌ، والخفيفة فرعٌ. قال رحمه الله تعالى: لِلْفِعْلِ تَوْكِيدٌ بِنُونَيْنِ هُمَا ... كَنُونَيِ اذْهَبَنَّ وَاقْصِدَنْهُمَا هذا باستقراء كلام العرب، لا يوجد نون يُؤكَّد بها إلا الثقيلة والخفيفة، هذا مُتفقٌ عليه بين النحاة، وسَبَق في أول الكتاب: أن النون مُطلقاً الخفيفة والثقيلة من علامات الفعل، إذاً: لا تدخل على الاسم ولا على الحرف، وأمَّا: (أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا .. ) قلنا: هذا شاذُّ يُحفظ ولا يُقاس عليه، لأنَّه دخل على اسمٍ وهو اسم فاعل، والذي سَهَّله: أنَّه بِمعنى الفعل، يعني: الذي سَهَّل مثل هذه الضرورات وهذه الشُّذوذات: أن ما دخلت عليه النون وهو اسم الفاعل بمعنى الفعل، وكأنَّه لُوحِظ فيه معنى الفعل فدخلت عليه النون. (لِلفِعْلِ تَوكِيدٌ) توكيدٌ للفعل لا لغيره، صحيح هذا؟ الآن قَررنا هذه المسألة، قلنا: لا تدخل لا على الحرف ولا على الاسم، إذاً: اختصَّت بالفعل، إذاً: للفعل لا لغيره، إذاً: أفاد بتقديم الجار هنا الخبر وحقه التأخير .. أفاد الحَصْر والقَصْر (تَوكِيدٌ لِلفِعْلِ) للفعل لا لغيره تَوكِيدٌ بنونين.

إذاً: تَوكِيدٌ بنونين إنما يكون للفعل على جهة الخصوص، ولذلك يُعْتَبَر من علامة الفعليَّة، دخول النون .. نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة علامةٌ على أن الكَلِمة فعلٌ وليست باسمٍ ولا حرفٍ، لأن الفعل هو الذي يُؤَكَّد بالنون، وأما الاسم يُؤَكَّد لكن لا يُؤَكَّد بالنون، يُؤَكَّد بمُؤَكِّدات عديدة منها ما هو حرف ومنها ما هو اسمٌ. حينئذٍ نقول: الفعل دون غيره من الحروف والأسماء هو الذي يُؤَكَّد بالنونين، ولذلك قَدَّمَه هنا للاختصاص، (لِلفِعْلِ) هذا خبر مُقدَّم، جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقَدَّم، (تَوكِيدٌ) هذا مبتدأ مؤخَّر، (بِنُونَينِ) يعني: بكلٍ منهما ليسا معاً .. بكلٍ منهما على حِدَة. (تَوكِيدٌ لِلفِعْلِ) جنس الفِعْلِ، حينئذٍ (بِنُونَينِ) معاً أو بكلٍ منهما على حدة؟ الثاني، إذاً: (بِنُونَينِ) المراد: بمجموع نونين، كلٌ منهما على حدة، (هُمَا) هذا مبتدأ، (بِنُونَينِ) مُتعلِّق بقوله: (تَوكِيدٌ) لأنَّه مصدر، (هُمَا كَنُونَيِ) (هُمَا) الثقيلة والخفيفة .. مبتدأ وخبر، (هُمَا) مبتدأ و (كَنُونَيِ) مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر في محل جر صفة لـ (نُونَينِ). (كَنُونَيِ) أصلها: نُونَينِ، حُذِفت النون هنا للإضافة، و (اذْهَبَنَّ) قُصِد لفظه فهو مضافٌ إليه، (وَاقْصِدَنْهُمَا) معطوفٌ على (اذْهَبَنَّ) مجرور لكن جَرُّه مُقدَّر. إذاً: يلحق الفعل للتوكيد نونان: إحداهما ثقيلة كـ (اذْهَبَنَّ) والأخرى خفيفة كـ (اقْصِدَنْهُمَا) وقد اجتمعا في قوله تعالى: ((لَيُسْجَنَنَّ)) [يوسف:32] ثقيلة هذه ((وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)) [يوسف:32] وَلَيَكُونًا، في الوقف: وَلَيَكُوُنَا، إذاً: هاتان نونان. ومعنى توكيد الفعل بهما .. ما المراد أن الفعل يُؤكَّد؟ معنى توكيد الفعل بهما: أنَّهما يُفِيدان تحقيق معنى الفعل، يعني: وجِد، مثلما نقول (قَدْ) للتحقيق، وقلنا (قَدْ) هذه من المؤكِّدات، إذاً: لا بأس أن يُقال: بأن الفعل يدخله ما يدلُّ على أنَّه مُحقَّق، يعني: موجود بالفعل .. مؤكَّد، أنَّهما يُفيدان تحقيق معنى الفعل، فإذا قُلت: (اضْرِبَنَّ) ففيه توكيد لقولنا (اضْرِبْ) ففيه توكيد لـ (اضْرِبْ) المُجرَّد منها فهو أبلغ من المُجرَّد، أيُّهما أبلغ في الدَّلالة على تحقيق الفعل (اضْرِب) أو (اضْرِبَنَّ)؟ الثاني، هذا معنى توكيد الفعل: أنَّه يُقوُّيه في الدَّلالة على تحقيق مدلول الفعل (اضْرِبْ) هذا مُجرَّد من النون، (اضْرِبَنَّ) هذا أبلغ منه. ولَمَّا أفهم قوله (لِلفِعْلِ) توكيد للفعل، معلوم أن الفعل ثلاثة أقسام: فعلٌ ماضٍ، وفعلُ أمرٍ، وفعلٌ مضارع، هل كل هذه الأفعال تُؤكَّد؟ هو أطلق في الأول (لِلفِعْلِ تَوكِيدٌ) عَمَّمَ حينئذٍ كل فعلٍ تدخله نون التوكيد وليس الأمر كذلك، ولذلك دفع هذا الإبهام وأزال هذا اللَّبس بقوله: (يُؤَكِّدَانِ افْعَل وَيَفْعَلْ). (يُؤَكِّدَانِ) فعل مضارع والألف هذه فاعل تعود على (نُونَيِ اذْهَبَنَّ وَاقْصِدَنْهُمَا) يعني نونا التوكيد الثقيلة والخفيفة (يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ) الذي هو (فعل الأمر) فعل الأمر وفعل الماضي وفعل المضارع، هنا قسمان:

فعل الأمر يُؤكَّد مطلقاً يعني: بدون شرط .. كل فعل أمر يجوز تأكيده مطلقاً، ولذلك أطلقه الناظم (يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ) أي فعل الأمر مطلقاً بدون شرط ولا قيد. وأما الفعل الماضي فيقابله: لا يُؤكَّد مطلقاً، يتوسَّط بينهما الفعل المضارع فيؤكَّد لكن بشروط نظمها الناظم فيما سيأتي، إذاً فعل الأمر يُؤكَّد مطلقاً .. كل فعل أمر سواءٌ كان دالاًّّّّّّ على الطَّلب .. تحقيق الطَّلب أو دالاًّّّّّّ على الدعاء، ويقابله الفعل الماضي ويتوسَّط بينهما الفعل المضارع. (يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ) أي فعل الأمر مطلقاً أي بلا شرطٍ، وشمل (افعل) هنا أطلق الناظم شمل الأمر (اذْهَبَنَّ) وشمل الدعاء، لأن الدعاء أمرٌ في المعنى، وشمل أيضاً الأمر للواحد والواحدة، والاثنين، والجمع مذكَّرَينِ أو مؤنَّثَينِ، مذكَّرِينَ أو مؤنَّثِينَ سواءٌ كان المثنى أو المجموع، لأنَّه أطلق الناظم (افعل) فيشمل الأمر الحقيقي ويشمل الأمر إذا كان بمعنى الدعاء، لأنَّه في معنى الطَّلب، ويشمل ما إذا كان الفعل للواحد أو الواحدة، أو الاثنين مذكَّراً أو مؤنثاً، أو الجمع مذكَّراً أو مؤنَّثاً. فتقول (اضْرِبَنَّ يا زَيْدُ) (اضْرِبَنَّ) هذا فعل أمر مؤكَّد بنون التوكيد الثقيلة والمخاطب به واحد، و (اضْرِبِنَّ يا هِنْدٌ) (اضْرِبِي) هذا الأصل بكسر الباء (يا هند) و (واضْرِبانِّي) و (اضْرِبُنَّ يا زَيْدون) و (اضْرِبْنان يا هِنْدَات) إذاً سواءٌ كان المخاطب به واحداً أو واحدة أو اثنين أو جمعاً حينئذٍ يؤكَّد الأمر مطلقاً. قلنا يقابله الماضي فلا يُؤكَّدُ مطلقاً، ما العلَّة؟ قالوا: نون التوكيد بنوعيها الثقيلة والخفيفة تُخلِّص مدخولهما للاستقبال يعني مثل (لنْ) تخلِّص الفعل للاستقبال، والماضي هل يقبل ذلك؟ لا يقبل ذلك (اضْرِبَنَّ) هذا مؤكَّد في المستقبل (ليَقومَنَّ) في المستقبل، أما الماضي هذا لا يقبل، لأن معناه (المُضِي) و (المُضِي والاستقبال) متقابلان. ولا يُؤَكِّدان الماضي مطلقاً، لأنَّهما يخلِّصان مدخولهما للاستقبال، وذلك ينافي (المضي)، وأما قول الشاعر: (دَامَنَّ سَعْدُكِ) أكَّد وهو فعل ماضي، نقول هذا ضرورة شاذ يُحْفَظْ ولا يُقاس عليه، وسهَّلها يعني: سهَّل دخول النون كونه بمعنى الاستقبال لأنه قال: (دَامَنَّ سَعْدُكِ) يعني في المستقبل، سهَّل دخول النون على فعل الماضي وإلا القاعدة: أنَّه لا يُؤكَّد الفعل الماضي البتة، لأن النونين يخلِّصان الفعل مدخولهما للاستقبال والمُضي قد انتهى حينئذٍ لا يكون مستقبلاً. و (وَيَفْعَلْ) هذا النوع الثالث وهو: فعل مضارعٌ هنا كنَّى عن الفعل (افْعَلْ) على الأصل (وَيَفْعَلْ)، (يُؤَكِّدَانِ) قلنا فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف هذه: فاعل، ضمير متَّصل مبني على السكون في محل رفع فاعل مردُّه النونان: هُمَا * * * كَنُونَيِ اذْهَبَنَّ وَاقْصِدَنْهُمَا (افْعَلْ) هذ قُصِد لفظه مفعولٌ به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدَّرة على آخره (وَيَفْعَلْ) معطوفٌ عليه والمعطوف على المنصوب منصوب، لكن قيَّد (يَفْعَلْ) ................ آتِيَا ... ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطاً امَّا تَالِيَا

أَوْ مُثْبَتَاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ ... وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ وَبَعْدَ لاَ وَغَيْرِ إِمَّا مِنْ طَوَالِبِ الْجَزَا ... . . . . . ............................. هذه الشروط كلَّها تتعلَّق بالفعل المضارع، قد يكون التأكيد واجباً، وقد يكون قريباً من الواجب، وقد يكون كثيراً، وقد يكون قليلاً، وقد يكون نادراً، فالأحوال خمسة كما سيأتي. (وَيَفْعَلْ) إذاً (يُؤَكِّدَانِ افْعَلْ) وأطلَّقه الناظم فدل على أنَّه لا يُشترط فيه شرطٌ ولا قيد، (وَيَفْعَلْ) أي يُؤَكِّدَانِ (يَفْعَل) الذي هو الفعل المضارع، لكن بالشرط الآتي، (آتِيَاً) هذا حالٌ من (يَفْعَلْ) حال منه، والحال قيد لعاملها وصفٌ لصاحبها، إذاً وصف (يَفْعَلْ) الذي يُؤكَّد بالنونين، وصفه كونه (آتِيَاً) أي الفعل المضارع بالشرط الآتي: (ذَا طَلَبٍ) يعني في جواب طلبٍ (أَو آتِيَاً شَرْطاً تَالِيَا إمَّا) يعني تابعاً لـ (إِمَّا) هذا الحال الثاني، (إِمَّا) إن الشرطية و (مَا) الزائدة. أَوْ ثالثاً: مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ .. (مُثْبَتاً) هذا معطوف على (شَرْطاً)، (فِي قَسَمٍ) يعني في جواب قسمٍ، (مُسْتَقْبَلاَ) حالٌ من فاعل (مُثْبَتاً) أو نعتٌ له يجوز هذا ويجوز ذاك، (ذَا طَلَبٍ) بمعنى أنَّه يكون واقعاً في جواب الطَّلب، أو بعد أداة طلب، وهذا يشمل ستة أشياء: الأمر، والنَّهي، والعرض، والتَّحضيض، والتَّمنِّي، والاستفهام، والدعاء، هذه كلَّها يأتي الفعل المضارع بعدها مؤكَّداً بإحدى النونين. إذاً: أن يقع الفعل المضارع بعد أداة طلبٍ، والطَّلب يشمل ستة أشياء: أولاً: (النَّهي): ((وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا)) [إبراهيم:42] تَحْسَبَنَّ: فعل مضارع أُكِّد بنون التوكيد الثقيلة، ما الذي سَوَّغ كونه مؤكَّداً بالنون؟ مجيئه بعد النَّهي (لا تَحْسَبَنَّ) (لا) ناهية و (تَحْسَبَنَّ) فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم. (والأمر) نحو (ليَقُومَنَّ زَيْدٌ) اللام هذه لام الأمر، حينئذٍ وقع الفعل المضارع بعد أداة طلبٍ وهي لام الأمر، حينئذٍ جاز تأكيده، (ليَقُومَنَّ) مُؤكَّد لوقوعه بعد لام الطَّلب. (والعرض) (ألا تَنْزِلنَّ عِنْدَنَا) (ألا) هذا حرف عرض (تَنْزِلنَّ عِنْدَنَا). أو (تحضيضاً) (هلَّا تَقُومَنَّ يا زَيْدُ) (هلَّا) هذه أداة تحضيض (تَقُومَنَّ) فعلٌ مضارع مؤكَّد لكونه واقعاً بعد أداة طلبٍ. أو (تمنِّي) نحو قول الشاعر: فَلَيْتَكِ يَوْمَ المُلْتَقَى تَرَينَّنِي .. (لَيْتَكِ) تمنِّي (تَرَينَّنِي) فعل مضارع مؤكَّد بالنون لوقوعه بعد أداة الطَّلب. و (الاستفهام) نحو: وَهَلْ يَمْنَعَنِّي ارْتِيَادِي البِلاَدَ .. (يَمْنَعَنِّي) نقول: هذا مؤكَّد لوقوعه بعد (الاستفهام). أو (دعاء): لاَ يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُ .. إذاً بعد هذه الأدوات الستة نقول: يُؤَكَّدُ الفعل المضارع لكنَّه ليس واجب التأكيد بل هو جائز ولكنَّه كثير.

إذاً: (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ) يعني صاحب طلبٍ، بمعنى أنَّه يكون مدلول الأداة داخلاً في مفهومه، إذا قيل (هلاَّ تَقُومَنَّ) تَقُومَنَّ هذا المراد به التَّحضيض، (ألا تَنْزِلَنَّ) تَنْزِلَنَّ المراد به التحضيض فالحرف مؤثِّر سواءٌ عمل أم لم يعمل، الحرف له دور في تغيير معنى الفعل. حينئذٍ نقول (يَفْعَل آتِيَاً) حال كونه (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ أَو شَرْطاً) وسبق أن النونين إنما يُؤَكِّدان الفعل ويخلِّصانه للاستقبال، حينئذٍ شرط الاستقبال يكون مأخوذاً في هذه الأنواع كلِّها، لا يؤكَّد الفعل المضارع إلا إذا كان دالَّاً على الاستقبال، وهذا إما أنَّك تأخذه من قوله (آتِيَاً) وإمَّا من قوله (ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطاً) لأن الطَّلب إنما يكون تحقيقه في المستقبل، والشرط إنما يكون تحقيقه في المستقبل. إذاً إمَّا أن نقول (آتِيَاً) هذا حالٌ من (يَفْعَل) حال كونه (آتِيَاً) وإمَّا أنَّه دالٌّ على الاستقبال، حينئذٍ الفعل المضارع إذا كان بمعنى الحال لا يؤكَّد، لأنَّك تريد به الحال الآن، (والنونان) تخلِّصانه إلى المستقبل فتنافيا .. حصل التنافي بينهما، وإنما يؤكَّد ما كان معناه الاستقبال، إذا كان معلَّقاً على شرط (إمَّا تَرَيِنَّ .. فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ .. فَإِمَّا تَثْقَفَنَّ) نقول هذا المراد به تحقيقه في المستقبل، إذاً جاز تأكيده إذاً لا تعارض بين الفعل المضارع إذا كان دالَّاً على الاستقبال وبين تأكيده بنوني التوكيد الثقيلة والخفيفة، لأن كلاً منهما دالٌّ على الاستقبال فاتَّحدا، كأنَّه أكَّد المعنى الدَّال في المستقبل .. الحدث الذي سيقع في المستقبل. وأمَّا إذا كان الفعل دالَّاً على الحال فيمتنع لوقوع التَّنافي والتَّضاد بينهما كما هو الشأن في الفعل الماضي، إذاً (وَيَفْعَل آتِيَاً ذَا طَلَبٍ أَو شَرْطاً) إنَّما يكون الطَّلب في المستقبل وإنَّما يكون الشرط في المستقبل، إذاً يُشْتَرط في (يَفْعَلْ) الذي ذكره الناظم هنا: أن يكون معناه (الاستقبال) احترازاً من ما لو كان معناه (الحال) وأما الماضي هذا سيأتي بعد قوله: (وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ). ................ آتِيَا ... ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطاً امَّا تَالِيَا يعني: أن يقع بعد (إِنْ) الشرطية وزيدت عليها (مَا) بهذا اللفظ (إِمَّا) ((فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ)) [الأنفال:57] في مثل هذا التركيب يؤكَّد الفعل المضارع بالنونين، والذي سوَّغ ذلك كما ذكرناه: وقوعه بعد الشرط والشرط دالٌّ على الاستقبال. (أَوْ شَرْطاً) يعني أو آتياً شرطاً: هذا معطوف على (ذَا) أو ذا شرطٍ يعني صاحب شرطٍ، (إِمَّا تَالِيَاً) (شَرْطاً تَالِيَا إمَّا) فـ (تَالِيَاً) هذا نعت لـ (شَرْطاً)، أي شرطاً تابعاً (إِنْ) الشرطية المؤكَّد بـ (مَا) لأن (مَا) زائدة وأفادت التأكيد، ((فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ)) [الأنفال:57] أصل التركيب: فَإِن ما تَثْقَفَنَّهُمْ (إن) الشرطية، تَثْقَفَنَّهُمْ: هذا فعل مضارع وقعت (مَا) زائدةً بعد (إن) فأُدْغِمت النون في الميم.

قيل ((فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ)) [الأنفال:57] ((فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ)) [الزخرف:41] ((فَإِمَّا تَرَيِنَ)) [مريم:26] حينئذٍ نقول هذا فعلٌ مضارع تالياً لـ (إِمَّا) الشرطية، حينئذٍ فيه خلاف بين النحاة هل هو ضرورة أو يحْسُن؟ سيأتي. إذاً: من المواضع التي يؤكَّد فيها الفعل المضارع إذا كان شَرْطاً تَالِيَا لـ (إِمَّا). واحترز به من الواقع شرطاً بغير (إِمَّا) فإن توكيده قليل، وهو الذي عناه بقوله: وَغَيرَ إِمَّا مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا .. هذا معطوف على قوله: وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ وَبَعْدَ لاَ .. أو شَرْطاً تَالِيَا (إِمَّا) هذا كثير بدليل أنَّ قوله (وَقَلَّ) وما عُطِف عليه: وَغَيرَ إمَّا مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا .. فالتوكيد بعده قليل . . . . . . . .................. ... ........ أَوْ شَرْطَاً امَّا تَالِيَا أَوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ ... ...................................... (أَوْ مُثْبَتاً) يعني (أو آتِيَاً مُثْبَتاً) معطوف على (شَرْطاً)، (أو آتِيَاً مُثْبَتاً) يعني الفعل المضارع .. آتِيَاً مُثْبَتاً لا منفياً، (فِي قَسَمٍ) يعني في جواب قسمٍ: جار مجرور متعلِّق بقوله (مُثْبَتاً)، (مُسْتَقْبَلاً) هذا نعت لـ (مُثْبَتاً) أو حال من الضمير المستتر في (مُثْبَتاً)، مُثْبَتاً حال كونه (مُسْتَقْبَلاَ) يعني دالاًّ على الاستقبال لا على المضي ولا على الحال، بهذه الشروط الثلاثة: أن يكون الفعل مُثْبَتْاً، في جواب قسمٍ، دالاًّ على الاستقبال، زد عليه (غَيْرَ مَفْصُولٍ مِنْ لاَمِهِ بِفَاصِلْ) أربعة شروط، (غَيْرَ مَفْصُولٍ مِنْ لاَمِهِ) لام القسم يعني (بِفَاصِلٍ) نحو ((تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ)) [الأنبياء:57] تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ، (أَكِيدَنَّ) هذا فعلٌ مضارعٌ مُثْبَت في جواب قسم مُسْتَقْبَل اتَّصلت به اللام (لأَكِيدَنَّ) هل فُصِل بين اللام وبين الفعل؟ لا لم يفصل. حينئذٍ نقول في مثل هذا الموضع عند الكثير: يجب تأكيده. إذاً: أَوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ .. غَيْرَ مَفْصُولٍ مِنْ لاَمِهِ بِفَاصِلٍ نحو ((تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ)) [الأنبياء:57]، ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيَّاً، لأنَّنا اشترطنا: أن يكون (مُثْبَتاً) إذاً إذا كان منفيَّاً فلا يجوز توكيده بهما ((تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ)) [يوسف:85] (تَفْتَأُ) نقول هذا لا يجوز توكيده ولو كان في جواب قسم، لماذا؟ منفي، أين النفي؟ (تَفْتَأُ) مثبت هذا، مقدَّر (تَاللَّهِ لا تَفْتَأُ)، إذاً: إذا كان في جواب قسم وهو منفي حينئذٍ لا يؤكَّد بهما، إذ التقدير (لاَ تَفْتَأُ). أو كان مفصولاً من اللام ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ)) [الضحى:5] (يُعْطِيكَ) نقول هذا وقع في جواب قسم، واللام الداخلة على (سوف) لام القسم (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ) لكن هذا لا يجوز توكيده، لأنَّنا اشترطنا أن تكون اللام داخلة على الفعل لم يفصل بينهما فاصل، فإذا فصل مثل (سوف) حينئذٍ نقول: لا يجوز التوكيد، بل لا بدَّ من أن تكون اللام داخلةً على الفعل ولم يفصل بينهما فاصل.

((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)) [الضحى:5] ((وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ)) [آل عمران:158] (مُتُّمْ) نقول هذا لا يجوز توكيده (أَوْ قُتِلْتُمْ) .. لماذا؟ لوجود الفاصل هكذا مثَّلوا و (مُتُّمْ) هذا فعل ماذا؟ ((وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ)) [آل عمران:158] هل المراد (تُحْشَرُونَ) أو الأول (مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ)؟ النحاة يذكرون هذه الآية. إن كان المراد (مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) هذا لا يؤكَّد، لأنَّه فعل ماضي، وإن كان (تُحْشَرُونَ) لا يؤكَّد فقد يستقيم الاستدلال لكنَّه بعيد أيضاً، فالأحسن أن يُمثَّل بـ ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)) [الضحى:5] هذا أولى من الآية التي ذكرها ابن هشام وغيره. (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ) إذاً (يُعْطِيكَ) هذا لم يؤكَّد لوجود الفاصل بين اللام والفعل وهو (سَوْفَ). إذاً: (مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ) يعني في جواب قسمٍ، (مُسْتَقْبَلاَ) هذه الحالة الثالثة: بعد طَلَبٍ، أَو شَرْطٍ، تَالِيَا (إمَّا)، أَو مُثْبَتاً فِي جواب قَسَمٍ (مُسْتَقْبَلاَ). التوكيد الواقع في جواب القسم واجب، لأنَّهم كرهوا أن يُؤَكَّد الفعل بأمرٍ منفصلٍ وهو القسم من غير أن يُؤَكِّدوه بما يتصل به وهو (النون) بعد صلاحيَّته له، يعني: قالوا عندنا قسم هو مؤَكِّد للفعل، وعندنا من الأشياء التي يؤَكَّد بها الفعل (النون) إذاً: إذا أُكِّد الفعل بـ (القسم) حينئذٍ أكِّد بشيءٍ منفصل عن الفعل ليس متَّصلاً به، وعندنا (النون) وهي مما يتصل بالفعل وهي صالحةٌ لتأكيد الفعل. إذاً: يجب أن يؤكَّد الفعل لئلَّا ينفرد المنفصل بتأكيده هكذا علَّلوه، وهذا مذهب البصريين لكن بالشروط السابقة: أنَّه يجب تأكيد الفعل إذا كان: مُثْبَتاً، واقعاً في جواب قسمٍ، مُسْتَقْبَلاً، غير مفصول من لامه بفاصلٍ. بهذه الشروط الأربعة التوكيد واجب، وهذا مذهب البصريين. فلا بدَّ عندهم من (اللام والنون) فإن خلا منهما قُدِّرَ قبل حرف النفي، فإذا قلت: (والله يَقُومُ زَيْدٌ) هذا وُجِدت فيه الشروط (والله يَقُومُ زَيْدٌ) (والله) هذا قسم (يَقُومُ) جواب القسم، ليس عندنا (نون) ولا (لام) قالوا: يجب التقدير هنا .. نُقَدِّرْ النفي (والله يَقُومُ زَيْدٌ) قالوا (والله لا يَقُومُ زَيْدٌ) هذه الجملة منفية؛ لأنَّه لو كان كذلك لوجب دخول اللام وأُكِّد الفعل، فخلوُّ الفعل عن اللام والنون هذا لا يجوز، لا بد من دخول اللام والنون على الفعل المثبت الواقع في جواب القسم، فإذا جاء مثل هذا الظاهر (والله يَقُومُ زَيْدٌ) قالوا نقدِّر النفي (والله لا يَقُومُ زَيْدٌ) حينئذٍ تخلَّف الشرط الأول وهو (الإثبات).

وهذا مذهب البصريين فلا بدَّ عندهم من اللام والنون، فإن خلا منهما قُدِّرَ قبل حرف النفي، فإذا قلت (والله يَقُومُ زَيْدٌ) كان المعنى: نفي القيام عنه، -هذا غريب- (والله يَقُومُ زَيْدٌ) يعني (والله لا يَقُومُ زَيْدٌ)، لماذا؟ قالوا: لأنَّ التأكيد هنا واجب، فلما لم يوجد إذاً صار الكلام منفيَّاً مثل: ((تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ)) [يوسف:85] (تَفْتَأُ) هذا فعل مضارع وهو مثبت في الظاهر حينئذٍ نقول (تَاللَّهِ) هذا قسم وقع في الجواب، إذاً: لا بدَّ من التقدير. وأجاز الكوفيون تعاقبهما وقد ورد في الشعر، يعني: قد تأتي اللام دون النون وقد تأتي النون دون اللام .. لا يُشْتَرط فيه فهو حسن لوجوده في الشعر. وحكا سيبويه: (والله لأضْرِبُه) دون توكيد، لو كان واجباً لقال: (والله لأضْرِبَنَّه) لا بدَّ من التأكيد لكن هنا حكا سيبويه: (والله لأضْرِبُه) إذاً: لام قسم ووقع الفعل مثبتاً، وفي جواب قسم حينئذٍ لم يؤكَّد فدل على أنَّه ليس بواجبٍ. وأما التوكيد بعد الطَّلب السابق فليس بواجب اتفاقاً (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ) هنا ليس بواجبٍ اتفاقاً بين النحاة، واختلفوا فيه بعد (إمَّا) فمذهب سيبويه: أنَّه ليس بلازمٍ ولكنَّه أحسن يعني: يُسْتَحْسَن التوكيد وليس بواجبٍ. ولكنَّه أحسن؛ ولهذا لم يقع في القرآن إلا كذلك .. إلا مؤكَّداً، لم تأت (إِنْ) الشرطية و (ما) الزائدة في القرآن إلا مؤكَّدة فدل على أنَّه هو الأحسن وهو الأفصح. وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخِّرين أنَّه يُسْتَحْسَن التوكيد بعد (إمَّا) وليس بواجبٍ، وأما بعد الطَّلب فمحل وفاق أنَّه ليس بواجبٍ، وأمَّا بعد القسم فمذهب البصريين أنَّه واجبٌ. وذهب المُبَرِّد والزجَّاج إلى لزوم النون بعد (إمَّا) يعني: يجب، ومذهب الجمهور أنَّه يستحسن، وزعم أن حذفها ضرورة، إذاً قوله: . . . . . . . .... وَيَفْعَلْ آتِيَاً ... ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطَاً امَّا تَالِيَا أَوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ ... ...................................... أراد أن يبيِّن لنا فقط ما الذي يؤكَّد من الفعل المضارع، وليس مراده بيان ما الذي يجب، وما الذي يكثر، وما الذي فيه خلاف، وما الذي اتفقوا عليه، حينئذٍ نقول: أَوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ .. هذا واجب التأكيد، (ذَا طَلَبٍ) هذا كثير التأكيد، (إِمَّا) هذا مُخْتَلفٌ فيه والأحسن كما قال سيبويه وعليه الجمهور: أنَّه يؤكَّد، ولذلك لم يرد في القرآن إلا مؤكَّداً، (وَقَلَّ) قلَّ التوكيد، (بَعْدَ مَا وَلَمْ وَبَعْدَ لاَ وَغَيرَ إِمَّا) في هذه المواضع الأربعة، توكيد الفعل المضارع بعد (مَا) النافية (وَلَمْ) النافية و (لاَ) النافية (وَغَيرَ إِمَّا مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) يعني بعد (متى) الشرطية وبعد (حَيْثُمَا) وبعد (أين) كل هذه الألفاظ. بعد (غَيرَ إمَّا) إن الشرطية التي دخلت عليها (مَا) الزائدة التوكيد قليل.

وقوله (وَقَلَّ) أي التوكيد بعد هذه المذكورات الأربعة (بَعْدَ مَا وَلَمْ) حينئذٍ نقول قوله (قَلَّ بَعْدَ مَا) مراده أن التوكيد بعد (مَا) المذكورة قليل بالنسبة إلى ما تقدَّم، الأحوال الثلاثة السابقة: (ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطاً أَوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاً) بالنسبة إلى هذه الثلاث التوكيد بعد (مَا) النافية قليل أما في نفسه فهو كثير، فالقلَّة هنا نسبيَّة. قليلٌ بالنسبة إلى ما تقدَّم لا قليلٌ مطلقاً فإنَّه كثير .. كثير في نفسه، وذلك أن (مَا) لمَّا لازمت هذه المواضع أشبهت عندهم لام القسم، فعاملو الفعل بعدها معاملته بعد اللام يعني: نزَّلوا (مَا) النافية مُنَزَّلة القسم فلذلك أكَّدوه كثيراً في نفسه، أما باعتبار السابق فهو قليل. (وَقَلَّ بَعْدَ مَا) (مَا) الزائدة التي لا تصحب (إن) أما الزائدة التي تصحب (إن) هذه كما سبق مختلفٌ هل يجب أو لا؟ وهو كثير. نحو قولهم: (بِعَيْنٍ مَا أرَيَنَّكَ هَاهُنَا) هذا مثَل، (أرَيَنَّكَ) فعل مضارع مؤكَّدٌ بالنون، ما الذي سوَّغ له ذلك؟ وقوعه بعد (مَا) الزائدة وهي منفية. وقلَّ دخول النون في الفعل المضارع الواقع بعد (مَا)، (وَلَمْ) يعني والواقع بعد (لَمْ) وهو قليل .. أقلُّ من (مَا) بل قيل: نادر، لماذا نادر؟ قالوا: لأن مدخوله في المعنى ماضي، وإذا كان ماضياً حينئذٍ وجِدَت فيه العلَّة في منع توكيد الفعل الماضي، قلنا الفعل الماضي لا يؤكَّد مطلقاً بلا خلاف، حينئذٍ لماذا مُنِع الفعل الماضي؟ لكون النون تدلُّ على الاستقبال .. تخلِّص الفعل الاستقبال. حينئذٍ قد يكون اللفظ كما سبق في أول الكتاب (ماضي لفظاً ومعنىً، معنىً لا لفظاً، لفظاً لا معنىً) القسمة ثلاثية، والفعل المضارع التي دخلت عليه (لَمْ) هو ماضٍ من جهة المعنى (لم يَضْرِب زيدٌ عمراً) لم يضربه في الماضي لا في المستقبل. إذاً: الواقع بعد (لَمْ) نقول قلَّ دخول النون عليه والقلَّة هنا بمعنى (الندور) كقول الشاعر: يَحْسَبْهُ الْجَاهِلُ مَالَمْ يَعْلَماَ ... شَيخاً عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا (مَا لَمْ يَعْلَماَ) الألف هذه هي نون التوكيد الخفيفة انقلبت ألفاً في الوقف كما سيأتي، إذاً (يَعْلَمن) هذا الأصل. ونصَّ سيبويه على أنَّه ضرورة يعني: القلَّة ليست (ندور) فحسب أنَّه ضرورة يعني يختصُّ بالشعر فحسب ولا يجوز استعماله في النثر للعلَّة التي ذكرناها وهي: أن مدخوله ماضٍ .. مدخول (لَمْ). ونصَّ سيبويه على أنَّه ضرورة، لأن الفعل بعد (لَمْ) ماضي المعنى كالواقع بعد (رُبَّما) كذلك، رُبَّما قالوا: يمتنع أن يؤكَّد الفعل بعدها بل قيل هو شاذ، وإن قال ابن مالك في شرح الكافية: "وهو بعد (رُبَّما) أحسن" يعني توكيد الفعل بعد (رُبَّما) مع كونه ضرورة أو نادر أو شاذ أحسن من توكيد الفعل بعد (لَمْ) لأن (لَمْ) تقلب الفعل المضارع من زمَّن الحال أو الاستقبال إلى المُضي قطعاً في كلِّ تركيب.

وأما (رُبَّما) فهذه تدخل على الفعل الماضي و (قَدْ) تدخل على الفعل المضارع، إذاً قد يكون مدخول (رُبَّما) ما هو مضارع بخلاف (لَمْ) وإن كان مضارعاً لفظاً إلا أنَّه في المعنى ماضٍ ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحجر:2] إذاً دخلت على الفعل المضارع. توكيد الفعل بعد (رُبَّما) أحسن من توكيد الفعل بعد (لَمْ) مع كونه بعد (رُبَّما) شاذ ضعيف لا يقاس، لكن من حيث القبول وعدم مخالفة القياس التوكيد بعد (رُبَّما) أحسن، لأنَّها تدخل على الماضي وتدخل على المضارع، والمضارع إذا دخلت عليه المراد به (الاستقبال) حينئذٍ بقي له جزءٌ من المدخول. (وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ) إذاً قوله (وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ) ليس على مرتبة واحدة بل القلَّة هنا بمعنى الندور بل قال سيبويه: أنَّه ضرورة. (وَبَعْدَ لاَ) النافية كقوله تعالى: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)) [الأنفال:25] (لا تُصِيبَنَّ) لا هذه نافية أو ناهية؟ قيل نافية وقيل ناهية، والصواب: أنها نافية، فهي نفيٌ لا نهيٌ، لأن الجملة صفةٌ لـ (فِتْنَةً) (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ) الجُمَل إذا وقعت بعد النكرات فهي صفات، وإذا قيل بأنَّها ناهية صارت إنشائيَّة طلبية: وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ .. لو كانت ناهية لصارت طلبية، وكيف تكون بعد (فِتْنَةً) وهي صفةٌ لها، فالأولى أن نقول: هي نافية حينئذٍ تكون خبرية، لأنها صفة وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ .. إذاً: الطَّلبيَّة ومنها الناهية لا تقع صفةً، وإذا وقعت حينئذٍ لا بدَّ من التأويل، إذاً عدم التأويل أولى من التأويل، بدلاً من أن نقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) مقولاً فيها (لاَ تُصِيبَنَّ) هذا فيه بعد وفيه تكلُّف، بدلاً من هذا التقدير (مقولاً فيها) نقول الأصل فيها: أنها نافية ولا نحمله على النَّهي إلا بثبت، إذاً الواقع بعد (لا) النافية التوكيد فيها قليل. قال في شرح الكافية: "وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفي بلا تشبيهاً بالنَّهي" وسبق أن النَّهي داخلٌ في الطلب (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ) منه النهي، النفي مشبَّهٌ بالنهي، إذاً قال في شرح الكافية: "وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفي بلا تشبيهاً بالنهي" وهذا ما اختاره الناظم: أنه يجوز لكنَّه على قلة. والجمهور على المنع .. جمهور النحاة على أنَّه لا يؤكَّد بعد (لاَ) النافية. أي: على منع التوكيد بالنون بعد (لاَ) النافية إلا في الضرورة ولهم في الآية تأويلات كثيرة جداً .. خلاف طويل بينهم في الآية، إذاً ثَمَّ خلافٌ في التوكيد بعد (لاَ) النافية، الجمهور على المنع وابن مالك رأى الجواز وهو قليل. (وَغَيرَ إمَّا) هذا النوع الرابع، (وَغَيرَ إِمَّا) (غَير) هذا معطوفٌ على (لاَ)، (وَغَيرَ) مضاف و (إِمَّا) قصد لفظه، (مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) هذا بيَّن به (غير) يعني ما هو؟ حال كونه (مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) أي: وَقَلَّ بَعْدَ غَير (إِمَّا) الشرطية (مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) معطوف على السابق.

أي: وَقَلَّ بَعْدَ غَير (إِمَّا) الشرطية (مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) وذلك يشمل (إنْ) المجرَّدة عن (مَا)، قلنا الَّتي يؤكَّد الفعل بعدها (إن) بشرط زيادة (مَا) طيب! إذا جاءت (إن) مجرَّدة عن (مَا) توكيد الفعل بعدها قليل. وذلك يشمل (إن) المجرَّدة عن (مَا) وغيرها ويشمل الشرط والجزاء. وَغَيرَ إِمَّا مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا .. ومقتضى كلامه: أن ذلك جائزٌ في الاختيار يعني: قليل .. كل ما عبَّر عنه بأنه قليل هنا يُحْمَل على أنه جائزٌ في الاختيار، وسبق أن (لَمْ) سيبويه يرى أنها من خصائص الشعر يعني: الضرورة. مقتضى كلامه: أن ذلك جائزٌ في الاختيار وبه صرَّح في التسهيل .. هو نفسه فقال: "وقد تلحق جواب الشرط اختياراً " يعني نون التوكيد قد تلحق جواب الشرط اختياراً "وذهب غيره إلى أن دخولها في غير شرط (إمَّا) وجواب الشرط مطلقاً ضرورة " إذاً نوزع في موضعين، بأنه لا يجوز اختياراً وإنما هو يكون من قسم الضرورات وهو: التوكيد بعد (لَمْ) وبعد (غَيرَ إِمَّا مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) فذهب بعضهم إلى أنه لا يؤكَّد بعد غير (إِمَّا) مطلقاً وإذا أُكِّدَ إنَّما يكون في الشعر على جهة الخصوص. والواقع بعد (إِمَّا) من أدوات الشرط كقوله: مَنْ نَثْقَفَنْ مِنْهُمْ فَلَيْسَ بِآيِبٍ .. (مَنْ) شرطية و (نَثْقَفَنْ) هذا فعل مضارع أُكِّد بعد (مَنْ) حينئذٍ نقول ضرورة وإن عبَّر عنه الناظم بأنه قليل، هذا من توكيد الشرط بعد (غَيرَ إِمَّا)، ومن توكيد الجزاء قوله: وَمَهْمَا تَشَأ مِنْهُ فَزَارَةُ تَمْنَعَاً .. وَمَهْمَا تَشَأ .. تَمْنَعَاً إذاً أكَّده بعد الجواب، إذاً نقول قول الناظم هنا . . . . . . وَيفْعَلْ آتِيَا ... ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطاً امَّا تَالِيَا أَوْ مُثْبَتَاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ ... وَقَلَّ بَعْدَ ...................... بيَّن لنا ما يجب وما يكثر وما يقل، حينئذٍ على كلام الناظم هنا أن بعض أنواع الفعل المضارع يجب توكيده وهو الذي عناه بقوله: أَوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ وإن لم ينص على أنَّه واجب، (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ) هذا كثير، (أَو شَرْطاً إِمَّا تَالِيَاً) هذا حسن اختاره سيبويه وتبعه المتأخِّرون، وأمَّا (بَعْدَ مَا وَلَمْ وَبَعْدَ لاَ وَغَيرَ إِمَّا) هذه أربعة أنواع توكيد الفعل المضارع بعدها قليل، وقد تختلف هي فيما بينها في القلَّة فبعضه نادر وبعضه حُكِم عليه بالضرورة، وإن كان ظاهر كلام الناظم: أنه يجوز في الاختيار ليس في الضرورة، لأنَّه لو كان كذلك لوجب تقيده. نقول هنا: توكيد الفعل المضارع له حالات، نلخِّص ما ذكره الناظم: توكيد الفعل المضارع له حالات خمسة: أوَّلُها: أن يكون توكيده بهما واجباً، وهذا له موضع واحد، وذلك إذا كان مُثْبَتاً مُسْتَقْبَلاً جواباً لقسمٍ غير مفصولٍ من لامه بفاصل، إذاً قوله: أَو مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ ..

هذا النوع الأوَّل: أن يكون توكيده بهما واجباً، وذلك إذا كان مثبتاً مستقبلاً جواباً لقسمٍ غير مفصولٍ من لامه بفاصل ((تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ)) [الأنبياء:57] انظر! (وتاللهٍ) هذا قسم (لَأَكِيدَنَّ) هنا محل الشاهد: وهو فعل مضارع مُؤكَّد بالنون لوقوعه في جواب القسم ودخلت عليه اللام مباشرة ولم يفصل بينهما فاصل، لو كان منفيَّاًَ لم يؤكَّد، لو كان فاصلٌ بين اللام والفعل لم يؤكَّد، لو كان دالاًّ على الحال لم يؤكَّد، إذاً كل قيدٍ من هذه القيود لها مُحترَز. ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيَّاً نحو ((تَاللَّهِ تَفْتَأُ)) [يوسف:85] أو كان حالاً يعني: دالَّاً على الحال .. قد يؤكَّد وهو دالٌّ على الحال، مثَّلوا له بقراءة ابن كثير ((لَأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) [القيامة:1] (اللام) هذه لام القسم ودخلت على الفعل والمراد به: (الحال). وقول الشاعر: يَمِينَاً لأُبْغِضُ كُلَّ امْرِئٍ .. (يَمِيناً) هذا قسم (لأُبْغِضُ) هذا فعل مضارع دخلت عليه اللام، إذاً لم يُؤَكِّده، لكونه دالَّاً على الحال، لأنه يخبر عن حاله هو .. هو يبغض كُلَّ امْرِئٍ ما ترك أحداً، حينئذٍ وقت الكلام وُجِد البغض في قلبه. أو كان مفصولاً من اللام نحو: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)) [الضحى:5] هذه الحالة الأولى: وجوب التأكيد. الثانية: أن يكون قريباً من الواجب، وذلك إذا كان شرطاً لـ (إن) المؤكَّدة بـ (إِمَّا) يعني بعد (إمَّا) هذا قريب من الواجب، ولذلك الذي يدل على أنه قريب من الواجب، فلو قيل بوجوبه لَمَا امتنع أنه لم يرد في القرآن إلا كذلك نحو: ((وَإِمَّا تَخَافَنَّ)) [الأنفال:58] ((إِمَّا نَذْهَبَنَّ)) [الزخرف:41] ((فَإِمَّا تَرَيِنَ) [مريم:26] نقول هذا كله: فعل مضارع مُؤكَّد بالنون وهو قريب من الوجوب يعني: ليس بواجبٍ وإنَّما هو قريبٌ من الواجب وهو خاصٌ بـ (إن) الشرطية بعدها (مَا) المؤكِّدة، ومِن تَرْك توكيده بعد (إمَّا) قول الشاعر: ياَ صَاحِ إِمَّا تَجِدْنِي غَيْرَ ذِي جِدَةٍ .. (إِمَّا تَجِدْنِي) ما قال (تَجِدَنِّي)، (تَجِدْنِي) على الأصل النون هذه نون الوقاية، وهو قليل وقيل يختصُّ بالضرورة، يعني: ترك توكيده بعد (إِمَّا) قليل وقيل يختصُّ بالضرورة، ولذلك قيل: قريبٌ من الواجب. الحالة الثالثة: أن يكون كثيراً، وذلك إذا وقع بعد أداة الطَّلب، وقلنا هذا يشمل ستة، هذا كثير هذا وليس بقليل ومثَّلنا بالأمثلة السابقة لا نحتاج إلى الإعادة. الحالة الرابعة: أن يكون قليلاً وذلك بعد (لاَ) النافية أو (مَا) الزائدة التي لم تُسْبَق بـ (إن) كقوله تعالى: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)) [الأنفال:25] وقوله: قَلِيلاَ بِهِ مَا يَحْمَدَنَّكَ وَارِثٌ .. هذا قليل. الخامسة: أن يكون أقلَّ من ذلك، وذلك بعد (لَمْ) وبعد أداة جزاءٍ غير (إِمَّا): يَحْسَبُه الجَاهِلُ مَا لمْ يَعْلَمَا ..

إذاً واجب، قريبٌ من الواجب، كثير، الرابع: أن يكون قليلاً وذلك بعد (لاَ) النافية أو (مَا) الزائدة التي لم تُسْبَق بـ (إن)، الخامس: أن يكون أقلَّ من ذلك وذلك بعد (لَمْ) وبعد أداة جزاءٍ غير (إمَّا). قال الشارح هنا: " أي تلحق نونا التوكيد فعل الأمر نحو (اضْرِبَنَّ زَيْدَاً) " ومثله الدعاء نحو: (فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا) (فَأَنْزِلَنْ) هذا دعاء. " والفعل المضارع المستقبل الدَّال على طلبٍ نحو (لتضربنَّ زيداً، ولا تضربنَّ زيداً) " مثَّل بالأمر و (لاَ) الناهية (وهل تضربنَّ زيداً) استفهام وبقي التَّمني والعرض وإلى آخره. " والواقع شرطاً بعد (إن) المؤَكَّدة بـ (مَا) نحو (إمَّا تَضْرِبَنَّ زَيْدَاً أضْرِبْهُ) ومنه قوله تعالى: ((فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ)) [الأنفال:57] الآية .. أو الواقع جواب قسمٍ مثبتاً مستقبلا (والله لتَضْرِبَنَّ زَيْدَاً) فَإِن لمْ يكن مثبتاً لم يُؤَكَّد بالنون نحو (والله لا تَفْعَلُ كَذَا) وكَذَا إن كان حالاً نحو (والله لَيَقُومُ زَيْدٌ الآن)، وقلَّ دخول النون في الفعل المضارع الواقع بعد (مَا) الزائدة التي لا تصحب (إن) وشمل (مَا) الواقعة بعد (رُبَّ) وصرَّح في الكافية بأن التوكيد بعدها شاذ" يعني بعد (رُبَّما). وقلَّ دخول النون في الفعل المضارع الواقع بعد (مَا) الزائدة التي لا تصحب (إن) نحو (بِعَيْنٍ مَا أرَيَنَّكَ هَاهُنَا) والواقعة بعد (لَمْ) كقول الشاعر: يَحْسَبْهُ الْجَاهِلُ مَالَمْ يَعْلَمًا .. يعلمن والواقع بعد (لاَ) النافية في قوله تعالى: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ)) [الأنفال:25] والواقع بعد (غَيرَ إِمَّا) من أدوات الشرط: مَنْ نَثْقَفَنْ مِنْهُمْ فَلَيْسَ بِآيِبٍ .. كذلك بعد الشرط. ثُمَّ قال بعدما بيَّن لنا متى تتصل النون بالفعل مطلقاً قال: وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ كَابْرُزَاً .. كابرزاً (افْتَحْ آخِرَ المُؤكَّد) إذاً: إذا اتَّصلت نون التوكيد بالفعل .. فعل الأمر وجب فتح آخره، فيكون حينئذٍ مبنياً على الفتح (اضْرِبَنَّ يا زَيْدُ) (اضْرِبَنَّ) فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الثقيلة، (اضْرِبَنْ يا زَيْدُ) فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة، (ليَقُومَنَّ زَيْدٌ) فعل مضارع مبنيٌّ على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الثقيلة .. وهلمَّ جَرَّا، وهذا سبق بحثه والخلاف فيه وذكر المذاهب في أول الكتاب. وَأعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا فيُشترط حينئذٍ في النون أن تكون مباشرة، فإن لم تكن مباشرة بأن كان ثَمَّ فاصلٌ ملفوظاً به نحو: ((وَلا تَتَّبِعَانِّ)) [يونس:89] أو مُقَدَّراً نحو: ((لَتُبْلَوُنَّ)) [آل عمران:186] ((فَإِمَّا تَرَيِنَ)) [مريم:26] حينئذٍ يكون الفاصل مُقَدَّراً، فالفعل في هذه الأحوال الثلاثة يكون مُعْرَباً لا مبنياً، (تَتَّبِعَانِّ) الألف هذه فاصل، وكذلك (تَرَيِنَّ) نقول الياء فاصل، (لَتُبْلَوُنَّ) الواو فاصل، لأنَّه فاعل، حينئذٍ تأكيد الفعل في هذه الأحوال الثلاثة لا يقتضي بناءه، وهذا كما سبق بيانه.

(وَآخِرَ) هذا مفعولٌ مُقَدَّم وهو مضاف و (المُؤكَّدِ) مضافٌ إليه، (افْتَحْ) لتركُّبه معها تَرَكُّب خمسة عشر، ولا فرق بين أن يكون صحيحاً (كَابْرُزَاً) أو مُعتلاً نحو: اخْشَيَنْ، وارْمِيَنْ، واغْزُوَنْ .. أمْراً، أو مضارعاً نحو: هل تَبْرُزَنَّ، وهل تَرْمِينَّ؟ ولذلك قال الناظم (كَابْرُزَا) بقلب النون هنا .. نون التوكيد الخفيفة ألفاً. إذاً: (آخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ) مُطلقاً سواءٌ كان فعل أمر، أو فعل مضارع بالشروط السابقة، (كَابْرُزَا) أي: كَابْرُزَنْ .. كقولك (ابْرُزَا) فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة المُنْقلبة ألفاً، هذه لغة جميع العرب سوى فَزَارَة فإنها تَحذف آخر الفعل إذا كان ياءً تلي كسرة نحو: تَرْمِينَّ .. تَرْمِنَّ، بِحذف الياء بشرط أن يكون آخره ياء قبلها كسرة فتقول: هل تَرْمِنَّ يا زَيْدُ؟ وهذا الحكم إذا كان الفعل مُسنداً لغير الألف والواو والياء، يعني: قوله (وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ) إذا كان الفعل غير مسندٍ لألفٍ أو واوٍ أو ياء، وأما إذا أُكِّدَ ما هو مسندٌ إلى الألف أو الواو أو الياء فهذا أشار إليه بقوله: (وَاشْكُلْهُ) يعني: حرِّكُه. قال رحمه الله تعالى: وَاشْكُلْهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ لَيْنٍ بِمَا ... جَانَسَ مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا والْمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ إِلاَّ الأَلِفْ ... وَإِنْ يَكُنْ فِي آخِرِ الْفِعْلِ أَلِفْ فَاجْعَلْهُ مِنْهُ رَافِعَاً غَيْرَ الْيَا ... وَالْوَاوِ يَاءً كَاسْعَيَنَّ سَعْيَا وَاحْذِفْهُ مِنْ رَافِعِ هَاتَيْنِ وَفِي ... وَاوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ قُفِي نَحْوُ اخْشَيِنْ يَا هِنْدُ بِالْكَسْرِ وَيَا ... قَوْمُ اخْشَوُنْ وَاضْمُمْ وَقِسْ مُسَوِّيَا (وَاشْكُلهُ) قلنا يعبِّر ابن مالك بالشكل عن الحركة (وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ) يعني بحركة، (وَاشْكُلهُ) الضمير يعود على آخر الفعل (قَبْلَ مُضْمَرٍ). . . قَبْلَ مُضْمَرٍ لَيْنٍ بِمَا ... جَانَسَ مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا (وَاشْكُلْ) هذا فعل أمر مبنيٌّ على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت (والهاء) هناء ضمير متَّصل مبني على الضَّم في محل نصب مفعول به (اشْكُلهُ) ويعود الضمير هنا على آخر الفعل، لأنَّه قال (وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ) لأنَّه هو محل البناء وهو محل الإعراب، (وَاشْكُلهُ) متى؟ (قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ) قبل ضمير، وإنمَّا يكون ذلك إذا كان واواً أو ألفاً أو ياءً. (لَينٍ) هذا نعت لـ (مُضْمَرٍ)، (بِمَا جَانَسَ) يعني بالذي جانس .. اشْكُلهُ بالذي جَانَسَ، إذاً: (بِمَا) متعلِّق بقوله (اشْكُلهُ) وهي موصول واقع الحركات المجانسة (بِمَا جَانَسَ) (جَانَسَ) هذا فعل ماضي والفاعل هو يعود على (مَا) وهو العائد، والمفعول محذوف .. بمَا جَاَنَسه يعني جانس ذلك المضمر يعني: من جنسه، إن كان واواً فمن جنسه الحركة تكون ضمَّةْ، وإذا كان ألفاً واضح أنَّ من جنسه تكون الفتحة، وإذا كان ياءً كان من جنسه الكسرة.

(مِنْ تَحَرُّكٍ) هذا بيانٌ لـ (مَا) فدلَّ على أن (مَا) هنا واقعة على الحركات المجانسة، إذاً (مِنْ تَحَرُّكٍ) هذا جار مجرور بيانٌ لـ (مَا) فدل على أن الاسم الموصول هنا (مَا) واقعة على الحركات المجانسة، إذاً: اشكله بحركات مجانسة من جنس حرف اللَّين، إن كان واواً فالحركة المجانسة ضمَّة، وإن كان ياءً فالحركة المجانسة هي الياء، (قَدْ عُلِمَا) الألف للإطلاق و (قَدْ) للتحقيق والجملة صفة لـ تَحَرُّكٍ. وَاشْكُلهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ بِمَا ... جَانَسَ. . . . . . . إذا اتَّصل بالفعل المضارع نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة وكان الفعل اتَّصل به ضميرٌ ألفٌ أو واوٌ أو ياءٌ (اشْكُلهُ) بحركة من جنس الواو أو الياء، والواو والياء تُحْذَف والألف سيأتي بحثها، يعني: أن الفعل المؤَكَّد بإحدى النونين إذا كان فاعله ضميراً ليناً فإنَّك تجعل في آخر الفعل شكلاً مجانساً لذلك الضمير، فإذا كان الفعل مسنداً إلى واو الجماعة حينئذٍ تحذف الواو وتأتي بحركة من جنس الواو وهي الضَّمَة تجعله على آخر الفعل (اضْرِبُنَّ يا زَيْدُونْ) ماذا صنعت؟ (اشْكُلهُ) يعني أخِّر الفعل الذي لابس النون، اشكله من جنس الواو تقول: (تَضْرِبُنَّ يا زَيْدُونْ .. اضْرِبِنَّ يا هِنْدُ) شكلته بالكسرة .. ياءٌ ومن جنسها الكسرة فقلت (اضْرِبِنَّ يا هِنْدُ). شكلاً مُجانساً لذلك الضمير، وشمل قوله (قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ) (لَينٍ) هذا نعت لمضمر، شمل قوله (لَينٍ) ألف التَّثنية وواو الجماعة وياء المخاطبة، فتقول (هَلْ تَقُومَانِّ يا زَيْدَاَن؟) هذا واضح أنَّ الألف تبقى (تَقُومَانِّ .. تَتَّبِعَانِّ) بقيت الألف وحينئذٍ يكون من جنسها ما قبلها، و (هل تَقُومُنَّ يا زَيْدُونْ؟) أصلها: (تَقُومون) حُذِفت الواو كما سيأتي حينئذٍ تُحرِّك الحرف الأخير بضَمَّة من جنس الواو، وهذا يسهِّل عليك المهمَّة بدل أن تعرف التفاصيل (تقومون) ثم توالي الأمثال ثُمَّ التقى ساكناً .. لا مباشرة: كل فعلٍ أُسنِد إلى واو الجماعة احذف الواو ثم حرِّك الحرف الأخير بالضَمَّة وتنتهي (هل تقومون: تَقُومُنَّ .. هل تَضْرِبِنَّ يا هِنْدُ) حرَّكته بالكسرة، لا يحتاج أن تعرف التَّفصيلات الَّتي ستأتي معنا إن شاء الله. وشمل قوله (لَينٍ) ألف التَّثنية أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة (هل تَقُومَانِّ يا زَيْدَاَنْ .. هل تَقُومُنَّ يا زَيْدُونْ .. هل تَقُومِنَّ يا هند)، وشمل أيضاً الصحيح كالأمثلة السابقة، والمعتلَّ الآخر نحو (هل تَغْزُوانِّ يا زَيْدَانْ .. هل تَغْزُنَّ يا زَيْدونْ وهل تَغْزِنَّ يا هِنْدُ) حكم عام يشمل المعتل ويشمل الصحيح، إذاً إذا كان الفعل المؤكَّد بالنون الثقيلة أو الخفيفة مسنداً إلى واو الجماعة أو ياء المؤَنَّثَة المخاطبة تحذف الواو وتحذف الياء وتأتي بحركة من جنس الواو أو الياء تحرِّك بها آخر المُؤَكَّد، وهذا استثناءٌ من القاعدة العامة.

(وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ) هذه قاعدة عامة، ثم استثنى منه هذه الحالة قال (وَاشْكُلهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ) (اشْكُلهُ) يعني حرِّكه (قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ بِمَا جَانَسَ) يعني من جنس ذلك المضمر، فالواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة (مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا). (وَاشْكُلهُ) أي حرِّك آخر المُؤَكَّد حالة كون هذا الآخر (قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ) (لَينٍ) بفتح اللام مخفَّف (ليِّنْ) قيل هذا هو المسموع والظاهر وإن جاز كسرها على أنَّه من النعت بالمصدر يعني يجوز فيه (لَين ولِين) لكن (لِين) هذا مصدر و (لَين) هذا مخفَّف (ليِّنْ) فيجوز فيها الوجهان. (وَالمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ) .. (اشْكُلهُ) بحركة من جنس الياء ثم المُضْمَر احْذِفهُ (وَالمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ) (المُضْمَر) المراد به المعهود السابق (أل) هنا للعهد، أي المُضْمَر المُتَقَدِّم وهو (اللَّين)، قوله (قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ) احذفه إذا كان واواً أو ياءً، وتُحرِّك آخر الفعل بالضَمَّة إن كان واواً وبالكسرة إن كان ياءً (إِلاَّ الأَلِفْ) هذا استثناء، فتبقى الألف لا تحذف، لأنَّك لو حذفت الألف لالتبس بالمسند إلى الواحد. لو قيل: (لا تَتَّبِعَانِّ) احذف الألف (لا تَتَّبِعَنِّ) مثل ((لَيُنْبَذَنَّ)) [الهمزة:4] حينئذٍ صار ظاهره أنه مُحَرَّك بالفتحة، وإنما يكون كذلك إذا كان مسنداً إلى الواحد، وأمَّا إلى المثنَّى حينئذٍ لا يُعْلَم أنَّ هذه الحركة حركة مناسبة الألف، لأن الواو يناسِبُها الضمَّة والياء يناسبها الكسرة والألف يناسبها الفتحة، فلو حذفناه وأبقينا الفتحة يلتبس بفتح البناء، حينئذٍ لا ندري هل هذه الفتحة فتحة بناء أو بِنْيَة؟ هذا يلتبس (لا تَتَّبِعَنِّ) هذا يلتبس، هل هو مسند إلى الواحد أم لا؟ فتبقى الألف لا تحذف. إذاً (وَالمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ) المضمر المسند إليه الفعل، (وَالمُضْمَرَ) (أل) للعهد، أي المضمر المُتَقَدِّم الذي حرَّكنا ما قبله من جنس ذلك الحرف، (المُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ) ما إعراب (المُضْمَرَ) هنا؟ منصوب على الاشتغال، (احْذِف المُضْمَرَ) أي السابق يعني اشْكلهُ بحركة مجانسة ثم احذفه وليس مطلقاًَ، استثني الألف، لأنَّك لو حذفت الألف لوقعت في لبسٍ وحرج. (وَالمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ) يعني المضمر المسند إليه الفعل لأجل التقاء الساكنين مبقِّياً حركته دالةً عليه كما سيأتي، (إِلاَّ الأَلِفْ) أبْقِهَا لِخِفَّتها ودفعاً للوقوع في اللبس والحرج، ثم قال: وَإِنْ يَكُنْ فِي آخِر الفِعْلِ أَلِفْ فَاجْعَلهُ مِنْهُ: يَاءً .. (وَإنْ يَكُنْ ألِفٌ فِي آخِر الفِعْلِ) يعني إذا كان الفعل مختوماً بـ (ألِفْ) مثل (يَخْشَى) هذا فعل مضارع معتلَّ الآخِر وهو مختومٌ بالألف (وَإِنْ يَكُنْ أَلِفٌ) هذا اسم (يَكُنْ)، (فِي آخِر الفِعْلِ) متعلِّق بمحذوف خبر (يَكُنْ) ويحتمل أن (يَكُنْ) هنا تامَّة، وإن يُوجد ألفٌ في آخر الفعل، حينئذٍ له حكمان، ثُمَّ إن الفعل إن كان آخره ألفاً فإن له حكماً غير ما تَقَدَّم وله حالتان: الأولى: أن يكون مرفوعه غير الواو والياء. الثاني: أن يكون مرفوعه الياء والواو.

إذاً إذا كان مختوماً بالألف إمَّا أن يرفع واواً أو ياءً يعني: يكون الفاعل إمَّا ضميراً متَّصلاً وهو الواو أو الياء أو غيرهما، إن كان غير الواو والياء قال (اجعله منه ياءً) يعني اقلب الألف ياءً. وَإِنْ يَكُنْ فِي آخِر الفِعْلِ أَلِفٌ .. إذا كان آخر الفعل المضارع ألف أو الأمر وحُذِفت ترجع، حينئذٍ ماذا نصنع؟ نقول: الفعل حينئذٍ إمَّا أن يكون رافعاً للواو والياء يعني: فاعله واو أو ياء، وإما ألَّا يكون كذلك قال (فَاجْعَلهُ مِنْهُ) (فَاجْعَلهُ) يعني الألف (مِنْهُ) يعني من الفعل السابق المختوم بالألف رَافِعاً غَيرَ اليَا * * * وَالوَاوِ .. هذه جملة معترضة (رَافِعاً) يعني حال كون الفعل رافعاً غير الياء والواو، فإن كان رافعاً للواو والياء فله حكم آخر، والحكم هنا فيما إذا كان رافعاً غير الواو والياء قال (فَاجْعَلهُ مِنْهُ ياءً) يعني اقلب الألف ياءً فتقول في (سعى) (اسْعَيَنَّ) رجعت الألف ثم قلبتها ياءً. (فَاجْعَلهُ مِنْهُ) (اجْعَلْ) هذا فعل أمر، والفاعل مستتر أنت والضمير هنا (الهاء) في محل نصب مفعول أول و (يَاءً) هو مفعوله الثاني (فَاجْعَلهُ ياءً)، (مِنْهُ) هذا جار مجرور متعلِّق بمحذوف حال من الضمير في (اجْعَلهُ) يعني حال من المفعول الأول، (فَاجْعَلهُ مِنْهُ) أي من الفعل (رَافِعاً) أي حال كون الفعل رَافِعاً غَيرَ الواو والياء، حينئذٍ إذا لم يكن رافعاً للواو والياء يشمل ثلاثة أحوال: إمَّا أن يكون رافعاً لألف التَّثنية، أو الظاهر مطلقاً، أو الضمير المستتر ثلاثة أحوال، إذاً شمل غير الواو والياء ألف التَّثنية نحو (هل تَخْشَيانِّ .. هل تَخْشَيانِ) (تخشى) آخره ألف، ماذا صنعت؟ قلبت الألف ياءً، هنا أُسنِد الفعل إلى ألف الاثنين، لأنه استثنى ما كان رافعاً للياء والواو، إذا كان رافعاً للألف حينئذٍ تبقى الألف كما سبق. وَالمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ إِلاَّ الأَلِفْ .. فتبقى الألف ثُمَّ ماذا تصنع؟ تقلب ألف الفعل ياءً (تخْشَى .. تَخْشَيا) انقلبت الألف ياءً وفُتِحت لأجل الألف فقيل (تَخْشَيانِّ) قُلِبت الألف ياءً، لأن الفعل هنا مختومٌ بألفٍ ولم يرفع الواو ولا الياء وإنما رفع ألف التَّثنية، أو الظاهر مطلقاً نحو (يَخْشَيَنَّ زَيْدٌ .. يَخْشَى) مختومٌ بالألف، أَكِّد (يخشى) نقول هنا أُسنِد إلى اسمٍ ظاهر غير الواو والياء. إذاً ماذا تصنع؟ تأتي بنون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة وتقلب الألف ياء فتقول (يَخْشَيَنَّ)، نحو: هل يَخْشَيَنَّ زَيْدٌ؟ تقلب الألف ياءً وتفتحها، وهل تخْشَيَنَّ هِنْدٌ عمرو؟ (هل تخْشَيَنَّ) أُكِّد وأسنِد إلى الظاهر، وهل تخْشَيَنَّ الهِندان، وهل يَخْشَيَنَّ الزَّيِدون؟ كل هذا أسنِد إلى الاسم الظاهر مع اختلافه من جهة كونه مفرداً مذكَّراً أو مؤنَّثاً أو مثنىً أو جمعاً، فالفعل في الجميع يُؤَكَّد بالنون مع قلب الألف ياء لكونه مختوماً بالألف ولم يرفع واواً أو ياءً، أو رفع الضمير المستتر نحو: هِنْدٌ هل تخْشَيَنَّ؟ الفاعل ضمير مستتر والألف هنا الَّتي في الفعل قُلِبت ياءً، فتقلب الألف في جميع ذلك ياءً.

إذاً القاعدة: أن الفعل المُؤَكَّد إذا كان مختوماً بالألف يعني حرف علَّة وهو ألف ولم يكن الفاعل الواو أو الياء حينئذٍ وجب قلب الألف ياءً في جميع الأحوال، سواءٌ رفع اسماً ظاهراً أو رفع ضميراً مستتراً أو ألف الاثنين ليس له من الضمير ما يرفعه إلا ألف الاثنين وأما الواو والياء فإذا رفعهما حينئذٍ له حكمٌ آخر. وَإِنْ يَكُنْ فِي آخِر الفِعْلِ ألِفْ .. (إِنْ يَكُنْ) إن يوجد (أَلِفٌ) في آخر الفعل (فَاجْعَلهُ) الفاء واقعة في جواب الشرط، (اجْعَلهُ) يعني اجعل هذا الألف (فِي آخِر الفِعْلِ)، (مِنْهُ) من الفعل (يَاءً كَاسْعَيَنَّ)، (رَافِعاً غَيرَ اليَا وَالوَاوِ) ما هو غير الواو والياء؟ هو الأمور الثلاثة الَّتي ذكرناها، حينئذٍ إذا أردت التفصيل تقول: الفعل المختوم بالألف إمَّا أن يرفع واواً، وإمَّا أن يرفع ياءً، وإمَّا أن يرفع ألف الاثنين، وإمَّا أن يرفع اسماً ظاهراً، وإمَّا أن يرفع ضميراً مستتراً، كم حال؟ خمسة لا سادس لها: إمَّا ألفاً، وإمَّا واواً، وإمَّا ياءً هذه أحوال ثلاثة .. ضمير، وإماَّ اسم ظاهر، وإمَّا مستتر، إن رفع واواً أو ياءً له حكم خاص سيأتي، إن رفع ضميراً مستتراً أو ألفاً أو اسماً ظاهراً حينئذٍ وجب قلب الألف ياءً (يَخْشَيَنَّ). وَاحْذِفْهُ مِنْ رَافِعِ هَاتَينِ .. (احْذِفْهُ) يعني احذف الألف، إذاً إذا رفع الواو أو الياء تحذف الألف؛ لأن الألف ساكنة والواو الضمير ساكنة والياء الضمير ساكنة إذاً التقى ساكنان والألف لا تقبل الحركة، حينئذٍ ليس لنا إلا أن نحذف الألف، (وَاحْذِفْهُ) أي الألف هذا إشارة للحالة الثانية الَّتي هي مفهوم قوله (رَافِعاً غَيرَ اليَا وَالوَاوِ). (وَاحْذِفْهُ) أي الألف (مِنْ رَافِعِ هَاتَينِ) يعني من فعلٍ مختومٍ بألفٍ (رَافِعِ هَاتَينِ) وهما الواو والياء، (هَاتَينِ) هذا اسم إشارة يعود على الياء والواو الذي هو المضاف إليه أضيف، (مِنْ رَافِعِ هَاتَينِ) الواو والياء وتبقى الفتحة قبلهما دليلاً عليه، لأن القاعدة أنه لا يجوز الحذف إلا بشرطين: أن يكون حرف علَّة وأن يبقى دليلٌ عليه من جنسه، وهنا الألِفْ حرف علَّة، حينئذٍ ما قبل الألِفْ وهو الفتحة وجب إبقاؤه كحاله دليلاً على الألف المحذوفة. (وَاحْذِفْهُ) أي الألف (مِنْ رَافِعِ هَاتَينِ) يعني من فعلٍ رافعٍ لهاتين اللَّذَين هما الواو والياء. وَفِي * * * وَاوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ قُفِي ..

إذا قيل مثلاً: (اخْشَيِن) أصله (اخْشَي) نقول هذا فعل أمر مثل (اضْرِبِي) اتَّصل به الياء، أين الألف (اخشي)؟ حُذِفَت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، لو أردت تأكيده بالنون الثقيلة حينئذٍ يجتمع معك ساكنان (الياء والنون الأولى المدغمة في المحرَّكة) حينئذٍ التقى ساكنان هل يجوز حذف الأوَّل؟ يجوز لكن في هذا التركيب لا، لأنه لا يجوز الحذف إلا إذا دَلَّ عليه دليل، وهنا لو حذفنا الياء الفتحة السابقة على الياء دليلٌ على الألف المحذوفة، حينئذٍ لو حذفناه دون دليل وقعنا في المحضور وهو كوننا حذفنا بدون وجود الشرط، لو حرَّكنا الفتحة كسرة لتدلَّ على الياء ذهب دليل الألف، ماذا نصنع؟ نحرِّك الياء من جنسها، وما هو جنسها؟ الكسرة ولذلك تقول (اخْشَيِنْ يا هند) بتحريك الياء، لماذا؟ لأنَّه لا يمكن التَّخلُّص من التقاء الساكنين إلا بتحرُّك الأوَّل وهو الياء. ومثله الفعل تقول (اخْشَو) أصلها: (اخْشَاوْ) واو الجماعة ساكن والألف ساكن حذفناها إذاً الواو ما قبلها مفتوح والفتحة هنا من أجل الدَّلالة على الألف المحذوفة (اخْشَوْنْ) اجتمع عندك ساكنان الواو والنُّون الأولى، لا يمكن حذف الواو في هذا التركيب، في بعض المواضع تحذف لكن في هذا التركيب لا يجوز حذفها، لأنَّه لا بدَّ من توفُّر شرطين: تكون حرف علَّة وهو كذلك، وأن يكون ما قبلها دليلٌ عند حذفها، لا بُدْ أن يكون ضمَّة موجودة، وهنا ليس عندنا ضمَّة، ولا يمكن تحريك الفتحة هذه، لأنَّها تدل على الألف المحذوفة، إذاً للتَّخلُّص من التقاء الساكنين نحرِّك الواو من جنسها وهو الضَمَّة، متى هذا؟ إذا رفع الفعل المختوم بالألف واواً أو ياءً، نحذف الألف ونبقي حركة الألف ونحرِّك الواو والياء من جنسهما، ولذلك قال: وَفِي * * * وَاوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ قُفِي .. يعني (شَكْلٌ) الذي هو تحريكٌ (مُجَانِسٌ) للواو وهو الضَمَّة وللياء وهو الكسرة (قُفِي) يعني تُبِع. (وَاحْذِفْهُ) أي الألف (مِنْ رَافِعِ هَاتَينِ) وهما الواو والياء، ثُمَّ ماذا نصنع؟ عندنا ساكنان الواو والنون الأولى أو النون الخفيفة قال (وَفِي وَاوٍ) هذا متعلِّق بقوله (قُفِي) وتُبِع في (وَاوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ)، (شَكْلٌ) مبتدأ و (قُفِي) يعني تُبِع هذا خبر و (مُجَانِسٌ) هذا نعت (وَفِي وَاوٍ وَيَا) متعلِّقان بقوله (قُفِي) يعني: (شَكْلٌ مُجَانِسٌ) للحرف (قُفِي) يعني تُبِع. يعني: أن الواو بعد حذف الألف تُضَم والياء تُكْسَر هذا مراده، وإنَّما احْتِج إلى تحريكهما ولم يحذفا مع كونه قد يجوز في بعض المواضع، لأنَّ قبلهما حركة غير مجانسة وهي حركة الألف .. أي: فتحة الألف المحذوفة فلو حُذِفا لم يبق ما يدلُّ عليهما، لو حذفنا الواو دون أن نغيِّر ما قبلها من جنسها ما بقي دليل عندنا ولا يمكن تحريكها بالفتحة، وكذلك لو حذفنا الياء لم يبق دليل يدل عليها فلا يجوز حذف الياء وإنما تُحرَّك من جنسها .. من جنس الياء. يعني: أن الألف الذي في آخر الفعل احذفه إذا رفع الفعل الياء والواو، واجعل الضمير الذي هو الواو أو الياء محرَّكاً بحركةٍ تجانسه فتحرِّك الواو بمجانسها وهو الضَمَّة وتحرِّك الياء بمجانسها وهو الكسر.

(نَحْوُ اخْشَينْ يَا هِنْدُ بِالكَسْرِ) بكسر الياء للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، لأنَّ الياء ساكنة فاعل، والنون الخفيفة هذه ساكنة، التقى ساكنان لا يمكن حذف الأول لعدم وجود الدليل وإنَّما حرِّكه بحركة مجانسة للياء وهي الكسرة. وَيَا * * * قَومُ اخْشَوُن .. اخْشَوُن بتحريك الواو بالضَمَّة، لأنَّ نون التوكيد ساكنة والواو ساكنة فالتقى ساكنان فالأصل: حذف الأوَّل لكن لا يمكن لعدم وجود دليل حينئذٍ وجب تحريك الواو بحركة مجانسة لها وهي الضَمَّة. (وَقِسْ) على ذلك (مُسَوِّيَاً) يعني بهما في الحكم. هنا قال ابن عقيل: "الفعل المؤَكَّد بالنون إن اتَّصل به ألف اثنين أو واو جمعٍ أو ياء مخاطبة حُرِّكَ ما قبل الألف بالفتح" هو محرَّك لا يحتاج إلى تحريك، لأن الألف لا تكون ألف إلا إذا كان ما قبلها مفتوحاً. "وما قبل الواو بالضمِّ وما قبل الياء بالكسر" يعني يُحَرَّك بالضَم ما قبل الواو، وما قبل الياء بالكسر، ثم تحذف، يعني: تحرِّك .. الكلام كلُّه مستقيم بقوله: وَاشْكُلهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ بِمَا ... جَانَسَ مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا وَالمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ. . . . ... . . . . . . . . . . يعني حرِّك واحذف، حرِّك آخر الفعل الذي هو المستثنى من قوله (وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ) حرِّكه بالضمَّة مع حذف الواو، وحرِّكْه بالكسرة مع حذف الياء، إذاً التحريك والحذف مقترنان. ويحذف الضمير إن كان واواً أو ياءً ويبقى إن كان ألفاً فتقول: (يا زَيْدَاَنِ هَلْ تَضْرِبَانِّ) هنا التقى ساكنان على حدِّه، ويا زَيْدُون هَلْ تَضْرِبُنَّ، انظر! حرَّك الباء بالضَمَّة، مع حذف الواو: هَلْ تَضْرِبُنَّ، ويا هِنْدُ هَلْ تَضْرِبِنَّ، بتحريك الباء بالكسرة، والأصل: هل تَضْرِبَانّ (تَضْرِبَان) هذا فعلٌ مضارع أُسنِد إلى ألف الاثنين، وحينئذٍ يُعْرَب بثبوت النون، إذاً: (تَضْرِبَان). النون هذه مفتوحة أو مكسورة؟ مكسورة بعد ألف الاثنين، إذا أُكِّد حينئذٍ اجتمع عندنا ثلاث نونات: نون الرفع، ونونا التوكيد الثقيلة، كراهة توالي الأمثال حُذِفت نون الرفع فقيل: هَلْ تَضْرِبَانِّ، ثُمَّ كُسِرت النون الثقيلة .. نون التوكيد وهي مفتوحة في الأصل (اضْرِبَنَّ) بالفتحة، ونحن نقول: (وَلا تَتَّبِعَانِّ) بالكسر، قالوا: حُرِّكَت بالكسر تشبيهاً لها بنون المثنَّى، وإلا الأصل: هي مُحرَّكة بالفتح ((لَيُسْجَنَنَّ)) [يوسف:32] بالفتح، لماذا حُرِّكَت بالكسر هنا بعد الألف؟ قيل: تشبيهاً لها بنون المثنَّى. إذاً: يا زيدان هل تضْرِبَانِّ، أصلها (هل تَضْرِبانِّني) بثلاث نونات، وهل تَضْرِبُونَّنْ، بثلاث نونات، وهل تَضْرِبَينَّنْ، بثلاث نونات، فحُذِفت النون الَّتي هي نون الرفع لتوالي الأمثال، حينئذٍ إذا أعربته تقول (تَضْرِبَانِّ) مرفوعٌ ورفعه النون المحذوفة لكراهة توالي الأمثال.

فحُذِفت النون لتوالي الأمثال ثم حُذِفت الواو والياء لالتقاء الساكنين الَّذي هو النون الأولى والواو نفسها فصار (هل تَضْرِبُنَّ وهل تَضْرِبِنَّ) ولم تُحذف الألف لخفَّتها ولئلا يلتبس بفعل الواحد -وهذا أهمُّ- فصار (هل تَضْرِبَانِّ) وبقيت الضمَّة دالَّةً على الواو والكسرة دالَّة على الياء، هذا كلُّه إذا كان الفعل صحيحاً. فإن كان معتلَّاً نظرت! فإمَّا أن يكون آخره ألفاً أو واواً أو ياءً، فإن كان آخره واواً أو ياءً حُذِفت لأجل واو الضمير أو يائه وضُمَّ ما بقي قبل واو الضمير وكُسِر ما بقي قبل ياء الضمير فتقول (يا زَيْدُونْ هل تَغْزُوُونَّ) هل تَغْزُونَّ أو تَغْزُوُونَّ؟ هنا فعل مضارع معتلَّ الآخر بالواو، حينئذٍ أسند إليه أو اتَّصل به نون التوكيد الثقيلة، تُحذَف الواو أو الياء لأجل الضمير ويبقى ما قبلها دليلٌّ عليها أصلها (تَغْزُوُونَّ) بواوين (تَغْزُو) هذه واو الفعل ثُمَّ جيء بالواو الَّتي هي الضمير، حُذِفت الواو الأولى الَّتي هي لام الكلمة وما قبلها دليلٌ عليها، ثُمَّ جيء بواو الضمير ونون التوكيد فالتقى ساكنان الواو وما بعدها الَّتي هي النون الأولى حينئذٍ تحرَّك الواو من جنسها (تَغْزُوُنَّ). و (يا هِنْدُ هل تَغْزِينَ وهل تَرْمِينَ) فإذا ألحقته نون التوكيد فعلت به ما فعلت بالصحيح يعني: حصل فيه إعلال قبل التوكيد وأمَّا بعد التوكيد فحكمه حكم السابق من أنَّه يحرَّك الآخر إن كان واواً بالضمَّة وإن كان ياءً بالكسرة. فتحذف نون الرفع وواو الضمير أو ياءه فتقول (يا زَيْدُونَ هَلْ تَغْزُنَّ) هل حصل إعلال هو يقول كالصحيح؟ هنا التبس على بعض النحاة يقول: لا ليس كالصحيح، نقول: لا هو كالصحيح، لأنَّ الإعلال السابق الذي حصل بالتقاء الساكن ونحوه والحذف إلى آخره هذا قبل التوكيد وأمَّا قبل التوكيد فالفعل جائز (تَغْزُنَّ) مثل (هل تَضْرِبُنَّ .. هل تَقُومُنَّ) فالحكم واحد (هل تَضْرِبُنَّ) ضمَمت الباء وحذفت الواو، (هَلْ تَغْزُنَّ) حذفت الواو وضممت ما قبلها (تَغْزو) حذفت الواو حرف العلَّة وجاء نون التوكيد وما قبله الأخير قلنا حرِّكه بالباء إن كان الواو هو الضمير، وحرِّكْه بالكسر إن كان الياء هو الضمير. إذاً: "فعلت به ما فعلت بالصحيح" هذا كلامه مستقيم هنا يعني: مثله مثل الحكم السابق، ولذلك قلنا هنا: وَاشْكُلهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ لَينٍ بِمَا ... جَانَسَ ..................... هذا عامٌّ في الصحيح وفي المعتل، أمَّا المعتل فيجري عليه إعلالٌ قبل التوكيد، فتقول (يا زَيْدُونَ هَلْ تَغْزُنَّ وهل تَرْمُنَّ؟) بضَمِّ ما قبل النون و (يا هِنْدُ هل تَغْزِنَّ وهل تَرْمِنَّ؟) بكسر ما قبل النون هذا إن أُسند إلى الواو والياء فتحذف مع النون الرفع الواو والياء.

وإن أسند إلى الألف لم يحذف آخره وبقيت الألف وشُكِل ما قبلها بحركة تُجانس الألف وهي الفتحة فتقول: هل تَغْزُوانِّ .. هل تَرْمِياَنِّ، هذا واضح. وإن كان آخر الفعل ألفاً فإن رفع الفعل غير الواو والياء كالألف .. ألف التَّثنية والضمير المستتر وبقي عليه الاسم الظاهر، انقلبت الألف التي في آخر الفعل ياء وفُتِحت: اسْعَيَانِّ .. هل تَسْعَيَانِّ، واسْعَيَنَّ يا زَيْدٌ). وإن رفع واواً أو ياءً حُذِفَت الألف (هل يَخْشَوُنَّ؟) أصله (يخشى) فلما لحقت الواو ساكنةً حذفت الألف لالتقاء الساكنين، فلما لحقت النون حُرِّكت الواو لالتقاء الساكنين وكانت الحركة ضمَّة لمجانستها مع الواو، وبقيت الفتحة التي كانت قبلها وضُمَّت الواو وكسرت الياء فتقول (يا زَيْدُونَ اخْشَوُنَّ ويا هِنْدُ اخْشَيِنَّ) هذا إن لحقته نون التوكيد وإن لم تلحقه لم تُضَمَّ الواو ولم تكسر الياء بل تسكِّنهما فتقول (يا زَيْدُونْ هل تَخْشَوْنَ) حينئذٍ يكون الفعل مبني على ماذا؟ النون هذه ليست نون التوكيد هذه نون الرفع هو يقول: إذا لم تُؤَكِّد حينئذٍ تكون (تَخْشَوْنَ) مثل (تَفْعَلُوْنْ) ويا هِنْدُ هل تَخْشَيِنَ، ويا زَيْدُونْ اخْشَوا، ويا هند اخْشَىْ. إذاً خلاصة ما ذكره هنا بقوله: (وَاشْكُلهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ) يعني هذا استثناءٌ من القاعدة العامة بقوله: (وَآخِرَ المُؤَكَّدِ افْتَحْ) إذاً قد لا يفتح بل يُضَمُّ أو يُكْسَر في أحواله، (وَاشْكُلهُ) الضمير عائد على آخر الفعل يعني: حرِّكْه (قَبْلَ مُضْمَرٍ) قبل ضميرٍ (لَينٍ) هذا عام يشمل الألف ويشمل الواو ويشمل الياء، (بِمَا جَانَسَ) يعني بحركةٍ مجانسةٍ للضمير إن كان واواً فضَمَّة وإن كان ياءً فكسرة وإن كان ألفاً ففتحة (مِنْ تَحَرُّكٍ قَدْ عُلِمَا) ممَّا سبق. وَالمُضْمَرَ احْذِفَنَّهُ إِلاَّ الأَلِفْ .. يعني تُحَرِّكْه من جنس ذلك الحرف الضمير ثم تحذف الواو وتحذف الياء إلا الألف، وهذا الحكم عام في الصحيح والمعتل، ويستثنى ما كان معتلاًّ بالألف فقال: وَإِنْ يَكُنْ فِي آخِر الفِعْلِ أَلِفْ .. فله حالان: إمَّا أن يرفع واواً وياء .. يكون مسند إليهما، وإمَّا ألا يكون كذلك، وإن لم يكن كذلك حينئذٍ له ثلاثة أحوال: إما أن يرفع ألف الاثنين، أو الاسم الظاهر، أو الضمير المستتر، فإن رفع الاسم الظاهر أو المستتر أو ألف الاثنين فاقلب الألف ياءً وحرِّكْها بالفتح ولا إشكال، فإن رفع واواً أو ياءً فحينئذٍ ماذا تصنع؟ الألف تُحذف وتُحَرِّكْ الواو من جنسها والياء من جنسها دفعاً للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، لذلك قال: وَإِنْ يَكُنْ فِي آخِرِ الفِعْلِ ألِفْ .. إذاً أين دخل ما كان آخره واو أو ياء؟ في الحكم السابق (وَاشْكُلهُ قَبْلَ مُضْمَرٍ) قلنا هذا يشمل الصحيح والمعتلَّ بالواو أو الياء، وأمَّا ما كان آخره ألف فله حالان، قال: (فَاجْعَلهُ مِنْهُ يَاءً) (اجْعَلهُ) يعني: صيِّره (مِنْهُ) من الفعل (يَاءً) متى؟ إن كان رافعاً لغير الياء والواو، واحذفه إن كان رافعاً لهاتين (الواو والياء) احذف الألف، في الأول قال: اقلبه ياءً وهنا قال: احذفه. وَفِي * * * وَاوٍ وَيَا شَكْلٌ مُجَانِسٌ قُفِي ..

تُبِع في الواو والياء بعد حذف الألف فيما إذا رفع الألف أو الياء (شَكْلٌ مُجَانِسٌ) للواو (قُفِي) تُبِع، يعني: حرِّك الواو بالضَمَّة و (شَكْلٌ مُجَانِسٌ) للياء (قُفِي) تُبِع يعني: حرِّك الياء بالكسرة، هذا ما يتعلَّق بالاستثناء من قوله (وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ). بقي أبيات خفيفة جداً نمشي عليها. وَلَمْ تَقَعْ خَفِيفَةٌ بَعْدَ الأَلِفِ ... لَكِنْ شَدِيْدَةٌ وَكَسْرُهَا أُلِفْ يعني ثَمَّ فوارق بين النونين، فهذا شروعٌ من الناظم رحمه الله تعالى في بيان ما تنفرد فيه الخفيفة عن الثقيلة وهو أربعة أحكام: الحكم الأوَّل: أنَّ الخفيفة لا تقع بعد الألف بخلاف الشَّديدة .. عبَّر عنها بالشَّديدة، (وَلَمْ تَقَعْ) النون (خَفِيْفَةً) وَلَمْ تَقَعْ خَفِيفَةٌ .. وَلَمْ تَقَعْ خَفِيفَةً يجوز في (خَفِيْفَةً) وجهان: الرفع والنصب، إن جعلت (تَقَعْ) مسند إلى ضمير حينئذٍ (خَفِيْفَةً) نصبتها، وإذا جعلت (خَفِيْفَةً) هو الفاعل وهو أحسن حينئذٍ رفعت، (وَلَمْ تَقَعْ) النون (خَفِيْفَةً بَعْدَ الأَلِفْ) صار ضميراً مستتراً، والأولى أن يُجْعَل (خَفِيْفَةٌ) هو الفاعل. (وَلَمْ تَقَعْ خَفِيْفَةٌ) يعني نونٌ خفيفةٌ، (بَعْدَ الأَلِفْ) لأنَّه لا يُجْمع في غير الوقف بين ساكنين الأول حرف لَيْن والثاني مُدْغَم، قوله: (بَعْدَ الأَلِفْ) أطلق الناظم هنا الألف يعني: يشمل سواءٌ كانت الألف اسماً بأن كان الفعل مسنداً إليها أو حرفاً بأن كان الفعل مسنداً إلى ظاهر على لغة: (أكَلُونِي الْبَرَاغِيْث) أو كانت التالية لنون الإناث وفاقاً لسيبويه والبصريين فالألف عامَّة. لا تقع النون .. نون التوكيد الخفيفة بعد الألف مطلقاً سواءٌ كانت الألف فاعل ((تَتَّبِعَانِّ)) [يونس:89] ما يأتي هنا النون الخفيفة؛ لأنَّهما ساكنان ولا تقع بعد الألف إذا كانت حرف تثنية في لغة: (أكَلُونِي الْبَرَاغِيْث)، ولا تقع بعد الألف الفاصلة بين النونين فيما إذا أُكِّد الفعل المتَّصل بنون الإناث كما سيأتي .. لا بد من فاصلٍ بينهما لكراهة توالي النونات، هذا مذهب سيبويه والبصريين وخلافاً للكوفيين، لأنَّ فيه التقاء ساكنين على غير حدِّه أي على غير طريقه الجائز، لأن الساكن الثاني غير مدغم حينئذٍ يمتنع. إذاً: وَلَمْ تَقَعْ خَفِيْفَةٌ بَعْدَ الأَلِفْ .. مفهوم المخالفة أن الشَّديدة تقع، لأنَّه علَّق النَّفي بالخفيفة، وإذا علَّق النَّفي بالخفيفة فالقسمة ثنائية محصورة تعيَّن الثاني أنَّه يجوز أن يقع بعد الألف فصرَّح بهذا المفهوم. (لَكِنْ شَدِيدَةٌ) هذا عطفٌ على السابق (لَمْ تَقَعْ خَفِيْفَةٌ) (لَكِنْ تَقَعْ شَدِيدَةً) يجوز فيه الوجهان، (لَكِنْ تَقَعْ شَدِيدَةٌ) وهذا باتفاق، (وَكَسْرُهَا أُلِفْ) يعني: إذا وقعت النون المثقَّلة كما ذكرناه سابقاً بعد الألف وجب كسرها فتقول: ((وَلا تَتَّبِعَانِّ)) [يونس:89] بكسر النون تشبيهاً لها بنون الإناث.

(وَكَسْرُهَا) مبتدأ و (أُلِفْ) هذا خبر، (وَكَسْرُهَا) واجبٌ للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، لأنَّه على حدِّه إذ الأول حرف لَيْن والثاني مدغم، إذاً الحكم الأول ممَّا تفارق النون الخفيفة الثقيلة: أنها لا تقع بعد الألف مطلقاً، أيُّ ألفٍ كانت بخلاف الشَّديدة، ثُمَّ إذا وقعت الشَّديدة بعد الألف وجب كسرها للتَّخلُّص من التقاء الساكنين وقيل: حملاً على نون المثنَّى. قال الشارح: لا تقع نون التوكيد الخفيفة بعد الألف فلا تقول (اضْرِبَانْ) بنون مخففة بل يجب التَّشديد كما في قوله: ((وَلا تَتَّبِعَانِّ)) [يونس:89] فتقول (اضْرِبَانِّ) بالكسر لشبهها بنون المثنَّى. بنونٍ مشدَّدة مكسورة خلافاً ليونس فإنه أجاز وقوع النون الخفيفة بعد الألف ويجب عنده كسرها، وظاهر كلام سيبويه وبه صرَّح الفارسي أن يونس يبقي النون ساكنة يعني: في النَّقل عنه قولان: جوَّز أن تأتي النون الخفيفة بعد الألف، ثُمَّ هل يُحرِّكها بالكسر أو يبقيها ساكنة؟ قولان في النَّقل عنهم. أن يونس يبقي النون ساكنة ونظر ذلك لقراءة نافع: ((مَحْيَايْ)) [الأنعام:162] كما سبق "فتايَ" هذا الأصل، إذاً عند يونس فيه قولان من جهة التحريك، أمَّا في الوقوع فهو جائزٌ عنده أن تقع النون خفيفة بعد الألف، ثُمَّ يجب عنده كسرها (اضْرِبَانِ) بالكسر. ونقل سيبويه أنَّه يُجَوِّز بقائها على السكون نظراً لقراءة نافع: ((مَحْيَايْ)) [الأنعام:162] يعني جمع بين ياء المتكلِّم هنا والألف كما سبق في المضاف ياء المتكلم. الحكم الثاني: أنَّ نون التوكيد الخفيفة لا تُؤَكِّد الفعل المسند إلى نون الإناث، وإليه أشار بقوله: وَأَلِفَاً زِدْ قَبْلَهَا مُؤَكِّدَا ... فِعْلاً إِلَى نُونِ الإِنَاثِ أُسْنِدَا (زِدْ أَلِفاً) (زِدْ) أنت (أَلِفاً) هذا مفعول مُقدَّم (قَبْلَهَا) يعني قبل نون التوكيد حال كونك (مُؤَكِّدَا)، (مُؤَكِّدَا) حالٌ من الفاعل المستتر في (زِدْ) و (قَبْلَهَا) متعلِّقٌ بـ (زِدْ) والضمير يعود على نون التوكيد (مُؤَكِّدَا فِعْلاً) (فِعْلاً) هذا مفعول به لقوله مُؤَكِّدا (مُؤَكِّدَا فِعْلاً) (أُسْنِدَا إلَى نُونِ الإنَاثِ) (أُسْنِدَا) الألف هذه للإطلاق، أُسْنِدَ إلَى نُونِ الإنَاثِ، متعلِّق بـ (أُسْنِدَا) و (أُسْنِدَا) هذا صفةٌ لـ (فِعْلاً) (فِعْلاً) أُسْنِدَا إلَى نُونِ الإنَاثِ لئلَّا تتوالى الأمثال. قال الشارح: إذا أُكِّد الفعل المسند إلى نون الإناث بنون التوكيد وجب أن يُفْصَل بين نون الإناث ونون التوكيد بألف كراهية توالي الأمثال، إذاً ليُفْصَل بين الأمثال وهي نون الضمير ونون التوكيد، نون الضمير .. نون الإناث ونون التوكيد. كراهية توالي الأمثال فتقول: (اضْرِبْنَانِّ .. اضْرِبْنَ) هذا نون الإناث (اضْرِبْنَانِّ) الألف هذه زائدة ليست ألف الاثنين .. ليست فاعل وإنَّما هي زائدة فارقة بين الثلاث النونات: نون الإناث ونون التوكيد الثقيلة فَفُصِل بينهما بهذه الألف، إذاً نونٌ مشدَّدة مكسورة قبلها ألف هل يُتَصَوَّر وقوع الخفيفة هنا؟ لا يُتَصَوَّر، لأنَّ الألف هذه ساكنة والنون ساكنة، وقلنا هناك: وَلَمْ تَقَعْ خَفِيْفَةٌ بَعْدَ الأَلِفْ ..

قلنا (الأَلِفْ) مطلقاً .. ألف الاثنين الفاعل وحرف التثنية في: أكَلُونِي الْبَرَاغِيْث، والفاصلة بين النونين فالحكم عام إذاً: لا تقع بعد هذه النون. إذاً نون التوكيد الخفيفة لا يُؤَكَّد بها الفعل المسند إلى نون الإناث البتة، لأنَّه يؤكَّد بالثقيلة فيجب الفصل بين النونين بألفٍ، فإذا فُصِل حينئذٍ يمتنع وقوع الخفيفة بعد الألف. (وَأَلِفاً زِدْ قَبْلَهَا) قبل نون التوكيد حال كونك (مُؤَكِّدا فِعْلاً أُسْنِدَا إلَى نُونِ الإنَاثِ) لئلا تتوالى الأمثال، وفي جواز الخفيفة هنا هو الخلاف السابق، يونس هنا خالف كما خالف هناك والخلاف خلاف. الحكم الثالث: أنَّها تحذف قبل الساكن، لأنَّها ساكنة فإذا جاء بعدها حرفٌ ساكن حُذِفت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين بخلاف الثقيلة: وَاحْذِفْ خَفِيفَةً لِسَاكِنٍ رَدِفْ .. يعني: صار رديفاً لها متأخِّراً عنها، الرديف الَّذي يأتي بعده: {كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمْ عَلَى حِمَارٍ} يعني: راكباً خلفه، إذاً: الرديف ما يكو تابعاً (وَاحْذِفْ) هذا وجوباً (خَفِيفَةً لِسَاكِن) اللام هنا للتَّعليل يعني: لأجل سَاكِنٍ رَدِفْ بعدها .. لكون الساكن رديفاً لها، فالساكن متأخِّرٌ عنها. أي: تحذف النون الخفيفة وحينئذٍ هل هي مرادة أم لا؟ نقول: نعم مرادة لأمرين: الأول: أن يليها ساكن ولذلك قال (لِسَاكِنٍ) إذاً هو معلَّل، إذاً الحذف عارض فإذا زال السبب حينئذٍ رجع الأصل إلى ما كان عليه. والثاني: أن يوقف عليها تاليةً ضمَّة أو كسرة، ولذلك أشار بالشطر الثاني: لاَتهُيَنَ الفَقِيِرَ عَلَّكَ أَنْ ... تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ (لاَ تهُيَنَ الفَقِيِرَ) أصله: (لا تُهِينَنْ) بنون التوكيد الخفيفة (أَلْ) التقى ساكنان فحُذِفت النون الأولى، ما الَّذي دلَّنا على أنَّ ثَمَّ نوناً هنا خفيفة حُذِفَت؟ بناء الفعل، لأنَّه لو كان كذلك لقال: (لا تهن) هذه (لا) ناهية و (تهُيَنَ) هذا فعل مضارع مُؤَكَّد بالنون حينئذٍ فُتِح آخره (وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ) حُذِفت النون للتَّخلُّص من التقاء الساكنين فبقي كما هو (لاَ تهُيَنَ الفَقِيِرَ) إذ لو كان معرباً لا مبنيَّاً لقال: (لاَ تهُِنَ الفَقِيِرَ) بحذف الياء للتَّخلُّص من التقاء الساكنين ثم يُحَرِّك النون بالكسرة للتَّخلُّص من التقاء الساكنين. إذاً: (وَاحْذِفْ خَفِيفَةً لِسَاكِنٍ) فهي مرادةٌ معنىً، لأن حذفها هنا لعارض اللفظ وهو التقاء الساكنين (وَاحْذِفْ) لماذا؟ قيل: لأنَّها لمَّا لَمْ تصلح للحركة عُومِلَت معاملة حرف المدِّ فَحُذِفت لالتقاء الساكنين، هي نون ليست بحرف مد لكنَّها لمَّا لم تكن صالحةً للحركة عُومِلت معاملة حرف المد. وَبَعْدَ غَيرِ فَتْحَةٍ إِذَا تَقِفْ ..

يعني: إذا وُقِف عليها وكانت بعد ضمَّةٍ أو كسرة هذا في السابق قلنا: (هل تَقُومُنَّ .. هل تَضْرِبِنَّ) لو أُكِّدَ بنون التوكيد الخفيفة فقيل: هَلْ تَضْرِبُنْ، حينئذٍ إذا وقفت عليها -في الوقف- وكان ما قبلها ضمَّة حذفتها، وإذا حذفتها حينئذٍ يرجع المحذوف من أجلها فتقول: هَلْ تَضْرِبُوا، بإرجاع الواو، هَلْ تَضْرِبِي، بإرجاع الياء، لماذا؟ لأن الياء حُذِفت لأجل التَّخلُّص من التقاء الساكنين النون والياء فحُذِفت الياء، كذلك (هَلْ تَضْرِبُوا) نقول هنا حُذِفت الواو للتَّخلُّص من التقاء الساكنين. وَبَعْدَ غَيرِ فَتْحَةٍ إِذَا تَقِفْ .. (وَبَعْدَ) هذا متعلِّق بقوله: (احْذِفْ بَعْدَ غَيرِ فَتْحَةٍ) ما هو غير الفتحة؟ الضَمَّة والكسرة يعني: إذا وقعت نون التوكيد الخفيفة بعد ضَمَّةٍ وذلك إذا أُسنِد الفعل إلى واو الجماعة، أو بعد كسرةٍ وذلك إذا أُسنِد الفعل إلى ياء المؤنَّثة المخاطبة، الحكم السابق قلنا إذا أُسنِد حذفت الواو والياء، ونُحرِّك آخر الفعل بالضَمَّة وبالكسرة، حينئذٍ قال: وَبَعْدَ غَيرِ فَتْحَةٍ إِذَا تَقِفْ .. إذا وُقِف عليها وكانت بعد ضمَّةٍ أو كسرة تقول (يا هَؤلاء اخْرُجُوا ويا هَذِه اخْرُجِيْ) يعني: تحذف النون الخفيفة وتأتي بالمحذوف لأجلها يعني: ما حُذِف لأجلها يرجع. ولذلك قال -وهذا الحكم الرابع-: أنَّها تُعْطَى في الوقف حكم التنوين: وَارْدُدْ إِذَا حَذَفْتَهَا فِي الوَقْفِ مَا ... مِنْ أَجْلِهَا فِي الوَصْلِ كَانَ عُدِمَا هذا تابع للبيت السابق .. تابع لقوله: وَبَعْدَ غَيرِ فَتْحَةٍ إِذَا تَقِفْ .. الحكم الذي هو يُعامل معاملة التنوين كقوله: وَأَبْدِلَنْهَا بَعْدَ فَتْحٍ أَلِفَا .. (وَارْدُدْ) هذا فعل أمر (إِذَا) متعلِّق بـ (ارْدُدْ) إذا حذفتها عند الوقف (ارْدُدْ فِي الوَقْفِ "مَا" أي الَّذي مِنْ أَجْلِهَا كَانَ عُدِمَا فِي الوَصْلِ) يعني ما عُدِم في الوصل من أجلها للتَّخلُّّص من التقاء الساكنين رُدَّه حالة الوقف لزوال الموجب لحذف ذلك المحذوف، لأنَّنا حذفنا الواو للتَّخلُّص من التقاء الساكنين فالنون موجودة، طيب! النون حذفناها عند الوقف إذاً ما الموجب لحذف الياء؟ إذاً ترجع إلى ما كانت عليه. (وَارْدُدْ) تقدير البيت: ارْدُدْ فِي الوَقْفِ إذَا حذَفْتَ النون الشيء الذي عُدِم من أجلها في الوصل. (وَارْدُدْ إِذَا) قُلنا: (إِذَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (ارْدُدْ) و (إِذَا حَذَفْتَهَا) يعني: النون (فِي الوَقْفِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (حَذَفْتَهَا) (فِي الوَقْفِ) (مَا) اسم موصولٌ بمعنى الذي: وهذا مفعول ارْدُدْ .. ارْدُدْ مَا وهي موصولة واقعة على الواو والياء المحذوفتين لأجل النون، إذاً نُفَسِّر (مَا) هنا الموصولة بالواو والياء، لأنَّه ما حُذِف من أجلها إلا الواو والياء، إذاً رُدَّه عند الوقف. (مِنْ أَجْلِهَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (عُدِمَا)، (فِي الوَصْلِ) كذلك مُتعلِّق بقوله: (عُدِمَا) إذاً: تقدير الكلام: مَا كَانَ عُدِمَا مِنْ أَجْلِهَا فِي الوَصْلِ، وألف (عُدِمَا) للإطلاق.

إذاً البيت: وَارْدُدْ إذَا حَذَفْتَ النون فِي الوَقْفِ الواو والياء اللذان كَانَ عُدِمَا مِنْ أَجْلِهَا فِي الوَصْلِ (عُدِمَا) هذا يحتمل أن المراد به ألف الاثنين، لأن (مَا) مصدقها الواو والياء وهذا لا بأس به. وَأَبْدِلَنْهَا بَعْدَ فَتْحٍ أَلِفَا .. هذا الحكم الرابع: أنَّها تُعْطَى في الوقف حكم التنوين، التنوين: اضْرِبْ زَيْدَا .. رأيت زَيْدَا، زَيْدَا قُلبَت النون الساكنة وهي التنوين قُلِبت ألفاً في الوقف وهذا في حالة النصب، هنا كذلك في الوقف دائماً يَمر علينا (اعْلَمَا) قلنا هذه الألف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة، هو هذا البيت وهذا الذي عناه (اجْعَلا .. احْظُلا) يعني: اجْعَلَنْ .. احْظُلَنْ، النون في حال الوقف تقلب ألفاً. (وَأَبْدِلَنْهَا) يعني نون التوكيد الخفيفة (الهاء) هنا الضمير يعود على نون التوكيد الخفيفة، (وَأَبْدِلَنْ) فعل أمر مُؤَكَّد بالنون الخفيفة وهو مبني على الفت، (أَبْدِلَنْهَا) متى؟ قال: (بَعْدَ فَتْحٍ) هذا متعلِّق بقوله (أَبْدِلَنْهَا) (أَلِفَاً) هذا مفعول (أَبْدِل)، متى؟ قال: (وَقْفاً) ليس مطلقاً (وَقْفاً) هذا مصدر في موضع الحال يعني: واقفاً، وذلك لشَبَهِها بالتنوين .. أشبهت التنوين فعُومِلت مُعامَلة التنوين في الوقف، (وَقْفاً) أي في حال كونك واقفاً. (كَمَا تَقُولُ فِي قِفَاً قِفَا): قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى .. (قِفَا) أي (قِفَاً) هنا أجرى الموقوف مُجْرى الموصول (كَمَا تَقُولُ فِي قِفَاً قِفَا) ومنه: (لَنَسْفَعاً) .. لَنَسْفَعا .. لَيَكُونَنْ .. لَيَكُونَا، تقلب النون ألفاً وتقف عليه كما تقف على التنوين. يعني: إذا وقعت النون الخفيفة بعد فتحةٍ ووقفت عليها أُبْدِلت ألفاً نحو: اضْرِبَنْ .. اضْرِبَا .. لَنَسْفَعاً .. لَنَسْفَعا. قال الشَّارح هنا: إذا ولىَّ الفعل المُؤَكَّدَ بالنون الخفيفة ساكن وجب حذف النون لالتقاء الساكنين فتقول: اضْرِبَ الرَّجُلَ، بفتح الباء، لو قال: اضْرِبِ الرَّجُلَ، ليس عندنا نون بل هو فعل مبني على السكون وحُرِّكَ بالكسر للتَّخلُّص من التقاء الساكنين مثل ((قُمِ اللَّيْلَ)) [المزمل:2] أمَّا لمَّا قال (اضْرِبَ الرَّجُلَ) علمنا أنَّ هذه الفتحة فتحة بناء. والأصل (اضْرِبَنْ) فَحُذِفَتْ نون التوكيد لملاقاة الساكن وهو لام التعريف ومنه قوله (لاَتُهِينَ الفَقِيرَ) وكذلك تُحْذَف نون التوكيد الخفيفة في الوقف إذا وقعت بعد غير فتحةٍ أي بعد ضمة أو كسرة، حينئذٍ إذا وقِف عليها كذلك يُردُّ ما كان حُذِف لأجل نون التوكيد فتقول: اضْرِبُنْ يا زَيْدُونْ .. اضْرِبُنْ، بضم الباء، لأنَّ أصله: (اضْرِبُونْ) حُذِفت الواو للتَّخلُّص من التقاء الساكنين. إذا وقفت على الفعل (اضْرِبُوا) بإرجاع الواو الفاعل، وفي: اضْرِبِنْ يا هِنْدُ .. اضْرِبِي، بإرجاع الياء، فتُحذف نون التوكيد الخفيفة للوقف وتُرَدُّ الواو التي حذفت لأجل نون التوكيد وكذلك الياء فإن وقعت نون التوكيد الخفيفة بعد فتحة أُبْدِلَتْ النون في الوقف أيضاً ألفاً فتقول في: اضْرِبَنْ يا زَيْدُ .. اضْرِبَا، إذا وقفت عليه، وهذا بخلاف نون التوكيد الثقيلة.

إذاً: أربعة أحكام تخالف النون الخفيفة النون الثقيلة: الأوَّل: أنَّها لا تقع بعد الألف بخلاف الشَّديدة .. الثقيلة. ثانياً: لا يُؤَكَّد الفعل المسند إلى نون الإناث بها البتَّة، لأنَّها تَلي ألفاً. ثالثاً: أنَّها تُحْذَف قبل ساكن. رابعاً: تُعْطَى في الوقف حكم التنوين. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

105

عناصر الدرس * شرح الترجمة (مالا ينصرف) وحده * مقدمة في أنواع الإسم من حيث مشابهته لغيره * شرح العلل التسع , ووجه فرعيتها * ألف التأنيث * والوصفية والزيادة * والوصفية ووزن الفعل , وحكم والوصف والطارئ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بعد: قال الناظم - رحمه الله تعالى -: (مَا لاَ يَنْصَرِفْ). أي: هذا باب ما يَتعلَّق بالأسماء التي لا تنصرف، وهذا الباب يَتعلَّق بالأسماء ولا يَتعلَّق بالأفعال وهو خاتمة الأبواب عند النحاة، يعني: يذكرون الأسماء كما جرى ابن مالك هنا، ويُقسِّمون الاسم إلى: مبني، ومُعرَب، والمعرب إلى: مُنصرِف، وغير منصرف، ثُمَّ إذا انتَهَوا من هذه القسمة شرعوا في أبواب الفعل، ولذلك سيعقد بعد هذا الباب ما يَتعلَّق بإعراب الفعل المضارع، ثُمَّ ما قد يشترك أو يكون خارجاً عن المسألتين. (مَا لاَ يَنْصَرِفْ) (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، إذا كان الصَّرْف وعدمه من خواص الأسماء حينئذٍ يتعيَّن أن نحمل (مَا) الموصولة هنا على (اسمٌ لا ينصرف)، إذاً: أراد أن يُبيِّن بهذا الباب الخواص المُتعلِّقة بالاسم ما يَذْكُره من العلل التي يُحْكَمُ بوجودها أن الاسم ليس مُنصرفاً. وقوله: (مَا لاَ يَنْصَرِفُ) هذا نفي، مفهومه: أنَّ كل من سبق الأصل فيه الصَّرف وهذا في الجملة، لأنَّ ما سيذكره في هذا الباب بعضه داخلٌ فيما سبق كأفعل التفضيل، ونحو ذلك. (مَا لاَ يَنْصَرِفُ) يعني: ما لا يدخله الصَّرف. (مَا لاَ يَنْصَرِفُ) اخْتُلِف في حدِّه بناءً على الاختلاف في تعريف الصَّرف، ولذلك قَدَّم الناظم هنا تعريف الصَّرْف، لماذا قال: الصَّرْفُ تَنْوِيْنٌ أَتَى مُبَيِّنَا ... مَعْنًى بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا قصده في هذا الباب: أن يُبيِّن الأسماء التي لا تنصرف، وإنَّما ذكر الصَّرْفَ وعدمه لأنَّه بمعرفة الصَّرف يُعْرَف الاسم الذي لا ينصرف، فما وجِد فيه التَّنوين الذي عناه هنا فهو مُنصَرِف، وما لم يوجَد فيه فهو غير منصرف. إذاً: الناظم ذهب إلى أنَّ الصَّرف وعدمه هو التَّنوين، إن وجِد التَّنوين المخصوص المذكور فهو اسمٌ مُنصرِف، إذا انتفى ولم يدخل الاسم التَّنوين المذكور فهو غير منصرف، ولذلك نقول: اخْتُلِف في حدِّ الاسم الذي لا يَنصرِف بناءً على الاختلاف في تعريف الصَّرف. فقيل: هو المسلوب منه التَّنوين فقط، يعني: الذي لا يدخله التَّنوين فحسب، بناءً على أنَّ الصَّرف ما في الاسم من الصَّوت أخذاً من الصريف: وهو الصَّوت الضعيف، يعني: كأنَّه مشتقٌّ من شيءٍ دَلَّ على ذلك، فالصَّرف مأخوذٌ من (الصَّرِيف) و (الصَّرِيف) هو الصَّوت الضعيف، والاسم يكون في آخره صوت ضعيف: زَيْدٌ .. عَمْروٌ .. خَالِدٌ، إلى آخره هذا فيه صوت. وقيل: هو المسلوب منه التَّنوين والجر معاً يعني: لا يُحْكَم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف إلا إذا سُلِب التَّنوين والجر معاً، وأمَّا إذا سُلِب التَّنوين فقط حينئذٍ لا يُحْكَم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف، لا بُدَّ من أن يجتمعا، فإن وجِد الجر فقط دون التَّنوين حينئذٍ نحكم عليه بكونه مصروفاً، لأنَّ الممنوع لا بُدَّ أن يجتمع فيه في السلب: التَّنوين والجر، فإن وجِد الجر دون التَّنوين حينئذٍ نحكم عليه بأنَّه مصروف.

وقيل: هو المسلوب منه التَّنوين والجر معاً بناءً على أن الصَّرف هو التَّصرُّف في جميع التراكيب، إذاً: قولان في تفسير الممنوع من الصَّرف: - قيل: هو المسلوب التَّنوين فقط وحده، وهذا ظاهر كلام الناظم كما سيأتي. - وقيل: هو المسلوب من التَّنوين والجر معاً. - وهل هذا الخلاف ينبني عليه شيء؟ قال أبو حيَّان: وهذا الخلاف لا طائل تحته - يعني: لا ينبني عليه شيء البتَّة - إلا في الحكم على الكلمة هل هي ممنوعة أم لا فقط؟ ((فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) [التين:4] (أَحْسَنِ) على القول الأول مصروفة، وعلى القول الثاني غير مصروفة، ما سُلِب منه التَّنوين والجر العكس (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) على القول الأول: ما زال التَّنوين مسلوباً عنه، فهو ممنوع من الصَّرف، وعلى القول الثاني: هو مصروف، لأنَّه جُرَّ بالكسرة، فإذا جُرَّ بالكسرة حينئذٍ رجع إلى أصله وهو الصَّرف. إذاً: ينبني عليه الحكم على الكلمة فقط، وأمَّا من حيث الإعراب فيبقى على ما هو عليه (فِي أَحْسَنِ) نقول: اسم مجرور بـ (فِي) وجرُّه كسرة ظاهرة على آخره، لكن يرد السؤال: هل هو ممنوع أم لا؟ فعلى القول الأوَّل: لا زال ممنوعاً، لأنًّه وجِد فيه العلَّتان المانعتان من الصَّرف ولم يرجع إليه التَّنوين، فحينئذٍ نحكم عليه بأنَّه ما زال ممنوعاً من الصَّرف، لأنَّ حقيقة الممنوع من الصَّرف: هو سلب التَّنوين، إذاًَ (فِي أَحْسَنِ) نقول: هو ممنوع من الصَّرف وإن جُرَّ بالكسرة. وعلى القول الثاني: المسلوب منه التَّنوين والجرُّ معاً نقول رجع إليه الكسر فحينئذٍ صار مصروفاً، وإعرابه كإعراب الأول، إذاً قوله: لا طائل تحته، المراد به: من حيث الإعراب والبناء فقط، يعني: ما يَتعلَّق به، لأنَّ الممنوع من الصَّرف يُجَرُّ بالفتحة، والمصروف يُجَرُّ بالكسرة، هل الخلاف هنا انبنى عليه تقدير فتحة أو كسرة؟ لم ينبني عليه، لو قيل (فِي أَحْسَنِ) من قال بأنَّه ممنوع من الصَّرف مجرور وجرُّه فتحة مُقدَّرة على آخره قد يُقال بأنَّه وجِد للخلاف أثر، ولكن لَمَّا لم ينبني عليه خلاف من جهة الإعراب بالفتحة أو بالكسرة حينئذٍ نقول: الخلاف لا طائل تحته، إلا من جهة كون الكلمة هل هي مصروفة أم لا؟ إذاً: حُكْمُ ما لا ينصرف أنَّه على القول الأول: ما سُلِب منه التَّنوين، وعلى القول الثاني: ما سُلِب منه الجرُّ والتَّنوين، حكمه: أنَّه لا يُنَوَّن ولا يُجَرُّ بالكسرة، يعني: على القولين -مِمَّا يؤَيِّد كلام أبي حيَّان-: أنَّه على القولين يُسْلَب التَّنوين والجر، اتفق القولان على سلب التَّنوين، واختلفا في الجَر، واتفقا على أن الممنوع من الصَّرف يُجَرُّ بالفتحة، إذاً: اتفقوا على هذا، ماذا بقي؟ بقي سلب الجر هل هو داخلٌ في مفهوم الممنوع من الصَّرف أم لا؟ هذا مل النِّزاع، وأمَّا كونه يُسلَب الجر أيضاً فهذا مَحل وفاق. إذاً: الخلاف في سلب الكسر .. عدم الكسر، هل هو داخلٌ في مفهوم الممنوع من الصَّرف أم لا؟ أمَّا كونه يُسْلَب الكسر، هذا لا خلاف فيه، لكن هل هذا السلب داخلٌ في مفهوم المنع من الصَّرف أم لا؟ هذا محل النِّزاع بين النُّحاة.

إذاً: حُكم (مَا لاَ يَنصَرِفْ) أنَّه لا يُنَوَّن ولا يُجَرُّ بالكسرة على القولين هذه النتيجة، على قول ابن مالك رحمه الله تعالى: أنَّه التَّنوين فقط، إذاً: لا بُدَّ من تعليل لماذا سُلِبَ الكسر مع كون الممنوع من الصَّرف هو التَّنوين فحسب. قيل: واخْتُلِف - لم مُنِع منها الكسرة – فقيل: لِشَبَه الفعل كما مُنِع التَّنوين، وإن لم يكن داخلاً في مفهوم الممنوع من الصَّرف، فلمَّا وجد الشَّبه بالفعل أخذ حكمه، وأخذ الحكم إنَّما يكون بسلب التَّنوين وسلب الكسرة، لأنَّ الكسرة من خصائص الأسماء والتَّنوين من خصائص الأسماء، فلا يدخل الفعل لا تنوين ولا كسر، فَلمَّا وجِد الشَّبه مُنِع من التَّنوين فسُمِّي ممنوعاً من الصَّرف، ومراعاةً لهذا الشَّبه كذلك سُلِب عنه الكسرة، وهذا يؤيِّد القول الثاني. وقيل: لئلا يُتَوَهَم أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم، لأنَّه سبق أنَّ ياء المتكلِّم قد تُحذف وتبقى الكسرة دليلاً على الياء، حينئذٍ لو جُرَّ بالكسرة على ما هو عليه فقيل: مَرَرْتُ بأَفْضَلِ، وأَحْمَدِ، وإِبْرَاهِيمِ، قد يظن الظَّانَّ أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم، وحُذِفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها، فدفعاً لهذا الوهم حينئذٍ انتُقِل من الجر بالكسرة إلى الفتحة. إذاً قيل: لئلا يُتَوَهَّم أنَّه مضافٌ إلى ياء المتكلِّم وأنَّها حُذِفت واجتزئ بالكسرة. وقيل: لئلا يُتَوَهَّم أنَّه مبني مثل: حَذَامِ وأَمْسِ، ونحو ذلك، لأنَّ الكسرة لا تكون إعراباً إلا مع التَّنوين: لِعَمْرٍ .. لِزَيْدٍ، أو الألف واللام: مَرَرْتُ بالغُلام، أو الإضافة: بِغُلامِ زَيْدٍ، فلمَّا مُنِع الكسرة حُمِل جرُّه على نصبه بالفتحة كما يُنْصَب بها لاشتراكهما في الفضلية لأن كلاً منهما فضلة، الكسر فضلة .. إعراب الفضلات، والنصب إعراب الفضلات، حينئذٍ حُمِل الممنوع من الصَّرف على المنصوب حَملاً للخفض على النصب. بخلاف الرفع فإنَّه عُمْدَة، كما حُمِل نصب جمع المؤنَّث السالم على خفضه لذلك، فإن أضِيف الممنوع من الصَّرف أو صَحِب (أل) مُطلقاً، سواءٌ كانت مُعرِّفة أم زائدة إلى آخره جُرَّ بالكسرة اتفاقاً، وهذا قد نَصَّ عليه في أول الكتاب عند قوله: وَجُرَّ بِالْفَتْحَةِ مَالاَ يَنْصَرِفْ ... مَالْمْ يُضَفْ أَوْيَكُ بَعْدَ أَلْ رَدِفْ ((فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) [التين:4] .. ((كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ)) [هود:24]. رَأَيْتُ الْوَليْدَ بْنَ اليَزِيدِ مُبَارَكاً .. (اليَزِيدِ) (يَزِيدِ) هذا ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وهو باقٍ حينئذٍ على منع صرفه على القول الثاني، الكلام الآن في تعليل: لماذا الممنوع من الصَّرف على القول بأنَّه ما سُلِب التَّنوين، لماذا مُنِع من الكسرة أيضاً، وهو ليس داخلاً في مفهوم الممنوع من الصَّرف؟ حينئذٍ عُلِّل بهذه العلل. وهو باقٍ حينئذٍ على منع صرفه مع دخول (أل) وإنَّما جُرَّ لأمن دخول التَّنوين فيه، أو مصروف لأنَّه دخله خاصةٌ من خواص الاسم هذا خلافٌ بين النُّحاة، والثاني هو المختار، هكذا قال السيوطي في (الجمع) وعليه السِّيرَافي والزجَّاج والزجَّاجي .. (الزجَّاج) بدون ياء، والزجَّاجي.

إذاً: ثَمَّ خلافٌ في مفهوم الممنوع من الصَّرف، وإن كان المشهور عند المتأخِّرين: أنه ما سُلِب التَّنوين والجرِّ معاً، وهذا هو الظاهر والله أعلم. هنا قال الناظم: (مَا لاَ يَنْصَرِفْ). الصَّرْفُ تَنْوِيْنٌ أَتَى مُبَيِّنَا ... مَعْنًى بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا عرفنا أنه يقصد بهذا الباب أن يُبيِّن الأسماء الَّتي لا تنصرف، ودبَّج بهذا الباب بهذا البيت، ليُبيِّن لنا حقيقة الصَّرف الذي هو التَّنوين، وإنَّما ذكره في أوَّل الباب، لأنَّه إذا عُرِف حقيقة تنوين الصَّرف، الذي هو المسلوب عن الاسم فيُحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف، إذا عُرِفَت حقيقته حينئذٍ مَيَّز الطَّالب بين الممنوع وغيره. (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) هذا تعريفه (الصَّرْفُ) حقيقته: أنَّه (تَنْوِينٌ أَتَى مُبَيِّناً) (تَنْوِينٌ) هذا جنس وسبق أنَّه في الأصل: مصدر (نَوَّنْتُ) أي: أدخلت الكلمة نوناً، ثُمَّ غَلَب حتى صار اسماً لنونٍ تلحق الآخر لفظاً لا خطاً بغير توكيد، وسبق أن السيوطي عرَّفه في (الجمع) بأنَّه: نونٌ تثبُت لفظاً لا خطاً، ويُطلق كذلك على التَّصويت: نَوَّنَ الطَّائِر إذا صَوَّتَ، والتَّصويت يُسمَّى نوناً، وهو ملحظٌ عند بعضهم في توصيل الممنوع من الصَّرف كما سبق، فيُطلق التنوين حينئذٍ على شيئين: - إدخال النُّون. - وعلى التَّصويت. (إدخال النُّون) وهو فعل الفاعل، ثُمَّ نُقِل هذا اللفظ الذي هو التَّنوين - فعل الفاعل - وجُعِل علماً بالغلبة على النُّون نفسها (زَيْدٌ) النون هذه بعد زيد نقول: هذا تنوين، وأصل التَّنوين: أنَّك تدخل زيد هذه النون، ثُمَّ نُقِل فصار عَلَماً بالغلبة على النُّون نفسها. ويُطلق ويراد به التَّصوِيت: نَوَّنَ الطَّائِر إذا صَوَّتَ، وعليه: هل المعنيان موجودان في النُّون الزائدة هذه أم لا؟ نقول: نعم، لا بأس بهذا أن يُقال: يُلاحَظ فيه إدخال النُّون، ويُلاحَظُ فيه أنَّه دالٌّ على الصَّوت. فقوله: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) هنا عيَّن أنَّه تنوين فقط، ولم يذكره معه الكسرة فدَلَّ على أنَّ المراد هنا (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) وحده فقط دون غيره، فلا يشترك معه الكسرة، فقوله: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) أي: وحده، وأمَّا الجرُّ بالكسرة فتابعٌ للتَّنوين، فسقوطه بِتَبَعِيَّة التَّنوين، لماذا سَقَط الجر؟ نقول: لكون التَّنوين قد سقط فهو تابعٌ له، وهذا التَّعليل فيه نظر. فقيل: مأخوذٌ من الصَّرِيف أو الصَّرْف وهو الفضل، لأنَّ له فضلاً على غير المنْصرِف. إذاً الناظم هنا قال: (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ) ولم يذكر معه الكسرة، فدَلَّ على أنَّ الممنوع من الصَّرف ما مُنِع هذا التَّنوين. . . . . . أَتَى مُبَيِّنَاً ... مَعْنَىً بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا سبق أنَّ التَّنوين أنواع، والذي يَكثُر دخوله على الاسم أربعة، أشهرها: تنوين الصَّرف، وتنوين العِوَض، وتنوين المقابلة، وتنوين التَّنكير.

هذه أربعة، المعنيُّ به هنا في هذا المقام هو تنوين الصَّرف الذي يُسمَّى: تنوين التَّمكُّن، وتنوين التَّمكين، وتنوين الأمكنيَّة، فهي أربعة أسماء والمسمَّى واحد، وهو اللاحق للأسماء المُعرَبة المنصرِفة، فرقاً بين كون الاسم مُنصرِفاً وبين كونه غير منصرف، فَمَا دخل عليه التَّنوين فهو مصروف، وما لم يدخل عليه التَّنوين فهو ممنوع من الصَّرف. قلنا: هذا التَّنوين فائدته: يَدلُّ على تَمكُّن الاسم في باب الإعراب، وهو المعنى الذي عناه (أَتَى مُبَيِّناً مَعْنَىً) ما هو هذا المعنى؟ تَمكُّن الاسم في باب الإعراب قالوا: بحيث إنَّه لم يشبه الحرف فيُبْنى ولا الفعل فيمنع من الصَّرف، لأنَّ الاسم له ثلاثة أحوال: - اسمٌ أشبه الحرف. - واسمٌ أشبه الفعل. - واسمٌ لم يشبه الحرف ولا الفعل. قالوا: ما أشبه الحرف: هو ما وجِد فيه واحدٌ من الأسباب الأربعة التي ذكرناها سابقاً: بأن يوجد شبه في الاسم يُلحِقه بالحرف: إمَّا وضعاً، وإمَّا معنىً، وإمَّا افتقاراً، وإمَّا استعمالاً، فواحدٌ من هذه الأمور تقتضي أن يكون الاسم قد أشبه الحرف شبهاً قوياً والقاعدة عند العرب: أنَّ الشيء إذا أشبه الشيء شبهاً قوياً أخذ حكمه، حينئذٍ حُكِم على الاسم بكونه مبنيَّاً، لماذا؟ لكونه أشبه الحرف. مثله الكلام يُقال في الممنوع من الصَّرف: إذا أشبه الاسم الفعل، حينئذٍ يأخذ حكمه، في ماذا؟ قالوا: الاسم والفعل يشتركان في الرفع والنصب، إذاً: لا يُمكن أن يأخذ الاسم حكم الفعل، إلا إذا اخْتصَّ الاسم بشيءٍ لم يدخل على الفعل، والذي اخْتصَّ به الفعل من حيث العدم .. عدم الدخول هو التَّنوين والخفض بالكسرة، لأنَّ الفعل لا يُنَوَّن، لأنَّ التَّنوين من خصائص الأسماء، وكذلك الفعل لا يُخفَض، لأن الخفض من علامات وخصائص الأسماء. فإذا أشبه الاسم الفعل أخذ حكمه، وما هو حكم الفعل .. هل هو أنَّه لا يرفع؟ لا، هل أنَّه لا ينصب؟ لا، وإنَّما لكونه لا يدخل عليه التَّنوين ولا الخفض، فحينئذٍ يُمنع الاسم من دخول التَّنوين ومن الخفض بالكسرة، متى؟ إذا أشبه الاسم الفعل شبهاً قوياً، ما وجه الشَّبه؟ عرفنا أن وجه الشَّبه في الاسم إذا أشبه الحرف محصورٌ في أربعة، والمراد به: البناء الأصلي لا البناء العارض. ما وجه الشَّبه بين الاسم والفعل؟ قالوا: الفعل فيه عِلَّتان فرعيَّتان عن الاسم، ما هما هاتان العِلَّتان؟ قالوا: العِلَّة الفرعية التي ترجع إلى اللفظ، والأخرى التي ترجع إلى المعنى، الثانية المعنوية متَّفق عليها بين البصريين والكوفيين، وأمَّا العلَّة الأولى التي هي العِلَّة اللفظية الفرعية، فعند البصريين: أنَّ الفعل مُشتقٌّ من المصدر، ومعلومٌ أنَّ المشتق أصلٌ للمشتق منه، فحينئذٍ صار الفعل فرعاً من جهة اللفظ للاسم.

إذاً: وجد في كل فعل، كل فعل تحكم عليه بأنَّه فرع من حيث اللفظ، لماذا؟ لأنَّ (ضَرَبَ) هذا فرعٌ، أصله: الضَّرب، (يَضْرِبُ) هذا فرعٌ أصله: الضَّرْب، (اضْرِب): هذا فرعٌ أصله: الضَّرْب، إذاً: صَار المصدر وهو الاسم أصْلاً، والفعل بسائر أنواعه فرعاً، إذاً: وجِد في الفعل ما يدل على أنَّه فرعٌ عن الاسم، وهذه تؤخذ بالمادة كما سبق، أي: بالحروف، هذا عند البصريين القائلين: بأن أصل الاشتقاق هو المصدر، وأمَّا عند الكوفيين القائلين: بأنَّ أصل الاشتقاق هو الفعل والمصدر فرع، حينئذٍ لا بُدَّ من عِلَّة لفظية أخرى حتى يُعلَّق بها الحكم. قالوا: كون الفعل مركَّباً من الحدث والزمن، وكل فعلٍ دالٌّ على حدثٍ وزمن (ضَرَبَ) دالٌّ على الضَّرْبِ في زمنٍ مضى، و (يَضْرِبْ) دالٌّ على حدثٍ وهو الضَّرْبْ في زمنٍ حال، و (اضْرِبْ) كذلك في المستقبل. إذاًَ: هو مركَّب، والمصدر؟ بسيط يعني: يدلُّ على شيءٍ واحد وهو الحَدَث، ومَعلومٌ أنَّ المركَّب فرعٌ عن البسيط، إذاً: الفعل فرعٌ عن المصدر، لكن الفرعيَّة هنا من حيث ماذا؟ لا من حيث الاشتقاق كما قال البصريُّون وإنَّما من حيث كونه مُركَّباً من حدثٍ وزمن، يَرِد الاعتراض: بأنَّه كيف يقال - نَحن نَتكلَّم في العلَّة اللفظية لا المعنويَّة - والحدث والزمن كيف يكون دلالة الفعل عليهما باللفظ؟ هذا جوابه سهل ومَعلومٌ مِمَّا سبق: وهو أنَّ الفعل يدل على المصدر بالمادة، يعني: الحروف، ويدلُّ على الزمن بالصيغة، وهاتان معلومتان من اللفظ تقرأ: ضَرَبَ، تَعْلَم أنَّه على وزن (فَعَلَ) و (فَعَلَ) هذا خاصٌ بالفعل الماضي. إذاً: دَلَّ على الزمن الماضي بصيغته، وهذه معلومة من اللفظ لا من جهة المعنى، وكذلك الحدث الذي هو (الضَّرْب) دالٌ عليه: ضَرَبَ، ويَضْرِبُ، واضْرِبْ من جهة المادة التي هي الحروف. إذاً: مذهب الكوفيين مستقيم من هذه الحيثيَّة، لا من حيثيَّة كون المصدر أصلاً والفعل فرعاً، لأن هذا لا يقولون به، وإنَّما ذهبوا إلى التَّعليل السابق، لأنَّهم يَنْفُون ما ذهب إليه البصريُّون. إذاً: العلَّة اللفظية الفرعية الموجودة في الفعل دلَّ عليها الفعل بنفسه بذاته بلفظه، وهو كونه فرعاً عن المصدر مشتقاً من المصدر، وهذا ما علَّلَ به البصريُّون، وكونه دالَّاً على حدثٍ وزمنٍ وهو ما علَّل به الكوفيُّون، ووجه التَّعليل هنا في الثاني: أنَّ الفعل دالٌّ على حدثٍ وزمن وهو مركَّب، والمصدر بسيط دالٌّ على شيءٍ واحد وهو الحدث ولا يدلُّ على الزَّمن، هذا من جهة اللفظ. وأمَّا من جهة المعنى فاتَّفق الفريقان على أنَّ كُل فعلٍ لا بُدَّ له من فاعل، لأنَّه حدث وكل حدثٍ وقع أو سيقع لا بُدَّ له من مُحدِث، والمُحدِث هو الفاعل في اصطلاح النُّحاة، والفاعل في اصطلاح النُّحاة لا يكون إلا اسماً، إذاً: ثبت من جهة المعنى أنَّ الفعل فرعٌ عن الاسم.

إذاً: كل فعلٍ فيه عِلَّتان فرعيَّتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى: ترجع إلى المعنى، أمَّا ما كونه يرجع إلى اللفظ فعلى الصحيح أنَّه فرعٌ عن المصدر، لأنَّه مشتقٌ منه، ولا شَكَّ أنَّ المشتق فرعٌ عن المشتق منه، وأمَّا من حيث المعنى فكل حَدَثٍ لا بُدَّ له من مُحدثٍ وهو الفاعل، إذاً: كل فعل يفتقر إلى اسمٍ، إذ لا يصح أن يقال هذا فعلٌ لا فاعل له. إذاً: وجد في الفعل عِلَّتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، إذا وجد في الاسم عِلَّتان فرعيَّتان، إحداهما: ترجع إلى اللفظ، والأخرى: ترجع إلى المعنى، إذاً: جنس بِجنس، يعني: مُطلق عِلَّة مع خصوص علَّة، يعني: لا يُنظَر إلى كون العِلَّة الفرعية الموجودة في الاسم أنَّه مُشتقٌ منه وأنَّه فرعٌ عن المصدر كما هو الشأن في الفعل، لأنَّ الاسم لا يشتق هذا الأصل فيه، وكذلك لا يلزم أن يكون له فاعل. فإذا وجِدَ في الاسم عِلَّتان فرعيَّتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى: ترجع إلى المعنى، حكمنا على الاسم بكونه قد أشبه الفعل، ما وجه الشَّبه؟ نقول: وجد فيه علَّتان فرعيَّتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، هل يُشْتَرط أن تكون نفس العِلَّة هي الموجودة في الفعل أو مُطلق عِلَّة؟ مُطلق العلَّة، لأنَّ العلل المذكورة في الاسم: اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَةً فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ ليس فيها كونه مشتقاً من المصدر، وليس فيها كونه مشتقاً إلى الفاعل، إذاً: لم توجد فيه خصوص العِلَّتين الموجودتين في الفعل، وإنَّما المراد الشَّبه في مطلق العلَّة فحسب، حينئذٍ نقول: وجِدَ في الاسم علَّتان فرعيتان، وسيأتي شرح هذا في كلام الشيخ هنا. فحينئذٍ نقول: إذا أشبه الاسم الفعل أخذ حكمه، إذا وجِد في الاسم علَّتان نقول: أشبه الاسم الفعل في وجود عِلَّتين فرعيتين، فيأخذ حكمه، وما هو حكم الفعل؟ سلب التَّنوين والخفض بالكسرة، حينئذٍ يُمنع الاسم من التَّنوين ومن الخفض بالكسرة: مَرَرْتُ بأحْمَدَ، نقول: (أحْمَدَ) هذا ممنوع من الصَّرف، لماذا مُنِع من الصَّرف؟ لأنَّه أشبه الفعل في وجود عِلَّتين فرعيتين: إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، أخذ حُكْم الفعل في كونه لا يُنَوَّن فيقال: (بِأحْمَدَ) ولا يصح أن يُقال: (بِأحْمَدٍ) وكذلك مُنِع الخفض بالكسرة فيقال: (بِأحْمَدَ) ولا يُقال: (بِأحْمَدِ) لأنَّ التَّنوين لا يدخل الفعل، وكذلك الخفض لا يدخل الفعل، هذا النَّوع الثاني وهو: ما أشبه الفعل فأخذ حكمه. النَّوع الثالث: وهو الذي ليس من الأوَّل ولا من الثاني، يعني: اسمٌ خالصٌ من شبه الحرف ومن شبه الفعل، خالص .. أعلى الدَّرجات، لأنَّه ليس فيه شائبة الحرف، وليس فيه شائبة الفعل، فحينئذٍ نُوِّن: بتنوين الصَّرف، والتَّمكين، والأمكنيَّة، والتَّمَكُّن، والمعنى واحد ليست أربعة أنواع .. أربعة أسماء والمسمَّى واحد، لماذا نُوِّن بهذا؟ قالوا: هذا التَّنوين وضِع ليدلَّ على هذا المعنى، وهو: أنَّه لم يُشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيُمْنَع من الصَّرف، وهو الذي عناه بقوله: (أتَى) هذا التَّنوين الصَّرف: . . . . .

أَتَى مُبَيِّنَاً ... مَعْنَىً بِهِ يَكُونُ ?لاِسْمُ أَمْكَنَا (أَمْكَنَا) في باب الإعراب، ما وجه تَمكُّنه في باب الإعراب؟ نقول: الاسم على ثلاثة أنواع: اسمٌ مبني لكونه أشبه الحرف، واسمٌ مُعرَب لكنَّه نقص بَعضَ إعرابه، وهو المتمكِّن غير الأمكن، وقسمٌ ثالث: مُعرَب كذلك، لَكنَّه مُتمكِّن في باب الإعراب، وهو: المتمكِّن الأمْكَن، فحينئذٍ نقول: أُعْطِي هذا النَّوع الثالث هذا التَّنوين ليدل على هذا المعنى، فمنذ أن تقرأ: زَيْدٌ .. عَمْراً .. خَالِدَاً، إلى آخره تقول: هذا التَّنوين تنوين صرف، يعني: أنَّ: زَيْدْ وخَالِدْ لم يشبه الحرف فيبنى، ولا الفعل فيمنع من الصَّرف. هذا مُرادُه بقوله: (أَتَى) أي: هذا التَّنوين (مُبَيِّناً) حال كونه مُوضِّحاً وكاشفاً (مَعْنَىً) ما هو هذا المعنى؟ المعنى: هو عَدَم مشابهته للحرف والفعل. (يَكُونُ الاِسْمُ بِهِ أَمْكَنَا) أي: بهذا التَّنوين، فدَلَّ على أنَّه أمْكَن ومُتمكِّن ومصروفٌ، ما هي أسمائه؟ تنوين الصَّرف .. تنوين الأمْكَنيَّة .. تنوين التَّمكُّن والتَّمكين، فهو إذا وجد فيه هذا النَّوع حينئذٍ حَكَمْنا عليه بكونه مُتمكِّناً في باب الإعراب. (الصَّرْفُ تَنْوِينٌ أَتَى مُبَيِّناً) (تَنْوِينٌ) هذا جنس شمل الأنواع الداخلة على الاسم: تَنْوينْ المقابلة، وتَنْوينْ العِوض، وتَنْوينْ الصَّرْف، وتَنْوِينْ التَّنكير. (أتَى مُبَيِّناً) هذا فَصْلٌ أخَرَج به ما سوى المعبَّر عنه بالصرف، يعني: ما لا يُعَبَّر عنه بالصرف وهو المقابلة والتَّنكير، والعوض خرج بقوله (أَتَى) أي: ذلك التَّنوين (مُبَيِّناً) هذا حالٌ من فاعل (أَتَى) (مَعْنَىً) هذا مفعولٌ به لـ (مُبَيِّناً) (بِهِ يَكُونُ الاِسْمُ أَمْكَنَا) يَكُونُ بِهِ، أي: بهذا التَّنوين .. بدخوله (الاِسْمُ يَكُونُ أَمْكَنَا) الألف للإطلاق و (أَمْكَنَا) هذا اسم تفضيل مِنْ: مَكُنَ مَكَانَةً إذا بَلَغَ الغاية في التَّمَكُّنِ، لا مِن: تَمَكَّن، لأنَّه أفعل تفضيل، وأفعل التفضيل اشتقاقه من غير الثلاثي المجرَّد شاذ. حينئذٍ (أمْكَن) وهو الذي جرى عليه النُّحاة لا نقول أنه من (تَمَكَّن) وإنَّما نقول هو من (مَكُنَ) مكانةً إذا بَلَغ الغاية في التَّمَكُّنْ، لا مِن (تَمَكَّنَ) خِلافاً لأبي حيَّان ومن وافقه، لأنَّ بناء اسم التفضيل من غير الثلاثي المجرَّد شاذ و (تَمكَّن) هذا شاذ .. هذا ليس ثلاثياً مُجرَّداً. إذاً: الناظم هنا نصَّ على أنَّ الصَّرف هو التَّنوين وحده، حينئذٍ مذهب ابن مالك هنا في هذا المتن: أنَّ الممنوع من الصَّرْف: هو ما مُنِع التَّنوين فحسب، ما ذكره الناظم: من أنَّ الصَّرف هو التَّنوين، قيل: هو مذهب المحقِّقين، يعني: المتأخِّرين، لوجوه منها: - أنَّه مطابق للاشتقاق من الصَّرِيف الذي بمعنى (الصوت) إذ لا صوت في آخر الاسم إلا التَّنوين، إذاًَ: هذا بناءً على الخلاف: هل هو مُشتقٌ من الصَّرِيف، أو من الصَّرْف؟ من قال من الصَّرِيف حينئذٍ اختَصَّه بالتَّنوين، من قال من الصَّرف وهو الأفضل بمعنى الفضل، حينئذٍ لا يلتزم ما ذكره الناظم.

- ومنها: أنَّه متى اضْطُر شاعرٌ إلى صَرْف المرفوع أو المنصوب نَوَّنَه، وقيل: صَرَف الممنوع من الصَّرف، مع أنَّه لا جَرَّ فيه، وقيل: الصَّرف هو الجَرُّ والتَّنوين معاً، إذاً: قولان للنُّحاة، وإن كان المشهور أنَّه قد يُطلَق تنوين الصَّرف على غير ما ذُكِر، لكن إذا جيء إلى تمحيص المصطلحات فيَختَص هذا النَّوع بما ذكره الناظم هنا. قيل: تَخْصِيص تنوين التَّمْكِين بالصَّرف هو المشهور، وقد يُطلق الصَّرْف على غيره من تنوين التَّنْكِير والعِوَض والمقابلة، ويُستثنى نَحو: مُسْلِمَاتٍ، فإنه مُنصرِف مع أنَّه فاقدٌ للتَّنوين المذكور، وهذا قد سبق بيانه، إذاً الصَّرف: هو التَّنوين الدالُّ على مَعْنَىً يَكُونُ الاِسْمُ بِهِ أَمْكَن، وذلك المعنى: هو عدم مشابهته للحرف وللفعل كـ: زَيْدٍ، وفَرَسٍ. وغير المنصرف، ما هو غير المنصرف؟ هو الفاقد لهذا التَّنوين ما عدى (مُسْلِمَاتٍ) ونحوها، مِمَّا كان التَّنوين فيه تنوين مقابلة وليس تنوين صرفٍ. قال الشارح هنا: الاسم إن أشبه الحرف سُمِّى مبنيَّاً وغير مُتمكِّنْ، وإن لم يُشبه الحرف سُمِّى مُعرَباً أو مُتمَكِّناً وعليه الاسم قسمان: مُتمَكِّن وغير متمكِّن (غير المتمكِّن) الذي خرج بالكليَّة عن باب الإعراب، لأنَّ القسمة ثُنائية ولا ثالث لها: إمَّا مبني، وإمَّا معرب، فإذا لم يكن مُعرَباً بالكليَّة حينئذٍ صار مبنيَّاً، ولذلك يُعَبَّر عنه: بأنَّه غير متمكِّن، يعني: لا حَظَّ له ولا نصيب من الإعراب، والمُعرَب هو المُتمكِّن مُتمكِّنٌ في الجملة، ثُمَّ هذا المتَمَكِّنْ على قسمين: - أحدهما: ما أشْبَه الفعل ويُسمَّى: غير مُنصرِف، ومُتَمَكِّناً غير أمْكًن، سبق أن المراد بـ: (أمْكَن) أنَّه مأخوذ من (مَكُنَ) لا من (تَمَكَّنَ) خلافاً لأبي حيَّان، إذاً: هذا يُسمَّى ماذا؟ أشْبَه الفعل، ثُمَّ هو مُتمكِّن، لكنَّه غير أمْكَنْ، بمعنى أنَّه مُعْرب، والإعراب إنَّما يكون بالرفع والنصب والخفض، والرفع يكون بالضمَّة، والنصب يكون بالفتحة، والخفض يكون بالكسرة. وهذا النَّوع أعْطِي الضمَّة في الرفع، والفتحة في النصب، لكنَّه سُلِب الكسرة مع أنَّه يستحقها، لأنَّه اسمٌ، حينئذٍ صار مُتَمَكِّناً في باب الإعراب، لأنَّه مُعرَب غير أمْكَنْ لفقده النَّوع الثالث وهو الكسرة، هو مجرور لَكنَّه بغير كسرة. - والثاني: ما لم يُشْبِه الفعل، ويُسمَّى: مُنصَرِفاً ومُتَمَكِّناً أمْكَنْ، وعلامة المُنصَرِف: - أن يُجَرَّ بالكسرة مع الألف واللام: مَرَرْتُ بالغُلامِ، وبالإضافة: مَرَرْتُ بِغُلامِ زَيْدٍ، وبدون (أل) و (الإضافة): مَرَرْتُ بغُلامٍ. - وأن يدخله الصَّرْف: وهو التَّنْويِن الذي لغير مقابلة أو تعويض، لأنَّ المُقابلة إنَّما يكون في جَمع المؤنَّث السالم، وهو مُنصَرِف كذلك، أو تعويض وهذا يكون في المصروف وغير المصروف كذلك، كما سيأتي في: جَوَارٍ وغَوَاشٍ، الدَّالُ على معنىً يستحق به الاسم أن يُسمَّى: أمْكَن، وذلك المعنى هو عدم شبهه الفعل نحو: مَرَرْتُ بِغُلامٍ، إلى آخره.

واحْتَرز بقوله: لغير مُقابَلة: من تنوين: أذْرِعَات ونحوه، فإنَّه تنوين جمع المؤنَّث السالم، وهو يصطحب غير المنصرف، قلنا: أذْرِعَاتْ، هذا ممنوع من الصَّرف ودخله التَّنوين، نقول: اجْتمَع معه التَّنوين لكونه ليس تنوين الصَّرف، والذي يُمْنَع منه الممنوع من الصَّرف هو تنوين الصَّرف، وهذا ليس بتنوين صرف، مِثْلُه مِثْل العِوَض: جَوَارٍ وغَوَاشٍ ولَيَالٍِ، نقول: هذه ممنوعة من الصَّرف وهي مُنَوَّنة، لكن ليس المراد هنا التَّنوين هو تنوين الصَّرف وإنَّما تنوين العِوَض، إذاً: تنوين العِوَض والمقابلة قد يُجامع الممنوع من الصَّرف، بمعنى أنَّه يدخل عليه. حينئذٍ: إذا وجد أذْرِعَاتٍ، ومُسْلِمَاتٍ، لا نقول: بأنَّه غير ممنوع من الصَّرف لوجود التَّنوين، نقول: لا، هذا التَّنوين ليس هو تنوين الصَّرف الذي يُحْكَم على الممنوع من الصَّرف بكونه ممنوعاً من الصَّرف بسببه، ليس هو هذا التَّنوين، لأنَّه لا يَدلُّ على تَمَكُّن الاسم في باب الإعراب، وإنَّما هو في مُقابلة نون جمع المذكَّر السالم، كذلك العِوَض: عِوَض عن كلمة .. عِوَض عن حرفٍ .. عِوَض عن جملة، هذا التَّنوين قد يدخل الممنوع من الصَّرف ويدخل المصروف. إذاً: (بغير مُقَابَلة) احترز به من تنوين: أذْرِعاَت، (أو تعويض) احترز به من تنوين: جَوَارٍ وغَواشٍ ونحوهما، فإنه عِوَضٌ من الياء والتقدير: جَوَارِيٌ وغَوَاشِيٌ كما سيأتي، وهو يَصْطَحب غير المنصرف، يعني: تنوين التعويض عن حرفٍ وعن كلمة أو عن جملة، يصْطَحب غير المُنصَرِف كهذين المثالين. وأمَّا المنصَرِف فلا يدخل عليه هذا التَّنوين، يعني: تنوين العِوَض، إن كان يعني به ما كان عِوَضاً عن حرفٍ قد يُسلَّم له، وأمَّا إن كان المراد به جنس تنوين العوض فلا يُسَلَّم له، لأنَّه سبق معنا: أنَّ (كُل وبعض) التَّنوين فيها عن عِوَض و (كُل وبَعض) لا شَكَّ أنَّهما مصروفان. إذاً قوله: (وأمَّا المنْصَرِف فلا يدخل عليه هذا التَّنوين) هذا فيه تفصيل، وإن كان بعضهم ذهب إلى أنَّ التَّنوين في (قاضٍ) ونحوه، تنوين عِوَض وليس بتنوين صرف، والصواب: أنَّه تنوين صرفٍ. ويُجَرُّ بالفتحة إن لم يُضَفْ، أو لم تدخل عليه (أَلْ) يعني: الممنوع من الصَّرف هو الذي يُجَرُّ بالفتحة نيابةً عن الكسرة، وهذا مُقيَّدٌ إذا لم تدخل عليه (أَلْ) أو (يُضَفْ) والصَّواب في التَّعليل هنا: بكونه لم تدخل عليه (أَلْ) أو (يُضَفْ) نقول: لأنَّ الاسم هنا إنَّما سُلِب الخفض بالكسرة وأعْطِي الفتحة لأنَّه أشبه الفعل، فإذا أشبه الفعل حينئذٍ صار له بعدٌ عن الاسم، وإذا كان كذلك فإذا اتَّصل به ما هو من خصائص الأسماء ولا يدخل على الأفعال حينئذٍ ضَعُفَ الشَّبه، فإذا أضِيف حينئذٍ نقول: وجِد فيه شبهٌ بالفعل لكنَّه ليس قوياً، كما هو الشأن في ما إذا وجِد في الاسم شبهٌ بالحرف، قلنا: قد يكون في الاسم شَبهاً بالحرف لكنَّه ليس قوياً، وحينئذٍ لا يَستَلزِم بناءه، وأمَّا إذا كان قوياً فحينئذٍ نقول: هذا يستلزم البناء.

وقلنا هناك: أنَّ (أَيًّا) بجميع أحوالها لا تكون مبنيَّةً إلا في بعض الأحوال، وسبب ذلك أنَّها مُلازمةٌ للإضافة، والإضافة من خصائص الأسماء، إذاً: ضَعُفَ الشَّبه: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي .. هنا كذلك: قد يوجد الشَّبه بالفعل لكنَّه ليس قوياً، متى؟ إذا دخل على الاسم الذي وجِد فيه علَّتان دخل عليه ما هو من خصائص الأسماء، وهو (أَلْ) و (الإضافة) حينئذٍ يردُّه إلى أصله وهو الجرُّ بالكسرة، ولذلك الصواب: أنَّه مصروف، لأنَّه دخل عليه ما هو من خصائصه. ويُجَرُّ بالفتحة نيابةً عن الكسرة إن لم يُضَفْ، أو لم تدخل عليه (أَلْ): (مَرَرْتُ بأَحْمَدَ) الباء حرف جر، و (أَحْمَدْ) هذا اسمٌ ممنوع الصَّرف مجرورٌ بالباء، وجرُّه فتحة ظاهرةٌ على آخره نيابةً عن الكسرة، لأنَّه ممنوع من الصَّرف للعلميَّة ووزن الفعل، إذاً: وجِد فيه عِلَّتان. فإن أضِيف أو دخلت عليه (أَلْ) ضعُف شبهه بالفعل فَجُرَّ بالكسرة على الأصل، فتقول: مَرَرْتُ بأَحْمَدِكُمْ وبالأحْمَدِ (بأَحْمَدِكُمْ) من باب المثال فقط وإلا الاسم لا يُضَاف أو (بالأحْمَدِ) كذلك (أَلْ) لا تدخل على الأعلام. وإنَّما يُمْنَع الاسم من الصَّرف إذا وجِد فيه علَّتان من عِلَلٍ تسعٍ، أو واحدةٌ منها تقوم مقام العلَّتين، والعلل التِّسع يجمعها قوله: عَدْلٌ وَوَصْفٌ وتَأْنِيثٌ ومَعْرِفَةٌ ... وعُجْمَةٌ ثٌمَّ جَمْعٌ ثُمَّ تَرْكِيبُ وَالنُّونُ زَائِدَةٌ مِنْ قَبْلِهَا أَلِفٌ ... وَوَزْنُ فِعْلٍ وهَذَا القَولُ تَقْرِيْبُ والأحسن من هذا البيت المشهور: اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَةً فالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ هذه كلُّها عِلل: منها ما هو راجعٌ إلى اللفظ، ومنها ما هو راجعٌ إلى المعنى. الذي يرجع إلى المعنى علَّتان فقط: العلميَّة والوصفية، هاتان عِلَّتان معنويَّتان: الأولى (الوصفية) والثانية (العلميَّة) وكلٌّ منهما فرع، وجه فرعيَّة (الوصفية) أنَّ الوصف مُفتقرٌ إلى موصوف، إذا كان كذلك صار الموصوف أصلاً والوصف فرعاً، مثل القول في الفعل لكونه مُفتقراً إلى اسمٍ .. إلى محدثٍ .. إلى فاعل، والفاعل لا يكون إلا اسْماً، إذا قلت: هذا صفة حينئذٍ يستلزم أن يكون له موصوف، فكل صفة مُفتقِرة إلى موصوفٍ، أين يظهر أثرها .. أين يَتعلَّق هذا المعنى .. بماذا يَرتبط؟ لا بُدَّ له من موصوفٍ يكون مُتعلِّقاً بهذه الصفة. إذاً: الصِّفة مفتقرة إلى موصوف فصارت (الوصفية) فرعاً بهذا الاعتبار، فهي معنىً من المعاني، و (العلميَّة) كذلك فرع، لأنَّ العَلَم معرفة، والأصل في الاسم: التَّنْكِير، إذاً: إذا وجِد الاسم معرفةً، نقول: هذا فرعٌ عن أصلٍ وهو كونه نكرة. إذاً: هاتان علَّتان ترجعان إلى المعنى، وأمَّا كون العدل فرعاً فلأنَّ العدل خلاف الأصل، وسيأتي أنَّه: هو تحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، مثاله: عُمَرْ (عُمَرْ) هذا معدولٌ عن (عَامِرْ) الأصل: (عَامِرْ) و (عُمَرْ) معدول، إذاً: أيُّهما أصلٌ وأيُّهما فرع؟ لا شك أن (عَامِرْ) المعدول عنه هو أصل، و (عُمَرْ) المعدول هذا فرع، إذاً صار العدل فرعاً من هذه الحيثيَّة.

كذلك (أُحَاد) و (مَوْحَد) و (ثُناء) و (مَثْنَى) كلَّها معدولة عن (واحدٍ .. واحدٍ) و (اثنين .. اثنين) وكذلك: (مَثْلَثْ ومَرْبَعْ) كما سيأتي، إذاً: العدل فرعٌ من هذه الحيثيَّة: أنَّه يستلزم معدولاً عنه، سواءٌ كان ملفوظاً به موجوداً في لسان العرب، أو كان مُقدَّراً. (وَوَصْفٌ) عرفنا (الوصفية) أنَّها عِلَّةٌ معنويَّة، وأنَّها مفتقرة إلى موصوفٍ، وهذا وجه كونها فرعاً. (وتَأْنِيثٌ) إذا وجِد في الاسم عِلَّة وهي كونه مؤنَّثاً، نقول: هذه العِلَّة سواءٌ كانت لفظية أو معنويَّة هذه العلَّة فرعية، لأنَّ الأصل: التذكير، فالمُذَكَّر أصل والمؤنَّث فرع، فإذا وجِد الاسم مؤنَّثاً قلنا هذه عِلَّةٌ فرعية، فرعاً عن المذكَّر، لأنَّ التذكير هو الأصل. (ومَعْرِفَةٌ) المراد بالمَعْرِفَة هنا (العلميَّة) وسيأتي لماذا اختَصَّ العلم فقط دون سائر المعارف في هذا الباب، (مَعْرِفَةٌ) إذاً: (العلميَّة) فرعٌ، لأنَّ الأصل: هو التَّنكير. (وعُجْمَةٌ) وهو أن يكون اللفظ على الأوضاع الأعْجَمِيَّة، وهذا واضحٌ بيِّن، لأنَّ العربي الفصيح، أو العربي مُطلقاً، إذا أراد أنْ يَتكلَّم فالأصل: أنَّه يتكلَّم بلسانه .. أن يأتيَّ بكلامٍ عربيٍّ من مُسند ومُسند إليه، وكلٌّ من الكلمتين عربيَّتين، فإذا استعمل ما ليس بعربي، حينئذٍ نقول: هذا عدولٌ عن أصلٍ إلى فرعٍ، فإذا استعمل كلمةً أعْجَمِيَّة نقول الأصل: أنَّه يستعمل كلمة عربية، هذا وجه الفرعية. (ثٌمَّ جَمْعٌ) (جَمْعٌ) لا شكَّ أنَّه فرعٌ عن المُفرَد، فالأصل في الاسم: أن يكون مُفرداً، فإذا جاء جَمعاً قلنا: هذا فرعٌ إذا وجِد فيه علَّة فرعية. (ثُمَّ تَرْكِيبُ) والمراد به: المُرَكَّب المَزْجِي كما سيأتي، المُرَكَّب المَزْجِي: بَعْلَبَكَّ، وحَضَرَمَوت، وسِيبَويه، ونحو ذلك، حينئذٍ إذا كان الاسم مُرَكَّباً قلنا: هذه علَّةٌ فرعية والأصل: عدَم التَّرْكِيب. وَالنُّونُ زَائِدَةٌ مِنْ قَبْلِهَا أَلِفٌ .. يعني: أن الألف والنُّون يكونان زائدتين، حينئذٍ المزيد عليه دون زيادةٍ أصلٌ لِمَا زيد، فـ: (عُثْمَانْ) الألف والنُّون زائدة، وأصل الكلمة مُؤَلَّفة من: عين، وثاء، وميم، حينئذٍ نقول الأصلُ: عدم الزيادة فما زيد عليه صار فرعاً. (وَوَزْنُ فِعْلٍ) إذا كان الاسم على وزنٍ من أوزان الفعل نقول: هذا فرعٌ، لماذا الفرعيَّة ثبتت هنا؟ لأنَّ الاسم الأصل فيه: أن يكون على وزنٍ خاصٍ به، والفعل الأصل فيه: أن يكون على وزنٍ خاصٍ به، حينئذٍ: إذا جاء الاسم على وزنٍ لا يَختصُّ به وإنَّما جاء على وزن يَختصُّ بالفعل، حينئذٍ نقول هنا: جاء على فرعٍ، فالأصل في الاسم أن يكون على وزنه هو الخاص به، فإذا جاء على وزنٍ لا يَختصُّ به حينئذٍ نقول: عَدَل عن أصلٍ إلى فرعٍ وهو كونه على وزن الفعل. (وَهَذَا القَولُ تَقْرِيبُ) وهذا الشَّرح مبسَّط.

حينئذٍ نقول: هذه العلل التِّسعة إذا وجِد منها اثنتان إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى، ثبت كون الاسم ممنوعاً من الصَّرف، وحُصِرت العِلَّة المعنويَّة في اثنين لا ثالث لهما وهما (العلميَّة والوصفية) وما يقوم مَقام علَّتين منها اثنان فقط، وهما: ألف التَّأنيث مُطلقاً والجمع المتناهي، ألف التَّأنيث مُطلقاً سواءٌ كانت مقصورة أو ممدودة .. اسماً .. عَلَماً .. أم نكرة .. معرفة إلى آخره كما سيأتي، أو الجمع المتناهي كـ: مَسَاجِد ومَصَابِيح، وهو ما كان على وزن (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل). إذاً: الاسم إذا وجد فيه عِلَّتان تدلُّ على أنَّه فرعٌ، وكانت إحدى العلَّتين راجعةً إلى اللفظ والأخرى راجعةً إلى معناه، فحينئذٍ نَحكم عليه بكونه قد أشبه الفعل، إذاً: هذه كلُّها عِلَل سيذكرها الناظم عِلَّةً عِلَّة، وبعد أن ننتهي منها نأخذ حكمها من حيث التنكير والتعريف. قال: فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقَاً مَنَعْ ... صَرْفَ الَّذِيْ حَوَاهُ كَيْفَمَا وَقَعْ هذا ما يقوم فيه عِلّةٌ مَقام علَّتين، وليس المراد عِلَّتان مَقام علَّتين بالفعل، وإنَّما يُنْظَر إلى هذه العِلَّة من جهتين: إحدى الجهتين ترجع إلى اللفظ، والأخرى ترجع إلى المعنى، فحينئذٍ بالنَّظريين بالاعتباريين جعلوا هذه العِلَّة قائمة مقام علَّتين. ثُمَّ اعلم أنَّ تسميتهم (عِلَّة) هذا من قبيل المجاز فحسب، يعني إذا قيل: علَّتان، يعني: سببان قامَا بالاسم، هذان السَّببان هو علَّةٌ واحدة، فإذا قيل مُنِع للعمليَّة ووزن الفعل، العلميَّة جزء عِلَّة، ووزن الفعل جزء عِلَّة، وإنَّما أطلِق على كل واحدٍ من هذين اللفظين أنَّه علَّة من باب التَّوسع والمجاز. (فَألِفُ) الفاء هذه فاء الفصيحة (ألِفُ التَّأنيث مُطْلَقاً مَنعْ)، (التَّأنيث) سيأتي أنَّ له علامة: عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ ... وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ (فَألِفُ التَّأنيث) مِمَّا يُعرَف به أو يُحْكَم به على كون اللفظ مؤنَّثاً، حينئذٍ: إذا وجد الاسم مَختوماً بـ (ألِفُ التَّأنيث مُطْلَقاً) كما قال النَّاظم (مُطْلَقاً) يعني: مقصورةً كانت أو ممدودة، حينئذٍ حَكَمنَا على الاسم بكونه ممنوعاً من الصَّرف، فيُسْلَب منه التَّنوين والخفض بالكسرة (مُطْلَقاً مَنَعْ) يعني: دون تفصيل، فكل اسم مختوم بألف التَّأنيث كـ: حُبْلى، وَسَلْمَى المقصورة، أو الممدودة كـ: خَضْرَاء، وَحَمْرَاء، وَصَفْرَاء، وَصَحْراء ونحو ذلك، حَكَمنَا عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف، لقيام هذه الألف في الموضعين مَقَام العلَّتين، إحداهما ترجع إلى اللفظ والأخرى ترجع إلى المعنى. (فَألِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقاً) (مُطْلَقاً) هذا حالٌ من الضمير في (مَنَعْ) العائد على المبتدأ (أَلِفُ) هذا مبتدأ وهو مضاف و (التَّأْنِيْثِ) مضاف إليه، (مَنَعَ) فعل ماضي والفاعل ضمير مستتر يعود على (أَلِفُ التَّأْنِيْثِ) وذكَّره باعتبار كونه ألفاً ولم يَقل (مَنَعَتْ) وإنَّما قال (مَنَعَ) دليل على أنَّه راعى فيه الحرف.

(فَألِفُ التَّأْنِيْثِ مَنعْ مُطْلَقاً) هذا حالٌ من الضمير المستتر "فاعل" العائد على المبتدأ، (صَرْفَ) هذا مفعولٌ به (صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ) (الَّذِي حَوَى) بمعنى جمع (صَرْفَ الَّذِي) ما إعراب (الَّذِي)؟ (صَرْفَ) مضاف و (الَّذِي) مضاف إليه، لكنَّه في المعنى صفى لموصوفٍ محذوف (صَرْفَ الاِسْم الذِي حَوَاهُ) يعني: ما هو فيه (الَّذِي حَوَاهُ) يعني: ما هو فيه (الَّذِي حَوَاهُ) فيه ضميران هنا (حَوَى) ضميرٌ مستتر وضميرٌ بارز، الضمير المستتر هذا يعود على الموصول الذي قلنا صفةٌ للاسم، والبارز يعود على ألف التَّأنيث كأنَّه قال: صَرْفَ الاِسْم الذي حوى ذلك الاسم الألف .. ألف التأنيث، فالاسم: صَحْراء حَوَى ذلك الألف، يعني اتَّصلَت به الألف فهو جامعٌ لها. (كَيفَمَا وَقَعْ) (كَيفَمَا) اسم شرطٍ على مذهب الكوفيين و (وَقَعْ) هذا فعل الشَّرط والجواب محذوف دلَّ عليه قوله (مَنَعْ) والتقدير (كَيفَمَا وَقَعْ ألِفُ التَّأنيث) الجواب: (مَنعْ صَرْفَ الذِي حَوَاهُ) يعني: حَوَى ذلك الاسم ذلك الألف، أو أنَّ الضمير وقع للاسم الذِي حَوَى الألف التَّأنيث، وتقدير الجواب على هذا (كَيفَمَا وَقَعَ امْتَنَعَ صَرْفُه). وهنا تعميم (كَيفَمَا وَقَعَ) يعني كَيفَمَا كان حال الاسم مع تلك الألف سواءٌ كان اسماً نكرة أو معرفة .. مفرداً أو جمعاً مطلقاً بدون استثناء، كُلُّ مَا كان اسماً واتَّصلت به هذه الألف فاحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف سواءٌ وقع نكرة كـ (ذِكْرَا وصحراء) أو معرفة كـ (رَضْوَى وزَكَرِياء) يعني: علم مفرداً كما مر أو جمعاً كـ (جَرْحَى وأصْدِقَاء وأنصباء) اسماً كما مر أو صفةً كـ (حُبْلى وحمراء). (مُطْلَقاً) كلما وجدت الاسم متَّصِلاً بألف التَّأنيث مقصورةً كانت أو ممدودة فاحكم عليه بأنَّه ممنوعٌ من الصَّرف، وسيأتي مواضع الألفين في بابٍ خاص بهما في محله إن شاء الله تعالى. وإنَّما استقلَّت بالمنع وهي صفة واحدة .. لماذا استقلَّت بالمنع؟ قالوا: لأنَّها قامت مقام علَّتين يعني وجِد في ألف التَّأنيث سببان: أحدهما يرجع إلى اللفظ والآخر يرجع إلى المعنى، لأنَّها قائمةٌ مقام شيئين وذلك لأنَّها لازمة لما هي فيه يعني: الألف الأصل فيها: أنَّها تنفصل وتتَّصل، العلامة .. إذا عُلِّم الشيء بكونه مؤنَّثاً أو بكون مثنَّىً أو بكونه جمعاً أو بكونه مذكَّراً ونحو ذلك الأصل في العلامة أنَّها تنفك وتنفصل، فإذا لزمت حينئذٍ صار فيها فرعاً وهو: كونها لازمةً لمدخولها والأصل: الاتِّصال والانفكاك .. تنفك تارة وتتَّصل تارةً، إذا اتَّصلت على جهة اللزوم نقول هذا خروجٌ عن الأصل وإذا كان كذلك صار فرعاً. إذاً عندنا أصلٌ وهو جواز الحالين، وعندنا فرعٌ وهو اللزوم، إذاً لمَّا لزمت هذه الألف نقول حينئذٍ صار فيها فرعٌ وهو كونها لازمةً.

وإنَّما استقلَّت بالمنع لأنَّها قائمةٌ مقام شيئين، وذلك لأنَّها لازمةٌ لما هي فيه بخلاف التاء فإنَّها في الغالب مقدَّرة الانفصال، تاء التَّأنيث مثل (فَاطِمَة وعَائِشَة وقَائِمَة) مقدَّرة الانفصال. ففي المُؤَنَّث بالألف ألف .. التَّأنيث المقصورة والممدودة فرعيةٌ من جهة التَّأنيث وفرعيةٌ من جهة لزوم علامته بخلاف المؤنث بالتاء. إذاً: كونه مُؤَنَّثاً هذه علَّةٌ معنوية وكون الألف لازمةً هذه علَّةٌ لفظية، لأنَّ الألف ملفوظٌ بها (صحراء .. حُبْلى .. سَلْمَى) تلفظ بالألف، حينئذٍ كونها لازمة ولا تَلْفِظ بهذه الكلمة دون الألف مقصورة أو ممدودة قالوا: هذه علَّةٌ لفظية ترجع إلى اللفظ وهو كونها لازمة، وكونها مؤنَّثاً قالوا هذه علَّةٌ معنوية ترجع إلى المعنى. ألِفُ التَّأنيث لها جهتان: أولاهما: الدَّلالَّة على أنَّ مدخولها مُؤَنَّث والمؤَنَّثٌ فرعٌ عن المذكر. وثانيهما: لزوم هذه الألف لمصحوبها بخلاف التاء تاء التَّأنيث فإنَّها غير لازمة لمدخولها. إذاً: علَّتان أو سببان قاما مقام علَّةٍ واحدة: التَّأنيث ولزومه، وهذا مرادهم بكون الألف هنا قامت مقام علَّتين: كونه مؤنَّثاً وكونه لازماً، إذاً لو قيل لك: ما هما السَّببان اللذان مُنِعَ بسببهما صرف ما اتَّصلت به ألف التَّأنيث؟ تقول: التَّأنيث هذا أولاً، وثانياً: لزومه وإن كان بعضهم يعبِّر عن الأوَّل بأنَّه معنوي والثاني بأنَّه لفظي .. على كلٍّ الحاصل أنَّ التَّأنيث لفظي. ولذلك قال: وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ .. فإذا لم توجد لفظاً قدَّروها، لأنَّ التَّأنيث لا بد أن يكون له علامة ملفوظاً بها، إما ألف بنوعيها وإما تاءٌ، إذا لم يكن مثل (هِنْدْ) قالوا (هُنَيْدَةٌ) التصغير دلَّ على أنَّ ثَمَّ هاء محذوفة كما سيأتي في محله، إذاً العلَّة هنا: التَّأنيث ولزومه فالتَّأنيث علَّة لفظية واللزوم علَّةٌ معنوية. فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقَاً مَنَعْ ... صَرْفَ الَّذِيْ حَوَاهُ كَيْفَمَا وَقَعْ صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ يعني: صرف ما هي فيه (كَيفَمَا وَقَعْ) هذا تعميمٌ من النَّاظم، ثم قال: وَزَائِدَا فَعْلاَنَ فِيْ وَصْفٍ سَلِمْ ... مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ (وَزَائِدَا) هذا بالألف معطوف على الضمير المستتر في (مَنعْ) فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقَاً مَنَعْ ... صَرْفَ الَّذِيْ حَوَاهُ ............ ومَنعْ َزَائِدَا فَعْلاَنَ صَرْفَ الذي حَوَاهُ؛ لأنَّ الضمير هناك مستتر، وسوَّغ عطف الاسم الظاهر على الضمير المستتر الفصل بالمفعول به (صَرْفَ الَّذِي حَوَاهُ) (صَرْفَ) هذا مفعولٌ به (وَزَائِدَا) معطوفٌ على الضمير المستتر وفُصِل بينهما بالمفعول به، ويجوز أن يكون (وَزَائِدَا) هذا مبتدأ خبره محذوف (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) كذلك يعني: يمنع من الصَّرف، إذاً (زَائِدَا) هذا تثنية (زائد) والألف محذوفة للإضافة فهو مضاف (وَفَعْلاَنَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالفتحة نيبابةً عن الكسرة، لأنَّه ممنوعٌ من الصَّرف.

إذاً: (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) يحتمل إعرابيين: أنَّه معطوفٌ على الضمير المستتر في (مَنعْ) وسوَّغ العطف الفصل بالمفعول به {أَوْ فَاصِلٍ مَا} كما قال ابن مالك. والوجه الثاني وهو كذلك صحيح: أنَّ يكون مبتدأً خبره محذوف، (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) كذلك يعني (مَنعَ الَّذِي حَوَاهُ). (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) ما هما الـ (زَائِدَا فَعْلاَنَ)؟ (فَعْلاَنَ) هذا مقصودٌ لفظه يعني: ما كان على هذا اللفظ فلا يقال (فُعْلاَنَ أو فِعْلاَنَ) مثله بل هو بفتح أوَّله مع كونه زائد الألف والنُّون، (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) وهما الألف والنُّون، (فِي وَصْفٍ) هذا حالٌ من (زَائِدَا) حال كونه (فِي وَصْفٍ) لا في غير وصفٍ فإن كان في غير وصفٍ كالاسم لم يمنع وهذا قيدٌ أوَّل: أن يكون وصفاً فإن كان في الاسم كـ (سَرْحَان) اسمٌ للثُّعْبان ونحوه حينئذٍ نقول غير ممنوع من الصَّرف لهذه الحيثيَّة هنا. فُهِم منه أنَّ الزِّيادة لو كانت في غير وصفٍ لم يمنع نحو (سَرْحَانَ) (فِي وصْفِ) هذا قيدٌ أوَّل: ............................. سَلِمْ ... مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ (سَلِمَ) يعني: الوصف (مِنْ أَنْ يُرَى) يرى ذلك الوصف (خُتِم بِتَاءِ تَأْنِيِث) يعني: مختوماً بتاء تأنيث، و (يُرَى) تتعدَّى إلى مفعولين: الأوَّل: هو نائب الفاعل. والثاني: جملة (خُتِمْ) أي: مختوماً. وقوله: (بِتَاءِ تَأْنِيثٍ) هذا متعلِّقٌ بـ (خُتِمْ) .. (خُتِمْ) فعل ماضي مغيَّر الصيغة، إذاً: (فِي وصْفٍ سَلِمَ مِنْ أنْ يُرَى مخُتِوماً بِتَاءِ تَأْنِيِث) فشرط لك في باب (فَعْلاَنَ) الذي يُمْنع من الصَّرف بسبب الزِّيادة مع الوصفية: ألا يكون مختوماً بتاء التأنيث أي: ومَنعَ صَرْفَ الاِسْمِ أيضاً زَائِدَا فَعْلاَنَ بهذا الشرط وهو كونه وصفاً، زاد في العمدة ابن مالك شرطاً ثانياً على وصفٍ: وهو أصالة الوصفية، احترازاً عمَّا عرضت فيه الوصفية نحو (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ صَفْوانٍ قَلْبُه) (صَفْوانٍ) هذا (فَعْلاَنَ) الأصل: أنَّه علمٌ واسمٌ للحجر الأملس، لو نقل وجُعِل وصفاً إذاً هو في الأصل ليس بوصفٍ هو اسمٌ للحجر الأملس، لو قيل (هذا قَلْبٌ صَفْوَان) بمعنى أنَّه قاسي حينئذٍ نقول هذا وصفٌ، لكن هل الوصف هنا أصلي أم عارض؟ عارض ليس بأصلي، إذاً: وَصْفٌ يشترط فيه أن يكون أصليَّاً احترازاً من الوصف العارض فلا يؤثِّر. وهو أصالة الوصفية احترازاً عمَّا عرضت فيه الوصفية نحو (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ صَفْوانٍ قَلْبُه) يعني: قلبه قاسٍ. (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) إذاً قوله (فَعْلاَن) نأخذ منه التَّنصيص على أنَّ هذا المنع مخصوصٌ بهذا الوزن فلا يمنعان في غيره من الأوزان كـ (فُعْلاَن) (خُمْصَان) مثلاً لا يقال بأنَّه ممنوعٌ من الصَّرف، لأنَّ المخصوص هنا هو ما كان مفتوح الفاء لعدم شبههما في غيره بألف التأنيث كما سيأتي. كذلك كونه (سَلِمْ) جملة (سَلِمْ) نعتٌ لـ (وصْفٍ) (وصفٍ سالمٍ) ذلك الوصف (مِنْ أَنْ يُرَى) الوصف مختوماً بتاء تأنيث، إذاً (فَعْلاَن) إذا كان مختوماً بتاء التأنيث فإنَّه مصروف مثل (نَدْمَان ونَدْمَانَةٌ) وأمَّا الذي عناه الناظم هنا:

مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيثٍ خُتِمْ .. يعني: أن يكون سالماً من ختمه بتاء التأنيث هذا لاحتمالين: إمَّا لأنَّ مؤَنَّثَهُ ليس (فَعْلاَنَ)، في اللغة (فَعْلاَنَ) على ثلاثة أحوال: إمَّا أن يكون (فَعْلاَنَ) (فَعْلى) يعني مُؤَنَّثُه على وزن (فعْلَى) (غَضْبَانْ .. غَضْبَى .. سَكْرَانْ .. سَكْرَى .. عطْشَانْ .. عَطْشَى). الثاني: (فَعْلاَنَ) لا مؤَنَّث له .. لم يسمع له مؤَنَّث قالوا مثل: (لَحْيَان) كثير اللحية ليس له مؤَنَّث، هذان النُّوعان ممنوعان من الصَّرف الأوَّل اتفاقاً والثاني على الصَّحيح، يعني (فَعْلاَنَ .. فَعْلَى) ممنوعٌ من الصَّرف باتفاق، و (فَعْلاَنَ) لا مؤَنَّث له ممنوع من الصَّرف على الصَّحيح، بقي (فَعْلاَنَ) .. (فَعْلاَنَةٌ) اتَّصلت به التاء هذا مصروفٌ وهو الذي عناه الناظم هنا. إذاً ثلاثة أحوال لـ (فَعْلاَنَ) وهذه كلَّها في مفتوح الفاء والألف والنُّون زائدان حينئذٍ متى يمنع من الصَّرف؟ (فَعْلاَنَ .. فَعْلَى) و (فَعْلاَنَ) لا مؤَنَّث له، بقي (فَعْلاَنَ .. فَعْلانَةٌ) هذا مصروفٌ، إذاً: ............................. سَلِمْ ... مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ إمَّا لأنَّ مؤنَّثه (فَعْلَى) كـ (سَكْرَان وغَضْبَان ونَدْمَان) من النَّدم لا من المُنَادمة وهذا متَّفقٌ على منع صرفه، لأنَّ (سَكْرَان) مؤَنَّثُه (سَكْرَى) و (غَضْبَان) مؤَنَّثُه (غَضْبَى) و (نَدْمان) مؤنَّثُه (نَدْمى)، إذاً وجد مؤنَّثُه غير مختوم بتاء التأنيث وله مؤنَّث وهو (فَعْلَى) نظرنا فيه فإذا به ليس مختوماً بتاء التأنيث إذاً هو داخلٌ في كلام الناظم، طيب! إذا لم يكن له مؤنَّث هذا محتمل لدخوله كلام الناظم وغير محتمل. وإمَّا لأنَّه لا مؤنَّث له نحو (لَحْيَان) فعلان لكبير اللحية وهذا فيه خلاف، هذا النُّوع (فَعْلاَن) لا مؤنَّث له فيه خلاف، فمن لم يشترط لمنع صرف (فَعْلاَنَ) إلا انتفاء فعلانة منعه من الصَّرف. متى يكون (فَعْلاَنَ) ممنوعاً من الصَّرف؟ إذا لم يكن له مؤنَّث مختوماً بالتاء .. بالنفي، مفهومه: أنَّه قد يكون له مؤنَّث وقد لا يكون، متى يمنع من الصَّرف (فَعْلاَنَ)؟ كلام الناظم هنا قال: فِي وصْفٍ سَلِمَ مِنْ ختمه بالتاء إذاً كونه سالماً من أن يُخْتَم بالتاء مفهوم المخالفة: أنَّه إذا كان غير مختوم بالتاء فهو ممنوعٌ من الصَّرف، يدخل فيه ما هو؟ إن لم يكن له مؤنَّث، لأنَّه ماذا اشترط في (فَعْلاَنَ)؟ ألا يكون مؤنَّثُه مختوماً بالتاء، هذا يدخل فيه ما ليس له مؤنَّث، حينئذٍ في ظاهر كلام الناظم: أنَّ (فَعْلاَنَ) الذي لا مؤنَّث له ممنوعٌ من الصَّرف، لأنَّه اشترط انتفاء فعلانة فحسب، فإذا اشترط انتفاء (فَعْلاَنَةٌ) حينئذٍ (لَحْيَان) ليس له (لَحْيَانَة) إذاً هو ممنوعٌ من الصَّرف، كذلك (سَكْرَان) ليس له (سَكْرَانَة) في اللغة المشهورة، حينئذٍ ممنوعٌ من الصَّرف، فمن اشترط في منع صرف (فَعْلاَنَ) انتفاء (فَعْلاَنَة) منع من الصَّرْف (لَحْيَان).

إذاًَ: وإمَّا لأنَّه لا مُؤَنَّثَ له نحو (لَحْيَانَ) وهذا فيه نزاع فمن لم يشترط لمنع صرف (فَعْلاَنَ) إلا انتفاء فعلانة منعه الصَّرْفَ وهو ظاهر مذهب الناظم هنا، ومن اشترط وجود (فَعْلَى) تحقيقاً صرفه يعني: (لَحْيَان وفَعْلاَن) النظر إليهما باعتبار المؤنَّث من قال بأنَّ (فَعْلاَنَ) لا يكون ممنوعاً من الصَّرف إلا إذا كان مؤنَّثُه على (فَعْلَى) نص على المُؤَنَّث، إذاً ما ليس له مؤنَّث يكون مصروفاً. إذاً نظر النُّحاة هنا في (فَعْلاَنَ) إمَّا أنَّه اشْتَرَطَ في مَنْعِه الصَّرف انتفاء (فعلانة) فيصدق على (فَعْلَى) وما لا مؤنَّث له، وإمَّا أنَّه اشترط وجود (فَعْلَى) حينئذٍ خرج (فعلانة) وخرج ما لا مؤنَّث له فيكون مصروفاً، والمرجَّح عند الجماهير: هو أنَّه انتفاء (فعلانة) الذي ذكره الناظم هنا، فيصدق حينئذٍ على (لَحْيَان) أنَّه ممنوعٌ من الصَّرف. ومن اشترط وجود (فَعْلَى) تحقيقاً صرفه والصَّحيح منع صرفه أيضاً ولو اشترطنا وجود (فَعْلَى) لأنَّه وإن لم يكن له (فَعْلَى) وجوداً فله (فَعْلَى) تقديراً، والتقدير في حكم الموجود بدليل الإجماع على منع صرف (أكْمَر وآدَر) هذا سيأتي أنَّه ما كان على وزن (أَفْعَل) مَمْنُوعَ تَأْنِيْثٍ بِتَا، أَفْعَل التَّفْضِيل سيأتي أنَّه يمنع إذا كان مع الوَصْفِيَّة، حينئذٍ إذا لم يكن مختوماً بالتَّاء قالوا: هذا ممنوعٌ من الصَّرف، شمل ما لم يكن مختوماً بالتَّاء كـ (أَفْعَلْ .. فُعْلَى .. أَفْضَلْ .. فُضْلَى) وشمل ما ليس له مؤنَّثاً أصْلاً فدخل فيه: أكْمَر، وآدَر، و (أكْمَر) و (آدَر) لا مؤنَّث لهما فاتَّفقوا هناك على أنَّه ليس له مؤنَّث ومنِع من الصَّرف وهنا ليس له مؤنَّث واختلفوا فيه، إذاً يُحْمَل على ذلك من بابٍ أولى، لأنَّه له (فَعْلَى) تقديراً. ويدلُّ على ذلك الإجماع على منع الصَّرف في: أكْمَر، وآدَر، مع أنَّه لا مؤنَّثَ له ولو فُرِضَ له مؤنَّث لكان على مؤنَّث (أَحْمَر) لكثرة نظائره، واحترز من (فَعْلاَنَ) الذي مُؤَنَّثُه (فَعْلاَنَة) فإنه مصروف نحو (نَدْمَان) من المُنَادَمْة و (نَدْمَانَة). إذاً: (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ فِي وَصْفٍ) هذا قيد أوَّل ولا بُدَّ من تَقييده: بأن يكون الوصف أصليَّاً لا عارضاً. (مِنْ أَنْ يُرَى) سلم هذا الوصف: مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيِثٍ خُتِمَ .. حينئذٍ دخل فيه ما لا مؤنَّثَ له أصلاً، وما له مؤنَّث ليس مختوماً بالتَّاء وهو (فَعْلاَنَ) (فَعْلَى) وخرج بقوله (مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيِث) ما قد كان متَّصلاً بتاء التَّأنيث، إذاً يُمْنَع الاسم من الصَّرف للصِّفَة وزيادة الألف والنُّون. قالوا: وإنَّما مُنِعَ نحو (سَكْرَان) من الصَّرف لتحقق العلَّتين الفرعيَّتين، وما هما؟

(الوَصْفِيَّة) فرعٌ عن الموصوف، لأنَّها وصف إذا قيل (عَطْشَان) هذا وصف لشخصٍ متَّصف بالعطش، إذاً الوصف مفتقرٌ إلى الموصوف، وكونه بزائدين وهما الألف والنُّون هذا فرعٌ عن المزيد، وإنَّما مُنِع نحو (سَكْرَان) من الصَّرف لتحقق العلَّتين الفرعيَّتين فيه، أمَّا فرعيَّة المعنى فلأنَّ فيه الوَصْفِيَّة وهي فرعٌ عن الجمود، لأنَّ الصِّفة تحتاج إلى موصوفٍ يُنْسَب معناها إليه والجامد لا يحتاج إلى ذلك. وأمَّا فرعيَّة اللفظ فلأنَّ فيه الزِّيادتين المضارعتين لألفِّي التَّأنيث في نحو (حَمْرَاء) في أنَّهُما في بناءٍ يخصُّ المذكَّر كما أنَّ ألفِّي (حَمْرَاء) في بناءٍ يخصُّ المؤنَّث، إذاً (حَمْرَاء) هذا سيأتي التَّفصيل فيه. قيل التَّأنيث هنا حاصلٌ بألفٍ وهمزة وهذا فيه نظر، لأنَّه لا يجتمع علامتان على اسمٍ واحد، لا بُدَّ من واحدٍ منهما، على كُلٍّ المراد هنا أنَّ (حَمْرَاء) فيه علامتان زائدتان للدَّلالة على التأنيث وهو خاصٌّ بالمُؤَنَّث، هنا (فَعْلاَنَ) له مؤَنَّث إذاً هو صار خاصاً بالمُذَكَّر، إذاً فيه زيادتان خاصَّتان بالمُذَكَّر، إذاً أشبه (حَمْرَاء وصَحْرَاء). وأنَّهما لا تلحقهما التَّاء فلا يقال (سَكْرَانْة) كما لا يقال (حَمْرَاءَة) مع أنَّ الأول من كلٍّ من الزِّيادتين ألف: (سَكْرَانْ وحَمْرَاء) الألف، والثاني: حرفٌ يُعَبِّر عن المتكلِّم في (أَفْعَل ونَفْعَل) الذي هو (حَمْرَاء) الهمزة، والنُّون بعد الألف (نَفْعَلُ) فلما اجتمعا في نحو (سَكْرَان) الفرعيَّتان امتنعا من الصَّرف، على كُلٍّ هذا تعليل فيه نظر. هنا قال ابن عقيل: بشرط ألا يكون المُؤَنَّثْ في ذلك مختوما بتاء التأنيث وذلك نحو (سَكْرَانْ وعَطْشَانْ وغَضْبَانْ) فتقول هذا (سَكْرَانُ ورَأْيِتُ سَكْرَانَ)، إذاً هذا (سَكْرَانُ) ممنوعٌ من التَّنوين ولم يُمْنَع من الخفض لعدم وجود عامله فلا اعتراض حتى لو نُوِّن في الشعر وقيل صُرِفَ حينئذٍ صُرِفَ لكون المقتضي للجَر منتفي حينئذٍ لا يُعْتَرض بكونه هذا ممنوعاً من الصَّرف، نقول نعم صُرِف لعدم وجود المقتضي للخفض لكن إذا اجتمعا فلا إشكال؟؟؟. فـ (سَكْرَان) هنا نقول: ممنوعٌ من الصَّرف للوصفية وزيادة الألف والنُّون وحينئذٍ يُسْلب التَّنوين و (رَأْيِتُ سَكْرَانَ) ولا تقل (سَكْرَاناً) (وَمَرَرْتُ بِسَكْرَانَ) بالفتحة نيابةً عن الكسرة فتمنعه من الصَّرف للصِّفَة وزيادة الألف والنُّون، والشرط موجودٌ فيه لأنَّك لا تقول للمؤنثة (سَكْرَانَة) باللغة الفصحى، وإنَّما تقول (سَكْرى) وكذلك (عَطْشَان وغَضْبَان) فتقول (امْرأَةٌ عَطْشَى وغَضْبَى) ليس فيه التَّاء، إذاً: ............................. سَلِمْ ... مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ ولا تقول: عَطْشَانَة، ولا غَضْبَانَة، فإن كان المُذَكَّر على (فَعْلاَنْ) والمُؤَنَّثْ على (فَعْلاَنَة) صرفتَ فتقول: هذا رَجُلٌ سَيفَانٌ، يعني: طويل، وَرَأَيْتُ رَجُلاً سَيفَانَاً، وَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ سَيفَانٍ، فتصرفه لأنَّك تقول للمؤنَّثة (سَيفَانَةُ) أي: طويلة.

إذاً: (فَعْلاَن) .. (فَعْلاَنَةٌ) مصروفٌ و (فَعْلاَنْ) .. (فَعْلَى) و (فَعْلاَن) لا مؤَنَّث له هذا ممنوعٌ من الصَّرف، وأمَّا (فَعْلاَن) .. (فَعْلاَنَة) فهذا معدود قيل أنَّه (اثنا عشر لفظاً) وقيل (أربع عشرة لفظاً) جمعها ابن مالك في قوله: أَجِزْ فَعْلَى لِفَعْلاَنَا ... إِذَا اسْتَثْنَيْتَ حَبْلاَنَا وَدَخْنَانَا وسَخْنَانَا ... وسَيِفَانَاً وَصَحْيَانَا وَصَوجَانَاً وَعَلاَّنَا ... وَقَشْوَانَاً ومَصَّانَا وَمَوتَانَاً وَنَدْمَانَا ... وَأتْبِعْهُنَّ نَصْرَانَا هذه اثنا عشر (فَعْلاَنْ .. فَعْلاَنَا) ما عداها ممنوعٌ من الصَّرف، زاد المُرَادي لفظتين فتصير أربعة عشر لفظاً: وَزِدْ فِيهِنَّ خَمْصَانَا ... عَلَى لُغَةٍ وَأَليَانَا أربعة عشر لفظاً تحفظها حينئذٍ تعرف أنَّ ما عداها ممنوعٌ من الصَّرف. ثم قال: وَوَصْفٌ اصْلِيٌ وَوَزْنُ أَفْعَلاَ ... مَمْنُوعَ تَأْنِيْثٍ بِتَا كَأَشْهَلاَ وَوَصْفٌ اصْلِيٌّ وَوَزْنُ أَفْعَلاَ .. إذاً: إذا اجتمع في الاسم هاتان العلَّتان: كونه وصفاً وقيَّدَه بكونه أصليَّاً احترازاً من الوصف العارض كما سيأتي، وكونه على وزن (أَفْعَلَ) على هذا الخصوص دون غيره. بشرط: أن يكون (أَفْعَلَ) ألا تتَّصل به تاء التأنيث حينئذٍ نَحْكُم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرف يعني: أنَّ الوصف إذا كان على وزن (أَفْعَلَ) وكان مؤَنَّثُه ممنوعاً من التَّاء حينئذٍ لا ينصرف، لأنَّه قال: (مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ) إذاً لم يُخْتَم بالتَّاء، فهو كقوله: . . . . . . . . . سَلِمْ ... مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيثٍ خُتِمْ إذاً: كلٌّ منهما (فَعْلاَنَا وأَفْعَلَ) الأوَّل بزيادة الألف والنُّون والثاني وزن الفِعْل، (أَفْعَلَ) إذا لم يكن مختوماً بالتَّاء فهو مثل (فَعْلاَنَ) المزيد فيه الألف والنُّون بشرط: ألا يكون مختوماً بالتَّاء، ذاك يشمل ثلاثة أنواع وهنا يشمل أربعة أنواع. إذاً يعني: أنَّ الوصف إذا كان على زن (أَفْعَلَ) وكان مُؤَنَّثُه ممنوعاً من التَّاء .. غير مختوم بالتَّاء لا ينصرف، فَفُهِم منه أنَّ (أَفْعَلَ) إذا لم يكن وصفاً انصرف لأنَّه قال (وَصْفٌ) قيَّده (أَفْعَل) قد يكون اسماً كـ (أَفْكَل) قيل هذا اسمٌ للرِّعْدَة حينئذٍ يكون مصروفاً أو لا؟ يكون مصروفاً، لأنَّنا قيَّدنا (أَفْعَل) بكونه وصفاً فإذا لم يكن وصفاً كـ (أَفْكَل) صار مصروفاً. وفُهِم منه أن (أَفْعَل) إذا كان الوصف به على خلاف الأصل لم يمتنع، لأنَّه قال (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ) احترز به عن الوصف غير الأصلي، وذلك كما سيأتي مثاله في النظم أربعاً: مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ ..

قيل (أَرْبَعْ) على وزن (أَفْعَلْ) وهو في الأصل: اسمٌ للعدد .. معدود .. فقط هذا، حينئذٍ إذا اسْتُعْمِل استعمال الصِّفات وصِف به بِنَسْوَةٍ معدوداتٍ بأَرْبَعة فصار وصفاً، فهذا التَّركيب لا شكَّ أنَّه وصف (مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ) هل نصرفه أو نمنعه من الصَّرف؟ لأنَّه على وزن (أَفْعَل) وهو صفة، نقول اجْتَمع فيه العلَّتان (مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ) هذا على وزن (أَفْعَل) وكذلك هو وصفٌ لكن الوَصْفِيَّة هنا عارضة والأصل فيه أنَّه اسمٌ فلا يضر حينئذٍ في بقاءه على الأصل كونه موصوفاً به في هذا التَّركِيب. إذاً: فُهِمَ من قوله: وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ وَوَزْنُ أَفْعَلاَ .. أنَّه إذا كان (أَفْعَلْ) الوصف به على خلاف الأصل لم يمتنع كـ (أَرْبَع) من أسماء العدد، وفُهِم منه كذلك أنَّ الوصف إذا لم يكن على وزن (أَفْعَلْ) بل كان على وزن (فَاعِل أو مَفْعُول) حينئذٍ لا يمنع من الصَّرف، لأنَّ الوصف أعم من أن يكون على وزن (أَفْعَل) أو غيره فـ (ضَارِب) هذا وَصفٌ أَصْلِي لكنَّه لا يُمْنَع من الصَّرف، لانتفاء القيد الثاني: وهو كونه على وزن (أَفْعَل). فلم يُؤَثِّر ذلك الوصف في المنع كـ (ضَارِب) وفُهِم منه أيضاً: أنَّ (أَفْعَل) الصِّفة إذا أُنِّثَ بالتَّاء حينئذٍ انصرف (أَرْمَل وَأَرْمَلَة) (أَرْمَل) هذا للفقير فإن مُؤَنَّثَه (أَرْمَلة) لأنَّه قال (مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ). قوله: (وَزْنُ أَفْعَلاَ) شمل (أَفْعَلَ: فَعْلَاء وأَفْعَلَ .. فُعْلَى) وأَفْعَلَ لا مُؤَنَّثَ لها. (أَفْعَلْ) في اللغة على أربعة أنحاء لا خامس لها: أفْعَلَ .. فُعْلَى .. أَفْضَلْ .. فُضْلَى، يعني: مُؤَنَّثُه على (فُعْلَى) و (أَفْعَلْ) مُؤَنَّثُه على (فَعْلَاء): أَحْمَرْ .. حَمْرَاء، وأَصْفَرْ .. صَفْرَاء. و (أَفْعَلْ) لا مُؤَنَّثَ له كـ: آدَر، وأكْمَر، هذا لا مُؤَنَّث له لأنها صفات خاصَّة بِالذُّكُور، و (أفْعَلْ .. أفْعَلَةٌ) يعني بالتَّاء هذه أربعة: (أفْعَلْ .. فُعْلَى وأفْعَلْ .. فَعْلَاء) و (أفْعَلْ) لا مُؤَنَّثَ له، و (أفْعَلْ .. أفْعَلَةٌ) الثَّلاثة الأوَّل ممنوعة من الصَّرف والرابع الأخير هو الذي احترز به بقوله (مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ بِتَا). إذاً: دخل في قوله (أَفْعَل) أطلق هنا، لأنَّه استثنى حالة واحدة و (أَفْعَلَ) ما دام أنَّه على أربعة أنحاء واستثنى حالة واحدة حينئذٍ قوله (وَوَزْنُ أَفْعَلاَ) شمل الثَّلاثة الأحوال (أفْعَل .. فَعْلَاء وأفْعَلْ .. فُعْلَى) و (أَفْعَلْ) لا مُؤَنَّثَ له فكلُّها ممنوعةٌ من الصَّرف. (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ) هذا مبتدأ ويحتمل أنَّه معطوفٌ على قوله (مَنعْ) الضَّمير المستتر ويحتمل أنَّه مبتدأ وسوَّغ الابتداء به وصفه بـ (أَصْلِيٌّ) .. (أَصْلِيٌّ) هذا نعتٌ احترز به عن العارض يعني: شَمِل مااسميَّته عارضة كـ (أَدْهَمْ).

(وَوَزْنُ أفْعَلاَ) هذا معطوفٌ على (وَصْفٌ)، (وَزْنٌ) مضاف و (أَفْعَلاَ) مضافٌ إليه ممنوعٌ من الصَّرف مجرور بالفتحة والألف للإطلاق، (مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ) (مَمنُوعَ) بالنصب حال من (أَفْعَلاَ) يعني حال كون أَفْعَلاَ: (مَمنُوعَ تَّأْنِيثٍ بِتَا) (بِتَا) يعني بتاءٍ قصره للضَّرورة، (بِتَا) هذا متعلِّق بقوله (تَّأْنِيثٍ)، (كَأَشْهَلاَ) وذلك كأشهلا .. الألف للإطلاق، فـ (أَشْهَلاَ) هذا ممنوعٌ من الصَّرف لكونه وصفاً أصلياً وعلى وزن (أَفْعَلاَ) والشَّهَلُ: قيل في العين أنْ يَشوب سَوادَها زُرْقَة، فهو وصفٌ أصلي وجاء على وزن (أَفْعَلاَ). وَوَصْفٌ اصْلِيٌ وَوَزْنُ أَفْعَلاَ ... مَمْنُوعَ تَأْنِيْثٍ بِتَا .......... أي: ويمنع الصَّرف أيضاً اجتماع الوصف الأصلي وَوَزْنُ أفْعَلاَ بشرط: ألا يقبل التَّأنيث بالتَّاء، إمَّا لأنَّ مُؤَنَّثَه (فَعْلاء) كـ (أَشْهَلْ .. شَهْلاء) (أَشْهَلْ) للمُذَكَّرْ (وشَهْلاء) للمُؤَنَّث، أو (فُعْلَى) كـ (أَفْضَلْ .. فُضْلَى)، أو لأنَّه لا مُؤَنَّثَ له كـ (أكْمَر وآدَر) فهذه الثَّلاثة ممنوعةٌ من الصَّرف للوصف الأصلي وَوَزْن أفْعَلاَ، فإن وزن (أَفْعَلاَ) هذا قيل أنَّ الفعل أولى به لأنَّه فيه زيادة تدلُّ على معنى. (وَوَزْنُ أَفْعَلْ) فإن وزن الفعل به أولى، لأنَّ في أوَّله زيادةً تدلُّ على معنىً في الفعل دون الاسم، يعني: إذا استعمله في الفعل (أَحْمَدُ الله وَأَشْكُرُ الله) الهمزة هذه الَّتي في (أَفْعَلْ) استعملت في الفعل ولها معنى وهي تدلُّ على المُتَكَلِّم، أثَّرَت أو لا؟ هي زيادة أَثَّرت في كونها دلَّت على المتكلِّم (أَشْكُرُ وآكُلُ وأَذْهَبُ وَأَشْرَب إلى آخره). إذاً: هذه الزِّيادة الَّتي في (أَفْعَلْ) دخلت على الفعل فأثَّرت فيه، ودخولها على الاسم لم تُؤَثِّر، لأنَّ في أوَّله زيادة تدلُّ على معنىً في الفعل دون الاسم فكان ذلك أصلاً في الفعل، لأنَّ ما زيادته لمعنى أصلٌ لما زيادته لغير معنى، هذه الزِّيادة الَّتي في (أَفْعَل) الهمزة زِيدَت في الفعل وأَثَّرت لها معنى في الفعل ولم تُؤَثِّر في الاسم .. (أَفْعَل) التَّفْضِيل. وحينئذٍ نقول: الزِّيادة الَّتي تدلُّ على معنى أصلٌ للزِّيادة الَّتي لا تدلُّ على معنى، وهذا واضح، لأنَّ العرب لا تزيد حرفاً إلى لمعنى، فإذا زِيد لا لمعنى نقول هذا فرعٌ أو أصل؟ نقول: فرع وليس بأصلٍ. فإن أُنِّثَ بالتَّاء انصرف نحو (أَرْمَل) بمعنى فقير، فإنَّ مُؤَنَّثَه (أَرْمَلَة) لضعف شبهه بلفظ المضارع، لأنَّ تاء التَّأْنِيث لا تلحقه، وأجاز الأخفش منعه لجريانه مجرى (أَحَمَرَ) لأنَّه وصفٌ وعلى وزنه. والأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى لا على وزن (أفْعَلْ) هذا كلام الأشموني وغيره: وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ وَوَزْنُ أَفْعَلاَ .. يقول: الأولى أن نقول: وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ وَوَزْنٌ للفِعْلِ هو أولى به، لأنَّ عندنا بعض الكلمات ليست على وزن (أَفْعَلْ) كما إذا صُغِّرَ (أَفْعَلْ) فحينئذٍ يمنع من الصَّرف للوصف وكونه على وزنٍ الفعل أولى به وهو ليس على وزن (أَفْعَلْ) وهذا اعتراضٌ دقيق.

والأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى، لأنَّ (أَفْعَلْ) عرفنا أنَّ فيه زيادة إذا كان فعلاً أَثَّرَت هذه الزِّيادة فيه وهو: همزة المُتَكَلِّم في الفعل المضارع وَنَفْسُهَا زائدةٌ في (أَفْعَل) التَّفْضِيِل ولم تُؤَثِّر، والزِّيادة الَّتي تُؤَثِّر في المعنى أصلٌ والَّتي لا تُؤَثِّر هي فرعٌ، فكون (أَفْعَلْ) في الفعل أولى من كونها في الاسم. والأولى تعليق الحكم على وزن الفعل الذي هو به أولى لا على وزن (أَفْعَلْ) ولا الفعل مجرَّداً ليشمل نحو: أُحَيْمِر، وَأُفَيْضِل، من المُصَغَّر فإنَّه لا ينصرف لكونه على الوزن المذكور نحو: أُبَيْطِر، نقول: أُحَيْمِر، وَأُفَيْضِل، هذا ممنوعٌ من الصَّرف: أحْمَر، وَأفْضَل، إذا صُغِّرَ (أُحَيْمِر) ليس على وزن (أَفْعَلْ) وكذلك (أُبَيْطِر) هذا أشبه: أُحَيْمِرْ، وَأُفَيْضِلْ .. أُبَيْطِرْ، و (أُبَيْطِرْ) هذا فعل. لكونه على الوزن المذكور نحو: (أُبَيْطِرْ) ولا يرد نحو: بَطَلْ وَجَدَلْ .. جَدِلْ، بفتح وكسر الدَّال، وَنَدُسْ وَنَدِسْ كَـ: عَضُد وَكَتِف، فإن كلَّ واحدٍ منها وإن كان أصلاً في الوَصْفِيَّة وعلى وزن فعلٍ لَكِنَّهُ وزنٌ مشتركٌ فيه ليس الفعل أولى به من الاسم فلا اعتداد به، هذا سيأتي في الوزن الخاص بالفعل، أنَّ الأوزان على ثلاثة أنواع: وزنٌ مشترك بين الفعل والاسم كـ (فَعِلْ وَفَعَلْ وَفَعُلْ) هذه أسماء جاءت على هذا الوزن وجاءت أفعال على هذا الوزن، حينئذٍ إذا وُجِدَ الاسم على هذا الوزن لا نقول يُمْنَع من الصَّرف، لأنَّه لم يرد على وزنٍ خاصٍّ بالفعل وإنَّما جاء على وزنٍ مشترك بينهما. وقد يكون الاسم على وزنٍ خاصٍّ به فيبقى على صرفه ولا إشكال فيه، وقد يرد على وزنٍ خاص بالفعل أو الفعل أولى به حينئذٍ يُمْنَع في الحالتين من الصَّرف. وَوَصْفٌ اصْلِيٌ وَوَزْنُ أَفْعَلاَ ... مَمْنُوعَ تَأْنِيْثٍ بِتَا كَأَشْهَلاَ أي: وتَمنع الصِّفة أيضا بشرط كونها أصليَّة أي غير عارضة إذا انْضَمَّ إليها كَونُهَا على وزن (أَفْعَلْ) ولم تقبل التَّاء نحو (أَحْمَرَ وَأَخْضَرَ) فإن قبلت التَّاء صُرِفَتْ (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَرْمَلٍ) فقير فتصرفه لأنَّكَ تقول للمؤنثة (أَرْمَلَةْ) بخلاف (أَحْمَرْ وَأَخْضَرْ) فإنَّهُمَا لا ينصرفان إذ مُؤَنَّثَهُمَا على وزن (فَعْلاَء) ولا يُقَال (أَحْمَرَةٌ وَأَخْضَرَة) فَمُنِعَا للصِّفَةِ ووزن الفعل. وإن كانت الصِّفة عارضة كـ (أَرْبَعْ) فإنَّه ليس صفةً في الأصل، وهذا احترز عنه بقوله: (أََصْلِيٌّ) بالمفهوم وسيصرِّح بهذا المفهوم. فإنَّه ليس صفةً في الأصل بل اسم عددٍ ثُمَّ استعمل صفة في قولهم (مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ) (أَرْبَعٍ) هنا يعرب صفة وهو على وزن (أَفْعَلْ) هل يمنع من الصَّرف؟ نقول: لا، لا يمنع من الصَّرف؛ لكون الصِّفة هنا عارضة لا أصليَّة فلا يؤثر ذلك في منعه من الصَّرف، وهذا المفهوم صَرَّح به بقوله: وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ ... كَأَرْبَعٍ، وَعَارِضَ الإِسْمِيَّهْ فَالأَدْهَمُ الْقَيْدُ لِكَونِهِ وُضِعْ ... فِيْ الأَصْلِ وَصْفاً انْصِرَافُهُ مُنِعَ

وَأَجْدَلٌ وَأَخْيَلٌ وَأَفْعَى ... مَصْرُوفَةٌ وَقَدْ يَنَلْنَ الْمَنْعَا (وَأَلْغِيَنَّ) هذا فعل أمر مُؤَكَّد بنون التوكيد الثَّقِيلَة (أَلْغِيَنَّ) أنت، يعني: لا تعتدَّ يعني: حُكْمٌ مُلْغَى لا يُعْتَدُّ به من الإلغاء، (وَأَلْغِيَنَّ) هذا تصريحٌ بمفهوم قوله (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ)، ألغين ماذا؟ (عَارِضَ الوَصْفِيَّةْ) قلنا: هذا تصريحٌ بمفهوم قوله: أَصْلِيّ، وإضافة (عَارِضَ الوَصْفِيَّةْ) من إضافة الصِّفة للموصوف يعني: الصِّفة العارضة، (أَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوَصْفِيَّةْ) أي: أَلْغِيَنَّ الوَصْفِيَّة العارضة واشترط أصليَّة الوَصْفِيَّة يعني: ما وُضِع أصالةً في الوَصْفِيَّة وأمَّا ما وضع وهو خالٍ عن الوصف ثُمَّ استعمل استعمال الصِّفات هذا لا يمنع من الصَّرف. حينئذٍ إضافة (عَارِضَ الوَصْفِيَّةْ) من إضافة الصِّفة للموصوف أو بمعنى (مِن) .. عَارِضٍ من الوَصْفِيَّة، ومثلها (عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ). وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ ... كَأَرْبَعٍ ....... . . . . . . في نحو قولك: مَرَرْتُ بِنَسْوَةٍ أَرْبَعٍ .. فإنَّه اسمٌ من أسماء العدد لكنَّ العرب وصفت به فهو منصرفٌ على الأصل .. نظراً للأصل، ولا نظر لما عرض له من الوَصْفِيَّة وأيضاً فهو يقبل التَّاء فهو أحق بالصَّرف من (أَرْمَل) لأنَّ فيه مع قبول التَّاء كونه عارض الوَصْفِيَّة وكذلك (أَرْنَب) اسمٌ للحيوان المعروف فإذا قيل (هَذَا رَجُلٌ أَرْنَبْ) يعني: ذليل نقول هذا صار وصفاً لكنَّ الوصفة هنا عارضة ليست أصليَّة. وكذلك (أَرْنَبْ) من قولهم (رَجُلٌ أَرْنَبْ) أي ذليل فهو منصرف لعروض الوَصْفِيَّة إذ الأصل: الأرنب المعروف. وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ ... كَأَرْبَعٍ ....... . . . . . . (أَلْغِيَنَّ عَارِضَ) هذا مفعولٌ به وهو مضاف و (الوَصْفِيَّةْ) مضافٌ إليه، (كَأَربَعٍ) يعني وذلك (كَأربَعٍ) جار مجرور متعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، وذلك (كَأَربَعٍ). (وعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) هذا معطوف على قوله (عَارِضَ الوَصْفِيَّة)، (وعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) يعني: لا يُعْتَدُّ بعارض الاسْمِيَّة يعني: وألغِ (عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) على الوصف، يعني العكس، قلنا الأصل: أن يكون الوصف أصلاً (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ) إذاً لو كان اسماً فعرضت عليه الوَصْفِيَّة ملغى، طيب! لو كان في الأصل هو وصف وعرضت عليه الاسْمِيَّة هل نلغي الاسْمِيَّة ونراعي الأصل أو نراعي الحال؟ هو يقول (وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) يعني ما كان الأصل فيه: أنه وصف وعرضت عليه الاسْمِيَّة (أَلْغِيَنَّ عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) يعني: اعتبر الأصل وهو أنه وصف فيمنع من الصَّرف .. عكس المسألة الأولى، (وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الوَصْفِيَّة) يعني إذا كان الأصل: أنَّه اسمٌ (كَأربَعٍ) فعرضت عليه الوَصْفِيَّة لا اعتبار بالوَصْفِيَّة نراعي الأصل: وهو أنَّه اسمٌ، فنمنعه أو نصرفه؟ نصرفه باعتبار الأصل، والعكس كذلك إذا كان الأصل فيه: أنَّه وصفٌ فعرضت عليه الاسْمِيَّة حينئذٍ نلغي الاسْمِيَّة ونراعي الأصل فنمنعه من الصَّرف.

(وَعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) أي وألغ (عَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) على الوصف، فتكون الكلمة باقيةً على منع الصَّرف الأصلي، ولا ينظر إلى ما عرض لها من الاسْمِيَّة، مَثَّل لذلك: (فَالأَدْهَمُ القَيْدُ) (فَالأَدْهَمُ) الفاء هذه تفريع متعلِّق بقوله (وَعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) لأنَّه مَثَّل للأوَّل (كَأربَعٍ) وانتهى. وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ ... كَأَرْبَعٍ ....... . . . . . . انتهى من عروض الوَصْفِيَّة، ثم قال (وعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ فَالأَدْهَمُ) كأنَّه قال (كالأدْهَم)، (فَالأَدْهَمُ) الفاء هذه فاء تفريع، (فَالأَدْهَمُ) مبتدأ و (القَيْدُ) هذا بدل كل من كل أو عطف بيان على (الأَدْهَمُ) من تفسير الأخفى بالأجْلى، لأنَّ (القَيْدُ) أجلى من (الأَدْهَمُ) كما تقول (الْبُرّ .. الْقُمْح والعَقَار .. الْخَمْرُ). فَالأَدْهَمُ الْقَيْدُ لِكَونِهِ وُضِعْ ... فِيْ الأَصْلِ وَصْفاً انْصِرَافُهُ مُنِعَ (الأَدْهَمُ القَيْدُ) (لِكَونِهِ) هذا جار مجرور متعلِّق بقوله (مُنِعْ) كأنَّه قال: (فَالأدْهَمُ اِنْصِرَافُهُ مُنِعَ لِكَونِهِ وُضِعَ فِي الأصْلِ وَصْفاً) ولو اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَال الأسماء لأنَّه صار اسماً، (الأَدْهَمُ) هذا من أسماء القيد فإنَّه صفةٌ في الأصل لشيء فيه سواد، ثم اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَال الأسماء فَيُطْلَق على كل قَيْدٍ (أَدْهَمْ)، حينئذٍ صار اسماً مع كونه في الأصل: هو وصف لِمَا فيه سواد، ولذلك يقال للخيل (أَدْهَمْ) إذا كان فيه شيءٌ من السَّواد، حينئذٍ نقول: نراعي الأصل وهو كونه وصفاً ونلغي ما عرض عليه من الاسْمِيَّة فلا نمنعه من الصَّرف. (فَالأَدْهَمُ) الذي هو (القَيْدُ) (اِنْصِرَافهُ مُنِعْ)، (اِنْصِرَافُهُ) مبتدأ و (مُنِعْ) خبر، لماذا؟ (لِكَونِهِ وُضِعَ فِي الأَصْلِ) في أصل الوضع في لسان العرب (وَصْفاً) والاسمِيَّة طارئةٌ عليه، حينئذٍ نمنعه من الصَّرف مراعاةً للأصل. إذاً (لِكَونِهِ) هذا متعلِّق بقوله (مُنِعْ)، (لِكَونِهِ) الهاء هذه تعود على (الأَدْهَمُ)، (لِكَونِ الأدْهَمَ وُضِعْ) (لِكَونِهِ وُضِعْ) الهاء هنا ما إعرابها؟ اسم (الكون) مصدر في محل رفع، (وُضِعْ) ما إعراب (وُضِعْ)؟ خبر (الكون) والضمير يعود على (الأَدْهَمُ)، (فِي الأَصْلِ) يعني أصل الوضع .. لسان العرب أوَّل ما وضع (وَصْفاً) هذا حالٌ من ضمير وُضِعْ، (وُضِعْ) حال كونه (وَصْفاً). (فأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الاسْمِيَّة) فلذلك إذا ألغيته اِنْصِرَافُهُ انصرافه الأدهم مُنِعْ يعني يبقى على الأصل: وهو أنَّه ممنوعٌ من الصَّرف، يرد عليك أنَّه اسمٌ تقول: لا الاسمِيَّة عارضة والاعتبار بالأصل لا بالفرع. فَالأَدْهَمُ الْقَيْدُ لِكَونِهِ وُضِعْ ... فِيْ الأَصْلِ وَصْفاً انْصِرَافُهُ مُنِعَ نظراً للأصل وطرحاً لما عرض من الاسمِيَّة. وَأَجْدَلٌ وَأَخْيَلٌ وَأَفْعَى ... مَصْرُوفَةٌ. . . . . . . . .

هذه أسماء من حيث اللفظ فقط .. يعني: نحكم عليها بأنَّها اسمٌ، ليست هذه الأسماء صفات لا في الأصل ولا في الاستعمال فحقُّها حينئذٍ الصَّرف ولذلك صرفها أكثر العرب، ومنعها بعضهم لِمَا لاحظ فيها معنى الصِّفة، (أَجْدَلْ) هذا اسمٌ للصَّقر (وأَخْيَلٌ) هذا قيل للطَّائِرِ ذُي النُّقَطِ ذِي الخِيلان جَمْع خَال منقَّط يسمى (أَخْيَلْ)، (وَأَفْعَى) اسمٌ للحَيَّة هذه مصروفة، لأنَّها في الأصل: وضعت أسماء لم توضع صفات ولكن فيها دلالةٌ على معنى الوَصفِيَّة، أكثر العرب لاحظوا الأصل وهو كونها اسماً فصرفوها، أكثر العرب لاحظوا أنَّها أسماء يعني في أصل الوضع فأخذت الحكم الأصلي وهو: كونها (مَصرُوفةٌ) ولذلك قال: (مَصرُوفَةٌ). (أَجْدَلٌ) هذا مبتدأ (وَأَخْيَلٌ وَأَفْعَى) معطوفان (مَصرُوفَةٌ) هذا خبر، فحَكم بكونها (مَصرُوفَةٌ)، ثُمَّ قال (وَقَدْ يَنَلنَ المنْعَا) قد يعطى هذه الألفاظ المنع نظراً لما فيها من الصِّفات، (مَصرُوفَةٌ) لأنَّها أسماءٌ مُجَرَّدَة عن الوَصفِيَّة في أصل الوضع، ولا أثَرَ لما يُلْمَح في (أجْدَلَ) من الجدل وهو الشِّدَّة .. فيه معنى القوَّة، ولا في (أَخْيَلَ) من الخُيُول وهو كثرة الخِيلان جمع خَال، ولا في (أَفْعَى) من الإيذاء لعروضه عليهنَّ، لأنَّه إذا قيل (أَجْدَلٌ) هذا اسمٌ للصَّقْر فيها معنى الجدل وهو القُوَّة .. فَهِم منه، وكذلك (أَخْيَلْ) لكثرة الخِيلان فهو يدلُّ على وصفٍ فيه، وكذلك (أَفْعَى) إذا قال: هذه أفْعَى إذاً مُؤذِية .. فيها وصفٌ، هذه الأوصاف هل وضعت هذه الألفاظ لها أم أَنَّهَا ملموحةٌ؟ الثَّاني، لذلك أكثر العرب لم يُرَاعوا هذه الصِّفات لأنَّها طارئة والأصل فيها: أنَّها أسماء. إذاً: ليست هذه الأسماء صفات لا في الأصل ولا في الاستعمال فَحَقُّهَا الصَّرف، ولذلك صرفها أكثر العرب ومنعها بعضهم لما لاحظ فيها من معنى الصِّفة، ولذلك قال (وَقَدْ) للتَّقلِيل (يَنَلنَ المنْعَا) يعني يُعْطان المنع و (المنْعَا) هنا (أَلْ) هذه مع الألف نقول الألف للإطلاق وليست نائبةً عن التَّنوِين، لِلَمْحِ معنى الصِّفة فيها، فأمَّا (أَفْعَى) فلا مادَّة لها في الاشتقاق لكن ذِكْرُهَا يقارنه تَصَوُّرُ إيذائها فأشبهت المُشْتَق، يعني: هذه كأنَّ فيها معنى المُشْتَق لكن بالطروء لا بأصالة الوضع، فأشبهت المشتق وجرت مجراه على هذه اللغة. قال هنا الشَّارح: أي إذا كان استعمال الاسم على وزن (أَفْعَلَ) صفةً ليس بأصلٍ وإنَّما هو عارضٌ (كَأَرْبَعٍ) فألغه، يعني: ألغي هذا الوصف أي لا تَعْتَدَّ به في منع الصَّرف كما لا تَعْتَدُّ بعروض الاسْمِيَّة فيما هو صفة في الأصل كَأَدْهَم للقيد، هذا من أسماء القيد (أَدْهَم) ومثله قيل (أَرْقَم) لنوعٍ من الحَيَّات و (أَسْوَد) للحَيَّة. فإنَّ (أَدْهَم) صفةٌ في الأصل لشيءٍ فيه سواد ثُمَّ اسْتُعْمِل اسْتِعْمَال الأسماء، فالاسْمِيَّة عارضة والوَصْفِيَّة حينئذٍ تكون هي الأصل، فَيُطْلَقُ على كُلِّ قَيْدٍ (أَدْهَم) ومع هذا تمنعه نظراً إلى الأصل. فِرَاخُ القَطَا لاَقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا ..

وأشار بقوله (وَأَجْدَلَ) إلى آخره إلى أنَّ هذه الألفاظ (أَجْدَلَ) للصَّقرِ (وأَخْيَلَ) لِطَائِر (وَأَفْعَى) للحَيَّة ليست بصفات فكان حقها أن لا تُمْنَع من الصَّرف ولكن منعها بعضهم لِتَخَيُّلِ الوصف فيها، لكن هنا الوصف إذا نُظِر إلى المنع يكون مقارناً لأصل الوضع، لم يوضع اللفظ للوصف، لكن لمح الوصف مقارن للوضع، ليس بشيءٍ طارئٍ وإنَّما وضِعَ وضع الأسماء واسْتُعْمِلَ في مسماه ولُوحِظ فيه الوصف مع أصل الوضع فليس بطارئٍ مطلقاً. ليست بصفات فكان حقها أن لا تمنع من الصَّرف ولكن منعها بعضهم لِتَخَيُّلِ الوصف فيها، فَتَخَيَّلَ في (أَجْدَلْ) معنى القوة (وأَخْيَلْ) معنى التَّخَيُّل وفي (أَفْعَى) معنى الخُبْث -الإيذاء- فمنعها لوزن الفعل والصِّفة المُتَخَيَّلَة والكثير فيها الصَّرف إذ لا وصفية فيها مُحَقَّقَة. لكن سُمِع منعها من الصَّرف كالبيت السابق: فِرَاخُ القَطَا لاَقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا .. فَمَا طَائِريِ يَوْماً عَلَيْكِ بِأَخْيَلاَ .. بِأَخْيَلاَ منعه من الصَّرفْ. إذاً قوله: (وَوَصْفٌ أَصْلِيٌّ) بَيَّنَ المفهوم بقوله: وَأَلْغِيَنَّ عَارِضَ الْوَصْفِيَّهْ ... كَأَرْبَعٍ. . . . . . . . . لا بُدَّ من أن يكون وزن (أَفْعَلْ) أن يكون دالاً على صفةٍ أصليَّة .. في أصل الوضع، فإن كانت في أصل الوضع اسم ثُمَّ عَرَضَت عليه الوَصْفِيَّة فالوَصْفِيَّةُ ملغاةٌ. (وَعَارِضَ الإِسْمِيَّةْ) كذلك ألغها ومَثَّل له بـ (الأَدْهَمُ) (فَالأَدْهَمُ القَيْدُ) (فَالأَدْهَمُ) الأصل فيه: أنَّه صِفَةٌ في الأصل لكل ما فيه سواد، ثُمَّ (اِنْصِرَافُهُ مُنِعْ) مع كونه مُسْتَعمَلاً اسْتِعْمَال الأسماء لكون الاسم هنا عارضاً والأصل فيه: أنَّه وصفٌ فأُلْغِيت الاسْمِيَّة كالعكس في (أَربَعْ)، وأمَّا (أَجْدَلٌ وأَخْيَلٌ وَأَفْعَى) فهذه مصروفة في كثير من لسان العرب، لأنَّها في الأصل: موضوعةً وضع الأسماء، لكن لَمَّا كان فيها شيءٌ من اللَّمَحِ بالوصف، بعض العرب لاحظ ذلك الوصف فمنعها من الصَّرف، ولذلك قال (وَقَدْ يَنَلنَ المنْعَا) يعني: يُعْطَينَ المنع. ثُمَّ قال: وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ .. نقف على هذا، والله أعلم، وَصَلَّى الله وَسَلَّمَ على نَبِيَّنَا مُحَمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

106

عناصر الدرس * الوصفية والعدل , وتعريف العدل واثتاته عند النحاة * جمع الجموع وصيغة منتهى الجموع وما شابهه. بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال الناظم - رحمه الله تعالى -: وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعتَبَرْ ... فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَأُخَرْ وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا ... مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ فَلتَعْلَمَا سبق أن العلل التي يُمنع الاسم من الصَرف من وجودها فيه محصورة في تسع، منها اثنتان راجعتان إلى معنى، وهما: العلمية، والوصف، وبقية العلل إنما هي راجعة للفظ: اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أَنِّثْ بِمَعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَةً فَالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ سبق أيضاً أن ما يقوم مقام علتين هذا محصورٌ في شيئين، وهما: - ألف التأنيث مُطلقاً، وقد بدأ بها الناظم في قوله: فَألِفُ التَّأْنِيْثِ مُطْلَقَاً مَنَعْ ... صَرْفَ الَّذِيْ حَوَاهُ كَيْفَمَا وَقَعْ هذا النوع الأول. - ثُمَّ النوع الثاني: ما كان على وزن: (فَعلَان) بزيادة ألف ونون، وهو وَصْفٍ سَلِمْ ... مِنْ أَنْ يُرَى بِتَاءِ تَأْنِيْثٍ خُتِمْ. - ثُمَّ النوع الثالث: وهو الوصف الأصلي مع وزن: (أفعَلَا) وقلنا: الأولى أن يُعبَر بكون الفعل أولى به. - ثُمَّ الرابع: وهو الذي عناه بقوله: وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعتَبَرْ ... فِي لَفْظِ مَثْنَى. . . . الـ (عَدْلُ) هو من العلل اللفظية .. التي ترجع إلى اللفظ، ولا يكون العدل في المعاني البتَّة، إلا على قولٍ قيل به، لكن المشهور عند النحاة: أن العدل إنما يكون في اللفظ، والمراد بالعدَل: تَحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بَقَاء المعنى الأصلي، هذا أسهل ما عُرِّفَ به العَدل، والعَدل في أصله علةٌ مُتكَلَّفة، يعني: مُقدَّرة فقط .. اعتبارية في الذهن، وإلا لا وجود لها، وإنما ألجأ النحاة إلى ذلك لكونهم لم يجدوا في بعض الأسماء ما يُمنع من الصرف مع العلمية، لم يُوجد إلا عِلة واحدة فابتكروا هذه العِلة، وقالوا: هذا اللفظ معدُولٌ عن كذا .. أصله كذا. حينئذٍ يَحتاج إلى ثَبَت، أن أصل عُمَر (عَامِر) وأصل زُحَل (زاحل) وقُثَم (قَاثِم) وجُشَم (جَاشِم) نقول: ما الدليل على أن أصل هذه الأسماء (فُعَل) هو ما ذكرتموه كونه معدولاً عن فاعل، حينئذٍ لمَّا وجدوا: عمر، وزحل، وهبل، ومثنى، وثلاث، ورباع، وجدوها ممنوعة من الصرف، ولم يوجد في: عمر ونحوه إلا العلمية فقط، ولم يوجد في مثنى ونحوه إلا الوصفية فقط. حينئذٍ إمَّا أن يُقال: بأنه مُنِع لعلة واحدة: الوصفية في مثنى وثلاث ورباع ونَحوها، وإمّا أن يقال بِثَمَّ عِلَة لكنها مُقدَّرة، فابتكروا عِلَة (العَدل) قالوا إذاً: في مثنى وثلاث ورباع، علةٌ معنوية وهي الوصفية، ومعه علة أخرى وهي كَونه مَعدولاً عن اسم الآخَر، فأصل مثنى (اثنان اثنان) وأصل مثلث كذلك (ثلاثة ثلاثة) إذاً: عُدِل عن الاسمين مثنى (اثنين اثنين) عُدِل عنهما وعُبِّرَ بـ: (مثنى) وكذلك (ثُنَا) كما سيأتي.

حينئذٍ كونه مَعدولاً حُوِّل الاسم من اسمٍ إلى اسمٍ آخر مع بقاء المعنى الأصلي، (مثنى) اثنان اثنان: جاء الزيدون اثنين اثنين، حينئذٍ نقول: (اثنين اثنين) هذا دَلَّ على كونهما قد جاءا اثنين اثنين، يعني: دخلا اثنين اثنين، حينئذٍ المعنى باقٍ في قولنا: مثنى .. جَاء الزَيدون مثنى، أو: جاء الزيدان مثنى، نقول: المعنى باقٍ، إذاً: ما الذي حصل؟ حُوِّل اللفظ من لفظٍ إلى لفظٍ آخر، نقول: هذه العِلة عِلة مبتَكرة، وعِلة في الأصل أنها معدومة، ولذلك لا يلجأ .. بل يُصرِّح النحاة: أنه لا يُقال بالعَدل إلا عند عدم إمكان وجود عِلةٍ صالحة في المَحل، وهذا يَدُل على أنها ضعيفة، وأنها مُبتَكرة .. خيالية، يعني: أمر في الذهن فحسب، وأمَّا في الوجود فلا وجود لها. إذاً نقول: العَدلُ قد يكون مع الوصفية، وقد يكون مع العَلَمِية، العَلَمية سيأتي في مَحله. هنا قال: (وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ) إذاً العَدل: هو تحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى، مع بقاء المعنى الأصلي، وهو خاصٌ باللفظ لا يكون في المعاني. (وَمَنْعُ عَدْلٍ) (مَنْعُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف، و (عَدْلٍ) هذا مضاف إليه، مَصدَر مُضاف إلى فاعله، العدل هو الذي يَمنع .. يَمنع العَدل. (مَعَ وَصْفٍ) هذا نعت .. صفة، لأنها قَيد، (مَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ) وعرفنا الوصف المراد به، وهو عِلةٌ معنوية، إذاً: اجتمع عندنا علتان: إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى ترجع إلى المعنى، العَدل يرجع إلى اللفظ، والوصف يرجع إلى المعنى. (مُعْتَبَرْ) المنع مُعتَبَرٌ، يعني: يَمنع الاسم وجود هاتين العلتين وهما: العَدل مع الوصفية، (فِي لَفْظِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مُعْتَبَرْ) قلنا: (مُعْتَبَرْ) هذا خبر، (فِي لَفْظِ مَثْنَى) (لَفظِ) مضاف، و (مَثْنَى) مضاف إليه مَجرور وجرُّه فتحة مُقدَّرة على آخره، لأنه ممنوع من الصرف، ولذلك قال: (وَثُلاَثَ) بالفتح، وهو معطوف على (مَثْنَى) والمعطوف على المجرور مجرور، وجَرُّه فتحة نائبةً عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعَدل والوصفية، (وَأُخَرْ) وأُخَرَ: هذا معطوف على (مَثْنَى) يعني: كما يكون العَدل في العدد .. في أسماء العدد، يكون في غيره. ولذلك ابن هشام في (القطر) قال: " العَدل يكون في المعارف وفي غيرها، وغير المعارف يكون في الصفات – أسماء العدد – وغيرها " والمراد بأسماء العدد ما ذكره بـ: (مَثْنَى وَثُلاَثَ) وما فُرِّعَ عليهما. (وَأُخَرْ) المراد به هذا اللفظ بعينه فقط، وأمَّا (سَحَر وأمسِ) فهذا سيأتي في العَلَمية، وأمَّا هنا في باب النكرات .. الصفات فليس عندنا إلا لفظ (أُخَرْ) .. مثنى وثلاث وأخر، إذاً نقول: مِمَّا يَمنع الصرف: اجتماع العَدل والوصف .. مما يَمنع الاسم أن يكون ممنوعاً من الصرف والتنوين والجر معاً: العَدل والوصف، وذلك في موضعين: الأول: المعدُول في العدد إلى (مَفعَل) نحو: مَثنَى، أو (فُعَال) نحو: ثلاث، إذاً: وزنان لا ثالث هما، إمَّا (مَفْعَل) وإمَّا (فُعَال)، إذاً: هذان الوزنان خاصان بالعَدل في باب العدد. والثاني: في (أُخَر) المقابل لـ: (آخرين) ولذلك قال: (لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَأُخَرْ).

إذاً: وقَعَ العَدل في هذين النوعين: اسم العدد ولفظ (أُخَر) المقابل لـ: (آخرين). أمَّا المعدُول في العدد فالمناع له عند سيبويه والجمهور: العَدل والوصف، فـ: (أُحَاد) و (مَوحَد) مَعدُولان عن: (واحد واحد) و (ثُنَاء) و (مَثنَى) معدولان عن: (اثنين اثنين) وكذلك: (ثُلَاث ومَثلَث) و (رُبَاع ومَربَع) إلى هنا باتفاق .. من واحد إلى أربعة باتفاق، ولذلك قال هنا: (مِنْ وَاحَدٍ لأَرْبَعٍ) خَصَّ الناظم هذا العدد إلى هنا لا لكونه لا يَصِح في غيره، وإنما ثَمَّ اتفاق وثَمَّ خلاف، يعني: الأعداد التي يأتي على وزن (مَفعَل) و (فُعَال) من واحد لأربع متفق عليه. وأمَّا: مَخْمَس وخُمَاس، ومَسْدَس وسُدَاس، ومَسْبَع وسُبَاع، ومَثْمَن وثُمَان، ومَتْسَع وتُسَاع، ومَعْشَر وعُشَار، هذا محل نزاع عند النحاة هل سمع أم لا؟ والصحيح: أنه سُمِع من واحدٍ إلى عشرٍ، كلها تأتي على هذا الوزن: (مَفْعَل وفُعَال) ولذلك نَصَّ هنا قال: وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا ... مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ فَلْتَعْلَمَا وأمَّا الوصف فلأن هذه الألفاظ لم تُستَعمل إلا نكرات، عرفنا العَدل وأنه يأتي من واحد إلى عشر، وإنما نَصَّ الناظم إلى الأربع لكونه متفقاً عليه، وما عداه فهو ثابت كما سيأتي. وأمَّا الوصف فلأن هذه الألفاظ لم تستعمل إلا نكرات، ولذلك لا تكون معارف، (مَثنَى) وإلى آخره لا تكون معارف البتَّة، وكذلك: (أُخَر) إمَّا نعتاً نحو: ((أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)) [فاطر:1] (أُولِي أَجْنِحَةٍ) أصحاب أو صاحبات أجنحة، (مَثنَى) اثنين اثنين، (وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) ثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، من الملائكة منها ما هو ذو جناحين: مثنى مثنى، ومنها ما هو: ثلاثة ثلاثة، ومنها ما هو: أربعة أربعة، دَلَّ على ذلك هذا العَدل، لأننا قلنا: (مَثنَى) معناه: اثنان اثنان، وكذلك (مَثْلَث) و (مَربَع). إذاً: جاءت نعتاً ((أُولِي أَجْنِحَةٍ)) [فاطر:1] مَعرفة أو نكرة؟ نكرة، إذاً: وقع هنا (مَثْنَى) وما عطف عليه صفة لنكرة فهو نكرة. أو حالاً، نحو: ((فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)) [النساء:3] حال كونهما نكاح اثنتين اثنتين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة، هل هذا المراد؟ نعم، هذا المراد، لكن ليست الواو هنا للجمع خلافاً لابن حزم وغيره. ((مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)) [النساء:3] أربع وثلاث: سعبة، واثنان: تسعة، إذاً: يَجوز تسعة، إذا قلنا الواو هنا للجمع فقد قيل به. وإمَّا حالاً نحو: ((فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى)) [النساء:3] حال كون المنكوح مَثنَى، وإمَّا خبراً نحو: {صَلاَةِ اللَّيلِ مَثنَى مَثنَى} (صَلاَةِ اللَّيلِ مَثنَى) هذا خبر، والثاني توكيد له.

وإمَّا خبراً نحو: {صَلاَةِ اللَّيلِ مَثنَى مَثنَى} وإنما كُرِّرَ لقصد التأكيد، لا لإفادة التَكرَار، اثنان اثنان .. اثنتين اثنتين، معلومٌ من الأولى، وأما الثانية قُصِدَ بها التوكيد، ولا تدخلهما (أل) وإضافتهما قليلة، يعني: ما كان على وزن (مَثنَى وثُنَاء .. مَفْعَل وفُعَال) لا تدخل عليهما (أل) وقيل: لا تضاف، وقيل: إضافتها قليلة، وحينئذٍ تبقى على الأصل، فهي نكرة ولا تقبل التعريف البتَّة. إذاً: وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعتَبَرْ ... فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ .. . . . ثُمَّ بَيَّن أن: وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا ... مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ .......... مثلهما .. كَهُمَا، هنا الناظم اضطَرَّ إلى إدخال الكاف على الضمير، وهذا كما سبق: أنه لا يدخل عليه. (وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا) (وَزْنُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف، و (مَثْنَى) مضاف إليه، (وَثُلاَثَ) بالفتح، يعني: مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة، لأنه معطوف على (مَثْنَى) المضاف إليه، وهو ممنوع من الصرف للعَدل والوصفية. (كَهُمَا) هذا خبر المبتدأ - مثلهما يعني - أي: مثلهما، وأدخَلَ كاف التشبيه على المضمر لضرورة الوزن، (مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) حالٌ من الضمير المستتر في الخبر، (كَهُمَا) مثلهما .. كائنٌ مثلهما، (مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) هذا حال من الضمير المستتر في الخبر، (فَليُعْلَمَا) فَليُعلماً، الفاء هذه زائدة، أو حرف عطف، جملة معترضة جاءت متأخرة، واللام هذه لام الأمر، و (يُعلَمَن) هذا فعل مضارع مؤكد بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة وقفاً ألفاً. إذاً يعني: ما وازن مثنى وثلاث من ألفاظ العدد المعدول من واحد إلى أربعٍ فهو مثلهما في امتناع الصرف للعدل، يعني قوله: في لفظ مثنى وثلاث لا تظن أن الحكم خاصٌ بهذين اللفظين فحسب، بل يَتَعدَّى إلى غيره، لأنه نَصَّ على: (فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ) لو سكت قد يقول قائل: إنما أراد الحصر: (مَثْنَى وَثُلاَثَ) ما عداهما فهو مصروف، قال: لا، (وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ - مِثلُهما - مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) يعني: زاد على ما سبق: مثلث وثلاث، ومربع ورباع فقط، زاد لفظتين فصارت حينئذٍ أربعة. فهو مثلهما في امتِناع الصرف للعَدل والوصف، تقول: مررت بِقوم مَوْحَداً وأُحَاد، يعني: بالجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، و (مَثنَى وثُنَاء) و (مَثلَث وثُلَاث) و (مَربَع ورُبَاع) وهذه الألفاظ الثمانية متفقٌ عليها، ولهذا اقتصر عليها الناظم، هي ثمانية من حيث التفصيل، وأربع من حيث الجملة. قال في (شرح الكافية): "وروي عن بعض العرب: (مَخمَس) و (عُشَار) " (مَخمَس) إذاً: مسموع، و (عُشَار) مسموع، و (مَعشَر) كذلك مسموع، ثُمَّ قال: " ولم يرد غير ذلك " يعني: زيادة عن الأربع .. الأقسام السابقة الثمانية عند التفصيل، يُزَاد عليها (مَخمَس وعُشَار ومَعشَر) " ولم يرد غير ذلك " هكذا نفاه في (شرح الكافية). وفي (التسهيل) قال: "إنه سُمِع (خُمَاس) أيضاً " مع كونه نفى في (شرح الكافية) لأنه أثبت: (مَخمَس) ولم يثبت: (خُمَاس).

واختُلِف فيما لم يُسمَع على ثلاثة مذاهب، يعني: إذا لم يسمع قيل: مَسْدَس وسُدَاس، ومَسْبَع وسُبَاع، ومَثمَن وثُمَان، حينئذٍ إذا لم يُسمع هل يُقَاس عليه أم لا؟ نقول: فيه ثلاثة مذاهب. واختُلِف فيما لم يُسمَع على ثلاثة مذاهب، الأول: أنه يُقَاس على ما سُمِع، وهو مذهب الكوفيين، لوضوح طريق القياس فيه، يعني: العِلة موجودة، وهو كونه عدد، وسُمِع من واحد إلى أربع، بل وسُمِع (مَعشَر وعُشَار) حينئذٍ لا مانع أن يُقال ما بينهما مَثل الأول والمنتهى، وهو مَعشَر وعشار، وهو مذهب الكوفيين: أنه يُقَاس على ما سُمِع. المذهب الثاني: أنه لا يُقَاس بل يُقتَصر على المسموع، وهو مذهب جمهور البصريين، لأنك لو قِست أحدَثتَ لفظاً لم يَتكلَّم به الواضع، ففيه إحداث لفظٍ لم تَتَكلَّم به العرب. الثالث: أنه يُقَاس على (فُعَال) لِكَثرته لا على (مَفعَل) لِقلَته، (فُعَال) أكثر – هي عشرة ألفاظ – (فُعَال) أكثر و (مَفعَل) قليل، إذاً: يُقاس على (فُعَال) لا على (مَفعَل) وهذا تَحكُّم لأن الباب واحد، حينئذٍ الفصل بينهما وخاصةً أنه مَسمُوع بالفظين (مَفعَل وفُعَال) من واحد لأربع، فالأصل حينئذٍ أن يكونا متساويين، فإمَّا أن نُرَجِّح المذهب الأول أو الثاني. والصحيح أنه مسموع في الكل، قال أبو حيان: "والصحيح أن البنائين – مَفعَل وفُعَال - مسموعان من واحد إلى عشرة" وكل منهم أثبت، هذا سَمِع مَخمَس، وهذا خُمَاس، وهذا مَعشَر، يثبت ما سَمعه وينفي الآخر بناءً على علمه، ومن حَفِظ حجة على من لم يَحفظ، فأثبت ابن مالك بعضاً، وأثبت غيرُه بعضاً آخر. وحكا البنائين أبو عمرو الشيباني، يعني: (مَفعَل وفُعَال) من واحد إلى عشرة، وحكا أبو حاتم وابن السِكيِت: من أُحَاد إلى عُشَار، ومن حفظ حجة على من لم يَحفظ، إذاً: الصواب أنه لا يُقتَصر على الأربعة وإن كان متفقاً عليها. وَوَزْنُ مَثْنَى وَثُلاَثَ كَهُمَا ... مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ فَلْتَعْلَمَا (فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَأُخَرْ) (أُخَرْ) قيل: جمع (أخرى) مُؤنَّث آخر، أُخرى .. أنثى آخر: مررت بزيدٍ وبرجل آخر، مررت بهندٍ وبامرأة أخرى، إذاً: (آخر) مؤنثه (أخرى) لمعنى مُغَايِر، و (أُخَرْ) ممنوع من الصرف ((فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:185] ممنوع من الصرف، فالمانع له أيضاً العَدل والوصف، ولذلك جَمع بينهما في بيت واحدٍ .. العدل والوصف. أمَّا الوصف هذا شأنه ظاهر، لأنه على زنة اسم التفضيل، واسم التفضيل معلومٌ أنه من المشتقات. أمّا الوصف فظاهر؛ لأنه اسم تفضيل بمعنى مُغَايِر.

وأمَّا العَدل قالوا: فهو مَعدُول، مَعدُول عن أي شيء؟ تحويل اسمٍ إلى اسمٍ آخر مع بقاء المعنى الأصلي. وأمَّا العَدل فقال أكثر النحاة: إنه مَعدُول عن الألف واللام، عن: (الأُخَر) يعني: الأصل أن يقال: (الأُخَر) وإنما قيل: (أُخَر) حينئذٍ مَعدُول عن (الأُخَر) إذاً: أصله محلاً بـ: (أل) ثُمَّ استُعمِل نكرةً، فقيل: (أُخَر) فهذا معنى العدل عندهم: تحويل اسمٍ إلى اسمٍ آخر مع بقاء المعنى الأصلي، فقال أكثر النحويين: إنه مَعدُول عن الألف واللام، لأنه من باب أفعَل التفضيل، فحقه ألاَّ يُجمَع إلا مقروناً بـ: (أل) هذا الأصل، كما سبق في باب: اسم التفضيل. وقيل: إنه مَعدُول عَمَّا كان يستحقه من استعمال، إذاً: أكثر النحاة: أن العَدل الذي هو سببٌ وعِلَّة في منع (أُخَرَ) من الصرف مع الوصفية: أنه مَعدُول عن (الأُخَرَ) بـ: (أل)، عندنا (أل) وعندنا بدون (أل) (الأُخَرَ) هو الأصل، و (أُخَرَ) هذا فرعٌ، إذاً: لماذا مُنِع: (فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:185]؟ نقول: لكونه مَعدُولٌ عن (الأُخَرَ) لأن أفعَل التفضيل إذا كان جمعاً يَتعيَّن في القاعدة السابقة معنا أنه يُحلى بـ: (أل) هذه عِلَّة. وقيل: إنه مَعدُول عمَّا كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد المذَكَّر بدون تَغيُّر معناه، لأن (أُخَرَ) و (آخَر) هذا مُفرَد وهو مُذكَّر، حينئذٍ ما كان مُجرَّداً من (أل) والإضافة الأصل فيه أنه يلزم الإفراد مُطلقاً، سواءً كان الموصوف مَذكَّراً مُفرداً، أو مؤنَّثاً مُثنَّىً أو جَمعاً، هذا الأصل فيه، لكن قيل: مَررت بزيدٍ وبِرجلٍ آخَر، وبرجلين آخرَين، وبرجالٍ آخرِين، وبامرأة أُخرَى، والأصل فيه أن يُقال: مررت بزيدٍ وبرجلٍ آخر، وبرجلين آخر، وبرجالٍ آخر، وبامرأة آخر، أن يلتزم هذا الأصل، لأنه مُجرَّد من (أل) ومن الإضافة. وسَبَق أنه إذا كان مُجرَّداً من (أل) والإضافة يلتزم الإفراد والتَذكِير، فيوصف به المُذكَّر والمؤنَّث، والمثنى المُذكَّر، والمثنى المُؤنَّث، والجمع المُذكَّر، والجمع المؤنَّث مُطلقاً، لكن هنا عُدِل به عن هذا الأصل فاستُعمِل مثنىً مع المثنى، والجمع مع الجمع، والمؤنَّث مع المؤنَّث، فقيل: (أُخرَى) كما في قوله تعالى: ((فَتُذَكِّرَ إِحدَاهُمَا الأُخرَى)) [البقرة:282] جاء بلفظ (أُخرَى) وكذلك في قوله: ((وَآخَرُونَ اعتَرَفُوا بِذُنُوبِهِم)) [التوبة:102] (آخَرُونَ) جُمِع بالواو والنون، وكذلك: ((فَآخَرَانِ يَقُومَانِ)) [المائدة:107] جيء به مُثنَّى حينئذٍ لم يُلتَزَم القاعدة الأصلية: وهي كونه يستحق الإفراد والتذكِير، هذا عُدُولٌ به عن أصله، فاستُعمِل مثنَّى ومجموعاً ومؤنَّثاً. هذا يَصدُق عليه حد العَدل أم لا؟ يَصدُق عليه حد العَدل، لأنه إذا قيل: برجلين آخرين، نقول: هذا الأصل أن يُقال: برجلين آخر، فاستعمل (آخرين) مقام (آخر) إذاً: عُدِل به في هذا المحل عن المُذكَّر المفرد إلى المثنَّى، وكذلك: ((وَآخَرُونَ اعتَرَفُوا)) [التوبة:102] الأصل أن يقول: (وآخر) وكذلك: امرأة أخرى، الأصل: بامرأة آخر، قالوا: هذا هو عُدولٌ في هذا المحل، وهذا مال إليه ابن مالك رحمه الله تعالى كما سيأتي نَصُّه.

إذاً قيل: إنه مَعدُول عمَّا كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد المُذكَّر مُطلقاً، سواءً كان الموصوف مُذكَّراً أو مؤنَّثاً، مَجموعاً أو مُثنَّى، فيلتزم الإفراد والتذكير. ما للواحد المُذكَّر بدون تَغيُّر معناه، وذلك أن (آخَرَ) من باب أفعل التفضيل، فحقه ألا يُثنَّى ولا يُجمَع ولا يؤنَّث، إلا مع الألف واللام أو الإضافة، إذا كان مُجرَّداً فَحقُه إلا يُجمع ولا يُثنَّى، ولا يُؤنَّث، إلا إذا كان مُحلاً بـ: (أل) أو مضافاً، وهنا: (آخَرَ) هذا غير مُحلاً بـ: (أل) وغير مُضاف، الأصل فيه أنه يَلتزِم الإفراد والتذكير، فعُدِل في تَجرُّده منهما واستعمَاله لغير الواحد المُذكَّر عن لفظ (آخَر) إلى لفظ التثنية والجمع والتأنيث، بحسب ما يُراد به من المعنى، فقيل: عِندي رجلان آخَرَان، ورجال آخَرُون، وامرأة أخرى، ونساء أخر. حينئذٍ كل هذه مَعدُولة، وكان القياس أن يُمنع من الصرف الجمع، لكن تَعذَّر في (آخَرَان) و (آخرُون) لأننا نَبحَث عن نيابة حَركةٍ عن حركة، و (آخران) هذا مرفوع بالألف، إذاً: لا دَخل له في باب المَنع من الصرف، و (آخرُون) كذلك لا دخل له في المنع من الصرف، بقي (أُخرَى) فيها ألف التأنيث، وقلنا: إذا وجِدَ عِلَّة غير العَدل فهي مُقدَّمة على العَدل، إذاً: ألف التأنيث تكفي فيها، لم يبق معنا إلا هذا اللفظ. ونساء أخر، فكل من هذه الأمثلة صفة مَعدُولة عن: (آخَر)، إلا أنَّه لم يَظهَر أثَر الوصفية والعَدل إلا في (أُخَر) فقط، لماذا؟ لأنه مُعرَب بالحركات، بِخلاف (آخران) و (آخرون) وليس فيه ما يَمنع من الصرف غيرُهما، بِخلاف (أخرَى) فإن فيها أيضاً ألف التأنيث، فلذلك خُصَّ (أُخَر) بنسبة اجتماع الوصفية والعَدل إليه، ومنعه من الصرف. حينئذٍ نقول: العِلَّة هنا ليست العِلَّة التي عند الجمهور، عند الجمهور كون (أُخَر) مَعدُولاً عن (الأُخَر) وهذا واضح بَيِّن، وعلى رأي ابن مالك: أن التحقيق أنه عُدِل به عن المفرد واستُعمِل جمعاً، حينئذٍ (أُخَرَ): بِنساء أُخَرَ .. ((فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:184] الأصل أن يقول: (آخَرَ) فعُدِل به إلى الجمع، فالأصل فيه أن يُستَعمل مُفرداً مُذكَّراً، فعدل به إلى الجمع، فهذا محل منع الصرف. هنا قال السيوطي في (همع الهوامع): " (أُخَر) جمع: أخرى، تأنيث (آخَر) بالفتح المجموع على (آخرين)، أمَّا كونه صفة فَلِكَونه من باب أفعل التفضيل، تقول: مررت بزيدٍ ورجلٍ آخر، أي: أنَّه أحَق بالتأخير من زيدٍ في الذكر، لأن الأول قد اعتُني به في التَقدُّم في الذكر، وأمَّا عَدله فقال أكثر النحويين إنه مَعدُولٌ عن الألف واللام، لأن الأصل في أفعل التفضيل ألا يُجمع إلا مَقروناً بهما كـ: (الكُبَر والصُغَر) - ولذلك يُغلِّطُون العَرُوضِيين: فاصلةٌ صُغرى، وفاصلةٌ كبرى - فعُدِل عن أصله وأُعطِي من الجمعية مُجرَّدَا ما لا يُعطي غيره إلا مَقروناً " على ما سَبق.

وقال ابن مالك هنا – هذا القول الآخر -: " التحقيق أنه مَعدُولٌ عن (أُخَرَ) مراداً به جمع المؤنَّث، لأن الأصل في أفعل التفضيل: أن يُستَغنى فيه بـ: (أفعَل) عن (فُعَل) " يعني: نأتي بـ: (أفعَل) مُجرَّداً مُفرداً مُذكَّراً عن (فُعَل) الذي هو جَمع المؤنَّث، حينئذٍ لمَّا استُعمِل (فُعَل) محل (أفعَل) صار عدلاً، وهذا واضحٌ بَيِّن. أن يُستغنى فيه بـ: (أفعَل) تفضيل عن (فُعَل) لتَجرُّده عن الألف واللام والإضافة، كما يستغنى بـ: (أكبَر) عن (كُبَر) في نحو: رأيتها مع نسوة أكبَر منها، هكذا تقول، ولا تقول: (كُبَر) بالجمع، وإنما تأتي بالمفرد مُذكَّراً: أكَبَر منها. كما يستغنى بـ: (أكبَر) عن (كُبَر) في نحو: رأيتها مع نسوة أكبَر منها، فلا يُثنَّى ولا يُجمع، لكونهم أوقعوا (أفعَل) موقع (فُعَل) فكان ذلك عَدلاً من مثالٍ إلى مثال، كأن العدل هنا حَصَل في استعمالٍ عن استعمال، استُعمِل (أُخَرَ .. فُعَل) مَحلَّ (أفعَل) فصار عَدلاً، وكما ترى أنها فيها نوع تَكَّلُف. وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعْتَبَرْ ... فِي لَفْظٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَأُخَرْ إذاً: عَرفنَا أن العَدل مع الوصفية يقع في بابين: - اسم العَدَد والصفات، نحو: (أُخَرْ)، والمنع في: (مَثْنَى وَثُلاَثَ) للوصفية، وهذا شأنه واضح، وفي العَدل كونه معدولاً عن: اثنين اثنين، أو ثلاث ثلاث، إلى ما ذكرناه وهو مسموعٌ من واحد إلى عشرة على الصحيح، وإنَّمَا نَصَّ الناظم هنا على أنه مسموعٌ من واحد إلى أربعة، بل لم يذكر واحد هنا (فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ) استدرك فذكر: (مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) إذاً: (مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) نقول: هذا مسموعٌ باتفاق، وما عداه ففيه خلاف، والصواب: أنه مسموعٌ كذلك. قال الشارح هنا: " مما يمنع صرف الاسم العدل والصفة، وذلك في أسماء العدد المبنية على (فُعَال) و (مَفعَل) كـ: (ثَلَاث ومثلث) فـ: (ثُلَاث) مَعدُولة عن: ثلاثة ثلاثة، و (مَثنَى) مَعدولةٌ عن اثنين اثنين، فتقول: جاء القوم ثُلَاثَ، يعني: دخلوا ثلاثة ثلاثة، ومَثنَى أي: اثنين اثنين، وسُمِع استعمال هذين الوزنين: (فُعَال) و (مَفعَل) من واحد واثنين وثلاثة وأربعة، وسُمِع أيضاً في خمسة وعشرة، خُماس ومَخمس، وعُشَار ومَعشر. وزَعَم بعضهم أنه سُمِع أيضاً في ستة وسبعة وثمانية وتسعة، نحو: سُدَاس ومَسدَس، وسُبَاع ومَسبع، وثُمَان ومَثمن، وتُسَاع ومَتسع، وهو الصحيح. ومما يُمنع من الصرف للعَدل والصفة (أُخَر) التي في قولك: مررت بِنسوة أُخَرَ، وهذا مَعدُولٌ عن (الآخَر) محلاً بـ: (أل) وعلى رأي ابن مالك: مَعدُولٌ عن (آخَرَ) يعني: بدون (أل)، إذاً: (أُخَر) جمع (أخرى) و (أخرَى) أنثى (آخَر) والقاعدة: أن كل (فُعلَى) مؤنَّثة (أفعَل) لا تُستَعمل هي ولا جمعها إلا بالألف واللام أو الإضافة، كـ: (الكبرى والصغرى، والكُبَر والصُغَر) ((إِنَّهَا لَإِحدَى الكُبَرِ)) [المدثر:35]. وتَلخَصَّ من كلام المصنف: أن الصفة تَمنع -يعني: الصرف- مع الألف والنون على ما سبق هناك: - (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) الألف والنون الزائدتين. - ومع وزن الفعل. - ومع العّدل.

وزن الفعل: (أفعَل) ومع العدل، هذه الأحوال الثلاثة تمنع من الصرف، إذا سُمي بشيءٍ من هذه الأنواع الثلاثة، وهي: ذو الزيادتين، وذو الوزن، وذو العدل، بقي على منع الصرف، يعني: فيما سبق كُلُه نكرة لم يذكُر التعرِيف، إنما هي: وصفية والزيادة .. وصفية ووزن الفعل .. وصفية والعَدل. طيب! لو سُمي رجل بـ: (مَثنَى) أو سُمي بـ: عطشان، أو سكران، لو سُمي عَلَماً بذلك يُمنع من الصرف أو لا .. زالت الوصفية .. زالت إحدى العِلَّتين، هل يُصرف؟ قلنا: وزن العدل والوصفية في (مَثنَى) مُوجبان للمنع من الصرف، لا بُدَّ منهما معاً، لو زالت إحداهما اختل الحكم، لو سُمينا به، رجل سُمي: مَثنَى، أو ثُنَاء، أو مَثلَث، يُمنع أو لا يُمنع؟ نعم، ذهبت الوَصفية وحَلَّت العَلَمِية .. ذهب مانع وحَلَّ مانع، قلنا: انتَقَل من الوصفِية إلى العَلَمية، والعَلَمية مع العَدل كما سيأتي كذلك تَمنع من الصَرف. إذاً: هذه الثلاث التي ذكرها الناظم هنا وعَرَّج عليها ابن عقيل، نقول: إذا سُمِّي بشيءٍ من هذه الأنوَاع الثلاثة، وهي: - ذو الزيادتين، يعني: زيادة الألف والنون، قلنا: عَطشَان هذا ممنوع من الصرف، لأن مُؤنَّثَه على وزن (فَعَلى) إذاً: (فَعلاَن) فإذا سُمِّي رجل (فَعلاَن .. عَطشَان) حينئذٍ نقول: هو ممنوعٌ من الصرف، لأنه بقيت الزيادة .. الألف والنون وهي مانعة مع الوصفية، ثُمَّ زَالَت الوصفِية وحَلَّت مَحَلَّها العَلَمية، وكلا الوصفية والعلمية يعتبران من موانع الصرف. - وذو العَدل، بقي على منع الصرف، لأن الصفة لمَّا ذَهَبَت بِالتسمِية خَلَفَتها العَلَمية. ثُمَّ قال رحمه الله: وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيْلَ بِمَنْعٍ كَافِلاَ هذا مما يقوم فيه عِلَّةٌ مقام عِلَّتين، وسبق أن الذي يقوم مقام علتين شيئان فقط لا ثالث لهما، وهو ما كان مختوماً بألف التأنيث مُطلقاً سواءٌ كانت ممدودة أو مقصورة .. مُطلقاً سواءٌ كانت اسماً أو صفةً .. مفرداً أو غير ذلك .. نكرة أو معرفة، فهي تمنع الصرف مع النكرة ومع المعرفة، فلا تأثير للتنكير، ولا تأثير للتعريف. هنا ذَكَر ما يُسمى بـ: (صِيغَة مُنتهَى الجُموع) وضابطه: ما كان على وزن (مَفَاعل) أو (مَفَاعِل) كل ما كان على هذا الوزن فهو ممنوع من الصرف، لقيام عِلَّة واحدة مَقَام عِلَّتَين، كونه صيغة منتهى الجموع لخروجه عن آحاد الأفراد .. المفردات هذه عِلَّة، وكونه جمعاً، وسبق أن الجمع فرعٌ عن الإفراد، وكونه خارجاً عن نظائر الآحاد، هذا يُعتبَر كذلك عِلَّة، فنظراً إلى الجهتين قالوا: عِلَّة قامت مقام العِلَّتين. وضابطه من جهة أخرى: أن يقال: "كل جمعٍ بعد ألف تَكسِيره حرفان، أو ثلاثة أحرف بينها ساكن " وهذا أولى من أن يُقال: (مَفَاعِل) و (مَفَاعيل) لأنه قَد يُظَن بأن (مَفَاعل) و (مَفَاعيل) أن يكون الجمع الممنوع من الصرف مَخصوصاً بِما كان مُفتَتَحاً بالميم وليس الأمر كذلك، لا فَرق في منع ما جاء على أحد الوزنين المذكُورَين بين أن يكون أوله ميماً نحو: مساجد ومصابيح، أو لم يكن نحو: دراهم ودنانير، فدراهم ممنوع من الصرف لكونه على وزن (مَفَاعيل) يعني: ما كان بعد ألفه .. ألف تكسيره، حرفان.

وكذلك: دنانير، هذا ممنوع من الصرف لكونه على وزن (مَفَاعيل) وهو ما كان بعد ألف تكسيره ثلاثة أحرف بينها ساكن. إذاً: إذا قيل بهذا الضابط فهو أولى، وكثير من المسائل المتَعلِّقة، بهذا المبحث هنا (مَفَاعل ومَفَاعيل) مَرَدُّه إلى عِلم الصرف، يعني: لا بُدَّ من فَهَم بعض مسائل الإعلال هناك من أجل أن تُضبَط هذه المسائل، ولن نذكرها. وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيْلَ بِمَنْعٍ كَافِلاَ (كُنْ) كن أنتَ أيُّها النَّحوِّي (كُن لِجمعٍ مُشبهٍ مَفاعِلاً أوِ المفاعيلَ) كُن: اسم كُن ضمير مستتر، خبره: (كَافِلاَ). (بِمَنْعٍ) هذا مُتعلِّق بـ: (كَافِلاَ) بِمنعٍ لأي شيء؟ لصرفه، إذاً: مُتعلِّق المنع هنا - وهو مصدر - مُتعلِّقه محذور، لمنعٍ لأي شيء؟ منعٍ لصرفه، ولذلك لا بُدَّ من التقدير، وسبق ولم ننبه عليه: وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ .. (مَنْعُ عَدْلٍ) قلنا: هذا من إضافة المصدر إلى فاعله، أين مفعوله؟ محذوف: (وَمَنعُ عَدل صَرفَ) لا بد من تقدير مفعولٍ محذوف. وهنا قال: (كَافلاً بِمنعٍ) يعني: لصرفه، (لِجَمْعٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (كَافِلاَ) و (مُشْبِهٍ) هذا صفة لـ: (جَمْعٍ). (مُشْبِهٍ مَفاعِلاً) ما إعرابه؟ (مُشْبِهٍ) أشبَه .. يُشبِه، فهو مُشبِه، (مُشْبِهٍ) اسم فاعل، وهو مُعتَمِد هنا الجمع .. الموصوف .. جاء صفةً، حينئذٍ صار عَامِلاً فيَنصِب مفعولاً به (مُشبهٍ مَفاعِلاً) (مَفَاعِلاً) هذا مفعول به لقوله: (مُشْبِهٍ) أو المفاعيل مَعطوفٌ عليه (بِمَنْعٍ كَافِلاَ) كافلاً بِمنعٍ. إذاً: (وكُن كافلاً بِمنع لِصرف جَميعٍ مُشبهٍ مَفَاعِلا، أو المفَاعِيل) فـ: (بِمَنْعٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (كَافِلاَ) و (لِجَمْعٍ) كذلك مُتعلِّق بقوله: (كَافِلاَ) يعني: أنَّ مِمَّا يمنع من الصرف الجمع المشبِه (مَفَاعِل) أو (مَفَاعيل). ودَلَّ بقوله: (مُشْبِهٍ) أنه لا يُشترط أن يكون مبدوءً بِميم، بل قال: ما أشبه هذين اللفظين، حينئذٍ يفهم أن الحكم ليس خَاصَّاً بما كان مفتتحاً بالميم، يعني: أن مما يَمنع من الصرف الجمع المُشبِه (مَفَاعل) أو (مَفَاعيل) كَون أوله مفتوحاً، وهذا شرط: دراهم ودنانير، كون أوله مَفتوحاً، وثَالِثه ألفاً غَيَر عِوضٍ، يليها كسر غير عارضٍ، مَلفُوظ أو مُقدَّر على أول حرفين بعدها، أو ثلاثة أوسَطُها ساكن غَير مَنوي به وبما بعده لانفصال، فإن الجمع متى ما كان بهذه الصفة كان فيه فرعية اللفظ بِخروجه عن صِيَغ الآحاد العربية، لأنه قد يكون جَمع جَمعٍ، وقد يكون جَمعاً فقط. قد يكون جَمع جَمعٍ ولذلك يُعبَّر عنه بـ: (صيغة منتهى الجموع) الجمع: جمع المفرد على نوعين: - جمعٌ قياسي. - وجمعٌ سماعي، ولذلك المضبوط في باب الصرف في جمع التكسير قليل، والذي لا يَنضَبِط كثير، يعني: الخارج عن القياس أكثر مما يدخل تحت الضوابط، ولذلك قال بعضهم: جمع التكسير كله سماعي، ليس فيه قياس، لأن القَواعد المُقعَّدة كما سيأتي في مَحله .. في جمع التكسير، القَواعد المُقعَّدة ما يَخرُج عنها أكثر مِمَّا يدخل تَحتها، وهذا يقوي القول بأنه سماعي.

على كلٍّ: الجمع الأول للمفرد: منه ما هو قياسي، ومنه ما هو سماعي، ثُمَّ هذا الجمع قد يطرأ عليه جَمعٌ فيُجمَع الجمع، وهذا كله سماعي، يعني: لا بُدَّ من الرجوع إلى نَقل الأئمة والحكم على كون هذا جَمع جَمعٍ، حينئذٍ لا بُدَّ من الرجوع إلى المعاجم، فيحكم على كون هذا الجمع جمع جمعٍ، لأن الجمع قد يُجمع، ثُمَّ الجمع قد يُجمع مرة ثالثة. كان فيه فَرعِية اللفظ بِخروجه عن صِيَغ الآحاد العربية، لا يُوجد مُفرد على هذا الوزن (مَفَاعل) و (مَفَاعيل) إلا (سراويل) كما سيأتي، وهو مُفرَد لكنه أعجمي. وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية فاستحقَّ منع الصرف، إذاً: عِلَّةٌ قامت مَقَام العِلَّتين: - كونه جمعاً، وهذا واضح أنه فرعٌ عن المُفرَد، وهذا لا إشكال فيه .. مُتَّفَق عليه، - والعلة الثانية: كونه خارجاً عن صِيَغ الآحاد، يعني: المفردات الوزن هذا (مفاعل) و (مفاعيل) لا نضير له، كونه خارجاً جعلوه مقام علتين، ولذلك نقول: اتفقوا على أنَّ إحدى العِلَّتين هي الجمع وهذا مُتَّفَق، لأنها واضحة بَيِّنة لا تحتاج، وهي عِلَّةٌ فرعية بالمعنى، دلالة على الجمعية، واختلفوا في العِلَّة الثانية، ما هي؟ لا بُدَّ، لأنه لا يكون عِلَّة واحدة لا تقوم مَقَام عِلَّتين أو لا تكون مع عِلَّة أخرى مستقلة ويكون مانعاً من الصرف، لا يُمنع إلا بوجود عِلّيَتين، لأنه إنما أشبَه الفعل في دلالة الفعل على عِلَّتين: إحداهما لفظية، والأخرى معنوية. لا بُدَّ أن يوجد في الاسم من أجل أن يُلحق بالفعل، فيمنع من التنوين والخفض بالكسرة لوجود هاتين العِلَّتين، إن ظهرت فبها ونعمت، وإن لم تظهر لا بُدَّ أن نأتي بعِلَّة من أجل أن نحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصرف، لمَّا وجدوا ألف التأنيث لوحدها (صحراء) ليس فيه إلا ألف التأنيث، تَكلَّفوا عِلَّة أخرى، ولذلك يختلفون في أيهما اللفظية والأخرى المعنوية. وكذلك الجمع هنا مصابيح ومساجد ونحوها ممنوعة من الصرف، قالوا: العِلَّة الظاهرة أنه جمع، والجمع فرعٌ عن الإفراد، هذا واضح بَيِّن، ما هي العِلَّة الثانية؟ لا بُدَّ من إيِجاد علة، ولذلك اتفقوا على أن إحدى هي الجمع لظهورها ووضحوها، واختلفوا في العِلَّة الثانية، فقال أبو علي الفارسي: " هي خروجه عن صِيَغ الآحاد، وهذا هو المُرجَّح عند المتأخرين ". أبو علي الفارسي، أحياناً يُقال: قال الفارسي، وأحياناً يقال: قال أبو علي، من النحاة، لا تظن أنهما رجلان بل هو واحد، وأحياناً يجمع بينهما: قال أبو علي الفارسي وهذا قليل، لكن قد يطلق بالكنية، وقد يأتي باللقب. فقال أبو عليٍ: " هي خروجه عن صيغ الآحاد" وهذا هو المُرجَّح عند المتأخرين، وهو معنى قولهم: إن هذه الجَمعِية قائمةٌ مقام عِلَّتين: - العِلَّة الأولى الجمعية .. من جهة المعنى، العلة الثانية خروجه عن نظائره - عن صِيَغ الآحاد -.

- وقيل العِلَّة الثانية: تَكرار الجمع، ولذلك يُسمى: صيغة مُنتهى الجموع، (مُنتهى) يعني: وقف الجمع عندها، فلا يُجمع مرةً أخرى، فحينئذٍ نقول: تَكرار الجمع قد يكون ظاهراً، مثل: (أكلُب وأكَالِب) كَلب .. أكلُب .. أكَالِب، (كَلب) يُجمع على (أكلُب) هذا الجمع الأول، (أكلُب) نفسه يُجمع على (أكَالِب) تَكرار الجمع واضح بَيِّن، لكن (مَسَاجِد) ليس فيه تَكرار، يُقدِّرون فيه التَكرار من أجل ماذا؟ من أجل أن تصلح العِلَّة وتكون تامة. وقيل: العلة الثانية: تَكرار الجمع تَحقيقاً أو تَقدِيراً، ودائماً هذا تَجد: تحقيقاً أو تَقدِيراً، لأنه لا بُدَّ من شواذ تَخرج عن التحقيق، لا بُدَّ من أدخالها مرة أخرى في القاعدة، فقالوا: أو تقديراً، فيُتَكلَّف لها في كيفية الدخول. تَكرار الجمع تحقيقاً أو تَقدِيراً، فالتحقيق نحو: (أكلُب) (أكَالِب) جمع الجمع، التَكرار واضح بَيِّن، يعني: جُمع مرتين. و (أرَاهِط) إذ هُما جمع: أكَلُب وأرهُط، والتقدير في نحو: مساجد ومنابر، هذا مُكَرَّر كأنه كُرِّرَ مرة أخرى. و (منابر) فإنه وإن كان جمعاً من أول وهلة، لكنه بِزِنة ذلك المُكرَّر وهو: (أكَاَلِب وأرَاهِط) فكأنه أيضاً جُمِع مرة أخرى فيكون جمع جمعٍ، وهذا اختيار ابن الحاجب. لأن (مَسَاجِد) جاء على وزن (مَفَاعِل) و (مَفَاعِل) يكون مُكرَّراً كأنه كُرِّرَ مرةً أخرى، هذا فيه تَكلُّف ولذلك القول الأول أرجح: أنَّ العِلَّة الثانية هي خروجه عن صيغ الآحاد، يعني: لا يوجد في المفردات ما هو على زِنَة (مَفَاعل) أو (مَفَاعِيل) وأمَّا بالتَكرار نقول: هذا فيه نظر، لأنه قد يَتخَلَّف عن بعضها (مَسَاجِد) لم يُجمع، فكيف حينئذٍ نقول: هو مُكرَّر؟ ثُمَّ نُقعِّد قاعدة وهي: أن جمع الجمع سَماعي، وهذا يكاد يكون اتفاق، وأمَّا الجمع نفسه فهذا مختلفٌ فيه. إذاً: وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيْلَ بِمَنْعٍ كَافِلاَ (كُن كافلاً بِمنعٍ) يعني: لصرف، (لِجَمْعٍ مُشْبهٍ مَفَاعِلاً .. أَوِ المَفَاعِيلَ) هذان الوزنان، موازنة هذين الجمعين وكلاهما لا نظير له في الآحاد، وهي مُستقلة بِمنع الصرف أيضاً، كما أنَّ ألف التأنيث مستقلةٌ بِمنعٍ الصرف، إذ الاسم بها فرعٌ من جهة الجمعية وجهة عدم النظير بخلاف سائر الجموع، فإنها قد يوجد لها نظير في الآحاد، يعني: قد تأتي -كما يأتي معنا إن شاء الله-: أنَّ زِنَة جَمع التكسير قَد يكون مثله وزنٌ في الآحاد، يعني: في المفردات، وأمَّا هذه لا، خَرَجت عن الآحاد فلا نظير لها. ولا يُشتَرط أن يكون في أوله ميمٌ زائدة، بل أن يكون أوله حرفاً مفتوحاً، أيَّ حرفٍ كان، وأن يكون بعد ألف الجمع حرفٌ مكسورٌ لفظاً أو تقديراً، وهذا على مذهب سيبويه، اشتراط كَسر ما بعد الألف، مذهب سيبويه والجمهور، يعني: (مفاعِـ) لا بُدَّ أن يكون ما بعد ألف مكسور (مَفَاعِيل) فلو لم يكن مَكسوراً لم يُمنع من الصرف.

وأن يكون بعد ألف الجمع حرفٌ مكسورٌ لفظاً أو تقديراً، لفظاً واضح: (مَسَاجِد .. مَصَابِيح) وأمَّا التقدير، فنحو: (دوآب) أصله: (دوابِب) ما بعد الألف مكسور وهو الباء، ثُمَّ أرِيد إدغامها في الباء الثانية، سُلِبَت ثُمَّ أدغمت، إذاً: هو مكسور لكنه مُقدَّر: (دوابَّ) مُشدَّد ما بعد الألف، حينئذٍ نقول: هو مكسورٌ في التقدير، لأن هذا أصله. فإن كان الساكن بعد الألف لا حَضَّ له في الحَرَكة نحو: (عَبالَّ) جمع: عَبَالَّةٍ وهي: الثِّقَل، و (حَمارَّ) جمع: حَمَارَّةٍ، يُقال: حَمَارَّة القيض: شِدَّة حره، فمصروف، لماذا؟ لأن: (عَبالَّ) ما بعد الألف ما هو؟ ساكن ليس مُتحرِّكاً، ونحن نشترط أن يكون مُتحرِّكاً، ومُتحرِّكاً بالكسر، وهنا ساكن (عَبالَّ .. حَمارَّ) نقول: الأول مُدغَم في الثاني، وهو ساكن فَدَّل على أنه ليس مكسوراً، فحينئذٍ هذا يكون مصروفاً لِتخلُّف الشرط، هذا مذهب سيبويه والجمهور. وذهب الزَجَّاج إلى أنه لا يشترط ذلك، يعني: لا يشترط أن يكون ما بعد ألفه مكسوراً، فحينئذٍ (حَمارَّ وعَبالَّ) يكون ممنوعاً من الصرف عند الزَجَّاج، ولا يُعتَدُّ في هذا الوزن بكسرةٍ عارضة، لا بُدَّ من أن تكون الكسرة أصلية احترازاً من نحو: تَوانٍ وتَغازٍ، لأن (تَوانٍ) الكسرة هنا من أجل أن تَصِح الياء، لأنه على وزن (تَفَاعُل) أصله: (تَوانِيُ) لو قيل بالضمَّة على النون وجب قلب الياء كسرة لأنه من التواني، أصله: (توانِيُ) ما يأتي (نِيُ) لكن نقول: الياء بعد الضمة، فأصله على وزن: (تَفَاعُل) حينئذٍ أصله (تَواني) النون هُنا مَضمُومة. إذاً: ياءٌ ساكنة قبلها ضمة، فيجب قلب الياء .. إذا سَكَنَت الياء وضُمَّ ما قبلها وجَبَ قلب الياء واواً، فراراً من هذه العِلَّة قلبنا الضَمَّة كسرة، فقيل: (توانٍ) يعني: دخل التنوين فحذفت الياء، ومثله: (تَغازٍ) أصله: (تغازُي)! على كلٍّ: الواو الساكنة قبلها ضَمَّة، فوجب قلب الياء واواً، حينئذٍ وجب قلب الضَمَة كسرة لتَصِح الياء. فإن الكسرة فيهما مُحوَّلةً عن ضَمَّةٍ لاعتلال الآخِر، إذ أصله: (تَفَاعُل) بِضمِّ العين، مصدر (تَفَاعَل) (تَوانِي). ولا ياء النسب نحو: (مدائني وحواري) لأن الياء هذه عارضة كما سيأتي، ياء النسب يجب أن يكون ما قبلها مكسور: (قُرَشِيٍّ) -في بعضه سيأتي-. لوجود ياء النسب فيهما قبل الجمع، ولا بألفٍ مُعوَّضَة من ياء النسب، نحو: (يمانٍ وشامٍ) فإنهما مصروفان، لأن الألف عِوَضٌ من يَاء النَسب والأصل: (يَمنِي وشَامِي) ويأتي في مَحلِّه.

ولو دخلت التاء هذا الجمع صُرِفَ - التاء .. تاء التأنيث - لو دخلت هذا الجمع ما كان على وزن: (مَفَاعل أو مَفَاعِيل) صُرِفَ، يعني: ارتفع المنع من الصرف، نحو: (صَيَاقِلةٌ) لأنه بدخولها أشبه المفردات، نحو: (كَرَاهية) إذاً: كل جَمعٍ أرِيد صَرفُه من هذه الأوزان (مَفَاعل ومَفَاعِيل) حينئذٍ أَدخل عليه التاء، إذا صَحَّ لغةً حينئذٍ يكون مَصرُوفاً، ولو حُذفت التاء من كلمةٍ فبقيت بوزن هذا الجمع مُنِعَت الصرف على العَكس، الممنوع من الصرف إذا دَخَلَت عليه التَاء صَرَفَته، ولو كان هو مختوماً بالتاء ثُمَّ حُذِفت التاء كـ: (عَلَانِية) حينئذٍ لو حذفت التاء صار: (عَلَانيَ) مَنَعتَه من الصرف لأنه صَار على وزن (مَفَاعِل). ولو حُذِفَت التاء من كلمةٍ فبقيت بوزن هذا الجمع مُنِعَت الصرف، كأن يُسمَّى رجل: (عَلَاني) من (عَلَانيةٍ) ولو سُمِّي بهذا الجمع كـ: (مَساجِد) .. سَمَّيت رجلاً (مَساجِد) فلا خلاف في منع صَرفِه، وقد مَنَعَت العرب: (شَراحِيل) من الصرف وهو جَمعٌ سُمِّي به رجل، يعني: اجتمع فيه العَلَمية والجمع. وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيلَ بِمَنْعٍ كَافِلاَ قوله (لِجَمْعٍ) هذا اعتُرِض لأنه قد لا يكون جَمعاً، وأرادوا به المنقول أو نحو: (سَرَاوِيل) لأن سَرَاوِيل مفرد، وهو ممنوع من الصرف لكونه مشبهاً (مَفَاعِيل) إذاً: هو مُفرَد، وأنت تقول (وَكُنْ لِجَمْعٍ) وهو ليس بِجمعٍ، كذلك لو سُمِّي به رجل (مَصَابِيح) سَمَّيت رجلاً، صار ليس بِجمعٍ .. صار مُفرداً، فكيف يُقال بأنه لجمعٍ؟ اعتُرِضَ بأن الجمعية ليست شرطاً، بل كل ما كان على هذين الوزنين، واستوفى الشروط المذكورة مُنِعَ صَرفُه، وإن فُقِدَت الجمعية كان الأولى أن يقول: (للفظٍ) يعني: وكُن للفظٍ مُشبهٍ مَفاعِلاً، هذا أولى ليَعُمَّ ما ذَكَرُوه. ويُجاب: بأن الجمع في كلامه تَمثِيلٌ لا تقييد، وإنما نظر إلى الغالب والأكثر، بل نَظَر إلى الأصل، إذاً لم يوجد من المُفرَد أصالةً إلا سَرَاويِل فقط، والبقة كله جَمع، إذاً: لماذا يَعتبِر هذا المفرد .. هو واحد لماذا يَعتبِره؟ ثُمَّ ما نُقِل للعلمية، هذا خلاف الأصل، الأصل اعتباره قَبَل النقل، فإذا نُقِل هذا صار فرعاً. ويُجاب: بأن الجمع في كلامه تَمثِيلٌ لا تقييد، بدليل قوله: وَلِسَرَاوِيلَ المنع، وإنما آثر الجمع بالتمثيل لأنه الغالب في الوزنين. قال الشارح هُنا: " هذه العِلَّة الثانية التي تَستَقل بالمنع، وهي الجمع المتناهي – وعرفنا المراد بالجمع المتناهي – لَكنَّه ليس مُطَّرِداً، الاسم هذا ليس مُطَّرِداً، في جميع ما كان على وزن (مَفَاعِل ومَفَاعِيل) وإنما يَصِح فيما إذا جُمع الجمع، إلا إذا قلنا بأن الجمع انتهى عِنَد: (مَسَاجِد ومَنَابِر) فلم يُجمع مرةً أخرى فلا إشكال فيكون مُطَّرداً.

وضابطه: كل جَمعٍ بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة، أوسطها ساكن نحو: (مَسَاجِد ومَصَابِيح) ونَبَّه بقوله: (مُشْبِهٍ مَفَاعِلاً أَوِ المَفَاعِيْلَ) على أنه إذا كان الجمع على هذا الوزن مُنِع، وإن لم يكن في أوله ميم، فيدخل (ضَوَارِب) ونحوه، فإن تَحرَّك الثاني صُرِف نحو: (صَيَاقل) تَحرَّك الثاني، وهذا متى يَتَحرَّك؟ إذا دخلت عليه تاء التأنيث، ولذلك مَثَّلُوا: (صَيَارِف وأشَاَعِر، وأحَامِر، وعبَاقِر، ومَيَاثِر، وغَسَاسِن) ونحو ذلك، نقول: هذا إذا دَخَلت عليه تاء التأنيث، هذا الضابط فيه، وأمَّا إذا تَحرَّك هكذا .. فإن تَحرَّك الثاني، يعني: الثاني بعد الألف فيما إذا اشتُرِط فيه ثلاثة. فإن تَحرَّك الثاني بعد الألف صُرِفَ نحو: (صَيَاقِل): وَذَا اعْتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِي ... رَفْعَاً وَجَرّاً أَجْرِهِ كَسَارِي يعني: ما كان مُعتلاً مَختوماً بياء مما كان على وزن (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل) ولا يكون في لسان العرب مَختوماً بواو، وإنما دائماً يكون مَختوماً بالياء، حينئذٍ قال في حالتي الجر والإضافة: (أَجْرِهِ كَسَارِي) (سَارٍ) هذا ليس بجمع ممنوع الصرف، وإنما المراد به أن يكون مَحمُولاً على: (سارٍ وقاضٍ) في كونه يُنوَّن وتحذف الياء للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، ولذلك (جواري) بعد ألف تَكسيِره حرفان، (غواشي) بعد ألف تَكسيِره حرفان، نحن نقول: (غَوَاشٍ وجَوَارٍ) حينئذٍ هو ممنوعٌ من الصرف ويدخله التنوين، وسبق معنا أن تَنوِين العِوَض وكذلك تنوين المقابلة يدخلان المصروف وغير المصروف، فإذا وجد التنوين فحينئذٍ في نحو: (عَرَفاتٍ) نقول: هذا ممنوع من الصرف، كيف دخله التنوين، ونحن نقول: ممنوع من الصرف، أي: التنوين؟ نقول: الممنوع من الصرف الذي هو تنوين الصرف .. تنوين التمكين، وليس بتنوين المُقابَلة وتنوين العِوَض، وأمَّا: (مُسلِمَات) و (أذرِعَات) فالتنوين فيه تنوين مُقَابَلة، و (جوارٍ) و (غواشٍ) مَمنوع من الصرف، حينئذٍ كيف يكون ممنوعاً من الصرف وقد دخله التنوين، والمنع من الصرف هو المنع من التنوين؟! نقول: هو ممنوعٌ من الصرف، وهو تنوين الصرف اللاَّحِق للأسماء المُعرَبة المُنصرِفة، وهذا التنوين الذي في (جوارٍ) و (غواشٍ) تنوين عوضٍ عن حرفٍ، وتنوين العوض عن حرف وعن كلمة يدخل في المُنصرِف وغيره، على جهة الإجمال. هنا قال: (وَذَا اعْتِلاَلٍ مِنْهُ) (وَذَا) هذا منصوبٌ على الاشتغال: أجرِ ذَا اعتِلالٍ (مِنْهُ) هذا مُتعلِّق بقوله (اعْتِلاَلٍ) (مِنْهُ) الضمير يعود إلى (جَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاً أَوِ المَفَاعِيْلَ)، (وَذَا اعْتِلاَلٍ مِنْهُ) يعني: من الجمع المُتقَدِّم (كَالجَوَارِي) حالٌ من (ذَا اعْتِلاَلٍ). (رَفْعَاً وَجَرَّاً) منصوبان بِنَزع الخافض، يعني: في حالة الرفع وفي حالة الجر، وسَكَتَ عن حالة النصب لأنها على الأصل، تبقى الياء وتظهر الفتحة عليها. (رَفْعَاً وَجَرَّاً أَجْرِهِ كَسَارِي) إذاً: مراده بهذا البيت أن يُبيِّن -كالاستثناء مما سبق- في أن ما كان على وزن (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل) يدخله تنوين العِوَض عن الحرف، يعني: ما كان من الجمع الموازن (مَفَاعِل) مُعتلاً فله حالتان:

الأولى: أن يكون آخره ياءً قبلها كسرة نحو: (جوارٍ) و (غواشٍ). النوع الثاني من (مَفَاعِل): أن تُقلب ياؤه ألفاً نحو: (عَذَارَى) و (مَدَارَى) يعني: تَحرَّكَت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، وكذلك في (مَدَارَى). والشاهد هناك في الأول، الأول الذي يكون آخره ياءً قبلها كسرة، نحو: (جوارٍ) و (غواشٍ)، الأول هذا النوع وهذا هو الغالب فيه: أن تبقى الكسرة كما هي: (جوارِي .. غواشِي) فإذا خلا من (أل) والإضافة، حينئذٍ هو مَمنوعٌ من الصرف، يجري في رفعه وجَرِّه مَجرَى (قاضٍ وسارٍ) .. إذا خلا من (أل) والإضافة والكسرة باقية في نحو (جوارٍ) و (غواشٍ) نقول: يجري في رفعه وخفضه قاضٍ في الرفع والجر وَنَوِّنِ المُنَكَّرَ المَنقُوصَا ... فِي رَفْعِهِ وَجَرِّهِ خُصُوصَا إذاً: في هاتين الحالتين تبقى الياء، ثُم تبقى الكسرة على ما هي، كما سيأتي. يَجري في رَفعه وجَرِّه مَجرى (قاضٍ وسارٍ) في حذف ياءه وثبوت تنوينه، نحو: ((وَمِن فَوقِهِم غَوَاشٍ)) [الأعراف:41] (غَوَاشٍ) حذفت الياء للتَخلُّص من التقاء الساكنين، ((وَالفَجرِ * وَلَيَالٍ عَشرٍ)) [الفجر: 1 - 2] وفي النَصب يَجرى مَجرى (دَرَاهِم) يعني: تبقى على ما عليه الفتحة في سلامة آخره، وظهور الفتحة نحو: ((سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ)) [سبأ:18] هناك قال: ((وَالفَجرِ * وَلَيَالٍ)) [الفجر: 1 - 2] حَذَف الياء ونَوَّن، وهنا قال: ((لَيَالِيَ)) [سبأ:18] ما الفرق بينهما؟ نقول: هُنا (لَيَالِيَ) في حالة النَصب، تبقى الياء كما هي فيُعَامل مُعَامَلة (دَرَاهِم) مثل: رأيت قَاضياً، تبقى الياء، والتنوين هذا تَنويِن صرف، وليس بِتنوين عِوَض عن حرف على الصحيح، وأمَّا هذا (قاضٍ) ومررت بِقاضٍ حينئذٍ تُحذف الياء والتنوين يكون تنوين صَرفٍ، والحذف إنما يكون للتَخلُّص من التقاء الساكنين. والثاني الذي هو (عَذارَى) و (مَدارَى) يُقدَّر إعرابه ولا يُنوَّن، هذا لا إشكال فيه واضح، يُقدَّر إعرابه ولا يُنوَّن بِحال، ولا خلاف في ذلك، وهذا خرج من كلامه بقوله: (كَالجَوَارِي) حينئذٍ (عَذارَى) و (مَدارَى) لم يَقصِده الناظم، لأن الياء انقَلَبت ألفاً، كل جَمعٍ مُعتَل بالياء وهو مِمَّا على صيغة (مَفَاعِل) فقلبت الياء ألفاً حينئذٍ لا يُنوَّن وإنما يُنوَّن ما بقيت فيه الياء ولم تُقلَب ألفاً، والكسرة على حالها قبل الياء، فحينئذٍ في حالة الرفع والجر يكون مُنوَّناً، وأمَّا في حالة النصب فيبقى على أصله. تنوين (جوارٍ وغواشٍ) تنوين عِوَضٍ عن الياء المحذوفة في حالتي الرفع والجر، وهذا في كل اسمٍ ممنوعٍ من الصرف منقوصٍ كـ: (عَوَادٍ) و (أعَيمٍ): تصغير أعمى، (يُعَيلٍ): تصغير يعلى، يَبقى التنوين. ومذهب الجمهور على تقديم الإعلال على منع الصرف، يعني: أولاً أعِلَّ، ثُمَّ بعد ذلك مُنِع من الصرف، وجهه أن يُقَال: بأن منع الصرف مُتعلِّقٌ بِحال الكلمة، وأمّا الإعلال مُتعلِّقٌ بجوهر الكلمة، لأن الإعلال قلب حرف أو حذفٌ وهذا مُتعلِّق بِجوهر الكلمة، وأمَّا كونه ممنوعاً من الصرف فهذا صفة، حينئذٍ إذا اختُلِف أيهما أولى – والخلاف موجود – هل الإعلال مُقدَّم على منع الصرف، أو منع الصرف مُقدَّمٌ على الإعلال؟

الجمهور على أن الإعلال مُقدَّم على منع الصرف، إذاً: أُعِلَّ أولاً ثُمَّ مُنِع من الصرف، لماذا قلنا بهذا؟ لأن الإعلال مُتعلِّقٌ بذات الكلمة .. بِحرفها .. بِجوهرها، وأمَّا منع الصرف هذا مُتعلِّقٌ بِحال الكلمة. إذاً: مذهب الجمهور على تَقديم الإعلال على منع الصرف لِتعلُّق الإعلال بجوهر الكلمة، بِخلاف منع الصرف فإنه حَالٌ للكلمة، فأصل (جَوَارٍ): (جَوارِيٌ) ياءٌ مضمومة مع التنوين، لا تَقُل: ممنوع من الصرف ولا يدخله التنوين لا، ما نظرنا إلى الصرف، أولاً تقول: (جَوارِيٌ) بالضَمِّ والتنوين، واستُثقِلت الضمَّة على الياء فحُذِفت، ثُمَّ حُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين. إذاً: (جَوارِيٌ) ياءٌ مضمومة مع التنوين، أول خطوة تقول: هو باقٍ على أصله، قبل أن تنظر فيه من جهة منع الصرف، فتقول أصله: (جَوارِيٌ). الخطوة الثانية تقول: استثقِلَت الضمَّة على الياء ثُمَّ حُذِفَت، فصارت الياء ساكنة، حينئذٍ التقى ساكنان الياء والتنوين، حذفت الياء لِمَا ذكرناه سابقاً: أنه حرف عِلَّة وقبله مَا يَدل عليه، صار (جوارٍ) بعد الحذف .. إذاً: سَبَق الإعلال هُنا، بعده تنظر إلى كون (جَوَارِي) على وزن (مَفَاعِل) فتمنعه من الصرف، كيف يكون على وزن (مَفَاعِل) والياء محذوفة؟ قالوا: الياء محذوفة هنا لعلةٍ تصريفية، والمحذوف لعلة تصريفية كالثابت .. كالموجود، فالياء كأنها موجودة، فكأنك قلت: (جَوَارِي) فلاحظت فيه صيغة منتهى الجموع فمنعته من الصرف. إذاً: ذهب السبب المقتضي لحذف الياء، إذاً: سترجع الياء، لأن الياء إنما حذفت بسبب التنوين، ونحن منعناه من الصرف، إذاً: سترجع الياء، قالوا: قطعاً لطمع رجوع الياء نأتي بِعِوَضٍ عن هذه الياء، ولذلك قيل: بأن هذا التنوين تنوين عِوَض، يعني: لئلا ترجع الياء طَلباً للخفة - من جهة اللفظ والمعنى كما سيأتي – طَلباً للخفة، فقطعاً لطمع رجوع الياء جئنا بالتنوين عِوَضاً عن هذه الياء، ليبقى السبب الموجب لحذفها، حينئذٍ صار الإعلال مقدماً على منع الصرف. إذاً: أصل (جَوَارٍ) (جواريٌ) بالضَمِّ والتنوين، استثقلت الضمَّة على الياء فحُذِفت، ثُمَّ حُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين، ثُمَّ حُذِفَ التنوين لوجود صيغة منتهى الجموع تقديراً، لأن المحذوف لعلة كالثابت، فخيف رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المُنصَرِف المُستَثقَل لفظاً لكونه منقوصاً، ومعنىً لكونه فرعاً، هذه عِلَّة حذف الياء، لماذا نَحذفها والتنوين قد أُزِيل والأصل أنها ترجع؟ قالوا: لا، الممنوع من الصرف ثقيل من جهة المعنى لأنه جَمع، ومن جهة اللفظ، فالياء حينئذٍ الأولى أن تُحذف.

فخيف رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المُنصَرِف المُستَثقَل لفظاً لكونه منقوصاً، لأن المنقوص ثقيل آخره ياءٌ ساكنة، ومعنىً لكونه فرعاً، فعوضوا التنوين من الياء لينقطع طَمَع رجوعها، هذا تعليل، وهذا المشهور عِنَد المتأخرين، بأن الإعلال سابقٌ على الصرف. أو للتخفيف، يعني: حُذِفَت الياء تَخفيفاً، بناءً على حَمل مذهبهم على تقديم منع الصرف على الإعلال، فأصله بعد منع صرفه (جَوارِيُ) هذا الأصل بدون تنوين .. بإسقاط التنوين، استُثقِلَت الضمَّة على الياء فحُذِفَت، أصله: (جَوَارِيُ) ممنوع من الصرف، استُثقِلَت الضمَّة على الياء فحُذِفَت، ثُمَّ حُذِفَت الياء تخفيفاً وعُوضَ عنها التنوين لئلا يكون في اللفظ إخلال بالصيغة. هذا مذهب سيبويه والجمهور: أن التنوين عِوَض عن الياء، في كلا القولين، سواءٌ قلنا الإعلال مُقدَّم على منع الصرف أو بالعكس، فالتنوين في الحالين عِوضٌ عن الياء. ومذهب المبَرِّد والزجَّاج: أنه عِوضٌ عن حركة الياء، التنوين في (جَوَارٍ، وغَوَاشٍ) ليس عِوضاً عن الياء بل عِوضٌ عن الحركة. ومنعُ الصرف مُقدَّم على الإعلال، فأصله بعد منع صرفه (جَوَارِيُ) بإسقاط التنوين، استثقلت الضمَّة على الياء فحذفت، وأتي بالتنوين عوضاً عنها، وهذا غريب لأن التنوين لا يُعَوَّض عن حَرَكَة، وإنما يُعوَّض به عن حرفٍ. ثُمَّ حُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين. إذاً: التنوين جيء به عوضاً عن الحركة، ثُمَّ التقى ساكنان: الياء والتنوين، فحُذِفَت الياء لالتقاء الساكنين، وكذا يُقال في حالة الجر على الأقوال الثلاثة. وَذَا اعَتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِيَ ... رَفْعَاً وَجَرّاً أَجْرِهِ كَسَارِي أَجْرِهِ: يعني: ما سبق، (كَسَارِي)، فإذا قلت: مررت بِجوارٍ، فعلامة جَرِّه فتحة مُقدَّرة على الياء، مررت بِجوارٍ (جَوَارٍ) تقول: هذا اسمٌ مَجرور بالباء، وجَرُّه فتحة مُقدَّرة على الياء نيابةً عن الكسرة، لأنه غير مُنصَرِف، وإنما قُدِّرَت مع خفة الفتحة لأنها نَابت عن الكسرة، بعضهم رأى: أنه إذا كان الفتحة لا تظهر، لماذا نقول: عِوَض .. لماذا لا نأتي بالأصل؟ نقول: لا، كونها نائبةً عنها فيه ثِقَل. وإنما قُدِّرَت مع خفة الفتحة لأنها نابت الكسرة فاستُثقِلَت لنيابتها عن المُستَثقَل، وقد ظهر أن قول الناظم: (كَسَارٍ) إنما هو في اللفظ فقط، وليس المراد أنه ممنوع من الصرف، لأن (سَارٍ) هذا اسم فاعل كـ: (قَاضٍ) فالمراد به أنه مِثلَه في اللفظ، فالتشبيه حينئذٍ يكون تشبيه لفظٍ بلفظٍ فقط دون التقدير، لأن (سَارٍ) كـ: (قاضٍ) مُنصَرِف فجرُّه كسرة مُقدَّرة، وتنوينه تنوين التمكِين لا العِوَض لأنه مُنصَرِف. إذاً فرقٌ بين: (جَوَارٍ) و (سَارٍ)، (جَوارٍ) هذا ممنوعٌ من الصَرف و (سَارٍ) مصروف، (جَوَارٍ) التنوين فيه عِوَض عن حرف، و (سَارٍ) تنوين صَرفٍ .. تنوين تَمكِين. وَذَا اعَتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِيَ ... رَفْعَاً وَجَرّاً أَجْرِهِ كَسَارِي قلنا: سكت عن حالة النصبِ ففُهِم منه أنه على الأصل كالصحيح. إذاً: قوله: (كالجوَارِي) احتَرَز به مِمَّا إذا قلبت الياء ألفاً كـ: (العَذَارَى) و (المَدَارَى) هذا يبقى على الأصل.

فإذا كان (مَفَاعِل) منقوصاً فقد تُبدل كسرته فتحة فتنقلب ياؤه ألفاً، فلا يُنوَّن نحو: (عَذَارَى) و (مَدَارَى). وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ ... شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ الْمَنْعِ (سَرَاويلَ) هذا خبر .. جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، و (شَبَهٌ) هذا مبتدأ مؤخر، (شَبَهٌ بِهذا الجمع) .. (ولِسرَاوِيل شَبَهٌ بِهذا الجَمع) أيُّ جمعٍ؟ صيغة منتهى الجموع، اقْتَضَى هذا الشَبَه (عُمُومَ الْمَنْعِ) يعني: عموم منع الصرف في جميع الاستعمالات، فلا يُقال: بأنه يُصرَف أو أنه يَحتمل الوجهين كما قاله بعضهم، حينئذٍ (لِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ شَبَهٌ) إذاً: لَمَّا أشبَه هذا اللفظ وهو لفظ (سَرَاوِيلَ) ما كان على وزن (مَفَاعِيل) حينئذٍ اقتضى أن يمنع من الصرف. (سَرَاوِيلَ) اسم مُفرد أعجمي، جاء على وزن (مَفَاعِيل) فمُنِع من الصرف لشبهه بالجمع في الصيغة المعتَبَرة، لِمَا سَبَق: أن (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) لا يكونان في لسان العرب إلا لجمعٍ، أو منقولٍ من جَمعٍ، (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل) إمَّا أصالةً أو فرعاً، أصالةً: أن يكون المراد به حقيقة الجمع، أو أن يكون منقولاً عن الجمع فيُسمَّى به، فَحقُّ ما وازنهما أن يُمنع من الصرف، وإن فُقِدت منه الجمعية إذا تَمَّ شَبَهه بهما. حينئذٍ نقول: ما كان على وزن (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل) مُطلقاً يُمنَع من الصرف، سواءٌ كان باقياً على الجمعية، ولذلك قيل: (وكُن لِجَمعٍ) اعتُرِض هنا، لأنه قد لا يكون جمعاً، قد يكون مسمَّاه مُفرَد واحد، ثُمَّ هذا المفرد قد يكون مسموعاً في استعمال العرب، وهو (سَرَاويلَ) وليس له ثانٍ، وقد يكون أصله الجمع لَكنَّه نُقِل إلى العَلَمية. سَمَّيت زيداً واحداً من الناس سَمَّيتَه: مَسَاجِد ومَنَابِر، حينئذٍ تمنعه من الصرف، مَدلُوله جَمع أو مُفرَد؟ مَدلُوله مُفرد، يُمنَع من الصرف، لكونه شَابَه (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) حينئذٍ يُمنَع من الصَرف. وإن فُقِدَت منه الجمعية إذا تَمَّ شَبَهه بهما. إذاً: (وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ ... شَبَهٌ) لِسَراوِيل شَبَهٌ لِسَراوِيل بِهذا الجمع، فُهِم منه أنه ليس بِجمع، لأنه قال: (شَبَهٌ) وشَبَه الشيء غيرُه، دَلَّ على أنه ليس بِجمعٍ، فَدَلَّ على أن ابن مالك - رحمه الله - يَرَى أنَّ (سَرَاوِيلَ) مُفرَدٌ وليس بَجمعٍ. ومن النحاة من يقول -وهو المُبَرِّد-: " إن (سَرَاوِيلَ) جَمعٌ حقيقةً، ومُفرَدُه: (سِرْوالة) سُمّي به المفرد " يعني: في الأصل هو جمع، لَكنَّه نُقِل، مثل لو سَمَّيت رجلاً: مَسَاجِد، حينئذٍ صار في الأصل هو جمع، لَكنَّه أريد به المفرد. ومُفرَدُه: (سِروالة) ويستدِل على هذا بقول الشاعر: عَلَيهِ مِنَ اللُّؤْمِ سِرْوَالَةٌ .. (سِرْوَالَةٌ) قالوا: جمعه على: سَرَاوِيل، ورُدَّ: بأن (سِرْوَالَة) لم يُسمَع، وهذا البيت؟! قالوا: مَصنُوع لا حُجَّة فيه البَتَّة، (مَصنوع) يعني: مُوَلَّد، أصحابه ليسوا مِمَّن يُحتَّجُ بقولهم، فحينئذٍ يُقَال: هذا لا يُحتَّج به، لأنه من المُولَّد.

وذَكَرَ في (شرح الكافية): " أن (سِرْوَالَة) لغةٌ في: سَرَاوِيل، لأنها بمعناه فليس جمعاً لها " ابن مالك يرى أنَّ (سِرْوَالَة) ثَابِت لَكنَّه لغة أخرى في (سَرَاوِيلَ) فكلاهما مُفرَد، فليس جمعاً له، إذاً: مُختلفٌ فيه، لَكِن الأكثر على أنه مُفرَد. وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ ... شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ الْمَنْعِ إذاً: قوله (شَبَهٌ) فُهِم منه: أنَّه ليس بِجمعٍ، خلافاً لمن قال: إنه جمع (سِروال) أو (سِروَالَة). وقوله: (اقتضى عُمُومَ المَنعِ) أي: عموم منع الصرف في جميع الاستعمال، خلافاً لِمن زَعَمَ غير ذلك من جواز الوجهين: الصرفَ ومنعه. قال الشَّارح هنا: " يعني: أنَّ (سَرَاوِيل) لَمَّا كانت صيغته كصيغة منتهى الجموع امتَنَع من الصرف لَشَبَهه به، وزَعَمَ بعضهم: أنه يجوز فيه الصرف وتَركُه، واختار المُصنِّف: أنه لا يَنصَرِف، وهذا قول أكثر النحاة، بل حُكِي إجماعٌ عليه ". وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ أَوْ بِمَا لَحِقْ ... بِهِ فَالاِنْصِرَافُ مَنْعُهُ يَحِقّ ؟؟؟ (مَنْعُهُ) مبتدأ ثاني و (يَحِقّ) خبر الثاني، (مَنْعُهُ يَحِقّ) الجملة من المبتدأ والخبر في مَحل رفع خبر المبتدأ الأول. يَرِد إشكال في قوله: (بِهِ) هذا سبق معنا (وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ) سُمِّيَ به، هذا الأصل، و (بِهِ) هذا نائب فاعل، ونائب الفاعل يأخُذ حكم الفاعل، والفاعل لا يَجوز تقديمه على عامله، هل يَصح أن يُقال: زيدٌ ضُرِبَ، على أنَّ (زيد) نائب فاعل؟ لا يَصح، قيل: يُتوَسَّع في الجار والمجرور، حينئذٍ إذا كان نائب الفاعل جارَّاً ومَجروراً صَحَّ تقديمه. ويَحتمل أنه محذوف .. على الحذف والإيصال، أصل التركيب: وإن بِهِ سُمِّي بِهِ، حُذِفَ حرف الجر الباء، ثُمَّ حَصَل إيصَال، يُسمَّى: الحذف والإيصال، يعني: اتَّصَل الضمير البارز بـ (سُمِّي) فاستَتَر، حينئذٍ (سُمِّي) فيه ضمير، الذي أصله البارز، وحُذِفَ حرف الجر الباء، حينئذٍ صَحَّ تقديمه، هنا التقديم ليس لنائب الفاعل، وإن كان مُتعلِّقاً بـ (سُمِّي). إذاً: (وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ) وإن سُمِّي بِهِ، سُمِّي بماذا؟ بـ: (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) حينئذٍ خَرَجَ عن دلالته على الجمعية، هل هذا الخروج مَنَع صرفه أو لا .. هل يَمنع .. يُؤثِّر في كَونه مَمنوعاً من الصرف أو لا؟ لا يُؤثِّر، (وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ) إن سُمِّي بِهِ، يعني: بالجمع المتناهي، أو بصيغة (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل). (أَوْ) للتنويع (بِمَا لَحِقْ) (بِمَا) هذا معطوف على (بِهِ) معطوف به، يعني: جار ومجرور معطوف على جار ومجرور، فلا تَقُل: مُتعلِّق بكذا! و (مَا) واقعة على مَا لَحِق بـ: (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) وهو لفظٌ واحد: (سَرَاوِيلَ)، إذاً قوله: (بِمَا) (مَا) هنا واقعة على لفظ (سَرَاوِيلَ) المذكور في البيت السابق، لأنه ليس عندنا مُلحَق، أليس عندنا مُثنَّى حقيقة، والملحق بِمثنَّى .. أليس عندنا جمع، والملحق بالجمع؟ صيغة منتهى الجموع (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) الملحق بها لفظٌ واحد، وهو (سَرَاوِيلَ) فقط. إذاً: ما ألحق به، يعني: بـ: (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) وهو لفظ: (سَرَاويلَ).

حينئذٍ (بِمَا) (مَا) واقعة على (سَرَاويلَ)، (لَحِق) الضمير عائد على (سَرَاوِيلَ) وهو (مَا) (بِهِ) يعني: بالجمع، جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (لَحِق) وإن سُمِّي به بـ: (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) وهو في الأصل جَمعٌ، أو سُمِّي بِمَا لَحق بالجمع وهو لفظ: (سَرَاوِيلَ) (فَالاِنْصِرَافُ مَنْعُهُ يَحِقّ) يعني: فالانصراف مَنعُه على الأصل يَحِق، وهو الحَق، يعني: ثَابتٌ كما هو قبل النقل. يعني: أنَّ ما سُمِّي به من مثال (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) فحقه منع الصرف، سواءٌ كان منقولاً من جَمعٍ كـ: مَسَاجِد، اسم رجل، سُمِّي رجل بـ: مَسَاجِد، أو مِمَّا لَحق به من لفظٍ أعجمي مثل: (سَرَاوِيلَ) سُمِّي: سَرَاويلَ واحد، أو لفظٍ ارتُجِل للعلمية مِثل (هَوَازِن) إذاً: ابتداءً، سُمِّي: هَوَازِن ابتداءً، لم يُنقَل. والعِلَّة في منع صرفه: ما فيه من الصيغة مع أصَاَلة الجمعية، يعني: نظراً إلى أصله قبل النقل، فالجمعية منظورٌ إليها قبل المنع مع كونه صيغة (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل) إذاً: وجدت العِلَّة فيه. أو قيام العَلَمية مُقَامَها، فلو طَرَأ تنكِيرُه انصرف على مُقتَضَى التعليل الأول دون الثاني، ومذهب سيبويه: أنَّه لا يَنصرِف بعد التنكير لشبهه بأصل، يعني: التعليل الأول أصَّح عند سيبويه، وهو: أنه إنما مُنِع من الصرف مِمَّا سُمِّي به لِمَا فيه من الصيغة مع أصَاَلة الجمعية، صيغته على (مَفَاعِل) أو (مَفَاعِيل) وأصَاَلته في الجمعية، لأنه قلنا: مِمَّا خَرَج عن الآحاد. حينئذٍ نظراً إلى هذه العِلَّة يبقى على منعه من الصرف. ولا يَنصرِف بعد التنكير لشَبَهِه بأصله، ومذهب المُبِرِّد: صرفه لذهاب الجمعية، وعن الأخفَش القولان، والصحيح قول سيبويه: أنه لو نُكِّرَ يبقى على منعه من الصرف، لأنهم منعوا (سَرَاوِيلَ) من الصرف وهو نَكِرة، ليس جمعاً على الصحيح. إذاً القاعدة العامَّة: أنًّ ما سُمِّي به من هذا الجمع، ومِمَّا ألحق به، فهو مَمنوعٌ من الصرف مُطلقاً، ولو نُكِّرَ بعد العَلَمية، يعني: لو سَمَّيت رجل: مَسَاجِد، اجتمع فيه عِلَّتان: إمَّا أن يُقال -وهو مذهب سيبويه- نظراً إلى الجمعية .. الصيغة .. الأصل، والنظر إلى الصيغة (مَفَاعِل) و (مَفَاعِيل)، إذاً: لو نُكِّرَ حينئذٍ هل العلمية مَأخُوذة في عِلَّة المنع هنا؟ إذا قيل: بأن التعليل مُنِع من الصرف بعد النقل .. بعد كونه جمعاً، سَمَّيت رجلاً: مَسَاجِد، صار ماذا .. ما العِلَّة فيه .. هل العَلَمية وكونه صيغة منتهى الجموع، هذا قول آخر، أو ملاحظةً لأصله وهو الجمعية مع الصيغة؟ هذا قول سيبويه، على قول سيبويه لو نُكِّرَ، قيل: مررت بِمسَاجِد، ولم تَعنِ به رجل، مَسَاجِد مَسَاجِد مَسَاجِد، قلت: مررت بمساجدٍ ولم تَعنِ به شخصاً مُعيَّناً، حينئذٍ نقول: هنا يُمنع من الصرف، لماذا؟ لأن الأصل أنه جَمعٌ باعتبار الأصل، وكونه على وزن (مَفَاعِل) وهذه العِلَّة باقية قبل التنكير وبعد التنكير. وأمَّا على القول الثاني .. التعليل الآخر: بأنه أُقِيم العلمية مُقَام الجمعية، حينئذٍ لو نُكِّرَ لانصرف .. رجع إلى الأصل. وَإِنْ بِهِ سُمِّيَ أَوْ بِمَا لَحِقْ ... بِهِ فَالاِنْصِرَافُ مَنْعُهُ يَحِقّ

قال الشَّارح هنا: " إذا سُمِّي بالجمع المتناهي أو بما ألحق به لكونه على زِنَتِه، كـ: (شَرَاحِيل) فإنه يُمنع من الصرف للعلمية، وشبه العُجمَة - وهذا فيه نظر – لأن هذا ليس من الآحاد العربية ما هو على زِنَتِه، فتقول فيمن اسمه: مَسَاجِد، أو مَصَابِيح، أو سَرَاوِيل: هذا مَسَاجِدُ، ورأيت مَسَاجِدَ، ومررت بِمسَاجدَ، وكذا البواقي". ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

107

عناصر الدرس * تعريف العلمية ووجة تخصيصه من بين سائر المعارف * العلمية والتركيب * العلمية والتأنيث , العمية والعجمية * العلمية والوزن , العلمية وألف الإلحاق. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: وقفنا عند قول الناظم - رحمه الله تعالى -: وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِْيكَرِبَا" هذا شروعٌ منه فيما يكون ممنوعاً من الصَّرْف مع العَلميَّة، وسبق أنَّ العَلميَّة والوَصْفيَّة عِلَّتَان معنويتان، والنحاة هنا في هذا الباب يُطلقون التَّعريف، ويريدون به العَلميَّة، لأن المعارف أعم من العَلميَّة، إذ العَلميَّة والعلم واحدٌ من المعارف، المعارف ستة، حِينئذٍ نقول: المضمرات وأسماء الإشارات والموصولات لا حظ لها في هذا الباب، لماذا؟ لأن بحث الصَّرف وعدم الصَّرْف إنما يكون في المعربات، والمبني لا حظ له. حِينئذٍ نقول: خرجت ثلاثة أبواب، بقي المحلى بـ: (أل) ذو الأداة، والمضاف إلى واحدٍ من هذه المذكورات، نقول: الممنوع من الصَّرف إذا دخلت عليه (أل) جُرَّ بالكسرة، والمضاف إذا أضيف، الممنوع من الصَّرف جُرَّ بالكسرة، حِينئذٍ يستحيل أن يقتضي الجَرَّ بالفتحة. إذا كان الممنوع من الصَّرف إذا دخلت عليه (أل) رجع إلى الأصل، حِينئذٍ كيف يكون ممنوعاً من الصَّرف؟ هذا مستحيل، ومثله المضاف، فلم يبق عندنا إلا العَلميَّة فقط .. العلم، وأمَّا البقية فيَتعذَّر، المبني لكون الممنوع من الصَّرف بَحثٌ في باب المعربات، والمبني لا حظ له في الإعراب. إذاً: خرجت المضمرات .. الضمائر كلها، وأسماء الإشارة، والموصولات، إذ لا حظ لها في الإعراب، كيف توصف بكونها سُلِبَت التنوين، وسلبت الخفض؟ هذا مُمتنع، ذو الأداة والمضاف هذا يقتضي عَودَ الممنوع من الصَّرْف إلى أصله وهو الجر بالكسرة، فيستحيل حِينئذٍ أن يقتضي الجَرَّ بالفتحة، هكذا عَللَّه ابن هشام في (شرح القَطْر) ولم يبق معنا إلا العَلميَّة، ولذلك إذا أطلق التَّعريف هنا في هذا المقام .. في هذا الباب الممنوع من الصَّرْف فيعنون به العلم فحسب .. العَلميَّة، وإن كان لفظ التَّعريف أعم، لأنه يصدق على المضمر ويصدق على اسم الإشارة والموصول ونحو ذلك، ولكن هذا في هذا المقام لا. (وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) قلنا: هذا شروعٌ منه فيما يُمنَع من الصَّرف لوجود علةٍ مع العَلميَّة، حِينئذٍ يشترط فيه مع كونه ممنوعاً من الصَّرف أن يكون عَلماً، فإذا نُكِّرَ حِينئذٍ رجع إلى الأصل وهو الجَرُّ بالكسرة. وما سبق أنواعٌ خَمسة من أول الباب إلى هذا المقام، أنواعٌ خمسة هذه تكون ممنوعةً من الصَّرف، سواء كانت منكَّرة أو مُعرَّفة، يعني: فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ وما ذَكَر بعده من زَائِدَا فَعْلاَنَ وكذلك وَوَصْفٌ اصْلِيٌ وَوَزْنُ أَفْعَلاَ والعدل في أسماء العدد، والجمع المتناهي، هذه خمسة أنواع، هذه تكون ممنوعةً من الصَّرْف مُطلقاً سواءٌ نُكِّرَت أو لا، لأنها إذا نُكِّرَت حِينئذٍ وجِدَ مع العِلَّة المذكورة إمَّا وزن (أفعل) أو صيغة متناهى الجموع، أو ألف التأنيث، أو ما كان على وزن (مثنى وثنا) وجدت الوَصْفيَّة.

ما كان يقوم مقام علتين لا إشكال فيه، وأمَّا ما يقوم .. ما لا بُدَّ فيه من عِلَّتين الوَصْفيَّة وغيرها حِينئذٍ إذا ذهبت الوَصْفيَّة حَلَّت العَلميَّة، إذاً: ممنوعٌ من الصَّرف مطلقاً سواءٌ كان مُنكَّراً أو مُعرَّفاً، وأمَّا ما يأتي معنا فهنا يشترط فيه التعريف فحسب: (وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا) إذاً: هذا شروعٌ منه فيما يُمنع من الصَّرْف للعَلميَّة وعلة أخرى، وهو سبعة أنواع. ولذلك مجموع الممنوع من الصَّرف يكون اثني عشرة نوعاً، خمسة تُمنع من الصَّرف مُطلقاً معرفةً ونكرة، وسبعة تُمنع من الصَّرف معرفةً لا نكرة، وهو ابتداءً من التركيب المَزْجي مع العَلميَّة. وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِْيكَرِبَا" (والعَلَمَ) بالنَّصْب مَنصوبٌ على الاشتغال (امْنَعْ صَرْفَهُ) ضَرَبتُ زيداً .. ضربت غُلامه مثله، اشتغل باسمٍ مضافٍ إلى ضميرٍ يعود على الاسم المتَقدَّم (صَرْفَهُ) الضمير هنا يعود على العَلَم و (امْنَعْ) تَسلَّط على (صَرْفَ) (صَرْفَ) مضاف إلى الضمير، وهو عائدٌ على الاسم السَّابق، إذاً: يكون من باب الاشتغال فـ: (العَلَمَ) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ وجوباً، يُفسِّره ما بعده. (وَالعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) يعني: امنع صرف العَلَمِ، حذف (صرف) وأقيم العلم مُقامه، (وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا) (مُرَكَّبَا) هذا حالٌ من (الْعَلَمَ) و (امْنَعْ) هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، و (صَرْفَهُ) هذا مفعولٌ به، وهو مضاف ومضاف إليه و (مُرَكَّبَاً) حالٌ من العَلَم. وجملة (امْنَعْ صَرْفَهُ) لا مَحل لها من الإعراب مُفسِّرة، لأن التقدير: امنَع صرف العَلَم مُركَّباً، (تَرْكِيْبَ مَزْجٍ) (مُرَكَّبَاً) هذا عام أطلَقَه النَّاظِم، فدخل فيه المُركَّب الإضافي، والمُركَّب الإسنادي، والمُركَّب العددي، والمُركَّب المَزجي بنوعيه: المختوم بـ: (ويه) وما عداه، لقوله: (مُرَكَّبَاً) لكن خَصَّه بماذا؟ (تَرْكِيْبَ مَزْجٍ) إعرَاب تركيب بالنَّصب على أنَّه مفعولٌ مُطلق، (مُرَكَّبَا تَرْكِيْبَ مَزْجٍ) فهو مفعول مطلق. حِينئذٍ قوله: (مُرَكَّبَاً) ليس المراد به المُركَّب الإضافي كـ: امرئ القيس، لماذا؟ كما سبق: الإضافة تقتضي الانجرار بالكسرة، لو كان ممنوعاً من الصَّرْف لو أضيف جُرَّ بالكسر، فكيف حِينئذٍ يكون ممنوعاً من الصَّرْف للتَّركيب الإضافي؟! هذا مُحال، يستحيل أن يكون المُركَّب تركيباً إضافياً ممنوعاً من الصَّرْف، كـ: امرئ القيس، وعبد الله ونحو ذلك، لأن الإضافة تقتضي أن يكون مُنجَراً بالكسرة .. لا بُدَّ من أن يكون انجراره بالكسرة، حِينئذٍ يستحيل أن تكون الإضافة مقتضية الانجرار بالفتحة، لأنه لو كان ممنوعاً من الصَّرْف لو أضيف رجع إلى أصله: ((فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) [التين:4]: مَا لَمْ يُضَفْ أَوْ يَكُ بَعْدَ أَلْ رَدِفْ .. إذاً: إذا أضيف رَجَع إلى أصله، فيستحيل أن يكون مقتضٍ للانجرار بالفتحة.

ولا تركيب إسناد، لأن المُركَّب الإسناد من قسم المَحْكِي .. يحكى كما هو: شَابَ قَرنَاها .. تَأبَّط شراً، حِينئذٍ لا تظهر عليه حركات، ولا دخل للعوامل من حيث التأثير في اللفظ، لا تأثير للعوامل في لفظ المُركَّب الإسنادي، إذاً: هو من قبيل المَحْكِيَات. ولا التركيب المَزْجي المختوم بـ: (ويه) كما سبق، وسبق أنَّ الرَّاجح أنَّ المختوم بـ: (ويه) يُعتبَر مَبنياً (ويه) اسم صوت، حِينئذٍ مُركَّب، فالتركيب المَزْجي المختوم بـ: (ويه) مبني، وسبق أنَّ المبنيات لا حظ لها في هذا الباب، لأن البحث في الصَّرْف وعدمه إنما هو في المعربات، إذاً: المبني خرج. إذاً: (تَرْكِيبَ مَزْجٍ) النَّاظم أطلق هنا، لكن يَحتمل أنه أخْرَج المختوم بـ (ويه) بقوله: (نَحْوُ مَعْدِيكَرِبَا) مَثَّل بمُركَّب مَزْجي لم يُختَم بـ: (ويه) فدلَّ على أنَّ مراده هنا نوعٌ واحدٌ من المُركَّب المَزْجي، إذ هو نوعان: مُركَّب مَزْجي مختوم بـ: (ويه) وهذا مبني، ومُركَّب مَزْجي غير مختوم بـ: (ويه). إذاً: ولا التركيب المَزْجي المختوم بـ: (ويه) لأنه من باب المبني، والصَّرْف وعدمه إنما يقالان في المعرب، وإنما المراد المُركَّب تركيباً مَزْجياً الذي لم يُختم بـ: (ويه). وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيْبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِيكَرِبَا" المَزْجُ في اللغة: الخَلْط، فيختلط حِينئذٍ الاسم مع الاسم، لا يكون امتزاج بِمعنى كلمة امتزاج، وإنَّمَا يُراد به: أنَّ الأصل في اللفظ أن يكون مُنفَكاً عن غيره هذا الأصل، يُستعمل مفرداً ويُستعمل غير مفرد، وهنا رُكِّبَت الكلمة مع الكلمة، اسمان نُزِّلا مُنَزَّلة الاسم الواحد، حِينئذٍ نقول: كأنهما جُعلا اسمين .. خُلِط بينهما. إذاً: المَزْج في اللغة: الخَلْط، فيختلط الاسم مع الاسم ويُجعل الإعراب في آخر الثاني. المُركَّب تركيب مَزْجي نحو: بَعلَبكَّ، وحضرموت، ومَعْديكَرِب، حِينئذٍ يُمنع من الصَّرْف لاجتماع فرعيَّة المعنى بالعَلميَّة، وهي التي عناها الناظم بقوله: (وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) وفرعيَّة اللفظ بالتركيب، إذاً: اجتمع فيه عِلَّتان فرعيتان، ما هُمَا هاتان العِلَّتان الفرعيتان في: معديكرب .. في: حضرموت؟ نقول: إحداهما ترجع إلى اللفظ وهو التركيب، لأن التركيب هذا فرعٌ عن غير المُركَّب، الأصل ألا يكون مُركَّب، زيد مثلاً، وخمسة وعشر، الأصل أنها لا تكون مُركَّبة. إذاً: هذا هو الأصل، فإذا رُكِّبَت بأي نوعٌ من أنواع التَّركيب، حِينئذٍ نقول: التركيب فرعٌ لفظي، ومن جهة كونه عَلَماً فهو عِلَّةٌ فرعيَّة، لماذا .. ما وجه كونه عَلماً عِلَّة فرعيَّة؟ لأن الأصل التنكير، والعَلَم الذي هو التَّعريف هذا فرعٌ عن التنكير، إذاً: اجتمع في: معديكرب، وهو عَلَم ومُركَّب تركيباً مَزْجياً عِلَّتان اقتضيتا منعه من الصَّرْف، إحدى العِلَّتين وهي العَلميَّة ترجع إلى المعنى، لأنها فرعٌ عن التنكير، والعلة الأخرى وهي التركيب تركيب مَزْجي هذه علة لفظية ترجع إلى اللفظ، لأنها فرعٌ عمَّا لا تركيب فيه، لاجتماع فرعيَّة المعنى بالعَلميَّة، وفرعيَّة اللفظ بالتركيب.

والمراد بتركيب المَزْج: أن يُجعل الاسمان اسماً واحداً لا بإضافة ٍولا بإسنادٍ، بل يُنَزَّل عَجُزه من صدره مُنَزَّلة تاء التأنيث منه، يعني: من غيره، ولذلك التزم فيه فتح آخر الصدر إلا إذا كان معتلاً فإنه يُسكَّن نَحو: معديكرب، نقول: حَضْرَ .. حَضْرَموت، أين يُجعل الإعراب؟ هذان جزءان: الأول صدر، والثاني: عجز، حِينئذٍ نقول: حَضْرَ، الأول يلتزم فيه الفتح .. يكون مفتوحاً، لأنه مثل: خمسة عشر، والثاني يكون مَحلاً للإعراب، إلا إذا كان الأول ساكن: مَعْديْكرب، لا تقل: مَعْديَكرب، مثل: حَضْرَمَوت، وبَعْلَبَكَّ .. بَعْلَ .. بَكَّ، هذان جزءان، فالأول يفتح ما لم يكن مُعْتلاً، فإن كان معتلاً حِينئذٍ سُكِّنَ. فتقول: مَعْديْكرب، ولا تقل: مَعْديَكرب، فإنه يُسَكَّن نحو: مَعْديْكرب. وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِْيكَرِبَا" أخْرَج به ما خُتِم بـ: (ويه) لأنه مبنيٌ على الأشهر، لأنه داخلٌ في قوله: (تَرْكِيبَ مَزْجٍ) إذاً هو نوعان: مَختومٌ بـ: (ويه) وليس مَختوماً بـ: (ويه) عمرويه، وخالويه، ونفطويه، وسيبويه، كل هذه تركيب مَزْجي لكنها مَختومةٌ بـ: (ويه) وهي مَبنيَّة، وإذا كان كذلك حِينئذٍ لا نقول: مَمنوعة من الصَّرْف للعَلميَّة والتركيب المَزْجي، لأن البناء لا دخل له في هذا الباب، حِينئذٍ نقول: يَختص بالنَّوع الثاني: وهو ما كان مثل: حَضْرَمَوت وبَعْلَبَكَّ. إذاً: (مَعْدِيكَرِبَا) الألف هذه للإطلاق، ففي المثال أخرج به ما ختم بـ: (ويه) لأنَّه مبنيٌ على الأشهر، ويجوز أن يكون لِمجَرَّد التَّمثيل والكلام على عمومه، ليدخل على لغة من يُعْربه، لأن سيبويه هذا فيه خلاف ليس مبنياً، وإنَّما نحن مضينا على ما هو أرجح، لكن الأولى أيضاً نجعله كالأول من حيث هو نعم يَحتمل. (تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحوُ مَعْدِيكَرِبَا) هذا مثال، لا يلزم أن يُمثَّل للنَّوعين، بل ذكر أحد النَّوعين، ويَحتمل أنَّه على عمومه، لكن نقول: لا، ابن مالك رحمه الله يرى في باب العَلَم: أنَّ المختوم بـ: (ويه) مبني لا حظ له في الإعراب. إذاً: قَصَد بهذا المثال إخراج ما كان مَختوماً بـ: (ويه)، من حيث هو يَحتمل نعم كما قال الأشْمُوني وغيره، حِينئذٍ (مَعدِيْكرِبَا) هل هو مُجرَّد مِثَال، أو مثالٌ وقيد؟ هذا مُحتَمِل .. من حيث هو مُحتَمِل، فيحتمل أنَّه أدخل النوع الثاني، وهو ما كان مَختوماً بـ: (ويه) على رأي من يُعْرِبه، وإعرابه قد يكون متضايفين أو ممنوع من الصَّرْف. لكن نقول: الثَّاني هو الأولى بِحمل كلام النَّاظم عليه، وهو أن قوله: (مَعْدِيكَرِبَا) أراد به المثال والقيد، فاحترز من عموم قوله: (تَرْكِيبَ مَزْجٍ) احترز بهذا المثال عَمَّا كان مَختوماً بـ: (ويه) لأنه كما سبق في باب العَلَم: أنَّه يرى أنه مبني وليس بِمُعرَب. ويجوز أن يكون لِمجرَّد التمثيل، وكلامه على عمومه يدخل على لغة من يُعرِبه، ولا يرد على لغة من بناه، لأن باب الصَّرْف إنما وضع للمعربات. إذاً: وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِيكَرِبَا"

قلنا: (تَرْكِيبَ مَزْجٍ) احترز به عن تركيبي الإضافة والإسناد كما سبق. وأمَّا تركيب العدد نحو: خمسة عشر، فمُتَحتِّم البناء عند البصريين كما سيأتي في باب العدد "خمسة عشر"، بل جُعِل أصلاً في كثير من الأبواب في كونه مَبنياً لتركُّبه تركيب خمسة عشر، جعلوها أصلاً: خمسة عشر (خَمسةٌ) و (عَشَر) كما سيأتي في باب العدد. إذاً: هو مُتَحتِّم البناء عند البصريين (خمسة عشر) وإذا كان كذلك حِينئذٍ لا حظ له في الإعراب، وإذا كان كذلك لا يدخل معنا من بابٍ أولى، لأن الصَّرْف الذي هو التنوين وعدمه إنما يلحق المعرب، وأمَّا المبني فلا حظ له، وأجاز فيه الكوفيون إضافة صدره إلى عجزه: خَمسةُ عَشرِه، رأيت خَمسةَ عَشَرِه، كما سيأتي في باب العدد. فإن سُمِّي به ففيه ثلاثة أوجه: الأول: أن يُقَرَّ على حاله. الثاني: أن يُعرَب إعراب ما لا ينصرف. الثالث: أن يُضاف صدره إلى عجزه، وهذا يأتي مبحثه معنا إن شاء الله تعالى. وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ مُرَكَّبَا ... تَرْكِيبَ مَزْجٍ نَحْوُ "مَعْدِيكَرِبَا" إذاً: ما اجتمع فيه العَلميَّة والتركيب المَزْجي غير المختوم بـ: (ويه) يكون مَمنوعاً من الصَّرْف لِمَا ذكرناه. فإن نُكِّرَ حِينئذٍ صُرِفَ، لماذا؟ لانتفاء أحد السببين، لأننا منعناه باجتماع سببين لا بُدَّ من اجتماعهما، فإذا نُكِّرَ المُركَّب المَزْجي العلم حِينئذٍ نقول: رجع إلى أصله وهو الصَّرْف. مِمَّا يَمنع صرف الاسم العَلميَّة والتركيب، نحو: مَعْديْكرب، وبَعْلَبَّك، فتقول: هذا مَعْديْكرِبُ، ورأيت مَعْديْكرِبَ، ومررت بِمَعْديْكرِبَ، إذاً: ممنوعٌ من الصَّرْف، في الأول لم يُنوَّن: هذا مَعْديْكرِبُ على أنَّه خَبَر، وسُلِب منه التنوين لكونه ممنوعاً من الصَّرْف للعَلميَّة والمُركَّب المَزْجي، رأيت مَعْديْكرِبَ، دون تنوين للعِلَّة السابقة، مررت بِمَعْديْكرِبَ (مَعْديْكرِبَ) هذا مَجرورٌ بالباء، وجَرُّه فتحة نيابةً عن الكسرة لأنه ممنوعٌ من الصَّرْف. فتجعل إعرابه على الجزء الثاني وتمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة والتركيب، وقد سبق الكلام عن الأعلام المُركَّبة في باب العَلَم. كَذَاكَ حَاوِيْ زَائِدَيْ فَعْلاَنَا ... كَغَطَفَانَ وَكَإِصْبَهَانَا (كَذَاكَ حَاوِي) حاوي كَذَاكَ (حَاوِي زَائِدَي فَعْلاَنَا) كَذَاكَ (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك في كونه مَمنوعاً من الصَّرْف للعَلميَّة حَاوِي زائِدَي فَعْلاَنَا، وإن شئت جعلت (حَاوِي) صفة لموصوفٍ مَحذوف (علمٌ) كذاك علمٌ (حَاوِي زَائِدَي فَعْلاَنَا) ما هما زائدا فعلانا؟ الألف والنون، إذاً: ذو الزيادتين الألف والنون، كما سبق أنَّ ذا الزيادتين يكون مانعاً للفظ من الصَّرْف إذا كان وصفاً، مثل: سكران وعطشان، كذلك يكون مانعاً إذا اجتمع مع العَلميَّة دون الوَصْفيَّة.

(كَذَاكَ) أي: مثل ذَا (ذَا) اسم إشارة يرجع إلى المُركَّب المَزْجي الممنوع للعَلميَّة، يُمنع حَاوِي، يعني: ما حوى وجمع زائدي فعلانا، الألف للإطلاق و (زَائِدَا فَعْلاَنَا) المراد بهما الألف والنون، إذاً: العَلَم المختوم بألفٍ ونونٍ زائدتين ممنوعٌ من الصَّرْف، لعِلَّتين: إحداهما لفظيَّة ترجع إلى اللفظ وهي الزيادة، ألف ونون يُنطَق بها، والثانية: العَلميَّة، وهي راجعة إلى المعنى، فحِينئذٍ ما وجد فيه هاتان العِلَّتان نقول: يُمنع من الصَّرْف. يعني: أنَّ (زائِدَي فَعْلاَنَا) يمنعان مع العَلميَّة في وزن (فعلانا) وفي غيره فعلانا، هناك قال: (زائِدَا فَعْلاَنَ) قلنا: قصد اللفظ .. الوزن دون غيره، فلو كان في باب الصفة فِعْلَان أو فُعْلَان، لا يَمتنع من الصَّرْف، بل يصرف، لأن ثَمَّ قيدين: أولاً: أن يكون على وزن (فَعْلان) بِفتحٍ فسكون مع الزيادة، حِينئذٍ الوزن مخصوص، فلو كان في باب الصفة هناك: فِعْلان أو فُعْلان انصرفا، وهل هنا (فَعْلاَنَا) أراد به ما أراد في السَّابق؟ الجواب: لا، وإن كان لفظه (كَذَاكَ حاوِي زائِدَي فَعْلاَنَا) نقول: هنا قد يوهم أنَّه كسابقه، لأنه في الوَصْفيَّة يشترط أن يكون على وزن (فَعْلان) .. سَكْران .. عطشان، وأمَّا هنا فلا يشترط، بل لو كان (فَعْلان) مثل سَلْمان، و (فُعْلان) مثل عُثْمان، و (فِعْلان) مثل عِمْران، نقول: الكل مَمنوعٌ من الصَّرْف. طيب! لماذا خَصَّ هنا (فَعْلاَنَا)؟ نقول: هو ما أراد الوزن، وإنما أراد الزيادة بدليل المثالين، لأنه قال: (كَغَطَفَانَ) (غَطَفَانَ) على وزن (فَعَلان) ليس (فَعْلان) بإسكان العين وإنما (فَعَلان) و (أَصْبَهَانَ) (أفْعلان) وليست (فَعْلانا). إذاً: بالمثال علمنا العموم، وأن الوَهْم الذي يمكن أن يَرِد من قوله: (فَعْلاَنَا) مصروفٌ بالمثال، إذاً: كَذَاكَ حَاوِيْ زَائِدَيْ فَعْلاَنَا ... كَغَطَفَانَ وَكَإِصْبَهَانَا لَمَّا كان قوله: (فَعْلاَنَا) يُوهم إرادة هذا الوزن كما تَقدَّم في الوَصْف أزاله بالمثال، فقال: (كَغَطَفَانَ) على وزن (فَعَلان) اسم قبيلة، إذاً: (غَطَفَانَ) نقول: مَمنوعٌ من الصَّرْف، للعَلميَّة وزيادة الألف والنون، لا تقل: على وزن (فَعْلان) هناك تقول على وزن (فَعْلان) في باب الوَصْفيَّة، وأمَّا هنا لا، تقول: للعَلميَّة وزيادة الألف والنون. كذلك: (وَكَإِصْبَهَانَا) كَرَّر الكاف للوزن، وهو على وزن (أفْعَلان) حِينئذٍ مَمنوعٌ من الصَّرْف للعَلميَّة وزيادة الألف والنون، ولا تقل: لكونه على وزن (فَعْلان) لأنه ليس على وزن (فَعْلان) وإنما هو على وزن (أفْعَلان) و (أَصْبَهَانَ) اسم مدينةٍ بفارس يقال: إصبهان وأصبهان، بِكسرٍ وفتحٍ عند أهل المغرب، وبالفاء عند أهل المشرق (أصْفَهَان) ولذلك أحياناً ينسب يُقال: أصبهاني أصفهاني، هما واحد قد يؤتى بالباء، وقد يؤتى بالفاء. يعني: أنَّ (زَائِدَي فَعْلاَنَا) يَمنعان مع العَلميَّة في وزن (فَعْلان) وفي غيره، نحو: حمدان، وعثمان، وغطفان، وأصبهان، وقد نَبَّه على التعميم بالتَّمثِيل، فالوزن حِينئذٍ (فعلان) الذي ذكره النَّاظم هنا غير مُختص بـ: (فَعْلان) نحو: سَلْمان، وعِمْران، وعثمان.

قال الشَّارِح: " كذلك يُمنع الاسم من الصَّرْف إذا كان عَلماً، وفيه ألفٌ ونون زائدتان (كَغَطَفَانَ وَكَإِصْبَهَانَا) فتقول: هذا غَطَفانٌ، ورأيت غَطَفَانَ، ومررت بِغَطَفانَ، فتمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة، وزيادة الألف والنون ". إذاً: نَحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرْف لزيادة الألف والنون، وكونه عَلَماً، وعلامة زيادة الألف والنون .. متى نحكم على أنَّ الألف والنون زائدتان؟ هذا مبحثه في فَنِّ الصَّرْف، لكن قاعدة مهمة نذكرها فحسب، والإحالة على (الشَّافيَّة) إن شاء الله. علامة زيادة الألف والنون سقوطهما في بعض التَّصاريف، كسقوطهما في رَدِّ: نِسيَان وكُفرَان (نِسْيَان) الألف والنون زائدة، لأنك تقول: نسي زيدٌ، أين الألف والنون؟ سقطت، وهذا من علامة الزائد .. علامة الزائد أنه يسقط في بعض التَّصاريف، ولا ينوى مُقدراً. و (كُفْرَان) نقول: الألف والنون زائدتان، لماذا؟ لأنك تقول: كَفَر، والكُفْر، إذاً: ليس فيه ألف ونون، إذاً: نحكم على كون الألف والنون زائدتين بسقوطهما في بعض التَّصاريف، لا يلزم أن تسقط في كل التَّصاريف لا، لأن الحرف الأصلي لا يُمكن أن يسقط أبداً في جميع تصاريفه، جئت به ماضياً .. مضارعاً .. أمراً .. اسم فاعل .. اسم مفعول .. مصدر، لا يُمكن أن يسقط منه حرف البَتَّة إلا إذا نُوِيَ مُقدَّراً لِعِلَّة ونحو ذلك، وما عداه فيبقى. فإن كان فيما لا يَتصرَّف، قد يكون جامداً لا يَتصرَّف، فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصولاً، قبل الألف تنظر .. قبلهما .. قبل الألف والنون، هل قبلهما ثلاثة أحرف أصول أم لا؟ إن كان قبلهما ثلاثة أحرف أصول حَكَمْت عليهما بأنهما زائدتان، فإن كان فيما لا يَتصرَّف فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين أصولاً، يعني: لا حرف واحد ولا حرفين، وإنما يكون أكثر من حرفين: سَلْمَان، نقول: هذا لا يَتصرَّف في الأصل لأنه جامد، حِينئذٍ نقول: قبل الألف والنون ثلاثة أحرف، وكلها أصول. فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مُضعَّف، مثل: حَسَّان، حِينئذٍ نقول: حَسَّان السين والسين حرفان، وهذا مُضعَّف، يعني: مُدْغَم الأوَّل في الثَّاني، هذا مِمَّا اختُلِف فيه .. فيه قولان، فلك اعتباران: إن قَدَّرْت أصالة التَّضْعِيف فالألف والنون زائدتان، إمَّا أن تقول: التضعيف أصْلي أو زائد (حَسَّان) ما كان قبل الألف مُضعَّف فإمَّا أن تُقدِّر أن التضعيف زائد أو أصلي، إن قَدَّرته أصْلياً حِينئذٍ الألف والنون زائدتان، والعكس بالعكس: إن قَدَّرت التضعيف زائداً فالنون أصلية، لأنه يكون من الحُسْن، وإذا قَدَّرته أصلياً فالألف والنون زائدتان. إذاً: فلك اعتباران: إن قَدَّرْت أصالة التضعيف، أنَّه أصلي وليس بزائد، فالألف والنون زائدتان، وإن قَدَّرت زيادة التضعيف فالنون أصليَّة، الألف لا تكون هنا إلا زائدة، حِينئذٍ يكون في الأول مأخوذاً من الحِس والألف والنون زائدتان، والثاني يكون مأخوذاً من الحسن، فالنون حِينئذٍ تكون أصْليَّة، مثل: شَاطَ وشَطَن.

وإن قَدَّرت زيادة التضعيف فالنون أصليَّة، مثاله: حَسَّان، إن جُعِلَ من الحِس فوزنه: (فَعْلاَن) وحكمه أنَّه لا يَنْصرِف، وهو الأكثر فيه، لذلك ورَدَ هو في قوله (حَسَّان) أنه منعه من الصَّرْف، وإن جُعِل من الحُسْن فوزنه (فَعَّال) وحكمه أنَّه مصروف، لماذا؟ لأن النون هنا أصليَّة وليست بزائدة، وشرط المنع أن تكون الألف والنون زائدتين. و (شَيْطَان) مثله إن جُعِل من: شاط يشيط إذا احترق امتنع صرفه، شاط يشيط (شَيْطَان) صار الألف والنون زائدتين امتنع ن الصرف، وأن جُعِل من: شَطَنَ، النون صارت أصليَّة، إذاً: ما كان مُضعَّفاً قبل الألف فهذا يَحتمل، يَحتمل المنع ويَحتمل الصَّرْف، على حسب النِّيَة وكثرة الاستعمال في لسان العرب، ولذلك ورد في (حَسَّان) أنَّه مصروف، وورد في الأكثر أنَّه غير مصروف، فنحمله إذا امتنع من الصَّرْف على أنَّ التَّضعِيف أصلي (حَسَّ) فحِينئذٍ مأخوذٌ من الحِسِّ، والألف والنون زائدتان، وما ورد أنَّه مصروف، حِينئذٍ نَجعل النون أصليَّة، فيكون مأخوذاً من الحسن، فالوزنان يَختلفان: (كَذَاكَ حَاوِي زَائِدَي فَعْلاَنَا). (حَاوِي) هذا مضاف، قلنا: مبتدأ، و (كَذَاكَ) هذا خبرٌ مُقدَّم و (حَاوِي) مضاف و (زَائِدَي) مضافٌ إليه، والنون هنا حذفت للإضافة، و (فَعْلاَنَا) الألف هذه للإطلاق (زَائِدَي) مضاف و (فَعْلاَنَا) مضافٌ إليه (كَغَطَفَانَ) خبر مبتدأ محذوف، أي: وذلك كغطفان (وَكَإِصْبَهَانَا) معطوفٌ على ما سبق. كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَاً ... وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثِ أَوْ كَجُؤْرَ أَوْ سَقَرْ ... أَوْ زَيْدٍ ?سْمَ امْرَأَةٍ لاَ اسْمَ ذَكَرْ وَجْهَانِ فِي الْعَادِمِ تَذْكِيراً سَبَقْ ... وَعُجْمَةً كَهِنْدَ وَالمَنْعُ أَحَقّ هذا شروعٌ فيما يُمنع للعَلميَّة والتأنيث، مما يُمنع للعَلميَّة هذا النوع الثالث، الأول: المُركَّب المَزْجي مع العَلميَّة، والثاني: زيادة الألف والنون، والثالث: التأنيث. وعرفنا أن التأنيث فرع التذكير، ثُمَّ المُؤنَّث على ثلاثة أنحاء: - إمَّا أن يكون مُؤنَّثاً بالتاء. - وإمَّا أن يكون مُؤنَّثاً بالألف. - وإمَّا أن يكون مُؤنَّثاً معنىً، يعني: تأنيث معنوي. ما كان مُؤنَّثاً بالألف فهذا سبق: الألف المقصورة والألف الممدودة، وهذا سيأتي مبحث خاص به وهو التأنيث .. أوَّل أبواب الصَّرْف في الألفية، يعني: في أوزانها ومتى نَحكم عليها بكونها للتأنيث وغير ذلك، وسبق أنها مَمَّا تقوم فيه عِلّةً مقام عِلَّتين فيمنع من الصَّرْف مُطلقاً. إذاً: لا يُشتَرط فيه علمية ولا غيره، بل متى ما كان اللفظ حوى ألف التأنيث مقصورةً أو ممدودة حَكَمْنا عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرْف، سواءً كان نكرة أو معرفة، وهذا أول ما افتتح به: فَأَلِفُ التَّأْنِيثِ .. إلى آخره. وأمَّا التأنيث اللفظي، فهذا إمَّا أن يكون مَختوماً بتاء، وإمَّا ألا يكون مَختوماً بتاء، نقول: التأنيث اللفظي لأن التفريق هنا بين المختوم بالتاء ودون المختوم بالتاء هذا اصطلاحاً فقط، وإلا كل مُؤنَّث فهو مختومٌ بالتاء، إمَّا أن تكون ملفوظاً بها، وإمَّا أن تكون مُقدَّرة.

فـ: (زينب) هذا في الأصل مَختومٌ بالتاء، لكنها مُقدَّرة، ومثله: سعاد وهند، ونحو ذلك، ولذلك يُقال: هُنَيدةٌ، من أين جاءت التاء هذه؟ نقول: لأنه مُؤنَّث تأنيث معنوي، بِمعنى: أنَّ التاء مُقدَّرة وليست ملفوظة: عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ ... وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ (قَدَّرُوا التَّا) يعني: في أسامٍ لم تذكر فيها التاء، لكنَّها مُؤنَّثةٌ تأنيثاً معنوياً فَقدَّروا التاء كالكتف، ولذلك يُعرَف برده إلى لتصغير والضمير ونحو ذلك كما سيأتي في محله، متى نحكم عليه بأنه مُؤنَّث تأنيث معنوي؟ هذا يأتي في باب التأنيث. هنا قال: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَا) هذا نوع، ثُمَّ قال: (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كَوْنُهُ ارْتَقَى) لَمَّا قال: (مُطلَقاً) حِينئذٍ قد يُقال: الإطلاق لا بُدَّ من قيدٍ يُفسِّره إمَّا سابق وإمَّا لاحق، ما تفهم هذه الكلمة سواءً كانوا في هذا العلم أو في الفقه، أو في الحديث، أياً كان: ما تفهم كلمة (مُطْلَقَاً) إلا أن يذكر شرطٌ سابق أو لاحق، أمَّا هكذا تقول: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَا) (مُطْلَقَاً) ما المراد به؟ هذا يحتاج إلى تفسير. يعني: بلا شرطٍ لا بزيادة عن الثلاث، ولا بكونه أعجمياً، ولا بكونه ساكن الوسط، ولا كونه ثلاثياً إلى آخره، كل ما ذكر في النوع الثاني فهو منفيٌ عن الأول، حِينئذٍ الإطلاق هنا يُفسَّر بقوله: (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ) إذاً: اشترط في العاري، يعني: المُتجرِّد عن التاء (كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوقَ الثَّلاَثِ) هذا شرطٌ أول (أَوْ كَجُورَ) شرطٌ ثاني، ثلاثي لكنَّه أعجمي ساكن الوَسَط (أو سَقرْ) يعني: ثلاثي مُحرَّك الوسط، الرابع: (أَوْ زَيْدٍ ?سْمَ امْرَأَةٍ لاَ اسْمَ ذَكَرْ) يعني: منقولٌ من التذكير إلى التأنيث. هذه أربعة أنواع للعاري التي يُحكم عليها بكونها ممنوعةً من الصَّرْف، هذه تنتفي .. كلها تنتفي بقوله: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ) إذاً: كذا علمٌ مُؤنَّث بهاءٍ (مُؤَنَّثٌ) صفة لموصوفٍ محذوف، تقديره: علمٌ، ثُمَّ قد يكون علماً كلاً أو جزءً، يعني: جزء علم، مثل ماذا؟ تقول: قال أبو هريرةَ .. قال: عن أبي هريرةَ (هريرةَ) هذا مَمنوعٌ من الصَّرْف، لماذا؟ هنا ليس عَلَماً، وإنما هو جزء علم، (أبو قُحَافة) كما سبق في العَلَم هناك، نقول (قُحَافة) هذا ليس بِعَلَم في نفسه، وإنما هو جزء علم، لأن العلم أن يكون مستقلاً كلمة من أولها إلى آخرها (كَذَا مُؤَنَّثٌ) كذا علمٌ مُؤنَّث، وكذا جزء علمٍ مُؤنَّث كما في: أبي هريرة، وأبي قُحَافة، (كَذَا) أي: مثل ذا السابق، مِمَّا يُمنع الصَّرْف لاجتماع العَلميَّة والتأنيث بالتاء، (بِهَاءٍ) عَبَّر بالهاء، وإن كان الأولى أن يقول: بتاء. الأولى أن يقول "بتاء" فإن مذهب سيبويه والبصريين: أن علامة التأنيث التاء، والهاء إنما تكون عند الوقف، هي فرعٌ عن التاء، تقول: فاطمه .. فاطمةُ في الوصل بالتاء، وإذا وقفت جئت بالهاء بدلاً عن التاء. إذاً: الأولى أن يقول: بتاء، فإن مذهب سيبويه والبصريين أن علامة التأنيث التاء، والهاء بدلٌ عنها في الوقف.

(كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ) يعني: بتاء (مُطْلَقاً) هذا حالٌ من الضمير المستتر في الخبر، لأن (كَذَا) مثل (ذا) جار ومجرور مُتَعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، فيه ضمير مستتر (مُطْلَقاً) هذا حالٌ منه، يعني: مطلقاً عن القيد. مَمَّا يَمنع الصَّرْف اجتماع العَلميَّة والتأنيث، والتأنيث بالتاء لفظاً أو تقديراً، أمَّا لفظاً فنحو: فاطمة، وإنما لم يصرفوه لوجود العَلميَّة في معناه ولزوم علامة التأنيث في لفظه، إذاً: اجتمع فيه علامتان: تاء التأنيث وهي لازمةٌ، وكذلك من جهة المعنى فهو علمٌ. وإنما لم يصرفوه لوجود العَلميَّة في معناه ولزوم علامة التأنيث في لفظه، فإن العَلَم المُؤنَّث لا تفارقه العلامة، فالتاء فيه بِمنْزِلة الألف في (حُبْلى وصحراء) فأثَّرَت في منع الصَّرْف بخلافها في الصفة. سبق معنا في (صحراء وحبلى) قلنا: هناك التأنيث لازم، بخلاف التأنيث بالتاء فإنه ينفصل ولا ينفصل، وقالوا هنا في هذا المقام: فاطمة وعائشة ونحوها: التاء لازمةٌ، حِينئذٍ المراد هناك في باب الصفة نقول: هناك المقارنة ليست بالعلم المُؤنَّث بالتاء، وإنما المقارنة بالصفة المُؤنَّثة بالتاء، فهي التي تنفصل ولا تنفصل: مُسلِم ومُسلِمة، قائم وقائمة، إذاً: تنفصل، وهناك وصفٌ في الأصل. وهنا نَحكم بكون التاء التي اتَّصَلَت بالعَلَم كفاطمة وعائشة بأنها لازمةٌ فأشْبَهت ألف التأنيث كصحراء وحبلى. وأمَّا تقديراً: ففي المُؤنَّث المُسمَّى في الحال: كزينب وسعاد، قلنا: هذا مُقدَّر هذا الأصل فيه: أن التاء فيه مُقدَّر، أو في الأصل: كعناق، اسم رجل، يعني: لو سُمِّي رجلٌ بمُؤنَّث يبقى على الأصل، باعتبار أصله هو مُؤنَّث، ويبقى على المنع من الصَّرْف. فأقاموا في ذلك كله تقدير التاء مقام ظهورها، وعليه فالمُؤنَّث بالتاء لفظاً ممنوعٌ من الصَّرْف مُطلقاً كما قال الناظم هنا: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَا) فهو ممنوع من الصَّرْف للتأنيث بالتاء وهي ملفوظٌ بها، والعَلميَّة، وقوله: (مُطْلَقَا) أي: سواءٌ كان مُؤنَّثاً في المعنى أم لا كطلحة (طلحة) في اللفظ مَختومٌ بالتاء، هل هو ممنوعٌ من الصَّرْف؟ ممنوعٌ من الصَّرْف، لكونه لَفظاً عَلَماً مَختوماً بالتاء وهو علم، إذاً: لا ننظر إلى المعنى، هل يصدق على ذكر أم أنثى؟ وإنما نحكم على اللفظ، فنحكم على اللفظ بكونه ممنوعاً من الصَّرْف لكونه مَختوماً بالتاء وهو يصدق عليه قول الناظم: (كَذَا مُؤَنَّثٌ) علمٌ مُؤنَّث، (بِهَاءٍ مُطْلَقَا) سواء كان مدلوله مُذكَّر أو لا، زائداً على ثلاثة أحرف أم لا، نحو: هِبة، هِبة هذا مَختوم بتاء وهو ثلاثي، هل يُمنع من الصَّرْف؟ نقول: نعم، لماذا؟ لقوله: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَا) شَمِل الثلاثي والرباعي وما زاد، فكل مُؤنَّث مختوم بتاء فهو ممنوع من الصَّرْف ولو كان أقَلَّ من أربعة أحرف. ساكن الوسط أم لا، هذا احتراز مِمَّا سيأتي، وهو كهِنْدَ (هِنْدَ) هذا ليس مَختوماً بالتاء، ولكنَّه مُؤنَّثاً تأنيثاً معنوياً، ويجوز فيه الوجهان لكونه ساكن الوسط كما سيأتي.

إذاً قوله: (مُطْلَقَاً) سواءٌ كان مُؤنَّثاً في المعنى أم لا، زائداً على ثلاثة أحرف أم لا، ساكن الوسط أم لا، نحو: عائشة، وطلحة، وهبة. كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَاً ... وَشَرْطُ مَنْعِ الْعَارِ. . . . . . هذا النوع الثاني، قلنا: النوع الأول من المُؤنَّث: المُؤنَّث بالألف، ويشمل المقصورة والممدودة، وهذا سبق في أول الباب وليس له علاقة هنا، لأنه يمنع من الصَّرْف مُطلقاً نكرة أو معرفة، والكلام هنا فيما يُمنع معرفةً، يعني: مع العَلميَّة، سبق النوع الأول وهو المختوم بالتاء، وقلنا: هذا يُمنع مُطلقاً بلا شرطٍ ولا قيد. النوع الثاني: العاري عن التاء، يعني: مثل زينب، فليس فيه تاء، وهو ليس فيه تاء لفظاً، الكلام في اللفظ، أمَّا في المعنى فهو مُقدَّر، ولا نَحكم عليه من جهة المعنى، وإنما نَحكم عليه من جهة اللفظ: ما يُلفظ به، (زَيْنَب) ليس فيه تاء و (سُعَاد) ليس فيه تاء و (هِنْد) ليس فيه تاء و (سَقَر) ليس فيه تاء، وكلها مُؤنَّث و (جَوْر) ليس فيه تاء. حِينئذٍ نقول: هذه يُشترط فيها شروط من أجل أنَّه مَمنوعٌ من الصَّرْف أو لا، لكن المُؤنَّث تأنيث معنوي يُشترط فيه العَلميَّة، لكن تارةً يكون واجب المنع، وتارةً يكون جائزاً، يعني: على نوعين، النوع الثاني هذا (العَارِ) على مرتبتين: - نوعٌ يجب منعه من الصَّرْف. - ونوع يَجوز منعه ويجوز صرفه، وهو الذي عناه بقوله: (وَجْهَانِ فِي الْعَادِمِ) (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ) يعني: منع العَارِي حتماً، ولا يجوز صرفه البَتَّة (وَشَرْطُ) هذا مبتدأ وهو مضاف و (مَنْعِ) مضاف إليه، هذا مصدر مضاف إلى المفعول (شَرْطُ مَنْعِ العَارِ) منعِك أنتَ العاري، فالعاري هذا مضاف .. (مَنْعِ) مضاف و (العَارِ) مضاف إليه، يعني: العار من التاء لفظاً، وإلا فما مِن مُؤنَّث بغير الألف إلا وفيه التاء ملفوظة أو مُقدَّرة كما ذكرناه: وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ. فكل مؤنث .. علم مُؤنَّث ففيه التاء، سواءً لفظ بها أو لا، ولكن هنا نَحكم باللفظ فحسب، فما لم تلفظ معه التاء قلنا: هي مُقدَّرة ولا عِبْرة بها. (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ) يعني: من التاء لفظاً، وإلا فما من مُؤنَّث بغير الألف إلا وفيه التاء ملفوظة أو مُقدَّرة، (كَوْنُهُ ارْتَقَى) العاري أصله بالياء، مثل: غلامي، حُذِفَت الياء واجتزئ بالكسرة دليلاً عليها. (شَرْطُ) مبتدأ (كَوْنُهُ ارْتَقَى) (كَونُهُ) هذا خبر المبتدأ و (كَوْنُهُ ارْتَقَى) ما إعرابها؟ كَونُ هي خبر باعتبار السابق هي في نفسها، أين اسمها؟ (كَونُ) .. وَكَوْنُكَ إِيَاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ. الضمير المضاف إليه هو الاسم، و (ارْتَقَى) فعل ماضي خبر الكون في محل نَصْب. إذاً: (كَونُهُ) هذا خبر المبتدأ (شَرْطُ مَنْعِ العَارِ) يعني: مُتجرِّد عن التاء في اللفظ (كَونُهُ) كون ذلك العار ارتقى (ارْتَقَى) يعني: صَعَد وعلا (فَوْقَ الثَّلاَثِ) (فَوْقَ) هذا مُتَعلِّق بقوله (ارْتَقَى) و (ارْتَقَى) فيه ضمير يعود على (العَارِ).

(كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثِ) يعني: بأن يكون زائداً على ثلاثة أحرف كـ: زينب، وسعاد، وما كان دون ذلك فلا، لا يجب فيه المنع من الصَّرْف، (فَوْقَ الثَّلاَثِ) هذا على حذف مضاف، أي: فوق ذي الثلاث، ثُمَّ (الثَّلاَثِ) هكذا حذف منه التاء لأنه مضافٌ في التقدير إلى الأحرف، والحرف يُذكَّر ويُؤنَّث، لأنه يكون الأصل فيه: فوق الثلاثة، لكنه حذف التاء باعتبار المضاف إليه وهو الأحرف، وهذا يُذكَّر ويُؤنَّث. إذاً: كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثِ هذا النوع الأول: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، كـ: زينب ونحوه، (أَوْ كَجُورَ) هذا عطف على محل (ارْتَقَى) (أَوْ كَجُورَ) (أَوْ) حرف عطف، و (كَجُورَ) أراد به الكاف هنا التَّشبِيه، يعني: مثال لا الحصر، وإنما المراد به التمثيل، فالكاف تَمثيِليَّة لا اسْتِقصَائيَّة (كَجُورَ) عطف على محل (ارْتَقَى) اسم بلدٍ وهو أعجمي. إذاً: مفهوم قوله (فَوْقَ الثَّلاَثِ) أنَّ ما كان ثلاثةً فأدنى -ولا يكون أدنى- يكون مصروفاً، فالعطف حِينئذٍ عطفٌ على مفهوم السَّابق، لأن قوله: (فَوْقَ الثَّلاَثِ) مفهومه: أنَّ الثلاث فما دون مصروف وليس الأمر كذلك بل فيه تفصيل. (كَجُورَ أَوْ سَقَرْ أَوْ زَيْدٍ) هذا تخصيص من مفهوم قوله (فَوْقَ الثَّلاَثِ) وبقي هِنْد وهو على أصله، أنَّه لا يجب فيه المنع. إذاً قوله: (ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثِ) هذا له منطوق ومفهوم، منطوقه: أنَّه لا بُدَّ أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، أربعة أحرف فصاعداً، كـ: زينب وسعاد، مفهومه: أنَّ ما كان ثلاثةً حِينئذٍ لا يجب منعه من الصَّرْف، لأنه قال: (وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ) يعني: منعاً حتماً، فقوله: (أَوْ كَجُورَ) هذا استثناء أو تخصيص للمفهوم السَّابق، لأن (جُورَ) هذا ثلاثي، والأصل فيه على القاعدة السَّابقة .. النوع الأول أنَّه مصروف، لكن نقول: لكونه أعجمياً ولو كان ساكن الوسط نَحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصَّرْف فهو واجب المنع. (أَوْ سَقَرْ) هذا ليس بأعجمي وإنما هو مُؤنَّث ثلاثي لكنَّه مُحرَّك الوسط (أَوْ زَيْدٍ ?سْمَ امْرَأَةٍ لاَ اسْمَ ذَكَرْ) (زَيْدٍ) في الأصل اسم رجل، لو سُمِّي به امرأة، قيل: هذه زيدٌ، وجاءت زيدٌ، وذهبت زيدٌ، حِينئذٍ (زَيدٍ) في الأصل ما هو؟ مصروف، فلمَّا نُقِل إلى التأنيث امتنع .. فوجب منعه، فيقال: جاءت زيدُ، ورأيت زيدَ، ومررت بزيدَ، على أنَّه مُؤنَّث لامرأة، ولذلك قال: (?سْمَ امْرَأَةٍ) (أَوْ زَيْدٍ ?سْمَ امْرَأَةٍ) هذا حال من (زَيدٍ). (لاَ اسْمَ ذَكَرْ) (لاَ) حرف عطف و (اسْمَ ذَكَرْ) معطوف على (اسْمَ امْرَأَةٍ) وهو منصوبٌ مثله، وهذا لا حاجة إليه، لأنه معلومٌ مِمَّا سبق، إذا كان اسم امرأة معلوم أنَّه ليس اسم ذكر، إذاً: صَرَّح بالمفهوم فيكون من باب التتميم لأنه يستغنى عنه. إذاً: هذه أربعة أنواع من العاري مِمَّا يَجب أن يكون ممنوعاً من الصَّرْف، ولا يجوز صرفه البَتَّة. الأول: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف .. أربعة أحرف فصاعداً. الثاني: أن يكون ثلاثياً ولو كان ساكن الوسط، لكنَّه أعجمي. الثالث: أن يكون ثلاثياً مُحرَّك الوسط.

الرابع: أن يكون ثلاثياً اسم امرأة لا اسم ذكر، يعني: منقول من التذكير إلى التأنيث. المُؤنَّث المعنوي شرطُ تَحتُّم منعه من الصَّرْف: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، نحو: زينب وسعاد، قالوا تعليلاً: لأن الرابع يُنَزَّل مُنَزَّلة تاء التأنيث. أو مُحرَّك الوسط كـ: (سَقَرْ) هذه سَقَر، حِينئذٍ نقول: (سَقَر) هذا ممنوعٌ من الصَّرْف، لكونه ثلاثياً مُحرَّك الوسط، وكذلك (لَظَى) لأن الحركة قامت مقام الرابع .. الحركة التي في الثلاثي .. حركة العين نُزِّلت منزل الحرف الرابع فأُلحق بـ: (زينب) لأن الحركة قامت مقام الرابع، خلافاً لابن الأنباري فإنَّه جَعَله ذا وجهين، يعني نحو: (سَقَرْ) هذا فيه خلاف، لكن الجماهير على منعه من الصَّرْف لتنزيل الحركة .. حركة العين مُنَزَّلة حرف رابع، فأُلحق بـ: زينب. ولذلك جاء في القرآن: ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ)) [المدثر:27] إذاً: تبقى على المنع من الصَّرْف، علَّلوا أو ما علَّلوا، لأنه جاء في فصيح الكلام ممنوعة من الصَّرْف. أو يكون أعجمياً، هذا النوع الثالث: أن يكون أعجمياً (كَجُورَ) و (ماه) اسْمي بلدين، لأن العُجْمة لَمَّا انْضَمَّت إلى التأنيث والعَلميَّة تَحتَّم المنع، إذا قيل: أعجمي، نحن الآن بحثنا في أي نوع؟ مُؤنَّث مع عَلميَّة، ما الذي أدخل العُجْمة؟ قالوا: العُجْمة هنا حَتَّمَت المنع، وإلا العُجْمة لا دخل لها .. ليست جزء عِلَّة هنا، العِلَّة مُركَّبة من شيئين: تأنيث، وعَلميَّة، هنا نقول: (كَجُورَ) و (ماه) هذا مُؤنَّث وهو ثلاثي وعَلَم، لماذا منعناه من الصَّرْف؟ لوجود العِلَّتين، لماذا حتَّمْنَا، يعني: أوجبنا منع الصَّرْف؟ لكونه أعجمياً. فالعُجْمة ليست جزءً من سببي المنع، وإنما المنع مُعلَّق بالعَلميَّة والتأنيث لئلا يرد إشكال، لأن العُجْمة لَمَّا انْضَمَّت إلى التأنيث والعَلميَّة تَحتَّم المنع، وإن كانت العجمة لا تَمنع صرف الثلاثي، لأن هنا لم تؤثر منع الصَّرْف، وإنما أثَّرَت تَحتُّم المنع. أو .. الرابع: أن يكون منقولاً من مُذكَّر نحو: زيد، إذا سُمِّي به امرأة، حِينئذٍ تَحتَّم منعه، لأنه حصل بنقله ثقل عادل خِفَّة اللفظ، هو في الأصل خفيف (زيد) ثلاثي، لَمَّا نُقِل إلى التأنيث صار فيه ثقل، عَادَل خِفَّة اللفظ، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وذهب المُبَرِّد إلى أنَّه ذو وجهين. إذاً: ما قيل في هذه الأربعة بأنه ذو وجهين نوعان: - ما كان مُحرَّك الوسط كـ: (سَقَرْ) قيل فيه وجهان: الصَّرْف وعدمه، يعني مثل: هِنْد، - والثاني: ما كان كـ: (زَيدٍ) عَلَم امرأة لا اسم ذكر، هذا قيل فيه وجهان. والجمهور في النوعين على أنه ممنوعٌ من الصَّرْف وجوباً مُتحتِّماً. إذاً: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كَوْنُهُ ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثِ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ....

يعني: زاد على الثلاثة أحرف، هذا النوع الأول فيما لم يكن مختوماً بتاء التأنيث، (أَوْ كَجُورَ) ثلاثي ساكن الوسط وهو أعجمي، والعجمة هنا لا دخل لها في المنع، وإنما في تَحتُّم المنع .. في وجوبه، لماذا؟ لأنك قلت: لها دخلٌ في المنع، حِينئذٍ كيف تقول هنا: ما وجد فيه عِلَّتان وهما التأنيث والعَلميَّة، وقد حَشَرْت العُجْمة معه؟! نقول: لا، ليس الأمر كذلك، بل العُجْمَة مُحتِّمَة، يعني: مُوجبة، حِينئذٍ هي خارجةٌ عن أصل العِلَّتين. (أَوْ سَقَرْ) ثلاثي مُحرَّك الوسط (أَوْ زَيدٍ) هذا النوع الرابع وهو المنقول من العَلميَّة من مُذكَّر إلى المُؤنَّث. وَجْهَانِ فِي الْعَادِمِ تَذْكِيراً سَبَقْ ... وَعُجْمَةً. . . . . . . . . . . . . يعني: ما كان ساكن الوسط وعَدِم عُجْمةً، وعِدَم نقلاً من المُذكَّر، حِينئذٍ (وَجْهَانِ) ما هما الوجهان؟ الصَّرْف وعدمه (فِي الْعَادِمِ) (وَجْهَانِ) مبتدأ (فِي الْعَادِمِ) خبر (تَذْكِيراً) هذا مفعولٌ للعادم، يعني: الذي عَدِمَ .. وجهان في الذي عَدِمَ (فِي الْعَادِمِ) في الذي عَدِمَ (الْعَادِمِ) هذا اسم فاعل دخلت عليه (أل): وَإِنْ يَكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي ... وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي هنا أُعمل مُطلقاً، فـ: (تَذْكِيراً) مفعولٌ به لقوله: (العَادِمِ) و (سَبَقْ) فعل ماضي، والفاعل مستتر، والجملة في محل نَصْب نعت لـ: (تَذْكِيراً) يعني: تذكيراً سابقاً، في السابق: (زَيدٍ) هذا ثلاثي ساكن الوسط (وعُجمَةً) مثل (جُورَ) يعني: ما عَدِم العجمة مثل: جور، وعَدِم التذكير مثل: زيد (كَهِنْدَ) رفَعَ الإبهام بقوله: (كَهِنْدَ). إذاً: مراده ما هو؟ مراده الثلاثي ساكن الوسط، لأنه قال في السابق (كجُورَ) وهو أعجمي، إذاً: لم يدخل معنا، بقي: (سَقَرْ أَوْ زَيدٍ) (سَقَرْ) مُحرَّك الوسط، و (زَيدٍ) ليس بِعَلَم مُؤنَّث أصالةً. بقي نوع واحد لم يذكره، وهو: ما كان في أصله مُؤنَّثاً .. ثلاثياً .. ساكن الوسط، لم يدخل في الأنواع الأربعة السَّابقة، إذاً: ما حكمه؟ قال: (وَجْهَانِ فِي العَادِمِ) يعني: الذي عَدِمَ تذكيراً مِمَّا سبق، وهو الثلاثي ساكن الوسط كـ: زَيدٍ و (عُجْمَةً) كـ: (جُورَ) عَدِم هذين النوعين (كَهِنْدَ وَالمنْعُ أَحَقّْ) وجهان في هذا النوع والمنع أحق، يعني: يجوز فيه الوجهان: الصَّرْف وعدمه. أي: أنَّ الثلاثي الساكن الوسط إذا لم يكن أعجمياً، ولا منقولاً من مُذكَّرٍ، إذاً: نفى شيئين .. وصفين: العُجْمة، والنَّقل عن المُذكَّر، فدَلَّ على أنَّه أراد ساكن الوسط، لأن (جُورَ) ساكن الوسط و (زَيد) ساكن الوسط، وأمَّا (سَقَرْ) فليس بوارد، ولذلك أخْرَجه وأكَّدَ على تخريجه بقوله: (كَهِنْدَ) هذا تأكيد على أنَّه لم يُرِد نحو (سَقَرْ) لأنَّه أولاً حَكَمَ عليه بكونه مُتحتِّم المنع، لا يقال: سَقَرْ، إذاً: مُحرَّك الوسط وهو ثلاثي تَحتَّم منعه من الصَّرْف، لم يبق إلا مقابل: سَقَرَ وهو ساكن الوسط، ثُمَّ ساكن الوسط قد يكون كـ: (جُورَ) وقد يكون كـ: (زَيدٍ) وقد لا يكون هذا ولا ذاك، ويكون (كَهِنْدَ) حِينئذٍ أخرج النوعين وأبقى النوع الثالث، (كَهِنْدَ) يعني: وذلك كـ: هِنْدَ.

أي: أنَّ الثلاثي ساكن الوسط إذا لم يكن أعجمياً، ولا منقولاً من مُذكَّر (كَهِنْدَ) و (دعد) يجوز فيه الصَّرْف ومنعه. (وَالمَنْعُ أَحَقُّ) فمن صرفه .. ما وجه صرفه؟ نظر إلى خِفَّة السكون، وأنها قاومت أحد السببين، لأن السببين موجودان، وهما التأنيث والعَلميَّة، وُجِد أو لا؟ (هِنْدَ) مُؤنَّث وهو عَلَم، إذاً: نمنعه من الصَّرْف، وأمَّا السكون فلا دخل له في المنع وعدمه، فمن صرفه نظر إلى خِفَّة السكون وأنها قاومت أحد السببين، ومن منع نظر إلى وجود السببين ولم يَعتبِر الخِفَّة، هل السكون له دخلٌ في المنع وعدمه؟ الظَّاهر لا، حِينئذٍ من منع، قال السكون هذا دليلٌ على خِفَّة اللفظ في نفسه. وأمَّا أن يكون له تأثير في العَلميَّة والتأنيث في ألا يوجد مقتضى هاتين العِلَّتين فلا، وهذا هو الظَّاهر من التَّقعِيد السَّابق. ومن صرفه قال: لا، فهذا ساكن الوسط فهو خفيف. وجود العِلَّتين، قالوا: أثَّر سكون الوسط في الخِفَّة فلم تؤثِّر هاتان العِلَّتان في المنع، وهذا ليس بظاهر. على كلٍ: هو سُمِع فيه الوجهان، لكن الأكثر والأرجح: أن يكون ممنوعاً من الصَّرْف، فمن صَرَفه فله وجهٌ، ومن منعه فله وجهٌ، ولذلك ورد بالوجهين قول جرير: لَمْ تَتَلَفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا ... دَعْدٌ وَلَمْ تُسْقَ دَعْدُ في العُلَبِ إذاً: ورد بالوجهين (دَعْدٌ) مثل (هِنْدَ) ثلاثي ساكن الوسط، وهو اسم أنثى .. تأنيث، وهو عَلَم، علمٌ لأنثى، إذاً: وجد فيه العِلَّتان، سُمِع جرير قال: (دَعْدٌ) صَرَفَه (وَلَمْ تُسْقَ دَعْدُ في العُلَبِ) مَنَعَه من الصَّرْف، روي بالوجهين. وَجْهَانِ فِي الْعَادِمِ تَذْكِيراً سَبَقْ ... وَعُجْمَةً كَهِنْدَ وَالمَنْعُ أَحَقّ (المَنْعُ) يعني: من الصَّرْف أحق الوجهين وأصْوَّب الوجهين، وأقرب إلى القواعد، وهذا مذهب الجمهور. وقال أبو علي الفارسي: " الصَّرْف أفْصَح " يعني: من المنع، وهنا ابن مالك يقول: (وَالمَنْعُ أَحَقّ) وهو مذهب الجمهور. قال أبو علي: " الصَّرْف أفْصَح " قال ابن هشام: " وهو غلطٌ جَلي " يعني: القول بكونه أفصح غلط جلي واضح بَيِّن، لأنه في لسان العرب المنع أكثر، وإذا كان أكثر كان أفصح، ثُمَّ إذا جئنا للقواعد والأصول فالأصل منعه مُطلقاً، لأنه عَلَم لمُؤنَّث، إذاً: وجد فيه عِلَّتان فرعيتان، إحداهما ترجع إلى المعنى، والأخرى ترجع إلى اللفظ، هذا الأصل في الممنوع من الصَّرْف، كونه يُصْرَف هذا خلاف الأصل. إذاً: قال ابن هشام في قول أبي علي (والصَّرْف أفصح): " وهو غلطٌ جلي " وذهب الزَّجاج: إلى أنَّه مُتحتِّم المنع .. واجب المنع، وهذا هو الموافق للأصول، لكن سُمِع أنه مصروف، حِينئذٍ جاز فيه الوجهان، وإلا الأصل أنَّه مُتحتِّم المنع.

قال: ذهب الزَّجاج: إلى أنَّه مُتحتِّم المنع .. واجب المنع، لأن السكون لا يُغيِّر حُكماً أوجبه اجتماع عِلّتين يَمنعان الصَّرْف، وهذا هو الموافق للأصول: أن السكون هنا لا دخل له في عدم تأثير العِلَّتين، لأن هذه عِلَّة إذا وجِدَت أثَّرَت، ما هو التأثير؟ المنع من الصَّرْف، والأصل فيه إذا مُنِعَ من الصَّرْف ألا يجوز صرفه، هذا الأصل فيه، حِينئذٍ كونه يجوز فيه الوجهان هذا خلاف الأصل. قيل: وإذا صُغِّرَ نحو (هِنْد) .. إذاً: عرفنا (هِنْد) فيه وجهان: الصَّرْف وعدمه، وكُله مسموع، إلا أنَّ عدم الصَّرْف أحق، لأنه الأكثر وموافقٌ للأصول. وإذا صُغِّرَ نحو (هِنْد) تَحتَّم منعه لظهور التاء، لو قيل: هُنَيْدةُ، ممنوع أو لا؟ (هِنْد) يَجوز فيه الوجهان (هُنَيْدةُ) تصغيره؟ المنع مُطلقاً، لماذا؟ لأنه دخل في النوع الأول: (كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَاً) فـ: (هُنَيْدةُ) هذا ممنوعٌ من الصَّرْف. وإذا سُمِّي مُذكَّر بِمُؤنَّث مُجرَّد من التاء، فإن كان ثلاثياً صرف مُطلقاً خلافاً للفَرَّاء، لو سُمِّي رجل: هِنْد، أو: دَعْد، صُرف مُطلقاً، لماذا؟ لأنه ليس مُؤنَّثاً، وإنما وجدت فيه العَلميَّة فحسب، (زيد) جاء زيدٌ .. رأيت زيداً .. مررت بزيدٍ، عَلَم لمذكَّر هو مصروف، حِينئذٍ إذا جَعَلته عَلَم لمُؤنَّث صار ممنوعاً من الصَّرْف لاجتماع العِلَّتين، وجد فيه التأنيث مع كونه عَلَماً سَابقاً ولاحقاً، طيب! إذا عَكَسْت جئت بـ: هِنْد، قلنا: الأصل فيه وجهان، والمنع أحق .. أنَّه ممنوعٌ من الصَّرْف، سَمَّيْت به مُذكَّر حِينئذٍ يُصرَف لزوال التأنيث وبقاء العَلميَّة. إذاً: كَذَا مُؤَنَّثٌ بِهَاءٍ مُطْلَقَاً ... وَشَرْطُ مَنْعِ العَارِ كَوْنُهُ ارْتَقَى العَارِ يعني: من التاء، كَوْنُهُ هذا العاري ارْتَقَى وعلا وزاد (فَوْقَ الثَّلاَثِ) (فَوْقَ) هذا مُتَعلِّق بقوله (ارْتَقَى) (فَوْقَ) مضاف و (الثَّلاَثِ) مضافٌ إليه بِحذف التاء، لأنه مضافٌ في التقدير للأحرف، والحرف يُذكَّر ويُؤنَّث، (أَوْ) للتنويع والتقسيم (كَجُورَ) يعني: مثل جُورَ، و (جُورَ) من لفظه تأخذ أنَّه مُؤنَّث، وهو ثلاثي ساكن الوسط، لكنَّه أعجمي. إذاً: كل ما كان على هذه الزنة فهو ممنوعٌ من الصَّرْف مُطلقاً. (أَوْ سَقَرْ) (أَوْ) للتقسيم والتنويع و (سَقَرْ) هذا ثلاثي مُؤنَّث وهو مُحرَّك الوسط، لكنَّه ليس أعْجَمياً (أَوْ زَيدٍ) هذا النوع الرابع فـ: (أَوْ) فيه للتقسيم والتنويع و (زَيدٍ) هذا في الأصل أنَّه عَلمٌ لمذكَّر، ولكن رَفَع هذا الأصل بقوله: (?سْمَ امْرَأَةٍ) حالٌ من زيد لاَ اسْمَ ذَكَرْ. وما لم يذكره وهو لفظ (هِنْد) قال: (وَجْهَانِ) الصَّرْف وعدمه (فِي الْعَادِمِ) في الذي عَدِم (تَذْكِيراً سَبَقْ) سبق ذكره في قوله: (زَيدٍ) (وَعُجمَةً كَهِنْدَ) فتَعيَّن أنَّ مراده هو الثلاثي ساكن الوسط (كهِنْدَ وَالمَنْعُ أحَقُّ) الوجهين، يعني: أصْوَّب الوجهين.

قال الشَّارِح هنا: " ومِمَّا يُمنع صرفَه أيضاً العَلميَّة والتأنيث، فإن كان العَلَم مُؤنَّثاً بالهاء امتنع من الصَّرْف مُطلقاً "أي: سواءٌ كان عَلَماً لمذكَّر كـ: طلحة، أو لمُؤنَّث كـ: فاطمة، زائداً على ثلاثة أحرف كما مُثِّل، أم لم يكن كذلك: ثُبَة وقُلَة علمين، ولا يُمثَّل بساكن الوسط مَختوماً بالتاء، لأن التاء لا بُدَّ أن يكون ما قبلها مفتوح. وإن كان مُؤنَّثاً بالتَّعليق، أي: بكونه عَلَم أنثى، فإمَّا أن يكون على ثلاثة أحرف أو على أزْيَد من ذلك، فإن كان على أزيد من ذلك امتنع من الصَّرْف كـ: زينب، يعني: العاري الذي أراد من قوله: (فَوْقَ الثَّلاَثِ) وسعاد علمين، فتقول: هذه زينب (زينب) هذا ممنوعٌ من الصَّرْف خبر، لا يُنوَّن لقيام علتين فيه: وهما العَلميَّة والتأنيث، إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى ترجع إلى المعنى، ورأيت زينب، ومررت بزينب. وإن كان على ثلاثة أحرف، فإن كان مُحرَّك الوسط مُنِع أيضاً، كـ: (سَقَرَ) وإن كان ساكن الوسط فإمَّا أن يكون أعْجَمياً أو لا، فإن كان أعجمياً كـ: (جُورَ) اسم بلد، أو منقولاً من مُذكَّر إلى مُؤنَّث كـ: (زيد) اسم امرأة مُنِعَ أيضاً، يعني: واجب المنع، فإن لم يكن كذلك بأن كان ساكن الوسط وليس أعجمياً ولا منقولاً من مُذكَّر (عَادِمِ تَذْكِيراً سَبَقْ وَعُجْمَةً) ففيه وجهان: المنع والصَّرْف، والمنع أولى، فتقول: هذه هِنْدُ، ورأيت هِنْدَ، ومررت بِهنْدَ. وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ مَعْ ... زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ صَرْفُهُ امْتَنَعْ (وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ) هذا مِمَّا يَمتنع صرفه لوجود عِلَّتين: إحداهما العُجْمَة، والثاني: العَلميَّة، وهو الذي عناه بقوله: (وَالتَّعْرِيْفِ). (وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ) إضافةٌ لفظية فليست على معنى حرفٍ، أي: العَجَميُّ وضعه وتعريفه، والمراد بالعَجَمِي: معلوم أنَّ لسان العرب يقابله لسان العجم، فكل ما نُقِلَ من لسان غير العرب، ولا يَخْتصُّ بالفُرس كما قال بعضهم لا، بل هو عام، فكل لَفظٍ ينقل عن غير لسان العرب فيُستَعمَل في لسان العرب فيُسمَّى أعجمياً، سواءً كان لغة الفرس .. سواءً كان لغة انجليزية .. فرنسية، أيَّاً كان ما دام أنه ليس من لسان العرب فيُسمَّى أعَجَمياً، وهو موجود .. العجمي موجودٌ في لسان العرب. وبعض الناس عندهم حساسية من بعض الألفاظ التي تكون دخيلة، فكل لفظٍ دخيل فالنحاة وضعوا له عنوان، يُسمَّى: العَجَمِي، وقد يكون ممنوعاً من الصَّرْف وقد لا يكون، واختلفوا هل هو موجودٌ في القرآن أو لا، حِينئذٍ إذا اسْتُعمِل لفظ من غير لسان العرب، وخاصَّة إذا شاع وانتشر ومضى عليه القوم الآباء والأجداد، حِينئذٍ يبقى على أصله، وتُنَزَّل عليه هذه الأحكام: يُمنع من الصَّرْف للعَلميَّة إذا كان علماً، بالشروط الآتية، ولا تكون هناك حساسية فيه.

(وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ) إذاً: العَجَمي ما نُقِلَ من لسان غير العرب ولا يَختَص بلغة الفرس (الْوَضْعِ) يعني: في وضع العجم أن يكون عَلَماً عندهم، فتَنقُله إلى العرب، ويكون عَلَماً، فإن لم يكن عَلَماً عندهم، فنقلته وجعلته عَلَماً، فهو من الأمثلة، لا يُمنَع من الصَّرْف لتَخلُّف الشرط، ولذلك نَصَّ على الوضع، والوضع هو جعل اللفظ دليلاً على المعنى ابتداءً. حِينئذٍ ما وضع عَلَماً في لسانهم واستعملناه عَلَماً في لساننا مُنِع من الصَّرْف، وما لم يكن كذلك فلا، لكن يُزَاد على هذا الشرط قال: (مَعْ زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف أربعة فصاعداً. أي: مِمَّا لا يَنْصرِف ما فيه فرعيَّة المعنى بالعَلميَّة، وفرعية اللفظ بكونه من الأوضاع العجمية، لكن بشرطين: الأول: ما أشار إليه بقوله: (وَالتَّعْرِيْفِ) أن يكون علماً في لغتهم. الثاني: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، كـ: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، أعجمية هذه وجاءت في القرآن وهي ممنوعة من الصَّرْف، حِينئذٍ منعها من الصَّرْف لسببين .. عِلَّتين: الأولى العَلميَّة وهي في لسان العجم كذلك، وثانياً: زائدةً على ثلاثة أحرف. فإن كان الاسم الأعجمي عَجَمي الوضع غير عَجَمي التَّعريف، يعني: عندهم هو من لسانهم مثل: لِجَام (لِجَام) هذه عَجَميَّة لكنها اسم جنس لم تُستَعمل عَلَماً، فإذا أخذناها من لسانهم وجعلناها عَلَماً حِينئذٍ نقول: لِجَام عَجَمي الوضع غير عَجَمي التَّعرِيف .. العَلميَّة، لأنه وضع عندهم اسم جنس لا عَلَم، حِينئذٍ إذا استعملناه عَلَماً انصرف على الأصل. فإن كان الاسم عَجَمي الوضع غير عَجَمي التَّعرِيف انصرف كـ: (لِجَام) إذا سُمِّي به رجل، لأنه قد تُصُرِّف فيه بنقله عَمَّا وضَعَته العجم له، فألحق بالأمثلة العربية. (وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ) يعني: العَجَمي وضعه (وَالتَّعْرِيْفِ) يعني: تعريفه، لا بُدَّ أن يكون في الوضع أعجمياً .. في لسان العجم، وأن يكون مستعملاً أصالةً في العَلميَّة، وهو التعريف الذي عناه الناظم في لسان العجم (مَعْ زَيدٍ) (مَعْ) هذا حالٌ من الضمير في العجمي (الْعَجَمِيُّ) هذا نسبة، سيأتي أنه يَتحمَّل الضمير مثل: قُرَشي، ولذلك يُقال: زيدٌ قُرشيٌ أبوه (أبوه) هذا فاعل، العامل فيه قرشي. (وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ مَعْ) إذاً: (مَعْ) هذا حالٌ من الضمير في (الْعَجَمِيُّ) (مَعْ) مضاف و (زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) (زَيدٍ) هذا مصدر زاد يزيد زيادةً، حِينئذٍ المراد به ما زاد الزيادة المعلومة (زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) (عَلَى الثَّلاَثِ) هذا مُتَعلِّق بـ: (زَيدٍ) (عَلَى الثَّلاَثِ) أيضاً حَذَف التاء لأنه مضافٌ في التقدير إلى الأحرف، والحرف يُذكَّر ويؤنث. أمَّا الثلاثي العَجَمي ففيه ثلاثة مذاهب: الأول: أنَّ العُجْمة لا أثر لها فيه مُطلقاً، يعني: مصروف. الثاني: أنَّ ما تَحرَّك وسطه لا ينصرف، وفيما سكن وسطه وجهان، هذا مذهبٌ: أنَّه إذا تَحرَّك الوسط امتنع، وإذا سكن فيه وجهان. الثالث: أنَّ ما تَحرَّك وسطه لا ينصرف، وما سكن وسطه ينصرف، يعني: دون تجويز الوجهين.

وظاهر كلام النَّاظم هنا (مَعْ زَيدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) اشترط الزيادة على الثلاث، مفهومه: أنَّ الثلاثي مُطلقاً مُحرَّك الوسط أو لا مصروف، مفهومه مفهوم مخالفة: أنَّ ما كان دون الأربع، لأنه قال: (زَيدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) إذاً: أربعة فصاعداً، إذاً: الثلاثي على ظاهر كلام النَّاظم بالمفهوم: أنَّه مصروف مُطلقاً سواء كان مُحرَّك الوسط أو لا. إذاً: فُهِم منه من قوله: (زَيدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) أنّه إذا كان ثلاثياً انصرف، وشَمِل الساكن الوسط كـ: نوح ولوط، والمُتحرِّك الوسط كـ: مَلَك، ولذلك جاء: ((إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً)) [نوح:1] (نُوح) أعجمي وليس بعربي ومع ذلك صُرِف، وكذلك: ((إِلَّا آلَ لُوطٍ)) [الحجر:59] مصروف. حِينئذٍ نقول: ما كان ثلاثياً فالأصل فيه – وخاصة إذا كان ساكناً – فهو مصروف. وجميع أسماء الأنبياء أعجمية إلا أربعة: محمد صلى الله عليه وسلم، وصالح، وشعيب، وهودٌ عليهم الصلاة والسلام. قال الشَّارِح هنا: " ويَمنع صرف الاسم أيضاً العُجمة والتعريف، وشرطه أن يكون عَلَماً في اللسان الأعجمي، وزائداً على ثلاثة أحرف، كـ: إبراهيم، وإسماعيل، فتقول: هذا إبراهيمُ، ورأيت إبراهيمَ، ومررت بإبراهيمَ، فنمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة والعجمة، فإن لم يكن الأعجمي عَلَماً في لسان العجم، بل في لسان العرب، أو كان نكرةً فيهما، كـ: لِجَام، عَلَماً أو غير عَلَم صَرَفْته، فتقول: هذا لِجَامٌ، ورأيت لِجَاماً، ومررت بِلِجَامٍ، وكذلك تصرف ما كان عَلَماً أعجمياً على ثلاثة أحرف، سواءً كان مُحرَّك الوسط، كـ: شَتَر، هذا اسم ملك التتار، أو ساكنه كـ: نوحٍ ولوط " إذاً: هو عام. هذا ظاهر كلام النَّاظم هنا رحمه الله تعالى. إذاً: (وَالْعَجَمِيُّ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيْفِ) (التَّعْرِيْفِ) هذا معطوف على قوله: (الْوَضْعِ) وهو مجرور (مَعْ زَيْدٍ عَلَى الثَّلاَثِ) (مَعْ) تُفِيد المصاحبة، يعني: شرطان لا بُدَّ منهما (صَرْفُهُ امْتَنَعْ) (صَرْفُهُ) هذا مبتدأ و (امْتَنَعْ) هذا فعل ماضي والجملة خبر (وَالْعَجَمِيُّ) قلنا: هذا مبتدأ، أين خبره؟ جملة: (صَرْفُهُ امْتَنَعْ) والعائد هو الضمير الذي أضيف إليه المبتدأ. إذا كان الأعجمي رُباعياً وأحد حروفه ياء التَّصغِير انصرف ولا يُعتدُّ بالياء، إذا كان الأعجمي رباعياً .. على أربعة أحرف، نحن قلنا: أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، طيب! قد يكون رباعياً وفيه ياء التَّصغِير، انصرف، الياء هذه زائدة لا عِبْرة بها، فكأنه ثلاثي مثل: نُوْح ولُوْط وشَتَرْ. كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ ... أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى (أَحمَدٍ) صَرَفه للوزن، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك في منع الاسم من الصَّرْف "عَلَمٌ ذو وزنٍ يَخص الفعل" عَلَمٌ ذو وزنٍ؛ لأن البحث هنا فيما عُرِّف بالعَلميَّة، لِمَا وجدَ فيه عِلَّة معنوية وهي التَّعريف بالعَلميَّة (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك، هذا خبر مُقدَّم جار ومَجرور مُتَعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم.

(ذُو وَزْنٍ) صاحب وزنٍ، أيضاً صفةٌ لموصوفٍ محذوف علمٌ ذو وزنٍ (ذُو) بمعنى: صاحب، وهو مرفوع ورفعه الواو نيابةً عن الضَّمَّة (ذُو) مضاف و (وَزْنٍ) بالتنوين مضاف إليه (ذُو وَزْنٍ) يعني: صاحب وزنٍ يَخص الفعل، يعني: خَاصَّاً بالفعل، لو سُمِّي به يعني: هو في الأصل وزنٌ لا يكون إلا للفعل. وسبق أن الأوزان ثلاثة في الجملة .. في الأصل يعني: - ما يَختَص بالاسم. - ما يَختَص بالفعل. - ما يكون مشتركاً بينهما. وقد يكون في الاشتراك هنا أحدهما أغلب على الثاني، يعني: يغلب في الاسم دون الفعل، وقد يكون بالعكس، وقد يكون متساوياً، فالقسمة خماسية عند التقسيم: ما كان خَاصَّاً بالفعل وما كان خَاصَّاً بالاسم، ما كان خَاصَّاً بالفعل، يعني: لا يكون في الاسم البَتَّة، مثل: فَعَّل وانْفَعَل وافْتَعَل، هذه كلها من خواص الأفعال. وقد يكون في الاسم ما هو من خَواصِّه، وقد يكون مشترك، المشترك يعني: وزن واحد يأتي عليه الاسم، ويأتي عليه الفعل، فحِينئذٍ مع الاشتراك قد يكون أحدهما أغلب، وقد يكونا متساويين، فهذا القسم تحته ثلاثة أنواع: - ما يكون مشتركاً بينهما وهو أغلب في الفعل. - ما يكون مشتركاً بينهما وهو أغلب في الاسم. - ما يشتركان معاً، مثل: فَعَلَ، هذا لا يَختص به الفعل، يكون في الاسم ويكون في الفعل، وفَعْلٌ كذلك إذا خُفِّف ضَرْبَ، نقول: هذا ليس خَاصَّاً بالفعل. هنا قال: (كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ) (وَزْنٍ) معلوم الوزن، يعني: البِنْيَة والصيغة التي ذكرناها، الوزن والبِنية والصيغة بمعنىً واحد (ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ) يعني: أن يكون على وزنٍ: فَعَلَ .. فَعِلَ .. فَعُلَ .. انْفَعَل .. افْتَعَل إلى آخره افْعَالَّ، نقول: هذه كلها أوزان، فَعَّلَ .. فُعِلَ هذه أوزان. (ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ) حِينئذٍ إذا وجد في الاسم عِلَّةٌ وهي كونه على وزن الفعل، فإذا كان هذا الوزن خَاصَّاً بالفعل حِينئذٍ نقول: مع العَلميَّة نمنعه من الصَّرْف، والعَلميَّة فرعٌ في المعنى، ووزن الفعل فرعٌ في اللفظ، لماذا صار فرعاً؟ نقول: لأن هذا الاسم الذي خرج عن أصله .. جاء على وزن الفعل، الأصل أن يأتي على وزنه هو الخاص به، أو الذي يغلب عليه، فَلمَّا جاء على وزن غيره صار فرعاً، مثل العُجْمَة السابق، نقول: كيف جاءت فَرعيَّة؟ لأن أنت عربي مثلاً، فالأصل أنك تتكلَّم بلسان العرب، فإذا تَكَلَّمت بلسان غير العرب صار فرعاً .. درجة ثانية، حِينئذٍ تكون هذه فرعيَّة. كذلك الأصل في الاسم أن يكون على وزنه الخاص، فإذا جاء على وزن غيره حِينئذٍ نقول: هذا فرعٌ فيه، عَدَل عن الأصل وجاء على فرعٍ.

(كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ) أي: مِمَّا يَمنع الصَّرْف مع العَلميَّة وزن الفعل، يعني: أن يكون الاسم على وزن الفعل، وعرفنا الفَرعيَّة هنا، بشرط أن يكون مُختصَّاً به أو غالباً فيه (مُختصَّاً به) يعني: مُختصَّاً بالفعل، أو غالباً به بالفعل، وأمَّا إذا كان مُشتركاً مثل (فَعَلَ) (بَطَل) مثلاً لا نقول: ممنوع من الصَّرْف لأنه على وزن فَعَلَ، وفَعَلَ يكون ضَرَبَ وقَتَلَ، لا نقول: هذا مُشترك، لأن الوزن ليس خَاصَّاً بالفعل، بل ليس غالباً في الفعل، وليس غالباً في الأسماء. حِينئذٍ لا بُدَّ أن يكون الوزن خَاصَّاً بالفعل ولا يكون في الأسماء، أو أن يكون مُشتركاً، لكنَّه غالبٌ في الفعل، أكثر ما يكون في الفعل، والمراد بالمختص: ما لا يوجد في غير فعلٍ إلا في نادرٍ أو عَلَمٍ أو أعجمي (عَلَمٍ) يكون بالنَّقل، يعني: يُنقل، أصل (قَتَّلَ) لو سَمَّيت رجل قَتَّلَ، تقول: قَتَّلَ على وزن فَعَّلَ، لا يكون في الأسماء ما هو على وزن (فَعَّلَ). أو نقول مثلاً: ضُرِبَ، جعلته علم: جاء ضُرِبَ .. قُتِلَ .. نُصِرَ، نقول: ما كان على وزن (فُعِلَ) هذا خاصٌ بالفعل، فإذا سُمِّي به عَلَم .. رجل، حِينئذٍ نقول: هذا منقول. إذاً: المختص بالفعل ما لا يوجد في غير فعلٍ إلا في نادرٍ، ألفاظ لا يُعتدُّ بها، أو في عَلَمٍ منقول، أو أعجمي، كصيغة الماضي المفتتح بتاء المطاوعه: تَعَلَّمَ وتَكَلَّمَ، نقول: ما كان على وزن (تَفَعَّلَ) فهو خاصٌ بالفعل، أو بهمزة الوصل كـ: انْطَلَق، واجْتَمَع (افْتَعَل) و (افْعَالَّ) كل ما كان مبدوءً بهمزة الوصل وهو فعلٌ فهو خاصٌ بالفعل. و (خَضَّمَ) لمكان و (شَمَّرَ) لفرس، واسْتخْرَج وتَفَاعَل وانْطَلَق كلها أعلام لو سُمِّي بها حِينئذٍ نقول: هذا جاء على وزن خَاصٍ بالفعل، لو سُمِّي رجل بـ: انْطَلَق، يعني: نقلت الفعل .. جعلته عَلَماً، حِينئذٍ نقول: هذا العلم خاصٌ بالفعل، فاجتمع فيه عِلَّتان: جاء انْطَلَقُ .. رأيت انْطَلَقَ .. مررت بانْطَلَقَ (انْطَلَقَ) هذا ممنوعٌ من الصَّرْف للعَلميَّة ووزن الفعل الخاص به. مثله: شَمَّرَ لفرس: جرى شَمَّرَ .. رأيت شَمَّرَ .. علوتُ على شَمَّرَ، فـ: (شَمَّرَ) نقول: هذا ممنوعٌ من الصَّرْف للعَلميَّة ووزن الفعل، لأنه على زون (فَعَّلَ) و (فَعَّلَ) خاصٌ بالفعل، إذاً: منع من الصَّرْف لهذه العِلَّة. والمراد بالغالب: ما كان الفعل به أولى، وهذا سبق في باب (أفْعَلَ) هناك، قلنا: أفْعَلَ .. أفْكَلَ، تأتي الهمزة في الاسم، وتأتي في (أحْمَد) حِينئذٍ نقول: في (أحْمَد) أثَّرت .. أحْمَدُ الله، إذاً: هذه الزيادة موجودة، وهي على وزن (أفْعَلَ) وزيدت فيه الهمزة، أدَّتْ معنى أو لا؟ أدَّتْ معنى، طيب! (أفْكَلَ)؟ اسمٌ للرِّعْدة والشِّدَّة ونحو ذلك، نقول: هذه فيه زيادة وهي الهمزة مثل (أحْمَد) لكنها لم تُؤثِّر في المعنى. إذاً: ما كانت الزِّيادة مُؤثِّرة في المعنى أصلٌ لِمَا كانت الزيادة لا تُؤثِّر في المعنى، للقاعدة: أنَّ العرب لا تزيد حرفاً إلا لمعنىً، فإذا زيد حرف لغير معنى، حِينئذٍ نقول: هذا خلاف الأصل صار فرعاً.

والمراد بالغالب: ما كان الفعل به أولى إمَّا لكثرته فيه، كـ: إثْمِد، وإصْبَع، وأُبْلُم، هذه أوزان ثلاث موجودة في الأسماء وموجودة في الأفعال، لكنَّها في الفعل كثير، لماذا؟ لأن (إثْمِد، وإصْبَع، وأُبْلُم) أعلاماً، فإنَّ أوزانها تقل في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، لأن إثْمِد مثل اضْرِب، فعل أمر من: ضَرَبَ، وهذا كثير من (فَعَلَ) إذاً: اضْرِب (افْعِل) إثْمِد، هذا في الفعل أكثر منه في الأسماء، لأن الأسماء معدودة يمكن حصرها، وأمَّا فعل الأمر من (ضَرَبَ) هذا كثير جداً (إصْبَع) هذا الأمر من (ذَهَبَ .. اذْهَب .. إصْبَع). إذاً: الوزن موجود في الاسم وموجود في الفعل، إلا أنَّه في الفعل أكثر، لماذا؟ لكونه على وزن الأمر من (ذَهَبَ) اذْهَب .. ذَهَبَ يْذَهَب .. فَعَلَ يَفْعَل، وكذلك: أُبْلُم، هذا (افْعُل) أمرٌ من: كَتَبَ .. يَكْتُب .. اكْتُب، وهذا كثير: فَعَلَ يَفْعُل .. كَتَبَ يَكْتُب، إذاً: هذه الأوزان موجودة في الأسماء وموجودة في الأفعال، إلا أنَّها في الأفعال كثيرة، لماذا؟ لكونها على أوزان أفعال أمرٍ من (ذَهَبَ) و (ضَرَبَ) و (كَتَبَ) فدَلَّ على أنَّ مثلها كثير. تقل في الاسم وتكثر في الأمر من الثلاثي، كـ: ضرب، وذهب، وكتب، وأمَّا لأن أوله زيادةً تَدلُّ على معنىً في الفعل دون الاسم، هذا نحو: أفْكَلَ، وأكْلُب، فإنَّ نظائرهما تكثر في الأسماء والأفعال كما سبق: أنَّ (أفْعَلَ) وهذا سبق التعبير هناك قلنا: (أفْعَل) الأولى ألا يُعبَّر به وإنما يُقَال: وَزْنٌ الفِعْل بِه أولى، لأن الزيادة هنا أثَّرَت في الفعل ولم تُؤثِّر في الاسم، وما أثَّرَت فيه الزيادة فالوزن أولى به، لأنه الأصل، وما لم تؤثِّر فيه الزيادة فهو فرعٌ، ولذلك هو ليس بغالبٍ فيه. كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ ... أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى (أَوْ غَالِبٍ) هذا معطوف على (يَخصُّ) (أَوْ غَالِبٍ) (أَوْ) حرف عطف وهي للتنويع والتقسيم (غَالِبٍ) عطف الاسم على الفعل وهو (يَخُصُّ) إمَّا أن يؤوَّل الأول وزنٌ خاصٌ بالفعل أو غَالبٍ، فعطف صفة على صفة، أو يؤوَّل الثاني وزنٍ يخص الفعل أو يغلب .. يَغْلِب .. يَغْلُب، وجهان، إذاً: إمَّا أن تؤوِّل الأول وإمَّا أن تؤوِّل الثاني من أجل أن يكون المعنى مثل: ((صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ)) [الملك:19] يعني: قابضات، فيؤول الثاني لأن الأول حال. إذاً: (أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى) (أَحَمَد) مثال لأي شيء، للخاص أو الغالب؟ الغالب لأنه على وزن (أفْعَل) فيه زيادةٌ الفعلُ بها أولى، لأن هذه الزيادة موجودة في: (أفْكَل) وكذلك (أكْلُب) لكن هذه الزيادة لم تؤثِّر، وإنما أثَّرت في الفعل، فدل على أن ما أثَّرت فيه هو أولى بها، لأنها موافقة للأصل. (وَيَعْلَى)؟ .. هو مَثَّل بِمثالين للغالب ولم يُمثِّل للخاص، لأن (يَعْلَى) هذا ليس خَاصَّاً بالفعل (يَفْعَل) ليس خَاصَّاً بالفعل، فالمثالان للغالب، ولم يُمثِّل للخاص. قوله: (ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ) فُهِمَ: أنَّ الوزن المشترك غير الغالب لا يمنع الصَّرْف، نحو: ضَرَبَ، وخَرَجَ.

قوله: (ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ أَوْ غَالِبٍ) مفهومه: أنَّ ما كان من الوزن ليس بِخاصٍّ وليس بِغالبٍ لا يمنع الصَّرْف، مثل ما ذكرناه في (فَعَلَ) لو سُمِّي رجل بـ: (ضَرَبَ) تَمنعه أو لا؟ ما يُمنع، تقول: جاء ضَرَبٌ، ورأيت ضَرَباً، ومررت بِضَرَبٍ، لأنه لم يأت على وزنٍ يَخصُّ الفعل أو يغلب في الفعل، بل جاء على وزنٍ مشترك، أمَّا لو قيل: ضُرِبَ، نقول: لا، هذا خَاصٌّ بالفعل، فجاء ضُرِبُ، ورأيت ضُرِبَ، ومررت بضُرِبَ. إذاً واضح هذا: كَذَاكَ ذُوْ وَزْنٍ يَخُصُّ الْفِعْلاَ ... أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى قال المكُودِي: " شَمِل الغالب ما وجوده في الأفعال أكثر من وجوده في الأسماء، نحو: (افْعَل) فإنه يوجد في الأسماء نحو: إصْبَع، لكن وجوده في الأفعال أكثر، وهو فعل أمرٍ من (فَعَلَ) وما كثر في الأسماء والأفعال معاً نحو: (أفْعَل) فإنَّه يوجد في الأفعال كثيراً نحو: أرْكَب وأشْرَب، وكذلك في الأسماء نحو: أفْكَل وأبْدَع - (أبْدَع) هذا اسمٌ للزَّعْفَران – لكن الهمزة في الفعل تدل على معنىً، وليست كذلك في الأسماء، فكان غالباً من هذه الحيْثيَّة". إذاً: هو كثير في الأسماء والأفعال على وزن (أفْعَل) لكن لَمَّا كانت الزيادة مُؤثِّرة في المعنى في الفعل جُعِل غالباً، لأنه موافق للأصل، ما هو الأصل؟ أنَّ الزيادة لا تكون إلا لمعنىً، فوجدت في الفعل (أَحْمَدْ) الهمزة للمُتَكلِّم، وأشرب إلى آخره، فالهمزة للمُتَكلِّم، أمَّا (أفْكَل) هذه لم تكن فيها إلا مُجرَّد الزيادة، حرف على وزن (أفْعَل). حِينئذٍ ما كانت الزيادة فيه مُؤثِّرة في المعنى أصلٌ وهو الغالب وهو الكثير، وما لم يكن كذلك فهو أدْوَن. لكن الهمزة في الفعل تَدلُّ على معنىً وليست كذلك في الأسماء، فكان غالباً من هذا الوجه، وكذلك (يَعْلَى) وهو على وزن (يَفْعَل) وهو أيضاً موجودٌ في الأفعال والأسماء ليس بخاص، نحو: نَذْهَب في الأفعال، ونَدْمَع في الأسماء، وجد هنا وهناك، لكن قد يُقال: بأنَّه غالبٌ في الفعل لكون الياء تَدلُّ على معنى وهي الغيْبَة، وأمَّا في: نَدْمَع أو يَدْمَع نقول: هذه لا تدل على شيء. قال الشَّارِح هنا ابن عقيل: " أي: كذلك يُمنع صرف الاسم إذا كان عَلَماً بشرطٍ وهو: أن يكون على وزْنٍ يَخصُّ الفعل أو يَغلب فيه " يَغْلِب يَغْلُب فيه وجهان، والمراد بالوزن الذي يَخصُّ الفعل: ما لا يوجد في غيره إلا ندوراً .. قليل، وذلك كـ: (فَعَّلَ وفُعِلَ) فلو سَمَّيت رجلاً بـ: ضُرِبَ، أو: كَلَّمَ، منعته من الصَّرْف، فتقول: هذا ضُرِبُ، أو: هذا كَلَّمُ، أو: رأيت ضُرِبَ، أو: كَلَّمَ، ومررت بِضُرِبَ، أو: كَلَّمَ.

والمراد بِما يغلب فيه: أن يكون الوزن يوجد في الفعل كثيراً، أو يكون فيه زيادةٌ تَدلُّ على معنىً في الفعل، ولا تَدلُّ على معنىً في الاسم فالأول كـ: إثْمِد وإصْبَع، فإنَّ هاتين الصِّيغتين يكثران في الفعل دون الاسم كـ: اضْرِب واسْمَع، ونحوهما من الأمر المأخوذ من فعل ثلاثي، فلو سَمَّيت رجلاً بـ: إثْمِد وإصْبِع وإصْبَع، منعته من الصَّرْف للعَلميَّة ووزن الفعل، فتقول: هذا إثِمْدُ، ورأيت إثْمِدَ، ومررت بإثْمِدَ، والثاني: كـ: أحْمَد ويَزِيد، ويَشْكُر، وتَغْلِب، فإن كلاً من الهمزة والياء يدل على معنىً في الفعل وهو التَّكلُّم والغيبة، ولا يدل معنىً في الاسم، فهذا الوزن غالبٌ في الفعل، بِمعنى: أنَّه به أولى، فتقول: هذا أحْمَدُ ويَزِيدُ، ورأيت أحْمَدَ ويَزيِدَ، ومررت بأحْمَدَ ويَزِيدَ، فيمنع للعَلميَّة ووزن الفعل. فإن كان الوزن غير مُختصٍّ بالفعل ولا غالبٍ فيه لم يُمنع من الصَّرْف، فتقول في رجل اسمه: ضَرَبَ، هذا ضَرَبٌ، ورأيت ضَرَباً، ومررت بِضَرَبٍ، لأنه يوجد في الاسم كـ: حَجَر، وفي الفعل كـ: ضَرَبَ. وَمَا يَصِيرُ عَلَمَاً مِنْ ذِيْ أَلِفْ ... زِيدَتْ لإِلْحَاقٍ فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ (وَمَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، وهو مبتدأ (يَصِيرُ عَلَمَاً) (يَصِيرُ) فعل مضارع ناقص فيحتاج إلى اسمٍ وخبر، لأنه من أخوات (كان) .. صار يصير: وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ هنا (صار) يحتاج إلى اسم وخبر، يصير مثله، لأنه فعل مضارع (يَصِيرُ) هو (عَلَمَاً) خبر (يَصِيرُ). (مِنْ ذِيْ أَلِفْ زِيدَتْ لإِلْحَاقٍ) (مِنْ ذِيْ أَلِفْ) المراد بها المقصورة، يعني: ألف التأنيث إمَّا أن تكون ممدودة، وإمَّا أن تكون مقصورة، والمراد هنا في هذا التركيب .. في هذا البيت المقصورة لا الممدودة، ولذلك كان الأولى أن يُقيِّده بالمقصورة صريحاً، أو بالمثال أو بهما، لكنَّه لم يذكر مثالاً فأطلق، ولذلك ورد عليه الاعتراض. (وَمَا يَصِيرُ عَلَمَاً مِن ذِي أَلِفْ) يعني: من اسمٍ ذي ألف (زِيدَتْ لإِلحَاقٍ) الإلحاق باب واسع عند الصَّرْفيين، والمراد به: جَعْل كلمة على مثال كلمة أخرى رباعية الأصول أو خماسيتها، يعني: تلحق زيادة بلفظٍ من أجل أن يُجْعَل مثل الملحق به، وله شروطه، سبق شرحه في نظم المقصود. فمثلاً: جَلَبَ، يُقال: جَلْبَبَ، أصله: جَلَبَ، زيدت الباء من أجل أن يكون موازناً لـ: دَحْرَج، في تصرفاته، فيُقال: دَحْرَج يُدَحْرِج دَحْرَجةً ودِحْرَاجاً (جَلَبَ) لوحده ما يمكن أن يكون مثل (دَحْرَج) لأن دَحْرَج رباعي، وجَلَبَ ثلاثي، نزيده حرفاً، فقيل: جَلْبَبَ على وزن (فَعْلَلَ) مثل: دَحْرَج. إذاً: جَلْبَبَ يُجَلْبِب جَلْبَبَةً وجِلْبَاباً، كما تقول: دَحْرَج يُدَحْرِج دَحْرَجةً ودِحْرَاجاً، هذا باب الإلحاق، وفيه تفصيل طويل عريض فليُرْجَع إلى ما ذكرناه سابقاً. وَمَا يَصِيرُ عَلَمَاً مِنْ ذِيْ أَلِفْ ... زِيدَتْ لإِلْحَاقٍ. . . . . . . . . .

يعني: جَعْلُ كلمة على مثال كلمة أخرى (فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ) الفاء هذه زائدة، لأن (مَا) مبتدأ وفيه معنى العموم، بل هي من صِيَغ العموم، وعليه يَجوز زيادة الفاء في الخبر، وقوله: (لَيْسَ يَنْصَرِفْ) (لَيْسَ) فعل ماضي ناقص، والاسم ضمير مستتر يعود على (مَا) و (يَنْصَرِفْ) هذا فعلٌ في محل نَصْب خبر (لَيْسَ). إذاً مراده هنا: أنَّه إذا سُمِّي بما فيه ألف الإلحاق، يعني: اجتمع فيه عِلَّتان: العَلميَّة وهي ثابتة، ثُمَّ المُسمَّى به ما فيه ألف الإلحاق، وليست هي ألف التأنيث السابقة، لئلا يُقال: بأنَّه اجتمع عندنا تأنيثٌ وعَلميَّة، يعني أنه إذا سُمِّي بما فيه ألف الإلحاق امتنع صرفه للعَلميَّة وشبه ألف التأنيث، وليست هي ألف التأنيث، نحو: عَلْقَى، مُسمَّىً به لأنه ملحق بـ: جَعْفَر، عَلْقَى أصله: هو العين واللام والقاف، مثل: جَلَبَ، ألحقت به ألف التأنيث المقصورة من أجل أن يُلحق بـ: جَعْفَر. وفُهِم منه: أنَّ الإلحاق إذا كان بالهمزة وسُمِّي به انصرف، ولذلك قلنا: يَجب تقييده (مِن ذِي أَلِفْ) المراد به الألف المقصورة لا الممدودة، فإن كانت مَمدودةً حِينئذٍ انصرف مثل: عَلْبَاء، الهمزة هنا ممدودة وهي للإلحَاق. وفُهِم منه: أنَّ الإلحاق إذا كان بالهمزة وسُمِّي به انصرف، وذلك نحو: عَلْبَاء، فإنَّه ملحقٌ بـ: قِرطَاس، وإنما أثَّرَت ألف الإلحاق المقصورة دون الممدودة لأنها زائدةٌ غير مُبْدَلة من شيء، بِخلاف الممدودة، فإن همزتها مبدلة من ياء، إذاً: عَلْقَى، الألف هذه زائدة ليست مُبدلة من شيء، وأمَّا: عَلْبَاء، فهي مُبدلة من ياء، لذلك أثَّرَت المقصورة دون الممدودة. وَمَا يَصِيرُ عَلَماً مِنْ ذِيْ أَلِفْ ... زِيْدَتْ لإِلْحَاقٍ فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ ولم تستقل ألف الإلحاق بالمنع كألف التأنيث، لأن الملحق بغيره أحط رتبةً منه، لأنه سبق أن الممدود والمقصور كلاهما للتأنيث، وهو مِمَّا يكفي أو يقوم عِلَّة مقام عِلَّتين، وهنا ليس الأمر كذلك، وإنما احتَجْنا إلى عِلِّةٍ أخرى، لماذا لا يُقال في: عَلْقَى، أنَّه مِمَّا قامت فيه عِلَّة مقام عِلَّتين، مثل: سَلْمَى، وحَبْلَى هناك؟ نقول: هنا مُلحقٌ بغيره، والملحق بغيره أحط رتبةً، وذاك أصلٌ بنفسه، وما كان أصلاً بنفسه يَمنع، وما كان ملحقاً بغيره فهو في درجة ثانية. قال الشَّارِح هنا: " أي: ويُمنع صرف الاسم أيضاً للعَلميَّة وألف الإلحاق المقصورة" ألف الإلحاق المقصورة فقط، بخلاف الممدودة نحو: عَلْبَاء. "كـ: عَلْقَى، وأرْطَى (عَلْقَى) اسم نَبْتٍ و (أرْطَى) اسم شَجْرٍ، فتقول فيهما: علمين، هذا عَلْقَى، ورأيت عَلْقَى، ومررت بِعَلْقَى" يعني: ما يظهر فيه. "فتمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة وشبه ألف الإلحاق بألف التأنيث، إذاً: أشْبَهت هذه الألف ألف التأنيث في: سَلْمَى وحُبْلَى هناك، ولم تَمنع بمفردها لِمَا ذكرناه من عِلَّة، ووجه الشَّبَه من جهتين: - أنها زائدة ليست مُبدَلة من شيءٍ بِخلاف الممدودة، فإنها مبدلة من ياء.

- الثاني: أنها تقع في مثالٍ صالحٍ لألف التأنيث، نحو: أرْطَى، فإنه على مثال: سَكْرَى، هو صالحٌ بنفسه لألف التأنيث، يعني: قابلٌ لها، لأنه مثل: سَكْرَى، وعِزْهَى، فهو على مثال: ذِكْرَى، بِخلاف الممدودة نحو: عَلْبَاء، وشِبْه الشيء بالشيء كثيراً ما يلحقه به، وهنا المقصورة للإلحاق أشْبَهت المقصورة هناك في التأنيث فألحقت بها. إذاً: فتمنعه من الصَّرْف للعَلميَّة وشبه ألف الإلحاق بألف التأنيث، من جهة أنَّ ما هي فيه والحالة هذه، أعني: حال كونه عَلَماً لا يقبل تاء التأنيث، فلا تقول فيمن اسمه عَلْقَى: عَلْقَاةٌ، هذا لا يُقال، كما لا تقول حَبْلَى: حُبْلاةٌ، فإن كان ما فيه ألف الإلحاق غَيْرَ عَلَمٍ كـ: عَلْقَى وأرْطَى -لنبات ونحوه- قبل التَّسمِية بهما صرفته، لأنه والحالة هذه لا تشبه ألف التأنيث، وكذا إن كانت ألف الإلحاق ممدودةً كـ: عَلْبَاء، فإنك تصرف ما هي فيه عَلَماً كان أو نكرة. إذاً: وَمَا يَصِيرُ عَلَماً مِنْ ذِيْ أَلِفْ ... زِيْدَتْ لإِلْحَاقٍ .......... هذا أشْبَه ما يكون مُحلقاً بقوله: (فَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ) هناك، إذا كانت مقصورة حِينئذٍ دَلَّت الألف على التأنيث بذاتها، الملحق به حِينئذٍ يأخذ حكمه بشرط إضافة العَلميَّة إليه، فإن وجدت فيه العَلميَّة حِينئذٍ وجد فيه عِلَّتان إحداهما ترجع إلى اللفظ، والأخرى ترجع إلى المعنى، تمنعه من الصَّرْف. فـ: عَلْقَى وأرْطَى، قبل التَّسميَّة ليسا ممنوعين من الصَّرْف، وأمَّا بعد التَّسميَّة حِينئذٍ نقول: هما ممنوعان من الصَّرْف للعَلميَّة ولشبه ألف التأنيث، ووجه الشَّبَه ما ذكرناه في السابق. إذاً: (وَمَا يَصِيرُ) (مَا) يعني: الاسم الذي (يَصِيرُ عَلَمَاً) وأمَّا قبله فهو مصروفٌ (مِن ذِي أَلِفْ) يعني: من اسمٍ صاحب ألفٍ (زِيدَتْ) هذه الألف وهو صفة لألف (لإِلحَاقٍ) وعرفنا معنى الإلحاق (فَلَيْسَ يَنْصَرِفْ) فهو ممنوعٌ من الصَّرْف، للتأنيث أو شبه التأنيث مع العَلميَّة. ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

108

عناصر الدرس * العلمية والعدل * لغات العرب فيما كان على وزن (فعال) ـ * حكم ما اشترط فيه العلمية عند انتفائها * حكم الإسم المنقوص الممنوع من الصرف * صرف الممنوع من الصرف ومنع المصروف ضرورة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينَّا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: لا زال الحديث في بيان العلل التي تَمنع الاسم من الصَّرف، وقفنا عند قول الناظم: وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ أَوْ كَثُعَلاَ وَالْعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ ... إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبَرْ (والعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) لا زال الحديث فيما يِتَعلَّق بالعلل التي تَمنع الصَّرف بشرط العلميَّة، قلنا ما يكون نكرة ولا يُشْتَرَط فيه التَّعريف خمسة، وهي التي بدأ بها الناظم، ثُمَّ شرع في أقسامٍ أو أنواعٍ سبعة لا تمنع الصَّرف إلا مع وجود العلميَّة، هنا قال: وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ .. إذاً: العدل مع العلميَّة، ولكنَّه ذكره في ثلاثة أنواع يعني: العلميَّة والعدل يكونان مانعين للصَّرف في ثلاثة مواضع: الأوَّل: ما أشار إليه بقوله (كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ). والثاني: قوله (أَوْ كَثُعَلاَ). والثالث بقوله: (وَالْعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ) بالشَّرط الَّذي ذكره: (إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبَرْ). (وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ) (الْعَلَمَ) قلنا: هذا منصوبٌ على الاشتغال، امْنَعْ صَرْفْ العَلَمِ، يكون على حذف مضاف، لأن (الْعَلَمَ) لوحده لا يتسلَّط عليه العامل (امْنَعْ العَلَمَ) هذا ما يَتَأتَّى (امْنَعْ صَرْفْ العَلَمْ) حينئذٍ حُذِف المضاف وأُقِيم المضاف إليه مُقَامَه، فإذا جئت تُعْرِب مثل هذا تقول: (الْعَلَمَ) مفعولٌ به على حذف مضاف، منصوبٌ على الاشتغال على حذف المضاف، من أجل أن يُفَسَّرْ، من أجل أن يُسَلَّط عليه العامل فيصح المعنى. (إِنْ عُدِلاَ) الألف للإطلاق، وعرفنا المراد بالعَدْل: وهو تحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، وهذا عندهم على نوعين: (مُحَقَّقْ وَمُقَدَّرْ) (مُحَقَّقْ) هذا قليل أرادوا أن ينسبوا بعضها إلى بعض، كما قالوا في (فُعَلْ .. عُمَرْ) مَعْدُولٌ عن (عَامِر) عَامِر مسموع و (عُمَرْ) مسموع، كلاهما مسموعان، لكن كون (عُمَرْ) مَعْدُول عن (عَامِر) هذا يحتاج إلى دليل، وإلا (عَامِر) لفظٌ مستقل اسم فاعل و (عُمَرْ) كذلك مُستقل، ذاك مصروف (عَامِر) وهذا ممنوعٌ من الصَّرف. كونه مَعْدُولاً عنه مُحَوَّل: عُمَرْ عن عَامِر، هكذا ادَّعى النُّحاة، ولذلك سبق أن العَدْل هذه العلَّة عَليلة في نفسها، والتَّقدير فيما إذا لم يُسْمَع قالوا: زُحَلْ .. زَاحِلْ، ما سُمِع (زَاحِلْ) كذلك: قُثَم .. قاثم، وثُعَلْ عند بعضهم ثَاعِل، وإن سُمِع (أثْعَلْ) كما سيأتي. إذاً: العَدْل: هو تحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى مع بقاء المعنى الأصلي، وهذا إنَّما يكون في الألفاظ ولا يكون في المعاني .. يكون في الصِّفات ويكون في المعارف، في الصِّفات سبق: مَثْنَى وثُلاث، وهذا في العدد وفي غيره .. غير العدد لفظ (أُخَرْ) فقط ليس ثَمَّ لفظ آخر، وأمَّا في المعارف فهذا على نوعين:

إمَّا أنْ يكون في باب (فُعَلْ) توكيد، وإمَّا أن يكون في باب (ثُعَلْ) الَّذي هو (عُمَرْ) وسيأتي مُلحقاً (فَعَالِ) لأنَّه مَعدولٌ عن (فَعِلَة) يعني: ما كان على وزن (فُعَلْ) عَلَماً لمُذَكَّر، وما كان على وزن (فَعَالِ) عَلَماً لِمُؤَنَّثْ كـ (حَذَامِ) كما سيأتي بيانه. إذاً: (كَفُعَلِ التَّوْكِيدِ) هذا أراد به النَّوع الأوَّل فُعَل المُؤَكَّد به نحو: جُمَعْ، وبُصَعْ، وَكُتَعْ، وَبُتَعْ، فإنَّها معارف بنيَّة الإضافة، إذاً: قوله (كَفُعَلِ التَّوْكِيدِ) (فُعَلِ) مضاف و (التَّوْكِيدِ) مضاف إليه، قيل: الإضافة هنا على معنى (اللام) أو معنى (في) يعني (فُعَلْ) المؤَكَّد به، سبق أن (أجْمَعَ) هذا مما يُؤَكَّد به، وتوابع أجْمَعْ: أَكْتَعْ، وَأبْصَعْ، وَأبْتَعْ، هذه كُلَّها تأخذ حكم (أجْمَعْ) حينئذٍ في الجَمْعِ يُقال فيها: جُمَعْ، وَبُصَعْ، وَكُتَعْ، وَبُتَعْ، وإلا فهي في المفرد يُقال: أجْمَعْ، وَأبْصَعْ، وأَكْتَعْ، وَأبْتَعْ، وسيأتي معنا العدل في هذه الألفاظ. إذاً: النَّوع الأوَّل الَّذي يُمْنَع مع العلميَّة وهو معدولٌ عن غيره: (فُعَلِ التَّوْكِيدِ) وهو: جُمَعْ، وَكُتَعْ، وَبُصَعْ، وَبُتَعْ، جَمْعُ: جَمْعَاء، وَكَتْعَا، وَبَصْعَاء، وَبَتْعَاء، هذه كلَّها ألفاظ مفردة وجمعها على وزن: (فُعَلْ) فإنَّها غير مصروفة للعدل والعلميَّة بل هي ممنوعةٌ من الصَّرف، والعلَّة المانعة العدل والعلميَّة، أمَّا العدل فَلأنَّها من حيث إنَّ مُذَكَّرها (أفْعَلْ) ومُؤَنَّثها (فَعْلاَءْ) أجْمَعْ وَجَمْعَاء .. أبْتَعْ وَبَتْعَاء .. أبْصَعْ وَبَصْعَاء، إذاً: المُذَكَّر على وزن (أفْعَلْ) والمُؤَنَّثْ على وزن (فَعْلاء). قياسها حينئذٍ أنْ تُجْمَع على (فُعْلٍ) كـ: أحْمَرْ وَحَمْرَاء، يُجْمَع على (حُمْرٍ) إذاً: الأصل فيه: أنْ تُجْمَع على (فُعْلٍ) جُمْعٍ، وَبُتْعٍ، وَكُتْعٍ، لكن هل جاءت على هذا الوزن؟ لم تأت على هذا الوزن، بل جاءت على وزن (فُعَلْ) حينئذٍ يُسمَّى عدلاً عندهم، حينئذٍ الأصل فيها: أنَّ مُذَكَّرَها على وزن (أفْعَلْ) ومُؤَنَّثها على وزن (فَعْلاء). القياس: أنَّ يكون الجمع على وزن (فُعْلٍ) بِضَمِّ الفاء وإسكان العين، كما يُجْمَع: أحْمَرْ وَحَمْرَاء على (حُمْرٍ) هذا من حيث اعتبار المُذَكَّر والمُؤَنَّث، ولها حَيْثِيَّةٌ أخرى: من حيث كونها اسم لا صفة، فقياسها أن تُجْمَع على (فَعَالَى) كـ: صَحَارَى، فيقال: جَمَاعَى، وكََتَاعى، وَبَصَاعى إلى آخره، ومن حيث إنَّ مُذَكَّرها يُجْمَع بالواو والنُّون: أجْمَعُونْ، وَأكْتَعُونْ، وَأبْتَعُونْ، وَأبْصَعُونْ، يُجْمَع بالواو والنُّون، وما كان يُجْمَع بواوٍ ونون فقياس مُؤَنَّثِه أنْ يُجْمَع بألفٍ وتاء. فحينئذٍ قياسه أن تُجْمَع على (فَعْلاَوات) جَمْعَاوات هذا القياس. فقياسها أنْ تُجْمَع على (فَعْلَاوات) لأنَّ قياس كُلِّ ما جُمِع مُذَكَّرُه بالواو والنُّون أن يُجْمَع مُؤَنَّثُه بالألف والتَّاء، إذاً: هذه ثلاث اعتبارات: (فُعْلٍ .. فَعَالَى .. فَعْلَاوات) هذا قول، وهذا قول، وهذا قول، فحينئذٍ تكون الأقوال ثلاثة:

- منهم من قال: العدل عن كونها (فُعْلٍ) الأصل فيها أنْ تُجْمَع على وزن (فُعْلٍ) ولكنَّها جاءت على وزن جُمَعْ (فُعَلْ) هذا عدلٌ. - أنْ تُجْمَع على (فَعَالى) كـ: صَحَارَى، فجاءت على: جُمَعْ (فُعَلْ) - أن تُجْمَع على وزن (فَعْلاوات) جَمْعَاوات، لكنَّها جاءت على جمع (فُعَلْ). إذاً: هذا قول وهذا قول وهذا قول، ما هو المُعْتَبَر منها؟ كُلُها فيها رجوعٌ عن قياس، فجيء إلى الفرع دون الأصل، وبهذه الاعتبارات اختلف النُّحاة، يعني: الاعتبارات الثَّلاث: إمَّا أنْ يُنْظَر إلى كونِه مذكَّراً ومؤنَّثه على (فَعْلَى) حينئذٍ يُجْمَع بكذا، وإمَّا أن ينظر إلى كونه اسماً فَيُجْمَع على كذا، إمَّا أنْ يُنْظَر إلى كونه يُجْمَع مذكَّره بواوٍ ونون (أجمعون) إذاً: مؤنَّثه يجمع بألفٍ وتاء. فقال الأخفش والسيرافي: " أنَّها معدولةٌ عن (فُعْلٍ) " يعني: اختار القول الأوَّل، واختاره ابن عصفور، لأنَّ العدل عن (فَعَالى) لم يثبت في موضعٍ من المواضع، والعدل عن (فُعْلٍ) إلى (فُعَلْ) ثبت، هذا قولٌ، وقيل: معدولةٌ عن (فَعَالى) لأنَّه اسمٌ لا صفة، وقيل: عن (فَعْلاوات) وهذا الَّذي اختاره ابن مالك وهو الَّذي قدَّمه ابن عقيل هنا: وهو أنَّه معدولٌ عن (فَعْلاوات) لأنَّ مذكَّره يُجْمَع بواوٍ ونون، وما كان مُذَكَّره يُجمع بواوٍ ونون فمؤَنَّثه القياس فيه أنْ يُجمع بألفٍ وتاء، حينئذٍ (جُمَعْ) نقول (أجْمَع) فَيُجْمَع بواوٍ ونون ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)) [الحجر:30] فَجُمِع بواوٍ ونون. إذاً: المؤنَّث أن يُقال (جَمْعَاوات) هل قيل (جَمْعَاوات)؟ لم يُقَل (جَمْعَاوات) بل قيل (جُمَع) فحينئذٍ عُدِلَ به عن القياس، كما هو الشَّأن في (الأُخَرْ) هناك، الأصل أن يُقال: الأُخَرْ بـ: (أَلْ) فَعُدِل عنه فقيل (أُخَرْ). وأمَّا العلميَّة: ما وجه كونها أعلاماً؟ فقيل: ألفاظ التَّوكيد أعلامٌ، بمعنى: الإحاطة، واسْتُدِلَّ لذلك بجمعهم مُذَكَّرَها بالواو والنُّون، ولا يُجْمَع من المعارف بهذا، يعني: بالواو والنُّون إلا العَلَم، واختاره ابن الحاجب. إذاً: هذه أعلامٌ تدلُّ على الإحاطة، لأنَّ المُذَكَّر يُجْمع بالواو والنُّون (أَجْمَعُونْ) فإذا قيل: أَجْمَعُونْ، وَجَمْعَاوات، وَجُمَعْ، حينئذٍ المادَّة أصلها عَلَم، لأنَّ الَّذي يُجمع بالواو والنُّون كـ: عامِرٍ وَمُذْنِب (عامِر) هو علم وجُمِع بواوٍ ونون، حينئذٍ رجعنا إلى كونها عَلَماً. وقيل: تعريفها بنيَّة الإضافة، والأصل (جُمَعُهُنَّ) إذا قيل: جاء النِّساء جُمَعْ، الأصل: (جُمَعُهُنَّ) يعني: بالضَّمير، لكنَّه حُذِف ونُوي معناه.

فحُذِف الضَّمير للعِلْم به، واسْتُغْنيَّ بنيَّة الإضافة، وصارت لكونها معرفةً بلا علامة ملفوظٍ بها كالأعلام وليست بأعلام، وهذا ما يُسمِّيه البعض: بِشِبْه العلميَّة، علميَّة، يعني: صار معرفةً بدون قرينة، يصدق عليه حدَّ العَلَم، وشِبْه العلميَّة: أنَّه يدل على المعرفة ولكن ليس بأداةٍ ملفوظٍ بها، فهي كالأعلام وليست بأعلام، لأنَّ العَلَم إمَّا شخصي، وإمَّا جِنسي، وليست هذه واحدة منهما، وعلى هذا ابن مالك، ونَقَله عن ظاهر كلام سيبويه: أنَّها مَعرِفةٌ بِنيَّة الإضافة. إذاً: على قول ابن مالك، وهو الَّذي اختاره الكثير من المتأخِّرين بعده: أن (جُمَعْ) مُنِع من الصَّرف للعلميَّة والعدل، أمَّا العدل فالأصح عنده أنَّه معدولٌ عن (جَمْعَاوات) أصله: أن يُجْمَع على (جَمْعَاوات) بألفٍ وتاء، لكون مذَكَّره (أَجْمع) يُجْمع بواوٍ ونون، والقياس فيما جُمِع بواوٍ ونون أن يُجمع مؤنَّثه بالألف والتَّاء، لكنَّه ما جُمِعا بهذه الصِّيغة فَعُدِلَ عنه إلى (جُمَع) هذا يُسمَّى عدل: تَحويل الاسم من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى، حُوِّلَ (جَمْعَاوات) إلى (جُمَعْ) حينئذٍ مُنِع من الصَّرف. وأمَّا كونها علميَّةً -العلَّة الثانية- فلنيَّة الإضافة. وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ. . . . . . . . . . . هذا الأوَّل، قال ابن عقيل هنا: " الأوَّل: ما كان على (فُعَلْ) من ألفاظ التَّوكيد فإنَّه يُمنع من الصَّرف لِشِبْه العَلميَّة والعدل " لم يقل: العلميَّة، وإنما قال: شِبْه العلميَّة، لِمَا ذكرناه: أنَّه معرفة لا بأداةٍ ملفوظٍ بها، وهذا ليس بعَلَمٍ حقيقةً وليس بنكرة، وإنَّما هو شِبْهٌ بالعَلَم. ما كان على (فُعَلْ) من ألفاظ التَّوكيد وذلك: جُمَعْ، وَبُصَعْ، وَكُتَعْ، وَبُتَعْ، فإنَّها معارف بنيَّة الإضافة إلى ضمير المؤكَّد فشابهت بذلك الأعلام، لكونه معرفةً من غير قرينة، يعني: من غير أداةٍ لفظية وهذا ظاهر مذهب سيبويه: أنَّها مُضافة إلى ضمير المؤكَّد، لكنَّه حُذِف واسْتُغني بينَّة الإضافة، حينئذٍ هي ليست عَلَماً، وإنَّما شبيهاً بالأعلام، والأعلام التي دلَّت على أنَّها معرفة - العَلَم هو الضَّمير - أين هو؟ منوي، إذاً: ليس بظاهر، وكلُّ ما عُلِّمَ بشيءٍ ليس ملفوظ حينئذٍ رجعنا إلى كونه شبيهاً بالعَلَم وليس بعَلَم. وقيل: بالعلميَّة، وهذا ردَّه ابن مالك في (شرح الكافية) وقال في (شرح التَّسهيل): " بِشِبْه العلميَّة أو الوصفيَّة " والمشهور أنَّه العلميَّة.

وذلك نحو: جَاءَ النِّسَاءُ جُمَعُ، تمنعه من الصَّرف فلا تقل: (جُمَعٌ) وَرَأيَْتُ النِّساءَ جَمَعَ، وَمَرَرْتُ بِالنِّساءِ جَمَعَ، ممنوعٌ من الصَّرف للعدل عن (جَمْعَاوَاتْ) وللعَلميَّة، أو شئت قُل: شِبْه العلميَّة، فالعدل فيه أنَّه معدولٌ عن جمعيَّته الأصلية، فإن حق جمعه أن يُجْمع على (جَمْعَاوَاتْ) ولذلك قال ابن عقيل هنا: " والأصل: (جَمْعَاوَاتْ) " اختار ما قرَّره ابن مالك في غير هذا الكتاب، لأنَّ مفرده (جَمْعاء) فَعُدِل عن (جَمْعَاوَاتْ) إلى (جُمَع) وهو مُعَرَّفٌ بالإضافة المُقَدَّرة، أي: (جُمَعُهنَّ) فأشْبَه تعريفه تعريف العلميَّة من جهة أنَّه معرفة وليس في اللفظ ما يعرِّفه، وهذا ما يُعبَّر عنه بـ: شِبْه العَلميَّة، يعني: أن يدل شيءٌ على أنَّه معرفة ولكنَّه مُقدَّر غير ملفوظ، وهذا أراد بقوله: (كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ). إذاً: (كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ) .. والمراد بـ (فُعَلْ) هنا ما جاء على وزن (فُعَلْ) ولا يختصُّ بـ (جُمَع) وإنَّما ما ألحق به (أَوْ كَثُعَلاَ) (أَوْ) هذا النَّوع الثًّاني (أَوْ كَثُعَلاَ) يعني: ما جاء على (فُعَلْ) موضوعاً عَلَماً، ولذلك قلنا: العدل يكون في المعارف ويكون في الصِّفات، والصِّفات مضى معنا، والمعارف يكون على وزن (فُعَلْ) أو على وزن (فَعَال) (فُعَلْ) هذا عَلَم موضوعاً لِعَلَمٍ مذكَّر، كل ما كان على وزن (فُعَلْ) حينئذٍ يكون ممنوعاً من الصَّرف، وهذا بابه سهل لأنَّه محفوظ .. ألفاظ معدودة ولا زيادة عليها. ولذلك قيل: لم يُسْمَع إلا عُمَرْ، وَزُفَرْ، وَمُضَرْ، وَثُعَلْ، وَهُبَلْ، وَزُحَلْ، وَعُصَمْ، وَقُزَحْ، وَجُشَمْ، وَقُثَمْ، وَجُمَحْ، وَجُحَى، وَدُلَفْ، وَبُلَعْ، فقط لا يوجد غيرها، هذه ممنوعة من الصَّرف لكونها على وزن (فُعَلْ) معدولة عن (فَاعِلٍ) حينئذٍ كونها معدولةً ومع العلميَّة لأنَّه عَلَم كـ: عُمَرْ ونحوه، حينئذٍ مُنِع من الصَّرف. (أَوْ كَثُعَلاَ) الألف للإطلاق، وهو علم جنس للثَّعلب، وقيل: اسم رجل، ما جاء على وزن (فُعَلْ) موضوعاً عَلَماً، وهو معدولٌ عن صيغة الفاعل، حقيقةً أو مُقَدَّرة، حقيقةً: فيما سُمِع فيه في لسان العرب: فَاعِل، كَـ: عَامِر وَعُمَرْ، سُمِع فيهما، وما عداه فهو مُقدَّر. وطريق العِلْم به: سماعه غير مصروفٍ ولا عِلَّة به مع العَلميَّة، يعني: كيف نَحكم عليه بأنَّه: عُمَرْ، ممنوع من الصَّرف؟ قالوا: ننظر فيه، وإذا به العرب منعوه من الصَّرف، لم نَجِد فيه إلا العَلميَّة فقط، مباشرة تُضِف إليها العدل كما ذكرناه سابقاً، أنَّ العدل هذه عِلَّة عليلة، يعني: تَمسَّكَّ بها النُّحاة من أجل تتميم القسمة، ولئلا تنتقض عليهم الأصول، فإذا وجدوا العَلميَّة ولم يجدوا معها عِلَّة أخرى من العلل السابقة قالوا: العدل، أين هو .. لم يُسمَع؟ قالوا: مُقدَّراً، إمَّا أن يكون عن فاعل كما هو الشَّأن في (فُعَلْ) أو عن (فَاعِلةٍ) كما هو الشَّأن في (حَذَامِ وَرَقَاشِ).

إذاً: كيف نحكم على هذا بكونه (فُعَلْ) مَمنوع من الصَّرف للعَلميَّة والعدل؟ قالوا: إذا سُمِع ما كان على هذا الوزن، ولم يوجد في منعه من الصَّرف إلا العَلميَّة، مباشرة تُضِف إليه العدل، ولذلك: (طُوى) على وزن (فُعَلْ) ولم يذكرها النُّحاة هنا، لماذا؟ لأنَّه وجد (طُوى) العَلميَّة والتَّأنيث لأنَّه اسم مكان، قالوا: ما دام أنَّه وجد عِلَّة وهو التَّأنيث مباشرة لا نقول: العدل، لأنَّ العدل هذا للضرورة فقط، متى ما أمْكَن تعليق الحكم بِعلَّةٍ غير العدل فهي مُقدَّمة مباشرة، وما عداه فليس الأمر كذلك. ولذلك كما سيأتي: أنَّ مذهب المُبَرِّد في (حَذَامِ) أنَّه أرجح، لأنَّه علَّله بكونه اشتمل على العَلميَّة والتَّأنيث، وسيبويه قال: عَلَم معدولٌ عن (فَاعِلة) وَضُعِّفْ قول سيبويه لهذا السَّبب، لماذا؟ لأنَّه أمْكَنَه أن يُعلِّق المنع بالعَلميَّة والتَّأنيث وهو (فَاعِله) عَلَم لمؤنَّث، لماذا تَعْدِل عن التَّأنيث وتجعلها عِلَّة، فتذهب إلى العدل، والعدل مُتَكَلَّف؟ لأنَّ أكثره لم يُسمَع إنَّما هو مُقدَّر، فكيف يُعدَل عن الظَّاهر وهو المؤنَّث، ونأتِي بِعلَّة فيها نظر؟ ولذلك رُجِّح مذهب المُبَرِّد كما سيأتي. إذاً: (أَوْ كَثُعَلاَ) نقول: المراد به العَلَم المعدول إلى (فُعَلْ) كـ: عُمَرْ، وَزُفَرْ، وَثُعَلْ، والأصل (عَامِر) هذا مسموح و (زَافِرْ) هذا الله أعلم أنَّه ليس مسموعاً إنَّما هو مُقدَّر و (ثَاعِلْ) هذا كذلك، بل هذا غلط، لماذا؟ لأنَّه سُمِع (أَأثْعَلْ) وإذا سُمِع (أَثْعَلْ) لماذا نقول (ثَاعِل)؟ هذا فيه نظر. إذاً: (وَثَاعِلْ) نقول: قيل معدولٌ عن (أَثعَلْ) ولذلك نَصَّ السِّيُوطِي في (هَمْعِ الهَوَامِعْ) أنَّ الألفاظ السابقة المذكورة كلها معدولة عن (فَاعِل) إلا (ثُعَل) فقط، لأنَّه معدولٌ عن (أَثْعَل) لأنَّه سمع هذا وذاك، فإذا سُمِع لا نأتي إلى شيء مُقَدَّر في الذِّهن مُخْتَرع وَتَخَيُّل ونترك المسموع لا، الأصل في تقرير القواعد: أن يكون على ما سُمِع، والمُقَدَّر في الأصل: أنَّه مَعدُوم لم يُنقَل، لا نترك الملفوظ المنقول ونعدل إلى شيءٍ مُتَخَيَّل. إذاً: و (ثَاعِل) قيل: معدولٌ عن (أَثْعَل) بل هو الصَّواب لأنَّ (ثَاعِلاً) غير مُستَعمل، ما نُقِل (ثَاعِل) .. ما سُمِع، و (أَفْعَلْ) مُستعمل. قال في (الصِّحاح) " الثَّعَلُ بالتَّحْريك زوائدٌ في الأسنان، واختلاف منابتها يقال: رَجُلٌ أَثْعَل، وَامْرَاةٌ ثَعْلاء " (أَثْعَل) اسم فاعل، هو امرأة: ثَعْلاء، إذاً: لا نقول معدول عن (ثاعِل). إذاً: فمنعه حينئذٍ لو حُكِم بكونه معدولاً عن غيره منعه من الصَّرف للعَلميَّة والعدل، العَلَم واضح بيَّن: اسْمٌ يُعَيِّنُ الْمُسَمَّى مُطْلَقَا .. والعدل على ما ذكرناه، وطريق العِلْم بعدل هذا النَّوع سماعه غير مصروفٍ .. عارياً من سائر الموانع غير العَلميَّة، وإنَّما جُعِل هذا النَّوع معدولاً، قيل: لأمرين، لماذا حكمنا عليه بكونه معدولاً؟ لأمرين: الأوَّل: أنَّه لو لم يُقَدَّر عدل هذه الألفاظ لزم ترتيب المنع على علَّةٍ واحدة، إذ ليست فيه من الموانع غير العَلميَّة، فركَّبوا معه العِلَّة الثَّانية من أجل ذلك.

ثانياً: أنَّ الأعلام يَغْلُب عليها النَّقل، بل قد تكون مرتَجلة، وقد تكون منقولة، لكن هذا ليس هو النَّقل الَّذي عناه النُّحاة في باب الأعلام، النَّقل: أن تأخذ لفظ كما هو فتضعه عَلَماً كـ: فَضْل وَحَارِث، وَجُمْلَة اسْمِيَّةْ، وَجُمْلة فِعْلِيَّة، واسم فَاعِل، إلى آخر ما ذُكِر سابقاً، فالنَّقل هناك ليس هو التَّحويل، هنا لا تَصَرُّف في وزنٍ يعني: (عَامِر) يُحَرَّفْ فَيُجْعَل (عُمَرْ) ليس هذا من قبيل النَّقل الَّذي يذكره النُّحاة في باب العَلَم. أنَّ الأعلام يَغْلِبُ عليها النَّقل، فَجُعِل (عُمَر) معدولاً عن (عَامِر) والأصل أنَّ هذا الثَّاني فيه نظر. فَجُعِل (عُمَر) معدولاً عن (عامر) العَلَم المنقول عن صفةٍ، ولم يُجْعل مرتَجلاً، وكذا باقيها، يعني: كل ما كان على وزن (فُعَلْ) لم يُجْعَل مُرتَجلاً، بل منقولاً عن: عَامِرْ، وعن: وَزَافِرْ، وعن: هُبَل هَابِل ونحو ذلك، لكن نقول: هذا ليس هو النَّقل الَّذي عناه النُّحاة في بابه، وإنَّما هذا تحويلٌ من صيغة إلى صيغة، فرقٌ بينهما، أن تُسمِّي ابنك: فضل، أو تُسمِّيه: ضَارِب، تنقل اسم الفاعل وتجعله عَلَماً، أو تسمِّيه: قَامَ زَيْدٌ، أو: زَيْدٌ قَائِم، نقول هذه كلُّها ألفاظٌ نُقِلَت كما هي، ولم تُغَيَّر الصِّيَغْ فبقيت على ما هي عليه. وأمَّا (عَامِر) تقول: أنقله إلى اسمٍ وأقول (عُمَر) هذا فيه تَحريف للصِّيغة، وليس الأمر الَّذي عناه النُّحاة. وفائدة العدل أمران: الأولى: لفظية، وهي التَّخفيف: عَامِر .. عُمَر، قيل: (عُمَر) أخف، وليس بظاهر هذا، (عَامِر) (عُمَر) إذاً: التَّخفيف هذا ليس بظاهر: هَابِلْ .. هُبَلْ (هُبَلْ) ثقيل، قُثَمْ .. زُحَلْ .. زَاحِلْ .. قَاثِم، أخف، على كلٍ: هذا ما ذكره النُّحاة. الثَّانية: معنوية، وهي تَمحيض العَلميَّة، إذْ لو قيل: عَامِر، لَتُوهِّم أنَّه صفة (عَامِر) اسم فاعل: عَمَرَ الشيء يَعْمُرهُ، مَرَرتُ بِزَيدٍ عَامِرٍ، يعني: عَامرٍ لنفسه، أو عامرٍ لبيته ونحو ذلك، فدفعاً لهذا التَّوهُّم حينئذٍ عُدِل إلى (فُعَلْ) وهذا فيه نظر. فإن ورد (فُعَلْ) مصروفاً وهو عَلَم عَلمنَا أنَّه ليس بِمعدول، إذا جاء لفظ على وزن (فُعَلْ) وهو مصروف عَلمنَا أنَّه ليس بمعدول مثل (أُدَدْ) وهو عند سيبويه من الوُدِّ .. من الموَدَّة، فهمزته عن واو، وعند غيره من الإدِّ، وهو العظيم فهمزته أصليَّة. إذاً: (أُدَدْ) هذا مصروف لكونه على وزن (فُعَلْ) وسُمِع صرفه، حينئذٍ لا يُمكن أن نُرَكِّب معه العدل، فنقول: هو معدول فنمنعه من الصَّرف، إذاً: الضابط حينئذٍ يكون: ما كان على وزن (فُعَلْ) فمنعته العرب من الصَّرف ركَّبْنا معه علَّةً أخرى، وما لم يُسْمَع منعه من الصَّرف أبقينه على أصله، وحكمنا عليه بكونه غير معدولٍ.

وإن وجد في (فُعَلْ) مانع مع العلميَّة لم يُجْعَل معدولاً، يعني: إن وجِد عِلَّة أخرى يُمكن تركيبها مع العَلميَّة رجعنا إليها، ولا نحكم عليه بالعدل .. بأنَّه معدول عن غيره، لأنَّها عِلَّة عليلة كما ذكرنا، نحو: طُوى، فإنَّ منعه للتَّأنِيِثْ والعَلميَّة، ليس لكونه معدول عن: طاوي، لا، ولو كان مُحتملاً لأنَّه اسم مؤنَّث .. اسم مكان، حينئذٍ نقول: وجد فيه التَّأنيث، ووجد فيه العلميَّة، فالأولى أن نَجعل التَّأنيث هو العِلَّة التي رُكبَت مع العَلمية فمنعته من الصَّرف. ونَحو: تُتَلْ، اسمٌ أعجمي فالمانع له العُجْمَة والعلميَّة عند من يرى منع الثُّلاثي للعُجْمَة، إذ لا وجه لتَكَلُّف تقدير العدل مع إمكان غيره، ويَلتَحق بهذا النَّوع ما جُعِل عَلَماً من المعدول إلى (فُعَلْ) في النِّداء، سبق: غُدَرْ، وَفُسَقْ، وَلُكَعْ، أنَّه سَبُّ بِماذا؟ (خَبَاثِ) هذا للمؤنَّث و (فُسَقْ) للمذكَّر، لو جُعِل عَلَمًا، هذا واضح أنه معدول. ويَلتحِق بهذا النَّوع ما جُعِل عَلَماً من المعدول إلى (فُعَلْ) في النِّداء كـ: غُدَرْ وَفُسَقْ، فحكمه حكم (عُمَرْ). قال المصنِّف ابن مالك: " وهذا أَحَقُّ من (عُمَرْ) بمنع الصَّرف، لأنَّ عَدْلَه مُحَقَّق وعَدْل (عمر) مُقَدَّر " يعني: ما كان على وزن (فُعَلْ) من سَبِّ المذكَّر هذا معدول، وعدله مُحقَّق، يعني: موجود .. مذكور .. ملفوظٌ به ولا إشكال فيه، وأمَّا في نحو: عُمَرْ، وهذا مُقدَّر، فأيُّهما أولى بالمنع؟ ما كان على وزن (فُعَلْ) وهو مثل: فُسَقْ، وَلُكَعْ، وَخُبَثْ، وهو مذهب سيبويه، ومذهب الأخفش صرفه. إذاً: هذان نوعان، وعدَّ بعضهم الثَّالث: هو ما كان على وزن: فُسَقْ وَغُدَرْ، ونحو ذلك. هذه ثلاثة أنواع من العدل تُمنع مع العلميَّة. وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التَّوْكِيْدِ. . . . . . . . . . . هذا نوعٌ (أَوْ كَثُعَلاَ) المراد بـ (ثُعَلاَ) هنا قلنا: اسم رجل، أو علم جنس للثَّعلب، والألف هنا للإطلاق. وَالعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ .. هذا النَّوع الثَّالث من المعدول، وهو لفظ (سَحَر) إذا أُريِد به يومٌ بعينه، إذا أُريِد به يومٌ بعينه حينئذٍ صار عَلَماً، لأنَّه يُطلَق اللفظ ويعيَّن مسمَّاه، وهو زمنٌ خاص، إذاً: يُستعمل (سَحَر) عَلَماً، وذلك فيما إذا أطْلِق وأريد به زمنٌ معيَّن، وقد يُستعمل مُبهماً، يعني: لم يُرد به زمنٌ مُعيَّن، متى يُمنع من الصَّرف؟ قال: إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبرْ ..

بمعنى: أنَّه إذا صار عَلَماً، وذلك إنَّما يكون إذا أُرِيد به من يوم بعينه، يعني: سَحَر يومٍ بعينه: جِئْتُكَ يَومَ الجُمْعَةِ سَحَرَ، عيَّنه أمَّا (سَحَر) هكذا دون أن تضيفه ليومٍ حينئذٍ لا تعيين: جِئْتُكَ سَحَرَاً، بالصَّرف، أيُّ سَحَر هذا؟ أيُّ سَحَر: سبت .. أحد .. اثنين .. ثلوث .. صَفَر .. شَعْبان إلى آخره، فليس معيَّناً، فتقول: جِئْتُكَ سَحَرَاً، بالنَّصب على أنَّه مفعولٌ به، أمَّا إذا أُريد به زمن معيَّن حينئذٍ صار عَلَماً، وإذا كان كذلك فيُمنع من الصَّرف للعلميَّة وهذا شأنه واضح، والعدل وهنا اختلف في العدل، لكن المشهور أنَّه مثل (أُخَرْ) يعني: معدولٌ عن: السَّحَرْ .. عن: (أل) السَّحَرْ ومثله: الأمس، كما سيأتي. حينئذٍ: هو مَعدولٌ عن السَّحَرِ ما فيه (أل) فقيل: سَحَر، جِئْتُكَ يَومَ الجُمْعَة سَحَرَ، تمنعه من الصَّرف للعلميَّة، وهو قد أريد به زمن معيَّن، وللعدل .. لكونه معدولاً عن (السَّحَرْ)، لماذا؟ لأنَّ (سَحَرْ) في لفظه نكرة، وشأن العرب إذا أرادت أن تُعَرِّفْ حينئذٍ إمَّا (أَلْ) وإمَّا إضافة، فَعُدِل به عن التعريف عن (أَلْ) والإضافة، وهذا قيل: أنَّه معدولٌ عن الأصل، فالأصل أن يُقال: السَّحَر، أو: سَحَرَهُ، يعني: سَحَرَ يَومَ الجُمْعَةْ مثلًا، فحينئذٍ نقول: معدولٌ عن الإضافة، أو معدولٌ عن (أَلْ). (وَالعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ) لم يقل العلميَّة، قد يُقال: بأنَّه أراد به شِبْه العلميَّة للقاعدة السابقة: أنَّ ما عُرِّف ولم تكن الأداة لفظية، قلنا: شِبْه العلميَّة ولا نُعَبِّر بالعلميَّة، ولذلك عَدَلَ هنا عن اللفظ. (وَالعَدْلُ) هذا مبتدأ (وَالتَّعْرِيفُ) هذا معطوفٌ عليه (مَانِعَا سَحَرْ) (مَانِعَا) خبرٌ والألف هنا للتَّثْنِية: مانعان سَحَرْ، خبر مُضاف و (سَحَرْ) مضافٌ إليه، (إِذَا بِهِ) الباء هنا بِمعنى: فيه، مُتعلِّقة بـ (يُعْتَبرْ) إذَا يُعْتَبرْ بِهِ، يعني: فيه، و (قَصْداً) أي: مقصوداً، حالٌ مُؤَكِّدة من نائب الفاعل و (التَّعْيِينُ) هذا نائب فاعل لفعلٍ محذوف وجوباً، إذَا التَّعْيِينُ بِهِ قَصْداً يُعْتَبرْ .. إذا يُعتبَر به التَّعيين، (قَصْداً) بِمعنى: مقصودًا، قلنا: حال من فاعل (يُعْتَبَرْ). إذاً: متى يكون كذلك؟ إذَا يُعْتَبرْ بِهِ التَّعْيِيِنُ قَصْداً، يعني: إذا كان المراد به زمناً مُعيَّنا قصداً، يعني: مقصوداً، وفي كلامه إدخال (إِذَا) على المضارع وهو جائزٌ وإن كان قليلاً (إِذَا يُعْتَبَرْ) هذا قليل، والكثير أن تدخل (إِذَا) على الفعل الماضي، كما سبق بيانه. هنا قال الشارح: " (سَحَرُ) إذا أريد من يومٍ بعينه نحو: جِئتُكَ يَومَ الجُمعَةِ سَحَرَ، فـ: (سَحَرُ) ممنوعٌ من الصَّرف للعدل وشِبْه العلميَّة " سَحَر يَومٍ بعينه، والأصل: أن يُعَرَّف بـ (أل) أو بالإضافة، وهذا سند العرب: أنَّ النَّكرة لا ينتقل عن تنكيره إلا بـ (أل) أو بالإضافة، وهنا قيل: (سَحَرَ) وهو معرفة لم تدخل عليه (أل) ولم يُضف، إذاً: هو معدولٌ عن الأصل، والقاعدة العامة في لسان العرب.

فإن تَجَرَّد منهما مع قصد التَّعيين فهو حينئذٍ ظرفٌ لا يتصرَّف ولا ينصرف، المراد بظرف لا يتصرَّف؟ يعني: لا يقع مبتدأ، ولا فاعل، ولا اسم (إنَّ) ولا خبر، ولا نائب فاعل إلى آخره، هذا ظرفٌ لا يتصرَّف، ولا يَنْصرِف، يعني: لا يُنَوَّن، فالمانع له حينئذٍ العدل والتَّعريف، أما العدل فعن اللفظ بـ (أل) الأصل فيه (السَحَر) فإنَّه كان الأصل أن يُعرَّف بها، وأمَّا التَّعريف فقيل بالعلميَّة، لأنَّه جُعِل عَلَماً لهذا الوقت، وقيل: بِشِبْه العلميَّة، لأنَّه تَعرَّف بغير أداةٍ ظاهرةٍ .. غير أداةٍ ملفوظٍ بها، وهذا شأن العلم: اسْمٌ يُعَيِّنُ الْمُسَمَّى مُطْلَقَا .. يعني: بغير قرينة لفظية ولا حسيَّة، وإنَّما هي قرينة معنوية من جهة عدم ما يُقيِّده. إذاً: (سَحَر) إذا أريد به من يومٍ بعينه، نقول: هذا ممنوعٌ من الصَّرف. قال هناك في (هَمْع الهَوَامِعْ) " (سَحَر) ملازم للظرفيَّة، وهو المعيَّن، أي: المراد به وقتٌ بعينه، فإنَّه يُلازم الظرفيَّة، فلا يَتصرَّف ولا ينصرف أيضاً للعدل والعلميَّة، أمَّا العدل فعن مصاحبة الألف واللام " هذا المشهور عند النُّحاة: أنَّ العدل فعن مصاحبة الألف واللام. إذ كان قياسه وهو نكرة أن يُعرَّف بالطَّريق التي عُرِّف بها النَّكرات وهو (أَلْ) هذا هو الأصل فيه، فعدلوه عن ذلك إلى أن عَرَّفوه بغير تلك الطَّريق وهو العلميَّة، فإنَّه جُعِل عَلَماً لهذا الوقت، وقيل: إنَّه امتنع للعدل والتَّعريف المُشبِه لتعريف العلميَّة من حيث كونه تعريفاً بغير أداةٍ تعريف، بل تعريفه بالغَلَبَة على ذلك الوقت المعيَّن، كأنَّه غَلَب لكن هذا ليس بظاهر، يعني: كأنَّه عَلَم، لكنَّه عَلَمٌ بالغلبة على ذلك الوقت المُعيَّن. وليس تعريفه بالعلميَّة لأنَّه في معنى: السَّحَرِ، وتعريف العلميَّة ليس في مرتبة تعريف (أل) هذا فيه نظر، والصَّواب هو الأوَّل، وقيل: إنَّه مُنصرف مُطلقاً ليس ممنوعاً من الصَّرف، وإنَّما لم يُنَوَّن لنيَّة (أل) والأصل: (السَّحَر) وعليه السُّهيلي. إذًا: هو مثل أمْسِ، وإنَّما لم يُنَوَّن لنيَّة (أل) والأصل: (السَّحَر) وعليه السُّهيلي. إذاً: هو مصروف، وعُورِض بكونه غير مُنَوَّن، كيف مصروف وغير مُنَوَّن؟ قال: لنيَّة (أل) وهذا فيه ضعف، وقيل: لنيَّة الإضافة، إذ التَّقدير: سَحَرُ ذلك اليوم، فحذف المضاف (ذلك) ونُوي معناه فبقي كما هو، وقيل: أنَّه مبني على الفتح لتَضمُّنه معنى حرف التَّعريف (أل) كـ: أمس، (أمْسِ) ضُمِّن معنى (أل) التَّعريفيَّة فبُنِي، ونصره أبو حيَّان وقال: " الفرق بين: سَحَر وَأمْسِ، عندي يَعْسُرُ ". الفرق بين (سَحَر) وهو معدولٌ عن (السَّحَر)، و (أمس) وهو معدولٌ عن (الأمس) فنقول في الثَّاني: إنَّه معدولٌ عن (الأمس) وَضُمِّن معنى حرفٍ فبني، والأوَّل مثله ولم نقل: أنَّه بُني، حينئذٍ محل إشكال. إذاً: وَالْعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ ... إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبَرْ

ومثل: سَحَر أَمْسِ، مُراداً به: اليوم الَّذي يليه يومك، ولذلك قال بعضهم: هذه الكلمة الوحيدة التي إذا عُرِّفَتْ نُكِّرَتْ، وإذا نُكِّرَتْ عُرِّفَتْ، إذا قيل: جِئْتُ بالأمس، فمراده ليس اليوم الذي قبل يومك -أمس- .. قبل أسبوع .. قبل شهر .. قبل عام، وإذا أردت به اليوم الذي قبل يومك مثلاً: اليوم نحن الأحد أردت به السَّبت تقول: (جئتك أمس) تُنَكِّره فصار معرفة، وهذا تستعمله توريةً (مَرَرْتُ بِكَ بالأمس) هو يظن أنَّه أمس وأنت تريد به قبل أسبوع أو قبل شهرٍ مثلاً، الَّذي عنده لسان العرب التورية تكون عنده سهلة. ولذلك بعض الفقهاء يكره التورية لأنَّه لا يحسنها بل بعضهم يُحَرِّمُها، وهذا بالفعل موجود من اعتادها ولم يكن ذا ذهنٍ ثاقب وعنده مثل هذه الكلمات والأدوات يقع في الكذب وقد يصير الكذب في لسانه من حيث لا يشعر، لأنَّه كل كلمة يوردها هو يظن أنها تورية وهي كذب صريح أحياناً وهو يظن أنها تورية، لكن لو عرف مثل هذه الأشياء (أمس والأمس) ومثلها (نسيت)، (نسيت) يأتي في اللغة بمعنى التَّرك فإذا نوى (نسيت الشيء) مررت؟ لا، نسيتك يعني: تركتك، تنوي أنَّه بمعنى التَّرك وهذا طيب، الإنسان قد يحتاج مثل هذه العبارات، ((نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)) [التوبة:67] النسيان هنا بمعنى التَّرك، حينئذٍ يرد النسيان في لسان العرب لهذا المعنى، فإذا أردت أن تورِّي تقول (نسيتك يعني: تَرَكْتُك) ولا تنوي النسيان الَّذي هو خلاف الحفظ. ومثل (سَحَر .. أَمْس) مراداً به اليومُ الَّذي يليه يومُك ولم يُضَف ولم يعرَّف بـ (أل) يعني: لم يُقْرَن بـ (أل) ولم يقع ظرفاً وله خمسة شروط: بِخَمْسِ شُرُوطٍ فَابْنِ أَمْسِ بِكَسْرَةٍ ... إِذَا مَا خَلَى مِنْ أَلْ وَلَمْ يَكُ صُغِّرَا وَثَالِثُهَا التَّعْيِينُ فَاعْلَمْهُ يَا فَتَى ... وَلَيْسَ مُضَافَاً ثُمَّ جَمْعَاً مُكَسَّرَا بهذه الخمسة الشُّروط حينئذٍ يكون مبنيَّاً لأنَّه معدولٌ عن الأمس، لكن فيه لغة أنَّه يمنع من الصَّرف. ولم يُضَف ولم يُقْرَن بـ (أل) ولم يقع ظرفاً فإن بعض بَني تَمْيِم تَمْنَع صرفه مطلقاً، يكون معرباً ثُمَّ من أيِّ النَّوعيين يكون ممنوعاً من الصَّرف مطلقاً رفعاً ونصباً وجرَّاً، لأنه مَعْدُولٌ عن الأمْسِ كقول الشاعر: لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسَا .. (مُذْ) حرف جر (أَمْسَا) هنا جرَّه بالفتحة فدل على أنَّه ممنوعٌ من الصَّرف عنده، والعلَّة العدل والعلميَّة، العدل لأنَّه معدولٌ عن (الأمس) مثل (السَّحَر) ما قيل هناك يقال هنا، والعلميَّة لأنَّه أريد به زمنٌ معيَّن اليوم الَّذي قبل يومك، وجمهورهم يخصُّ ذلك بحالة الرفع يعني: يكون ممنوعاً من الصَّرف في الرفع فقط (جَاءَ أمْسُ) فقط في الرفع .. يمنع من التَّنوين، وما عداه يكون مبنيَّاً: اعْتَصِمْ بِالرَّجَاءِ إنْ عَنَّ بَاسُ ... وَتَنَاسَ الَّذِي تَضَّمنَ أَمْسُ أَمْسُ هنا لم يُنَوِّنْه.

وأمَّا الحجازيُّون فَيَبْنُونه على الكسر مطلقاً وهذا لا إشكال فيه، اختلاف اللغات هنا اختلاف تنوُّع ليس اختلاف تضاد يعني: ليس في اللغة الواحدة أنَّه مبني ومعرب وإنَّما الحجازيُّون يبنونه وبنو تميم يعربونه ويختلفون في إعرابه، وهذا لا إشكال في تنوُّع اللغات. والحجازيُّون يَبْنُونه على الكسر مطلقاً على تقديره مُضَمَّناً معنى اللام فإن ضُمِّنَ معنى اللام حينئذٍ بني لأنَّه تَضَمَّنَ معنى حرف والاسم إذا ضُمِّنَ معنى الحرف بُني لشبهه بالحرف كقوله: وَمَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ .. (مَضَى) فعل ماضي و (أَمْسِ) فاعله كسره هنا (أَمْسِ) القوافي بالجر أَمْسِ وهو فاعل، ما القول فيه؟ نقول: مبني في محل رفع، إذاً: الحجازيُّون يبنونه على الكسر مطلقاً رفعاً ونصباً وخفضاً: مَضَى بِفَصْلِ قَضَائِهِ أَمْسِ .. (أَمْسِ) فاعلٌ مبنيٌّ على الكسر في محل رفع. فإن أردت بأمْسِ يوماً من الأيام الماضية مُبْهَماً غير معيَّن أو عَرَّفته بالإضافة (أمْسِكَ) أو بالأداة (الأمس) فهو مُعْرَبٌ إجماعاً ولذلك قلنا الشروط خمسة، وإن اسْتُعْمِلَتْ يعني: اللفظة المجرَّدةَ والمرادُ به مُعَيَّن ظرفاً فهو مَبْنىٌّ إجماعاً يعني: إذا استعمل (أمس) مراداً به الظَّرف فقط فهو مبنيٌّ إجماعاً للعلَّة التي ذكرناها في بناء الحجازيين له وهو تَضَمُّنُه معنى اللام. إذاً: وَالْعَلَمَ امْنَعْ صَرْفَهُ إِنْ عُدِلاَ ... كَفُعَلِ التَّوْكِيدِ أَوْ كَثُعَلاَ وَالْعَدْلُ وَالتَّعْرِيفُ مَانِعَا سَحَرْ ... إِذَا بِهِ التَّعْيِينُ قَصْداً يُعْتَبَرْ إذَا يُعْتَبرْ بِهِ التَّعْيِيِنُ قَصْداً .. إذا قُصِد به أن يكون معيَّناً احترازاً من المُبْهَم فإنَّه يكون مصروفاً لا ممنوعاً من الصَّرف، إذاً العدل والعلميَّة يكون في باب (فُعَلِ التَّوْكِيدِ) ويكون في باب (فُعَلِ علماً لمذَكَّر) ويكون في باب (سَحَر) وزدنا عليه باباً رابعاً وهو (فُعَلْ) في باب (فُسَق ونحوه) وقيل (أمْسِ) وإن شئت جعلت بدل (أمس) وجعلت (أمس) الدَّاخِلة مع (سَحَر) تجعل معه قوله: وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا .. حينئذٍ المعدول مع العلميَّة خمسة أبواب: فُعَلْ التَّوُكِيِدْ، وَفُعَلْ عَلَمْاً لمُذَكَّرْ، وَسَحَر، ومثله: أمْس، وَفُعَلْ في بَابِ سبِّ الذَّكَرْ هناك كَغُدَرْ وَلُكَعْ وَفُسَق، وما كَانَ على وَزْنِ فَعَالِ وهو علمٌ للمؤنَّث. قال ابن عقيل هنا في (سَحَر) " سحر إذا أُريد من يوم بعينه: جئتك يوم الجمعة سَحَرَ، فـ: (سَحَرَ) ممنوع من الصَّرف للعدل وشبه العلميَّة وذلك أنه معدول عن السَّحَر لأنَّه معرفة والأصل في التَّعريف: أن يكون بـ (أل) أو بالإضافة فَعُدِل به عن ذلك وصار تعريفه مُشْبِهاً لتعريف العلميَّة من جهة أنَّه لم يُلفظ معه بمعرِّف، فلو نُكِّر (سَحَر) وجب التَّصَرُّف والانصراف لقوله تعالى ((نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ)) [القمر:34] " (الباء): حرف جر و (سَحَر): اسم مجرور، والجار والمجرور متعلِّق بقوله (نَجَّيْنَاهُمْ) (بِسَحَرٍ) يعني في سَحَرٍ، الباء هنا ظرفية.

وقيل معرب وإنَّما حذف تنوين لنيَّة الإضافة وقيل لنيَّة (أل) والأوَّل قول الجمهور، والمبهم كالآية التي ذكرناها، والمعيَّن المستعمل غير ظرفٍ فإنَّه يجب تعريفه بـ (أل) والإضافة: طَاب السَّحَر، هذا مُعَيَّن مُستعمل غير ظرف فيتعيَّن دخول (أل) عليه، أو الإضافة: طَاب السَّحَرُ .. سَحَرُ لَيْلَتِنَا، مضاف: جِئْتُكَ يَوْمَ الْجُمَعِةِ سَحَرَهُ، يعني: سَحَرَ يَومِ الجُمْعَة، فالضَّمير هنا مضاف إليه أو: جِئْتُكَ يَوْمَ الْجُمَعِةِ السَّحَر، هذا صار واجب التَّعريف بـ (أل). وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً وَهْوَ نَظِيْرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا (وَابْنِ) هذا دخولٌ في البناء، نحن في المعرب أو في المبني؟ نحن في المعرب وما الَّذي ذهب بنا إلى المبني؟ قال: (وَابْنِ) هو قال (وَاصْرِفَنْ) هذا لا إشكال فيه أمَّا (وَابْنِ) هو يريد أن يبيِّن لنا العلل التي إن وجدت في الاسم منع من الصَّرف. وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . . هذا تَبَرُّع من الناظم، لأنَّه ليس هذا مبحثنا، وإنَّما ذكره إمَّا توطئةً، وإمَّا من باب تتميم المسألة، إمَّا توطئة لأنَّه قال: (وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ) والشَّاهد: (عِنْدَ تَمِيمٍ) هذا الَّذي نريده، وهْوَ أي (فَعَالِ) (نَظِيرُ جُشَمَا) يعني نظير عمر (عِنْدَ تَمِيمٍ) فيكون ممنوعاً من الصَّرف للعدل والعلميَّة، وأمَّا (وَابْنِ) هذا من باب التبرع أو التَّوْطِئَة أو تتميماً للقسمة، إذاً ليس هذا المراد هنا. وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . . يعني ما كان على وزن (فَعَالِ عَلَمَاً) لِمُؤَنَّث فإنَّه مبني، هذا عند الحجازيين مبنيٌّ مطلقاً سواء كان مختوماً براء أو لا (رَقاشِ .. سَفَارِ) بينهما فرق أو لا؟ عند الحجازيين مطلقاً مبنيٌّ على الكسر لأنَّه على وزن (فَعَالِ). وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . . أي مطلقاً في لغة الحجازيين أي سواءٌ خُتِم براءٍ أو لا هذا عند الحجازيين، وإلا من حيث الجملة ففيه ثلاثة مذاهب (فَعَالِ): قيل: البناء على الكسر مطلقاً وهو مذهب الحجازيين. المذهب الثاني: إعرابه إعراب ما لا ينصرف مطلقاً يعني: سواءٌ كان مختوماً براء أو لا. الثَّالث: التفصيل بين ما كان مختوماً براء فكالحجازيين وما ليس فكالثَّاني، يعني ما ليس مختوماً براء فهو ممنوعٌ من الصَّرف وما كان مختوماً براء فحكمه حكم الحجازيين، إذاً: ثلاث مذاهب. وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ عَلَمَا ..

حال كونه علماً .. هذا حالٌ من (فَعَالِ) (وَابْنِ) فعل أمر مبني على حذف حرف العلَّة والفاعل أنت (عَلَى الْكَسْرِ) مُتَعَلِّقٌ به (فَعَالِ) مفعول به (عَلَمَا) حالٌ منه (مُؤَنَّثَاً) حالٌ بعد حال، (وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ) قيل علَّة البناء شَبَّهه بـ: (نَزَالِ) أشبه (نَزَالِ) و (نَزَالِ) اسم فعل أمر وهو مبني، وَزْنَاً وَتَعْرِيفَاً وَتَأنِيِثَاً وَعَدْلاً (فَعَالِ) أشبه (نَزَالِ) في ماذا؟ وَزْنَاً وَتَعْرِيفَاً وَتَأنِيِثَاً وَعَدْلاً، هذا قول وهو المشهور. وقيل لِتَضَمُّنِه معنى (هاء) التأنيث لأنَّه معدولٌ عن: فَاعِلَة .. حَذَامِ .. حَاذِمَةٍ .. رَقَاشِ .. رَاقِشَةٍ، إذاً: فيه معنى التَّاء، لِتَضَمُّنِه معنى (هاء) التَّأنيث، وقيل لتوالي العلل وليس بعد منع الصَّرف إلا البناء، قاله المبرِّد، والأول هو المشهور، أنَّه أشبه (نَزَالِ) فيما ذكرناه (وَزْنَاً وَتَعْرِيفَاً وَتَأنِيِثَاً وَعَدْلاً). وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . . لأنَّ (فَعَالِ) علم لمؤَنَّث، هذا عند الحجازيين، (وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ) (وَهْوَ) أي (فَعَالِ) علماً لمؤَنَّث نظير وشبيه (جُشَمَا) اسم رجل وهو ما كان معدولاً على وزن (فُعَلْ) كـ (عمر) وسبق أنَّ (عمر) ممنوعٌ من الصَّرف للعلميَّة والعدل، إذاً (فَعَالِ) كـ (حَذَامِ) هذا ممنوعٌ من الصَّرف عِنْدَ بني تَمِيِم .. عند أكثرهم ليس عندهم كلهم، فهو ممنوعٌ من الصَّرف للعمليَّة وهذا واضح، والعدل، عدلٌ عن ماذا؟ كما أنَّ (عمر) عدلٌ عن (فاعل) هذا عدلٌ عن (فَاعِلَةٍ) فيقولون (جَاءَتْنِي حَذَامُ وَرَأيْتُ حَذَامَ وَمَرَرْتُ بِحَذَامَ) (جَاءَتْنِي حَذَامُ) بِالرَّفْعِ ليس هو كَالشَّأنْ في لغة الحجازيين. (إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقوهَا ... فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ) (حَذَامِ) في الموضعين ما إعرابه؟ فاعل والفاعل مرفوع وهنا لم يُرْفَعْ، إذاً مبنيٌّ على الكسر تشبيهاً له بـ (نَزَالِ) يعني: أشبه (نَزَالِ) فبني ولِمَ بُنِي على الحركة؟ ليُعْلَم أنَّ له أصلاً في الإعراب، ولِمَ كانت الحركة كسرة (حَذَامِ)؟ وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا .. الميم تكون ساكنة، ولكن التقى السَّاكِنَان الألف والميم فَحُرِّكَ على أصله للتَّخَلُّص من التقاء السَّاكنين فكان كسرةً.

إذاً إذا قالت (حَذَامِ) فعل وفاعل، (حَذَامِ) هذا فاعل مرفوع أين الرَّفْع؟ نقول: محلي، لأنَّ الفاعل قد يكون مرفوعاً لفظاً ظاهراً، وقد يكون تَقْدِيراً، وقد يكون مَحَليَّاً كما هو في المَبْنِيَّات، وأمَّا عند بني تميم فإنَّه يكون معرباً، فإذا كان معرباً قد وُجِدَتْ فيه عِلَّتَان تمنعه من الصَّرف فيقول: جَاءَتْنِي حَذَامُ، بالرَّفع على أنَّه فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة ظاهرة على آخره، وَرَأيْتُ حَذَامَ، مفعولٌ به منصوب ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، وَمَرَرْتُ بِحَذَامَ (الباء) حرف جر و (حَذَامَ) اسم مجرور بالباء وجرُّه فتحة نيابةً عن الكسرة لِمَنْعِه من الصَّرف للعدل والعلميَّة، هذا هو المشهور عند أكثر بني تميم، وبعض بني تميم يُفَرِّقُونَ بين ما كان آخره راء وما ليس كذلك، فما كان مختوماً براء كـ: سَفَارِ، وَحَضَارِ، وَوَبَارِ، فَحُكْمُه عِنْدَهُم حُكْمَ الحجازيين: مبنيٌّ على الكسر. فقوله: وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً. . . . . . . . . . . . . . لم يقل: مُطلقاً لِيَعُمَّ المذهبيين، مذهب من يُفَصِّل بين (فَعَالِ) ما كان مختوماً براء وما ليس كذلك، وبين من يُعَمِّم كالحجازيين، فالحجازيين يُعَمِّمُون لا يُفَرِّقُون: رَقَاشِ .. حَذَامِ، هذا غير مختوم براء، ووَبَارِ وَسَفَارِ هذا مختوم براء، الحجازيُّون مطلقاً في النُّوعين مبنيٌّ للعلَّة السابقة. بعض بني تميم وهم الأقل يُفَرِّقون بين النوَّعين ما كان مختوماً براء: سَفَارِ، وَوَبَارِ، وَحَضَارِ، مبنيٌّ كالحجازيين وما ليس كذلك فهو معرب عندهم، وبعضهم وهو ما حكم عليه النَّاظم هنا بقوله: (وَهْوَ) أي: فَعَالِ علَمَا مُؤَنَّثَاً نَظِيرُ شبيه جُشَمَا الألف للإطلاق وعُمَرْ وَزُفَرْ عند بني تميم .. (عِنْدَ تَمِيمٍ) (عِنْدَ) هذا مُتعلِّق بـ: (نَظِيرُ) عند نظير .. نظير عند، (وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ) (عمر) هذا علم جامد فلا يَتْعَلَّق به الجار والمجرور البَتَّة ولا الظرف. إذاً: (وَهْوَ) أي: فَعَالِ عَلَمَا مُؤَنَّثَاً نَظِيرُ -شبيه- جُشَمَا الألف للإطلاق (عِنْدَ تَمِيمٍ) لمَّا قَيَّدَ الثَّاني قد يقال بأنَّه أراد الحجازيين في الأوَّل، لأنَّه إذا حُكِيَت اللغتان .. إذا قيل الحجازيُّون يقابلهم التَّمِيمِيُّون والعكس بالعكس، وهنا قال: (عِنْدَ تَمِيمٍ) مفهومه أنَّ الأوَّل ليس عند تميم، وإنَّما أطلق (عِنْدَ تَمِيمٍ) مع أنَّ بعضهم لا يوافق على هذا إنَّما يبنيها ويفصل لأنَّهم قلَّة ولذلك قال ابن هشام في القَطر" وافترقت بنو تميم فرقتين" فأكثرهم يعربه إعراب ما لا ينصرف وبعضهم يُفَرِّق بين النَّوعين. إذاً: أطلق (بني تميم) مع أنَّ بعضهم لا يُجْرِيه مُجْرَى الممنوع من الصَّرف وإنَّما يبنيه أو يفصل عبرةً بالأكثر. إذاً: وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ ..

أي: ممنوعٌ من الصَّرف للعلميَّة والعدل عن (فاعِلَة) وهذا رأي سيبويه أنَّ (حَذامِ) ممنوعٌ من الصَّرف لعلَّتين: علميَّة ولا إشكال، أمَّا كونه معدولاً عن (فاعلة) هذا محل نظر، ولذلك: إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقوهَا يُحْكَى عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنَّه قال: فأوقفوها يعني: اسألوها، هنا (فاعلة) كونها معدولاً عن فاعلة مع كونه مؤنَّثاً ونقول: فَعَالِ عَلَمَاً لمؤنَّث نترك التأنيث هذا الَّذي نَنُصُّ عليه ثم نعدل إلى علَّةٍ مُتَكلَّفة هذا محل نظر. ولذلك مذهب المبرِّد قال: " للعلميَّة والتأنيث المعنوي كـ (زَيْنَبٍ) وهو أقوى" بل هو الرَّاجح، أنَّ حَذَامِ ونحوه إنَّما مُنِع من الصَّرف في لغة بني تميم لكونه علماً مؤنَّثاً فاجتمعت فيه العلَّتان ولا نقول أنَّه معدول، لأنَّ العدل كما ذكرنا علَّةٌ عليلة. وهذا فيما ليس آخره راء فأمَّا نحو: وَبَارِ وَظَفَارِ وَسَفَارِ، فأكثرهم يبنيه على الكسر كأهل الحجاز لأنَّ لغتهم الإمالة، فإذا كسروا تَوَصَّلوا إليها ولو منعوه الصَّرف لامتنعت. إذاً هذا قول. ثُم قال: . . . . . . . وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا إذاً: انتهى من شرح العلل. اجْمَعْ وَزِنْ عَادِلاً أنِّثْ بِمعْرِفَةٍ ... رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَة فَالْوَصْفُ قَدْ كَمُلاَ قد كمل شرحها، والآن قال: . . . . . . . وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا الأنواع السَّبعة المتأخِّرة ابتداءً من المُرَكَّب المزجي وما بعده ذكر سبعة أنواع اشترط فيها التَّعريف، إذا وجدت العلَّتان امتنع من الصَّرف: المُرّكَّب المزجي مع العلميَّة فإذا نُكِّر قُصِدَ به الشِّيوع فانتفى كونه علماً وجدت فيه علَّة واحدة، حينئذٍ هل يمنع من الصَّرف؟ الجواب: لا. (وَاصْرِفَنْ) هذا فعل أمر مُؤَكَّد بنون التَّوكيد الخفيفة. . . . . . . . .. واصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا (اصْرِفَنْ) اسماً .. اسماً ممنوعاً من الصَّرف اشْتُرِط فيه التَّعريف وكان التَّعريف مُؤَثِّراً مع علَّةٍ أخرى ما حُكمه إذا نُكِّرا؟ اصرفه، وهذا خاصٌّ بالأنواع، أمَّا الأنواع الخمسة الأولى قلنا هذا لا يشترط فيها العلميَّة بل تمنع من الصَّرف نكرةً ومعرفةً، لأنَّها إذا كانت نكرة وجِدت معها الوصفيَّة، وإذا نقلناها عن الوصفيَّة مَحَّضْنَاها للعلميَّة حينئذٍ ممنوعٌ من الصَّرف كذلك، لأنَّنا انتقلنا من علَّة إلى علَّةٍ أخرى فمنع من الصَّرف، هذه الخمسة الأنواع الأول، وأمَّا هذه السبعة الأنواع التي اشتُرِط فيها التَّعريف فإذا نُكِّر حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو: الصَّرف. . . . . . . . وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا وذلك الأنواع السبعة المتأخرة وهي: ما امتنع للعلميَّة والتَّركيب، أو الألف والنُّون الزَّائِدَتَين، أو التَّأنِيِث بغير الألف، أو العُجمة، أو وزن الفعل، أو ألف الإلحاق، أو العدل، كل هذه العلل اشتُرِط فيها التَّعريف، فلا تمنع من الصَّرف إلا بما ذكرناه.

فتقول: رُبَّ مَعْدِ كَرِبٍ، وَعِمْرَانٍ، وَفَاطِمَةٍ، وَزَيْنَبٍ، وَإِبْرَاهِيمٍ، وَأحْمَدٍ، وَأرْطاً، وَعُمَرٍ، لَقِيتُهُمْ، (رُبَّ) وَكُلُّ مَا رُبَّ عَلَيْهِ تَدخُلُ ... فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ يَا رَجُلُ فأدخِل (رُبَّ) على الأمثلة كُلها فيكون حينئذٍ مصروفاً، (رُبَّ مَعْدِ يْكَرِبٍ) بالخفض (وَعِمْرَانٍ) هذا زيادة (مَعْدِ يْكَرِبْ) هذا مُرَكَّب مَزجي سُلِبَت منه العلميَّة صار نكرة: كَرُبَّ رَاجِيِنَا عَظِيمَ الأَمَلِ .. قلنا (رُبَّ) لا تدخل إلا على النَّكرة: رُبَّ مَعْدِ يكَرِبٍ، بالجرِّ مع التَّنوين (وَعِمْرَانٍ) فِعْلان .. الألف والنُّون زائدة، حينئذٍ لا تمنع لسلبه العلميَّة (وَفَاطِمَةٍ) بالخفض لأنَّه مؤنَّث فقط وليس علماً، وَزَيْنَبٍ وَإِبْرَاهِيمٍ، وَأحْمَدٍ، وَأرْطاً، وَعُمَرٍ، لَقِيتُهُمْ، لذهاب أحد السَّببين وهو: العلميَّة. ويُسْتَثنى من ذلك ما كان صفةً قبل العلميَّة كـ: أحْمَرْ وَسَكْرَانْ، يعني: لو سُمِّيَ بـ (سَكْرَانْ أوْ أحْمَرْ) صار علماً منعناه للعلميَّة وزيادة الألف والنُّون، نَكَّرناه .. سلبناه العلميَّة رجع إلى الوصفيَّة. إذاً: يُسْتَثنى من هذا النَّوع ما كان في الأصل: وصفاً ثم سمَّينا به، يعني هو في الأصل من الأنواع الخمسة، ولذلك سبق أنَّ الأنواع الخمسة (مثنى) وما ذُكِر معه لو سمي به بقي على علميته، لو سُلِبَت منه العلميَّة رجع إلى أصله وهو الوصفيَّة فيكون ممنوعاً من الصَّرف، هنا في هذا التَّركيب الأنواع السبعة نقول: إذا كان ابتداءً هو علم لا إشكال فيه أنَّه مع العلَّة الأخرى إذا سُلِب العلميَّة رجع إلى أصله، وأمَّا إذا كان منقولاً من واحدٍ من الخمسة السابقة حينئذٍ إذا نُكِّر فلا يُصْرف .. يبقى على منعه من الصَّرف، كـ (سَكْرَانْ وَأحْمَرْ) فسيبويه يُبْقِيه غير منصرفٍ. وَابْنِ عَلَى الْكَسْرِ فَعَالِ علَمَا ... مُؤَنَّثَاً وَهْوَ نَظِيْرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا (التَّعْرِيفُ) هذا مبتدأ (فِيهِ أَثَّرَا) (فِيهِ) جار مجرور متعلِّق بقوله (أَثَّرَا) والألف للإطلاق، وقوله (جُشَمَا) الألف للإطلاق كذلك وهو معدولٌ عن (جاشم) والمراد به: (عظيم) فالمانع هو العدل والعلميَّة. قال الشارح هنا: "إذا كان عَلَمُ المُؤَنَّث على وزن (فَعَالِ) كـ: حَذَامِ وَرَقَاشِ، فللعرب فيه مذهبان. (فَعَالِ) في لسان العرب قد يكون معدولاً وغير معدول، فأمَّا المعدول إمَّا علم مُؤَنَّث كـ: حَذَامِ، وهذا تقدَّم حكمه وأمَّا اسم فعل أمر نحو: نَزَالِ، هذا سبق معنا أنَّه معدول. إذاً: المعدول قد يكون كـ: حَذَامِ، وقد يكون كـ: نَزَالِ، وهو اسم فعل أمر، وإمَّا مصدر نحو: حَمَادِ، معدول عن: مَحْمِدَة أو مَحَمَدَة، بفتح الميم أو كسرها، وإمَّا صفة جاريةً مجرى الأعلام نحو: حَلاقِ المَنِيَّة، معدولٌ عن (حَالِقَةٍ) والمَنِيَّة: الموت، وإمَّا صفةٌ ملازمةٌ للنِّداء نحو: فَسَاقِ، فهذه خمسة أنواع كُلها مَبْنِيَّةٌ على الكسر مَعدولةٌ عن مُؤَنَّث، خمسة أنواع كُلها مَبْنِيَّةٌ:

الأوَّل: معدولٌ عن (حَذَامِ) عَلَم لمؤَنَّث، والثَّاني (نَزَالِ) والثَّالث مصدر (حَمَادِ) والرَّابع صفةٌ جاريةٌ مجرى الأعلام، والخامس: صفةٌ ملازمةٌ للنِّداء، فهذه خمسة أنواع كُلها مَبْنِيَّةُ على الكسر معدولةٌ عن مُؤَنَّث، فإن سُمِّي ببعضها مُذَكَّر فهو كـ: عَنَاقِ، يعني: باقٍ على المنع. وقد يُجْعَلُ كـ: صَبَاحٍ، يعني: مصروفاً، وإن سُمِّي به مُؤَنَّث فهو كـ: حَذَامِ، ولا يجوز البناء أي فيما سُمِّي به مُذَكَّر لا فيما سُمِّي به مؤنَّث، وغير المعدول يكون اسماً كـ: جَنَاحِ، ومصدراً نحو: ذهاب، وصفة نحو: جواد، وجنساً نحو: سحاب، فلو سُمِّي بشيءٍ من هذه المُذَكَّر انصرف قولاً واحداً إلا ما كان مؤنثاً كـ: عَنَاقِ، فيبقى على أصله ممنوعاً من الصَّرف. قال هنا: إذا كان علم المُؤَنَّث على وزن (فَعَالَ) فيه مذهبان: أحدهما مذهب أهل الحجاز وهو: بناؤه على الكسر فتقول: هذه حَذَامِ، وَرَأيْتُ حَذَامِ، وَمَرَرْتُ بِحَذَامِ، والثَّاني وهو مذهب بني تميم: إعرابه كإعراب ما لا ينصرف للعلميَّة، قيل علميَّة الأشخاص كـ: حَذَامِ، وعلميَّة الأجناس كـ: فَجَارِ، يعني: يجتمع فيه النَّوعان علم شخص وعلم جنس، (حَذَامِ) علم شخص (وَفَجَارِ) للفجرة كما سبق فهو علم جنس. إعرابه إعراب ما لا ينصرف للعلميَّة والعدل والأصل: حَاذِمَةٌ وَرَاقِشَةٌ، فَعُدِل إلى: حَذَامِ وَرَقَاشِ، كما عُدِل: عُمَرْ وَجُشَمْ، عن: عَامِر وَجَاشِمْ، وإلى هذا أشار بقوله (وَهْوَ نَظِيرُ جُشَمَا عِنْدَ تَمِيمٍ). وأشار بقوله: (وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا) إلى أنَّ ما كان منعه من الصَّرف للعلميَّة وعلَّةٍ أخرى إذا زالت عنه العلميَّة بتنكيره صُرِفَ لزوال إحدى العلَّتين وبقاؤه بعلَّةٍ واحدة لا يقتضي منع الصَّرف، وهذا السَّبب في إيجاد العدل، وذلك نحو: مَعْدِ يكَرِبْ، وَغَطَفَان، وَفَاطِمَة، وَإِبْرَاهِيم، وَأحْمَد، وَعَلْقَى، وَعُمَر أعلاماً فهذه ممنوعة من الصَّرف للعلميَّة وشيءٍ آخر، فإذا نَكَّرتها صرفتها لزوال أحد سببيها وهو العلميَّة فتقول: رُبَّ مَعْدِ يكَرِبٍ رَأيْتُ، وكذا الباقي. وأمَّا الخمسة المتقدمة وهي: ما امتنع لألف التَّأْنِيث، أو للوصف والزِّيادتين، أو للوصف ووزن الفعل، أو للوصف والعدل، أو للجمع المشبه مَفَاعِل أو مَفَاعِيل فإنَّها لا تُصْرف نَكِرةً، فلو سُمِّي بشيءٍ منها لم ينصرف أيضاً، الحكم عامٌّ. قال ابن عقيل: "وتلخَّص من كلامه أنَّ العلميَّة تَمْنَعُ الصَّرف مع التَّركيب ومع زيادة الألف والنُّون ومع التَّأْنِيث ومع العُجْمَة ومع وزن الفعل ومع ألف الإلحاق المقصورة ومع العدل" وأحسن من هذا ما ذكره ابن هشامٍ فإنَّ من أحسن ما ركَّب هذا الباب ابن هشام في (شَرْح قَطْرَ النَّدَى) من أراد أنَّ يضبط باب الممنوع من الصَّرف فليضبط أوَّلاً شرح ابن هشام في (قَطر النَّدَى) قلَّ أن يوجد من رتَّب وعلَّل واختصر الكلام مثل ابن هشام هناك. ولذلك قال: " العلل على ثلاثة أقسام " -في خاتمة الباب- العلل على ثلاثة أقسام:

الأوَّل: ما يُؤَثِّر وحده، حتى أنَّه في (أوضح المسالك) ليس شأنه كـ (قطر النَّدى) فـ (قطر النَّدى) أعلى بكثير من (أوضح المسالك)، (أوضح المسالك) غير مُرَكَّب لأنَّه جرى على ما جرى عليه النَّاظم والإنسان إذا كان تابعاً لغيره في التَّأليف والتَّصنيف قد يحصل عنده خلل. الأوَّل: ما يُؤَثِّر وحده وهو شيئان: الجمع وألفا التَّأنِيث، هذا القسم الأوَّل من العلل ما يُؤَثِّر وحده يعني: لا يحتاج علميَّة ولا وصفيَّة وهذا شيئان هما: ألف التَّأنيث الممدودة والمقصورة كـ: حُبْلى، وَسَلْمَى، وَصَحَرَاء، وَحَمْرَاء، وصيغة منتهى الجموع: ما كان على وزن: مَفَاعِلْ، أو مَفَاعِيل. الثاني: ما يُؤَثِّر بشرط وجود العلميَّة وهو ثلاثة أشياء: التَّأْنِيث بغير الألف .. لا بد من العلميَّة، ولذلك زينب لو سُلِبَت العلميَّة انصرف لأنَّ العلميَّة شرطٌ في منعه، والتَّركيب (مَعْدِ يكَرِبْ) لا بُدَّ أن يكون علماً فلو نُكِّر حينئذٍ لا يمنع من الصَّرف بل يرجع إلى أصله، والعُجْمَة كذلك، ومِن ثَمَّ انصرف (صِنْجَة) وإن كان مؤَنَّثاً أعجميَّاً (وَصَوْلَجَان) وإن كان أعْجَميَّاً ذا زيادة (وَمُسْلِمَة) وإن كان مُؤَنَّثاً وصفا لانتفاء العلميَّة فيهن. الثالث: ما يُؤَثِّر بشرط وجود أحدٍ من أمرين: العلميَّة أو الوصفيَّة يعني: قد يكون ممنوعاً من الصَّرف للعلميَّة مثلاً وزيادة الألف والنُّون كذلك يمنع من الصَّرف للوصفيَّة وزيادة الألف والنُّون، ألم يمر معنا أنَّ الألف والنُّون زيادتان، قد يكون مع الوصف فيمنع مثل (سَكْرَان) وقد يكون مع العلم فيمنع مثل (عُثْمَان) حينئذٍ قد يكون هذا أو ذاك؟ هذا النَّوع الثَّالث: ما يُؤَثِّر بشرط وجود أحد أمرين: العلميَّة أو الوصفيَّة وهو ثلاثةٌ: العدل والوزن والزِّيادة يعني: عُمَرْ، وَأحْمَدْ، وَسَلْمَانْ، وَثُلاثْ، وَأحْمَرْ، وَسَكْرَانْ، هذه كلها إمَّا هذا وإمَّا ذاك، ولذلك نقول: العدل قد يكون في مثنى وثُلاث هذا عدلٌ مع وصفٍ، (عُمَرْ وَحَذَامِ) هذا عدلٌ مع علميَّة إذاً: هذا أو ذاك يجتمع مع هذا ويجتمع مع ذاك، كذلك الوزن .. وزن الفعل سبق: وَوَصْفٌ اصْلِيٌّ وَوَزْنُ أَفْعَلا .. إذاً وصفٌ مع وزن الفعل، وكذلك مرَّ معنا ما يخصُّ الفعل (أَوْ غَالِبٍ كَأَحْمَدٍ وَيَعْلَى) حينئذٍ نقول: هذا وجِد فيه الوزن مع العلميَّة، وكذلك الزِّيادة وسبق هذا، إذاً: هذه ثلاثة أنواع ضبطُها أحسن مِمَّا ذكره ابن عقيلٍ. وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً فَفِي ... إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً) هذا عامٌّ فيما سبق من أوَّل الباب إلى آخره، فليس خاصَّاً بالأخير، فقوله: . . . . . . . وَاصْرِفَنْ مَا نُكِّرَا ... مِنْ كُلِّ مَا التَّعْرِيْفُ فِيهِ أَثَّرَا هذا خاصٌّ بالأنواع السَّبعة، وأمَّا الخمسة فليست داخلة، وأمَّا قوله هنا: (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً) (مِنْهُ) هنا الضَّمير يعود على ما لا ينصرف من قوله: (فَأَلِفُ التَّأْنِيثِ .. ) إلى قوله (عِنْدَ تَمِيمٍ) كله داخل في هذا البيت.

(وَمَا يَكُونُ) (مَا) مبتدأ (وَيَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً) يكون هو و (مَنْقُوصَاً) خبر (يَكُونْ) والجملة لا مَحل لها من الإعراب صِلة الموصول. . . . . . . . . . . . . . . فَفِي ... إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً يَقْتَفِي) يَتَّبِع (فِي إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوارٍ)، (فِي إِعْرَابِهِ) مُتعلِّق بقوله: (يَقْتَفِي) يعني: يتَّبع و (نَهْجَ جَوارٍ) (نَهْجَ) هذا المراد به: الطَّريق والسَّبيل وهو مفعولٌ مُقدَّم لقوله (يَقْتَفِي) إذاً: (يَقْتَفِي) الجملة خبر (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ) من الممنوعٌ من الصَّرف مُطلقاً، فيعمَّ المعرفة والنَّكرة (مَنْقُوصَاً) فيَقْتَفِي فِي إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوارٍ، في ماذا؟ جَوارٍ .. وَذَا اعَتِلاَلٍ مِنْهُ كَالجَوَارِيَ ... رَفْعَاً وَجَرّاً. . . . . . . . . . . . يقتفي جوارٍ في ماذا؟ في كونه في حالة الرَّفع والخفض تُحذف منه الياء وَيُعَوَّض عنه النُّون، طيب! لماذا أعاده مرة أخرى؟ هو سبق: وَذَا اعْتِلالٍ مِنْهُ كَالجَوَارِي .. هل الحكم مُكَرَّرْ أو ماذا؟ هناك خاص بباب (مَفَاعِلْ) وهنا عامٌّ مُطلقاً، وما كان منقوصاً، يعني: لو كان في أصله كـ (قاضي) ثُمَّ سُمِّي به عَلَم امرأة أو (يرمي) هذا مختوم بياء، لو سُمِّي به عَلَم، حينئذٍ نقول: عَلَمٌ وهو مُؤَنَّث مثلًا، سُمِّي به امرأة، حينئذٍ نقول: (يَرْمٍ) مثل (جَوَارٍ) تحذف الياء وَتُعَوِّض عنها النُّون، والعلَّة كما ذكرناه سابقاً: التقى ساكنان وحذفت .. إلى آخره، نفس العلَّة التي في (جَوَارٍ) تقول: هَذِه يَرْمٍ، وَجَاء يَرْمٍ، ومررت بِيَرْمٍ، أصله: (يرمي) (يَعْلٍ) أصله: يعلى. حينئذٍ نقول: في حالتي الرَّفع والخفض يُعَامل مُعاملة (جواري) في حالة النَّصب: رأيت يَرْمِيَ .. يَعْلِيَ، أو يَعْلَى إذا جعلناه كما هو ولم نرده إلى أصله، حينئذٍ نقول: في حالة النَّصب يبقى كما هو، وفي حالة الرَّفْع والجر يُعَامل مُعَاملة (جواري) بِمعنى: أنَّه يُحْذَف الياء، أو الواو تُقْلَب ياء ثُمَّ تُحْذَف للتَّخَلُّص مِن التقاء السَّاكِنَين. وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً فَفِي ... إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي أي: ما كان منقوصاً من الأسماء التي لا تنصرف، سواءٌ كان من الأنواع السَّبعة التي إحدى عِلَّتَيهَا: العلميَّة، أو من الأنواع الخمسة التي قبلها. هنا أُنْكِر على المُرادِي في شرحه: أنَّه جعل هذا البيت خاصَّاً بالمعارف، ولم يردَّ الضَّمير هنا في قوله (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ) إلى أوَّل الباب، والظَّاهر هو الثَّاني: أنَّه مردودٌ إلى الجميع.

فمثاله من غير التَّعريف: (أُعَيْمٍ) تصغير (أعمى) فإنَّه غير منصرف للوصف والوزن، ويلحقه التَّنوين رفعاً وجرَّاً نحو: هذا أُعَيْمٌ، وَمَرَرْتُ بِأُعَيْمٍ، (أُعَيْمٌ) هذا ليس مصروفاً، هذا التَّنوين هنا تنوين عِوَض عن الياء، يعني: مثل تنوين (جَوَارٍ) حينئذٍ نقول: هذا أُعَيْمٌ .. مَرَرْتُ بِأُعَيْمٍ .. رَأيْتُ أُعَيْمِيَّ، (أُعَيْمِيَّ) على الأصل، والتَّنوين فيه عِوَض من الياء المحذوفة كما في نحو (جَوَارٍ) وهذا لا خلاف فيه .. (أُعَيْمٍ) لا خلاف فيه، وهذا سبق معنا. وَمَا يَكُونُ مِنْهُ مَنْقُوصَاً فَفِي ... إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي أي: والَّذي يكون مِمَّا لا ينصرف منقوصاً فهو يَقْتَفِي نَهْجَ جَوارٍ في إِعْرَابِهِ، فلو سَمَّيت بـ: يَرْمِي وَيَقْضِي فحينئذٍ أعللناه إعلال (جَوَارٍ) ولو سَمَّيت بـ: يغزو ويدعو حينئذٍ رجعت بالواو للياء، لو سميت رجل: يغزو .. جاء يغزو .. رأيت يغزو .. مررت بيغزو، (يغزو) في أصله فعل، لَمَّا جعلناه عَلَماً اسْماً حينئذٍ ليس عندنا اسمٌ مُعرب آخره واوٌ لازمة، حينئذٍ: وجب قلب الواو ياءً فتقول: جاء يغزي، ورأيت يغزي، ومررت بيغزي، ثُمَّ بعد ذلك تدخِل عليه التَّنوين فيلتقي ساكنان وتحذف اليَّاء. إذاً لا بُدَّ أوَّلاً: من قلب الواو ياءً تلافياً لأن يكون مَعَنا اسمٌ مُعرب آخره واوٌ لازمة، هذه واو لازمة لأنَّه من أصل الكلمة: دعا .. يدعو، فهي أصليَّة، إذاً: رجعت بالواو للياء، وأجريته مُجْرى (جَوَارٍ) وتقول في النَّصب: رَأيْتُ يَرْمِيَ وَيَدْعِيَ، (يَرْمِيَ) هذا واضح، و (يَدْعِيَ) بقلب الواو ياءً، لأنَّه لا يصح أن يقال: (يَدْعُو) لأنَّه يَجب قلب الواو ياءً. قال الشَّارح: "كُلُّ منقوصٍ كان نظيره من الصَّحيح الآخر ممنوعاً من الصَّرف يُعَامل مُعَاملة (جَوَارٍ) في أنَّه يُنَوَّن في الرَّفع، والجر تنوين العوض - انتبه لهذه! -، ويُنصب بفتحةٍ من غير تنوين، وذلك نحو: قَاضٍ " انظر! مَثَّل بـ: قَاضٍ، على أنَّه تنوين عوض، لأنَّه نُقِل من بابٍ إلى باب .. من باب المصروف إلى بابٍ آخر وهو الممنوع من الصَّرف، فالتَّنوين يَختلف، قبل نقله فهو تنوين تمكين .. صرف، وبعد نقله فهو تنوين عِوَض. ويُنصب بفتحةٍ من غير تنوين وذلك نحو: قَاضٍ، عَلَم امرأة، فإنَّ نظيره من الصَّحيح: ضَارِب، عَلَم امرأة، وهو ممنوع من الصَّرف للعلميَّة والتَّأنيث، فـ (قَاضٍ) كذلك ممنوع من الصَّرف للعلميَّة والتَّأنيث، فهو مُشَبَّهٌ بـ (جَوَارٍ) من جهة أنَّ في آخره ياءً قبلها كسرة، فَيُعَامل مُعَامَلته، فتقول: هذه قَاضٍ .. امرأة، هذه قَاضٍ، لكن اسم على غير مُسَمَّى .. انتبه ما يصح! هذه قَاضٍ، وَمَرَرْتُ بَقَاضٍ، وَرَأيْتُ قَاضِيَ، كما تقول: هؤلاء جَوَارٍ، وَمَرَرْتُ بِجَوَارٍ، وَرَأيْتُ جَوَارِيَ، ومثله: يُعَيِل، تصغير (يَعْلَى) هذا يُعَيِلٌ، وَمَرَرْتُ بِيُعيلٍ، وَيَرْمٍ (يَرْمِي) مُسَمَّىً به تقول: جاء يَرْمٍ، وَمَرَرْتُ بِيَرمٍ، وَرَأيْتُ يَرْمِيَ، (يَرْمِيَ) هذا عَلَم، يعني: اسم امرأة.

وذهب الكسائي إلى أنَّ نحو: قاضي، اسم امرأة، وَيُعَيل، وَيَرْمي، يَجري مَجرى الصَّحيح في ترك التَّنوين وَجَرِّه بفتحةٍ ظاهرة، فيقال: هذا يُعَيْلى وَيَرْمي وقاضي، يعني: إبقاءه على أصله، هذا مذهب الكسائي، وَرَأيْتُ يُعَيلِيَ، وَيَرْمِيَ، وَقَاضِيَ، وَمَرَرْتُ بِيُعَيلِي، وَيَرْمِي، وَقَاضِي، فتبقى الياء كما هي ساكنة ولا يُجْرِيه مُجْرى (جَوَارٍ وَغَوَاشٍ) هذا رأيٌّ للكسائي والجمهور على خلافه. (وَمَا يَكُونُ مِنْهُ) والَّذي يكون .. مبتدأ، (يَكُونُ مِنْهُ) يعني: مِمَّا لا ينصرف معرفةً أو نكرة (مَنْقُوصَاً) يعني: آخره ياء .. قبل النَّقل، وأمَّا بعده فهذا ذهب في قوله: (وَذَا اعْتِلاَلٍ)، فـ (يَقْتَفِي) يتَّبع (فِي إِعْرَابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ) فَيُرْفَع وَيُنَوَّن تنوين عوض، وينصب على الفتحة الظَّاهرة وتبقى الياء، ويُخْفَض بالفتحة نيابةً عن الكسرة، وَيُنَوَّن تنوين عِوَض وتُحْذَف الياء، وما كان مختوماً بالواو وجب قلب الواو ياءً، لأنَّه لا يوجد عندنا اسم معرب آخره واو. وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ صُرِفْ ... ذُو المَنْعِ وَالمَصْرُوفُ قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ وَجَائِزٌ فِي صَنْعَةِ الشِّعْرِ الصَّلِفْ ... أَنْ يَصْرِفُ الشَّاعِرُ مَا لاَ يَنْصَرِفْ يعني: الممنوع من الصَّرف إذا اضْطُرَّ الشَّاعرُ إلى صَرْفِه صَرَفَهُ لأنَّه رجوعٌ إلى الأصل وهذا في الجملة مُتَّفق عليه، في الجملة، ثَمَّ نوعان مختلفٌ فيهما، في الجملة: ما اضْطُرَّ الشاعر إلى صَرْفِه صَرَفَهُ، مثال الضَّرورة كقول الشاعر: وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ .. (عُنَيْزَةٍ) جَرَّه والأصل أن يقول: عُنَيْزَةَ، لأنَّه علم مُؤَنَّث، فاجتمع فيه علَّتان فهو ممنوع من الصَّرف. وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ ... فَقَالَتْ لَكَ الوَيلاتُ إنَّكَ مُرِجِلي ومثله: تَبْصَّرْ خَلِيْلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَغَائِنٍ .. (ظَغَائِنٍ) بعد ألف تكسيره حرفان، حينئذٍ هو ممنوعٌ من الصَّرف لكونه على صيغة منتهى الجموع. إذاً: يُصْرَف الممنوع من الصَّرف فَيُرَدُّ إلى أصله، وحينئذٍ لا إشكال. (وَلاِضْطِرَارٍ) وهو في الشِّعر كثير بل هو الظَّاهر أنَّه محله الشِّعر، واخْتُلِف في نوعين، يعني: فيما يَجوز أنَّه إذا اضْطُرَّ هل يُنَوِّنُه فَيردُّه إلى أصله أم لا؟ الأوَّل: ما فيه ألف التَّأنيث المقصورة، عرفنا فيما سبق أنَّ التَّنوين ساكن حينئذٍ ألف مقصورة ساكنة، فماذا يصنع الشاعر؟ إذا اضْطُرَّ إلى أن يُنَوِّن المختوم بألفٍ ساكنة، يلتقي ساكنان فتحذف الألف، جئت بساكن مثله! ليس فيه فائدة، لكنَّه سُمِع ما دام أنَّه سُمِع فيجوز. ما فيه ألف التَّأنيث المقصورة فمنع بعضهم صرفه للضَّرورة، وقال لأنَّه لا فائدة فيه، إذ يزيد بقدر ما ينقص، ما الَّذي نقص؟ ساكن .. زاد ساكناً، هو نفسه .. دوران .. يدور، يعني: تأتي بالتَّنوين وهو ساكن فتحذف السَّاكن، إذاً: يزيد بقدر ما ينقص. وَرُدَّ بقوله: جُزْءَاً لآخِرَتِي وَدُنِياً تَنْفَعُ ..

(وَدُنِياً تَنْفَعُ) نَوَّن (دُنِيَا) و (دُنِيَا) هذا مثل (حُبْلَى) ممنوعٌ من الصَّرف، ما دام أنَّه سُمِع نمشي معه، فيجوز حينئذٍ أن يُنَوَّن ما كان مَختوماً بألف التأنيث المقصورة. الثَّاني: (أفْعَلُ مِنْ) أفْعَلْ: ما كان على صيغة (أفْعَلْ) مُجَرَّد إذا قيل (أفْعَلْ مِنْ) سبق أنَّ هذا الاصطلاح يُراد به المجرَّد الَّذي يلتزم التَّذكير والإفراد، (أفْعَلْ مِنْ) منع الكوفيُّون صرفه للضَّرورة، قالوا: لأنَّ حذف تنوينه لأجل (مِنْ) هو حُذِف تنوينه من أجل (مِنْ) فكيف أنت تَرُدَّه؟ تنوينه أصلًا .. يقول: أفْضَلُ مِنْ، (أفْضَلُ) لا يُنَوَّن لأجل (مِنْ) وهذا ليس بصحيح. قالوا: لأنَّ حذف تنوينه لأجل (مِن) فلا يُجمع بينهما، ومذهب البصريين جوازه لأنَّ المانع إنَّما هو الوزن والوصف فقط، ليس لأجل (مِنْ). ومذهب البصريين جوازه لأنَّ المانع إنَّما هو الوزن والوصف كـ: أحْمَر، لا من لا لفظ (من)، بدليل صرف: خيرٍ من، وشرٍ من، بزوال الوزن. (خيرٍ من) هذا مصروف و (شرٍ من) هذا مصروف، لزوال الوزن، لأنَّ الألف هنا حُذِفت كما سبق تخفيفاً حينئذٍ زالت الصِّيغة. وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ .. يعني: مناسبة، يُذْكَر الممنوع بجوار المصروف، فمناسبةً له يُنَوَّن، وهذا يُسَمَّى: تنوين المناسبة، وهو خاصٌّ كذلك بالأسماء. ومثال الصَّرف للتَّناسب قراءة نافع والكسائي: (سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً) (أَغْلاَلاً) هذا ممنوعٌ من الصَّرف؟ لا، (سَلاَسِلْ) هذا على وزن (مفاعل) و (أَغْلاَلاً) هذا ليس ممنوعٌ من الصَّرف، أغلال .. (أفْعَال) لمَّا نُوِّنَ (أَغْلاَل) وكان قبله (سلاسل) جرى معه، لمناسبة ما بعده نُوِّن سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً. وقراءة الأعمش: (وَلا يَغُوثَاً وَلا يَعُوقًا وَلا نَسْرًا) قراءة الأعمش شاذَّة (وَلا يَغُوثَاً وَلا يَعُوقًا وَلا نَسْرًا) لمناسبة (نسرا) لأنَّ (نسراً) هذا مصروف. إذًا: وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ صُرِفْ .. وجوباً (ذُو المَنْعِ) (وَالمَصْرُوفُ قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) وهذا محل نزاع .. هذا مذهب الكوفيين، وأمَّا البصريُّون فلا يُجيزون ذلك البتَّة، عندهم ممنوع أن يُمنع المصروف، لماذا؟ جَوَّزُوا الأوَّل ومنعوا الثَّاني، قالوا: هو ممنوعٌ من الصَّرف، إذا اضْطُرَّ إلى صَرْفِه صَرَفَه رجوعاً إلى الأصل، لأنَّ الأصل في الاسم أن يكون مصروفاً، فإذا مُنِع فهو فرعٌ .. فإذا نُوِّن رجعنا إلى الأصل، لا إشكال، أمَّا أن يكون الأصل فيه: أنَّه مصروف، ثُمَّ بعد ذلك نَمنعه من الصَّرف؟! هذه مشكلة، قالوا: إذًا نَمنعه، فلا يجوز أن يُمنع المصروف. وأمَّا منع المنْصرَف من الصَّرف للضَّرورة فأجازه قومٌ ومنعه آخرون، لكونه خروجاً عن الأصل بِخلاف صرف مالا ينْصرِف فإنَّه رجوعٌ للأصل فاحْتُمِل في الضَّرورة، ومنعه آخرون وهم أكثر البصريين واستشهدوا لمنعه، يعني: ممن جَوَّزَهُ: وَمِمِنْ وَلَدُوا عَامِرُ ... ذُوْ الطُّوُلِ وَذُوُ العَرْضِ

(عَامرُ) ممنوع من الصَّرف؟ لا، ليس ممنوعاً من الصَّرف، لكن هنا مَنَعه، إذاً: يَجوز منع المصروف للضَّرورة، لذلك ذهب ابن مالك هنا إلى كونه جائز (وَالمَصْرُوفُ قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) (وَالمَصْرُوفُ) الَّذي الأصل فيه: أنَّه الصرف (قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) (قَدْ) للتَّقليل .. لكنَّه قليل يعني، ولذلك قال قائل: فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعٍ (مِرْدَاسَ) على وزن (مِفْعَال) هل هو ممنوعٌ من الصَّرف أو لا؟ ليس ممنوعاً من الصَّرف، لكن منعه هنا قال: (مِرْدَاسَ) لم يُنَوِّنه، فمنعه من الصَّرف لضرورة الوزن، وكذلك مثله: طَلَبَ الأَزَارِقَ بالكَتَائِبِ إِذْ هَوَتْ ... بِشَبِيبَ غَائِلَةُ النُّفُوسِ غَدُورُ (بِشَبِيبَ) هذا ليس ممنوعاً من الصَّرف بل هو مصروف. على كُلٍّ: سُمِع في لسان العرب أنَّ الشَّاعر قد يمنع ما هو مصروفٌ في الأصل للضَّرورة. إذاً: (لاِضْطِرَارٍ) يَعمُّ النَّوعين، فيجوز أن يصرف الشاعر مالا ينصرف، وهذا الَّذي نصَّ عليه الحريري هناك في (المُلحة): وَجَائِزٌ فِي صَنْعَةِ الشِّعْرِ الصَّلِفْ ... أَنْ يَصْرِفُ الشَّاعِرُ مَا لاَ يَنْصَرِفْ وهذه لها ضوابط عندهم، وإنَّما يُنْظَر فيها على حسب الضَّوابِط، ليس كل ما عّنَّ له صرفه، أو أنَّه يُقال اضْطُّر إليه، لا، إنَّما لها ضوابط. (وَلاِضْطِرَارٍ) إذًا: يَعُمُّ صرف الممنوع ومنع المصروف، وأمَّا مذهب الكوفيين فجواز منع المصروف، ومذهب البصريين المنع فلا يجوز عندهم أن يمنع الشاعر ما هو مصروفٌ في الأصل، لأنَّه إجحافٌ به، الأصل فيه: أنَّه يُنَوَّن تنوين صرف، فإذا منعه حينئذٍ أجحفه وسَلَبَه حقه وهذا ممنوع. (وَلاَضْطِرَارٍ) هذا جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (صُرِفْ) (أَوْ) هذه للتَّقسيم (تَنَاسُبٍ) معطوف على (اضْطِرَارٍ) والمعطوف على المجرور مجرور (صُرِفْ) صرف وجوباً، وإن كانت اللفظة لا تدل على الوجوب. (وَلاِضْطِرَارٍ أَوْ تَنَاسُبٍ صُرِفْ) يعني: وجوباً. (ذُو المَنْعِ) (صُرِفْ) فعل ماضي مغيَّر الصيغة مبني على الفتح، أين الفتح؟ مُقدَّر، لماذا؟ سكون الرَّوي، (ضُرِبْ) نقول: هذا مبني على الفتح، لكن الفتح ليس ظاهراً هنا، دائماً في الوقف تُعرِبه بسكون الوقف، يعني: تُقدِّر الحركة، ولذلك اتفقوا على أنَّ العرب إنَّما تقف على ساكن ولا تقف على متحرِّك، كما أنَّها لا تبدأ بساكن بل تبدأ بِمتحرِّك، فإذا قيل: جاء زيد (زيد) فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الوقف، جاء زيد: هذا يُخطئ فيه الطُّلاب نقول: جاء زيد، أعرب: جاء زيد؟ فتقول: جاء زيد، هذا فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة ظاهرة على آخره، ما في ضَمَّة ظاهرة! أنت تقول: جاء زيد، الضمَّة الظاهرة تكون في الوصل، أمَّا في الوقف فليس عندنا فتحة ظاهرة، ولا ضَمَّة ظاهرة، ولا كسرة ظاهرة، وإنَّما تكون في الوصل فقط إذا كان، جاء زَيدُ وعمرو، الأوَّل مرفوع بضَمَّة ظاهرة والثَّاني مرفوع بضَمَّة مُقَدَّرة، إذاً: في الوقف تُقدِّر الحركة: رفعاً، أو نصباً، أو خفضاً.

وهنا: (صُرِفْ) وسواء كانت الحركة في المبنيَّات أو في المعربات فالحكم عام، هنا تقول: (صُرِفْ) مبنيٌّ على فتحٍ مُقدَّر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الضَّرب. (صُرِفْ ذُو المَنْعِ) (ذُو) نائب فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة بالواو لأنَّه من الأسماء السِّتَّة، إذاً: ليس بضَمَّة مُقدَّرة، لأنَّه من الإعراب بالفرع وهو الحرف، (ذُو المَنْعِ) (ذُو) مُضاف بِمعنى: صاحب المنع و (المَنْعِ) مضافٌ إليه، وهذا قيل بلا خلاف، لكن ذكرنا أنَّ نوعين وهو: ما كان فيه ألف التَّأنيث المقصورة هذا فيه خلاف، وكذلك (أفْعَلُ مِنْ) الكوفيُّون على المنع، والبصريُّون على الجواز وما عداه فهو مُجمعٌ عليه، إذاً: (وَلاِضْطِرَارٍ) ليس كُلَّه مُجْمَعٌ عليه بل فيه نوعان فيهما خلاف. (وَالمَصْرُوفُ قَدْ لا يَنْصَرِفْ) (وَالمَصْرُوفُ) مبتدأ مرفوع ورفعه ضَمَّة ظاهرة على آخره (المَصْرُوفُ) يعني الَّذي صُرف (أل) هنا ما نوعها؟ وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ .. (مصْرُوفُ) اسم مفعول، وإذا كان اسم مفعول ودخلت عليه (أل) فهي الموصوليَّة: وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ .. (وَالمَصْرُوفُ) قلنا: مبتدأ (قَدْ) للتَّقليل، حرفٌ مبنيٌّ على السُّكون لا مَحلَّ له من الإعراب، (لاَ يَنْصَرِفْ) نافية، حرفٌ مبني على السُّكون لا محل له من الأعراب، ما معنى: لا محلَّ له من الإعراب؟ يعني: لا يأتي مُبتدأً، ولا فاعلاً، ولا تمييزاً، ولا حالاً إلى آخره، لا يأتي في بابٍ من الأبواب التي مرَّت معنا أبدًا، لا مستثنى .. وإلى آخره، طيب، نحن نقول: زَيْدٌ قَامَ أبوه (زيدٌ) مبتدأ و (قام أبوه) في محل رفع، هنا الحكم على الجملة، والحكم على الفعل نفسه نقول: الفعل لا محل له من الإعراب، وإنَّما وقع هناك: زيدٌ قام أبوه، ليس (قام) فقط هو الخبر، وإنَّما جملة: (قام أبوه) فحينئذٍ المحل للجملة لا للفعل، وإذا قيل: قام زيدٌ، (قام) فعلٌ ماضي مبنيٌّ على الفتح لا محل له من الأعراب، كيف لا محل له من الإعراب، ثُمَّ نقول هو في محل رفع هناك؟! لا محل له من الإعراب معناه: أنَّه لا يُمكن أن يأتي في أي تركيب أن يكون خبراً .. أبدًا لا يُمكن، فإذا قيل: زيدٌ قام أبوه، كيف وقع خبراً؟ نقول: هنا وقع خبراً جملة، يعني: الفعل مع الفاعل، وهناك قلنا: قام زيدٌ (قام) لا مَحلَّ له من الإعراب باعتبار الفعل نفسه، إذ فرقٌ بين الحكم على الفعل فقط، وعلى الفعل مع فاعله. (قَدْ لاَ يَنْصَرِفْ) (يَنْصَرِفْ) فعل مضارع، ما الدَّليل على أنَّه فعل مضارع؟ الياء .. أنيتُ (يَنْصَرِفْ) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على آخره، وليست ظاهرة، قلنا: الظَّاهر يكون في الوصل، في الوقف تُلغي هذه الفكرة الخاطئة وهي: أنَّه يكون مرفوعاً بضَمَّة ظاهرة، أو فتحة ظاهرة، أو كسرةٍ ظاهرة، إلا في المنصوب إذا وُقِف عليه بالألف: رَأيْتُ زَيْدَا، هذا يُسْتَثْنى. وَقِفْ عَلَى المَنْصُوُبِ مِنْهُ بِالأَلِفْ ... كَمِثْلِ مَا تَكْتُبُهُ لاَ يَخْتَلِفْ إذاً: (لاَ يَنْصَرِفْ) مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ (المَصْرُوفُ). والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

109

عناصر الدرس * شرح الترجمة (إعراب الفعل) والأصل في الأفعال * رفع المضارع وعامله * ينصب المضارع بـ (لن) ــ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، وَالصَّلاة وَالسَّلامَ عَلَى نَبِيَّنَا مُحَمَّد، وَعَلى آله وَصَحْبِه أَجْمَعِين، أمَّا بعد: قال النَّاظِم رحمه الله تعالى: (إِعْرَابُ الْفِعْلِ) أي: هذا بابٌ مُتَعلِّق بإعراب الفعل. بعدما أنْهى ما يَتَعلَّق بالأسماء المصروفة وغير المصروفة، شرع في الفعل المعرب، وهو الفعل المضارع، وقد أشار فيما سبق إلى أنَّه مُعرَب، وقد اختلف البصريون والكوفيون في الأصل في الأفعال: هل هي مُعرَبة أو مَبنِيَّة؟ والذي عليه مذهب البصريين: أنَّ الفعل مبني، هذا الأصل فيه، ولذلك ما جاء على الأصل لا يُسأل عنه، وأن الأصل في الأسماء الإعراب. والكوفيون يرون أن الأصل في الاسم والفعل الإعراب مَعاً، حِينئذٍ ما جاء على الأصل لا يُسأل عنه، كما سبق في بيان الاسم: وَالاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي حِينئذٍ ما جاء مُعرَباً من الأسماء لا يُسأل عنه، وما جاء مَبنيَّاً فيُقال: لم بُنِي؟ حِينئذٍ لا بُدَّ من بحث عن عِلَّةٍ، وقد سبق بيان العلل في باب المعرب والمبني، وسبق قوله: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَأَعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... نُونِ إِنَاثٍ. . . . . . . . . . . حِينئذٍ حكم بكون الفعل المضارع مُعْرَب، وهذا على خلاف الأصل، إذْ الأصل في الفعل: أنَّه مبني، هذا عند البصريين، حِينئذٍ الفعل الماضي لا يُسأل عنه، لأنَّه وافق الأصل، وما جاء على الأصل لا يقال: لم بُنِي؟ كذلك فعل الأمر على مذهب البصريين مبني، وحِينئذٍ لا يُسأل عنه؛ لأنَّه جاء على الأصل، فلا يُقال: لم بُنِي فعل الأمر؟ وأمَّا على مذهب الكوفيين فالأصل عندهم الإعراب، والفعل -فعل الأمر- مُعرَبٌ عندهم، والفعل المضارع مُعرَبٌ عندهم، إذاً: لا يُسأل عن عِلَّة إعراب فعل الأمر ولا المضارع، لأنَّه وافق الأصل، وإنَّمَا يُسأل عن عِلَّة بناء الفعل الماضي، فيُقال: لم بُنِي الفعل الماضي؟ إذاً: باختلاف الأصلين حِينئذٍ يأتي التَّعلِيل، باختلاف الأصلين: الأصل في الفعل هل هو مُعرَبٌ أو مبني؟ يأتي التَّعلِيل، فعلى مذهب الكوفيين لا نَحتاج أن نقول: لم أُعرب الفعل المضارع؟ لأنَّه جاء على الأصل، وما جاء على الأصل لا يُسْأل عنه، وأمَّا على مذهب البصريين فالأصل في الفعل أنَّه مبني، فحِينئذٍ إذا أُعْرِب الفعل المضارع نقول: لم أعرب الفعل المضارع؟ هنا قال: (إِعْرَابُ الْفِعْلِ) وأطلق الفعل، والمُراد به: الفعل المضارع، لماذا؟ لأنَّه لا مُعرَب عِنْد البصريين إلا الفعل المضارع، بشرط خُلوِّه من النونين، يعني: ألا تَتَّصِل به نون الإناث، وألا تَتَّصِل به نون التوكيد، وتكون مُباشِرةً للفعل، وحِينئذٍ الفعل قد يكون مُعرَباً، وقد يكون مُبنيَّاً، يكون مَبنيَّاً في حالين: وذلك إذا اتَّصَلَت به نون الإناث، أو نون التوكيد المباشرة، ولذلك سبق: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَأَعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... نُونِ إِنَاثٍ كَيَرُعْنَ مَنْ فُتِنْ إذا لم تَتَّصِل به نون الإناث، ولا نون التوكيد، حِينئذٍ حكمنا عليه بكونه مُعرَباً. وما عِلَّة الإعراب؟ عند البصريين أنَّ عِلَّة الإعراب مُشابَهتُه للاسم، لذلك سُمِّي: مضارعاً، من المضارعة وهي المُشابَهة، كما إذا ارتضعا من ثديٍ واحد .. هكذا قيل، فالمضارعة في اللغة: هي المُشابَهة، حِينئذٍ ما وجه المُشابَهَة بين الفعل المضارع والاسم؟ عند جمهور البصريين عُلِّلَ بخمسة أمور .. وجوه المُشابهة بين الفعل المضارع والاسم من خمسة أوجه: الأول: وقوع الفعل المضارع موقع الاسم في كثير من المواقع، فيقع خَبَراً، وصِفةً، وصِلَةً، وحالاً، يعني: هذه المحال -الخبر والصفة والصلة والحال- قد يقع في المحل ما هو اسم، وقد يقع في المحل ما هو فعلٌ مضارع، إذاً أشْبَهَه فيُقَال: زيدٌ قائمٌ .. زيدٌ يقوم، جاء الاسم خَبَراً وجاء فعلاً، وكذلك الصفة: مررت بِرجلٍ ضاحكٍ، ومررت برجلٍ يضحك، إذاً: جاءت الصِّفَة فعلاً، وجاءت اسْماً.

كذلك صِلَة: جاء الذي يقوم أبوه .. جاء القائم، وقع (القائم) هنا صِلَة، أو يكون جزءً مع غيره في الجملة الاسْميَّة: جاء الذي أبوه قائمٌ، (أبوه قائمٌ) نقول: هذا اسمٌ، وهو مركبٌ من اسمين، إذاً: جملة اسْميَّة، إذاً: وقع الفعل المضارع موقع الاسم: جاء القائم ونحوه. وحالاً كذلك إذا قلت: جاء زيدٌ ضاحكاً، وجاء زيدٌ يضحك، إذاً: مواضع في المَحَال يرد الاسم ويرد فيها الفعل المضارع، إذاً: أشبه الفعل المضارع الاسم في وقوعه في مَحلٍّ من هذه المَحَال الأربعة. الثاني: أن الفعل يحتاج إلى الإعراب لتمييز المعاني كالاسم، ولذلك سبق في أول باب المعرب والمبني، أنَّ الاسم إنَّما أُعرِب .. وإن كان لا يحتاج إلى تعليل، لأنَّه وافق الأصل، وما جاء على الأصل لا يُسأل عنه، حِينئذٍ قيل: أنَّ الاسم إنَّمَا أُعرِب لتوارد المعاني عليه، قالوا: المعاني لا يُميِّزُها إلا الإعراب .. المعاني المختلفة لا تَتَميَّز إلا بالإعراب. وذكرنا المثال المشهور عندهم، وهو: ما أحْسنُ زَيدٍ .. ما أحْسنَ زَيداً .. ما أحْسنَ زَيدٌ، هذه الجملة واحدة وهي اسْميَّة، ومُحتمِلَة لِعدَّة معاني: ما أحْسنَ زَيداً! هذا التَّعجُّب، ما أحْسنُ زَيدٍ؟ هذا الاستفهام، ما أحْسنَ زيدٌ هذا نَفيٌ، ما الذي مَيَّزَ الاستفهام عن النَّفِي عن التَّعجُّب؟ هو الحركات الإعرابية. الفعل المضارع أشبه الاسم في هذين النوعين، قد تعتريه معاني مُختلفة لا يُمَيِّزها إلا الإعراب، والمثال المشهور: لا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْربَ اللبن، لا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْربَ وتَشْربِ وتَشْربُ، إذاً: يَحتمل عِدَّة معاني. لا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْربَ، يعني: لا تأكل مع شربك، حِينئذٍ الواو هنا واو المَعيَّة، و (تَشْربَ) فعل مضارع منصوب بـ: (أنْ) مضمرة وجوباً بعد الواو، وحِينئذٍ يكون النَّهي عن الجمع بينهما، وأمَّا عن الإفراد فأنت وشأنك. لا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْربِ اللبن، كلٌ منهما منهي عنه سواءٌ كانا اجتمعا أو انفردا، فإذا قيل: تَشْربِ، حِينئذٍ صارت الواو عاطفة كأنَّه قال: ولا تَشْربِ اللبن، فهو معطوفٌ على سابقه، والمعطوف على المَجزُوم مجزوم. لا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْربُ، بالرَّفْع هذا نَهيٌ عن الأول وإباحة الثاني، إذاً: هذه معاني مُختلفة: النَّهْي عنهما مَعاً .. النَّهْي عن كل واحدٍ منهما .. النهي عن الأول وإباحة الثاني، هذا معاني مُختلِفة الذي مَيَّزَها هو الإعراب، إذاً كما في قولك: ما أحْسنَ زَيدٌ .. ما أحْسنَ زيداً .. ما أحْسنُ زيدٍ، كذلك تقول: لا تَأكُلِ السَّمَكَ وتَشْربُ وتَشْربَ وتَشْربِ اللبن. حِينئذٍ صار في الفعل ما هو في الاسم، لكن ثَمَّ فرقٌ بين هذين النوعين: أن الاسم لا يُميِّز هذه المعاني إلا الإعراب فقط، ولذلك جُعِل أصلاً فيه، لا يُميِّز هذه المعاني إلا الإعراب، لكن لك مَمدُوحة وهو أن تعدل عن الإعراب، وتأتي بالاسم الصَّرِيح: لا تَأكُلِ السَّمَكَ ولك شُربُ اللبن، جئت بالاسم الصريح، لا تحتاج (وتَشْربُ) .. لا يَتَعيَّن، وإنَّما تقول: ولك شُربُ اللبن. لا تَأكُلِ السَّمَكَ وأنْ تَشْربَ اللبن .. ولك أن تَشربَ اللبن، فتأتي بـ: (أنْ)، أو مع شرب اللبن، إذا أردنا المَعيَّة: لا تَأكُلِ السَّمَكَ مع شُربِ اللبن، حِينئذٍ جئت بالمَعيَّة، وكذلك إذا أردت النَّهي عن كُلِّ واحدٍ منهما: لا تَأكُلِ السَّمَكَ ولا .. تُصَرِّح بـ: (لا) النَّاهيَة في الثاني. إذاً: يُمكن الاستغناء عن الإعراب بالتَّصرِيح بالاسم في المَعيَّة، فتقول: لا تَأكُل السَّمَكَ مع شُربِ اللبن، وفي النَّهْي عن كُلِّ واحدٍ منهما تُظهر (لا) في الموضعين: لا تَأكلِ السَّمَكَ ولا تَشربِ اللبن، وكذلك تأتي في المندوحة الثاني .. الإباحة: لا تَأكُلِ السَّمَكَ ولك شُربُ اللبن. إذاً: بَيَّنَ غيرُ الإعراب المعاني، ولذلك جُعِلَ فرعاً فيه ولم يُجعَل أصلاً.

الثالث: أنَّ الفعل المضارع أشبه الاسم في الإبهام والتَّخصِيص، الاسم قد يكون مُبهَماً فيحتاج إلى مُخَصِّصْ، إذا قيل: جَاء رَجلٌ، هذا مبهم، هل هو صالح .. هل هو طالح؟ حِينئذٍ إذا قلت: جاء رجلٌ صالحٌ، خَصَّصْتَه بالصِّفَة، كذلك تقول: جاء غلام زيدٍ خَصَّصْتَه بالإضافة، إذاً: هو مبهم فيحتاج إلى التخصيص ويقبل التَّخْصِيص، كذلك الفعل المضارع يكون مبهماً ويحتاج إلى التخصيص، فتقول: زَيدٌ يُصلي، هذا يَحتمل أنَّه الآن وفي المستقبل، إذا قلت: زيدٌ سيصلي .. سوف يصلي .. لن يصلي، حِينئذٍ تَعيَّنَ أن يكون الفعل المضارع من حيث الزمن المراد به المستقبل. إذاً: الفعل المضارع يَحتمل، ويَحتمل الاستقبال، ويحتاج إلى تخصيص وهذا إبهام، هذا على مذهب الجمهور، وإلا الصَّحِيح أنَّه لا يَحتمل إلا الحال فقط .. لا يُحمَل على الاستقبال إلا بقرينة، يعني: إذا أُطلق ينصرف إلى الحال .. إذا أُطلق عن قَيدٍ يَدلُّ على الاستقبال حملناه على الحال، وإذا قُيِّد حِينئذٍ بقيده، وهذا شأن المجاز فهو حقيقة في الحال مَجازٌ في المستقبل. إذاً: أشبه الفعل المضارع الاسم في كونه يقبل الإبهام والتَّخْصِيص، كلٌ منهما يكون مُبْهَماً فيُخَصَّص. الرابع: دخول لام الابتداء على الفعل المضارع كما تدخل على الاسم، وهذه اللام لا تدخل على الماضي كما سبق: لَضَرب .. لَرَضي، لا يصح، وإنَّما إذا دخلت عليه (قد) قَرَّبَته إلى المضارع فحِينئذٍ صَحَّ. على كُلٍّ: لا تدخل على فعل الأمر، ولا تدخل على الفعل الماضي، وإنَّما تَختصُّ بالفعل المضارع مباشرةَ: إن زيداً ليضرب عمراً، حِينئذٍ نقول: هذه اللام لام الابتداء، إن زيداً لضاربٌ عمراً، إذاً: دخلت لام الابتداء على الفعل المضارع. ولن تدخل على الماضي ولا الأمر، ودخلت على المضارع وعلى اسم الفاعل، فَدلَّ على أنَّ كُلاً منهما بِمنْزِلة واحدة. الخامس والأخير: جريان الفعل المضارع واسم الفاعل معاً في الحَرَكات والسَّكَنات وعدد الحروف، هذا سبق معنا مراراً: يضرب .. ضارب، عدد الحروف هنا والحركات والسَّكَنَات مُتشابِهة، فالأول مُحرَّك في (يضرب) و (ضارب)، والثاني ساكن في (يَضْـ) و (ضَاْ)، والثالث مُتحَرِّك، والرابع على حسب حركة الإعراب، فلا مدخل له معنا. حِينئذٍ نقول: المُراد هنا مُطلق الحركة، والمُراد به الوزن الأصلي لا الفرع، ليدخل معنا: (يقول) و (قائل)، يقول (يَقُـ) الثاني مُتحرِّك، و (قائل) الثاني ساكن، إذاً: هل جرى المضارع على حركات وسكنات اسم الفاعل؟ نقول: نعم جرى، لأنَّ (يَقُوْل) فرع وليس بأصل، والأصل (يَقْوُلُ) القاف ساكنة، لأنَّه على وزن (يَفْعُل) إذاً: العين مُتحرِّكَة، استُثْقِلَت الضَّمَّة على الواو، فنقلت إلى ما قبلها: (يَقُوْ .. ) الواو ثقيلة لأنَّها عبارة عن ضَمَّتين، فإذا حُرِّكَت بالضَّمِّ، حِينئذٍ اجتمع ثِقَل على ثِقَل، فنقلت القاف إلى ما قبلها وهو القاف، وساكنة ولو كانت مُتحرِّكَة لأُزِيلَت، حِينئذٍ نقول: هذا إعلالٌ بالنَّقْل. إذاً: لا يُعتَرض على جريان حركة المضارع مع اسم الفاعل في مثل (يَقُوْل)، لأنَّ (يَقُوْل) القاف هذه في الأصل ساكنة، فهي موازِنة لـ: (ضارب)، (يَبِيْعُ) كذلك، الأصل (يَبْيِعُ) .. (يَفْعِل) بَاعَ يَبِيْع هذا الأصل، حِينئذٍ (يَبْيِعُ) نقول: الأصل أنَّ الباء ساكنة، وهي مقابلة لـ: (بَائِع). إذاً: الفعل المضارع يجري في حركاته وسكناته، والمراد الحركات: مُطلق الحركة، لا عين الحركة: فتحة .. فتحة، ضمة .. ضمة لا، المُراد أنَّ الأول مُتحَرِّك سواء حُرِّكَ بِفتحٍ أو بِضمٍّ أو كَسرٍ، والأول الفاء مُتَحرِّك من اسم الفاعل مُطلقاً، فيُقَابِل حِينئذٍ الضَّم بالفَتْح، والفتح بالضَّم، والكسر بالفتح .. وهَلُمَّ جَرَّا. إذاً: شابه الفعلُ المضارع الاسمَ في هذه الوجوه الخمسة، حِينئذٍ القاعدة السابقة التي معنا، وهي: أنَّه إذا أشبه الشيءُ الشيءَ أخذ حكمه، بشرط أن يكون وجه المشابهة بينهما قوياً، وحكمُ الاسم الإعراب فانتقل إلى الفعل، فلذلك أُعرِبَ الفعل المضارع، لماذا؟ لكونه أشبه الاسم في هذه الوجوه الخمسة، ما هو حكم الاسم؟ الإعراب، إذاً: يعطى الفعل المضارع الإعراب لكونه شابه الاسم، لأنَّ القاعدة: أنَّ الشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه، وهذه قاعدة مُطَّرِدة عند العرب.

هذا المشهور عند النُّحَاة، ولكن ابن مالك لم يرتضِ هذه الوجوه الخمسة كلها، وأجاب عنها واحداً تلو الآخر، وأحال على الثاني: وهو أنَّ الفعل المضارع إنَّما أشبه الاسم وأخذ حكمه وهو الإعراب؛ في كونه تعتريه معانٍ مُختلفة تَتَميَّز بالإعراب. حِينئذٍ لَمَّا كان الفعل تتوارد عليه معانٍ مُختلفة تَتَميَّز بالإعراب أشبه الاسم فَأخَذَ حكمه، ولكون الإعراب أصلاً في الأسماء فرعاً في الأفعال، ولم تكن المُشابَهة مُطْلقَة تَامَّة من كل وجه، وإنَّمَا في مُطلق المُشابَهة صار الإعراب أصلاً في الأسماء فرعاً في الأفعال، يعني: الفعل المضارع. ووجه ذلك: أنَّ -ما ذكرناه سابقاً- أنَّ اعتوار المعاني على الفعل المضارع هذا صحيح، وهو مقتضٍ للإعراب، إذاً: أُعْرِبَ لتوارد المعاني، لكن لا نَجعَلُه أصلاً فيه، لماذا؟ لأنَّ هذه المعاني ليست كالاسم، يعني: لا يُمَيِّزُها إلا الإعراب، ولكونها تَتَميَّز بغير الإعراب فالتَّصرِيح بالاسم، أو الحرف، أو النَّاصِب، أو الجازم، لإمكان هذا التَّصرِيح جعلناه فرعاً في الفعل المضارع لا أصلاً. إذاً: المشهور عند النُّحَاة هو التَّعلِيل لِمَا ذكرناه من الوجوه الخمسة، وعند ابن مالك رحمه الله تعالى، أنَّه خاصٌّ بالمعاني المُعْتَوِرَة على الفعل المضارع المختلفة التي يُمَيِّزهَا الإعراب، إذاً: اتفقوا على أنَّ الفعل المضارع معرب، هذا الاتفاق بين البصريين والكوفيين. أمَّا الكوفيون فالأصل عندهم في الفعل الإعراب فلا يُسأل عن عِلَّته، وأمَّا البصريون فقالوا: إنَّ علة إعراب الفعل المضارع مُشابَهته للاسم في عِدَّة وجوه، والشيء إذا أشبه الشيء شبهاً قوياً أَخَذَ حكمه، ووجوه الشَّبَه ما ذَكرنَاه سابقاً. الفعل المضارع قد يكون مرفوعاً، وقد يكون منصوباً، وقد يكون مَجزوماً، لأنَّ الإعراب يُقَابِل البناء، وسبق بيان البناء في باب المُعرَب والمبني، وذكره استطراداً في نوني التوكيد: وَآخِرَ الْمُؤَكَّدِ افْتَحْ كَابْرُزَا .. حِينئذٍ نقول: بقي علينا الإعراب وهو ثلاثة أنواع: - إمَّا أن يكون مرفوعاً. - وإمَّا أن يكون منصوباً. - وإمَّا أن يكون مجزوماً. وبدأ بحالة الرَّفْع، لأنَّه لا يحتاج إلى مزيد شرحٍ، ثُمَّ ثَنَّى بالنصب، ثُمَّ ثَلثَّ ببابٍ خاص وهو الجوازم، فقال: ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ كَتَسْعَدُ (ارْفَعْ مُضَارِعاً) .. (ارْفَعْ) فعل أمر، و (مُضَارِعاً) هذا مفعولٌ به، لَكنَّه لِموصوفٍ محذوف، أي: ارفع فعلاً مضارعاً، (إِذَا يُجَرَّدُ * مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ) إذا تَجرَّد وتَعرَّى عن الناصب والجازم، يعني: إذا لم يَتَقدَّم عليه عاملٌ لفظي، لأنَّ العامل كما سبق نوعان: عاملٌ لفظي، وعاملٌ معنوي، (العامل اللفظي): ما للسان فيه حَظٌّ، و (العامل المعنوي): ما ليس للسان فيه حَظٌّ. والذي يُتَصوَّر في الفعل المضارع إمَّا أن يكون منصوباً، وإمَّا أن يكون مجزوماً، وإمَّا أن يكون مرفوعاً، والنَّاصِب مُعيَّن ملفوظ، والجازم مُعيَّن ملفوظ، لأنَّه يظهر: لن يقوم .. لم يقم، إذاً: كُلٌّ منهما ظاهر، إذا انْتفَى هذا أو ذاك تَعيَّنَ الأول وهو الرَّفْع، وهذا كالشأن في الحرف مع الاسم والفعل من حيث العلامات. نقول: علامة الحرف ما لا يقبل علامة الاسم ولا الفعل .. ما لا يصلح له دليل الاسم ولا دليل الفعل، فحِينئذٍ نَحكم على الحرف بكونه حرفاً إذا لم يَصلُح أن يدخل عليه علامة الاسم، ولا علامة الفعل، هنا إذا لم نجد قبل الفعل علامة النَّصْب الذي هو أداة النَّصْب، أو أداة الجزم، حكمنا عليه بكونه مرفوعاً. أجمع النَّحوِيُون على أنَّ الفعل المضارع إذا تَجرَّد من النَّاصِب والجازم كان مرفوعاً، يعني: يُرفع إمَّا بحركة، وإمَّا بِحرفٍ .. إمَّا بِحركة ظاهرة أو مُقدَّرَة، أو بحرفٍ ظاهرٍ أو مُقدَّر. وقد ورد المضارع غير مسبوقٍ ظاهراً بناصبٍ ولا جازم، وهو مجزوم، لَكنَّه يُعتبَر شاذاً: مُحَمَّدٌ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ .. (مُحَمَّدٌ تَفْدِ) تَفْدِي، (تَفْدِ نَفْسَكَ) هنا جزَمَه، وليس ثَمَّ جازم، بل هنا تَجرَّد عن النَّاصِب والجازم وقد جزمه. مُحَمَّدٌ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ ... إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ شَيْءٍ تَبَالاَ ونظيره قول امرئ القيس:

فَاليْومَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ ... إِثْمَاً مِنَ اللَّهِ وَلاَ وَاغِلِ وقيل: البيتان ضرورة، (مُحَمَّدٌ تَفْدِ) هذا ضرورة، (فَاليْومَ أَشْرَبْ) .. (أَشْرَبْ) سَكَّنَه، ولم يَقُل: لم أشرب، هذا ضرورة .. قيل: البيتان ضرورة، وقيل: الأول على تقدير اللام: (مُحمَّدُ لِتفْدِ نَفْسَك) .. (لِتفْدِ) واللام جازم، الأولى أن يُقَال: بأنه ضرورة؛ لأنَّ الحرف لا يعمل محذوفاً، أو نقول: حَذَفَه شُذُوذاً .. أعْمَلَه بعد حذفه شذوذاً، هذا أو ذاك. وأمَّا الثاني: (اليْومَ أَشْرَبْ) فإنَّ الرواية الصحيحة فيه: (فاليوم أُسْقَى) بالبناء للمجهول، و (أُسْقَى) هذا فعل مضارع مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، إذاً: اتَّفَقَ النُّحَاة على أنَّ الفعل إذا تَجرَّد عن النَّاصِب والجازم كان مرفوعاً، وما ورد من كونه مُجرَّداً عن النَّاصِب والجازم وهو مجزوم حِينئذٍ إمَّا أنَّه ضرورة، وإمَّا أنَّه شاذ، وإمَّا أنَّه مُؤوَّل .. يُخَرَّج، أمَّا أنَّه يُجْعَل قاعدة ويُستثنى منه فالأمر ليس كذلك. ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ .. (ارْفَعْ) يعني: يجب رفع المضارع حِينئذٍ (إِذَا يُجَرَّدُ)، والمراد (إِذَا يُجَرَّدُ) يعني: إذا لم يَتَقدَّمه ناصب ولا جازم، هذا المُراد بالتَّجْرِيد، وهذا هو العامل المعنوي الثاني والصَّحِيح، هنا لا عامل معنوي، الأصل عند النُّحَاة: ألا يُعلَّقَ الحكم بالعامل المعنوي لأنَّه ضعيف، فالأصل أن يكون العامل لفظياً. حِينئذٍ لأنَّ الخطاب هنا والكلام والبحث إنَّمَا هو الملفوظات: (الكلام: هو اللفظ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بِالوَضع) حِينئذٍ نقول: الأصل تعليق الحكم بما هو ملفوظٌ به، وأمَّا إذا تَعَسَّرَ علينا ذلك، ولم نَتمَكْن إلا من أن نَجْعَل العامل إلا معنوياً حكَمْنا به، ولذلك قيل: العوامل المعنوية كثيرة، منها قيل: التَّبَعِيَّة، وقيل: التَّوَهُّم، وقيل: المجاورة، وقيل: الطَّلَب كما في الجزم. حِينئذٍ نقول: هذه كلها ادُّعِي أنَّها عوامل، ولا يصح منها إلا اثنان، والثالث مُحتَمِل، الاثنان هما: الابتداء في باب المبتدأ .. أنَّه مرفوع بالابتداء، والثاني: التَّجَرُّد وهو هنا – وهذا صحيح .. كلاهما صحيحان – بل هما المرجَّحَان، والثاني الذي هو التَّجَرُّد هنا كما سيأتي .. كونه مُجَرَّداً عن عاملٍ لفظيٍ يقتضي النَّصْب، وعَاملٍ لفظي يقتضي الجزم، حِينئذٍ حكمنا عليه بكونه مرفوعاً، والعامل فيه التَّجَرُّد. كونه لم يَتَقدَّم عليه ناصب ولا جازم .. هذا عدَم، إذاً: ليس لشيء، هذا الأصل كما سيأتي، حِينئذٍ نقول: هذان عاملان معنويان، وهما صحيحان. بقي عامل ثالث وهو مُحتمِل وهو جواب الطَّلَب: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:151] بعض النُّحَاة يرى أنَّ (أَتْلُ) هنا مجزوم، ولم يَتَقدَّمه جازم لفظي، قالوا: الطَّلَب .. كونه في جواب الطلب: (قُلْ تَعَالَوْا) .. (تَعَالَوْا) هذا مجزومٌ وجازمه الطَّلَب، وفيه أربعة مذاهب كما سيأتي معنا. حِينئذٍ نقول: هذا الذي يُمكِن استثناؤه، وما عداه فكلها ضعيفة، التَّبَعِيَّة، والمُجَاوَرَة، والتَّوَهُّم، نقول: هذه كلها ليست بشيء .. لا يُلْتَفت إليها. (ارْفَعْ) يعني: يجب رفع المضارع حِينئذٍ (مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ) لم يُقَيِّدْه: مضارعاً تَجرَّدَ عن نون الإناث، ونوني التوكيد المباشرة، اعتماداً على ما سبق، وقد اعْتُرِضَ عليه: أنَّه أطلق المضارع هنا، إذاً: حتى المضارع الذي اتَّصَلَ به نون الإناث فهو مرفوع، لأنَّه قال: ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ. . . . وقد تقول: النِّسْوَة يَقُمْنَ، (يَقُمْنَ) هذا فعل مضارع تَجرَّد عن ناصب وجازم، هل هو مرفوع؟ ليس مرفوعاً، إذاً: يرِد على النَّاظِم أو لا؟ الظَّاهر أنَّه يرِد، لكن نقول: كونه قَيَّدَه في أول الباب، والكتاب آخره وأوله بِمعنَىً واحد، والأحكام واحدة، حِينئذٍ يُقَيَّد آخرُه بِما حَكَم به في الأول، وهناك قَيَّدَه: وَأَعْرَبُوا مُضَارِعاً إِنْ عَرِيَا .. كأنَّه قال هنا: ارْفَعْ مُضَارِعاً إِذَا يُجَرَّدُ مِنْ نُونِ تَوْكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ. . . إِنْ عَرِيَا نُونِ إِنَاثٍ .........

فالتَّعلِيق الذي ذَكَرَه هناك تَجْعَله هنا، إذاً: لا اعتراض على النَّاظِم، إذاً: لم يُقَيِّده هنا بالخالي من النونين اكتفاءً بِتَقدُّم ذلك في باب الإعراب، وهذا صحيح. . . . . . . . . . . إِذَا يُجَرَّدُ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ كَتَسْعَدُ (كَتَسْعَدُ) .. (كَتُسْعَدُ) يُقَال: سَعِدَ تَسْعَد، وأسْعَدَ يُسْعَد، يجوز فيه الوجهان. (تَسْعَدُ) لوحده لا يُقَال: بأنَّه فعل مضارع تَجَرَّد عن ناصب وجازم، فالعامل يكون فيه الرَّفْع، وإنَّمَا لا بُدَّ من تركيبه في جُمْلَة، يُقَال: تَسْعَدُ هِندٌ، وأمَّا لوحده هكذا: يَضْرِبُ، هذا لا حكم له، لماذا؟ لأنَّه كلمة مثل الحرف والاسم، وسبق: أنَّ الاسم إذا لم يُسند ويُسنَد إليه، لا يُحكم عليه بإعراب ولا بناء. كذلك: (تَسْعَدُ) لوحده لا نقول: بأنَّه مرفوع، ولا بأنَّه مبني، بل الصواب أنَّه موقوف، يعني: لا يُحكم عليه بإعراب ولا بناء، لكن في مثل هذه المنظومات وغيرها تُقَدِّرُ له فاعلاً أو مبتدأً، وتَجعل الفعل خبراً عنه: هندٌ تَسعَدُ هي، إذاً: صار مُسنداً ومُسنداً إليه، فتقول: (تَسْعَدُ) فعلٌ مضارع تَجرَّد عن ناصب وجازم فيكون مرفوعاً، وهذا واضح بَيِّن. إذاً: عرفنا أنَّ الفعل المضارع إذا لم يسبقه ناصبٌ ولا جازم فهو مرفوع، لكن ما هو العامل؟ هذا مُتَّفَق عليه .. لا خلاف أنَّكَ تنطق به مرفوعاً: يقوم زيدٌ، لم يقل أحد بأنَّكَ تقول: يقم زيدٌ، أو: يَقومَ زَيدٌ، بل لا بُدَّ من أن يكون مرفوعاً، لكن ما العامل فيه؟ هذا فيه أربعة مذاهب، النَّاظِم هنا قال: . . . . . . . . إِذَا يُجَرَّدُ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ. . . . . فظاهره: وإن لم يَنُصَّ على ذلك أنَّه مرفوع، ورافعه التَّجَرُّد نفسه، وهذا مذهب الكوفيين والفَرَّاء: أنَّ العامل في الفعل المضارع في حالة الرَّفْع هو التَّجَرُّد، والتَّجَرُّد أمرٌ معنوي .. ارتفع لتَجَرُّده من النَّاصِب والجازم، وهذا اختيار النَّاظِم هنا في الظَّاهِر، لماذا؟ قالوا: لأنَّ الرَّفْع دائرٌ معه وجوداً وعَدماً، لاحظنا أنَّ أداة النَّصْبِ إذا تَقَدَّمَت تَغَيَّرَ الرَّفْع من ضمة إلى فتحة: لن يقومَ .. لم يقم، تَغَيَّر، إذاً: كلما وُجد التَّجَرُّد وُجِدَ الرَّفْع، وكلما انتفى التَّجَرُّد انتفى الرَّفْع، يعني: إمَّا يَتَقدَّم عليه عامل جازم، وإمَّا أن يَتَقدَّم عليه عاملٌ ناصبٌ، فحِينئذٍ إذا وُجِدَ العامل اللفظي النَّاصِب أو الجازم ارتفع الرَّفْع، وإذا ارتفع العامل وأداة النَّصْب وأداة الجزم وُجد الرَّفْع. قالوا: هذا الدَّوَران يُشعِرُ بالعِلِّيَّة في كون هذا الرَّفْع الموجود في الفعل سببه التَّجَرُّد نفسه، فجُعل عاملاً فيه، كالابتداء هناك، وهذا أمر واضح بَيِّن وهذا هو الظَّاهِر، أنَّ الرَّفْع دائرٌ معه وجوداً وعدماً .. مع التَّجَرُّد، والدَّوَرَان مُشعِرٌ بالعِلِّيَّة. ومذهب البصريين هنا في هذا المقام مذهبٌ ضعيف، وهو أنَّ العامل فيه كونه وقع موقع الاسم، وهذا أيضاً عاملٌ معنوي، لَكنَّه موقوف. أنَّه ارتفع لوقوعه موقع الاسم، فـ: (يضرب) في قولك: زيدٌ يضرب، واقع موقع (ضارب) فارتفع لذلك، وهذا -كما سبق- أنَّه من أوجه الشَّبَه بين الفعل المضارع والاسم في كونه مُعرَباً، لماذا أعربناه؟ من أوجُه الشَّبَه أنَّ الفعل المضارع يقع موقع الاسم: صِفةَ وخبراً وحالاً وصِلةَ، كونه يقع موقعه هذا هو الذي رفعه .. هذا غريب! لماذا؟ لأنَّه قد يقع الفعل في موقع لا يقع فيه الاسم البَتَّة، باتفاق البصريين والكوفيين، هذا المذهب الثاني. المذهب الثالث: أنَّ العامل هو المضارعة وهو مذهب ثَعْلَب، المضارعة .. المُشابَهَة، كون الفعل أشبه الاسم هو العامل، وهذا أغرب!

المذهب الرابع: مذهب الكِسَائِي، وهو أحرف المضارعة: (أنيت)، كون الفعل المضارع مبدوءً بواحدٍ من هذه الأحرف الأربعة: (أنيتُ)، هو العامل فيه، فـ: (يضرب) هذا مرفوع ورفعه الضَّمَّة، العامل فيه الياء (يضرب)، وهذا أيضاً غريب! لماذا؟ لأنَّ الياء هنا وأحرف المضارعة صارت كالجزء من الفعل، وجزء الشيء لا يعمل فيه، بدليل أنَّ هذه الأحرف موجودة مع النَّاصِب والجازم: (لم يضرب) موجود (يضرب)، (لن يضرب) وُجد الحرف مع النَّاصِب، فكيف يُقَال: هو العامل فيه؟ وهذا ضعيف، لأنَّه يقتضي أن يكون الفعل دائماً مرفوعاً، لأنَّ هذه لا تَنْفكُّ عنه. إذاً: المذهب الذي رَجَّحَه النَّاظِم هنا هو قوله: . . . . . . . . . . إِذَا يُجَرَّدُ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ. . . . . إذا تَعَرَّى وتَجرَّدَ، ولم يسبقه ناصب ولا جازم، لا نفس المضارعة خلافاً لثعلب، لأنَّها إنَّمَا اقتضت مطلق الإعراب لا خصوص الرَّفْع، فَرقٌ بين المسألتين، المضارعة .. المشابَهَة .. مُشابَهَة الفعل بالاسم اقتضت أنَّه مُعرَب .. مطلق الإعراب، ثم الإعراب ثلاثة أنواع: رَفعٌ ونَصبٌ وجَزمٌ، هذه لا دخل للمضارعة فيها، نَحتاج إلى عامل آخر يَدلُّ على أنَّه مجزوم، وعامل آخر يَدلُّ على أنَّه منصوب، وكذلك في حالة الرَّفع. إذاً: المضارعة إنَّمَا اقتضت مُطلق الإعراب لا خصوص الرَّفْع، ولا حروف المضارعة خلافاً للكِسَائي، لأنَّ جزء الشيء لا يعمل فيه، وكذلك يقتضي أنَّه مرفوع دائماً حتى مع الناصب والجازم، فالمذهبان هذان مذهبان ضعيفان. واختار المصنف ما ذكره هنا في المتن، قال في (شرح الكافية): "لسلامته من النَّقْضِ" يعني: لا ينتقض، بِخلاف قول البصريين: فإنَّه ينتقض .. قول البصريين: ارتفع لوقوعه موقع الاسم، فإنَّه يَنتَقِض بنحو: هَلاَّ تفعل (تفعل) فعل مضارع مرفوع هنا، وهنا لا يقع مَحلَّه الاسم، لأنَّ حروف التَّحْضِيض من خواص الفعل .. من علامات الفعل، فلا تدخل على الاسم، فكيف يُقَال: بأنَّه يقع موقعه الاسم؟ هذا فيه نظر. وجَعَلتُ أفْعلُ، (جَعَلْتُ) هذا من أفعال الشُّرُوع لا تدخل على الأسماء إلا شُذوذاً، ومَالكَ لا تفعل .. كذلك، (مَالكَ) لا تأتي بعدها إلا الفعل، وكذلك: رأيت الذي تفعل، وسيقوم زيدٌ، هنا وقع المضارع بعد السين، ولا يقع الاسم في هذا المحل، لأنَّ السين هذه من علامات الفعل، وسوف يقوم، كذلك بعد (سوف) لا يقع. إذاً: ينتقض مذهب البصريين بكون الفعل ارتفع لوقوعه مَحلَّ الاسم، نقول: بعض المَحَال لا يقع فيها الاسم البَتَّة باتِّفَاق الطَّرَفين. فإنَّ الفعل في هذه المواضع مرفوع، مع أنَّ الاسم لا يقع فيها، فلو لم يكن للفعل رافعٌ غير وقوعه موقع الاسم لكان في هذه المواضع مرفوعاً بلا رافع، فبطل قولهم، لأنَّه نقول: هَلاَّ يَقومُ زيدٌ .. (يَقومُ) مرفوع، حِينئذٍ لو كان حلوله مَحلَّ الاسم هو الرَّافِع لرُفع الفعل هنا بلا رافع؛ لانتفاء العامل، ما هو العامل؟ حلول الفعل مَحلَّ الاسم، طيب! في هذا المَحَل هل يَحُل؟ لا يَحُل، إذاً: ارتفع بدون رافع. فلو لم يكن للفعل رافعٌ غير وقوعه موقع الاسم لكان في هذه المواضع مرفوعاً بلا رافع، فبطل القول بأنَّ رافعه وقوعه موقع الاسم، وصح القول: بأنَّ رافعه التَّجَرُّد، لكن أُورِدَ على التَّجَرُّد اعتراض وهو الذي أُورِدَ على علامة الحرف هناك. رُدَّ هذا القول: بأن التَّجَرُّد عدمي، والرَّفْع وجودي، والعدمي لا يكون عِلَّة للوجودي .. الرَّفْع وجودي نعم، تنطق به: يقوم .. يقومان .. نَطَقْتَ بالنُّون، والتَّجَرُّد عدمي .. عدم أداة ناصبة وعدم أداة جازمة، عدم ذا وذاك، إذاً: ليس بشيءٍ مُتَقدِّم على الفعل، وهذا هو العدم. وأُجيب: بأنَّا لا نُسَلِّم أنَّ التَّجَرُّد من النَّاصِب والجازم عدمي، لأنَّه عبارة عن استعمال المضارع على أول أحواله مُخَلَّصاً عن لَفظٍ يقتضي تغييره، واستعمال الشيء والمَجيء به على صِفةٍ ما ليس بعدمي. قال: لا نُسَلِّم أنَّه عدمي، وهذا فيه شيء، لا بل هو عدمي، لماذا؟ لأنَّ استعماله أولَّ ما يُستَعمَل دون أن يسبقه ناصب أو جازم، نقول: هذا عدم، بِمعنَى: أنَّكَ لا تلفظ بالجازم قبل الفعل، ولا تلفظ بالناصب قبل الفعل، وهنا إعدام .. لم تنطق بِهذا ولا بذاك، إذاً: عدم .. لماذا ننازع؟!

ولك أن تقول -وهذا أولى-: سَلَّمنَا أنَّه عدمي، لكن لا نُسلِّم أنَّ العدمي لا يكون عِلَّةً للوجودي على الإطلاق، لأنَّ العدم نوعان: عدمٌ مطلق، وعدمٌ مُقيَّد، والعدم المُقيَّد يصح أن يكون مُقتضياً للوجودي، كما هو الشأن في علامة الحرف. سَلَّمنَا أنَّه عدمي، لكن لا نُسَلِّم أنَّ العدمي لا يكون عِلَّةً للوجودي على الإطلاق، بل ذاك في الأعدام المطلقة، أمَّا العدمي المضاف المُقيَّد كالعمى، فيجوز كونه عِلَّةً للوجودي، إذاً: هو عدم .. هو الظَّاهِر، لَكنَّه عدمٌ مُقيَّد، يعني: ليس عدماً مطلقاً من كل شيء .. لا، عدم من لفظٍ وهو أداة جزم، وعدم من لفظٍ وهو أداة نصب، حِينئذٍ نقول: هذا عدمٌ مُقيَّد، كما نقول: علامة الحرف ألا يقبل شيئاً من علامة الاسم، ولا علامة الفعل، هذا عدم كذلك، لَكنَّه عَدمٌ مُقيَّد. قال الشَّارِح هنا: "إذا جُرِّدَ الفعل المضارع عن عامل النَّصْب وعامل الجزم رفُع، واختُلف في رافعه". رُفع هذا اتفاق .. لا نِزَاعَ بين النُّحَاة في ذلك، "واختُلف في رافعه، فذهب قوم – لم يُسمِّهم وهم البصريون – إلى أنَّه ارتفع لوقوعه موقع الاسم، فيَضْرِب في قولك: زيدٌ يضرب، واقع موقع ضارب، فارتفع لذلك، وقيل: – وهذا مذهب الكوفيين ومنهم الفَرَّاء – أنَّه ارتفع لتَجَرُّده من النَّاصِب والجازم، وهو اختيار المُصنِّف" وهو الصَّحِيح .. أنَّه للتَّجَرُّد وهو عاملٌ معنوي، وهو عدمي مُقيَّد لا مطلق، ولا إشكال في ذلك، ودليله واضح: وهو أنَّ الرَّفْع دَائرٌ معه وجوداً وعدماً، والدَّورَان مُشعِرٌ بالعِلِّيَّة. إذاً: الفعل المضارع يكون مرفوعاً، ورفعه يكون بِضَمَّةٍ ظاهرة أو مُقدَّرة: يقوم زيدٌ ويخشى عمروٌ، وقد يكون بِحرفٍ وهو النون، قد تكون ظاهرة وقد تكون مُقدَّرة كما في حذفها إذا توالت الأمثال. ثُمَّ انتقل إلى النَّوَاصِب فقال: وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ كَذَا بِأَنْ ... لاَ بَعْدَ عِلْمٍ وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ فَانْصِبْ بِهَا وَالرَّفْعَ صَحِّحْ وَاعْتَقِدْ ... تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ فَهْوَ مُطَّرِدْ أدوات النَّصْب أربعة: أنْ، ولَنْ، وكَي، وإذاً، (أَنْ) هي أمُّ الباب، ولذلك تعمل ظاهرةً ومضمرة، بِخلاف غيرها من الأدوات فلا يعمل إلا ظاهراً، ومعلومٌ أن أمَّ الباب يكون له من الأحكام ما لا يكون لغيره، وهنا العمل وهو مضمر هذا من خَواصِّ هذا الباب. وإلا الأصل أن الحرف لا يعمل مضمراً، يعني: محذوفاً .. مَنوِّياً، ثُمَّ الحذف قد يكون واجباً وقد يكون جائزاً، والواجب في خمسة مواضع والجائز في خَمسة مواضع كما ستأتي في النَّظْم مَتوَاليَة. (وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ) هنا قلنا: أمُّ الباب (أَنْ) هي النَّاصِبة، وبدأ بـ: (لَنْ)، وثَنَّى بـ: (كَيْ) والسِّرُّ في ذلك، أولاً: أنَّ (لَنْ) ملازمةٌ للنَّصْبِ، فلذلك قَدَّمَها، وأمَّا (كَيْ) فهذه ليست ملازمة للنَّصْبِ، قد تكون (كَيْ) حرف جر .. تعليل، وما بعدها منصوب لكن لا بِها، وإنَّمَا هو بـ: (أَنْ) مُضمَرة. وكذلك (أَنْ) قد تكون مُخفَّفَة من الثقيلة .. قد تكون زائدة .. قد تكون ناصبة مع جواز الرَّفْع، إذاً: ليست مُتعيِّنَة النَّصْب بِخلاف (لَنْ)، ثُمَّ (لَنْ) و (كَيْ) الكلام فيهما قليل، بِخلاف (أَنْ)، ولذلك أَخَّرَه لطول الكلام عليها، إذاً: بدأ بـ: (لَنْ) لأنها ملازمةٌ للنَّصب، بِخلاف البواقي، وكذلك الكلام فيها قليل. وانْصِبْهُ بِلَن .. (بِلَنِ انْصِبْ) .. (بِلَنِ) بتَحريك النُّون للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، لَنْ انْصِب، إذاً: التقى ساكنان، النون والنون، وهمزة الوصل ساقطة في درج الكلام، فالتقى ساكنان، فَحُرِّك الأول بالكسر على الأصل. (بِلَنْ) الباء حرف جر، و (لَنْ) قصد لفظها عَلَمْ .. اسم، على (لَنْ) التي تكون حرفاً: لن أقوم، حرفٌ هنا، وأمَّا هنا: (انْصِبْهُ بِلَن) (بِلَنْ) جُعِلَت عَلماً على (لَنْ) التي تكون في الكلام .. فرقٌ بين الحرف هنا والاسم، فرقٌ بين الاسم والمُسمَّى، (لَنْ) هنا اسمٌ علمٌ، مُسمَّاه: لن أقوم، هناك في التركيب.

(وَبِلَنِ انْصِبْهُ) .. (لَنْ) جار ومجرور مُتَعلِّق بقوله: (انْصِبْهُ)، (وَكَيْ) هذا معطوفٌ على (لَنْ)، والمعطوف على المجرور مجرور، (لَنْ) حرف نفيٍ يَخْتصُّ بالمضارع، ويُخلِّصُه للاستقبال باتفاق .. مَحُل وفاق بين النُّحَاة: أنَّ (لَنْ) للنَّصْب، يَختصُّ بالمضارع، يعني: لا يدخل على الماضي، ولا على الأمر، لذلك هو من علامات الفعل المضارع، كل النَّواصِب في الأصل التي تنصب مباشرةً فهي من علامات الفعل المضارع، وكل الجوازم التي تجزم الفعل المضارع فهي من علامات الفعل المضارع، ولذلك مَيَّزَه كما سبق ابن مالك: فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ كَيَشَمّْ .. قلنا: ليس خَاصَّاً .. حتى (لَمَّا) مثله، و (حيثما) و (كيفما) إذا قيل بِأنَّها جازمة. إذاً: (لَنْ) حرف نَفْيٍ يَختصُّ بالمضارع ويُخلِّصُه للاستقلال باتفاق، وتنصبه كما تنصب (لا) النافية للجنس الاسمَ، نحو: ((لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ)) [طه:91] (لَنْ) حرف نفيٍ ونصبٍ واستقبال، و (نَبْرَحَ) فعل مضارع ناقص منصوب بـ: (لَنْ)، ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، (لَنْ) حرف نَفْيٍ لأنَّها تنفي وقوع الحدث في المستقبل، فإذا قلت: لن أقوم، حِينئذٍ نفيت القيام في الزمن المستقبل. و (لَنْ) هنا من المُخلِِّصَات للفعل المضارع من الحال إلى الاستقبال مثل: (أَنْ)، بل الضابط في النَّواصِب: أنَّها لا تنصب إلا إذا أُرِيدَ بِها الاستقبال، ولذلك يُشترط كما سيأتي في (حَتَّى) أنَّها لا تنصب إلا المستقبل، فإذا أُرِيدَ به الحال حِينئذٍ حكمنا عليها بأنَّ ما بعدها يكون مرفوعاً، يعني: لا تنصبه. إذاً: النَّواصِب كلها لا تعمل في الفعل المضارع النَّصب إلا إذا أُرِيدَ بالفعل المضارع المستقبل، وأمَّا إذا أُرِيدَ به الحال أو الماضي فلا تنصبه، حِينئذٍ نقول: (لَنْ) حرف نفي واستقبال لأنَّها تنفي الحدث .. حدث مدخولها الفعل المضارع تنفيه في المستقبل: لن أقوم، ينتفي وقوع القيام مني في المستقبل، لن أضرب زيداً، حِينئذٍ ينتفي وقوع الضَّرب مِنِّي في الزمن المستقبل. وهذا كما ذكرنا من المُخلِّصَات لأنَّ الصَّحِيح أنَّ الفعل المضارع يدل على الحال حقيقةً، وعلى المستقبل مَجازاً، يعني: يحتاج في الدَّلالَة على المستقبل إلى قرينة لفظية، هذه القرينة إمَّا (سَوفَ)، وإمَّا السين، وإمَّا (لَنْ)، وإمَّا (أَنْ)، من جميع الحروف التي تدخل على الفعل المضارع فتُخلِّصُه إلى الاستقبال، حِينئذٍ يحتاج إلى قرينة. ولذلك اتَّفَقَّ حتى الجمهورُ القائلون بأنَّ الفعل المضارع مُحتمِل للنَّوعين أنَّه يُحمَل على الحال، إذا قيل: زيدٌ يصلي، يعني: الآن يباشر الصلاة، وزيدٌ سيصلي، قطعاً أنَّه الآن لا يصلي، فإذا لم يقترن به أداة تَدلُّ على الاستقبال حُمِلَ على الحال، ولا يُحمَل على الاستقبال إلا بقرينة، وهذا هو حقيقة المَجاز: أنَّه لا يُحمَل على المعنى الآخر إلا بقرينة، حِينئذٍ نقول: صرْفه للحال هو الأصل، وهذا هو الحقيقة، فما احتاج إلى قرينة خلافُ الأصل، وليس عندنا خلاف الحقيقة إلا المجاز، فتَعيَّن أن يُقَال بأنَّه مَجاز إذا دخلت عليه السين، أو (سوف). إذاً: حرفُ نفيٍ يَختصُّ بالمضارع ويُخلِّصُه للاستقبال باتفاق، وتنصبه كما تنصب (لا) الاسم، نحو: ((لَنْ نَبْرَحَ)) [طه:91] فتنفي ما أُثبِتَ بِحرف التَّنْفِيس. تنفي هكذا، ولذلك قاله ابن هشام في (الأوضح) وغيره: لنفي سيفعلُ، وهذا الذي أردناه سابقاً، إذا قلت: لَنْ أقوم، يعني: نفي القيام في الزَّمَن المستقبل، (سيفعل) ما المراد بها؟ وقوع القيام في الزَّمَن المستقبل. إذاً: السين تدل على وقوع الحدث في الزمن المستقبل، إذاً: تُخلِّصُه للاستقبال على جهة الإثبات أو النَّفْي؟ على جهة الإثبات، (لَنْ) لنَفْي هذا الإثبات، لنفي (سيفعل) .. هكذا يُعبِّر ابن هشام: لنفي (سيفعلُ) .. و (لَنْ) لنفي (سيفعل)، إذاً: (سيفعل) تَدلُّ على إثبات مدخولها الحَدَثْ في الزَّمَن المستقبل، إذا أردنا هذا الحدث الذي يكون في المستقبل أن ننفيه جئنا بـ: (لَنْ)، وذلك هي لنفي المستقبل، فتنفي ما أُثبِتَ بِحرف التَّنفِيس، ولا تُفِيد تأبيد النفي ولا تأكيده خلافاً للزَّمَخْشَري.

الزَّمَخْشرِي زاد على (لَنْ) من حيث المعنى أنَّها تُفِيد التَّأبِيد، يعني: الحكم الذي بعدها –النَّفْي- مُؤبَّد مُطلقاً: لَنْ أقوم، يعني: لَنْ أقوم إلى أن تموت، وكذلك تُفِيد التَّأكِيد، وفي التَّأكيد وَافَقَه كثير، وأمَّا في التَّأبيد فالأكثر على رَدِّه. ولا تُفِيد تأبيد النَّفْي ولا تأكيده خِلافاً للزَّمَخْشرِي، وإن كان قد وافقه على التَّأكِيد كثيرون، لأنَّ التَّأكيد تقوية، ولا بأس بالقول به، لكن كونها تَدلُّ على التَّأبِيد لا. ورُدَّ ادِّعَاء التَّأبِيد بأنَّه لا دليل عليه .. هذا أولاً: لا دليل عليه في لسان العرب، ولأنَّها لو كانت للتَّأبِيد للزم التناقض بذكر (الْيَوْمَ) في قوله: ((فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً)) [مريم:26] .. (فَلَنْ أُكَلِّمَ) تأبيد، (الْيَوْمَ) هذه تَدلُّ على التأبيد، وهذه تَدلُّ على التَّقييد، حصل تناقض أو لا؟ رُدَّ عليه بِهذا: بأنَّه لو كانت للتَّأبِيد للزم التناقض بذكر (الْيَوْمَ) في قوله: ((فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً)) [مريم:26]. والتَّكْرَار كذلك بِذِكر (أَبَداً) .. ((وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً)) [البقرة:95] لو كانت للتَّأبِيد في النَّفْي، ما الفائدة من قوله (أَبَداً)، وهذا يُمكن الجواب عليه: أنَّه من باب التَّأكيد .. ذُكِر (أَبَداً) تأكيدٌ لِمَا دَلَّت عليه (لَنْ)، حِينئذٍ يكون توكيداً من جهة المعنى، ((وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً)) [البقرة:95]. حِينئذٍ (أَبَداً) و (لَنْ) رُدَّ على الزَّمَخْشرِي: بأنَّها لو كانت للتَّأبِيد لصار فيه تكرار، لكن التَّكْرَار إنَّما يكون باللفظ نفسه .. هذا المعيب، وأمَّا التَّكرار بأن يدل على المعنى، وكان بلفظٍ آخر لا إشكال فيه .. لا بأس به، يعني: التكرار .. الاعتراض على الزَّمَخْشرِي بِمثل هذا ليس بَجيِّد، لماذا؟ لأنَّ التكرار إنَّمَا يكون معيباً وحَشواً ومَحلَّ أخذٍ إذا كان بنفس اللفظ، يعني لو قال: لن لن لن يتمنونه، قد يُقال أنَّ فيه تكرار، أمَّا (لَنْ) و (أَبَداً) في اللفظ غير تكرار، وإنَّما هو من جهة المعنى. بل قولك: لن أقوم، حِينئذٍ نقول: مُحتملٌ، يعني إذا قيل: بأنَّ كلام الزَّمَخْشرِي بأنَّ (لَنْ) تفيد التأبيد غير مقبول، هل يلزم منه أنَّ (لَنْ) لا تفيد تأبيداً أبداً؟ لا .. ليس هذا المراد، المراد هل هي موضوعة للتأبيد أم لا؟ الزَّمَخْشرِي يقول: نعم، موضوعة للتَّأبِيد، ومن رَدَّ عليه قال: لا هي تُفِيد .. مُحتمِلَة للتَّأبِيد، قد يكون من مدلولات (لَنْ) التَّأبِيد، يعني: من أراد أن يُؤبِّد: لن أذهب وأنت تُريد التَّأبِيد .. إذا قلت: لن أذهبَ وأردتَ التأبيد، نقول: هي للتَّأبِيد، لأنَّها مُحتمِلَة للتَّأبِيد وللنَّفْي في بعض أزمان المستقبل. وأنت وشأنك إذا قلت: لن أدخل بيت فلان، وأَرَدْتَ به التَّأبِيد، حِينئذٍ نقول: (لَنْ) هنا في هذا المقام للتَّأبِيد، كيف نحن نرد على الزَّمَخْشرِي، ونحن نقول: أردنا بِها التَّأبِيد هنا؟ نقول: نعم، ردُّنا على الزَّمَخشرِي بأنَّها موضوعة للتَّأبِيد، يعني: لا تخرج عنه .. في كل تركيب (لَنْ) تُفِيد التَّأبِيد، ونحن نقول: لا، (لَنْ) مُحتمِلَة للتَّأبِيد ومُحتمِلَة لغيره، فكونها موضوعة للتَّأبِيد دون غيره هذا مَحلُّ نظر. بل قولك: لن أقوم، مُحتمِلٌ بأن تريد بذلك أنَّك لا تقوم أبداً، وأنَّكَ لا تقوم في بعض أزمنة المستقبل، مثل: لا أقوم، لا أقوم أبداً؟ لا أقوم في بعض أزمان المستقبل، فـ: (لاَ) و (لَنْ) من حيث النَّفْي في المستقبل بِمعنَىً واحد، يعني: مُحتمِلَة للتَّأبِيد، ومُحتمِلَة للنَّفْي في بعض أزمنة المستقبل. فلا يُظنَّنَّ ظَان أنَّ رَدَّ الزَّمَخْشرِي قوله: بأنَّها لا تُفِيد تَأبِيداً، مُطلقاً ولا احتمالاً .. لا، لم يقولوا بِهذا، وإنَّما قالوا: نعم، قد تَدلُّ على التَّأبِيد، لكن مع احتمال غيره، وأمَّا كونها موضوعة للتَّأبِيد لا. وأمَّا: ((لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً)) [الحج:73] قال: هذا للتَّأبِيد .. هذا معلوم أنَّه للتَّأبِيد، ليس من اللفظ، وإنَّما من شيءٍ خارج، صفة الخلق ليست لمخلوق، ((لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)) [الحج:73] هنا مُؤبَّد .. هذا قطعي .. لا إشكال فيه، لكن من خارجٍ لا من جهة اللفظ.

وليس أصل (لَنْ) .. (لَنْ) هل هي مُرَكَّبَة أم بسيطة؟ قيل: (لَنْ) أصلها: (لا) قُلبت الألف نوناً. وليس أصلها (لا) فأُبْدِلَت الألف نوناً خِلافاً للفَرَّاء، ولا (لا أن) فحُذفت الهمزة تَخفيفاً والألف للساكنين خِلافاً للخليل. وهذه دائماً يَسلُكُونَها في باب الحروف، والأصل عدمه، يعني: (لَنْ) أصلها (لا)، فقُلبت الألف نوناً. ما الذي أدراكم؟ يحتاج إلى إفصاح، لو جاء في لسان عَربِيِّ مُفْصِحاً بأصلها قلنا بهذا الأصل، وأمَّا إذا لم يرد فالأصل المنع: ألاَّ نقول بأنَّها مُرَكَّبَة، وألاَّ نقول بأنَّ أصلها كذا وكذا، بل نبقيها على ظاهرها، فنقول: اللام والنون أصليان، وهكذا نَطَقَ العَربِيُّ بِها: (لَنْ)، وأمَّا القول: بأنَّ أصلها (لا) ثُمَّ قلبت الألف نوناً، أو أصلها (لا أن) فحُذِفَت الهمزة، ثُمَّ التقى ساكنان الألف والألف، فحذفت الألف فقيل: (لَنْ)، نقول: هذا يحتاج إلى ثَبَت. إذْ المعهود إبدال النون ألفاً كـ: (نَسْفَعَنْ) .. (نَسْفَعا)، المعهودُ قلب النون ألفاً .. نون التوكيد الخفيفة نقلبها ألفاً، والتنوين في مقام النَّصْب: زيدَا نقلبها ألفاً، وأمَّا الألف تُقلب نون، هذا ليس بِمعهود، والأصح أن يُجاب: بأنَّ هذا يحتاج إلى نقلٍ، فإن لم يكن كذلك حِينئذٍ بقينا على الأصل. ولأنَّ دعوى التركيب إنَّمَا تَصِح إذا كانا الحرفان ظاهرين حالة التَّركِيب كـ: (لولا). ومن أحكام (لَنْ): أنَّ الجمهور على جواز تقديم معمولِ معمولها عليها: لن أضرب زيداً، أين معمول (لَنْ)؟ (أضربَ)، أين معمول معمولها؟ (زيداً)، هل يجوز تقديم (زيد)؟ نعم. (زيداً لن أضْربَ) .. (زيداً) هذا منصوب بـ: (أضرب)، و (أضرب) هذا معمول (لَنْ)، يجوز أو لا يجوز؟ نعم يَجوز، لأنَّها عاملٌ أصلي بنفسه، ليس مَحمولٌ على غيره حتى نقول: لا يُتَصرَّف في معموله .. لا. نعم معموله لا يُمكن، يعني: (أضْرِب) هل يَتَقدَّم على (لَنْ)؟ ما يَتَقدَّم هذا .. واضح بَيِّن، لأنَّ (لَنْ) لا يُفْصَل بينها وبين معمولها إلا لِمَا سيأتي ذكره، وأمَّا معمولُ معمولها فإذا تَقَدَّم لا إشكال فيه. جواز تقديم معمول معمولها عليها: زيداً لن أضربَ، وبه اسْتَدلَّ سيبويه على بساطتها -على أنَّها بسيطة- ومنع ذلك بعضهم، واستثنى أبو حَيَّان التمييز، فلا يجوز: عَرَقاً لن يَتَصَبَّبَ زيدٌ، (عَرَقاً) هذا تَمييز .. لأيِّ شيء؟ لمعمول (لَنْ)، يعني العامل فيه: معمول (لَنْ)، لن يَتَصبَّبَ زيدٌ عَرَقاً، (عَرَقاً) هذا تَمييز، والعامل فيه (يَتَصبَّب) وهو معمول (لَنْ)، عند أبي حَيَّان لا يجوز تقديمه. وهذا أيضاً مُنتَفٍ عند الجمهور، وإنَّما يَجوز على مذهب ابن مالك، كما سبق لأنَّه يُجوِّز تقديم التَّميِيِز على عامله المُتصرِّف بِقلَّة، فعدم التقديم هنا لا لـ: (لَنْ)، وإنَّما لِمَا سبق: أنَّ التَّميِيِز لا يَتَقدَّم عليه عامله، فهو لشيءٍ آخر. إذاً: ما امتنع تقديمه على عامله دون (لَنْ) فهو مُمتنعٌ مع (لَنْ)، وما لم يكن كذلك فالأصل الجواز، وأمَّا: عَرَقاً لن يَتَصبَّبَ زيدٌ، هذا كما سبق: أنَّ العامل إذا كان مُتَصرِّفاً جاز أن يُتَصرَّف في تَمييزه فيَتَقدَّم عليه على مذهب ابن مالك، ومن منع منع، فمن جَوَّز جَوَّز هنا. فابن مالك لا يمتنع عنده: عَرَقاً لن يَتَصبَّبَ زيدٌ، لأنَّ (يَتَصبَّبَ) هذا فعل وهو عامل في التَّمييز، وهو مُتَصرِّف، فيجوز حِينئذٍ، وعند الجمهور لا، لأنَّه يمتنع مُطلقاً، لأنَّه يُجوِّز تقديم التمييز على عامله المُتصرِّف بِقلَّةٍ. وقد تأتي (لَنْ) للدعاء، وهذا مُختَلفُ فيه، ابن هشام ينفيه في موضع، ويثبته في موضع. وقد تأتي (لَنْ) للدعاء، كما أتت (لاَ) كذلك وفاقاً لجماعةٍ، ومن ذلك قول الشاعر: لَنْ تَزَالُوا كَذَالِكُمْ ثُمَّ لاَ ... زِلْتُ لَكُمْ خَالِداً خُلُودَ الجِبالِ (لَنْ تَزَالُوا) قالوا: (لَنْ) هنا دُعَائِية، بِمعنى أنَّها للدُّعَاء، لماذا .. ما وجهُ الاستدلال بكونها للدعاء؟ قالوا: العطف عليها: (ثُمَّ لاَ زِلْتُ لَكُمْ خَالِداً) هذا دعاء، فعُطف الدعاء على (لَنْ) الأُولى فَدلَّ على أنَّها استُعملت في الدُّعَاء، وقلنا: ابن هشام يثبت هذا في (المغني) وينفيه في (شرح القطر).

والدَّليل على أنَّه دعاء لا إخبار: عطفُ الدعاء عليه وهو: (ثُمَّ لاَ زِلْتُ)، ورُدَّ: بأنَّ (لَنْ) في صدر هذا البيت تَحتمل أن تكون دَالَّةً على النفي المَحض، حتى لو قيل: بأنَّ (لا) بعدها للدعاء، لأنَّه لا يلزم أن يُعطف إنشاء على إنشاء .. هو أولى، لكن ليس بلازم، قد يُعطف إنشاء وهو الدعاء على الإخبار، والعكس بالعكس، وإن كان الأولى التَّطابُق: أن يُعطف خبر على خبر، وإنشاءٌ على إنشاء، وعطف الإنشاء على الخبر والعكس، وإن كان فيه ضعف إلا أنَّه جائز، مثل عطف الجملة الفِعليَّة على الفِعليَّة، والاسْميَّة على الاسْميَّة، والفِعليَّة على الاسْميَّة والعكس. نقول: الفِعليَّة على الفِعليَّة أولى، والاسْميَّة على الاسْميَّة أولى، إلا أنَّه يجوز عطف الاسْميَّة على الفِعليَّة والعكس، وإن كان فيه نوع ضعف، وظَهرَ الضَّعْف في باب الاشتغال كما مَرَّ معنا. إذاً: حتى لو قيل بأنَّ (لا) بعدها للدعاء، فإنَّه لا يلزم أن يَتَّحِد المعطوف والمعطوف عليه خبراً أو إنشاءً. إذاً: (لَنْ) .. (وَبِلَنِ انْصِبْهُ) انصب الفعل المضارع بـ: (لَنْ)، حِينئذٍ تقول: ((لَنْ نَبْرَحَ)) [طه:91] فـ: (نَبْرَحَ) فعلٌ مضارعٌ ناقص منصوب بـ: (لَنْ)، ونصبُه فتحة ظاهرة على آخره. (وَكَيْ) هذا الحرف الثاني الذي ينصب بنفسه، و (كَيْ) لها ثلاثة أوجه في لسان العرب: - قد تكون اسْماً مُختَصراً من (كيف)، كقوله: كَيْ تَجْنَحُونَ إِلى سِلْمٍ وَمَا ثُئِرَتْ ... قَتْلاَكُمُ وَلَظَى الهَيْجَاءِ تَضْطَرِمُ (كَيْ تَجْنَحُونَ) يعني: كيف تَجنحون؟ فـ: (كَيْ) هنا مُختصرة من (كيف)، حذَفَ الفاء .. هذا يُسمَّى: تَرخيماً، لَكنَّه ليس بقياسي، (كَيْ تَجْنَحُونَ) كيف تَجنحون؟ فدَلَّ على أنَّها ليست ناصبة، ما الذي دل على أنها ليست ناصبةً؟ (تَجْنَحُونَ) بالنون .. أثبَتَ النون فَدلَّ على أنَّه مرفوع، فتكون بِمعنى: (كيف) .. هي مختصرة من (كيف). فتكون بمعنى (كيف) ويليها الاسم والماضي والمضارع مرفوعاً: كيف زيدٌ .. كيف يقوم زيدٌ .. كيف قام زيدٌ؟ يليها الماضي والمضارع والاسم، ويكون مرفوعاً في المضارع والاسم. - الثاني: أن تكون بِمنزلة لام التَّعلِيل معنَىً وعملاً، (معنَىً) يعني: تَدلُّ على أنَّ ما قبلها عِلَّةٌ لِمَا بعدها، هذا المراد بلام التَّعلِيل معنا: أنَّ ما قبلها عِلَّةٌ لِمَا بعدها، و (عملاً) الجر، حِينئذٍ لام التَّعلِيل تَجرُّ ما بعدها، كذلك (كَيْ) ولذلك يُعبَّر عنها: بأنَّها لام (كَيْ)، يُقَال: لام (كَيْ) إذا كانت بِمعنَى اللام. أن تكون بِمنْزِلة لام التَّعلِيل معنَىً وعملاً، وهي الداخلة على (ما) الاستفهاميَّة - وهذا سبق في أول حروف الجر – في قوله في السُّؤال عن العِلَّة: (كيْمَهْ) بِمعنى: لِمَه، وعلى (ما) المَصدريَّة كما في قوله: إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا ... يُرَجَّى الفَتى كَيْمَا يَضُرَّ وَيَنْفَعَا وهنا دخلت على (ما) المَصدريَّة، أي: للضُّرِّ والنِّفْع، وقيل: (ما) كافَّة، أي: كَفَّتْ (كَيْ) المَصدريَّة عن نصب المضارع. (كَيْ) المَصدريَّة يعني: لا يلزم أنَّها تنصب .. لا، قد تُؤوَّل مع ما بعدها بِمصدر - وهذا لا إشكال فيه – ولكن المراد هنا: أنَّها تدخل على (ما) الاستفهاميَّة، وتدخل على (ما) المَصدريَّة، وهذا سبق في أول باب حروف الجر. وقيل: (ما) كافَّة، أي: كَفَّتْ (كَيْ) المَصدريَّة عن نصب المضارع، وعلى (أَنْ) المَصدريَّة مُضمَرةً .. هذا الثالث، يعني: تدخل على (أَنْ) المَصدريَّة مُضمرةً، نحو: جئت كي تكرمَني، فـ: (كَيْ) هنا بِمنْزِلة لام التَّعلِيل مَعنَىً وعملاً، (كي تكرمني) يعني: كي أن تكرمني، فـ: (تكرمني) هذا فعل مضارع منصوب بـ: (أَنْ)، ونصبُه (أَنْ) مُضمرةَ بعد (كَيْ)، و (كَيْ) حِينئذٍ تكون بِمنزلة اللام، فيكون (أَنْ) ومدخولها مصدر مَجرورٌ بـ: (كَيْ). وعلى (أَنْ) المصدرية مُضمرةَ، نحو: جئت كي تكرمني، إذا قَدَّرْتَ النصب بـ: (أَنْ)، ولا يجوز إظهار (أَنْ) بعدها، وأمَّا قوله: كَيما أَنْ تَغُرَّ وتَخدَعَا، فضرورة، وسيأتي توجيهه. إذاً: (كَيْ) تكون بِمنْزلة لام التَّعلِيل معنَىً وعملاً، وذلك إذا دخلت على (ما) الاستفهامية، و (ما) المَصدريَّة، وتدخل على المضارع، ويكون الفعل منصوباً بعدها بـ: (أَنْ) مُضمرةً.

- الثالث: أن تكون بِمنْزلة (أَنْ) المَصدريَّة معنَىً وعملاً، وهو المراد هنا في كلام النَّاظِم: (وَكَيْ)، حِينئذٍ صارت (كَيْ) مَصدريَّة، ويَتَعيَّن ذلك في الواقعة بعد اللام، وليس بعدها (أَنْ). (كَيْ) المَصدريَّة فيها تفصيل يأتينا إن شاء الله. نقف على هذا. والله أعلم، وَصَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيَّنَا مُحَمَّد، وَعَلى آله وَصَحْبِه أَجْمَعِين ... !!!

110

عناصر الدرس * ينصب الضارع بـ (كي وأن) ـ * إهمال (أن) حملاعلى (ما) المصدرية * ينصب المضارع بـ (إذن) بشروط * مواضع إعمال (أن) ظاهرة أو مضمرة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظِم - رحمه الله تعالى -: (وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ) عرفنا أن (كَيْ) لها ثلاثة أحوال في لسان العرب: إمَّا أن تكون اسْماً مختصراً من (كيف) وإمَّا النوع الثاني أن تكون بمنزلة لام التعليل معنىً وعملاً، وهذا قلنا: داخلة على (مَا) الاستفهامية، و (مَا) المصدريَّة، وكذلك على (أَنْ) المصدرية مُضمَرةً، نَحو: جئت كي تُكرِمنِي (تُكرِمنِي) هذا فعل مضارع منصوب بـ: (أَنْ) مضمرة بعد (كَيْ) وحينئذٍ (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بـ: (كَيْ) إذاً: هي بِمنزلة لام التعليل. ولا يَجوز إظهار (أَنْ) بعدها، فأمَّا قول الشاعر: (كَيْمَا أَنْ تَغُرَّ) هذا ضرورة، وله توجيه سيأتي معنا. ثالثاً: تكون بِمنزلة (أَنْ) المصدرية معنىً وعملاً، وهو مراد النَّاظِم هنا، وهي النَّاصِبَة: (وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ) يعني: بنفسها، ويتَعيَّن ذلك الحكم بكونها مَصدريَّة في الواقعة بعد اللام وليس بعدها (أَنْ) كما في قوله تعالى: ((لِكَيْلا تَأْسَوْا)) [الحديد:23] (تَأْسَوْا) هنا فعل مضارع منصوبٌ بـ: (كَيْ) بنفسها، و (كَي) هنا لم يقع بعدها (أَنْ) فهي ناصبةٌ. تَعيَّن ذلك في الواقعة بعد اللام ((لِكَيْلا)) [الحديد:23]. ولا نُقدِّر (أَنْ) هنا، لماذا؟ لأننا لو قَدَّرْنا (تَأْسَوْا) منصوبٌ بـ: (أَنْ) مضمرة بعد (كَيْ) لزم دخول اللام على (كَيْ) وهي حرف تعليل، إذاً: دخل حرفٌ على حرف، وهذا لا يجوز، أن يدخل حرف على حرف هذا مُمتنع، ولكن إذا دخل اللام على (كَيْ) وما بعدها يكون مصدراً مؤولاً بـ: (كَيْ) .. مع (كَيْ) حينئذٍ جاز، لأن اللام قد دخلت على اسمٍ مؤول. وأمَّا ((لِكَيْلا)) [الحديد:23] بأن تكون اللام حرف جر، و (كَيْ) كذلك حرف جر وتعليل، و ((تَأْسَوْا)) [الحديد:23] منصوب بـ: (أَنْ) مضمرة بعد (كَيْ) هذا مُمتنع، لأنه يلزم منه دخول حرف الجر على حرفٍ آخر. ولا يجوز أن تكون حرف جرٍ لدخول حرف الجر عليها، فإن وقع بعدها (أَنْ) نَحو قول الشاعر: (أَرَدْتَ لِكَيْماَ أَنْ تَطِيرَ بِقرْبَتِي) (لِكَيْمَا أَنْ تَطِيرَ) وقعت (أَنْ) بعد (كَيْ) احتمل أن تكون مَصْدَريَّة مؤكَّدة بـ: (أَنْ) .. هي مَصْدريَّة بنفسها وأكِّدَت بـ: (أَنْ) (لِكَيْمَا أَنْ تَطِيرَ) فهي (كَيْ) هنا مَصْدريَّة، و (أَنْ) توكيدٌ لها. وأن تكون تَعلِيليَّة مؤكِّدة للام، والثاني أرجح .. ما هو الثاني؟ أن تكون تَعلِيليَّة مؤكِّدة للام، الثاني أرجح لئلا يلزم تقديم الفرع على فالأصل، فـ: (أَنْ) هي أمُّ الباب فلا تُجعَل مؤكِّدة لـ: (كَيْ) يعني: إذا جعلنا (أَنْ) مؤكِّدة لـ: (كَيْ) أيهما أصْل؟ (أَنْ) هي الأصل في الباب، حينئذٍ جعلنا الأصل مؤكداً للفرع، وهذا خلاف الأصل.

كذلك هي الملاصقة للفعل، وما كان ملاصقاً للفعل فالأولى أن يكون هو العامل في الفعل دون (كَيْ) وما كان أصلاً لا يكون مؤكِّداً لغيره، ويجوز الأمران في نحو: جئت كَي تفعل، ((كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً)) [الحشر:7] يجوز الأمران، يعني: أن تَجعل (أَنْ) مضْمَرة بعد (كَيْ) وأن تَجعل (كَيْ) هي النَّاصِبة، إمَّا أن يكون الفعل منصوباً بـ: (أَنْ) مضمرة بعد (كَيْ) وإمَّا أن تكون (كَيْ) هي النَّاصِبة، لكن تُقدِّر قبلها اللام. فإن جُعِلَت جارَّة كانت (أَنْ) مُقدَّرة بعدها، وإن جُعِلَت ناصبة كانت اللام مُقدَّرة قبلها، وهذا مذهب سيبويه والجمهور: أنَّ (كَيْ) تكون حرف جر ومَصْدريَّة، إذا كانت حرف جَرْ حينئذٍ جَرَّت (أَنْ) ومدخولها المصدر، وإذا كانت مَصدريَّة حينئذٍ لا يكون مجروراً إلا باللام المُقدَّرة قبلها. وذهب الكوفيون: إلى أنَّها ناصبةٌ للفعل دائماً، وتأولوا ما احْتَمَل غير ذلك، وذهب قوم: إلى أنَّها حرف جر دائماً. إذاً ثلاث مذاهب: - (كَيْ) تكون حرف تعليل وجر، وتكون ناصبة على التفصيل الذي ذكرناه. - وعند الكوفيين: أنَّها لا تكون إلا ناصبة البتَّة دائماً. - وقال بعضهم: إنَّها تكون حرف دائماً، والصواب: ما ذهب إليه جمهور البصريين. ومنع الجمهور تقديم معمول (كَيْ). هناك في لَنْ قلنا: يَجوز تقديم معمول معمولها: زيداً لن أضرب جاز، وأمَّا (كَيْ) فلا يَجوز. ومنع الجمهور تقديم معمول معمول (كَيْ) خلافاً للكسيائي فيجوز عنده: جئت النَّحْوَ كَي أتعلم .. جئت كي أتَعلَّم النَّحْو، يجوز عند الكسائي وعند الجمهور يمتنع، لماذا يتمنع؟ قالوا: لأن (كَيْ) من الموصولات الحَرْفيَّة، ومعمول الصِّلَة لا يَتقدَّم على الموصول بِخلاف لَنْ ليست من الموصولات، يعني: لا تؤول مع ما بعدها بِمصدر، وأمَّا (كَيْ) فهي موصولٌ حرفِيِّ، وهي من الخمسة التي ذكرناها سابقاً، وحينئذٍ تؤول ما بعدها للمصدر، وما كان كذلك فحينئذٍ لا يَتقدَّم معموله ولا معمول معموله عليه البتَّة. لأن (كَيْ) من الموصولات الحرفيَّة، ومعمول الصِّلة لا يَتقدَّم على الموصول، وإن كانت جارَّة فـ: (أنْ) مُضْمَرة بعدها وهي موصولة. إذاً: (وبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ) (كَي) هو النَّاصِب الثاني. استعمالات (كَي) .. خلاصة ما سبق: أنَّ (كَيْ) تُذكر وحدها، فيقال كما في قوله تعالى: ((كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً)) [الحشر:7] إذاً: ذكرت (كَي) وحدها هنا. الثاني: أنْ تُذكَر مسبوقةً باللام فقط ((لِكَيْلا تَأْسَوْا)) [الحديد:23] (لِكَيْ) اللام سبقت (كَي) هذا استعمالٌ في لسان العرب. الثالث: تُذْكَر قبل (أنْ) المصدرية وهذا قيل: ضرورة، يعني: لا تظهر (أنْ) لكن استُعمِل، كقوله: (كَيْمَا أَنْ تَغُرَّ وَتَخْدَعا) كَيْمَا أَنْ إذاً: قيل (كَي) وظهرت بعدها (أَنْ). الاستعمال الرابع: تُذْكَر مسبوقةً باللام وبعدها (أنْ) المَصْدريَّة: (لِكَيْماَ أَنْ تَطِيرَ بقرْبَتِي) لِكَيْماَ أَنْ جاءت اللام ثُم (كَي) ثُم (أنْ) جُمع بينها.

هذه أربعة استعمالات، المشهور الأول والثاني: وهو أنْ تذكر وحدها، أو أن تكون مسبوقةً باللام فقط: ((لِكَيْلا تَأْسَوْا)) [الحديد:23] ولذلك هو الوارد في القرآن، وأمَّا الثالث والرابع فلم يَرِد في القرآن. وجمهور البصريين على أنَّ (كَي) إذا نَصَبَت المضارع فهي مَصدريَّة، وقد تكون (كَيْ) تَعْليليَّة، بِمعنى: لام التعليل، فالنَّاصب حينئذٍ (أنْ) مضمرة بعد (كَيْ)، وعليه .. على ما سبق فإذا قيل: جئت لكي أتَعَلَم، يعني: جِيء بـ: (كَيْ) وذُكِر قبلها اللام، حينئذٍ يتَعيَّن أن تكون اللام حرف تعليل و (كَيْ) مَصْدريَّة، يتَعيَّن إذا لُفِظَ باللام قبل (كَيْ) حينئذٍ النَّاصب (كَيْ) وليس (أنْ) مُضْمَرة بعد (كَيْ) هذا متى؟ إذا نُطِقَ باللام قبل (كَيْ) مثل هذا المثال: جئت لكي أتَعَلَّم، جيء باللام و (كَيْ). حينئذٍ يتَعيَّن أن تكون (كَيْ) ناصبة، فـ: أتَعَلَّم، هذا فعلٌ مضارع منصوب بـ: (كَيْ) نفسها، ولا نقول بـ: (أنْ) مُضْمَرة، لماذا؟ لأنه لُفِظَ باللام، لأنك لو جَعَلْت (كَيْ) تَعليليَّة لصرت إلى التأكيد ولك معدَلٌ عنه، يعني: خروجاً عنه، إذا جعلت الفعل هنا منصوباً بـ: (أنْ) مُضْمَرة حينئذٍ جعلت (كَيْ) مؤكِّدة للام، ولا شك أن القول بالتأسيس أولى من القول بالتأكيد، لأنه إمَّا أن تجعل (كَيْ) مؤكِّدة للام، وإمَّا أن تجعلها مؤسسة، حينئذٍ تكون ناصبةً لما بعدها. فإذا قَدَّرت الفعل الذي بعد (كَيْ) في مثل هذا التركيب: (لِكَي) منصوباً بـ: (أنْ) مُضْمرة بعد (كَيْ)، طيب! (كَيْ) واللام حرفان، إذاً: الثاني مؤكِّدٌ للأول، والتأسيس خيرٌ من التوكيد، إذاً: لا نصير إلى التأكيد مع إمكان التَّأسيس، إذ التأسيس خيرٌ من التأكيد. وإذا قيل: (كَيْمَا أَنْ تَغُرَّ وَتَخْدَعا) بعضهم لم يُجوِّز هذا التَّركيب .. أن يجمع بين (أنْ) ظاهرةً و (كَيْ)، لكن ذكره البعض: (كَيْمَا أَنْ تَغُرَّ وَتَخْدَعا) تَعيَّن أن تكون (كَيْ) حرف تعليل واضح، لأنه إذا ذُكِرَت (أنْ) فهي النَّاصِب، لا مَعْدِل عنها، كيف تترك الأصل وهي (أنْ) أمُّ الباب وتَجعل النَّصب بـ: (كَيْ)؟! هذا فيه نظر. إذاً: إذا ذُكِرَت (أنْ) بعد (كَيْ) يتَعيَّن أن تكون (أنْ) النَّاصِبة، وإذا كانت (أنْ) هي النَّاصِبة يتَعيَّن أن تكون (كَيْ) التَعليليَّة حرف جر. حينئذٍ تَعيَّن أن تكون (كَيْ) حرف تعليل، و (أنْ) حرفٌ مصدري، لأنك لو جعلت (كَيْ) حرفاً مَصدَرياً لصرت إلى التأكيد والتأسيس خيرٌ منه، يعني: إذا جعلت (كَيْ) حرفاً مصدرياً، جعلت (أنْ) مؤكِّدة لـ: (كَيْ)، الأصل مؤكِّد للفرع وهذا خلاف الأصل، تَجعل (كَيْ) هي النَّاصبة و (أنْ) ماذا فعلت؟ لم تنصب، ما دورها في هذا التركيب: (كَيْمَا أَنْ تَغرَّ وَتَخْدَعا)؟ (أنْ) توكيد .. هذا خلاف الأصل .. خلاف الأصل من جهتين: - أنَّ التأسيس أولى من التأكيد، هذا أولاً. - ثانياً: كيف يُجعل الأصل -أم الباب- مؤكِّداً للفرع؟! هذا مَحلُّ نظر، إذاً: إذا صُرِّح بـ: (أنْ) فهي النَّاصبة، و (كَيْ) حينئذٍ تكون حرف تعليل، وإذا قيل: جئت كي أتَعَلَّم، هذا يجوز فيه وجهان: إذا لم تأت بـ: (أنْ) ولم تأت باللام جاز لك الوجهان:

- أن تَجعل (أتَعَلَّم) منصوبٌ بـ: (أنْ) مضمرة بعد (كَيْ) و (كَيْ) حرف تعليل. - ويجوز أن تجعل (كَيْ) هي النَّاصِبة وتَنْوِ اللام قبلها، لأنه لا بُدَّ من اللام، إذا جَعَلت (كَيْ) نَاصبةً بنفسها لا بُدَّ من اللام قبلها لفظاً أو نِيَّةً، إذا توجد لا بُدَّ من نِيَّتِها. إذا قيل: جئت كي أتَعلَّم، جاز أن تكون (كَيْ) مَصدريَّة ولام التَّعليل قبلها مُقدَّرة، مَصدريَّة يعني: ناصبة بنفسها، وجاز أن تكون (كَيْ) حرف تعليل، وأن المَصدريَّة مُقدَّرة بعدها، ماذا بقي؟ بقي أن يُجمع بين اللام و (كَيْ) و (أنْ): (لِكَيْماَ أَنْ تَطِيرَ بقرْبَتَيِ) (لِكَيْماَ أَنْ) جُمِع بين اللام و (كَيْ) و (أنْ)، وهذا بعضهم كذلك لا يُجوزه إلا ضرورةً. جاز أن تكون في هذا التركيب (كَيْ) مَصْدريَّة، فتكون (أنْ) مؤكِّدةً لها، وهذا مَحلُّ نظر، (أنْ) الأصل مُؤكِّد للفرع هذا محل نظر، لكن يجوز، ودائماً إذا قيل: جائز، لا يلزم منه أن يكون هو الأفصح، ولذلك يُصرِّح ابن مالك وابن هشام أحياناً، يقولون: جائزٌ على قُبحٍ، وأحياناً يقولون: جائزٌ في لُغَيَّة تصغير لغة، يعني: فيه نظر، من باب التحقير أو شيء من ذلك. فتكون (أنْ) مُؤكِّدة لها، وجاز أن تكون (كَيْ) حرف تعليل فتكون هي مُؤكِّدة للام، وهنا لا مناص عن القول بالتأكيد، لا بُدَّ أن يُقال: (كَيْ) هي مُؤكِّدة للام، أو (أنْ) مؤكِّدة لـ: (كَيْ)، لا بُدَّ من القول بالتأكيد، إذاً: لا نقول التأسيس خيرٌ من التأكيد، لأنَّه لا مناص عنه، فتَحصَّل حينئذٍ من هذه الأقسام أنَّ (كَيْ) تكون مَصدريَّة لا غير في موضعٍ واحد، نَحو: جِئت لِكَي تكْرِمني، هنا (كَيْ) مصدرية لا غير .. لا يَحتمل أن يكون الفعل منصوباً بـ: (أنْ) مُضْمَرة بعدها، لماذا؟ للتَّصرِيح باللام (لِكَي). إذا قيل: لـ: (لِكَي) ولم يلفظ بـ: (أنْ) تَعيَّن أن تكون مَصدريَّة، هذا واحد. وتكون تَعليليَّة لا غير في موضع واحد: (كَيْمَا أَنْ تَغُرَّ وَتَخْدَعا) (كَيْمَا أَنْ) إذاً: صُرِّح بـ: (أنْ) بعدها، فإذا لُفِظَ بـ: (أنْ) بعدها، فـ: (أنْ) هي النَّاصِبة، و (كَيْ) قطعاً أنها تَعليليَّة، ولا نَجعل (أنْ) مؤكِّدة و (كَيْ) هي مَصدريَّة. وتكون مُحتملة للوجهين في موضعين: الثالث والرابع، وهذا قليل جداً .. قليل جداً أن يُلفَظ بـ: (أنْ) بعد (كَيْ)، أو أن يُجمع بين اللام و (كَيْ) و (أنْ)، ولذلك بعضهم يَجعله من باب الضرورة، ولم يُمثَّل إلا بالشعر الذي ذكرناه سابقاً. إذاً: وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ كَذَا بِأَنْ ... لاَ بَعْدَ عِلْمٍ. . . . . . . . . . . . . (وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ) قال الشَّارِح هنا: " ينصب المضارع إذا صحبه حرفٌ ناصبٌ، وهو (لنْ) أو (كَيْ) أو (أنْ) أو (إِذَنْ) هذه ناصبة بنفسها وليس مُتَّفق عليه، لأن بعضهم يرى: أنَّ (إِذَنْ) ليست ناصبة بنفسها، بل (أنْ) مُضْمَرة بعدها، حينئذٍ الأول والثاني و (أنْ) هذا لا إشكال فيه، و (إِذَنْ) هذا مَحلُّ نظر، نَحو: لن أضْرِب، وجئت كَي أتَعَلَّم، وأريد أن تقوم، وإذَنْ أكرمَك، في جواب من قال لك: آتيك، هذه أمثلة لِمَا ذَكَره على جهة العموم.

و (كَيْ) المَصدريَّة كما سبق .. (كَيْ) مَصدريَّة التي أطلقها النَّاظِم هنا (وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ) أي: المَصدريَّة، وإنما يؤخذ التقييد من كونه ذكرها في أدوات النصب، وإلا (كَيْ) قد لا تكون مصدريةً بل تكون تَعليليَّة، فأمَّا التَّعليليَّة فجَارةٌ والناصب بعدها (أنْ) مضمرة، وتتَعيَّن المصْدريَّة إنْ سبقتها اللام كما ذكرناه سابقاً، كقوله تعالى: ((لِكَيْلا تَأْسَوْا)) [الحديد:23] والتَّعليليَّة إن تَأخَّرَت عنها اللام أو أنْ، وعلامة المَصدريَّة أن تَتَقدَّم عليها اللام لفظاً أو تقديراً. (لَنِ) قيل: لا يَجوز الفَصْل بين (لَنِ) والفعل اختياراً عند البصريين وهشام، وأجاز الكِسَائي الفَصْل بالقسم ومعمول الفعل: لن والله أقوم، جَوَّز الفَصْل بالقسم، وبِمعمول الفعل: لن زيداً أضرب، ووافقه الفَرَّاء على القسم، وزاد الفَصْل بـ: (أظن) والشرط، والجماهير على المنع: أنَّه لا يُفصَل بين (لَنِ) ومعمولها، نعم يَتقدَّم معمول معمولها عليها الجمهور على الجواز: زيداً لن أضرب، هذا جائزٌ. . . . . . . . . . . . كَذَا بِأَنْ ... لاَ بَعْدَ عِلْمٍ وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ فَانْصِبْ بِهَا وَالرَّفْعَ صَحِّحْ وَاعْتَقِدْ ... تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ فَهْوَ مُطَّرِدْ قوله: (كَذَا بِأَنْ) (كَذَا) أي: مثل ما ذُكِر من كون (لَنِ) ناصبة بنفسها، و (كَيْ) ناصبة على التفصيل السَّابق (بِأَنْ) يعني: فانصبه (بِأَنْ) (لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) (لاَ) حرف عطف، لَكنَّه معطوف على محذوف مُقدَّر، والتقدير: فانصبه (بِأَنْ) بعد غير علمٍ لا بعد علم، لأن (أنْ) المصدرية لها ثلاثة أحوال: - إمَّا أن يسبقها ما يَدلُّ على العِلْم .. ما يَدلُّ على اليقين يعني، سواءٌ بلفظ العِلْم أو غيره: رَأى، وحَسِبَ، وتيَقَّنَ، وظَنَّ إذا أريد بها العِلْم، كل الألفاظ السَّابقة التي مرَّت معنا في باب (ظَنَّ) ما يَدلُّ على اليقين إذا تَقدَّم على (أنْ) .. أن يَتقدَّم عليها ما يفيد اليقين، ويُعبِّر عنه النحاة: بما يدل على العِلْم. - النوع الثاني: أنْ يَتقدَّم عليها ما يَدلُّ على الرجْحَان، يعني: (ظَنَّ) وأخواتها .. ظَنَّ وحَسِبَ ورَأىَ ونحو ذلك إذا استعملت في الرجحان. - ألا يَتقدَّم عليها الأول ولا الثاني، كألا يَتقدَّم عليها ما يُفيِد العِلْم، ولا ما يُفيِد الظَّنَّ. متى تكون ناصبةً متَعيِّنة النَّصب؟ فيما إذا لم يَتقدَّم عليها علمٌ ولا ظنٌ: ((وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ)) [الشعراء:82] نقول: (يَغْفِرَ) هنا فعلٌ مضارع منصوبٌ بـ: (أنْ) وهذه (أنْ) متَعيِّن أنَّها مَصدريَّة، لأنه لم يسبقها ما يَدلُّ على الظَّنِّ، ولا ما يَدلُّ على العِلْم، فيتَعيَّن أنها مَصدريَّة، وهي التي عنها بقوله: (كَذَا بِأَنْ لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) يعني: فانصبه (بِأَنْ) بعد غيْرِ عِلْمٍ لا بعد عِلَمٍ، فإن كانت بعد عِلمٍ حينئذٍ يتَعيَّن أن تكون (أنْ) مُخفَّفة من الثقيلة، هذا إذا كان ما قبلها دالاً على العِلْم.

((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)) [المزمل:20] (سَيَكُونُ) نقول: (يكون) بالرَّفْع هنا، وسبقها (أنْ) (عَلِمَ أَنْ) (أنْ) هذه قَطعاً قولاً واحداً مُخفَّفَة من الثقيلة، يعني: أخت (إنَّ): وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ ... وَالْخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنّ وَإِنْ يَكُنْ فِعْلاً وَلَمْ يَكُنْ دُعَا ... وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعَا فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ بِقَدْ أَوْ نَفْيٍ اوْ ... تَنْفِيسٍ اوْ لَوْ وَقَلِيلٌ ذِكْرُ لَوْ الأحكام السابقة كلها تَتَعلَّق بـ: (أنْ) هنا، ولذلك جاء: ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ)) [المزمل:20] فُصِلَ بين (أنْ) ومدخولها الذي هو الخبر بالسِّيِن وهو واجبٌ أو أحسن، على الخلاف السابق الذي ذكرناه في مَحلِّه. إذاً: إذا سُبقت بِما يَدلُّ على العِلْم فهي (أنْ) مُخفَّفَة من الثقيلة، فيجب في الفعل أمران: - الأول: رفعه ولا يجوز نصبه. - والثاني: فَصْله بفاصلٍ من الأربعة التي ذكرناها سابقاً، ومنه المثال الذي ذكرناه: ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)) [المزمل:20] فـ: (سَيَكُونُ) نقول: الجملة في مَحلِّ رفع خبر (أنْ) و (أنْ) محذوفة الاسم وجوباً: (وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّْ). (أَنْهُ سَيَكُونُ)، ضمير الشأن محذوف، وهو اسم (أنْ) والجملة التي بعد (سَيَكُونُ) في محل رفع خبر (أنْ) لأنها مُخفَّفَة من الثقيلة، هذا إذا سبقها ما يَدلُّ على العِلْم، وأمَّا إن سبقها ما يَدلُّ على الظن ففيه وجهان: يَجوز فيه الرَّفع، ويَجوز فيه النَّصب، ولذلك قال: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ فَانْصِبْ بِهَا وَالرَّفْعَ صَحِّحْ. . . . . ... . . . . . . . . . . . .. . . . . . . . (فَانْصِبْ بِهَا) قَدَّم النَّصب لأنه أرجح، ولذلك أجمع القراء عليه في قوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2] هنا أجمع القراء على النَّصب، مع كون (أنْ) هنا مسبوقة بـ: (حَسِبَ) و (حَسِبَ) هذه من أفعال الرُّجْحَان، إذاً: الأصل فيه الجواز .. أنَّه في غير القرآن يَجوز: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُون) .. (أَنْ يُتْرَكُوا) لكن في القرآن اتَّفَق القراء على النَّصب، فدل على أنَّه أرجح. واختلفوا في قوله: ((وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ)) [المائدة:71] (أَلاَّ تَكُونَ .. أَلاَّ تَكُونُ) قراءتان بالرَّفْع والنَّصْب، لَمَّا اتفقوا في موضعٍ واختلفوا في موضعٍ، فما اتفقوا عليه دل على أنَّه الأرجح، وهو الأكثر في لسان العرب، وهو الموافق للقياس. إذاً: (وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ فَانْصِبْ بِهَا) المضارع إن شِئت، على أنَّها النَّاصبة له وصَحِّح الرَّفع،، يعني الرَّفع صحيح، ولذلك قرئ به: ((وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ)) [المائدة:71].

(وَاعْتَقِدْ تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ) متى؟ إذا رَفَعْت: (وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونُ) بالرَّفع، حينئذٍ إذا صَحَّحْت الرَّفع اعتقد حينئذٍ .. حين إذ رَفَعْت ما بعدها (تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ) الثقيلة، حينئذٍ يكون اسمها ضمير الشأن محذوفاً: (وَحَسِبُوا أنْه لا يكُونُ فِتْنَةٌ) و (لا يكون) حينئذٍ نقول: الرَّفع واجب إذا جعلناها مُخفَّفَة من الثقيلة، والفَاصِل واجب، وفصل هنا بـ: (لاَ) وهو من الفواصل السابقة التي ذكرناها. (فَهْوَ مُطَّرِدْ) ما هو (فَهْوَ)؟ يعني: الرَّفع أو جواز الوجهين، يَحتمل هذا ويَحتمل ذاك، فَهْوَ مُطَّرِدْ الرفع أو جواز الوجهين كلٌ منهما سَائغٌ في لسان العرب، وجاء به القرآن. إذاً: إذا لم يكن قبل (أنْ) .. لم يسبقها عِلمٌ ولا ظن، حينئذٍ نقول: يتَعيَّن أنْ تكون ناصبة: ((يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)) [النساء:28] (يُخَفِّفَ) سبقته (أنْ) ولم يَتقدَّم عليها علمٌ ولا ظن فهي ناصبة قولاً واحداً، هي المَصدريَّة وهي النَّاصبة وهي أمُّ الباب كما سيأتي بعض الاستثناءات، وإذا تَقدَّمها ما يدلُّ ويفيد العِلْم حينئذٍ هي مُخفَّفَة من الثقيلة قولاً واحداً، ويَجب في الفعل الذي يليها أمران: رفعه، والثاني: فَصْلُه على ما تَقرَّرَ في بابه. وإذا تَقدَّم عليها ما يَدلُّ ويفيد الظَّنَّ حينئذٍ جاز فيه وجهان: الرَّفْع والنَّصْب، والنَّصْب أرجح، لأنه أكثر في لسان العرب، وهو المستعمل، وكذلك القياس يقتضيه. إذاً: (كَذَا بِأَنْ) إذاً: (أنْ) هذه هي أمُّ الباب، لأنها ظاهرة ومُقدَّرة، وإنما أخَّرَها عن (لَنْ) و (كَي) لطول الكلام عنهما، ويُقال فيها: (عَنْ) .. (أنْ) يُقال فيها: (عَنْ) بإبدال الهمزة عيناً، فتقول: عَنْ يَضْرِب .. أرَدْتُ عَنْ أضْرِب، هذا تأتي به لغز! عَنْ أضْرِب أين مَجرور (عَنْ)؟ ليس لها مجرور، هذه (عَنْ) هي (أنْ) قلبت الهمزة عَيناً. (كَذَا بِأَنْ لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) ونحوه مِمَّا يدلُّ على اليقين، فإنها لا تنصبه إذا وقَعَت بعد ما يدل على العِلْم لأنَّها حينئذٍ مُخفَّفَة من الثقيلة، واسمها: ضمير الشأن، نَحو: ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ)) [المزمل:20] ومِثْلُه: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ)) [طه:89] أي: (أَنْه سَيَكُونُ) و (أنْه لا يَرْجِعُ). وأمَّا قراءة بعضهم: (أَلاَّ يَرْجِعَ) بالنَّصْب وقوله: . . . . . . . . . . . قَدْ عَلِمْوَا ... أن لاَ يُدَانيَنَا مِنْ خَلقِهِ بَشَرُ فمِمَّا شَذَّ، يعني: إذا وقعت بعد العِلْم، فإذا نصب حينئذٍ نَقول: هذا شَاذٌ، يُحفظ ولا يُقاس عليه، إلا إذا أوِّل بغيره فجاز وقوع النَّاصبة بعده، وإلا الأصل أن النَّاصبة لا تقع بعد العِلْم، وهذا في استقراء كلام العرب.

(وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ) (الَّتِي) هذا اسمٌ موصول مبتدأ، وقوله: (مِنْ بَعْدِ ظَنّ) (مِنْ بَعْدِ) جار ومجرور مُتعلِّق بِمحذوف صلة الموصول و (بَعْدِ) مضاف، و (ظَنّ) هذا مصدر مضافٌ إليه، ونحوه من أفعال الرُّجْحَان، ليس المقصود (ظن) بل (ظَنّ) إذا أريد بها اليقين دخلت في الأول، وإذا أريد بها الرُّجْحَان صارت في الثاني، إذاً: يَحتمل اللفظ، والمراد ما يَدلُّ على اليقين، يعني: ما يُستَعمل باليقين إمَّا أصَالةً وإمَّا فرعاً، كـ: (ظَنَّ) وأخواتها، قد يستعمل بعضها في اليقين. (فَانْصِبْ بِهَا) (وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ فَانْصِبْ) الفاء واقعة في جواب المبتدأ، لأنه نُزِّل مُنَزَّلة الشَّرط، لأن المبتدأ إذا كان اسْماً موصولاً أو ما فيه معنى العموم جاز، ولا يَجب أن يدخل على الخبر الفاء، لأن شُبِّه بالشَّرط. (فَانْصِبْ) الجملة هذه في محل رفع خبر المبتدأ (الَّتِي)، (فَانْصِبْ بِهَا) يعني: بـ: (أنْ) التي وقعت ظَن، فانصب بها المضارع إن شئت، ليس الأمر هنا للوجوب، لأنه قال: (وَالرَّفْعَ صَحِّحْ) فدل على أنَّ النَّصب هنا ليس بواجب. (فَانْصِبْ بِهَا) إن شئت المضارع على أنَّها النَّاصِبة له، حينئذٍ تكون مَصدريَّة، لكن ليست متَعيِّنة، وصَحِّحْ الرَّفع (الرَّفْعَ صَحِّحْ) قَدَّم المفعول هنا على (صَحِّحْ)، (وَاعْتَقِدْ) حينئذٍ (تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ) يعني: إذا رَفَعْت حينئذٍ اعْتَقِد تَخفِيفها من (أنَّ) الثقيلة. وقد قرئ بالوجهين: (وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ) (أَلَّا تَكُونَ .. أَلَّا تَكُونُ) إذا قرأت: (أَلاَّ تَكُونُ) حينئذٍ (أنْ) مُخفَّفة من الثَّقيلة، وإذا قرأت: (أَلاَّ تَكُونَ) حينئذٍ (أنْ) ناصبةٌ بنفسها، ولذلك السِّيُوطِي قال: " {إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتْ} يدخل فيه كثير من مسائل النَّحْو " وهنا ليس فرق إلا النِّيَة، لأنك تلفظ وتَنوِّ، تلفظ بالرَّفع: (أَلاَّ تَكُونُ .. أَلاَّ تَكُونَ) حينئذٍ إذا لفظت بالرَّفْع نَوَيِّت أنَّ (أنْ) مُخفَّفَة من الثقيلة، وهي (أنْ) في اللفظ واحدة، ويجوز الفّصْل بين (أنْ) المصْدريَّة ومدخولها بـ: (لاَ) النَّافيَّة هذا سائغ. ولذلك نصب: ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ)) [المائدة:71] نفس الموضع في النَّصْب فصل بين (أنْ) المصْدريَّة ومدخولها. إذاً: قرئ بالوجهين: ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)) [المائدة:71] قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكِسَائي برفع (تَكُونُ) والباقون بالنَّصب، والنَّصب أرجح عند عدم الفصل بينها وبين الفعل، ولهذا اتفقوا في قوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2]. (فَهْوَ مُطَّرِدْ) يعني: الرَّفع أو جواز الوجهين، (مُطَّرِدٌ) يعني: مَقيسٌ في ما ورد في لسان العرب. هنا قال: " وأشار بقوله: (لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) إلى أنَّه إن وقعت (أنْ) بعد عِلْمٍ ونحوه مِمَّا يدلُّ على اليقين وجب رفع الفعل بعدها، فتكون حينئذٍ مُخفَّفَة من الثقيلة " ومنه الآية التي ذكرناها: ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)) [المزمل:20] و: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ)) [طه:89] نحو: عَلِمْت أن يَقوم، ومنه قول الشَّاعر:

عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُوْنَ فَجَادُوا ... قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بِأَعْظَمِ سُؤْلِ قال: (عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُوْنَ) أبقى (يُؤَمَّلُوْنَ) ثبوت النون هنا، و (أنْ) هذه مُخفَّفة من الثقيلة لأنها سبقت بِعلْمٍ وهو نَصٌّ في العِلْم، والتَّقدير هنا: أنْه يقوموا، فخُفِّفَت (أنَّ) وحذف اسْمها وبقي خبرها، لكن الظَّاهِر في مثل هذا التَّركيب ألا يُقدَّر الضمير مع المُثقَّلة، وهذا في ظنَِي أنَّه ليس بصواب، لا تُقدِّر مع المثَقَّلة (أنَّه سيكون) لا، (أنْه) بالتَّخفِيف، لأنه لا يكون الضَّميِر اسم (أنْ) إلا بعد الحذف .. بعد التَّخْفِيف، حينئذٍ نقول: (وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ) نحكم على الضمير بكونه ضمير الشأن بعد الحذف، أمَّا نقول: أنَّه، هذا الأصل، فخُفِّفَت وحذف اسْمها؟! لا، ليس الأمر كذلك، بل خُفِّفَت فتَعيَّن أن يكون اسْمها ضمير الشأن ولا يذكر معه، هذا الأصل. والتقدير هنا تقدير لِمَا هو واجب الحذف، فالأصل أنَّه ما يُلفظ، لكن من باب التَّعليم فقط: أنْه سيقوم .. أنْه سيكون، فتقدير الاسم مع (أنَّ) المثَقَّلَة هذا الظَّاهر أنَّه خطأ ليس بصواب: أنَّه سَيَقوم .. أنَّه يقوم، فخُفِّفَت (أنَّ) وحذف اسْمها، هذا فيه نظر، وبقي خبرها: وهذه غَيْرُ النَّاصِبة للمضارع، لأنَّ هذه ثنائيةٌ لفظاً .. ثلاثيةٌ وضعاً، (ثنائيةٌ لفظاً) يعني: مُخفَّفَة من الثَّقِيلة. وأمَّا في الوضع فهي ثلاثة أحرف: (أنَّ) هذا الأصل، ثُم خُفِّفَت والتَّخفِيف فرعٌ عن الأصل، والعبرة في الوضع إنما يكون بالأصل لا بالفرع، وتلك ثنائيةٌ لفظاً ووضعاً، ما هي تلك؟ النَّاصبة، (أنْ) المصدريَّة ثنائية، يعني: موضوعة على حرفين في اللفظ وفي الوضع، إذاً: لا خلاف. وإن وقعت بعد ظنٍ ونحوه مِمَّا يَدلُّ على الرجحان جاز في الفعل بعدها وجهان، ويُشترط لكونها مَصدريَّة - إذا جعلناها مَصدريَّة بعد الرجحان - ويُشترط لكونها مَصدريَّة ناصبةً للمضارع بعد ما يفيد الظن: ألا يُفصل بين (أنْ) والمضارع بِفاصلٍ غير لا، فإن فُصِل بينهما نحو: ظَنَنْت أنْ سيقوم، هنا (أنْ) تَقدَّم عليها ما يفيد الظن، لكن فُصِل بين (أنْ) والمضارع بالسِّين لم تكن مَصدريَّة، يَتَعيَّن أن تكون مُخفَّفة من الثَّقِيلة. إذاً: ليس كل (أنْ) تَقدَّم عليها ما يدل على الظَّن فهي جائزة الوجهين، بل لا بُدَّ أن يُقيَّد بألا يَفصِل بين (أنْ) ومدخولها الفعل بغير لا، كـ: السين وسوف. لأنه لا يُفصَل بين المَصدريَّة ومنصوبها، وتَعيَّن حينئذٍ أن تكون مُخفَّفَة من الثقيلة، وأمَّا الفَصْل بـ: (لاَ) فجائزٌ، ولهذا احْتَمل الوجهين قوله: ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)) [المائدة:71].

لو كان الفاصل (لاَ) هنا مؤثِّراً حينئذٍ ما جاز النَّصب، قرئ بالنَّصْب وارد قطعاً: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ) إذاً: بالنَّصْب و (أنْ) المَصدريَّة هي ناصبة وفصل بينهما بـ: (لاَ) إذاً: دَلَّ على أن (لاَ) هنا لا أثر لها، وأمَّا غير (لاَ) فالأصل فيه المنع، فإذا تَقدَّم ما يَدلُّ على الظَّنِّ، ثُم فُصِل بين (أنْ) والفعل المضارع بغير (لاَ) تَعيَّن أن تكون مُخفَّفَة من الثقيلة: ظَنَنْتُ أنْ سَيقوم، نقول: هنا (أنْ) مُخفَّفَة من الثقيلة. جاز وجهان: - أحدهما: النَّصْب وهو الأرجح في القياس، والأكثر في كلامهم، كما أجمعوا عليه في قوله: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا)) [العنكبوت:2] على جَعْل (أنْ) من نواصب المضارع. - والثاني: الرَّفْع، على جَعْل (أنْ) مُخفَّفَة من الثقيلة: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ) فتقول: ظَنَنْت أنْ يقومَ، وأن يَقومُ، والتقدير مع الرَّفْع: ظَنَنْت أنْه يقومُ، فخُفِّفَت (أنَّ) وحذف اسْمها، وبقي خبرها وهو الفعل وفاعله، ابن عقيل هنا يُقدِّر: أنَّه، بالتَّشْدِيد مع الضمير، وهذا فيه نظر، لأن ضمير الشأن إنما كان اسْماً لـ: (أنْ) بعد التَّخفِيف، لا نقول أصله: أنَّه سيقوم، ثُم حُذِفَت: أنَّه يقوم، ثُم خُفِّفَت ثُم حُذِفَ، هذا ليس كذلك. ولذلك ظاهر النَّظم -ابن مالك-: (وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنّ) (اسْتَكَنّ) يعني: حُذِف وجوباً، وهذا ما يحذف مع (أنَّ) المثَقَّلة وإنما يحذف مع (أنْ) المخفَّفَة، وإذا كان كذلك متى يكون ضمير الشأن اسْماً لـ: (أنَّ)؟ نقول: المُخَفَّفة لا المُثَقَّلة، فكيف نُقدِّره: أنَّه يقوم؟! هذا مَحلُّ نظر، ويُرجع للخضري ماذا قال في هذا المَحلْ. إذاً: يَجوز فيه الوجهان، هذه (أنْ) إذا كانت مُخفَّفةً من الثَّقيلة، و (أنْ) المراد بها المَصدريَّة. بقي ماذا من أنواع (أنْ)؟ المُفسِّرة والزائدة، ولذلك يُقيِّدُون (أنْ) المَصدريَّة احترازاً عن الزائدة والمُفسِّرة، وهذه باتفاق: أنَّها لا تنصب الفعل المضارع، (أنْ) المُفسِّرة و (أنْ) الزائدة. فالمُفسِّرة، أي: المُتعلِّق فِعلٍ قبلها، يعني: يأتي قبلها معمول، وهذا المعمول مُتعلِّق بالفعل، فتأتي (أنْ) مُوضِّحَة وكاشفة ومبيِّنَة ومُفسِّرة لِمَا وقع من إبهامٍ فيما قبلها، وهو معمول عاملٍ سابق. قال الرَّضي: " و (أنْ) لا تُفسر إلا مفعولاً مُقدّراً: كَتَبْت إليه (كَتَبْت) هذا يَحتمل أشياء كثيرة: كَتَبْت ماذا؟ كَتَبْت إليه أنْ قُم، إذاً: (أنْ قُم) هنا مُفسِّرة، وضَّحَت وفَسَّرت ماذا كتب إليه، كَتَبْت إليه أنْ قُم، إذاً: (أنْ) هذه مُفسِّرة، أي: كتبت إليه شيئاً هو قُم.

أو ظاهراً نحو: ((إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ)) [طه: 38 - 39] ما هو الذي أوحي؟ ((إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى)) [طه:38] الذي يوحى، أو إيِحاءاً، جعلنها مَصدريَّة أو اسم موصول، ما الذي أوحي؟ ((أَنِ اقْذِفِيهِ)) [طه:39] إذاً: جاءت (أنْ) هنا مُفسِّرة، واضح أنَّ الذي أوحي هذا مُبهم، ما هو الذي أوحي؟ ((أَنِ اقْذِفِيهِ)) [طه:39] إذاً: (أنْ) هذه مُفسِّرة، ولذلك بعدها: (اقْذِفِيهِ) .. (قُم) ليس فعل مضارع. ((وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ)) [الصافات:104] (يَا إِبْرَاهِيمُ) قلنا: في الأصل هذا مفعول به، إذاً: هو مُقدَّر، وضابطها: هي المسبوقة بِجملةٍ فيها معنى القول دون حروفه، ولذلك لا بُدَّ من تَحقُّق ثلاثة شروط من أجل الحكم على أنَّها مُفسِّرة: - أولاً: أن تسبقها جُملةٌ دَالةٌ على معنى القول، وليست مُشتملةً على حروفه ولا مؤولة به، يعني: ما يَدلُّ على حَدَثٍ ولم يكن ذلك الحَدَث القول أو ما يؤول إلى القول، فإن كانت القول أو ما يؤول إلى القول فالأكثر على أنَّه لَحنٌ في لسان العرب، يعني لا يُقال: قلت له أنْ قُم، هذا غلط ليس بصحيح، لماذا؟ لأنَّ (أنْ) المُفسِّرة لا تُفسِّر القول ولا ما يؤوَّل بالقول، ولذلك يُقال: بأنَّه خطأ .. أكثر النُّحاة على أنَّ هذا التركيب غلط. فلو جيء بِجملة مشتملة على صريح القول لم تحتج إلى تفسير. وأنْ تتأخر عنها جُملة، يعني: ما بعدها: ((أَنِ اقْذِفِيهِ)) [طه:39] (اقْذِفِيهِ) جُملة .. (قُم) جُملة .. (نَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ) قلنا: (يَا إِبْرَاهِيمُ) هذا جُملة، إذاً: لا بُدَّ أن يكون ما بعدها جُملة، فلو كان مُفرداً قالوا: لا يَصِّح أن يؤتى بـ: (أنْ) وإنما يؤتى بـ: (أيْ) المُفسِّرة، كما سبق أنَّ: (أيْ) تكون مُفسِّرة في المفردات، فتقول: اشْتريت عَسْجَداً، أي: ذهباً، هنا (أيْ) جاءت مُفسِّرة لمفرد ووقع بعدها مفرد، (ذَهباً) ليس بِجملة، وشرط (أنْ) المُفسِّرة أن يقع بعدها جملة، وهنا لم يقع بعدها جملة. إذاً: هل يَصِّح أن يُقال: اشتريت عَسْجداً أنْ ذَهباً؟! نقول: لا يَصِّح، لماذا؟ لأن (أنْ) لا يُفسَّر بها المفردات وإنما يُفَسَّر بها الجُمل، وأمَّا: اشتريت عَسْجداً أنْ ذَهباً، هذا غلط ليس بصحيح، إمَّا أنَّك تَحذفها: اشتريت عَسْجداً ذَهباً فصحيح، على أن يكون (ذَهباً) عطف بيان، أو بدل مَمَّا سبق، وأمَّا إذا أردت أن تأتي بِمفَسِّر حينئذٍ لا بُدَّ أن يكون (أنْ).

ولذلك الشُّراح الغالب أنهم إذا شَرحُوا بالمعنى يقول: (يعني) ولا يأتي بـ: (أيْ) إلا إذا أراد أن يُفَسِّر مفرداً واحداً، ولذلك يقال: حكا، أو أتى بالعناية للإشارة إلى المعنى .. معنى التَّركيب، في الشَّرح إذا شرح (الألفية) أو نحوها يقول: (أيْ) وأحياناً يقول: (يعني) متى يقول (يعني)؟ إذا أراد أن يَشْرَح مُركباً .. تركيب، يعني (بيت) يقول: يعني كذا وكذا وكذا إلى آخره، وإذا أراد أن يَشْرح مُفرداً قال: (أيْ)، ولكن هذا أشْبَه ما يكون باصطلاحٍ خاص عندهم في الشُّروح، يعني: ليس على إطلاقه أن يكون موافقاً للسان العرب لا، ولذلك قد يُبدِّلون، يأتي بـ: (يعني) في المفرد، ويأتي بـ: (أيْ) في المفردات، وسبق أنَّ (أيْ) في الجمل، و (أيْ) إنما يُفسَّر بها المفردات بخلاف (أنْ). إذاً: وأن تتأخر عنها جُملة، أمَّا المفرد فيُفسَّر بـ: (أيْ) نحو: اشتريت عَسْجداً أي: ذهباً. - الثالث: ألا يدخل عليها حرف جَر لفظاً أو تَقديراً، لماذا؟ لأنها لو دخل عليها حرف جر لفظاً أو تقديراً حينئذٍ صارت مَصدريَّة، وليست بِمُفسِّرة: أشَرْت إليه بأنْ قُم، يعني: بالقيام، فـ: (أنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء: أشَرْت إليه أنْ قُم، نَوَيْت الباء .. حذفتها، حينئذٍ نقول: (أنْ) هذه مَصدريَّة، يعني: مؤوَّلة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالحرف. ألا يدخل عليها حرف جَر لفظاً أو تَقديراً: كَتَبْتُ إليه بأنْ قُم، يعني: بالقيام، أو: كَتَبْتُ إليه أنْ قُم، ونَوَيْتَ الباء، كانت مَصدريَّة لا مُفسِّرة. إذاً: ضابط المُفسِّرة: هي المسبوقة بِجملةٍ فيها معنى القول دون حروفه، وأن يَتأخَّرْ عنها جُملة ولم تقترن بِجار، كما في قوله تعالى: ((فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) [المؤمنون:27] الوحي فيه معنى القول دون حروفه: ((أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ)) [المؤمنون:27] (اصْنَعِ) هذه جملة .. فُلْكَ، فعل وفاعل ومفعول به، و (أنْ) هذه مُفسِّرة، ولم تسبق بحرف جر، وجاء بعدها جملة. وأمَّا الزائدة فهي الواقعة بعد لَمَّا، لها ثلاثة مواضع تحكم عليها بأنَّها زائدة: - إذا وقعت بعد (لَمَّا): ((فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ)) [يوسف:96] (فَلَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ) إذاً: (أنْ) هذه زائدة. - والواقعة بين الكاف ومَجرورها: (كَأَنْ ظَبْيَةٍ تَعْطُو) الأصل أنَّه لا يُفْصَل بين الجار والمجرور، لكن في (أنْ) التي هي الزائدة يَجوز في مواضع، (كَأَنْ ظَبْيَةٍ تَعْطُو إِلى وَارِقِ السَّلَمْ) في رواية الجَر، (كَأَنْ ظَبْيَةٍ .. كَأَنْ ظَبْيَةٌ .. كَأَنْ ظَبْيَةً) ثلاث رِوايات (كَأَنْ ظَبْيَةٍ) بالجَر، نقول: الكاف حرف جر، و (ظَبْيَةٍ) اسم مجرور بالكاف، وجَرُّه كسرة ظاهرة على آخره، و (أَنْ) هذه زائدة، لأنَّها وقعت بين الجار والمجرور. - الثالث: تَقَع بين القَسَم و (لوْ) كقوله: فأُقْسِمُ أَنْ لَو الْتَقَيْنَا وأَنْتُمُ ... لكانَ لكمْ يَوْمٌ من الشَّرِّ مُظْلِمُ (فأُقْسِمُ أَنْ لَو الْتَقَيْنَا) وقعت (أُقْسِمُ) ثُم (لَوْ) ووقعت بينهما (أنْ)، إذاً: (أنْ) هنا زائدة لوقوعها بين القسم و (لَو).

إذاً: شرط (أنْ) تكون مَصدريَّة: ألا تكون مُفسِّرة، ولا زائدة، ولا مُخفَّفَة من الثَّقيلة. حينئذٍ نقول: (أنْ) على أربعة أقسام، وهي: مصدريَّة .. زائدة .. مُفسِّرة .. مُخفَّفَة من الثَّقِيلة. ومِمَّا طرحناه يُعْلَم الفرق بينها، وأحكامها في الجملة. قال رحمه الله: وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلاً عَلَى ... مَا أُخْتِهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلاَ (وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ) الأصل في (أَنْ) أن تكون مَصدريَّة ناصبة .. تنصب، هذا الأصل فيها، يعني: التي لم تُسْبَق بِعلْمٍ ولا ظَنَّ .. السابقة إذا تَعيَّن أنَّها مَصدريَّة، ليس المراد أنَّه إذا كانت مُحتَملة للغير لا، المراد: إذا تَعيَّن أنَّها مَصدريَّة، وذلك فيما إذا لم يسبقها عِلْمٌ أو ظَنٌّ بعض العرب أهملها فلم يَنْصِب بِها، لماذا؟ قياساً على (مَا) المصْدريَّة، و (مَا) المَصدريَّة سبق بيانها في الموصولات، وأنَّها تؤوَّل مع ما بعدها بمصدر. (مَا) المَصْدريَّة لا تعمل .. لا تَنْصِب، كلٌ منهما مَصْدرِي يُؤوَّل مع ما بعده بمصدر، حينئذٍ أهملت (مَا) المَصدريَّة، قياساً عليها أهملوا (أنْ) المصدريَّة. (وَبَعْضُهُمْ) أي: بعض العَرَبْ، (أَهْمَلَ أَنْ) أهملها يعني: عن العمل لم يَنْصِب بها، (أَهْمَلَ أَنْ) (أَهْمَلَ) فعل ماضي، و (وَبَعْضُهُمْ) هذا مبتدأ، (أَهْمَلَ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على المبتدأ (بَعْض) و (أَنْ) مفعولٌ به قُصِدَ لفظه، (حَمْلاً) هذا حال من فاعل (أَهْمَلَ) أهملها لماذا؟ (حَمْلاً) يعني: حاملاً لها (عَلَى مَا) المَصدريَّة (أُخْتِهَا) هذا بدل من (مَا). (حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلاَ) واجباً، وذلك إذا لم يَتقدَّمَها عِلمٌ أو ظَن، لأنها مثلها، (مَا) المَصدريَّة مثل (أنْ) المَصدريَّة، فما دام أنَّه أُعْمِلَت (أنْ) المَصدريَّة إذا لم يَتقدَّمها عِلمٌ ولا ظن، فـ: (مَا أُخْتِهَا) كاسْمها .. أختها، الأصل أنَّها تَنْصِب إذا يَتقدَّم عليها ظنٌ ولا عِلْم، لكن أهْملوها. حينئذٍ نقول: هذا تَعليلٌ فيه إشكال: وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلاً عَلَى ... مَا أُخْتِهَا. . . . . . . . . . . . (حَمْلاً عَلَى) أي: بالحمل على (مَا) الحمل المراد به القياس، ولذلك تسمَّى: الحمليات هناك عند المناطقة، (حَمْلاً) أي: بالحمل (عَلَى مَا) بِجامع أنَّ كلاً منهما حرفٌ مَصدريٌّ ثُنَائي، وبعضهم أعْمَلَ (مَا) المَصدريَّة حملاً على (أنْ) المَصدريَّة، العكس يعني. (مَا) الأصل فيها عدم العمل، ولذلك الفصيح الشائع في لسان العرب: أنَّها على تعمل، (أنْ) المَصدريَّة الأصل فيها أنَّها تعمل، بعضهم أهمل (أنْ) حملاً على (مَا) وهذا قليل، وبعضهم عكس: حَمَلَ (مَا) على (أنْ) المَصدريَّة فأعملها: كما تكونوا يولَّى عليكم، هكذا أوردوه مثالاً، إذ لا يَصِّح حديثاً، كما تكونوا .. تكونون، قيل: (مَا) مَصدريَّة و (تكونوا) هذه فعل مضارع منصوب ونصبه حذف النُّون، والعامل فيهما (مَا) المَصدريَّة. إذاً: لماذا أُعمِلَت؟ حملاً على (أنْ) المَصدريَّة.

(وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلاً عَلَى مَا) المَصدريَّة أُخْتِهَا، (حَيْثُ) هذا مُتعلِّق بـ: (أَهْمَلَ) أهمل (أنْ) (حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلاَ) متى تَسَتحِق العمل؟ إذا لم يسبقها علمٌ ولا ظن، ولذلك قلنا: البيت هنا يعني به: (أنْ) المَصدريَّة المتَعيِّن فيها العمل، وأمَّا التي يجوز فيها الوجهان فلا، (حَيْثُ) هذا مُتعلِّق بقوله: (أَهْمَلَ) انظر التَّعلُّق هنا يَختلف به المعنى. وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أنْ حيث استَحَقَّت عملاً واجباً، وذلك إذا لم يَتقدَّمها علمٌ أو ظن، هذا مذهب البصريين: أنَّ (أنْ) قد لا تعمل حملاً على (مَا) وأمَّا الكوفيون فهي عندهم مُخفَّفة من الثَّقيلة، يعني: إذا جاء مثل .. هو أوردوا المثال قوله: ((لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)) [البقرة:233] (يُتِمَّ) بقراءة ابن مُحيصن: (أنْ يُتِمُّ) إذاً: على مذهب البصريين (أنْ) مهملة حملاً على (مَا) وعلى مذهب الكوفيين لا يُجوز إهمال (أنْ)، وإنما تُجعل مُخفَّفَة من الثَّقيلة: أنْه يُتِمُّ، حينئذٍ وقع في شذوذ وهو الفاصل، لم يفْصِل بين (أنْ) والفعل، والأصل أنَّه لا بُدَّ من الفاصل .. يتَعيَّن. ولذلك قنا: إذا جعلنا (أنْ) مُخفَّفَة من الثقيلة وجب فيها أمران: الرَّفْع والفَاصِل لا بُدَّ منهما، إلا على القول بأنَّه .. ؟؟؟ فالأحسن الفصل، ليس بواجب وإنما هو مُستَحْسَن، وعليه لا شذوذ. وعلى هذا ورد قول الشَّاعر: أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماءَ وَيْحَكُما ... مِنِّي السَّلامَ وأَنْ لاَ تُشْعِرَا أَحَدَا لا تُخبِر أحدا .. (أَنْ تَقْرَآنِ على أَسْماءَ وَيْحَكُما) (تَقْرَآنِ) مُثنَّى و (أنْ) هذه مَصدريَّة هذا الأصل، لأنه لم يسبقها عِلمٌ ولا ظن، فتَعيَّن أنَّها مَصدريَّة، قد يقول قائل: هي مُخفَّفَة من الثَّقيلة، نقول: المُخفَّفَة الثَّقيلة ما تأتي في أول الكلام، لا بُدَّ أن يسبقها شيء، ثُم ضابطها إذا أردنا أنْ نَجْعل الأمر مُحتملاً بين اثنين رفع ونصب، حينئذٍ لا بُدَّ أن يَتقدَّمها ظنٌ، هنا لم يَتقدَّم عليها الظن، حينئذٍ نقول: (أنْ) هنا مَصدريَّة على مذهب البصريين. و (تَقْرَآنِ) هذا مرفوع ورفعه ثبوت النون، و (أنْ) هنا مُهْمَلة لم تعمل النَّصْب. والإشكال هنا أنَّه أعملها في آخر البيت: (وَأَنْ لاَ تُشْعِرا أَحَدَا) أعْمَلَ (أنْ) في الأخير وأهملها في الأول، والشاعر إذا جمع بين لغتين فإمَّا البيت مطعونٌ فيه، وإمَّا الحكم بالشذوذ، ولذلك مذهب الكوفيين أقرب هنا: أن يُقال لا بُدَّ من التأويل أو يُحكم بكونه شاذَّاً. إذاً: مذهب البصريين: أنَّه يجوز إهمال (أنْ) المَصدريَّة حَمْلاً عَلَى مَا، وظاهر كلام النَّاظِم أنَّه مقيس، يعني: ليس الحكم في المسموع فحسب: (أنْ يُتِمُّ) و (أَنْ تَقْرَآنِ) ما سُمِع نوجهه بأنَّ: (أنْ) مهملة هنا ولم تعمل النَّصب لا، قال: وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلاً عَلَى ... مَا أُخْتِهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلاَ ولم يذكره إلا من باب التَّقعِيد والتَّأصيل، ولذلك نقول: ظاهر النَّظم هنا: أنَّ إهمالها مقيس.

و (أَنْ تَقْرَآنِ عَلَى أَسْماءَ) خَرَّجه الكوفيون على أنَّها مُخفَّفَة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف، والجملة (تَقْرَآنِ) خَبَر، وشذَّ لتركه الفَصْل، على القول بوجوبه. إذاً: وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلاً عَلَى ... مَا أُخْتِهَا. . . . . . . . . . . . . هذا على مذهب البصريين، وظاهر كلام النَّاظِم أنَّه مقيس، واستدلوا له بقوله: (أَنْ تَقْرَآنِ) .. (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ) .. أنْ تَهْبِطِينَ بِلادَ قَوْمٍ ... يَرْتَعُونَ مِنَ الطّلاَحِ ومذهب الكوفيين أقرب والله أعلم. قال الشَّارِح هنا: " يعني: أنَّ من العرب من لم يُعمِل (أنْ) النَّاصِبة للفعل المضارع، وإن وقعت بعد ما لا يدلُّ على يَقينٍ أو رجحان، فيرفع الفعل بعدها حملاً على أختها (مَا) المَصدريَّة لاشتراكهما في أنَّهما يُقدَّرَان بالمصدر، فتقول: أريد أن تقوموا، كما تقول: عجبت مِمَّا تفعلوا، و (مَا) المَصدريَّة لا عمل لها ". وَنَصَبُوا بِإِذَنِ الْمُسْتَقْبَلاَ ... إِنْ صُدِّرَتْ وَالْفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلاَ أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ وَانْصِبْ وَارْفَعَا ... إِذَا إِذَنْ مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ وَقَعَا (وَنَصَبُوا) أي: أكثر العرب - هذا على الوجوب - وأكثْر العرب يلتزم إعمال (إِذَنْ) عند استيفاء الشروط المذكورة سيأتي، والقليل منهم يلتزم إهمالها عند ذلك، أي: عند استيفاء الشروط. (وَنَصَبُوا) أي: أكثر العرب، وهو على الوجوب، (بِإِذَنِ الْمُسْتَقْبَلاَ) (بِإِذَنِ) إذاً: لا بأن يُضْمَر بعدها، فـ: (إِذَنْ) هي النَّاصبة بنفسها، كما هو الشأن في (لَنْ) و (كَيْ) إذا نَصَبَت بنفسها، و (أنْ) المَصدريَّة، كذلك (إِذَنْ)، ولذلك نقول: النواصب عند البصريين أربعة: أنْ ولَنْ وإذَن وكَيْ، هذه أربعة، يعني: المراد أنَّها تنصب بنفسها. وأمَّا ما ينصب بـ: (أَنْ) مُضْمَرة فهذا ليس هو بناصبٍ في نفسه، وإنَّما هو مَظِنَّةٌ لإضمار (أنْ) جوازاً أو وجوباً بعدها، فإذا قيل: اللام .. لام التَّعليل ناصبة، ليس المراد أنَّ لام التعليل هي تنصب بنفسها على مذهب البصريين، وإنما لام التَّعليل مِمَّا يَجوز أن تدخل على الفعل المضارع في الظَّاهر .. في اللفظ، وينصب الفعل بـ: (أنْ) مضمرةً بعد اللام. حينئذٍ ليس كل حرفٍ تدخل أو تُضْمِر (أنْ) لا، المراد ثَمَّ مواضع محصورة إذا أردت إضمار (أنْ) فتضمرها بعد هذه الحروف، لأنَّها في الأصل إمَّا حرف جر، وإمَّا حرف عطف، حرف جر: كلام التَّعليل: لِتبَيِّن له .. لأن تُبيِّنَ، فاللام ليست هي العامل كما سيأتي. إذاً: (بِإِذَنِ الْمُسْتَقْبَلاَ) (إِذَنْ) أصلها ساكن، لا بـ: (أنْ) مضمرة بعدها، ثُم ذَكَر الشُّروط ليست مُطلقاً، وإنَّما إذا كان الفعل بعدها مُستقبلاً وصُدِّرَت والفعل موصلاً أو قبله اليمين، يعني: يُشتَرط أن يكون الفعل مُتَّصلاً بها ليس منفصلاً.

اختلف في (إِذَنْ) هل هي حرفٌ أم اسمٌ؟ والصَّحِيح الذي عليه الجمهور أنَّها حرفٌ، وذهب بعض الكوفيين إلى أنَّها اسمٌ -ليس منسوباً لجميعهم- والأصل على كلامهم في: إذَنْ أكرمَك إذا جِئتني أكرمَك، ثُم حذفت الجملة وعُوِّضَ عنها التنوين وأضمرت (أنْ)، إذا كانت اسم حينئذٍ لا تكون عَاملةٌ النَّصْب، وإنما يكون النَّصب بعدها بـ: (أنْ) مُضمرةً: إذَنْ أكرمَك، (إذن) التنوين هنا عُوِّض عن الجملة، إذ جئتني أكرمك، فحذفت جئتني، فقيل: إذَنْ أكرمك، فالنصب حينئذٍ لا يكون بـ: (إِذَنْ) وهذا تَكَلُّف، والصواب: أنَّها حرف، وأنَّها ناصبةٌ بنفسها، لأن هذا كله ليس عليه دليل. إذاً: الصواب أنَّها حرف، وعلى أنَّها حرف هل هي بسيطة أو مُركَّبة؟ الصَّحيح أنًَّها بسيطة .. دائماً أرجح أنا أنَّها بسيطة، إلا إذا ورد في لسان العرب في الشِّعْر مثلاً ما يدلُّ على أصلها أنَّها مُركَّبة حينئذٍ نُسَلِّم، وإلا كل خلافٍ فرجح مباشرةً أنَّها بسيطة. وعلى أنَّها حرفٌ فالصحيح أنَّها بسيطة لا مُركَّبة مِن: (إذْ وأنْ) نُقِلَت حركة الهمزة إلى الذَّال ثُم حذفت. أبو حيَّان يأتي ببعض المسائل لسيبويه يَردُّه ويقول: هذا مِمَّا يَحتاج إلى وحْيٍ يكشف عنه، يعني: هذا قول في الذِّهْن فقط، لماذا؟ لأنه إذا قيل: أصلها: (إذْ أنْ) من أين هذا؟ من قال لك أنَّ العَرَبي أصلاً نَطَق بهذه الكلمة أو الواضع -وخاصةً إذا قلنا: الواضع هو الله عز وجل- أنَّه وضعت أولاً: (إذْ أنْ) ثُم حذفت الهمزة تَخفِيفاً، ثُم إلى آخره، ما الدَّليل؟ والغريب أنَّه يقول مثل هذا الكلام، وأكثر النَّحو على أنَّه يحتاج إلى وحي، أكثر التَّعليل يحتاج إلى وحيٍ يَكشف عنه، ليست هذه المسألة، لكن بعض النَّاس إذا رد مسألة هكذا قد يأتي بقاعدة صحيحة، وقد يقع هو فيما يُضاد هذه القاعدة. إذاً: الصواب أنَّها بسيطة لا مُركَّبة من (إذْ وأنْ) فنقلت حركة الهمزة إلى الذَّال ثُم حذفت، وهذا قول الخليل، وعلى أنَّها بسيطة فالصحيح أنَّها النَّاصبة بنفسها لا (أنْ) مُضمرةً بعدها، والقائل بالتركيب يَجعل النَّصب بـ: (أنْ) المُشتملة عليها (إِذَنْ) لأن أصلها: (إذْ أنْ) (أنْ) هي النَّاصِبة، فحُذِفَت الهمزة فقيل: (إِذَنْ) (إذْ أنْ) حذفت الهمزة وألقيت حركتها إلى الذَّال فقيل: (إِذَنْ). إذن أكرمك، أين النَّاصب؟ (أنْ) الملفوظ بها، أين الملفوظ بها؟ النون فقط، والهمزة حذفت لإبقاء حركتها على ما قبل، وكذلك على مذهب بعض الكوفيين: أنَّها اسمٌ لا تكون ناصبةً بنفسها، وإنما تكون بـ: (أنْ) مضمرة وجوباً، إذاً: الصواب أنَّها ناصبةٌ بنفسها، لأن (إِذَنْ) لا تضمر إلا بعد عاطفٍ أو جار، يعني: (أنْ) المَصدريَّة لا تضمر كما سيأتي إلا بعد اثنين: إمَّا حرف عطف كـ: حتَّى، وأو، أو حرف جر، كـ: حتَّى التي تكون جارَّة، وبعد اللام مثلاً، وكل المواضع إمَّا حرف عطف وإمَّا جار، يعني: إمَّا أن يكون حرف جر كاللام، أو حرف عطف كالفاء .. فاء السَّببيَّة .. واو المعيَّة .. وأو، وحتى، في بعض المواضع. إذاً: (أنْ) لا تكون مضمرةً إلا بعد عاطف أو جار.

ومذهب الخليل أنَّ النَّصب بـ: (أنْ) مضمرةً بعدها، لعدم اختصاصها بدخولها على الجملة الاسمية، يعني: كونها غير مُختصَّة، حينئذٍ لا تكون عاملةً النَّصب، نَحو: إذَنْ عبد الله يأتيك. على كلٍ: الصواب أنَّها عَمِلَت النَّصب بنفسها لا بـ: (أنْ) مضمرةً بعدها، وأنَّها حرفٌ، وأنَّها بسيطةٌ، هذا الصحيح فيها. أمَّا معناها: فهي عِند سيبويه الجواب والجزاء يعني: تدلُّ على الجواب والجزاء، الجواب يعني: لا تقع ابتداءً: آتيك .. سأزورك إذن، لا بُدَّ أن يكون قبلها كلام، فتكون جواباً، والجزاء يعني: تعليق شيءٍ على شيء، آتيك .. سأزورك، نقول: إذن أكرمك. إذاً: كونها مسبوقة بكلامٍ: سأزورك، ووقعت في الجواب، وكون الإكرام مرتَّب على الزيارة هذا معنى الجزاء، لأن الجزاء تعليق شيءٍ على شيء آخر، إذاً: معناها الجواب والجزاء، أي: ربط الجواب بالجزاء. والجواب أي: كلام آخر ملفوظ أو مُقدَّر، سواء وَقَعَت في الصدر أو الحشو أو الآخر، يعني: مُطلقاً تكون للجواب والجزاء. والجزاء أي: المجازاة بمضمون كلامٍ آخر، يعني: ترتيب شيءٍ على شيءٍ آخر. قال الشَّلُوبِين: " في كل موضعٍ " يعني: تكون للجواب والجزاء في كل تركيب البَتَّة، لا تنفك عن هذا المعنى مُطلقاً، وقال الفارسي في الأكثر، وقد تَتَمَحَّض للجواب، يعني: قد لا يُراد بها الجزاء، مَحلُّ الخِلاف في الجزاء، أمَّا وقوعها جواباً، فهذا مَحلُّ وفاق. مذهب سيبويه أنَّ (إِذَنْ) تكون بِمعنيين: جوابٌ وجزاء، الشَّلُوبِين يقول: في كل موضع تكون للشيئين الاثنين، وقال الفارسي: لا، قد تكون للجواب .. تَتَمحَّض للجواب، ولا يكون فيه جزاء، بدليل أنَّه يُقال: أحبك، أحبك هذا كلام، فتقول: إذن أظنُّك صادقاً، جواب؟ نعم جواب، جزاء؟ ليس بِجزاء. إذاً: قد تَتَمحَّض للجواب ولا يكون فيه جزاءٌ البَتَّة، إذ لا مجازاة هنا، لأن الشَّرط والجزاء إمَّا في الاستقبال أو في الماضي، ولا مدخل للجزاء في الحال: إذن أظنُّك صادقاً، يعني: الآن وقت كلامك هذا ليس بدعوى .. يدعي ممكن يُحبك وهو يكنُّه عليك، إذن أظنُّك صادقاً، إذاً: في هذا الحال أنت صادقٌ .. في هذا الزمان، والشرط إنما يكون في المستقبل أو في الماضي، ولأن ظن الصدق لا يصلُح جزاءً للمحبة، هذا معناها. إذاً: الصواب مذهب الفارسي: أنَّها قد تَتَمحَّض للجواب ولا يكون ثَمَّ جزاء إلا أنَّ الأكثر أن تكون للجواب والجزاء، واختلف في لفظها عند الوقف، الصحيح أن نونها تبدل ألفاً، لو وقف عليها: إذا، ولا تقف عليها بالنون، تشبيهاً لها بتنوين المنصوب: رأيت زيدا .. رأيت زيداً، تقف عليها بالألف، لو وقفت على: (إِذَنْ) تقف عليها بالألف. وهذا في غير القرآن، أمَّا فيه فيوقف عليها وتكتب بالألف إجماعاً، لأن هناك شيء خاص .. المصحف العثماني، أمَّا في غيره فلا، وقيل: يوقف بالنون لأنَّها كنون (لنْ) و (أنْ)، (إِذَنْ) .. إذا.

إذاً: قولان: تقف عليها بالألف تشبيهاً لها بالتنوين في حالة النَّصب (إذا) وقيل: تقف عليها بالنون: (إِذَنْ)، وقيل: ينبغي أن يكون الخلاف في الوقف عليها مبنياً على الخلاف في حقيقتها، فعلى أنَّها حرف يوقف عليها بالنون، إذا قال: حرف وقف عليها بالنون، وعلى أنَّها اسمٌ منوَّن يوقف عليها بالألف، وينبني على هذا الخلاف خلافٌ في كتابتها، ثَمَّ خلافٌ في اللفظ، وثَمَّ خلافٌ في الكتابة، والجمهور يكتبونها بالألف، وكذا رُسِمَت في المصاحف، والمازِنِي والمُبَرِّد بالنون، وعزاه أبو حيَّان للجمهور، يعني: تكتب بالألف، وقيل: تكتب بالنون. والأحسن أن يُقال بالتَّفريق، وهو أنَّها إن أُعمِلَت كتبت بالنون، وإن أُهْمِلت كتبت بالألف وهو مذهب الفَرَّاء، وعن الفرَّاء: إن أُعْمِلَت كتبت بالألف، وإلا كتبت بالنون للفرق بينها وبين (إذا) وهذا أضبط وأحسن. إذاً: المسألة خِلافيَّة، هل تكتبها بالنون أو تكتبها بالألف، نقول: إن أُعمِلَت كتبت بالنون، وإن لم تُعمل كُتِبت بالألف، ولو رُجِّح أنَّها كتبت بالنون مُطلقاً أو بالألف مُطلقاً الأمر فيه سَعَة ليس فيه توقيف. وحكا سيبويه وعيسى ابنُ عمر: أنَّ من العَرَب من يلغيها مع استيفاء الشُّروط وهي لغةٌ نادرة، ولكنَّها القياس لأنها غير مُختصَّة، وإذا لم تكن مُختصَّة فالقياس أنًّها لا تعمل هذا الأصل فيها، وإنَّما أعملها الأكثرون حملاً على ظَنَّ، لأنها مثلها في جواز تقدُّمِها على الجملة وتأخُّرها عنها، وتوسطها بين جزئيها كما حُملت (مَا) على (ليس) لأنها مثلها في نفي الحال. إذاً: (وَنَصَبُوا بِإِذَنِ الْمُسْتَقْبَلاَ) قلنا: أكثر العرب، بناءً على أنَّ الأصل إذا أُعْمِلَ الشيء بقي على ما هو عليه، وخاصةً إذا استوفى شروطه، حكا عيسى ابن عمر، وكذلك سيبويه: أنَّ من العرب مع استيفاء الشُّروط .. لأن الخلاف فيما إذا استوفت الشُّروط، إذا انتفى بعض الشُّروط لا إشكال أنَّها لا تعمل، إذا استوفت الشُّروط حينئذٍ فيه لُغيَّة، أنَّها لا تعمل فيجب إهمالها. إذاً: أكثر العرب يلتزم إعمال (إذَنْ) عند استيفاء الشُّروط، والقليل منهم يلتزم إهمالها عند ذلك. (وَنَصَبُوا بِإِذَنِ الْمُسْتَقْبَلاَ) يعني: لا بـ: (أنْ) مُضْمَرةً بعدها، (الْمُسْتَقْبَلاَ) الألف هذه للإطلاق، فهم منه أنَّه إذا كان حالاً وجب رفعه، يعني: لا يُنصب الفعل بعدها إلا إذا كان مستقبلاً، فإن كان للحال حينئذٍ وجب رفعه. أنْ يكون الفعل مستقبلاً، فيجب الرَّفع في: إذَنْ تصدق، جواباً لمن قال: أنا أحبك، قال: إذَنْ تصدق، متى تصدق؟ الآن في هذه الدعوى .. الأصل أنَّها دعوى فصَدَّقه، قال: أنا أحبك، قال: إذَنْ تصدق يعني: الآن في كلامك هذا أنت صادق. إذَنْ تصدق، هذا للحال أو المستقبل؟ للحال، وجب رفعه لتَخلُّف الشَّرط الأول، وهو أن يكون الفعل المنصوب بها مستقبلاً، لأنه حالٌ، ومن شأن النَّاصِب أن يُخلِّص المضارع للاستقبال، النَّواصب كلها الأربعة تُخلِّص الفعل من الحال إلى الاستقبال.

إذاً: اشترطنا هذا الشَّرط: كونه مستقبلاً موافقةً للمعنى، يعني: طلباً لموافقة المعنى للعمل، لأن العمل هو النَّصْب والدخول على الفعل المضارع، إجراءً لها مُجرَى سائر النَّواصِب، وإنَّما لم تعمل النَّواصب في الفعل الحال، لأن له تَحققاً في الوجود، كالأسْماء فلا تعمل فيه عوامل الأفعال، يعني: أنَّ (أنْ) تُخلِّص الفعل المضارع من الحال إلى الاستقبال، فإذا كان كذلك حينئذٍ الحال له تَحقُّق في الوجود .. موجود هذا الأصل، و (أنْ) وأدوات النصب تعمل في شيءٍ لم يوجد بعد: عجبت أن سيقوم، يعني: في المستقبل، مثل السين وسوف. إذاً: (وَنَصَبُوا بِإِذَنِ الْمُسْتَقْبَلاَ) فُهِمَ منه أنَّه إذا كان حالاً انتفى، (إِنْ صُدِّرَتْ) هذا الشرط الثاني، الشرط الأول: أن يكون مستقبلاً، فإن كان للحال بَطَل عملها، لأنها لم تستوف الشَّرط. (إِنْ صُدِّرَتْ) يعني: وقعت صَدراً في أول الكلام، فإن وقعت ثانيةً في حَشْو الكلام أو متأخرةً لا تعمل النصبَ، ويجب حينئذٍ رفع الفعل. فُهم منه: أنَّها إذا لم تُصدَّر، وذلك إذا تَوسَطَت: زيدٌ إذَنْ أكرمُك، قال: سأزورك وهو اسمه زيد .. زيدٌ قال لك: سأزورك، فتقول: زيدٌ، أو: زيدُ إذَنْ أكرمُك، توسطت هنا، حينئذٍ نقول: الفعل يجب أن يكون مرفوعاً بعده لعدم استيفاء الشَّرط. (إِنْ صُدِّرَتْ) أن تكون مُصدَّرة، أي: في جملتها بحيث لا يسبقها شيءٌ له تَعلُّقٌ بما بعدها، وإنما لم تعمل غير مُصدَّرة لضعفها بعدم تصدرها عن العمل، لأنها تقع جواباً كما قلنا في المعنى، وإذا كانت جواباً حينئذٍ لا بُدَّ أن تكون في أول الكلام، فإذا لم تكن كذلك ضَعُفَت، لأننا إذا اشترطنا الشيء تَخلُّفه يدلُّ على ضعفه، حينئذٍ ضَعُفَت فبطل عملها. ألا تكون مُصدَّرة، فإن تأخَّرَت نَحو: أكرمُك إذَنْ .. أهمِلت، وكذا إن وقَعَت حْشواً، كقوله: (وأَمْكَنَنِي فِيْها إِذَنْ لاَ أُقِيلُها) نقول: هنا وقعت حَشْواً، حينئذٍ بَطَلَ عملها، (إِنْ صُدِّرَتْ) يعني: وقعت في أول الكلام، فإن وقعت حَشواً أثناء الكلام أو متأخرةً بطل عملها لضعفها. (وَالْفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلاَ) (وَالْفِعْلُ) مبتدأ، (بَعْدُ) هذا مُتعلِّق بِمحذوف خبر، (مُوصَلاَ) حال من الضمير المستتر في الخبر، والفعل كائنٌ بعدها موصلاً، هذا تقدير الكلام، (وَالْفِعْلُ) مبتدأ (كائنٌ) خبرها (بَعْدُ) بعدها، حذف هنا الضمير ونوى معناه: بعدها، فبنيت (بَعْدُ) على الضَمِّ، (مُوصَلاَ) بِها، يعني: مُتَّصلاً بها، لا يفصل بينها وبينه فاصل، لأنها عَمِلَت بالفَرْعيَّة، وإذا عملت بالفرعيَّة حينئذٍ يشترط في معمولها أن يكون مُتَّصلاً بها، إلا ما سُمِع في لسان العرب. (أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ) يعني: يجوز الفَصْل بينها وبين معمولها، باليمين يعني: بالقَسْم، لأنه سُمِع، وما لم يُسمع لا يقاس على ما سُمِع، لأن القَسَم هذا له معاملة خَاصَّة.

(أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ) (أَوْ) هذا حرف عطف، و (قَبْلَهُ الْيَمِينُ) إمَّا معطوفٌ على (بَعْدُ) و (الْيَمِينُ) فاعل الظَّرْف لاعتماده على المبتدأ، هذا عند المُدَقِّقِين، (قَبْلَهُ الْيَمِينُ) اليمين قبله .. اليمين يكون فاعلاً لأي شيء؟ للظرف (بَعْدُ) وسَبَق أنَّ ابن هشام يرى أنَّ المُحقِّقِين يرون أنَّ الاسم المرفوع بعد الظرف أو الجر والمجرور أن يُعرف فاعلاً بالظَّرْف نفسه، يعني: عندك زيدٌ (زيدٌ) فاعل لـ (عند) في الدار زيدٌ، (زيدٌ) فاعل لقوله: في الدار، لأن العامل .. مُتعلِّق الجار والمجرور والظرف حذف، وفيه ضمير مُستَكِن انتقل إلى الظرف والجار والمجرور. على كلٍّ: هذا مثله: أو بَعْدُ اليمين، (اليمين) فاعل، والعامل فيه الظرف لاعتماده على المبتدأ، أو مبتدأ مؤخَّر وقَبْلَهُ خبر مُقدَّم، يعني: هذا سهل، (أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ) (الْيَمِينُ) مبتدأ مؤخر و (قَبْلَهُ) مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، هذا واضح، أمَّا الأول يحتاج. (أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ) يعني: أن يَفْصِل بينهما اليمين الذي هو القَسَم، لوروده سَمَاعاً: إِذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ بِحْربٍ ... تُشِيبُ الطَّفْلَ مِنْ قَبْلِ المَشِيبِ (إِذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ) (نَرْمِيَ) فعل مضارع منصوب، والناصب له هنا (إِذَنْ) وفصل بين العامِل (إِذَنْ) والمعمول (نَرْمِيَ) بالقسم، وهو جائزٌ لأنه مسموع. إذاً: إذا فصل بينها وبينه بالقسم نَصَبْتَ: إذن والله أكرمك، لأن القَسَم لا يُعتد به فاصلاً، لكثرة الفَصْل بين شيئين مُتلازمين كالمتضايفين. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . وَالْفِعْلُ بَعْدُ مُوصَلاَ أَوْ قَبْلَهُ الْيَمِينُ. . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إذاً: لا يستثنى إلا اليمين .. إلا القسم، وما عداه فالأصل لا بُدَّ من اتصال العامل بالمعمول، لأن (إِذَنْ) عملها فرعي، وإذا كان كذلك حينئذٍ تضعف عند عدم استيفاء الشُّروط. إذاً: ألا يفصل بينها وبين منصوبها فاصلٌ إلا ما استثناه النَّاظِم، وذلك نَحو أن يُقال: أنا آتيك، فتقول: إذن أكرمَك، فلا يُفصَل إلا بالقسم فقط، وأمَّا بغير القسم فهذا نقول: فيه خلاف، وكذا بـ: (لاَ) النَّافيَّة عند بعضهم، يعني: يفصل بين (إِذَنْ) والفعل المضارع بـ (لاَ) النَّافيَّة، لأن القَسَم تأكيدٌ لربط (إِذَنْ) و (لاَ) لم يُعتَدَّ بها فاصلةً في (أنْ)، فكذا في (إِذَنْ). سَبَق أنَّ (أنْ) إذا فَصَل بينها وبين مدخولها (لاَ) قلنا: لا يُعتدُّ بكونه فاصلاً: ((وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ)) [المائدة:71] بالنَّصْب، حينئذٍ (لاَ) هنا وقعت فاصلةً بين العامل والمعمول، هل هو مؤثِّر في عدم الفصل؟ الجواب: لا، إذاً: مِثلُها (إِذَنْ)، لكن قد يُقَال: القياس فيه نظر، ووجهه: أنَّ (أنْ) هذه أمُّ الباب، وسبق أنَّ أمَّ الباب هذه يُتسامَح فيها ما لا يُتسامح مع غيرها، فإذا وقع فَصْلٌ بـ (لاَ) ومعلوم أنَّ النَّفي إنَّما يكون داخلاً في مفهوم الفعل، حينئذٍ قد يُتَسامَح في (أنْ) وأمَّا (إِذَنْ) فهذا فيه نظر.

وأجاز بَعضهم الفَصْل بالنداء والدعاء: إذن يا زيدٌ أكرمك، بالنَّصب مع كونه فاصلاً هنا بين (إِذَنْ) والفعل المضارع، لكنَّه وقع بالدعاء، لكثرته في لسان العرب، والصواب: أنَّه إن وَرَدَ سَماعاً فعلى العين والرأس، وإلا فالأصل عدم القياس، فكذلك الدعاء: إذن غفر الله لك أكرمَك .. سأزورك إذن أكرمَك .. إذن غفر الله لك، هذه جملة خبرية لفظاً، إنشائيةٌ معنىً، دعاءٌ له بالمغفرة. وابن عصفور أجاز الفصل بالظرف، لأنه يُتوسَّع في المجرورات والظروف ما لا يُتوسَّع في غيرها، وأجاز الكِسَائي وهشام الفصل بِمعمول الفعل، والاختيار حينئذٍ عند الكِسَائي النَّصب، وعند هشام الرَّفع، الصواب أنه يُقال: لا فَصْلَ إلا بِمسموعٍ إن سُمِعَ كالقسم يفصل وإلا فالأصل المنع، لأن العامل يُشْتَرط فيه أن يكون مُتَّصِلاً بِمعموله، وهنا ليس الشأن في الفعل، الفعل أصلٌ في العمل، وأمَّا الحروف فلا، فهي ضعيفة. إذاً: بهذه الشُّروط الثلاثة حينئذٍ نقول: هل يَجب النَّصب، أو يَجوز؟ الظَّاهر أنَّه يَجب، وأمَّا لغة بعضهم مع استيفاء الشُّروط هذه لغةٌ خَاصَّة، أمَّا من نَصَبَ بها فيجب إذا استوفت الشُّروط أن يُنْصَبَ بها، وأمَّا من ألغاها مع استيفاء الشُّروط أولاً: هي لغة قليلة حكاها سيبويه وعيسى ابن عمر. وثانياً: هذا في لغته، وسبق بالأمس: أنَّ الاختلاف بين اللغات اختلاف تَنوع، حينئذٍ قد يَجب النَّصب في لغة كذا، ولا يَجب في كذا، ولذلك نقول: البناء والإعراب ضِدَّان، وسبق أنَّ (حذامِ) مبنيةٌ عند الحجازيين، معربة عِند بني تميم .. عند أكثرهم، وهذا تضاد .. تناقض، لو حملناه في لغةٍ واحدة، قلنا: عند الحجازيين مبنية معربة صار تناقضاً، وأمَّا باعتبار لغتين فلا إشكال، إذاً: هي مبنيَّةٌ عند الحجازيين ولا يَجوز أن تُعرب .. إذا كان حجازي يَتكلَّم بلغته فلا يَجوز أن يُعرب (حَذَامِِ) إلا إذا قال: أنا أرجع إلى لغة تميم، وكذلك التميمي. حينئذٍ نقول: هاتان لغتان في كل لغةٍ يَجب التزام ما هو عليه، فلا يَتكلَّم بلسان الحجازيين فيُعرب (حَذَامِ) ولا يَتكلَّم بلسان التميميين فيبني (حَذَامِ) حينئذٍ نقول: هذا تعارض. هنا كذلك: إذا اسْتَوْفَت الشُّروط عند من ينصبها وجب النَّصب في لغته ولا يجوز الرَّفْع، ومن لم ينصب بها حينئذٍ لا إشكال استوفت الشُّروط أو لم تَسْتَوفِ الشُّروط، فإذا استوفت الشُّروط هي غير ناصبة، فمن باب أولى إذا لم تَسْتَوف. . . . . . . . . . وَانْصِبْ وَارْفَعَا ... إِذَا إِذَنْ مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ وَقَعَا هذا استثناء من قوله: (إِنْ صُدِّرَتْ) إن وقع قبلها الواو أو الفاء، هل تخرجها عن كونها مُصدَّرة أم لا؟ النَّاظِم هنا جَوَّز لَمَّا سبق (إِذَنْ) الواو والفاء .. جَوَّز لك الوجهين، (وَانْصِبْ وَارْفَعَا) وارفعنْ، أكَدَّ لك الرَّفْع بالنون المُخفَّفَة فدل على أنَّه أرجح، دائماً هو إذا قَدَّم فما قَدَّمه هو أرجح، ولكن هنا آخَّرَ الرَّفْع وهو أرجح، لكنَّه عَوَّضَك عن التَقديِم بالتأكيد وقال: (وَانْصِبْ وَارْفَعَاً) إذاً: الثَّاني مؤكَّد والأول مُقدَّم.

إذاً: هل المُقدَّم مُقدَّم؟ لا، نقول: هنا المؤخَّر مُقدَّم بدليل توكيده بالنون الخفيفة، (وَانْصِبْ وَارْفَعَا) إذاً: يَجوز فيه الوجهان، وإنما جاز النَّصْب والرَّفْع إذا تَقدَّمت عليه الواو، لو قال له: سأزورك، تقول له: وإذَنْ أكرمَك، أتى بالواو: فإذاًَ أكرمَك، أتى بالفاء، حينئذٍ يَجوز الوجهان، فإذاً: أكرمُك بالرَّفْع، وإذاً: أكرمَك بالنَّصب .. وإذَن .. فإذَنْ، مع الواو والفاء نقول: يجوز فيه الوجهان، لم جاز الوجهان؟ وإنما جاز النَّصْب والرَّفْع لأنك عَطَفَت جملةً مُستقلة على جُملةٍ مُستقلة، فمن حيث كون (إِذَنْ) في ابتداء جملة مستقلة هو مُتصدِّر، فيجوز انتصاب الفعل بعده، ومن حيث كون ما بعد العاطف من تمام ما قبله بسبب ربط حرف العطف بعض الكلام ببعض هو مُتوسِّط، وإلغاؤها أجْوَد، لأنها غير مُتصدِّرة في الظَّاهر، يعني يقول لك: إذا قلت: وإذَنْ أكرمُك، لك نظران: إمَّا أن تنظر إلى (إِذَنْ) وهي مسبوقة بالواو فهي غير مُتصدِّرة فترفعها، وإمَّا أن تنظر إلى حرف العطف فقط، فتقول: هنا عطف جملة على جملة، وما بعد حرف العطف فهو مُتصدِّر في تلك الجملة المُستقلِّة فيما بعد الحرف، حينئذٍ إذا عطفت جملة مستقلة على جملة مستقلة نظرت إلى العاطف فقط، وكونه ربط بين جملتين، لا نظر لك إلى (إِذَنْ) فصارت (إِذَنْ) حينئذٍ مُتصدِّرة، وإذا نظرت إلى (إِذَنْ) نفسها وكونها مسبوقة بحرف العطف فهي غير مُتصدِّرة، وأيهما أظهر وأقرب إلى الذِّهْن؟ الأقرب أنَّها ليست مُتصدِّرة، لأن الواو ملفوظٌ بها، الأصل أن تقع جواباً: إذَنْ أكرمك، فذا قلت: وإذَنْ، واضح أنَّها معطوفة على ما قبلها. فـ: إذَنْ أكرمَك، لم تقع مُصدَّرة في أول الكلام، ولذلك كان إلغاؤها بهذا الاعتبار أجوَد، لأن القول بأنَّ عطف جملة مستقلة على عطف جملة مستقلة هذا فيه نوع تَكلُّف، ولَمَّا جاء الوجهان تَكلَّفوا ما ذكروه. إذاً: إلغاؤها أجْوَد، لأنها غير مُتصدِّرة في الظَّاهر، هذا هو الظَّاهر، أنت تلفظ بالواو قبل (إِذَنْ) ونحن اشترطنا أن تكون مُتصدِّرة أول ما تنطق بـ (إِذَنْ) فقط، فإذا قَدَّمت الواو أو الفاء حينئذٍ صارت غير مُتصدِّرة، ويشير إلى رجحانه قوله: (وَارْفَعَا) بنون التوكيد الخفيفة المبدلة ألفاً. . . . . . . . . . وَانْصِبْ وَارْفَعَا ... إِذَا إِذَنْ مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ وَقَعَا (وَقَعَا) الألف هذه للإطلاق. قال الشَّارِح هنا: " فلو كان الفعل بعدها حالاً لم ينصب، نَحو أن يُقال: أحبُك، فتقول: إذَنْ أظنُّكَ صادقاً، فيجب رفع أظن، وكذلك يجب رفع الفعل بعدها إن لم تَتَصدَّر، زيدٌ إذَنْ يكرمك، فإن كان المُتقدِّم عليها حرف عَطفٍ جاز في الفعل الرَّفْع والنَّصْب، نَحو: وإذَنْ أكرِمُك بالرَّفْع، وأكرِمَك بالنَّصْب. وكذلك يجب رفع الفعل بعدها إن فُصِلَ بينها وبينه، نَحو: إذَنْ زيدٌ يكرمُك، ولذلك قرئ في الشاذ: ((وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ)) [الإسراء:76] وكذلك قرئ: ((فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً)) [النساء:53] (لا يُؤْتُوا) بالنَّصب، لكنه هذا في قراءة على الشاذ .. على الإعمال، والغالب الرَّفْع على الإهمال وبه قرأ السَّبْعة.

إذاً: النَّاصب الرَّابع (إذَنْ) وشَرَط له: - أن يكون ناصباً للفعل المستقبل. - وأن تكون مُصدَّرة. - والفعل متصل بها. - ولا يفصل سَماعاً إلا باليمين، ثُم إذا تَقدَّم عليها رافع عطف، وهنا أطلق النَّاظِم: (مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ) والصواب أنَّه لا بُدَّ من تقييده، لأنه يُوهم أنَّ غَيْر الواو والفاء كذلك، بل الصواب أنَّه لو وقع قبلها غير الفاء والواو بَطَل عملها، وأمَّا إذا تَقدَّمها واو أو فاء حينئذٍ جاز فيه الوجهان. . . . . . . . . . وَانْصِبْ وَارْفَعَا ... إِذَا إِذَنْ مِنْ بَعْدِ عَطْفٍ وَقَعَا ثُم قال: وَبَيْنَ لاَ وَلاَمِ جَرٍّ الْتُزِمْ ... إِظْهَارُ أَنْ نَاصِبَةً وَإِنْ عُدِمْ لاَ فَأَنِ اعْمِلْ مُظْهِرَاً أَوْ مُضْمِرَاً ... وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً أُضْمِرَا كَذَاكَ بَعْدَ أَوْ إِذَا يَصْلُحُ فِي ... مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ الاَّ أَنْ خَفِي وَبَيْنَ لاَ وَلاَمِ جَرٍّ الْتُزِمْ ... إِظْهَارُ أَنْ نَاصِبَةً. . . . . . (إِظْهَارُ أَنْ نَاصِبَةً بَيْنَ لاَ وَلاَمِ جَرٍّ الْتُزِمْ) (بَيْنَ) هذا منصوب على الظَّرفيَّة مُتعلِّق بقوله: (الْتُزِمْ) وهو مضاف و (لاَ) قُصِد لفظه مضاف إليه، (وَلاَمِ جَرٍّ) قُصِد لفظه مضاف إليه، (وَبَيْنَ لاَ وَلاَمِ جَرٍّ) بالنَّصب، (الْتُزِمْ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغَة، (الْتُزِمْ إِظْهَارُ أَنْ) إذاً: (الْتُزِمْ) هذا مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل (إِظْهَارُ أَنْ) (إِظْهَارُ) هو نائب فاعل وهو مضاف، و (أَنْ) قُصِد لفظه مضافٌ إليه، (نَاصِبَةً) هذا حال مؤكدة من المضاف إليه وهو (أنْ) .. (أَنْ نَاصِبَةً) وإنما نَصَّ عليه مع كون الكلام في (أنْ) النَّاصِبة، لماذا؟ لأنَّه يَحتمل، لَمَّا فُصِل بينها وبين معمولها بـ: (لاَ) يَحتمل أنَّها ليست هي النَّاصبة، أتى به مع علمه من كون الكلام في (أنْ) النَّاصِبة دفعاً لتوهُّم إهمالها لفصلها من الفعل بـ: (لاَ) أنَّها ليست هي النَّاصِبة بل غيرها، مثل: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ)) [طه:89] حينئذٍ نقول هنا: وقعت (لاَ) فاصلة، قد يُتوهَّم أنَّ (لاَ) أبطلت عمل (أنْ) والصواب أنَّها نَاصبة كما هي. إذاً: (الْتُزِمْ إِظْهَارُ أَنْ نَاصِبَةً) (أنْ) بعد (لاَ) على ثلاثة أضْرُب: - الأول: أنَّه يَجب إظهارها، وذلك مع المقرون بـ: (لاَ) كراهة اجتماع الَّلامين، يعني: إذا جاء بعد (أنْ) (لاَ) وجب إظهار (أنْ): ((لِئَلَّا يَكُونَ)) [النساء:165] أصلها: لأن لا يكون، وجب إظهار (أنْ) هنا ولا يَجوز إضمارها: (لِئَلَّا يَكُونَ) هذا النوع الأول. - الثاني: وجوب إضمارها، وذلك بعد لام الجحود، وهو الذي عناه بقوله: (وَبَعْدَ نَفْيِ). - الثالث: جواز الوجهين. إذاً: (أنْ) المَصدريَّة مع (لاَ) .. مع اللام على ثلاثة أضْرُب: - وجوب الإظهار، وذلك إذا فَصَلَ بينهما (لاَ) النَّافيَّة: وَبَيْنَ لاَ وَلاَمِ جَرٍّ الْتُزِمْ ... إِظْهَارُ أَنْ نَاصِبَةً. . . . .

نحو قوله تعالى: ((لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ)) [النساء:165] لِئَلَّا يَكُونَ (يَكُونَ) هذا فعل مضارع منصوب بـ: (أنْ)، أين (أنْ) مُضْمَرة أو ظاهرة؟ ظاهرة، أين هي؟ مُدغَمة (لِئَلَّا) الهمزة هذه همزة ماذا؟ همزة (أنْ)، إذاً: (لِئَلَّا) اللام الأولى لام الجر .. لام التَّعليل، و (أنْ) ثُم جاءت (لاَ) إذاً: وجب إظهار (أنْ) في هذا الموضع، وذلك إذا دَخَلَت على منفيٍ بـ: (لاَ) هذا يَتَعيَّن فيه الإظهار، سواءٌ كانت (لاَ) نافيةً كالمثال السابق أو زائدة، نحو: ((لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ)) [الحديد:29] ليعلم أهل الكتاب، (لاَ) هنا زائدة، لِئَلَّا يَعْلَمَ (يَعْلَمَ) هذا فعل مضارع منصوب بـ: (أنْ) مُظهرةً، لماذا مظهرةً؟ للفصل بينها وبين الفعل بـ: (لاَ) كراهة توالي لامين، حينئذٍ وجب إظهار (أنْ). إذاً: وَبَيْنَ لاَ وَلاَمِ جَرٍّ الْتُزِمْ ... إِظْهَارُ أَنْ نَاصِبَةً. . . . . . هذه الحالة الأولى (أنْ) مع لام التَّعليل .. لام الجر، وهو وجوب إظهارها. الحال الثاني، قال: (وَإِنْ عُدِمْ لاَ) (لاَ) ما إعرابها؟ نائب فاعل، (عُدِمْ لاَ) (وَإِنْ عُدِمْ لاَ) يعني: لم يُذْكر .. ليس في التركيب (لاَ) (فَأَنِ اعْمِلْ مُظْهِراً أَوْ مُضْمِراً) يجوز فيه الوجهان: أن يكون الفعل بعد لام الجَر منصوباً بـ: (أنْ) مُضمرة، يعني: محذوفة وتنوى، أو منصوباً بـ: (أنْ) ظاهرةً، ولذلك جاء: ((وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الأنعام:71] .. ((وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)) [الزمر:12] (لِأَنْ أَكُونَ) أظهرت (لِنُسْلِمَ) أضمرت. لماذا أضمرت؟ جاز الوجهان، لأنه لم يفصل بينها وبين مدخولها (لاَ) وليست هي (لاَ) المسبوقة بما كان ولم يكن. (وَإِنْ عُدِمْ لاَ فَأَنِ اعْمِلْ مُظْهِراً أَوْ مُضْمِراً) (فَأَنَ اعْمِلْ) ما إعرابها؟ (اعْمِلْ) هذا فعل أمر، والفاعل أنت، و (أنْ) مفعول به مُقدَّم، فأعملن .. فأعمل أنْ، يعني: اعملها، (مُظْهِراً) أنت .. حال من المفعول به، أعمل (أنْ) مظهَراً، يعني: الحرف مظهَراً، حالٌ من (أنْ) .. من المفعول به، مظهراً أنت، إذاً: يَجوز الوجهان .. يجوز الضبطان: (مُظْهِر) باسم فاعل و (مُظْهَر) باسم المفعول. إن جعلته: (مُظْهِراً) فهو حالٌ منك أنت .. من فاعل (اعْمِلْ) ضمير مستتر، (مُظْهَراً) من الحرف نفسه. (فَأَنِ اعْمِلْ مُظْهِراً أَوْ مُضْمِراً) أي: يَجوز إظهار (أنْ) وإضمارها بعد اللام، إذا لم يسبقها كونٌ ناقص ماض لفظاً ومعنىً، أو معنىً فقط، كما سيشير إليه بقوله: (وَبَعْدَ نَفْيٍ). إذا لم يسبقها كونٌ ناقص ماضٍ منفيٍ، ولم يقترن الفعل بـ: (لاَ) فالإضمار نَحو: ((وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الأنعام:71] والإظهار نَحو: ((وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)) [الزمر:12] فإن سبقها كون ناقص .. ماضٍ .. منفي، وجب إضمار (أنْ) بعدها وإلى هذا أشار بقوله: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً أُضْمِرَا) يعني: لام الجحود. إذاً: وَبَيْنَ لاَ وَلاَمِ جَرٍّ الْتُزِمْ ... إِظْهَارُ أَنْ نَاصِبَةً. . . . . . .

هذا فيما إذا لم تسبق بما كان ولم يكن وهي لام الجحود، ولم يقع بعد (أنْ) المَصدريَّة (لا) حينئذٍ يَجوز فيه الوجهان: الإضمار والإظهار. أي: الواقعة بعد لام الجَرِّ سواءً كانت للتَّعليل أو للعاقبة أو للتَّوكيد أو للتَّعدِيَة، يعني: مُطلقاً، كل لام جرٍ بقطع النَّظر عن معناها، حينئذٍ يَجوز فيه الوجهان. أي: الواقعة بعد لام الجَرِّ سواءً كانت للتَّعليل، نَحو: ((لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ)) [النساء:165] هذا سبق فيما سبق، (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ)) [الحديد:29] كذلك سبق، أو للعاقبة نَحو: ((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً)) [القصص:8] اللام هذه تُسمَّى ماذا؟ لام العاقبة، وهي لام الصَّيْرورة أيضاً، وضابطها: أنَّ ما قبلها ليس عِلَّةً لِمَا بعدها، وإنَّما وقع ما بعدها اتفاقاً، بِخلاف لام التَّعليل، لام التَّعليل ما قبلها عِلَّةٌ لِمَا بعدها، وما بعده مُسَبَّبٌ عَمَّا قبلها، العِلَّة واضح معناها: أن يكون ما قبلها عِلَّة لِمَا بعدها، وما بعدها مُسبَّبٌ عَمَّا قبلها، بِخلاف لام الصَّيْرورة والعاقبة، وضابطها: أنَّ ما قبلها ليس عِلَّةً لِمَا بعدها، وإنَّما وقع اتفاقاً. وكل لام تعليل في القرآن فهي لام صيرورةٍ وعاقبة عند الأشاعرة، لا يوجد لام تعليل البَتَّة في أسماء الله وصفاته مُطلقاً، في أفعاله والأحكام الشَّرعيَّة والكّونيَّة، وهذا بناءً على مذهبهم. إذاً: أو للعاقبة نَحو: ((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً)) [القصص:8] أو للتَّوكيد، وهي الآتية بعد فِعلٍِ متعدٍ، نَحو: ((وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الأنعام:71] ومِثلُها: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ)) [الأحزاب:33] (لِيُذْهِبَ) هذه وقعت بعد فعلٍ متعدي: (إِنَّمَا يُرِيدُ) هذا مُتعدِّي بنفسه (لِيُذْهِبَ) نقول: هذه اللام وقعت بعد فعل مُتعدِّي، وهذه تفيد التَّوكِيد، يعني: كأنها زائدة. أو للتَّعديَّة، نَحو: أعددت زيداً ليقاتل، إذاً: كل لام جَرٍّ وقع بعدها فعلٌ مضارع منصوب، حينئذٍ ننظر فيه: هل بعدها (لا) أو سبقت بما كان ولم يكن، حينئذٍ إذا وقع بعدها (لاَ) فوجب إظهار (أنْ)، إذا سبقها ما كان ولم يكن حينئذٍ هي لام الجحود وجب إضمار (أنْ)، إذا لم يكن ذلك ولا ذاك حينئذٍ جاز فيه الوجهان. ولذلك قال: (وَإِنْ عُدِمْ) يعني: (لاَ) التي بعد (أنْ) لاَ فَأَنِ اعْمِلْ مُظْهَِرَاً أَوْ مُضْمِرَاً ... وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً أُضْمِرَا يعني: تقع (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار إذا سُبِقَت اللام بما كان أولم يكن، وإن كان النَّاظِم هنا عَمَّم: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ) وهو ما كان أو لم يكن، و (كَانَ) هنا عَبَّر بها بالماضي، وهي أعَمُّ من الماضي، لأن لام الجحود تقع بعد ما كان ولم يكن، دخل في قوله: (نَفْيِ كَانَ) نَحو: لم يكن، أي: المضارع المنفي لـ: (لم) وفُهِم من النَّظم قصر ذلك على (كَانَ) خلافاً لمن أجازه في أخواتها، يعني: (كَانَ) طيب! وأخوات (كَانَ)؟

النَّاظِم هنا خَصَّ الحكم بـ: (كَانَ)، إذاً: أخوات (كَانَ) لا يشملها الحكم، فمن باب أولى أنَّ (ظَنَّ) وأخواتها لا يشملها الحكم كذلك، فلو وقعت اللام بعد (أصبح) وهي مَنفيَّة، لا نقول: هذه لام الجحود، أو بعد (ظَنَّ) وأخواتها وهي منفية لا نقول: هذه لام الجحود، بل الحكم خاص بـ: (كَانَ). إذاً: فهم من النَّظم قصر ذلك على (كَانَ) خلافاً لمن أجازه في أخواتها قياساً، ولمن أجازه في (ظَنَنْت) نَحو: ما أصبح زيدٌ ليضربَ عمراً، اللام هذه وقعت بعد: ما أصبح، وهي من أخوات (كَانَ) هل الحكم يَعمُّها؟ الجواب: لا، ولم يصبح زيدٌ ليضرب عمراً .. لم يكن مثلها، وما ظننت زيداً ليضرب عمراً، وما أظن زيداً ليضرب عمراً، قال أبو حَيَّان: " وهذا كُلُّه تركيبٌ لم يُسمَع فوجب منعه " وجب منعه .. لا قياس، إنما سُمِع: ما كان ولم يكن. (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ) حينئذٍ نقول: بعد نفي (كَانَ) فقط دون أخواتها، ولم يكن فقط، حينئذٍ نقيس عليها ليس قياساً وإنما هو سَمَاعاً، لأنه جاء قوله: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ)) [العنكبوت:40] (لِيَظْلِمَهُمْ) نقول: هذه اللام لام الجحود، وهي لام النَّفْي كما سيأتي، وكذلك: ((لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)) [النساء:137] نقول: (يَغْفِرَ) هذا فعلٌ مضارع منصوب بـ: (أنْ) مُضْمَرة وجوباً لوقوعها بعد اللام، ونقول: هذه اللام لام الجحود، لأنها سبقت بـ: لم يكن. كذلك: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ)) [العنكبوت:40] (يَظْلِمَهُمْ) فعل مضارع منصوب بـ: (أنْ) مُضْمَرة وجوباً لوقوعها بعد اللام، وهذه اللام لام الجحود، والذي دَلَّ على ذلك وقوعها بعد: ما كان. إذاً: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً أُضْمِرَا) (أُضْمِرَا) الفاعل ضمير مستتر، (أُضْمِرَا) ما هو الذي أضمر؟ أضمر (أنْ) بعد اللام إذا وقعت بعد نفي (كَانَ)، (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ) يعني: بعد اللام التي بعد نفي (كَانَ)، (حَتْمَاً أُضْمِرَا) أضمر حتماً (حَتْمَاً) هذا حالٌ من فاعل (أُضْمِرَا) وهي لام الجحود، وسَمَّاها النَّحاس لام النفي، وهو مراد النَّحاة، مراد النحاة لام النفي، لماذا؟ لأنهم لا يعنون الجحود الذي هو أخَصُّ من مُطلق النَّفْي. ولام الجحود من باب تَسْمِية العام بالخاص، يعني: الجحود أخص من مُطلق النَّفي، لأن النفي هذا نَفْي كاسْمه، الجحود: نفيٌ لكنَّه أخَص، لماذا؟ لأنه ينفي شيئاً يعلمه، والنفي أعم قد يَنفي شيئاً يعلمه وقد يَنفي شيئاً لا يعلمه. إذاً: لأن الجحود إنكار الحَقِّ لا مُطلق النَّفي، والنحويون أطلقوا لام الجحود وأرادوا الثَّاني، إذاً: من أطلاق الخاص مراداً به العام، وحينئذٍ تَسمية ابن النَّحَاس أو النَّحَاس لام النفي لا إشكال فيها، والتي قبلها تُسمَّى: لام كي، لأنها للسبب كما أنَّ (كَيْ) للسبب، وحكمها الكسر وفتحها لغة تَميم. إذاً: ذكر في هذين البيتين ثلاثة أنواع للام مع حكم النون بعدها، وحاصل كلامه: أنَّ لـ: (أنْ) بعد اللام ثلاثة أحوال: - وجوب إظهارها مع المقرون بـ: (لاَ) كراهة اجتماع اللامين. - ووجوب إضمارها بعد نفي (كَانَ). - وجواز الأمرين فيما عدا ذلك.

ولا يَجب الإضمار بعد (كَانَ) التَّامَّة، لأن اللام بعدها ليست لام الجحود، وإنما لم يُقيِّد كلامه بالناقص اكتفاءً بأنها المفهوم عند إطلاق (كَانَ) لشهرتها، لأنه قال: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ) (كَانَ) معلوم أنَّها تأتي زائدة، وتأتي ناقصة، وتأتي شأنية، وتأتي تامَّة، ما مراده؟ نقول: إذا أطلقت (كَانَ) فالمراد بها الناقصة، هذا الأصل فيها، وإذا أريد بها غيرها حينئذٍ لا بُدَّ من تقييدها: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً أُضْمِرَا). قال الشَّارِح هنا: " اخْتصَّت (أنْ) من بين نواصب المضارع بأن تعمل مُظْهَرةً ومُضْمَرةً -وهذا مِمَّا يدلُّ على أنها أمُّ الباب- فَتظْهَر وجوباً إذا وقعت بين لام الجَرِّ و (لاَ) النَّافيَّة، نحو: جئتك لئلا تضربَ زيداً " سواءٌ كانت (لاَ) النَّافيَّة مقصوداً بها النَّفي، أو كانت زائدة لمُجرَّد التَّوكيد. وتظهر جوازاً إذا وقعت بعد لام الجر، ولم تصحبها (لاَ) النَّافيَّة: جئتك لأقرأ .. جئتك لأن أقرأ، وجاء في القرآن بالوجهين، هذا إذا لم تسبقها (كَانَ) المنفيَّة، فإن سبقتها (كَانَ) وجب إضمار (أنْ) نَحو: ما كان زيدٌ ليفعل، ولا يَصِّح أن تقول: لأن يفعل، قال الله تعالى: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)) [الأنفال:33] .. ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ)) [العنكبوت:40] .. ((لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)) [النساء:137]. إذاً: ما يَنْفِي الماضي لا بُدَّ أن يكون هو الشرط في سبق (كَانَ) ولذلك عَبَّرَ هنا كما عَبَّرَ في النَّظم، قال: (بَعْدَ نَفْيِ كَانَ) وهنا قال: بعد كان المنْفيَّة، ولم يُعيِّن النَّافِي، ما هو النَّافِي؟ المشهور أنه (مَا) مع الماضي، و (لم) مع المضارع. ما ينفي الماضي وذلك: (ما) و (لم) دون (لَنْ) مع كون (لَنْ) نَافيَّة: لَنْ يكن، هل يَصِّح؟ لن يكون زيدٌ ليضرب عمراً، هذا كونٌ منفي، لكنَّه لم يكن بـ (لم) هل هذا مفهومٌ من كلام النَّاظِم أم لا؟ لأنه أطْلَق (بَعْدَ نَفْيِ كَانَ). وهنا قال ابن عقيل: " فإن سبقتها (كَانَ) المنفيَّة ". إذاً: ما ينفي الماضي وذلك: (ما) و (لم) دون (لَنْ) لعدم السَّماع، وأيضاً لأنَّها تَختصُّ بالمستقبل، وكذلك: (لاَ) لأن نفي غير المستقبل بها قليل، ولذلك قلنا: مدخول اللام هنا النصب يكون بـ: (أنْ) مُضْمَرة، و (أنْ) تُخلِّص الفعل المضارع إلى المستقبل، كل النَّواصِب تَجعل المضارع .. تنقله من الحال إلى المستقبل، حينئذٍ إذا كان حرفٌ على يدخل على المستقبل في الغالب حينئذٍ نقول: الأصل أنَّه لا يدخل على: (كَانَ) أو (يكن). لأنها تَختصُّ بالمستقبل، وكذلك (لاَ) لأن نفي غير المستقبل بها قليل، وأمَّا (لَمَّا) فإنها وإن كانت تنفي الماضي، لكن تدلُّ على اتصال نفيه بالحال، وهذا غير مراد في التركيب، وأمَّا (إنْ) فهي بِمعنى (مَا) وإطلاقه يشملها: إن كان زيدٌ لَيقوم، ظاهر كلام النَّاظِم أنَّه يشملها، لأنها بِمنْزِلة (مَا). ثُم قال: كَذَاكَ بَعْدَ أَوْ إِذَا يَصْلُحُ فِي ... مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ الاَّ أَنْ خَفِي

ذكر لك موضعاً مِمَّا يجب فيه إضمار (أنْ) بعد (كَانَ) المنفيَّة مُطلقاً، سواءً كانت بلفظ الماضي أو المضارع، وأطلق النَّاظِم هنا النَّافِي فنُخصِّصُه بـ (ما) و (لم) ويَحتمل أن يكون (أنْ) داخلاً أيضاً فيها. الموضع الثاني: (بَعْدَ أَوْ) و (أَوْ) حرف عطف في الأصل، ولذلك كان المرجَّح أو الصحيح عند البصريين أن النَّصْب ليس بها بعينها، وإنما هو بـ (أنْ) مضمرةً بعدها، وأمَّا قول الكوفيين: بأنَّها ناصبةٌ بنفسها فقولٌ ضعيف، لأن (أَوْ) حرف عطف، وحرف العطف مشترك بين الجملة الفِعليَّة والاسْميَّة وبين المفرد .. الاسم والفعل إلى آخره، ولا يكون ناصباً بنفسه البَتَّة، لأن العَاطِف لا ينصب. كَذَاكَ بَعْدَ أَوْ إِذَا يَصْلُحُ فِي ... مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ الاَّ. . . . . يعني: ليس مُطلقاً: (أَنْ خَفِي كَذَاكَ) (أنْ) مبتدأ، انظر آخر البيت! (أَنْ خَفِي) (أنْ) هذا مبتدأ، (خَفِي) هذه الجملة خبر، (كَذَاكَ) الإشارة إلى (أنْ) بعد نفي (كَانَ). إذاً: هذا الموضع مِمَّا يجب فيه إضمار (أنْ) بعد المذكور، وهو الحرف .. حرف العطف وهو (أوْ) لأنه شبَّه هذه الحال بالسَّابق، وهو قوله: (وَبَعْدَ نَفْيِ كَانَ حَتْمَاً) وجب إضمار (أنْ)، إذاً: (كَذَاكَ) مثله في وجوب إضمار (أنْ) (أوْ .. بَعْدَ أَوْ)، (كَذَاكَ) جار ومجرور، و (بَعْدَ) منصوب على الظَّرفيَّة متعلقان بـ: (خَفِي) .. (أَنْ خَفِي) مثل ذاك (بَعْدَ أَوْ). ثُم قيَّد (أوْ) ليس مُطلقاً، قال: . . . . . . إِذَا يَصْلُحُ فِي ... مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ الاَّ. . . . . . يعني: إذا كانت بِمعنى: (حَتَّى) وهو فيما يتطاول، أو كانت بِمعنى: (إِلاَّ) وهو فيما لا يتطاول. مفهومه: إذا لم تكن في هذين الموضعين أو ما يصلح أن يُفسَّر (أوْ) بهذين المَحلين فلا تقع (أنْ) مضمرةً بعد (أوْ) لأنَّه قيَّدها، قال: (إِذَا يَصْلُحُ) إذاً: إذا لم يصلح لا تكون ناصبةً، لا هي بنفسها على مذهب الكوفيين، ولا بـ (أنْ) مضمرةً وجوباً بعدها. (إِذَا يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا) يعني: من حيث المعنى، ليس المراد أنَّها تزال فيؤتى بـ (حَتَّى أَوِ إِلاَّ) لا، إنما المراد أن يصلح في موضعها من جهة المعنى. (إِذَا يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا حَتَّى) (حَتَّى) هذا فاعل (يَصْلُحُ) و (فِي مَوْضِعِهَا) مُتعلِّق بقوله: (يَصْلُحُ). (أَوِ الاَّ) (أَوْ) حرف عطف و (إِلاَّ) معطوفٌ عليها. قال هنا: " ويجب إضمار (أنْ) بعد (أوْ) المقدَّرَة بـ: (حَتَّى أَوِ الاَّ) " مُقدَّرة من جهة المعنى، فتُقدَّر بـ: (حَتَّى) إذا كان الفعل الذي قبلها مِمَّا ينقضي شيئاً فشيئاً .. يتطاول، يعني: حدثه لا يقع دفعةً واحدة، وإنما يتطاول يقع شيئاً فشيئاً، مثل: لألزمنك أو تقضيَني حقي، يعني: إلى أن تقضيَني حقي، إذاً: الملازمة هنا تقع شيئاً فشيئاً ليست دفعة واحدة .. شيءٌ يتطاول. وتُقدَّر بـ: (إِلاَّ) إن لم يكن كذلك، فالأول نَحو: لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى ... فَمَا انْقَادَتِ الآمَّالُ إِلاَّ لِصَابِرِ

(لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى) إلى أن أدرك المنى، وهذا ما يقع دفعة واحدة في ساعة .. ليلة .. ليلتين لا، يَحتاج إلى عمر! إذاً: (أَوْ) هنا بِمعنى: إلى، إذاً: مِمَّا ينقضي شيئاً فشيئاً .. مِمَّا يَتَطَاول، أي: لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ حتَّى أُدْرِكَ المُنَى، و (حتَّى) بَمعنى: إلى، فـ (أُدْرِكَ) منصوبٌ بـ (أنْ) مُضمرةً وجوباً بعد (أوْ) .. (أوْ) التي بِمعنى: حتَّى، وهي واجبة الإضمار. والثاني: الذي لم يكن بِمعنى: حتَّى، وإنما بِمعنى: (إلا) كقوله: وَكُنْتُ إِذَا غَمَزْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ ... كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيْمَا كسرت كعوبها إلى أن تستقيما، يُكسِّر يُكسِّر حتى تستقيم، أو: إلا أن تستقيما؟ إلا أن تستقيما. ومثله: لأقْتلنَّ الكافر أو يُسلم .. إلا أن يُسلم، ولا يَصِّح أن يكون مَمَّا ينقضي شيئاً فشيئاً .. يقتل .. يقتل .. يقتل حتى يُسلم؟! هذا ما يتأتَّى .. هذا بعيد. إذاً: قد تكون بِمعنى: حتَّى .. إلى أن، وقد تكون بِمعنى: إلا، والنَّاصِب حينئذٍ نقول: هو (أنْ) مضمرةً بعد (أوْ) والإضمار حكمه الوجوب. وذهب الكِسَائي: إلى أنَّ (أوْ) المذكورة ناصبةٌ بنفسها، وذهب الفَرَّاء: إلى أنَّ الفعل انتصب بالمخالفة، يعني: ما بعده يُخالف ما قبله، وهذا المُخالفة عاملٌ معنوي، وقلنا: هذا ضعيف فيما سبق، والصحيح: أنَّ النَّصْب بـ: (أنْ) مضمرةً بعدها لأن (أوْ) حرف عطف، فلا عمل لها هذا الأصل فيها، ولكنَّها عَطَفَت مَصدراً مُقدَّراً على مصدرٍ مُتوَهَّم، ومن ثَمَّ لزم إضمار (أنْ) بعدها، يعني: ما بعدها يكون في تأويل مصدر، لأن (أنْ) ومدخولها في تأويل مصدر. ثُم تَعطِف هذا المصدر الملفوظ به .. في قوة الملفوظ على مصدرٍ مُتوهَّم .. مُتصيَّد مِمَّا قبله: لألزَمنَّك أو تقضيَني حقي، يعني: إلزامي هذا مصدر .. إلزامي إلى قضاء حقي، أو: ملازمتي إلى قضاء حقي. لأقتلنَّ الكافر أو يُسلَّم، قتله إلى إسلامه، يعني: أقتله قتلاً إلى إسلامه. كَذَاكَ بَعْدَ أَوْ إِذَا يَصْلُحُ فِي ... مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ الاَّ أَنْ خَفِي واحترز بقوله: (إِذَا يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ الاَّ) من التي لا يصلح في موضعها أحد الحرفين، -وقلنا: هذا قَيد- فإنَّ المضارع إذا وَرَد بعدها منصوباً جاز إظهار (أنْ) كقول الشَّاعِر: وَلَولاَ رِجَالٌ مِنْ رِزَامٍ أَعِزَّةٌ ... وآلُ سُبَيْعٍ أَوْ أَسُوءَكَ عَلْقَمَا (أَسُوءَكَ) هنا لا يصلح أن يكون (أَوْ) بمعنى: حتَّى، ولا بمعنى: أو، مع كون المضارع وقع منصوباً بعدها. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

111

عناصر الدرس * إضمار (أن) بعد (حتى) بشروط * إضمار (أن) بعد فاء السببية وواو المعية المسبوقين بنفي أو طلب * حكم المضارع إذا انتفى شرط من الشروط * نصب المضارع بعد فاء السببية المسبوقة بطلب * إضمار (أن) بعد المضارع المعطوف على اسم خالص * عمل (ان) محذوفة في غير ما ذكر من المواضع. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: عرفنا أنَّ النَّواصب التي ذكرها النَّاظم أربعة وهي: (أنْ، ولن، وكي، وإذاً) وسبق الحديث عن (لن، وكي، وإذاً) وبقي التفصيل في (أنْ). (أنْ) تعمل مضمرة وظاهرة كما سبق، مضمرة يعني: منوِّية محذوفة ويبقى العمل، وإنْ كان هذا خلاف الأصل لكنَّه مطَّردٌ قياساً في باب (أنْ) لأنَّها أُمُّ الباب، وأمَّا ما عداها فلا يعمل إلا ظاهراً (لن، وكي، وإذاً) لا تعمل مضمرة، وإنَّما تعمل ملفوظاً بها. وأمَّا (أنْ) فهي أمُّ الباب تعمل ظاهرةً ومضمرةً يعني: مقدَّرة، بمعنى: أنَّها محذوفة لا تُذْكَر، ويُنوى وجودها فيبقى عملها، وإن كان هذا الأصل كما سبق تقريره: أنَّه خلاف الأصل، الأصل: أنَّ الحرف ضعيف مطلقاً سواءً كان في النَّواصب أو في غيرها، وإذا كان كذلك فالأصل فيه: أنَّه لا يعمل إلا ملفوظاً به، حينئذٍ لا يجوزه حذفه إلا شذوذاً، إلا ما استُثْني في (رُبَّ) من حروف الجر. وهنا في باب (أنْ) أنَّها تعمل مضمرة، وعملها ظاهرةً، قلنا: شرطُه: ألا تقع بعد عِلمٍ أو ظنٍ، عملها وهي مصدرية ناصبة واجبة النَّصب لا يكون ذلك إلا بعد انتفاء أن يسبقها عِلمٌ أو ظن، حينئذٍ يتعيَّن أن تكون مصدرية. وأمَّا إذا سبقها ظنٌّ، يعني: ما يدلُّ على الرُّجحان حينئذٍ وجهان: الرفع، والنَّصب، والنصب أرجح، وأمَّا إذا تَقدَّمها عِلمٌ حينئذٍ يتعيَّن أن تكون مُخفَّفةً من الثقيلة، وعليه نقول: (أَنْ) هكذا بفتح الهمزة وسكون النُّون على أربعة أحوال: - إمَّا أن تكون مصدرية ناصبة. - وإمَّا أن تكون مُخفَّفةً من الثقيلة. - وإمَّا أن تكون زائدة. - وإمَّا أن تكون مُفَسِّرة. إذا كانت مُخفَّفة من الثَّقيلة، أو مُفسِّرة، أو زائدة لا تنصب الفعل المضارع قولاً واحداً، وإنَّما تَنصبه إذا كانت مصدرية. ومَحلُّ عملها وهي مضمرة في خمسة مواضع، وكذلك وهي مضمرةً واجبة الإضمار في خمسة مواضع، وفي جائز الإضمار في خمسة مواضع. إذاً: نَخلُص من هذا أنَّ (أَنْ) تعمل ظاهرةً ومضمرة، وإضمارها قد يكون واجباً وقد يكون جائزاً، الواجب في خمسة مواضع، والجائز كذلك في خمسة مواضع، فالأقسام عشرة، وما عداها فعمل (أَنْ) محذوفةً يُعْتَبر شاذ كما نصَّ عليه النَّاظم في آخر الباب. أول موضع أشار إليه النَّاظم هنا: وقوع (أَنْ) مضمرةً بعد لام الجحود وهي اللام المسبوقة بكونٍ ناقصٍ منفي، والأحسن أن يُقال: إذا سُبِقت اللام بما كان ولم يكن، حينئذٍ يتعيَّن أن تكون هذه اللام لام الجحود، فيكون المضارع بعد هذه اللام منصوباً بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار. لماذا حكمنا على (أَنْ) في كونها واجبة الإضمار في هذا الموضع أو في غيره؟ نقول: السَّماع، لم يُسمع أن العربي الفصيح قد أفصح وأظهر (أَنْ) في هذه المواضع، وإنَّما تعيَّن إضمارها حيث لم يرد حرفٌ واحدٌ في لسان العرب أنَّ ثَمَّ من أفصح وأظهر (أَنْ) بعد لام الجحود أو غيرها من المواضع التي يجب فيها إضمار (أَنْ).

إذاً: ((وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)) [الأنفال:33] (يُعَذِّبَ) منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار لوقوعها بعد لام الجحود، ودليل ذلك أنَّه سبقها (مَا كَانَ)، كذلك: ((لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)) [النساء:137] (يَغْفِرَ) فعلٌ مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار لوقوعها بعد لام الجحود، ودليله (لَمْ يَكُنْ) إذاً: سُبِقت بـ (يَكُنْ) منفية بـ (لَمْ). على مذهب البصريين: أنَّ اللام هنا دليل وليست بناصبة .. دليل على أنَّ (أَنْ) مضمرةٌ بعدها، لا أنَّها ناصبةٌ بنفسها، وتعليل البصريين قوي هنا في هذا الموضع وفي غيره، لأنَّ اللام حرف جر، حينئذٍ نقول: كيف تَجُر وتعمل الخفض، ثُمَّ بعد ذلك ندَّعي أنَّها تعمل النَّصب؟ يعني: تدخل على الفعل فتنصبه، وتدخل على الحرف فتجرُّه؟ هذا لا نظير له، وإنَّما إذا اختصَّ الفعل بِحرفٍ فعمل حينئذٍ لا يدخل على غيره كشأن الجوازم وحروف الجر. حينئذٍ اللام هنا لا يمكن أن تكون ناصبةً بنفسها كما هو مذهب الكوفيين، فمذهب البصريين أرجح، ومذهب الكوفيين بأنَّ النَّاصب هو اللام، نقول: هذا فيه نظر! وعليه في إعرابه (لِيُعَذِّبَهُمْ) اللام: حرف تعليلٍ ونصبٍ عند الكوفيين، (يُعَذِّبَ) فعل مضارع منصوبٌ باللام ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، اختُلِف في الفعل الواقع بعد اللام من حيث الإعراب بعد لام الجحود. عرفنا أنَّ اللام هي النَّاصبة عند الكوفيين وأنَّ اللام هي دليل (أَنْ) المضمرة وجوباً بعدها على مذهب البصريين، لكن ما إعراب هذا الفعل؟ اخْتُلِفَ في الفعل الواقع بعد اللام، فذهب الكوفيون إلى أنَّه خبر (كان) واللام للتَّوكيد أي: زائدة لتوكيد النفي كالباء في: ما زيدٌ بقائم، هذا غريب أنْ تُحدث النصب بنفسها ثُمَّ تكون زائدةً، لأنَّ ثَمَّ فرقاً بين: ما زيدٌ بقائمٍ، حينئذٍ نقول: اللام هناك أفادت الاستقبال هذا الأصل، لأنَّ كُل حرفٍ ينصب حينئذٍ يُعيِّن الفعل للمستقبل، لأنَّه في الأصل قلنا: للحال، فإذا دخل عليه ناصب، وقلنا (أَنْ) مضمرة بعد اللام حينئذٍ خلَّصه للاستقبال. وإذا قيل على مذهب الكوفيين أنَّه اللام نفسها حينئذٍ يَتعيَّن أن يُخلِّص المضارع إلى الاستقبال، حينئذٍ كيف تكون زائدة للتَّوكيد؟! هذا محل نظر، إذاً: على مذهب الكوفيين الفعل الذي يكون بعد اللام خبر (كان) نفسه الفعل خبر (كان) واللام للتَّوكيد أي: زائدة لتوكيد النفي، كالباء في: ما زيدٌ بقائم. حينئذٍ: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)) [الأنفال:33] (يُعَذِّبَ) اللام هنا: حرف جر ونصبٍ على مذهب الكوفيين، (لِيُعَذِّبَ) (يُعَذِّبَ) فعلٌ مضارع منصوبٌ باللام، والفعل المضارع وفاعله في محل نصب خبر (كَانَ)، (يُعَذِّبَهُمْ) يُعذِب هو .. الله عز وجل، والضمير يعود على لفظ الجلالة، والهاء ضمير متَّصل مبني على الضَّمِّ في محل نصب، مفعول به لـ (يُعَذِّبْ) والميم للجمع، الجملة الفعلية في محل نصب خبر (كَانَ) واللام هذه قالوا: لا تأثير لها، إنَّما زِيدت للتوكيد، كيف زائد للتَّوكيد وهي التي أحدثت النصب؟! هذا مَحلُّ نظر.

وذهب البصريون إلى أنَّ الخبر محذوف واللام مُتعلِّقةٌ بذلك الخبر المحذوف، ولذلك اللام هنا دخلت على (أَنْ)، وهل الحرف يدخل على الحرف؟ الجواب: لا، وإنَّما دخلت على مصدرٍ مُنْسَبك من (أَنْ) والفعل المضارع بعدها، حينئذٍ صار مجروراً، وإذا كان مجروراً .. إذا وقع الخبر جارَّاً ومجروراً حينئذٍ يَتعلَّق بمحذوف، على القاعدة الأصل لا إشكال فيه على مذهب البصريين. حينئذٍ (لِيُعَذِّبَ) وما كان الله مريداً تعذيبهم، نُقدِّر الخبر المحذوف (مريداً) و (تعذيبهم) هذا الجار والمجرور مُتعلِّق به وهو المصدر: لتعذيبهم .. وما كان الله مريداً لتعذيبهم، فاللام وما دخلت عليه من المصدر المُنْسَبِك من (أَنْ) والفعل المضارع، نقول: هذا مُتعلِّق بمحذوف خبر (كان) وهذا واضح بَيِّن وهذا هو الظاهر .. مذهب البصريين. وقدَّروه: ما كان زَيْدٌ مُرِيداً ليفعل، وذلك لأنَّ اللام جارَّةٌ عندهم وما بعده في تأويل مصدر، على الأصل: أنَّ اللام دخلت على (أَنْ) والفعل المضارع وهو مصدر مُنْسَبِك، حينئذٍ يصير اسماً مجروراً باللام، اللام وما دخلت عليه مُتعلِّق بمحذوف على الأصل فهو حرف جر أصلي فيحتاج إلى مُتعلَّق يَتعلَّق به. وأمَّا على مذهب الكوفيين فهو حرف جر زائد للتَّوكيد ونَصَب هذا فيه نظر! الصواب مذهب البصريين: من أنَّ النَّاصب هو (أَنْ) وليست اللام، هذا الموضع الأول مِمَّا يجب فيه إضمار (أَنْ) بعد اللام .. لام الجحود، وضابطها أنَّها المسبوقة بنفي (كان) الناقصة. كذاك الموضع الثاني بعد (أَوْ) كذلك (أَوْ) حرف عطف فلا يُمكن أن تكون ناصة لِمَا بعدها بنفسها، لأنَّها تكون لعطف الجُمَل وتكون لعطف المفردات، حينئذٍ إذا كانت عاطفة يتعيَّن أن لا تكون ناصبةً، لأنَّها حرفٌ مشترك والأصل فيه: ألا يعمل، فإذا أعملناه النَّصب في الفعل المضارع خصَّصناه، والأصل فيه: أنَّها مشترك فكيف يعمل المشترك ما هو خاص؟ هذا محل نظر. فحينئذٍ يَتعيَّن القول بأنَّ (أَنْ) مضمرة بعد (أوْ) لكن ليست (أوْ) مُطلقة، وإنَّما إذا صَلُح أن يوضع في محلها من حيث المعنى ألا يُشترط أن نحذف (أَوْ) ونأتي بـ (حَتَّى) أو (إلا) قد يصلح في بعض المواضع، لكنَّه قد لا يكون مُطَّرِدَاً في كل موضع. إذاً: (أوْ) الموضع الثاني الذي يَجب فيه إضمار (أَنْ) أو ينصب الفعل المضارع بعد (أو) بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار، حينئذٍ تكون عاطفةً على أصلها لكنَّها تكون عاطفة مصدر على مصدرٍ مُتوهم يعني: العطف باقٍ على ما هو عليه، تعطف بعدها (أَنْ) والفعل المضارع، ولا شك أنَّه مصدر، إذاً: مصدر ملفوظٌ به أو في قوة الملفوظ، لا بُدَّ أن يسبقها مصدر تعطف مصدراً على مصدر، لأنَّه لا يُعْطَفْ المفرد على جملة، وإنَّما يُعْطَفْ المفرد على المفرد والجملة على الجملة. فإذا كان الفعل المضارع الذي بعد (أَوْ) إذا كان في قوة المفرد لأنَّه مصدر، إذاً يجب أن يكون ما قبل (أَوْ) مصدراً، من أين نأخذه؟ من الفعل السابق، أو إن كان جملة اسمية حينئذٍ نُقدِّر له مصدر مُتَوَهَّم. كَذَاكَ بَعْدَ أَوْ إِذَا يَصْلُحُ فِي ... مَوْضِعِهَا حَتَّى أَوِ ?لاَّ أَنْ خَفِي والأمثلة كما سبق بيانها.

الموضع الثالث مِمَّا يُنْصَبُ الفعل المضارع بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد (حَتَّى)، و (حَتَّى) في لسان العرب جاءت على أربعة أنحاء: (حَتَّى) تكون عاطفة وهذا سبق: قَدِم الحجاج حَتَّى المشاة، عَطَفَت المفرد على سابقه فـ: (حَتَّى) هنا عاطفة وليست هي بعاملة في ما بعدها، فـ: (المشاة) معطوفٌ على سابقه ما قبل (حَتَّى) والمعطوف على المرفوع مرفوع، إذاً: جاء بعدها اسم مفرد: حَتَّى المشاةُ، فهي عاطفة. وتكون جَارَّة كما في: ((حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)) [القدر:5] يعني: ما بعدها يكون مجروراً بها بنفسها، وهنا إذا قلنا جارَّة معناها: أحدثت الخفض، وإذا كانت أحدثت الخفض معلومٌ أنَّ الخفض لا يكون إلا بِمختصٍّ، إذاً: إذا أحدثت الخفض تعيَّن أن لا تُحدث الرفع ولا النصب، انتبه! إذا أحدثت الخفض حينئذٍ يتعيَّن أن يكون العامل الذي أحدث الخفض مختصَّاً بالاسم، حينئذٍ إذا أحدث الخفض يتعيَّن أن لا تُحدِث الرَّفع ولا النصب، هذا يطَّرد مع قوله بأنَّها حرف جر، وهذه مضت معنا في باب حروف الجر، كما أنَّ العاطفة مرت في عطف النسق. الثالثة: أن تكون (حَتَّى) ابتدائية، يعني: حرفٌ تُبْتَدأ بعده الجمل فلا يكون داخلاً على المفرد كما هو: قدم الحجاج حَتَّى المشاة، ولا يكون ما بعدها مجروراً، فالأول مرفوع .. عاطفة مفرد على مفرد، والثاني جَرَّت ما بعده وهو مفرد، هنا تكون ابتدائية يعني: ما بعدها جملة، إمَّا جملة اسمية أو جملة مضارعيَّة، حينئذٍ نقول: حَتَّى ابتدائية، بمعنى: أنَّها يُسْتَأنف ما بعدها فيكون مقطوعاً عمَّا قبلها، هذا المراد بأنَّها حرفٌ تُبْتدأ بعده الجمل، أي: تُسْتَأنف فتدخل على الجملة الاسمية كقول الشاعر: فَمَا زَالَتِ القَتْلى تَمُجُّ دِمَاءَها ... بَدجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ الشاهد: (حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ) (مَاءُ) مبتدأ، و (أَشْكَلُ) خبر، و (حَتَّى) دخلت عليه، إذاً نقول: (حَتَّى) ابتدائية فجاء بعدها المبتدأ، ومعلومٌ أن المبتدأ إنَّما يُرْفَع بالابتداء، وهو: جَعْلُكَ الاسم أولاً لتخبر عنه ثانياً، إذاً: جعلته أولاً، وقد سُبِق بقوله: (فَمَا زَالَتِ القَتْلى .. ) إلى آخره، نقول: هنا (حَتَّى) ابتدائية تدلُّ على أنَّ ما بعدها مُستأنف كأنَّه كلامٌ جديد، فلا ارتباط له من حيث الإعراب بما قبله، وأمَّا من حيث المعنى لا بُدَّ أن يكون بينهما ارتباط من حيث المعنى، وأمَّا من حيث الإعراب فهي جملةٌ مستأنفة. فـ (مَاءُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (دِجْلَةَ) مضافٌ إليه، و (أَشْكَلُ) هذا خبر المبتدأ، إذاً: دخلت على الجملة الاسمية، وعلى الفعلية التي فعلها مضارع. يُغْشَوْنَ حَتَّى مَا تُهِرُّ كِلاَبهُمْ .. (تُهِرُّ) فعل مضارع ودخلت عليه (مَا) وهي نافية، حينئذٍ نقول: دخلت هنا على الفعل المضارع، وكذلك تدخل على الفعل الماضي: ((حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا)) [الأعراف:95] (عَفَوا) فعل ماضي ودخلت عليه (حَتَّى) فهي ابتدائية. إذاً: (حَتَّى) الابتدائية تدخل على الجملة الاسمية، وتدخل على الجملة الفعلية التي فعلها مضارع، وتدخل على الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ.

وعلى الفعليَّة التي فعلها ماضٍ: (حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا) هذه ثلاثة أنواع لـ (حَتَّى). بقي نوع رابع هو ليس مستقلَّاً، وإنَّما يُردُّ إلى ما سبق، لكن باعتبار اللفظ يُزاد .. باعتبار الصورة في الظَّاهر يُزاد فَيُجْعَل قسماً رابعاً وإلا مردُّه إلى الثاني، وهو: أن يُنْصَب بعدها الفعل المضارع، يعني (حَتَّى) ويرد بعدها فعل مضارع منصوب: ((حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا)) [طه:91] (يَرْجِعَ) في ظاهره أنَّها ليست من العاطفة، ولا الجارَّة، ولا الابتدائية، في الظاهر .. في النُّطق، (حَتَّى يَرْجِعَ) حينئذٍ وقع بعدها فعلٌ مضارعٌ منصوب، هذا النوع الرابع هو الذي يبحثه النُّحاة في هذا الباب، وهو: وقوع الفعل المضارع منصوباً بعد (حَتَّى)، والذي يدلُّ على أنَّه يُجعل قسماً رابعاً وإن كان مردُّه إلى الثاني وهي أنَّها جارَّة: اختلاف النُّحاة في الفعل المضارع المنصوب بعدها، فذهب الكوفيون إلى أنَّه منصوبٌ بـ (حَتَّى) نفسها .. (حَتَّى) نفسها هي النَّاصبة للفعل المضارع. وذهب البصريون: إلى أنَّ الفعل المضارع ليس منصوباً بـ (حَتَّى) وإنَّما بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد (حَتَّى)، وعِلَّة البصريين في نفي أن تكون (حَتَّى) هي النَّاصبة: أنَّه ثبت خفضها، وثبت أنَّها جارَّةٌ للاسم: ((حَتَّى مَطْلَعِ)) [القدر:5]. إذاً: لا يُمكن أن يكون اللفظ نفسه مُحدِثاً للخفض، ومحدثاً للنصب في الفعل المضارع، لأنَّها إذا أحدثت النَّصب في الفعل المضارع دل على أنَّها مُختصَّةٌ بالفعل وعلامةٌ عليه، لأنَّ أدوات النَّصب كلها من علامات الفعل المضارع لا تدخل على الاسم، ولا على الفعل الماضي، ولا على الفعل الأمر، فَتُجْعَل علامةً لما أحدثت فيه النَّصب. وما أحدث الخفض كذلك يكون مختصَّاً بالاسم، فكيف يوجد عامل يعمل الخفض والنصب معاً في وقتٍ واحد وهو لفظٌ واحد؟! هذا محل إشكال ولا مخلص إلا بأن يقال: بأن (حَتَّى) ليست ناصبة، وإنَّما هي جارَّةٌ على الأصل .. جارَّة لأي شيء؟ للمصدر المُنسبِك من (أَنْ) المضمرة وجوباً بعدها، وهي النَّاصبة للفعل المضارع، وهذا توجيهٌ جيد وواضحٌ وبَيِّن، ولذلك قال هنا النَّاظم: وَبَعْدَ حَتَّى هَكَذَا إِضْمَارُ أَنْ ... حَتْمٌ كَجُدْ حَتَّى تَسُرَّ ذَا حَزَنْ (وَبَعْدَ حَتَّى هَكَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق، وما هو السَّابق؟ وهو إِضْمَارُ (أَنْ) بَعْدَ (أَوْ) وبعد نفي (كان) وهو مُتعيِّن فيما سبق فهذا مثله. (وَبَعْدَ حَتَّى) (وَبَعْدَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (إِضْمَارُ) أو (حَتْمٌ) يجوز هذا أو ذاك، (إِضْمَارُ أَنْ حَتْمٌ) (إِضْمَارُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (أَنْ) قُصِد لفظه مضافٌ إليه، (حَتْمٌ) هذا خبر المبتدأ تَعلَّق بـ (حَتْمٌ) أو بـ (إِضْمَارُ) (بَعْدَ حَتَّى هَكَذَا) .. (هَكَذَا) الهاء للتَّنبيه، و (كَذَا) جار مجرور حالٌّ من الضمير المستتر في الخبر، لأنَّ (حَتْمٌ) مصدر لكنَّه بمعنى: مُتَحَتِّمْ، ففيه ضميرٌ مستتر، أي: واجبٌ.

إذاً: (إِضْمَارُ أَنْ) مبتدأ، (حَتْمٌ) أي: واجبٌ بعد (حَتَّى)، (إِضْمَارُ أَنْ حَتْمٌ) بعد (حَتَّى)، (بَعْدَ) هذا ظرف مكان، فإمَّا أن يكون مُتعلِّقاً بـ (إِضْمَارْ) وهذا واضح: أنْ يكون مَحلَّ الإضمار بعد (حَتَّى)، وإمَّا أن يكون مُتعلِّقاً بـ (حَتْمٌ) حينئذٍ نقول: إِضْمَارُ أَنْ حَتْمٌ بَعْدَ حَتَّى، فيكون منصبَّاً على الحكم .. إذا تعلَّق الظرف هنا (بَعْدَ) بـ (حَتْمٌ) حينئذٍ تَعلَّق به على جهة انصباب الحكم عليه وهو التَّحتُّم، وإن كان مُتعلِّقاً بـ (إِضْمَارُ) حينئذٍ يكون الحكم منصبَّاً على المكان، وكلاهما جائز ولكن بـ (إِضْمَار) أولى. (وَبَعْدَ) مضاف، و (حَتَّى) قُصِد لفظه مضافٌ إليه، (هَكَذَا) هذا حالٌ من الضمير المستتر في الخبر الذي هو (حَتْمٌ) أي: واجبٌ، إذاً: (إِضْمَارُ أَنْ حَتْمٌ بَعْدَ حَتَّى) النَّاصبة للفعل المضارع على مذهب الكوفيين، وأجازوا إظهار (أَنْ) بعدها توكيداً كما أجازوا ذلك بعد لام الجحود. لَمَّا كانت لام الجحود هي النَّاصبة عند الكوفيين، وكذلك (حَتَّى) هي النَّاصبة عند الكوفيين لم يجعلوا ثَمَّ ما يمنع من إظهار (أَنْ) بعد هذه النَّواصب، حينئذٍ قد يجتمع (حَتَّى) مع (أَنْ) كما يجتمع لام الجحود مع (أَنْ)، فيُنْصَب المضارع بـ (أَنْ) ظاهرةً بعد لام الجحود، وَيُنْصَب المضارع بـ (أَنْ) ظاهرةً بعد (حَتَّى) وكذلك بعد (أَوْ) عند الكوفيين، لأنَّهم لا يرون أنَّ هذه المواضع مِمَّا يُضمر فيه (أَنْ) بل يجوز فيها الذِّكر ويجوز فيها الحذف. حينئذٍ نقول: هل سُمِع إظهار (أَنْ) بعد لام الجحود .. هل سُمِع إظهار (أَنْ) بعد (حَتَّى)؟ لم يُسْمَع، فدل على أنَّه لا يجوز أن يُظْهَر بعد هذه الحروف، حينئذٍ يتعيَّن القول بأنَّ النَّاصب مضمرٌ بعدها. (وَبَعْدَ حَتَّى هَكَذَا إِضْمَارُ أَنْ) .. (كَجُدْ حَتَّى تَسُرَّ) (جُدْ) هذا فعل أمر والفاعل ضمير مستتر وجوباً، و (حَتَّى) حرف جر بمعنى: (كَيْ)، (حَتَّى تَسُرَّ) (تَسُرَّ) فعل مضارع منصوب بـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً بعد (حَتَّى)، وعلى مذهب الكوفيين (تَسُرَّ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (حَتَّى) نفسها، والصَّواب: مذهب البصريين. (تَسُرَّ) أنت (ذَا حَزَنْ) مفعولٌ به (ذَا) بمعنى: صاحب منصوبٌ بالألف وهو مضاف، و (حَزَنْ) مضافٌ إليه. ومثله: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ)) [الحجرات:9] (تَفِيءَ) فعلٌ مضارع منصوبٌ بـ (حَتَّى) على مذهب الكوفيين. وبـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً بعد (حَتَّى) على مذهب البصريين، والغالب في (حَتَّى) حينئذٍ أن تكون للغاية، بمعنى: (إلى) نحو قوله تعالى: ((لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) [طه:91] فـ (يَرْجِعَ) غايةٌ لما قبلها، (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ) سيستمر العكوف إلى أن (يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) إذاً: الرجوع .. رجوع موسى غاية لِمَا قبله، فصارت (حَتَّى) هنا غاية. وعلامتها: أن يصلُح في موضعها (إلى): ((حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) [طه:91] إلى أن يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى، إذاً: صحَّ مجيء (إلى) في محلها.

وقد تكون للتَّعليل، يعني: بمعنى (كي) كمثال النَّاظم (جُدْ حَتَّى تَسُرَّ) (كي تَسُرَّ) فصارت تعليليَّة، لأنَّه لا يكون غايةً لما قبله. ويحتمل المعنيين الآية: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي)) [الحجرات:9] (إلى أن تَفِيءَ) .. (كي تَفِيءَ) يَحتمل المعنيين. فإذا كانت ناصبة حينئذٍ إذا نُصِب الفعل المضارع بعد (حَتَّى) والنَّاصب له (أَنْ) مضمر وجوباً تُفَسَّر (حَتَّى) بأحد المعنيين: إمَّا بمعنى (إلى) فتكون للغاية، وإمَّا بمعنى (كي) وقد يَحتمل الموضع الواحد المعنيين والآية خير شاهد: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي إلى أن تفيء إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) هذا واضح، فتستمر المقاتلة إلى فيئها، (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي تَفِيءَ): كَي تَفِيءَ، فما قبله عِلَّةٌ لِمَا بعده، حينئذٍ احتملت المعنيين. وَبَعْدَ حَتَّى هَكَذَا إِضْمَارُ أَنْ * * * حَتْمٌ .. (إِضْمَارُ أَنْ حَتْمٌ بَعْدَ حَتَّى هَكَذَا) مثلما سبق وهو (أَوْ) ولام الجحود في أنَّه واجبٌ، كقولك .. الكاف داخلة على قولٍ محذوف (جُدْ حَتَّى تَسُرَّ ذَا حَزَنْ) أي: كي تَسُرَّ ذا حزن. قال الشَّارح هنا: " ومِمَّا يجب إضمار (أَنْ) بعده (حَتَّى)، نحو: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ البَلد " يعني: إلى أن أدخل، فـ (حَتَّى) هنا بمعنى (إلى)، فـ (حَتَّى) حرف جر، و (أدخل) منصوبٌ بـ (أَنْ) المقدَّرة (بَعْدَ حَتَّى) وجوباً، هل حَتَّى تعمل (أَنْ) أو تضمر (أَنْ) بعدها مطلقاً؟ الجواب: لا، وإنَّما يُشْتَرط فيها: أن يكون الفعل بعدها مستقبلاً، فإن كان بمعنى الحال أو مُؤَوَّلةً بالحال فحينئذٍ تعيَّن في الأول واخْتُلِف في الثاني، والصواب: أنَّه متعيِّن في كلا النوعين إن كانت للحال أو مُؤَوَّلةً بالحال. للحال أن يقول القول في حين إصدار الفعل منه، والمؤَوَّل به أن يقول القول حكايةً لفعلٍ قد وقع وانتهى، حينئذٍ في كلا الحالين نقول: (حَتَّى) لا تكون ناصبةً بل يجب أن يكون الفعل بعدها مرفوعاً، ولذلك قال هنا: " هذا إذا كان الفعل بعدها مُستقبلاً" إذا كان بعدها الفعل مُستقبلاً ونصبت، حينئذٍ (حَتَّى) حرف جر .. جارَّة وما بعدها يكون مصدراً، لأنَّ (أَنْ) وما بعدها الفعل المضارع المستقبل في المصدر المنسبك من (أَنْ) وما دخلت عليه مجرورٌ بـ (حَتَّى) و (حَتَّى) حرف جر.

"فإن كان حالاً أو مُؤَوَّلاً بالحال وجب رفعه و (حَتَّى) حينئذٍ ابتدائية، إذا رُفِع ما بعد (حَتَّى) (حَتَّى) ابتدائية، وإذا نُصِب ما بعد (حَتَّى) فـ (حَتَّى) حرف جر جرَّت المصدر: ((حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) [طه:91] التقدير: (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى رُجُوعِ مُوسى) فـ (رجوعِ) مجرور بـ (حَتَّى) وهو مصدر، كيف جرَّته؟ نقول: (حَتَّى) على أصلها: أنَّها حرف جر، فإذا جاء بعدها مصدر وهو مفرد جرَّته: (حَتَّى رجوعِ موسى)، وإذا رُفِع ما بعدها حينئذٍ صارت (حَتَّى) ابتدائية، لأنَّ الذي وقع بعدها جملة، وسبق أن الذي يقع بعدها جملة إنما تكون ابتدائية .. جملة اسْميَّة أو جملة فعلية مُضارعيَّة أو ماضوية، حينئذٍ يتعيَّن أن تكون (حَتَّى) ابتدائية، فإذا رُفِع ما بعد (حَتَّى) فهي ابتدائية، وإذا نُصِب فهي حرف جر. قال هنا النَّاظم: وَتِلْوَ حَتَّى حَالاً اوْ مُؤَوَّلاَ ... بِهِ ?رْفَعَنَّ وَانْصِبِ ?لْمُسْتَقْبَلاَ (وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) يعني: شرط أن تكون (أَنْ) مضمرةً بعد (حَتَّى) أن يكون الفعل للمستقبل، لماذا .. لماذا اشترطنا الاستقبال هنا؟ لأنَّ النواصب كلها تُخلِّص الفعل للاستقبال، حينئذٍ يتعيَّن أن يكون الفعل بعدها مستقبلاً هذا هو الأصل فيها، ولذلك قال: (وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) أي: لا يُنْصَبُ الفعل بعد (حَتَّى) إلا إذا كان مستقبلاً، فإن لم يكن مستقبلاً بأن كان حالاً، أو حكاية حالٍ وجب الرفع في الموضعين، لأنَّ القسمة ثنائية .. فعل مضارع إمَّا أن يدلَّ على الحال أو على الاستقبال، شرط النَّصب بعد (حَتَّى) أن يكون دالاً على الاستقبال. وهذا قلنا: شرطٌ عامٌ في جميع النَّواصب، حينئذٍ (أن، ولن، وكي، وإِذَن) لا بُدَّ أن يكون ما بعدها الفعل مستقبلاً، فإن كان للحال حينئذٍ حصل تعارض، أدوات النصب تُخلِّص الفعل إلى المستقبل، فكيف تنصبه وتُؤَثِّر فيه وتُخلِّصه للمستقبل وهو للحال؟! هذا تناقض، حينئذٍ نقول: لا بُدَّ من اشتراط أن يكون الفعل بعدها مستقبلاً. (وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) (وَانْصِبِ) فعل أمر تَحرَّك آخره للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، (وَانْصِبِ) أي: وجوباً إن كان الاستقبال حقيقياً بأن كان بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم، لو قال: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ البَلد، لو قال ذلك وقت الدخول وهو يدخل: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُ البَلدَ، حينئذٍ تعيَّن الرفع، لأنَّ ما بعده ليس مستقبلاً لِمَا قبله فحينئذٍ يتعيَّن، لأنَّه إنما قال ذلك الفعل وقت قوله حال دخوله، وإذا حكاه لشيءٍ مضى: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُ البَلدَ، كذلك تعيَّن الرَّفع، وأمَّا إذا قاله قبل الدخول .. قبل أن يقع: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ، يعني: إلى أن أدخل .. سَيْرِي إلى أن أدخل البلد، حينئذٍ تعيَّن النَّصب. (وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) أي: وجوباً إن كان الاستقبال حقيقياً بأن كان بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم، يعني: باعتبار قولك للجملة، إن كان الفعل الواقع بعد (حَتَّى) مستقبلاً بالنسبة لتكلُّمِك أنْتَ والحدث حينئذٍ وجب النصب.

وجوازاً إن لم يكن حقيقياً، بأن كان بالنسبة إلى ما قبل (حَتَّى)، والمراد: المستقبل الذي لم يُؤَوَّل بالحال لوجوب رفع المستقبل المؤَوَّل به، وإنَّما شُرِط في نصب المضارع استقباله، لأنَّ نصبه بـ (أَنْ) المضمرة وهي تُخلِّصه للاستقبال، يعني: النصب بعد (حَتَّى) بـ (أَنْ) مضمرة، وأنَّ المضمرة سبق أنَّها تُخلِّص الفعل المضارع للاستقبال، فتعيَّن أن يكون كذلك شأنُه بعد (حَتَّى). وَتِلْوَ حَتَّى حَالاً اوْ مُؤَوَّلاَ ... بِهِ ?رْفَعَنَّ. . . . . . . . . . . إذاً: لا يُنْصَب الفعل بعد (حَتَّى) إلا إذا كان مستقبلاً، يعني: مستقبلاً بالنسبة إلى ما قبل (حَتَّى)، (أَوْ) هذا على التَّأويل، (أَوْ) أن يكون مستقبلاً بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم هذا حقيقةً .. إذا كان مستقبلاً بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم هذا صار حقيقةً، وإذا كان باعتبار ما قبله حينئذٍ نقول: هذا مُؤَوَّلٌ به. ثُمَّ إن كان الاستقبال حقيقياً بأن كان بالنسبة إلى زمن التَّكلُّم فالنَّصب واجب: لأسِيرَنَّ حَتَّى أدخل المدينة، لو قال هذا القول وهو يسير، لو قال: لأسِيرَنَّ حَتَّى أدخل المدينة، نقول: هو بعد لم يدخل المدينة، وقال هذا القول وهو يسير، إذاً نقول: ما بعد (حَتَّى) مستقبلٌ لما قبله باعتبار زمن التَّكلُّم هذا حقيقي وهو أعلى الدرجات، بل إذا أُطْلِق فالمراد به هذا النُّوع: لأسيرنَّ حتى أدخلَ المدينة .. إلى أن أدخلَ المدينة، إن قاله زمن التَّكلُّم وهو في وقت سيره إلى المدينة ولَمَّا يدخلها. وإن كان غير حقيقي بأن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصة فالنصب جائزٌ لا واجب، هذا مشهور عند بعضهم النصب جائز لا واجب بل الصواب: أنَّه واجب في الحالين، وهذا هو المؤَوَّل، ولذلك نصَّ هنا قال: وَتِلْوَ حَتَّى حَالاً اوْ مُؤَوَّلاَ ... بِهِ ?رْفَعَنَّ. . . . . . . . . . . كقوله: ((وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)) [البقرة:214] (حَتَّى يَقُولَ .. حَتَّى يَقُولُ) حينئذٍ نقول: وإن كان غير حقيقي، بأن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصَّةً فالنصب جائزٌ لا واجب، هذا على أصله، استدراكٌ .. إذا كان الاعتبار باعتبار ما قبلها في التَّركيب فالنصب جائزٌ لا واجبٌ، وأمَّا باعتبار الحكاية .. باعتبار الرفع فهو الواجب. ((وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)) [البقرة:214] (حَتَّى يَقُولُ) هنا لك نظران، أين الاستقبال؟ إذا نصبنا: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) إذا نصبنا نقول: القول ((حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:214] هذا غاية لما قبله، إذاً: باعتبار الزِّلزال والقول فالزِّلزال سابقٌ على القول، والقول غاية لِمَا قبله، حينئذٍ بهذا الاعتبار صار مستقبلاً فلذلك نُصِب، أمَّا باعتبار الحكاية والقَّصِّ علينا نحن فالقصَّة كلها .. القول والزِّلزال قد وقع وحصل، حينئذٍ قيل: يَجوز الرَّفع، وهنا الصواب: أنَّه يجب الرفع، إذا نظرنا إلى كونه مَحكيَّاً وأنَّه مُقَص على بعد من وقع لهم ذلك، حينئذٍ نقول: ما قبل (حَتَّى) وما بعده كله ماضي، الزِّلزال والقول ماضيان حينئذٍ يتعيِّن الرَّفع، فالرَّفع واجبٌ.

وإن اشتهر عند كثير من المتأخرين بأنَّ الرَّفع جائزٌ والصواب: أنَّه واجب، حينئذٍ في مثل هذه الآية جاز فيها الوجهان باعتبارين لا باعتبارٍ واحد: ((وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)) [البقرة:214] النَّصب باعتبار الاستقبال لما قبل (حَتَّى) لا باعتبار ما قُصَّ علينا نحن، فَنُصِب ما بعد (حَتَّى) هذا جائز لا إشكال فيه، ولذلك قُرئ به، وأمَّا الرَّفع فهذا باعتبار القصِّ علينا نَحن لا باعتبار ما قبلها، فكلا الفعلين: الزلزال والقول يُعْتَبر بالنسبة إلينا ماضياً، فلذلك ليس مستقبلاً تَخلَّف الشرط فتعيَّن الرَّفع. إذاً: معنيان كُلٌّ منهما يقتضي وجوب العمل، وإن كان غير حقيقي بأن كان بالنسبة إلى ما قبلها خاصَّةً لا بالنسبة إلينا نحن، بالنسبة إلى ما قبل (حَتَّى) على جهة الخصوص التركيب نفسه حينئذٍ النصب جائزٌ لا واجب. (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ .. حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) فإن قولهم: إنَّما هو مستقبلٌ بالنظر إلى الزلزال لا بالنظر إلى قَصِّ ذلك علينا، فلنا نظران: فالرَّفع وبه قرأ نافع على تأويله بالحال، والنَّصب وبه قرأ غيره على تأويله بالمستقبل، تأويله بالحال يعني: بالنسبة إلينا نحن من قُصَّ علينا، وعلى تأويله بالمستقبل بالنسبة إلى الزلزال، ولا شَكَّ أنَّ القول وقع بعد الزلزال .. (وزلزلوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) يعني: زلزلوا معنىً ولا يرتفع الفعل بعد (حَتَّى) إلا بثلاثة شروط، يعني حَتَّى نضبط المسألة إنَّما يرتفع بعد (حَتَّى) بثلاثة شروط، لأنَّه يفترق المعنى، قلنا: إذا نُصِب الفعل بعد (حَتَّى) فهي حرف جر، وإذا ارتفع فهي ابتدائية، إذاً: لا بُدَّ من تمييز هذا عن ذاك. ولا يرتفع الفعل بعد (حَتَّى) إلا بثلاثة شروط: الأول: أن يكون الفعل حالاً، يعني: ليس مستقبلاً، إمَّا حقيقةً نحو: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُها، إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول هذا حقيقي حال: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُها، بالرَّفع .. أدخل المدينة يعني، لو قال هذه الجملة وقت دخول المدينة، نقول: الفعل هنا للحال أو المستقبل؟ الحال، لو قالها قبل الدخول؟ المستقبل، لو قالها حكايةً لشخص؟ هذا مُؤَوَّل بالحال. إذاً: الجملة واحدة تختلف باعتبارات مُتعدِّدة. أن يكون حالاً إمَّا حقيقةً كأن يقول: سرت حَتَّى أدخلُها، إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، والرَّفع حينئذٍ واجب، و (حَتَّى) تكون ابتدائية .. إذا تَعيَّن الرَّفع وكان الفعل بعدها مرفوعاً حينئذٍ (حَتَّى) ابتدائية، وما بعدها يكون مستأنفاً. أو تأويلاً نحو: (حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ) في قراءة نافع، والرَّفع حينئذٍ قيل: جائز، والظاهر أنَّه واجب، إذا كان مُؤَوَّلاً باعتبار من قُصَّ عليه لا باعتبار قبل (حَتَّى) ذهب بعضهم ونَصَّ على ذلك الأشْمُوني: أنَّ الرفع جائز، والصواب أنَّه واجب، لماذا؟ لأنَّنا لو قلنا في هذه الحال وهو مُؤَوَّل بالحال بأنَّ الرفع جائز معناه: أنَّ النصب لا يمتنع، فكيف لا يمتنع النصب وهو مُؤَوَّلٌ بالحال، ونحن اشترطنا: (وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) صار تعارض.

إذاً: (حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ) نقول: هنا تعيَّن إذا أُوِّل بالحال باعتبار من قُصَّ عليه تعيَّن الرفع ولا نقول: يجوز، لأنَّنا لو قلنا: يجوز الرَّفع معناه: لا يمتنع النصب، والحال نفس الحال، باعتبار من قُصَّ عليه هل يصح أن يقال: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)؟! نقول: هذا مُؤَوَّلٌ بالحال، فكيف نقول: يجوز فيه الرفع ولا يمتنع النصب فننصب، ولا يكون الفعل بعد (حَتَّى) مستقبلاً؟ نقول هذا ليس بصحيح، بل الصواب: أنَّه إذا أُوِّلَ بالحال وجب الرفع، كما أنَّه إذا كان للحال حقيقةً وجب الرفع، فيَتعيَّن النصب فيما إذا كان مستقبلاً، وأمَّا أن نقول: يجوز الوجهان فيما إذا أُوِّل بالحال فالصواب: لا. وأمَّا الآية فالنصب واجب والرفع واجب، الرفع واجب: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) نقول: (حَتَّى يَقُولَ .. حَتَّى يَقُولُ) كُلٌّ منهما واجب، لأنَّ النصب فاعتبار ما قبله، القول مستقبل بالنسبة للزِّلزال فتعيَّن النصب، وأمَّا الرفع فهذا على تأويل بِمن قُصَّ عليه، إذاً: لا يجتمعان على محلٍ واحدٍ. إذاً الأول: أن يكون حالاً حقيقةً أو مُؤَوَّلاً بالحال، حقيقةً متَّفقٌ على وجوبه، وَمُؤَوَّلاً بالحال اشتهر أنَّه جائز الرفع لا واجب، والصواب: أنَّه كالأول. الشرط الثاني في ارتفاع الفعل بعد (حَتَّى): أن يكون مُسبَّباً عمَّا قبلها، فيمتنع الرَّفع في نحو: لأَسِيرنَّ حَتَّى تطلُعَ الشمس، الرَّفع هنا يمتنع: لأَسِيرنَّ حَتَّى تطلُعَ الشمس، يعني: إلى أن تطلُعَ الشمس، هل ما قبل طلوع الشمس سببٌ فيما بعد (حَتَّى)؟ لأَسِيرنَّ حَتَّى تطلع الشمس .. لأَسِيرنَّ إلى أن تطلع الشمس، هل السير عِلَّة في طلوع الشمس؟ ليس عِلَّةً، إذاً: ليس ما بعدها مُسَبَّبَاً عمَّا قبلها، هل يصح الرفع في مثل هذا؟ لا يصح، لأنَّه يُشْتَرط في الرفع: أن يكون الفعل المرفوع مُسَبَّباً عما قبل (حَتَّى) وهنا يمتنع، المشي والسير لا يكون سبباً في طلوع الشمس، طلوع الشمس مُنفك عن أفعال العباد، حينئذٍ مشى .. سار أو لم يسر فالشمس طالعةٌ طالعة وغائبةٌ غائبة، فلا أثر للفعل أبداً. لأسيرنَّ حَتَّى تطلع الشمس، وما سرت حَتَّى أدخلها، وأَسِرْتَ حَتَّى تدخلَها؟ (أَسِرْتَ) استفهام تقريري ليس حقيقي، أمَّا الأول فيمتنع لأنَّ طلوع الشمس لا يَتسبَّب عن السير، وأمَّا الثاني: وما سرت حَتَّى أدخلها، فلأن الدخول لا يَتسبَّبُ عن عدم السير، ما سرتُ حتى أدخلَها، هل عدم السير سببٌ للدُّخول؟ ليس سبباً، إذاً: يِمتنع الرفع. وأمَّا الثالث: أَسِرْتَ حَتَّى تدخلَها، يمتنع الرفع فلأن السَّبب لم يتحقَّق. إذاً: في هذه المُثُل الثلاث يمتنع فيها الرفع لانتفاء الشرط وهو: أن يكون ما قبل (حَتَّى) سبباً لِمَا بعدها، وما بعدها مسبَّبٌ لِمَا قبلها. الثالث: أن يكون ما قبلها تامَّاً، يعني: لا مرتبطاً بما بعدها، يعني: جملة تامة .. أن يتمَّ ما قبلها، أن يكون الفعل بعدها فَضْلَة، وهذا لا يكون إلا إذا تَمَّ ما قبلها.

إذاً الشرط الثالث: أن يكون الفعل فَضْلةً، وذلك إنَّما يكون إذا كان ما قبلها تامَّاً فيجب النصب في نحو: سيَري حَتَّى أدخلَها، قبلها (سَيري) هذا مصدر مضاف، هل تَمَّت الجملة؟ لم تتمَّ الجملة، إذاً: لا بُدَّ أن يكون (حَتَّى) وما بعدها مُتعلِّقاً به لِيُتَمِّم الجملة. وكذا في قولك: كان سيري أمسِ حَتَّى أدخلها، إذا جعلت (كان) ناقصة، و (سَيري) اسمها، و (أمس) ليس متعلِّقاً بـ (خبر)، حينئذٍ (حَتَّى أدخلها) تَعيَّن النصب، وإذا جعلت (أمس) هذا هو الخبر، و (سَيري) اسمها، حينئذٍ صار جملةً تامة فجاز الرَّفع. إن قدَّرت (كان) ناقصةً ولم تُقدِّر الظرف خبراً بِخلاف: أيُّهم سار حَتَّى يدخلُها، فإنَّ السَّيْر ثابت والشَّكُّ في الفاعل، أيُّهم سار حتى يدخلُها؟ هنا الرفع جائز، لأنَّ السَّيْر ثابت، وإنَّما الشَّكُّ في فاعل السَّيْر. و (حَتَّى) التي يُنْصَب الفعل بعدها لها معنيان: - تارةً تكون بمعنى (كي)، وذلك إذا كان ما قبلها عِلَّةً لِمَا بعدها: أسلم حَتَّى تدخلَ الجنة. - وتارةً تكون بمعنى (إلى) وذلك إذا كان ما بعدها غاية لما قبلها، كقوله: ((لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)) [طه:91] ولأسيرنّ حتى تطلعَ الشمس، وقد تَصلُح للمعنيين معاً، كقوله: ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي)) [الحجرات:9]. إذاً نقول: يَتعيَّن رفع ما بعد (حَتَّى) بالشروط الثلاثة السابقة: - أن يكون حالاً حقيقةً أو مُؤَوَّلاً به والثاني على الصحيح. - الثاني: أن يكون ما بعدها مُسبَّباً عمَّا قبلها. - الثالث: أن يكون ما قبلها تامَّاً بِحيث لا يُفْتَقر إلى ما بعد (حَتَّى). وَتِلْوَ حَتَّى حَالاً اوْ مُؤَوَّلاَ ... بِهِ ?رْفَعَنَّ. . . . . . . . . . . ارْفَعْنَّ تِلْوَ حَتَّى، ما هو: تِلْوَ حَتَّى؟ يعني: الذي يتلوها، (تِلْوَ حَتَّى) يعني: تابع حَتَّى، المراد به: الفعل المضارع. (تِلْوَ حَتَّى) يعني: الذي يتبع ويكون تالياً لـ (حَتَّى) ارفعه، متى؟ (حَالاً) هذا حالٌ من (تِلْو)، تِلْوَ حَتَّى ارْفَعَنَّ، هنا تَقدَّم معمول الفعل المؤكَّد وهذا المشهور عند المتأخرين أو مُمتنع لا يَتقدَّم معمول الفعل المؤكد عليه البتَّة، وهنا يقال فيه: بأنَّه ضرورة. (تِلْوَ) هذا مفعولٌ به لقوله: (ارْفَعْنَّ)، (وَتِلْوَ) مضاف، و (حَتَّى) قُصِد لفظه مضافٌ إليه، و (حَالاً) حالٌ من (تِلْوَ حَتَّى) يعني المراد به: الزمن الحال لا الاستقبال، (أَوْ مُؤوَّلاً بِهِ) يعني: بالحال، معطوفٌ على قوله: (حَالاً)، ولك أن تقول: (حَالاً أَوْ مُؤَوَّلاَ) حَالان من (تِلْوَ حَتَّى)، وعلامة ذلك: صلاحية جعل الفاء في موضع (حَتَّى)، ويجب حينئذٍ أن يكون ما بعدها فَضْلةً مُسَبَّباً عمَّا قبلها. (ارْفَعْنَّ) هذا يدل على الوجوب في الموضعين، خلافاً لِمَا اشتهر عند بعضهم: أنَّه إذا كان مُؤَوَّلاً بالحال فيجوز الرَّفع، والصواب: أنَّه يجب، (وَانْصِبِ المُسْتَقْبَلاَ) الألف للإطلاق، و (المُسْتَقْبَلاَ) مفعولٌ به.

إذاً: ينصب الفعل المضارع بعد (حَتَّى) بـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً بشرط: أن يكون مستقبلاً، فإن كان حالاً أو مُؤَوَّلاً بالحال تعيَّن الرفع مع بقية الشروط، وإذا كان منصوباً فـ (حَتَّى) حينئذٍ تكون حرف جر، وإذا كان ما بعدها مرفوعاً فـ (حَتَّى) تكون ابتدائيةً. قال هنا: فتقول: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُ البَلد بالرفع، إن قلته وأنت داخل، هذا حقيقةً، وكذلك إن كان الدخول قد وقع وقَصَدْتَ به حكاية تلك الحال .. تُخبِر غيرك نحو: كُنْتُ سِرْتُ حَتَّى أُدْخُلُها، حينئذٍ ترفع الفعل بعد (حَتَّى) وتكون (حَتَّى) ابتدائية. وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ اوْ طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ أَنْ وَسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ هذا الموضع الرابع مِمَّا يجب فيه إضمار (أَنْ) بعد فاء السَّببيَّة. (أَنْ) مبتدأ، (نَصَبْ) الجملة خبر. بَعْدَ فَا جوابِ نَفِيٍ أو طَلَبْ .. (وسَتْرُهَا حَتمٌ) مبتدأ وخبر، الجملة حالٌ من فاعل (نَصَبْ)، (أَنْ) مبتدأ (نَصَبَ) الفاعل ضمير مستتر يعود على (أَنْ) حال كونها (سَتْرُهَا حَتمٌ) وَجَبَ. وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ. . . . . . . . . . . . . إذاً: يجب إضمار (أَنْ) ونصب الفعل المضارع بـ (أَنْ) مضمرةً بعد فاء السَّببيَّة بهذين الشرطين اللذين ذكرهما النَّاظم: أن يكونا (جَوَابِ نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ)، وأن يكونا (مَحْضَينِ). (وَبَعْدَ) هذا منصوب مُتعلِّق بقوله: (نَصَبْ) وهو مضاف، و (فَا) قَصَره للضَّرورة: مضاف إليه، (فَا) مضاف، و (جَوَابِ) مضاف إليه، و (جَوَابِ) مضاف، و (نَفِيٍ) مضافٌ إليه، كم مضاف؟ أربعة: (بَعْدَ) مضاف، و (فَا) مضاف، و (جَوَابِ) مضاف هذه ثلاثة، و (نَفِيٍ) مضاف إليه و (جَوَابِ) مضاف إليه، و (فَا) مضاف إليه، اعتدلت، القسمة ثلاثية، فثلاث مضاف، وثلاث مضافٌ إليه. وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ .. (أَوْ طَلَبْ) يعني: جواب طلب، معطوف على (نَفِيٍ)، (مَحْضَينِ) هذا نعت، كأنه قال: بَعْدَ فَا جَوَابِ نَفِيٍ مَحْضٍ أَوْ طَلَبٍ مَحْضٍ: نعتٌ لهما فاتَّحدَ اللفظ وتَعيَّن .. جاء زيدٌ وعمرو الفاضلان، قلنا: يَتعيَّن التَّثنية هنا .. إذا اتَّحدَ اللفظ والمعنى، هنا كذلك فـ (مَحْضَينِ) أصله: جواب نفيٍ محضٍ أو طلبٍ محضٍ، نعتٌ لـ (نَفِي) ولـ (طَلَبْ) فحينئذٍ لَمَّا اتَّحدا لفظاً ومعنىً وجب التَّثنية، قيل (مَحْضَينِ) إذاً: نعتٌ لهما .. نعتٌ لـ (نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ). (وَبَعْدَ فَا) المراد بها: فاء السَّببيَّة، أي: التي قُصِد بها سببيَّة ما قبلها لِمَا بعدها، كما ذكرناه سابقاً: أنّه يُعْطَف بها لقصد السببية، فالسببية معنىً أعم: سها فسجد، واضح هذا أنَّها للسَّببية فالسجود مُسَبَّبٌ عن السهو، والسهو سببٌ للسجود، هذا المراد بالسَّببية: أنَّ ما بعدها يكون مرتباً في الوجود على ما قبلها، وما قبلها له أثرٌ في وجود ما بعدها .. سَبب وَمُسَبَّبْ.

إذاً: هي التي قُصِد بِها سَببيَّة ما قبلها لِمَا بعدها، بقرينة العدول عن العطف على الفعل لا النصب، يعني: جعلوا النصب هنا قرينة على أنَّ المراد بها: السببية، النَصْب .. كونه عُدِل عن العطف إلى السببية دليل السببية هنا لأنَّه أمرٌ معنوي النصب، لَمَّا نُصِب الفعل المضارع بعدها بـ (أَنْ) علمنا أنَّهم أرادوا بالفاء هنا فاء السببية ولا يلزم ذلك، يعني: النصب لا يلزم، لأنَّ السَّببيَّة ثابتة بالفاء في هذا الموضع وفي غيره. ولذلك نقول: سَهَا فسجد، تلاها فعلٌ فهي عاطفة، حينئذٍ دخلت على الجملة كما أنَّها تدخل على المفرد: جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرُوٌ، وقلنا تدخل على الجمل إذا أريد بها السببية ولم تنصب هنا، لكن إذا دخلت على الفعل المضارع أفادت السببية كما أفادته مع الماضي. فالنصب ليس لكونها سببية فحسب، وإنَّما لكونه سُمِع في لسان العرب: أنَّهم ينصبون الفعل المضارع بـ (أَنْ) مضمرة، وسبق أنَّ الإضمار سواءٌ كان واجباً أو جائزاً ليس عشوائياً، يعني: لا نأتي بأي حرف وندخله على الفعل ثُمَّ نقول: نُضْمر (أَنْ) بعدها، ليست المسألة مفتوحة هكذا، وإنَّما هي مواضع معدودة، إذا أردت إضمار (أَنْ) جوازاً فبعد اللام واسمٍ خالص أو الحروف الأربعة الآتية، وإن أردت الإضمار الواجب فبعد اللام .. لام الجحود وبعد (أَوْ) إلى آخره، وما عداه فلا. حينئذٍ يُجْعَل مناط الحكم كونها بعد فاء السببية نقلاً عن العرب، يعني: وُجِد وَسُمِع في لسان العرب نصب الفعل المضارع بعد فاء السببية، ولا أثر للسببية في كونه منصوباً أو مرفوعاً، إنَّما هو من قبيل الضوابط فحسب، كما نقول: يُنْصَب الفعل بعد لام الجحود، لام الجحود لا أثر لها في الفعل المضارع، كذلك فاء السببية لا أثر لها في الفعل المضارع، بدليل: وجودها في نحو: سها فسجد، السببية موجودة ولا إشكال. إذاً: وهي فاء السببية التي قُصِد بها سببية ما قبلها لِمَا بعدها بقرينة العدول عن العطف على الفعل إلى النصب. وقوله: (فَا جَوَابِ نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ) سُمِّي جواباً، لماذا سُمِّي جواباً؟ قيل: مجاز تشبيهاً له بالشرط، وقوله: (جَوَابِ نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ) سُمِّي (جَوَاباً) لأنَّ ما قبله من النفي والطَّلب المحضين لَمَّا كان غير ثابتٍ المضمون أشبه الشرط، يعني: ما قبلها غير ثابتٍ المضمون .. لم يقع، فإذا لم يكن قد وقع أشبه فعل الشرط: إن جِئْتَني أكرمتك، (جئتني) هذا فعل الشرط، هل وقع؟ ما وقع، إنَّما هو مُرتَّبٌ عليه الإكرام، إن حصل منك مجيء، فدل على أنَّه لم يحصل مثله هذا، حينئذٍ شُبِّه الجواب بالشرط في كونه غير واقع المضمون. لأنَّ ما قبله من النفي والطَّلب المحضين لَمَّا كان غير ثابت المضمون أشبه الشرط الذي ليس بِمتحقِّق الوقوع فيكون ما بعد الفاء كالجواب للشرط، يعني: لَمَّا أشبه هذا الموضع فعل الشرط سُمِّي: جوباً ((يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ)) [النساء:73] هذا مثل: إن جئتني أكرمتك.

(وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفِيٍ) قال: (بَعْدَ فَا جَوَابِ) احترز بـ (فَا) الجواب عن الفاء التي لِمجرَّد العطف، لأنَّ الفاء كما سبق تكون عاطفة مفرد على مفرد: جاء زيدٌ فعمروٌ، وتكون عاطفةً جملة على جملة: سها فسجد، عَطَفَت جملة على جملة، وتكون سببيةً وتقع بعدها (أَنْ) مضمرةً، إذاً: لا بُدَّ من تمييزها عن غيرها. احترز من فاء الجواب عن الفاء التي لمُجرَّد العطف، نحو: ما تَأْتِينَا فَتُحَدِّثُنَا، إذا قصد أنَّ الفاء هنا عاطفة حينئذٍ كيف يكون المعنى؟ يَحتمل أنَّ المراد: ما تأتينا فما تحدِّثنا، قصد نفي الفعلين (ما تأتينا فتحدِّثنا) لم يقع منك إتيان ولم يقع منك تحديثٌ فَكلٌّ منهما منفي، لأنَّ العطف على نية تكرار العامل، فما بعده يأخذ حكم ما قبله. وسبق أنَّ الفاء تُشَرِّكُ ما بعدها فيما قبلها في الحكم وفي المعنى، في الحكم الذي هو الإعراب، وفي المعنى وهذا واضح، وهنا كذلك: ما تأتينا فتحدِّثنا، يعني: ما تأتينا فما تحدِّثنا، لم يقع منك إتيان ولم يقع منك تحديثٌ فهو نفيٌ للنَّوعين. فيكون الفعلان مقصوداً نفيهما في مثل هذا التَّركيب، وبمعنى آخر: ما تأتينا فأنت تحدِّثنا، فـ (تحدِّثنا) نجعل (تُحَدِّثُنا) خبر مبتدأ محذوف: فأنت تحدِّثنا، حينئذٍ الأول منفي والثاني مثبت، يعني: قطعته عن الأول، فلك أن تجعل ما بعد الفاء خبراً لمبتدأ محذوف: ما تأتينا فتحدثنا .. ما تأتينا فأنت تحدِّثنا، (ما تأتينا) هذا منفي .. الإتيان منفي .. الأول منفي، والثاني: قُصِد ثبوته. وبِمعنى: ما تأتينا فأنت تحدِّثنا، على إضمار مبتدأ، فيكون المقصود نفي الأول وإثبات الثاني، وإذا قُصِد الجواب لم يكن الفعل إلا منصوباً على معنى: ما تأتينا محدِّثاً، هذا إذا قُصِد الجواب: أنَّ ما بعد الفاء جواباً لِمَا قبله، يعني: يترتَّب عليه كَتَرَتُّب جواب الشرط على فعل الشرط، هذا المراد أنَّها سببية، يعني: ما بعدها حاصلٌ لما قبله: ما تأتينا محدِّثاً، يعني: فتحدثنا، فيكون المقصود: نفي اجتماعهما (ما تأتينا محدثاً) هذا الذي نُفي نُفيَ اجتماعُ الفعلين، أو على معنى: ما تأتينا فكيف تحدِّثنا؟ فيكون المقصود حينئذٍ نفي الثاني لانتفاء الأول. إذاً: الحاصل من هذا أن قوله: (جَوَابِ نَفِيٍ) احترز به عن الفاء التي تكون لمجرَّد العطف، وذلك بأن يفصل ما بعد الفاء عمَّا قبله بألا يجعله جواباً له، فيحتمل أن يكون عطفاً معاً على ما سبق: ما تأتينا فما تحدثنا، ويحتمل أن تَجعل ما بعد الفاء خبر مبتدأ محذوف، يحتمل من حالٍ إلى حال. وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ ... مَحْضَينِ. . . . . . . . . . . يُشْتَرط في النفي: أن يكون مَحضاً، ويشترط في الطَّلب أن يكون مَحضاً، النفي مرادهم به هنا واضح: ضد الإيجاب، ولذلك يُمَثَّل له بقوله: ((لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)) [فاطر:36] الفاء سببية، وقعت جواباً لما سبق لقوله: (لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (فيموتون) حُذِفت النُّون هنا والحذف للنَّاصب، (فَيَمُوتُوا) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السَّببيَّة وقعت هنا في جواب النفي.

أي: لا يُحْكَم عليهم بالموت فيموتوا، أي: لا يكون قضاءٌ عليهم فموتٌ لهم، لانتفاء المسبَّب بانتفاء سببه وهو القضاء به، إذاً: لم يقضَ الذي هو سببٌ في الموت، يعني: لم يكتب عليهم فيموتوا، إذاً القضاء سببٌ والموت مُسَبَّبٌ، لم يحصل الأول حينئذٍ انتفى وقوع المسبَّب. إذاً: ما بعد الفاء هنا مسبَّبٌ عمَّا قبله وهو عدم القضاء فيحصل الموت، إذاً: (فَيَمُوتُوا) وقع في جواب النفي، كونه محضاً يعني: خالصاً من معنى الإثبات، وذلك إذا دخل في جوابه (إلا) نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدِّثنا، نقول: هذا النفي ليس بِخالص، لأنَّ ما بعد (إلا) يأخذ نقيض حكم ما قبل (إلا)، وما قبل (إلا) منفي، فما بعد (إلا) يكون مثبتاً، إذاً: لا يكون مسبَّباً عنه، ونحن اشترطنا أن تكون الفاء سببية لاختلاف الإيجاب والنفي، فما قبل (إلا) منفي وما بعدها مثبت، حينئذٍ نقول: النفي ليس مَحضاً وإنَّما هو جزء نفيٍ. كذلك: (ما تزال تأتينا فتحدِّثُنا، يجب الرفع، لأنَّ (زال) للنَّفي، و (ما) نافية، ونفي النفي إثباتٌ، إذاً: هذا التركيب إثباتٌ ليس بنفي، وإن كانت صورته صورة النفي، حينئذٍ لا يكون محضاً. إذاً: (جَوَابِ نَفِيٍ) محضٍ، عرفنا الاحتراز بالمحض، (أَوْ طَلَبْ) المراد بالطَّلب: ما يشمل الأمر والنهي، والدعاء، والاستفهام، والعَرْض، والتَّحضيض، والتَّمنِّي هذه سبعة، والرجاء مختلفٌ فيه فنَصَّ النَّاظم عليه خلافاً لأكثر البصريين بأنَّ الفعل لا يُنْصَب بعد الرجاء، ونَصَّ عليه على جهة الخصوص سيأتي في بيتٍ خاص. مُرْ وَانْهَ وَادْعُ وَسَلْ وَاعْرِضْ لِحَضِّهِمُ ... تَمَنَّ وَارْجُ كَذَاَكَ النَّفْيِ قَدْ كَمُلاَ هذه تسعة مع النفي .. مع ذكر الرجاء، إذاً: يشمل الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام، والعرض، والتحضيض، والتَّمنِّي، والعرض: هو الطَّلب بلين ورفقٍ، والتحضير: الطَّلب بِحثٍّ وإزعاج. فحينئذٍ إذا وقع الفعل المضارع بعد فاء السببية في جواب واحدٍ من هذه الأمور الثمانية، حينئذٍ نقول: وجب نصب الفعل بـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً. إذاً: هذه أشبه ما يكون علامات، إن وجَدْتَ الفعل المضارع بعد الفاء وسبقه أمر، أو سبقه نَهيٌ، أو استفهام، أو عرض إلى آخره، وكان المراد به: الجواب لا العطف، حينئذٍ احكم بأن (أَنْ) مضمرة، لأنَّ (أَنْ) محذوفة هنا، ما الذي أدراك بها أنَّها محذوفة؟ لا بُدَّ من قرينة، فهذه المواضيع كلها من أجل التَّوصل إلى الحكم بأن (أَنْ) في هذا الموضع مضمرة .. واجبة الإضمار، وذلك إذا وقع في جواب الأمر. ائتني فَأُكْرِمَك، نقول: هنا فعل مضارع وقع بعد (فاء) والفاء هذه للسَّببية، ما بعدها مرتَّبٌ على ما قبلها، ما قبلها سببٌ فيما بعدها، ووقع في جواب طلب، ونوع الطَّلب أمر، إذاً: (أُكْرِمَكَ) فعلٌ مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً بعد فاء السَّببية لوقوعه في جواب الأمر. يَا نَاقُ سِيِري عَنَقاً فَسِيحَاَ ... إِلىَ سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحاَ (فَنَسْتَرِيحَاَ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً بعد فاء السببية لوقوعه في جواب الأمر، أين هو؟ (سِيِري) هذا فعل أمر.

والثاني: النهي نحو: لا تَضْرِبْ زَيْدَاً فَيَضْرِبَكَ، (يضربك) هذا مرتَّبٌ على ما سبق، فهو مسبَّبٌ على ما سبق، حينئذٍ نقول: (يضربك) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السببية لوقوعه في جواب النهي: ((لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)) [طه:81] (يَحِلَّ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السببية لوقوعها في جواب النهي (لا تَطْغَوْا) (لا) ناهية. ((لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْفحِتَكُمْ بِعَذَابٍ)) [طه:61] (فَيُسْحِتَكُمْ) بالنصب، فعل مضارع منصوب بـ (أَنْ) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية لوقوعه في جوبا الطَّلب وهو النهي (لا تَفْتَرُوا). والدُّعاء نحو: ربِّ انصرني فلا أُخْذَلَ .. ربِّ وَفِّقْنِي فلا أعْدِلَ عَنْ ... سَنَن السّاعِيْنَ في خَيْر سَنَنْ (أَعْدِلَ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السببية لوقوعه في جواب الدُّعاء، (وَفِّقْنِي) هذا الفعل دعاء، هو فعل أمر لكن تأدُّباً يُسَمَّى: فعل دعاء. ومنه: ((رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ)) [يونس:88] (فَلا يُؤْمِنُوا) الفاء سببية و (يُؤْمِنُوا) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد الفاء لوقوعه في جواب الدُّعاء (رَبَّنَا اطْمِسْ) هذا دعاء. والاستفهام: كقوله تعالى: ((فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا)) [الأعراف:53] (يشفعون) حُذِفَت النون هنا: فعل مضارع منصوب بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السببية لوقوعه في جواب الاستفهام. وَشَرَط في (التسهيل) في الاستفهام: ألا يتضمَّن وقوع الفعل أي: في الزمن الماضي .. ألا يدلَّ اللفظ على أنَّ الفعل قد وقع: ((فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا)) [الأعراف:53] هل وقع؟ لم يقع، إذاً: لو دلَّ على أنَّه وقع قالوا: لا ينصب. شَرَطَ في (التسهيل): ألا يتضمَّن وقوع الفعل، أي: في الزمن الماضي احترازاً من نحو: لِمَ ضَربتَ زيداً فَيُجَازِيكْ؟ ولا تقل: (فَيُجَازِيَكَ) .. (فَيُجَازِيكْ) بالرَّفع والضَمَّة مقدَّرة، لم ضربتَ زيداً فَيُجَازِيكْ؟ لأنَّ الضرب قد وقع فلم يُمكن سَبْك مصدرٍ مستقبلٍ منه، وهذا مذهب أبي علي الفارسي، وحكا ابن كيسان: أَيْنَ ذَهَبَ زَيْدٌ فَنَتَّبِعَه؟ بالنَّصب وهو قد وقع: أَيْنَ ذَهَبَ زَيْدٌ؟ يعني: وقع الذهاب (فَنَتَّبِعَه .. فَنَتْبَعَه) بالَّنصب، مع أنَّ الفعل في ذلك مُحقَّق الوقوع. إذاً: الاستفهام ليس مُطلقاً، هذا المراد، شَرَط ابن مالك: أنَّه يُشترط فيه أن يكون الفعل منصوباً بعد فاء السَّببيَّة الواقعة في جواب الاستفهام إذا لم يقع، فإن وقع حينئذٍ يُرْفع ولا يُنْصَب. والعرض نحو: ألا تَنْزِلُ عِنْدنا فَتُصِيب مَأْكَلا .. فتصيب خيراً، (فتصيب) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السببية الواقعة في جواب العرض وهو (ألا). يَا ابْنَ الكِرَامِ ألاَ تَدْنُو فَتُبْصِرَ مَا ... قَدْ حَدَّثُوكَ فَمَا رَاءٍ كَمَنْ سَمِعَا

(فَتُبْصِرَ)، (تُبْصِرَ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السببية لوقوعه في جواب العرض (أَلاَ تَدْنُو). والتحضيض كذلك، نحو: لولا تأتينا فتحدَّثَنا (تُحدِّثَ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السببية لوقوعه في جواب التحضيض، وأداته (لولا): ((لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ)) [المنافقون:10] بالنصب بـ (أَنْ) مضمرة وجوباً بعد فاء السببية لوقوعه في جواب التحضيض (لَوْلا أَخَّرْتَنِي). والتَّمنِّي: ليت لي مالاً فأتصدَّق به .. ((يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [النساء:73] (فَأَفُوزَ) فعلٌ مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد فاء السببية لوقوعه في جواب التَّمنِّي، ولم يذكر الرَّجاء، لأنَّه سيذكره في بيتٍ خاصٍّ به. إذاً: (وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفِيٍ) عرفنا النَّفي، (أَوْ طَلَبْ) وعرفنا أنَّه يشتمل على ثمانية أشياء دون الرجاء وسيذكره، لأنَّ الرجاء الصواب: أنَّه واردٌ في القرآن، (مَحْضَينِ) قلنا: هذا نعتٌ. واحترز بـ: (مَحْضَينِ) عن النَّفي الذي ليس بِمحضٍ وهو المنتقض بـ (إلا) والمتلو بنفيٍ، والنفي التالي تقريراً، ثلاثة أحوال، حينئذٍ لا يكون النَّفي محضاً، لا بُدَّ أن يكون محضاً يعني: خالصاً من شائبة الإثبات، ومتى يكون فيه شائبة الإثبات؟ إذا وقع تالياً لاستفهامٍ تقريراً: أَلَمْ تَأْتِنِي فَأُحْسِنُ إليك، واجب الرَّفع هنا ولا يجوز نصبه، لماذا؟ لأنَّ الاستفهام هنا مُقرَّر، استفهامٌ تقريري كقوله تعالى: ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)) [الشرح:1] حينئذٍ وقع ما قبله، وهذا يتأتَّى على شرط ابن مالك ألا يقع: أَلَمْ تَأْتِنِي فَأُحْسِنُ إليك، حصل الإتيان منه، ليس كقوله: ((فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ)) [الأعراف:53]. قلنا شَرَط ابن مالك: ألا يكون الاستفهام قد وقع، يعني: مدلوله، وما اسْتُفْهِم عنه، يعني: لم يكن وقع في الزمن المستقبل، لأنَّه يتعذَّر أن يَنْسبِك مصدرٌ دالٌّ على الاستقبال، وهو المنتقض بـ (إلا) كذلك، والمتلو بنفيٍ نحو: ما أنت تأتينا إلا فتحدِّثُنا، هذا منتقض (إلا فتحدثنا) هذا منفي أو مثبت (فتحدثُنا)؟ هذا مثبت، لأنَّ ما بعد (إلا) يأخذ نقيض حكم ما قبل (إلا)، وما قبل (إلا) منفي: ما أنت تأتينا إلا فتحدثُنا، إذاً (فتحدِّثنا) هذا ثابتٌ. ونحو: ما تزال تأتينا فتحدثُنا، هذا (تزال) دالَّةٌ على النَّفي، ونفي النفي إثبات، إذاً: هو في الصورة فقط يكون نفياً، والنفي التالي تقريراً نحو: ألم تأتيني فأحسنُ إليك. هذه ثلاثة مواضع يكون فيها النفي ليس مَحضاً: إذا انتقض بـ (إلا)، أو المتلو بنفيٍ، أو يكون أن النفي تالي تقريراً يعني: استفهاماً .. مقرِّراً: ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)) [الشرح:1] الاستفهام هنا ليس حقيقيَّاً، وإنَّما المراد به التقرير. ومن الطَّلب الذي ليس بِمحض، هنا يُشترط في الطَّلب كما سَيَنُصُّ عليه هو، بعض الشُّروط سيذكرها نصَّاً. أن يكون بصيغة فعل الأمر، وما عداه فحينئذٍ لا ينصب الفعل المضارع في جوابه، وما عداه إمَّا أن يكون اسم فعل أمر، وهذا نوعان:

إمَّا أن يكون مشتقاً أو لا، كلاهما لا يُنْصَبُ الفعل المضارع في جواب الطَّلب إذا كان باسم فعل أمر. ثانياً: أن يكون في جواب مصدر ناب عن فعل أمر، كذلك لا يُنصب الفعل المضارع في جواب هذا المصدر. ثالثاً: أن تكون الجملة خبرية لفظاً والمراد بها: الأمر من جهة المعنى فكذلك لا يُنْصَبْ، لأنَّ هذه أوامر لكنَّها ليست مَحضة. إذاً: الطَّلب يُشترط فيه أن يكون محضاً، بمعنى: أنَّه إذا كان بفعل الأمر لا بُدَّ أن يكون بصيغة (افعل) وما عداه فلا. ومن الطَّلب الذي ليس بمحضٍ وهو الطَّلب باسم الفعل هذا أولاً، أو بمصدرٍ هذا ثانياً، أو بما لفظه الخبر، إذا وقع الفعل المضارع ولو تالياً للفاء في جواب واحدٍ من هذه الثلاثة لا ينتصب خلافاً للكِسَائي وغيره. فنحو: صَهْ فَأُكْرِمَكَ أَوْ فَأُكْرِمُكَ؟ (فَأُكْرِمُكَ) بالرَّفع .. يتَعيَّن الرَّفع، لماذا؟ مع كون الفاء هنا للسَّببيَّة: اسْكت فيحصل لك الإكرام، إذاً: مُسبَّب .. الإكرام مُسبَّبٌ عن السكوت، ومع ذلك لا نحكم بكونه منصوباً؛ لكونه وقع في جواب طلبٍ غير محضٍ، والمراد بأنَّه غير محض يعني: ليس بصيغة (افعل) التي هي موضوعة للطَّلب. إذاً: صَهْ فَأُكْرِمُكَ، وَحَسْبُك الحديثُ فينامُ الناس، (فينامُ) الفاء واقعة في الجواب، لكن الجواب هنا ليس لفظاً، وإنَّما هو من جهة المعنى: سكوتاً فينامُ الناس، يعني: معنى ما سبق، ونَحو: رزقني الله مالاً فأنفقُه في الخير .. اللهم ارزقني مالاً فَأُنْفِقُه في الخير أو فَأُنْفِقَه؟ (فَأُنْفِقُه) بالرَّفع، لأنَّ: رزقني الله مالاً، مثل: غفر الله لك، يعني: في المعنى هو إنشاء .. طلب، وأمَّا في اللفظ فهو خبر. وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ ... مَحْضَيْنِ أَنْ وَسَتْرُهَا حَتْمٌ نَصَبْ إذاً: (أَنْ) هذه مبتدأ، و (نَصَبَ) الجملة خبر، وجملة (سَتْرُهَا حَتمٌ) إمَّا حاليَّة على جعل الواو واو الحال، وإمَّا جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، وقوله: (مَحْضَينِ) نعت لـ: (نَفِيٍ أَوْ طَلَبْ)، وهذا على مذهب البصريين كما ذكرنا: أنَّ (أَنْ) مضمرة بعد فاء السببية. وأمَّا على مذهب بعض الكوفيين إلى أنَّ ما بعد الفاء منصوبٌ بالمخالفة، هذا بعض الكوفيين وإن كان المشهور أنَّه بالفاء نفسها، لكن ذهب بعض الكوفيين إلى القول بأنَّ العامل هنا في الفعل المضارع أنَّه منصوب بالمخالفة، المخالفة يعني: ما بعده مخالفٌ لِمَا قبله، لأنَّ ما قبله مُنَزَّلٌ مُنَزَّلة فعل الشرط، ولا شكَّ أن جواب الشرط مخالفٌ لفعل الشرط: إن جئتني أكرمتك، إذاً بينهما مخالفة. وبعضهم: إلى أنَّ الفاء هي الناصبة، هذا المشهور عن الكوفيين، وإن كان بعضهم ذهب إلى المخالفة، والصحيح مذهب البصريين، لأنَّ الفاء عاطفة فلا عمل لها، لكنَّها عطفت مصدراً مُقدَّراً على مصدرٍ متوهم، لأنَّه إذا كان ما بعدها فعلٌ مضارع منصوب بـ (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل المصدر، لا بُدَّ أن تكون عاطفة على مصدرٍ مثله فيكون متوهَّمٌ مُتصيِّدًا مِمَّا قبله.

والتقدير في نحو: ما تأتينا فتُحدِّثنا .. فأنْ تحدثنا (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل المصدر، كيف تكون عاطفة؟ التقدير: ما يكون منك إِتْيَانٌ فتحديثٌ، عطفنا (تحديث) وهو مصدر في قوة الملفوظ، والأول متوهَّم مأخوذٌ من الجملة السابقة. قال الشَّارح هنا: يعني: أنَّ (أنْ) تنصب وهي واجبة الحذف الفعل المضارع بعد الفاء المُجاب بها نفيٌ محضٌ، أو طلبٌ محضٌ – انظر! فكَّ النَّعت- فمِثال النفي: ما تأتينا فتحدثنا، وقد قال تعالى: ((لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)) [فاطر:36] ومعنى كون النفي مَحضاً: أن يكون خَالصاً من معنى الإثبات، فإن لم يكن خالصاً منه وجب رفع ما بعد الفاء نَحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثُنا، ومثال الطَّلب وهو يشمل الأمر .. وهذه قد ذكرناها في الأمثلة التي مرَّت معنا. لو كان المتقدِّم نفياً أو خبراً حينئذٍ نقول: ما تأتينا تحدِّثُنا، برفع (تحدِّثُنا) وجوباً، ولا يجوز فيه كما سيأتي النصب فيما إذا سَقَطَت الفاء. هنا قال في الأخير: ومعنى أن يكون الطَّلب مَحضاً: ألا يكون مدلولٌ عليه باسم فعلٍ، ولا بلفظ الخبر، فإن كان مدلولٌ عليه بأحد هذين المذكورين وجب رفع ما بعد الفاء: صه فأحسن إليك، وحسبك الحديث فينام الناس. (وَالوَاوُ كَالْفَا) في ماذا؟ يعني: كل ما سبق الواو مثل الفاء، في ماذا؟ يُنْصَب الفعل المضارع بعدها بـ (أَنْ) مضمرةً وجوباً، وأن تكون في جواب نفي محض أو طلبٍ محض، والمراد بالطَّلب: الأمور السَّبَع أو الثَّمان. مُرْ وَانْهَ وَادْعُ وَسَلْ وَاعْرِضْ لِحَضِّهِمُ ... تَمَنَّ وَارْجُ كَذَاكَ النَّفْيُ قَدْ كَمُلاَ (إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ) هذا قيد زائد، يعني: إن كانت للمعيَّة .. مفيدةً للمصاحبة، إذاً: (الْوَاوُ) هذا مبتدأ (كَالْفَا) أيُّ فاء؟ فاء السَّببيَّة، إذاً: (أل) هنا للعهد، أي: في جميع ما تَقدَّم، (كَالفَا) جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ، (إِنْ تُفِدْ) هذا قيد، إذاً: ليس مُطلقاً (الْوَاوُ كَالْفَا) زاد عليها شرطاً وهو: (إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ) يعني: معنى المصاحبة. مفهوم المخالفة: إن لم تُفِد مفهوم (مع) لا تنصب، نَحو: لا تأكل السَّمك وَتَشْربُ اللبن .. وَتَشْربِ اللبن، حينئذٍ لا يجوز النصب في هذين الموضعين، لأنَّها لم تُفِد مفهوم (مع) وقد وقع بعدها فعلٌ مضارع، فدلَّ على أنَّ المراد هنا التَّشريك بين الفعلين. (وَتَشْرَبِ اللبن) بالجزم إذا أردت النَّهي عنهما مجتمعين أو متفرقين، وبالرَّفع إن أردت النَّهي عن الأول واستئناف الثاني، أي: وأنت تشرب اللبن، إذاً: لا تأكل السمك وَتَشْرَبُ اللبن، هذا لا يجوز فيه النصب .. في هذا التَّركيب، ولا تأكل السمك وَتَشْرَبِ اللبن، لا يجوز هنا النصب، لأنَّ الواو ليست بِمعنى: (مع). إذاً: وَالوَاوُ كَالْفَا إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ ... كَلاَ تَكُنْ جَلْداً وَتُظْهِرَ الْجَزَعْ

كقولك: (لاَ) هذه ناهية، (تَكُنْ) فعل مضارع ناقص مجزوم بـ (لاَ)، واسم (تَكُنْ) ضمير مستتر واجب الاستتار تقديره أنت، (جَلداً) خبر، (وَتُظْهِرَ الجَزَعْ) مع إظهار الجزع، إذاً: (تُظْهِرَ) هذا فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار بعد واو المعيَّة لوقوعها في جواب النَّهي. (وَتُظْهِرَ) أنْتَ .. الفاعل أنْتَ، (الجَزَعْ) أي: لا تجمع بين هذين، لكن أطلق النَّاظم هنا وإن كان لم يُسمع النصب مع الواو إلا في خمسة مواضع مِمَّا سُمِع مع الفاء فقط وليست مطلقة: الأول: النَّفي، يعني: نُقيِّد ما أطلقه النَّاظم .. الأول: النَّفي هو المسموع، وأعلى درجات السَّماع هو القرآن: ((وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) [آل عمران:142] (يَعْلَمِ) منصوبٌ هنا بعد واو المعيَّة بـ (أَنْ) مضمرةً واجبة الإضمار لوقوعه في جواب النَّفي، وأين النفي؟ (لَمَّا)، (لَمَّا) أُخْتُ (لَمْ) هذا الموضع الأول. الثاني: بعد الأمر: فَقُلتُ ادْعِى وَأدْعُوَ إنَّ أَنْدَى ... لِصَوتٍ أَنْ يُنادِيَ دَاعِيانِ الشاهد في قوله: (فَقُلتُ ادْعِى وَأدْعُوَ) إذاً: (أدْعُوَ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ) مضمرة واجبة الإضمار بعد واو المعيَّة لوقوعه في جواب الأمر. الثالث: بعد النَّهي: لاَ تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأتيَ مِثلَهُ .. (تَأتيَ) فعل مضارع منصوب بـ (أَنْ) واجبة الإضمار بعد واو المعيَّة لوقوعها في جواب النهي، (لا تَنْهَ) هذا الموضع الثالث. الرابع: بعد الاستفهام: أَلم أَكُ جَاَرَكُمْ ويَكُونَ بَيْنِي ... وَبَيْنَكُم المَوَدَّةُ وَالإِخَاءُ (ويَكُونَ)، (يَكُونَ) فعل مضارع ناقص منصوب بـ (أَنْ) مضمرة واجبة الإضمار بعد واو المعيَّة لوقوعه في جواب الاستفهام. الخامس: التَّمنَّي، لم يذكره ابن عقيل، نحو قوله تعالى: ((يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) [الأنعام:27] أين الشاهد؟ (وَنَكُونَ) هنا الواو واو المعيَّة، أمَّا الأول ليس الشاهد ذاك عطف، إذاً: (وَنَكُونَ) .. (نَكُونَ) فعل مضارع ناقص منصوب بـ (أَنْ) مضمرة واجبة الإضمار بعد واو المعيَّة لوقوعه في جواب التَّمنِّي. هذه خمسة هي المسموعة، وقس الباقي على ظاهر كلام النَّاظم وهو: الدُّعاء، والعرض، والتحضيض، والتَّرجي، أربعة قسها على ما سُمِع، هو لم يُسمَع إلا في الخمسة المواضع فقط، والأربعة قسها، قال أبو حيَّان: " لا ينبغي أن يُقْدَم على ذلك إلا بسماع ". إذاً: هل يُقاس ما لم يُسمع على ما سُمِع؟ ظاهر النَّظم هنا أنَّه مثله، لأنَّه قال: (وَالوَاوُ كَالفَا) في جميع أنواع الطَّلب، ما سُمِِع فهو مسموع، وما لم يُسمَع فحينئذٍ تقسه عليه والظاهر: عدم القياس. إذاً: وَالوَاوُ كَالفَا إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ ... كَلاَ تَكُنْ جَلداً وَتُظْهِرَ الجَزَعْ

قال ابن عقيل: " واحترز بقوله: (إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ) عَمَّا إذا لم تُفِد ذلك بأن كانت للعطف فقط، بل أردت التَّشريك بين الفعل والفعل، أو أردت جعل ما بعد الواو خبراً لمبتدأٍ محذوف فإنه لا يجوز حِينئذٍ النَّصب، ولهذا جاز فيما بعد الواو في قولك: لا تَأْكُل السمك وَتَشْرَبُ اللبن، ثلاثة أوجه: الجزم على التشريك بين الفعلين. والثاني: الرفع على إضمار مبتدأ، أي: وأنت تَشْرَبُ اللبن، أو ولك شُرْبُ اللبن. والثالث: النصب على معنى النهي عن الجمع بينهما" لكن إذا أُريد النصب لا يُمَثَّل هنا (إِنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ) لا يُمثَّل بحالة النَّصب وإنَّما يُمثل بحالة الرَّفع والجزم فقط، فيقال في قولك: لا تأكل السمك وَتَشْرَبُ، في مثل هذا التَّركيب لا يجوز، لأنَّك ما قَصَدْتَ المعيَّة، إذاً: لا يجوز لك النصب. كذلك: لا تأكل السمك وَتَشْرَبِ اللبن، إذا جزمت حينئذٍ لم تُشرِّك .. انتفت المعيَّة، وأمَّا إذا نويت المعية نصبت على الأصل، كما أنَّه إذا نويت المعيَّة لا يجوز لك الرفع ولا يجوز لك الجزم، فالقول هنا: بأنَّها ثلاثة أنواع يجوز فيها النصب هذا جاء على الأصل .. جاء موافقاً للبيت، والكلام إنَّما يُمثَّل به في الرفع والجزم فحسب، وأمَّا النصب لا، لأنَّه ما نُصِب إلا أنَّها للمعيَّة فدل على أنَّها موافقةٌ للنَّظم: (إنْ تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ). إنَّما يرد السؤال فيما إذا لم (تُفِدْ مَفْهُومَ مَعْ) وذلك إذا رُفِع أو جُزِم فقط، حينئذٍ في الرفع والجزم لا يجوز النَّصب البتَّة، وهذا كما ذكرناه سابقاً: إذا حُكِي قراءتان، أو ضبط لبيت، أو نحو ذلك برفعٍ ونصب وكان المعنى متغايراً لا نجعلهما من مورد واحد، نفك هذا باعتبار وهذا باعتبار، لأنَّ المعنيين قد يكون بينهما تضاد. فلا يُجمع بينهما في تركيبٍ واحد بمعنىً واحد، ونقول: يجوز الرفع والنصب كما ذكرناه في: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ .. حَتَّى يَقُولُ) ما يكون الرفع والنصب في موضع واحد، كيف يكون المراد به الاستقبال والحال في موضع واحد؟! هذا تناقض. والثالث: النصب على معنى النهي عن الجمع بينهما إلى آخر ما ذكره. ثُمَّ قال: وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ جَزْماً اعْتَمِدْ ... إِنْ تَسْقُطِ الفَا وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ ما سبق من الفاء فيما ذكرناه إذا سقطت الفاء وَقُصِد الجزاء، ما معنى الجزاء؟ أن يكون الثاني مُرتَّباً على الأول، بمعنى: أن يكون الأول سبباً للثاني، حينئذٍ جاز لك الجزم .. تجزم الفعل، وتنصب إذا ذُكِرت الفاء، أَسقِط الفاء مع قصد الجزاء قالوا: يجوز لك الجزم.

(وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ) ما هو غير النفي؟ الطَّلب (جَزْماً اعْتَمِدْ) اعتَمِد جزماً، يعني: الجزم، (جَزْمَاً) هذا مفعول مُقَدَّم لقوله (اعْتَمِدْ)، (إِنْ تَسْقُطِ الفَا) السابقة، (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) إن جمعت بين الاثنين حينئذٍ جزمت الفعل المضارع، وهذا الذي دائماً نقول: أنَّه في جواب الطَّلب: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:151] .. زُرْنِي فَأَزورَكَ، قلنا: (فَأَزورَكَ) هذا فعل مضارع منصوب بـ (أَنْ) مضمرة، أسقط الفاء ثُمَّ اقصد الجزاء: زُرْنِي أَزُرْكَ، إذاً: جُزِم الفعل لكن بشرط .. الشرطين المتحقِّقة في الفاء السببية: أن يكون واقعاً في جواب طلب، ثُمَّ تقصد الجزاء بعد إسقاط الفاء. حينئذٍ نقول: مجزومٌ واختُلِف في الجازم على ثلاثة أقوال أو أربعة، والمشهور: أنَّه واقعٌ في جواب الطَّلب: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:151] (أَتْلُ) هذا فعل مضارع مجزوم، أين الجازم؟ (قُلْ تَعَالَوْا فأَتْلُ) الأصل فيه: أنَّه منصوب، فسقطت الفاء وقُصِد الجزاء فَجُزِم الفعل. هذا الذي عناه بهذا البيت، وإلا الأصل هذا يعتبر من أدوات الجزم، لكن ذكره هنا لمناسبة ما سبق .. تتميماً للفائدة، شَرَط في الفاء السببية أن تكون في جواب الطَّلب، فحينئذٍ لو سقطت الفاء وقُصِد الجزاء جاز بل تجزم. (وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ) (النَّفْيِ) وهو الطَّلب، وأمَّا النفي فلا يُجزم بعد النَّفي، أي: فلا يُجْزم جوابه لأنَّه يقتضي تَحقُّق عدم الوقوع كما يقتضي الإيجاب تَحقُّق الوقوع، الإيجاب الذي هو جواب الشرط، جواب الشرط يقتضي تحقُّق الوقوع، والنَّفي يقتضي عدم تحقُّق الوقوع. إذاً: لا يُجْزَم جوابه الذي هو النَّفي، لأنَّه يقتضي تحقُّقَ عدم الوقوع كما يقتضي الإيجاب تحقُّق الوقوع، فلا يُجْزَمُ بعده كما لا يُجْزَم بعد الإيجاب. (وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ جَزْماً) هذا مفعول مُقَدَّم لقوله: (اعْتَمِدْ) أي: اعتمد الجزم، متى؟ (إِنْ تَسْقُطِ الفَاءُ) حذف الهمزة هنا للضَّرورة .. قصره للضرورة، (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) يعني: والحال أنَّ (الجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) يعني: الجزاء مقصود، أي: انفردت الفاء عن الواو فالحكم خاصٌّ بالفاء لا بالواو، لذلك نصَّ عليها: (إِنْ تَسْقُطِ الفَا) ولم يذكر الواو فدل على أن الحكم هنا خاصٌّ بالفاء. أي: انفردت الفاء عن الواو بأن الفعل بعدها ينجزم عند سقوطها بشرط أن يقصد الجزاء، وذلك بعد الطَّلب بأنواعه كقوله: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبيبٍ .. قفا .. قفاً على قولٍ، (قِفَاً نَبْكِ) (نَبْكِ) فعل مضارع مجزوم، ما الجازم؟ وقوعه في جواب الطَّلب الأصل: (قِفَاً فَنَبْكِيَ) حينئذٍ نقول: أصله النَّصب بعد فاء السببية بـ (أَنْ) مضمرة، فأُسْقِطت الفاء وَقُصِد الجزاء فَجُزِم، إذاً: (قِفَاً نَبْكِ) ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا)) [النور:30] أصله: (يَغُضُّون)، مثل قول: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:151].

وكذا بقية الأمثلة: لا تعص الله يدخلك الجنة .. فيدخلَك، إن ذكرت الفاء نصبت، وإن أسقطت الفاء وقصدت الجزاء جزمت، ويا رَبِّ وفقني أُطِعْكَ .. أُطِيعَكَ .. أُطِعْك .. فأُطِيعَكَ، وهل تزورُني أزرْك، وليت لي مالاً أنفقْه، وألا تَنْزِل تُصِبْ خيراً، لولا تجيء أكرمْك، ولعلك تَقْدم أحسنْ إليك. إذاً: كل هذه أمثلة لِمَا سبق .. النصب بعد فاء السَّببيَّة بـ (أَنْ) مضمرة وجوباً، أسقط الفاء وانوِ الجزاء أنَّ ما بعده مُترتِّبٌ على ما قبله، حينئذٍ نقول: جزمت، وتقصد الجزاء لأنَّك إذا أسقطت الفاء .. الفاء دالَّةٌ على السَّببيَّة، ما بعده مرتَّبٌ على ما قبله، إذا أسقطتها ذهب المعنى الذي هو السَّببيَّة، ترتُّب الجواب على الشَّرط، حينئذٍ يَتعيَّن أنك تنوي الجزاء. فمعنى الفاء ثابتٌ بعد إسقاطها (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) الذي دلَّت عليه فاء السَّببيَّة هو الجزاء قُصِد بعد حذفها، إذاً: مجرَّد حذفها في اللفظ فحسب، فَقُصِد الجزاء فحينئذٍ لا يقال بأن (أَنْ) مضمرة بعد فاء السَّببيَّة وهي محذوفة، إنَّما المسموع بعد لفظك بفاء السَّببيَّة فتضمر (أَنْ) أمَّا بعد حذفها فهذا لم يُسْمَع حينئذٍ تعيَّن الجزم. وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ جَزْماً اعْتَمِدْ .. إذا سقطت الفاء بعد الطلب وقُصِد معنى الجزاء جُزِم الفعل جواباً لشرط مُقدَّر لا للطَّلب لتضمُّنه معنى الشرط. (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) معناه: أنْ تُقدِّر الفعل المضارع مُسبَّباً عن الطَّلب المتقدِّم ومترتِّباً عليه، كما أن جزاء الشَّرط وجوابه متسبِّبٌ عن فعل الشرط ومترتِّبٌ عليه، معنى الشَّرطيَّة .. الشَّرط والجواب هذا المراد به. (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) احترز به عمَّا إذا لم يُقْصَد الجزاء فإنه لا يُجزم بل يرفع، إذا لم تقصد الجزاء وجب الرَّفع، وإذا قصدت الجزاء جزمت: {إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} إذاً: النيَّة هنا لها دورٌ في هذا التركيب، إن نويت الجزاء جزمت، وإن لم تنوِ حينئذٍ رفعت، وهذا واضح بَيِّن أن النِيَّة لها مُتعلَّق في أبواب كثيرة من النَّحو. فإنه لا يُجْزَم بل يُرْفَع إمَّا مقصوداً به الوصف، نحو: ليت لي مالاً أُنْفِقُ منه، ليت لي مالاً أُنْفِقْ منه، إذا قصدت الجزاء (أُنْفِقْ) بالجزم، إذا لم تقصد .. جعلته وصفاً لِمَا سبق: مالاً أُنْفِقُ منه، فالجملة صفة لـ (مال) إذا لم تقصد به الجزاء، حينئذٍ رفعت .. تعيَّن الرفع. أو الحال والاستئناف: ويحتملهما قوله: ((فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا)) [طه:77] هذا يَحتمل أنَّه استئناف ويَحتمل أنَّه حال. قال في (شرح الكافيَّة): " الجزم عند التَّعري من الفاء جائزٌ بالإجماع" لكن بشرط قصد الجزاء .. لا بُدَّ من الشَّرط. (وَبَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ) (بَعْدَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (اعْتَمِدْ) اعْتَمِدْ جَزْماً بَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ، و (غَيرُ النَّفْيِ) هو الطَّلب، بشرط (إانْ تَسْقُطِ الفَا) السَّببيَّة (وَالجَزَاءُ قَدْ قُصِدْ) فإن لم تسقط الفاء فهو على الأصل، وإن سقطت الفاء ولم تقصد الجزاء وجب الرَّفع.

قال ابن عقيل هنا: "يجوز في جواب غير النفي من الأشياء التي سبق ذكرها: أن تجزم إذا سقطت الفاء وَقُصِد الجزاء: زرني أزرْك، وكذا الباقي، وهل هو مجزوم بشرط مُقدَّر؟ زرني فإن تزرني أزرك، أو بالجملة قبله؟ قولان، ولا يجوز الجزم في النفي فلا تقل: ما تأتينا تُحَدِّثْنَا ". جمهور النُّحاة ذهبوا إلى أنَّ الجازم بعد الطلب هو شرطٌ مُقدِّر يعني: (إِنْ) شرطيَّة مُقدَّرة، تقديره: زرني إنْ تزرني أزرك، فـ (أزرْك) هذا مجزومٌ بـ (إِنْ) المُقدَّرة، وهذا كثير مُطَّرد، ولذلك ارتبك النُّحاة فيه. أي: أداة شرط مُقدَّرة، وذهبوا أيضاً إلى أنَّه يجب تقدير (إِنْ) من بين أدوات الشَّرط، لأنَّها هي أمُّ الباب حينئذٍ تعمل ملفوظاً بها وتعمل مُقدَّرة مثل (أَنْ) المصدرية، وقيل: أنَّ الجازم هو نفس الجملة السابقة، وهؤلاء على فريقين: فريقٌ منهم قال: تضمَّنَت الجملة معنى الشَّرط فعملت عمله كما عمل (ضرباً) في نحو قولك: ضرباً زيداً، عَمِل عَمَلَ (اضرب) حين تضمَّن معناه، حينئذٍ يكون الجازم نفس الطلب المتقدِّم، لأنَّه تضمَّن معنى أداة الشَّرط، وهذا قول الخليل وسيبويه، والأول قول جمهور النُّحاة وخاصةً المتأخرين منهم. والقول الثاني: أنَّ العامل هو الطَّلب نفسه المُتقدِّم، لكنَّه لا على جهة التَّضمُّن وإنَّما على جهة النيابة، فكأنه ناب عن (إِنْ) الشرطية. على كلٍّ: القول بالطلب .. بأنَّه مقدَّر له وجه، ولذلك قيل أنَّه معنوي، ويضاف إلى ما سبق من التَّجرُّد والابتداء. إذاً: الجمهور على أنَّ الجازم بعد الطلب هو شرطٌ مُقدَّر دلَّ عليه الطلب نفسه .. كونه واقعاً في جواب الطلب، ولذلك قال هنا: وهل هو مجزومٌ بشرطٍ مُقدِّر؟ أي: زرني فإن تزرني أزرك، أو بالجملة قبله؟ قولان، ولم يُرجِّح لقوة الخلاف في هذه المسألة، فالمسألة محتملة: أن يُقال بأنَّه شرطٌ مُقدَّر، أو يُقال بأنَّ الجملة السابقة تضمَّنت معنى الشَّرط، أو يُقال بأنَّ الجملة السابقة نابت مناب الشرط، ثلاثة أقوال. ثُمَّ قال: وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ أَنْ تَضَعْ ... إِنْ قَبْلَ لاَ دُونَ تَخَالُفٍ يَقَعْ (شَرْطُ جَزْمٍ) .. ما سبق عمَّمَ النَّاظم، هذا استثناءٌ بعد القاعدة السابقة. وَبَعْدَ غَيْرِ النَّفْيِ جَزْماً اعْتَمِدْ ... إِنْ تَسْقُطِ الْفَا ... . . . (بَعْدَ غَيرِ النَّفْيِ) دخل فيه النهي، هل كل نَهيٍ إذا سقطت الفاء وَقُصِد الجزاء يصحُّ الجزم أم فيه تفصيل؟ قال: فيه تفصيل، هذا استثناء واستدراك لِمَا سبق. قال: (وَشَرْطُ جَزْمٍ) بعد إسقاط فاء السَّببيَّة وقصد الجزاء، وكان واقعاً في جواب النهي .. شرط النهي أن تضع (إِنْ) الشَّرطيَّة قبل (لا)، فإن صَحَّ التركيب صَحَّ الجزم، وإن لم يصح .. فسد المعنى لم يصح الجزم، ولو أسقطت الفاء وقَصَدْتَ الجزاء، يعني: ليس كلما كانت الفاء السَّببيَّة واقعة في جواب نهيٍ فأسقطت الفاء وقصدت الجزاء صح الجزم لا، هذا يُستثنى النهي فقط، إن صحَّ أن يُركَّب (إِنْ لا) وصَحَّ المعنى صَحَّ الجزم وإلا فلا، ولو أسقطت الفاء وقصدت الجزاء.

(وَشَرْطُ جَزْمٍ) (شَرْطٌ) مبتدأ، و (جَزْمٍ) مضاف إليه، و (شَرْطُ) مضاف، و (جَزْمٍ) مضاف إليه، (بَعْدَ نَهْيٍ) على جهة الخصوص لا بعد غيره، (بَعْدَ) هذا مُتعلِّق بقوله (جَزْمٍ) لأنَّه مصدر، (بَعْدَ نَهْيٍ) فيما مرَّ أن يَصحَّ (أَنْ تَضَعْ إِنْ قَبْلَ لاَ) جملة أَنْ تَضَعْ (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ: وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ وضعك، (وضعك) هذا خبر. (إِنْ) الشَّرطيَّة (قَبْلَ لاَ) النافية، (دُونَ تَخَالُفٍ) في المعنى، فإن صحَّ المعنى مع هذا التركيب صَحَّ الجزم وإلا فلا، (دُونَ تَخَالُفٍ) (دُونَ) هذا حال من (إِنْ)، والمراد بالتخالف هنا: بطلان المعنى (يَقَعْ) يعني: التَّخالف. قال في (شرح الكافيَّة): "لم يُخالف في هذا الشَّرط المذكور غير الكِسَائي " يعني: يكاد أن يكون مُجمع عليه هذا الشَّرط، ونَسبَه المُرَادِي في شرحه إلى الكوفيين، لكن في (شرح الكافيَّة) لم ينسبه إلا للكسائي. قال الشَّارح هنا -مع الأمثلة ستأتي-: " لا يجوز الجزم عند سقوط الفاء بعد النَّهي إلا بشرط: أنْ يَصح المعنى بتقدير دخول (إِنْ) الشرطية على (لا) فتقول: لا تَدْنُ مِنَ الأسد تَسْلَمْ" لا تَدْنُ من الأسد فَتَسْلَمَ هذا الأصل، أسقطت الفاء وحِينئذٍ قَصَدْتَ الجزاء، بقي شرطٌ ثالث لا بُدَّ من تحقيقه. أن تقول: لا بُدَّ أن يصح تقدير: إن لا .. إن لا تدنُ من الأسد تسلم، إذًا: سلامتك مبنية على عدم دُنُوِّك من الأسد، لا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ .. إن لا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ، إذاً لا يصح، إذًا: (يَأْكُلْكَ) هذا واقع في جواب (لا تَدْنُ)، هل يصح القصد .. قصد الجزاء مع إسقاط الفاء والجزم؟ نقول: لا يصح لعدم تحقُّق الشرط: إن لا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ، لا يصح هذا، إذاً: لا يصح الجزم في جواب النهي في هذا التركيب لِعَدم صحة المعنى مع قولنا: (إن لا). فتقول: لا تَدْنُ من الأسد تَسْلَمْ، بجزم (تَسْلَمْ) إذ يصح: إن لا تَدْنُ من الأسد تَسْلمْ، ولا يجوز الجزم في قولك: لا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلُكَ، يعني: بالجزم لا يصح: إلا تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ، حينئذٍ يكون فاسداً، لا تكفر تدخلْ الجنة .. إن لا تكفر تدخل الجنة .. – إن شاء الله ولو ثانوياً، يعني: لا يشترط دخول الأول حتى لا يعترض المثال -. لا تكفر تدخل النار، يصح الجزم؟ لا يصح، إن لا تكفر تدخل النار، نقول: لا يصح المعنى. إذاً: (وَشَرْطُ جَزْمٍ بَعْدَ نَهْيٍ) فيما مر، أنْ يصح أَنْ تَضَعْ (إِنْ) الشَّرطيَّة قبل (لاَ) النافية دُونَ تَخَالُفٍ في المعنى (يَقَعْ) يعني: واقعٍ، هذا نعت لـ (تَخَالُفٍ). وشرط الجزم بعد الأمر، قيل: صحة وضع: أن تفعل، فإن صَحَّ حينئذٍ صَحَّ وإلا فلا، لكن قليل من نبَّه على هذا، وإلا كثير يستثنون الشرط فقط، فيمتنع الجزم في: أحسن إليَّ لا أُحْسِنُ إليك، فإنه لا يجوز: إنْ تُحْسِن إليَّ لا أُحْسِنْ إليك، لكونه غير مناسب. وأجاز الكِسَائي ذلك بناءً على أنَّه لا يُشترط عنده دخول (إِنْ) على (لا)، فجزمه على معنى: إن تَدْنُ من الأسد يَأْكُلْكَ.

وَالأَمْرُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ افْعَلْ فَلاَ ... تَنْصِبْ جَوَابَهُ وَجَزْمَهُ اقْبَلاَ ما المراد؟ هذا شرح لبيان قوله: (بَعْدَ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ مَحْضَيْنِ) قلنا المُراد بالطَّلب المحض .. الأمر: أنْ يكون بصيغة (افعل) هنا قال: (وَالأَمْرُ إنْ كَانَ بِغير افْعَل) بغير صيغة (افْعَلْ)، (فَلاَ تَنْصِبْ جَوَابَهُ) خلافاً لمن أجازه، فَلاَ تَنْصِبْ جَوَابَهُ مع الفاء كما تَقدَّم. (وَجَزْمَهُ اقْبَلاَ) يعني: إذا منَعْنَا: صه فَنُكْرِمَك، لا نَمنع: صه أُكْرِمْك، لأن الأمر هنا غير مَحض، لو أسقطنا الفاء وقصدنا الجزاء هل يصح الجزم؟ نعم، قال: (وَجَزْمَهُ اقْبَلاَ) اقبل جزمه ولو منعنا نصبه، لأنَّه قال: (فَلاَ تَنْصِبْ جَوَابَهُ) فلا يُفْهَم منه أنَّه إذا أسقطت الفاء فقلت (صه) وقصدت الجزاء (نُكْرِمْك) أنَّه لا يصح، لا، بل يصح. ومعنى كون الطلب محضاً: أن يكون بصريح الفعل الدَّال على الطلب بوضعه، فإن كان الطَّلب بالمصدر نحو: ضرباً زيداً فَيَسْتَقِيمُ أمرُه، رَفَعْتَ، (فَيَسْتَقِيمَ) نقول: لا يصح، (فَيَسْتَقِيمُ) على الرَّفع هذا هو الصواب، أو كان باسم الفعل نَحو: صه فَنُكْرِمُك، وَنَزَالِ فَنُكْرِمُك، أو كان الطَّلب بما وضع للدَّلالة على الخبر: حسبك الحديثُ فينامُ الناس. حينئذٍ نقول: يَجب فيه الرَّفع، لماذا؟ لأنَّ شرط الأمر: أن يكون بصيغة (افْعَلْ) الصريح .. الموضوع: ائتني، حينئذٍ نقول: إذا جاء باسم فعل الأمر، سواءٌ كان مشتقاً أو جامداً: صه فَنُكْرِمُك .. نزال فَنُكْرِمُك، نقول: في المعنيين حينئذٍ لو كان فيه معنى الفعل مع حروفه، أو معنى الفعل وحروفه كذلك لا ينصب الفعل بعد الفاء. وكذلك إذا كان جواباً لمصدر: ضرباً زيداً فَيَسْتَقِيمُ أمره، يعني: اضرب زيداً ضرباً فَيَسْتَقِيمُ أمره، وقع في جواب الطلب لكنه بالمصدر النائب عن الفعل، كذلك لا ينصب الفعل، لأنَّه ليس بصريح .. ليس بمحضٍ، وكذلك إذا كان في جواب جملة في اللفظ هي خبرية وفي المعنى هي إنشائية يعني: أمر حينئذٍ لا ينصب. (وَجَزْمَهُ اقْبَلاَ) عند حذفها، قال في (شرح الكافيَّة): " بإجماع وذلك نحو قوله تعالى: ((تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ)) [الصف:11 - 12] " (يَغْفِرْ) هذا في جواب (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) كيف هذا؟ لأنَّه خبر في معنى الأمر: آمنوا بالله ورسوله يَغْفِرْ لَكُمْ، (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ) نقول: هذا خبرٌ في اللفظ لكنَّه في المعنى طلب .. أمر، آمنوا بالله وجاهدوا .. آمنوا وجاهدوا .. (يَغْفِرْ) إذاً: وقع في جواب الطلب لكنَّه خبرٌ لفظاً ومن جهة المعنى هو أمرٌ، هل يجوز النصب؟ لا يجوز النصب، لأنَّه ليس محضاً. ومثله: اتَّقَى اللهَ امْرُؤٌ فعل خيراً يُثَبْ عليه، لأنَّه في قوة: لِيَتَّقِ وليفعل يُثَب، إذًا: (يُثَب) هذا في جواب الأمر، لكنَّه معنىً لا لفظاً. ومَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي اثْبُتي مكانك، (مكانك) هذا اسم فعل.

وَالأَمْرُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ افْعَلْ فَلاَ ... تَنْصِبْ جَوَابَهُ. . . . . . . . . يعني: مع الفاء، (وَجَزْمَهُ اقْبَلاَ) (جَزْمَهُ) هذا مفعولٌ به مُقدَّم على قوله: (اقْبَلاَ) الألف هذه للتَّوكيد، وقدَّم المعمول هنا على الفعل المؤكَّد ضرورةً. قد سبق أنَّه إذا كان الأمر مدلولاًً عليه باسم فعلٍ، أو بلفظ الخبر لم يجز نصبه بعد الفاء، وقد صرَّح بذلك هنا، إذاً: صرَّح بمفهوم ما سبق، فقال: متى كان الأمر بغير صيغة (افْعَل) ونحوها فلا ينتصب جوابه، ولكن لو أَسْقَطت الفاء جَزَمْتَه بلا خلاف، ولو كان يمتنع نصبه بعد الفاء، كقولك: صه أُحْسِن إليك، هنا جزمت مع كونه لو ذُكِرت الفاء لم يَجُز فيه النصب: وحسبك الحديث ينمِ الناس، يعني: اكفف الحديث، وإليه أشار بقوله: (وَجَزْمَهُ اقْبَلاَ). وأجاز الكِسَائي النصب بعد الفاء والمجاب بها اسم فعل أمرٍ نحو: صه فَأُكْرِمَك، جائز على مذهب الكِسَائي ولو كان في جواب الأمر، أو خبر بمعنى الأمر نَحو: حسبك الحديثُ يَنَامَ الناس، وابن عصفور في جواب (نَزَالِ) من اسم الفعل المشتق (نَزَالِ وَدَرَاكِ) قال: لأنَّه قريبٌ من الفعل، لأنَّه فيه مادة الفعل (نَزَالِ) هذا فيه معنى الفعل وحروفه و (صه) فيه معنى الفعل دون حروفه، فرَّق بينهما ابن عصفور فَجوَّز أن يكون في جواب اسم الفعل إذا كان فيه معنى الفعل وحروفه، دون اسم الفعل إذا كان فيه معنى الفعل دون حروفه. ولم يستند هؤلاء إلى سماعٍ عن العرب، وإنَّما قالوه قياساً على فعل الأمر فحسب، إذًا: الأصل فيه المنع. وَالْفِعْلُ بَعْدَ الْفَاءِ فِي الرَّجَا نُصِبْ ... كَنَصْبِ مَا إِلَى التَّمَنِّي يَنْتَسِبْ هذا هو داخلٌ في قوله: (طَلَبْ)، قلنا: الرَّجاء لم يذكره، حتى ابن عقيل لم يُمَثِّل له، لماذا؟ لأنَّ أكثر البصريين على المنع، والبصريون في الخلاف يراعون ولذلك أفردهم ببيت يرد عليهم - صحيح: البصريون ليسوا كغيرهم - فهنا أفرد الرجاء ببيتٍ لكون البصريين جمهورهم على المنع، لا يُنصب الفعل بعد الطَّلب إذا كان رجاءً. مذهب البصريين أنَّ الرجاء ليس له جوابٌ منصوب وتأوَّلوا ذلك بما فيه بُعدٌ، وأجازه الفرَّاء ومنعه الجمهور، واختار المصنف هنا مذهب الفرَّاء، ولذلك جاء: ((لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ)) [غافر:36 - 37] (فَأَطَّلِعَ) ظاهره أنَّه وقع في جواب (لَعَلِّي) وهو رجاء، وهذه الفاء فاء السَّببيَّة، و (أَطَّلِعَ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أن) مضمرة بعد فاء السَّببيَّة الواقعة في جواب الطلب وهو (لَعَلِّي)، ما دام أنَّه ورد .. أجازه الفرَّاء فهو الظَّاهر، ولذلك أجازه ابن مالك هنا. (وَالفِعْلُ بَعْدَ الفَاءِ) دون الواو لأنَّه لم يُسمع .. لم يُسمع في الواو وإنَّما سُمع في الفاء، (وَالفِعْلُ) هذا مبتدأ، (بَعْدَ الفَاءِ فِي الرَّجَا نُصِبْ) (نُصِبْ) هذا خبر المبتدأ، و (بَعْدَ الفَاءِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (نُصِبْ)، (فِي الرَّجَاءِ) قصره للضرورة، وأفرده بالذكر مع دخوله في الطلب اهتماماً بشأنه لكون البصريين خالفوا فيه، لأنَّهم منعوه.

(وَالفِعْلُ بَعْدَ الفَاءِ) قيَّد بالفاء لِعدم سماع النصب بعد الواو في الرَّجاء، وكذا بعدها في الدُّعاء والعرض والتحضيض كما مَرَّ. . . . . . . نُصِبْ ... كَنَصْبِ مَا إلَى التَّمَنِّي يَنْتَسِبْ (كَنَصْبِ) هذا نعت لمصدر محذوف، أي: نصباً كائناً كَنَصْبٍ، (نُصِبْ) الفِعْلُ نُصِبَ فِي الرَّجَاء بَعْدَ الفَاءِ نصباً كائناً كَنَصْبٍ، (كَنَصْبِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف نعت لمصدر (نصباً) هذا محذوف، و (كائناً) هو مُتعلِّق الجار والمجرور. كَنَصْبِ الذي يَنْتَسِبْ إلَى التَّمَنِّي، يعني: الرَّجاء والتَّمنِّي من بابٍ واحدٍ، فما دام أنَّه جاز في التَّمنِّي عند البصريين وغيرهم فكذلك شأنه في الرَّجاء، إذاً: أراد بهذا البيت التَّعميم أنَّ الشأن في الرَّجاء كالشأن في التَّمنِّي، وأنَّ النصب بعد فاء السَّببيَّة يكون في جواب الرَّجاء كما يكون في جواب النَّفي. وَالفِعْلُ بَعْدَ الفَاءِ فِي الرَجَا نُصِبْ .. الفِعْلُ نُصِبْ بَعْدَ الفَاءِ فِي الرَّجاء، قلنا: قَصَره للضرورة، و (بَعْدَ) هذا مُتعلِّق بـ (نُصِبْ) هو حال من نائب الفاعل نُصِبْ، نُصِبَ هو .. نائب فاعل، و (بَعْدَ) هذا حالٌ منه. كَنَصْبِ مَا يَنْتَسِبُ إلَى التَّمَنِّي. قال الشَّارح: " أجاز الكوفيون قاطبةً أنْ يُعامل الرَّجاء معاملة التَّمنِّي، فَيُنْصَب جوابه المقرون بالفاء كما نُصِب جواب التَّمنِّي، وتابعهم المصنف ومِمَّا ورد منه قوله تعالى: ((لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ)) [غافر:36 - 37] في قراءة من نَصب (أَطَّلِعْ) وهو حفص عن عاصم "، و ((لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى)) [عبس:3 - 4] مثله. وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ ... تَنْصِبُهُ أَنْ ثَابِتَاً أَوْ مُنْحَذِفْ الخمسة المواضع التي يَتعيَّن فيها إضمار (أَنْ) هي: بعد لام الجحود .. بعد (أَوْ) بِشرطها .. بعد (حَتَّى) .. بعد فاء السَّببيَّة .. بعد واو المعيَّة، هذه خمسة. والتي يجوز فيها الإضمار والإظهار كذلك خمسة: سبق نوع واحد وهو: اللام إذا لم تكن مسبوقةً بكونٍ ناقصٍ منفي ولم يكن بعدها (لا)، بِهذين القَيْدين حينئذٍ يكون النصب بعدها بـ (أَنْ) مضمرة: ((وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ)) [الأنعام:71] .. ((وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ)) [الزمر:12] ظهرت اللام وَأُضْمِرت. في هذا البيت تَمَّمَ الخمسة؛ لأنَّ المواضع خمسة، وهنا تَمَّمَ. يُنْصَب الفعل بـ (أَنْ) مضمرة جوازاً في مواضع وهي خمسة: الأول: بعد اللام إذا لم يسبقها كونٌ ناقصٌ ماضٍ منفي، ولم يقترن الفعل بـ (لا)، وسبق هذا فيما مضى عند قوله: . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . وَإِنْ عُدِمْ لاَ فَأَن اعمِل مُظْهَراً أَوْ مُضْمَراً ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. والأربعة الباقية هي المُرادة بِهذا البيت وهي:

أنْ تعطف الفعل على اسمٍ خالصٍ بواحدٍ من أربعة أحرف: إمَّا (الواو)، وإمَّا (أوْ)، وإمَّا الفاء، وإمَّا (ثُمَّ)، هذه جعلوها أربعة مواضع وإلا في الحقيقة هي موضع واحد، أن يُعطف الفعل المضارع على اسمٍ خالص، يعني: اسمٍ خالصٍ من شائبة الفعل، يعني: ليس فيه معنى الفعل، لا اسم فاعل، ولا اسم مفعول، ولا اسم تفضيل، ولا غيره مِمَّا سبق مِراراً معنا. إنْ عُطِفْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ بواحدٍ من هذه الحروف الأربعة حينئذٍ جاز النصب بـ (أَنْ) مضمرةً، بل نُصِب الفعل المضارع بـ (أَنْ) مضمرةً جوازاً. وَإنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ .. وَإنْ فِعْلٌ عُطِفْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ، (عَلَى اسْمٍ) مُتعلِّق بقوله: (عُطِفْ)، و (عُطِفْ) هذا مُغيَّر الصيغة، و (فِعْلٌ) السابق عليه هذا نائب فاعل لفعلٍ محذوف، لأنَّه هو التَّالي لـ (إِن) الأصل: إنْ فِعْلٌ عُطِفْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ، و (فِعْلٌ) هذا مرفوع ولا يتلو (إنْ)، إذاً: لا بُدَّ من تقدير عاملٍ يُفسِّره المذكور: وإِنْ عُطِفَ فِعْلٌ عُطِفْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ). إذاً: (فِعْلٌ) هذا نائب فاعل لفعلٍ محذوفٍ وجوباً يُفسِّره العامل المذكور، (عَلَى اسْمٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (عُطِفْ)، و (خَالِصٍ) نعتٌ له، واحترز بالخالص من الاسم الذي في تأويل الفعل، لأنَّه ليس بِخالص، فيدخل في الاسم الخالص شيئان: المصدر، والاسم الجامد الذي ليس بمصدر. وإنَّما قال: (عَلَى اسْمٍ) ولم يقل: على مصدرٍ كما قال بعضهم، ليشمل غير المصدر، فإن ذلك لا يختصُّ به فتقول: لولا زَيْدٌ وَيُحْسِنَ إليَّ لَهَلَكْتُ، هنا (يُحْسِنَ) وقع بعد واوٍ عاطفة، والمعطوف عليه (زَيْد) هل هو اسم خالص؟ نعم اسمٌ خالص، هل هو مصدر؟ لا، ليس بِمصدر، إذاً قوله: (اسْمٍ خَالِصٍ) ليشمل المصدر وغير المصدر، كالمثال الذي ذكرناه. حينئذٍ: لولا زَيْدٌ وَيُحْسِنَ .. لولا زَيْدٌ وَأنْ يُحْسِنَ، يجوز الوجهان: الإظهار والحذف، لولا زَيْدٌ، وَأن يُحْسِنَ إليَّ لَهَلَكْتُ. وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ .. أطلق العاطف هنا النَّاظم، ولكن المراد به واحدٌ من الأربعة التي ذكرناها: إمَّا (الواو)، وإمَّا (أو)، وإمَّا الفاء، وإمَّا (ثُمَّ)، وما عداه فلا، لأنَّه لم يُسْمَع إلا في هذه المواضع الأربعة: واوٌ، وأوْ، وفاءٌ، وثُمَّ، وما عداه فالأصل المنع. (تَنْصِبُهُ) ما إعراب تنصبه؟ (تَنْصِبُهُ) هذا جواب الشَّرط .. (تَنْصِبُهُ أَنْ)، و (أَنْ) فاعل (تَنْصِبُ) قُصِد لفظها، (ثَابِتاً) هذا حالٌ، (أَوْ مُنْحَذِفْ) معطوفٌ على (ثَابِتاً) ووقف عليه بالسكون للضرورة، أو نقول على لغة ربيعة؟ (مُنْحَذِفْ) وقف عليه بالسكون، لا نقول على لغة ربيعة وإنَّما نقول للضرورة، لماذا؟ لأنَّه لا يُجمع بين لغتين، الجمهور على الوقف بالألف في النصب، وهنا قال (ثَابِتاً أَوْ مُنْحَذِفْ) فالأصل فيه أنْ يعامله معاملة (ثَابِتاً)، ولذلك نقول ضرورة، الظاهر أنَّه معطوفٌ على (ثَابِتاً) ووقف عليه بالسكون للضرورة. إذاً: تَنْصِبُهُ أَنْ ثَابِتاً أَوْ مُنْحَذِفْ .. (ثَابِتاً) ولم يقل (ثابتةً) لأنَّه حالٌ من (أَنْ) وَقُصِد به أنَّه حرف، ولذلك ذكَّره.

قال هنا الشَّارح: " يجوز أن يُنْصَب بـ (أَنْ) محذوفةً أو مذكورةً بعد عاطفٍ تَقدَّم عليه اسمٌ خالصٌ، أي: غير مقصودٍ به معنى الفعل، وذلك كقوله: ولُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرَّ عَيْنِي ... أَحَبُّ إِليَّ مِن لُبْسِ الشُّفُوفِ (لُبْسُ) هذا مصدر، و (تَقَرَّ) (تَقَرَّ) فعلٌ مضارع وقع بعد واوٍ وهي عاطفة، وعطفت الفعل المضارع على (لُبْسُ)، و (لُبْسُ) هو مصدر. إذاًَ: وَإنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ .. فعلٌ مضارع عُطِف على (اسْمٍ خَالِصٍ)، وهنا عُطِف على (لُبْسْ)، إذاً: يجوز فيه الوجهان، (وَتَقَرَّ) بحذف (أنْ): وأنْ تَقَرَّ .. يجوز إظهارها، فـ (تَقَرَّ) منصوبٌ بـ (أنْ) محذوفة وهي جائزة الحذف، لأنَّ قبله اسم صريحاً وهو (لُبْسُ) وكذلك هذا بعد الواو. إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكاً ثُمَّ أَعْقِلَهُ .. (أَعْقِلَهُ) فعل مضارع وقع بعد (ثُمَّ) وعُطِف على المصدر (قَتْلِي)، إذاً: جاز فيه الحذف، ويجوز الذِّكْر، يعني: ثُمَّ أنْ أَعْقِلَهُ .. ثُمَّ أَعْقِلَهُ، فـ (أَعْقِلَهُ) منصوبٌ بـ (أَنْ) محذوفةٌ وهي جائزة الحذف، لأنَّ قبله اسماً صريحاً وهو (قَتْلِي) وهو مصدر. لَوْلاَ تَوَقُّعُ مُعْتَرٍّ فأُرْضِيَه .. وقع بعد الفاء (فأُرْضِيَه) .. فأنْ أرضيه، عَطفٌ على (تَوَقُّعُ) وهو مصدر، (فأُرْضِيَهُ) منصوبٌ بـ (أن) محذوفةً جوازاً بعد الفاء، لأنَّ قبلها اسماً صريحاً وهو (تَوَقُّعُ). وكذلك قوله تعالى بعد (أو): ((وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً)) [الشورى:51] (يُرْسِلَ) بالنصب بـ (أَنْ) مضمرةً جوازاً بعد (أوْ) العاطفة على المصدر، أين هو؟ (إِلاَّ وَحْيًا) أو إرسالاً فـ: (يُرْسِلَ) بقراءة غير نافع بالنصب عطفاً على (وَحْيًا)، (يُرْسِلَ) منصوبٌ بـ (أنْ) الجائزة الحذف، لأنَّ قبله (وَحْيًا) وهو اسمٌ صريح. فإن كان الاسم غير صريح، أي: مقصوداً به معنى الفعل لم يجز النصب، نَحو: الطائر فيغضب زيدٌ الذباب - كالمثال السابق هناك - (الطائر) هذا مبتدأ، (الذباب) خبر، (فيغضب) (يغضب) هذا فعل مضارع وقع بعد فاء عاطفة عطفت (يغضب) على (الطائر) هل هو اسمٌ خالص؟ ليس اسماً خالصاً، اسم فاعل: الذي يطير، إذاً: فيه معنى الفعل ليس خالصاً من شائبة الفعل، إذاً: لا يجوز النَّصب، فلا يقال: (فَيَغْضَبَ) ممنوعٌ هذا، (فَيَغْضَبُ) يجب رفعه، لأنَّه معطوفٌ على (طائر) وهو اسمٌ غير صريح، لأنَّه واقعٌ موقع الفعل من جهة أنَّه صِلةٌ لـ (أل)، وحقُّ الصِّلة أن تكون جملة، فَوُضِع (طائر) موضع (يطير) والأصل: الذي يطير، فلما جيء بـ (أل) عُدِل عن الفعل إلى اسم الفاعل لأجل (أَلْ) لأنها لا تدخل إلا على الأسماء. وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ فِي سِوَى ... مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى يعني: (حَذْفُ أَنْ) مع النصب في غير المواضع العشرة المذكورة في واجبة النصب وجائزة النصب شاذٌّ لا يُقبل منه إلا ما نقله العدول سماعاً ولا يقاس عليه، وأفْهَمَ كلامه: أنَّ ذلك مقصورٌ على السماع لا يجوز القياس عليه، لأنَّه قال:

وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ فِي سِوَى ... مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ ............ من ذلك المنصوب بعد حذف (أَنْ) مَا رَوَى عَدْلٌ، وإذا قال: (رَوَى عَدْلٌ) بِمعنى: أنَّه موقوفٌ على السَّمَاع، وفي القياس عليه خلافٌ، فقد أجاز ذلك الكوفيون. إذاً: فُهِم منه أنَّ (حَذْفُ أَنْ) ورفع الفعل ليس بشاذ، (وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ) (شَذَّ) فعل ماضي، و (حَذْفُ) فاعل وهو مضاف، و (أَنْ) قُصِد لفظه مضافٌ إليه، (وَنَصْبٌ) معطوفٌ على (حَذْفْ)، وسكت عن الرَّفع، لأنَّ الأحوال: إمَّا أن يُحذف (أَنْ) ويبقى الفعل منصوباً، هذا حكم عليه بأنه شاذ، (وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ) سكت عن (حَذْف أَنْ ورفعٌ) هل هو قياسي أو لا .. هل هو جائزٌ أم لا، قبل أن يكون قياسي؟ فُهِم منه: أنَّ (حَذْفَ أَنْ) ورفع الفعل ليس بشاذ، وهو ظاهر كلامه في (التسهيل) وجعل منه: ((وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا)) [الروم:24] (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرِيَكُمْ) هذا الأصل، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرِيَكُمْ) فحذفت (أنْ) ورُفِع الفعل. إذاً: الذي حَكم عليه بكونه شاذَّاً (حَذْفُ أَنْ) وبقاء النصب، ولذلك قال: (وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ) وسكت عن الرفع، فدلَّ على أنَّه جائز وليس بشاذ، بل نَصَّ في (التسهيل) على أنَّه جائز ومثَّل له بالآية: ((وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا)) [الروم:24] فـ (يُرِيكُمُ) صلةٌ لـ (أن) حُذِفت وبقي (يُرِيكُمْ) مرفوعاً وهذا هو القياس، لأنَّ الحرف عاملٌ ضعيف فإذا حُذِف بطل عمله وهو النصب حينئذٍ ارتفع. وذهب قوم إلى أنَّ (حَذْف أَنْ) مقصورٌ على السَّماع مُطلقاً فلا يرفع ولا ينصب بعد الحذف إلا ما سُمِع، وفائدة الخلاف هنا: لو قيل بأن (أنْ) حُذِفت ورُفِع الفعل، إذا حكمنا بكونها حُذِفت ورفع الفعل، إذا احتجنا إلى سابك للفعل هل نراعي (أنْ) المحذوفة أو لا؟ فمن جوَّز حذف (أنْ) ورفع الفعل ولوحِظَت (أنْ) حينئذٍ صحَّ أنْ يَسبِك الفعل بـ (أنْ) المحذوفة ويكون مصدراً. إذاً: حذف (أنْ) المصدرية مع إبقاء عملها في غير المواضع العشرة شاذٌّ، وهذا قول جمهور البصريين، وذهب جمهور الكوفيين إلى جواز حذفها وبقاء عملها من غير قيدٍ قياساً على ما ورد من ذلك، لأنَّه ورد في بعض الأبيات لكنَّه شاذ يُسمع ولا يقاس عليه. وذهب الأخفش إلى جواز الحذف لكن بشرط: أن يرتفع الفعل المضارع فتُقدَّر (أنْ) لسبك الفعل للمصدر إن احتيج لذلك - وهذا جَيِّد - يعني: يجب الرَّفع لا إشكال فيه، لأنَّ (أنْ) لا تعمل وهي محذوفة، لكن لو احتجنا إلى رابط يسبك الفعل المضارع فملاحظة (أنْ) المحذوفة لا إشكال فيه. (وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ) قلنا: (نَصْبٌ) هذا معطوفٌ على (حَذْف) ولذلك رفعه، (فِي سِوَى مَا مَرَّ) والذي مرَّ عشرة مواضع خمسة في الوجوب .. وجوب الإضمار، وخمسة في الجواز، (فَاقْبَل مِنْهُ) يعني: ما حُذِف (أَنْ) وبقي النصب الذي (رَوَى عَدْلٌ).

قال الشَّارح: لَمَّا فرغ من ذكر الأماكن التي يُنصب فيها بـ (أن) محذوفةً إمَّا وجوباً وإمَّا جوازاً وهي عشرة ذَكَر أنَّ حذف (أنْ) والنصب بها في غير ما ذُكِر شاذٌّ لا يقاس عليه، ولذلك قلنا الفائدة من معرفة فاء السَّببيَّة، وواو المعية: أنَّك تنصب ما بعدها فتجعلها علامة، ليست هي ناصبة، وإنَّما علامة حذف (أنْ) مضمرة وجوباً في هذا الموضع بعد فاء السَّببيَّة، وإلا لا دخل لفاء السَّببيَّة، ولا دخل لواو المعيَّة في النَّصب، وإنَّما يُضْبط الحذف بعدها فحسب. ذَكَر أنَّ حذف (أنْ) والنصب بها في غير ما ذُكِر شاذٌّ لا يقاس عليه، ومنه قولهم: مُرْه يَحفرها، لا عندنا واو، ولا عندنا فاء (يحفرها). بنصب (يَحفرَ) أي: مُره أن يَحفِرها، لو قال: فيحفرها، طيب على الأصل، أمَّا: (يحفرها) هكذا .. ومنه قولهم: خُذ اللص قبل يَأْخُذَك، فـ (يَأخُذَكَ) هذا منصوبٌ بـ (أنْ) محذوفة، أي: قبل أن يأخذك، وقول الشاعر: أَلاَ أيُّهَا ذَا الزَّاجِري أَحْضُرَ الوَغَى .. في رواية من نصب (أَحْضُرَ)، أي: أن أَحْضُرَ، ومنه المثل المشهور: تَسْمَعَ بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، قلنا: هذا شاذ يُحفظ ولا يقاس عليه، بل الكوفيون لَمَّا سمعوا هذه: تَسْمَعَ بالمعيدي، ومثله: (أَحْضُرَ الوغى) قالوا: إذاً هو جائز، والصواب: أنَّه شاذٌّ. وَشَذَّ حَذْفُ أَنْ وَنَصْبٌ فِي سِوَى ... مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ ............ وما سُمع فهو موقوفٌ على السَّماع. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

112

عناصر الدرس * شرح الترجمة (عوامل الجزم) ـ * الأدوات التي تجزم فعلاً واحداَ, وبعض أحكامها * الأدوات التي تجزم فعلين وبعض أحكامها * أدوات الشرط تطلب فعلين الأول يسمى فعل الشرط والثاني جوابه * أحوال جملتي الشرط والجزاء من حيث نوع الفعل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظِم - رحمه الله تعالى -: (عَوَامِلُ الْجَزْمِ). هذا هو النَّوع الثالث من أنواع إعراب الفعل المضارع، قلنا: الفعل إمَّا أن يكون مُعرباً، وإمَّا أن يكون مبنياً، والبناء إمَّا أن يكون على الفتح وإمَّا على السكون، يكون على الفتح إذا اتَّصَل به نونا التوكيد الثقيلة أو الخفيفة، ويكون بناؤه على السكون إذا اتَّصَل به نون الإناث، هاتين الحالتين نحكم عليه بأنَّه مبني. وأمَّا إعرابه فهو إمَّا أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجزوماً، هذه ثلاثة أنواع: إمَّا أن يكون مرفوعاً، وإمَّا أن يكون منصوباً، وإمَّا أن يكون مجزوماً، فالرَّفع أشار إليه بقوله: (ارْفَعْ مُضَارِعَاً) والنَّصب: (وَبِلَنِ انْصِبْهُ)، ثُم شَرَع في بيان الجزم، وقال: (عَوَامِلُ ?لْجَزْمِ). وهناك قال: (إِعْرَابُ الْفِعْلِ) فجمع بين نوعين: الرَّفْع والنَّصْب، ولم يُعنْوِن لأن الرَّفْع ذكره في بيت واحد ... لا يَحتاج إلى ذكر، وإنَّما يكون مرفوعاً والعامل فيه تَجرُّده، ثُم الرَّفْع قد يكون بِحركة وقد يكون بِحرفٍ ولا إشكال فيه، ليس فيه تفصيل، وأمَّا النَّصب فيحتاج إلى تفصيل، ولذلك بدأ بالبيت الثَّاني: (وَبِلَنِ انْصِبْهُ). ثُم قال: (عَوَامِلُ ?لْجَزْمِ) (عَوَامِلُ) جمع عامل، وسَبَق أنَّ العَامِل ما أثَّر في آخر الكلمة من اسمٍ أو فعلٍ أو حرف، أو ما أوجب كون آخر الكلمة على وجهٍ مخصوص من رفْعٍ أو نَصْبٍ أو خفضٍ أو جزمٍ، وقلنا: الثاني أعمُّ من الأول، لأن الأول يقتضي أن يكون الذي أثَّر: إمَّا أن يكون فعلاً، أو اسْماً أو حرفاً، وهذه عوامل لفظيَّة، وبقي العوامل المعنويَّة، لأن قوله: من فعلٍ أو اسمٍ أوحرفٍ، هذا بيان لِمَا .. ما أثَّر .. "ما" شيءٌ أثَّر في آخر الكلمة .. في آخر الاسم المعمول .. في المعمول، حِينئذٍ ما هو الذي أثَّر في آخر الكلمة؟ قال: من اسمٍ أو فعلٍ أو حرف، هل العوامل كلها محصورة في هذه الأنواع الثلاثة؟ الجواب: لا، هذا ذكرٌ لنوع واحد من نوعي العامل، وهو العامل اللفظي، وبقي عليه العامل المعنوي. ولذلك القول بأنه ما أوجب كون آخر الكلمة على وجهٍ مخصوص، يعني: شيءٌ أوجب كون آخر الكلمة على وجهٍ مخصوص، ثُم فسَّر هذا الوجه المخصوص بكونه من رفعٍ أو خفضٍ أو نصبٍ أو جزمٍ، قوله: ما أوجب، شيءٌ أوجب، قد يكون لفظياً وقد يكون معنوياً، فالتخصيص ليس بواردٍ. (عَوَامِلُ ?لْجَزْمِ) عرفنا الجزم المراد به في اللغة: هو القطع، جزمت الحبل إذا قَطَعتَه، وأمَّا في الاصطلاح: فهو - كما سبق معنا - تغيير مخصوص علامته السكون وما ناب عنه.

تغييرٌ مخصوص: هذا بناءً مذهب الكوفيين من أنَّ الإعراب معنوي، وعلى القول بأنه لفظي هو السكون وما ناب عنه، الذي ينوب عن السكون شيءٌ واحد وهو الحذف، والسكون داخلٌ في الحذف، لأن الحذف إمَّا أن يكون حذف حركة، أو يكون حذف حرفٍ، وإذا قيل: يقوم .. لم يقم، أنْتَ حذفت الحركة فصار سكون، فالسكون حِينئذٍ ليس من الحركات، ولذلك الحركات إمَّا ضَمَّة أو فتحة أو كسرة، لأنها شيءٌ يُلفظ بها، وأمَّا السكون فهو عدم حِينئذٍ لا يلتفت إليه. (عَوَامِلُ ?لْجَزْمِ) قلنا: هذا من خصائص الفعل المضارع، لأن العمل إذا كان خاصَّاً بالاسم فلا يعمل ذلك العمل الخاص إلا ما اخْتصَّ بالدخول عليه، فإذا قيل: بأن أنواع الإعراب أربعة: رفعٌ ونصبٌ وخفضٌ وجزمٌ، اشترك الاسم والفعل في الرَّفْع والنَّصْب، وانفرد الاسم بالخفض ولم يشاركه الفعل، وانفرد الفعل بالجزم ولم يشاركه الاسم. حِينئذٍ كل ما اقتضى عملاً خاصَّاً فلا بُدَّ أن يكون العامل فيه مِمَّا يَختصُّ بِمدخوله، إن كان خفضاً فلا يعمل فيه إلا ما اخْتصَّ بالدخول على الاسم وهو حرف الجر أو المضاف، ولذلك المضاف وحرف الجر لا يدخلان الفعل البتَّة، وكذلك الجزم، نقول: النوع هذا من خصائص الفعل المضارع، حِينئذٍ ما الذي يُحدثه؟ يُحدثه (لَم) و (من) مِمَّا يَجزم فعلاً واحداً أو يَجزم فعلين؟ نقول: هذه لا تدخل إلا على الفعل على جهة الخصوص ولا تدخل على الجملة الاسمية، ولا على الاسم لوحده. ولذلك مِمَّا يُرجح أنَّ قوله: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6] فأن (أنْ) هنا داخلةٌ على جملة فِعليَّة كونها تعمل، حِينئذٍ كيف يُقال: بأنَّها تعمل الجزم، ثُم تدخل على الجملة الاسْمية: (وَإِنْ أَحَدٌ) مبتدأ، وجملة (اسْتَجَارَكَ) خبر، هذا مِمَّا يدل على أنَّ هذا القول ضعيف، والصواب أنَّه: وإن أحدٌ استجارك .. وإن استجارك أحدٌ، يجب التقدير هنا، ويكون (أَحَدٌ) هذا فاعل لفعلٍ محذوف. (عَوَامِلُ ?لْجَزْمِ) يعني: التي تَجزم الفعل المضارع نوعان .. على قسمين: - منها ما يَجزم فعلاً واحداً، ومنها ما يَجزم فعلين، الذي يجزم فعلاً واحداً أربعة ذكرها النَّاظم بقوله: بِلاَ وَلاَمٍ طَالِباً ضَعْ جَزْمَا ... فِي الْفِعْلِ هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا والذي يجزم فعلين إحدى عشرة أداة، عنها بقوله: وَاجْزِمْ بِإِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا ... أَيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْ مَا وَحَيْثُمَا أَنَّى وَحَرْفٌ إِذْ مَا ... كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا البيت الأول فيما يجزم فعلاً واحداً، فذكر فيه أربع أدوات، والبيت الثاني والثالث مِمَّا يَجزم فعلين، وذكر فيه إحدى عشرة أداة: بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا ... فِي الْفِعْلِ. . . . . . . . . .

(ضَعْ) هذا فعل أمر من: وضع .. يضع .. ضع، وسبق أنَّ وضع يضع، حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها، مثل: وعد .. يعد، (وعَدَ) واوي .. من باب (يَفْعِلُ) حِينئذٍ إذا قيل في المضارع: يَعِدُ، نقول: أصله: يَوعِـ .. وقعت الواو بين الفتحة .. الياء، وبين الكسرة فحذفت، حِينئذٍ حذفت لِعلة تصريفيَّة، يَوعِد .. يَعِد، وضَعَ .. يَوضِع، يعني: نُقِل من باب (فَعَل يَفْعَل) إلى: (يَفْعِل) من أجل إسقاط الواو. إذاً: (ضَعْ) نقول: هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنْتَ، (جَزْمَاً) هذا مفعولٌ به. (بِلاَ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (ضَعْ): ضع جزماً بلا، (وَلاَمٍ) هذا معطوفٌ عليه، (طَالِباً): ضع أنْتَ حال كونك طالباً، فدلَّ على أنَّ المراد (بِلاَ وَلاَمٍ) مَمَّا يدلُّ على الطَّلب، (فِي الْفِعْلِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (ضَعْ): ضَع جزماً في الفعل بـ: (لا ولامٍ) حال كونك طالباً بـ: (لا ولامٍ) يعني: كلٌ منهما طلبيَّة، بـ: (لا) الطَّلبيَّة، وهي الناهية أو الدعائية، وبـ: (لامٍ) الطَّلبيَّة وهي لام الأمر أو الدعاء. (هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا) (هَكَذَا) الهاء حرف تنبيه، (كَذَا بِلَمْ) كلاهما جار ومَجرور متعلقان بفعلٍ محذوف دلَّ عليه الأول، أي: وضع جزماً بـ: (لَمْ) و (لَمَّا) (فِي الْفِعْلِ) يعني: في الفعل المضارع، ولذلك أطلقه هنا، وكما سبق أنَّه إذا أطلق في مَقام الإعراب الفعل فالمراد به الفعل المضار. إذاً: هذه أربع أدوات تَجزم الفعل المضارع، ويكون فعلاً واحداً ولا تحتاج إلى شرطٍ ولا جواب، أي: تَجزم (لا واللام) الطلبيتان الفعل المضارع، أمَّا (لا) فتكون للنَّهي، نحو: ((لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40] .. ((لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ)) [لقمان:13] (لا) ناهية هنا، وهي جازمة للفعل المضارع، تفتقر إلى فعلٍ واحد فقط فيظهر أثرها فيه، ولا تحتاج إلى فعلٍ آخر. إذاً: (لاَ) تكون للنَّهي وهي طَلبيَّة: ((لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ)) [لقمان:13] .. ((لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40] وكذلك تأتي (لاَ) الطلبيَّة للدعاء، هو نهيٌ لكن تأدباً يُقال فيه: الدعاء، ((لا تُؤَاخِذْنَا)) [البقرة:286] .. ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا)) [البقرة:286] (لاَ) هذه ناهية في الأصل، لكن يُقال: دعائيَّة، أو طلبيَّة دعائيَّة من باب التأدب فحسب، وإلا فهي في حقيقة الأمر تكون للنهي. ((لا تُؤَاخِذْنَا)) [البقرة:286] فـ: (لاَ) هذه نقول: طالبة لعدم المؤاخذة، فـ: (تُؤَاخِذْنَا) فعل مضارع مَجزوم بـ: (لاَ) النَّاهيَّة، وجزمه سكون آخره: ((لا تُؤَاخِذْنَا)) [البقرة:286] (لا) حرف نهي مبنيٌ على السكون لا مَحلَّ له من الإعراب. كذلك: ((لا تُشْرِكْ)) [لقمان:13] (لا) حرف نهي مبني على السكون لا مَحلَّ له من الإعراب، و (تُشْرِكْ) فعل مضارع مجزوم بـ: (لا) النَّاهيَّة، وجزمه سكون آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، و (بِاللَّهِ) مُتعلِّق به، إذاً: تكون (لا) طلبيَّة ويُفسَّر الطَّلبي هنا بالنَّهي والدعاء، النهي كقوله: ((لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ)) [لقمان:13] والدعاء كقوله: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا)) [البقرة:286].

وكذلك اللام: (وَلاَمٍ) فتكون للأمر وتكون للدعاء، يعني: تكون لام الأمر للأمر حقيقةً، كأن يكون من أعلى إلى أدنى، هذا يُسمَّى: لام الأمر، ومن أعلى إلى أدنى يُسمَّى: دعاء، ومن مساوي إلى مساوي يُسمَّى: التماس هذا المشهور، وإن كان هذا لا يدلُّ عليه لسان العرب، وإنما يدل على أنَّ كل أمرٍ يكون من أعلى إلى أدنى، هذا الأصل فيه، وأمَّا الالتماس فهذا الظَّاهر أنه مُصطنع .. اصطلاح. إذاً: اللام تكون للأمر نَحو: ((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ)) [الطلاق:7] (لِيُنفِقْ) تقول: اللام لام الأمر حرفٌ مبنيٌ على الكسر لا مَحلَّ له من الإعراب، و (يُنفِقْ) فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلام الأمر، وجزمه سكون آخره: يُنفق هو ذو سعة، وكذلك تأتي لام الأمر للدعاء: ((لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)) [الزخرف:77] (لِيَقْضِ) اللام لام الأمر حرفٌ مبنيٌ على الكسر لا مَحلَّ له من الإعراب، (يَقْضِ) فعل مضارع مَجزوم بلام الأمر، وجزمه حذف حرف العِلَّة الياء، والكسرة دليلٌ عليه ((لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)) [الزخرف:77] (رَبُّكَ) فاعل. إذاً: جاءت اللام .. لام الأمر، أو اللام الطلبيَّة مراداً بها الأمر حقيقةً، وذلك فيما إذا كان من أعلى إلى أدنى: ((لِيُنفِقْ)) [الطلاق:7] وكذلك الدُّعائيَّة إذا كانت من أدنى إلى أعلى: ((لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)) [الزخرف:77]. وقد دخل تَحت الطَّلب الأمر والنَّهي والدعاء، إذاً: الأمر والنهي والدعاء في (لاَ) الناهيَّة ولام الأمر، كلٌ منهما يُعبَّر عنه بأنه: طلب، لأنه قال: (بِلاَ وَلاَمٍ طَالِباً) فقوله: (طَالِباً) يشمل النهي في (لاَ)، ويشمل الدعاء في (لاَ)، ويشمل الأمر من أعلى إلى أدنى في لام الأمر، ويشمل الأمر الذي هو الطَّلب من الأدنى إلى الأعلى، الذي يُسمَّى بالدعاء وهو في حقيقته أمرٌ، لكن إذا كان من جهة المخلوق إلى الخالق تُسمَّى لام الأمر دعاءً تأدباً فحسب، وإلا الأصل اللغة لم تُفرق، لأن هذا اصطلاح. فالعرب الفصيح لم يقل: هذه اللام دعائيَّة وهذه اللام طَلبيَّة، لم يرد هذا، وإنَّما هو استنباط من عند النُّحاة والبيانيين، حِينئذٍ نقول: المسألة اصطلاحيَّة فحسب، وإلا الأمر هو الطلبٌ من أعلى إلى أدنى مُطلقاً. إذاً: دخل تحت قوله: (طَالِباً) أي: آمراً أو ناهياً أو داعياً أو مُلتمساً، والالتماس: هو أن يقول الرجل لصاحبه .. لقرينه .. ليس بأعلى ولا أدنى: لتضرب زيداً، لتضرب قالوا: هذه اللام هنا ليس دعاء وليس لام الأمر، وإنما هو التماس، إذا كان من المساوي للمساوي .. القرين للقرين .. الصديق لصديقه، ليس بأعلى منه ولا بأدنى، نقول: هذا التفريق كله مُجرَّد اصطلاح فحسب. إذاً: دخل تحت قوله: (بِلاَ وَلاَمٍ طَالِباً) دخل الطَّلب: الأمر والنَّهي والدعاء في النوعين، والاحتراز به من غير الطَّلبيتين مثل: (لا) النَّافية والزائدة، واللام التي ينتصب بعدها المضارع، إذاً: ليس كل لام، وليس كل (لا)، لأن اللام تأتي كما سبق حرف جر، ينتصب بعدها الفعل المضارع ليست طَلبيَّة، إنَّما هي حرف جر .. تعليل ونحو ذلك.

إذاً: اللام التي يُجزم بها الفعل المضارع هي اللام الطَّلبيَّة، احترازاً عن غيرها، لأن اللام تَختلف، وكذلك (لاَ) المراد بها (لا) الطَّلبيَّة التي تَجزم ويكون المراد بِها النهي، حِينئذٍ (لا) الزائدة ليست مُرادة هنا، و (لا) النَّافيَّة ليست مرادة هنا، وإنَّما النَّفي مُغاير للنَّهي هذا الأصل، والنَّفي لا يؤثِّر من جهة الإعراب وإنْ أثَّر من جهة المعنى. إذاً: (طَالِبَاً) قال بعضهم: أي آمراً أو ناهياً أو داعياً أو ملتمساً، قوله: (طَالِبَاً) أشْعَر كلامه أنَّ اللام و (لا) الطَّلبيَّة لا يجزمان فعلي المُتكلِّم، لماذا؟ لأن الآمر الأصل فيه أن يطلب من غيره، ويأمر غيره، وينهى غيره، وهل يُتصوَّر أنَّه يأمر نفسه، أو ينهى نفسه؟ في لسان العرب الأكثر خلاف ذلك: ألا يُستعمل (لا) النَّاهيَّة في نَهي النَّفس، ولا يستعمل اللام .. لام الأمر في أمر النَّفس. وهذا يُشْعِر به قوله: (طَالِبَاً) طالباً مِن مَن؟ من الغير، حِينئذٍ طالباً من نفسك، هذا ليس بوارد، إذاً: قد تدخل اللام و (لا) على فعل الغائب، وعلى المُتكلِّم، وعلى المخاطب، لكن ليست على مرتبةٍ واحدة، وإن كان ظاهر كلام النَّاظم النفي، لكن في غيره أثبته. نقول الخلاصة في هذا البحث: اللام يكثُر دخولها على فعل الغائب .. لام الأمر: ((لِيُنفِقْ)) [الطلاق:7] (يُنفِقْ) أنفق .. يُنفِق، الياء هذه للغائب، أكثر ما تدخل اللام على الفعل المضارع الغائب، وهل تدخل على فعل المُتكلِّم؟ هذا مَحلُّ نزاع، لكن نقول: الصواب أنها قد تدخل على فعل المُتكلِّم، ولكنَّه لا يكثُر، كثرة دخولها على فعل الغائب، يعني: تدخل على مُتكلِّم فيأمر نفسه، لكنَّه ليس بالكثير، وإنما الكثير دخولها على فعل الغائب. ويندر دخولها على فعل المُخاطَب، لأن الأمر للمخاطَب له صيغةٌ تَخصُّه: لِتفعل يا زيدُ، نقول: هذا ليس بوارد، يعني: في الأصل ليس بِوارد، وإن سُمِع .. موجود: (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) .. ((فَلْيَفْرَحُوا)) [يونس:58] الأصل: (فَلْيَفْرَحُوا) مثل: ((فَلْيُنفِقْ)) [الطلاق:7] لكن سُمِع: (فَلْتَفْرَحُوا) قرئ بهما. حِينئذٍ نقول: الأصل فيه أنْ يكون للغائب، وأمَّا المتكلِّم أو المُخاطَب فهذا قليل، ولذلك جاء في الحديث: {فَلِأُصَلِّ لَكُمْ} أمرَ نفسه، دخلت اللام هنا على المُتكلِّم، إذاً: الأصل في لام الأمر أن تدخل على فعل الغائب، ودخولها على المتكلِّم أن يأمر نفسه: {قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ} هذا وارد ومسموع وفصيح لكنَّه قليل، يعني: بالنِّسبة إلى دخولها على فعل الغائب قليل، وكذلك على المُخاطَب، لأن المخاطب وضَعَت له العرب صيغة تَخصُّه: افعل .. اضرب، إذاً: لماذا نَعدِل عن الصيغة الموضوعة لها في لسان العرب، وهي: اضرب، فنقول: لِتضرب .. نعدل عن الأصل إلى الفرع؟ قالوا: إذاً الأصل فيها عدم الدخول. وأمَّا (لاَ) فدخولها على فعل الغائب والمُخاطَب كثير: لا تضرب، كثير (لا) وكذلك على الغائب: ((فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)) [الإسراء:33] جاء في القرآن، إذاً: دخولها (لاَ) النَّاهيَّة على الغائب وعلى المُخاطَب كثير.

وأمَّا (لاَ) فدخولها على فعل الغائب والمُخاطَب كثير، ولا تَختصُّ بالغائب ولا تكثر في المُخاطَب، فمثال دخولها على فعل الغائب واردٌ في القرآن: ((فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)) [الإسراء:33] وربَّما دخلت على فعل المُتكلِّم كما سيأتي: فلاَ أَعْرِفَنْ رَبْرَباً .. فلاَ أَعْرِفَنْ: ينهى نفسه، لكن ظاهر كلام النَّاظم (طَالِباً) يعني: طالباً من الغير، إذاً: أشْعَر كلامه بأنَّ لام الأمر و (لاَ) النَّاهيَّة تدخل على المُتكلِّم، فلا يأمر نفسه ولا ينهى نفسه. نقول: إن كان المراد بأنَّ الكثير أن يكون طالباً من غيره فمُسلَّم، وإن كان المراد أنَّه ليس بفصيح فغير مُسلَّم لوروده في القرآن، ووروده في السنَّة، ووروده في أشعار العرب، وإن كان بالنِّسبة إلى الغائب في لام الأمر و (لاَ) النَّاهيَّة بالنِّسبة إلى الغائب والمُخاطَب كثير، إلا أنَّ الكثرة هنا والقِلَّة نِسبيَّة. أشْعَر كلامه أنهما لا يَجزمان فِعليّ المتكلِّم، ويعنون بـ: (فِعليِّ المتكلِّم) الفعل المضارع المبدوء بِهمزة المتكلِّم، أو نون المُتكلِّم، يعني: لأُصلِّ .. لنُصلِّ، لأُصلي .. لنصلي، هل هذا وارد أم لا؟ كلام النَّاظِم أشْعَر أنَّه ليس بوارد. أشْعَر كلامه أنهما لا يَجزمان فِعليّ المتكلِّم، وهما المبدوءان بالهمزة والنون، وهو كذلك في (لاَ) ونَدَر قوله: لاَ أَعْرِفَنْ رَبْرَباً .. (لاَ أَعْرِفَنْ) هذا نَهى نفسه، وهذه النون للتَّوكيد ولذلك أكَّد بعد النَّفي. إذَا مَا خَرَجْنَا مِنْ دِمَشْقَ فَلاَ نَعُدْ .. (فَلاَ نَعُدْ) هناك قال: (فلاَ أَعْرِفَنْ) دخلت (لاَ) على فعل المُتكلِّم المبدوء بالهمزة، المُتكلِّم بنفسه، وكذلك (فَلاَ نَعُدْ) دخلت على فعل مضارع للمُتكلِّم مبدوء بالنون. فإن للمفعول جاز بكثرة، وهذا لا إشكال فيه: لا أُخْرَج، يعني: مبني للمجهول، هذا لا إشكال فيه، وكذلك: لا نُخْرَج، لأنَّ المنهي غير المُتكلِّم: لا أُخْرَج، يعني: لا يُخرِجُني أحد .. لا نُخْرَج: لا يُخْرِجنا أحد، حِينئذٍ ليس المنهي هو المُتكلِّم، وإنَّما الكلام فيما إذا كان مَبنياً للمعلوم، وأمَّا إذا كان مبنياً للمجهول حِينئذٍ انفكت الجهة، فالنَّاهي غير المنهي .. الناهي هو المُتكلِّم والمنهي غيره، لأن الأصل: لا يُخرجني أحدٌ، للمعلوم، وفاعله هو (أحد) وياء المُتكلِّم مفعولٌ به، فلمَّا حذف الفاعل وبني للمجهول استتر .. الضمير الذي هو الياء المفعول به لَمَّا بُنِي الفعل لِمَا لم يُسمَّ فاعله حِينئذٍ ارتفع على أنَّه نائب فاعل، كان منصوباً فاستتر. حِينئذٍ الفاعل ليس هو المُتكلِّم: لا يُخرجني أحدٌ .. لا أُخْرَج، إذاً: لا يُخرِجني أحد هذا المراد.

وأمَّا اللام فجزمها لفعليِّ المُتكلِّم مبنيين للفاعل جائزٌ في السَّعَة لكنَّه قليل، (جائزٌ في السَّعَة) يعني: في سَعَة الكلام .. في النَّثر، ومنه: {قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ} لا .. فَلِأُصَلِّ، اللام لام الأمر، (أُصَلِّ) فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، و (أُصَلِّ) هذا فعل مضارع مبدوء بالهمزة، إذاً: هو فعل مُتكلِّم، هل يأمر الإنسان نفسه؟ نقول: هنا ورد، وإذا ورد في السُّنَّة حِينئذٍ نقول: لا إشكال فيه، فيأمر الإنسان نفسه ويُنَزِّل نفسه مُنَزَّلة الغير فيأمرها ولا إشكال في هذا. وكذلك قوله تعالى: ((وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ)) [العنكبوت:12] (وَلْنَحْمِلْ) اللام لام الأمر هنا، و (نَحْمِلْ) هذا فعل مضارع مَجزوم بلام الأمر وهو للمُتكلِّم سواء كان وحده أو معه غيره. وأقلُّ منه جزمها فِعْل الفاعل المُخاطَب، كقراءة أُبَي وأنس: (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) خطاب، وهذا فيه عدولٌ عن أصل، ولا إشكال فيه، لأن الصِّيغة إذا كانت مستعملة في لسان العرب: (تَفْرَحُوا) وأدخلت عليه اللام .. على الأصل حِينئذٍ لا إشكال. وكونه عُدِل عن (افْعَل) افرحوا، وهو الأصل في الأمر وإن كان مَعدُولاً عن هذا، نقول: إلا أنَّه عَدَل إلى شيءٍ مُستعملٍ في لسان العرب، فكأنَّه مُخيَّر بين هذا وذاك، والأكثر والأفْصَح والمطَّرِد في لسان العرب: أنْ يأتي بالصِّيغة الموضوعة للأمر، فيقول: افرحوا .. هذا أكثر من قوله: (فَلْتَفْرَحُوا) وكلاهما جائز، إلا أنَّ (فَلْتَفْرَحُوا) أقل بكثير من قوله: افرحوا. وكذلك قوله: {لِتَأخُذُوا مَصَافَّكُمْ} ما قال: خذوا، مع أنَّه قال: {خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ} في موضع آخر، (لِتَأخُذُوا) إذاً: استعمل هذا واستعمل ذاك، نقول: هذا جائز وهذا جائز فلا يُمنع، ولا يُحكم بكونه شاذَّاً، ونقول: لا بأس أن يأمر نفسه وينهى نفسه ولكن على جهة التَّنْزِيل. والأكثر الاستغناء عن هذا بفعل الأمر، وفرقٌ بين أن يُقال: فصيح وأفصح، وبين أن يُقال: كثير وأكثر، وبين أن يُقال: قليل لا يُخالف الفصيح، وبين أن يُقال: هذا نادرٌ قليل لا يُعوَّل عليه، فرقٌ بين هذه المصطلحات كلها، إذا قيل: لا يُعوَّل عليه أو نادر هذا لا يأتي في القرآن، ولا يأتي في السُّنَّة النَّبوية، فإذا جاء في السنة النبوية ولو في حديث واحد نقول: هذا فصيحٌ، ونَحكم عليه بِكونه يَجوز استعماله، وإن كان غيره أكثر، لا معارضة بين هذا وذاك. إذاً: (بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا) عرفنا أنَّ مُراده (طَالِباً) أي: طالباً من الغير، فأشْعَر أن فِعلي المُتكلِّم لا تدخل عليه لام الأمر، ولا (لاَ) النَّاهيَّة أو الدعائية، والصواب على ما ذكرناه من التفصيل. لا يُفصَل بين (لاَ) ومَجزومها، وأمَّا قوله: عَزِيزٍ وَلاَ ذَا حقِّ قَوْمِك تَظْلِمُ ..

هذا ضرورة، يُحفظ ولا يُقاس عليه، وأجاز بعضهم في قليلٍ من الكلام نَحو: لا اليوم تَضرِب .. لا تَضرِب اليوم، يعني: يُفصَل بين (لاَ) الجازمة وبين معمولها الفعل بالظرف، لأنَّه يُتوسَّع في الظَّرْف والجار والمجرور ما لا يُتوسَّع في غيره، والصواب أنْ يُقال: بأنَّه إن سُمِع نعم، وأمَّا مُجرَّد أمثلة مصطنعة فالأصل المنع، يعني: لا يُفصل بين (لاَ) الجازمة وبين معمولها وهو الفعل المضارع. حركة اللام الطَّلبيَّة الكسر: ((لِيُنفِقْ)) [الطلاق:7] وفتحها لغةٌ وهو لغة سُليْم، ويَجوز تسكينها بعد الواو والفاء وثُم، وتسكينها بعد الواو والفاء أكثر من تحريكها. بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا ... فِي الْفِعْلِ. . . . . . . . . . . . إذاً: عرفنا الجازم الأول وهو (لاَ) الطَّلبيَّة وتشمل النَّاهيَّة والدُّعائيَّة، ولامٍ طلبيَّة تشمل لام الأمر، ولام الدعاء، هذا عند التَّفصل، عَدَّها ابن آجروم أربعة، والصواب أنَّها نوعان فقط: (لا) في النَّهي والدعاء، ولام الأمر والدعاء. إذاً: ضع جزماً في الفعل بـ: (لاَ) ولامٍ طالباً: حال كونك طالباً، (هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا) يعني: ضع جزماً بـ: (لَمْ) و (لَمَّا) هكذا مثل وضعك السابق في اللام و (لاَ)، ضع جزماً في الفعل، فيجزم الفعل المضارع بلام الأمر والدعاء و (لاَ) في النهي والدعاء، مثله يُجزم الفعل المضارع ويكون واحداً بـ: (لَمْ) و (لَمَّا) .. (هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا). إذاً: (هَكَذَا) الهاء هاء تنبيه، (ذَا .. كَذَا .. كَذَا) الكاف حرف جر، و (ذَا) اسم إشارة، الجار والمجرور مُتعلِّق بِمحذوف، (بِلَمْ) جار ومجرور مُتعلِّق بِمحذوف فعل، نُقدِّره من الفعل السابق، لأنَّه فَصَل الجملة: ضع جزماً بـ: (لاَ) ولامٍ في الفعل، وضع جزماً بـ: (لَمْ) و (لَمَّا) هكذا .. مثل السَّابِق، في كونه يَجزم فعلاً مضارعاً واحداً ولا يحتاج إلى آخر. (لَمْ) و (لَمَّا) يشتركان ويفترقان، ولذلك بعضهم يقول: (لَمَّا) أختها، يعني: أخت (لَمْ)، لأن (لَمَّا) في العربيَّة على ثلاثة أقسام كما سيأتي، والمراد هنا أخت (لَمْ)، يعني: التي تَجزم فعلاً وتشترك معها في كونها حرفيَّة، والاختصاص بالفعل المضارع، والنَّفي، والجزم، وقلب معنى الفعل للمُضِّي، وجواز دخول همزة الاستفهام، هذه ستة. إذاً: يشتركان (لَمْ) و (لَمَّا) في ستة أمور: الأول: الحرفيَّة، كلٌ منهما حرف: (لَمْ) حرف، و (لَمَّا) حرفٌ، وكلٌ منهما مُجمع على حرفيَّته، (لَمْ) حرفٌ بإجماع، و (لَمَّا) التي تَجزم مثل (لَمْ) حرفٌ بإجماع، وأمَّا (لَمَّا) الحينيَّة الوقتيَّة هذه منازعٌ فيها، إذاً: الأول في الحرفيَّة. والثاني: الاختصاص بالمضارع، كلٌ منهما يَختصُّ بالدخول على الفعل المضارع، ولذلك سبق: فِعْلٌ مُضَارِعٌ يَلِي لَمْ .. و (لَمَّا) .. قلنا: (لَمَّا) مثلها، فليس الحكم خاصَّاً بـ: (لَمْ) بل مثلها: (لَمَّا) إذاً: يَختصَّان بالدخول على الفعل المضارع.

ثالثاً: النَّفي، كلٌ منهما ينفي، يعني: ينفي الحَدَث: لَم يَضرِب، نُفي الضَّرب .. الضَّرب لَم يوجد .. غير موجود .. عَدَم .. منفي! لَمَّا يضرب زيدٌ عمراً، الضَّرب هنا مُنتفي، إذاً: كلٌ منهما نفى وقوع الحَدَث وتَحقُّق مضمون الفعل الذي هو الحَدَث. الرابع: قلب معنى الفعل للمُضِّي، الأصل في الفعل المضارع أنَّه يدل على الحال، تقول: يضرب زيداً عمراً .. يَضرِب – الآن – زيدٌ عمراً، ثُم تُدخِل (لَمْ) فتقول: لَمْ يضرب زيدٌ عمراً، (لَمْ يضرب) متى؟ في الزمن الماضي، ولذلك صَحَّ أن يُقال: لَمْ يضرب زيدٌ عمراً أمسِ، ولذلك انْتُقِد الحريري: فَكُلُّ مَا يَصْلُحُ فِيهِ أَمْسِ ... فَإِنَّهُ مَاضٍ بِغَيْرِ لَبْسِ يعني: جُعل (أمس) علامةً على أنَّ الفعل ماضي، إن كان المراد ماضي المعنى واللفظ، أو المعنى دون اللفظ فلا إشكال، لكن ليس هذا المراد، إنَّما المراد ماضي اللفظ والمعنى، انتقد عليه بكون (أمسِ) تأتي مع الفعل المضارع المنفي: لَمْ يضرب زيدٌ أمسِ، إذاً: لَمْ يضرب، الأصل أنَّه للحال، فدخلت (لَمْ) و (لَمَّا) فقلبت زمن الفعل المضارع من الحال إلى المُضِّي ولذلك صَحَّ دخول (أمسِ) عليها. خامساً: جواز دخول همزة الاستفهام عليهما، وعَدَّهما ابن آجروم هناك أربعة: (لَمْ، ولَمَّا، وألَمْ، وألَمَّا) وهما اثنان: ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)) [الشرح:1] نقول: (نَشْرَحْ) فعل مضارع مجزوم بـ: (لَم) أو بـ: (ألَمْ)؟ بـ: (لَم) والهمزة هذه؟ استفهام، إذاً لا نقول: مجزوم بـ: (ألَم) نقول: الهمزة للاستفهام التقريري، و (لَم) حرف نفيٍ وجزم وقلب، و (نَشْرَحْ) فعل مضارع مجزوم بـ: (لَم) وليس بـ: (ألَمْ). إذاً: عَدُّها (لَمْ، وألَمْ، ولَمَّا، وألَمَّا) نقول: هذا فيه نظر .. ليس بصحيح. إذاً: هذه الأمور الستة يشتركان فيها، وتنفرد (لَمْ) -من الفوارق بين (لَمْ) و (لَمَّا) - وتنفرد (لَمْ) بمصاحبة الشَّرط، (إنْ) الشَّرطيَّة، يعني: تتلوا الشَّرط بخلاف (لَمَّا) لا تليه، ولذلك جاء: ((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) [المائدة:67] (إِنْ لَمْ تَفْعَلْ) جاءت بعد الشَّرط، ولا يَصِح: (إِنْ لَمَّا تَفْعَلْ). ((فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا)) [البقرة:24] نقول: هنا (لَمْ) تأتي تاليةً للشَّرط بِخلاف (لَمَّا). إذاً: تنفرد (لَمْ) بِمصاحبة الشَّرط، نَحو: ((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) [المائدة:67] بخلاف (لَمَّا). وجواز قطع نَفْي مَنفِيِّها عن الحال بِخلاف (لَمَا) فإنَّه يجب اتصال نفي مَنفِيِّها بِحال النُّطق. من الفوارق في المنفي .. ما هو المنفي بـ: (لَمْ)؟ الفعل الذي بعدها .. الحَدَث: لَمْ يضرب، نفي الضرب هو المنفي، لَمَّا يضرب، نفي الضرب هو المنفي، الضرب .. عدم وجوده هو المنفي.

(لَمْ) إذا نطقت بـ: لَمْ يَضرب، ولَمَّا يضرب، يُشترط في (لَمَّا) أن يكون مَنفِيُّها مستمراً إلى حال التَّكلُّم .. نفي الضرب منفي إلى قولك: لَمَّا يضرب، وأمَّا (لَمْ) فلا يُشترط، قد يكون مستمراً وقد يكون مُنقطعاً: لَمْ يَضرِب زيدٌ عمراً .. لَمْ يقم زيدٌ، هذا يَحتمل أنَّه لَمْ يقم قبل أسبوع وقبل التَّكلُّم قد قام، إذاً: قد يكون منقطعاً وقد يكون مستمراً. ومَثَّل ابن هشام للمستمر بقوله ((لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)) [الإخلاص:3]، وللمنقطع ((لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)) [الإنسان:1] .. ((هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)) [الإنسان:1] فكان، أمَّا: ((لَمْ يَلِدْ)) [الإخلاص:3] لا! فهو مستمر إلى أبد الآباد. حِينئذٍ نقول: منفي (لَمْ) قد يكون مُنقطعاً وقد يكون مُستمراً، يعني: قبل النُّطق، وأمَّا (لَمَّا) فلا، بل يُشترط أنْ يكون مستمراً إلى حال النُّطق. إذاً: جواز قطع نفي مَنفِيِّها عن الحال، هذا في (لَمْ) بِخلاف (لَمَّا) فإنَّه يجب اتصال نفي مَنفِيِّها بِحال النُّطق، ومن ثَمَّ -لهذا الخلاف- جاز: لَمْ يكن ثُم كان .. لَم يقم زيدٌ ثُم قام يَجوز، وأمَّا: لَمَّا يقم زيدٌ ثُم قام تناقض، متى قام الثاني هذا؟ ما حصل! لَم يقم زيدٌ ثُم قام .. لَمْ يقم قبل ساعتين، ثُم قام بعدها قبل أن أتكلَّم، إذاً: وقع النفي ووقع الوجود قبل زمن التَّكلُّم، وأمَّا: لَمَّا يقم، هذا إلى زمن التَّكلُّم ثُم قام، متى قام هذا؟! أنا نفيت قيامه إلى زمن التَّكلُّم، ثُم أثْبتُّ القيام، هذا تناقض لا يصلح. ومن ثَمَّ جاز: لَمْ يكن ثُم كان، وامتنع: لَمَّا يكن ثُم كان. وجواز الفَصْل بينها وبين مَجزومها اضطراراً، يعني: (لَمْ) يَجوز أن يفصل بينها وبين الفعل المضارع الذي جزمته لكن في الضرورة لا في سَعَة الكلام، كقوله: فَذَاكَ وَلَمْ إِذَا نَحْنُ امْتَدَيْنَا .. (لَمْ إِذَا نَحْنُ امْتَدَيْنَا) فُصِل بينهما بالظَّرف: (إذَا نَحْنُ) (لَمْ .. امْتَدَيْنَا). وأنَّها قد تُلغَى فلا يُجزم بِها .. (لَمْ) قد تلغى فلا يُجزم بِها، قال في (التَّسهيل): حملاً على (لاَ)، وفي (شرح الكافيَّة) حملاً على (مَا) وهو أحسن، لأن (مَا) تنفي الماضي كثيراً بِخلاف (لا)، إذاً: يَجوز ألا تعمل. وتنفرد (لَمَّا) بِجواز حذف مَجزومها والوقف عليها في الاختيار، تقول: قاربت المدينة ولَمَّا أدخلها، يَجوز أن تَحذف المنفي فتقول: قاربت المدينة ولَمَّا .. حذفت ما بعدها، وأمَّا: قاربتُ المدينة ولَمْ .. لا يَجوز، لا بُدَّ أن تقول: ولَمْ أدخلها، لا يحذف مدخول (لَمْ) البتَّة، بخلاف (لَمَّا)، هذا من الفوارق، والعمدة السَّماع. فتقول: قاربت المدينة ولَمَّا، أي: ولَمَّا أدخلها، ولا يَجوز ذلك في (لَمْ).

ومن الفوارق: بكون مَنفِيِّها يكون قريباً من الحال، ولا يُشترط ذلك في منفي (لَمْ)، يعني: (لَمَّا) مَنفِيِّها يكون قريباً من الحال الذي هو النُّطق، ولا يُشترط ذلك في منفي (لَمْ)، تقول: لَمْ يكن زيدٌ في العام الماضي مقيماً، ولا يَجوز: لَمَّا يكن، يعني: لا تنفي بـ: (لَمَّا) شيء بعيد قبل سنة أو سنتين، وإنَّما إذا أردت ذلك تنفيه بـ: (لَمْ) ولا تأتي بـ: (لَمَّا) .. (لَمَّا) لا بُدَّ أن يكون المنفي قريب من الحال، تنفي قبل يوم .. يومين .. ثلاث إلى آخره، وأمَّا تنفي قبل سنة فلا، إنَّما تستعمل (لَمْ)، هذا من الفوارق بينهما. قال ابن مالك: " هذا غالبٌ لا لازم " يعني: الغالب فيها أنَّها تنفي ما كان قريباً من الحال (لَمَّا) بِخلاف (لَمْ) للبعيد، لكن هل هو لازمٌ لها أم غالب؟ الكثير على أنَّه لازمٌ لها، فإذا اسْتَعملت (لَمَّا) في البعيد قالوا: هذا لحنٌ .. غلط! وعلى رأي ابن مالك: أنَّه غالبٌ لا لازم، قالوا: هذا هو الصَّحيح. وبكون مَنفِيِّها يُتوَقَّع ثبوته، يعني: بعد (لَمَّا) إذا قُلتْ: قاربت المدينة ولَمَّا أدخلها، يعني: وسأدخلها لأنه قريب الحصول، وهو متفائل بِحصوله، وكأن الأسباب الدَّالة على الحصول قد وجدت، بِخلاف (لَمْ) قد يكون قريب الحصول وقد لا يكون. وبكون مَنفِيِّها يُتوَقَّع ثبوته بِخلاف منفي (لَمْ) نَحو قوله تعالى: ((بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)) [ص:8] يعني: وسيذوقونه، يعني: فيه إشارة إلى ذوقهم للعذاب، وأمَّا (لَمْ) فلا، ((بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)) [ص:8] أي: أنَّهم لم يذوقوه إلى الآن، وأنَّ ذوقهم له مُتوقَّع .. سيقع، وهذا بالنِّسبَة إلى المستقبل، فأمَّا بالنِّسبة إلى الماضي فهما سِيَّان في التَّوقُّع وعدمه، ((بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)) [ص:8] في المستقبل، وأمَّا الماضي فقد تُستعمل (لَمْ) و (لَمَّا)، في شيءٍ يُتوقَّع أنَّه وقع، أو أنَّه لَمْ يَقع. مِثال التَّوقُّع: ما لِي قُمتُ ولَمْ تقم؟ هذا توقُّع، أو: ما لِي قُمتُ ولَمَّا تقم، ومثال عدم التَّوقُّع أن تقول ابتداءً: لَمْ يقم، أو: لَمَّا يقم زيدٌ. إذاً: (لَمَّا) و (لَمْ) يفترقان باعتبار المستقبل: أنَّ (لَمَّا) تُشير إلى تَوقُّع حصول ما بعدها أنَّه سيثبت: ((لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ)) [ص:8] أي: سيذوقونه، وأمَّا باعتبار الماضي فلا .. لا فرق بين (لَمْ) و (لَمَّا) في التَّوقُّع .. تَوقُّع الحصول وعدمه، وإنَّما الخلاف في المستقبل. إذاً: (هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا) قلنا: (وَلَمَّا) أطلقها النَّاظِم وقرنها بـ: (لَمْ) فدلَّ على أنَّها أختها، لأن (لَمَّا) في لسان العرب على ثلاثة أنْحاء: أولاً: أنَّها تأتي نافية بِمنْزلة (لَمْ) .. مثلها .. أختها، وإذا أطلقت في هذا المقام انصرفت إليه، كقوله: ((لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ)) [عبس:23] (لَمَّا) حرف نفيٍ وجزمٍ وقلب مبني على السكون لا مَحلَّ له من الإعراب، (يَقْضِ) فعلٌ مضارع مجزوم بـ: (لَمَّا) وجزمه: حذف حرف العِلَّة. هذه الأولى نافية بمنزلة (لَم) وهي حرفٌ باتفاق.

الثاني: (لَمَّا) في لسان العرب إيجابيَّة بِمنْزِلة (إلا) يعني: تأتي للإيجاب، نَحو قولهم: عزمت عليك لَمَّا فعلت كذا، يعني: إلا فعلت كذا، فـ: (لَمَّا) هنا إيجابيَّة بِمعنى: (إلا) يعني: تُفسِّرها بـ: (إلا) فليست جازمة، ولذلك تدخل على الفعل الماضي: لَمَّا فَعَلْتَ .. (فَعَلْتَ) فعل ماضي، تقول مجزوم؟! لا، ليس بِمجزوم، لأن (لَمَّا) تَجزِم فعلاً واحداً وليست مثل: إن قام زيدٌ، تقول: في مَحلِّ جزم، هناك يأتي فعل الشَّرط وجواب الشَّرط قد يكون في مَحل جزم، وأمَّا هنا فلا. عزمت عليك لَمَّا فَعَلتَ كذا، أي: إلا فعلت كذا، أي: ما أطلب منك إلا فعل كذا، وهذه حرفٌ باتفاق كذلك، ولا تدخل إلا على جملةٍ اسْميَّة نَحو: ((إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ)) [الطارق:4] حَافِظٌ عليها، (حَافِظٌ) مبتدأ مُؤخَّر، و (عَلَيْهَا) خبر مُقدَّم، إذاً: دخلت على جملة اسْميَّة. أو على الماضي لفظاً على معنى: عزمت عليك لَمَّا فَعَلتَ، (فَعَلتَ) متى في الماضي أو في المستقبل؟ لَمَّا فَعَلتَ كذا، يعني: إلا فعلت كذا في المستقبل، عزمت عليك .. على شيءٍ مضى، أو شيء يقع؟ يعني: كأنَّه أُقسم عليك لَمَّا فعلت كذا، يعني: إلا تفعل كذا. إذاً: دخلت على ماضي لفظاً لا معنىً، نَحو: أنشدك الله لَمَّا فعلت كذا، أي: إلا فعلت كذا، وهذه حَرفيَّة .. (لَمَّا) الإيجابيَّة حرفيَّة. النَّوع الثالث (لَمَّا) في لسان العرب: أن تكون رابطة لوجود شيءٍ بوجود غيره، يُسميِّها البعض: حينيَّة، على القول: بأنَّها ظَرف، رابطة لوجود شيء بوجود غيره: لَمَّا جاءني أكرمته، هذه بِمنزلة (إنْ) الشَّرطيَّة، (إنْ) الشَّرطيَّة تفيد التعليق فحسب: لَمَّا جاءني أكرمته، إذاً: أفادت ربط الإكرام بالمجيء، فتدلُّ على ارتباط تَحقُّق مضمون الجملة الثانية بِتحقُّق مضمون الجملة الأولى ارتباط السَّببيَّة، وهذا شأن الشَّرط. يعني: مضمون الجملة الثانية مرتبطٌ بِمضمون الجملة الأولى: إن جاء زيدٌ أكرمته، مضمون: (أكرمته) في التَّحقُّق والوجود متوقفٌ على مضمون: إنْ جاءني زيدٌ، (إنْ) تَحقَّق مضمون الجملة الأولى .. فعل الشَّرط تَحقَّق مضمون الجملة الثانية، أفادته (لَمَّا) التي بِمعنى حرف .. رابطة لوجود شيءٍ بوجود غيره، فهي شبيهة بِحرف الشَّرط، والصَّحيح أنَّها حرف، مع وجود خلاف. ولا يليها إلا ماضٍ لفظاً ومعنىً، كقوله: ((وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً)) [هود:58] إذاً: هي حرفٌ على الصَّحيح، ولا يليها إلا ماضٍ لفظاً ومعنىً. فالنَّوع الثاني والثالث لا يحتاج للاحتراز عنهما لأن المضارع لا يليهما، ولذلك أطلق النَّاظِم هنا قال: (بِلَمْ وَلَمَّا) وبعضهم يقول: أختها، احترازاً من (لَمَّا) الإيجابيَّة و (لَمَّا) الرابطة، حِينئذٍ (لَمَّا) الإيجابيَّة و (لَمَّا) الرابطة لا تدخل على الفعل المضارع، وإذا لم تدخل حِينئذٍ لا لبس بينها وبين (لَمَّا) الجازمة. والجمهور على أنَّ (لَمَّا) مركبةٌ من: (لَم) و (مَا) الزائدة، وقيل: بسيطة، والصَّحيح أنَّها بسيطة .. (لَم) و (مَا).

وتدخل همزة الاستفهام على (لَمْ) و (لَمَّا) فيصيران (ألَمْ) و (ألَمَّا) وهل صرفتهما عن العمل، أم هما باقيان على العمل؟ إذا دخلت همزة الاستفهام، هل تصرف (لَمْ) و (لَمَّا) عن العمل، أم تبقى عاملة الجزم في الفعل المضارع؟ الثاني، إذاً: باقيتين على عملهما: ((أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)) [الشرح:1] .. ((أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً)) [الضحى:6]، ونَحو قوله: وقُلْتُ أَلَمَّا أَصِحَّ وَالشَّيْبُ وَازِعُ .. (ألَمَّا أصِحَّ) بالنصب وليس بالرَّفْع، لماذا؟ لأنَّه مُضعَّف فيجوز فيه الوجهان، ولو ضُمَّ كذلك جائز، لكن الضَمُّ ليس في هذا الموضع، وإنَّما فيما إذا كان من باب (يَفْعُل) وأمَّا (يَفْعَل .. يَفْعِل) فليس فيه إلا الوجهان: الكسر والفتح، وإذا كان من باب (يَفْعُل) فيه وجهٌ ثالث وهو الضْمُّ: ألم يَشُدَّ .. ألم يَشِدِّ .. ألم يَشُدُّ، يَجوز فيه ثلاثة أوجه. {ملحوظة} (الظاهر أنها بالرفع .. فَقُلْتُ أَلَمَّا أَصْحُ: وليست بالنصب والتضعيف، فهي "أَصْحُ" بالتخفيف وحذف الواو، أي: مجزومة بحذف الواو، ويبدو أنه إذا قيل بالنصب والتضعيف (أَصِحَّ) فبالتضعيف سينكسر البيت، والله أعلم، وإذا قيل: أَصِحَّ فبمَ يكون الجزم؟ مع أنه مسوق في سياق الشاهد للجزم بعد الآية الكريمة فَلْيُتأَمل، والعلم عند الله) إذاً: بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا ... فِي الْفِعْلِ هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا قال الشَّارح هنا: " الأدوات الجازمة للمضارع على قسمين: أحدهما ما يَجزم فعلاً واحداً وهو أربعة أحرف، وهو اللام الدَّالة على الأمر، نَحو: ليقم .. لينفق .. ليقم زيد .. ((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ)) [الطلاق:7]، أو على الدُّعاء نَحو: ((لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)) [الزخرف:77] و (لا) الدَّالة على النَّهي، نَحو قوله تعالى: ((لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)) [التوبة:40] أو على الدُّعاء: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا)) [البقرة:286] و (لَمْ) و (لَمَّا)، وهما للنَّفي ويَختصَّان بالمضارع، ويقلبان معناه إلى المُضِّي، نَحو: لَمْ يقم زيدٌ، ولَمَّا يقم عمروٌ، ولا يكون النَّفي بـ: (لَمَّا) إلا مُتَّصلاً بالحال. والثاني: ما يَجزم فعلين، وهو إحدى عشرة أداة، أشار إليها بقوله: (وَاجْزِمْ بِإِنْ) .. (اجْزِمْ) أين مفعوله؟ اجزم فعلاً مضارعاً بـ: (إِنْ)، أو فعلين مضارعين، أو ماضيين، أو مختلفين، والجزم قد يكون لفظاً وقد يكون مَحلَّاً. اجْزِمْ بِإِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا ... أَيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْ مَا إِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا أَيٍّ: أي: و (أيٍّ). و (مَتَى)، و (أَيَّانَ)، و (أَيْنَ)، و (إِذْ مَا) (وَحَيْثُمَا أَنَّى) هذه إحدى عشرة أداة. وَحَيْثُمَا أَنَّى وَحَرْفٌ إِذْ مَا ... كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا ستأتي أمثلتها في الشَّرح، قوله: . . . . . . . . وَحَرْفٌ إِذْ مَا ... كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا أشار إلى أنَّ هذه الأدوات ليست على مرتبة واحدة. لَمْ، ولَمَّا، ولام الأمر والدُّعاء، و (لا) في النهي و .. كلها حروف وتَجزم فعل واحد.

وهذا النَّوع الثاني: ما يَجزم فعلين على مرتبتين: منه ما هو اسْمٌ، ومنه ما هو حرفٌ، هذا من حيث الإجمال، ثُم عند التَّفصيل نقول: هي على أربعة أقسام من حيث الاسْميَّة والحرفيَّة: - القسم الأول: ما هو حرفٌ باتفاق، وهو (إِنْ) فقط .. حرفٌ باتفاق .. مُجمعٌ عليه. - والثاني: ما هو حرفٌ على الصَّحيح، ولذلك نصَّ عليه: (وَحَرْفٌ إِذْ مَا) إذْ ما حرفٌ (كَإِنْ). ما هو حرفٌ على الصَّحيح وهو (إِذْ مَا) فقال سيبويه: " إنَّها حرفٌ بِمنْزلة (إِنْ) الشَّرطيَّة " فإذا قلت: إذْ مَا تقم أقم، معناه: إنْ تقم أقم، يعني: تُفسِّر (إِذْ مَا) بـ: (إنْ) و (إنْ) ليس لها معنىً في نفسها، لأنَّها حرف، وإنَّما معناها في غيرها، وما المراد هنا بالمعنى في غيرها؟ معناها التَّعليق، ما هو التَّعليق؟ الذي ذكرناه سابقاً: توقف مضمون تَحقُّق الجملة الثانية على تَحقُّق مضمون الجملة الأولى: إن جاء زيدٌ أكرمته. (إِنْ) ماذا أفادت هنا؟ أفادت تَرتُّب تَحقُّق مضمون الجملة الثانية الإكرام، متى يوجد؟ إذا تَحقَّق مضمون الجملة الأولى، هذا التَّعليق .. ربطت بين الجملتين، إنْ فُعِل الأول فُعِل الثاني .. إنْ انتفى انتفى، لكن الانتفاء يكون بالمفهوم، والفعل والإيجاد والتَّحقُّق يكون بالمنطوق، إذاً: لها منطوق ولها مفهوم. إذاً: (إِذْ مَا كَإِنْ) حرفٌ من حيث الحرفيَّة ومن حيث المعنى، وفَسَّرها سيبويه بـ: (إِنْ)، إذاً: (إِذْ مَا) نقول: بِمنزلة (إِنْ) إذا قلت: إذْ مَا تقم أقم، لا يلتبس عليك (إِذْ مَا) تقول: ما معنى هذه؟ تقول: هي بِمنزلة إنْ تقم أقم، وماذا أفادت (إنْ)؟ التعليق .. تعليق الجواب على الشَّرط، ما المرد بتعليق الجواب؟ يعني: مضمون الجملة الثانيَّة لا يَتحقَّق ولا يوجد إلا بِتحقُّق ووجود مضمون الجملة الأولى: إن جاء زيدٌ أكرمته، إكرامي لن يوجد إلا إذا وجِد المجيء، هذا معنى التعليق. وانتفاؤه .. انتفاء الإكرام مبنيٌ على انتفاء المجيء، وهذا مأخوذ من المفهوم لا من المنطوق. إذاً قال سيبويه: " إنَّها حرفٌ بِمنزلة (إِنْ) الشَّرطيَّة، فإذا قلت: إذْ مَا تقم أقم، معناه: إن تقم أقم " وهذا الصَّحيح: أنَّها حرفٌ، وقال المُبَرِّد وابن السَّراج والفَارسي: إنَّها ظرف زمان، وإن المعنى في المثال السَّابق: متى تقم أقم ظرف زمان، إذاً: الوقت الذي تقوم فيه أقوم. واحْتَجُّوا بأنَّها قبل دخول (مَا) كانت اسْماً، والأصل عدم التغيير، وأجيب: بأنَّ التغيير قد تَحقَّق قطعاً بدليل أنَّها كانت للماضي فصارت للمستقبل، فدلَّ على أنَّها نُزِع منها ذلك المعنى البتَّة.

على كلٍ: المسألة فيها نزاع، هل (إِذْ مَا) حرفٌ أم اسمٌ؟ نقول: (إِذْ مَا) مِمَّا وقع فيه النِّزَاع، والصَّحيح أنَّه حرفٌ، ولذلك قال النَّاظِم: (وَحَرْفٌ إِذْ مَا كَإِنْ) (حَرْفٌ) هذا خبر مُقدَّم، و (إِذْ مَا) قُصِد لفظه فهو مبتدأ مُؤخَّر، و (كَإِنْ) هذا نعتٌ لِحرف (حَرْفٌ كَإِنْ) مثل (إنْ) .. كائنٌ (كَإِنْ)، لماذا ذَكَر (إنْ) دون غيرها؟ لأنَّها هي الحرف باتفاق، فَشبَّه المختلف فيه بالمتفق عليه من حيث ثبوت الحرفيَّة، وأشار إلى أنَّ المعنى كذلك مثلها .. مثل (إِنْ)، معنى: (إِذْ مَا) مثل معنى (إِنْ)، هذا النَّوع الثاني ما هو مُختلفٌ فيه، هل هو اسمٌ أم حرف؟ والصَّحيح أنَّه حرفٌ، إذاً: النَّوع الأول حرفٌ باتفاق وهو (إِنْ). النَّوع الثاني حرفٌ على الصَّحيح، فجُعِل في مرتبة ثانية لوجود الخلاف. الثالث: ما هو مُختلف فيه والصَّحيح أنَّه اسمٌ -عكس الثاني- وهو (مَهْمَا) .. (مَهْمَا) على جهة الخصوص اختلف فيها: هل هي اسمٌ أم حرفٌ؟ والصَّحيح أنَّها اسمٌ، بدليل رجوع الضمير إليها: ((مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ)) [الأعراف:132] الهاء من (بِهِ) يعود على (مَهْمَا)، وسبق القاعدة: أنَّ الضمائر لا تعود إلا على الأسماء. إذاً: ما هو اسمٌ على الصَّحيح وهو (مَهْمَا). فالجمهور على أنَّها اسمٌ بدليل: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا)) [الأعراف:132] فالضمير في (بِهِ) يعود على (مَهْمَا) والضمير لا يعود إلا على الأسماء، هذا هو الصَّحيح. وزعم السُّهَيلي: أنَّ (مَهْمَا) حرفٌ، واستدل بقول زُهيْر: وَمَهْما تَكُنْ عِندَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ وهو مُؤوَّل .. الصواب: أنًّه مُؤوَّل، وذكره ابن هشام في (شرح القَطْر). الرابع: ما هو اسمٌ باتفاق، وهو باقي الأدوات، إذاً: باقي الأدوات وهو ما عدى (مَهْمَا) و (إِنْ) و (إِذْ مَا) فهو باتفاق يعتبر من الأسماء، ولذلك قال: (وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا) ولم يَنصَّ على (مَهْمَا) بل أدخلها في الحكم عليها بكونها أَسْمَا، ولم ينص عليها لقوة الخلاف في (إِذْ مَا) .. خلاف قوي، ليس كـ: (مَهْمَا)، ولذلك الجمهور في (مَهْمَا) أنَّها اسمٌ، ولذلك لم يراعي الخلاف. . . . . . . وَحَرْفٌ إِذْ مَا ... كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا أسماء بالهمز، قَصَره للضرورة، (وَبَاقِي الأَدَوَاتِ) وهو تسعٌ، لأنَّه نَصَّ على (إِنْ)، و (إِذْ مَا) أخرج اثنين .. حرفين وبقي تسعة، (وَبَاقِي الأَدَوَاتِ) وهي تِسع كلمات (أَسْمَا) فمنها أسماء، ومنها ظروف زمان، ومنها ظروف مكان، لأن الاسم قد يكون مبهماً .. قد يكون دالَّاً على حَدَث .. قد يكون دالَّاً على زمن .. قد يكون دالَّاً على مكان. إذاً قوله: (وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا) هذا مُجمَل، هل كلها ظروف زمان .. هل كلها ظروف مكان .. هل كلها ليست بظرف زمان ولا مكان؟ نقول: لا، فيه تفصيل.

وتنقسم هذه الأسماء إلى ظرفٍ وغير ظرف، فغير الظَّرف: (مَنْ وَمَا وَمَهْمَا) غير ظرف يعني: ليست ظرف زمان ولا مكان، ثلاثة: (مَنْ وَمَا وَمَهْمَا) فـ: (مَنْ) لتعميم أولي العِلْم .. فـ: (مَنْ) يقولون: للعاقل، لتعميم أولي العِلْم، يعني: تفيد العموم، ولذلك هي من صيغ العموم عند الأصوليين، ففيها عموم، عموم مَنْ؟ عموم أولي العِلْم، الذي يُعبَّر عنه بـ: (العاقل). (وَمَا) لتعميم ما تدلُّ عليه، ولذلك قد يُتصوَّر فيها دلالتها على الحَدَث كما سيأتي، وهي موصولةٌ يعني: إذا دلَّت على العموم، ليست موصولة خَرَجَت عن الشَّرطيَّة، وإنَّما مفادها مفاد (مَا) الموصوليَّة، بِمعنى: أنَّهما سِيَّان في الدَّلالة على العموم هذا المقصود، ليس من حيث العمل، لا، هي شرطيَّة ولا تَخرج عنها. حِينئذٍ هي موصوليَّة من حيث إفادتها للعموم، بل كلُّ هذه الأسماء تدلُّ على العموم. وكلتاهما مُبهمةٌ في أزمان الرَّبط، أي: لا تدلُّ على زمنٍ مُعيَّن من أزمان ربط الجواب بالشَّرط، يعني: (مَنْ وَمَا) هذه لا تدلُّ على زمنٍ مُعيَّن، وإنْ أفادت ارتباط الجواب بالشَّرط في زمنٍ مُطلق .. مبهم، لا بُدَّ من زمنٍ، حِينئذٍ نقول: الزمن هنا مُعيَّن أم لا؟ غير مُعيَّن، ولذلك قال: وكلتاهما مُبهمةٌ في أزمان الرَّبط، أي: لا تدلُّ على زمنٍ مُعيَّن من أزمان ربط الجواب بالشَّرط. (وَمَهْمَا) بِمعنى: (مَا) .. (مَنْ) لأولي العِلْم، (وَمَا) لتعميم ما تدلُّ عليه، (مَهْمَا) مثل (مَا)، إذاً: كأنَّها نوعان: (مَنْ وَمَا) وأمَّا (مَهْمَا) فهي مثل (مَا)، وقيل: أعمُّ منها، ولا تخرج عن الاسْميَّة ولا عن الشَّرطيَّة خلافاً لمن زعم أنَّها تكون استفهاما، ولا تُجرُّ بإضافة ولا بِحرف جرٍّ، بِخلاف (مَا) و (مَنْ) يعني: (مَهْمَا) لا تُجرُّ بالإضافة، ولا تخرج إلى الاستفهاميَّة، ولا تُجرُّ بِحرف جر بخلاف (مَنْ) و (مَا). وأصل: (مَهْمَا) "مَامَا"! يعني: مَا ومَا، فقلبت الألف الأولى هاء، فقيل: مَهْمَا. أصل (مَهْمَا) مَامَا، الأولى شرطيَّة والثانية زائدة، فثقل اجتماعهما "ماما" – ليست ثقيلة "ماما" خفيفة على اللسان -، ثقل اجتماعهما فأبدلت ألف الأولى هاءً، فقيل: مَهْمَا، هذا مذهب البصريين: أنَّها مركَّبة من: مَا ومَا، الأولى شرطيَّة والثانية زائدة، استُثقِلت فأبدلت ألف الأولى هاءً، فقيل: مَهْمَا. ومذهب الكوفيين: أصلها (مَهْ) بِمعنى: اكفف، زيدت عليها (مَا) فحدث بالتركيب معنىً لم يكن، وأجاز سيبويه، وقيل: إنَّها بسيطة وهو أرجح. ما الدليل على أنَّها (مَامَا)؟ ليس عليه دليل، وأنَّ أصلها: (مَهْ) بِمعنى: اكفف زيدت عليها (مَا)، لو نطق بهذا كان صواباً، وقيل: بأنَّها بسيطة، إذاً: عرفنا: (مَنْ وَمَا وَمَهْمَا) هذه تأتي غير ظرفيَّة .. لا تستعمل في الظَّرف. وأمَّا: (أَيٌّ) فهي عامةٌ في ذوي العِلْم وغيره، يعني: تستعمل للعاقل ولغير العاقل، وهي بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى ظرف زمان فهي ظرف زمان، وإن أضيفت إلى ظرف مكان فهي ظرف مكان، وإذا أضيفت إلى مصدر: أيَّ ضربٍ تضرب، فهي مفعولٌ مُطلق، يعني: تدلُّ على الحدث.

إذاً: (أَي) الشَّرطيَّة ملازمة للإضافة، ثُم هل هي ظرفٌ أمْ تدلُّ على الحدث، وإذا كانت ظرفاً: هل هي ظرف زمان أو ظرف مكان؟ نقول: بحسب ما تضاف إليه، أضفها أولاً ثُم انظر في المضاف إليه فتُفسِّرها بالمضاف إليه، فهي بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى ظرف مكان فهي ظرف مكان، وإن أضيفت إلى ظرف زمان فهي ظرف زمان، وإن أضيفت إلى غيرها كالحدث فهي غير ظرفٍ. إذاً: هذا الرابع الذي لا يَتعيَّن أن يكون ظرفاً، إذاً: (مَنْ وَمَا وَمَهْمَا) ليست ظرفيَّة، (أَيٌّ) بحسب ما تضاف إليه، كأنَّها واسطة بين النَّوعين. القسم الثاني: الذي يُستعمل ظرفاً، فينقسم إلى زماني ومكاني، قد يكون ظرف زمان، وقد يكون ظرف مكان، فالزَّماني: (مَتَى) و (أَيَّانَ) وهما لتعميم الأزمنة - انظر! عموم .. فيها عموم –، فالزَّماني: (مَتَى) و (أَيَّانَ) وهما لتعميم الأزمنة وكسْر همزة (أَيَّانَ) لغة سُلّيْم: إِيَّان، المشهور الأول. والمكاني: (أَيْنَ) و (أَنَّى) و (حَيْثُمَا)، إذاً الزَّماني: (مَتَى) و (أَيَّانَ)، والمكاني: (أَيْنَ) و (أَنَّى) و (حَيْثُمَا)، هذه دائماً تكون الظَّرفيَّة، فحِينئذٍ تكون منصوبة على الظَّرفيَّة دائماً، لا تخرجها عنها، إمَّا الزَّمانيَّة وإمَّا المكانيَّة، وهي لتعميم الأمكنة، إذاً: فيها عموم .. تدلُّ على العموم وهو تعميم الأمكنة. إذاً: عرفنا أنها باعتبار ما تدلُّ عليه إمَّا ظرف وإمَّا غير ظرف، غير الظَّرف ثلاثة: (مَنْ وَمَا وَمَهْمَا) و (أَيٌّ) واسطة بحسب ما تضاف إليه، إن أضيفت إلى ظرف فهي ظرف وإلا فلا، والظَّرفيَّة نوعان: زمانيَّة ومكانيَّة، الزَّمانيَّة اثنان: (مَتَى) و (أَيَّانَ) والمكانيَّة وهي الباقي. وهذه الأدوات في لحاق (مَا) على ثلاثة أضْرُب، النَّاظِم هنا قال: (بِإِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا) ثُم قال: (وَحَيْثُمَا) لم يقل: حيث، وقال: (إِذْ مَا) ذكر معها (مَا)، إذاً: (مَا) قد تُزاد، وقد يَتعيَّن في الأداة ألاَّ تعمل الجزم إلا بدخول (مَا)، وقد لا يَتعيَّن، حِينئذٍ نقول: القسمة ثلاثيَّة .. هذه الأدوات باعتبار زيادة (مَا) ثلاثة أقسام: الأول: لا يجزم إلا مقترناً بها، وهو (حيث) و (إذْ)، (حيث .. حَيْثُمَا) (حيث) لوحدها ما تَجزم، وإنَّما كما سبق تكون ظرفاً ملازماً للإضافة، و (إذْ) كذلك لا بُدَّ أن تكون ملازمةً لـ: (مَا) ولذلك قال: (وَحَرْفٌ إِذْ مَا) وقال: (وَحَيْثُمَا) ذكرها جازمةً بزيادة (مَا)، إذاً: لا تعمل الجزم إلا مع (مَا) كما هو ظاهر النَّظم. وأجاز الفرَّاء الجزم بهما بدون (مَا) لكنَّه مرجوح. الثاني: ما لا يَلحقه (مَا) البتَّة .. لا تُزاد عليهما، وهو: (مَنْ وَمَا وَمَهْمَا) يعني: المفتتحة بـ: (مَا) و (أَنَّى)، أنَّما .. ما عندنا أنَّما، كذلك: منْما ومَامَا، ومهما لا يُزاد عليها، إذاً: هذه الأربعة لا تدخل عليها (مَا) البتَّة (مَنْ وَمَا وَمَهْمَا) كلها مفتتحة بالميم، وزد عليها: (أَنَّى) هذا أربعة لا تدخل عليها (مَا) البتَّة. وأجازه الكوفيون في (مَنْ) و (أَنَّى).

الثالث: يَجوز فيه الأمران، وهو: (إِنْ)، و (أَيٌّ)، و (مَتَى)، و (أَيْنَ)، و (أَيَّانَ)، إنْ مَا .. إنَّمَا، قد يُقال: إمَّا، وقد يُقال: ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] هذا وارد، متى ما تدعوا، ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ)) [النساء:78] جاءت (أَيْنَمَا) زيدت عليها (مَا)، أيَّانَ ما تَعدِل، زيدت عليها (مَا)، لكن هل هي شرطٌ في إعمالها؟ الجواب: لا، لأنَّها قد تخلو منها تقول: (أَيَّانَ) لوحدها، وقد تزيد عليها (مَا). إذاً: وَاجْزِمْ بِإِنْ وَمَنْ وَمَا وَمَهْمَا ... أَيٍّ مَتَى أَيَّانَ أَيْنَ إِذْ مَا وَحَيْثُمَا أَنَّى وَحَرْفٌ إِذْ مَا ... كَإِنْ وَبَاقِي الأَدَوَاتِ أَسْمَا هذا ما يَتعلَّق بها على جهة العموم. أسقط النَّاظِم من الجوازم: (إذا) و (كيف) و (لوْ) لم يذكرها النَّاظِم هنا، وأسقطها عمداً، يعني: ترجيحاً منه على أنَّها ليست بِجازمة، وإنْ وقع نزاع في بعضها. أمَّا (إذا) فالمشهور أنَّه لا يُجزم بها إلا في الشِّعْر، قال ابن آجروم هناك: " و (إذا) في الشِّعْر خاصَّة " يعني: لا في النَّثر: إِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ .. (تُصِبْكَ) فعل مضارع مجزوم بـ: (إِذا) لكنَّه خاصٌّ بالشِّعْر، وقيل: ضرورة. إذاً: أمَّا (إذا) فالمشهور أنَّه لا يُجزم بها إلا في الشِّعْر، لا في قليل الكلام ولا كثيره، وظاهر (التَّسهيل) جواز ذلك في النَّثر على قِلَّة، يعني: يَجوز أن يُجزم بـ: (إذا) في النَّثر لكنَّه قليل، لماذا نفوا أن تكون (إذا) جازمة؟ لأنَّها موضوعةٌ لزمن مُعيَّن واجب الوقوع، والشَّرط المقتضي للجزم لا يكون إلا فيما يَحتمل الوقوع وعدمه: إن جاءني زيدٌ أكرمته، مجيء زيد والإكرام هل هو مقطوعٌ بوقوعه أم لا؟ مُحتمل يقع أو لا يقع، هذا شأن الشَّرط: لا يعمل إلا فيما إذا كان ما بعده غير مُتحقِّق الوقوع .. يحتمل الوقوع، ويحتمل عدم الوقوع. وأمَّا (إذا) فلا، ما بعدها يكون مُتحقِّق الوقوع، فإذاً: لا يكون شرطاً، فانتفى عنها معنى الشَّرطيَّة، لأنَّ ما بعدها لا يكون إلا مُتحقِّق الوقوع، ولذلك نفاها أكثر النُّحاة. لأنَّها موضوعةٌ لزمنٍ مُعيَّن واجب الوقوع، والشَّرط المقتضي للجزم لا يكون إلا فيما يحتمل الوقوع وعدمه: من جاءني أكرمته، المجيء ليس بِمقطوعٍ به، وكذلك الإكرام ليس مقطوعاً به، إذاً: هو مُتوقَّع، و"إذا" لا يكون في المُتوقَّع بل في مُتعيِّن الوقوع. وأمَّا (كيف) وهذه عَدَّها الكوفيون، وبعضهم اشترط فيها (مَا). (كيف) فيجازى بها معنىً لا عملاً، يعني: من حيث المعنى يُجازى بِها، ولذلك: أوات الشَّرط قد تَجزم وقد لا تَجزم كما سيأتي. فيُجازى بِها معنىً لا عملاً، خلافاً للكوفيين فإنَّهم أجازوا الجزم بها قياساً مُطلقاً، والصَّحيح أنَّها ليست بِجازمة، وإن كان في المعنى يُرتَّب عليها الجزاء، إذ ليس كلُّ ما رُتِّب عليه الجزاء يكون عاملاً الجزم، كما سيأتي في: (فَصْلِ " لَوْ " وَ"لَوْلاَ").

فإنَّهم أجازوا الجزم بها قياساً مُطلقاً، والأول أصَح .. الذي هو عدم الجزم بها، وأنَّها للمجازاة معنًى لا عملاً، لماذا نفوا؟ قالوا: لمخالفتها لأدوات الشَّرط بوجوب موافقة شرطها لجوابها، يعني: يُشترط في أدوات الشَّرط أن يكون جملة الشَّرط مُخالفةٌ لجملة الجواب، إلا على تأويل: إذا ضُمِّن معنىً آخر، كما في الحديث: {فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} لَم يَحصل التَّخالف، لكن يُقدَّر له أن الجملة الثانية مخالفة للأولى، حِينئذٍ إذا ضُمِّن معنىً يقتضي المخالفة والمغايرة بين الجملتين صَحَّ. وأمَّا (كيف) فلا، يكون ما بعدها الجواب موافقاً لِمَا قبلها، لمخالفتها لأدوات الشَّرط بوجوب موافقة شرطها لجوابها، وقيل: يَجوز بشرط اقترانها بـ: (مَا). إذاً: ثلاثة أقوال: عدم الجزم بها، ثانياً: الجزم بها، ثالثاً: التفصيل، إنْ اقترنت بـ: (مَا) جاز وإلا فلا. وأمَّا: (لوْ) فذهب قومٌ إلى أنَّها يُجزم بها في الشِّعر خاصَّة، وهذا سيأتي يبحثها النَّاظِم بعد هذا الفصل، يعقد فصل خاص، بـ: (لوْ) وهي الصَّحيح أنَّها ليست جازمة، وإن كان الجزم معلوماً من جهة المعنى، يعني: مثل (كيف) يعني: يُجازى بها معنىً لا عملاً. قال الشَّارح هنا: " والثاني ما يَجزم فعلين وهو (إِنْ) كقوله: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)) [البقرة:284] " (إِنْ تُبْدُوا) (إِنْ) هذا حرف شرط، و (تُبْدُوا) هو فعل الشَّرط، (أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ) (يُحَاسِبْكُمْ) هذا جواب الشَّرط. و (مَنْ): ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)) [النساء:123] (يَعْمَلْ) هذا فعل الشَّرط، و (يُجْزَ بِهِ) هذا جواب الشَّرط، إذاً: هذه عملت في فعلين. و (مَا) نَحو: ((وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)) [البقرة:197] (تَفْعَلُوا) فعلٌ مضارع مجزوم بـ: (مَا)، و (يَعْلَمْهُ) كذلك مجزوم بـ: (مَا). و (مَهْمَا) نَحو: ((وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)) [الأعراف:132] (فَمَا نَحْنُ لَكَ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، وجملة: (مَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط. (أَيٌّ): ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)) [الإسراء:110] إذاً: جزمت فعلين، الأول: (تَدْعُوا) والثاني: أقيم مقامه الجملة الاسْميَّة، ولذلك اقترنت بالفاء. و (مَتَى) كقوله: مَتَى تَأَتهِ تَعْشُو إِلى ضَوْءِ نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَها خَيرُ مُوقِدِ مَتَى تَأَتهِ تَعْشُو .. (أَيَّانَ): أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ تأمَنْ غيرَنا .. جزمت فعلين (نُؤْمِنْكَ) .. (تأمَنْ) فعل الشَّرط وجواب الشَّرط. و (أَيْنَمَا): أَيْنَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ .. والآية أوضح: ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ)) [النساء:78]. و (إِذْ مَا): وَإِنَّكَ إِذْ مَا تَأْتِ مَا أَنْتَ آمِرٌ ... بِهِ تُلْفِ مَنْ إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتِيَا (تُلْفِ) هذا جواب الشَّرط.

و (حَيْثُمَا): ((وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ)) [البقرة:144] وقعت في جواب الشَّرط: حَيْثُما تَسْتَقِمْ يُقَدِّرْ لَكَ الله .. تَسْتَقِمْ .. يُقَدِّرْ .. و (أَنَّى): خَلِيْلَيَّ أنَّى تَأتِيَانِيَ تَأتِيَا ... أخَاً غَيْرَ مَا يُرْضِيْكُمَا لاَ يُحَاوِلُ خَلِيْلَيَّ أنَّى تَأتِيَانِيَ تَأتِيَا .. وهذه الأدوات التي تجزم فعلين كلها أسماء إلا (إِنْ) و (إِذْ مَا) فإنهما حرفان، وكذلك الأدوات التي تجزم فعلاً واحداً كلها حروفٌ ولا إشكال في هذا. فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا ... يَتْلُوْ الْجَزَاءُ وَجَوَابَاً وُسِمَا يعني: عرفنا أنَّ هذه الأدوات تقتضي فعلين، يعني: يظهر أثرها وهو الجزم في فعلين، الأول: يُسمَّى الشَّرط، والثاني: يُسمَّى جواب الشَّرط، ولذلك قال: يَقْتَضِينَ فِعْلَيْنِ، يعني: يطلبن فعلين، لا يظهر أثر الجزم وأثر الشَّرط إلا في فعلين. (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) يعني: يطلبن .. يقتضين فعلين، (فِعْلَيْنِ) هذا مفعولٌ مُقدَّم لقوله: (يَقْتَضِينَ) يعني: يقتضين هذه الأدوات، النون هنا نون الإناث وهي فاعل. (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا) الأول، (يَتْلُوْ الْجَزَاءُ) يتلوه الجزاءُ، يعني: يتبعه الجزاءُ، (وَجَوَابَاً وُسِمَا) وسم جواباً، يعني: سُمِّي جواباً، قوله: (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) إنَّما قال: (فِعْلَيْنِ) ولم يقل: جملتين، للتنبيه على أنَّ حقَّ الشَّرط والجزاء أن يكونا فعلين، وإن كان ذلك لا يلزم في الجزاء، يعني: كلُّ واحدٍ من فعل الشَّرط وجواب الشَّرط الأصل فيه أن يكون فعلاً، وهذا الفعل مُتعيِّن في فهل الشَّرط .. لا بُدَّ أن يكون الأول فعلاً، وأمَّا الثاني الذي هو الجواب فالأصل أن يكون فعلاً، وقد لا يأتي فعلاً، وإنَّما يكون جملةً اسْميَّة أو غيرها، وهذا يَتعيَّن فيه أن يقترن بالفاء أو (إذا) كما سيأتي. إذاً قوله: (فِعْلَيْنِ) على جهة التأصيل، أمَّا الأول فمُتعيِّن تأصيلاً وواقعاً، الذي هو فعل الشَّرط، وأمَّا الثاني فمُتعيِّن تأصيلاً لا واقعاً، يعني: الأصل فيه أن يكون فعلاً، ولكن في الواقع قد يَتخلَّف الفعل ولا يكون فعلاً. وأفهم قوله (يَتْلُوْ الْجَزَاءُ) أنَّه لا يَتقدَّم، يعني: الأول يُسمَّى فعل الشَّرط، والثاني يُسمَّى جواب الشَّرط، هذا الترتيب مُراد فلا يَتقدَّم الثاني على الأول، ولا يتأخر الأول عن الثاني، فمتى ما حصل تقديم أو تأخير حِينئذٍ حكمنا بكون الأول ليس جواباً للشَّرط. إذاً: أفهم قوله (يَتْلُوْ الْجَزَاءُ) يعني: يتلوه الجزاءُ، (شَرْطٌ قُدِّمَا) مُتقدِّم، يتلوه الجزاء، إذاً: التَّرتيب هذا مُراد، فالأول .. الفعل الأول الذي تقتضيه أسماء الشَّرط يُسمَّى فعلاً .. شرطاً، والثاني يُسمَّى جزاءً، ويُسمَّى جواباً.

قوله: (شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُوْهُ الْجَزَاءُ) (يَتْلُوْهُ) الضمير هنا محذوف وهو الرَّابط، أفهم أنَّه لا يَتقدَّم الجواب الذي هو الجزاء على الشَّرط، وإن تَقدَّم على الشَّرط شبيهٌ بالجواب فحِينئذٍ نَحكم عليه بأنَّه دليل الجواب وليس بجواب، يعني لو قال قائل: أنْتَ ظالمٌ إنْ فعلت كذا، أصل التركيب: إنْ فعلت كذا فأنت ظالمٌ، لَم يأت بـ: أنْتَ ظالمٌ، قال: أنت ظالمٌ إنْ فعلت كذا، هل الأول: أنت ظالم، يُعتبَر جواباً؟ لا يُعتبَر، لأن النَّاظِم يقول: (شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُوْهُ الْجَزَاءُ) هذا الترتيب مقصود، الأول فعل الشَّرط والثاني الجواب، إذا لم يأت الجواب في مَحله وحصل مثله مُتقدِّماً على أداة الشَّرط حكمنا على المُتقدِّم بأنَّه ليس جواباً، لأن الجواب لا يكون مُتقدِّماً على فعل الشَّرط: أنت ظالمٌ إن فعلت، أين يقع جواب الشَّرط؟ يقع بعد (إنْ) وبعد فعل الشَّرط، هذا الأصل. حِينئذٍ: أنت ظالمٌ إنْ فعلت كذا، نقول: إنْ فعلت، (فعلت) هذا فعل الشَّرط والجواب مَحذوفٌ دلَّ عليه الدليل السَّابق، فما تَقدَّم دليل الجواب وليس عين الجواب، ولذلك نَصَّ هنا النَّاظِم قال: (شَرْطٌ قُدِّمَا يَتْلُوْ الْجَزَاءُ) يعني: يتلوه الجزاء ويتبعه، فلو وجد في الكلام ما ظاهره أنَّه جواب الشَّرط وقد تَقدَّم على الأداة حكمنا عليه بكونه دليل الجواب وليس عين الجواب، والجواب محذوفٌ دلَّ عليه ذلك المتقدِّم. وإنْ تَقدَّم على الشَّرط شبيه بالجواب فهو دليلٌ عليه وليس إياه، هذا مذهب جمهور البصريين، وذهب الكوفيون والمُبَرِّد إلى أنَّه الجواب نفسه والصَّحيح الأول، أنَّه دليل الجواب وليس بعين الجواب. (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) .. (يَقْتَضِينَ) يعني: يطلبن، يعني: تطلب هذه الأدوات فعلين، أفهم (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ): أنَّ الأداة جزمت الفعلين معاً، (يَقْتَضِينَ) يطلبن فعلين، يطلبنه على ماذا؟ على أنَّ الأول فعل الشَّرط والثاني جواب الشَّرط، وإذا طلب العامل شيئاً عَمِل فيه. إذاً: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ)) [الطلاق:2] (يَتَّقِ) مَجزومٌ بـ: (مَنْ) على أنَّه فعل الشَّرط، و (يَجْعَلْ) مَجزومٌ بـ: (مَنْ) على أنَّه جواب الشَّرط، إذاً: (مَنْ) فقط عَمِلَت الجزم في فعل الشَّرط، وعَمِلَت الجزم في جواب الشَّرط، وهذا هو الصَّحيح، وقيل غير ذلك. أفهم قوله (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ): أنَّ أداة الشَّرط هي الجازمة للشرط والجزاء معاً، وهذا هو الصَّحيح، لاقتضائها لها – يعني: تقتضيه – والاقتضاء هو معنى العمل، أمَّا الشَّرط فنُقل الاتفاق على أنَّ الأداة جازمةٌ له، الشَّرط الأول: ((وَمَنْ يَتَّقِ)) [الطلاق:2] بالإجماع نُقِل الاتفاق على أنَّه مَجزومٌ بـ: (مَنْ) لكن هذا الاتفاق ليس بِمُسلَّم، نُسب للأخْفَش أنَّهما تَجازما، يعني: جُزِم فعل الشَّرط بِجواب الشَّرط، وجواب الشَّرط بِفعل الشَّرط، كما قيل في المبتدئ والخبر: ترافعا، كلٌ منهما رفع الآخر، ما الرَّافع للمبتدئ؟ الخبر، ما الرَّافع للخبر؟ المبتدأ، كلٌ منهما تعاون على الآخر فرفعه.

قيل مثله في فعل الشَّرط وجواب الشَّرط، ما الذي جَزَم (يَتَّقِ)؟ (يَجْعَلْ)، ما الذي جزم (يَجْعَلْ)؟ (يَتَّقِ) كلٌ منهما جزم الآخر. إذاً: الاتفاق المراد به الجماهير، أمَّا الشَّرط فنُقِل الاتفاق على أنَّ الأداة جازمةٌ له، وأمَّا الجزاء الذي هو (يَجْعَلْ) ففيه أقوال: - قيل: هي الجازمة وهو ظاهر النَّظم، يعني: أداة الجزم هي التي جزمت جواب الشَّرط. - وقيل: الجزم بفعل الشَّرط، يعني: (وَمَنْ يَتَّقِ) (يَتَّقِ) جُزِم بـ: (مَنْ) و (يَجْعَلْ) مَجزومٌ بـ: (يَتَّقِ) بفعل الشَّرط. - وقيل: بالأداة والفعل معاً، كما قيل في الخبر أنَّه بالمبتدئ والابتداء معاً، هنا قيل: (مَنْ) و (يَتَّقِ) عاملان في (يَجْعَلْ) ونُسِب إلى سيبويه والخليل، وقيل: بالجوار، وهو مذهب الكوفيين، كلها ضعيفة، والصَّحيح الأول، لأن هذه الأدوات تَجزم فعلين، ومعنى أنَّها تَجزم فعلين: أنَّ الأول مَجزومٌ بها، والثاني مَجزومٌ بها، وهذا هو الصَّحيح. (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا) .. (شَرْطٌ) .. ما إعراب (شَرْطٌ قُدِّمَا)؟ (شَرْطٌ) مبتدأ، و (قُدِّمَا) خبر، (شَرْطٌ) مبتدأ، وساغ الابتداء به مع كونه نكرة لوقوعه في معرض التفصيل، (قُدِّمَا) هذا الجملة في مَحلِّ رفع خبر المبتدئ. (يَتْلُوْ الْجَزَاءُ) يتلوه الجزاءُ، (يَتْلُوْ) فعل مضارع، و (الْجَزَاءُ) فاعل، والضمير مفعول به محذوف .. يتلوه الجزاء، والجملة هذه صفة لـ: (شَرْطٌ) شرطٌ قُدِّما متلوٌ بالجزاء .. صفة له، وشرط الجزاء الإفادة كخبر المبتدئ، يعني: ليس كل جزاءٍ يَصِح أن يقع جزاءً، لا، لا بُدَّ أن يكون مُفيداً، فشرطه الإفادة كخبر المبتدأ، فلا يَجوز: إنْ يقم زيدٌ يقم، لو قيل: أي شرط ائت به لصح هذا التعبير: إنْ يقم زيدٌ يقم، نقول: هذا ليس مفيداً. (شَرْطٌ قُدِّمَا) فُهِم منه: أنَّ الشَّرط والجزاء جملتان، لأن الفعل يستلزم الفاعل، وفُهِم منه: أنَّ الشَّرط لا يكون إلا مُتقدِّما، فإذا ورد: أنت ظالمٌ إنْ فعلت، فليس (أنت ظالمٌ) جواباً مُقدَّماً، بل الجواب محذوف دَلَّ عليه ما تَقدَّم على أداة الشَّرط. (وَجَوَابَاً وُسِمَا) .. (وُسِمَا) يعني: من الوسم .. العلامة، يعني: سُمِّي جواباً، يُسمَّى جزاءً ويُسمَّى جواباً، الثاني الذي هو: (يَجْعَلْ) ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ)) [الطلاق:2] (يَتَّقِ) هذا فعل الشَّرط، و (يَجْعَلْ) يُسمَّى جزاءً ويُسمَّى جواباً. وُسِم جواباً، (جَوَابَاً) هذا حالٌ من الضمير في (وُسِمَا) أي: يُسمَّى الجزاء جواباً، (وُسِمَا) الضمير هنا يعود على الجزاء، والألف هذه للإطلاق، و (جَوَابَاً) هذا حالٌ من الضمير في (وُسِمَا)، وبعضهم أعربه: مفعول .. مفعول ثاني، لكن ليس بظاهر. إذاً: قال الشَّارح هنا: "يعني: أنَّ هذه الأدوات المذكورة في قوله: (وَاجْزِمْ بِإِنْ إلى قوله: وأَنَّى) يقتضين جملتين" (جملتين) هذا فيه نظر، بل فعلين، لأنَّ الأول هو الذي يكون في مَحلَّ جَزْمٍ كما سيأتي في الإعراب.

يقتضين جملتين، بل فعلين، ولذلك نَصَّ النَّاظِم على الفعلين: (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) أحدهما يُسمَّى شرطاً، والثاني وهو المتأخِّر يُسمَّى جواباً وجزاءً، ويجب في الجملة الأولى أن تكون فعليَّة، وأمَّا الثانية فالأصل فيها أن تكون فعليَّة، ولذلك قلنا: (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) فعلين تأصيلاً وواقعاً في الشَّرط، وتأصيلاً لا وقوعاً في الجواب، تأصيلاً ووقوعاً في الشَّرط، يعني: الأصل فيه من جهة القواعد والقياس أن يكون فعلاً، والواقع موافق للقياس والأصل. وأمَّا الجواب فالتأصيل والأصل أن يكون فعلاً لكن الواقع ليس كذلك، قد يقع فعلاً وهو كثير، وقد لا يقع فعلاً، ويَجوز أن تكون اسْميَّة: إنْ جاء زيدٌ أكرمته، وإنْ جاء زيدٌ فله الفَضْل. (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) ما هما هذان الفعلان؟ أبْهَمَ النَّاظِم، مع كون الفعل يكون على ثلاثة أنْحاء: ماضي ومضارع وأمر، فَفَسَّره بقوله: (وَمَاضِيَيْنِ) ثُم بَيَّن الفعلين اللذين تقتضيهما هذه الأدوات فقال: (مَاضِيَيْنِ) أو (مُضَارِعَيْنِ) أو (مُتَخَالِفَيْنِ) ذكر ثلاثة .. القسمة ثلاثية، لكن (مُتَخَالِفَيْنِ) يشتمل على قسمين، وإلا قال: أو .. أو مرتين، (مَاضِيَيْنِ أَوْ مُضَارِعَيْنِ) قسمان (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) هذا الثالث، من أين الرابع؟ الرابع داخل في قوله: (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ). إذاً قوله: (فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ) هذه مُجمل، لأنه يَحتمل فعل الأمر، ويَحتمل الفعل الماضي، ويَحتمل المضارع، فبَيَّن بقوله: (وَمَاضِيَيْنِ) هذا مفعول ثانٍ مُتقدِّم لقوله: (تُلْفِيهِمَا) تجدهما، الهاء هنا مفعول أول، و (مَاضِيَيْنِ) مفعولٌ ثاني، و (أَوْ) هذا حرف عطف، (مُضَارِعَيْنِ) معطوف على (مَاضِيَيْنِ)، (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) معطوف على (مَاضِيَيْنِ). إذاً: قد يكون الفعلان ماضيين، وما المراد بالماضي هنا؟ قلنا: الماضي على ثلاثة أقسام: - ماضٍ لفظاً ومعنىً، ومعنىً لا لفظاً، ولفظاً لا معنىً، هل كلها داخلة هنا؟ لفظاً ومعنىً ليس مراداً، فـ: (مَاضِيَيْنِ) لفظاً لا معنىً، لأن أدوات الشَّرط تنقل الفعل من الدَّلالة على الحال إلى المستقبل: إنْ جاءني .. ما جاء .. ما وقع المجيء، إنْ جاءني زيدٌ أكرمته، ما وقع، وإنَّما المجيء مُعلَّق في المستقبل، إذاً: هو في اللفظ ماضٍ وفي المعنى مستقبل. إذاً: (مَاضِيَيْنِ) قَيِّدْها: لفظاً لا معنىً، إمَّا لفظاً ومعنىً لا يقع .. لا يقع جواب الشَّرط ولا فعل الشَّرط. (مَاضِيَيْنِ) لفظاً لا معنىً لأن هذه الأدوات تقلب الفعل للاستقبال شرطاً أو جواباً، سواءٌ في ذلك (كان) أو غيرها على الأصَّح، يعني: حتى لفظ (كان) تنقلها إلى المستقبل .. حتى لفظ (كان) الذي أصل وضعه للدَّلالة على الزمان الماضي ويدلُّ على الزمان، وقيل: إنَّه مُجرَّد من الحَدَث، حتى (كان) تنقلها أدوات الشَّرط إلى المستقبل. قال تعالى: ((وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)) [المائدة:6] (كُنْتُمْ) يعني: في المستقبل. إذاً: (مَاضِيَيْنِ) نقول: لفظاً لا معنىً. قال الشَّارح: إذا كان الشَّرط والجزاء جملتين – يُعبِّر بالجملتين هذا فيه نظر! – فيكونان على أربعة أنْحاء:

الأول: أن يكون الفعلان ماضيين، يعني: فعل الشَّرط ماضٍ، وجواب الشَّرط ماضٍ كذلك، إنْ قام زيدٌ قام عمروٌ، (إنْ) حرف شرط، و (قام) فعل الشَّرط وهو ماضٍ، قام زيدٌ .. قام عمروٌ، (قام) الجواب والجزاء كذلك فعلٌ ماضي، وكلٌ منهما ماضٍ في اللفظ فقط لا في المعنى، لأنَّه كأنَّه قال: إنْ قام سيقوم زيدٌ سيقوم عمروٌ، ويكونان في مَحلِّ جَزمٍ. ومنه قوله تعالى: ((إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ)) [الإسراء:7] إذاً: جاء في القرآن .. جاء في القرآن الأول ماضي والثاني ماضي، ((وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)) [الإسراء:8] (عُدْتُمْ عُدْنَا) كلٌ منهما ماضي، إذاً: (مَاضِيَيْنِ) لفظاً لا معنىً. (أَوْ مُضَارِعَيْنِ) وهو الأصل .. الأصل فيهما أن يكونا مضارعين، لماذا؟ الجزم، هذا من حيث العمل، ومن حيث المعنى؟ أنَّه يدلُّ على المستقبل، إذاً: (أَوْ مُضَارِعَيْنِ) هو الأصل، نَحو: إنْ يقم زيدٌ يقم عمروٌ، (إنْ يقم) يقم هذا فعل الشَّرط وهو فعل مضارع، (يقم عمروٌ) هذا الجواب، فعل مضارع. ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ)) [البقرة:284] (إِنْ تُبْدُوا) هذا فعل الشَّرط، (يُحَاسِبْكُمْ) هذا جواب الشَّرط، كلٌ منهما مضارع، إذاً: اتفقا، وهذا أعلى الدَّرجات. (تُلْفِيهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) دخل تحته صورتان: أن يكون الأول ماضياً والثاني مضارعاً، يعني: فعل الشَّرط يكون ماضياً، وجواب الشَّرط مضارعاً، نَحو: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، (قام) فعل ماضي من جهة اللفظ، وأمَّا المعنى فهو مستقبل (يقم عمروٌ) (يقم) هذا لفظاً ومعنىً مستقبل. ومنه قوله تعالى: ((مَنْ كَانَ)) [هود:15] (كَانَ) فعل ماضي، وهنا صَرَفَتْه، قلنا: لا يكون الماضي ماضياً لفظاً ومعنى فعل الشَّرط البتَّة، حِينئذٍ جاء هنا: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ)) [هود:15] (نُوَفِّ) هذا جواب الشَّرط، إذاً: (كَانَ) هنا المراد بها الاستقبال ولم يُرَد بها الماضي، هذا مُتفقٌ عليه: أن يكون الأول ماضياً والثاني مضارعاً، العكس: أن يكون الأول مضارعاً والثاني ماضياً، هذا فيه نزاع كبير، هل يَصِح أو لا؟ وظاهر إطلاق النَّاظِم الصِّحة: (أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ) عَمَّا إذا كان الأول ماضياً والثاني مضارعاً أو بالعكس. أن يكون الأول مضارعاً والثاني ماضياً وهو قليل، وخَصَّه الجمهور بالضَّرورة، يعني: في الشِّعْر خاصَّة، وأمَّا في النَّثر فليس الأمر كذلك، لماذا خَصَّوْه بالضَّرورة؟ قالوا: لأنَّ إعمال الأداة في لفظ الشَّرط، ثُم المجيء بالجواب ماضياً كتهيئة العامل للعمل ثُم قطعه، يعني: إذا كان الأول مضارعاً والثاني ماضياً، أعْمَلْتَ أداة الشَّرط في الأول في اللفظ، ثُم كأنَّك هيئتها لتعمل في الثاني، فتنتقل من إعمالٍ في الظَّاهر إلى إعمال في الظَّاهر .. قَوِيَت، فحِينئذٍ إذا جيء به ماضياً كأنك قطعته بعد التهيئة، هيأته أولاً ثُم قطعته. ومذهب الفَرَّاء والمُصنِّف جوازه في الاختيار وهو الصَّحيح للحديث الآتي، أنْ يكون الأول مضارعاً والثاني ماضياً: مَنْ يَكِدْنِي بسَيءٍ كُنْتَ مِنْهُ ... كَالشَّجَا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالوَرِيدِ

(مَنْ يَكِدْني بسَيءٍ كُنْتَ مِنْهُ) .. (كُنْتَ) هذا الجواب، إذاً: وقع الأول مضارعاً (يَكِدْني) كاد .. يكيد، والثاني: (كُنْتَ) هذا جاء في الشِّعْر، وأحسن من هذا قوله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ} (مَنْ يَقُمْ) هذا فعل مضارع، (غُفِرَ لَهُ) هذا ماضي، إذاً نقول: جائز. وفي قول عائشة: " إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ " (مَتَى يَقُمْ .. رَقَّ) إذاً: جاء في كلام عائشة رضي الله تعالى عنها، إذاً نقول: الصَّواب أنَّه يَجوز أن يكون الأول مضارعاً والثاني ماضياً. فأمَّا الماضي الواقع شرطاً أو جزاءً فهو في موضع جزمٍ، إذا وقع الماضي الأول: إنْ قام زيدٌ قُمْتُ، نحن نقول: هذه جازمة، عوامل الجزم ما يجزم فعلاً وما يجزم فعلين، أين الجزم في: إنْ قَام قُمْتُ؟ ليس فيه جزم، نقول: هنا الجزم مَحلِّي، فنُعمِّمْ: الجزم قد يكون ظاهراً، وقد يكون مَحلاً، ولذلك قلنا: إذا كانا مضارعين هو الأصل، لأن الجزم يكون ظاهراً في الأول وفي الثاني، فإذا لم يظهر فيهما أو في أحدهما فهو أقل. إذاً: فأمَّا الماضي الواقع شرطاً أو جزاءً فهو في موضع جزمٍ .. مَحلِّ جزمٍ، لأنَّه مبني لا يظهر فيه إعراب، وأمَّا جزم المضارع فلا إشكال فيه شرطاً كان أو جزاءً في الأربعة السابقة، ويجوز رفع المضارع إذا كان جزاءً، وإلى ذلك أشار بقوله: وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ ... وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

113

عناصر الدرس * ما يجوز في الجواب إذا كان فعل الشرط ما ضياَ * تخلف (إذا) الفجائية الفاء بشروط * متى يجوز إقتران الفاء بجواب الشرط؟ * الفعل المضارع الواقع بين فعل الشرط وجوابه بعد عاطف * حذف الجواب إذا دل عليه دليل ومثله الشرط. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: فلا زال الحديث في باب عوامل الجزم، وذكرنا أنَّ النَّاظِم رحمه الله تعالى قسَّم الأدوات الجازمة للمضارع إلى قسمين: - ما يجزم فعلاً واحداً، وما يجزم فعلين اثنين، وذكر ما يجزم فعلاً واحداً في قوله: بِلاَ وَلاَمٍ طَالِبَاً ضَعْ جَزْمَا ... فِي الْفِعْلِ هَكَذَا بِلَمْ وَلَمَّا ثُم ذَكَر ما يجزم فعلين اثنين وهي إحدى عشرة أداة، نقول: أداة ولا نقول: أسْماء أو حروف، لا نُعيِّن هذا أو ذاك وإنما نقول: أداة، لأن الأداة أعمُّ من الحرف أو الاسم، فيشمل ما إذا كان الجازم حرفاً، وما إذا كان الجازم اسماً، وبَينَّا ما يَتعلَّق بهذه الأدوات الإحدى عشرة. فِعْلَيْنِ يَقْتَضِينَ شَرْطٌ قُدِّمَا ... يَتْلُوْ الْجَزَاءُ وَجَوَابَاً وُسِمَا بَيَّن لنا أنَّ هذه الأدوات التي تجزم فعلين تحتاج شرطٍ وجوابه، الشَّرط الأول الذي قُدِّما، والثاني الجزاء الذي يتلوه ويُسمَّى جواباً، ثُم بيَّن لنا أنَّ هذين الفعلين قد يكونا ماضيين، يعني: لفظاً لا معنى، أو مضارعين، أو متخالفين، يعني: الأول ماضي والثاني مضارع، أو بالعكس، وهذه أربعة أحوال وكلها واردة وإن كان الأخير مُختلف فيه وهو ما إذا كان الأول مضارعاً والثاني ماضياً، والجمهور على المنع، وخصَّوه بالضرورة والصواب الجواز للحديث الذي ذكرناه. فأمَّا الماضي الواقع شرطاً أو جزاءً حِينئذٍ إذا جاء فعل الشَّرط ماضياً أو جاء جواباً حِينئذٍ كيف نقول: هذه جوازم ومع ذلك لا يظهر الأثر في الفعل الماضي، لأن الجزم إعراب، حِينئذٍ إن كان الجزم إعراباً كيف يكون أثره في الفعل الماضي؟ نقول: الجزم قد يكون لفظاً، وقد يكون مَحلاً، وإذا كان كذلك فالفعلان .. فعل الشَّرط وجواب الشَّرط إمَّا أن يكونا أحدهما أو هما ماضيين، وإمَّا أن يكونا مضارعين أو أحدهما مضارع. فإذا كان مضارع لا إشكال، واضح أنَّ الإعراب يكون ظاهراً، وإذا كان ماضياً حِينئذٍ يكون في مَحلِّ جزمٍ، والإعراب إنَّما يكون للفعل نفسه لا للجملة، إذا قلت: إنْ قام زيدٌ قمت، (إنْ) حرف شرط، (قام) فعل مضارع مبني على الفتح في مَحلِّ جزم فعل الشَّرط، تُعربه قبل أن تُعرب فاعله .. قبل أن تعرب الفاعل تقول: فعلٌ ماضي مبنيٌ على الفتح في مَحلِّ جزم، ولا تقل: (قام) فعلٌ ماضي والفاعل زيد، والجملة في مَحلِّ جزم لا، إنَّما فعل الشَّرط يكون فعلاً. حِينئذٍ إذا كان ماضياً يكون الإعراب الذي هو الجزم مُسَّلطاً على المَحل لا على اللفظ، فأمَّا الماضي الواقع شرطاً أو جزاءً فهو في موضع جزمٍ، لأنَّه مبنيٌ لا يظهر فيه إعرابٌ، وأمَّا جزم المضارع فلا إشكال فيه شرطاً كان أو جزاءً، لأنَّ الجزم من خَواصِّه .. إعرابٌ، والمضارع يُجْزَم، وهذا الباب معقودٌ لبيان جوازم الفعل المضارع. إذاً: لو وقع الشَّرط والجواب مضارعين أو أحدهما مضارع حِينئذٍ يكون مَجزوماً ظاهراً. وأمَّا جزم المضارع فلا إشكال فيه شرطاً كان أو جزاءً في الأربعة الأنحاء .. الأقسام كلها، ويجوز رفع المضارع إذا كان جزاءً، وإلى ذلك أشار بقوله:

وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ ... وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ يعني: إذا جاء في صورة ما إذا كان فعل الشَّرط ماضياً والثاني مضارعاً، هذا القسم الثالث من الأنواع التي ذكرها ابن عقيل: أن يكون الأول ماضياً، والثاني مضارعاً، الأصل في المضارع الثاني جواب الشَّرط أن يكون مَجزوماً هذا الأصل فيه، ويجوز رفعه فيما إذا كان الأول ماضياً، ولذلك قال: (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا) رفعك الجزاء بالقصر للضرورة (حَسَنٌ) يعني: مستحسن في نفسه وليس بشاذ، وليس بنادر، وليس بِخاص بالضرورة. (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) (رَفْعُكَ) هذا مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى مفعوله أو إلى فاعله؟ (رَفْعُكَ الْجَزَاءَ) إذاً: الجزاء مفعول هو المرفوع، إذاً: (رَفْعُكَ) نقول: هذا مبتدأ وهو مصدر مضافٌ إلى فاعله، و (الجزاء) هذا مفعولٌ به منصوبٌ بالمصدر، أين الخبر؟ (حَسَنْ) فهو خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره. (وَبَعْدَ مَاضٍ) (بَعْدَ) منصوب على الظَّرفية مُتعلِّق بقوله: (حَسَنٌ) هذا صفة مُشبَّهة، فيَتعلَّق بها الظرف، إذاً: رفعك الجزاء حسنٌ بعد ماضٍ، هل المراد ماضٍ لفظاً ومعنىً، أو المراد معنىً؟ الثاني، أنَّ المراد به بعد ماضٍ ما يشمل الفعل المضارع المجزوم بـ: (لم). (وَبَعْدَ مَاضٍ) ومثله في ذلك المضارع المنفي بـ: (لم) تقول: إنْ لم تقم أقوم .. إنْ لم تقم أقم هذا الأصل، لكن يجوز الرَّفع فتقول: إنْ لم تقم أقوم .. إنْ قام زيد أقم .. إنْ قام زيدٌ أقوم، (أقوم) بالرَّفع على أنَّه فعل مضارع مرفوع والأصل فيه الجزم، إذاً: يجوز فيه الجزم وهو الأصل، ويَجوز فيه الرَّفع بل الجزم هو المختار. (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) .. (حَسَنْ) أشار به إلى أنَّه كثير، لأنَّه لو كان قليلاً لَمَا عَبَّر بـ: (حَسَنْ) بل عبَّر بـ: (نادر) أو (قَلَّ) أو (نَزُر) كما سبق في الأبواب السَّابقة، فما قَلَّ يُعبِّر عنه بـ: (النَّزر) أو (القِلَّة) أو (الشذوذ) ونحو ذلك، ولَمَّا قال: (حَسَنْ) علمنا أنَّه كثير. والأحسن منه الجزم لأنَّه الأصل، فقوله: (حَسَنْ) لا يلزم أنَّ الجزم أحسن، حِينئذٍ يكون دائراً بين حسنٍ وأحسن، كما يُقال: صحيح وأصح، وهنا دائرٌ بين حسن وأحسن، فالأحسن هو الجزم، لأنه أكثر وهو الأصل، وكذلك الرَّفع حسنٌ لأنَّه كثير وليس بالقليل، يعني: جائزٌ مُطلقاً. (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) .. (رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) فتقول: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، ويصح: يقوم عمروٌ، ورفعه عند سيبويه على تقدير تقديمه، وكون الجواب محذوفاً، وعليه يكون المرفوع مستأنفاً دليل الجواب لا نفسه فلا يجوز، حِينئذٍ الجزم معطوفٌ عليه، مثل المثال الذي ذكره ابن عقيل: إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ، ما إعراب (يقوم) بالرَّفع؟ عند سيبويه أنَّه رفعه على تقدير تقديمه، يعني: ليس هو الجواب، أصل التركيب: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، إذا رفع: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، فأُخِّر المتقدِّم فصار: إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ.

إذاً: (يقوم) ليس هو جواب الشَّرط، وإنَّما هو دليل الجواب، يعني: كان مُتقدِّماً فتأخَّر، وأصل التركيب: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، حِينئذٍ أخَّرته فبقي على رفعه فهو فعل مضارع مرفوع لتجرُّده عن النَّاصب والجازم، و (عمروٌ) فاعله، أين الجواب؟ مَحذوفٌ دلَّ عليه هذا المتقدِّم الذي تأخَّر. إذاً: رفعه ليس لكونه معمولاً للأداة، الأداة لا تعمل إلا الجزم، حِينئذٍ لا يمكن أنْ تعمل الرَّفع في وقتٍ واحد، تجزم الأول وترفع الثاني هذا ليس من شأن الجوازم، ثُم الرَّافع تقرَّر سابقاً أنَّه هو التَّجرُّد، يعني: لم يسبقه جازمٌ ولا ناصب، وحِينئذٍ نقول: هنا لم يسبقه جازم؟ نعم، لم يسبقه جازمٌ، وهذا الذي تلفظنا به: إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ، نقول: هذا في رتبة التأخير، والأصل: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، فتَقدَّم يقوم عمروٌ، والجواب حِينئذٍ يكون مَحذوفاً. وإذا عطفت على: يقوم عمروٌ، هل يجوز الجزم على المحل؟ لا يجوز الجزم، لماذا؟ لأنَّه ليس بِجوابٍ بل الجواب محذوف، وهذا دليل الجواب فهو مُتقدِّم. إذاً: (وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا حَسَنْ) لماذا نرفعه؟ على مذهب سيبويه أنَّه مرفوعٌ بالتجرُّد عن الناصب والجازم، وأنَّ رتبته التَّقديم، وعليه إذا عطفت عليه لا يجوز فيه الجزم، وذهب الكوفيون إلى أنَّه على تقدير الفاء، وعليه يكون المرفوع نفس الجواب، يعني: المرفوع هو الجواب، ويكون على إسقاط الفاء: إنْ قام زيدٌ فيقوم عمروٌ، إذاً: (يقوم) فعل مضارع مرفوعٌ لتجرُّده عن النَّاصِب والجازم، و (عمروٌ) فاعله، والجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط .. هي جواب الشَّرط، فتكون في مَحلِّ جزم، وإنَّما الذي حصل أنَّ الفاء قد أُسقطت .. حُذفت، وهذا فيه نظر. فحِينئذٍ يَجوز جزم ما عُطف عليه، وقيل: أنَّه ليس على التقديم والتأخير، ولا على حذف الفاء بل لَمَّا لم يظهر لأداة الشَّرط تأثيرٌ في فعل الشَّرط لكونه ماضياً ضَعُفَت عن العمل في الجواب، وهذا أضعف. إذاً: ثلاثة مذاهب في رفع الفعل إذا وقع مضارعاً بعد الماضي إذا كان فعل الشَّرط، في مثل هذا التركيب: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، هذا الأصل بالجزم، حِينئذٍ (قام) هذا فعل الشَّرط، و (يقم) جوابه ولا إشكال أنه مجزوم بـ: (إنْ)، لكن لو رُفِع وقد سُمِع رفعه، حِينئذٍ فيه ثلاثة مذاهب: - مذهب سيبويه: أنَّه متأخِّر عن تقديم، والأصل أنَّه: يقوم عمروٌ إنْ قام زيدٌ، حُذف الجواب وتأخَّر هذا المُتقدِّم فصار دليلاً على الجواب. - القول الثاني وهو مذهب الكوفيين: أنَّه هو الجواب ولكن على إسقاط الفاء، والأصل: إنْ قام زيدٌ فيقوم عمروٌ، فالجملة في مَحلِّ جزمٍ جواب الشَّرط، وقيل: لا تقديم ولا تأخير رداً لمذهب سيبويه، ولا على إسقاط الفاء، بل لَمَّا رُفِع دَلَّ على أنَّ (إنْ) إنَّما عملت في فعل الشَّرط، ثُم ضَعُفَت عن عملها في الجواب فرفع على الأصل، وهذا غريب، لأنَّه قد يُقال: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، لماذا لم تضعف هنا وضعفت في: يقوم عمروٌ؟ هذا التعليل عليل، والرَّاجح هو مذهب سيبويه.

(وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الْجَزَا) الجزاء، قلنا: قصره للضرورة (حَسَنْ)، (وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) لو كان العكس: كان الأول مضارع، والثاني مضارع حِينئذٍ (وَهَنْ) يعني: ضعيف، واردٌ سَمَاعاً لَكنَّه يضعف أن يُرْفَع الثاني .. المضارع إذا كان فعل الشَّرط كذلك مضارع. وإنَّما اسْتُسِيغ فيما إذا كان فعل الشَّرط ماضياً، وأمَّا إذا كان مضارعاً فهو ضعيف، إذاً: فرقٌ بين (حَسَنْ) و (وَهَنْ)، (حَسَنْ) في الأول لأنَّه مضارعٌ بعد ماضٍ فلا إشكال فيه، وأمَّا إذا كان الأول مضارع والثاني مضارع فالأصل أنْ يُجزما معاً، لأنَّه هو أعلى الدرجات. قلنا: أعلى الدرجات أن يكون فعل الشَّرط مضارعاً، لأنَّه الأصل وكذلك أن يكون جواب الشَّرط. (وَرَفْعُهُ) أي: رفع الجزاء، (رَفْعُ) مبتدأ، من إضافة المصدر إلى مفعوله، رَفْعك أنْتَ الجزاء، (رَفْعُهُ) الضمير يعود على الجزاء، (بَعْدَ مُضَارِعٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (وَهَنْ) يعني: ضعف، و (رَفْعُ) مبتدأ، وخبره (وَهَنْ) يعني: فعل ماضي (وَهَنَ) فعل ماضي مبني على الفتح المقدَّر، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على .. ما هو الذي وهن؟ الرَّفع، رفع الجزاء بعد المضارع وهن هو، أي: الرَّفع. إذاً: (وَرَفْعُهُ) رفع الجزاء (بَعْدَ مُضَارِعٍ) ليس على إطلاقه، بل مَحلُّه في غير المنفي بـ: (لم) كما سبق، (وَهَنْ) أي: ضعف، وظاهره أنَّه لا يَختصُّ بالضرورة، وظاهر كلام سيبويه أنَّه مُختصٌّ بالضرورة، فإنَّه قال: " وقد جاء في الشِّعْر " يعني: الأخير هذا (وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ) النَّاظِم قال: (وَهَنْ) يعني: ضعف، ضعيف، هل هو مُختصٌّ بالضرورة في الشِّعر، أم أنَّه يجوز في النَّثر مع ضعفه. ولذلك سبق إذا قيل: ضعيف أو لُغيَّة، حِينئذٍ يجوز استعماله لكنَّه ليس بفصيح، فإذا قيل: (وَهَنْ) رفع المضارع .. (بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) يعني: ضعف، هل معنى ذلك أنَّه مُختصٌّ بالضرورة أم لا؟ ظاهر كلام النَّاظِم هنا لا .. ليس مُختصاً بالضرورة، وإنَّما أطلقه فدلَّ على أنه ضعيف مُطلقاً، يعني: يَجوز استعماله في النَّثر لكن على وجهٍ ضعيف، ومذهب سيبويه وظاهر كلامه أنَّه خاصٌّ بالشِّعْر. (وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضَارِعٍ وَهَنْ) أي: إذا كان الشَّرط ماضياً والجزاء مضارعاً جاز لك وجهان: جزم الجزاء ورفعه، لكن الجزم على اعتبار والرَّفع على اعتبار، الجزم على اعتبار أنَّه جواب الشَّرط نفسه، وأنَّ العامل فيه أداة الجزم، ورفعه على أنَّه منفكٌ عن أداة الشَّرط .. منفصلٌ عنها، حِينئذٍ جواب الشَّرط يكون مَحذوفاً، وهذا مُتقدِّم عن تأخير، هذا ظاهر كلام سيبويه. جاز جزم الجزاء ورفعه، وكلاهما حسنٌ .. كلاهما الرَّفع والجزاء حسنٌ، وذهب بعض المتأخرين إلى أنَّ الرَّفع أحسن من الجزم والصواب عكسه، قال في (شرح الكافيَّة): " الجزم مُختار والرَّفع جائزٌ كثير " ولذلك عَبَّر عنه بـ: (حَسَنْ) فلا يلزم أن يكون الجزم ليس بأحسن، بل الجزم أحسن وهو حسنٌ، حِينئذٍ يجوز وهو فصيح، لكن قال في (شرح الكافيَّة): " المختار الجزم، والرَّفع جائزٌ كثير ".

قال هنا: فتقول: إنْ قام زيدٌ يقم عمروٌ، بالجزم على الأصل ولا إشكال فيها: ويقوم عمروٌ .. إنْ قام زيدٌ يقوم عمروٌ بالرَّفع، حِينئذٍ نقول: (يقوم) هذا فعل مضارع مرفوع، و (عمروٌ) هذا فاعله، والجملة متأخرة عن تقديم، وهي دليل الجواب، وجواب الشَّرط محذوف، ومنه قوله: وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ أين الشَّرط وأين جوابه؟ (وَإِنْ أَتَاهُ) .. (أَتَى) فعل ماضي، (يَقُولُ) لم يقل: (يقُلْ)، (يقُلْ) هذا الأصل بالجزم، (يَقُولُ) رفعه، حِينئذٍ نقول: جواب الشَّرط محذوف دلَّ عليه هذا المتأخِّر. وإن كان الشَّرط مضارعاً وجب الجزم فيهما ورفع الجزاء ضعيف، يعني: لا يلزم أصلاً أن يكون ضعيف أن يجب الجزم، وإنَّما قال: (وَهَنْ) يعني: ضعيف فهو مستساغٌ، كقوله: يَا أَقْرَعُ بنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ (إِنْ يُصْرَعْ)، (إِنْ) حرف شرط، و (يُصْرَعْ) هذا فعل الشَّرط وهو فعل مضارع، (تُصْرَعُ) هذا جواب الشَّرط .. رَفعَهُ. إذاً نقول: هذا ضعيف .. هذا وهَنْ، لماذا؟ لأنَّ الأصل أن يَجزمه لأنَّه مضارع، فإذا كان كذلك فالأصل فيه الجزم، فرفعه ضعيف ليس كرفعه بعد الماضي، قالوا في الفرق بينهما: إنَّما حسُن رفع الفعل بعد الماضي لعدم تأثير أداة الشَّرط في فعل الشَّرط .. لم تُؤثِّر ظاهراً، حِينئذٍ لم يجزم الأول لفظاً، فلمَّا رُفِع الثاني لا إشكال، لأنَّ الأداة لم تُؤثِّر لفظاً، وضعف بعد المضارع لتأثير العامل في فعل الشَّرط لأنَّها تقتضي فعلين، فإذا ظهر أثرها في الأول حِينئذٍ ضعف ألا يظهر أثرها في الثاني وهو الفعل المضارع فلذلك صار ضعيفاً. واختلف في تَخريج الرَّفع بعد المضارع، فالأول عرفنا أنَّه بعد الماضي أنَّه عن تقديم .. تأخير عن تقديم، وأنَّه دليل الجواب وليس هو نفس الجواب، طيب! إذا رُفِع بعد المضارع ما وجهه .. كيف نعربه؟ واختلف في تَخريج الرَّفع بعد المضارع، فذهب المُبَرِّد إلى أنَّه على حذف الفاء مطلقاً، أي: سواءٌ كان قبله ما يطلبه أو لا، أو كانت الأداة اسم شرطٍ أو لا مطلقاً على حذف الفاء، كأنَّه قال: إن يُصرَعْ أخوك فتُصرَعُ، وإذا كان كذلك حِينئذٍ ما بعد الفاء يكون جملة ليس صالحاً لجواب الشَّرط كما سيأتي. كل ما لا يصلح أن يكون جواباً للشَّرط حِينئذٍ وجب اقتران الفاء به، وإذا كان كذلك صارت الجملة في مَحلِّ جزم، فهي منفصلة عن أن تُؤثِّر أداة الجزم في الظاهر .. في اللفظ، فإذا فصلناه وقدَّرنا له الفاء السَّببيَّة حِينئذٍ نقول: الجملة في مَحلِّ جزمٍ، ولذلك إذا أعرب في الظَّاهر لا إشكال إذا قدَّرنا الفاء. وفَصَّل سيبويه بين أن يكون قبله ما يُمكن أن يطلبه فالأولى أن يكون على التقديم والتأخير كالسابق، وبين ألا يكون فالأولى أن يكون على حذف الفاء، وجَوَّز العكس، وقيل: إن كانت الأداة اسم شرطٍ فعلى إضمار الفاء وإلا فعلى التقديم والتأخير. إذاً: إمَّا أن يُقال بالإضمار وإمَّا أن يقال بالتقديم والتأخير، وإضمار الفاء كذلك لا إشكال فيه في هذا المحل.

إذاً القاعدة العامة: أنَّه يَحسُن إذا كان الفعل المضارع جواباً للشَّرط، وكان الماضي فعل الشرط يجوز لك وجهان في الفعل المضارع: الرَّفع والجزم، وتخريجه كما ذكرناه، وإذا كان الفعل .. فعل الشَّرط مضارعاً حِينئذٍ ضَعُف الرَّفع في الجواب إذا كان فعلاً مضارعاً، لِمَا ذكرناه من أنَّ تأثير أداة الجزم في الظَّاهر في الأول حِينئذٍ لا بُدَّ أن تؤثِّر في الثاني لفظاً، ما دام أنَّ الأول مضارع فهو مَحلٌّ لظهور الجزم، كذلك يكون الثاني مثله، والذين حسَّن في الماضي ثُم المضارع كون التأثير لم يظهر في الأول وإن كان مَحلياً. ثُم قال: وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمَاً جَوَابَاً لَوْ جُعِلْ ... شَرْطَاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ سبق أنَّ هذه الأدوات تقتضي فعلين، قلنا: الأول تأصيلاً وواقعاً لا يكو إلا فعلاً، الأول .. فعل الشَّرط (شَرْطٌ قُدِّمَا) قلنا: لا يكون إلا فعلاً مضارعاً أو ماضياً، لا يُمكن أن يقع غير واحدٍ من هذين الأمرين، والثاني تأصيلاً لا بُدَّ أن يقع فاعلاً، وفي الواقع قد يقع غير فعلٍ إمَّا جُملة اسْميَّة أو غيرها. لذلك نقول: يشترط في الشَّرط ستة أمور: - الأول: أنْ يكون فعلاً غير ماضي المعنى، فلا يجوز أن تكون جملة الشَّرط اسْميَّة، وأمَّا نَحو: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ)) [التوبة:6] فإن (أَحَدٌ) فاعل لفعلٍ محذوف يُفسِّره المذكور بعده على الرَّاجح، ولا يَصِح أن يكون الشرط ماضي المعنى، نحو: إنْ قام زيدٌ أمس قمتُ. إذاً: لا بُدَّ أنْ يكون مستقبلاً، ولذلك قلنا: وَمَاضِيَيْنِ أَوْ مُضَارِعَيْنِ ... تُلْفِيهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْنِ (مَاضِيَيْنِ) قلنا: لفظاً لا معنىً، يعني: لا يكون الفعل الذي يقع فعل الشَّرط وهو فعل ماضي يكون في الصورة وفي المعنى ماضياً لا، وإنما يكون في المعنى المراد به الاستقبال، وأمَّا في الصورة: (قام) في صورته لفظ ماضي، لكنَّه في المعنى المراد به الاستقبال، هل يَصِح أن يقع فعل الشَّرط المراد به فعل ماضي معنًى؟ نقول: لا، لا يصح، لا بُدَّ أن يكون مستقبلاً سواءٌ عُبِّر عنه بالفعل المضارع، أو عُبِّر عنه بالفعل الماضي. المقصود هنا أن نقول: أن يكون فعلاً غير ماضي المعنى، سواءٌ جاء بلفظ الماضي أو بلفظ المضارع، ولا يَجوز أن يقع بعد أداة الشَّرط اسمٌ البتَّة، فإن ورد ما ظاهره أنَّه تلاه اسمٌ حِينئذٍ لا بُدَّ من التأويل، ((وَإِنْ أَحَدٌ)) [التوبة:6] قلنا: (أَحَدٌ) هذا ليس بِمبتدأ، لأنَّ الجملة الاسْميَّة لا تكون فعل الشَّرط ولا تلي أدوات الشَّرط البتَّة على الصَّحيح، حِينئذٍ نُقدِّر لـ: (أَحَدٌ) فعل محذوف يُفسِّره المذكور واجب الحذف: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ)) [التوبة:6] إن استجارك أحدٌ من المشركين.

ولا يصح أن يكون الشَّرط ماضي المعنى: إنْ قام زيدٌ أمس قمت، لا يصح هذا، لماذا؟ هنا مرتب الجواب لم يقع، وإنما يَترتَّب على وقوع فعل الشَّرط، وإذا رتَّبنا على شيءٍ قد وقع وانقضى حصل التناقض: إن قام زيدٌ قمت، يعني: في المستقبل، إن قام زيد، إن حَصَل منه قيام حصل مني قيامٌ، وأمَّا: إنْ قام زيدٌ أمسِ قمت، هذا تعليقٌ على شيءٍ ليس موجوداً، لأنَّ الماضي قد انتهى وانقطع. إذاً: لا بُدَّ أن يكون الفعل الذي يكون فعلاً للشَّرط ماضي في اللفظ لا في المعنى، وأمَّا المضارع فهو شأنه واضح، هذا الأول: أنْ يكون فعلاً غير ماضي المعنى. - ثانياً: ألا يكون فعل الشَّرط طلبياً: إنْ اضرب زيداً! لا يصح هذا .. لا يصح أن يكون الفعل .. فعل الشَّرط طلبياً، فلا يصح: إنْ قُم، ولا: إنْ لا تقُم، هذا غير جائز، على أنَّ (لا) ناهية، وأمَّا النافية فيصح. - الثالث: ألا يكون فعلاً جامداً كـ: عسى، وليس: إنْ عسى زيدٌ يقوم، لا يصح، فلا يجوز: إنْ عسى زيدٌ إنْ يقوم، ولا يجوز: إنْ ليس زيدٌ قائماً، إذاً: الجامد لا يكون فعل شرطٍ. - الرابع: ألا تقترن بـ: (قد)، الجملة الفعليَّة ألا تقترن بـ: (قد)، لأنها تَدلُّ على تَحقُّق وقوع ما بعدها .. موجود متحقِّق، ولذلك تفيد التوكيد، ووضع الشَّرط على أن يكون محتمل الوقوع وعدم الوقوع، فعل الشَّرط إنَّما جيء به ليدُلَّ على احتمال الوقوع وعدم الوقوع، و (قد) هذه تَدلُّ على التَّحقُّق، وهذا منافٍ للشَّرط، فلا يَجوز: إنْ قد قام زيدٌ قمتُ، لأنَّ (قد) هنا عيَّنَت الوقوع ودلَّت على تَحقُّقه. - الخامس: ألا يكون مَنفياً بحرف نفيٍ غير: (لم) و (لا) -أمَّا (لم) و (لا) فجائز- فإن كان منفياً بـ: (مَا) أو بـ: (لنْ) أو بـ: (لَمَّا) لَم يَجُز .. لَم يَجُز أن يكون فعل شرطٍ، فلا يَجوز: إنْ لَمَّا يقم زيدٌ قُمْت، هذا باطل، ولا يَجوز: إنْ لنْ يقوم زيدٌ قمت، ولا: إنْ ما قام زيدٌ، على أنَّ (ما) نافية. ويصح بـ: (لَم) ((فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا)) [البقرة:24] .. ((وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) [المائدة:67]. - السادس: ألا يكون الفعل مقترناً بفعل تنفيس، يعني: (السين، وسوف) فلا يجوز: إنْ سيقوم زيدٌ، لأنَّ (إنْ) هي تدلُّ على ما دلَّت عليه السين: إن سيقوم زيدٌ، ولا: إنْ سوف يقوم زيدٌ. هذه كلها نقول: ست مواضع لا يَصِح أنْ يقع واحدٌ منها موقع فعل الشَّرط، فلا بُدَّ أن يكون فعلاً ماضياً صورةً لا معنى، أو مضارعاً صورة ومعنى. وهذه المواضع والمواقع نفسها هي التي إن وقعت جواباً اقترنت جملة الجواب بالفاء، هذه الستة الأمور: اسْميَّةُ طلبيَّةٌ وبِجامدٍ ... وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبالتَّنْفِيسِ هذه الستة الأمور إذا وقعت جواباً للشَّرط .. يصح أن تقع، لكن لا بُدَّ من اقترانها بالفاء، وهو الذي عناه بقوله: وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمَاً جَوَابَاً لَوْ جُعِلْ ... شَرْطَاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ وهو واحدٌ من هذه الأمور السِّتة.

(وَاقْرُنْ) هذا فعل أمر مبنيٌ على السكون لا مَحلَّ له من الإعراب، والفاعل ضميرٌ مستتر (بِفَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اقْرُنْ) .. (وَاقْرُنْ بِفَا) بفاءٍ قصره للضرورة، (حَتْماً) يعني: وجوباً، هذا نعت لمصدر محذوف تقديره: قرناً حتماً، (وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً) قرناً حتماً، أو محتوماً إذا جعلناه حال، (حَتْماً) يعني: وجوباً. (جَوَاباً) هذا مفعول لـ: (اقْرُنْ)، (لَوْ جُعِلْ) هذا الجواب (شَرْطاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا) من الأدوات (لَمْ يَنْجَعِلْ). ومتى؟ إذا كان واحداً من هذه الأمور السِّتة التي منعنا أن تقع فعل الشَّرط، كلها الاسْميَّة والطَّلبيَّة والمقرون بـ: (لن، والسين، وسوف، وقد) كلها يمتنع أن تقع فعل الشرط، ويجوز أن تقع جواب الشَّرط، لكن بشرط اقترانها بالفاء. (وَاقْرُنْ بِفَا) نقول: اعلم أنَّ الشَّرط لا يكون إلا فعلاً مضارعاً أو ماضياً، وأمَّا الجواب فيكون مضارعاً وماضياً كما تَقدَّم، ويكون غير ذلك فتلزمه الفاء وجوباً، وخُصَّت الفاء بذلك لِمَا فيها من معنى السَّببيَّة، يعني: لماذا الفاء دون غيرها؟ سيأتي أنَّ (إذا) تخلفها في بعض المواضع، لِم خُصَّت الفاء بذلك؟ قالوا: لِمَا فيها من معنى السَّببيَّة والتعقيب، يعني: ما بعدها مُسبَّبٌ عمَّا قبلها، وكذلك يقع عقبه، هذا الأصل فيه، والجزاء مُتسبِّبٌ عن الشَّرط ومٌتعقِّبٌ عنه، وصرَّح في (المغني) بأن المَحلَّ لمجموع الفاء وما بعدها، يعني: إذا أردنا أن نُعرِب حِينئذٍ نقول: الفاء واقعة في جواب الشَّرط، الفاء وما بعدها مدخولها في مَحلِّ جزمٍ جواب الشَّرط. وصَرَّح في (المغني) بأنَّ المَحلَّ لمجموع الفاء وما بعدها، مَحل الجزم على أنه جواب الشَّرط، ويستثنى ما إذا صُدِّر الجواب بهمزة الاستفهام - يعني: لا تدخل مباشرةً عليها - سواءٌ كانت جملة فعليَّة أو اسْميَّة فلا تدخل الفاء سابقةً على الهمزة، وإن دخلت مسبوقةً بهاء، كما في قوله: ((أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ)) [الزمر:19] (أَفَأَنْتَ) الفاء هنا أين دخلت؟ أأنت .. أفأنت .. فأأنت هذا الأصل، أن تدخل الفاء على الهمزة لأنَّها هي الجملة المُصدَّرة بالهمزة .. الجملة الاسْميَّة، أأنْتَ هذا الأصل .. فأأنْتَ، لكن قلنا: أفأنْتَ، هنا لا تدخل الفاء على الهمزة، وإنما تُزَحْلق لِمَا بعدها، لأن همزة الاستفهام لها الصدارة وهي تفارق غيرها. ((أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ)) [الزمر:19] إذاً: (أَفَأَنْتَ) دخلت الفاء هنا بعد الهمزة والأصل أنَّها تدخل على الجملة الاسْميَّة: فأأنْتَ، لكن هنا لا، يستثنى من ذلك الذي هو التَّصدُّر .. الجملة التي تقع جواباً يستثنى همزة الاستفهام. وخُصَّت الهمزة بعدم دخول الفاء عليها دون أخواتها كـ: (هل) و (من) لعراقتها وقوة صدارتها، فغير الهمزة يجوز دخول الفاء عليه لعدم عراقته، إذاً: إذا كانت الجملة الاسْميَّة مُصدَّرة بالهمزة لا تدخل الفاء على الهمزة، وإنَّما تكون الهمزة داخلةً على الفاء، وهذا واردٌ كثير في القرآن.

(وَاقْرُنْ بِفَا) إذاً: المراد بالفاء هنا فاء السَّبب، وتعيَّنت هنا للرَّبط لا للتَّشريك .. ليس المراد به العطف، وإنما للرَّبط يعني: خُلِّصَت للرَّبط، فليس عندنا عاطف ومعطوف كما قاله البعض هذا ليس بصحيح، بل الصواب إنما اختيرت الفاء لِمَا فيها من معنى السَّببيَّة والتعقيب وليس للتَّشريك. (وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً) يعني: قرن الفاء بِما لا يصلح جواباً واجب، حِينئذٍ لا يَجوز إسقاطها لا في نثرٍ ولا في شعرٍ إلا في الضرورة، (جَوَاباً) هذا مفعول (اقْرُنْ) (لَوْ جُعِلْ شَرْطاً) الضمير هو المفعول الأول وهو عائدٌ على الجواب، لو جُعِل هذا الجواب (شَرْطاً) هذا مفعول ثاني لـ: (جُعِلْ)، (لإِنْ) مُتعلِّق بقوله (جُعِلْ) (أَوْ غَيْرِهَا) من أدوات الشَّرط (لَمْ يَنْجَعِلْ) جَعَل يَنْجَعل، (يَنْجَعِلْ) يَتعدَّى إلى كم مفعول؟ اثنين، أين هما .. أين الأول وأين الثاني؟ لَم يَنْجَعِل جواباً، (جَوَاباً) هو المفعول، و (يَنْجَعِلْ) هذه تَتعدَّى لواحد، لأنَّه مُطاوع (جعل)، وسبق أنَّ المطاوع لِمَا يَتعدَّى لاثنين يَتعدَّى لواحد، وهنا (يَنْجَعِلْ) مُتعدٍّ لواحدٍ لأنَّه مُطاوع لـ: (جَعَل). إذاً: (يَنْجَعِلْ) مطاوع (جَعَل) فيَتعدَّى إلى واحدٍ، لأنَّ المطاوَع هو الذي جَعَل هنا، بِمعنى: صَيَّر، يَتعدَّى إلى اثنين، حِينئذٍ مطاوعه يَتعدَّى إلى واحدٍ، مفعوله محذوف: لَم يَنْجَعل جواباً. مفعول (يَنْجَعِلْ) محذوف، أي: لم ينجعل جواباً، فُهِم منه: أنَّه إذا صَحَّ جعله شرطاً لَم تدخل الفاء - هذا واضح على الأصل -، إذا صَحَّ جعله جواباً لَم تدخل الفاء في الجواب: إنْ يقم زيدٌ قام عمروٌ، وذلك إذا كان صالحاً لأن يَنْجَعل جواباً فيما إذا كان ماضياً مُتصرِّفاً مُجرَّداً من (قَدْ) وغيرها، أو مضارعاً مُجرَّداً أو منفياً بـ: (لا) أو (لم) هذا الذي يصلح أن يكون جواباً دون فاء. إن تَخلَّف واحد من هذه الأمور حِينئذٍ نقول: هذا الجواب غير صالحٍ لأنْ يَنْجَعِل جواباً لـ: (إنْ) أو غيرها. فما لا يصلح كالجملة الاسْميَّة، أو الفعليَّة الطَّلبيَّة، أو فعلها غير مُتصرِّف أو مقرونٌ بـ: السين أو سوف أو قد، أو منفيَّةٌ بـ: (مَا) أو (إنْ) أو (لنْ) فإنَّ هذا كله لا يُصلح جعله شرطاً. اسْميَّةُ طلبيَّةٌ وبجامدٍ ... وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ فكل جوابٍ يَمتنع جعله شرطاً فإنَّ الفاء تجب فيه، مثال الاسْميَّة قوله تعالى: ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الأنعام:17] (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ)، (إِنْ) حرف شرط، و (يَمْسَسْكَ) فعل الشَّرط وهو فعل مضارع، (هُوَ) مبتدأ (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مُتعلِّق بـ: (قَدِيرٌ) و (قَدِيرٌ) خبر. إذاً: جاء الجواب هنا جملة اسْميَّة لا يصح أن يقع جواباً للشَّرط، فتعيَّن قرنه بالفاء، فتقول: الفاء واقعة في جواب الشَّرط، والجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط، وعلى رأي ابن هشام: الفاء وما دخلت عليه في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط.

والطَّلبيَّة كقوله: ((إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)) [آل عمران:31] (فَاتَّبِعُونِي) فعل أمر، الفاء وقعت في جواب الشَّرط، فَدلَّ على أنَّه لا يصح أن يقع جُملة الجواب طَلبيَّة. والتي فعلها جامد نَحو: ((إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي)) [الكهف: 39 - 40] (فَعَسَى رَبِّي) الفاء واقعة في جواب الشرط وهو (إِنْ تُرَنِ)، إذاً: (عَسَى) هذا جامد ولا يَجوز أن يقع جواباً للشَّرط لأنَّه غير صالح فتعيَّن قرنُه بالفاء. أو مقروناً بـ: (قد) ((إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ)) [يوسف:77] إذاً: (قَدْ سَرَقَ) هذا مُصدَّر بـ: (قَدْ) فوجب قرنه بالفاء. أو تنفيس، نَحو: ((وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ)) [التوبة:28] (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ) هنا صُدِّرت بـ: (سَوْفَ) فوجب قرنها بالفاء. أو (لنْ): ((وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ)) [آل عمران:115]. أو (ما): ((فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ)) [يونس:72] (فَمَا) إذاً: دخلت الفاء هنا في جواب الشَّرط. إذاً: في هذه المواضع كلها لا يصلح الجواب أنْ يكون دون فاء، حِينئذٍ تَعيَّن قرنه بالفاء، وقد تُحذف في الضرورة كقوله: مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا .. الجملة هنا اسْميَّة فوجب قرنها بالفاء، لكن سقطت هنا ضرورة، مَنْ يَفْعَلِ الحَسَناتِ اللَّهُ يَشْكُرُها، (اللَّهُ) مبتدأ، و (يَشْكُرُهَا) الجملة خبر، والجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط (مَنْ). وعن المُبَرِّد إجازة حذفها في الاختيار لكن المشهور الأول. إذاً: وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمَاً جَوَابَاً لَوْ جُعِلْ ... شَرْطَاً لإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ قال الشَّارح: " أي: إذا كان الجواب لا يصلح أن يكون شرطاً وجب اقترانه بالفاء، وذلك كالجملة الاسْميَّة، وكفعل الأمر، وكالفعليَّة المنفيَّة، أو (لنْ) فإن كان الجواب يصلح أن يكون شرطاً كالمضارع الذي ليس منفياً بـ: (مَا) ولا بـ: (لنْ) ولا مقروناً بِحرف التنفيس، ولا بـ: (قدْ) وكالماضي المُتصرِّف الذي هو غير مقرون بـ: (قدْ) لَم يَجب اقترانه بالفاء، بل لا يجوز، يعني: إذا كان على الأصل لا يجوز أن يقترن بالفاء هذا الأصل، لا نقول: لا يجب، إذا نُفِي الوجوب قد يُقال بأنَّه جائز، نقول: لا، لا يجوز: إنْ يقم زيدٌ قام عمروٌ، هل يَصِح: فقام عمروٌ؟ ما يصح، إذاً: لا يَجوز اقترانه بالفاء: إنْ جاءني زيدٌ يجيء عمروٌ، أو قام عمروٌ، لا يجوز اقترانه بالفاء. وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ ... كَـ "إِنْ تَجُدْ إِذَاً لَنَا مُكَافَأَهْ

(وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ)، (تَخْلُفُ) هذا فعل مضارع، و (الْفَاءَ) مفعول به، و (إِذَا) قُصِد لفظه فهو فاعلٌ .. فاعل (تَخْلُفُ) وهو مضاف للمفاجأة من إضافة الدَّال إلى المدلول، و (تَخْلُفُ) أي: تَحلُّ مَحلَّها .. تّحلُّ مَحلَّ الفاء، قد لا يؤتى بالفاء، قلنا: الفاء واجبة فيما إذا لم يصلح الجواب لأن يقع جواباً لـ: (إنْ) أو غيرها، حِينئذٍ إذا لَم يؤت بالفاء يؤتى بـ: (إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) لكن ليس على إطلاقه .. مطلقاً في كل ما سبق، بل في موضعٍ واحدٍ. (وَتَخْلُفُ) أي: تَحلُّ مَحلَّها فيُصدَّر بها الجواب الذي لا يصلح جعله شرطاً كما يصدر بالفاء، لأن مثلها في عدم الابتداء بها، يعني: (إِذَا) الفجائيَّة أو المفاجأة مثل الفاء في عدم الابتداء بها، فوجودها يُحصِّل ما يُحصَّل بالفاء من بيان الارتباط، إذاً: الفائدة من (إِذَا) الفجائيَّة هي عين الفائدة من فاء السَّببيَّة، كما أنَّ فاء السببية لا يُبتدأ بها وإنما يؤتى بها من أجل الرَّبط، كذلك (إِذَا) الفجائيَّة لا يبتدأ بها، وسبق أنَّها حرفٌ على الصَّحيح ولا تقع في أول الكلام: جئت فإذا زيدٌ في الدار .. خرجت فإذا الأسد حاضرٌ. حِينئذٍ نقول: (إِذَا) الفجائيَّة هذه لا تقع في أول الكلام .. لا يبتدأ بها، ما الفائدة منها؟ الرَّبط، حِينئذٍ جيء بها لتؤدِّي ما أدَّته فاء السَّببيَّة. (وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) إذاً: يجوز أن تغني (إِذَا) الفجائيَّة عن الفاء لكن ليس على إطلاقه بل بشروط: أولاً: أن تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة، ليس مطلقاً كل أداة، لا بُدَّ أن تكون (إنْ) وهذا أشار إليه النَّاظِم بقوله: (كَـ "إِنْ تَجُدْ) (إِنْ) أتى بالمثال ليُبيِّن لنا الأحكام التي يجوز أن تقترن بـ: (إِذَا) الفجائيَّة. أولاً: أن تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة غير الجازمة التي قلنا: بعضهم يرى أنها تَجزم في الشِّعْر خاصة: إِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ .. وذلك لأنَّ (إنْ) أمُّ باب الأدوات الجازمة، و (إِذَا) أمُّ أدوات الشَّرط غير الجازمة، عندنا بابان: أدوات شرط جازمة، وأدوات شرط غير جازمة، (إنْ) أمُّ باب أدوات الشَّرط الجازمة، و (إِذَا) أمُّ باب أدوات الشَّرط غير الجازمة، ولذلك استثني من كل واحد رئيس .. زعيم، (إنْ) الشرطية و (إِذَا) غير الشَّرطيَّة. إذاً: أنْ تكون أداة الشَّرط هي (إنْ) أو (إِذَا) الشَّرطيَّة غير الجازمة. الثاني: أنْ تكون جملة الجواب اسْميَّة موجبة، إذاً: ليست فعليَّة مُصدَّرة بـ: (قد) أو (ما) أو إلى آخره، وإنَّما تكون اسْميَّة، هنا النَّاظِم قال: (لَنَا مُكَافَأَهْ) (لَنَا) خبر مُقدَّم، و (مُكَافَأَهْ) مبتدأ مُؤخَّر. إذاً: أنْ تكون جملة الجواب اسْميَّة موجبة، فإن كانت مَنفيَّة لم تقترن بـ: (إِذَا) فلا يجوز: إنْ يقم زيدٌ إذا ما عمروٌ بقائم، (ما عمروٌ بقائم) لا يصح أن تدخل عليها (إِذَا) وإنما تدخل الفاء السابقة.

الثالث: أن تكون هذه الجملة الاسْميَّة الموجبة غير طلبيَّة، فإن كانت طلبيَّة اقترنت بالفاء فلا تقع حِينئذٍ دعاء، كقوله: ويلٌ للمُقصِّر في عبادته، ولا استفهاميَّة نحو: منْ ينصرك؟ فلا يجوز اقترانها بـ: (إِذَا) وإنما تقترن بالفاء على الأصل، إذاً: يشترط ألا تكون طلبيَّة: من ينصرك؟ ويلٌ للمُقصِّر في عبادته هذا دعاء. الرابع: ألا تقترن هذه الجملة الاسْميَّة الموجبة غير الطلبيَّة بـ: (إنَّ) المؤكِّدة، (إنَّ) نواسخ، فلا يجوز: إن كنت تقطع رحمك إذا إنَّ محمداً يصل رحمه، يعني: لا يصح (إنَّ) كالمثال: إنْ تَجُد إذاً إنَّ لنا مكافئة، لا يصح أن تكون مُصدَّرة بـ: (إنَّ). إذاً: هذه الشروط الأربعة كلها مأخوذة من كلام النَّاظِم بقوله: (كَـ "إِنْ تَجُدْ إِذَاً لَنَا مُكَافَأَهْ") (إِنْ) عَيَّن أداة الشَّرط، ثُم هي اسْميَّة مثبتة موجبة غير منفيَّة، كذلك ليست بطلبية ولم تتصدَّرها (إنَّ) المؤكِّدة، حِينئذٍ جاز أنْ تلي الفاء (إِذَا) الفجائيَّة، يعني: أنْ تَحلَّ مَحلها .. أنْ تخلفها، فـ: (لَنَا مُكَافَأَهْ) يصح أو لا؟ لو قال: إن تَجد فلنا مكافئة صَحَّ، لكن يَجوز أن يَحلَّ محل الفاء (إِذَا) الفجائيَّة، بهذه الشُّروط التي ذكرناها. ومثال ما استكملت الشُّروط قوله تعالى: ((وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)) [الروم:36] الشُّروط كلها مُتوفرِّة، وهل يجوز الجمع بين الفاء و (إِذَا)؟ قال: (وَتَخْلُفُ) ظاهره أنَّها لا .. ، لأنَّها كالعِوَّض ولا يُجمع بين العِوَّض والمعَوَّض. وهل يَجوز الجمع الفاء و (إِذَا)؟ فيه خلافٌ والرَّاجح جوازه لوروده في أفصح الكلام: ((فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الأنبياء:97] (فَإِذَا هِيَ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، و (إِذَا) هذه (إِذَا) الفجائيَّة، (هِيَ شَاخِصَةٌ) الجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط. قال الزَّمَخْشري: " (إِذَا) هذه الفجائيَّة، وقد تقع في المجازاة سادَّةً مَسدَّ الفاء، فإذا جاءت الفاء معها تعاونت على وصل الجزاء فيتأكد" الزَّمَخْشري البياني: يجوز أن يجتمع الفاء مع (إِذَا) الفُجائيَّة حِينئذٍ تكون فيه زيادة تأكيد. (وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) يعني: في الرَّبط (كَـ "إِنْ تَجُدْ إِذَاً لَنَا مُكَافَأَهْ") (مُكَافَأَهْ) المجازاة مصدر كافأت الرجل أي: جازيته. إذاً: هذا ما يَتعلَّق بِجواب الشَّرط وما ينوب عنه، وما يتصل به من الفاء أو ما يخلفه.

بقي مسألة تَتعلَّق بأدوات الجزم وهي: إعرابها، بعد أن عرفنا فعل الشَّرط وما يكون، وجواب الشَّرط وما يكون، وما يخلفه، بقي أدوات الشَّرط، كيف نُعرب (من) و (ما) و (حيثما) ونحوها؟ نقول: ما هو اسمٌ منها سواءٌ كان متفقاً عليه، أو على الرَّاجح، إمَّا أن يدلَّ على ظرفٍ .. قلنا: هذه الأسماء ظرفيَّة وغير ظرفيَّة كما سبق، إن دل على ظرفٍ نحو: (أين) و (متى) و (حيثما) حِينئذٍ فهي في مَحلِّ نصب على الظرفيَّة، كل الذي سبق معنا الظرفي تقول: في مَحلِّ نصب على الظَّرفيَّة والعامل فيه فعل الشَّرط، كلما جاءت (أين) و (أينما) و (حيثما) حِينئذٍ تقول: منصوب على الظَّرفيَّة، فهي في مَحلِّ نصبٍ على الظَّرفيَّة ومُتعلَّقه فعل الشَّرط، يعني: العامل فيه فعل الشَّرط. وإمَّا أن يدلَّ على حدثٍ، إن لم يَدلَّ على ظرفٍ إمَّا أن يدلَّ على حدثٍ، وذلك يُتصوَّر في أداتين: (أيٍّ) و (ما)، أمَّا (أيٍّ) لأنَّ (أيًّ) بحسب ما تضاف إليه كما سبق، وهي تضاف إلى المصدر: أيَّ ضربٍ ضَرَبْتَ أضرب، وتضاف إلى ظرف الزمان، وتضاف إلى ظرف المكان، حِينئذٍ إذا أضيفت فتفسَّر بِحسب ما أضيفت إليه: إذا أضيفت إلى ظرف الزَّمان ألحقتها بظرف الزمان، وإذا أضيفت إلى ظرف المكان ألحقتها بظرف المكان، إذاً: لا إشكال فيه فهي داخلةٌ في القسم الأول ما يُنصب على الظَّرفيَّة والعامل فيه فعل الشَّرط. وإن أضيفت إلى الحدث وهذا الذي يعنينا نحو: أيَّ ضربٍ تضرب أضرب، وكذلك: (ما) موضوعةٌ لِمَا لا يعقل، هذا الأصل، موضوعةٌ لشيءٍ لا يعقل، ولا يعقل هذا يصدق على ما هو حدث وغيره، إذاً: مِمَّا لا يعقل ما هو حدثٌ، إذاً: يتصوَّر أن يدلَّ على الحدث بشيئين: (أيٍّ) إذا أضيفت إلى الحدث لا إلى الظرف، و (ما) إذا استعملت فيما لا يعقل مراداً به الحدث، حِينئذٍ تعربهما إذا أريد بهما الحدث مفعول مطلق. وقد يكون ما لا يعقل حدثاً وهي حِينئذٍ مفعولٌ مطلق في الموضعين، ولذلك أعرب: ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ)) [البقرة:106] أيَّ نسخٍ ننسخ، فـ: (مَا نَنسَخْ) (مَا) من أوجه الإعراب فيها أنَّها مفعول مطلق، لأنَّ (مَا) شرطيَّة وهنا صدقت على الحدث، والذي يصدق على الحدث كما سبق أنَّه يُعرب مفعولاً مطلقاً، فإن لم يدلَّ على ظرفٍ ولا حدث .. إذاً التَّقسيم: إمَّا أن يدلَّ على ظرفٍ أو لا، إن دلَّ على ظرف فهو في محلِّ نصب على الظَّرفيَّة مكانيَّة أو زمانيَّة، إن لم يدلَّ على ظرف فإمَّا أن يدلَّ على حدثٍ أو لا، إن دلَّ على حدث وذلك متصوَّر في (أيٍّ) و (ما) على التفصيل السابق فهو مفعولٌ مطلق. إن لم يدلَّ على ظرفٍ ولا حدثٍ، حِينئذٍ لا ننظر إلى المعنى، وإنما ننظر إلى الفعل الذي بعده، فإمَّا أن يكون الذي بعدها فعلاً لازماً أو متعدِّياً، فإن كان فعلاً لازماً أعربت اسم الشَّرط مبتدأ، والجملة الشَّرطيَّة التي بعده الشَّرط والجواب في مَحلِّ رفع خبر، على الخلاف الذي ذكرناه سابقاً، قيل: جواب الشَّرط وقيل: فعل الشَّرط، وقيل: لا .. لا خبر له، وقيل: الجملتان معاً، أربعة أقوال:

إذا أعربنا اسم الشَّرط مبتدأ، أين خبره؟ الصَّحيح أن الجملتين في مَحلِّ رفع خبر: مَنْ يقم أقم معه، نقول: (من) هنا اسم شرط، ماذا نعربها؟ أولاً: ليست من التي عددناها أنَّها ظرفيَّة، وليست تدلُّ على حدث، إذاً: ننظر باعتبار الفعل الذي بعدها وهو فعلٌ لازم، إذا كان ما بعدها فعلاً لازماً حِينئذٍ أعربناها مبتدأ، فقلنا: من يقم، (مَنْ) اسم شرطٍ مبني على السكون في مَحلِّ رفع مبتدأ، لأنَّ الذي بعدها: يقم، هذا فعلٌ لازم، من يقم أقم معه، جملة: (يقم أقم معه) في مَحلِّ رفع خبر المبتدأ. فإن كان لازماً نحو: من يقم أقم معه، فالاسم حِينئذٍ في مَحلِّ رفع مبتدأ، والجملتان في مَحلِّ رفع خبر، وإن كان بعدها فعلاً متعدِّياً فإمَّا أنْ يستوفي مفعوله أو لا .. إمَّا أنْ ينصب مفعوله أو لا، فإن لم يستوف مفعوله نحو: من تضرب أضرب، (تضرب) هذا مُتعدِّي، أين مفعوله؟ لا مفعول .. لم ينصب مفعولاً، إذاً: (تضرب) لم ينصب مفعولاً في الظَّاهر .. لا تُقدِّر له، فتجعل (من) هي المفعول، من تضرب تقول: (من) اسم شرط وقع بعدها فعلٌ متعدٍّ لم يستوف مفعوله، يعني: لم ينصب في الظاهر مفعولاً، مباشرة تجعل (منْ) في محل نصب مفعول تضرب. فإن لم يستوف مفعوله نحو: من تضرب أضرب، فالاسم حِينئذٍ في مَحلِّ نصب مفعولٌ به لفعل الشَّرط، وإن استوفى مفعوله .. نصب مفعوله نَحو: من تضربه أضربه، (من تضربه) اسمٌ سابق تأخَّر عنه فعلٌ، تسلَّط على ضميرٍ يعود على ذلك الاسم السابق لو أسقط لنصبه، صار من باب الاشتغال، فيجوز فيه الوجهان. فيجوز إعرابه مبتدأ والجملة بعده في مَحلِّ رفع خبر، ويَجوز إعرابه مفعولاً لفعلٍ محذوف يُفسِّره المذكور، فالجملة بعده لا مَحلَّ لها مُفسِّرة. إذاً: على هذا الترتيب تعربه، إن كان ظرفاً حِينئذٍ فهو منصوبٌ على الظَّرفيَّة، وإن لم يكن ظرفاً حِينئذٍ إمَّا أن يدلَّ على حدثٍ أو لا، إنْ دلَّ على حدث فهو مفعول مطلق، إن لم يكن ظرفاً ولا دالاً على الحدث فحِينئذٍ تنظر إلى الفعل، أولاً: نظرت إلى المعنى هل هذا ظرف أو لا .. هل دالٌّ على الحدث أم لا؟ إن لم يكن هذا ولا ذاك تنظر إلى الفعل .. فعل الشَّرط لازم أو متعدِّي؟ إن كان لازماً أعربته مبتدأ، إن كان متعدِّياً نظرت فيه: هل نصب مفعولاً أو لا؟ إن لم ينصب جعلت اسم الشَّرط مفعولاً به، إن نصبه فهو من باب الاشتغال، يعني: يجوز أن يكون مبتدأً، ويجوز أن يكون مفعولاً لفعلٍ محذوف. ثُم قال: وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا إِنْ يَقْتَرِنْ ... بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ المعنى الإجمالي للبيت: (وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) يعني: يقع بعد الجزاء، (إِنْ يَقْتَرِنْ) بعاطفٍ هو الفاء أو الواو على جهة الخصوص، (قَمِنْ) حقيقٌ (بِتَثْلِيْثٍ) يجوز فيه ثلاثة أوجه، يعني: إذا جاءت أداة الجزم .. أداة الشَّرط، ثُم فعل الشَّرط، ثُم الجواب، ثُم عَطَفْتَ .. جئت بفعل مضارع معطوف، (بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ) على جهة الخصوص، يجوز في هذا المعطوف ثلاثة أوجه (بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ): النصب والجزم والرفع.

(وَالْفِعْلُ) أيُّ فعل؟ .. لأنَّه قال: (بِتَثْلِيْثٍ) يعني: بجزمٍ ونصبٍ، والجزم والنَّصب والرَّفع لا يوصف بها غير المضارع نعم. (وَالْفِعْلُ) يعني: المضارع، حذف نعته وهو المضارع للعلم به، وعُلِم ذلك من الحكم عليه بالرَّفع والنَّصب والجزم، (الْفِعْلُ) مبتدأ، (مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) قصره للضرورة، (مِنْ بَعْدِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَقْتَرِنْ): إن يقترن من بعد الجزاء، (بِالْفَا) مُتعلِّق بقوله: (يَقْتَرِنْ) قصره للضرورة. (أَوِ الْوَاوِ) وخصَّهما على جهة الخصوص، يعني: غيرهما لا يلتحق بهما عند النَّاظِم، (قَمِنْ بِتَثْلِيْثٍ) أي: حقيقٌ بتثليثٍ، (قَمِنْ) هذا خبر المبتدأ. إذاً قوله: (مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) هذا فيه إشارة إلى أنَّ أداة الشَّرط تأخذ جوابها أولاً، يعني: لا يقع الفعل وسطاً متوسِّطاً بين الشَّرط والجزاء، وإنما يكون بعد استيفاء الأداة للشَّرط والجزاء معاً. (بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ) أي: حقيقٌ. إذا وقع بعد جزاء الشَّرط فعلٌ مضارع مقرونٌ بالفاء أو الواو جاز فيه ثلاثة أوجه: الجزم والرَّفع والنَّصب، وقد قرئ بالثلاثة قوله تعالى: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ)) [البقرة:284] (يَغْفِرُ .. يَغْفِرْ .. يَغْفِرَ .. فَيَغْفِرَ) (فَيَغْفِرَ) على أنَّ الفعل منصوبٌ بـ: (أنْ) مضمرةً وجوباً بعد فاء السَّببيَّة، لأنَّ المغفرة مُتسبِّبَة عَمَّا سبق ففيها معنى السَّببيَّة. (فَيَغْفِرْ) هذا واضح أنه معطوفٌ على الجواب، (فَيَغْفِرُ) على الاستئناف، فالجزم بالعطف، والرَّفع على الاستئناف، والنَّصب بـ: (أنْ) مضمرةً وجوباً وهو قليل يعني: الرَّفع، قال في (شرح الشُّذور): "جزمه قوي، ونصبه ضعيف، ورفعه جائز" (جزمه قوي) لأنَّه الأصل، جزمه قوي ونصبه ضعيف، ورفعه جائز. قرأ عاصم في الآية السَّابقة وابن عامر بالرَّفع، وباقيهم بالجزم، وابن عباس بالنصب، فدل على أنَّها كلها مستعملة، وإنْ كانت قراءة ابن عباس شاذَّة لكنَّها في مثل هذه المواضع يُحتج بها. وإنَّما جاز النصب بعد الجزاء لأنَّ مضمونه لم يتحقَّق وقوعه، فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام، لأنَّه إذا قيل: (فَيَغْفِرَ) معلومٌ أنَّ ما وقع بعد الفاء .. فاء السَّببيَّة لا بُدَّ أنْ يكون واقعاً في جواب طلبٍ أو نفيٍ، وهنا في الظاهر لم يقع: ((وَإِنْ تُبْدُوا)) [البقرة:284] فكيف نُصِّبْ؟ ّ! ولذلك قال هنا ابن هشام: "ونصبه ضعيف" لماذا؟ لأن شرط النَّصب بعد فاء السَّببيَّة أن يقع في جواب طلبٍ أو نفيٍ محضين، وهنا في الظَّاهر لم يقع، إذا قلت: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرَ) أين جواب الطلب؟ في الظاهر لا، لكن تأوَّلوا له، قالوا: إنما جاز النَّصب بعد الجزاء لأنَّ مضمونه لم يتحقَّق وقوعه، فأشبه الواقعُ بعده الواقعَ بعد الاستفهام، نزَّلوه مُنَزَّلة الاستفهام والاستفهام طلبي، إذاً: نزَّلوه مُنَزَّلة الاستفهام من أجل أن يصح النَّصب، ولذلك قال ابن هشام: "أنه ضعيف".

أمَّا إذا اقترن الفعل بعد الجزاء بـ: (ثُم) فإنَّه يَمتنع النَّصب ويجوز الجزم والرَّفع على قولٍ، يعني: بعضهم ألحق بالفاء والواو (ثُم) لكن إذا جوز فحِينئذٍ يجوز وجهان ويمتنع الثالث، يجوز الرفع على الاستئناف، والجزم على العطف، ويَمتنع النَّصب لعدم وجود ما يقتضي لأنَّ (أنْ) مضمرة إنَّما تكون بعد الفاء ولا تضمر بعد (ثُم)، تنصبه بماذا .. تقول: (أنْ) مضمرة بعد (ثُم)؟! هذا لا وجه له. إذاً: (وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَاءِ) قصره للضرورة، وفُهِم من قوله: (مِنْ بَعْدِ الْجَزَا) كيفما كان فعلاً كان أو جملةً، خلافاً لمن خَصَّه بالمضارع بدليل قوله: ((فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ)) [البقرة:271] يعني: إذا قيل بأنَّه من بعد الجزاء، حِينئذٍ إذا جزمنا، (فَيَغْفِرْ) نقول: (يَغْفِرْ) هذا معطوف على (يُحَاسِبْ) إذاً: مجزومٌ على مجزوم، لكن لو كان جواب الشَّرط جملةً اسْميَّة فحِينئذٍ إذا جزمت هل يَصِح الجزم أم لا؟ نقول: نعم يصح، لأنَّ الاسْميَّة في مَحلِّ جزم، حِينئذٍ قد يكون المعطوف عليه مجزوماً ظاهراً، مثل: (يُحَاسِبْكُمْ) أو مَحلا بدليل: ((فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ)) [البقرة:271] (وَيُكَفِّرْ) هذا معطوف على مَحلِّ (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط. وَالْفِعْلُ مِنْ بَعْدِ الْجَزَا إِنْ يَقْتَرِنْ ... بِالْفَا أَوِ الْوَاوِ بِتَثْلِيْثٍ قَمِنْ إذاً: خَصَّ الفاء أو الواو لأنَّه لم يُسمع إلا فيهما، وألحق بعضهم (ثُم) حِينئذٍ يَمتنع النَّصب، ثُم قال: وَجَزْمٌ أَوْ نَصْبٌ لِفِعْلٍ إِثْرَ فَا ... أَوْ وَاوٍ انْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اكْتُنِفَا يعني: ما سبق فيما إذا كان المضارع بعد الجزاء، هنا وقع بينهما، إذا عُطِف على فعل الشَّرط قبل استيفاء الجزاء يجوز فيه وجهان: الجزم أو النصب. وَجَزْمٌ أَوْ نَصْبٌ لِفِعْلٍ إِثْرَ فَا ... أَوْ وَاوٍ ................................ يعني: بعد فاء .. فاء العطف .. معطوف بالفاء، أو بالواو، الحكم واحد في العاطف، البيت السَّابق خص الفاء أو الواو، كذلك العطف بالفاء أو الواو، لكن لم يتأخَّر عن الجزاء وإنما توسَّط بين فعل الشَّرط والجزاء، ما حكمه؟ يَجوز فيه وجهان: الجزم أو النَّصب ويتمنع الرَّفع، لأنَّ الرَّفع هناك للاستئناف وهذا مُمتنعٌ، أن يقع استئناف بين جزئي الجملة، لأنَّ الشَّرط والجواب كالجملة الواحدة، يعني: كلامٌ واحد، فحِينئذٍ كيف يقع بينهما ما يكون حكمه الاستئناف؟ (وَجَزْمٌ) هذا مبتدأ، (أَوْ نَصْبٌ) عطفٌ عليه، (لِفِعْلٍ) هذا مُتعلِّق بواحدٍ منهما بـ: (نَصْب) ويضمر للثاني: جزمٌ لفعلٍ، أو نصبٌ لفعلٍ، يعني: مصدران تنازعا لِفِعْلٍ، (جَزْمٌ) مبتدأ، (أَوْ نَصْبٌ) عطفٌ عليه، (لِفِعْلٍ) مُتعلِّق بقوله: (نَصْبٌ) وتُضْمِر للأول .. جزمٌ لفعلٍ.

(إِثْرَ فَا) هذا ظرف مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ: (فِعْل) يعني الفعل وقع كائنٍ (إِثْرَ فَا) يعني: بعد فاءٍ قصره للضرورة، يعني: معطوف بالفاء، (أَوْ وَاوٍ اِنْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اكْتُنِفَا) إنْ اكتنفا بالجملتين، (اكْتُنِفَا) الألف هذه للإطلاق، و (اكْتُنِفَا) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة أحسن من (اكْتَنَفَا) (اكْتُنِفَا) بالبناء للمفعول قال الصَّبَّان: "على الصواب" يعني: يُخطِئ الأول. (اكْتُنِفَا) أي: حُوْطَ بالجملتين، أي: توسَّط بينهما. إن توسَّط المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين جملة الشَّرط وجملة الجزاء، فالوجه جزمه .. الوجه المختار والمرجَّح جزمه، ويجوز النَّصب، قال في (الشُّذُور): "الجزم قوي، والنصب ضعيف" وفي (شرح الكافيَّة) نحوه، ولا يَجوز الرَّفع لأنَّه لا يصح الاستئناف قبل الجزاء، وأمَّا الجزم فبالعطف على فعل الشَّرط، وبالنصب بإضمار (أنْ) بعد الفاء أو الواو. إذا وقع بين فعل الشَّرط والجزاء فعلٌ مضارعٌ مقرونٌ بالفاء أو الواو جاز نصبه وجزمه، نَحو: إنْ يقم زيدٌ ويخرج خالدٌ أكرمك، انظر! إنْ يقم زيدٌ، (يقم) هذا فعل الشَّرط، (أكرمك) هذا جواب الشَّرط، توسَّط بينهما: ويَخرُجْ خالدٌ .. ويَخرُجَ خالدٌ، يجوز فيه الوجهان، (يَخرُجْ) بالعطف على (يقم) والمعطوف على المجزوم مجزوم، و (يَخرُجَ) بالنَّصب بإضمار (أنْ) بعد واو المعيَّة .. على أنَّه واو المعيَّة. بِجزم (يَخرُجْ) ونصبه، ومنه: ((إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) [يوسف:90] (يَصْبِرْ) هذا معطوف على (يَتَّقِ) وجاء بالجزم، فدلَّ على أنَّه هو الأشهر. وألحق الكوفيِّون بـ: (ثُم) بالفاء والواو، فأجازوا النَّصب بعدها، واستدلوا بقراءة الحسن: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكَهُ المَوْتُ) بالنَّصب، فدل على أنَّه أجرى (ثُم) مُجرى الفاء والواو، ومنه: وَمَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا ويَخْضَعْ نُؤْوِهِ ... وَلاَ يَخْشَ ظُلْماً مَا أَقَامَ وَلاَ هُضْمَا (ويَخْضَعْ نُؤوِه) (نُؤْوِهِ) هذا جواب الشَّرط، (مَنْ يَقْتَرِبْ) (يَقْتَرِبْ) فعل الشَّرط، (ويَخْضَعَ) هنا بالنَّصب بـ: (أنْ) مضمرة وجوباً بعد الواو. إذاً حاصل البيتين: أنَّ المعطوف بالواو أو الفاء، إمَّا أن يتأخَّر بعد الجزاء، وإمَّا أن يَتقدَّم ويتوسَّط بين الشَّرط والجزاء، إن تأخَّر فالمسموع في لسان العرب جواز الثلاثة الأوجه: الرَّفع على الاستئناف، والجزم بالعطف على جواب الشَّرط، والنَّصب بإضمار (أنْ) بعد الفاء السَّببيَّة أو واو المعيَّة. وإنْ توسَّط بينهما حِينئذٍ ليس لك إلا وجهان وهما: الجزم والنَّصب، ويَمتنع الرَّفع لأنَّه على الاستئناف، يعني: قطع الجملة، فإذا قُطعت الجملة بين جملتين متصلتين هذا بعيد. وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ ... وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ (وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ) يعني: إذا عُلِم الجواب أغنى الشَّرط عنه، يجوز حذف الجواب إذا دلَّ عليه دليلٌ (وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي) قليلاً (إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ).

(وَالْعَكْسُ) وهو أن يغني الجواب عن الشَّرط، في الأول قال: (وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ) إذاً: يُحذف الجواب ويَدلُّ عليه الشَّرط هذا جائز، (وَالْعَكْسُ) وهو إغناء الجواب عن الشَّرط. وهو أن يغني الجواب عن الشَّرط وأشار بـ: (قَدْ) إلى أنَّ حذف الشَّرط أقلُّ من حذف الجواب كما نَصَّ عليه في (شرح الكافيَّة). (وَالْشَّرْطُ) مبتدأ، و (يُغْنِيْ) فعل وفاعل .. الجملة خبر، (عَنْ جَوَابٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (يُغْنِيْ)، (قَدْ عُلِمْ) حرف تحقيق، (وَالْعَكْسُ) هذا مبتدأ، و (قَدْ يَأْتِي) الجملة خبر، و (إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ) (إِنِ) حرف شرط، و (الْمَعْنَى) نائب فاعل، لأنَّه اسْمٌ ولا يلي (إنْ) الشَّرطيَّة، لا يكون بعدها إلا فعلٌ. ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

114

قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: الدرس لم يُفرَّغ في موقع الشيخ، ويتناول العناصر التالية: * العمل عند اجتماع شرط وقسم * فصل لو , واستعمالاتها * تختص (لو) الشرطية بالفعل ولا يتلوها إلا الماضي.

115

عناصر الدرس * اما ولولا ولوما * معاني (أما) وحكم اقتران جوابها بالفاء * استعمالات (لولاولوما) ـ * قد يلي أداة التخصيص اسم معمول لفعل محذوف * شرح الترجمة (الإخبار بالذي والألف واللام) والمراد من الباب عند النحاة * طريقة الإخبار بالذي * المثنى والجمع لها حكم المفرد * شروط الإسم الذي اخبر عنه * الإخبار عن (ال) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النِّاظِم رحمه الله تعالى: (أَمَّا، وَلَوْلاَ، وَلَوْمَا). أي: هذا ذكر أحكام: أمَّا، ولولا، ولوما، وذكرنا أن هذه الأصل فيها أنَّها ليست من مباحث النحو من حيث هي، لأنَّها لا ترفع ولا تنصب، وإنَّما يذكرون هذه لِمَا فيها من شَبَه بأدوات الشَّرط أولاً، ثُم لِمَا قد يتلوها من أحكام من حيث الابتداء، ووجوب حذف الخبر ونَحو ذلك، وإلا هي في نفسها لا مبحث للنُّحاة فيها، وإنَّما أكثر ما يَتكلَّم فيها أرباب المعاني .. معاني الحروف، لذلك أشبعها ابن هشام في (المغني) وغيره. (أَمَّا، وَلَوْلاَ، وَلَوْمَا) إنَّما ذَكَر هذه الأحرف هنا لأنَّها من جملة أدوات الشَّرط لاحتياجها إلى جوابٍ، من أدوات الشَّرط لكنَّها غير جازمة، يعني: لا أثر لها من حيث العمل، وإن كانت من حيث المعنى تفيد ما تفيده (إنْ) الشَّرطية ونَحو ذلك، ولذلك تحتاج إلى جواب: أمَّا زيدٌ فقائم .. لولا زيدٌ لمات عمروٌ، ونحو ذلك، وحِينئذٍ نقول: هذه لِمَا فيها من معنى الشَّرط ولاحتياجها إلى الجواب ذكرها النُّحاة بعد أدوات الشَّرط كما ذكروا (لَوْ) ولذلك فَصَلَها، لأن (لو) ألصق بأدوات الشَّرط من (لَوْلاَ) و (ولَوْمَا). قال رحمه الله تعالى: أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبَاً أُلِفَا (أمَّا) مبتدأ، و (كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) كُله هذا مَحكي بالكاف، وهو مُتعلِّق بِمحذوف خبر، (أمَّا) مثل ما ذُكِر (مَهْمَا) وهو اسم شرط، و (يَكُ) فعل الشَّرط، و (مِنْ شَيءٍ) مُتعلِّق بفعل الشَّرط. إذاً: اسمٌ وفعلٌ، (أَمَّا) مثلها، (أَمَّا) مبتدأ، (أَمَّا) بالفتح والتَّشدِيد حرفٌ بسيط فيه معنى الشَّرط والتفصيل والتوكيد، (أَمَّا) حرفٌ بسيط، يعني: غير مركب فيه معنى الشَّرط، ولذلك ذكرها النَّاظم هنا، ولذلك دخلت الفاء في جوابها، والتفصيل والتوكيد، لكنَّها دلالتها على هذه المعاني الثلاث: الشَّرط والتفصيل والتوكيد، ليست بمرتبة واحدة، ولذلك التوكيد قلَّ من ذكره كما سيأتي. وأمَّا التَّفصيل فهو كثير غالب، وأمَّا كونها شرطهاً فهذا دائم، إذاً: بعض هذه المعاني قد يكون دائماً، وبعضه يكون غالباً. الشَّرطيَّة: هذا دائماً، لا ينفك معنى الشَّرط عن (أَمَّا)، (أَمَّا) حرف شرط دائماً، والتفصيل غالباً، إذاً: قد تأتي لغير التفصيل، وأمَّا التوكيد: فهذا قلنا: قلَّ من ذكر معنى التوكيد، ولكن ابن هشام في (التَّوضيح) قال: " حرف شرطٍ وتوكيدٍ دائماً " يعني: لا تَخرج عن معنى التوكيد لِمَا ذكره الزَّمَخْشرِي كما سيأتي، وأمَّا التَّفصيل فهو غالب، لأنَّها قد تأتي لغير التَّفصيل: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، أين التفصيل هنا؟

أمَّا زيدٌ فَمنطلقٌ، واضح معنى الشَّرط ومعنى التَّوكيد، أمَّا التَّفصيل فليس فيه تفصيل، حِينئذٍ قد تخلوا (أمَّا) عن معنى التَّفصيل. أمَّا الشَّرط .. دليل الشَّرطيَّة أنَّها تَدلُّ على الشَّرط فبدليل لزوم الفاء بعدها، والمراد بالفاء هنا الواقعة في جواب الشَّرط التي هي السَّببيَّة: (وَاقْرُنْ بِفَا حَتْماً) فيما سبق. حِينئذٍ نقول: هذه الفاء دليلٌ على أنَّ (أَمَّا) ضمِّنت معنى الشَّرط: ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ)) [البقرة:26] (فَيَعْلَمُونَ .. فَيَقُولُونَ) إذاً: وقعت الفاء في جواب الشَّرط، فدلَّ على أنَّ (أمَّا) هذه ضُمِّنت معنى الشَّرط. إذاً: الشَّرط بدليل لزوم الفاء بعدها، يعني: لا تنفك إلا في النَّثر، ولذلك قال: وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ .. يعني: لا يُحذف إلا في الشِّعْر، يعني مفهومه: أنَّه في الشِّعْر كثير وفي النَّثر قليل، لكنَّه على تأويلٍ كما سيأتي، وأمَّا التفصيل فهو غالب أحوالها وليس بلازمٍ لها. ومنه: ((أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ)) [الكهف:79] .. ((وَأمَّا الْغُلامُ)) [الكهف:80] .. ((وَأمَّا الْجِدَارُ)) [الكهف:82] إلى آخر الآيات، هذه كلها (أمَّا) تفيد ماذا؟ تفيد التفصيل، ولذلك حتى في الآية السابقة: ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا)) [البقرة:26] ثُم قال: ((وَأمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا)) [البقرة:26] تفصيل. إذاً: تأتي للتَّفصيل لكنَّه على جهة عدم اللزوم، يعني: ليس بلازمٍ لها بِخلاف الشَّرط. وقد يترك تكرارها استغناءً بذكر أحد القسمين عن الآخر، يعني: تأتي للتَّفصيل لكن لا يذُكر (أمَّا) مرةً ثانية، الأصل فيها أنَّها تُعاد .. تُكرَّر، وقد يُكتفى بأحد القسمين عنها. وقد يُترك تكرارها استغناءً بذكر أحد القسمين عن الآخر، أو بكلامٍ آخر يُذكر بعدها في موضع ذلك القسم، يعني: تأتي للتَّقسيم ولكن لا يُصرَّح بها .. لا تُكرَّر، وإنَّما يذكر شيءٌ يدلُّ على ذلك القسم الآخر. فالأول نحو قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً * فَأمَّا الَّذِينَ)) [النساء: 174 - 175] بدأ هذا قسم أول ((فَأمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ)) [النساء:175] وأمَّا الذين كفروا فلهم كذا وكذا! يعني: ذكر أحد القسمين، ومعلومٌ أنَّ القسمة ثنائية إمَّا إيمان وإمَّا كفر، فإذا ذكر أحد القسمين وهم المؤمنون ورتَّب عليهم الفضل، حِينئذٍ القسم الثاني يكون معلوماً من ذكر القسم الأول. إذاً: يستغنى عن ذكر وتكرار القسم الثاني بذكر الأول، وهذا فيما إذا كان القسمان معلومين كالإيمان والكفر، وأمَّا إذا لم يكن فحِينئذٍ يُنظَر فيه.

والثاني -الذي يُكتَفَى بكلامٍ يشير إلى القسم الثاني- نحو قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)) [آل عمران:7] هذا تقسيم ((فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)) [آل عمران:7] أي: وأمَّا غيرهم، ما ذكر القسم الثاني، وإنَّما اكتُفي بكلامٍ يدل على القسم الثاني، حِينئذٍ هل نقول هنا للتَّفصيل؟ نعم، نقول: هي للتفصيل، بِخلاف: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، ليست للتَّفصيل قطعاً، لكن قد تأتي للتفصيل وهو غالب أحوالها، ثُم الغالب أن يُذكر القسمان معاً: أمَّا وأمَّا .. هذا الغالب. وقد يُذكَر (أمَّا) القسم الأول ويُكتفى به عن الثاني، وقد يُذكر القسم الأول ويُذكر كلامٌ آخر يدلُّ على الثاني، إذاً: فرقٌ بين المسألتين: أن يُذكَر القسم الأول ويُستغنى به عن ذكر القسم الثاني، أو يُذكَر القسم الأول ويُذكَر معه كلام آخر يَدلُّ على القسم الثاني. هنا: وأمَّا غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم، هذا مدلولٌ عليه بـ: ((ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)) [آل عمران:7] فذكر كلاما يدلُّ على القسم الثاني، وقد تأتي لغير تفصيلٍ نحو قوله: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، هنا ليست فيها تفصيل، وإنَّما هي شرطيَّة وتوكيديَّة على رأي الزَّمَخْشري، وليس فيها من التفصيل شيء. وأمَّا التوكيد -المعنى الثالث- فقلَّ من ذَكَره من النحاة، قال الزَّمَخْشري: "فائدة (أمَّا) في الكلام أن تعطيه فضل توكيد" هنا أطلق الزَّمَخْشري، جَعَلَ (أمَّا) مطلقاً في كل كلام تفيده فضل توكيد، يعني: زيادة توكيد، تقول: ذاهبٌ أنْتَ، فإذا قَصَدْتَ توكيد ذلك: وأنَّه لا مَحالة ذاهبٌ، وأنَّه بِصدد الذَّهاب، وأنَّه منه عزيمة قلت: أمَّا زيدٌ فذاهبٌ، هذا فيه معنى التوكيد، لكنَّه قد لا يكون ملازماً لها، ولذلك قلَّ من ذكره من النُّحاة أو غيرهم. أمَّا زيدٌ فذاهبٌ، قال: ولذلك قال سيبويه في تفسيره - ليس في تفسير كتاب، إنَّما في تفسير (أمَّا) –: مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ ذاهبٌ، وهذا التفسير مُدلٍ بفائدتين: بيان كونه توكيداً، وأنَّه في معنى الشَّرط: أمَّا زيدٌ فذاهبٌ .. مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ ذاهبٌ، قال: هذه فيها معنى التوكيد. على كلٍّ: معنى التوكيد ليس بذاك الظَّاهر، إن أُكِّد فحِينئذٍ قد يكون بالجملة الاسْميَّة .. قد يكون بشيء آخر، أمَّا لفظ (أمَّا) لوحدها مع مدخولها .. ولذلك أكثر النحاة وغيرهم إعراضاً عن هذا المعنى، قد يُقال بقرائن، أمَّا مُلازم .. يكون التَّوكيد ملازماً لـ: (أمَّا) هذا مَحلُّ نظر. ولذلك أكثرهم يقولون: حرف شرطٍ دائماً وتفصيل غالباً، فالتفصيل واضح أنَّه غالب، وعلى التفصيل الذي ذكرناه. إذاً: (أمَّا) حرفٌ بسيط فيه معنى الشَّرط والتَّفصيل والتَّوكيد، هكذا قال ابن هشام في (التَّوضيح) وذكرنا أدلة كل واحدٍ من هذه المعاني.

(أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) (مَهْمَا) اسم شرط كما سبق، وهي اسمٌ على الصَّحيح، و (يَكُ) هذا فعل الشَّرط مجزومٌ بـ: (مَهْمَا)، و (مِنْ شَيءٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف، (أمَّا) إذا قيل: أمَّا زيدٌ فمُنطلق، أصل التركيب: مهما يكن من شيء فزيدٌ منطلق، فحُذفت (مهما) اسم الشَّرط، ثُم حُذف فعل الشَّرط (يكُ)، ثُم حُذِف (من شيء) إذاً: ثلاثة أشياء، اسمٌ وفعلٌ ومُتعلِّق بفعل الشَّرط، هذه كلها حذفت وأقيم مقامها (أَمَّا). إذاً: (أَمَّا) نائبةٌ عن اسم شرط، وفعل شرطٍ، ومُتعلِّق فعل الشَّرط، وهذا وجه كونها مضمَّنة معنى الشَّرط، لأنَّها أقيمت وأنيبت مناب اسم الشَّرط وهو (مَهْمَا) وإذا كان كذلك حِينئذٍ صار فيها معنى الشَّرط. إذاً: (أَمَّا كَمَهْمَا) في أي شيء؟ في كونها صالحةً أن تَحُلَّ مَحلَّها، ليست مثلها، لأنَّ (أمَّا) حرف، و (مَهْمَا) اسمٌ وفعلٌ، (أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) .. (مَهْمَا يَكُ) هذا اسمٌ وفعلٌ، فكيف يكون الحرف مساوياً ومُشبَّهاً للاسم والفعل؟ ليس هذا المراد، وإنَّما المراد (أَمَّا كَمَهْمَا) أي: موضع (أمَّا) صالحٌ لـ: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) لأنَّ معناها هذا. إذا أردْتَ أن تُفسِّر (أمَّا) ما المعنى .. ما المراد؟ تقول: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) لأنَّ أصل التركيب هو هذا، فحذف: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) وأقيم مقامه (أمَّا) حِينئذٍ نابت مناب الشَّرط. لا يريد به أنَّ معنى (أَمَّا) كمعنى (مَهْمَا) وشرطِها، لأنَّ (أمَّا) حرفٌ، فكيف يصح أن تكون بمعنى اسمٍ وفعلٍ؟! هذا بعيد، لأنَّ الحرف لا يَدلُّ على معنى، و (مَهْمَا) اسمٌ تدلُّ على معنى، إذاً: كيف يكون مثله؟! لا .. ليس هذا المراد، وإنَّما المراد أنَّها صالحةٌ في هذا الموضع أنْ يُحذَف (أمَّا) ويؤتى بدلها بـ: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ بعد) كما هو الشأن في المقدِّمات. لأنَّ (أمَّا) حرفٌ، فكيف يصح أن تكون بمعنى اسمٍ وفعلٍ؟! وإنَّما المراد أنَّ موضعها صالحٌ لهما، وهي قائمةٌ مقامهما لتضَمُّنها معنى الشَّرط. إذاً: (أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) نقول: (كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) الكاف داخلة على شيءٍ واحد، جملة قُصدت حكايتها، والكاف حرف جر، حِينئذٍ نقول: الجار والمجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر (أَمَّا) فـ: (أَمَّا) هنا مبتدأٌ، والخبر مُتعلَّق الجار والمجرور (كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ). إذاً: تُفسَّر (أَمَّا) بهذا التركيب: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ). ثُم قال: . . . . . . . . . . . . وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا

قلنا: هي شرطيَّة بدليل وقوع الفاء في جوابها، إذاً: تحتاج إلى جواب، لو قلت قبل إنابة (أمَّا): مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ قائمٌ، حِينئذٍ حُذِفت: مهما يكن من شيء، وجيء بـ: (أمَّا) أمَّا فزيدٌ قائمٌ هذا أصل التركيب، لكن ابن مالك يقول: (وَفَا) التي هي فاء السَّببيَّة والواقعة في جواب الشَّرط (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) ما هو تلو تلو؟ أمَّا زيدٌ قائمٌ، الذي يتلوها (زيد) والذي يتلو تاليها: (قائمٌ) (وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِهَا) ليس للتالي لها، وإنَّما تدخل على تالي تاليها، يعني: الذي لا يتبعها هي مباشرة بل الذي يكون بعده، يعني: إذا عددنا يكون الثاني بعدها. أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، أصل التركيب: أمَّا فزيدٌ منطلق، لأن: (زيدٌ منطلقٌ) الجملة الاسْميَّة هي الواقعة في جواب الشَّرط قبل إنابة (أمَّا) فتقول: مهما يكن من شيء فزيدٌ منطلق .. أمَّا فزيدٌ منطلقٌ، حِينئذٍ زُحْلِقت الفاء إلى الخبر استِكْراهاً أنْ تكون بعد (أمَّا) الفاء الواقعة في جواب الشَّرط. إذاً: (وَفَا) هذا مبتدأ، (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) (لِتِلْوِ) يعني: تابع، (تِلْوِهَا) يعني: تابعها (أمَّا) الضمير هنا يعود على (أمَّا). (وُجُوباً) هذا حالٌ من الضمير في (أُلِفَا) .. (أُلِفَا) هذا خبر المبتدأ، والألف للإطلاق. (وَفَا) مبتدأ قلنا قصره للضَّرورة، والفاء أُلفا وجوباً يعني: مألوفاً، (وُجُوباً) حكمه الوجوب هذا حال من الفاعل المستتر في (أُلِفَا) (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) .. (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (أُلِفَا). إذاً: يجب دخول الفاء لتلو تلو لا لتلو (أمَّا) لأنَّه لا يتلوها الفاء كما سيأتي. إذاً: (وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِهَا) يعني: أنَّ الفاء تدخل على تالي تاليها، يعني: الذي يتلو الذي بعدها، أمَّا الذي يتلوها مباشرةً فلا تدخل بعده الفاء وإنْ كان هو مَحلَّها الأصلي، هذه الفاء مُؤخَّرة من تقديم، لأنَّ: أمَّا زيدٌ فقائمٌ .. أمَّا زيدٌ فذاهبٌ .. أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، (أمَّا زيدٌ) ثُم جاءت الفاء .. دخلت على تالي التِّلوْ، (فمنطلقٌ) أصل هذا التركيب: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، أصله: مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ قائمٌ، انظر! الفاء دخلت على (زيد) المبتدأ، وهنا: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ دخلت الخبر، الفاء هنا دخلت على الخبر. مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ، الفاء هنا دخلت على المبتدأ، هذا أصلها أنَّها تكون داخلةً على المبتدأ، لأنَّه كما سبق: أنَّ الجواب إذا كان جملةً اسْميَّة وجب أن يقترن بالفاء، حِينئذٍ يدخل على الجملة الاسْميَّة لا يدخل على الجزء الثاني وهو الخبر وإنَّما يدخل على المبتدأ هذا هو الأصل.

إذاً: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، الفاء دخلت على الخبر، كيف دخلت على الخبر، والأصل أنَّها تدخل على المبتدأ؟ نقول: ثَمَّ تعليل، وهو أنَّ أصل هذا التركيب: أمَّا زيدٌ فقائمٌ .. فمنطلقٌ .. فذاهبٌ، أصله: مهما يكن من شيءٍ فزيدٌ قائمٌ، دخلت الفاء على المبتدأ، فحذف اسم الشَّرط، وفعل الشَّرط ومُتعلَّقه، ثُم جيء بـ: (أمَّا) نائبةً عَمَّا حُذِف فصار: أمَّا فزيدٌ قائمٌ، هذا التركيب، فزُحْلِقَت الفاء لإصلاح اللفظ، إذ يُستكره تِلْو الفاء الأداة، يعني: يستكره ويستبشع لفظاً أنْ تكون الفاء تاليةً لـ: (أمَّا) فزُحْلِقَت .. زُحْلِقَت إلى الخبر، كما زُحْلِقَت اللام هناك في باب (إنَّ). قلنا: زُحْلِقَت إلى الخبر لأنَّه يُستكره أنْ يُجمع حرفان دالان على التوكيد في مَحلٍّ واحدٍ: لَإنَّ زيدٌ قائمٌ، هذا فيه بشاعة، إذ لا يجتمع مؤكِّدان في مَحلٍّ واحدٍ، فقيل: إنَّ زيداً لقائمٌ، مثلها هنا الفاء. إذ يُستكره تلو الفاء الأداة، فصار: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، بتأخير الفاء من المبتدأ إلى الخبر، هذا المشهور: أنًّ الفاء تُزَحْلَق إلى الخبر، ويجوز تأخير المبتدأ: أمَّا قائمٌ فزيدٌ، تبقى كما هي الفاء، أمَّا فزيدٌ قائمٌ، قَدِّم الخبر فتقول: أمَّا قائمٌ فزيدٌ، إذاً: إمَّا أن يُؤخَّر المبتدأ الذي دخلت عليه الفاء وهذا قليل، وإمَّا أن تُزحلَق الفاء من المبتدأ إلى الخبر، فتقول: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ. إذاً: . . . . . . . . . . . . . . وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبَاً أُلِفَا إذاً: حكم اتصال الفاء بتالي التالي واجب (وُجُوبَاً) أي: واجباً حال، أو على حذف مضاف، أي: ذا وجوبٍ (وُجُوباً) لا بُدَّ أن يؤوَّل لأنَّه مصدر، فإذا قلنا: أنَّه سماعي حِينئذٍ نجعله مفعول مطلق ذا، أو على حذف مضاف: ذا وجوبٍ. قوله: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) أفاد أنَّه لا يَجوز أن يَتقدَّم الفاء أكثر من اسمٍ واحد، يعني: أمَّا زيدٌ فقائم مباشرة، لأنَّه قال: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) عَيَّن، أمَّا ثُم يأتي التَّالي، ثُم تالي التَّالي، تدخل الفاء على تالي التَّالي، إذاً: أفْهَمَ أنَّه لا يجوز أن يُفصل بين الفاء و (أمَّا) إلا باسمٍ واحدٍ، حِينئذٍ لو قال: أمَّا زيدٌ طعامَه فلا تأكل، لا يجوز لأنَّه فُصِل بين (أَمَّا) والفاء باسمين، ولو كان معمولاً للخبر لا يجوز، بل لا بُدَّ أن يكون التركيب هكذا، والحجة السَّمَاع، أمَّا زيدٌ طعامَه فلا تأكل، نقول: هذا لا يجوز لأنه لا يجوز أن يفصل بين (أمَّا) والفاء إلا باسمٍ واحدٍ، فإن كان أكثر من واحد حِينئذٍ لا يجوز البتَّة. أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا إذاً أفاد قوله: (لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا) أنَّه لا يجوز تَقدُّم الفاء أكثرُ من اسمٍ واحدٍ، ولا يفصل بين (أمَّا) والفاء بِجملة تامة، استُثني حالة واحدة سماعاً، وهي: إن كانت دعاءً .. إن كانت الجملة دعائيَّة بشرط: أن يَتقدَّم الجملة فاصلٌ، نحو: أمَّا اليومَ رحمك الله فالأمر كذلك، هذا مستثنى، أمَّا فالأمر كذلك، (فالأمر كذلك) جواب الشَّرط، و (اليوم) هذا ظرف، رحمك الله.

إذاً: فُصِل بين (أمَّا) والفاء بجملة دُعائيَّة وهي: (رحمك الله) بشرط أنْ يفصل بين (أَمَّا) والجملة الدُعائيَّة فاصل وهو الظرف هنا. والمشهور المطَّرِد في لسان العرب - قلنا: لا بُدَّ أن يكون اسْماً واحداً هذا الأصل فيه – أنَّه يُفصَل بين (أَمَّا) والفاء بواحدٍ من أمورٍ ستة: الأول: المبتدأ، كالمثال السابق: أمَّا زيدٌ فقائمٌ، فُصِل بين (أَمَّا) والفاء بالمبتدأ وهو زيد، (أمَّا) حرف شرط، (زيدٌ) مبتدأ، (فقائمٌ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، (قائمٌ) خبر، إذاً: فُصِل بين (أمَّا) و (قائم) الذي هو الخبر والفاء بالمبتدأ، هذا الأول، إذاً: يُفصَل بين (أمَّا) والفاء بالمبتدأ. الثاني: يُفصل بينهما بالخبر، نحو: أمَّا في الدار فزيدٌ، (في الدار) هذا خبر، (زيدٌ) هذا مبتدأ مُؤخَّر، لذلك سبق أن قلنا: الخروج عن استبشاع أن تتلو (أمَّا) الفاء قد يكون بِزحْلَقة الفاء، وقد يكون بتأخير المبتدأ، إذاً: إذا أخَّرنا المبتدأ يكون الفاصل بين (أمَّا) والمبتدأ الخبر. الثالث: جملة الشَّرط، نحو: ((فَأمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ)) [الواقعة: 88 - 89] (إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ) .. (أمَّا) فُصِل بين (أمَّا) والفاء هنا بجملة الشَّرط. الرابع: أن يُفَصل بينهما باسمٍ منصوبٍ لفظاً أو مَحلاً، وعَبَّر بعضهم بالمفعول به، وهو اسمٌ منصوب قد يكون لفظاً وقد يكون مَحلاً: ((فَأمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) [الضحى:9] فلا تقهر اليتيم (أمَّا فلا تقهر اليتيم) هذا الأصل، استبشع فُقدِّم المفعول به ((فَأمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)) [الضحى:9]. الخامس: اسمٌ كذلك معمولٌ لمحذوف يُفسِّره ما بعد الفاء، (اسمٌ كذلك) يعني: منصوب معمول لفعلٍ محذوف يُفسِّره ما بعد الفاء، نَحو: أمَّا زيداً فاضربه، هذا من باب الاشتغال، (زيداً) هذا مفعول به لفعلٍ محذوف واجب الحذف يُفسِّره المذكور: أمَّا اضرب زيداً فاضربه. وقراءة بعضهم: (وَأمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ) بالنَّصب (وَأمَّا ثَمُودَ) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوف، ويجب حِينئذٍ تقدير العامل بعد الفاء، ولا يُقدَّر قبل المعمول الذي هو المنصوب، (وَأمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ) أمَّا فهدينا هديناهم، هذا الأصل، لأنَّه (أمَّا) نائبةٌ عن الفعل، فلا يتلو الفعل الفعل هذا الأصل فيه. ويجب تقدير العامل بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه، لأنَّ (أمَّا) نائبةٌ عن الفعل فكأنَّها فعلٌ والفعل لا يلي الفعل. السادس: ظرفٌ معمولٌ لـ: (أمَّا) لِمَا فيها من معنى الفعل الذي نابت عنه، أو للفعل المحذوف، إذا قيل: (أمَّا) لا تعمل حِينئذٍ نقول: للفعل المحذوف الذي نابت عنه (أمَّا) نَحو: أمَّا اليوم فإنِّي ذاهبٌ، (اليوم) هذا منصوب على الظَّرفيَّة، ما العامل فيه؟ واحد من أمرين: - إمَّا أن يُقال: (أمَّا) لِمَا فيها من معنى الفعل الشَّرط. - وإمَّا أن يُقال: الفعل الذي حذف ونابت عنه (أمَّا) وهو (يَكُ) .. (مَهْمَا يَكُ) (يَكُ) هو العامل النَّصب في (اليوم).

وأمَّا في الدار فإنَّ زيداً جالسٌ، لو قال قائل هنا: (في الدار) ليس مُتعلِّقاً بـ: (أمَّا) ولا بالفعل الذي نابت عنه (أمَّا) وإنَّما هو مُتعلِّق بقوله: (جالسٌ) أمَّا في الدار فإنَّ زيداً جالسٌ، هل يصح .. هل يَصِح أن يكون (في الدار) مُتعلِّقاً بِما بعد (إنَّ)؟ لا يصح، لأنَّ خبر (إنَّ) لا يَتقدَّم على (إنَّ)، وكذلك معموله، إذا كان يُمنع تقديم خبر (إنَّ) على (إنَّ) فمن بابٍ أولى أن يُمنع معموله، لأنَّ الخبر أقوى، فحِينئذٍ لا يصح أن يُقال: أمَّا في الدار .. (في الدار) مُتعلِّق بقوله: (جالسٌ) الذي هو خبر لـ: (إنَّ). أمَّا في الدار فإن زيداً جالسٌ، نقول: إنَّ زيداً جالسٌ، (إنَّ) واسمها وخبرها لا يَتقدَّم شيءٌ البتَّة، لا الاسم، ولا معمول الاسم، ولا الخبر، ولا معمول الخبر على (إنَّ) البتَّة .. مُطلقاً، لأنَّ (إنَّ) كما سبق عامل ضعيف ولا يُتصرَّف في معمولاتها، حِينئذٍ لا يصح أن يُقال: (في الدار) مُتعلِّقٌ بشيءٍ مِمَّا بعد (إنَّ) فتعيَّن أن يُقال: بأنَّه إمَّا مُتعلِّق بـ: (أمَّا) وإمَّا أنْ يكون مُتعلِّقاً بالفعل الذي نابت عنه (أمَّا). إذاً: يفصل بين (أمَّا) والفاء بواحدٍ من أمورٍ ستة التي ذكرناها: إمَّا المبتدأ، وإمَّا الخبر، وإمَّا جملة الشَّرط، وإمَّا المفعول، وإمَّا ظرفٌ معمولٌ لـ: (أمَّا) لِمَا فيها من معنى الشَّرط، أو الفعل الذي نابت عنه. أمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوباً أُلِفَا (وَفَاءٌ) هذا مبتدأ، (أُلِفَا) هذا خبر، والألف هذه للإطلاق، وفيه فاعل ضمير مستتر يعود على الفاء، لا بُدَّ أن يكون رابط يربط بين الجملة وبين المبتدأ، أين هو؟ الضمير المستتر، مثل: زيدٌ قام، (أُلِفَا) هنا نائب فاعل، ضمير مستتر يود على الفاء، لو لم نجعله عائداً على الفاء لَمَا صَحَّ الإخبار بالجملة عن المبتدأ .. بطل، لأنه لا بُدَّ من رابط يربط بين الجملة الفعليَّة والمبتدأ، حِينئذٍ يتعيَّن مباشرة نقول: (أُلِفَا) فيه ضمير يعود على الفاء. (لِتِلْوِ تِلْوِهَا) مُتعلِّق بقوله: (أُلِفَا)، (وُجُوباً) هذا حالٌ من نائب الفاعل (أُلِفَا). قال الشَّارح: " (أمَّا) حرف تفصيل، وهي قائمةٌ مقام أداة الشَّرط وفعل الشَّرط " ولهذا فَسَّرها سيبويه بـ: (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) والمذكور بعدها جواب الشَّرط، ولذلك لزمته الفاء، نحو: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، إذاً: دليل أنَّ (أمَّا) فيها معنى الشَّرط لزوم الفاء في جوابها، والأصل: مهما يك من شيءٍ فزيدٌ منطلقٌ، فأنيبت (أمَّا) مناب (مَهْمَا يَكُ مِنْ شَيءٍ) فصار: أمَّا فزيدٌ منطلقٌ على الأصل، ثُم أخِّرت الفاء إلى الخبر فصار: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ، ولهذا قال: (وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِهَا) لتالي تلوها .. تابعها، (وُجُوباً أُلِفَا). وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا

(وَحَذْفُ ذِيْ الفَا) .. (وَحَذْفُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذِيْ) اسم إشارة، و (الفَا) نعت، أو بدل، أو عطف بيان، لأنَّ (ذِيْ) اسم إشارة، واسم الإشارة إذا نعت حِينئذٍ ما بعده لا بُدَّ أن يكون مُحلاً بـ: (أل) فحِينئذٍ يجوز أنْ يُعرب بدلاً، أو عطف بيان، أو نعتاً. (وَحَذْفُ ذِيْ الْفَا قَلَّ) قليل .. قَلَّ هو، أي: الحذف قليل، متى؟ (فِيْ نَثْرٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (قَلَّ) .. (قَلَّ) هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على الحذف، ولذلك صَحَّ أنْ يُجعل (قَلَّ) خبراً عن المبتدأ لوجود الرَّابط بين المبتدأ والخبر. إذاً: (وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ) لأنَّه قال في السَّابق: (وُجُوباً أُلِفَا) ألف وجوباً، إذاً: اتِّصَال الفاء بجواب (أمَّا) واجبٌ. قال: (وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ) وفُهِم منه أنَّه يكثر في النَّظم، وأمَّا في النَّثر فهو قليل، لكن هل هو مُطلقاً أم مُقيَّد؟ لأنَّه قال: (وُجُوبَاً) إذاً: لا بُدَّ أن نُقيِّد الحذف هنا بضابط مُعيَّن حتى لا يفسد علينا الحكم السَّابق: أنَّه واجب، لأنَّه إذا جاز حذفها كيف نقول: هو واجب؟ عند الأصوليين إذا عُلِّق الأمر بالمشيئة صار مصروفاً، لا يُقال بأنَّه .. هذا يجب عليك أن تصلي ركعتين إن شئت، يصح؟ ما يصح، لأنك إذا جوَّزت التَّرك نفيت الإيجاب، لأنَّ الواجب معناه مُتحتِّم لا يجوز تركه، فإذا قلت: إن شئت، يعني: لك تركه. هنا قال: (وُجُوباً) إذاً: لا يمكن أن ينفك عنها الجواب، هنا قال: (وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ) لكنَّه قيَّده: . . . . . . . . . . . . . . ... إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا قد طُرِح يعني، الألف هذه للإطلاق. إذاً: يجوز حذف الفاء إذا كان مدخولها القول فهو كثير، حِينئذٍ قوله: (وُجُوباً أُلِفَا) يكون هذا مُقيَّداً بما إذا لم يكن مدخول الفاء القول، وكذلك حِينئذٍ يُوجَّه بكون الفاء قد حذفت، والشيء إذا حذف مع نيته وجوداً كأنَّه غير محذوف، فصار الوجوب محفوظ .. السَّابق، إذاً: الوجوب محفوظ. ويستثنى جواز الحذف في اللفظ مع التقدير إذا دخلت الفاء على القول، ولذلك قال: . . . . . . . . . . . . . . ... إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا أي: لا تحذف هذه الفاء إلا إذا دخلت على قولٍ قد طُرِح استغناءً عنه بالمقول، فيجب حذفها معه، ولا تحذف في غير ذلك إلا في ضرورة. إذاً: (وَحَذْفُ ذِيْ الفَاءِ) قصره للضرورة، قلنا: الفَاءِ هذا نعت لـ: (ذِيْ)، (قَلَّ) هذه الجملة خبر، (فِيْ نَثْرٍ) هذا تقييد، مفهومه: أنَّه في غير النَّثر ليس بقليل بل هو كثير، لكن قال: (إِذَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (قَلَّ) قَلَّ إذا (إِذَا لَمْ يَكُ) حذفت النون هنا للتَّخفيف، يكن أصلها، دخل عليها الجازم وحذفت الضَّمَّة، ثُم حُذِفت النون تَخفيفاً: وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ. . . . . . . . . . (يَكُ قَوْلٌ) اسم (يَكُ)، (مَعَهَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (نُبِذَا)، (قَدْ) هذا للتَّحقيق، و (نُبِذَا) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، يعني: طُرِح.

قال الشَّارح: " قد سبق أنَّ هذه الفاء مُلتزَمة الذِّكر، وقد جاء حذفها في الشِّعْر، كقوله: فَأمَّا القِتَالُ لاَ قِتَالَ لَدَيْكُمُ .. فالأصل: فأمَّا القتال فلا .. هذا الأصل، ولكن هنا حذفت ضرورة في الشِّعْر خاصَّة أمَّا النَّثر فلا، أي: فلا قتال، وحُذِفت في النَّثر أيضاً بِكثرة وبقلَّة، فالكَثْرة عِند حذف القول معها، وهذا جاء حتى في النَّثر .. جاء في القرآن: ((فَأمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ)) [آل عمران:106] يعني: فيُقال أكفرتم، الفاء مع مدخولها الذي هو أصل الجواب حذف، وهذا قياس سائغ. حِينئذٍ نقول: قوله (وُجُوباً) هذا يَعمُّ ما إذا ذكرت الفاء وكانت محذوفة، لأنَّه حِينئذٍ (أَكَفَرْتُمْ) هذا يجب أن يُقدَّر له: فيقال أكفرتم، فإذا كان كذلك .. إذا وجب التقدير حِينئذٍ قوله: (وُجُوباً) هذا محفوظ، أي: فيقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم. والقليل: ما كان بِخلافه، كقوله صلى الله عليه وسلم: {أمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (مَا بَالُ .. أمَّا بَعْدُ) مهما يكن من شيءٍ بعد كذا .. بعد الحمدلة والصلاة: (مَا بَالُ) الأصل: فَمَا بَالُ، لكن هذا يُمكن تخريجه أن يُقال: فيُقال أمَّا بعد فأقول: ما بال، يعني: يمكن أن يُوجَّه كالآية، حِينئذٍ لا يُقال بأنَّه نادر، بل مِمَّا حذف القول مع الفاء، حِينئذٍ إذا حذف القول وجب حذف الفاء معه ولا تبقى. هكذا وقع في (صحيح البخاري): ما بال، بحذف الفاء، والأصل: أمَّا بعد: فما بال رجال، فحذفت الفاء، وهذا لا مانع أن يقال: فأقول ما بال، فحذف القول مع الفاء. إذاً: . . . . . . . . . . . . . . وَفَا ... لِتِلْوِ تِلْوِهَا وُجُوبَاً أُلِفَا لا يجوز حذف الفاء البتَّة، إلا في نثرٍ قليل أو شعر كثير، ثُم قد يكون قياساً وقد يكون ضرورةً، إذا قُدِّر القول حِينئذٍ صار قياساً، سواءً كان في الشِّعر أو في النَّثر، وإذا لم يمكن تقدير القول حِينئذٍ نقول: هذا ضرورة كالبيت الذي ذكره: فَأمَّا القِتَالُ لاَ قِتَالَ لَدَيْكُمُ .. يعني: فلا قتال، نقول: هذا ضرورة، يعني: يُحفظ ولا يُقاس عليه، مع عداه في الشِّعْر أو في النَّثْر مع القول كثير أن يُحذف الفاء، حِينئذٍ لا يمنع الوجوب أنَّها تُحذف مع الفاء في الشِّعْر والنَّثْر. وَحَذْفُ ذِيْ الفَا قَلَّ فِيْ نَثْرٍ إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ. . . . . . . . حذف الفاء قليل، أين الجواب هنا؟ محذوف، (إِذَا) هذه شرطيَّة، (لَمْ يَكُ قَوْلٌ) فحذف الفاء قليل: إذا لم يكٌ قولٌ فحذف الفاء قليل لكنَّه مسموع، يعني: لا يُقاس عليه، وما ذكره من الحديث الوارد: (مَا بَالُ .. فمَا بَالُ) نقول: هذا مُقدَّر فيه القول مع الفاء. . . . . . . . . . . . . . . إِذَا ... لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا يعني: قد طُرِح. ثُم قال رحمه الله: (لَولاَ وَلَوْمَا) هو عقد الباب لثلاثة أشياء: (أَمَّا، وَلَوْلاَ، وَلَوْمَا). لَولاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا ... إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا (لَولاَ وَلَوْمَا) على نوعين .. قسمين: - أحدهما: أن يكونا مُختصَّين بالاسم، وهذه الامتناعيَّة.

- والآخر .. النَّوع الثاني: أن يكونا مُختصَّين بالفعل، وهذه التَّحضيضيَّة، سيأتي. وأشار إلى الأول بقوله: (لَوْلاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا)، (لَوْلاَ) مبتدأ قُصِد لفظه، وأصلها: (لوْ) رُكِّبَت مع (لا) النَّافيَّة، و (لَوْمَا) معطوفٌ عليه، أصلها: (لوْ) وركِّبَت معها: (مَا) هكذا قيل، وقيل: أنَّها بسيطة وهذا هو أظهر. (يَلْزَمَانِ) هذا خبر المبتدأ، (يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) هذا مفعول لـ: (يَلْزَمَانِ) مفعول به، يعني: المبتدأ والخبر (يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) يعني: يلزمان جملة المبتدأ والخبر، يعني: يَختصَّان بالجملة الاسْميَّة، فتقول: لولا زيدٌ لأكرمتك، (لَولاَ) هذا حرف امتناع لوجود، لولا زيدٌ، (زيدٌ) مبتدأ، أين خبره؟ محذوفٌ وجوباً: وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ .. هي هذه نفسها .. عينها: وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِبَاً حَذْفُ الْخَبَرْ ... حَتْمٌ. . . . . . . . . . . . . . إذاً: وجب حذف الخبر هنا: لولا زيدٌ موجودٌ لأكرمتك، هذا جواب (لَولاَ) لأنَّها تقتضي جواباً مثل (لوْ) لأنَّها شرطيَّة، فإذا كانت شرطيَّة حِينئذٍ يلزم لها جواباً. إذاً: (يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) يعني: المبتدأ والخبر، يدخلان على الجملة الاسْميَّة، ولا يدخلان على الجملة الفعليَّة البتَّة، هذا النوع الأول وهي الامتناعيَّة. ولوما عمروٌ لجئتك .. لوما عمروٌ موجودٌ لجئتك، (لجئتك) هذه جملة الجواب وليست هي الخبر، والخبر محذوف، لأنَّ (لَولاَ) ومثلها (لَوْمَا) من مواضع وجوب حذف الخبر كما سبق بيان ذلك في باب المبتدأ والخبر. إذاً: وَبَعْدَ لَوْلاَ غَالِباً حَذْفُ الْخَبَرْ مثلها (لَوْمَا) متى؟ قال: (إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا) إذا عقدا .. ربطا، الألف هنا تثنية، إذاً: فاعل، (عَقَدَا) الألف هذه فاعل (عَقَدَا): إذا عقدا، يعني: ربطا، (امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ) (امْتِنَاعَاً) ما إعرابه؟ مفعول به لـ: (عَقَدَا)، (بِوُجُودٍ) مُتعلِّق بـ: (عَقَدَا)، ولذلك يُقال: لوجود ويقال: بوجود. إذاً: (لَولاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) متى؟ قال: إذا عقدا امتناعاً بوجودٍ، ويقال أيضاً: لوجودٍ، (امْتِنَاعَاً) امتناع الخبر بوجود المبتدأ، لو قلت: لولا زيدٌ لأكرمتك، ما الذي امتنع؟ الإكرام جواب (لولا) هذا الممتنع، لماذا امتنع؟ لوجود زيد .. لوجود المبتدأ، إذاً: امتناعاً بوجودٍ امتناعاً للجواب .. جواب (لَولاَ وَلَوْمَا) بوجود المبتدأ الذي هو (زيد): لولا زيدٌ لأكرمتك، امتنع الإكرام لوجود زيد. لوما عمروٌ لجئتك، امتنع المجيء لوجود عمروٍ. (عَقَدَا) أي: ربطا، أي: إذا ربطا امتناع شيءٍ بوجود غيره ولازماً بينهما، ويقتضيان حِينئذٍ مبتدأ ملتزماً فيه حذف خبره غالباً كما مَرَّ في باب المبتدأ. وجواباً، يعني: تقتضي (لَولاَ وَلَوْمَا) الامتناعيَّة .. تقتضي جواباً، عين الجواب الذي لـ: (لوْ) قلنا: (لوْ) هذه تقتضي جواباً، قد يكون ماضياً معنى، وقد يكون ماضياً وضعاً، وقد يكون دخول اللام كثيراً، وقد يكون دخول اللام قليلاً، نفس الكلام يُقال في باب (لَوْلاَ وَلَوْمَا).

وجواباً كجواب: (لوْ) مُصدَّراً بماضٍ أو مضارعٍ مجزومٍ بـ: (لم) فإن كان الماضي مثبتاً قرن باللام غالباً: ((لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)) [سبأ:31] (لَكُنَّا) هذه اللام واقعة في جواب (لَوْلاَ) أين الخبر؟ محذوف، (لَوْلا أَنْتُمْ) .. (أَنْتُمْ) هذا مبتدأ، لولا أنتم موجودون، هذا الخبر حُذِف، وهو واجب الحذف، (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) هذه اللام واقعة في جواب (لَوْلاَ) ما نوعه (لَكُنَّا)؟ نقول: هذا ماضي مُثبت، وإن كان منفياً تَجرَّد منها غالباً: ((وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً)) [النور:21] إذاً: (مَا زَكَا) جواب (لَوْلاَ) وهو منفي، حِينئذٍ الغالب فيه: أن يَتجرَّد من اللام، (لَمَا زكا) يجوز لكنَّه قليل. وقد يقترن بها المنفي على خلاف الغالب، نَحو: لَوْلاَ رَجَاءُ لِقَاءِ الظَّاعِنينَ لَمَا ... أَبْقَتْ. . . . . . . . . . . . . (لَمَا أَبْقَتْ) .. (لَمَا زَكَا) مثله، لكن الغالب تَجرُّده عن اللام. وقد يخلوا منها المثبت، مع أنَّ الغالب أن يكون مُتَّصلاً بها: لَوْلاَ زُهَيْرُ جَفَانِي كُنْتُ معْتَذِراً .. لكنت معتذراً هذا الأصل، لكن هذا جائز. وإذا دلَّ على الجواب دليل جاز حذفه، ومنه: ((وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)) [النور:10] هنا حُذِف الجواب: لولا فضله عليكم لهلكتم، (وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) هذا تتميم للآية، إذاً: جواب (لَوْلاَ) محذوف، متى؟ إذا دلَّ عليه دليل. إذاً: لَوْلاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا ... إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا إذا عقدا امتناعاً بوجودٍ، وهي التي يُعبَّر عنها أنَّها امتناع لوجود .. امتناع الجواب لوجود المبتدأ. قال الشَّارح: لـ: (لَوْلاَ وَلَوْمَا) استعمالان: أحدهما: أنْ يكونا دالَّيْن على امتناع الشيء لوجود غيره، وهو المراد بقوله: (إِذَا امْتِنَاعَاً بِوُجُودٍ عَقَدَا) ربطا، ويلزمان حِينئذٍ الابتداء، يعني: الجملة الاسْميَّة، ولا يدخلان على الجملة الفعليَّة البتَّة، فلا يدخلان إلا على المبتدأ، ويكون الخبر بعدهما محذوفاً وجوباً، ولا بُدَّ لهما من جواب، لِمَا فيهما من معنى الشَّرط، الشَّرط يقتضي الجواب، لِمَا فيهما من معنى الشَّرط وهو التعليق. فإن كان مثبتاً قُرِن باللام غالباً كجواب (لوْ) وإن كان منفياً بـ: (ما) تَجرَّد عنها غالباً: ((مَا زَكَا)) [النور:21]، وإنْ كان منفياً بـ: (لم) لم يقترن بها، نَحو: لولا زيدٌ لأكرمتك، ولوما زيدٌ لأكرمتك، ولوما زيدٌ ما جاء عمروٌ، ولوما زيدٌ لم يجيء عمروٌ، فـ: (زيدٌ) في هذه المُثُل ونحوها مبتدأ، وخبره محذوفٌ وجوباً، والتقدير: لولا زيدٌ موجود، وقد سبق ذكر هذه المسألة في باب الابتداء. إذاً: أراد أنْ يُبيِّن هنا أن هذه من خواص الجملة الاسْميَّة، وأنَّها تقتضي جواباً وجوابها كجواب (لوْ) السَّابق.

بقي أنَّ (لَوْلاَ) قد تدخل على المبتدأ، لكن قد يكون المبتدأ مؤوَّلاً ليس صريحاً، كقوله: ((لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا)) [القصص:82] (أَنْ مَنَّ اللَّهُ) هنا نقول: دخلت على مؤوَّل، وسبق أن المبتدأ قد يكون اسماً صريحاً وقد يكون مؤوَّلاً بالصَّريح. إذاً: قوله (يَلْزَمَانِ الاِبْتِدَا) عام يشمل الصَّرح وغير الصَّريح: ((لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا)) [القصص:82] لولا مِنَّة الله علينا، (منَّة) نقول: هذا مبتدأ. كذلك قد يكون ضميراً بارزاً: ((لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)) [سبأ:31] وسبق الخلاف في: (لولاه) و (لولاك) في باب حروف الجر، وهي (لَوْلاَ) نفسها هذه التي معنا. إذاً: قد يكون المبتدأ صريحاً، وقد يكون ضميراً بارزاً، وقد يكون مؤوَّلاً بالصَّريح، وهل يكون ضميراً مُتَّصلاً كاف أو هاء؟ سبق بيانه في موضعه. وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ وَهَلاَّ ... أَلاَّ أَلاَ وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ (التَّحْضِيضَ مِزْ) مِزْ التحضيض بهما، هذا القسم الثاني: وهو أنْ يدلَّا على التحضيض، وسبق معنى التحضيض .. تحضيض (تفعيل) مبالغةٌ من الحضِّ، يُقال: حَضَّه على كذا، أي: رَغَّبَه في فعله، فإذا أريد تأكيد الترغيب والمبالغة فيه قيل: حضَّضَه، والعَرْض كالتَّحضيض، إلا أنَّ العَرْض: طلبٌ بلين ورفق، والتَّحضيض: طلب بِحثٍ. إذاً: مِزْ التَّحضيض بهما، (مِزْ) يعني: ميِّزْ، هذا الاستعمال الثاني: أن يدلا على التحضيض، يَختصَّان حِينئذٍ بالجملة الفعليَّة، وذكر معهما: (هَلاَّ) و (أَلاَّ) و (أَلاَ) هذه أدوات التحضيض، ذكر خمسة: (لَوْلاَ) و (لَوْمَا) و (هَلاَّ) و (أَلاَّ) بالتَّشدِيد، و (أَلاَ) بالتَّخفيف خمسة، والمشهور أنَّ حروف التحضيض أربعة بإسقاط: (أَلاَ) هذا المشهور عند النحاة: (لَوْلاَ) و (لَوْمَا) و (هَلاَّ) و (أَلاَّ)، هذا المشهور عند النحاة، ولهذا لم يذكر في (التَّسهيل) و (الكافيَّة) سواهن .. الأربعة. وأمَّا (أَلاَ) بالتَّخفيف فهي حرف عَرْضٍ، فذكرها هنا مع حروف التَّحضيض يحتمل أحد أمرين: إمَّا أن يريد ابن مالك هنا بذكر: (أَلاَ) مع حروف التَّحضيض، يريد أنَّها قد تأتي للتَّحضيض، إذاً: المشهور أربعة، وبِقلَّة (أَلاَ) التي هي الأصل في العَرْض، ولا شك أنَّ ثَمَّ مشابهة بين التَّحضيض والعَرْض، لكن أصل استعمال (أَلاَ) بالتَّخفيف في العَرْض. حِينئذٍ يَحتمل أنَّ ابن مالك يرى أنَّ (أَلاَ) قد تأتي للتحضيض فلذلك ذكرها في هذا الموضع، ويَحتمل أنْ يكون قد ذكرها هنا لمشاركتها للأربع في الاختصاص بالفعل، إذاً: لَمَّا ذكر (لَوْلاَ) و (لَوْمَا) و (هَلاَّ) و (أَلاَّ) في كونها مُختصَّة بالفعل ناسب أن يذكر (أَلاَ) التي هي للعرض لكونها مُختصَّة بالفعل، وهذا الثاني هو أظهر: أن أدوات التَّحضيض أربعة لا خمسة، وأنَّ (أَلاَ) هذه حرف عَرْضٍ لا حرف تحضيض. لماذا ذكرها هنا؟ لأنَّ هذه الخمسة لا تدخل إلا على الفعل .. الجملة الفعليَّة: ألاَ زيدٌ قائمٌ، ما يَصِح هذا في العَرْض، وإنَّما: ألا تنزل عندنا؟ تدخل على الجملة.

إذاً: يَحتمل أنْ يكون ذكرها لمشاركتها لَهنَّ في الاختصاص بالفعل، وقرب معناها من مَعناهنَّ، وهذا واضح لأنًّ العَرْض والتَّحضيض متقاربان، ويؤيده قوله في (شرح الكافيَّة): " وألحق بحروف التحضيض في الاختصاص بالفعل (أَلاَ) المقصود بها العَرْض نَحو: ألا تزورنا؟ " هذا صريح أنَّه أراد (أَلاَ) التي هي للعرض وليست .. لا تستعمل في التحضيض، وإنَّما ذكرها هنا لكونها مُختصَّة بالفعل، هذا نصٌّ في (شرح الكافيَّة) وأُلحق بحروف التحضيض الأربعة في الاختصاص بالفعل (أَلاَ) المقصود بها العَرض، نحو: ألا تزورنا؟ إذاً: ذكر أربعة للتحضيض، وذكر على جهة المناسبة (أَلاَ) التي في العرض للاختصاص بالفعل، ولذلك قال: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) .. (وَأَوْلِيَ) يعني: اجعل هذه متبوعةً بالفعل، الأدوات الخمسة. (وَأَوْلِيَنْهَا) (أَوْلِ) هذا فعل أمر مبني على الفتح، لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة، أولِ أنْتَ، إذاً: فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنْتَ، (أَوْلِيَنْهَا) الضمير يعود على الأدوات الخمس، (أَوْلِ) يَتعدَّى إلى مفعولين: المفعول الأول الهاء المتصل .. الضمير (أَوْلِيَنْهَا). الْفِعْلاَ) بالنَّصب الألف هذه للإطلاق، مفعولٌ ثاني لـ: (أَوْلِ) إذاً: (أَوْلِ) يَتعدَّى إلى مفعولين. (وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ) بِهِمَا يعني: بـ: (لَوْلاَ وَلَوْمَا) ويشارك (لَوْلاَ وَلَوْمَا) في التحضيض غيرها، وهو: (هَلاَّ) و (أَلاَّ) و (أَلاَ)، عطفها بإسقاط حرف العطف. (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) أي: هذه الأدوات الخمس، أي: اجعلها داخلةً على الفعل، أو اجعل الفعل تابعاً لها، وإذا جعل الفعل تابعاً لها .. تالياً لها، حِينئذٍ لا يتلوها الاسم، وهذا أراد به التخصيص، والمراد بالفعل هنا ليس مطلق الفعل، إنَّما أراد به الفعل الخبري، احترازاً من الفعل الطَّلبِي فلا يتلوها البتَّة. والمراد بالفعل أيضاً الخبري، أي: المضارع أو ما في تأويله، نحو: ((لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ)) [النمل:46] هذا تحضيض، ((لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ)) [الفرقان:21] .. ((لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ)) [الحجر:7] كل هذا تحضيض، (لَوْ مَا تَأْتِينَا) .. (تَأْتِينَا) هذا فعل جاء بعد (لَوْمَا) وهي للتحضيض. هلَّا تُسْلِم، أو: ألَّا تُسْلِم، وإذا جعلنا (أَلاَ) كذلك: ألا تُسْلِم فتدخل الجنة .. ((أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ)) [التوبة:13] نقول: هذه كلها تدلُّ على أنَّ الفعل هو الذي يتلو هذه الحروف، وأمَّا ما عدى الفعل فحِينئذٍ لا يكون تابعاً لها. وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ وَهَلاَّ ... أَلاَّ. . . . . . . . . . . . . . . . . . يعني: وألَّا، (أَلاَ) يعني: وألاَ، (وَأَوْلِيَنْهَا) يعني: أولِ هذه الأدوات الخمس (الْفِعْلاَ) اجعله تابعاً لها.

أشار في هذا البيت للاستعمال الثاني لـ: (لَوْلاَ وَلَوْمَا) وهو الدَّلالة على التحضيض، ويَختصَّان حِينئذٍ بالفعل ولا يجوز أن تدخل على الاسم: لولا ضربتَ زيداً .. لوما قتلت بكراً، فإن قَصدْتَ بهما التوبيخ كان الفعل ماضياً، وإن قَصدْتَ بهما الحثَّ على الفعل كان مستقبلاً بِمنزلة فعل الأمر، كقوله تعالى: ((فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا)) [التوبة:122] أي: لينفر. وبقيَّة أدوات التَّحضيض حكمها كذلك، فتقول: هلَّا ضربتَ زيدٌ .. ألَّا فعلت كذا، و (أَلاَ) مُخفَّفة كـ: (أَلاَّ) مُشدَّدة، يعني: جعلها ابن عقيل هنا للتَّحضيض، لكن يُحمل كلامه على ما في (شرح الكافيَّة) لأنَّه أشهر، أمَّا القول بأنَّ (أَلاَ) مُخفَّفة للتحضيض قِلَّة من ذكر ذلك. إذاً: (وَبِهِمَا التَّحْضِيضَ مِزْ) .. (مِزْ) هذا ما إعرابه، فعل مضارع، أو فعل أمر، أو ماضي؟ فعل أمر، أصله: ماز .. يَميز، يعني: أنَّ (لَوْلاَ وَلَوْمَا) يُميَّز بهما التَّحضيض، أي: يدلان عليه: ((لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ)) [الفرقان:21] .. ((لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ)) [الحجر:7]. وَقَدْ يَلِيهَا اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ ... عُلِّقَ أَوْ بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرِ من يشرح البيت؟ (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) واضح هذا. هذا البيت شرح لقوله: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) من يشرح؟ ؟؟؟ إن اشترطنا أنْ الأداة لا تدخل إلا على الفعل حِينئذٍ إذا جاء ما ظاهره أنَّها دخلت على الاسم، ماذا نصنع؟ نُقدِّر له فعل: ((وَإِنْ أَحَدٌ)) [التوبة:6] جاءت (أَحَدٌ) بعد (إنْ) ماذا نصنع؟ نقول: لا، (إنْ) هنا لم تدخل على الاسم وإنَّما دخلت على فعلٍ مُضمَر. (وَقَدْ يَلِيهَا) (قَدْ) للتَّقليل، (يَلِيهَا) أي: يلي هذه الأدوات (اسْمٌ) يلي اسمٌ هذه الأدوات، فالهاء هنا ضمير مُتَّصل مبني على السكون (يَلِيهَا) في مَحلِّ نصب مفعول به، يلي الاسم هذه الأدوات .. قد يلي الاسم هذه الأدوات، نحن نقول: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) وهذا تخصيص، يعني: لا يليها إلا الفعل. (وَقَدْ) للتَّقليل، (يَلِيهَا) الاسمُ، (بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عُلِّقَ) إذاً: إذا تلاها الاسم مباشرة علِّقه بفعلٍ مضمر، يعني: بفعلٍ محذوف: هلَّا زيداً تضربه، نقول: (زيداً) هنا تلا (هَلاَّ) والنَّاظِم يقول: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) ماذا نصنع؟ نقول: (هَلاَّ) هنا لم تدخل على زيد، وإنَّما دخلت على فعلٍ محذوف يُفسِّره المذكور: هلَّا تضرب زيداً تضربه .. هلَّا تضرب زيداً، إذاً: (تضرب زيداً) هو الذي دخلت عليه (هَلاَّ) حِينئذٍ واجب الحذف لكونه من باب الاشتغال. (بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عُلِّقَ) الذي هو الاسم، (عُلِّقَ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الاسم، والجملة صفة لـ: (اسْمٌ) اسمٌ عُلِّق (بِفِعْلٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (عُلِّقَ) (مُضْمَرٍ) نعت لـ: (فِعْلٍ) يعني: محذوف، ابن مالك يُعبِّر بالإضمار عن الحذف، وإنْ كان هذا غير المشهور.

(أَوْ بِظَاهِرٍ مُؤَخَّرِ) هلَّا زيداً ضَرَبتَ؟ بدون هاء، حِينئذٍ نقول: (زيداً) هذا مُعلَّق بفعلٍ مؤخَّر، أصل التركيب: هلَّا ضَرَبتَ زيداً؟ حِينئذٍ قُدِّم المفعول به فتلا: (هَلاَّ) وفي الحقيقة ليس هو تالياً، وإنَّما هو في اللفظ، والذي تلاها هو الفعل: هلَّا زيداً ضَرَبتَ؟ (ضربت) هذا فعل وفاعل، و (زيداً) مفعولٌ به مُتقدِّم. وَقَدْ يَلِيهَا اسْمٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرِ ... عُلِّقَ. . . . . . . . . . . . . . (عُلِّقَ) قلنا: هذا صفةٌ لـ: (اسْمٌ)، (أَوْ) للتَّنويع، (بِظَاهِرٍ) هذا معطوف على قوله: (بِفِعْلٍ) عُلِّق بفعل، أو: عُلِّق بظاهر، جار ومجرور معطوف على (بِفِعْلٍ)، لا نقول: مُتعلِّق، وإنَّما نقول: معطوف على (بِفِعْلٍ). (بِظَاهِرٍ) أي: بفعلٍ ظاهرٍ، (ظَاهِرٍ) هذا نعت لموصوفٍ محذوف، أي: بفعلٍ ظاهرٍ، (مُؤَخَّرٍ) هذا نعت لـ: (ظَاهِرٍ): هلَّا زيداً تضربُ. قال الشَّارح هنا: قد سبق أن أدوات التَّحضيض تَختصُّ بالفعل فلا تدخل على الاسم، وذكر في هذا البيت أنَّه قد يقع الاسم بعدها، ويكون معمولاً لفعلٍ مضمر، أو لفعل مؤخَّر عن الاسم .. لفعل مضمر محذوف، إذا لم يُمكن أن نَجعل هذا الاسم مُتعلِّقاً بالمذكور، حِينئذٍ نجعل له محذوفاً لا بُدَّ من هذا، وإذا أمكن تَعلِيقه بالموجود، حِينئذٍ نقول: هو معمولٌ للمذكور: هَلاَ التَّقَدُّمُ وَالقُلُوبُ صِحَاحُ .. هلا وجد التقدُّم. ومثله قوله: تَعُدُّون عَقْرَ النِّيبِ أفْضَل مَجْدِكُمْ ... بَنِي ضَوْضَرَى لَوْلاَ الْكمِيَّ المقَنْعَا (الْكمِيَّ) مفعولٌ بفعلٍ محذوف، التقدير: لولا تعدون الكَمِيَّ. والثاني كقولك: لولا زيداً ضَرَبتَ، (زيداً) مفعول (ضربت)، إذاً: الأصل في هذه الأدوات كلها الخمسة: ألا يليها إلا الفعل، حِينئذٍ إذا تلاها غير الفعل وهو الاسم تَعيَّن أنْ يُقدَّر له محذوف إنْ لم يُمكن أن يُجعل المذكور مُتعلِّقاً به ذلك الاسم. (هَلاَّ) قيل: مركبة من (هلْ) و (لا) النافيَّة، و (أَلاَّ) يجوز أنْ تكون (هَلاَّ) فأبدِل من الهاء همزة .. (أَلاَّ) قيل: هي فرعٌ عن (هَلاَّ) أبْدِلت الهاء همزةً فقيل: (أَلاَّ)، وقيل: الأجوَّد أنَّ أدوات التَّحضيض كلها مفردة – بسيطة يعني – وقيل: مركبة، فـ: (هَلاَّ) مركبة من (هلْ) و (لا) النافيَّة، و (لَولاَ وَلَوْمَا) من (لوْ) وحرف النفي، (لوْ) هذا الأصل، فزيدت عليها (لا) النافيَّة، و (لوْ) وزِيدت عليها (ما) النافيَّة. (أَلاَّ) بالتشديد من (أنْ) و (لا) هكذا قيل، قلبت النون لاماً وأدغمت، وقيل: أصلها (هَلاَّ). و (أَلاَ) المخفَّفة بسيطةٌ في التحضيض، وقيل: مركبة، وأمَّا التي للعَرْض و (أَلاَ) الاستفتاحيَّة فبسيطة، العَرْض: (أَلاَ) والاستفتاحيَّة هذه يتفقان في اللفظ، وأمَّا في مدخولها فيختلفان: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ)) [يونس:62] نقول: هنا دخلت على الجملة الاسْميَّة، لكن التي للعَرْض؟ لا، لا تدخل إلا على الفعل.

ترد هذه الأدوات للتَّوبيخ والتنديم، فتختصُّ بالماضي أو ما في تأويله ظاهراً أو مضمراً: ((لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)) [النور:13] (لَوْلا جَاءُوا) هذه نقول: للتَّوبيخ والتنديم، ((فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا)) [الأحقاف:28] للتنديم كذلك والتوبيخ. وقد يقع بعد حرف التَّحضيض مبتدأ وخبر، وهذا مخالفٌ للأصل: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) إذا وقع بعدها مبتدأ وخبر، قلنا: الأصل عدم دخول هذه الأدوات على الجملة الاسْميَّة، لو دخلت على الاسم المفرد قلنا: هذا مُتعلِّق بِمحذوف أو بالمتأخِّر، وأمَّا إذا دخلت على مبتدأ وخبر هنا مُشْكِلة! كيف نصنع؟ قال: نُقدِّر (كان) الشَّأنيَّة بعدها. فيُقدَّر المضمر (كان) الشَّأنيَّة على الأصل: (وَأَوْلِيَنْهَا الْفِعْلاَ) من أجل تعميم هذا الأصل، كقوله: فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُهَا .. برفع (شَفِيعُهَا) .. فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى (نَفْسُ) مبتدأ وهو مضاف، و (لَيْلَى) مضاف إليه، و (شَفِيعُهَا) هذا خبر المبتدأ، أي: فهلَّا كان نفس ليلى شفيعها؟ نقول: هنا قَدَّرنا (كان) الشَّأنيَّة، ما معنى (كان) الشَّأنيَّة؟ هلاَّ كانه نفس ليلى شفيعها، إذاً: اسم (كان) محذوف، وهنا لم ننصب (شَفيعَها) لو كان (شَفيعَها) قلنا: (كان) ناقصة محذوفة وإنَّما رُفع، فإذا رُفِع حِينئذٍ نقول: لا يمكن أن يكون (شَفيعَها) خبراً لـ: (كان) فيتعين أنْ نَجعل اسم (كان) ضمير الشَّأن وهو محذوف واجب الحذف، والجملة الاسْميَّة المذكورة في مَحلِّ نصب خبر (كان). ثُم قال رحمه الله: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ). هذا الباب ليس من باب النَّحو في شيء لا من قريب ولا من بعيد، وإنَّما هو بابٌ وضعه النُّحاة .. موضوع، ولذلك لا يذكر في المختصرات وإنَّما يذكر في المطولات، وله خلاصة وزبدة وله توسُّع وتكلُّف، خلاصته ما ذكره النَّاظم هنا والشَّارح، ولذلك ذَكَر الأشْمُوني أنَّه طويل الذَّيل، يعني: له فروع كثيرة جداً، لأنَّه يَتعلَّق بالنَّحو كله من أوله إلى آخره. عند الصَّرفيين باب يُسمَّى باب التَّمرينات، يعني: تتعلم القواعد في آخر باب الصرف .. (الشافيَّة) وغيرها: باب التمارين، يأتيك يقول لك: ائت بهذه اللفظة على وزن كذا، حِينئذٍ تأتي تُمطط الكلمة .. ما سُمِعت! تمططها من أجل أنْ تأتي على هذا الوزن، ثُم تَمر عليك عِلل وإعلالات، وإبدالات وحذف إلى آخره، وقلب الهمزة واو، والواو همزة، كلها تأتي بها، وهذا لا يكون إلا لمن استحضر القواعد، حِينئذٍ يَتعلَّم مُمارسة القواعد على هذا الباب، هذا مثله: (بَابُ: الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) يعني: الموصولة، إنَّما وضعه النُّحاة لامتحان الطَّالب وتدريبه، يعني: من أجل أن يُطبِّق القواعد، لأنَّه يدخل في باب المبتدأ والخبر، وفي باب النواسخ، والفاعل، والاشتغال، والتمييز، والحال .. جميع الأبواب السابقة، داخلة هنا .. الأحكام كلها داخلة هنا، تتعلَّم أصل المسألة ثُم تطبِّق فيما يأتيك.

هذا الباب وضعه النَّحويون لامتحان الطالب وتدريبه كما وضعوا باب التمرين في التَّصرِيف لذلك، ولذلك يقول: ائت مثلاً: (قرأ) على وزن (سَفَرْجَل) .. تأتي بالزيادات، (قرأ) ثلاثة أحرف، و (سَفَرْجَل) خماسية، كيف تأتي هذه على وزن هذه؟! أو (قرأ) على وزن (جَعْفَر). على كلٍ: المراد به التطبيق، وإذا طَبَّقْت أنْت وفَهِمْت القواعد ما تحتاج إلى هذا الباب، لو طبقت القواعد في كل موضع أعربت وكذا .. ما تحتاج إلى هذا الباب، لأنَّ فيه تكلُّف. (الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) .. (الإِخْبَارُ بِالَّذِي) هذا أول امتحان، ظاهره أن يكون (الَّذِي) خبر .. أنْ تُخبِر بِـ: (الَّذِي) ولذلك قال: (مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) أخبر عن زيد من قولك: ضربت زيداً بـ "الذي"؟ ظاهره: تجعل (الَّذِي) خبراً عن المبتدأ، وتجعل (زيد) مبتدأ. أخبر عن (زيد) من قولك: ضربت زيداً، أخبر عنه بِـ: (الَّذِي) كأنك تجعل (زيد) مبتدأ وتأتي بِـ: (الَّذِي) فتجعله خبراً عنه، لا، المراد العكس: أن تجعل (الَّذِي) مبتدأ، وتُخبر عنه بالاسم المسئول عنه: ضربت زيداً .. أخبر بـ "الذي" عن زيد حِينئذٍ نقول: قوله (بِالَّذِي) الباء هنا بِمعنى: (عن) ليصح التركيب، لأنَّهم ما أرادوا هذا الذي هو الظَّاهر، إنَّما أرادوا أنْ يُجعل (الَّذِي) مبتدأ، والاسم المسئول عنه خبراً. الذي ضربته زيدٌ، حِينئذٍ جعلت (الَّذِي) مبتدأ، وجعلت الاسم الذي طُلِب منك أنْ تُخبِر عنه بـ: (الَّذِي) جعلته خبراً، إذاً: القضية عكسية ابتداءً من أول الأمر. (الإِخْبَارُ بِالَّذِي) الباء في قوله: (بِالَّذِي) باء السَّببيَّة لا باء التَّعدِية، لأنَّك إذا جعلتها باء التَّعدِية يكون المعنى: أنَّ (الَّذِي) به يكون الإخبار وليس كذلك .. لفظ (الَّذِي) هو الذي يكون به الإخبار .. يكون خبراً، وليس هذا كذلك .. ليس هذا المراد، المراد أن تجعل (الَّذِي) مبتدأً، كأنه قال: أخْبِر عن الذي، الإخبار عن الذي هذا واضح، فالباء بِمعنى: (عن) وبعضهم يقول: أنَّها للسَّببيَّة كما ذهب إليه الصَّبَّان. ورجح هنا ابن عقيل أن الباء في (الَّذِي) بِمعنى: (عن) فكأنه قيل: أخْبِر عن الذي وهذا واضح، بل الإخبار يكون عن الذي بغيره، ثُم إنَّ الإخبار يكون بـ: (الَّذِي) وفروعه (التي) و (اللذان) و (الذين) ويكون كذلك بالألف واللام. حاصل هذا الباب أنْ يُقال لك: كيف تُخبِر عن زيد من قولك: ضربت زيداً، أو: زيدٌ مُنطلقٌ، بـ: (الَّذِي) أخبر عن زيد بـ: (الَّذِي) من قولك: زيدٌ منطلق، ماذا تصنع؟ عندنا أربعة أمور، نأخذها أولاً ثُم نأتي إلى النَّظم. إذا قيل لك: كيف تُخبِر عن (زيدٍ) من قولنا: زيدٌ منطلق بـ: (الَّذِي) فاعْمَد إلى ذلك الكلام فاعمل فيه أربعة أعمال .. أربعة وظائف: الأول: أن تبتدئه بِموصولٍ مطابقٍ للاسم المسئول عنه وهو زيد مُفرد ومُذَكَر، (الَّذِي) .. تأتي بـ: (الَّذِي) تجعله مبتدأ. ثانياً: أنْ تُؤخِّر (زيداً) إلى آخر التركيب.

الثالث: أنْ ترفعه على أنه خبرٌ لـ: (الَّذِي)، قد يكون مرفوعاً في الأصل مثل: زيدٌ مُنطلقٌ، وقد يكون منصوباً مثل: ضربت زيداً، أو مجروراً: مررت بزيدٍ، قد يكون هذا وذاك، ترفعه على أنَّه خبر. الرابع: أن تجعل في مكانه الذي نقلته عنه ضميراً مُطابقاً له في معناه وإعرابه، حِينئذٍ إذا قلت: زيدٌ منطلقٌ، أخْبِر عن (زيد) بـ: (الَّذِي)، ماذا تقول؟ تقول: الذي .. تَجعله مبتدأ، تبدأ بـ: (الَّذِي)، ثُم تأتي بـ: (زيد) المسئول تجعله في آخر التركيب، (زيدٌ) ترفعه على أنَّه خبر. إذاً: (الذي) مبتدأ، و (زيدٌ) خبرٌ عنه، ما هي الجملة التي أخذت منها لفظ (زيد)؟ زيدٌ مُنطلقٌ، أنْتَ أخذت (زيد) الآن، صار: منطلقٌ، ضع مكان (زيد) ضمير مناسب لـ: (زيد) هو منطلقٌ، إذاً صارت النتيجة: الذي هو منطلقٌ زيدٌ، فـ: (زيدٌ) المسئول عنه صار خبراً، وهو في الأصل مبتدأ، و (الذي) الذي طُلِب السؤال به أن يُخبَر به صار مبتدأً، والجملة نفسها التي أُخِذ منها زيد وسِّطَت بين اللفظين: (الذي) والخبر، ووضعتَ مكان (زيد) الذي أخذته وجعلته خبراً وضعت مكانه ضميراً مطابقاً له في المعنى والإعراب، فقلت: الذي هو منطلقٌ زيدٌ. ضربت زيداً، أخْبِر عن (زيد) بـ: (الَّذِي) تقول: الذي زيدٌ .. ضربتُ زيداً، حذفت (زيد) ضع مكانه ضمير: ضربته، صارت النتيجة: الذي ضربته زيدٌ، هذا ما يُسمَّى: (بَابُ: الإِخْبَارُ بِالَّذِي). قال هنا: مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ ... عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً قَبْلُ اسْتَقَرّْ (مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) (مَا) مبتدأ، اسم موصول واقع على المخْبَر به عن (الَّذِيْ) .. عن الاسم الذي سئل عنه، لو قلت: أخْبِر عن زيد، من قولك: ضربت زيداً، هذا المراد بـ: (مَا) هنا: مررت بزيدٍ .. مررت زيداً التاء، هو المراد بـ: (مَا) هنا، يعني: اسمٌ موصول واقعٌ على المخبر به عن (الَّذِيْ) الذي جعلته خبراً وأخَذْتَه من الجملة الأصليَّة. (مَا قِيلَ) (قِيلَ) هذا صلة الموصول، (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) هذا سؤالٌ محكي، تفصيله: (أَخْبِرْ) هذا فعل أمر، (عَنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَخْبِرْ)، (بِالَّذِيْ) كذلك مُتعلِّق بـ: (أَخْبِرْ)، أين صلة الموصول؟ المراد هنا قُصِد لفظه: (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) كلمة: (الَّذِيْ) قُصِد لفظه، حِينئذٍ لا صلة له .. ليس له جملة. (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ) (بِالَّذِيْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (أَخْبِرْ)، (خَبَرْ) خبر (مَا) .. ما اسمٌ قيل لك أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) خبرٌ، ذلك الاسم تَجعله خبراً: ضربت زيداً .. زيداً أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) خبرٌ، تجعل (زيداً) المنصوب مفعولاً به خبراً، (مَا) اسمٌ موصولٌ يقع عن الاسم المسئول عنه، لو قلت لك: زيداً، من: ضربت زيداً، أخبر عن (زيداً)، نقول: زيداً قيل أخبر عنه بالذي خبر، يعني: تجعله خبراً، فالاسم المسئول عنه بأن يُخبر عنه بالذي .. تَجعله خبراً.

(عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً قَبْلُ اسْتَقَرْ) (عَنِ الَّذِي) عن لفظ (الَّذِي) قُصِد لفظه، (مُبْتَدَأً) حال كونه مبتدأً (قَبْلُ) أولاً (اسْتَقَرْ) يعني: تجعله أولاً مبتدأ، وتخبر عنه بالاسم الذي طُلِب منك أن تخبر عنه بـ: (الَّذِيْ). إذاً عندنا لفظان: لفظ (الَّذِيْ) والاسم الذي قيل لك أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ). تجعل لفظ (الَّذِيْ) مبتدأً وهو الذي عناه بقوله: (عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً) حال كونه مبتدأً، يعني: أعربته مبتدأ، (قَبْلُ) يعني: قبل ذكر الاسم ذاك، (اسْتَقَرْ) ثَبَت أنَّه مبتدأ، ولذلك قال: (مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ) يعني: تجعله خبراً، و (الَّذِيْ) تجعله مبتدأً، (عَنِ الَّذِي) هذا مُتعلِّق بقوله: (خَبَرْ) خبرٌ عن الذي، وهذا الخبر هنا مُؤخَّرٌ وجوباً، يجب تأخيره ولا يجوز تقديمه. (عَنِ الَّذِي) هذا مُتعلِّق بقوله: (خَبَرْ)، (مُبْتَدَأً) بالنَّصب، هذا حال من الضمير المستتر في (اسْتَقَرْ) حال كونه مبتدأً قبل، يعني: قبل الخبر، مُتعلِّق بقوله: (اسْتَقَرّْ). تقدير البيت: ما قيل لك أخبر عنه بهذا اللفظ، أعني: (الَّذِيْ) هو خبرٌ عن لفظ الذي في حال كونه مستقراً قبلُ مبتدأ. (وَمَا سِوَاهُمَا) ما سوى (الَّذِيْ) والاسم المسئول عنه، ما سواهما بعد أنْ تأخذه من الجملة، قال: (وَسِّطْهُ) يعني: اجعله وسطاً بين (الَّذِيْ) وبين الخبر، (وَسِّطْهُ)، (صِلَهْ) لأي شيء؟ للاسم الموصول، لأنك جعلت الاسم الموصول مبتدأً، حِينئذٍ لا بُدَّ له من صِلَة .. لا بُدَّ له من جملة صلة الموصول، الذي أخذْتَ منه .. الاسم الذي جعلته خبر تجعله جملة: ضربت زيداً .. الذي ضربت. (وَمَا سِوَاهُمَا) أي: سوى المبتدأ والخبر (الَّذِيْ) والاسم، (فَوَسِّطْهُ) بينهما حال كونه (صِلَهْ) لـ: (الَّذِيْ). (عَائِدُهَا خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ) (عَائِدُهَا) هذا ضمير الموصول، يعني: إذا جعلت الجملة تلك صلة الموصول، حِينئذٍ لا بُدَّ من ضميرٍ يعود على الموصول، ما هو الضمير؟ الضمير هو الذي جعلته خلفاً عن الاسم الذي أخَذْتَه، أما نقول: ضربت زيداً، تأخذ (زيد) وتجعله خبر، وتأتي بـ: (الَّذِيْ) تجعله مبتدأ، ضربتُ .. الذي ضربت زيدٌ، قلنا: عَوِّض مكان (زيد) ضمير يعود على (الَّذِيْ) فصار خلفاً عن الاسم الظَّاهر، حِينئذٍ صار هذا الضمير هو العائد على الاسم الموصول فصَحَّت الجملة، لأنَّه لو لم يكن عندنا ضمير ما صَحَّ أن تكون (ضربتُ) صلة الموصول، لأنَّه لا بُدَّ من عائدٍ عَلَى ضَمِيرٍ لاَئِقٍ مُشْتَمِلَهْ. حِينئذٍ الضمير الذي جئت به خلفاً عن ذلك الاسم الظَّاهر هو الذي يكون عائد، ولذلك قال: (عَائِدُهَا) يعني: عائد الصِّلَة .. الضَّمير الذي اشتملت عليه الصِّلة (خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ) اسم فاعل مضاف إلى المفعول، (مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ) وهو الخبر، يعني: الضمير الذي جعلته خلفاً عن الذي جعلته خبراً، هو الذي يكون عائداً على الموصول، نَحْوُ الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ، هذه النتيجة، (الَّذِيْ) مبتدأ، (ضَرَبْتُهُ) فعل وفاعل ومفعول به لا مَحلَّ لها صلة الموصول، (زَيدٌ) هذا خبر.

إذا فهمت هذا التركيب تفهم السؤال، (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ) (الَّذِيْ) اسم موصول مبتدأ (ضَرَبْتُهُ) فعل وفاعل ومفعول صلة الموصول لا مَحلَّ لها من الإعراب، (زَيدٌ) هذا خبر، ما أصل التركيب هذا؟ التركيب فرع ليس بأصل، الأصل: ضربت زيداً، المسئول عنه أنْ تُخبِر عنه بـ: (الَّذِيْ) زيداً، وهو مفعولٌ به، ماذا صنعت؟ جئت بـ: (الَّذِيْ) جعلته مبتدأ، ثُم زيداً، المنصوب جعلته خبراً (زيدٌ)، ثُم الجملة التي أخذت منها زيد جئت بها ووسَّطَّها بين (الَّذِيْ) وبين الاسم المرفوع، وجعلت بدلاً عن الاسم الذي أخَذْتَه ضميراً يعود على الاسم الموصول فصَحَّ التركيب. في المفرد لا إشكال، المشكلة في التَّثنية هناك! (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ فَذَا) التركيب السَّابق (ضَرَبْتُ زَيْدَاً كَانَ) قبل ذلك التركيب الفرعي، (فَادْرِ الْمَأَخَذَا) فاعلم المأخذ، حِينئذٍ جعله قياساً، نبَّه به على أنْ تقيس على هذا العمل غيره في هذا المثال. إذاً قوله: (فَادْرِ الْمَأَخَذَا) (فَادْرِ) هذا فعل أمر، و (الْمَأَخَذَا) يعني: مَحلَّ الأخذ، كيف أخذنا: (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ) من قولك: (ضَرَبْتُ زَيْدَاً)، إذا عرفت المأخذ حِينئذٍ عرفت العِلَّة فتقيس عليها ما عداها، فتقول في الإخبار عن التاء من قولك: ضربت زيداً، عرفنا إذا أرَدْت أن تُخبِر عن زيد: أخْبِر عن زيد بـ: (الَّذِيْ) الذي ذكره النَّاظِم. طيب! أخْبِر عن التاء .. ضربت زيداً، أخْبِر عن التاء، فتقول: الذي ضرب زيداً أنا، إذا أخْبَرت عن التاء تأخذ التاء وتجعلها خبراً، التاء ضمير مُتَّصل لا يُمكن أن يكون خبراً، لأنَّ الخبر لا يكون إلا ضميراً منفصلاً، حِينئذٍ الذي أنا، انفصل التاء فصار (أنا) طيب! ضرب زيداً حَذَفْت التاء، وجد ضمير يعود على الاسم الموصول، لأنَّ: ضَرَبْتُ، خُذْ التاء وأعمل (ضَرَبَ) في ضميرٍ، حِينئذٍ ينوب الضمير المستتر عن البارز، فتوسِّط هذه الجملة بين (الَّذِيْ) وبين (أنا): الذي ضرب زيداً أنا، وجد ضمير يعود على (الَّذِيْ). إذاً: (الَّذِيْ) هذا مبتدأ، و (ضرب زيداً) فعل وفاعل ومفعول، الفاعل من أين جاء؟ لم يكن (ضربت) الفاعل ضمير مستتر، و (ضَرَبْتُ) الفاعل ضمير بارز وأخذناه .. جعلناه خبراً، إذاً: جَرَّدْنا الفعل عن الضمير البارز، ووضعنا مكانه ضميراً مستتراً، فقيل: الذي ضرب زيداً هو .. ضرب هو زيداً أنا. إذاً إذا قيل: (أَخْبِرْ) عن التاء من قولك: ضربت زيداً، تقول: الذي ضرب زيداً أنا. وفُهِم من إطلاقه (فَادْرِ الْمَأَخَذَا): أنَّ الإخبار بالذي يكون في الجملة الفعليَّة كما مُثِّل، ويكون في الجملة الاسْميَّة، فلو قيل: أخبر عن زيد من قولك: زيدٌ أبوك .. أخبر عن زيد بـ: (الَّذِيْ) زيدٌ أبوك: الذي زيدٌ، أخَذْتَ (زيد)، ضع مكانه ضميراً مناسب له (هو): الذي هو أبوك زيدٌ. أخبر عن (أبوك) من قولك: زيدٌ أبوك، الذي زيدٌ هو أبوك.

زيدٌ أبوك، أخبر عن الخبر، تجعل الخبر خبراً كما هو مَحلُّه لا إشكال، فتأخذ الخبر من الجملة الأصليَّة فتضع مكانه ضمير: الذي زيدٌ هو أبوك، هذا التركيب، تأخذ الاسم المسئول عنه، ما هو؟ زيدٌ أبوك، أخَذْتَ (أبوك) ضعها خبر، (الَّذِيْ) ثُم: زيدٌ أبوك، أخَذْتَ (أبوك) ضع مكانه ضمير: الذي زيدٌ هو أبوك. أخبر عن (زيد) من قولك: زيدٌ أبوك، قلت: الذي هو أبوك زيدٌ، أو عن أبيك، قلت: الذي زيدٌ هو أبوك، (أبوك) أخذته من الخبر وجعلته خبراً، لا إشكال فيه، إن سئل عن شيءٍ هو خبر واضح أنَّه يكون خبراً كما هو. إذاً: مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ ... عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً قَبْلُ اسْتَقَرْ (مَا قِيلَ) اسمٌ سواءٌ كان مرفوعاً، مثل: أبوك زيدٌ .. زيدٌ أبوك، أو منصوباً: ضربت زيداً، (زيداً) هذا الذي يدخل معنا، أو مجروراً: مررت بزيدٍ، (مَا) اسمٌ (قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ) الاسم عينُه يُجعل خبراً، اسمٌ من قولك: ضربت زيداً، الاسم المنصوب، أو مرفوع: زيدٌ أبوك الأول أو الثاني، أو مجرور: مررت بزيدٍ، اسمٌ (مَا) هنا يقع على الاسم الذي قيل لك أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) (خَبَرٌ) تجعله خبراً، عن أي شيء؟ عن (الَّذِيْ) انظر في النَّظم، فتجعل (الَّذِيْ) مبتدأً، وتجعل الاسم الذي سئلت عنه أن تُخبِر عنه بـ: (الَّذِيْ) تجعله خبراً، (مُبْتَدَأً) هذا حال من (الَّذِي) الذي حال كونه مبتدأً، (قَبْلُ اسْتَقَرْ) استقرَّ قبل الاسم الذي جعلته خبراً. (وَمَا سِوَاهُمَا) سوى (الَّذِيْ) والمسئول عنه، يعني: سوى المبتدأ والخبر (فَوَسِّطْهُ) الفاء واقعة في جواب (مَا)، (فَوَسِّطْهُ) يعني: اجعله واسطة، على أي شيء؟ (صِلَهْ) وسِّطه صِلَةً للموصول، لأن التركيب هذا باب الإخبار بـ: (الَّذِيْ) كل مبتدأ يكون هو (الَّذِيْ) أو (التي) أو (اللذين) أو (الذين) إذاً: لا بُدَّ له من صلة، فالجملة التي أخذت منها المسئول عنه تجعله صلةً للموصول. (عَائِدُهَا) عائد الصِّلة، لا بُدَّ من عائدٍ، (عَائِدُهَا) مبتدأ، (خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ) ما هو معطي التَّكْمِلة؟ الخبر الذي جعلته مُكمِّلاً للإسناد، (الَّذِيْ) هذا مبتدأ، أين خبره؟ الاسم المسئول عنه الذي سُئِلت أن تُخبِر عنه بـ: (الَّذِيْ) هو مُعطي التَّكْمِلة في الإسناد للمبتدأ، خلفه ضمير، لا تأخذ الاسم هكذا وتترك الجملة وحدها، لا، تَخلُفُه ضمير .. تُعوِّضه بضمير، هذا الضمير إذا أخذت الجملة وجعلتها صِلَة الموصول هو العائد، فحِينئذٍ يُطابق الموصول إن كان مُذكَّراً ذَكَّرته، وإن كان مؤنَّثاً مفرداً أنَّثته، وإن كان مثنَّىً أو جمعاً ثنَّيته أو جمعته، لماذا؟ لأنَّك لَمَّا أخذْتَ الاسم عوَّضْتَ ضميراً يعود على الاسم الموصول، فلا بُدَّ أن يكون مطابقاً له، (عَائِدُهَا خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ). (عَائِدُهَا) قلنا: هذا مبتدأ، و (خَلَفُ) هذا خبر، (خَلَفُ) مضاف، و (مُعْطِيْ) مضاف إليه، اسم فاعل مضاف إلى المفعول، (التَّكْمِلَهْ) يعني: تكملة الجملة.

(وَمَا سِوَاهُمَا) يعني: والذي، هذا مبتدأ وهي اسمٌ موصول تقع على ما سوى (الَّذِيْ) والاسم المُخبَر به، وهو باقي الجملة، ويجوز أن تكون (مَا) مفعول به بفعلٍ مضمر يُفسِّره (فَوَسِّطْهُ)، لأنه قال: (فَوَسِّطْهُ) .. (مَا فَوَسِّطْهُ) وسِّط ما، يعني: على أنَّها مفعول به يجوز هذا بل هو أحسن. (نَحْوُ الَّذِيْ) نحو قولك: (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ فَذَا) هذا التركيب السَّابق: (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ) ضَرَبْتُ زَيْدَاً كَانَ في الأصل، فقيل لك: أخبر عن زيداً بـ: (الَّذِيْ)، قلت: (الَّذِيْ ضَرَبْتُهُ زَيْدٌ) انظر! قال: (مَا قِيلَ أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ خَبَرْ) أخذت زيداً فجعلته خبراً، (عَنِ الَّذِي مُبْتَدَأً) جعلت (الَّذِيْ) مبتدأً. (وَمَا سِوَاهُمَا) المبتدأ والخبر (فَوَسِّطْهُ) .. (عَائِدُهَا خَلَفُ مُعْطِيْ التَّكْمِلَهْ): (ضَرَبْتُهُ). قال الشَّارح: " فإذا قيل لك: أخْبِر عن اسمٍ من الأسماء " انظر! قال: عن اسمٍ من الأسماء، هو ليس كل اسمٍ سيأتي شروط، "فإذا قيل لك: أخبر عن اسمٍ من الأسماء بـ: (الَّذِيْ) يعني: بلفظ (الَّذِيْ)، فظاهر هذا السؤال: أخْبِر عنه بـ: (الَّذِيْ) ظاهره أنك تَجعل (الَّذِيْ) خبراً عن ذلك الاسم، لكن الأمر ليس كذلك، بل المجعول خبراً هو ذلك الاسم المسئول عنه، والمخبر عنه إنَّما هو (الَّذِيْ) كأنَّه قال لك: اجعل الذي مبتدأً، وأخبر عنه بالاسم الذي سئلت عنه. والمخبر عنه إنَّما هو (الَّذِيْ) كما ستعرفه، فقيل: إن الباء في (بِالَّذِيْ) بمعنى: (عن) فكأنَّه قيل: أخبر عن (الَّذِيْ)، لو صرَّحوا به لكان أجوَد، أخْبِر عن الاسم بـ: (الَّذِيْ) يعني: عن (الَّذِيْ) أخْبِر بهذا الاسم عن (الَّذِيْ)، ولذلك يُسمِّيه بعضهم: باب السَّبْكِ، لأنَّه يُسْبَك كلامٌ من كلامٍ آخر. والمقصود: أنَّه إذا قيل لك ذلك فجيء بـ: (الَّذِيْ) واجعله مبتدأ .. لفظ (الَّذِيْ) اجعله مبتدأ، واجعل ذلك الاسم خبراً عن (الَّذِيْ) وخذ الجملة التي كان فيها ذلك الاسم فوسِّطْها بين (الَّذِيْ) وبين خبره وهو ذلك الاسم، واجعل الجملة صِلَة (الَّذِيْ) لا بُدَّ من هذا، واجعل العائد على (الَّذِيْ) الموصول ضميراً تَجعله عِوضاً عن ذلك الاسم الذي صَيَّرته خبراً. فإذا قيل لك: أخبر عن (زيد) من قولك: ضربت زيداً، فتقول: الذي ضربته زيد، مثال النَّاظم فـ: (الذي) مبتدأ، و (زيدٌ) خبره، و (ضربته) صلة (الذي) والهاء في (ضربته) خلفٌ عن (زيد) الذي جعلته خبراً، وهي عائدةٌ على (الذي). وَبِاللَّذَيْنِ وَالَّذِينَ وَالَّتِي ... أَخْبِرْ مُرَاعِيَاً وِفَاقَ الْمُثْبَتِ القول هو القول، لكن يبقى الضمير الذي يراعى هناك في التذكير والإفراد هنا يكون تأنيثاً، إذا كان (الَّتِي) أو يكون مثنًّى، أو جمعاً.

(وَبِاللَّذَيْنَ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَخْبِرْ) (وَالَّذِينَ وَالَّتِي) معطوفٌ عليه، ولذلك النَّاظم هنا قال: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي) ثُم تَبَرَّع بذكر (اللَّذَيْنِ وَالَّذِينَ وَالَّتِي) والمشهور عند النُّحاة أنهم يقولون: (الإخْبَار بِالَّذِي وَفُرُوعِهِ) إذا كان كذلك حِينئذٍ وفَّى بالتَّرجَمة، لأنَّه ترجم لشيءٍ واحد وزاد، يسمى تَبَرُّع، حِينئذٍ لَمَّا لم يقل: (بِالَّذِي وَفُرُوعِهِ) نقول: تَبَرَّع النَّاظِم، يعني: زادنا. (وَبِاللَّذَيْنِ) هذا قلنا: مُتعلِّق بقوله: (أَخْبِرْ)، (وَالَّذِينَ وَالَّتِي) معطوفٌ على الأول، (أَخْبِرْ) أنت (مُرَاعِياً) في الضمير، هذا حال من الضمير المستتر في (أَخْبِرْ) أخبر حال كونك (مُرَاعِياً) في الضمير (وِفَاقَ الْمُثْبَتِ)، (مُرَاعِياً وِفَاقَ) يعني: موافقة (الْمُثْبَتِ) يعني: القواعد التي سبقت في باب الاسم الموصول، عَلَى ضَمِيرٍ لاَئِقٍ مُشْتَمِلَهْ. فحِينئذٍ نقول: (وِفَاقَ) هذا مفعولٌ لـ: (مُرَاعِياً) .. (مُرَاعِياً) هذا اسم فاعل، (الْمُثْبَتِ) أي: المخبر عنه في المعنى، يعني: أنَّ المخبَر عنه إذا كان مثنَّىً أو مجموعاً، أو مؤنَّثاً جيء بالموصول مُطابقاً له، لأنَّه خبرٌ عنه: ضربت الزَّيْدين، أخبر عن (الزَّيْدَيْن) اللذان ضربتهما الزيدان، ضربت الزَّيْدِيِن، أخر عن (الزَّيْدِيِن) الذين ضربتهم الزَّيْدُوُن، ضربت هنداً .. التي ضربتها هندٌ. أي: إذا كان الاسم الذي قيل لك أخْبِر عنه مثنىً فجئ بالموصول مثنىً كـ: (اللَّذَيْنِ) وإن كان مجموعاً فجيء به كذلك كـ: (الَّذِينَ)، وإن كان مؤنَّثاً فجيء به كذلك كـ: (الَّتي) والحاصل: أنَّه لا بُدَّ من مطابقة الموصول للاسم المخْبَر عنه به، لأنَّه خبرٌ عنه، ولا بُدَّ من مطابقة الخبر للمخْبَر عنه، إن مفرداً فمفرد، وإن مثنَّىً فمثنَّىً، لأنَّه يقول لك: أخْبِر بـ: (الَّذِيْ) عند الزَّيْدَيْن، تغلط تقول: الذي الزيدان .. لا! حِينئذٍ لا بُدَّ من المطابقة، وإذا حذفت الضمير حِينئذٍ لا بُدَّ أن يكون مطابقاً للاسم الموصول. إن مفرداً فمفرد، وإن مثنَّىً فمثنَّىً، وإن مجموعاً فمجموع، وإن مُذكَّراً فمُذكَّر، وإن مؤنَّثاً فمؤنَّث، فإذا قيل لك: أخبر عن الزَّيْدَين من: ضربت الزَّيْدَين، قلت: اللذان ضربتهما الزيدان، وإذا قيل أخبر عن الزَّيْدِين من: ضربت الزَّيْدِين، قلت: الذين ضربتهم الزَّيْدُون، فإذا قيل: أخبر عن هندٍ من: ضربت هنداً، قلت: التي ضربتها هندٌ. ابن عقيل هذا شرح عصري، يعني: بدل من الكتب التي تؤلَّف الآن يُجعل مكانها ابن عقيل أجْوَد. قَبُولُ تَأْخِيْرٍ وَتَعْرِيفٍ لِمَا ... أُخْبِرَ عَنْهُ هَا هُنَا قَدْ حُتِمَا كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ اوْ ... بِمُضْمَرٍ شَرْطٌ فَرَاعِ مَا رَعَوْا يعني: لَمَّا بَيَّن كيفية الإخبار شرع في شروطه، يعني: هل كل اسمٍ يُقال فيه: (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ)؟ الجواب: لا، لا بُدَّ من استيفاء شروط ذكر منها النَّاظِم أربعة، وفي الحقيقة هي ثلاثة، لا بُدَّ من استيفائها، فإن لم تكن كذلك لا يجوز أنْ يُقال: (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ).

قال: (قَبُولُ تَأْخِيْرٍ) (قَبُولُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف و (تَأْخيْرٍ) مضاف إليه، (وَتَعْرِيفٍ) هذا معطوف على (تَأْخِيْر)، (لِمَا أُخْبِرَ عَنْهُ) (لِمَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (حُتِمَا)، (قَدْ حُتِمَا) هذا خبر المبتدأ، (قَبُولُ) مبتدأ، (قَدْ حُتِمَا) .. (قَدْ) للتحقيق هنا، (حُتِمَا) هو، والألف للإطلاق، الجملة خبر. (لِمَا) مُتعلِّق بقوله: (حُتِمَا)، (أُخْبِرَ عَنْهُ) .. (عَنْهُ) نائب فاعل، والجملة صِلَة الموصول لا مَحلَّ لها من الإعراب (لِمَا أُخْبِرَ عَنْهُ)، (هَا هُنَا) يعني: في هذا المَحل: (بَابُ الإِخْبَار بِالَّذِي وفُرُوعِهِ) مُتعلِّق بـ: (حُتِمَا). (كَذَا الْغِنَى عَنْهُ) .. (كَذَا) هذا شرطٌ. . . الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ اوْ ... بِمُضْمَرٍ شَرْطٌ. . . . . . . . . (الْغِنَى) مبتدأ، و (شَرْطٌ) خبره، و (كَذَا) مُتعلِّق بـ: (شَرْطٌ) شرطٌ كذا، أي: مثل الذي سبق من الشُّروط في كونه مُتحتِّم، لأنَّه أخبر عن قبول التأخير والتَّعريف بأنَّه حُتِم فدلَّ على أنَّه واجب، فإذا كان كذلك فهو شرطٌ، ثُم فَصل الكلام قال: كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ اوْ ... بِمُضْمَرٍ شَرْطٌ. . . . . . . . . هذا معنى الوجوب أو التَّحتُّم الذي ذكره أولاً. إذاً: (كَذَا) هذا متعلق بقوله: (شَرْطٌ) الذي هو خبر، و (ذَا) اسم إشارة أراد بها الشَّرطين السَّابقين، قَبُولُ تَأْخِيْرٍ وَتَعْرِيفٍ. (الْغِنَى عَنْهُ) (عَنْهُ) مُتعلِّق بـ: (الْغِنَى)، مصدر وهو مبتدأ، (بِأَجْنَبِيٍّ) مُتعلِّق بـ: (الْغِنَى)، (أَوْ) بِمعنى الواو، (بِمُضْمَرٍ) ما إعراب (بِمُضْمَرٍ)؟ (بِأَجْنَبِيٍّ اوْ بِمُضْمَرٍ) لا تقل: مُتعلِّق كما ذكرناه سابقاً (بِظَاهِرٍ)، يكون معطوفاً، الجار والمجرور قد لا يكون مُتعلِّقاً فتنظر إلى السِّياق. هنا قال: (أَوْ بِمُضْمَرٍ) معطوف على قوله: (بِأَجْنَبِيٍّ). (فَرَاعِ مَا رَعَوْا) راعي ما رعوه، (مَا) اسم موصول مفعولٌ به، (رَعَوْا) رعوه. إذاً: يُشترط فيما ذكره النَّاظم أربعة شروط: - الأول: (قَبُولُ تَأْخِيْرٍ) يعني: هذا الاسم الذي قيل لك: أخْبِر عنه، يقبل التَّأخير .. أنْ يكون قابلاً للتَّأخير احترازاً مِمَّا له صدر الكلام، لأنَّك لو سئلت عن (أيِّهم) كما مثَّل بعضهم، (أيُّهم) من قولك: أيُّهم في الدار؟ أخبر عن (أيهم) بـ: (الَّذِيْ) ستأخذ: (أيُّ) تجعلها ماذا .. هل يجوز هذا؟ ما يجوز، لأنَّ (أيّ) لها صدر الكلام. إذاً: ليس كل اسمٍ يسأل عنه أخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) يجوز، حِينئذٍ لا بُدَّ أن يكون قابلاً للتأخير، لأنك ستجعله خبراً مُتأخِّراً، إذاً: (مَا) التَّعجُبيَّة، و (كم) الاستفهاميَّة، و (كم) الخبريَّة، وأسماء الشَّرط، وأسماء الاستفهام، كل ما قيل فيه: إنَّه له صدر الكلام لا يَصِح دخوله في هذا الباب. وهذا فيه معنى التمرين، لأنَّه يقول لك: أخبر عن (أيهم) نقول: لا .. ما يجوز، (أيُّ) هذا سبق في باب الاستفهام أنَّه له حق الصَّدارة فلا يجوز تأخيره.

إذاً: أن يكون قابلاً للتأخير فلا يُخبر عَمَّا يلزم التقديم، وهو ما له صدر الكلام كأسْماء الشَّرط والاستفهام نحو: (من) و (مَا) و (كم) الخبريَّة، و (مَا) التَّعجبيَّة، وضمير الشأن، فلا يُخبر عن (أيهم) من قولك: أيهم في الدار، لأنَّك تقول: الذي هو الدار أيهم، وهذا باطل، فتزيل الاستفهام عن صدريَّتِه. إذً: قَبُولُ تَأْخِيْرٍ أن يكون هذا الاسم قابلاً للتأخير، فإن لم يقبل التأخير فيما إذا كان له صدر الكلام لا يجوز الإخبار عنه بـ: (الَّذِيْ). - (وَتَعْرِيفٍ): أن يكون قابلاً للتَّعريف، وهذا احترز به عن واجب التنكير، وهو الحال والتمييز، لأنَّك لو قلت في: جاء زيدٌ ضاحكاً، أخبر عن (ضاحكاً) بـ: (الَّذِيْ) الذي جاء زيدٌ إياه ضاحكٌ، لأنَّك ستأتي بضمير يَحلُّ مَحلَّ الاسم الذي جعلته خبراً، يَحلُّ مَحلَّه .. مثله، هل يَصِح أن يكون الضمير حالاً؟ إذا قلت: جاء الذي .. الذي جاء إياه .. الذي جاء زيدٌ إياه ضاحكٌ، أخذت (ضاحك) فجعلته خبراً، لا بُدَّ أن تَخلُفه بضمير يكون مَحلَّه، حِينئذٍ جعلت (إياه) حالاً وهو ضمير. حِينئذٍ لا يَجوز أن يكون الضمير حالاً لأن الحال لا يكون إلا نكرة، والضمير لا يكون إلا معرفة، إذاً: مُمتنع، لذلك قال: (قَبُولُ تَأْخيْرٍ وَقَبُولُ تَعْرِيفٍ) فما كان لا يقبل التعريف لا يجوز، لأنَّك ستجعل الضمير قائماً مقام الاسم المسئول عنه .. مثله .. يعرب إعرابه: جاء زيدٌ ضاحكاً .. الذي جاء زيدٌ إياه ضاحكٌ، نقول: جعلت الضمير هنا حالاً وهذا لا يجوز، لأنَّه لا يقبل التعريف. إذاً: الشَّرط الثاني أن يكون قابلاً للتعريف، فلا يُخبر عَمَّا يلزم التنكير كالحال والتمييز، لأنَّك لو قلت في (جاء زيدٌ ضاحكاً): الذي جاء زيدٌ إياه ضاحكٌ، لكنت قد نَصبْت الضمير على الحال وذلك ممتنع، لأنَّ الحال واجب التنكير، لأنَّك ستُخلِف هذا الموضع الاسم المسئول عنه بضميرٍ يُعرب أعرابه، فإذا قلت: الذي جاء زيدٌ إياه، (إياه) حال، كيف يكون (إياه) حال؟ هذا ضمير لا يصح أن يعرب حالاً، لأنَّ الحال واجب التنكير. قَبُولُ تَأْخيْرٍ وَتَعْرِيفٍ لِمَا ... أُخْبِرَ عَنْهُ. . . . . . . . . . . يعني: للذي أخبر عنه .. الاسم الذي أُخْبِر عنه، (هَا هُنَا) في هذا الموضع (قَدْ حُتِمَا) الألف للإطلاق، يعني: تَعيَّن. - (كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ) هذا الشَّرط الثالث: أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بأجنبي، فلا يُخبَر عن الضمير الرَّابط للجملة الواقعة خبراً، يعني: هل يصِح أنْ تَحذف الضمير وتأتي باسمٍ أجنبي كـ: بكر، وعمرو، وزيد، أم لا؟ إنْ صَحَّ حِينئذٍ صَحَّ وإلا فلا.

أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بأجنبي فلا يُخبَر عَمَّا يقع به الرَّبط في الجمل كـ: جملة المبتدأ، وجملة الخبر، وجملة النعت، وجملة الحال، تقول: الضمير يقع رابطاً بين الجملتين، كذلك اسم الإشارة، اسم الإشارة لا يُستغنى عنه باسمٍ ظاهر، والضمير لا يستغنى عنه باسمٍ ظاهر، لو قلت: زيدٌ قام أبوه، أو: زيدٌ هو قائمٌ، جملة: (هو قائمٌ) خبر، ما الرَّابط؟ هو، هل يَصِح أن يَحُل مَحل (هو) عمرو أو بكر، قلت: زيدٌ عمروٌ قائمٌ، ويَصِح الرَّبط؟ لا، إذاً: لا يَصِح أن يَحلَّ محل هذا الضمير أو هذا الاسم ما هو أجنبي، فإذا كان كذلك حِينئذٍ لا يَصِح الإخبار عنه. أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بأجنبي، فلا يُخبَر عَمَّا يقع به الرَّبط، وشَمِل الضمير نَحو: زيدٌ ضربته، واسم الإشارة نحو: زيدٌ ضربت ذلك، (ذلك) لا يُخبَر عنه، لأنَّه لا يَحُل مَحلَّه اسمٌ ظاهر، فلا يُستغنى عنه بأجنبي، كذلك: زيدٌ ضربته، الهاء هنا لا يصح الإخبار عنه، لأنَّه رابط. إذاً: كل ضميرٍ رابطٍ بين جملة المبتدأ والخبر لا يصح الإخبار عنه، سواء كان ضميراً أو اسم إشارة، نَحو: زيدٌ ضربت ذلك، فلا يَجوز الإخبار عن واحدٍ منهما، لأنَّك لو أخبرت عنه للزم أن تضع ضميراً في موضعه يَخلُفه على القاعدة السابقة المُتقدِّمة، وهو قد كان يربط الخبر بالمبتدأ، ثُم زِدْتَ الموصول وهو أيضاً يلزم أنْ يعود عليه ضميرٌ من الصِّلة، وليس في الكلام عندنا إلا ضمير واحد. عندنا رابط بين جملة المبتدأ والخبر، وعندنا ضمير نحتاجه يرجع إلى الصِّلة، أنْتَ أخْلَفْتَ الاسم الظَّاهر ضميراً واحداً، هذا الضمير تنازعه شيئان: إمَّا أنْ يكون عائداً رابطاً للمبتدأ .. خبراً للمبتدأ، وإمَّا أن يكون الضمير عائداً للصِّلة، إمَّا هذا أو ذاك هو واحد، إنْ جعلته للمبتدأ .. عائداً على المبتدأ حِينئذٍ تَخلَّت الصِّلة عن ضمير يعود الموصول وهذا مُمتنع، وإنْ جعلت الضمير عائداً على الاسم الموصول حِينئذٍ خَلَت الجملة الخبرية من ضميرٍ يعود على المبتدأ. إذاً: وليس في الكلام غير ضميرٍ واحدٍ وهو المَجْعُول خَلَفْ المُخْبَر عنه، فإن أعَدْتَه على المبتدأ أبقي الموصول بلا ضمير، وإن أعدته على الموصول بقي المبتدأ يلا ضمير فامتنع الإخبار، يعني لو قيل لك: أخْبِر عن الضمير: الذي زيدٌ ضربته هو، (زيدٌ ضربته) أخبر عن الضمير، تقول: الذي زيدٌ ضربته هو، لأنَّ الضمير انفصل: زيدٌ ضربته، أخبر عن الضمير، انفصل .. صار (هو) جعلته مُتأخِّراً وجئت بـ: (الَّذِيْ) مبتدأ .. الذي هو، (هو) من أين جاء هذا؟ الضمير المتَّصِل (ضربته) تأخذ الجملة توسِّطها بين (الَّذِيْ) والخبر: الذي ضربته هو، (الذي) مبتدأ، و (هو) خبر. طيب! الذي زيدٌ ضربته، أخْلَفت الضمير الذي أخذته ضمير مَحلَّه، حِينئذٍ (ضربته) هذا الضمير إمَّا أنْ يعود إلى (زيد) وهو المبتدأ لأنَّ الجملة خَبَريَّة هنا، وإمَّا أن يعود إلى الاسم الموصول وهو واحد، إنْ أعَدْتَه إلى (زيد) امتنع أن يكون للموصول، إنْ أعَدْتَه للموصول امتنع أن يكون لـ: (زيد) حِينئذٍ امتنع في هذا التركيب إذا كان الاسم المسئول عنه رابطاً بين الجملتين: زيدٌ ضربته .. الذي زيدٌ ضربته هو.

(ضربته) الضمير هنا إمَّا أن يعود على (زيد) فحِينئذٍ خَلَت الصِّلَة عن الضمير، وإمَّا أن يعود على (الَّذِيْ) وحِينئذٍ (ضربته) هذه جملة خبَريَّة، أين العائد على (زيد)؟ لا يوجد، هو واحد لا يُمكن أن يعود على شيئين مختلفين، فلذلك امتنع. (كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ) إذاً: عرفنا أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بأجنبي، (أَوْ بِمُضْمَرٍ) أن يكون صالحاً للاستغناء عنه بضمير، قيل: هذا الشَّرط مغنٍ عن اشتراط الثاني: تعريفٍ بِمضمرٍ، هذا شرطٌ في الحقيقة واحد، ولذلك في: (شرح الكافيَّة) قال: " زِدْتُه لزيادة الإيضاح " لبيان فقط، لو ترك هذا الشَّرط لعُلِم من الشَّرط الرابع: (تَعْرِيْفٍ)، ولو ترك: (بِمُضْمَرٍ) لعُلِم من الشَّرط الثاني، كلٌ منهما مؤداه واحد. وهذا الشَّرط مغنٍ عن اشتراط الثاني، لأنَّ ما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار، لأنَّه في الأول اشترط التعريف، والرابع هنا اشترط الإضمار .. يجوز إضماره، وما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار. أن يكون صالحاً للاستغناء عنه (بِمُضْمَرٍ) فلا يُخبَر عن الموصوف دون صفته، إذا كان عندنا موصوف وصفته لا بِخبر عن واحد منهما دون الآخر، ولا عن المضاف دون المضاف إليه، لأنَّ ذلك كله لا يُستغنى عنه بِمضمرٍ، وكذلك لا يُخبَر عن الاسم المُجرَّد المجرور بـ: (حتى)، أو بـ: (مُذ)، أو (منذ)، لأنَّ هذه ملازمة للظاهر، وأنْتَ ستضع مَحلَّه ضمير، فكيف تدخل (مُذْ) على الضمير، أو (حتى) على الضمير؟ نقول: هذه مُختصَّة بِجر الاسم الظاهر. ويُشترط في الاسم الذي يخبر عنه بـ: (الَّذِيْ) أن يَحلَّ مَحلَّه ضمير هذه القاعدة، لا يجوز أن تأخذه إلا أوقعت مكانه ضمير، إذاً: ما لا يَجُر الضمير لا يمكن تُوقِع مَحلَّه الضمير فامتنع. لأنَّهنَّ لا يَجررنَّ إلا الظاهر، والإخبار يستدعي إقامة ضمير مقام المخبر عنه كما تَقدَّم. فلا تخبر عن رجل وحده من قولك: ضربت رجلاً ظريفاً، أخبر عن (رجلاً) بـ: (الَّذِيْ) تقول: لا يَصِح، لأنَّ (رجلاً) هنا الموصوف، حِينئذٍ لا بُدَّ إمَّا أن يُقال: أخبر عن رجلاً ظريفاً معاً أو لا، أمَّا (رجلاً) لوحده، أو (ظريف) لوحده فلا. فلا تقول: الذي ضربته ظريفاً رجلٌ، هذا فاسد، لأنَّك لو أخبرت عنه لوضعت مكانه ضميراً، وحِينئذٍ يلزم وصف الضمير: الذي ضربته ظريفاً رجلٌ، (ظريفاً) ما إعرابه؟ ضربت رجلاً ظريفاً، (ظريفاً) هذا نعت لـ: (رجل) أنْتَ أخَذْتَ (رجل) ووضعت مكانه ضمير، إذاً: (ظريفاً) صار نعتاً للضمير والضمير لا يُنْعَت، إذاً: لا يصح. ضربت رجلاً ظريفاً، فلا تقول: الذي ضربته ظريفاً رجلٌ، (ضربته) الضمير هنا وضعته موضع (رجل)، و (ظريفاً) بقي على حاله، و (رجلٌُ) رفعته على أنَّه خبر، إذاً: الإعراب يصير هكذا: (ضربته) فعل وفاعل ومفعولٌ به، و (ظريفاً) نعتٌ للمفعول به الذي هو الضمير، وهذا فاسد لأنَّ الضمير لا يُنْعت، لأنَّك لو أخبرت عنه لوضعت مكانه ضميراً، وحِينئذٍ يلزم وصف الضمير، والضمير لا يوصف ولا يوصف به، فلو أخبرت عن الموصوف مع صفته جاز ذلك لانتفاء هذا المحذور.

الذي ضربته رجلٌ ظريفٌ، لا إشكال فيه، يعني: أخبر عن رجلاً ظريفاً بـ: (الَّذِيْ) تقول: الذي ضربته رجلٌ ظريف، لا إشكال صار (ظريف) على الأصل أنَّه نعت لـ: (رجل). وكذلك لا تُخبِر عن المضاف وحده، فلا تخبر عن (غلام) وحده من قولك: ضربت غلام زيدٍ، لأنَّك تضع مكانه ضمير، والضمير لا يكون مضافاً، فلو أخبرت عنه مع المضاف إليه معاً حِينئذٍ جاز لانتفاء المانع، فتقول: الذي ضربته غلام زيدٍ. إذاً: هذه أربعة شروط لا بُدَّ من توفُّرِها في الاسم الذي يُقال: (أَخْبِرْ عَنْهُ بِالَّذِيْ): - الأول: (قَبُولُ تَأْخِيْرٍ) أن يكون قابلاً للتَّأخير، احترز به عن ما له صدر الكلام. - (وَتَعْرِيفٍ) احترز به عن لازم التَّنْكِير، وهو الحال والتمييز. - (كَذَا الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ) يستغنى عنه بأجنبي، يعني: بلفظٍ منفصل، احترز به عن الرَّابط في جملة الخبر، وعن اسم الإشارة، في هذين الموضعين. - (أَوْ بِمُضْمَرٍ) قلنا: هذا هو عين السَّابق .. التعريف. (الْغِنَى عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ) (أَوْ) قلنا: بمعنى الواو، لأنَّ هنا الشُّروط، (شَرْطٌ) هذا خبر، (فَرَاعِ مَا رَعَوْا) تتميم، هذه أربعة شروط. الخامس يُزاد عليه: جواز وروده في الإثبات، يعني: ألا يلزم النَّفي، مرَّ معنا مراراً: (أحدٌ) و (ديَّار) و (عِرِّيب) هذه كلَّها ملازمة للنَّفي، حِينئذٍ لا يُقال: ما في الدار أحدٌ، أخبر عن (أحدٍ) بـ: (الَّذِيْ) الذي في الدار هو أحدٌ، ما يَصِح هذا! لأنَّك جعلته في سياق الإثبات .. في الإيجاب، وهو لا يكون إلا نفياً. إذاً الخامس: جواز وروده في الإثبات، فلا يُخبر عن (أحدٍ) ونحوه من نحو: ما جاءني أحدٌ، لأنَّه لو قيل: الذي جاءني أحدٌ، (أحدٌ) صار في سياق الإثبات وهذا مُمتنع، لزم وقوع (أحد) في الإيجاب، هذا الخامس: جواز وروده في الإثبات. السادس: كونه في جملةٍ خبريَّة، فلا يُخبر عن الاسم في مثل: اضرب زيداً، (اضرب زيداً) أخبر عن (زيد) لماذا؟ هنا نقول: لا بُدَّ أن يكون في جملة خبريَّة لا طلبيَّة، لا يَصِح أن تقول: اضرب زيداً .. أخبر عن (زيداً) بـ: (الَّذِيْ) لا يصح .. لا تكون طلبيةً .. هو هذا التبرير .. هذا المقصود. (اضرب) توسِّطه بين (الَّذِيْ) والخبر، إذاً: سيكون جملة الصِّلة ولا تكون جملة طلبيَّة. كونه في جملة خبريَّة، فلا يُخبر عن الاسم في مثل: اضرب زيداً، لأن الطَّلب لا يقع صلةً. السابع: ألا يكون في إحدى جملتين مستقلتين، (زيدٌ) من نحو: قام زيدٌ وقعد عمروٌ، يعني: جملتين لا، وإنَّما جملة واحدة، وإلا يلزم بعد الإخبار عطف ما ليس صِلةً على الذي استقرَّ أنَّه صِلَة بغير الفاء، فإن كانتا غير مستقلتين بأن كانتا في حكم الجملة الواحدة كجملتي الشَّرط والجزاء جاز الإخبار لانتفاء المحذور.

فتقول في الإخبار عن (زيد) من نحو: إن قام زيدٌ قام عمروٌ، إن كان جملة واحدة جاز، أمَّا جملتين مستقلتين لا: إن قام زيدٌ قام عمروٌ، أخبر عن (زيد) بـ: (الَّذِيْ) تقول: الذي إنْ قام قام عمروٌ زيدٌ، جعلت (زيد) مُتأخِّر، وعن (عمروٍ) تقول: الذي إن قام زيدٌ قام عمروٌ، لأنَّه لا بُدَّ من أنْ يُجعل التركيب هنا جملة شرطيَّة على الأصل، ولذلك لا بُدَّ أنْ يُصدَّر بـ: (إنْ). إذاً: ألا يكون في إحدى جملتين مستقلتين، يعني: كلٌ منهما معطوف على الآخر، فإن كان جملة واحدة كجملة الشَّرط جاز. الثامن: جواز استعماله مرفوعاً، فلا يُخبَر عن لازم النَّصب كالمصادر والظروف التي تلازم النَّصب: (سُبحان) لا يُقال: أخبر عن (سُبحان) بـ: (الَّذِيْ)، لأنَّك ستجعله خبراً فستخرجه عمَّا استقرَّ له في لسان العرب. (عِنْدَ) لا يُقال: أخبر عن (عِنْدَ) بـ: (الَّذِيْ)، قلنا: هذا لا يصح لأنَّ (عِنْدَ) ملازمة للنَّصب. وَأَخْبَرُوا هُنَا بِأَلْ عَنْ بَعْضِ مَا ... يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ قَدْ تقَدَّمَا إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لأَلْ ... كَصَوْغِ وَاقٍ مِنْ وَقَى اللهُ الْبَطَلْ هذا النوع الثاني، لأنَّه قال: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) يعني: يُخبر بـ: (أل) الموصولة، لأنَّ المراد (أل) الموصولة، نحن نبحث الآن في: (الإِخْبَارُ بِالَّذِي وَالأَلِفِ وَاللاَّمِ) الموصولة .. نُقيِّدُها! (وَأَخْبَرُوا) من؟ النُّحاة هنا، ويَحتمل أنَّهم العرب، لأنَّهم لا يَخرجون عن التراكيب: الذي ضربته زيدٌ، هذا تركيب عربي .. ليس فيه إشكال، مبتدأ وخبر، وجملة الصِّلَة، لأنَّ الكلام لا يشترط فيه الآحاد أنْ يكون مسموعاً، أنْ يكون مقيساً، وهذا كلام مقيس، الذي ضربته زيدٌ هذا كلام مقيس، إذاً: يَحتمل، وإن كان الظَّاهر المراد به النُّحاة. (وَأَخْبَرُوا) أي: النُّحاة، (هُنَا) ظرف مُتعلِّق بقوله: (أَخْبَرُوا)، (بِأَلْ) أخْبِر عن (زيد) بـ: (أَلْ) ليس بـ: (الَّذِيْ) وإنَّما بـ: (أَلْ) فتجعل (أَلْ) هي المبتدأ. (وَأَخْبَرُوا هُنَا بِأَلْ) الموصولة: . . . . . . . عَنْ بَعْضِ مَا ... يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ قَدْ تقَدَّمَا يعني أنَّ الإخبار يكون بـ: (أَلْ) كما يكون بـ: (الَّذِيْ)، لكن قيَّده النَّاظِم هنا: (عَنْ بَعْضِ) يعني: عن مسئولٍ هو جزء في الكلام، يعني: به (زيد) مثلاً، ضربت زيداً .. أخبر عن (زيد) بـ: (أَلْ). . . . . . . . عَنْ بَعْضِ مَا ... يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ. . . . . . إذاً: هذا تقييد، الذي يُسأل عنه بأن يُخبر عنه بـ: (أَلْ) لا بُدَّ أنْ يكون جملة فعليَّة، بخلاف (الَّذِيْ) فلا يُشترط فيه، فعمَّم هناك بأنَّه يُسأل عن الاسم لو كان في جملةٍ فعليَّة أو جملة اسْميَّة فهو عام، وأمَّا هنا هذا مِمَّا خالفت فيه (أَلْ) (الَّذِيْ) وفروعه. حِينئذٍ يُشترط في المسئول عنه أخبر عنه بـ (أَلْ): أن يكون في جملة فعليَّة. (عَنْ بَعْضِ) يعني: جزءٍ من الكلام، (بَعْضِ مَا) .. (مَا) واقعة على الأسماء المشتملة عليها الجملة، (يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ) في ذلك التركيب (قَدْ تقَدَّمَا) هذا شرطٌ ثاني: - كونه مُتقدِّماً، فلو تأخَّر لَم يَجُز.

- (إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لأَلْ) هذا شرطٌ ثالث. إذاً: يشترط في (أَلْ) في صِحَّة الإخبار بها عن الاسم المسئول عنه بعشرة شروط: السبعة المتقدِّمة أو الثمان - زدنا ثامناً - وهذه الثلاثة التي معنا: الأول: أن يكون المخبر عنه من جملة فعليَّة، احترازاً عن الجملة الاسْميَّة، وهذا أشار إليه بقوله: . . . . . . . عَنْ بَعْضِ مَا ... يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ. . . . . . أشار إلى أنَّ الجملة لا بُدَّ أن تكون فعليَّة. ثانياً: أن يكون فعلها مُتقدِّماً بقوله: (قَدْ تقَدَّمَا). الثالث: أن يكون فعلها مُتصرِّفاً لا جامداً، لأنَّه قال: (إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ) لأنَّ (أَلْ) سبق معنا: أنَّ صلتها يكون مشتقاً، إذاً: الفعل الذي تَصدَّر لا بُدَّ أن يكون مِمَّا يشتق منه اسم فاعل واسم مفعول، إذا كان جامداً كيف نأتي بصلة: (أَلْ)؟! إذاً: هذا مُمتنع، إذاً: ثلاثة شروط على السبعة أو الثمانية السابقة، تصير عشرة أو أحد عشر شرطاً: - أنْ يكون المُخبَر عنه من جملة فعليَّة. - وأن يكون فعلها مُتصرِّفاً. - وأن يكون مُتقدِّماً. فلا يُخبَر بـ: (أَلْ) عن (زيد) من قولك: زيدٌ أخوك، لو قال لك: أخبر عن (زيد) بـ: (أَلْ) تقول: ما يصح لأنَّ الجملة هنا (زيد) في جملة اسْميَّة، كيف أشتق اسم فاعل اسم مفعول والجملة ليس فيها فعل؟! إذاً: يِمتنع، لأنَّ (أَلْ) لا بُدَّ أنْ يتلوها صفةٌ: وَصِفَةٌ صَرِيحَةٌ صِلَةُ أَلْ .. تُطبِّق هذه القاعدة، فإذا كانت الجملة الاسْميَّة مشتملة على الاسم المسئول عنه امتنع. ولا من قولك: عسى زيدٌ أن يقوم، أخبر عن (زيد)، نقول: هذا مُمتنع، لأنَّ (عسى) جامد، كيف نقول: العاسي؟! ما يصح هذا! كذلك: نعم زيدٌ أن يقوم، ولا من قولك: ما زال زيدٌ عالماً، المنفي كذلك لا يُشتَق وهنا تَقدَّم عليه، (ما زال) لَم يَتصدَّر، لا بُدَّ أن يكون مُتصدِّراً في أول الجملة. ما زال زيدٌ عالماً لتقدمه، ويُخبِر عن كلٍّ من الفاعل والمفعول في نَحو قولك: (وَقَى اللهُّ الْبَطَلْ) الذي ذكره النَّاظم. إذاً: (وَأَخْبَرُوا) أي: النُّحاة، ويَحتمل العرب، (هُنَا) هذا ظرف مكان مُتعلِّق بـ: (أَخْبَرُوا)، (بِأَلْ) الموصولة، (عَنْ بَعْضِ) يعني: جزء الكلام، لأنَّ المسئول عنه اسمٌ يكون جزءاً، (بَعْضِ مَا) بعض الذي، (يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ) يعني: في ذلك البعض، حِينئذٍ خَصَّص الجملة التي يسأل عن الاسم الذي اشتملت عليه الجملة أن يكون فعليَّة، (قَدْ تقَدَّمَا) هذا شرطٌ ثانٍ، الألف للإطلاق. (إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ) (مِنْهُ) الضمير هنا يعود على .. من الفعل المتقدِّم، (إِنْ صَحَّ صَوْغُ) (صَوْغُ) يعني: اشتقاق، (صِلَةٍ)، (صَوْغُ) هذا فاعل وهو مصدر مضاف إلى مفعوله، صوغك أنْتَ (صِلَةً) يعني: صِلَة (أَلْ)، (مِنْهُ) من ذلك الفعل المتقدِّم، (لأَلْ) مُتعلِّق بـ: (صَوْغُ).

(كَصَوْغِ وَاقٍ) هذا مصدر مضاف إلى المفعول، (مِنْ) قولك: (وَقَى اللهُّ الْبَطَلْ) لو قيل: أخبر عن لفظ الجلالة بـ: (أَلْ) ماذا تقول؟ الواقي .. لا بُدَّ .. اشتققت من (وقا) الفعل .. الواقي، ثُم تَجعل لفظ الجلالة خبراً، (الْبَطَلْ) الواقي البطلَ اللهُ، طيب! أخْبِر عن (البَطل) بـ: (أَلْ)، تجعل (البطل) متأخِّراً، ثُم تَجعل (أَلْ) ومعها الصِّفة المشتقة (الواقي). (البطل) هذا منصوب على ماذا؟ المفعوليَّة، أما قلنا: تأخذه وتضع محله ضمير؟ الواقيهِ اللهُ - بقي الفاعل كما هو – الواقيه اللهُ البطلُ، جعلته خبراً. إذا قيل: أخبر عن (البطل) من قولك: وقى الله البطل، حِينئذٍ تقول: الواقي، ثُم: اللهُ .. البطلُ، ثُم تأتي بضمير محل المفعول الذي رفعته على أنَّه خبر: الواقيه. إذاً: (إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لأَلْ) الجواب محذوف .. إنْ صَحَّ فأخْبِر، وإنْ لم يَصِح فلا تخبر. (وَأَخْبَرُوا هُنَا بِأَلْ عَنْ بَعْضِ مَا) (مَا) قلنا: الواقعة على الأسماء المشتملة عليها الجملة، (يَكُونُ فِيْهِ الْفِعْلُ) أي: أنَّ الإخبار بالذي يكون بالجملة الاسْميَّة والفعليَّة كما سبق، والإخبار بـ: (أَلْ) لا يكون إلا بالجملة الفعليَّة. (إِنْ صَحَّ صَوْغُ صِلَةٍ مِنْهُ لأَلْ) هذا مُتعلِّق بـ: صوغ منه، (لأَلْ) إذ لا يَصِح صَوْغ صِلَة (أَلْ) من الجامد ولا من المنفي، (كَصَوْغِ وَاقٍ مِنْ) قولك: (وَقَى اللهُّ الْبَطَلْ) أي: الشُّجاع. قال الشَّارح: يُخبَر بـ: (الَّذِيْ) عن الاسم الواقع في جملة اسْميَّة أو فعليَّة، فتقول في الإخبار عن (زيد) من قولك: زيدٌ قائم .. الذي هو قائمٌ زيد، وتقول في الإخبار عن (زيد) من قولك: ضربت زيداً .. الذي ضربته زيد - هذا واضح سبق - ولا يُخبَر بالألف واللام عن الاسم إلا إذا كان واقعاً في جُملة فعليَّة، وكان ذلك الفعل مِمَّا يَصِح أن يُصاغ منه صلة الألف واللام كاسم الفاعل واسم المفعول – لا بُدَّ أن تكون الجملة فعليَّة –. ولا يُخبَر عن الألف واللام عن الاسم الواقع في جملة اسْميَّة، ولا على الاسم الواقع في جملة فعليَّة فعلها غير مُتصرِّف، لأنه انتفى الشَّرط: (إِنْ صَحَّ صَوْغُ) هذا لم يِصح، كـ: (الرجل) من قولك: نِعْم الرجل، أخْبِر عن (الرجل) بـ: (أَلْ) ما يَصِح هذا. إذ لا يَصِح أن يستعمل من (نِعْم) صلة الألف واللام – لا يشتق منه اسم فاعل ولا اسم مفعول -. وتُخبِر عن الاسم الكريم من قولك: وقى الله البطل، فتقول: الواقي البطل الله، وتخبر أيضاً عن (البطل) فتقول: الواقيه لله البطل. وَإِنْ يَكُنْ مَا رَفَعَتْ صِلَةُ أَلْ ... ضَمِيرَ غَيْرِهَا أُبِينَ وَانْفَصَلْ (وَإِنْ يَكُنْ) هذا شرط، (مَا) اسم (يَكُنْ) موصولة واقعة على الضمير العائد على غير (أَلْ). (وَإِنْ يَكُنْ مَا رَفَعَتْ صِلَةُ أَلْ) .. (رَفَعَتْ صِلَةُ) .. (صِلَةُ) هذا فاعل، وأين المفعول؟ (رَفَعَتْهُ) ضميرٌ يعود على (مَا) .. (رَفَعَتْهُ صِلَةُ أَلْ ضَمِيرَ غَيْرِهَا) الأصل في اسم الفاعل الذي هو مدخول (أَلْ) أن يرفع ضميراً مستتراً يعود على (أَلْ) هذا الأصل فيه:

الضارب زيداً .. الضارب هو، (هو) ضمير مستتر يعود على (أَلْ) هذا الأصل فيه، حِينئذٍ إذا عاد على (أَلْ) رجع الضمير إلى ما هو له فيبقى على استتاره، وإذا رجع الضمير إلى غير (أَلْ) حِينئذٍ نقول: عاد الضمير على غير ما هو له فوجب أنْ ينفصل، لذلك قال: (أُبِينَ وَانْفَصَلْ) .. (انْفَصَلْ) بِمعنى: (أُبِينَ). (وَإِنْ يَكُنْ مَا رَفَعَتْهُ صِلَةُ أَلْ) ما الذي رفع؟ ليست (أَلْ) هي، وإنَّما (صِلَةُ أَلْ) الذي هو اسم الفاعل واسم المفعول هو الذي يرفع وهذا واضح، كونه معتمداً على (أَلْ). (وَإِنْ يَكُنْ مَا) الذي .. هذا اسم (يَكُنْ)، (مَا رَفَعَتْ صِلَةُ أَلْ ضَمِيرَ) هذا خبر (يَكُنْ) منصوب، (ضَمِيرَ غَيْرِهَا) يعني: غير (أَلْ)، (أُبِينَ) هذا جواب الشَّرط، (وَانْفَصَلْ) .. (أُبِينَ وَانْفَصَلْ) فُهِم منه: أنَّ الضمير إذا كان لـ: (أَلْ) وجب اتِّصاله، لأنَّه قيَّده: (ضَمِيرَ غَيْرِهَا أُبِينَ وَانْفَصَلْ) مفهومه: إذا كان ضميرها اتَّصل واستتر. فُهِم منه: أنَّ الضمير إذا كان لـ: (أَلْ) وجب اتِّصاله، نَحو: أخبر عن (التاء) من: ضربت زيداً، بـ: (أَلْ) قلت: الضارب زيداً أنا، ضربت زيداً، أخبر عن (التاء) تفصلها: أنا، الضارب زيداً أنا، (الضارب) الضمير المستتر هنا يعود على (أَلْ)، إذاً: لا يَحتاج إلى أن يُبْرز. الضارب زيداً أنا، فـ: (الضارب) فيه ضمير مستتر عائد على (أَلْ) مستتر واجب الاستتار، وأمَّا: ضربت زيداً، إذا قيل: أخْبِر عنه، قلت: الضاربه أنا زيدٌ، فالضمير العائد على (أَلْ) وهو (أنا) ضمير غيرها فوجب إظهاره. ضربت زيداً، أخبر عن (زيد) بـ: (أَلْ) تقول: الضاربه زيدٌ، (الضارب) فيه ضمير يعود على (أَلْ) أو على (زيد)؟ على زيد، فحِينئذٍ وجب إبرازه، الضَّاربُه أنا زيدٌ، إذاً: ضربتُ زيداً، إذا أخبرت عن (زيد) تقول: الضَّاربُه أنا زيدٌ، فالضمير العائد على (أَلْ) وهو (أنا) ضمير غيرها فوجب إظهاره .. الضاربه أنا زيدٌ. قال هنا الشَّارِح: الوصف الواقع صِلَة لـ: (أَلْ) إن رفع ضميراً – هو يرفع ضمير – فإمَّا أنْ يكون عائداً على الألف واللام، أو على غيرها، فإن كان عائداً عليها استتر، وإن كان عائداً على غيرها انفصل .. وجب إظهاره، فإذا قلت: بَلَّغْت من الزَّيْدَين إلى العمرين رسالةً، فإن أخبرت عن التاء في: (بَلَّغْت) ماذا تقول؟ المُبلِّغ من الزَّيْدَين إلى العمرين رسالةً أنا، الجملة كما هي، فقط: المبلِّغ أنا، فَصَلْت الضمير لأنَّه (التاء) بَلَّغْت، إذا قيل: أخبر عن التاء وجب فَصْلُه، لأنَّك ستجعله خبراً. المبلِّغ أنا، إذاً: الضمير مستتر هنا وعاد إلى (أَلْ) فلا يحتاج إلى إبرازه، ففي المبلِّغ ضميرٌ عائدٌ على الألف واللام فيجب استتاره، لأنَّه في المعنى لـ: (أَلْ) لأنَّه خَلَفٌ عن ضمير المُتكلِّم، و (أَلْ) للمتكلِّم لأنَّ خبرها ضمير المتكلِّم والمبتدأ نفسه الخبر.

وإن أخْبَرت عن (الزَّيْدَين) من المثال المذكور قلت: المبلِّغ أنا منهما إلى العمرين رسالةً الزَّيدان، فـ: (أنا) مرفوعٌ بـ: (المبلِّغ) .. المبلِّغ أنا، وليس عائداً على الألف واللام، لأنَّ المراد بالألف واللام هنا مُثنَّى وهو المُخبَر عنه فيجب إبراز الضمير: المبلِّغ أنا الزَّيدَان، فـ: (أنا) مرفوعٌ بـ: (المبلِّغ) وليس عائداً على الألف واللام، لأنَّ المراد بالألف واللام هنا مُثنَّى، وحِينئذٍ لا بُدَّ من التطابق، لكن من جهة المعنى. وإن أخبرت عن (العمرِين) من المثال المذكور، قلت: المبلِّغ أنا من الزَّيْدَين إليهم، (إليهم) حذفت (العمرين) وجئت بـ: (إلى) والضمير، رسالةً العمرون، فيجب إبراز الضمير. وكذا يجب إبراز الضمير إذا أخبرت عن (رسالة) من المثال المذكور، لأنَّ المراد بالألف واللام هنا الرسالة، والمراد بالضمير الذي ترفعه صلةُ (أَلْ) المتكلِّم، فتقول: المبلِّغُها أنا من الزَّيْدَين إلى العمرين رسالة. إذاً: في موضعٍ واحد يكون الضمير فيه مستتراً، وهو إذا أخبرت عن (التاء)، وأمَّا إذا أخبرت عن اسمٍ ظاهرٍ من هذه الأحوال الثلاثة: (الزَّيْدَين) أو (العَمْرِين) أو (الرسالة) حِينئذٍ وجب إبراز الضمير. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

116

عناصر الدرس * شرح الترجمة (العدد) وحده * الأعداد من (3_10) وتمييزها * تمييز المائة والألف * الأعداد المركبة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظِم - رحمه الله تعالى -: (الْعَدَدُ) (الْعَدَد) هذا كسبب وبطل، على وزن (فَعَل) وهو في اللغة: اسمٌ للمعدود، والمراد هنا: الألفاظ الدَّالة على المعدود، المعدود مثلًا: كتاب .. كتابان .. ثلاثة .. أربعة، المعدود نفس الكتاب، واللفظ الذي دلَّ على العدد هو الذي عناه النَّاظم هنا، فـ: (الْعَدَد) لفظٌ له لفظ، والمعدود: الشيء الذي حُسِب وعُدَّ، هذا معناه في اللغة: اسمٌ للمعدود. وفي الاصطلاح: المشهور أنَّه .. وإلا الأصل أنَّه لا يَحتاج إلى التعريف، العدد معروف: الواحد والاثنان والثلاث .. إحدى عشر .. عشرون .. الألف .. المائة، ما يحتاج إلى تعريف، لكن جَرَت عادة النُّحاة أنَّهم يُعرِّفونه بقولهم: ما يساوي نصف مجموع حاشيتيه الصغرى والكبرى، كل عدد إلا الواحد له حاشيتان: صغرى وكبرى. مثلًا: ثلاثة، يقال: له حاشية صغرى، يعني: العدد الذي هو دونه الاثنان، فالاثنان بالنِّسبة للثلاث حاشية صغرى، والأربعة بالنِّسبة للثلاث حاشية كبرى، تجمعهما الحاشية الصغرى والكبرى ثُم تقسمها على اثنين يطلع العدد، فالاثنان مثلًا: واحد وثلاثة أربعة، تقسمه على اثنين خرج العدد، كذلك الخمسة: أربعة وستة هذه عشرة، تقسمها على اثنين خمسة. كذلك العشر مثلًا: تسعة وأحد عشر، تجمعهما الحاشية الصغرى والكرى عشرون، حِينئذٍ تقسمه على اثنين يعطيك عشرة .. نصفها، لكن ما في فائدة من هذا. على كلٍّ: هكذا قالوا: ما يساوي نصف مجموع حاشيتيه الصغرى والكبرى، وقيل: القريبتين كذلك، أو البعيدتين لكن مع التَّساوي، يعني: بالنسبة للأربعة مثلاً: له حاشية سفلى قريبة، وحاشية سفلى بعيدة، كل ما كان دون الأربعة مثلاً فهو حاشية سفلى: قريبة وبعيدة، قريبة واحدة مثلاً: ثلاثة، والاثنان حاشية سفلى لكنَّها بعيدة، والخمسة حاشية كبرى قريبة، والست بعيدة. إذا جمعت القريبتين مباشرًة حِينئذٍ نقول: تقسم العدد على اثنين، كما ذكرناه، كذلك البعيدتان، يعني: بالنسبة للأربعة: الاثنين والست، ست واثنين ثمانية، تقسم على اثنين بأربعة. إذًا: بشرط أن تكون البعيدة متقاربة، يعني: في مرتبة واحدة، يعني: تأخذ الاثنين بالنسبة للأربعة والست بالنسبة للأربعة، ما تأخذ الاثنين وتأخذ السبعة لا، هنا لم يتوافقا، لأنَّ الذي بين الاثنين والأربعة واحد، يعني: مرتبة واحدة، وبين السبع والأربعة مرتبتان، حِينئذٍ ما يعطيك النتيجة. إذًا: ما ساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين أو البعيدتين على السواء، هكذا عرَّفه النُّحاة. إذًا: المراد بالعدد هنا: الألفاظ الدالة على المعدود: ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ فِي الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ ... جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ (ثَلاَثَةً) بدأ بالثلاثة لأنَّ الواحد والاثنين يخالفان الثلاثة والعشرة في حكمين، الثلاثة والعشرة وما بينهما لهم حكمٌ خاص، وهو ما يُعنوَن له عندهم في هذا الباب بـ: (مخالفة القياس) والواحد والاثنان موافقين للقياس.

أولاً: يُذكَّران مع المُذكَّر، يعني: الواحد والاثنان، يُذكَّران مع المُذكَّر، ويؤنَّثان مع المؤنَّث، يقال: واحد واثنان، ويقال: واحدة واثنتان، في المؤنَّث: (واحدة) بالتاء، و (اثنتان) كما سبق في باب المثنَّى، وواحدٌ واثنان يُقال في المُذكَّر. وأمَّا الثلاثة وأخواتها فهذه تجري على العكس من ذلك، ولذلك إذا وافق العدد المعدود تذكيرًا وتأنيثًا قيل: وافق القياس، هذا الأصل، لأنَّ الصِّفة توافق الموصوف في التذكير والتأنيث، وأمَّا إذا خالف فيُقال فيه على غير القياس، أو: مخالفٌ للقياس، وهنا الواحد والاثنان باعتبار التَّذْكير والتَّأنيث موافقان للقياس، فيُذكَّر مع المذكر ويؤنَّث مع المؤنَّث. وأمَّا الثلاثة والعشرة وما بينها، فالعشرة المراد بها قبل التركيب .. إذا لم تُركَّب، حِينئذٍ نقول: تجري على خلاف القياس، هذا الحكم الأول. الحكم الثاني: أنَّهما لا يُجمع بينهما وبين المعدود، إذا عَدَدْتَ شيئًا بواحد لا تقل: واحد رجلٍ، تقول: عندي واحد، أو: رجلٌ واحدٌ، حِينئذٍ يصير نعتًا، أمَّا المعدود الذي هو التمييز تضيفه إليه هذا مُمتنع، واحد رجلٍ هذا لا يَصِح، كذلك لا يُقال: اثنا رجلين، هذا لا يَصِح، لماذا .. ما التَّعليل - وهذا يُخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما -؟ لأنَّ قولك: رجلٌ واحد، لفظ: (رجل) يُفيد الجنسيَّة ويُفيد الوحدة، كما سبق معنا في باب: (لا) النَّافية للجنس. فإذا قلت: لا رجل، حِينئذٍ سُلِّط النفي هنا على الجنس، إذًا: (رجل) يدلُّ على الجنس، ونَفْسُه يدلُّ على الوحدة .. من اللفظ يدلُّ على الوحدة، وقولك: رجلان، يُفيد الجنسيَّة وشَفْع الواحد، يعني: واحدٌ وزيادة، (رجلان) دلَّ على التَّثنيَّة. (رجلان) يفيد الجنسيَّة وشَفْع الواحد، فلا حاجة حِينئذٍ للجمع بينهما، فلا يُقال: واحد رجلٍ، لأنَّ مدلول الواحد دلَّ عليه لفظ رجل، ماذا تريد بـ: واحد رجلٍ؟ تريد على أنَّ الرجل معدود بالواحد، إذًا: رجل لوحده دلَّ على الواحد والواحد مدلول الرَّجل، إذًا: لا فائدة من الجمع بينهما، وإنَّما يعتبر تكرارًا وحشوًا. كذلك: اثنان رجلان، (رجلان) يدلُّ على ماذا؟ يدلُّ على شفع الواحد، يعني: واحد وزيادة وهو ما دلَّ عليه لفظ اثنان، إذًا: لا حاجة أنْ يُقال: اثنا رجلين، نقول: هذا لا يَصِح. وأمَّا البواقي فلا تُستفاد العِدَّة والجنس إلا من العدد والمعدود جميعًا، إذا قيل: ثلاثة رجال، (رجال) لا يدلُّ على الثلاثة فحسب، وإنَّما قد يكون المراد بـ: (الرجال) ثلاثة فما زاد وليس خاصًَّا بالثلاثة، هو موضوع لأقلِّ الجمع ثلاثة فصاعدًا، لكنَّه ليس نصًا ولا مفهومًا أنْ يراد به الثلاثة فحسب، بخلاف (رجلين) إنَّما يدل به العدد اثنان فقط، (رجل) يدلُّ على واحد.

إذًا: مفهومه الدلالة على العدد .. يفهم العدد منه، وأمَّا (رجال) فهذا لا يفهم منه العدد، فلا يُقال بأنَّ (ثلاثة) هي داخلةٌ في الرجال نعم صحيح، لكن من حيث إنَّ (رجال) يدلُّ على جمع، يعني: اثنان فصاعدًا، أو إن شئت قل: ثلاثة فصاعدًا، حِينئذٍ أقلُّ الجمع ثلاثة، لكن هل لفظ (رجال) موضوعٌ لِمَا دلَّ عليه (ثلاثة)؟ لا، لأنَّه قد يكون عشرة، ثُم خصَّصْته فقلت: ثلاثة رجال، فهو قابلٌ للتَّخصيص بالعدد. إذًا: ما عدا الواحد والاثنين فلا تستفاد العِدَّة والجنس إلا منهما جميعًا الذي هو العدد والمعدود، لا بُدَّ أنْ يُذكرا معًا، فـ: (رجال) يدلُّ على الجنسية، و (ثلاثة) يدلُّ على العدد بخلاف الواحد والاثنين، وذلك لأنَّ قولك: (ثلاثة) يفيد العِدَّة دون الجنس، و (رجال) يفيد الجنس دون العِدَّة، فإن قصَدْتَ الإفادتين جمعت بين الكلمتين. إذًا: واحد واثنان، نقول: يُخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما في حكمين: أولًا: أنَّهما على القياس يذكَّران مع المذكَّر ويؤنَّثان مع المؤنَّث، بخلاف الثلاثة والعشرة وما بينهما. ثانيًا: لا يُجمع بينهما وبين المعدود، يعني: لا تمييز لهما، هذا المراد، إذ المعدود في الثلاثة والعشرة وما بينهما يُسمَّى تمييزًا سواءً كان مضافًا أو كان منصوبًا، وأمَّا هنا في باب واحد واثنين لا نحتاج إلى التمييز. ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ (ثَلاَثَةً) بالنَّصب مفعول مُقدَّم لقوله (قُلْ)، لأن المراد به مُجرَّد لفظه (ثَلاَثَةً) الحكم هنا على العدد، ألفاظ العدد قد يُطلق ويُراد به اللفظ عينه .. نفس اللفظ: (ثَلاَثَةً) وقد يراد به المعدود، حِينئذٍ هنا (ثَلاَثَةً) قُصِد لفظه، المراد به هذا العدد بقطع النَّظر عن المعدود، ما هو المعدود بالثلاثة؟ قد يكون كتاب .. قد يكون بيت .. قد يكون قلم إلى آخره، هذا يُسمَّى معدود، وأمَّا اللفظ نفسه وهو (ثَلاَثَةً) نقول: هذا عددٌ. المقصود هنا قولنا: (ثَلاَثَةً) المقصود العدد نفسه، قد يُجرَّد من التاء وقد تتصل به التاء، فالحكم على اللفظ نفسه لا على المعدود، (ثَلاَثَةً) قلنا: بالنَّصب مفعول مُقدَّم لـ: (قُلْ) على التضمين، لأنَّ المراد به مُجرَّد لفظه، أو إذا أردنا به المعدود حِينئذٍ نقول: لتضمين (قُلْ) معنى: (اذكر). (ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ) نقول: هذا مُتعلِّق بـ: (قُلْ) (قُلْ بِالتَّاءِ) يعني: اذكره بالتاء، إذا ضُمِّن (قُلْ) معنى: (اذكر) يعني: اذكر ثلاثةً بالتاء، (لِلْعَشَرَهْ) كذلك مُتعلِّق بقوله: (قُلْ) فالجار والمجرور بالتاء، و (بِالتَّاءِ ولِلْعَشَرَهْ) متعلقان بقوله: (قُلْ). (ثَلاَثَةً) جوَّز بعضهم الرَّفع، عرفنا وجه النَّصب (ثَلاَثَةً) على أنَّه مفعول لـ: (قُلْ)، وأمَّا الرَّفع فهذا جوَّزه البعض وهو الكثير ونفاه البعض، فإذا قيل: (ثَلاَثَةٌ) حِينئذٍ يكون مبتدأ، بِالتَّاءِ نعته، و (قُلْ) خبره على تقدير: قُلْهُ، حِينئذٍ لا بُدَّ من ضمير يعود على المبتدأ، لأنَّ (قُلْ) صارت جملة فعليَّة وهو الخبر، لا بُدَّ من رابط، ما هو الرَّابط؟ قيل: محذوف التقدير: قُلْهُ.

(ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ) يعني: اذكر للعشرة، و (لِلْعَشَرَهْ) اللام هنا بمعنى: (إلى)، والغاية داخلةٌ فيما قبله، يعني: من الحكم، فالحكم هنا مُنصبٌّ على الثلاثة، كما أنَّه منصبٌ على الأربعة والخمسة والستة والسبعة والثمانية والتسعة والعشرة كذلك، فهذه الألفاظ من ثلاثة إلى العشرة، والعشرة داخلة في الحكم. (فِي عَدِّ) هذا مُتعلِّق كذلك بقوله: (قُلْ) قُلْ في عَدِّ، أي: معدودِ، (مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ) يعني: إذا عَدَدْتَ شيئًا آحاده وأفراده مذكرة، يعني: إذا كان المعدود الذي هو التمييز الذي أريد إضافة العدد ثلاثة إلى العشرة وما بينهما إليه، يُنظر إلى الآحاد، لا باعتبار اللفظ نفسه وإنَّما ينظر إلى الآحاد، فإن كان مذكرًا قال: (ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ) .. (فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ). حِينئذٍ تتَّصِل التاء .. تاء التأنيث بـ: (الثلاثة) إذا كان التمييز الذي أضيف إليه لفظ (ثلاثة) بالنَّظر إلى آحاده وأفراده، يعني: واحده مذكَّراً، فالعبرة حِينئذٍ بالمفرد: ثلاثة رجالٍ، لا تقول: (رجال) هذا مذكر، إنَّما تقول: (رجال) هذا جمع (رجل)، و (رجل) هذا مذكر، إذًا: (ثلاثة) يكون بالتاء، لماذا؟ لأنَّه قال: (فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ) وآحاد (رجال) واحده: (رجل) وهو مذكر. (فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) جرِّد ثلاثة من التاء في الضِّد .. ضد ما آحاده مذكرة وهو ما آحاده مؤنَّثة، حِينئذٍ من الثلاثة إلى العشرة ينظر إلى واحد التمييز الذي أضيف إليه العدد، فإن كان مذكرًا حِينئذٍ اتَّصلَت التاء باسم العدد، وإن كان مؤنَّثا حِينئذٍ جُرِّد العدد من التاء، ولذلك قال: (فِي الضِّدِّ) وهو ما آحاده مؤنَّثة، ولو مجازًا .. ولو مجازًا جَرِّد، يعني: جَرِّده من التاء. إذًا: من الثلاثة إلى العشرة نقول: ينظر فيه من جهة التأنيث والتذكير ينظر إلى المضاف إليه الذي هو التمييز، إن كان واحده مذكرًا حِينئذٍ عكست، وإن كان واحده مؤنَّثاً كذلك عكست، ولهذا يُعبَّر عن هذا القسم: من الثلاثة إلى العشرة، بأنَّه على غير القياس .. مُخالف للقياس، والواحد والاثنان على القياس موافقٌ للقياس. والعشرة المراد به هنا: ما قبل التركيب، يعني: ليست العشرة هنا في الموافقة والمخالفة هي العشرة في أحد عشر إلى تسعة عشرة، نقول: لا، هناك الحكم يَختلف، هناك تجري على القياس، وأمَّا قبل التركيب فهي التي معنا: عندي عشرةُ رجالٍ وعشرُ إماءٍ، لماذا قلت: عشرة رجالٍ؟ نقول: عشرة بالتاء هنا بالنَّظر إلى الآحاد، وهو (رجال) واحده (رجل) وهو مذكر. حِينئذٍ نقول: ننظر إلى الواحد فنعطي حكم العدد عكسه، فإن كان مذكرًا أُنِّث، وعشر إماء، (عشر) بدون تاء، (إماء) لأنَّ (إماء) جمع (أمةٍ) والأمة مؤنَّث، إذًا (عشرُ) نقول: هذا بدون تاء. (فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) يعني: جَرِّد العدد ثلاثة إلى العشرة من التاء في الضِّدِّ، وهو ضِدُّ ما سبق، يعني: ما آحاده مؤنَّثة.

مُميِّز الثلاثة والعشرة وما بينهما، إنْ نظرنا إلى التمييز كما سيأتي قد يكون اسم جنس، حِينئذٍ لا يُنْظر إليه باعتبار التاء وعدمه، لأنَّه في الغالب يُجرُّ بـ: (من) وكقوله مثلًا: ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)) [البقرة:260] (الطَّيْرِ) هذا هو المُميِّز، وحِينئذٍ إذا جُرَّ بـ: (من) فالأصل أن يكون اللفظ على أصله. ولذلك سيأتي أنَّ ألفاظ العدد قد تستعمل ويراد بها اللفظ من حيث هو لفظ، ويكاد يكون إجماع، حِينئذٍ أنْ يُستعمل بالتاء إذا أصلها كذلك، فيقال: الثلاثة نصف الستة، هنا لا يجوز أنْ يُقال: بدون التاء، لماذا؟ لأنَّنا قصدنا العدد نفسه دون المعدود .. ليس عندنا معدود: الثلاثة نصف الستة. ولذلك حكا ابن مالك أنَّه في هذا الموضع يكون ممنوعًا من الصَّرْف، لأنَّ المراد به علم جنس. ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ فِي الضِّدِّ جَرِّدْ .......... ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ إذًا قوله: (ثَلاَثَةً لِلْعَشَرَهْ) خرج واحد واثنان، لأنَّه بدأ العد من الثلاثة، حِينئذٍ ليس لهما هذا الحكم الذي رتَّبه على الثلاثة إلى العشرة، فخرج واحد واثنان، وواحدةٌ واثنتان، فهي جاريةٌ على القياس، فتخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما في هذا الحكم كما ذكرناه. وتخالفهما أيضًا في أنَّها لا تضاف إلى المعدود، بل ليس لها تمييز يضاف إليه، لأنَّ الثلاثة إلى العشرة التمييز يكون مجرورًا: (وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ) وأمَّا الواحد والاثنان، والواحدة والاثنتان ليس لهما تمييزٌ تضاف إلى المعدود، فلا يُقال: واحد رجلٍ، ولا اثنا رجلين، لأنَّ قولك: (رجل) يفيد الجنسيَّة والوحدة، وقولك: (رجلين) يفيد الجنسيَّة وشفع الواحد فلا حاجة إلى الجمع بينهما كما ذكرناه سابقًا. ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ. . . . (مَا آحَادُهُ) هنا ماذا نفهم منه؟ أنَّه إذا أضيف إلى الجمع من الثلاثة إلى العشرة - وهو جمع كما سينصُّ عليه - يكون النَّظر فيه إلى الواحد، ولا ينظر فيه إلى اللفظ نفسه، ولذلك قيل: فُهِم منه أنَّ المعتبَر تذكير الواحد وتأنيثه لا تذكير الجمع وتأنيثه، وعلى رأي الزَّمَخْشَري: أنَّ كل جمعٍ مؤنَّث، فـ: (رجال) من حيث الجمع مؤنَّث، حِينئذٍ نقول: ثَلاثُ رجالٍ، ولا نقول: ثلاثة رجال لو اعتبرنا الجمع، وإنَّما نَعتبِر الواحد، وهذا ما نَصَّ عليه هنا: (آحَادُهُ). إذًا: النَّظر يكون فيه إلى الواحد لا إلى الجمع، لأننا لو اعتبرنا الجمع حِينئذٍ الجمع قد يكون حقيقيًا وقد يكون مجازيًا يراعى فيه التأنيث مطلقًا، (كل جمعٍ مؤنَّث) هكذا قال الزَّمَخْشَري، فإذا كان كل جمعٍ مؤنَّث: (وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ جَمْعَاً) من ثلاثة إلى عشرة. إذًا: كل مُميِّز للعدد من الثلاثة إلى العشرة يكون جمعًا، إذًا: لا يمكن أن تَخلُ التاء من الثلاثة إلى العشرة، وهذا ليس الأمر كذلك. إذًا قوله: (مَا آحَادُهُ) فهم منه: أنَّ المعتبر تذكير الواحد وتأنيثه، لا تذكير الجمع وتأنيثه، فيقال: ثلاثة حمامات، كما يُقال: ثلاثة رجال، فالنَّظر للواحد.

وقال الكِسَائي: "تقول: مررت بثلاث حمامات، بغير هاء" لكنَّه قليل هذا، وإن كان الواحد مذكرًا وقاس عليه ما كان مثله، لكنَّ المعتمد هو أنَّه يُنْظر إلى الواحد لا إلى الجمع. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ فِي الضِّدِّ جَرِّدْ. . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . نَحو: ((سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ)) [الحاقة:7] هنا جمع بين طرفين: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ) ما قال: (سَبْعَة لَيَالٍ) لماذا؟ (سَبْعَ) بدون تاء: (فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) يعني: ما كان المميِّز مؤنَّثا بالنَّظر إلى واحده (جَرِّدْ) اسم العدد من التاء، حِينئذٍ قال: (سَبْعَ لَيَالٍ) ولم يقل: (سَبْعَة) لأنَّ (لَيَالٍ) جمع (ليلة)، و (ليلة) هذا مؤنَّث. وقال كذلك: ((وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ)) [الحاقة:7] (ثَمَانِيَةَ) بالتاء، لماذا؟ لأنَّ (أَيَّام) جمع (يوم)، واليوم هذا مذكر، إذًا: في آية واحدة جمع بين النَّوعين، وهذا أعلى فصاحة. هذا إذا ذُكِر المعدود، فإن قُصِد ولم يذكر في اللفظ يعني: حُذِف، إذا ذُكِر أضيف إليه لا إشكال فيه، حِينئذٍ لا بُدَّ من القاعدة المطَّرِدة وهو التذكير مع المؤنَّث، والتأنيث مع المذكر، فإن قُصِد ولم يذكر في اللفظ فالفصيح أن يكون كما لو ذُكِر، يعني: إذا كان مقصودًا المعدود وحُذِف من اللفظ حِينئذٍ الأفصح أنك تعامله معاملة الموجود. فإذا قيل لك: كم عندك من الرجال؟ تقول: ثلاثةٌ، ويجوز أن تقول: ثلاثٌ بدون تاء، ولا يَتعيَّن هنا التأنيث، وإنَّما يكون من باب فصيح وأفصح، فالأفصح أن تقول: ثلاثةٌ، يعني: ثلاثة رجال .. كأنك نطقت به، لأنَّه مقصود، وإذا حذفت التاء قلت: ثلاثٌ، حِينئذٍ نقول: هذا سائغٌ كذلك وفصيح. فالفصيح أن يكون كما لو ذُكِر، فتقول: صمت خمسةً وتريد أياماً، وسرت خمسًا تريد ليال، خمس ليال، خمسةً يعني: خمسة أيام. ويجوز أن تحذف التاء في المذكر، ومنه: {وَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال} هذا وارد في النَّص، (بِسِتٍّ) هنا جَرَّده من التاء، هل يدلُّ تَجرِيده من التاء على أن المُميِّز مؤنَّث؟ لا يدل، لأنَّ ذلك الحكم إذا ذُكِر المعدد .. المُميِّز، وأمَّا إذا حذف فلا، فيجوز فيه الوجهان: التذكير والتأنيث، والأفصح التأنيث. حِينئذٍ {فَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ} الأصل: بستة أيامٍ، لأنَّ الصَّوم يكون في اليوم لا في الليلة، فدلَّ على أنَّ المحذوف هو اليوم .. أيام، واليوم هذا مذكر، والأصل أنْ يقول: بستة أيام، لكن حذف، والقاعدة إنَّما تكون مُطَّرِدة أو واجبة فيما إذا ذُكِر المعدود، وأمَّا إذا لم يذكر حِينئذٍ نقول: يجوز فيه الوجهان، والأفصح أن يُعامل معاملة المذكور. وبعضهم ألحق بهذا: ما إذا تَقدَّم الموصوف، المعدود إذا تَقدَّم جاز فيه التذكير والتأنيث، حِينئذٍ تُحمل هذه القاعدة على أمرين، يعني: ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ فِي الضِّدِّ جَرِّدْ. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بشرط أن يذكر المعدود، فإن حُذف مع قصده أو تَقدَّم ولو لم يُحذف، حِينئذٍ أنت مُخيَّر بين أمرين، والأفصح أن يُعامل معاملة الموجود. إذًا: ويجوز أنْ تُحذف التاء في المذكر، ومنه: {وَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال} أمَّا إذا لم يقصد معدود، وإنَّما قُصِد العدُّ المطلق، هذا الذي افتتحنا به الكلام: أنَّه قد يراد باللفظ اللفظ من حيث هو: ثلاثة .. ستة .. سبعة، تريد أن تحكم على هذا اللفظ بقطع النَّظر عن معدود، أو أن يكون له معدود. حِينئذٍ نقول: هنا قُصِد به اللفظ المطلق فحسب، أمَّا إذا لم يقصد معدود فليس عندك معدود، وإنَّما قصد العدُّ المطلق كانت كلها -كانت هي- كلها بالتاء .. لزمت التاء، حِينئذٍ ليس عندنا مذكر: ثلاثة نصف ستة، هكذا تقول: ثلاثةُ، بمنعها من الصَّرْف: نصف ستة، وهنا ليس عندنا معدود، هنا تريد أن تحكم على اللفظ بأنَّه نصف الستة، حِينئذٍ نقول: هذا اللفظ المراد به عين اللفظ، ليس عندنا شيء معدود. ولا تنصرف لأنَّها أعلامٌ مؤنَّثة، وذكر ابن مالك أنَّها عَلَم جنس، حِينئذٍ هي مؤنَّثة وعلم فمنعت من الصَّرف للعمليَّة والتأنيث، فتقول: ثلاثةُ نصف ستة .. أربعةُ ضعف اثنين، (أربعةُ) بدون تنوين، لأنَّها ممنوعة من الصَّرْف. إذًا: قد يُقصَد المعدود، وقد يُقصَد اللفظ عينه، وإذا قصد المعدود قد يذكر وقد يحذف، الأحوال: ثلاثة .. قد يقصد اللفظ عين اللفظ هذا أولًا، وقد يقصد المعدود، ثُم قد يذكر وقد يحذف، ثلاثة. إذا قصد اللفظ .. عين اللفظ لزمت التاء، ابن مالك يقول: أصلها بالتاء، هي الأصل فيها، وحذف التاء فرع، إذًا: ثلاثةُ نصف ستة، هذه حالٌ. حالٌ ثانية: أن يقصد المعدود، عندك شيء تعدُّه: ثلاثةُ رجال .. ثلاثُ إماء، عندك شيءٌ معدود، هذا المعدود الثلاثة والرجال الذي هو المُميِّز .. الذي يضاف إليه، قد يذكر وقد يُحذف، إن ذُكِر جاءت القاعدة، وإن حُذِف حِينئذٍ لا يجب، وإنَّما يُختار أن يعامل معاملة المذكور. ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ يعني: أنَّ ألفاظ العدد من ثلاثة إلى عشرة، إذا كان واحد المعدود مذكرًا لحقته التاء، فإن كان واحده مؤنَّثا لم تلحقه التاء، ولذلك قال: (فِي الضِّدِّ) الذي هو المؤنَّث (جَرِّدْ) يعني: من التاء. . . . . . . وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ ... جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ هذه لا بُدَّ لها من مُميِّز، الثلاثة إلى العشرة لا بُدَّ لها من مُميِّز، والمراد بالمُميِّز هنا: ما يكشف حقيقتها، لأنَّ أسماء العدد من المبهمات، وهذا البحث بعضهم يذكره في باب التمييز، وسبق أنَّ باب التمييز قد يكون في المفردات، وقد يكون في الجمل، يعني: النِّسبة. من المفردات المقادير والمساحات إلى آخره، ومنها: العدد، لأنك تقول: عندي عشرون .. عشرون ماذا؟ عشرون كتابًا، عندي ثلاثة .. ثلاثة ماذا؟ ثلاثة ريال .. ثلاثة ملايين، يختلف الحكم، فحِينئذٍ (ثلاثة) صار لفظًا مبهمًا يحتاج إلى مُميِّز يكشف حقيقة هذا اللفظ المبهم. حِينئذٍ نقول: العامل فيه هو ما أضيف إليه إن كان مجرورًا أو نصبًا إن كان منصوبًا كما في: (أحد عشر) ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4].

(وَالْمُمَيِّزَ) إذًا: لا بُدَّ لها من مُميِّز، لأنَّها من قبيل المبهمات، فإذا كانت مبهمة حِينئذٍ تحتاج إلى ما يكشف عن ذاتها ليس عن هيئتها، وإنَّما عن ذاتها وحقيقتها وماهيتها، ما المراد بها .. ما هو هذا المعدود؟ عندي ثلاثةٌ .. ثلاثة ماذا؟ فيحتمل، فإذا جئت بالمُميِّز كشفت حقيقة هذه الثلاثة، عندي شيءٌ معدودٌ بالثلاثة، عندي عشرون .. عندي شيءٌ معدود بالعشرين .. عدده عشرون، ما هو هذا الشيء؟ كتابًا، إذًا: جاء التمييز هنا كاشفًا وموضحًا ومبينًا ومُفسِّرًا لحقيقة هذا الشيء المعدود بالعشرين أو الثلاثة إلى آخره، إذًا: هذه وظيفة المُميِّز هنا. (وَالْمُمَيِّزَ) ما حكمه هنا من الثلاثة إلى العشرة؟ قال: (اجْرُرِ) اجرر المُميِّز، يعني: يجب جر تمييز هذه الألفاظ من الثلاثة إلى عشرة، بحرف جر أو بالمضاف بالإضافة؟ (اجْرُرِ) ماذا تقول أنت؟ عندي ثلاثة رجالٍ، (ثلاثةُ) مبتدأ وهو مضاف، و (رجال) مضاف إليه، و (عندي) خبر. إذًا: صار التمييز هنا مضافًا إليه، وإذا كان مضافًا حِينئذٍ المضاف يكون مجرورًا بالمضاف، إذًا: نفس الذي كُشِف بالمُميِّز هو الذي عَمِل الجَرَّ في التمييز. ويجوز الجرُّ عند بعضهم بـ: (من)، وهذا جعلوه غالبًا في اسم الجنس واسم الجمع، وهو أن يقال: عندي ثلاثةٌ من الرجال، وعندي ثلاثةٌ من النساء، وهذا جائزٌ عند بعضهم وهو مُطَّرِد، ولذلك قال ابن هشام: "مُميِّز الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جِنْسٍ كـ: شجرٍ وتَمرٍ، أو اسم جمعٍ كـ: قومٍ ورهطٍ، خُفِض بـ: (من) ". (اجْرُرِ) إذًا بـ: (من) ليس بالإضافة، إذا كان اسم جِنْس أو اسم جمعٍ، خُفِض بـ: (من) تقول: عندي ثلاثةٌ من التمر، وعشرةٌ من القوم، هذا أفصح هنا، ومنه: ((فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)) [البقرة:260]. وقد يُخفض - (وقد) للتقليل– يُخفض بإضافة العدد نفسه: ((وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ)) [النمل:48] (رَهْطٍ) هذا اسم جمع، دلَّ على الجمع وليس له واحدٌ من لفظه، وفي الحديث: {لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ}، وإن كان جمعًا خفض بإضافة العدد إليه، نَحو: ثلاثةُ رجالٍ. إذًا: اجرر المُميِّز، متى؟ إذا كان جمعًا، وأمَّا إذا كان اسم جِنْس أو اسم جمعٍ يجوز فيه وجهان: - خفضه بالإضافة: ((تِسْعَةُ رَهْطٍ)) [النمل:48] وجاء في فصيح الكلام. - وإن كان الأكثر أن يكون مجرورًا بـ: (من) عندي تسعة من القوم .. تسعة من الرَّهط، عندي تسعة من البقر .. من الغنم، هكذا تقول، تَجرَّه بـ: (من) تسعة غنمٍ يجوز لكنَّه على قِلَّة، وقد جاء في القرآن. إذًا: (وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ جَمْعَاً) أي: مُميِّز الثلاثة وأخواتها لا يكون إلا مجرورًا بإضافة العدد إليه، لكن يُستثنى منه ما ذكرناه: اسم الجمع واسم الجنس. (جَمْعَاً) هذا ما إعرابه (اجْرُرِ جَمْعَاً)؟ حال من المفعول به، اجرُر المُميِّز حال كونه جمعًا، والحال وصفٌ لصاحبها .. قيدٌ لعاملها، إذًا: لا يكون المُميِّز هنا إلا جمعًا.

(بِلَفْظِ قِلَّةٍ) قوله: (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) هل يُخصِّص قوله: (جَمْعَاً) بأنَّه جمع تصحيح أو جمع تكسير .. مدلول جمع التَّصحيح ما هو قِلَّة أو كثرة؟ جمع التكسير ينقسم إلى قسمين: جمع قِلَّة، وجمع كثرة، وجموع القِلَّة محصورة .. أربعة فقط، وما عداه فهو جمع كثرة: أَفْعِلَةٌ أَفْعُلُ ثُمَّ فِعْلَهْ ... ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّةْ هذه كلها نقول الأربعة جموع قِلَّة، وجمع القِلَّة يبدأ من الثلاث على الصحيح إلى العشرة، وأحد عشر إلى ما لا نهاية جمع الكثرة، هذا المشهور، والصحيح أنَّهما يتفقان مبدأً ويختلفان انتهاءً. جمع القِلَّة وجمع الكثرة يبدءان من الثلاث، ثُم يسيران إلى العشرة فيقف جمع القِلَّة، ثُم يسير جمع الكثرة هذا الصحيح، وأمَّا قول الكثير: بأنَّ جمع الكثرة يبدأ من أحد عشر، وجمع القِلَّة ينتهي عند العشرة هذا ليس عليه دليل .. هذا مُجرَّد اصطلاح خاص .. استنباط .. اجتهاد، فهو مُخالفٌ لِمَا عليه أهل اللغة. إذًا: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ) جمع التَّصحيح جمع قِلَّة، وجمع التَّصحيح المؤنَّث السالم جمع قِلَّة، حِينئذٍ قوله: (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) قد لا يُفْهِم بأنَّ المراد به جمع التكسير، لكن المراد به جمع التكسير، وسيأتي أنَّه قد يكون جمع تصحيح في أحوالٍ ثلاثة. إذًا: (جَمْعَاً) أي: مُكسَّرًا، هذا الأصل فيه، لأنَّ ألفاظ العدد أقرب إلى جمع التكسير لفظًا، فتحصل المطابقة لفظًا. (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (جَمْعَاً)، (بِلَفْظِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (جَمْعَاً) لأنَّه مصدر، و (لَفْظِ) مضاف، و (قِلَّةٍ) مضاف إليه، احترز به من جمع كثرة، لكنَّه ليس باحتراز مُخرِج عنه بالكليَّة، وإنَّما أراد به (فِي الأَكْثَرِ) يعني: ما يُخالف الأكثر ألا يكون جمع مُكسَّر بلفظ الكثرة، وألا يكون جمع تصحيح بخلاف جمع التكسير. إذًا: (فِي الأَكْثَرِ) يعني: المراد أنَّ المُميِّز يكون جمع تكسيرٍ بلفظ القِلَّة، يُقابل الأول .. ألا يكون جمع تكسير بأن يكون جمع تصحيح، يقابل الثاني: أن يكون جمع تكسير لكن لا جمع قِلَّة، إذًا: عندنا قيدان في الأكثر يرجع إليهما معًا، ولكل واحدٍ، حِينئذٍ يُحترَز بالأول .. جمع تكسير، نقول: أخرج جمع التَّصحيح، لكنَّه ليس مطلقًا، وإنَّما أخرجه من حيث الكثرة، وأمَّا على جهة القِلَّة فهو وراد كما سيأتي. كذلك قوله: (لَفْظِ قِلَّةٍ) إذًا: جمع التَّكسير لا يأتي تمييزًا بلفظ الكثرة؟ نقول: لا، يأتي، لكن بِقلَّة. إذًا: (جَمْعَاً) أي: مُكسَّرًا، (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) أي: من أبْنيَة القِلَّة، إذا جعلنا (بِلَفْظِ) المراد به أبْنيَة القِلَّة حِينئذٍ جعلناه مُخصّصًا بأنَّ المراد بقوله (جَمْعَاً): جمع تكسير، إذا راعينا اللفظ بأنَّ المراد (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) يعني: ببناء قِلَّة، وهذا إنَّما يكون في جمع التكسير. (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) .. (فِي الأَكْثَرِ) مفهومه أنَّه يُميَّز قليلاً بِجمع الكثرة، كذلك على الصحيح يُميَّز قليلًا بجمع التَّصحيح.

قال الشَّارح: "تثبت التاء في ثلاثة وأربعة وما بعدهما إلى عشرة" (في ثلاثة) يعني: في اللفظ: (ثلاثة)، وفي اللفظ: (أربعة)، وما بعدهما إلى عشرة، وما بعد (إلى) داخلٌ في الحكم، "إن كان المعدود بهما مذكرًا، وتسقط إن كان مؤنَّثا، ويضاف إلى جمعٍ" هذا شرحٌ لقوله: (اجْرُرِ) بأنَّ المراد بالجر هنا إنَّما يكون بالإضافة، يعني: بالمضاف، "نحو: عندي ثلاثة رجالٍ، وأربع نساء، وهكذا إلى عشرة" عشرة رجال، وعشر إماء. فانظر هنا: عندي ثلاثة رجال، نقول: (ثلاثة) بالتاء لأنَّ المضاف إليه وهو معدود جمع (رجل)، و (رجل) مذكر، وهو مَذكُورٌ هنا في اللفظ، وهو جمع تكسير، وأربع نساء، هنا بدون تاء، لأنَّ (نساء) ليس له واحد، إذًا: هنا ماذا صنع؟ ليس له واحد مطلقًا من لفظه، له واحد من معناه امرأة. إذًا: ينظر فيه إلى واحده باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ، وهذا (نساء) اسم جمعٍ، أربعٌ من النساء، يجوز فيه .. يُجر بـ: (من)، "وهكذا إلى عشرة" عشرة رجالٍ كذلك، و (عشرة) مراد النَّاظم هنا أطلقها (لِلْعَشَرَهْ)، انظر لم يُقيِّدْها بكونها مركبة، لأنَّ العشرة لها حالان: - حالةٌ توافق القياس فتُذكَّر مع المذكر، وتؤنَّث مع المؤنَّث وذلك إذا رُكِّبَت، أحد عشر إلى تسعة عشر. - وحالٌ أخرى تخالف القياس: وهي فيما إذا أُفرِدت، عشرة رجال .. عشر إماء، فـ: (رجال) يُقال فيه مثل ما قيل في: ثلاثة رجال، وهذا الحكم هنا تُقيِّده فيما إذا ذُكِر المعدود، وأمَّا إذا حُذِف وقُصِد حِينئذٍ فلك وجهان، والأفصح مراعاته كما لو كان موجودًا، وكذلك أخرج ما إذا قُصِد اللفظ عينه، يعني: نفس اللفظ، ليس المقصود المعدود، حِينئذٍ تلزم التاء، كل الأعداد من الثلاثة إلى العشرة، نقول: عشرة نصف العشرين، هنا قُصِد اللفظ عينه ولم يُقصد معدود .. ليس عندك شيءٌ معدود. وأشار بقوله: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) إلى أنَّ المعدود بها إن كان له جمع قِلَّة وكثرة لم يُضف العدد في الغالب إلا إلى جمع قِلَّة، جموع التكسير على ثلاثة أنواع: - جمع تكسير جمع قِلَّة، سُمِع فيه جمع القِلَّة، ولم يسمع فيه جمع الكثرة. - والثاني: عكسه، سُمِع فيه جمع الكثرة ولم يُسمَع فيه جمع القِلَّة. - والثالث: ما سُمِع فيه النَّوعان معًا، جمع قِلَّة وجمع كثرة. هذا سيأتينا بحثه في موضعه. إذًا: إذا سُمِع له جَمع قِلَّة وجمع كثرة فالأفصح والأكثر أن يضاف إلى جمع القِلَّة، إذا لم يُسمَع له إلا جمع قِلَّة ما لنا حِيْلة! هو نفسه، وإذا لم يُسمع إلا جمع كثرة، كذلك ليس لنا حِيْلة! لأنَّه لا بُدَّ أن يضاف إلى جمعٍ وجمع تكسير، حِينئذٍ نقول: يضاف إلى جمع تكسير .. جمع قِلَّة وهو الأكثر هذا فيما إذا سُمِع له جمع كثرة، فيُخيَّر بين الأمرين ويُقال: الأكثر أن يضاف إلى جمع القِلَّة، وأمَّا إذا لم يسمع هذا شأنه آخر.

وأشار بقوله: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) إلى أنَّ المعدود بها إن كان له جمع قِلَّة وكثرة لم يضف العدد في الغالب إلا إلى جمع القِلَّة، فتقول: عندي ثلاثة أفلس، ولا تقل: فلوس، (فلوس) مسموع (فعُول) حِينئذٍ نقول: (فلوس) هذا جمع كثرة، و (أفلس) هذا جمع قِلَّة، عندك اللفظان: عندي ثلاثة أفلسٍ، هذا الشائع والكثير، أمَّا: ثلاثة فلوس يَجوز، لكنَّه خلاف الشائع. وثلاث أنفس ونفوس، عندنا: (أنفس) و (نفوس) سُمِع فيه النَّوعان، ويقِلُّ عندي ثلاثة فلوس وثلاث نفوس. ومِمَّا جاء على غير الأكثر قوله تعالى: ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) [البقرة:228] (قُرُوءٍ) .. (أقراء) (قُرُوء .. فُعُول) وهو جمع كثرة، و (أقراء) جمع قِلَّة، فأضاف ثلاثة إلى جمع الكثرة مع وجود جمع القِلَّة وهو (أقراء) والسَّبب أنَّه شاذ، يعني: قد يُعدَل .. لأنَّه قرآن هنا، لا بُدَّ أنَّها حكمة .. من حكمة في ترك الأكثر ثُم الإقدام على الأقل، نقول: لأنَّ (أقراء) هذا شاذ كما سيأتي إن شاء الله. فإن لم يكن للاسم إلا جمع كثرة لم يُضَف إلا إليه: ثلاثةُ رجال. إذًا: (جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ) نقول: مفهومه أنَّه قد يكون جمع كثرة لكنَّه قليل، وهذا إذا سُمِع له جمع قِلَّة وأضيف إلى جمع الكثرة مع وجود جمع القِلَّة نقول: هذا مُخالف للأكثر، أمَّا إذا لم يُسمَع إلا جمع كثرة لا نقول: مُخالف. وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ ... وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ (وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ) أضف للفرد، هذا مُتعلِّق بـ: (أَضِفْ)، (وَمِائَةً) هذا مفعولٌ به مُقدَّم، (وَالأَلْفَ) معطوفٌ عليه: أَضِفْ مِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ. إذًا: (وَمِائَةً وَالأَلْفَ) أسماء عدد، والمراد به هنا: المائة وتثنيتها وجمعها، والمراد بالألف وتثنيتها وجمعها، حِينئذٍ: (أَضِفْ) للفرد، فليكن حِينئذٍ تمييزه مضافًا وهو مفرد، يُخالف السَّابق في كون ذاك جمعًا، وهذا إنَّما يكون مثله مضافًا إلا أنَّه مفرد. (وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ) يعني: أنَّ مائًة وألفًا يضافان إلى مفرد، فتمييزهما حِينئذٍ يكون مفردًا، وفهم من إطلاقه (مِائَةً وَالأَلْفَ) أنَّ تثنية ألفٍ ومائة وجمعهما كذلك، نَحو: ألفا رجلٍ .. عندي مائة رجل، ومائتا رجل، وعندي ألف رجل، وألفا رجل، وآلاف رجلٍ، آلاف ومائتا رجلٍ. إذًا: يضاف مطلقًا المائة والألف سواءٌ كانا مفردين في اللفظ أو مثنيين أو مجموعين، حِينئذٍ تمييزهما يكون مفردًا مضافًا. وشذَّ تمييز المائة بمفردٍ منصوب، وإنَّما يكون مضافًا لذلك قال: (أَضِفْ) يعني: وجوبًا، وسُمِع مفردًا منصوبًا لكنه شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه، كقوله: إِذَا عَاشَ الْفَتَى مِائَتَيْنِ عَامَا .. (مائتي عامٍ) هذا الأفصح .. هذا الواجب، أمَّا (مِائَتَيْنِ عَامَا) على أنَّه مُفرد منصوب نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه.

(وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ) نَحو: عندي مائة درهم (درهم) واحد، (مائة) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (درهمٍ) مضافٌ إليه، والعامل في الدِّرهم هنا هو نفس العدد (مائة)، و (عندي) هذا خبر مُقدَّم، ومائتا ثوبٍ .. عندي مائتا ثوبٍ، (عندي) خبر مُقدَّم، و (مائتا) هذا مبتدأ مُؤخَّر وهو مضاف، و (ثوبٍ) مضاف إليه. هنا لا تقل تمييز، ولا تقل عدد، ولا اسم عدد إلى آخره، تُعرِب كما هو الشأن في الأسماء، وإنَّما هذا من حيث الإقدام لا من حيث الإعراب، يعني: لا يُعرب إنَّما يُقال: مضاف ومضاف إليه، إذا سئلت: ما الذي أفاده (مائتا ثوبٍ) ثوبٍ ماذا أفاد؟ نقول: هو مُميِّز، كشف حقيقة المائتين، عندي مائتا .. هذا مُبهَم .. مُجمَل يحتاج إلى إيضاح، إذا قلت: ثوبٍ، عَرفْتَ أن الشيء المعدود بالمائتين، وأمَّا من حيث الإعراب فتقول: (مائتا) هذا مبتدأ، ولا تقل: اسم عدد، إنَّما نوعه، كما تقول هناك: زيدٌ قادمٌ، (زيدٌ) تقول: مبتدأ، ولا تقل: هذا اسمٌ، إنَّما تقول: هذا مبتدأ، حِينئذٍ تذكر الإعراب فحسب. هنا كذلك: عندي مائتا ثوبٍ، (مائتا) هذا مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و (ثوبٍ) مضاف إليه، من حيث المعنى: (مائتا) اسم عددٍ مُجمل يحتاج إلى مُفسِّر، و (ثوبٍ) هذا مضاف إليه هو المُفسِّر وهو المميز، و (مائتا) النون هنا حُذِفت للإضافة لأنَّه مُثنَّى (مائة)، فإذا قيل لك: لماذا جئت به مفردًا مضافًا؟ تقول: لأنَّ تمييز المائة في لسان العرب إنَّما يكون مفردًا مضافًا، هكذا سُمِع والحجَّة في السماع، ولا نحتاج إلى تعليل في مثل هذه التَّراكيب، لأنَّها أمور تُحفظ كما هو الشأن في فنِّ الصَّرف. إذًا: مائتا ثوب، وثلاثمائة دينارٍ، هنا جُمعت: (ثلاثمائة) أضيفت (ثلاث) إلى المائة، ثُم قيل: ثوبٍ، هذا مضاف إلى المائة لا إلى الثلاث، وألف عبدٍ .. عندي ألف عبدٍ، (عندي) خبر مُقدَّم، و (ألف) هذا مبتدأ مؤخَّر وهو مضاف، و (عبدٍ) مضاف إليه، وانتهينا. وأمَّا من حيث المعنى فتقول: (ألف) هذا اسم عدد يحتاج إلى مُميِّز، وهو عبدٍ، وجيء به مفردًا مجرورًا لأنَّه مُميِّزٌ بالألف، فلا يصح: عندي ألف رجالٍ، لأن هذا يكون تَمييزًا للثَّلاثة إلى العشرة. وألفا أمةٍ، (ألفا) بدون نون، لأنَّه مثنَّىً وهو مضاف وأضيف إلى (أمةٍ) وهو مضاف إليه، وكذلك: عندي ثلاثة آلاف فرس، (عندي) خبر، (ثلاثة) هذا مبتدأ مُؤخَّر، وهو مضاف، و (آلاف) مضاف إليه، و (آلاف) مضاف، و (فرس) مضاف إليه، هكذا تُعربه .. إعراب كما هو الشَّأن في غيره. وأمَّا أحكام العدد والتمييز وإلى آخره، هذه إنَّما تكون في مقام التَّعليم من أجل أنْ تنتهي إلى القاعدة السابقة أو التركيب السابق، عند السؤال والبحث حِينئذٍ تقول: هذا عدد، وهذا مائة وتمييز، وفي لسان العرب يكون مفردًا مجرورًا، وتمييز (أحد عشر) يكون مفردًا منصوبًا وإلى آخر ما يذكر من قواعد. إذًا: (مِائَةً وَالأَلْفَ) سواءٌ كانَا مُفردين من حيث اللفظ، أو مثنيين، أو مجموعين يُلزم أن يكون المُميِّز مفردًا مجرورًا، لا يجوز أن يكون جمعًا ولا منصوبًا، وما سُمِع من نصبه فهو شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه، هذا الأصل فيه.

ثُم قال: (وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْرَاً قَدْ رُدِفْ) (مِائَةٌ) هذا مبتدأ، و (بِالجَمْعِ) .. (وَمِائَةٌ قَدْ رُدِفْ) لذلك إذا أرَدْتَ المُتعلَّقات اعرب الخبر قبل، (وَمِائَةٌ) مبتدأ (قَدْ رُدِفْ) هذا خبره، (بِالجَمْعِ) هذا مُتعلِّق به، و (نَزْرَاً) قَدْ رُدِفْ حال كونه نزرًا، يعني: قليلًا، إذًا: قد يكون تمييز مائة مجرورًا، وهذا أشار به إلى قراءة حمزة والكِسَائي: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةِ سِنِينَ) هذا جاء بالجمع، بإضافة (مائة) إلى (السنين)، فـ: (سِنِينَ) تَمييزٌ، وفي ذلك شذوذٌ من جهة واحدة، وسَهَّلَه شِبْه المائة بالعشرة. على كلٍ: هذا خلاف الأفصح. (وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْرَاً قَدْ رُدِفْ) (رُدِفْ) هذا مُغيَّر الصِّيغة، أي: تُبِع بالجمع، (مِائَةٌ) تُبِع (بِالجَمْعِ نَزْراً) أي: قليلاً. إذًا: أراد النَّاظم أن يُبيِّن بهذا البيت: أنَّ تمييز المائة والألف إنَّما يكون في الفصيح الكثير، الذي هو القاعدة العامة: أن يكون مجرورًا، وأن يكون مفردًا، فلا يخرج عن هذين النوعين إلا ما شذَّ، وإنَّما قَدَّم النَّاظم: مائة وألفًا، على ما دونهما من العدد، يعني: إلى أحد عشر، لاشتراكهما مع ثلاثة عشر وما بينهما في كون تمييزهما مجرورًا بالإضافة. الأصل أن يقول: (ثَلاَثَةً)، ثُم قال: (لِلْعَشَرَهْ) ثُم يقول: (أَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) هذا الأصل، لماذا قَدَّم المائة والألف؟ لأنَّ تمييز أحد عشر وما بعده يكون منصوبًا، وأمَّا تمييز الثلاثة والعشرة يكون مجرورًا، فناسب لذلك أن يذكر المجرور بجوار المجرور. قال هنا: قد سبق أنَّ (ثَلاَثَةً) وما بعدها إلى (عشرة) لا تضاف إلا إلى جمعٍ، وذكر هنا أنَّ (مائةً وألفًا) من الأعداد المضافة كذلك، وأنَّهما لا يُضافان إلا إلى مفردٍ، نَحو: عندي مائة رجلٍ، وألف درهمٍ، وورد إضافة (مائة) إلى جمعٍ قليلًا، ومنه قراءة حمزة والكسائي التي ذكرها. والحاصل: أنَّ العدد المضاف على قسمين: - أحدهما: ما لا يضاف إلا إلى جمعٍ، وهو من ثلاثة إلى عشرة. - والثاني: ما لا يضاف إلا إلى مفرد، وهو مائة وألف، وتثنيتهما نحو: مائتا درهم، وألفا درهمٍ، وأمَّا إضافة (مائة) إلى جمعٍ فقليل، بل حكم بعضهم على أنَّه شاذٌّ. وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ ... مُرَكَِّبَاً قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ ... وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ... مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدَا وَلِثَلاَثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا ... بَيْنَهُمَا إِنْ رُكِّبَا مَا قُدِّمَا (وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) يعني: رَكِّب (أَحَدَ) مع (عَشَرْ) هنا شرع في الكلام على العدد المضاف .. المركَّب، العدد المضاف سبق هذا، والآن العدد المركَّب.

(وَأَحَدَ اذْكُرْ) اذكر أحد، يعني: لفظ (أَحَدَ) اذكره، إذًا: (أَحَدَ) هذا يكون مفعولاً مُقدَّمًا، (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) .. (بِعَشَرْ) هكذا حكاها مُجرَّدًا من التاء، (وَصِلَنْهُ) (صِلْ) هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتَّصاله بنون التوكيد الخفيفة، والهاء ضمير مُتَّصل مبني على الضَّمِّ في مَحلِّ نصب مفعول به. (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ مُرَكَّبَاً) حال كونك مُركِّبًا (قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ) إذًا: (أَحَدَ) لا (إحدى)، و (عَشَرْ) لا (عشرة)، إذًا: جمعت بين مذكر ومذكر، متى؟ (قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ) ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] (كَوْكَبًا) هذا المقصود بالعدِّ فهو المعدود، فالكوكب هو المعدود، قلت: (أَحَدَ عَشَرَ) جئت به مذكرًا في الأول والثاني. (وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ) بتأنيث الأول (إِحْدَى) وهو مؤنَّث (أَحَدَ) و (عَشْرَةْ) بالتاء وهو مؤنَّث (عَشْر). وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ ... مُرَكَِّبَاً. . . . . . . . . . . . . . قلنا: هذا مُرَكِّبَاً ومُرَكَّبَاً يجوز فيه الوجهان، بكسر الكاف أي: حال كونك مُركِّبًا هذا حالٌ من فاعل (صِلْ) أو (اذْكُرْ): اذكر أحد (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) حال كونك مُرَكِّبَاً أنْتَ .. أنْتَ الذي ركَّبت ويجوز أن يكون بفتح الكاف حالًا من (عَشَرْ) أي: مُرَكَّبَاً معه، أي: مع (أَحَدَ). (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ مُرَكَّبَاً) يعني: (عَشَرْ) نفسه مركَّبًا مع (أَحَدَ) هذا يَحتمل .. يَحتمل أنَّه حالٌ من فاعل (اذْكُرْ) ويحتمل أنَّه حالٌ من (عَشَرْ) لكن إذا جعلته من فاعل (اذْكُرْ) كسرته: مُركِّب، وإذا كان من (عَشَرْ) صار هو الذي رُكِّب فهو مركَّب. (وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ) يعني: في التأنيث، (لَدَى) هنا بمعنى: (في) (إِحْدَى عَشْرَةْ) بإسكان الشِّين. (وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ) عَشِرَة .. عَشْرَه، يجوز فيه الوجهان، هذا نأتي عليه غدًا إن شاء الله تعالى. نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

117

عناصر الدرس * إعادة الأعداد المركبة مع بعض الإضافات * تميز العدد المفرد من (20_90) ـ * اضافة العدد المركب إلى غير مميزه * صوغ العدد على وزن فاعل على وجوه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (العَدَدُ). وعرفنا حقيقته في اصطلاح النُّحاة، وقلنا: يكفي ذكر الأعداد وما يَتعلَّق بها عن الحد. قال النَّاظم: ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ فِي الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ ... جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ بيَّن بهذين البيتين حكم الثلاثة إلى العشرة، بأنَّها تخالف القياس، احترز بالثلاثة في قوله: ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ .. احترز به عن الواحد والاثنين، وقلنا هذان العددان يُخالف الثلاثة والعشرة وما بينهما في حكمين: أولاً: أنهما على القياس، يعني: يُذَكَّران مع المُذَكَّر ويُؤَنَّثان مع المؤنَّث، فيقال: واحد واثنان، وكذلك يُقال: واحدةٌ بالتأنيث واثنتان، والثلاثة وأخواتها إلى العشرة هذه تُخالف على خلاف القياس، فتذكَّر مع المؤنَّث، وتؤنَّث مع المذكَّر. كذلك لا يُجمع بينها وبين المعدود فلا يُقال: واحد رجلٍ، ولا اثنا رجلين، وعرفنا العلَّة فيما سبق، بخلاف الثلاثة إلى العشرة، لأنَّ الثلاثة يدلُّ على العدد (وَالْمُمَيِّزَ) يدلُّ على الجنس، فلا بُدَّ من الجمع بينهما. وأمَّا الثلاثة إلى العشرة فقال هنا: ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ فِي الضِّدِّ جَرِّدْ. . . . ... . . . . . . . إذاً: (فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ) تأتي بالتَّاء، (فِي الضِّدِّ) الذي هو المؤنَّث، أو (عَدِّ مَا آحَادُهُ) مؤنَّثه (جَرِّدْ) العدد الثلاثة إلى العشرة من التاء، وقوله: (مَا آحَادُهُ) قلنا: أشار به إلى أنَّ النظر إنَّما يكون في المفرد لا في اللفظ، إذ يُشترط كما نَصَّ عليه: بأن يكون (الْمُمَيِّزَ) جمعاً، وكل جمعٍ مؤنَّث، فلو اعْتُبِر اللفظ من حيث هو المضاف إليه حينئذٍ لَمَا بقي للتذكير مجال، وحينئذٍ لا بُدَّ من التذكير .. من نزع التاء، لأنَّ المضاف إليه يكون مؤنَّثاً مُطلقاً، وحينئذٍ يكون النَّظر إلى المفرد نقول: ثلاثة رجالٍ وثلاث إماءٍ، (ثلاثة رجال) باعتبار المفرد وهو واحد، (وثلاث إماءٍ) باعتبار المفرد وهو (أمةٌ) وهو مؤنَّث. وأمَّا (الْمُمَيِّزَ) إذا كان اسم جنس كـ (شجر)، أو اسم جمعٍ كـ (قوم) قلنا: الأفصح والأكثر أن يؤتى به مجروراً بـ (مِنْ) ويجوز إضافته كما ذكرناه سابقاً. ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ فِي الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ ... جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ قوله: (مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ) ثُمَّ قال: (جَمْعَاً) دلَّ على أنَّه يُضاف إلى الجمع، والنظر يكون باعتبار المعنى، لأنَّه في الأول قال: (مَا آحَادُهُ)، ثُمَّ قال: (اجْرُرِ الْمُمَيِّزَ جَمْعَاً) كيف يكون (آحَادُهُ) مذكَّر أو مؤنَّث ثُمَّ يقول الجمع؟ نقول: الجمع باعتبار اللفظ على الأصل، وأمَّا الآحاد فهذا باعتبار المعنى.

هنا قاعدة: اعتبار التأنيث في واحدٍ المعدود إن كان اسماً فبلفظه .. إن كان اسماً فيُنْظَر حينئذٍ إلى اللفظ تقول: ثلاثة أشخُصٍ، و (أشخص) هنا جمع شخص، و (شخصٌ) مُذكَّر أو مؤنَّث؟ مُذكَّر، حينئذٍ تقول: ثلاثة أشخصٍ، ولو كان المراد بالأشخص نِسوة. لو أردت بالأشخص النسوة حينئذٍ نقول: النَّظر إلى اللفظ من غير نظرٍ إلى المعنى المقصود من مصدق اللفظ، فقد تريد بالشخص أنثى، وقد تريد بالشخص ذكراً، حينئذٍ: ثلاثة أشخصٍ، نقول: هنا يُعتبر فيه اللفظ من حيث هو لا باعتبار المعنى، ولو كان المصدق الذي يصدق عليه لفظ شخص وهو الآحاد، لأنَّه قال: فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ .. هنا آحاد (أشخص .. شخص) وهو مذكَّر حينئذٍ تأتي بالتاء، ولو كنت قاصداً بالأشخص النِّسوة، لأنَّ هذا شيءٌ خارجٌ عن اللفظ، إذاً: إن كان اسماً فبلفظه تقول: ثلاثة أشخصٍ، قاصداً نِسوة، وثلاث أعين، قاصداً رجال، لأنَّ العين هذه في الأصل: أعيُن جمع عين وهي مؤنَّثة. لأنَّ لفظ (شخصٍ) مذكَّر، ولفظ (عينٍ) مؤنَّث، هذا ما لم يتَّصل بالكلام ما يقوي المعنى، أو يكثر فيه قصد المعنى، إذاً: قد تريد بالثلاثة هنا المعدود: أن يكون مذكَّراً أو مؤنَّثاً باعتبار المعنى لكن باعتبار اللفظ حينئذٍ يُنظر إليه باعتبار التذكير والتأنيث، فلو استعملت الشخص مُراداً به النسوة .. لو قلت: عندي ثلاثة أشخص، حينئذٍ أنَّثت، كيف تؤنِّث وأنت تريد بالشخص المؤنَّث؟ حينئذٍ نقول: النَّظر يكون إلى اللفظ (والشخص) هذا مذكَّر. كذلك: ثلاث أعيُن، إذا أردت بالعين هنا الرجل نقول: (أعيُن) جمع عين (والعين) هذه مؤنَّثة أو مذكَّرة؟ مؤنَّثة، تقول: (هذه عين .. عينٌ فيها) إذاً: هذه يرجع إليها الضمير بالتأنيث، وحينئذٍ تقول: ثلاثُ أعيُن، ولو قصدت بالعين الرجل، فلا يُنظر إلا إلى اللفظ من حيث هو، هل هو مُذكَّر في لسان العرب أم لا؟ أمَّا ماذا تعني به؟ هذا شيءٌ آخر. إذاً: إن كان اسماً فبلفظه من حيث هو لا باعتبار مصدقه، فقد يصدق الشخص على المؤنَّث فتقول: ثلاثة أشخص، وقد تصدق العين على المُذكَّر فتقول: ثلاث أعيُن، ولا تنظر إلى المعنى. قلنا: هذا ما لم يتَّصل به ما يقوي المعنى، يعني: قد يتَّصل به ما يقوي المعنى من حيث انتشار الاستعمال، أو من حيث القرينة. ما لم يتَّصل بالكلام ما يقوي المعنى، أو يكثر فيه قصد المعنى، فإن اتَّصل به ذلك جاز مُراعاة المعنى. فالأول كقوله: ثَلاَثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ .. وقوله: وَإنَّ كِلاَبَاً هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ .. والقياس: عشرة أبطن، لأنَّ (البطن) مُذكَّر أو مؤنَّث؟ مذكَّر، حينئذٍ القياس: عشرة أبطن، لأنَّ (البطن) مذكَّر بحسب اللفظ، ولكن راعى فيه المعنى وهو: القبيلة، اسْتُعْمِل (البطن) مُراداً به: القبيلة فلذلك أنَّث، وإلا الأصل أن يقول: عشرة أبطن، لأنَّ (أبطن) هذا جمع (بطن) والبطن مُذكَّر، حينئذٍ يقول: عَشَرة أَبْطُنٍ.

لكن هنا لَمَّا اسْتُعْمِل (البطن) مُراداً به القبيلة والقبيلة مؤنَّث، حينئذٍ راعى المعنى، متى؟ إذا غَلَب الاستعمال، وهذا عند من يعرف إذا أُطْلِق (البطن) المراد به: القبيلة. فـ (البطن) مُذكَّر بحسب اللفظ ولكن راعى فيه المعنى وهو: القبيلة. والثاني كقوله: ثلاثة أنفس، جمع نفسٍ و (النَّفس) مؤنَّث: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)) [الشمس:7] ولم يقل: ما سواه، إذاً: أعاد إليه الضمير بالمؤنَّث، نحن نقول: ثلاثة أنفس، صحيح أو لا؟ ليس بصحيح، ثلاث أنفس، لأنَّ (أنفس) جمع نفس وهو مؤنَّث، حينئذٍ القاعدة: التَّذكير (فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) جرِّده من التاء إذا كان مُؤنَّثاً .. إذا كان (فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ) مؤنَّث حينئذٍ تُجرِّد العدد من التاء فتقول: ثلاث أنفس، لكن النَّفس يُطْلَق ويُراد به: الإنسان كثيراً، حينئذٍ إذا روعي هذا المعنى صحَّ اتَّصاله بالتاء. والثاني كقوله: ثلاثة أنفس، وثلاث ذودٍ، فإنَّ (النَّفس) كثيراً ما يُستعمل مقصوداً به: الإنسان والإنسان هذا مذكَّر، والقياس: ثلاث أنفس، لأنَّ (النَّفس) مؤنَّثة فراعى المعنى وهو مُذكَّر لكثرة استعمال (النَّفس) في الإنسان، وكذلك (الذَّود) من الإبل من الثلاثة إلى العشرة وهو مؤنَّث لا واحد له من لفظه. إذاً القاعدة: أنَّه يُراعى الواحد، فإن كان اللفظ نفسه مذكَّراً أُنِّثَ العدد، وإن كان مؤنَّثاً ذُكِّر العدد، ولو كان مَصْدَق، يعني: ما يقع عليه ذلك اللفظ مؤنَّثاً أو مُذكَّراً، قد يُراعى في بعض الأحوال مؤنَّث اللفظ المُذكَّر فيؤنَّث العدد، وقد يُراعى في بعض الأحوال مؤنَّث العدد فيُراعى حينئذٍ. إذاً: ننظر إلى اللفظ .. الاسم الواحد: إن كان لفظه مؤنَّثاً ذَكَّرنا العدد ولو كان مَصْدَقُه مُذكَّراً، وقد يُراعى هذا المعنى حينئذٍ يؤنَّث العدد، وننظر إلى اللفظ نفسه فإن كان مؤنَّثاً من حيث هو اللفظ مثل (عين ونفس) من حيث هو، حينئذٍ نُجرِّد الاسم العدد من التَّاء ولو كان مصدقه مذكَّراً، إن راعينا ذلك المعنى الذي يَصدُق عليه الواحد حينئذٍ جاز لنا التأنيث. وإن كان صفةً فبموصوفها المنوي لا بها، ولذلك جاء قوله تعالى: ((فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) [الأنعام:160] (عَشْرُ أَمْثَال) جمع (مثل) وهو مُذكَّر، وقلنا: العشرة مِثل الثلاثة عند عدم التركيب فتخالف القياس، تُذكَّر مع المؤنَّث، وتؤنَّث مع المذكَّر. وهنا المِثْل الذي هو واحد الأمثال مُذكَّر وقال (عَشْرُ) والقياس أن يقول: (عشرة أمثالها) لم قال هنا: (عَشْرُ) بالتذكير مع كون (مَا آحَادُهُ) هنا مذكَّر؟ لأنَّ (أَمْثَال) ليس هو المعدود، وإنَّما هو صفةٌ لموصوفٍ محذوف فروعي في العدد من جهة المعنى، والأصل: عشر حسناتٍ أمثالها. حينئذٍ روعي الموصوف المحذوف المنوي، ولذلك قاعدة العرب: أن الأصل إذا حُذِف الشيء قد يكون مُراعىً منوياً وقد يُحذف ولا يراعى بأن يصير نسياً منسياً، إذا صار منوياً حينئذٍ يُلاحظ في القواعد، وهذا واضح بَيِّن هنا.

أي: عشر حسناتٍ، إذاً: هنا صفة فبموصوفها المنوي روعي العدد فَذُكِّر مع الأمثال، وتقول: ثلاثة دوابٍّ، إذا قصدت ذكوراً، لأنَّ الدَّابة صفة في الأصل، وثلاث دوابٍّ، إذا قصدت إناثاً، ولا يُعتبر لفظ المفرد إن كان علماً، فتقول: ثلاثة الطَّلحات، سبق أنَّ (طلحة) يُجمع بواوٍ ونون باعتبار المعنى، وهذا من المآخذ على مذهب البصريين هناك، لأنَّه قد وقع نوع تعارض. هناك راعوا المعنى فقالوا: لا يُجمع بألفٍ وتاء، وإنَّما يُجمع بواوٍ ونون، يعني: احترزوا باتِّصال التاء هناك .. بألا يكون متَّصلاً بالتاء من نحو: طلحة وحمزة، قالوا: لا يُجمع بواوٍ ونون لأنَّه مؤنَّث، وهنا راعوا المعنى، وهناك لم يُراعوا المعنى، قَدَّموا اللفظ هنا على المعنى، وهناك قَدَّموا المعنى على اللفظ، واللفظ واحد هو: طلحة وحمزة، فكيف يُراعى جانب التذكير هنا، ويُراعى جانب التأنيث هناك؟ ولا شَكَّ أنَّ المعنى أقوى من اللفظ، وخاصَّةً إذا اعتبرنا التاء هذه تاء تأنيث فهي في نية الانفصال، هذا محل إشكال عند البصريين، ولذلك قلنا الصواب هناك: أنَّه يُجمع بواوٍ ونون: طلحون وحمزون، ولا إشكال موافقةً لمذهب الكوفيين. قالوا هنا: لا يُعتبر لفظ المفرد إن كان عَلَماً نحو: ثلاثة الطَّلحات، وخمسٌ الهندات، فهنا اعْتُبِر معنى المفرد لا لفظه، فتقول: ثلاثة الطَّلحات، الأصل: ثلاث الطَّلحات، لأنَّ (الطَّلحات) هذا جمعٌ واحده (طَلْحَة) وهو مؤنَّث من حيث اللفظ، الأصل: ثلاث الطَّلحات، قالوا: لا، هنا نُراعي المعنى، لأنَّ (طلحة) مُسمَّاه مُذكَّر. كذلك يُقال: خمسٌ الهندات، (هندات) جمع (هند)، و (هند) في اللفظ مؤنَّث، حينئذٍ قالوا: خمس الهندات، وهذا غريب عندهم، فهنا اعْتُبِر معنى المفرد لا لفظه. وإذا كان في المعدود لغتان: التذكير والتأنيث كالحال، لفظ الحال قلنا: هذا يُذكَّر ويُؤَنَّث، حالٌ حسنٌ، وحالٌ حسنةٌ، حينئذٍ جاز الحذف والإثبات تقول: ثلاث أحوالٍ، وثلاثة أحوال، يجوز فيه الوجهان. إذاً: القاعدة عندهم في قوله (مَا آحَادُهُ): النظر إلى الواحد إن كان اسماً حينئذٍ يُنظر إلى اللفظ: ثلاثة أشخُص، ننظر إلى اللفظ (شخص) فهو مُذكَّر حينئذٍ نؤنِّث العدد، ولو كان مُسمَّى الشَّخص مؤنَّثاً، ثلاثة أنفس، ننظر إلى اللفظ واحده (نفسٌ) فنُذكِّر اسم العدد لكون هذا مؤنَّثاً هذا هو الأصل، ولو كان مُسمَّاه مذكَّراً، فلا ننظر إلى المعنى في الأصل، ويَجوز اعتبار المعنى لكنَّه فرع إمَّا بغلبة استعمال، وإمَّا بقرينةٍ أخرى كما ذكرناه.

ثُمَّ إنْ كانت صفةً فبموصوفها المنوي لا بها، وعليه يُخَرَّج قوله تعالى: ((فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) [الأنعام:160] (عَشْرُ) بترك التاء مع (أَمْثَالِهَا)، و (أَمْثَال) جمع (مِثْل) وهو مذكَّر، وإنَّما يُراعى فيه هنا المنعوت الـ؟؟؟ وأمَّا العَلَم فعندهم لا يُراعى من حيث اللفظ، وإنَّما يُنظر فيه إلى المعنى، الأعلام يُنظر فيه إلى المعنى، فما كان مَختوماً بالتاء حينئذٍ يُؤنَّث له أو يُذكَّر .. العَلَم المذكَّر إن كان اتصلت به التاء، يؤنَّث له العدد أو يذكَّر؟ يؤنَّث نعم، ولذلك يُقال: ثلاثة الطَّلحات، أنَّثوا له العدد باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ. وقالوا: خمس الهندات، (هندات) جمع (هند) وهو مُؤنَّث من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، أو هو مشترك لكنَّه غلب استعماله في الإناث، حينئذٍ قالوا: خمس الهندات، باعتبار المعنى، لأنَّ مَصْدَق (هند) مؤنَّث، فذكَّروا له العدد، وإذا كان المعدود فيه لغتان حينئذٍ جاز الوجهان، تجريد اللفظ .. الاسم العدد من التاء واتِّصال التاء فتقول: ثلاث أحوالٍ، وثلاثة أحوالٍ. . . . وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ ... جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ قلنا: المُراد بالجمع هنا: جمع التكسير، وبالقلَّة: الأربعة الأوزان، وقوله: (فِي الأَكْثَرِ) هذا يعود إلى النوعين: الجمع، فقد لا يكون جمع تكسير، و (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) .. (الأَكْثَرِ) أن يكون بلفظ قلةٍ، وقد لا يكون بلفظ القِلَّة. وذكرنا أن جمع التكسير على ثلاثة أنحاء، لأنَّه: إمَّا جمع قِلَّة، وإمَّا جمع كثرة، قد يكون لجمع التكسير جمع قِلَّة فقط، ولم يُسمع فيه جمع كثرة، وقد يكون بالعكس، وقد يكون له الجمعان. متى نقول: (فِي الأَكْثَرِ)؟ إذا كان له جمعان: جمع قلَّة، وجمع كثرة، حينئذٍ نقول: الأفصح والأكثر: أن يُضاف اسم العدد إلى جمع قِلَّة، ولا نضيفه إلى جمع الكثرة هذا الفصيح وهذا الأكثر، إن لم يكن له إلا جمع قِلَّة فلا محال أنَّه يُضاف إلى جمع القِلَّة، وإن لم يكن له إلا جمع كثرة فلا محال أن يُضاف إلا إلى جمع الكثرة. فتمييز الثلاثة إلى العشرة يكون جمعاً مُكَّسَّراً من أبنية القِلَّة، وقد يتخلف كل واحدٍ من هذه الثلاثة فيضاف للمفرد وذلك إن كان (مائةً) نحو: ثلاث مائةٍ وسبعمائة، وشَذَّ في الضرورة قوله: ثَلاَثُ مِئِينٍ لِلْمُلُوْكِ وَفَى بِهَا .. ويُضاف لجمع التَّصحيح في ثلاث مسائل -احترازا من جمع التكسير-، قد يضاف إلى جمع التَّصحيح – وهذه نسينا أن ننبه عليها بالأمس - يضاف إلى جمع التَّصحيح في ثلاث مسائل: المسألة الأولى: أن يُهمل تكسير الكلمة، يعني: لا يُسمع في لسان العرب أنَّهم كسَّروا الكلمة، يعني: ما حُفظ لها جمع تكسير، نحو: سَبْعَ بَقَرَاتٍ .. سَبْعَ سَمَوَاتٍ .. خمس صلوات، (صلوات .. صلاةٌ) جُمع بألفٍ وتاء، هل سُمع جمع تكسير للصلاة؟ ما سُمع، ليس عندنا إلا (صلوات) وهو جمع تصحيح، هو جمع تصحيح (صلوات)؟ نعم، جمع مؤنَّث سالم يُسمَّى: جمع التصحيح، كذلك: بقرات جمع بقرة، لم يُسمع تكسيره.

الثانية: أنْ يُجاور ما أُهْمل تكسيره نحو: سنبلات، فإنَّه في التنزيل مجاور لسبع بقرات، يعني: قد يكون له جمع تكسير ولكنَّه يُؤتى به على صيغة جمع التَّصحيح للمجاورة، مثل تنوين مجاورة: ((سَلاسِلاً وَأَغْلالًا)) [الإنسان:4] قلنا: (سَلاسِلا) هذا مَمنوعٌ من الصَّرف ولكنَّه نُوِّن لمجاورة (أَغْلالًا) و (أَغْلالًا) مصروف، هنا مثله، قد يُضاف إلى جمع التصحيح مع كون ذلك اللفظ له جمع تكسير، والسبب في ذلك: المجاورة .. كونه جاور اسم عدد أُضيف إلى ما أُهْمِل تكسيره كـ: (سنبلات). والثالثة: أن يَقِل استعمال غيره، يعني: يكون له جمع تصحيح وجمع تكسير، لكنَّ الأكثر من حيث الاستعمال جمع التصحيح فحينئذٍ يُراعى فيه الأكثر، نحو: ثلاث سعادات، سُمع (سعائد) لكنَّه قليل، (سعائد) هذا جمع تكسير و (سعادات) جمع تصحيح، يُضاف إلى (سعادات) ويَجوز إضافته إلى (سعائد)، لكن الأفصح أنْ يُضاف إلى (سعادات) لأنَّه أكثر استعمالاً من (سعائد). ويَجوز: ثلاث سعائدَ أيضاً، والمختار في الأخيرتين التَّصحيح، الذي هو: أنْ يُجاور ما أُهْمِل تكسيره المختار التصحيح، مع كونه له جمع تكسير، وكذلك أنْ يَقِلَّ استعمال غيره مع كونه له جمع تكسير، فالأفصح حينئذٍ التَّصحيح، ويَتعيَّن في الأولى التصحيح لإهمال جمع التكسير .. ليس له جمع تكسير، وإنَّما تَعيَّن ذلك لوجود جمع التَّصحيح فحسب، وإذا كان كذلك حينئذٍ يَتعيَّن. فإن كثُر استعمال غيره ولم يُجاور ما أُهْمِل تكسيره لم يُضف إليه إلا قليلاً، يعني: إذا لم يكن واحداً من الثانية أو الثالثة، الأولى أُهْمِل تكسيره فلا بُدَّ منه، الثانية والثالثة حينئذٍ نقول: إذا لم يكن من الثانية ولا من الثالثة لم يُضف إليه إلا قليلاً .. إلى جمع التصحيح، نحو: ثلاثة أحمدين، وثلاث زينبات (زينبات) .. (زينبات) له زيانب، و (أحمدين) (أحمد .. أفعل .. أفاعل .. أحامد) حينئذٍ له جمع تكسير وله جمع تصحيح (أحمدين) هذا جمع تصحيح بياء ونون (وزينبات) جمع تصحيح بألفٍ وتاء، نقول: هذا قليل ولذلك يُقال: يُحفظ ولا يقاس عليه. ويُضاف لبناء الكثرة في مسألتين، لأنَّه قال: (بِلَفْظِ قِلَّةٍ)، قلنا: (فِي الأَكْثَرِ) هذا احترازاً مِمَّا إذا كان جمع تكسير وأُضيف إلى جمع الكثرة، يُضاف لبناء الكثرة في مسألتين: الأولى: أن يُهمل بناء القِلَّة فلا يُسمع، نحو: ثلاث جوارٍ، وأربعة رجال، وخمسة دراهم، (دراهم) هذا ليس له جمع قِلَّة، و (رجال) ليس له جمع قلَّة، و (جواري) ليس له جمع قلَّة، حينئذٍ لا محال أن يُضاف إلى جمع الكثرة. الثاني: أنْ يكون له بناء قِلَّة، سُمع بناء القِلَّة وبناء الكثرة، ولكن بناء القلَّة شاذٌّ قياساً أو سماعاً، حينئذٍ سماعه كعدم سماعه، فيُنَزَّل لذلك مُنَزَّلة المعدوم كأنَّه لم يُسمع له جمع قِلَّة. فالأول نحو: ((ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) [البقرة:228] قلنا: (قُرُوءٍ) هذا جمع قرءٍ، (وقرْءٍ) جمعه جمع قِلَّة على (أقراء) هذا شاذ، ولذلك عُدل عنه في القرآن إلى (قُرُوءٍ) جمع كثرة وسُمِع (أقراء) جمع (قرءٍ) بفتح القاف وإسكان الراء لكنَّه شاذ، وحينئذٍ عُدِل إلى جمع الكثرة.

فإن جمع (قرءٍ) بالفتح على (أقراء) شاذ، والثاني: ثلاثة شسوع، فإنَّ أشساعاً قليل الاستعمال، (أشساع) مسموع، ليس بشاذ لكنَّه قليل الاستعمال، أكثر منه (شسوع) وهو جمع كثرةٍ حينئذٍ يُضاف إليه. إذاً: يُضاف إلى جمع كثرة في مسألتين: الأولى: ألا يُسمع له جمع قلَّة. الثانية: أن يُسمع لكنَّه قليل بالنسبة للكثرة أو شاذ، حينئذٍ يُعدل عنه إلى جمع الكثرة. إذاً قوله: . . . وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ ... جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ قلنا: لكل لفظٍ من هذين اللفظين جمعاً، و (بِلَفْظِ قِلَّةٍ) هذا له محترزات، (جَمْعاً) يعني: جمع تكسير، وكذلك جمع التكسير يكون (بِلَفْظِ قِلَّة)، فإن لم يكن جمع تكسير يخرج إلى جمع التصحيح في المسائل الثلاث، وإذا لم يكن بجمع قِلَّة فإنَّما يكون بجمع كثرة في المسألتين اللتين ذكرناهما. ثُمَّ قال: وَمِائَةً وَالأَلْفَ لِلْفَرْدِ أَضِفْ ... وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ إذاً: الثلاثة إلى العشرة والمائة يكون التَّمييز فيها مضافاً، إلا أنَّ الثلاثة إلى العشرة يكون جمعاً، والمائة والألف وما ثُنِّي منهما وجُمِع منهما كذلك يكون مضافاً لكنه مفرد. وَمِائَةٌ بِالجَمْعِ نَزْراً قَدْ رُدِفْ .. يعني: قليل، وحكم بعضهم عليه بالشذوذ أن يُضاف إلى الجمع، وإنَّما الأصل فيه والفصيح: أن يكون مُفرداً، إذاً بهذه الأبيات الثلاثة نقول: العدد المضاف على قسمين: ما لا يُضاف إلا إلى جمعٍ وهو من ثلاثةٍ إلى عشرة، وعرفنا الجمع المراد به هنا. والثاني: ما لا يُضاف إلا إلى مفرد وهو: مائةٌ وألفٌ وتثنيتهما وجمعهما، مهما جُمِع الآلاف أو المئات فإنَّما يُضاف إلى المفرد، وما سُمِع من إضافته إلى الجمع فهو خلاف الأصل. ثُمَّ قال: وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ ... مُرَكِّبَاً قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ ... وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ هذا شروعٌ منه من ذكر العدد من أحد عشر إلى تسعة عشر، وهذا ما يُسمى بالعدد المركب، الأول العدد المفرد وهذا العدد المركَّب. وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ .. يعني: قل: أحد عشر، متى؟ (قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ) إذا أردت بأنَّ المعدود ذَكَر حينئذٍ تأتي بـ: (أَحَدَ عَشَرْ)، وإذا كان مؤنَّثاً حينئذٍ قلت: (إِحْدَى عَشْرَةْ) الأول: بتذكير الجزئيين والثاني بتأنيث الجزئيين: ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] (كَوْكَبًا) هذا تمييز وهو مذكَّر، حينئذٍ تُذكِّر الجزئيين الصدر والعجز، فتقول: (أَحَدَ عَشَرَ) وتقول: إحدى عشرة امرأة (امرأة) هذا تمييز مؤنَّث، وحينئذٍ تؤنِّث له الجزئيين فتقول: (إحدى) الجزء الأول .. الصدر (عشرة) هذا العجز .. الجزء الثاني. إذاً: أحد عشر وإحدى عشر، يكون النظر فيهما باعتبار المُميِّز، لا بُدَّ أن يكون مفرداً منصوباً كما سيأتي، وحينئذٍ تنظر إليه: إن كان هذا المفرد المنصوب مُذكَّراً ذكَّرت الجزئيين، وإن كان مؤنَّثاً أنَّثْتَ الجزئيين.

(وَأَحَدَ اذْكُرْ) اذكر أحد، هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (اذْكُرْ)، (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) (بِعَشَرْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (صِلَنْهُ)، والهاء في (صل) المتصلة بها في محل نصب مفعول به، (وَصِلَنْ) هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة. هنا قال: (وَأَحَدَ) لفظ به مُذكَّراً، ثُمَّ قال: (بِعَشَرْ) لفظ به مُجرَّداً من التاء، إذاً: التجريد ولفظ أحد مقصودٌ في هذا التركيب، (مُرَكِّبَاً) لهما، قلنا: (مُرَكِّبَاً) يجوز فيه الوجهان، (مُرَكِّبَاً .. مُرَكَّبَاً) (مُرَكِّبَاً) على أنَّه حالٌ من فاعل (اذْكُرْ) اذْكُرْ أَحَدَ عَشَرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ، يعني: صله به حال كونك مُرَكِّبَاً لهما. (مُرَكَّبَاً) بالفتح أيضاً حال لكنَّه من عشر، وَصِلَنْهُ بِعَشْرٍ حال كونه مركَّباً مع (أَحَدَ) (قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ) اذكر أحد قاصداً حال كونك (قاصداً) إذا قصدت المذكَّر (مَعْدُودٍ ذَكَرْ) قلت: أحد عشر بغير تاء نحو: ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4]. وهمزة (أحد) مبدلةٌ من واو، وقد قيل: وحد عشر على الأصل، يعني: نُطق به وهذا فيه كشفٌ عن الأصول، وهو أصلٌ مهجور، وإن كان لغةً إلا أنَّه أصلٌ مهجور، يُقال: أحد عشر ووحد عشر، بإبدال الهمزة واو، أيُّهما أصلٌ وأيُّهما فرع؟ (أحد) فرعٌ (ووحد) هذا أصلٌ، وهذا تصريحٌ بالأصل. وقد قيل: وحد عشر على الأصل وهو قليل، وقد يُقال: واحد عشر على أصل العدد. إذاً: (أحد) فيه ثلاث لغات، ما هي؟ (أحد) هذا الفصيح وجاء في القرآن (وحد عشر، واحد عشر) (واحد) على الأصل: واحد .. اثنان. إذاً: وَأَحَدَ اذْكُرْ وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ ... مُرَكِّبَاً قَاصِدَ مَعْدُودٍ ذَكَرْ هذا في التذكير. وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ .. (قُلْ) إذا قصدت المؤنَّث قلت: إِحْدَى عَشْرَةْ امرأةً بإثبات التاء، وقد يُقال: واحدة عشرة، يعني: بإثبات التاء، كما قيل: واحد عشر يُقال: واحدة عشر، هذا فيه ثِقل. إذاً: (قُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ) إذا قصدت التأنيث (إِحْدَى عَشْرَةْ)، انظر! النَّاظم هنا نَطَق بـ (عَشْرَةْ) بإسكان الشين، وهناك قال: (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) بإثبات الفتح، إذاً: الفتح يكون مع المذكَّر: أَحَدَ عَشَرْ، والتسكين .. تسكين الشين يكون مع المؤنَّث فتقول: إحدى عَشْرَة امرأة، بسكون الشين وزيادة التاء: إحدى عَشْرَة امرأة، هذه هي اللغة الفصحى. وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ .. هذه اللغة الثانية: إحدى عَشِرَة بكسر الشين، (الشِّينُ) مبتدأ، والشين كسرةٌ فيها عن تميمٍ، ما إعراب (كَسْرَهْ)؟ الشِّينُ كَسْرَةٌ فِيهَا: مبتدأ وخبر ولذلك نطقت به على الترتيب حتى تفهم: والشِّينُ كَسْرَةٌ فِيهَا، (كَسْرَةٌ) مبتدأٌ ثاني و (فِيهَا) هذا خبر الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. إذاً: (وَالشِّينُ) سابقاً من (عَشْرَةْ) التي قيَّدها في البيت الثاني، والمراد به التأنيث لا التذكير، (وَالشِّينُ كَسْرَةٌ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ) (عَنْ تَمِيمٍ) جار مجرور متعلِّق بما تعلَّق به فيها، لأنَّه لا بُدَّ له من متعلَّقٍ يتعلَّق به.

وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ .. أي: مع المؤنَّث فيقولون: إحدى عَشِرة، واثنتا عَشِرة بكسر الشين، وبعض تميم يفتحها وهو الأصل إلا أن الأفصح التسكين وهو لغة الحجاز، إذاً: الشين من عشرة بالتأنيث فيه ثلاث لغات: -اللغة الفصحى تسكين الشين. -وعن تميمٍ فيها كسرة يعني: تُكسر عَشِرة. وفيها لغةٌ وهو لبعض تميم فتحها: إحدى عَشَرة .. إحدى عَشْرة .. إحدى عَشِرة، ثلاث لغات، والأفصح: التسكين وهو لغة الحجاز. وأمَّا في التذكير فالشين مفتوحة، ولذلك ذكر النَّاظم هنا اللغة الثانية عندما قال: وَقُلْ لَدَى التَّأْنِيْثِ إِحْدَى عَشْرَةْ ... وَالشِّينُ فِيهَا عَنْ تَمِيمٍ كَسْرَهْ نطق بـ (إِحْدَى عَشْرَةْ) بإسكان الشين فدلَّ على أنَّها مخالفة لقوله (وَصِلَنْهُ بِعَشَرْ) فالحكم متعلِّق بالتأنيث، إذاً في التذكير الشين تكون مفتوحة. وقد تُسْكن عين عشَر فيقال: أَحَدَ عْشَر بإسكان العين وكذلك: أخوات وهذا في المذكر لتوالي الحركات ولإفادة المبالغة في الامتزاج. إذاً يُقال: أَحَدَ عَشَر مع المذكَّر، ويُقال: إحدى عَشْرة مع المؤنَّث، الشين من المذكَّر تكون مفتوحة لا غير، والشين من المؤنَّث الأفصح أن تكون: ساكنة كما نطق بها النَّاظم، وجوَّز لغةً أخرى وهي: لغة تميم الكسر، وفيها لغةٌ ثالثة وهي: الفتح. وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ... مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدَا وَلِثَلاَثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا ... بَيْنَهُمَا إِنْ رُكِّبَا مَا قُدِّمَا (فَافْعَلْ) هنا يبدأ الكلام (فَافْعَلْ مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى مَا فَعَلْتَ مَعْهُمَا قَصْدَا)، (فَافْعَلْ) الفاء زائدة (افْعَلْ مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى) ما هو (غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى)؟ اثنان واثنتان إلى تسعة عشر. وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى .. (افْعَلْ مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى مَا فَعَلْتَ مَعْهُمَا) ما هو الذي فعلته معهما .. ماذا صنعت بالعشرة هناك .. وافَقَت أم خالَفَت؟ وافقت، و (أَحَدَ وَإِحْدَى) وافقت أم خالفت؟ وافقت، إذاً: وافق الجزءان هناك، وهنا حكم بالبيت الأول على الجزء الثاني وهو: العجز بأن تفعل فيه هنا (مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى) ما فعلته هناك من موافقة القياس، فيُذَكَّر مع المذكَّر ويُؤَنَّث مع المؤنَّث. وأمَّا الصدر فله حكم ما قُدِّم وهو: أنَّه مخالفٌ للقياس، ولذلك قال: وَلِثَلاَثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا ... بَيْنَهُمَا إِنْ رُكِّبَا. . . . . . . . بعد التركيب لا قبل التركيب (مَا قُدِّمَا) وما هو الذي (قُدِّمَا)؟ مخالفة القياس. إذاً: عندنا نظران: تقول: ثلاث عَشَر امرأة غير صحيح، ثلاث عَشْرة امرأة .. ثلاثة عَشْرة رجلاً .. ثلاثة عَشَر رجلاً، إذاً: عَشَرة هذا يُطابق المعدود .. التَّمييز إن كان مذكَّراً: عَشَرة امرأة، ثُمَّ ثلاثة إلى التسعة التي قبل عشرة الجزء الأول تنظر إلى المرأة فإذا به واحدٌ مؤنَّث فتخالفه فتقول: ثلاث بدون تاء، لأنَّه قبل التركيب هو مخالف، ثُمَّ بعد التركيب حكمه واحد، إذاً من الثلاثة إلى التسعة حكمها مخالفة القياس قبل التركيب وبعد التركيب.

وأمَّا العشرة فلها حالان: قبل التركيب فهي كالثلاثة والتسعة، وبعد التركيب فهي مطابقة وموافقة للقياس، هذا مراده بهذين البيتين. (وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ) (مَعَ) هذا متعلِّق بقوله (فَافْعَلْ) الفاء هذه إن قلنا بأنَّها زائدة لا إشكال فيه، وإن قلنا بأنَّها واقعة في جواب الشرط فلا بُدَّ من تقدير (أمَّا) (وأمَّا مَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى فَافْعَلْ) وهذا لا نحتاجه، وإنَّما نقول (فَافْعَلْ مَعَ غَيْرِ) (مَعَ غَيْرِ) متعلِّق بقوله (فَافْعَلْ). وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ... مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ. . . . . . (افعل ما) (مَا) اسم موصول بمعنى الذي مفعولٌ به لقوله: (افْعَلْ) افْعَلْ مَا فَعَلْتَ مع أَحَدٍ وَإِحْدَى مَا فَعَلْتَه مَعْهُمَا وهو: كونه تكون فيه العشرة موافقة للقياس. وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ... مَا مَعْهُمَا. . . . . . . . . . . (مَعْهُمَا) هذا متعلِّق بقوله (فَعَلْتَ) و (فَعَلْتَ) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب (مَا فَعَلْتَ معهما) الضمير يعود هنا على (أَحَدٍ وَإِحْدَى)، (وَغَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى) ليس المراد به: أحدٍ وإحدى وإنَّما المغاير لهما و (فَعَلْتَ مَعْهُمَا) المراد به: (أَحَدٍ وَإِحْدَى) إذاً (غَيْرِ) المراد به: المغاير يعني: ليس الحكم منصبَّاً على لفظ (أَحَدٍ) ولفظ (إِحْدَى) وإنَّما الحكم الذي هو مغايرٌ لهما وفعلته معهما. (أَحَدٍ وَإِحْدَى) اسم العدد الذي هو غير (أَحَدٍ وَإِحْدَى) تفعل معهما ما فعلت مع (أَحَدٍ وَإِحْدَى)، فقوله: (مَعْهُمَا) يعود على (أَحَدٍ وَإِحْدَى) و (غَيْرِ أَحَدٍ) يصدق على الثلاثة والأربعة والخمسة إلى آخره. (فَافْعَلْ قَصْدَاً) ما إعراب (قَصْدَا)؟ حالٌ من الضمير المستتر في (افْعَلْ) على التأويل بمشتق، وهو اسم فاعل، أي: قاصداً يعني: عادلا، ويجوز أن يكون مفعولاً مطلقاً على حذف مضاف أي: فعل قصدٍ أي: اقتصاد، ومعنى البيت: أن ما فعلت مع أحدٍ وإحدى من إسقاط التاء في المذكر وإثباتها في المؤنث افعله فيما فوقهما من غيرهما فشمل ذلك العدد من اثني عشر واثنتي عشرة إلى تسعة عشر وتسع عشرة، هذا المقصود به العشرة .. الجزء الثاني. وَلِثَلاَثَةٍ وَتِسْعَةٍ وَمَا ... بَيْنَهُمَا إِنْ رُكِّبَا مَا قُدِّمَا (مَا قُدِّمَا) (مَا) مبتدأ هنا، و (قُدِّمَا) فعل ماضي مغير الصيغة والألف للإطلاق (مَا قُدِّمَا) أي: في الإفراد وهو ثبوت التاء مع المذكر وحذفها مع المؤنَّث في الإفراد يعني: قبل التركيب، لأنَّه هو الذي قُدِّم (ثَلاَثَةً بِالتَّاءِ قُلْ) فيما سبق. هنا قال: (مَا قُدِّمَا) الحكم الذي قدِّم في الإفراد وهو ثبوت التاء مع المذكر وحذفها مع المؤنث (لِثَلاَثَةٍ وَتِسْعَةٍ إِنْ رُكِّبَا)، (مَا) مبتدأ (قُدِّمَا) صلة الموصول، أين الخبر؟ (لِثَلاَثَةٍ وَتِسْعَةٍ) هذا متعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ.

(وَمَا بَيْنَهُمَا) يعني: والذي بينهما .. بين الثلاثة والتسعة (الأربعة إلى الثمان) (وَمَا) هذه معطوفة على قوله: (ثَلاَثَةٍ) فهي في محل جر، و (بَيْنَهُمَا) متعلِّق بمحذوف صلة الموصول، (إِنْ رُكِّبَا) هذا شرطٌ (رُكِّبَا) الألف هذه فاعل تعود على الثلاثة والتسعة. إذاً قوله: (وَمَا بَيْنَهُمَا)، (مَا) معطوف على (تِسْعَةٍ) واقعةٍ على ما بين الثلاثة والعشرة. لمَّا فرغ من ذكر العدد المضاف ذكر العدد المركَّب، فيُرَكَّب عَشَرةٌ مع ما دونها إلى واحد نحو: أحد عَشَر واثنا عشر وثلاثة عشر وأربعة عشر إلى تسعة عشر، هذا للمذكَّر. وتقول في المؤنَّث: إحدى عشرة، واثنتا عشرة، وثلاث عشرة، وأربع عشرة .. إلى تسع عشرة، فللمذكر أحدٌ واثنا، وللمؤنَّث إحدى واثنتا، وأمَّا ثلاثة وما بعدها إلى تسعةٍ فحكمها بعد التركيب كحكمها قبله فتثبت التاء فيها إن كان المعدود مذكَّراً وتسقط إن كان مؤنَّثاً، وأمَّا عشرة وهو الجزء الأخير فتسقط التاء منه إن كان المعدود مذكَّراً وتثبت إن كان مؤنَّثاً، على العكس من ثلاثةٍ فما بعدها، ولذلك لو قيل بأن لها حالين كان أجود، أمَّا الثلاثة والتسعة وما بينهما فلها حالٌ واحدة قبل التركيب وبعد التركيب وهي: المخالفة .. مخالفة القياس، وأمَّا العشر فلها حالان: مفردة فهي مثل الثلاثة والتسعة، ومركَّبة وهي مطابقة .. موافقة للقياس. فتسقط التاء منه إن كان المعدود مذكَّرا وتثبت إن كان مؤنَّثا على العكس من ثلاثة فما بعدها فتقول: عندي ثلاثة عشر رجلاً وثلاث عشرة امرأةً، وكذلك حكم عشرة مع أحد وإحدى واثنين واثنتين، فتقول: أحد عشر رجلاً واثنا عشر رجلاً بإسقاط التاء، وتقول إحدى عشرة امرأةً واثنتا عشرة امرأة بإثبات التاء، ويجوز في شين عشرة مع المؤنِّث التسكين، هو اللغة الفصحى وهو الأصل، ويجوز أيضا كسرها وهي لغة تميم وبعضهم فتحها. إذاً: وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى فَافْعَلْ مَا فَعَلْتَ مَعْهُمَا قَصْدَاً أي: قاصداً عادلاً، أي: من اثنين واثنتين إلى تسعٍ وتسعةٍ، وبين بهذا البيت حكم العشرة إذا رُكِّبت مع التسعة فما دونها، هذا البيت الأول: وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى .. ثُمَّ بيَّن بالبيت الذي يليه حكم التسعة وما تحتها إذا رُكِّبت مع العشرة. وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ... مَا فَعَلْتَ مَعْهُمَا فَافْعَلْ. . . . . . . . (مَا فَعَلْتَ) يعني: في العشرة من التجريد من التاء مع المذكَّر وإثباتها مع المؤنَّث، ومَا قُدِّمَا لثلاثةٍ وتسعةٍ إِنْ رُكِّبَا، (مَا) هذه مبتدأ واقعة على الحكم المنسوب للعشرة، والحاصل أن للعشرة في التركيب عكس ما لها قبله، فتُحذف التاء في التذكير وتثبت في المؤنَّث، فتقدير البيت الثاني: الذي قُدِّم لثلاثةٍ وأخواتها من الحكم السابق مستقرٌّ لها في التركيب .. ثابت، فلا فرق بينهما. وَأَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ وَعَشْرَا ... إِثْنَيْ إِذَا أُنْثَى تَشَا أَوْ ذَكَرَا وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ وَارْفَعْ بِالأَلِفْ ... وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَي سِوَاهُمَا أُلِفْ

(وَأَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ)، (أَوْلِ) فعل أمر يتعدى إلى اثنين (عَشْرَةَ) الفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت و (عَشْرَةَ) هذا مفعولٌ أول (أَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ) متى؟ (إِذَا أُنْثَى تَشَا) وأول عشراً اثني إذا تشاء ذكراً، فتقول: عندي اثنا عشر رجلاً، ماذا صنعت؟ النظر أولاً إلى رجلاً (رجلاً) هذا مذكَّر (العشر) قلنا: هذا الحكم واحد سابق .. مما سبق يعني: معلومٌ من الحكم السابق. وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى .. دخل فيه اثنان واثنتان، فالعشرة حكمها واحد: من أحد عشر إلى تسعة عشر تذكَّر مع المذكر وتؤنَّث مع المؤنَّث، هنا أراد أن يبين -دفعاً لوهمٍ- أن يبين أنَّ قوله (وَلِثَلاَثَةٍ وَتِسْعَةٍ) أن الحكم لا يشمل اثنين واثنتين، لأنَّ قد يُقال بأن الحكم بالتخالف مطلقاً حتى في الاثنين والاثنتين، فتقول: عندي اثنتا عشر رجلاً بالتخالف، وعندي اثنا عشرة امرأة بالتخالف، نقول: لا، هذا الوهم يجب دفعه، حينئذٍ حكم اثني واثنتي حكم أحدى وإحدى فيذكَّر مع المذكَّر ويؤنَّث مع المؤنَّث، فتقول: عندي اثنا عشر رجلاً هذا للمذكَّر .. مثنى مذكر، وتقول: عندي اثنتا عشرة امرأة، حينئذٍ أُنِّثَ مع المؤنَّث، هذا مراده بالبيت. إذاً: لماذا صرَّح مع كونه داخلاً فيما سبق؟ دفعاً لهذا الوهم الذي قد يرد، صرَّح به مع دخوله فيما سبق دفعاً لتوهم أنَّ اثنين في حال تركيبه مع العقد كثلاثٍ فما فوق، يخالف، فإذا كان المعدود رجلاً قلت: عندي اثنتا عشر رجلاً، لأنَّه قال: (وَلِثَلاَثَةٍ وَتِسْعَةٍ). وَمَعَ غَيْرِ أَحَدٍ وَإِحْدَى ... مَا مَعْهُمَا فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدَا قد يُظن أن الحكم عام، دفعاً لتوهم أن اثنين في حال تركيبه مع العقد كثلاثٍ فما فوق في هذه الحالة يُجرَّد من التاء عند التأنيث وتلحقه عند التذكير، فقال: (وَأَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ) أولها يعني: اجعلها تاليةً لها، اجعل (عَشْرَةَ) تاليةً وتابعةً لـ (اثْنَتَيْ) وعشراً أوله اثني .. اجعله تابعاً، متى؟ (إِذَا أُنْثَى تَشَا) فقل: اثنتا عشرة، (أَوْ ذَكَرَا) إن تشأ ذكراً، فقل: عندي اثنا عشر رجلاً. إذاً: فتقول: جاءتني اثنتا عشرة امرأة واثنا عشر رجلاً، إذاً قوله: (عَشْرَةَ) مفعولٌ أول لـ (أَوْلِ) و (اثْنَتَيْ) مفعولٌ ثاني، (وَعَشْرَاً أُنْثَى) (عَشْرَاً) هذا معطوفٌ على (عَشْرَةَ) و (أُنْثَى) هذا معطوفٌ على (اثْنَتَيْ) حينئذٍ فيه ترتيب، لأنَّه قال: (إِذَا أُنْثَى تَشَا) هذا راجع إلى الأول. وقوله: (أَوْ ذَكَرَا) هذا راجعٌ إلى الثاني، معطوفٌ على (أُنْثَى) وفيه ردُّ الأول للأول والثاني للثاني يعني: أَوْلِ عَشْرَةَ اثْنَتَيْ إِذَا أُنْثَى تَشَا .. الأول له، وعشراً اثني إذا تشا ذكرا، (تَشَا) هذا بدون همزة أصله: شاء .. تشاء، أين الهمزة؟ حُذِفت ضرورة، وجوَّز المكودي أن تكون محذوفة تخفيفاً لهمزة (أَوْ) .. (تَشَاءُ أَوْ) هذا فيه ثِقَل، حُذِفت من أجل التخفيف لا من أجل اللغة. إذاً: إِذَا أُنْثَى تَشَا أَوْ ذَكَرَا ..

(ذَكَرَا) الألف للإطلاق، لفٌّ ونشرٌ مرتَّب، وقوله: (تَشَا) مضارع شاء قصره للضَّرورة، وقال المكودي: " ويجوز أن يكون حذف الهمزة من (تَشَا) لاجتماعها مع همزة (أَوْ) ". (وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ) والياء في اثْنَيْ واثْنَتَيْ لِغَيْرِ الرَّفْعِ، ما هو غير الرفع؟ النصب والجر، إذاً: عندي اثني عشرة صحيح؟ هو يقول (وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ) عندي اثني عشر رجلاً؟ لا يصح، مررت باثني عشر رجلاً .. رأيت اثني عشر رجلاً. (وَارْفَعْ بِالأَلِفْ) عندي اثنا عشر رجلاً، إذاً: اثنا واثنتان هذا حكمهما سبق في الملحق بالمثنى، إذاً: بالرفع يكون ألف، وفي النصب والخفض يكون بالياء، وَالْيَا في اثنين واثنتين (لِغَيْرِ الرَّفْعِ) و (غَيْرِ الرَّفْعِ) هو النَّصب والجر، (وَارْفَعْ بِالأَلِفْ) نيابةً عن الضَّمَّة لأنَّه ملحقٌ بالمثنى، هذا الجزء الأول: اثنا عشر .. اثنتا عشرة .. اثني عشر .. اثنتي عشرة، الجزء الأول يكون معرباً. وأمَّا الجزء الثاني وهو (عَشْرَا وعَشْرَةَ) فإنَّه مبنيٌّ على الفتح مطلقاً في حالة الرفع أو النصب أو الخفض، في الأحوال الثلاثة، وأمَّا ما عدا اثني واثنتي. وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَيْ سِوَاهُمَا أُلِفْ .. الجزء الثاني علمنا من السابق أنَّه مطلقاً مبنيٌّ على الفتح، وإنَّما اختصَّ الجزء الأول من باب اثني واثنتي لما سيأتي، وأمَّا ما عداهما وهو من أحد عشر إلى تسعة عشر فهو مبنيٌّ على فتح الجزأين، إذاً: الأول يكون مبنياً بالفتح والثاني كذلك، فتقول: جاء أحد عشر رجلاً فـ (أحد عشر) هذا مركب عددي، نقول: في محل رفع فاعل، وأمَّا هو اللفظ فهو مبنيٌّ، والأول الصدر وهو أحد عليه فتح، (وعشر) هذا عليه فتح. إذاً: مبنيٌّ بفتح الجزأين طلباً للتَّخفيف، ورأيت أحد عشر كوكباً، ومررت بأحد عشر رجلاً، إذاً: يلازم البناء على فتح الجزأين مطلقاً رفعاً ونصباً وخفضاً، بخلاف اثني واثنتي إنَّما يتغير الأول بحسب العوامل المسلطة عليه. (وَالْفَتْحُ) هذا مبتدأ و (أُلِفْ) خبره و (فِي جُزْأَيْ) متعلِّقٌ بالفتح، (الْفَتْحُ فِي جُزْأَي) لأنه مصدر (الْفَتْحُ): فَتَحَ يَفْتُح فَتْحَاً فهو مصدر وتعلَّق به قوله: (فِي جُزْأَيْ). وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَي سِوَاهُمَا أُلِفْ ..

(فِي جُزْأَي) أصله: جزئيين حُذِفت النون للإضافة وهو مضاف و (سِوَا) مضافٌ إليه، و (سِوَا) مضافٌ والضمير مضاف إليه، ما هو الضمير؟ الهاء فقط، أمَّا الميم هذه حرف عماد، والألف للتثنية، (سِوَاهُمَا أُلِفْ)، أمَّا العجز ما علة بناءه؟ قيل: فعلة بناءه تضمنه معنى حرف العطف، والمراد هنا حرف العطف: الواو، إذ الأصل قبل التركيب: أعطيتك خمسةً وعشرةً، وحُذِفت الواو ورُكِّب العددان اختصاراً .. طلباً للاختصار: خمسةً وعشرةً، حُذِفت الواو وأُرِيد التركيب، اللفظ الثاني مع الأول طلباً للاختصار، ودفعاً لما يتبادر من العطف أن الإعطاء دفعتان: أعطيتك خمسةً وعشرةً هذا يحتمل أعطيتك يوم السبت خمسة ويوم الأحد عشرة، يحتمل أن الحكم هنا .. الإعطاء علة دفعتين، والأصل فيه أن المراد به: أنَّه مرةً واحدة .. دفعة واحدة. دفعاً لهذا الوهم مع طلب الاختصار ضُمِّن الثاني معنى الواو وحذفت. وأمَّا الصدر الأول .. خمسةَ: فعلَّة بناءه وقوع العجز منه موقع تاء التأنيث في لزوم الفتح، ما قبل تاء التأنيث فاطمَة الميم مفتوحة، عائشَة الشين مفتوحة، قائمةٌ، مسلمةٌ .. ما قبل تاء التأنيث لازم الفتح، نُزِّل الصدر منَزَّلة ما قبل تاء التأنيث فلزمه الفتح، ولذلك أُعرب صدر اثني عشر واثنتي عشرة لوقوع العجز منها موقع النون، اثنان .. عشر، وقع (عشر) موقع النون، ولذلك ما قبل النون يكون معرباً، واثنتان .. اثنتا عشرة، (عشرة) وقعت موقع النون، وما قبل النون يكون معرباً، ولذلك أُعرب الصدر الأول. ولذلك أُعرب صدر اثني عشر واثنتي عشرة لوقوع العجز منها موقع النون، وما قبل النون محل إعرابٍ لا محل بناء، ولوقوع العجز منهما موقع النون لم يضافا بخلاف غيرهما فيقال: أحدُ عشرِكَ كما سيأتي، ولا يقال: اثنا عشرك، استثنى مما يجوز إضافته من المركبات يُستثنى اثنا عشر، لأنَّه لا يضاف لأنَّ (عشر) هذا بمنزلة النون .. كأنه كلمة واحدة .. كأنَّه بقي على أصله: اثنان واثنتان، ونُزِّل عشر من اثنان منَزَّلة النون، ونُزِّل عشرة من اثنتان منزَّلة النون، وهذا علة إعرابها على الأصل. إذاً يُقال: اثنا عشر رجلاً واثنتا عشرة امرأتان، والجزء الأول يكون معرباً إعراب المثنى والجزء الثاني يكون ملازماً للبناء على الفتح، وما عدا (اثنا واثنتا) يكون بفتح الجزئيين، ولذلك قال: وَالْفَتْحُ فِي جُزْأَيْ سِوَاهُمَا أُلِفْ .. أي: سوى اثنتي عشرة واثني عشر. قال الشارح: "وذكر هنا أنَّه يقال: (اثنا عشر) للمذكَّر بلا تاءٍ في الصدر والعجز" اثنان ليس فيه تاء، لكن مراده: أنَّه لا يأتي اثنتان. "بلا تاءٍ في الصدر والعجز نحو: عندي اثنا عشر رجلاً، ويقال: اثنتا عشرة امرأة للمؤنَّث بتاءٍ في الصدر والعجز، ونبَّه بقوله: (وَالْيَا لِغَيْرِ الرَّفْعِ) على أن الأعداد المركَّبة كلها مبنية: صدرها وعجزها، وتبنى على الفتح" وعلة البناء في الثاني (عشر) لتضمنه حرف العطف الواو، والجزء الأول لِتَنَزُّلِه منزَّلة ما قبل تاء التأنيث، وحُرِّك مع كون الأصل البناء على السكون ليعلم أن له أصلاً في الإعراب، لأنَّ خمسةٌ .. عشرةٌ معربة في الأصل، وكانت الحركة الفتحة لخفة الفتحة .. طلباً للخفة.

إذاً: ثلاثة أسئلة لِمَ بُني؟ نقول: يذكروا العلتين في الجزئيين. لِمَ حُرِّك وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا؟ لأنَّ له أصلاً في الإعراب. لِمَ كانت الحركة فتحة دون ضمة أو كسرة؟ طلباً للخفة. وتبنى على الفتح نحو: أحد عشر بفتح الجزأين، وثلاث عشرة بفتح الجزئيين، وأجاز الكوفيون إضافة صدر المركب إلى عجزه فيقولون: هذه خمسة عشرٍ فيكون الصدر على حسب العوامل والعجز مجرورٌ دائماً واستحسنوا ذلك إذا أُضيف نحو: خمسة عشرك، قالوا: هذا معرب الأول: جاء خمسة عشرك .. رأيت خمسة عشرك .. مررت بخمسة عشرك، استحسنوه إذا الثاني (عشر) كان مضافاً إلى الكاف أو: خمسة عشر زيدٍ مثلاً. إذاً: أجاز الكوفيون إضافة صدر المركَّب إلى عجزه فيقال: هذه خمسة عشرٍ فيكون الصدر على حسب العوامل يعني: معرب لا مبني، إذاً: بناء أحد عشر ليس متفقاً عليه، هذه الخلاصة. ويستثنى من ذلك اثنا عشر واثنتا عشرة فإن صدرهما يُعرب بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجرَّاً كما يُعرب المثنى، وأمَّا عجزها فيُبني على الفتح فتقول: جاء اثنا عشر رجلاً ورأيت اثني عشر رجلاً، وفُهِم من كلام النَّاظم .. شرح الشَّارح: أنَّه لا يجوز تركيب النَّيِّف مع العشرين، لأنَّه خصَّ الحكم بأحد عشر واثنتي عشر إلى تسعة عشر، بقي واحدٌ وعشرون واثنان وعشرون .. واحدٌ وثلاثون .. واحدٌ وخمسون .. واحدٌ وتسعون .. تسعٌ وتسعون هذه باقية، حينئذٍ نقول: هل يجوز إضافتها؟ تخصيص الحكم بجواز الإضافة بما عدا هذا المذكور .. النَّيِّف مع العقد، نقول: هذا يدلُّ على أنَّه لا تجوز إضافته. فُهِم من كلامه أنَّه لا يجوز تركيب النَّيِّف، النَّيِّف المراد به: من واحد إلى تسعة، مع العشرين وبابه، ما هو العشرون وبابه؟ الثلاثون والأربعون إلى التسعين، والعشرون يراد به ما بعده (نَّيِّف وعشرون) (نَّيِّف) المراد به: من واحد إلى تسع .. يعني: واحدٌ وعشرون اثنان وعشرون إلى آخره. إذاً: لا يجوز تركيب النَّيِّف مع العشرين وبابه بل يتعين العطف، فتقول: خمسةٌ وعشرون إذاً: هو معرب لا مبني: عندي خمسةٌ وعشرون ريالاً .. رأيت خمسةً وعشرين طالباً .. مررت بخمسةٍ وعشرين طالباً، فتقول: خمسةٌ وعشرون ولا يجوز خمسةُ عشرين هذا ممتنع، ولعله للإلباس في نحو: رأيت خمسة عشريناً فإنه يحتمل خمسةً لعشرين رجلاً، على كلٍّ: لم يُسمع. وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا ... بِوَاحِدٍ كَأَرْبَعِينَ حِينَا تمييزه يكون جمعاً أو مفرداً؟ مفرداً، حكمه النصب أو الخفض أو الرفع؟ انظر في المثال! النصب، إذاً (كَأَرْبَعِينَ حِينَا) (وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا) من العشرين وبابه .. باب التسعين مَيِّزه (بِوَاحِدٍ)، ثُمَّ قال: (كَأَرْبَعِينَ حِينَاً) (حِينَاً) هذا معرفة أو نكرة؟ نكرة، إذاً: (بِوَاحِدٍ)، مُنَكَّرٍ، (حِينَاً) منصوب أو مرفوع؟ منصوب إذاً: تأخذ القيدين من المثال، (بِوَاحِدٍ) ليس كل واحد وإنَّما يكون بواحدٍ مُنَكَّرٍ منصوبٍ ((وَاحِدٍ) نصَّ عليه، بقي قيدان .. شرطان:

كونه نكرة وذكر المثال (حِينَاً) نكرة، وبالنصب لا بالخفض ولا بالرفع، إذاً: تمييز العشرين وبابه (لِلتِّسْعِينَا) اللام هنا للغاية فهي بمعنى (إلى) وما بعده فهو داخلٌ فيما سبق، إذاً التسعون وما بعده إلى تسعٍ وتسعين فهو داخلٌ في الحكم، تمييزه يكون مفرد واحد منكَّر منصوب، (وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ) (مَيِّزِ) ما إعرابه؟ فعل أمر، مبني أو معرب؟ (وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ) (مَيِّزِ) جرَّه بالكسرة كيف تقول مبني؟ لالتقاء الساكنين، و (الْعِشْرِينَ) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء. وبابه هذا تقدير معنى، (لِلتِّسْعِينَا) جار مجرور متعلِّق بقوله: (مَيِّزِ)، (مَيِّزِ) العشرين إلى التسعين، (بِوَاحِدٍ) كذلك متعلِّق بقوله: (مَيِّزِ)، (الْعِشْرِينَ) هذا معمول (مَيِّزِ)، (لِلتِّسْعِين) متعلِّق بـ (مَيِّزِ)، (بِوَاحِدٍ) متعلق بـ (مَيِّزِ) المتعلقات ولو كثرت .. لو جاءت مائة قد تتعلق بفعل واحد. (وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا) يعني: إلى التسعين (بِوَاحِدٍ) منكَّرٍ منصوبٍ، وإنَّما كان مفرداً نكرة، لأنَّه ذُكِر لبيان حقيقة المعدود، لأنَّنا نقول: عندي عشرون، قلنا (عشرون) هذا مُبهم .. مُجمل، حينئذٍ إذا كان كشف هذا المبهم يحصل بالنكرة وهو الأصل في الاسم حينئذٍ لا يُعدل عنه إلى المعرفة، فالعلة هنا هي العلة في باب الحال والتَّمييز، قلنا: باب الحال والتَّمييز لا يكون الحال ولا التَّمييز نكرتين، لأنَّ كشف الذات أو الهيئة قد حصل بالنكرة إذاً: لا نعدل إلى المعرفة، لأنَّ المعرفة نكرةٌ وزيادة، وقد حصلت بالنكرة، إذاً: الزيادة تعتبر حشواًَ. إذاً: إنَّما كان مفرداً نكرة، لأنَّه ذُكِر لبيان حقيقة المعدود، وهو يحصل بالمفرد النكرة التي هي الأصل، ومنصوباً لتعذُّر الإضافة مع النون التي في صورة نون الجمع، لأنَّ هذه الألفاظ: عشرون وبابه إلى التسعين ملحقةٌ بجمع المذكَّر السالم .. إعرابه إعراب جمع المذكر السالم، النون هذه مشابهة للنون في جمع المذكر السالم، وهذه إذا أضيف الاسم سواءٌ كان الملحق أو الأصل حينئذٍ يتعين حذفها عند الإضافة وهنا يمتنع حذفها، فكيف يضاف؟ نقول: هذا يمتنع أن يكون مضافاً، لأنَّ النون هذه ستبقى وإذا بقيت حينئذٍ لا يمكن أن توجد الإضافة. إذاً: وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا ... بِوَاحِدٍ. . . . . . . . . . . بِوَاحِدٍ مفهومه أنَّه لا يكون جمعاً، وأجاز الفراء جمع تمييز باب عشرين إذاً: المسألة ليست متَّفقاً عليها وإنَّما هي قول الجماهير: أن يكون واحداً مفرداً لا جمعاً. وأجاز النَّاظم -ابن مالك- في (شرح التسهيل) عندي عشرون دراهم لعشرين رجلاً، عندي عشرون درهماً هذا الأصل، عندي عشرون دراهم لعشرين رجلاً، ميَّز الأول بالجمع وميَّز الثاني بالمفرد، متى؟ عند قصد أن يكون لكل واحدٍ منهم عشرين. لو قال: عندي عشرون درهماً لعشرين رجلاً كل رجل لهم درهم واحد، لكن لو قال: عندي عشرون دراهم لعشرين رجلاً كل رجل له عشرون درهماً، إذا كان هذا القصد قال ابن مالك: " يجوز أن يكون الأول مجموعاً والثاني مفرداً " إذاً ليس مطلقاً كما هو قول الفراء.

وَمَيِّزِ الْعِشْرِينَ لِلتِّسْعِينَا ... بِوَاحِدٍ. . . . . . . . . . . مُنَكَّرٍ منصوبٍ (كَأَرْبَعِينَ حِينَاً) فُهِم من المثال أنَّه لا يكون إلا منصوباً: وخمسين شهراً، ويتقدَّم النَّيِّف بحالتيه أي: بثبوت التاء في التذكير وسقوطها في التأنيث يعني: إذا قلت: (بِوَاحِدٍ) هذا قد يكون مُذَكَّراً وقد يكون مُؤَنَّثاً، العشرون إلى التسعين هذه ملازمة للتذكير ولا تؤنَّث: عشرون امرأة .. عشرون رجلاً .. تسعون نعجة .. تسعون رجلاً إلى آخره، تبقى كما هي، فهي ملازمة للتذكير. وإنَّما يُنظر في النَّيِّف الذي قبله: واحدٌ وعشرون .. اثنان وعشرون .. ثلاثةٌ وعشرون، حينئذٍ الواحد والاثنان يوافقان .. يطابقان المعدود: عندي واحدٌ وعشرون رجلاً .. عندي اثنا وعشرون امرأة، لا يصح، هل نقول: اثنتا وعشرين أو اثنتان؟ اثنتان، لماذا؟ لا إضافة، والدليل: الواو فاصل، لا يمكن أن يضاف إلى ما بعده، فتقول: عندي اثنتان وعشرون امرأةً .. امرأةً اثنتان طابق، عندي ثلاثةٌ وعشرون امرأة، ليس صحيح، ثلاثٌ وعشرون امرأة، صحيح. إذاً: ثلاثةٌ وعشرون امرأة غلط، (العشرون) يبقى كحاله لا يُذكَّر ولا يؤنَّث، وإنَّما الواحد والاثنان يطابقان، والثلاثة إلى التسعة على الأصل يعني: قبل التركيب، يُذَكَّر مع المؤنَّث ويؤنَّث مع المذكَّر، فتقول: عندي ثلاثٌ وعشرون امرأة، وعندي ثلاثةٌ وعشرون رجلاً، (رجلًا) ثلاثةٌ، ثلاثٌ (امرأةً) على الأصل. إذاً: يُقَدَّم النَّيِّف بحالتيه، أي: بثبوت التاء في التذكير وسقوطها في التأنيث، ثُمَّ يُذكر العقد (العشرون إلى التسعين) معطوفٌ على النَّيِّف، فيقال في المذكر: ثلاثةٌ وعشرون رجلاً، وفي المؤنَّث: تسعٌ وتسعون نعجةً، إذاً: هو مفرد منصوب نكرة، حينئذٍ جئت بالأول مخالفاً له: عندي تسعٌ وتسعون نعجةً. قال الشَّارح: "قد سبق أنَّ العدد مضافٌ ومركَّب، وذكر هنا العدد المفرد" مضاف ثلاثةٌ إلى التسعة، ومركَّب أحد عشر إلى تسعة عشر. "وذكر هنا العدد المفرد وهو: من عشرين إلى تسعين، ويكون بلفظٍ واحدٍ للمذكَّر والمؤنَّث" يعني: إذا لم تستعمل النَّيِّف، فتقول: عندي عشرون رجلاً .. ثلاثون كتاباً .. ثلاثون امرأةً مثلًا، فحينئذٍ نقول: العدد يبقى كما هو لا يُذكَّر ولا يؤنَّث. ويكون بلفظٍ واحدٍ للمذكَّر والمؤنَّث، ولا يكون مُميِّزه إلا مفرداً منصوباً نحو: عشرون رجلاً وعشرون امرأةً، وَيُذْكَر قبله النَّيِّف ويُعطف هو عليه، فيقال: أحدٌ وعشرون رجلاً، وإحدى وعشرون امرأةً، هنا طابق، واثنان وعشرون رجلاً، واثنتان وعشرون امرأةً، وثلاثةٌ وعشرون بالتاء في ثلاثة، وكذا ما بعد الثلاثة إلى التسعة للمذكَّر، ويُقال للمؤنَّث: إحدى وعشرون، واثنتان وعشرون، وثلاثٌ وعشرون، بلا تاءٍ في ثلاثٍ، وكذا ما بعد الثلاث إلى التسع. تلخص من هذا وما قبله: أنَّ أسماء العدد على أربعة أقسام: - مضافة: من الثلاثة إلى التسعة. - ومركَّبة: أحد عشر إلى تسعة عشر. - ومفردة: وهو عشرون وثلاثون إذا لم تستخدم العطف. - ومعطوفة: إذا جئت بالنَّيِّف وما بعده، على أربعة أقسام. وَمَيَّزُوا مُرَكَّباً بِمِثْلِ مَا ... مُيِّزَ عِشْرُونَ فَسَوِّيَنْهُمَا

المركب ما المقصود به؟ قال: (وَمَيَّزُوا مُرَكَّباً) (مُرَكَّباً) يعني: أحد عشر إلى تسعة عشر، مَيَّزوه بما (مُيِّزَ) به (عِشْرُونَ)، والذي (مُيِّزَ) به (عِشْرُونَ): واحد لا جمع .. مُنَكَّر لا معرفة .. منصوبٌ لا مخفوض ولا مرفوع. إذاً: ((أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] أحد عشر رجلاً (رجلاً) تأتي به مفرد ومنصوب وهو نكرة، (وَمَيَّزُوا) أي: العرب (مُرَكَّباً) مفعولٌ به، لأنَّه الذي وقع عليه التمييز، (مَيَّزُوا مُرَكَّباً) شَمل أحد عشر وتسعة عشر وما بينهما، فإذا أُطلق المركَّب في العدد انصرف إلى هذا النوع، ولذلك سبق أنَّ الأقسام رباعية: مركَّبة: يُطلق على الأحد عشر إلى التسعة عشر. (بِمِثْلِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (مَيَّزُوا)، (مَيَّزُوا بِمِثْلِ)، (مَا) (مِثْلِ) مضاف و (مَا) موصولة واقعة على التمييز: بمثل تمييزٍ مُيِّزَ به عشرون .. (بِمِثْلِ مَا) بمثل تَمييزٍ، (مُيِّزَ) عشرون به، (مُيِّزَ) مُغيَّر الصيغة، و (عِشْرُونَ) نائب فاعل، والجملة صِلة الموصول، وهنا ليس فيه عائد على (مَا) الموصولة فلا بُدَّ من التقدير، (مَا مُيِّزَ) به (عِشْرُونَ) (بِه) يعني: بالتمييز، لأنَّنا قلنا: (مَا) هذه تصدق على تمييزٍ (بِمِثْلِ) بتمييزٍ مُيِّز عشرون به. (عِشْرُونَ) وبابه، أي: بمفردٍ مُنَكَّرٍ منصوب، وإنَّما كان مُفرداً منكَّراً لِمَا مرَّ، لأنَّه حصل التمييز وحصل الكشف والإبهام بالمفرد فلا يُعدل عنه إلى الجمع، وبالمنكَّر فلا يُعدل عنه إلى المعرفة، ومنصوباً لامتناع جعل ثلاثة أشياء كالشيء الواحد، لأنَّ العرب لا تضيف بين ثلاثة أشياء .. ثلاث كلمات لا تُركِّب، هذا الأصل، وسيأتي أنَّهم ينتقدون هذه القاعدة، لأنَّهم سيركِّبون أربعة ألفاظ: أحد عشر .. ثلاثة عشراً. كالشيء الواحد لو قيل: خمسة عشر عبدٍ، وسبق أنَّ الكوفيين جوَّزوا: خمسةُ عشرك، إذاً: مَيَّزُوا مُرَكَّباً بِمِثْلِ مَا ... مُيِّزَ عِشْرُونَ فَسَوِّيَنْهُمَا فَسَوِّيَنْهُمَا يعني: المركَّب والعشرين وبابه، (سَوِّيَنْهُمَا) سَوِّي بينهُمَا في الحكم، فالتمييز حينئذٍ يكون واحداً لا جمعاً، مُنَكَّراً لا معرفةً، منصوباً لا مخفوضاً ولا مجروراً. وَمَيَّزُوا مُرَكَّباً بِمِثْلِ مَا ... مُيِّزَ عِشْرُونَ فَسَوِّيَنْهُمَا نحو: ((أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا)) [يوسف:4] واثنتي عشرة عيناً، وأمَّا: ((قَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا)) [الأعراف:160] (أَسْبَاطًا) هذا جمع، وكيف جاء تمييز؟ (أَسْبَاطًا) الصواب: أنَّه ليس تمييزاً لئلا تنتقد القاعدة، وإنَّما هو بدل من اثنتي عشر، والتمييز محذوف، أي: اثنتي عشرة فرقةً، و (أَسْبَاطًا) هذا بدل من: اثنتي عشرة. ولو كان (أَسْبَاطًا) تمييزاً لذَكَّر العددين، لأنَّ (أَسْبَاط) جمع (سِبْط) وهو قال: اثنتي عشرة (عشرة) قلنا: مُطابِقة، لو كانت (أَسْبَاطًا) تمييز .. نطبِّق القاعدة: اثنتي عشرة، نقول: اثني عشر مثل: (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) لأنَّ (اثني) يكون مع المُذكَّر، (أَسْبَاط) .. سِبْط، فالسبط مذكَّر، إذاً يقول: اثني ولا يقول: اثنتي.

كذلك العشرة إذا رُكِّبت مُطابقة للتمييز، وإذا كان (سِبْط) هو التمييز لقال: عشر بترك التاء، لكنَّه قال: (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا) إذاً: فرقةً، هنا وافقت، (فرقة) مؤنَّث، ولو كان (أَسْبَاطاً) تمييزاً لذُكِّر العددان بِحذف التاء منهما، وأُفرد التمييز لأنَّ السبط مذكَّر. قال الشَّارح: "أي تمييز العدد المركَّب كتمييز عشرين وأخواته فيكون مفرداً منصوباً نحو: أحد عشر رجلاً وإحدى عشرة امرأة". وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ ... يَبْقَ الْبِنَا وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ .. استثنى منه: اثنا عشر، واثنتا عشرة، هذا لا يُضاف إلى ما بعده، لأنَّ (عشر) هذا مُنَزَّلةٌ مُنَزَّلة النون فلا يضاف إلى ما بعده، (وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ) (عَدَدٌ) نائب فاعل لِـ أُضِيفَ، أي: غير اثني عشر واثنتي عشرة، لأنَّهما لا يُضافان، ويستغني العدد المركَّب إذا أُضيف عن التمييز. (يَبْقَ الْبِنَا) في الجزئيين، إذا (أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ) العدد المركَّب قد يضاف، وهناك العِلَّة التي ذكروها فيها نظر. (يَبْقَ الْبِنَا) في الجزئيين على حاله، نحو: أحدَ عَشْرَك، (يَبْقَ الْبِنَا) على أصله، بفتح الجزئيين هذا هو الأكثر، لأنَّ (الْبِنَاء) يبقى مع الألف واللام بالإجماع فكذا مع الإضافة، إذا أضيف العدد المركَّب حينئذٍ قال هنا: (يَبْقَ الْبِنَا) وهذا مذهب البصريين: أنَّه يَجب بقاء البناء، ولا يجوز أن يُعرب، فتقول: هذه خمسةَ عَشْرَك، أضفت (خمسة عشر) إلى الكاف فقلت: هذه خمسةَ عَشْرَك، يعني: أعطيته مال، حينئذٍ نقول: خمسة عشر، هذه أُضيفت إلى الكاف، فصارت مضاف والكاف مضافاً إليه، ومررت بِخمسة عَشْرَك، بفتح آخر الجزئيين. (وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ) (عَجُزٌ) الذي هو الثاني (قَدْ يُعْرَبُ) لكنَّها لغةٌ رديئة، (قَدْ) هنا للتَّقليل، وفُهِم منه أنَّها لغةٌ قليلة، وقال في (التوضيح): " وهي لغةٌ رديئة " يعني: لا يُلتفت إليها. قوله: (وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ) أشار به إلى الحالة الثانية: وهو أن يُعرب عجزه مع بقاء التركيب كـ: (بَعْلَبَكَّ)، حكاه سيبويه عن بعض العرب، نحو: أحد عَشْرِك، أضفت الأول إلى الثاني، كأنَّك أعربته .. بل عربته فقلت: أحد عَشْرِك، أبقيت الجزء الأول على بناءه، ثُمَّ أضفته إلى الثاني فأعربت الثاني الذي هو العجز، فقلت: هذا أحَدَ عَشْرِك. مع أَحَدَ عَشْرِ زيدٍ، لا تقل: مع أحَدِ، لا، يبقى الأول مبني: مع أَحَدَ عَشْرِ زيدٍ، أضفته إلى العَلَم. واستحسنه الأخفش، يعني: الوجه الثاني وهو: أن يُعرب العَجُز، ويبقى الصدر على البناء، واستحسنه الأخفش واختاره ابن عصفور وزعم أنَّه الأفصح، ومنع في (التسهيل) القياس عليه، ابن مالك في (التسهيل) منع أن يُقاس عليه، إذاً: لم يَجعله مستحسناً. وقال ابن مالك: "لا وجه لاستحسانه لأنَّ المبني قد يُضاف نحو: كم رجلٍ عندك" إذاً: يضاف ويبقى على إضافته، وكذلك: خمسة عَشْرَك، الأصل: أنَّه يضاف ويبقى على إضافته ولا نحتاج إلى إعرابه، كم رجلٍ عندك .. ((مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) [هود:1] نقول: هذا أُضيف وهو مبني وبقي على بناءه.

وأجاز الكوفيون وجهاً ثالثاً: وهو أن يُضاف الأول إلى الثاني كما في: عبد الله، نحو: ما فعلت خمسةُ عَشْرِك؟ يعني: أعْرَبُوه على الأصل في: عبد الله، ما فعلت خمسة عَشْرِك .. رأيت خمسة عَشْرِك، كأنَّك تقول: جاء عبدُ الله، ورأيت عبد الله، ومررت بعبد الله، فتعربه إعراب المتضايفين: هذه خمسةُ عَشْرِك، إذاً ليس مبنياً. إذاً: يُضاف المركَّب من أحد عشر إلى تسعة عشر وفيه ثلاثة مذاهب: - مذهب البصريين: وجوب بقاء الجزئيين على البناء ولو مع الإضافة. - وجهٌ آخر حكاه سيبويه: وهو بقاء الأول على البناء والثاني يُعرب، وإذا أُعرب حينئذٍ يكون ملازماً للخفض، لأنَّه ملازم لكونه مضافاً إليه وهو مجرور وَالثَّانِيَ اجْرُرْ هذا الأصل فيه. - وأجاز الكوفيون أن يُعرب مُطلقاً الجزءان، وحينئذٍ يُعرب إعراب المتضايفين: جاء عبدُ الله .. هذه خمسةُ عَشْرِك، (خمسةُ) هذه خبر مرفوع ورفعه ضمة ظاهر على آخره، ليس مبنياً، مُعرب وهو مضاف و (عشر) مضاف إليه، و (عشر) مضاف، (والكاف) مضافٌ إليه، مثل ما تقول: عبد الله. وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ ... يَبْقَ الْبِنَا. . . . . . . . . . (يَبْقَ الْبِنَا) ما إعراب (يَبْقَ)؟ جواب الشَّرط مجزوم بِحذف الألف .. حرف العِلَّة، (يَبْقَ الْبِنَا) فاعل قَصَره هنا للضَّرورة .. مرفوع، (وَعَجُزٌ قَدْ يُعْرَبُ) (عَجُزٌ) مبتدأ، و (قَدْ) هنا حرف تقليل، فُهِم أنَّها لغة قليلة، (يُعْرَبُ) هو .. الجملة خبر. وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ .. قلنا: يستثنى منه اثنا عشر، واثنتا عشرة، هذا الأصل فيه، وأمَّا: ثمان عشرة، إذا رُكِّب ففيه أربع لغات .. (ثمان) نفسها فيه أربع لغات، يعني في الياء: فتح الياء، وسكونها، وحذفها مع كسر النون، وفتحها. فتح الياء: ثَمَانيَ عشرة، سكونها: ثمانيْ عشرة، وحذفها مع كسر النون: ثمانِ عشرة، وفتحها: ثمانَ عشرة، إذاً: فتح الياء مع بقاءها وسكونها، تبقى الياء فَتُفْتَح وتسكن هذه لغتان، تُحذف الياء فتبقى النون مكسورة أو مفتوحة، وقد تُحذف ياؤها أيضاً في الإفراد، كلامه الأربع لغات في التركيب، وفي الإفراد كذلك قد تُحذف الياء ويُجعل إعرابها على النون، ومنه قول الشاعر: لَهَا ثَنَايَا أَرْبَعٌ حِسَانُ ... وَأَرْبَعٌ فَثغْرُهَا ثَمَانُ إذاً: حذف الياء وجعل الإعراب على النون، هذه لغةٌ قليلة في (ثمانِ) إذا أُفردت، وأمَّا إذا رُكِّبت ففيها أربع لغات. قال في (شرح الكافيَّة): " لبضعةٍ وبضعٍ حُكم تسعةٍ وتسعٍ " يأتي اللفظ: بضعة وبضع، ما المراد بالبضع؟ (بضعة) من ثلاثةٍ إلى تسعة: بضعةٌ وعشرون، هذا مُجمل: يحتمل أنَّه واحد وعشرون .. يحتمل أنه تسع وعشرون إلى آخره، يحتمل من الثلاثة إلى التسعة، وبضعٌ: من الثلاثِ إلى تسعٍ. إذاً: لبضعةٍ وبضعٍ حكم تسعةٍ وتسعٍ، من حيث ماذا؟ في الإفراد والتَّركيب، وعطف عشرين وأخواته عليه، تقول: بضع نسوةٍ أو بضعة نسوةٍ؟ مثل الثلاثة والعشرة، تقول: بضع نسوةٍ .. بضعة رجالٍ .. بضعة صبيانٍ تبقيه على التذكير والتأنيث باعتبار الثلاثة والتسعة.

نحو: لبثت بضعة أعوامٍ، (عام) مُذكَّر، (بضعة) بالتأنيث: وبضع سنين، بدون تاء (سنين) جمع سنة، حينئذٍ يُذكَّر له العدد: وعندي بضعة عشر غلاماً، بعد التركيب تُعامِله مُعاملة ثلاثة عشر، وبضع عشرة أمة (بضع) بدون تاء، وبضعة وعشرون كتاباً، (بضعةٌ) بالتأنيث، لأنَّ (كتاباً) المُميِّز مذكَّر، وبضعٌ وعشرون صحيفة. إذاً: لبضعة وبضعٍ حكم التِّسعة والتسعٍ، في الإفراد يُذكر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر فيضاف قبل التركيب، ثُمَّ إذا رُكِّب فالحال نفسه، وكذلك يُعامل مُعاملة المعطوف والمعطوف عليه مع ثلاثٍ وعشرين. قال الشَّارح: " يجوز في الأعداد المركبة إضافتها إلى غير مُميِّزها ما عدا اثني عشر". إذاً: وَإِنْ أُضِيفَ عَدَدٌ مُرَكَّبُ .. يُشترط ألا يُضاف إلى تمييزه، بل يُضاف إلى غيره. ما عدا اثني عشر فإنَّه لا يضاف، فلا يُقال: اثنا عَشْرِك، وإذا أُضيف العدد المُركَّب فمذهب البصريين أنَّه يجب بقاء الجزئيين على بنائهما، فتقول: هذه خمسة عَشْرَك، ومررت بخمسة عَشْرَك، بفتح آخر الجزئيين، وقد يُعرب العَجُز مع بقاء الصَّدْر على بنائه، هذا أجازه سيبويه، فتقول: هذه خمسة عَشْرِك، ورأيت خمسة عَشْرِك، ومررت بخمسة عَشْرِك، وقلنا: أجاز الكوفيون إعرابه إعراب عبد الله فيكون مُعرباً، والأول يُعامل على حسب ما تقتضيه العوامل ويكون مضافاً إلى ما بعده ويكون ملازماً للخفض بالكسر. وَصُغْ مِنِ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقُ إِلَى ... عَشَرَةٍ كَفَاعِلٍ مِنْ فَعَلاَ وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا وَمَتَى ... ذَكَّرْتَ فَاذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَا هذا شروعٌ منه في الإتيان بأسماء العدد على صيغة فاعل، نقول: ثالث ورابع وخامس وعاشر إلى آخره. وَصُغْ مِنِ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقُ .. (صُغْ) يعني: اشتق وخذ، (مِنِ اثْنَيْنِ) من لفظ اثنين، فُهِم منه أنَّه عَلَّق الحكم على الاثنين (فَمَا فَوْقُ) فالواحد لا يُقال بأنَّه مشتقٌّ من الوحدة، لأنَّه مأخوذٌ على زنة فاعل بل هو مسموعٌ هكذا وضع .. وضع وضعاً أولياً على زنة فاعل، وأمَّا ما أراده النَّاظم إنَّما يبدأ من اثنين. (وَصُغْ مِنِ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقُ) الفاء عاطفة هذه، إذاً قوله: (مِنِ اثْنَيْنِ) فُهِم منه أنَّ اسم الفاعل المذكور لا يُصاغ من أحدٍ، (فَمَا فَوْقُ) الفاء عاطفة .. حرف عطف، و (مَا) هذه معطوفة وهي موصولة واقعةٌ على العدد الفائق اثنين، (فَمَا فَوْقُ) فعددٌ فوق اثنين. (فَمَا فَوْقُ) هنا حذف المضاف إليه ونوي معناه، يعني: فما فوقه، وبعضهم قَدَّره (فما فوقها) الظاهر: بالتذكير، فما فوقه يعني: فوق الاثنين، فوق الاثنين هل له غاية أم لا؟ قال: نعم، (إِلَى عَشَرَةٍ) وصفاً صُغ من اثنين فما فوقه من الأعداد إلى العشرة، (إِلَى) هذا بيانٌ للغاية، وقوله: (إِلَى عَشَرَةٍ) مُتعلِّق بقوله: (صُغْ)، صغ ماذا؟ قال: (كَفَاعِلٍ) (فَاعِلٍ) هذا صفةٌ لموصوفٍ محذوف هو مفعولٌ لـ (صُغْ).

صُغ وصفاً كفاعلٍ، هذا تحليلٌ من جهة المعنى: وصفاً كفاعلٍ، أمَّا من حيث الإعراب فتقول: (كَفَاعِلٍ) هذا مفعول بـ (صُغْ) على حذف الموصوف عند التقدير، أي: صُغْ وزناً كفاعلٍ، أو صُغْ صِفةً كوزن فاعلٍ، إذاً لا بُدَّ من التقدير. (كَفَاعِلٍ) أي: على وزن فاعلٍ، (مِنْ فَعَلاَ) كذلك على حذفٍ وهو نعتٌ لـ: (فَاعِلٍ)، إذاً: (كَفَاعِلٍ) هذا صفةٌ لموصوفٍ محذوف وصفته كذلك محذوف، إذاً: هو في المنتصف، حُذِف موصوفه وحُذِفت صفته كذلك: صغ وزناً كفاعلٍ المصوغ من فَعَل، (كَفَاعِلٍ مِنْ فَعَلاَ) لا يأتي الكلام هكذا وإنَّما يقال: كفاعلٍ المصوغ من فَعَل، إذاً: حُذِف صفته كما أنَّه محذوف الموصوف. (كَفَاعِلٍ مِنْ فَعَلاَ) يعني: كضرب، نحو: ثانٍ وثالثٍ ورابعٍ وخامسٍ وسادسٍ وسابعٍ وثامنٍ وتاسعٍ وعاشرٍ، لأنَّ ما بعد (إِلَى) داخل إلى (عَشَرَةٍ) فهو داخل، إذاً: تصوغ من اثنين فتقول: ثانٍ، وتصُوغ من ثلاثةٍ فتقول: ثالث ورابع وهكذا. وثالثٍ إلى عاشر، وأمَّا واحد فليس بوصفٍ بل هو اسم وُضِع على ذلك من أول الأمر، ومثله: واحد، ولذلك قال النَّاظم: (مِنِ اثْنَيْنِ) احترازاً من واحدٍ. التنصيص على قوله: (مِنْ فَعَلاَ) يعني: المصُوغ (مِنْ فَعَلاَ)، فائدته: بيان أن هذا، أي: في الجملة وصفٌ لا اسمٌ جامد، قوله: (مِنْ فَعَلاَ) أشار إليه بأن ثانٍ إلى عاشر وصفٌ في المعنى وليس باسمٍ جامد، إذاً: يدل على ذاتٍ أو على شيءٍ مُتَّصفٍ بما دلَّ عليه الحدث، إذاً: هو مُشبهٌ (فَعَلاَ) من هذا الوجه، فليس باسمٍ جامد وإنَّما يدلُّ على ما دلَّ عليه (فَعَلاَ) فهو وصفٌ من حيث المعنى. وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا .. يعني: يبقى على تذكيره بدون تاء، لأنَّه في الأصل: مذكَّر فاعل، إذا أردت به المؤنَّث زد عليه التاء فتقول: ثالثةٌ رابعةٌ خامسةٌ عاشرةٌ، وإذا لم تُرِد به مؤنَّث أبقه على أصله، ولا نقول جرِّده من التَّاء، لأنَّ أصله مذكَّر .. الأصل: التذكير. وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا .. (وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ) هذا حال من الهاء .. (وَاخْتِمْهُ) مفعول به، (بِالتِّا) هذا مُتعلِّق بقوله (اخْتِمْهُ) حذف الهمزة للضرورة. وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا وَمَتَى ... ذَكَّرْتَ فَاذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَا هذا في الأصل لا نحتاجه، بل يبقى على أصله، فإن أردت به المؤنَّث اختمه بالتاء، فإن لم يكن كذلك حينئذٍ يبقى على أصله، تقول: عندي طالبٌ ثانٍ .. هذا طالبٌ عاشرٌ. (وَمَتَى) هذا اسم شرطٍ، (ذَكَّرْتَ) اسم الفاعل، (فَاذْكُرْ فَاعِلاً) (فَاذْكُرْ) هذا الوزن: فَاعِلاً ثانياً ثالثاً رابعاً عاشراً، (بِغَيْرِ تَا) هذا صفة لـ (فَاعِلاً)، (اذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَاءٍ) حذف الهمزة للضرورة فهو صفةٌ لـ (فَاعِل).

إذاً: مقصوده بهذين البيتين: أنَّ أسماء العدد من اثنين إلى عشرة كما نصَّ النَّاظم عليها يُصاغ منها وزن فاعل كما يُصاغ من الأفعال، كما تقول: ضارب وضاربة تقول: ثانٍ وثانية، فإنْ كان مُذكَّراً اكتفي به، وإنْ كان مؤنَّثاً لحقته تاء التأنيث الفارقة بين المذكَّر والمؤنَّث، حينئذٍ تقول في التأنيث: ثانيةٌ إلى عاشرة، وفي التذكير: ثانٍ إلى عاشرٍ كما تفعل باسم الفاعل، نَحو: ضارب وضاربة، وقائم وقائمة. وإنَّما نبَّه على هذا مع وضوحه لئلا يُتوهَّم أنَّه يُسلك به سبيل العدد الذي صيغ منه في إثبات التاء مع التذكير وحذفها مع التأنيث، يعني: لماذا نَصَّ عليه؟ قال: قد يتَوهَّم مُتوهم أنَّه يُقال: عندي طالبةٌ ثالث مُخالفة، أو عندي طالبٌ ثالثةٌ يأتي بالمخالفة، مثل الثلاثة، قال: دفعاً لهذا الوَهَم نصَّ عليه النَّاظم، وهذا اعتذار طيِّب. وَاخْتِمْهُ فِي التَّأْنِيثِ بِالتَّا وَمَتَى ... ذَكَّرْتَ فَاذْكُرْ فَاعِلاً بِغَيْرِ تَا يعني: متى ما كان المعدود مُذكَّراً فَأَتِ به على زِنة فاعل بدون تاء، و (مَتَى) قلنا: هذا اسم شرط .. ظرف زمان مُتعلِّق بقوله: (ذَكَّرْتَ) الذي هو فعل الشَّرط كما سبق، يكون النَّاصب له ظرف زمان أو مكان مُتعلِّق بفعل الشرط، هذا الصَّحيح. قال الشَّارح هنا: " يُصاغ من اثنين إلى عشرة اسمٌ موازنٍ لفاعل كما يُصاغ من فَعَلَ نحو: ضارب من ضرب، فيقال: ثانٍ وثالثٌ ورابعٌ إلى عاشر، بلا تاءٍ في التذكير وبتاءٍ في التأنيث" إذاً: هذا النوع الأول: أن يُصاغ منه على وزن فاعلٍ فيبقى مفرداً. وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي ... تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ بَعْضٍ بَيِّنِ وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا هذا النوع الثاني لاستعمال فاعل إذا اشْتُقَّ من ثلاثة وأربعة على زنة فاعل، إمَّا أن يُستعمل مُفرداً وهو الذي سبق بيانه في البيت السابق، وإمَّا أن يُستعمل غير مُفرد، حينئذٍ له حالان ذكرهما في هذين البيتين: أشار في الحالة الأولى: إلى أنَّه يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه: ثاني، هذا اشتقَّ من اثنين ((ثَانِيَ اثْنَيْنِ)) [التوبة:40]، ثالث اشْتُقَّ من ثلاثة تقول: ثالث ثلاثة .. رابع أربعةٍ .. خامس خمسةٍ، هذا استعمالٌ: أنْ يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه. والاستعمال الثاني: أنْ يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه: (ثالث) اشْتُقَّ من ثلاثة، ثالث اثنين، اشْتُقَّ مع ما قبله .. استعمل مع ما قبل الذي اشْتُقَّ منه، تضيفه إلى ما دونه، أشار إلى الأول بقوله: وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي ... تُضِفْ إِلَيْهِ. . . . . . . . . . . . . بيَّن الحكم مباشرة، (وَإِنْ تُرِدْ) هذا شرطٌ، (تُرِدْ) بماذا؟ بالوصف السَّابق الذي جئت به على وزن (فاعل)، (إِنْ تُرِدْ) به .. بذلك الوصف المذكور، (بَعْضَ) هذا مفعول (تُرِدْ)، (بَعْضَ الَّذِيْ) يعني: بعض العدد، هذا واقع (الَّذِيْ) اسم موصول مضاف إليه، (بَعْضَ) قلنا: مفعولٌ به وهو مضاف، و (الَّذِيْ) مضافٌ إليه، يَصدُق على العدد المضاف إليه اسم الفاعل.

(وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ) بعض العدد الذي بُني اسم الفاعل منه، (تُضِفْ إِلَيهِ) يعني: إذا أردت أن تدل على أنَّ هذا اسم الفاعل الذي أخذته من الاسم المشتق منه على أنَّه بعضٌ منه أضفه إليه، فتقول: ثاني اثنين .. بعض الاثنين، أنا ثاني اثنين .. أنا بعض الاثنين، أنا ثالث ثلاثة .. أنا بعض ثلاثة، إذا أردت هذا المعنى فأضفه إلى ما اشتق منه. إذا أردت أن تدل باسم الفاعل على أنَّه بعض الشيء .. العدد الذي اشْتُقَّ منه أضفه إليه، فتقول: ثاني اثنين، ما المراد بثاني اثنين؟ إذا قلت: أنا ثاني اثنين يعني: أنا بعض الاثنين، إذاً: معك آخر واحد ليس معك اثنين وأنت الثالث، أنا بعض الاثنين .. أنا ثالث ثالثة إذاً: أنت ومن معك كلكم ثلاثة وأنت بعضٌ من الثلاثة، إذا أردت هذا المعنى: أنَّك بمعنى بعض حينئذٍ تضفه إلى ما اشْتُقَّ منه، فثالث اشْتُقَّ من ثلاثة فتقول: ثالث ثلاثة أي: بعض الثلاثة. (وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ) خصَّ البعض هنا، (وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ) العدد (الَّذِيْ بُنِي مِنْهُ) اسم الفاعل (تُضِفْ إِلَيهِ) هذا جواب الشرط، حذف مفعوله أي: تضف اسم الفاعل من العدد إليه، (تُضِفْ إِلَيهِ) الضمير هنا يعود إلى ما اشْتُقَّ منه الذي عبَّر عنه (بُنِي) بُنِي منه، حينئذٍ ثالث اشْتُقَّ وبني من ثلاثة قال: (تُضِفْ إِلَيهِ) أضف ثالث إلى ما اشْتُقَّ منه وهو ثلاثة فتقول: ثالث ثلاثة. (مِثْلَ بَعْضٍ) (مِثْلَ) هذا صفة لموصوفٍ محذوف الذي هو المفعول به، (تُضِفْ إِلَيهِ) اسم الفاعل من العدد حال كونه (مِثْلَ بَعْضٍ) يعني: في المعنى، ولذلك نقدِّر ثاني اثنين: أنا بعض الاثنين، (مِثْلَ بَعْضٍ) أي: كما يضاف البعض إلى كله نحو: ((إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ)) [التوبة:40] هم اثنان، النبي صلى الله عليه وسلم ثَانِيَ اثْنَيْنِ .. هو بعض الاثنين، هذا المعنى المراد. ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)) [المائدة:73] أي: بعض الثلاثة، إذاً: يكون المعنى هنا بالبعضية .. يُفَسَّر بهذا، كأنَّك تضيف لفظ البعض إلى الكل، وتقول: ثانيةُ اثنتين، يعني: بعض الاثنتين، يعني امرأة إذا قالت: أنا ثانية اثنتين يعني: أنا بعضٌ من ثنتين، وثالثة ثلاثٍ إلى عاشر عشرةٍ، وعاشرة عشرٍ. وإنَّما لم ينصب يعني: يتعين الإضافة، لأنَّه قال: (تُضِفْ إِلَيهِ) أوجَب الإضافة، ومع كونه فاعلاً من فعل، قلنا: هناك أراد به أنَّه وصفٌ .. مثله، وفعل فاعل مثل: ضرب ضارب، ضارب الأصل فيه: أنَّه يجوز أن ينصب ما بعده وأن يجر، وهنا تعينت الإضافة ولم يُجَوَّز الوجهان الذي هو: النصب والإضافة.

هنا تعين ولم ينصب، لأنَّه ليس في معنى ما يعمل ولا مُفَرَّعاً عن فعلٍ يعني: ليس المراد به: الحدث، لأنَّ كونه بعض الشيء هذا ليس بحدثٍ، بخلاف ثالث اثنين يعني: مصيِّر الاثنين ثلاثة، إذاًَ فيه حدث، جاعل الاثنين ثلاثاً حينئذٍ له وجهان هناك من حيث النصب والإضافة، وأمَّا هنا فلا، لأنَّه ليس فيه معنى ما يعمل ولا مفرَّعاً عن فعلٍ فالتُزِمَت إضافته، لأنَّ المراد: أحد اثنين .. ثاني اثنين، وإحدى اثنتين .. ثانية اثنتين، وأحد عشرةٍ وإحدى عشرٍ فتضيفه وهذا مذهب الجمهور: أنَّه يُلزم فيه الإضافة. وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي ... تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ. . . . . . . . . . . . . تضف إليه اسم فاعلٍ من العدد حال كونه (مِثْلَ بَعْضٍ) يعني: يُفَسَّر بالبعضية، ولذلك قال: (بَيِّنِ) أي: ظاهر البعضية، هذا النوع الأول. وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي ... تُضِفْ إِلَيهِ. . . . . . . . . . . . . أي: (وَإِنْ تُرِدْ) بالوصف (بَعْضَ) العدد الَّذِيْ بُنِي هو مِنْهُ تضفه أي: الوصف (إِلَيهِ) أي: العدد حالة كون الوصف (مِثْلَ بَعْضٍ) في معناه يعني: يُفسَّر بهذا اللفظ، أو في إضافته إلى كله يعني: أنَّ اسم الفاعل من العدد إذا أُضِيف إلى موافقه يجب إضافته إليه على معنى بعضٍ: ثاني اثنين، معناه: بعض اثنين. النوع الثاني في غير المفرد .. اسم الفاعل: أن يراد به أنك جعلت الأقل مساوياً لما كان أعلى منه. (وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ) (وَإِنْ تُرِدْ) باسم الفاعل من العدد (جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا فَوْقُ) فوقه، يعني: إذا أردت بالوصف المصوغ من العدد أن تجعل ما هو تحت ما اشْتُقَّ منه مساوياً له (فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا). (وَإِنْ تُرِدْ) باسم الفاعل من العدد (جَعْلَ الأَقَلِّ)، (جَعْلَ) هذا مفعول به لقوله: (تُرِدْ) وهو مضاف إلى الأَقَلِّ وهو مفعوله الأول (مِثْلَ) هذا مفعول ثاني مَا فَوْقُ مثل عددٍ فوقه يعني: فوق العدد الذي صيغ منه اسم الفاعل. قال: (فَحُكْمَ جَاعِلٍ) هذا من حيث الإعراب، هنا ابن عقيل يقول: وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . أي: وإن تُرد بفاعل المصوغ من اثنين فما فوقه جعل ما هو أقل عدداً مثل ما فوقه: ثالث اثنين، إذا أردت أنك جاعل الاثنين ثلاثةً حينئذٍ يُنظر فيه إلى المعنى، فكأنك جعلت ثالث مضمَّناً معنى جاعل أو مصير، فتقول: جاعل الاثنين ثلاثةً هذا التقدير: أنا ثالثُ ثلاثةٍ .. أنا ثالثٌ ثلاثةً .. أنا ثالثُ اثنين، ما مرادك بهذا التركيب؟ مرادك: أنك جعلت الأقل مساوياً لما اشْتُقَّ منه، ما الذي اشْتُقَّ منه ثالث؟ ثلاثة، فكأنك جعلت الاثنين مساوياً لثلاثة بكونك أضفت نفسك إليه فقلت: أنا ثالث اثنين يعني: جاعل الاثنين ثلاثةً رددت الاثنين إلى ما اشْتُقَّ منه الوصف وهو: ثالث فتقول: أنا رابع ثلاثةٍ يعني: جاعل الثلاثة أربعةً رددت المضاف إليه إلى ما اشْتُقَّ منه اسم الفاعل، حينئذٍ يجوز لك وجهان: الإضافة والتنوين: ثالثُ اثنين، وثالثٌ اثنين، بالإضافة وبالتنوين مع النصب. وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ. . . . . . . . . . . . .

أي: إذا أردت بالوصف المصوغ من العدد أنَّه يجعل نفس الوصف .. الوصف يجعل ما هو تحت ما اشْتُقَّ منه مساوياً له، تحت ما اشْتُقَّ منه يعني: يضاف إلى ما هو أقل مما اشْتُقَّ منه، إذا كان اشْتُقَّ من الأربعة حينئذٍ تضفه إلى ما هو أقل من الأربعة وهو: الثلاثة تقول: رابع ثلاثةٍ، حينئذٍ وضيفته: أن يجعل هذا الأقل مساوياً لما اشْتُقَّ منه، فتقول: رابع ثلاثةٍ أي: مصيِّر الثلاثة أربعاً. أنَّه يجعل ما هو تحت ما اشْتُقَّ منه مساوياً له (فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا) احكما له حكم جاعلٍ، لم يقل: فاعل وإنَّما قال (جَاعِلٍ) ليبين لك أنَّه بمنزلته في المعنى والعمل، و (جَاعِلٍ) معلوم أنه مثل ضارب، وضارب يجوز فيه الوجهان: الإضافة والنَّصب. (فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا) فإن كان بمعنى المضي وجبت إضافته، وهذا لا إشكال فيه، وإن كان بمعنى الحال أو الاستقبال جاز فيه الوجهان يعني: جازت فيه إضافته وجاز تنوينه وإعماله فتقول: هذا رابعُ ثلاثةٍ ورابعٌ ثلاثةً، (رابعٌ) هذا اسم فاعل تعربه على حسب ما قبله، إذا قلت: (رابعٌ) خبر وهو اسم فاعل، والفاعل ضمير مستتر، وثلاثةً مفعولٌ به مثل: ضاربٌ زيداً .. حكم واحد. هذا رابعُ ثلاثةٍِ، ورابعٌ ثلاثةً أي: هذا مصيِّر الثلاثة أربعةً وتؤنث الوصف مع المؤنث كما سبق، فالوصف المذكور حينئذٍ فاعلٌ حقيقةً، لأنَّك تقول: ثلَّثتُ الرجلين .. هذا الأصل، إذا انضممت إليهم فصرتم ثلاثة، وكذلك ربَّعتُ الثلاثة إلى عشر: عشَّرتُ التسعة يعني: صرتُ عاشراً لهم. ففاعل هنا بمعنى: (جَاعِلٍ) وجارٍ مجراه لمساواته له في المعنى والتَّفرُّع على (فَعَلَ) يعني: من حيث المعنى ومن حيث العمل هو دالٌّ على وصفٍ، وإذا كان كذلك حينئذٍ يعامل معاملة (جَاعِلٍ) من حيث العمل، بخلاف الفاعل الذي يراد به معنى أحد ما يُضاف إليه ثاني اثنين السابق، فإن الذي هو في معناه لا عمل له ولا تَفَرُّع له على فَعَلَ فالتُزمت إضافته كما سبق. يعني: لم يتضمن معنى الحدث الذي تضمنه الثاني، لأنَّ الثاني تضمن معنى مصيِّر: أنا صيَّرت إذاً: فيه حدث متعدٍ: أنا صيَّرت الثلاثة أربع .. رابعُ ثلاثةٍ .. لي تأثير .. لي حدث، وأمَّا ثاني اثنين: أنا واحدٌ منهم، ليس فيه زيادة معنى. وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . الأقل مثل ما فوقه، (فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا) احْكُمَاً الألف هذه بدلاً عن نون التوكيد الخفيفة، (فَحُكْمَ) مفعولٌ به لقوله (احْكُمَا) وهو مضاف و (جَاعِلٍ) مضافٌ إليه. قال هنا: " وإنَّما قال (جَاعِل) ولم يقل (فاعل) تنبيهاً على أن اسم الفاعل بمعنى (جَاعِل) ففيه ما في فاعل وزيادة وهو اسم الفاعل حقيقةً، لأنَّهم قالوا: ربَّعتُ الثلاثة أُربِّعُ بمعنى: صيرتهم بنفسي أربعةً". إذاً: ذكر في هذين البيتين استعمالين، والأول .. البيت السابق ذكر استعمالاً مفرداً، وذكر في هذين البيتين استعمالين مركَّبين: الأول: بمعنى بعض ويضاف إلى ما اشْتُقَّ منه: ثاني اثنين .. رابع أربعة إلى آخره. والثاني: بمعنى مصيِّر الأقل للمساوي له.

وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي ... تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ بَعْضٍ بَيِّنِ والتقدير: تضيف إليه اسم الفاعل في حال كونه مماثلاً للبعض أي: في معناه. وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . . . فوقه يعني، حذف المضاف إليه ونوى معناه يعني: أنَّك إذا أردت باسم الفاعل من العدد أن يصير العدد الذي مثله تحته فاحكم له أي: لاسم الفاعل بـ (حُكْمَ جَاعِلٍ) فإذا كان بمعنى الماضي وجب إضافته تقول: هذا ثالث اثنين أمس، وإذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال جاز فيه الوجهان. قال الشارح: " لفاعل المصوغ من اسم العدد استعمالان " يعني: ما ذكره النَّاظم أو على جهة التعميم: أحدهما: أن يُفرد: ثانٍ وثاني وثالث ورابع. الثاني: أن لا يُفرد .. يضاف إلى غيره، وحينئذ إما أن يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه، وإمَّا أن يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه .. أدنى منه درجة. ففي الصورة الأولى التي هي: أن يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه، ففي الصورة الأولى: يجب إضافة فاعل إلى ما بعده مضاف ومضاف إليه، إذاً: هذا ثاني اثنين، (ثاني) خبر وهو مضاف و (اثنين) مضاف إليه، ((إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)) [المائدة:73] (ثَالِثُ) ما إعرابه؟ خبر (إِنَّ)، و (ثَالِثُ) خبر وهو مضاف و (ثَلاثَةٍ) مضاف إليه، ((إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ)) [التوبة:40] (ثَانِيَ) حال، وهو مضاف و (اثْنَيْنِ) مضاف إليه. إذاً: ففي الصورة الأولى: يجب إضافة فاعل إلى ما بعده، فتقول في التذكير: ثاني اثنين، وثالث ثلاثةٍ ورابع أربعةٍ إلى عاشر عشرةٍ، وتقول في التأنيث: ثانية اثنتين، وثالثة ثلاثٍ، ورابعة أربعٍ إلى عاشرة عشرٍ، والمعنى: أحد اثنين، وإحدى اثنتين، وأحدُ عشرٍ، وإحدى عشرة، إذا قيل: عاشرُ عشرةٍ يعني: أنا واحدٌ من العشرة .. أنا بعضٌ منهم. وهذا هو المراد بقوله: (وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ) البيت .. أي: وإن تُرد بفاعل المصوغ من اثنين فما فوقه إلى عشرة (بَعْضَ الَّذِيْ بُنِي فاعل مِنْهُ) انظر! (بَعْضَ الَّذِيْ) قدَّم وأخَّر في البيت، (بَعْضَ الَّذِيْ بُنِي فاعل مِنْهُ) أي: واحداً مما اشْتُقَّ منه فأضف إليه مثل بعضٍ، والذي يضاف إليه هو الذي اشْتُقَّ منه، ثاني اثنين، اثنين هذا الذي اشْتُقَّ منه (ثاني) فصار مضافاً إليه، والأول: مضاف ويعرب على حسب العوامل. وفي الصورة الثانية يجوز وجهان: أحدهما: إضافة فاعل إلى ما يليه. والثاني: تنوينه وَنَصْب ما يليه به كما يُفعل باسم الفاعل نحو: ضارب زيدٍ وضاربٌ زيداً .. فيه وجهان، فتقول في التذكير: ثالثُ اثنين، وثالثٌ اثنين، ورابعُ ثلاثةٍ، ورابعٌ ثلاثةً: ثالثُ اثنين (ثالث) على حسب موقعه من الإعراب وهو مضاف و (اثنين) مضاف إليه، وأمَّا ثالثٌ اثنين، (ثالثٌ) هذا حسب موقعه من الإعراب والفاعل ضمير مستتر و (اثنين) مفعولٌ به، وهكذا إلى عاشرِ تسعةٍ، وعاشرٍ تسعةً.

ولا يستعمل هذا الاستعمال (ثانٍ) فلا يقال: ثاني واحدٍ، ولا ثانٍ واحداً .. لا يستعمل، لا يقال: ثاني واحدٍ، يعني: يضاف إلى ما هو دونه، ثاني اثنين نعم، أمَّا هل هو مثل: ثالثُ اثنين فنقول: ثاني واحدٍ؟ قالوا: لا، وكذلك لا يقال: ثانٍ واحداً. فتقول في التذكير: ثالثُ اثنين وثالثٌ اثنين، وتقول في التأنيث: ثالثةُ اثنتين وهكذا إلى عاشرةِ تسعٍ وعاشرةٍ تسعاً والمعنى: جاعلُ الاثنين ثلاثةً، وهذا هو المراد بقوله: وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . . . أي: وإن تُرِد بفاعلٍ المصوغ من اثنين فما فوقه جعل ما هو أقلُّ عدداً مثل ما فوقه فاحكم له بحكم جاعل: من جواز الإضافة إلى مفعوله، وتنوينه ونصبه. وَإِنْ أَرَدَتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ ... مُرَكَّبَاً فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.!!!

118

عناصر الدرس * تتمة وجوه صوغ العدد على وزن فاعل * كم وكأي وكذا * كم .. الإستفهامية وتمييزها * كم .. الخبرية تمييزها * كأي وكذا .. وتمييزها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: وَإِنْ أَرَدْتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ ... مُرَكَّبَاً فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ أَوْ فَاعِلاً بِحَالَتَيْهِ أَضِفِ ... إِلَى مُرَكَّبٍ بِمَا تَنْوِيْ يَفِي وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا ... وَنَحْوِهِ وَقَبْلَ عِشْرِينَ اذْكُرَا وَبَابِهِ الْفَاعِلَ مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ ... بِحَالَتَيْهِ قَبْلَ وَاوٍ يُعْتَمَدْ سبق أنَّ ما كان على زنة فاعل من العدد إنَّما يكون من اثنين إلى عشرة: وَصُغْ مِنِ اثْنَيْنِ فَمَا فَوْقُ إِلَى ... عَشَرَةٍ كَفَاعِلٍ. . . . . . . . يعني: وصفاً (كَفَاعِلٍ) مصوغٍ (مِنْ فَعَلاَ)، ثُمَّ يكون مَختوماً بالتاء في حال التأنيث، ويكون مُجرَّداً عن التاء فيما إذا كان المراد به: مُذكَّر، هذا الحال الأول: أن يُستعمل مُفرداً. الحال الثاني: أن يُستعمل مُركَّباً، أو ألا يُستعمل مُفرداً لِيَعُمَّ حالة النصب، فإن لم يُستعمل مفرداً فحينئذٍ إمَّا أن يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه، وهذا كما قال: (تُضِفْ إِلَيهِ) .. وَإِنْ تُرِدْ بَعْضَ الَّذِيْ مِنْهُ بُنِي ... تُضِفْ إِلَيهِ مِثْلَ بَعْضٍ بَيِّنِ يعني: إذا أردت به معنى بعض ما أضيف إليه، ثَانِي اثْنَيْنِ، إذاً: هو واحدٌ من اثنين، أو بعض اثنين، ثالث ثلاثة، أي: أحد الثلاثة، أو بعض الثلاثة، أو واحدٌ من الثلاثة. النوع الثاني: إذا لم يُستعمل مُفرداً أن يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه وهذا أشار إليه بقوله: وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ فَحُكْمَ جَاعِلٍ لَهُ احْكُمَا يعني: أنْ يضاف إلى أقل مِمَّا اشْتُقَّ منه، مثلاً: ثلاثة أو ثالث (ثالث) هذا اشْتُقَّ من الثلاثة الذي هو أدنى من الثلاثة اثنين حينئذٍ تضيفه إليه: ثالث اثنين، أي: جاعل الاثنين ثلاثة، بمعنى: مُصيِّر أو جاعل، هذا يَجوز فيه الوجهان، وأمَّا النوع الأول فيَتعيَّن فيه الإضافة: ثاني اثنين .. ثالث ثلاثة .. رابع أربعة .. خامس خمسة .. سادس ستة، واجب الإضافة، لماذا؟ لأنَّه ليس فيه معنى: جاعل أو مصير، يعني: ليس فيه ما يدلُّ على أنَّ اللفظ أُريد به وصفٌ. بخلاف: ثالث ثلاثة .. ثالث اثنين، أي: مُصيِّر الاثنين ثلاثة، إذاً: أحدث معنىً زائداً على ما أراده بقوله: ثاني اثنين .. ثالث ثلاثة، ذاك لم يُفِد إلا أنَّه واحدٌ من الثلاثة، أو واحدٌ من الاثنين .. رابع أربعة .. واحدٌ من الأربعة، تاسع تسعة أي: واحدٌ من التسعة. وأمَّا تاسع ثمان، وهذا نقول: أي مُصيِّر الثمانية تسعة، هذا أحدث معنىً، حينئذٍ جاز فيه أن يعامل معاملة (ضارب) كما تقول: ضارب زيدٍ، وضاربٌ زيداً، بالوجهين كذلك تقول: ثالث اثنين، بالإضافة: وثالثٌ اثنين، حينئذٍ يُعامل مُعاملة: ضاربٌ زيداً، وضاربٌ زيداً هذا ليس بِجملة ولو نَصب.

قلنا: جاء زيدٌ ضاربٌ عمراً، (ضاربٌ) هذا نعت وهو مفرد، وفيه ضمير مستتر يعود على زيد، جاء زيد ضارباً عمراً (ضارباً) هذا حال، وفيه ضمير مستتر يعود على زيد، (عمراً) هذا مفعولٌ به، لا نقول هذا التركيب جملة، لو كان جملة لقلنا: في محل نصب، ونحن أعربنا (ضارباً) بأنَّه منصوب لفظاً، كأنك قلت: جاء زيدٌ ضاحكاً، فلا فرق فيه، بين أن نقول: جاء زيدٌ ضاحكاً .. جاء زيدٌ ضارباً عمراً، حال كونه ضارباً عمراً، حينئذٍ نقول: هذا ليس بجملة. إذاً: ثالثٌ اثنين، هذا ليس بجملة، إذاً: له استعمالان من حيث عدم الإفراد: - إمَّا أن يُستعمل مع ما اشْتُقَّ منه، وهذا يَتعيَّن فيه الإضافة. - وإمَّا أن يُستعمل مع ما قبل ما اشْتُقَّ منه، يعني: العدد الذي هو أدنى مِمَّا اشْتُقَّ منه، إن اشْتُقَّ من الثلاثة حينئذٍ ما كان على زنة فاعل يُضاف إلى ما هو أدنى من الثلاثة أو الاثنين، إن اشْتُقَّ من خمسة حينئذٍ يُضاف إلى ما هو أدنى من الخمسة وهو أربعة، تقول: خامسُ أربعةٍ .. خامسٌ أربعةً. ثُمَّ قال: وَإِنْ أَرَدْتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ ... مُرَكَّبَاً فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ أحد عشر إلى تسعة عشر قد يُراد بهذا التركيب .. المركَّب قد يُراد به: مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ، يعني: يُراد به بعض ما أضيف إليه، المراد بثاني اثنين، أي: بعض الاثنين، أو واحد الاثنين، إذا أردت بالمركَّب: أحد عشر، حينئذٍ إذا أردت به مثل ثاني اثنين فكيف تصنع به؟ هو مركَّب من جزئيين: أحد عشر، حينئذٍ نظر النُّحاة فيه فعاملوه مُعاملة (ثاني)، ثُمَّ أضافوه إلى مركَّبٍ آخر، قالوا: أحد عشر، على ما سيذكر النَّاظم: وَإِنْ أَرَدْتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ ... مُرَكَّبَاً. . . . . . . . . . . . . . . . (مُرَكَّبَاً) هذا حال من (مِثْلَ)، (إِنْ أَرَدْتَ) هذا شرطٌ، و (أَرَدْتَ) فعل فاعل .. أرَدْتَ أنْتَ، (مِثْلَ) هذا مفعولٌ به، (مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ)، (مِثْلَ) مضاف، و (ثَانِي اثْنَيْنِ) مضافٌ إليه قُصِد لفظه، (مُرَكَّبَاً) هذا حال، ويجوز العكس: أن يكون (مُرَكَّبَاً) مفعولاً به، أردت مركَّباً مثل ثاني اثنين، حينئذٍ الظرف (مِثْلَ) هذا تَقدَّم .. كان نعتاً، حينئذٍ ينتصب على الحاليَّة فصار (مِثْلَ) هذا حال، و (مُرَكَّبَاً) هذا مفعول به. وأصل التركيب: إن أرَدْتَ مركَّباً مثل ثاني اثنين، وهذا جيِّد، إذا أردت مركَّباً، لأنَّ الحكم هنا على المركَّب، كلامنا مُنْصَب على أحد عشر إلى تسعة عشر، إذا أردت هذا المركَّب (مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ) حينئذٍ قال: (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ)، يعني: أنَّك إذا أردت بالمركب من أحد عشر إلى تسعة عشر، ما أردت بثاني اثنين من الإضافة على معنى: بعض (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ) المركَّب الأول مضافٌ إلى المركب الثاني .. إضافة ثاني إلى اثنين، هذا هو الأصل.

إذاً: إذا أردت صَوْغ الوصف المذكور من العدد المُركَّب بمعنى بعض أصله كثاني اثنين (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ) صدر المركَّب الأول: فاعل أو فاعلة، فاعل في التذكير وفاعلة في التأنيث، يعني: تأتي بالصدر الأول .. عندنا مركَّباً أربعة ألفاظ، لأنَّنا سنضيف مركَّب إلى مركَّب، المركب الأول مركَّب من كلمتين .. لفظين، وكلاهما بِمنزلة الجزء الواحد، سنضيفه إلى مركَّبٍ آخر. إذاً صار عندنا أربعة ألفاظ: صدران وعجُزَان، صدر الأول وصدر الثاني، عجز الأول .. عجز الثاني، فحينئذٍ إذا أردت تأتي بتركيبين، كيف تصنع؟ تأتي بِما كان على زِنَة فاعل الذي هو مقابل لـ: ثاني ثُم اثنين، (ثاني) هذا مُقابِل لمركب: أحد عشر مثلًا أو حادي عشر، و (اثنين) هذا مُقابل لمركَّب آخر، فتضع مكان ثاني اثنين مركَّبين كلٌّ منهما مؤلف من أربع كلمات. (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ) صدر أولهما فاعل في التذكير وفاعلة في التأنيث، وصدر ثانيهما الاسم المُشتق منه، لأنَّك تقول: ثاني اثنين، إذاً: صدر الأول يكون على زِنَة فاعل أو فاعلة على حسب التذكير والتأنيث، وصدر الثاني يكون العدد الذي اشْتُقَّ منه فاعل. وصدر ثانيهما، يعني: المُركَّب الثاني: الاسم المشتق منه وعجزهما، العجز: عشرٌ في التذكير وعشرةٌ في التأنيث، يعني: يكون مُقابل .. على القياس، فتقول في التذكير: ثاني عشر اثني عشر، ماذا صنعت؟ أولاً: أردت معنى ثاني اثنين، والعدد هنا ليس مُفرداً كثاني اثنين وإنَّما هو مركَّب، حينئذٍ تأتي بالمركَّب الأول تنظر إلى صدره تجعله على زنة فاعل، لأن مقام الحديث مقام ما كان على زنة فاعل، فتقول: ثاني عشرة، لأنَّك جئت بالمذكر ثاني ولم تقل: ثانية، تأتي بفاعل في المذكر، وفاعلة في المؤنث، هنا قلت في ثاني، حينئذٍ عشرة، ثاني اشتققته من اثني. إذاً تقول: ثاني عشر اثني عشر، أضفت الأول إلى الثاني مُراداً به معنى ثاني اثنين، فلا بُدَّ أن يكون صدر المركَّب الأول مشتَّقاً من اثنين وهو اسم فاعل، وأن يكون الثاني .. الصدر الثاني المشتق منه، أن تُنَزِّل المركَّبين بِمنْزلة ثاني اثنين، (ثاني) هذا اسم فاعل هو الذي جئت به في ثاني عشرة، (اثنين) المضاف إليه جئت في محله بمركب كذلك فقلت: اثني عشرة. إذاً: تأتي بزنة فاعل في المذكر وفاعلة في المؤنَّث تضعه صدر المركَّب الأول، لأنَّه مُقابل لثاني، وتأتي في صدر المركَّب الثاني بما اشْتُقَّ منه صدر المركَّب الأول وهو (اثني) فتقول: ثاني عشرة .. اثني عشر، كأنك قلت: ثاني اثنين، هذا في التذكير إلى تاسع عشر تسعة عشر. إذاً: ثاني عشر اثني عشر، يعني: أنا بعض الاثني عشر، هذا المراد، أنا بعض الاثني عشر يعني: واحدٌ منهم، هذا المراد بهذا التركيب، ولا أدري هل هذا مسموع أو لا؟ ثاني عَشْر اثني عَشَر، إلى تاسع عَشْرة تسعة عَشَر، (تاسع) نقول: هذا مشْتَقٌّ من التسعة، حينئذٍ أرَدْتَ أنْ تَجعله مضافاً إلى تسعة، كما تقول: تاسع تسعةٍ، يعني: واحدٌ من التسعة، فتأتي في مُقابل (تاسع) مركَّب من جزئيين صدرُه تاسع، تاسع عشرة كما هو، وتأتي بصدر المركَّب الثاني (تسعة)، إذاً: تاسع عَشْرة تسعة عَشَر.

وفي التأنيث: ثانية عَشْرة .. اثنتي عَشْرة، هذا في التأنيث تأتي بالأول على وزن (فاعلة)، والثاني: اثنتي، لأنَّك أضفته إلى ما اشتق منه، كما قيل: ثانية اثنتين ثاني اثنين، أضفته إلى المُذكَّر، لأنَّ المراد به التذكير، ثانية اثنتين كذلك أردت به التأنيث. هنا مثله فتقول: ثانية عَشْرة اثنتي عَشْرة إلى تاسعة عَشْرة تسع عَشْرة، فتأتي بأربع كلمات كلها مَبنيَّة، ولذلك قال: (بِتَرْكِيبَينِ) تثنية (تركيب)، ومعلومٌ أنَّ التركيب موجبٌ للبناء، إذاً: يُضاف الأول إلى الثاني، أضفت كلمتين إلى كلمتين، مُركَّب عددي إلى مُركَّب عددي. إذاً: تأتي بأربع كلماتٍ مبنيَّة، وأول التركيبين مضافٌ إلى ثانيهما إضافة ثاني إلى اثنين، وهذا الاستعمال هو الأصل عندهم وبقي استعمالان. إذاً: وَإِنْ أَرَدَتَ مُرَكَّبَاً مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْن أنَّه واحدٌ من مضاف إليه حينئذٍ تأتي بِتَرْكِيبَينِ، والحديث فيما كان على زِنَة (فاعل)، أين تضع فاعل من التركيبين؟ تضعه في صدر الأول، مذكَّراً أو مؤنَّثاً على القسمة السابقة. وتأتي بِما اشْتُقَّ منه ما كان على زِنَة (فاعل) تضعه صدر الثاني، ثُمَّ عَشْر وعَشَرة على حسب التأنيث السابق ليس فيه جديد، وإنَّما تضع فاعل وما اشْتُقَّ منه في صدر كلٍّ من المركبين، وتضيف الأول إلى الثاني، والذي يضبط لك: أنَّك تَجعله في مقام ثاني اثنين، (ثاني) جاء محله مُركَّب فَيُصدَّر باسم فاعل مُذكَّراً أو مؤنَّث، و (اثنتين) هذا تضع في محله مركَّباً كذلك ويُصَدَّر بما اشْتُقَّ منه فاعل، وتضيف الأول إلى الثاني إضافة ثاني إلى اثنتين، هذا هو الأصل عندهم، وهذا هو المشهور. (أَوْ) الحالة الثاني: أَوْ أَضِفِ فَاعِلاً إلى مُركَّبٍ، (فَاعِلاً) هذا مفعول (أَضِفِ)، و (أَوْ) هنا عاطفة جملة على جملة، أو أضف فاعلاً (بِحَالَتَيْهِ) تذكيراً وتأنيثاً، إنْ كان مُذكَّراً تأتي به على زِنَة (فاعل)، وإن كان مُؤنَّثاً تأتي به على زِنَة (فاعلة). أضف إلى مركَّبٍ: جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (أَضِفِ)، (أَضِفِ) حُرِّك للوزن، أضف فاعلاً (بِحَالَتَيْهِ) هذا صِفة لـ: (فَاعِل) مُتعلِّق بِمحذوف، فاعلاً كائناً (بِحَالَتَيْهِ) صفة له، يعني: يُذكَّر مع المذكَّر ويُؤنَّث مع المؤنَّث، (إِلَى مُرَكَّبٍ) مُتعلِّق بقوله: (أَضِفِ). يَفِي بِمَا تَنْوي، (بِمَا) مُتعلِّق بقوله: (يَفِي)، و (مَا) هذه موصولة، و (تَنْوِيْ) هذه صِلة (مَا) تنوي أنْتَ، بِمَا يَفْي تَنْوي، (يَفِي) جواب (أَضِفِ) فهو مجزوم، (يَفِي) بالياء، كيف بالياء؟ قيل: أُشْبِعت كسرته، والمعنى: أنَّك إذا فعلت ذلك وفَى الكلام .. تَمَّ بالمعنى الأول الذي تنويه، حينئذٍ ماذا تقول؟ أو أضِفِ فاعلاً بحالتيه إلى مُركَّبٍ، فتقول: ثاني اثني عَشَر، جئت بفاعل وأضفته إلى مركَّبٍ، هذا أسهل من الأول وأحسن من جهة اللفظ، أمَّا ثاني عَشْرة اثنتي عشر، هذا فيه تطويل .. أربع كلمات. أمَّا هذا: ثاني اثني عَشَر .. ثالث ثلاثة عَشَر، فتأتي بِزِنة (فاعل) وتضيفه إلى المركَّب. أَوْ فَاعِلاً بِحَالَتَيْهِ أَضِفِ ..

أَضِفِ ما كان على زِنَة (فاعل) مذكَّراً أو مؤنَّثاً إلى مركَّبٍ واحد، فلا تأتي بتركيبين، وإنَّما تأتي في مَحلِّ ثاني مثله بِزِنة (فاعل)، واثنتين تأتي في مِحلِّه بِمركَّب من أحد عَشَر إلى تسعة عَشَر. ثُمَّ الثالث أشار إليه بقوله: وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا ... وَنَحْوِهِ. . . . . . . . . . . . . يعني: أنَّه يُحذف من المركَّب الأول العَجُز، ومن المُركَّب الثاني الصَّدْر، هذا ظاهر كلام النَّاظم بِخلاف ما مشى عليه ابن عقيل: أنَّه يَحصل فيه حذف ليس فيه استغناء بأحد المركبين عن الثاني، لأنَّ قوله: (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ) يعني: يُستغنى بالأول عن الثاني، هذا ظاهر كلام ابن عقيل. لكن الظاهر أن صُنْع المصنف كغيره من النُّحاة: (وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا) إذًا: عندنا استغناء، (بِحَادِيْ عَشَرَا وَنَحْوِهِ). يعني: أنَّه يُحذف من المُركَّب الأول العَجُز، يعني: عَشْرة، ومن المركب الثاني الصدر، حينئذٍ تقول: حادي عَشَر .. ثاني عَشَر، أصله: ثاني عَشَر اثني عَشَر، ماذا صنعت؟ حذفت العَجُز (عَشَر) من الأول، صار: ثاني اثني عَشَر، وحذفت الصَّدر من الثاني، تَحذف العَجُز من الأول، وتحذف الصدر من الثاني، صار: ثاني عشر، أصله: ثاني عَشَر اثني عَشَر، حذفت عشر الأولى من المركب الأول قلت: ثاني اثني عشر صار مثل السابق أو حالتيه إلى مركَّبٍ، ثُمَّ تحذف الصدر من الثاني فصار: ثاني عَشَر، هذا الظَّاهر. إذاً: يُحذف من المركَّب الأول العَجُز، ومن المركب الثاني الصَّدر، وفيه حينئذٍ ثلاثة أوجه: - بناؤهما وهو المشهور .. أنَّهما مبنيَّان. - الثاني: إعراب الأول وبناء الثاني: حادي عَشَر، (حادي) مُعرب والثاني مبني، وهذا له نظير، مثل: اثنا عَشْرة واثنتا عَشَر، الأول مُعرب إعراب المثنَّى، والثاني: مبني. - الثالث: إعرابهما .. كلاهما معربان. إذاً: ثلاثة أوجه فيما إذا اسْتُغني بصدر الأول عن عَجُزه، وبِعَجُز الثاني عن صدره، حصل استغناء .. اكتفاء بصدر الأول عن عَجُزه .. حُذِف العَجُزْ، وبِعَجُز الثاني عن صدره، إذاً: رُكِّب مُرَكَّب واحد من التركيبين، أخذت من هذا صَدْرَه، ومن هذا عَجُزه، حصلت النتيجة بالحذف من الأول ومن الثاني، وفيه ثلاثة أوجه: - بناء التركيب كله، وهذا هو المشهور، لأنَّه صار مثل: أحد عَشَر. - والثاني: إعراب الأول وبناء الثاني، وهذا له نظير. - وإعرابهما. وفُهِم من المثال: (حَادِيْ عَشَرَا) هذه الألف للإطلاق، فُهِم من المثال: أنَّ (عَشَرَا) مبني لنطقه به، إذاً: امتنع الوجه الثالث: إعرابهما معاً، إذاً: لا يتأتَّى في مَثال النَّاظم، وإنَّما يتأتى بناء الثاني مع بناء الأول أو إعرابه، لأنَّ (حَادِيْ) هذا لا يظهر فيه البناء ولا الإعراب، (حَادِيْ) بإسكان الياء مثل: مَعديكرب، حينئذٍ هو معتل فلا يظهر فيه لا إعراب ولا بناء، إذاً: يحتمل المذهبين الأول والثاني، بناؤهما معاً، أو إعراب الأول ويكون تقديراً، والثاني مبني، وأمَّا الثالث فلا يحتمله كلام النَّاظم، لأنَّه لفظ به بالفتح: (عَشَرَا) صار مبني.

إذاً: فُهِم من المثال أنَّ (عَشَرَا) مبني لنطقه به، فيحتمل الأول والثاني دون الثالث، من احتمال أن يكون (حَادِيْ) مبنيَّاً أو مُعرباً لعدم الحركة فيه، ومثَّل (بِحَادِيْ عَشَرَا) قالوا دون غيره: ليتضمن التمثيل فائدة .. تنبيه، وأنَّه في مثل هذا التركيب حصل فيه قلبٌ وإعلال. التنبيه على ما التزموه حين صاغوا: أحداً وإحدى، على (فَاعِل) و (فَاعِلة) من القلب وجعل الفاء بعد اللام .. حصل فيه قلب: حادي على وزن: (عَالِف)، الفاء التي هي الواو صارت متأخِّرة، ثُمَّ قُلِبت الواو ياءً، و (عالفة) مثله لكنَّه مؤنَّث، فقالوا: حادي عَشَر وحادية عَشْرة، والأصل: واحد وواحدة، فصار: حادٍ وحاديةٍ، فقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها فوزنُهما (عالف) و (عالفة) يعني: أراد أن ينبِّه على أنَّه حصل قلب في هذا دون غيره. وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا ... وَنَحْوِهِ. . . . . . . . . . . . . (نَحْوِهِ) هذا معطوف على (حَادِيْ عَشَرَا)، والمراد به: اثنا عَشَر إلى تسعة عَشَر، إذاً إذا: . أَرَدَتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ ... مُرَكَّبَاً فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ تُضيف الأول إلى الثاني، وتَجعل صدر الأول ما كان على زِنَة (فاعل) مؤنَّثاً أو مذكَّراً، وتأتي بصدر المركب الثاني ما اشْتُقَّ منه اسم الفاعل السابق الذي جعلته صدراً للأول، أو تأتي بزنة (فاعل) وتضيفه إلى المركَّب، أو ثالثاً: يحصل حذفٌ من كُلٍّ من التركيبين، تحذف العَجُز من الأول، والصَّدْر من الثاني، ثُمَّ فيه ثلاثة أوجه. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . وَقَبْلَ عِشْرِينَ اذْكُرَا وَبَابِهِ الْفَاعِلَ مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ ... بِحَالَتَيْهِ. . . . . . . . . . . . يعني: هذا الاستعمال الأخير لِمَا كان على زنة (فاعل): أنَّه يُستعمل في نيِّف العقود من عشرين إلى تسعين، فيُقال: حادي أحدٌ وعشرون .. ثانيٍ وعشرون .. ثالثٌ وعشرون .. رابعٌ .. تاسعٌ .. خامسٌ وخمسون، تأتي به مؤنَّثاً ومذكَّراً، لكنَّه يكون سابقاً على لفظ العقد، ومعطوفٌ عليه بالواو على جهة الخصوص. (وَقَبْلَ عِشْرِينَ اذْكُرَا) (اذْكُرَاً) الألف هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة، اذكر قبل عشرين، (قَبْلَ) هذا ظرف مُتعلِّق بـ (اذْكُر) وهو مضاف، و (عِشْرِينَ) مضافٌ إليه، اذكر قبل عشرين، إذًا: لا بعده. (وَبَابِهِ) باب عشرين وهو: الثلاثين إلى التسعين، (الْفَاعِلَ) اذكر الفاعل المصوغ (مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ)، (مِنْ لَفْظِ) هذا إمَّا أن يكون مُتعلِّقاً بمحذوف نعت لـ (الْفَاعِلَ) أي: الفاعل المصوغ، أو يكون جار مجرور مُتعلِّق بقوله: (اذْكُر) اذكر من لفظ العدد، والأول أحسن: أن يكون مُتعلِّقاً بمحذوف صفة لـ (الْفَاعِلَ). إذاً: اذكر قبل عشرين وبابه ما كان على زنة (فاعل) المصوغ (مِنْ لَفْظِ الْعَدَدْ بِحَالَتَيْهِ) مُذكَّراً مع المذكَّر، ومؤنَّثاً مع المؤنَّث، (بِحَالَتَيْهِ) التذكير والتأنيث، (قَبْلَ وَاوٍ) على جهة الخصوص، (يُعْتَمَدْ) الجملة نعتٌ لـ (وَاوٍ) .. لواوٍ معتمدة، يعني: لا غيرها فهي خاصَّةٌ من بين سائر حروف الجر.

أي: يُعتمد عليها دون غيرها من حروف العطف، يعني: أن اسم الفاعل من العدد إذا ذُكِر مع عشرين وبابه، يعني: العقود إلى التسعين يُذكَر بحالتيه من التذكير والتأنيث قبل الواو، وهذا واضحٌ .. هذا الاستعمال الأخير. يعني: أنَّ العشرين وبابه إلى التسعين يُعطف على الفاعل بحالتيه، فتقول: الحادي والعشرون، (الحادي) على زنة (فاعل)، (والعشرون) جئت به أولاً ثُمَّ عطفت عليه (العشرون) بالواو، الأول: معطوفٌ عليه، والثاني: معطوفٌ، ولذلك سبق أولاً: أنَّه قد يكون معطوفاً. إلى التاسع والتسعين، والحادية والعشرون إلى التاسعة والتسعين، ولا يجوز أن تُحذف الواو وتُركَّب فتقول: حادي عشرين كما تقول: حادي عشر، هذا لا يَصِح لعدم السَّماع. فتقول: حادي عشرين كما تقول: حادي عشر إلحاقاً لكل فرع بأصله، فإنه يجوز أحد عشر بالتركيب ولا يجوز أحد عشرين بالتركيب. تتمة: لم يذكروا في العشرين وبابه مُشتقَّاً، يعني: ما ذكره سابقاً وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . . وهذا لا يُذكَر هنا، إذاً: حاصل ما ذكره، كما قال هنا ابن عقيل: "سبق أنَّه يبني فاعلٌ من اسم العدد على وجهين: - أحدهما: أن يكون مُراداً به بعض ما اشْتُقَّ منه، كـ: ثاني اثنين. - والثاني: أن يُراد به جعل الأقل مساوياً لِمَا فوقه، كـ: ثالث اثنين" وذكر هنا أنَّه إذا أُرِيد بناء فاعل من العدد المركَّب للدَّلالة على المعنى الأول وسكت عن الثاني، فدل على أنَّه لا يُؤتى منه، لأنَّ الكلام في باب فاعل، وذكر له من حيث هو .. ذكر له معنيين فيما سبق إذا لم يُفرد: إمَّا أنْ يُراد به بعض ما أضيف إليه: ثاني اثنين، وهذا يأتي المُركَّب مِثله، ولذلك قال: وَإِنْ أَرَدَتَ مِثْلَ ثَانِي اثْنَيْنِ .. وسكت عن قوله: وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ. . . . . . . . . . . . . . . . فدلَّ على أنَّه لا يُصاغ من العدد المُركَّب للدَّلالة على هذا المعنى خلافاً لسيبويه، وسيأتي أنَّ مذهب سيبويه يُجوِّزه. إذاً: وذكر هنا: أنَّه إذا أُريد بناء فاعلٍ من العدد المركَّب للدَّلالة على المعنى الأول، وهو أنَّه بعض ما اشْتُقَّ منه، يجوز فيه ثلاثة أوجه، يعني: كيف تصيغه على هذا المعنى؟ إمَّا أنك تأتي به على الوجه الأول أو الثاني أو الثالث، فأنت مُخَيَّر بين واحدٍ من هذه الأوجه الثلاثة، لكن يلزمك أن تُعربه أو تبنيه على ما يذكره النُّحاة: - الوجه الأول وهو الشائع الكثير عندهم الذي جعلوه أصلاً - وحقيقةً لا أدري هل هو مسموع أو مُتَكلَّف من عندهم لا أدري عنه –: أن تجيء بتركيبين .. الأول: عبارة ابن هشام في (التوضيح) أوضح: أن تأتي بأربعة ألفاظ .. أربع كلمات: - أولها: الوصف فاعل أو فاعلة .. أول كلمة تستفتح بها: الوصف فاعل أو فاعلة، مركباً مع العشرة. - والثالث ما اشْتُقَّ منه الوصف. - كذلك مُرَكَّباً أيضاً مع العشرة. - وتضيف جملة التَّركيب الأول إلى جملة التركيب الثاني.

إذاً: عندنا أربع كلمات على التوالي، الكلمة الأولى: تأتي بها على زنة (فاعل) أو (فاعلة)، والكلمة الثالثة: تأتي بها ما اشْتُقَّ منه الفاعل، والثانية والرابعة لفظ عشرة .. العَجُز هذا مُطَّرد، ثُمَّ تضيف الأول إلى الثاني، كـ: ثاني اثنين. إذاً تقول: ثاني عَشر اثني عَشَر (ثاني عَشْرة) مضاف، و (اثني عَشَر) مضافٌ إليه في محل جر، والعامل فيه هو المركب. قال ابن عقيل: " أن تجيء بتركيبين صدر أولهما: (فاعل) في التذكير و (فاعلة) في التأنيث، وعجزهما: (عَشْرٌ) في التذكير و (عشرةٌ) في التأنيث، وصدر الثاني منهما في التذكير: أحد واثنان وثلاثة بالتاء إلى تسعة، وفي التأنيث: إحدى واثنتان وثلاث بلا تاء إلى تسع ". يعني: الحكم السابق قبل التركيب هو بعد التركيب، الأحكام السابقة مُطَّردة كما هي: العشرة في التذكير والتأنيث، وكذلك الثاني الذي هو صدر الثاني: ثلاثة واثنين إلى آخره أيضاً يُراعى فيه التذكير والتأنيث، والمراد هنا: أنْ تأتي بفاعل في صدر الأول وما اشْتُقَّ منه في صدر الثاني، ثُمَّ الأحكام السابقة كلها مُطَّردة كما هي. وفي التأنيث: إحدى واثنتان وثلاث بلا تاء إلى تسعٍ على الأصل في القاعدة، نَحو: ثالث عَشَر ثلاثة عَشَر، انظر! (ثالث) اللفظ الأول على زنة (فاعل)، و (ثلاثة) هذا في الثاني .. صدر الثاني، أو إن شئت قل: اللفظ الثَّالث تأتي بِما اشْتُقَّ لفظ (ثالث)، ثُمَّ تضيف الأول للثاني، فـ (ثالث عَشَر) مضاف، و (ثلاثة عَشَر) مضافٌ إليه. وهكذا إلى تاسع عَشَر تسعة عَشَر، انظر! عَشَر .. عَشَر في الموضعين هذا المُذكَّر .. تعلم أنَّه مذكَّر، لأنَّ العَشَر هنا في التركيب موافقاً للقياس، فإذا قلت: ثالث عَشَر (ثالث) هذا يُطابق، نحن قلنا: المذكَّر والمؤنَّث هنا في (ثالث) موافق للقياس، إنْ كان مؤنَّثاً قلت: ثالثة .. رابعة .. خامسة بالتاء، وإن كان مذكَّراً جَرَّدته من التاء. إذاً: ثالث عَشَر، تعلم أنَّه مذكَّر، لأنَّ الأول مُجرَّد من التاء وهو مُطابق، وعَشَر هذا مُجرَّدٌ من التاء وهو مطابق. كذلك: ثلاثة عَشَر، (عَشَر) الثاني هذا علمنا أنَّه كالأصل .. التركيب الأول، و (ثلاثة) بالتاء لأنَّه مُخالف. وهكذا إلى تاسع عَشَر تسعة عَشَر، وثالثة عَشْرة ثلاث عَشْرة إلى تاسعة عَشْرة تسع عَشْرة، وتكون الكلمات الأربع مبنيَّةً على الفتح. والمركَّب الأول مُضاف إلى الثاني، والمركَّب الثاني يكون في محل جر، والعامل فيه هو المركَّب الأول، والمعنى: أنَّه بعض أحد عَشَر، أو بعض الثلاث عَشَر إلى آخر ما ذكره، هذا الوجه الأول. الوجه الثاني: إذا أردت بالمركَّب ثاني اثنين، ماذا تصنع؟ الوجه الأول: تأتي بتركيبين، هنا لا .. عفونا عن التركيبين. قال: " أن تحذف (عَشَر) من الأول اسْتغناءً به في الثاني، وتُعرِب الأول لزوال التركيب وتضيفه إلى التركيب الثاني " تحذف (عَشَر) من الأول فقط، ولذلك قال: أَوْ فَاعِلاً بِحَالَتَيْهِ أَضِفِ ... إِلَى مُرَكَّبٍ. . . . . . . . . . .

يعني: تأتي بِزِنة (فاعل) وتضيفه إلى الثاني، إنْ جعلته ابتداءً هكذا لا إشكال، ولكن ابن هشام يرى أنَّه في الأصل: مركَّب يعني: التركيبين السابقين، فحذفت من الأول: العَجُز فبقي لفظ واحد، وإذا بقي لفظ واحد .. الصدر حينئذٍ زال مُوجب البناء فعاد إلى أصله، لأنَّه إنَّما بُنِي لتركيبه تركيب (خمسة عَشَر)، فإذا حذفت العَجُز حينئذٍ لم يكن مُركَّباً، فعاد إلى أصله وهو: الإعراب فأعربته. وأمَّا المركَّب الثاني بقي على حاله وهو مضافٌ إليه، ولماذا بقي على حاله؟ لبقاء التركيب، وإذا بقي التركيب فهو على أصله من البناء. إذاً: أنْ تَحذف (عَشَر) من الأول استغناءً به في الثاني، وتُعرب الأول لزوال التركيب وتضيفه إلى التركيب الثاني، هذا عبارة ابن هشام هناك. الثاني قال ابن عقيل: " أن يُقتصر على صدر المركَّب الأول فيُعرب لعدم التركيب، ويضاف إلى المركَّب الثاني باقياً الثاني على بناء جزئيه " تقول في التذكير: هذا ثالث ثلاثة عَشَر، (هذا) مبتدأ، و (ثالث) بالضَّمِّ مُعرب، لأنَّه في الأصل: ثالث عَشَر ثلاثة عَشَر، حذفنا عَجُز الأول فرجع إلى أصله وهو الإعراب لزوال موجب البناء وهو التركيب، فصار: هذا ثالثُ، بالرَّفع .. رجع إلى أصله، فـ (ثالث) هذا خبر، وهو مضاف، و (ثلاثة عَشَر) مبنيٌّ على فتح الجزئيين مضاف إليه في محل جر. وتقول في التأنيث: هذه ثالثة ثلاث عَشَر، الأصل: ثالثة عَشْرة ثلاث عَشْرة، فحُذِف عَجُز المُركَّب الأول فقيل: ثالثة .. رجع إلى أصله وهو الإعراب، فقيل: ثالثة ثلاث عَشَر، هذا الوجه الثاني وأشار إليه بقوله: أَوْ فَاعِلاً بِحَالَتَيْهِ أَضِفِ ... إِلَى مُرَكَّبٍ. . . . . . . . . . . وإن كان ظاهر النَّظم أنَّه جيء به ابتداءً، يعني: ليس فيه حذفٌ. الثالث: أنْ تَحذف العقد من الأول، والنَّيِّف من الثاني، يعني قوله: (حَادِيْ عَشَرَا) قلنا: حذفنا العقد الذي هو (عَشَرَا) العَجُز من الأول، وحذفنا الصدر من الثاني، إذاً: فيه حذفٌ، ولذلك قال هنا: أنْ تَحذف العقد من الأول، الذي هو (عَشَر) والنَّيِّف من الثاني .. صَدرُه، وحينئذٍ لك في وجهان. قال: " وفيه حينئذٍ وجهان الأول: أن يُعرب الأول ويبنى الثاني " حكاه الكسائي. يُعرب الأول: (حَادِيْ عَشَرَا) يُعرب الأول ويبنى الثاني، وهذا له نظير: اثنا عَشَر، ووجه: أنَّه حُذِف عَجُز الأول فأُعِرب لزوال التركيب وهذا واضح، ونَوَى صدر الثاني فبناه، ولا يُقاس على هذا الوجه لِقِلَّته. الثاني: أنْ تعربَهما معاً مُقدِّراً حَذف عَجُز الأول وصدر الثاني، لزوال مقتضى البناء فيهما حينئذٍ، يعني: أنت حذفت من الأول العَجُز، ومن الثاني: الصدر، إذاً: زال التركيب من الأول ومن الثاني وعاد إلى الأصل وهو الإعراب، هذا جيِّد. لزوال مقتضى البناء فيهما حينئذٍ، فيُجرى الأول على حسب العوامل، وَيُجَرُّ الثاني بالإضافة، لأنَّه ملازم للإضافة، أمَّا إذا اقْتَصرت على التركيب الأول بأنْ استعملت النَّيِّف مع العَشْرة ليفيد الاتِّصاف بمعناه مُقيَّداً لمصاحبته العَشْرة كما هو ظاهر النَّظم، فإنه يَتعيَّن بقاء الجزئيين على البناء.

إذاً: يُقتصر على الأول لكن على الحذف، ابن عقيل هنا يقول في الصورة الثالثة: " أنْ يُقتصر على المركَّب الأول باقياً على بناء صدره وعجزه، نحو: هذا ثالث عَشَر " ظاهره: أنَّك تَحذِف الثاني مباشرة ويبقى على الأول، وليس هذا كلام النُّحاة هنا. إذاً: أن يُقتصر على المركب الأول باقياً على بناء صَدْرِه وعَجُزه، نحو: هذا ثالثَ عَشر، وحَذفت الثاني، وثالثةَ عَشْرة وإليه أشار بقوله: وَشَاعَ الاِسْتِغْنَا بِحَادِيْ عَشَرَا ... وَنَحْوِهِ. . . . . . . . . . . . . . . . . أي: ثاني عَشَر إلى تاسع عَشَر، وفي التأنيث حادية عَشْرة إلى تاسعة عَشْرة، فتُذكِّر اللفظين مع المذكر، وتؤنِّثهما مع المؤنَّث. ثُمَّ قال: "ولا يُستعمل فاعلٌ من العدد المركَّب للدَّلالة على المعنى الثاني، وهو أن يُراد به جعل الأقلِّ مساوياً لِمَا فوقه" جماهير البصريين والكوفيين على المنع، فلا يُقال: رابع عَشَر ثلاثة عَشَر، كما تقول: رابع ثلاثة .. ثالث اثنين، مُصَيِّر الثلاثة أربعة، رابع ثلاثةٍ، يعني: جاعل الثلاثة أربعة. وكذلك الجميع ولهذا لم يذكره المصنف واقتصر على ذكر الأول، لكن هذا مذهب جماهير النُّحاة البصريين والكوفيين. وأمَّا مذهب سيبويه فإنَّه يُجوِّز ذلك، ولك حينئذٍ في ذلك وجهان: أن تأتي بمركبين صدر أولهما أكبر من صدر ثانيهما بواحد: ثالث اثنين، الأول أكبر من الثاني بواحد، لأنك تريد به مُصيِّر الاثنين ثلاثةً، إذاً: المُركَّب مثله تعامله معاملة ثاني اثنين، فتقول: رابع عَشَر ثلاثة عَشَر، ويجب في هذا الوجه إضافة المركَّب الأول إلى المركَّب الثاني، وهذا كالسابق (فَجِئْ بِتَرْكِيبَينِ). الوجه الثاني: أن تَحذِف عَجُز المركَّب الأول، فتقول: رابع ثلاثة عَشَر، لأنَّه لَمَّا زال التركيب عاد إلى أصله وهو الإعراب، فيجوز لك في هذا الوجه إضافة الأول إلى الثاني، وتنوين الأول ونصب الثاني مَحلاً به، يعني: أنَّه يُعامل معاملة ضاربُ زيدٍ وضاربٌ زيداً كما سبق. قلنا: وَإِنْ تُرِدْ جَعْلَ الأَقَلِّ مِثْلَ مَا ... فَوْقُ فَحُكْمَ جَاعِلٍ. . . . . . . . . . إذاً: يجوز فيه وجهان، هذا مثله تقول: رابعٌ ثلاثة عَشَر .. رابعُ ثلاثة عَشَر، يجوز فيه الوجهان، كما تقول: ضاربُ وضاربٌ. قال هنا الشَّارح: " (وحادي) مقلوب واحد، (وحادية) مقلوب واحدة " لذلك نَصَّ النَّاظم على حادي دون غيره لزيادة فائدة، وإلا لا علاقة له هنا بهذا وإنَّما يُذكر في فن الصَّرف. جعلوا فاءهما بعد لامهما، هذا يُسمونه قلب مكاني، ولا يُستعمل (حادي) إلا مع عَشَر، ولا تستعمل (حادية) إلا مع عَشْرة مُذكَّر ومؤنَّث.

ويُستعملان أيضاً مع عشرين وأخواتها: حادي وتسعون، وحاديةٌ وتسعون، وأشار بقوله: (وَقَبْلَ عِشْرِينَ) البيت إلى أنَّ فَاعِلاً المصوع من اسم العدد يُستعمل قبل العقود ويعُطف عليه العقود، نَحو: حادي وعشرون، وتاسعٌ وعشرون إلى التسعين، وتعربه هو والسابق على أصله: تاسعٌ إمَّا أن يكون نعتاً .. إمَّا أن يكون مفعولاً به إلى آخره، و (الواو) حرف عطف، و (عشرون) يأخذ حكم ما سبق، مثل: جاء زيدٌ وعمروٌ .. زيدٌ وعمروٌ .. تاسعٌ وعشرون مثله، يعني: (زيد) على حسب موقعه من الإعراب، و (الواو) حرف عطف، و (عشرون) هذا مثل: عمرو .. معطوف على سابقه، قد يكون منصوباً وقد يكون مجروراً. وقوله: (بِحَالَتَيْهِ) معناه: أنه يُستعمل قبل العقود بالحالتين اللتين سبقتا، وهو أنْ يُقال: (فاعل) في التذكير، و (فاعلة) في التأنيث. إذاً: هذا ما يَتعلَّق بالعدد إذا كان مصوغاً على زِنَة (فاعل). وخلاصة هذه الأبيات الأخيرة ما كان على زِنَة (فاعل) أنْ يُقال: لك في اسم الفاعل أنْ تستعمله بحسب المعنى الذي تريده على سبعة أوجه، كلها منظومة إلا واحد .. ترتيبها فقط: الأول: أنْ تَستعمله مُفرداً: ثالثٌ .. رابع، ثالثةٌ .. رابعةٌ، تستعمله مُفرداً ليفيد الاتِّصاف بمَعْناه مُجَرَّدَاً، فتقول: ثالثٌ ورابعٌ. الثاني: أنْ تَستعملَهُ مع أصلِهِ الذي اشْتُقَّ مِنه: (ثالث) هذا مُشتق من ثلاثة، تَستَعملُه مع أصله ليُفيدَ أنَّ المَوْصُوفَ به بَعْضُ تعلك العِدَّة المُعيَّنَة لا غَير، فتقول: خامس خمسةٍ، أي: بعض جماعةٍ مُنحَصِرةٍ في خَمسة، ولذلك: بَعْضٍ بَيِّنِ كما قال هنا، ويجب حينئذٍ إضَافتُهُ إلى أصلِهِ كما يجبُ إضَافة البَعضِ إلى الكل. الثالث: أن تَستعملَهُ مَع مَا دُونَ أصلِه، يعني: أصله الذي اشتُقَّ منه: (ثالث) اشْتُقَّ من ثلاثة، إذاً: تستعمله لا مع ما اشتق منه كما هو الثاني، وإنَّما تَستعمله مع دون ما اشْتُقَّ منه، الذي هو دونه .. أسفل منه، فـ: (ثالث) دونه اثنان، فتقول: ثالث اثنين. مع ما دون أصله ليُفِيد معنى التَّصيير والجعل، فتقول: هذا رابع ثلاثةٍ، أي: جاعل الثَّلاثة بنفسه أربعةً، ويجوز حينئذٍ إضافته وإعْمَاله كما يجوز الوجهان في: جاعل ومُصيِّر ونَحوهما، يعني: اللفظ نفسه (جاعل) .. (صَيَّر) .. (صار) هذا يجوز فيه الوجهان، لأنه اسم فاعل. ولا يُستَعمَل بهذا الاستعمال: (ثانٍ) كما ذكرناه، فَلا يُقالُ: ثاني واحدٍ، ولا ثانٍ واحداً، لا بالإضافة ولا بالنَّصب. الرابع: أن تستعْمِلَهُ مع العَشْرَة ليُفيدَ الاتِّصَاف بِمعْناه مقيَّداً بِمصاحبة العَشْرَة، إنْ أُريد به البعض صار مثل: ثاني اثنين، وإن أُريد به جاعل ما دونه مساوياً له صار مثل: ثالث اثنين، فتقول: حادِي عَشَر بتذكيرهما، وحاديةَ عَشْرةَ بتأنيثهما وكذا البواقي، تُذَكِّرُ اللَّفظَين مع المُذكَّر وتُؤَنِّثُهما مع المُؤنَّث، ولذلك تقول: الجزء الخامس عَشَر، والقصيدة الخامسة عَشْرة. الخامس: أن تستعمِلَهُ معَها ليُفِيد معنى: ثاني اثنين، وهو انْحصار العدة فيما ذُكِر على الأوجه الثلاثة المذكورة في النَّظم.

السادس ولم يذكره النَّاظم: أنْ تَستعملَه معها لإفادة مَعنى: رابع ثلاثة، فتأتي بأربعة أَلفَاظ ولكن يكونُ الثالث مَنها دونَ ما اشتُقَّ منه الوَصفُ فتَقولُ: رَابعَ عَشْرة ثَلاثَةَ عَشَر، أجازه سيبويه ومَنَعه الجمهور، وعلى الجواز يَتعيَّن بالإجماع أنْ يكون التركيب الثاني في موضع خفضٍ. ولك أنْ تَحذف العشرة من الأول: رابع عَشْرة ثلاثة عَشَر، احذف (عَشَر) من الأول، تقول: رابع ثلاثة عَشْرة، وليس لك مع ذلك أن تَحذف النَّيِّف من الثاني للإلباس، يعني: الصدر الثاني لا يُحذف كما هو الشأن في سابقه. السابع: أن تستعمله مع العشرين وأخواته، حينئذٍ يكون مُتقدِّماً وتعطف عليه العقد بالواو ولا يُشتقُّ منه. قال - رحمه الله تعالى -: (كَمْ، وَكَأَيِّنْ، وَكَذَا). أي: هذا مبحثها، وهذه ثلاثة ألفاظ يُكنَى بِها عن العدد، العدد هناك صريح: ستة وسبعة وخمسة وثلاثة .. هذا عددٌ صريح، قد يُكنَى عن العدد ببعض الألفاظ، منها المشهور في لسان العرب: كم، وكأيٍّ، بالتنوين وقد لا يُكتب التنوين، في النُّطق تُنَوَّن: كأيٍّ، وكذا، إذاً: هذه ألفاظ يُكنَى بِها عن العدد، ولهذا أردف بها (باب العدد). (كَمْ) هذا اسم مُبهم الجنس والمقدار، (كَمْ) تسأل عن أي شيء، إن كانت استفهاميَّة تستفهم عن ماذا، وإن كنت تخبر تُخبر عن ماذا، فهو في نفسه مبهم (كَمْ): كم طالباً نَجح؟ حينئذٍ نقول: (كَمْ) لوحدها مبهمة من حيث الجنس، ومن حيث المقدار. (كَمْ) الرَّاجح عند الجمهور: أنَّها بسيطة، يعني: غير مُركَّبة، وذهب الكِسَائي والفَرَّاء إلى أنَّها مركَّبة .. مركبة من كاف التَّشبِيه، و (مَا) الاستفهاميَّة، وأنَّ ألف (ما) الاستفهاميَّة حُذِفت كما تحذف من قوله: (بِمَ) (عمَّ) تُحذف الألف، وسيأتي هذا في محله. ثُمَّ سكنت الميم للتَّخفيف فقيل: (كَمْ) على كُلٍّ الصواب هو قول الجمهور: أنَّها بسيطة، يعني: غير مُركَّبة، وهي على قسمين: استفهاميَّة، وخبريَّه. استفهامية بمعنى: أيُّ عددٍ، لأنَّها مُتضمِّنة معنى همزة الاستفهام ولذلك بُنيت، أيُّ عددٍ فالسؤال بِها عن كِميَّة الشيء، إذا أرَدْتَ أنْ تعرف كميَّة الشيء، أولاً: ما هو الشيء وما كميَّته؟ لأنَّ ثَمَّ أمرين: الأول: جنس، والثاني: مِقْدَار، (كَمْ) تسأل عن شيء، ما هو الذي تسأل عنه؟ كتاب مثلًا .. جِنْس الكتاب وعدده، إذاً: تسأل عن كِميَّة الشيء، فيأتي المُميِّز كاشفاً عن هذه الحقيقة، إذاً: استفهاميَّة بِمعنى أيُّ عددٍ، فالسؤال بِها عن كِميَّة الشيء. وخبرية، بمعنى: عدد كثير، هذه تُستعمل للافتخار، كم مالٍ ملكت؟ كثير .. يفتخر، وتُستعمل للافتخار والتكثير، إذاً: خبرية بِمعنى عدد كثير، وكُلٌّ منهما .. من الاستفهامية والخبرية يفتقر إلى تمييز. قال النَّاظم: مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا ... مَيَّزْتَ عِشْرِينَ كَكَمْ شَخْصَاً سَمَا (كَمْ) الاستفهاميَّة تُمَيَّز بِما ميَّزت به عشرين، وما هو تمييز العشرين؟ واحد، قال: بواحدٍ مفردٍ منكَّرٍ منصوب، إذاً: تمييز (كَمْ) يكون واحداً لا جمعاً .. مُنكَّراً لا معرَّفاً .. منصوباً لا مجروراً، لأنَّه قيَّده هنا قال:

مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا ... مَيَّزْتَ عِشْرِينَ. . . . . . . . . (مَيِّزْ) هذا فعل أمر والفاعل أنت، (فِي الاِسْتِفْهَامِ) متعلِّقٌ به، (كَمْ) مفعول به قُصِد لفظه، ميِّز كَمْ .. (كَمْ) مفعولٌ به لأنَّه مَحلٌّ للتمييز، (بِمِثْلِ) هذا مُتعلِّق بـ (مَيِّزْ)، ميِّز بِمثل ما ميَّزت .. بِمثل تمييز عشرين، فـ (مَا) يَحتمل أنَّها مصدريَّة، فتؤول مع ما بعدها بمصدر فيكون مضافاً إلى (مِثْلِ)، بِمثل تمييز عشرين. ويَحتمل أنَّها موصولة، وحينئذٍ تكون مضافاً إليه وواقعة على تمييز العشرين، بِمثل تمييز ميَّزت به عشرين، فإذا جعلتها مصدريَّة حينئذٍ لا تَحتاج إلى عائد، وإذا جعلتها موصولة لا بُدَّ من التقدير: (مَيَّزْتَ عِشْرِينَ) مَيَّزت به عشرين، فَحُذِف العائد للعلم به. (بِمِثْلِ مَا مَيَّزْتَ) به (عِشْرِينَ)، إذا جعلت (مَا) موصولة، (بِمِثْلِ مَا مَيَّزْتَ) به (عِشْرِينَ)، أي: مفرداً منصوباً، لأنَّه لم يُسمع إلا كذلك، فالعِلَّة في ذلك السَّمَاع، وَعُلِّل: أمَّا كونه مفرداً فلازمٌ مُطلقاً خلافاً للكوفيين، فإنَّهم يُجيزون جمعه مُطلقاً. إذاً قوله: (بِمِثْلِ مَا مَيَّزْتَ عِشْرِينَ) ليس مَحلَّ وفاقٍ بين النُّحاة، بل هذا مذهب البصريين: أنَّ تَمييز (كَمْ) الاستفهامية يكون مُفرداً لا جَمعاً، وأمَّا الكوفيون فَجَوَّزوا أن يكون مُميّز (كَمْ) الاستفهامية جمعاً، خِلافاً للكوفيين فإنَّهم يُجيزون جمعه مُطلقاً، أي: سواءٌ أُرِيد به الأصناف أو لا: كم عبيداً مَلَكتَ؟ انظر! (عبيدًا مَلَكت) صارت استفهاماً .. يستفهم عن عدد العبيد. وجاء بالتَّمييز هنا جمعاً: عبيداً، وهذا مُمتنع عند البصريين، يجعلونه حال. كم عبيداً مَلَكتَ؟ وجعله البصريون حالاً والتَّمييز محذوف، في مثل هذا التركيب إذا جاء بعد (كَمْ) الاستفهامية جمع وهو مُمتنع عند البصريين: كم عبيداً ملكت؟ قالوا: (عبيداً) هذا ليس بتمييز، التَّمييز محذوف، وإنَّما هذا حال. والتَّمييز محذوف، أي: كم نفساً ملكت حالة كونهم عبيداً أي: مملوكين، وهذا فيه تكلُّف (كم نفساً) (نفساً) قدَّروا التمييز مفرد: كم نفساً ملكت حالة كونهم عبيداً؟ أي: مملوكين، (عبيداً) هذا كيف جعلوه حال وهو جامد؟ قالوا: أي مملوكين، ومذهب الأخفش التفصيل: إن كان السؤال عن الجماعات نحو: كم غلاماناً لك إذا أردت أصنافًا .. جماعات، المُراد به الأصناف، إن كان السؤال عن الجماعات يعني: الأصناف حينئذٍ جاز، كم غلاماناً لك إذا أردت أصنافاً، (الغلمان) قد يكون عجم وعرب ونحو ذلك. حينئذٍ: إذا كان السؤال عن الأصناف جاز الجمع وإلا فكان مفرداً: كم غلماناً لك، إذا أردت أصنافاً من الغلمان جاز وإلا فلا، فالمعنى عليه: كم صنفاً من أصناف الغلمان استقروا لك، فالسؤال فيه عن عدد أصناف الغلمان، لا عن عدد آحادهم. إذاًَ: تمييز (كَمْ) النَّاظم حكم بكونه مُفرداً خلافاً للكوفيين المطلقين بأنَّه يكون جمعاً، وخلافاً للأخفش المُجوِّز أن يكون جمعاً إذا أُريد به الأصناف .. الجماعات دون غيره، وأمَّا النَّصب، لماذا منصوب؟ قالوا: النصب فيه ثلاثة مذاهب:

- الأول: أنَّه لازمٌ مُطلقاً، يعني: يَجب أن يكون منصوباً دائماً .. لا يكون مجروراً وإنَّما يكون منصوباً دائماً فهو ملازمٌ للنصب. أي: سواءٌ دخل على (كَمْ) حرف جر أو لا، خِلاف ما ذكره النَّاظم، إذاً: ملازمٌ للنصب، مطلقاً دخل على (كَمْ) حرف جر أو لا. - الثاني: ليس بلازمٍ بل يجوز جرُّه مُطلقاً حملاً على الخبريَّة. - الثالث: أنَّه لازمٌ إن لم يدخل على (كَمْ) حرف جر. وهذا الذي ذكره النَّاظم وهو الظاهر: أنَّه يجب نصبه إلا إذا دخل على (كَمْ) حرف جر، حينئذٍ يجوز الوجهان: النصب والخفض، والنصب أرجح من الخفض. أنَّه لازمٌ إن لم يدخل على (كَمْ) حرف جر، وراجحٌ على الجرِّ إن دخل عليها حرف جرٍّ وهذا هو المشهور، وهو الذي قدَّمه هنا في النَّظم. مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا ... مَيَّزْتَ. . . . . . . . . . . . . . . . بِمثل تمييز عشرين بكونه مُفرداً لا جمعاً خلافاً للكوفيين منصوباً ملازماً للنصب إلا إذا دخل عليه حرف جر، (كَكَمْ شَخْصَاً سَمَا) (كَكَمْ): كقولك، الكاف داخلة على مقولٍ محذوف، (كَمْ) هذا مبتدأ، و (شَخْصَاً) تَمييز، (سَمَا) الجملة خبر، (سَمَا) فعل ماضي وفيه ضمير يعود على (كَمْ)، لأنَّه جملة فعليَّة وهو خبر، لا بُدَّ أن يعود شيءٌ على المبتدأ الذي هو الرابط، وهنا ضمير (سَمَا) هو يعود على (كَمْ)، إذاً: والجملة في محل رفع خبر (كَمْ). إذاً: (كَمْ شَخْصاً سَمَا) (كَمْ) في محل رفع مبتدأ، و (شَخْصاً) هذا منصوب تمييز، و (سَمَا) الجملة خبر، ومن قوله: (شَخْصاً) هذا فيه تأكيد ليس فيه زيادة على ما ذكره بقوله: بِمثل تَمييز عشرين، هنا المثال قد لا يُؤخذ منه إلا أنَّ التَّمييز قد يكون مُضمَّناً معنى الاستفهام، التَّمييز الذي وقع السؤال عنه يكون مُضمَّناً معنى الاستفهام. ولذلك قال المكُودِي: " وفُهِم من قول الاستفهام – هذا السَّابق ليس في المثال - أنَّها تُقدَّر بِهمزة الاستفهام والعدد " ولذلك تقول في المثال: أعشرون شخصاً أم أقل أم أكثر سَمَا؟ يعني: (كَمْ) الاستفهاميَّة كما سيأتي من الفوارق بينها وبين الخبَريَّة: أنَّها تُضَمَّن معنى الاستفهام. حينئذٍ يصح أن يدخل على العدد المسئول عنه همزة الاستفهام: كم شخصًا سَمَا .. أعشرون شخصاً أم أقل أم أكثر سَمَا؟ فهو في قوة هذا القول، لكن هذا مأخوذ من قوله: (مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ) لأنَّه أطلق الاستفهام، فحينئذٍ (كَمْ) على المشهور أنَّها بُنيت لتضمُّنها معنى همزة الاستفهام، وإن كان ثَمَّ شَبهٌ آخر، وهو: الوضع، لأنَّها على حرفين. وَأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا ... إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا

أصلها: (أَجِز أَنْ) أُريد التخفيف فأُلقيت حركة الهمزة إلى آخر ما قبلها .. هو ساكن، ثُمَّ حُذِفت وقال: (أَجِز انْ) .. (أَجِزَ انْ) إذاً: (أَنْ) هذه مصدرية، و (تَجُرَّهُ) فعل مضارع منصوبٌ بـ (أَنْ)، و (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل المصدر: أجز جرَّه، (تَجُرَّهُ مِنْ) (تَجُرَّهُ) الضمير هنا يعود على التَّمييز، أين هو التَّمييز؟ عاد على (مَيَّزْتَ)، أو على (مَا)؟ إن جعلنا (مَا) موصولة عاد على (مَا)، لأنَّ (مَا) تَصدُق على التمييز وهذا لا إشكال فيه واضح، عاد على الاسم، وإن كانت (مَا) مصدريَّة حينئذٍ عاد على المصدر الذي اشْتُقَّ منه (مَيِّزْتَ) مثل: ((اعْدِلُوا هُوَ)) [المائدة:8] أي: العدل. هنا: (أَجِزَ انْ تَجُرَّهُ) تَجُرَّ التمييز الذي اشْتُقَّ منه (مَيِّزْتَ)، إذاً: يجوز فيه الوجهان، و (وَأَجِزْ) هذا أمر بالجواز فدل على أنَّه ليس بلازمٍ، هذا أول فائدة من هذا التعبير، (أَجِزْ) إذاً: ليس بواجب وإنَّما هو جائز، (أَجِز أَنْ تَجُرَّهُ) يعني: تجر التمييز (مِنْ مُضْمَرَا)، يعني: يكون تَمييز (كَمْ) الاستفهامية مَجروراً لا منصوباً، ولذلك قلنا المشهور وهو ظاهر كلام النَّظم هناك: أنَّه لازمٌ إلا إذا دخل على (كَمْ) حرف جر. وهنا قال: (أَجِزَ انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا) لا ظاهرة (إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا). يعني: إذا دخل على (كَمْ) حرف جرٍّ ظاهر: بكم درهمٍ اشتريت؟ (كم درهماً)؟ بالنصب على الأصل، هذا واجب النَّصب، (كم درهماً) على ظاهر النَّظم: واجب النَّصب، لأنَّه قال: (بِمِثْلِ مَا مَيَّزْتَ عِشْرِينَ) ومُميِّز (عِشْرِينَ) واجب النصب، وهنا استثنى حالة واحدة: وهي إذا دخل حرف الجر على (كَمْ)، حينئذٍ تقول: كم درهماً .. كم كتاباً اشتريت، واجب النصب. فإذا دخل حرف الجر على (كَمْ) .. بكم درهمٍ .. درهماً، قال: أَجِزً انْ تَجُرَّهُ مِنْ. . . . . ... إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ. . . . يعني: إذا دخل على (كَمْ) الاستفهامية حرف جر حينئذٍ جاز أن تَجُرَّه (مِنْ)، فحينئذٍ تقول: بكم درهمٍ؟ الباء داخلة على (كَمْ)، و (كَمْ) بعدها (مِنْ) حرف جر مُضمرة .. مُقدَّرة، فـ (درهمٍ) ليس مجروراً بإضافة (كَمْ) إليه على ظاهر كلام النَّاظم، وإنَّما مجرور بـ (مِنْ) مُقدَّرة. إذًا الخلاصة: يَجوز في تَمييز (كَمْ) الاستفهاميَّة أنْ يكون مجروراً، وذلك إذا دخل عليها حرف جر. هنا أطلق: (حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا) لم يُقيِّده بالباء، ولا بـ: (على)، ولا بـ: (في)، ولا بـ: (إلى) فهو عام، كل حرف جر جاز دخوله على (كَمْ) فالحكم له.

(وَأَجِزَ انْ تَجُرَّهُ) (تَجُرَّهُ) الجملة هذه (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل المصدر مفعول به لـ: (أَجِزَ)، وقوله: (أَجِزَ) دلَّ على أنَّه ليس بلازم، تَجرَّه للتَّمييز، (مِنْ) ما إعراب (مِنْ)؟ فاعل، (تَجُرَّهُ) يعني: تجرَّ (مِنْ) التمييز، (مُضْمَرَاً) هذا حال من (مِنْ)، يعني: حال كون (مِنْ) وهو حرف جر (مُضْمَرَا)، يعني: لا يظهر، وجوَّز بعضهم إظهاره: بكم من درهمٍ اشتريت؟ يعني: بكم درهمٍ اشتريت؟ فإذا جُرَّ حينئذٍ ودخلت الباء على (كَمْ) المشهور عند النُّحاة أنَّه يجب إضمار (مِنْ) ولا يجوز إظهارها، وعند بعضهم يجوز إظهارها. (إِنْ وَلِيَتْ) هذا قيدٌ في الجواز، (أَجِزَ) بشرط (إِنْ وَلِيَتْ كَمْ)، (كَمْ) هذا فاعل (وَلِيَ)، (حَرْفَ جَرٍّ) هذا مفعول به، (حَرْفَ) مضاف و (جَرٍّ) مضاف إليه، (مُظْهَرَا) هذا نعتٌ لـ (حَرْفَ جَر) .. (حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا) يعني: ظاهراً. إذاً: الأصل في تَمييز (كَمْ) أن يكون منصوباً، ويجوز جَرُّه إذا دخل حرف جَرٍّ على (كَمْ) حينئذٍ يكون جَرُّه بـ (مِنْ) مُقدَّرة مضمرة لا بإضافة (كَمْ) إليه وهذا ظاهر كلام النَّاظم هنا. قال الشَّارح: " (كَمْ) اسمٌ، والدَّليل على ذلك: دخول حروف الجر عليها، ومنه قولهم .. " وهو دلالته على معنى عددٌ، قلنا: يُسأل: أيُّ عددٍ؟ هذه (كَمْ) الاستفهاميَّة تدلُّ على هذا، وكذلك تدلُّ على التكثير فيما إذا كانت خبَريَّة .. إذا دلَّت على معنى فوُجِد فيها حدُّ الاسم. ومنه قولهم: على كم جذعٍ سقفت بيتك؟ - قديم هذا - وهي اسمٌ لعددٍ مُبهم، ولا بُدَّ لها من تَمييز، نحو: كم رجلاً عندك؟ وقد يُحذف للدَّلالة، نحو: كم صمت؟ أيْ: كم يوماً صمت،؟ إذا دلَّ عليه دليل، لأنَّه منصوب .. تَمييز جاز حذفه. وتكون استفهاميَّة وخبَريَّة، فالخبَريَّة سيأتي، والاستفهاميَّة: يكون مُميزهَا كمُميز عشرين وأخواته، فيكون مفرداً منصوباً نَحو: كم درهماً قبضت؟ ويَجوز جَرُّه بـ (مِنْ) مضمرة، (إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ)، نحو: بكم درهمٍ اشتريت هذا؟ يعني: بكم من درهمٍ؟ هذا الأصل، فحُذِفت (مِنْ) وبقي عملها، قيل: ويَجوز إظهارها، فإن لم يدخل عليها حرف جر وجب نصبه .. فهو واجب النصب، لذلك المذهب الثالث: لزوم النصب إلا في هذه الحالة. إذاً: مَيِّزْ فِي الاِسْتِفْهَامِ كَمْ بِمِثْلِ مَا ... مَيَّزْتَ عِشْرِينَ كَكَمْ شَخْصاً سَمَا وَأَجِزً انْ تَجُرَّهُ مِنْ مُضْمَرَا ... إِنْ وَلِيَتْ كَمْ حَرْفَ جَرٍّ مُظْهَرَا (مِنْ مُضْمَرَا) ظاهره منع ظهور (مِنْ) عند دخول حرف الجر على (كَمْ) وهو المشهور، ولذلك قلنا: أجاز بعضهم .. قلة أجازوا إظهار (مِنْ) حرف جر، وأمَّا ظاهر كلام النَّاظم هنا، لأنَّه قال: (مِنْ مُضْمَرَا) دل على أنَّه لا يَجوز إظهارها. ظاهره: منع ظهور (مِنْ) عند دخول حرف الجر على (كَمْ) وهو المشهور، لأنَّ حرف الجر الدَّاخل على (كَمْ) عِوضٌ من اللفظ بـ (مِنْ) المضمرة: بكم من درهمٍ، قالوا: الباء عِوَضٌ عن (مِنْ) حينئذٍ لا يُجمع بينهما، وقيل: يجوز بكم من درهمٍ اشتريت؟ يجوز إظهار (مِنْ).

وإذا جُرَّ بـ (كَمْ) دخل عليه حرف جر، قلنا: جاز الوجهان: بكم درهمٍ اشتريت؟ جاز النصب وهو الأرجح، والجر أيضاً، وفيه قولان: - أحدهم: أنَّه بـ (مِنْ) مضمرة كما سبق، وهو مذهب الخليل وسيبويه والفرَّاء. - والثاني: أنَّه بالإضافة، وهو مذهب الزَّجَّاج. حينئذٍ: كم درهمٍ؟ (كَمْ) مضاف و (درهمٍ) مضافٌ إليه، وأمَّا: بكم من درهمٍ، هذا يرد عليه إشكال وهو: أن القاعدة أنَّه لا يعمل الحرف محذوفاً مضمراً، وإذا أمكنت الإضافة لا مانع أن يُقال بأنَّه مضاف ومضاف إليه. وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ ... أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ هذا النوع الثاني من نوعي (كَمْ) وهي الخبرية، قلنا: يراد بٍِها عددٌ كثير، من يستعملها للافتخار والتكثير. (وَاسْتَعْمِلَنْهَا): (كَمْ)، (مُخْبِرَاً)، (اسْتَعْمِلَنْهَا) ليس الضمير عائد إلى (كَمْ) الاستفهامية لا .. (كَمْ) من حيث هي، (اسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً) (مُخْبِرَاً) حالٌ من الفاعل. (كَعَشَرَهْ أَوْ مِائَةٍ) يعني: مُميِّزُها يكون (كَعَشَرَهْ أَوْ كمِائَةٍ)، (كَعَشَرَهْ) ماذا يكون تمييز (عَشَرَهْ)؟ جَمعاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ .. (أَوْ مِائَةٍ) للمفرد .. المائة تضاف إلى مفرد، إذاً: في الحالين يكون مُميِّز (كَمْ) الخبرية مُضافاً، إلا أنَّه يكون جمعاً مراعاةً للعشرة، ويكون مفرداً مراعاةً للمائة. وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ .. فيكون جمعاً مجروراً (كَعَشَرَهْ) كتمييز العشرة، قوله: (كَعَشَرَهْ) مُتعلِّق بقوله: (اسْتَعْمِلَنْ)، نون التوكيد الخفيفة، والهاء هنا ضمير مُتَّصل مبني على الفتح في مِحلِّ نصب مفعول به، (مُخْبِرَاً) هذا حالٌ من الفاعل .. من الهاء، (كَعَشَرَهْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (اسْتَعْمِلْ)، أي: يكون جمعاً مجروراً. (أَوْ مِائَةٍ) (أَوْ) حرف عطف معطوف على (عَشَرَهْ)، (مِائَةٍ) بالجر معطوف على (عَشَرَهْ) فيكون مفرداً مجروراً، إذاً: يكون جمعاً ويكون مفرداً، تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة يَجوز أن يكون جمعاً، ويَجوز أنْ يكون مُفرداً، أمَّا إفراده فلمشابِهة (كَمْ) للمائة والألف، كيف شابَهت (كَمْ) المائة والألف؟ قالوا: في الدَّلالة على الكثرة، ومُميِّزهُما مفرد: كم غلمانٍ عندي؟ كثير، فهي أشبهت المائة .. المائة كثيرة، والألف كذلك كثيرة، فحينئذٍ إذا اسْتُعملت (كَمْ) مُراداً بها العدد الكثير صارت مُشابِهةً للمائة والألف، فحينئذٍ صار تمييزها تمييز المائة والألف وهو مفرد. وأمَّا جمعه فليكون في اللفظ تصريحٌ بما يدلُّ على الكثرة: كم دراهمَ؟ كثير .. فجمع الكثرة يدل على الكثرة، وحينئذٍ يُراعى فيه مدلوله، وإفراد تمييز (كَمْ) الخبَريَّة أكثر وأفصح من جمعه، يعني: مع جواز الوجهين وإن قَدَّم النَّاظم العشرة على المائة إلا أنَّ العكس هو الأفصح خلافاً لما ذكره النَّاظم هنا، قد يكون من أجل الوزن.

وإفراد تمييز (كَمْ) الخبَريَّة أكثر وأفصح من جمعه، وليس الجمع شاذَّاً بل هو مسموع، يعني: من باب أفصح وفصيح، والجرُّ هنا بإضافة (كَمْ) على الصحيح حملاً لها على ما هي مُشابِهةٌ له من العدد، إذاً: الصواب عند الجمهور: أنَّ تمييز (كَمْ) الخبرية مجرورٌ بإضافة (كَمْ) إليها. وعند الفرَّاء بـ (مِنْ) مُقدَّرة، وَنُقِل عن الكوفيين أنَّ (مِنْ) مُقدَّرة، قيل: ويدلُّ عليه .. ولذلك يجوز إظهارها في بعض الأحوال: ((وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ)) [النجم:26] عدد كثير (مِنْ مَلَكٍ) هذا يدلُّ على ماذا؟ الآن عندنا: كم عبدٍ ملكت؟ هذا التركيب يَحتمل أنَّ (عبدٍ) – (أنَّ عبدٍ) حكاية - مجرور بالإضافة. ويحتمل أنَّه مجرور بـ (مِنْ) مُقدَّرة، حينئذٍ إذا قيل: بأن الأصل ألا يكون عمل حرف الجر باقياً بعد حذفه، نقول: قد سُمِع هنا: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) فحَمل اللفظ المجمل: (كم عبدٍ) من حيث العامل على ما صُرِّح فيه وهو في أفصح الكلام أولى من حمله على شيءٍ آخر مُراعاةً للقواعد العامة، فكونه صُرِّح به في الآية يُرجِّح مذهب الفرَّاء من أنَّ العامل (مِنْ) مُقدَّرة. حينئذٍ: (كَمْ مِنْ مَلَكٍ) هذه تبقى على أصلها، (مِنْ) حرف جر، و (مَلَكٍ) هذا تمييز جُرَّ بـ: (مِنْ) ظاهرة، إذا قيل: كم مَلَكٍ .. كم عبدٍ، الأوْلَى أن نقول مجرور (عبدٍ) و (ملكٍ) بالإضافة أو بـ (مِنْ) مُقدَّرة؟ بـ (مِنْ) مُقدَّرة، هذا وجهٌ جيِّد للتَّصريح به، وأمَّا القاعدة التي نُدنْدِن حولها دائماً: بأنَّه لا يعمل محذوفاً، نقول: إذا جاء في أفصح الكلام فهو الحاكم، إذا جاء وصَحَّ: (كَمْ مِنْ مَلَكٍ) قلنا: هو التمييز وهذا الظَّاهر، أنَّ (مَلَكٍ) هنا تمييز ومجرور بـ (مِنْ) حينئذٍ نَحمل عليه سائره، ولا إشكال في هذا. إذاً مذهب الكوفيين: أنَّ تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة مجرورٌ بـ (مِنْ) مُقدَّرة مُضمرة، وقد تظهر كالآية التي ذكرناها آية النجم، ومذهب البصريين: لا بِـ (مِنْ) مُقدَّرة، وإنَّما بالإضافة. وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ ... أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ. . . . . كَمْ من رِجالٍ، أو: (كَمْ) مضاف و (رِجَالٍ) مضاف إليه على الوجهين، (كَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ) (كَمْ) هذا مبتدأ، والخبر محذوف أيْ: كم رجالٍ عندي .. كم مرة عندي؟ و (مَرَهْ) هذا لغةٌ في المرأة، أصله: مرأة، نُقِلت حركة الهمزة للواو، ثُمَّ حُذِفت الهمزة، مرأةٌ هذا الأصل، نُقِلت حركة الهمزة إلى الراء (مَرْ) ساكنة، ثُمَّ حُذفت الهمزة صارت مرة، فهي لغة على التخفيف. وشرط جَرِّ تَمييز (كَمْ) الخبرية: الاتصال، فإن فُصِل نُصِب حملاً على الاستفهاميَّة، فإن ذلك جائزٌ في السَّعَة، وقد جاء مجروراً مع الفصل بظرفٍ، أو مجرور، أو جملة، يعني: سُمِع فَصله (كَمْ) عن التمييز، والتمييز عن (كَمْ)، بالجار والمجرور، أو بالظرف، أو بالجملة. وقد جاء مجروراً مع الفصل بظرفٍ، أو مجرورٍ كقوله: كَمْ بِجوْدٍ مُقْرِفٍ نَالَ العُلاَ .. كَمْ مُقْرِفٍ .. (كَمْ بِجوْدٍ مُقْرِفٍ) (مُقْرِفٍ) هذا تَمييز (كَمْ) الخبَريَّة، فُصِل بينه وبين (كَمْ) بقول: (بِجَوْدٍ) وهو جار مجرور.

كَمْ دُوْنَ مَيَّةَ مَوْتَاةٍ .. أو: مَومَاةٍ .. فيه ذا وذاك .. (كَمْ دُوْنَ مَيَّةَ مُومَاةٍ) بالجر (كَمْ موماةٍ) هذا تمييز فُصِل بينه وبين (كَمْ) بـ (دُوْنَ مَيَّةَ) وهو ظَرفٌ، والصَّحيح اختصاصه بالشِّعْر، هذا جائز لكنَّه في الشِّعْر على جهة الخصوص، وجَوَّزه الكوفيون اختياراً، فإن كان الفصل بِجملة لا بجار ومجرور أو ظرفٍ نحو: كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضَلاً عَلَى عَدَمِ .. تَعيَّن النَّصب، (فَضَلاً) هذا تَمييز، والذي عيَّن نصبه كونه فُصِل عن (كَمْ) بالجملة وهي: (نَالَنِي). تعيَّن النصب لأنَّ الفَصل بالجملة بين المتضايفين لا يَجوز، فإذا قيل: (كَمْ نَالَنِي فَضَلاً) تعيَّن النصب، هذا على مذهب البصريين: أنَّ (كَمْ) مُضافة إلى التمييز، حينئذٍ لا يَجوز الفصل بهذه العلَّة: أنَّه لا يُفصل بين المتضايفين مثل: غلام زيدٍ بَجملةٍ، أمَّا إذا قلنا: العامل هو (مِنْ مُضْمَرَا) لا يتعيَّن النصب، (كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضَلٍ) من فضلٍ، يبقى على الأصل، لأنَّه لا يُمنع، وجَوَّزه الكوفيون -الفصل بالجملة- بناءً على أنَّ الجرَّ بـ (مِنْ) لا بالإضافة. إذاً: وَاسْتَعْمِلَنْهَا مُخْبِرَاً كَعَشَرَهْ ... أَوْ مِائَةٍ كَكَمْ رِجَالٍ أَوْ مَرَهْ إذاً: عرفنا (كَمْ) الاستفهامية، و (كَمْ) الخبرية، الاستفهاميَّة والخبَريَّة يتفقان ويختلفان .. يفترقان، يعني: ثَمَّ أمور تَجمع بينهما .. أحكام، وَثَمَّ أمور تُفَرِّق بينهما .. يفترقان في بعض الأحكام، فيَّتفقان في تسعة أمور، ويفترقان في ثمانية. - فيتفقان في أنَّهما اسمان .. كلٌّ منهما اسمٌ لوجود معنى الاسم .. كلمةٌ دلَّت على معنى في نفسها، فالاستفهاميَّة تدلُّ على عددٍ أيُّ عددٍ، والخَبَريَّة تدلُّ على عددٌ كثير، ويدخل حرف الجر عليها. - اتفقا في أنَّهما مبنيان، أمَّا (كَمْ) الاستفهاميَّة و (كَمْ) الخبَريَّة من حيث اللفظ وُجِد فيهما الشَّبه الوضعي، فيُنظر إليه قد يجتمع نوعان .. شبهان، والأحسن أن يُعَلَّق بالمعنى، لأنَّ (كَمْ) الاستفهاميَّة ضُمِّن معنى همزة الاستفهام، و (كَمْ) الخبرية ضُمِّنت معنى (رُبَّ) التي للتكثير، عدد كثير: رُبَّ كريم لقيته، نقول: هنا للتكثير مثلًا، أو للتَّقليل، فإذا أراد به التكثير فهي للتكثير. حينئذٍ نقول: (كَمْ) الخبرية ضُمِّنت معنى (رُبَّ) التي للتكثير، و (كَمْ) الاستفهامية ضُمِّنت معنى همزة الاستفهام، هذا إن راعينا المعنى وهو أجود، ولا بأس أن يُقال: بأنَّه أيضاً فيه الشَّبه الوضعي. أنَّهما اسمان مبنيَّان وبناؤهما على السكون الأصل: وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا .. - الرابع: يفتقران إلى مُميِّزٍ لإبهامهما، إلا أنَّه في الجملة يَختلفان من حيث نوعية المُميِّز، ذاك منصوب وذا مجرور .. ذاك يكون جمع إلى آخر ما ذكرناه، إذاً: يفتقران إلى مُميِّزٍ لإبهامها، وأنَّهما يجوز حذف مُميِّزهما إذا دلَّ عليه دليل، ومنع بعض النُّحاة حذفه في مُميِّز الخبرية، الاستفهامية: كم صمت .. كم يوماً صُمْت؟ يجوز حذفه إذا دلَّ عليه دليل، وكذلك الخبرية، لكن منع بعضهم في الخبرية.

وأنَّهما يلزمان الصدر، يعني: لهما صدارة الكلام، فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر: بكم درهمٍ اشتريت؟ إذاً: (كَمْ) هنا اسم مجرور بالباء، ولذلك قلنا: هي اسمٌ دخول حرف الجر عليها، إذاً: جُرَّت: كتاب كم؟ مثلا فتضيفه، إذاً: يلزمان الصدر فلا يعمل فيهما ما قبلهما إلا المضاف وحرف الجر فتُجرُّ (كَمْ) بالمضاف، وتُجرُّ بحرف الجر. وأنَّهما على حدٍّ واحدٍ في وجوه الإعراب، يعني: إعرابهما واحد لا يَخرج عن إحدى عَشْرة صورة، وأنَّهما على حدٍّ واحدٍ في وجوه الإعراب وهو أنَّ (كَمْ) بقسميها إن تَقدَّم عليهما حرف جر أو مضاف حينئذٍ في مَحل جر، إمَّا بالمضاف وإمَّا بِحرف الجر، إذا نطقت بِمضافٍ قبل (كَمْ) حينئذٍ المضاف مضاف، و (كَمْ) في مَحل جر مضاف إليه، إن قلت: بكم اشتريت؟ حينئذٍ نقول: (كَمْ) هذا مجرورٌ بالباء. أنَّ (كَمْ) بقسميها إنْ تَقدَّم عليهما حرف جر أو مضاف فهي مجرورة، نحو: بكم درهمٍ اشتريت؟ أو مضاف نحو: غلام كم رجلٍ عندك؟ (غلام) مبتدأ وهو مضاف، و (كَمْ) مضافٌ إليه في محل جر، فهي مجرورة يعني: محلاً، لأنَّها مبنية. وإن لم تُضَف أو يدخل عليها حرف جر، فإن كانت كنايةً عن مصدرٍ أو ظرفٍ فهي منصوبةٌ، إن كانت كناية عن المصدر فهي مفعولٌ مُطلق، وإن كانت كنايةً عن الظرف فهي مفعولٌ فيه، قد يُكنى بها عن المصدر: كم ضربةً ضربت، حينئذٍ: كم ضربةً؟ (كَمْ) هنا كنايةٌ عن عددٍ، والمراد به: مصدر فهي في محل نصب مفعول مطلق: كم ضربةً ضربت؟ (كَمْ) مبنيةٌ على السكون في محل نصب مفعول مطلق. أو ظرفٌ، نَحو: كم يوماً صُمت؟ هنا المسئول عنه ما هو؟ الأيام، إذاً: كُنِّيَ بها عن الظرف فهي في محل نصب مفعول فيه أو ظرف. فالمصدر نَحو: كم ضربةً ضربت؟ أو ظرف نَحو: كم يوماً صمت؟ وإلا يدخل عليها حرف جر، أو تُضاف، أو يُكنَى بها عن المصدر، أو يُكنَى بها عن الزمان، يعني: إذا انتفت هذه الأربعة فإنْ لم يلها فعلٌ .. لم يأتِ بعدها فعل، مثل: كم رجلٍ في الدَّار؟ لم يتلها فعلٌ، أو وليها فعلٌ لكنَّه لازم، نَحو: كم رجلٍ قام؟ هذا تلا (كَمْ) سواءٌ كانت استفهاميَّة أو خبَريَّة فالحكم عام: كم رجلٍ قام؟ إذاً: تلا (كَمْ) فعلٌ لكنَّه لازمٌ. أو مُتعدٍّ لكنَّه رافعٌ لضميرٍ يعود على (كَمْ): كم رجلٍ ضرب عمراً .. كم رجلٍ قام؟ تلاها فعلٌ لكنَّه لازم، كم رجلٍ ضرب عمراً؟ تلاها فعلٌ مُتعدي ورفع ضميراً يعود على (كَمْ) أو الفاعل (كَمْ). أو سببيَّها، نَحو: كم رجلٍ ضرب أخوه عمراً؟ في هذه الأحوال تُعرب مبتدأ، سواءٌ كانت استفهاميَّة أو خبَريَّة تُعرب مبتدأ .. في محل رفع مبتدأ، متى؟ إذا لم يتلها فعل: كم رجلٍ في الدار؟ ما جاء بعدها فعل، أو جاء بعدها فعل لكنَّه لازم: كم رجلٍ قام؟ أو جاء بعدها فعل متعدي رافع لضمير مستتر يعود على (كَمْ): كم رجلٍ ضرب عمراً؟ هذه الصورة: لا يتلوها فعل، أو يتلوها فعل لازم، أو متعدٍّ رافع لضميرها، أو متعدٍّ رافع لسببيِّها، يعني: عمل في اسم مضاف إلى ضمير، وهذا الضمير يعود على (كَمْ) مثل: كم رجلٍ ضرب أخوه عمراً؟ في هذه الأحوال الأربعة تُعرب مبتدأ.

وإن وليها فعلٌ مُتعدٍّ ولم يأخذ مفعوله فهي مفعول، هذا مثل (مَنْ) الشَّرطيَّة هناك .. أسماء الشَّرط، إذا تلاها فعلٌ مُتعدٍّ ولم يستوفِ مفعوله فـ (كَمْ) مفعولٌ به، تجعلها في محل نصب مفعولٌ به، مثل: كم رجلٍ ضربت؟ إذاً: لم يستوفِ مفعوله، حينئذٍ تقول: (كَمْ) الاستفهامية مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، لأنَّ الذي تلاها لم يستوفِ مفعوله، والمراد بالمفعول: ما يشمل المفعول الواحد والأكثر، ليدخل نحو: كم تعطي زيداً درهماً؟ فتكون مفعول ثاني، كم تعطي زيداً درهماً؟ (زيداً) هذا المفعول الأول، أين مفعوله الثاني؟ (كَمْ) هي المفعول الثاني، كم تعطي زيداً درهماً؟ فـ (كَمْ) هذه في محل نصب مفعول ثاني. إذاً: إذا كان تالياً لها فعلٌ مُتعدٍّ لم يستوفِ مفعوله كانت (كَمْ) هي المفعول، سواءٌ كانت المفعول الوحيد إذا لم يَتعدَّ إلا لواحد، أو كانت المفعول الثاني. وإن أخذه، يعني: استوفى مفعوله مثل: كم رجلٍ ضرب زيدٌ عمراً عنده؟ أخذ مفعوله، حينئذٍ: نعربها مبتدأ. إلا أنْ يكون المفعول ضميراً يعود عليها، حينئذٍ تكون من باب الاشتغال، يَجوز فيه الرَّفع على الابتداء والنصب، والرَّفع أرجح، نَحو: كم رجلٍ ضَرَبْتُه .. ضَرَبْتَه؟ بالفتح أو الضَّمْ، هنا (ضَرَبْتُه) اتّصل بضمير وعمل فيه، لو ألقي هذا الضمير .. أُسقط لتسلَّط (ضَرَب) على (كَمْ) فصارت من النوع السابق، الذي تلاها فعل مُتعدي لم يستوفِ مفعوله، فصارت في محل نصب مفعول به. إذاً: هذه إحدى عَشْرة صورة، ثنتان للجر، وهما: إذا أُضِيفت (كَمْ) .. غلام (كَمْ) أو دخل عليها حرف جر، وثلاثٌ للنصب، وخمسٌ للرَّفع، وواحدة مُحتملة للرَّفع والنصب، والأمثلة كما سبق. إذاً: يتفقان في الإعراب من كل وجه، الأحكام السابقة إحدى عشرة صورة كلها تصدق على الخبرية والاستفهامية. مِمَّا يتفقان عليه أيضاً: تمييز كُلٍّ منهما لا يكون منفياً، لا يصح أن يُقال: كم لا رجلاً جاءك؟ الأخير مِمَّا يتفقان عليه: أنَّ كُلَّاً منهما بسيطٌ غير مُركَّب (كَمْ) الاستفهامية و (كَمْ) الخبرية، هذه تسعة أمور يتفقان الخبرية والاستفهامية. ويفترقان في ثمانية: في أنَّ تمييز الاستفهامية أصله: النصب، لا نقول: لا يكون منصوباً .. انتبه! نقول: أصله النَّصب، وتمييز الخبرية أصله: الجر، - تكلَّم عن الأصل - وفي أنَّ تمييز الاستفهامية مُفرد، وتمييز الخبرية يكون مفرداً وجمعاً، هذا بلا خلاف، وأمَّا الاستفهامية فمحل خلاف، قلنا: البصريون على أنَّه يَتعيَّن أن يكون مفرداً، وجَوَّز الكوفيون أن يكون جمعاً. وفي أنَّ الفصل بين الاستفهامية وبين مُميِّزها جائزٌ في السَّعة، تقول: كم في دارك رجلاً؟ هذا جائزٌ في السَّعة في (كَمْ) الاستفهامية - لم نذكره هذا -، ولا يُفصل بين الخبرية ومُميِّزها إلا في الضرورة، إذاً: فرقٌ بين الاستفهامية والخبرية من حيث الفصل، فالاستفهاميَّة: يَجوز فصل التمييز عنها، فتقول: كم في دارك رجلاً؟ جاز، وأمَّا الخبرية فلا يجوز.

وفي أنَّ الاستفهامية لا تدلُّ على التكثير، والخبَريَّة للتكثير، اخْتُلِف في الاستفهامية هل تدل على الكثير أم لا؟ الرَّاجح عند الجمهور: أنَّها لا تدلُّ على التكثير، والخبرية تدل على التكثير. وفي أنَّ الخبرية تَختصُّ بالماضي كـ (رُبَّ)، ولذلك قلنا: الأولى أن يُجعل بناؤها لتضمُّنها معنى (رُبَّ)، ولذلك أخذت حكمها، (رُبَّ) كما سبق أنَّه لا يليها إلا فعلٌ ماضي، مثلها (كَمْ) الخبرية بخلاف الاستفهامية. وفي أنَّ الخبرية تَختصُّ بالماضي كـ (رُبَّ) فلا يجوز: كم غلامانٍ لي سأملكهم؟ أنت الآن تفتخر بعدد كبير (سأملكهم) هذا في المستقبل ما تفتخر بشيءٍ مستقبل، وإلا كلنا افتخرنا بأشياء! فحينئذٍ نقول: الافتخار يكون بِما حصل ووقع، وإنَّما يكون بالماضي لا بالمستقبل، فلا يجوز: كم غلامانٍ لي سأملكهم؟ كما لا يجوز: رُبَّ غلامانٍ سأملكهم، ويَجوز: كم عبدٍ سأشتريه؟ كثير هذا ما فيه بأس؛ لأنَّ الاستفهام إنشاء لم يقع: كم عبدٍ سأشتريه؟ اشتر ما شئت، وفي أنَّ الكلام مع الخبرية مُحتمل للتَّصديق والتكذيب بِخلافه مع الاستفهامية، لأنَّ الخبرية كاسمها مُحتملٌ التصديق والتكذيب، والاستفهامية إنشاء. وفي أنَّ الكلام مع الخبرية لا يستدعي جواباً بَخلافه مع الاستفهامية، يعني: لا ينتظر جواب: كم كتاباً اشتريت؟ خمسة، يَحتاج إلى جواب: كم عبدٍ ملكت؟ ما يحتاج إلى جواب، تُخبِر عن شيء حصل ووقع. وفي أنَّ الاسم المُبدَل من الخبرية لا يقترن بالهمزة، بَخلاف المبدل من الاستفهامية، فيُقال في الخبرية: كم عبيدٍ لي؟ خمسون بل ستون، وفي الاستفهامية: كم مالُك أعشرون أم ثلاثون؟ يعني: يَجوز أن يُبدل من مُميِّز (كَمْ) بالاستفهام، يعني: أن يكون مقروناً بِهمزة الاستفهام. في أنَّ الاسم المبدل من الخبرية -نفسها ليس من التمييز- من الخبرية أنَّه لا يقترن بالهمزة بخلاف المبدل من الاستفهامية، فيقال في الخبرية: كم عبيدٍ لي؟ خمسون، (خمسون) هذا بدل من (كَمْ)، بل ستون، ما جاء بالهمزة، لأنَّ (كَمْ) الخبرية ليست متضمِّنة لهمزة الاستفهام، بخلاف: كم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ (عشرون) هذا بدلٌ من (كَمْ)، وهنا اقترن بالهمزة، بأنَّه بدلٌ مِمَّا تَضمَّن همزة الاستفهام وذلك لِعدم تَضمُّن المبدل منه مع الهمزة في الخبرية بِخلافه في الاستفهامية. هذا ما يَتعلَّق بـ (كَمْ) الخبرية والاستفهامية. ثُمَّ قال: كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ ... تَمْيِيْزُ ذَيْنِ أَو بِهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ (كَكَمْ كَأَيِّنْ) كيف إعراب هذه؟ (كَكَمْ) الكاف حرف جر، (كَأَيِّنْ) الكاف حرف جر، (كَأَيِّنْ) كلمة واحدة، (كَأَيِّنْ) مبتدأ، فليست الكاف هذه حرف جر، وإن قيل أنَّها في الأصل: كاف تشبيه، لكنَّها صارت كلمة واحدة، حينئذٍ (كَأَيِّنْ) ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ)) [آل عمران:146]. (كَأَيِّنْ) نقول: كلمة واحدة تدلُّ هذه على ما تدلُّ عليه (كَمْ)، إذاً قال: (كَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا) كلها كنايات عن العدد.

عرفنا (كَمْ) أنها استفهامية وخبرية، هنا قال: (كَأَيِّنْ وَكَذَا) مثل (كَمْ) أَيُّ الكمين: الاستفهامية أم الخبرية؟ الجمهور على أنَّ (كَأَيِّنْ) لا تأتي إلا خبريةً ولا تأتي استفهاميَّة، وجوَّز بعضهم أنَّها استفهامية، لكن ينبغي حمل كلام النَّاظم، هنا ابن مالك: يرى أنَّ (كَأَيِّنْ) تأتي استفهامية وخبرية، وعليه قوله: (كَأَيِّنْ كَكَمْ) مُطلقاً دون قيد، على كلامه هو .. يُشرح كلامه برأيه هو .. مذهبه هو لا برأي غيره. ولذلك تخصيص الأشْمُوني وغيره بأن (كَمْ) هنا خبريَّة، نقول: هذا فيه نظر! لأنَّ (كَأَيِّنْ) عند النَّاظم تأتي استفهاميَّة، وقِلَّة من أثبت أنَّها استفهامية، لكن ما دام أنَّه ذهب إلى هذا المذهب نَحمل كلامه عليه. وأمَّا على قول الجمهور، تقول: (كَأَيِّنْ) هذا مبتدأ، (كَكَمْ) هذا خبر، يعني: (كَمْ) الخبرية في الدَّلالة على تكثير عددٍ مبهم الجنس والمقدار، إذاً: (كَأَيِّنْ) مثل (كَمْ) الخبرية، تُستعمل في الدَّلالة على عددٍ مُبهم الجنس والمقدار، وإذا قلنا: استفهامية كذلك يُستفهم بها عن عددٍ مُبهم الجنس والمقدار. (كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا) هذا عطف على (كَأَيِّنْ)، (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ)، (وَيَنْتَصِبْ) هذا الجملة مستأنفة، وكان حقُّهما أن يضافا إليه، يعني: بدلاً من أنْ يُقال: (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ) الأصل: أن يُضافا إليه. وكان حقُّهما أنْ يضافا إليه (كَكَمْ) تضاف لكن منع من ذلك أنَّ في آخر (كَأَيِّنْ) تنويناً يستحق الثبوت لأجل الحكاية، وفي آخر (ذَا) اسم إشارة وهما مانعان من الإضافة، لأنَّه قال: (كَمْ) وهذا يحتمل أنَّه (كَمْ) الخبرية. حينئذٍ تمييز (كَأَيِّنْ وَكَذَا) الأصل: أن يكون محمولاً على (كَمْ) الخبرية، و (كَمْ) الخبرية سبق أنَّه كتمييز عشرة ومائة وهما مضافان، إذاً: لماذا لم يضاف (كَأَيِّنْ)؟ نقول: (كَأَيِّنْ) في آخره نون أشبهت التنوين، وهذا يمنع الإضافة، (كَذَا) (ذَا) اسم إشارة في أصله، واسم الإشارة لا يُضاف إلى ما بعده، إذاً: وُجِد مانع من الإضافة. كَكَمْ كَأَيِّنْ وَكَذَا وَيَنْتَصِبْ .. هذه جملة مستأنفة، (تَمْيِيْزُ) هذا فاعل، (ذَيْنِ) اسم إشارة إلى (كَأَيِّنْ وَكَذَا)، إذاً: تمييزهما يكون منصوباً، ولذلك جاء في القرآن كذلك، (أَوْ بِهِ صِلْ مِنْ تُصِبْ) أو صل به مِنْ تُصِب، يعني: تَمييز (كَأَيِّنْ) فقط، وإن كان ظاهر النَّظم أنَّه يعود إلى المذكور، إنَّما المراد به: تَمييز (كَأَيِّنْ) فقط، أو التقدير بتمييز (ذَيْنِ) بالنظر للمجموع فيصدق على واحد، فالضمير هنا قوله: بِهِ الصواب: أنَّه يعود إلى (كَأَيِّنْ)، حينئذٍ ينتصب أو يُجَرُّ بـ (مِنْ) ظاهرةً ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) [آل عمران:146] (نَبِيٍّ) هذا تمييز جُرَّ بـ (مِنْ) ظاهرةً، وهذا الحكم خاصٌّ بـ (كَأَيِّنْ) خلافاً لِمَا قد يتبادر إليه ظاهر النَّظم.

إذاً: (وَيَنْتَصِبْ تَمْيِيْزُ ذَيْنِ) (أَوْ) هذا للتفصيل أو للإباحة، جَوَّز المكودي أن يكون للإباحة على تضمين (يَنْتَصِبْ) انصب، يعني: الإباحة لا تكون إلا بعد طلب، (يَنْتَصِبْ) يعني: انصب (أَوْ) صارت للإباحة، (أَو صِلْ بِهِ مِنْ تُصِبْ) (تُصِبْ) جواب الطلب: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ)) [الأنعام:151] صل تُصِب، (صِلْ مِنْ) ما إعراب (مِنْ)؟ مفعول به. قال هنا: " تُستعمل (كَمْ) للتكثير، فَتُمَيَّزُ بِجمعٍ مجرورٍ كعشرة أو بمفرد مجرورٍ كمائة، نحو: كم غلمانٍ ملكت -هذا استفهام- وكم درهمٍ أنفقت" كم غلامانٍ ملكت؟ كثير، إذا أراد أن يُخبِر عن الغير: وكم درهمٍ أنفقت؟ أنت يعني، كثير، والمعنى: كثيراً من الغلمان ملكت، وكثيراً من الدراهم أنفقت، ولو ضُمَّت أجود، كم غلامانٍ مَلَكْتُ؟ كثير، يُخبر عن عددٍ وعن نفسه لا يُخبر عن غيره، على كُلٍّ جائز. ومثل (كَمْ) في الدَّلالة على التكثير (كَذَا وكَأَيِّنْ)، يعني: هذان اللفظان، ومُميِّزهما منصوبٌ أو مجرورٌ بـ (مِنْ) وهو الأكثر، لكن إجراء النَّظم على ظاهره هذا فيه نظر، بل الصواب أنَّ قولهم: تصله بـ: (مِنْ) هذا خاصٌّ بـ (كَأَيِّنْ)، قال تعالى: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) [آل عمران:146] وملكت كذا درهماً، كيف يُجر هذا؟ كذا من درهمٍ، هذا ليس بفصيح، بل الظَّاهر أنَّ: (كَأَيِّنْ) هو الذي يُجَرُّ تمييزه بـ (مِنْ) وأمَّا (كَذَا) لا. وتستعمل (كَذَا) مفردةً كهذا المثال، ومركَّبة نَحو: ملكت كذا كذا درهماً، ومعطوفاً عليها مثلها: ملكت كذا وكذا درهماً. و (كَمْ) لها صدر الكلام استفهاميةً كانت أو خبرية فلا تقل: ضربت كم رجلاً، ولا ملكت كم غلمانٍ، وكذلك (كَأَيِّنْ) بِخلاف (كَذَا) نحو: ملكت كذا درهماً. الحاصل: أنَّ (كَمْ) يُلحق بها (كَأَيِّنْ وَكَذَا)، ونقول: (كَأَيِّنْ وَكَذَا) بينهما اتفاق وافتراق مع (كَمْ) فـ: (كَأَيِّنْ) توافق (كَمْ) في أمورٍ خمسة، وتخالفها في أمورٍ خمسة: - توافقها في الإبهام، يعني: كلٌّ منهما مبهم في الجنس والمقدار، ولذلك عوملت معاملة (كَمْ) مبهمة في الجنس والمقدار، هذا الأول. - والثاني: الافتقار إلى التمييز، كُلٌّ منهما مفتقرٌ إلى التمييز. - والبناء، قلنا: البناء لمحمول على (كَمْ)، و (كَمْ) إنَّما (كَمْ) الخبرية إنَّما بُنيت لأي عِلَّة؟ ليس هنا الشَّبَه الوضعي (كَأَيِّنْ) هذه ثلاثة أحرف، قلنا المعنى، لأنَّها تدلُّ على التكثير، ولذلك مراعاة المعنى مُقدَّم هنا، لأنَّ العبرة بالمعاني وأمَّا اللفظ كأنَّه (كَمْ) وضع على حرفين، لا إشكال فيه، يُراعى لكن ليس هو الأصل، لا تُفرَّع عليه الأحكام. إذاً: والبناء هذا الثالث .. في الإبِهام والافتقار إلى التمييز، والبناء للشَّبه المعنوي بـ (رُبَّ) التي للتكثير. - ولزوم التصدير (كَمْ) و (كَأَيِّنْ) كُلٌّ منهما لازمٌ للتصدير، يعني: لا يعمل فيهما ما قبلهما. - وأنَّ كُلَّاً منهما على نوعين - هذا المشهور -: استفهامية وخبرية بمعنى: كثير.

والجمهور أنَّها على نوعٍ واحدٍ وهو الخبَريَّة، ولا تكون استفهامية البتَّة، حينئذٍ نقول: هي لإفادة التكثير وهو الغالب، والاستفهام وهو نادر، هكذا جعله الأشْمُوني، لكن المشهور عند ابن مالك: أنَّها على قسمين (كَأَيِّنْ) مثل (كَمْ)، تكون استفهاميَّة وتكون خبَريَّة، وإن كانت الاستفهاميَّة قليلة، الخبَريَّة هو الكثير ولذلك اعتبرها الجمهور ومنعوا الاستفهاميَّة. وتخالفها في أنَّها مركَّبة، و (كَمْ) بسيطةٌ على الصحيح كما سبق .. (كَمْ) بسيطة غير مركَّبة، و (كَأَيِّنْ) قيل: أنَّها مركَّبة، وتركيبها من كاف التَّشبيه و (أَيِّنْ) المنَوَّنَة، (كَأَيِّنْ) كاف التَّشبيه و (أَيِّنْ) المنوَّنة، ولهذا جاز الوقف عليها بالنون (كَأَيِّنْ) لأنَّ التنوين لَمَّا دخل في التركيب أشبه النون الأصلية .. نون المثنَّى، ولهذا رُسِم في المصحف نوناً، ومن وقف بِحذفه (كَأَي) اعتبر حكمه في الأصل وهو الحذف في الوقف. إذاً: فيه وجهان (كَأَيِّنْ) من حيث الوقف: قد يُوقَف عليها بالنون (كَأَيِّنْ) اعتباراً أنَّ التنوين هنا أشبه النون الأصلية كنون المثنى، وبعضهم حذف هذه النون باعتبار كونه تنويناً قبل التركيب، لأن أصله: الكاف و (أَيِّنْ)، (كَأَيِّنْ) رُكِّبَت (أَيٌّ) وهذه اسمٌ في الأصل مُركَّب من حرفين الهمزة والياء، ومُنَوَّن (كَأَيِّنْ) فليست هي نون أصليَّه، وإنَّما هي نون التنوين. قد يُلاحظ بعد التركيب فيوقف عليه كما يوقف على التنوين يعني: (كَأَي) في الوقف، وإذا لُوحظ أنَّه انسلخ عن معناه الأصلي قبل التركيب حينئذٍ وُقِف عليه بالنون، هذا وجه وهذا وجه. ومن الفوارق أنَّ مُميِّزها مجرور بـ (مِنْ) غالباً، ومنصوباً في غير الغالب، ولذلك جاء في القرآن في مواضع كثيرة كلها مجرورة بـ (مِنْ) وهذا هو الأفصح، وقد ينصب في غير الغالب. وفي أنَّها لا تقع استفهاميةً عند الجمهور، هذه من الفوارق. وفي أنَّها لا تقع مجرورة فلا يدخل عليها حرف الجر. وفي أنَّ مُميِّزها لا يقع إلا مفرداً: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ)) [آل عمران:146] (نَبِيٍّ) هذا مفرد. إذاً: هذه الفوارق بين (كَأَيِّنْ) و (كَمْ). وأمَّا (كَذَا) فتوافق (كَمْ) في أربعة أمور وتخالفها في أربعةٍ أخرى: توافقها في البناء، والإبهام، والافتقار إلى التمييز، وإفادة التكثير. وتخالفها في: أنَّها مركَّبة، يعني: (كَذَا) مركَّبة، كاف التَّشبيه مع ذا الإشارية، يعني: اسم إشارة (ذَا): بِذَا لِمُفْرَدٍ .. هو نفسه، وتركيبها من كاف التَّشبيه و (ذَا) الإشارية، هذا أنَّها مركَّبة. وأنَّها لا تلزم التصدير، بل لا تقع في أول الكلام .. (كَذَا) لا تقع في أول الكلام، فتقول: قبضت كذا وكذا درهماً، لكنَّها لا تُستعمل ابتداءً هكذا، وإنَّما تقع حكايةً لقول، تقول: زيدٌ ذهب إلى كذا كذا، ولا تقول: أنا ذهبت كذا كذا، وإنَّما تحكي قول غيرك أو فعل غيرك. إذاً: لا تلزم التصدير فتقول: قبضت كذا وكذا درهماً، حاكياً حديث غيرك لا ابتداءً، ولذلك السيوطي يقول: الذَّوق يقضي بذلك، وأنَّها لا تُستعمل غالباً إلا معطوفاً عليها: كذا وكذا، يعني: تأتي بها مكررة مع العطف هذا هو الغالب فيها.

عِدِ الْنَّفْسَ نُعْمَى بَعْدَ بُؤسَاكَ ذَاكِرَاً ... كَذَا وَكَذَا لُطْفَاً بِهِ نُسِيَ الْجُهْدُ قال في (التسهيل): "وقَلَّ ورود (كَذَا) مفرداً" (كَذَا) لوحده، ومكرراً بلا واو، إذاً: لها كم استعمال؟ ثلاثة: قبضت كذا درهمٍ، قبضت كذا كذا درهم، مُكررة بدون واو، قبضت كذا وكذا، الثالث: هو الكثير الغالب في لسان العرب: أنْ تُستعمل مكررة معطوفاً عليها بالواو الثاني على الأول، وأمَّا: كذا كذا، هذا نادر. قال في (التسهيل): " وقَلَّ " إذاً: سُمِع لكنَّه قليل "وقلَّ ورود (كَذَا) مفرداً ومكرراً بلا واوٍ". ومن الفوارق: أنَّها يَجب نصب تمييزها، إذاً قوله: بـ (مِنْ) هناك فيه نظر، فلا يجوز جَرُّه بـ (مِنْ) قال بعضهم: اتفاقاً، ولا أدري ابن عقيل هنا أجراه على ظاهره، ولا بالإضافة خلافاً للكوفيين إذ قالوا: يجوز أن يكون تمييزها جمعاً مجروراً بالإضافة. وقد يكون مفرداً مجروراً بالإضافة، وقد يكون مفرداً منصوباً، هذا على مذهب الكوفيين .. جوَّزوا فيه ثلاثة أوجه: جمعاً مجروراً بالإضافة، وأن يكون مفرداً مجروراً بالإضافة، وأن يكون مفرداً منصوباً، لأنَّه يُكنَى بِها عن جميع أنواع العدد، وهذا من حيث التعليل له نظر، وهي تُعامل مع تمييزها مثل معاملة العدد المَكْنِي بها. إذاً: هذه الفوارق بين (كَذَا) و (كَأَيِّنْ). فائدة: أمَّا (كَأَيِّنْ) ففيها خمس لغات، قيل: كثرة اللغات لكثرة الاستعمال، مثل (سوف): - أفصحها (كَأَيِّنْ) هذا اللفظ .. هذا الفصيح، وبه قرأ السبعة إلا ابن كثير. - ويليها (كَائِنْ) على وزن (كاعِنْ) وبِها قرأ ابن كثير وهي أكثر في الشِّعْر من الأولى وإن كانت الأولى هي الأصل. - الثالثة (كَأْيِنْ) مثل (كَعْيِن) بهمزةٍ ساكنة فياءٍ مكسورة، أفصحها (كَأَيِّنْ)، ويليها (كَائِنْ) مثل (كاعِنْ). - والرابعة: مثل: (كَيْعِنْ) بياءٍ ساكنة فهمزة مكسورة. - الخامسة: (كَأَنْ) على وزن (كعن). إذاً: المشهور الأول وهو الأفصح: (كَأَيِّنْ) وكثرة اللغات لكثرة الاستعمال. قيل: تأتي (كَذَا) المركَّبة من الكاف و (ذَا) كنايةً عن غير العدد: قال فلانٌ كذا، وهو الحديث مفردةً ومعطوفة، يعني: اللفظ الواقع في التحديث عن شيءٍ فُعِل أو قيل، ويُكْنَى بِها عن المعرفة والنكرة ومنه الحديث: {يُقال للعبد يوم القيامة: أَتَذْكُرُ يوم كذا وكذا} يعني: يوم حصل كذا وكذا، فحينئذٍ (كَذَا) لم يُكْنَى بها عن العدد، وإنَّما كُنِي بها عن فعلٍ أو قولٍ: {أَتَذْكُرُ يَوم كذا وكذا} يعني: اليوم الذي وقع فيه فعل كذا، أو قيل فيه كذا. وتكون (كَذَا) أيضاً كلمتين على أصلهما، وهما كاف التَّشبيه و (ذَا) الإشارية نحو: رأيت زيداً فاضلاً وعمراً كذا، تبقى على أصلها، وقد تُزاد عليها هاء التَّنبيه: ((أَهَكَذَا عَرْشُكِ)) [النمل:42] (أَهَكَذَا) هاء التَّنبيه .. كاف تشبيه .. (ذَا) اسم إشارة. إذاً: هذا ما يَتعلَّق بـ (كَمْ وكَأَيِّنْ وكَذَا). ثُمَّ قال: (الحِكَايَةُ). نقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

119

عناصر الدرس * الحكاية .. وحدها * الحكاية بأي وبمن وأوجه الخلاف بينهما * التأنيث وعلامته * بم تستدل على تأنيث مالا علامة فيه؟ * صيغ يستوي فيها المذكر والمؤنث * أوزان ألف التأنيث المقصورة المشهروة * أوزان ألف التأنيث الممدودة المشهورة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النِّاظِم رحمه الله تعالى: (الحِكَايَةُ). أي: هذا باب الحكاية، وهي مأخوذةٌ من المحاكاة، حَاكَيْتَ الشيء إذا مَاثَلتَه أو شابهتَه، حِينئذٍ تكون الحكاية المراد بها في اللغة: المماثلة أو المشابهة، هذا في المعنى اللغوي. وأمَّا في اصطلاح النُّحاة فيعنون بالحكاية: إيراد اللفظ المسموع على هيئته من غير تغيير، كقولك: مَن زيداً؟ إذا قيل: رأيتُ زيداً، جاء زيدٌ، من زيدٌ؟ تحكيه كما هو، إن كان مفرداً .. إذا كان مثنىً .. إذا كان مجموعاً .. مرفوعاً .. منصوباً .. مخفوضاً، تحكي اللفظ بهيئته، وإنما يكون ذلك في كلامٍ سابق، يعني: يقول القائل: جاء زيد، أنت ما تعرف زيد، جاء زيدٌ .. من زيدٌ؟ تحكيه كما هو. رأيت زيداً، بالنصب مفعول به، أنت ما تعرف زيد، فتقول: من زيداً؟ بالنصب، مررت بزيدٍ بالخفض، تقول: من زيدٍ؟ هذا يُسمَّى: حِكَايةً، إيراد اللفظ المسموع بهيئته من غير تغيير، يعني: إن كان مرفوعاً فهو مرفوع، وإن كان منصوباً فهو منصوب، وإن كان مخفوضاً فهو مخفوض، كذلك إذا كان مثنىً فهو مثنىً. أو إيراد صفته، نَحو: أيًّاا؟ لمن قال: رأيت زيداً، أيًّاا؟ هذا صفة لزيد، كذلك تحكيه كما هو، إن كان مفرداً فمفرد، إن كان مثنىً فمثنىً، جمعاً فجمعاً، كذلك في حالة الرفع أو النصب أو الخفض، جاء زيدٌ، أيٌّ؟ رأيت زيداً، أيًّاا؟ مررت بزيدٍ، أيٍّ؟ تحكيه كما هو. لكن (أيٍّ) هذا ليس هو عين المحكي، بل هذا صفةٌ له، حِينئذٍ: جاء زيدٌ، أيٌّ؟ نقول: هذا صفةٌ. إذاً: إيراد اللفظ المسموع على هيئته من غير تغيير، أو إيراد صفته، والمعنِي بالصفة هنا أن يُؤتى بـ: (أيّ). وأمَّا حكاية اللفظ أو معناه في القول هذه كذلك واردة، لكن النَّاظم لم يتحدث أو يتكلم عنها، ولذلك نقول: الحكاية على ثلاثة أقسام: - حكاية الجمل وهي مُطَّرِدة بعد القول، نَحو: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] هذا حكاية الجملة، يقول القائل جملةً ثُم تحكيها، هذا مطرد بعد القول، وما اشتُقَّ منه كما سبق معنا هذا. حكاية الجمل سواءً كان جملة اسْميَّة أو جملة فِعليَّة مُؤكَّدة أو غير مُؤكَّدة مطلقاً، كل جملة إذا أرَدْتَ أن تحكيها فالمطرد في لسان العرب أنَّك تأتي بالقول: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30] (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ) هذه جملة مَحكيَّة بالقول، ولذلك نقول: هي في مَحلِّ نصب مقول القول. ويجوز حكايتها على المعنى، وذلك إذا حصل تغيير إمَّا بالتقديم والتأخير، وإمَّا من جهة الحركات، فتقول في حكاية زيدٌ قائمُ فتقول: قال عمروٌ قائمٌ زيدٌ، ماذا صنعت؟ قدَّمت وأخَّرت، هو قال: زيدٌ قائمٌ، (زيدٌ) مبتدأ، و (قائمٌ) خبر، أنت قلت: قال عمروٌ، هذا (قال) الفعل، و (عمروٌ) فاعله لا إشكال فيه: قال عمروٌ قائمٌ زيدٌ، هل هذا حكاية للمسموع بلفظه أو بِمعناه؟ بمعناه، لأن هو جعل (زيداً) مبتدأ، زيدٌ قائمٌ، وأنت قلت: قائمٌ زيدٌ، إذاً: قدَّمت وأخَّرت.

لو قال: إنَّ زيدٌ قائماً، فقلت أنت: قال عمروٌ إنَّ زيداً قائمٌ، حكيته باللفظ أو بالمعنى؟ بالمعنىح لأنَّك غَيَّرت الإعراب، ما حكيته كما هو، إذا حكيته كما هو حِينئذٍ قلنا: جئت باللفظ المسموع كما هو، لكن يَتعيَّن المعنى إذا كان لحنٌ في الكلام، إذا قال: إنَّ زيدٌ قائماً، إذا حكيته لا بد من إصلاحه .. لا تحكيه كما هو، تقول: قال عمروٌ إنَّ زيدٌ قائماً، لا بد من تغييره على الأصل وردِّه إلى الأصل، ثُم يكون حكايةً بالمعنى. إذاً: يجوز حكاية الجملة على المعنى، فتقول في حكاية زيدٌ قائمٌ: قال عمروٌ قائمٌ زيدٌ، بتقديم الخبر على المبتدأ، فإن كانت الجملة ملحونة تَعيَّن المعنى على الأصح .. وجب، وبعضهم يرى أنك تحكيها كما هي: قال عمروٌ إنَّ زيدٌ قائماً، وصحح ابن هشام في الأوضح: أنَّه يجب أنْ تحكيها بالمعنى، يعني: تُغيِّر الإعراب فتردَّه إلى أصله. هذا لم يَتعرَّض له النَّاظم: حكاية الجمل، والظَّاهر أنَّه سبق معنا في التنصيص عليه. - ثانياً: حكاية المفرد، وأغلب ما تكون في الأعلام لكثرة دورانها في ألسنتهم، من زيداً .. من زيدٌ .. من زيدٍ؟ هذا كثير، حكاية المفرد كما هو. - النوع الثالث: حكاية حال المفرد، وهذا النوع الثاني والثالث داخلٌ في التعريف: إيراد اللفظ المسموع على هيئته، وإن كان هذا يشمل الجملة، إلا أنَّه على تقدير النَّاظم لم يذكر الجملة، حِينئذٍ يَختصُّ بالأعلام. أو إيراد صفته، يعني: صفة المحكي، وأكثر ما يكون بـ: (أيٍّ) الاستفهاميَّة، وهي التي ذكرها النَّاظم، وبعضهم ألحق بها (ما) الاستفهاميَّة، كلٌ منهما استفهاميتان. وحكاية المفرد في غير الاستفهام شَاذَّة كقول بعضهم: ليس بقرشياً، رداً لمن قال: إنَّ في الدار قرشياً، قال قائل: إنَّ في الدار قرشياً، أراد أن يحكي، قال: ليس بقرشياً، هذا شاذٌّ لأنَّه في مقام (ليس)، والحكاية إنما تكون في الاستفهام فقط، (أيٌّ) و (من) من في حكاية الأعلام وغيرها، و (أيٌّ) في حكاية الصفات، أمَّا غير الاستفهام فهذا شاذٌّ. قال النَّاظِم هنا: احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ سُئِلْ ... عَنْهُ بِهَا فِي الْوَقْفِ أَوْ حِيْنَ تَصِلْ هذا النوع الأول، لأنَّ النَّاظم ذكر ثلاثة أنواع من الحكاية: - الحكاية بـ: (أيّ). - والحكاية بـ: (مَنْ). - وحكاية العَلَم بعد (مَنْ). (احْكِ بِأَيٍّ) .. (احْكِ) هذا فعل أمر مبنيٌ على حذف حرف العِلَّة وهو الياء، احكي .. حكا يحكي، مثل: رمى يرمي، إذاً: مبنيٌ على حذف حرف العِلَّة، (بِأَيٍّ) الباء هذه للآلة أو ظرفيَّة، يعني: تكن (أي) هي سبباً أو آلةً في الحكاية، فالباء للآلة أو ظرفيَّة. (احْكِ بِأَيٍّ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْكِ)، (مَا لِمَنْكُورٍ) .. (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في مَحلِّ نصب مفعول به، وهي واقعة على الحروف المَحكيَّة، (لِمَنْكُورٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صِلَة (مَا) ما ثبت لِمَنْكورٍ.

(سُئِلَ عَنْهُ بِهَا) .. (سُئِلَ) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، و (عَنْهُ) نائب فاعل، والجملة صِفَة لـ: (مَنْكُورٍ) .. مَنْكُورٍ مسئولٍ عنه، (بِهَا) بـ: (أَيٍّ) الضمير يعود إلى (أَيٍّ)، و (بِهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْكِ) احْكِ بِها بـ: (أَيٍّ)، (مَا) يعني: الذي ثبت (لِمَنْكُورٍ سُئِلَ عَنْهُ) تسأل عن منكور، يعني: نكرة. جاء رجلٌ، تسأل عن (رجل) حِينئذٍ تسأل بأي شيء؟ بـ: (أَيٍّ)، قال: (احْكِ بِأَيٍّ) بهذا اللفظ بعينه، ما ثبت لـ: (مَنْكُورٍ) والذي ثبت لـ: (مَنْكُورٍ)، إذا قلت: جاء رجلٌ، الذي ثبت لمنكور هنا أنَّه مُفرد مُذكَّر مرفوع، ما ثبت لمنكورٍ تجعله في (أَيٍّ)، ولذلك تقول: أيٌّ، بالإفراد، والتذكير، والرَّفع، فثبت لـ: (أَيٍّ) من التذكير والرفع والإفراد ما ثبت للمسئول عنه المنكور في قولك أنت: جاء رجلٌ، وتقول: رأيت رجلاً، أقول: أيًّاا؟ فثبت لـ: (أَيٍّ) ما ثبت لمنكورٍ في المسئول عنه، وهو كونه منصوباً مفرداً مذكَّراً، مررت برجلٍ .. أيٍّ؟ ثبت لـ: (أَيٍّ) ما ثبت للمنكور. احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ سُئِلْ ... عَنْهُ .. يعني: مسئول عنه (بِهَا) بـ: (أَيٍّ) مطلقاً، سواءٌ كان (فِي الْوَقْفِ أَوْ حِينَ تَصِلْ) .. (فِي الْوَقْفِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (احْكِ)، (أَوْ) للتنويع والتقسيم، (حِينَ تَصِلْ) .. (حِينَ) هذا منصوبٌ على الظَّرفيَّة مُتعلِّق بقوله: (احْكِ)، (أَوْ) معطوفٌ على (الْوَقْفِ). (فِي الْوَقْفِ أَوْ حِينَ تَصِلْ) تصل ماذا؟ تصل أيًّاا بِما بعدها، أيًّاا .. أيَّا في الوقف: أيًّاا يا فتى .. أيٌّ يا فتى .. أيٍّ يا فتى، هذا في الوصل، يعني: لم تقف عليها. إذاً نقول القاعدة: أنَّه يُحكى بـ: (أيٍّ) وصلاً ووقفاً، (وصلاً) يعني: تصلها بما بعدها .. تكون في دَرْجِ الكلام، فيحكى بـ: (أَيٍّ) في الوصل في دَرْج الكلام فتقول: أيٌّ يا فتى .. أيٌّ يا هذا .. أيٍّ يا هذا؟ تحكي بها في الوصل، أو (أيًّاا) .. (أيٌّ) .. (أيٍّ) هذا في الوقف، يعني: لا تصلها بما بعدها، هذا خلافاً لـ: (مَنْ). أي: يُحكى بـ: (أَيٍّ) وصلاً ووقفاً ما لمنكورٍ مذكورٍ مسئولٍ عنه بها، كما ذكره النَّاظم هنا، يُحكى بـ: (أَيٍّ) وصلاً ووقفاً (مَا) ثبت (لِمَنْكُورٍ) مذكورٍ مسئولٍ عنه بها من إعرابٍ وتذكيرٍ وإفرادٍ وفروعهما، يعني: فروع الإفراد الذي هو التَّثنيَّة والجمع والتذكير وفرعه وهو التأنيث. فيقال لمن قال رأيت رجلاً: أيًّا؟ وجاء رجلٌ: أيٌّ؟ بالرَّفع، ولمن قال جاء رجلان: أيَّان؟ تُلحِق (أيّ) بألف التثنية والنون .. أيَّان، لأنَّه يجب في الحكاية بالصفة هنا بـ: (أَيٍّ) أن يكون مطابقاً للمسئول عنه .. لا بد أن يكون مطابقاً له، إن كان مفرداً فمفرد .. إن كان مثنَّىً فمثنىً .. إن كان جمعاً فجمعاً.

فإذا قلت: أيّ؟ هذا كان في مُقابل المسئول عنه إذا كان مفرداً، وإذا قال: جاء رجلان، تقول: أيَّان؟ مررت برجلين .. أيَّيْن؟ رأيت رجلين .. أيَّيْن؟ تأتِ به مثنى كما هو الشأن في حاله، وهكذا، ولمن قال: رأيت امرأةً .. أيَّةً؟ تؤنِّثُه، ولمن قال: رأيت غلامين .. أيَّيْن؟ أو بنِين .. أيِّيْن؟ على أنَّه جمع مذكَّر، أو: رأيت بنات، يقول: أيَّات؟ إذاً: يطابق المسئول عنه المنَكَّر .. النَّكِرة، فإذا كان مفرداً أفرَدْتَه، إن كان مذكَّراً قلت: أيًّاا؟ إن كان مؤنَّثاً قلت: أيَّةً؟ وإن كان مثنَّىً، قلت: أيَّان؟ وإن كان مؤنَّثاً قلت: أيَّتان؟ وإذا كان جمعاً، قلت: أيِّيْن .. أيُّوْن؟ وإذا كان جمع مؤنَّث، قلت: أيَّات؟ إذاً: يكون مطابقاً له مطلقاً. هذا في الوقف، وكذا في الوصل .. مثله في الوصل، فلا فرق بينهما وصلاً ووقفاً، فيقال: أيًّاا يا هذا، وأيَّةٌ يا هذا، مطلقاً إلى آخره. ولا يُحكى بها جمع تصحيحٍ إلا إذا كان موجوداً في المسئول عنه، أو كان المسئول عنه صالحاً لأن يُوصف بجمع التصحيح كـ: (رجال) رجالٌ مسلمون، رجالٌ هذا يصلح أن يُوصف بجمع التصحيح، حِينئذٍ يجوز أن يسأل عنه بها. ولا يُحكى بها جمع تصحيحٍ إلا إذا كان موجوداً في المسئول عنه، أو صالحاً لأن يوصف به، نحو: رجالٌ، فإنَّه يوصف بجمع التصحيح، فيقال: رجالٌ مسلمون، وهذه هي اللغة الفصحى في (أَيٍّ) في الحكاية: أن تكون مطابقةً للمسئول عنه مطلقاً إفراداً وتثنيةً وجمعاً .. رفعاً ونصباً وخفضاً، هذه اللغة الفصحى. وفيه لغةٌ أخرى يحكى بها ما له من إعراب وتذكيرٍ وتأنيثٍ فقط، يعني: لا يُثنَّى ولا يجمع، تبقى كما هي، فإذا قال: جاء رجلٌ .. جاء رجلان .. جاء رجالٌ .. رأيت امرأةً .. رأيت امرأتين، كلها تقول: أيٌّ .. أيًّاا .. أيٍّ، مُطلقاً، هذه اللغة الثانيَّة، فيقال: أيًّاا، أو: أيًّاا يا هذا، في الوقف أو في الوصل، لمن قال: رأيت رجلاً، أو رجلين، أو رجالاً. وأيَّةٌ، أو: أيَّةٌ يا هذا؟ لمن قال: رأيت امرأةً، أو امرأتين، أو نساء، يؤنَّث فقط .. استدراك على ما سبق، وأيًّاا وأيَّةٌ فقط، ولا يُثنَّى ولا يُجمع. إذاً: (أَيٌّ) فيها لغتان: - المطابقة مُطلقاً. - ولزوم الإفراد مع التذكير في المذكَّر، ومع التأنيث في المؤنَّث، ثُم لا تُثنَّى ولا تُجمع، فإذا قال: جاء رجلان، تقول: أيٌّ؟ حِينئذٍ طابقه في ماذا؟ طابقه في التذكير هذه واحدة، وفي الإعراب، جاء رجلان، تقول: أيٌّ؟ بالرَّفع، ولا تقل: أيًّاا، لماذا؟ لأنَّ المسئول عنه نكرة وهو مرفوع: جاء رجلان، حِينئذٍ تقول: أيٌّ؟ هل تثنيه؟ لا، إذاً: وافقه في التذكير وفي الإعراب، وخالفه في التَّثنية، لأنَّه لم يُثنَ بِخلاف اللغة الفصحى السابقة، إذاً: فيه لغتان.

قوله: (احْكِ بِأَيٍّ) أيُّ اللغتين، أو هو عام؟ النَّاظم أطلق هنا: (احْكِ بِأَيٍّ) وعرفنا أنَّ في (أَيِّ) لغتين: لغة فصحى وهي المطابقة مطلقاً، واللغة الثانية المطابقة في الإعراب والتذكير إفراداً أو تأنيثاً دون التثنية والجمع، ظاهره أنَّه مطلق .. أنَّه مُحتمل للغتين، لكن الغالب أن يُحمل كلام النَّاظِم على الأفصح، بدليل أنَّه ذكر اللغة الثانية، أو اللغة الأفصح في (مَنْ) التي تلحقها حروف الحكاية. حِينئذٍ نَحمل قوله: (بِأَيٍّ) على اللغة الفصحى: (احْكِ بِأَيٍّ) مع احتمال أنْ يُحمل على الثانية فلا إشكال، من حمله على اللغتين فلا بأس، ومن خَصَّه بالأفصح وخاصةً بقرينة ما بعده (مَنْ) فلا إشكال. إذاً: (احْكِ بِأَيٍّ) نقول: هذا (أَيٍّ) محتمل للغتين: الفصحى وهي أولى في الترجيح هنا. قال: (احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ) قوله: (مَا لِمَنْكُورٍ) احترز به عن المعرفة، فإذا كان المسئول عنه معرفة، حِينئذٍ لا يؤتى بـ: (أَيٍّ)، فإذا قال: جاء زيدٌ، لا يقل: أيٌّ؟ أو: جاء الزيدان، لا يقل: أيَّان؟ وجاء الزيدون .. وجاءت الزينبات، حِينئذٍ نقول: هذا لا يصح، لماذا؟ للاستعمال، خُصَّ بالتنكير فقط، ولذلك نَصَّ هنا على أنَّ المسئول إنما يكون مُنكَّراً، فإن كان معرفةً حِينئذٍ لا يُحكى بـ: (أَيٍّ). إذاً قوله: (لِمَنْكُورٍ) هذا للاحتراز .. احترز به عن المعرفة. . . . . . . مَا لِمَنْكُورٍ سُئِلْ ... عَنْهُ بِهَا فِي الْوَقْفِ أَوْ حِينَ تَصِلْ إنْ سئل بـ: (أَيٍّ) عن منكورٍ مذكورٍ في كلامٍ سابق حُكي في (أَيٍّ) ما لذلك المنكور من إعرابٍ وتذكيرٍ وتأنيثٍ وإفرادٍ وتثنيةٍ وجمعٍ، وهذه اللغة الفصحى، ويفعل بها ذلك وصلاً ووقفاً، فتقول لمن قال جاءني رجل: أيٌّ؟ ولمن قال رأيت رجلاً: أيًّاا؟ ولمن قال مررت برجلٍ: أيٍّ؟ وكذلك تفعل في الوصل: أيٌّ يا فتى، وأيًّاا يا فتى، وأيٍّ يا فتى؟ وتقول في التأنيث: أيَّةٌ؟ وفي التَّثنِيَّة: أيَّان، وأيَّتان؟ (أيَّان) للمُذكَّر، و (أيَّتان) للمؤنَّث رفعاً، وأيَّيْن وأيَّتيْن جراً ونصباً، (أيَّيْن) هذا للمُذكَّر، و (أيَّتيْن) للمؤنَّث، وفي الجمع: أيُّوْن وأيَّات، (أيُّوْن) هذا لجمع التصحيح، و (أيَّاتٌ) لجمع المؤنَّث السالم، وأيِّيْن وأيَّاتٍ جراً ونصباً، الأول للمُذكَّر، والثاني للمُؤنَّث. و (أَيٌّ) المحكيِّ بها استفهاميَّة كما سبق بيانه، وهي معربةٌ، يعني: لا مبنيَّة، ولذلك تُنوَّن تقول: أيٌّ، وأيًّاا، وأيٍّ، والمبني في الأصل لا يُنوَّن، إذاً: هي استفهاميَّة وهي معربة، لكن اختلف في حركاتها والحروف اللاحقة لها، لأنَّه يقال: أيَّان، ألحق بها حرف .. أيُّون .. أيَّات ألحق بها حرف ألفٌ وتاء، فاختلف في حركتها والحروف اللاحقة لها. فقيل: إعرابٌ، فـ: (أيٌّ) الحركة هذه الضَّمَّة ضَمَّة إعراب، و (أيٍّ) و (أيًّاا)، و (أيَّان) ألف التثنية هذه، حِينئذٍ يكون حرف إعراب، و (أيُّون) الواو حرف إعراب، و (أيَّاتٍ) نقول: هذه الحركة حركة إعراب.

فقيل: إعرابٌ، فـ: (أيٌّ) بالرَّفع مبتدأ خبره محذوف مؤخَّرٌ عنها، لأن الاستفهام له الصَّدْر، تقديره في قام رجل: أيٌّ قام، فإذا قلت: قام رجلٌ، أيٌّ؟ نقول: (أيٌّ) هذا مبتدأ خبره محذوف، لماذا صَحَّ أن يكون مبتدأ؟ لأنَّه استفهام، فهو من المعارف .. فهو معرفة، والخبر محذوف، حِينئذٍ يُقدَّر بعد المبتدأ، ولا يجوز أنْ يَتقدَّم لأنَّ (أيًّاا) لها صدر الكلام. و (أيًّا) مفعول (افعل) محذوف، يعني: مفعولٌ لفعلٍ محذوف، إذا قلت مثلاً: ضربت رجلاً، أيًّا؟ (أيًّا) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوف، تقديره: أيًّا ضربت؟ لو قلت: ضَرَبْتَ أيًّا؟ صار ماذا .. هل يَصِح أن يقول: ضَرَبْتُ أيًّا، أو: ضَرَبْتَ أيًّا؟ لا يصح، لأنَّ الاستفهام له صدر الكلام، فلو وقع مفعولاً وجب تقديمه: ((أَيّاً مَّا تَدْعُوا)) [الإسراء:110] اسم شرط مثله. إذاً: (أيًّا) يكون مفعولاً لفعلٍ محذوف مُؤخَّر عنها لِمَا مرَّ، تقديره في ضَرَبْتُ رجلاً: أيًّا ضَرَبْتَ؟ و (أيٍّ) بالجر .. بحرف جر محذوف، وهذا المحذور هنا، تقديره في مررت برجلٍ: بأيٍّ مررت؟ لو قال: مررت برجلٍ، قلت: أيٍّ؟ بالخفض، ما الخافض له؟ حرف جر محذوف، تقديره: بأيٍّ مررت، وهذا عند بعضهم يعتبر شاذّاً، وهو حذف حرف الجر وإبقاء عمله: (أيٍّ). وبعضهم يُفصِّل، يقول: لا، الشُّذوذ إنما إذا حُذف حرف الجر وحده، أمَّا إذا حذف مع عامله فهو قياسي ليس بشاذ، وهنا حذف مع عامله، لأنك تقول: أيٍّ .. بأيٍّ مررت؟ حذف الباء ومُتعلَّق الباء، وهذا لا يعتبر عند بعضهم شاذّاً، وإنما هو قياسي، وإنما يُحكم عليه بكونه شاذّاً إذا حذف حرف الجر وبقي عمله لوحده، مثل: أشارت كُلَيْبٍ .. إلى كُلَيْبٍ، حذف (إلى) وبقي (أشارت) هذا شاذٌّ. وأمَّا: بأيٍّ مررت، حذف العامل (مرَّ) وحرف الجر، هذا قياسي. وكذا يُقال في: (أيَّان) و (أيَّتان) و (أيُّون) و (أيَّات) رفعاً، و (أيَّيْن) و (أيَّتيْن) و (أيِّيْن) و (أيَّات) نصباً وجراً، ويلزم على هذا القول إضمار حرف الجر، يعني: ضَعَّفوا هذا القول بكون حرف الجر مضمراً، هذا عند من يرى أنَّه مطلقاً حرف الجر لا يعمل محذوفاً سواءٌ ذُكر عامله أو حُذف، فانُتقِد هذا القول بهذا. وقيل: حركات حكاية، وهذا هو المشهور، ولذلك سبق معنا: أنَّ الحركات سبعٌ، منها حركة الحكاية، حركة الحكاية مُغايِرة لحركة الإعراب، حِينئذٍ يكون مُعرباً لكن الإعراب مُقدَّر، وقيل: حركات حكاية وحروفٌ .. حروف حكاية، فهي مرفوعة بضَمَّةٍ مُقدَّرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية أو حرف الحكاية، على أنَّها مبتدأ والخبر محذوف، يعني: إذا قلت: قال رجل .. أيٌّ؟ (أيٌّ) مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، والخبر محذوف: أيٌّ قام؟

رأيت رجلاً .. أيًّا؟ (أيًّا) هذا مبتدأ مرفوع، ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، أيٌّ هو؟ مررت برجلٍ .. أيٍّ؟ (أيٍّ) مبتدأ مرفوع، ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، لأنَّ هذه الكسرة الموجودة هنا، و (أيًّا) الفتحة، و (أيٌّ) الضَّمَّة، هي محاكاة، نحن نقول: باب الحكاية، حاكيت ذلك اللفظ، قلنا: تذكيراً، وإفراداً، وتأنيثاً، وتثنيةً، وجمعاً، حِينئذٍ يلزم منه أن تكون الحركة كذلك مَحكيَّة، فيبقى في اللفظ (أيّ) ونحوه أن يكون الحركة هي حركة المسئول عنه، ثُم هو يَحتاج إلى إعرابٍ فيكون مبتدأ وخبره محذوف، سواءٌ كان مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً فهو مبتدأ، والحركة مُقدَّرة، والخبر محذوف مطلقاً في جميع ما ذكرناه. وقيل: الحركة والحرف في حالة الرَّفع أعرابٌ، وفي حالتي النَّصب والجر حركة حكاية وحرف حكاية. هذا فيه تضعيف، الصواب: أنَّه يُقال بأنَّها حركة حكاية وليست بحركة إعرابٍ، وكذلك الحرف حرف حكاية وليس حرف إعراب، يعني: (أيَّان) لو قال: جاء رجلان، فقال: أيَّان؟ نقول: (أيَّان) هذا مبتدأ مرفوع ورفعه الألف المقدَّرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحرف الحكاية، لأنَّ قوله: رجلان، مرفوعٌ بالألف .. حكيت الألف نفسها، الألف الموجودة في (أيَّان) هي التي موجودة في (رجلان) فالألف هذه مَحكيَّة وليست حرف إعراب، حِينئذٍ تُقدِّر حرف الإعراب عليه، كذلك: (أيُّون) و (أيَّاتٍ). إذاً: احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ سُئِلْ ... عَنْهُ بِهَا فِي الْوَقْفِ أَوْ حِينَ تَصِلْ ثُم انتقل إلى النوع الثاني وهو المحكي بـ: (مَنْ) قال: (وَوَقْفاً احْكِ) ووقفاً لا وصلاً، أخرج الوصل، وهذا من الفوارق بين (مَنْ) و (أَيٍّ): أنَّ (أَيًّا) يُحكى بها في الوقف والوصل مطلقاً، وأمَّا (مَنْ) فقال: (وَقْفاً احْكِ) يعني: لا وصلاً، فقدَّم هنا المفعول، أو الحال: احْكِ حال كونك واقفاً لا واصلاً، حِينئذٍ قَدَّمه من أجل الحصر. (وَوَقْفاً) هذا حالٌ من مفعول: (احْكِ) احْكِ أنْتَ حال كونك واقفاً. (مَا لِمَنْكُوْرٍ) .. (مَا) مفعول (احْكِ مَا) مفعول .. ثبت لمنكورٍ، أي: منكورٍ مذكور، فاشترط هنا أن يكون نكرة مع كون (مَنْ) هذه معرفة. (احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (احْكِ) حِينئذٍ تكون الحكاية بـ: (مَنْ) كما تكون الحكاية بـ: (أَيٍّ)، لكن (أيًّا) تكون الحكاية بها وصلاً ووقفاً، وأمَّا (مَنْ) فتكون في الوقف دون الوصل. قوله: (لِمَنْكُوْرٍ) أي: منكورٍ مذكور، وإنما اشتُرِط في لحاق العلامة المذكورة بـ: (مَنْ) كونها سؤالاً عن نكرة، لأنَّ المعارف إذا استفهم بـ: (مَنْ) عنها ذُكِرَت بعد (مَنْ) غالباً، إمَّا مَحكيَّة أو غير مَحكيَّة، لأنَّ الاستفهام عن المعارف ليس في الكثرة مثل الاستفهام عن النَّكرات، فلم يُطلب التخفيف بحذف المسئول عنه كما في النَّكرات. إذاً: خُصِّصَ أنْ يكون المسئول عنه في (مَنْ) هو النَّكرة، وهذا كالشَّأن في (أَيٍّ) فهما يتفقان من هذه الحيثيَّة. وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ ... وَالنُّونَ حَرِّكْ مُطْلَقَاً وَأَشْبِعَنّْ

(بِمَنْ) حِينئذٍ تقول إذا قال: جاء رجلٌ .. مَنْ؟ ثُم تُحرِّك النون بِحركة رجل، ثُم تُشْبِع الضَّمَّة فتولِّدُ منها حرفاً مُجانساً لها، فتقول: مَنُو؟ الأصل: جاء رجل، احكه .. لو قلت: أيٌّ؟ بالرَّفع، (مَنْ) احك بها رجل، تقول: مَنُو، حَرَّكْتَ النون بِحركة المحكي، رأيت رجلاً .. مَنَا؟ مررت برجلٍ .. مَنِي؟ إذاً: ثُم تُشْبِع الضَّمَّة والكسرة والفتحة حرفاً من جنسه، فتتوَلَّد عن الضَّمَّة واو، وعن الفتحة ألف، وعن الكسرة ياء، إذا قال: قال رجلٌ .. مَنُو؟ رأيت رجلاً .. مَنَا؟ مررت برجل .. مَنِي؟ إذاً: حَكَيْتَ به نكرة، ثُم حَرَّكته بحركة المحكي، ثُم قال: (أَشْبِعَنْ) يعني: أشْبِعَن حركة الضَّمَّة فتتولَّد عنها حرفٌ وهو الواو، وكذلك الفتحة والكسرة. (وَالنُّونَ حَرِّكْ) أيُّ نون؟ نون (مَنْ) حرِّك لأنَّها ساكنة في الأصل، (مَنْ) قلنا: اسم استفهام، وهي مبنيَّة على السكون، إذا حكيت بها حِينئذٍ لها حكمٌ خاص، فتحرِّك النون بِحركة المحكي، كما هو الشأن في (أَيٍّ) فتقول: جاء رجلٌ .. مَنُو .. مَنَا .. مَنِي؟ حرَّكت النون بِحركة المحكي في الرَّفع والنَّصب والخفض، ولذلك قال: (مُطْلَقَاً) يعني: مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً. حرِّك النون مطلقاً، حرِّكها بماذا؟ بحركة المحكي، إن كان المحكي النكرة مرفوعاً حرَّكت النون بالضَّمَّة، تقول: مَنُو؟ وإذا كان المحكي منصوباً حرَّكته بالفتحة مفرداً، فتقول: مَنَا؟ وكذلك في الخفض. إذاً: احْكِ وَاقِفاً (مَا لِمَنْكُوْرٍ) المسئول عنه أن يكون نكرة، (بِمَنْ)، (وَالنُّونَ حَرِّكْ) مِنْ (مَنْ) تَحريكاً مطلقاً، يعني: باعتبار المحكي رفعاً ونصباً وخفضاً، (وَأَشْبِعَنْ) أشْبِع الحركة، (أَشْبِعَنْ) من يُعرب (أَشْبِعَنْ)؟ فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، هذه خفيفة أو ثقيلة .. ما الدليل على أنَّها خفيفة أو ثقيلة؟ الخفيفة تُقلَب ألف وهنا لم تقلب، فدلَّ على أنَّها مُخفَّفَة من الثقيلة. (أَشْبِعَنْ) كتبت بالنون هنا كما هي، وأمَّا النون الخفيفة فهذه تبدل وقفاً ألفاً، فلمَّا لم يُبْدِلها ألفاً علمنا أنَّه أراد به النون الثقيلة ولكن خفَّفها من أجل الوزن، لأن القاعدة عندهم: لا يوقف على مُشدَّد، عَمَّ .. عَمْ هكذا يقف عليه، شَدَّ .. شَدْ، يقف عليه بساكن. هنا (أَشْبِعَنْ) حذف إحدى النونين لِمَا ذُكِر. إذاً: (وَالنُّونَ حَرِّكْ) .. (النُّونَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (حَرِّكْ) وهو فعل أمر، (مُطْلَقَاً) هذا نعتٌ لمصدر محذوف، أي: تحريكاً مطلقاً، أي: في أحوال الإعراب المحكي الثلاثة.

(وَأَشْبِعَنْ) .. (أَشْبِعَنْ) هذا فيه إشارة إلى أنَّ الحروف إشباع، مَنُو ومَنَا ومَنِي، الحروف هذه إشباع وليس علامات .. ليست بعلامات، فهي إشباع دفعاً للوقف على المُتحرِّك، لأنَّك لو وقفت عليها .. لو قلت: مَنُ بالنون .. وقفت عليها ستقف عليها بالساكن، حِينئذٍ ما صار حكايةً، ونحن نريد أن نحافظ على هذه الضَّمَّة، (مَنُو) لا يمكن إلا بأن يوقف على حرفٍ مُشْبَع من الضَّمَّة، حِينئذٍ صَحَّ الوقف على النون وهي مُحرَّكة بالضَّمَّة، وعلى النون وهي مُحرَّكة بالفتحة، وعلى النون وهي مُحرَّكة بالكسرة. إذاً قوله: (وَأَشْبِعَنْ) فيه إشارة إلى أنَّ الحروف إشباع، دفعاً للوقف على المُتحرِّك. وقيل: الحروف اجْتُلِبَت أولاً للحكاية فلزم تحريك ما قبلها، لا! يعني: أولاً جُلِبَت هذه الحروف الواو وقبلها ساكن، فُحرِّك من جنس الواو، ثُم جُلِبَت الألف (مَنَا) فالتقى ساكنان وحُرِّكَت النون لمناسبة الألف، وجيء بالياء (مَنِي) وحُرِّكت النون من أجل الياء، لا .. العكس هو الصَّواب، لأنَّ المحكي هنا معرب بالحركات: جاء رجلٌ .. مَنُو؟ إذاً: الأصل فيه أن يكون مَحكِياً بالحركات، من أجل الوقف عليه مُحرَّكاً بالضَّمَّة قلت: مَنُو، إذاً: الحروف اجْتُلِبَت من أجل الحركات، لا الحركات من أجل الحروف، فالأصل هو الحكاية بالحركة. وقيل: الحروف اجْتُلِبَت أولاً للحكاية فلزم تحريك ما قبلها. وقيل: بدلٌ من التنوين، وهذا أبعدها. إذاً: (وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ) .. (مَنْ) هذه تستعمل في العاقل، حِينئذٍ نُقيِّد قوله: (مَا لِمَنْكُوْرٍ) العاقل، بِخلاف (أَيٍّ) تستعمل في العاقل وفي غيره، والمراد بالمنكور هنا: المنكور العاقل لأنَّ (مَنْ) في الأصل للعاقل، بخلاف المنكور السابق في (أَيٍّ) فإنَّ المراد به ما يَعمُّ العاقل وغيره، لأنَّ (أَيًّا) يستعمل فيهما. إذاً: (احْكِ بِأَيٍّ مَا لِمَنْكُورٍ) هذا عام يشمل العاقل وغير العاقل، لأنَّ (أيًّا) في الأصل تستعمل لهما. (وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ) نقول: هذا مُقيَّد بالعاقل، لأنَّ (مَنْ) لا تستعمل إلا في العاقل. وَوَقْفاً احْكِ مَا لِمَنْكُوْرٍ بِمَنْ ... وَالنُّونَ حَرِّكْ مُطْلَقَاً وَأَشْبِعَنّْ وَقُلْ مَنَانِ وَمَنَيْنِ بَعْدَ لِي ... إِلْفَانِ كَابْنَيْنِ وَسَكِّنْ تَعْدِلْ (وَقُلْ) في المثنى المُذكَّر .. إذاً: عرفنا في المفرد أنك تقول: مَنُو، ومَنَا، ومَنِي، يعني: بتحريك النون بِحركة المحكي، ثُم تُشْبِع الحركة حرفاً من جنس الحركة. هنا قال: (وَقُلْ) في المثنى المُذكَّر (مَنَانِ)، لو قال: رجلان .. قال رجلان، منَانْ؟ هي (مَنْ) وأضفت عليها الألف والنون، لماذا؟ لأنَّ المحكي مُثنَّى، حِينئذٍ تُثنِّي (مَنْ) فتقول: مَنَان، هذا في حالة الرَّفع، رأيت رجلين .. مَنين؟ بتسكين النون، جاء رجال .. مَنُون؟ تأتي بالواو والنون، مثل (أَيّان).

(وَقُلْ) في المُثنَّى المُذكَّر (مَنَانِ) لحكاية المرفوع، (وَمَنَيْنِ) الأصل فيها بإسكان النون لكن للنَّظم هنا لم يتمكن من تسكين النون، ولذلك عوَّضَه بالتَّنْصيص عليه وقال: (وَسَكِّنْ تَعْدِلْ) يعني: سكِّن النون الأخيرة التي بعد الألف وبعد الياء، لا تُحرَّك وإنما تقول: (مَنَانْ) بالوقف، و (وَمَنَيْنْ) بالوقف، لماذا .. لماذا نُسكِّن؟ لأنَّ (مَنْ) لا تستعمل إلا وقفاً، والعرب لا تقف إلا على ساكن، حِينئذٍ لا يُتصوَّر في (مَنْ) أن تكون مَحكيَّة إلا في الوقف، وأمَّا الوصل فلا. حِينئذٍ (قُلْ مَنَانْ) (مَنَانِ) بكسر النون، نقول: هذا في الوصل لا في الوقف، (وَمَنَيْنِ) كذلك بكسر النون هذا في الوصل لا في الوقف، و (مَنْ) هذه لا تُحكى في الوصل إنما تحكى في الوقف، فلذلك قال: (وَسَكِّنْ تَعْدِلْ) (سَكِّنْ) يعني: سَكِّن النون الأخيرة من (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) لأنَّه لا يكون إلا وقفاً كذلك. و (مَنَانِ وَمَنَيْنِ بَعْدَ) قول القائل: لِي إِلْفَانِ لابْنَيْنِ، لو قال لك: احْكِ إلفان، (لي) خبر مُقدَّم، و (إلفان) تثنية (إلف) مبتدأ مؤخَّر (لابنين) مُتعلِّق بقوله، لو أرَدْتَ أن تحكي (إلفان): قال لي إلفان بابنين، تقول: مَنَان؟ بالرَّفع، احك ابنين، تقول: مَنيْن؟ بالياء، لأنَّ (ابنين) هذا مَحكيٌ وهو مجرورٌ بالياء، فكذلك الحكاية يكون بالياء. (وَسَكِّنْ) آخرهما، (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) .. (تَعْدِلْ) أي: تُقم العد، لأنَّ هذا حكم العرب، وإنما حرَّكه هنا النَّاظم من أجل الضرورة فحسب، يعني: النون من (مَنَانِ وَمَنَيْنِ) والعِلَّة ما ذكرناه أنَّه لا يكون إلا وقفاً. إذاً: في حالة التَّثنية والإفراد نَصَّ عليهما بِما ذُكِر. (وَقُلْ لِمَنْ قَالَ أَتَتْ بِنْتٌ مَنَهْ) هذا في ماذا؟ (وَقُلْ) في المفرد المؤنَّث .. عرفنا مَنُو، ومَنَا، ومَنِي، في المفرد المذكَّر. قالت امرأةٌ، تقول: مَنَه؟ أصلها: مَنَةٌ، قالت امرأةٌ .. مَنَةٌ؟ ألحقت (مَنْ) تاء التأنيث، ولَمَّا كانت في الوقف خاصَّةً حِينئذٍ قلبتها هاءً، لأنَّه مذهب البصريين أنَّ التاء المربوطة تُقلَب هاءً في الوقف، فتقول: مَنَه، بهاء التأنيث. (وَقُلْ) في المفرد المؤنَّث لمن قال: أَتَتْ بِنْتٌ، قل له: مَنَه؟ بفتح النون وقلب التاء هاءً، وقد يُقَال: مَنَتْ، بالتاء الساكنة، بإسكان النون وسلامة التاء، يعني: دون قلبها، وكذا يُقال في النَّصب والجر، ولم يُمكن إثبات حرف المَدِّ في (مَنَه) لماذا لا نقول: (مَنَات) نثبتها؟ قالوا: لا يُمكن إثبات حرف المد في (مَنَه) للدَّلالة على الإعراب، لماذا؟ لأنَّ هاء التأنيث لا تكون في الوقف إلا ساكنة، والحكاية هنا لا تُتصوَّر إلا في الوقف، إذاً: لا يُمكن العدول عن السكون فهو لازم، فاكتفوا بحكاية التأنيث وتركوا حكاية الإعراب. إذاً: لو قال أتّتْ بِنتٌ، تقول: مَنَه؟ رأيت بِنتاً، تقول: مَنَه؟ مررت بِبِنْتٍ، تقول: مَنَه؟ هنا آثروا التأنيث على الحركة في الحكاية، لماذا؟ لأنَّك لو حَكَيْتَ فقلت: مَنَاه؟ ثُم وقفت عليه بالساكن هنا اجتمع ساكنان، وإن كان مغتفراً إلا أنَّه يُمدُّ زائداً على المد الطبيعي.

كذلك لو قلت: منوه .. منيه، فحِينئذٍ يجتمع عندك حرف الإشباع والتاء، وتقف على التاء بالهاء فتكون ساكنة فيجتمع ساكنان، قالوا: إذاً نُؤثِر التأنيث على حركة الإعراب فلا نأت بحركة الإعراب ونقدم التأنيث، لأنَّ التأنيث أصلٌ، والإعراب هنا فرعٌ، إذاً: فاكتفوا بحكاية التأنيث وتركوا حكاية الإعراب، لأنَّ الإعراب فرع التأنيث، وإذا تعارضا، يعني: الفرع الأصل، كان مراعاة الأصل أولى وهو التأنيث. إذاً: قدَّموا هنا وآثروا التأنيث على حركة الإعراب، إذاً: إذا سُئل عن منكورٍ وهو مُؤنَّث مفرد حِينئذٍ اللفظ واحدٌ نصباً ورفعاً وخفضاً، أن يقال: (مَنَه). (وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) أي: وقل في المثنَّى المُؤنَّث لمن قال: لي زوجتان، فقل: مَنْتَان؟ بإسكان النون قبل التاء، هنا التاء للتأنيث، والألف والنون هذه للحكاية، أو: لي زوجتان مع أمتين، تقول: مَنْتيْن؟ فـ: (مَنْتَان) لحكاية المرفوع، و (مَنْتَيْن) لحكاية المخفوض والمنصوب. (وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) لم يَنُصَّ هنا على المثنى كيف تأتي به، لكن تُبقي (مَنْ) كما هي فتقول: (مَنْتَان) لم تُحرِّك النون هنا بقيت ساكنة، لماذا؟ ما عندنا وقف هنا (مَنْتَان) النون ليست الثانية .. الأولى، (مَنْتَان) لماذا سَكَنت؟ لأنَّنا حَرَّكناها في (مَنُو) هناك لمُحاكاة الحركة، وهنا (مَنْتَان) ليس عندنا حركة عندنا ألف، فجئنا بالألف، فالألف هي حرف الحكاية والنون تبقى على أصلها ساكنة (مَنْ) أليست هي (مَنْ) بفتح الميم وإسكان النون؟ تبقى كما هي (مَنْتَان) .. تَان. إذاً: زِدْتَ التاء وهي للتأنيث والألف هو حرف الحكاية، وليس عندنا حركة حكاية حتى نُحرِّك (مَنْ) كما حركناها في المفرد، (مَنُو) هناك حَرَّكنا النون للمفرد لأنَّه ليس عندنا ألف، وليس عندنا ياء، وليس عندنا واو، وإنما عندنا حركة وهي الضَّمَّة، أين تظهر؟ ليس لها مَحل إلا النون، حِينئذٍ قلت: مَنُو، ومَنَا، ومَنِي، وأمَّا (مَنْتَان) و (مَنْتَيْن) بقيت (مَنْ) ساكنة كما هي لعدم وجود ما يقتضي تحريكه، وهذا هو الأفصح. ولذلك قال: (وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى) قبل تاء المثنَّى (مُسْكَنَهْ) مُسْكنةٌ، (النُّونُ) مبتدأ، و (مُسْكَنَهْ) خبر، و (قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى) .. (قَبْلَ) منصوب على الظَّرفيَّة مُتعلِّق بقوله: (مُسْكَنَهٌ) مُسْكنةٌ قبل وهو مضاف، و (تَا) قُصِر للضرورة وهو مضاف إليه، (تَا الْمُثَّنَى) .. (الْمُثَّنَى) مضاف إليه. (قَبْلَ) مضاف، و (تَا) مضاف إليه، (تَا) مضاف، و (الْمُثَّنَى) مضافٌ إليه. (وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) يعني: النون التي هي نون (مَنْ)، وكذا النون الأخيرة، فتقول: (مَنْتَان) .. (مَنْتَيْن)، النون الأولى وهي نون (مَنْ) باقيةٌ على أصلها لا تُحرَّك لعدم وجود المقتضي للتحريك وهو الحركة، والنون الأخيرة لأنَّ (مَنْ) إنما يُحكى بها في الوقف لا في الوصل، وإنما لم ينُصَّ عليها اكتفاءً بقوله: (وَسَكِّنْ تَعْدِلْ) السابق فالحكم عام.

إذاً: وكذا النون الأخيرة، لأنَّه لا يوقف على مُتحرِّك، ولم يُنبِه عليه لفهمه من المُقايسة من قوله: (وَسَكِّنْ تَعْدِلْ). إذاً قوله: (وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) لا يُفهَم منه أنَّ النون الأخيرة تكون مُتحرِّكة بل هي باقيةٌ على أصلها وهي السكون لقوله فيما سبق: (وَسَكِّنْ تَعْدِلِ)، وأنَّ (مَنْ) إنما يُحكى بها في الوقف لا في الوصل، والوقف لا يكون إلا بالسكون. (وَالنُّونُ قَبْلَ تَا الْمُثَّنَى مُسْكَنَهْ) مُسْكنةٌ، قالوا: تنبيهاً بإسكانها على أنَّ التاء ليست لتأنيث الكلمة اللاحقة لها، بل لحكاية تأنيث كلمة أخرى، إذا قلت: مَنْتَان؟ التاء هنا لتأنيث (مَنْ) أو لتأنيث (امرأتان) المسئول عنه؟ الثاني، ولذلك هنا أُلقِي السكون على حاله لم يَتحرَّك (مَنْتَان) للدَّلالة على أنَّ هذه التاء في (مَنْتَان) و (مَنْتيْن) إنما جيء بها لتأنيث المسئول عنه لا لتأنيث (مَنْ) .. (مَنْ) ليست مُؤنَّثة وإنما هي مُذكَّر. حِينئذٍ التاء هنا ليست للدَّلالة على أنَّ هذا اللفظ (مَنْ) مُؤنَّث، وإنما المسئول عنه هو المُؤنَّث. (وَالْفَتْحُ نَزْرٌ) (مَنَتَان) .. (مَنَتَيْن)، يعني: تحريك النون من (مَنْتَان) و (مَنْتَيْن) خلاف الأصل وخلاف الأفصح، (وَالْفَتْحُ نَزْرٌ) يعني: قليل، فتح ماذا؟ فتح النون قبل تاء المثنَّى، فتقول: (مَنَتَان) و (مَنَتَيْن) (نَزْرٌ) قليل. وإنما كان الفتح أشهر في المفرد، والإسكان أشهر في التَّثنيَّة، لأنَّ التاء في (مَنَتْ) مُتطرِّفة، أيُّ مفرد؟ لأنَّك تقول: (مَنَه) مطلقاً رفعاً ونصباً وخفضاً، الفتح في (مَنَه) شهير، والفتح في (مَنْتَان) .. (مَنَتَان) و (مَنَتَيْن) غير شهير .. قليل، لماذا فُرِّق بين المفرد والمثنى؟ قالوا: وإنما كان الفتح أشهر في المفرد والإسكان أشهر في التثنية، لأنَّ التاء في (مَنَتْ) مُتَطرِّفة، ما معنى مُتَطرِّفة؟ يعني: آخراً. لأنَّ التاء في (مَنَتْ) مُتَطرِّفة وهي ساكنة .. ساكنةٌ للوقف، فحُرِّك ما قبلها لئلا يلتقي ساكنان، ولا كذلك: (مَنْتَان) يعني: (مَنَه) لو بقيت على سكونها، والهاء ساكنة أحْوجَنا أنْ نُحرِّك الأول من أجل التَّخلُّص من التقاء الساكنين، وأمَّا (مَنْتَان) فليس عندنا حاجة إلى تحريك الأوَّل. إذاً: تحريك النون بالفتح في (مَنَه) هذا شهير، بل هو الأصل فيها، وتحريك النون في (مَنَتَان) و (مَنَتَيْن) هذا خلاف المشهور، إذاً: انتهينا من المثنَّى، قال: . . . . . وَصِلِ التَّا وَالأَلِفْ ... بِمَنْ بِإِثْرِ ذَا بِنِسْوَةٍ كَلِفْ لو قال: (ذَا بِنِسْوَةٍ كَلِفْ) .. كَلِف بِنِسوةٍ، (كَلِف) يُقال: الكَلَف شيءٌ يعلو الوجه كالسِّمْسِم، والكَلَف أيضاً: لونٌ بين السَّواد والحُمْرة وهي حُمرة كَدِرَةٌ تَعلق بالوجه.

(ذَا بِنِسْوَةٍ كَلِفْ) ماذا تقول في الحكاية؟ احْكِ بِنِسوة! قال: (وَصِلِ التَّا وَالأَلِفْ بِمَنْ) (مَنْتَات) فتأتي بألفٍ وتاء، قال: (وَصِلِ) أنْتَ فاعل، (التَّا) حذف الهمزة للضرورة، هل نقول: لغة .. هل يُقال (التَّا) هكذا دون هَمزٍ؟ (تَاً) هذا في إذا لم تَتَّصِل بها (أل)، وأمَّا (تَا) هكذا حُكِي أنَّه لغةٌ فيها، با، وتا، وأظنه ثا معها ثلاثة ألفاظ، وأمَّا (التَّا) فلا، وإنَّما تبقى على أصلها. (وَصِلِ التَّا وَالأَلِفْ) هذا معطوف على (التَّا) و (التَّا) مفعولٌ به، (بِمَنْ) في حكاية جمع المؤنَّث السالم، (بِإِثْرِ) يعني: بعد قول القائل (ذَا) هذا مبتدأ، (كَلِفْ) كَلِفَ .. كَلِفٌ، يجوز أن يكون فعلاً وأن يكون اسماً، (بِنِسْوَةٍ) هذا مُتعلِّقٌ به، حِينئذٍ إذا أرَدْتَ أن تحكي (نِسْوَة) تأتي بـ: (مَنْ) وتزيد عليها ألفٌ وتاء، فتقول: (مَنَاة) بتحريك النون للتَّخلُّص من التقاء الساكنين. إذاً تقول في المفرد المُؤنَّث: (مَنَه) مُطلقاً، وفي المثنَّى المُؤنَّث: (مَنْتَان) و (مَنْتَيْن)، وتُحرِّك النون على قِلَّة، (مَنَا) و (مَنَتَان) و (مَنَتَيْن)، وتقول في الجمع: (مَنَات). وَقُلْ مَنُونَ وَمَنِينَ مُسْكِنَا ... إِنْ قِيلَ جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطَنَا وقل في حكاية جمع المُذكَّر السَّالم (مَنُونَ) في حكاية المرفوع بواوٍ ونون، وتحريك النَّون بِما يُناسِب الواو، (وَمَنِينَ) في المجرور والمنصوب (مُسْكِنَاً) آخرها، لأنَّه قال: (مَنُونَ) بتحريك النون، و (مَنِينَ) بتحريك النون، (مُسْكِنَاً) آخرهما، هذا حالٌ من فاعل (قُلْ)، و (مَنُونَ) هذا قُصِد لفظه مفعولٌ به، و (مَنِينَ) معطوف عليه، متى؟ (إِنْ قِيلَ جَا قَوْمٌ) (جَا) فعل ماضي مبني على الفتح، أين الفتح؟ قلنا: جا يجي .. جاء يجيء، فيه لغتان، مر معنا كثير في النَّظم، (جاء) بالهمز هذه لغة، و (جا) هذه لغة أخرى بدون همز، المضارع من الأولى: (يجيء)، والمضارع من الثانية: (يجي) حِينئذٍ (جا) فعلٌ ماضي مبني على الفتح المُقدَّر على الألف، فليس ثلاثياً إنَّما هو ثنائي. فهنا (جَا) هذا نعتبره لغة ولا نقول: ضرورة، (جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطَنَا) جمع (فَطِن) كـ: (كرماء)، (قَوْمٌ) احْكِ قوم، ماذا تقول؟ (مَنُون)، إذا سألت عن (قوم) فتحكيه تقول: مَنُون؟ حِينئذٍ نفهم أن المسئول عنه (قَوْم)، (مَنِيْن) المسئول عنه (لِقَوْمٍ). إذاً: إذا كان المحكي جمع مذكر سالم، إذا كان مرفوعاً تأتي بـ: (مَنُون)، وإذا كان منصوباً أو مجروراً تأتي بـ: (مَنِيْن)، (إِنْ قِيلَ جَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ فُطَنَا). (وَإِنْ تَصِلْ فَلَفْظُ مَنْ لاَ يَخْتَلِفْ) فتقول: مَنْ يا فتى؟ في الأحوال كلها، لو قال: جاء رجلان، وجاء رجلٌ، وجاء امرأتان، وجاء رجال، وجاء مسلمون، من يا فتى؟ في الكل .. الجميع، لماذا؟ لأنَّه لا تُحكى بالحكاية السابقة .. التفصيل السابق إلا في الوقف، وأمَّا في الوصل فتلزم حالةً واحدة وهي (مَنْ) مَنْ يا فتى؟

هذا هو الصحيح، وأجاز يونس إثبات الزوائد وصلاً، فتقول: مَنُو يا فتى؟ وتشير إلى الحركة (مَنَتْ) ولا تُنوِّن، وتَكْسِر نون المثنَّى، وتفتح نون المجموع، تُنوِّن (مَنَات) ضَمَّاً وكسراً، وهو مذهبٌ حكاه يونس عن بعض العرب، وحُمِل عليه قول الشاعر: أتَوا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أَنْتُمْ .. هنا في الوصل أثبت الواو وحَرَّك النون، وهذا شاذٌّ عند سيبويه والجمهور من وجهين: - الأول: إثبات العلامة وصلاً، (مَنُون) الواو. - الثاني: تحريك النون. وهذا أشار إليه النَّاظِم بقوله: (وَنَادِرٌ مَنُونَ فِي نَظْمٍ عُرِفْ) وهذا البيت لتأبَّط شراً. (نَادِرٌ) هذا خبر مُقدَّم، (مَنُونَ) مبتدأ مُؤخَّر، (عُرِفْ) .. (فِي نَظْمٍ عُرِفْ) .. (فِي نَظْمٍ) مُتعلِّق بقوله (نَادِرٌ): ومَنُون نَادِرٌ فِي نَظْمٍ عُرِفَ .. معروفٍ، فهو صفة لـ: (نَظْمٍ). إذاً: لا يُقال (مَنُونَ) في الوصل، وإنَّما يؤتى بالأصل وهو: (مَنْ) .. من يا فتى؟ مُطلقاً، وأمَّا قوله هنا: (فَقُلْتُ مَنُونَ أَنْتُمْ) .. (أَنْتُمْ) نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه. إذاً: ثَمَّ فرقٌ بين (مَنْ) و (أَيٍّ). قال الشَّارح هنا: " وإن سئل عن المنكور المذكور بـ: (مَنْ) حُكِي فيها ما له من إعرابٍ " يعني: تُحرِّك نون (مَنْ) بحركة المسئول عنه، (حُكي فيها) .. في (مَنْ)، (ما له) الذي له .. المسئول عنه من إعرابٍ: إنْ كان ضَمَّة ضممت نون (مَنْ) .. إنْ كان فتحة فتحت .. كسرة كسرت. وتُشْبَع الحركة التي على النون، يعني: تأتي بحرف مد من جِنْس الحركة: ضَمَّة واو .. فتحة ألف .. كسرة ياء، فيتولَّد منها حرفٌ مجانسٌ لها، ويُحكى فيها ما له من تأنيث وتذكير وتثنيةٍ وجمعٍ، ولا تفعل بها ذلك كُلَّه إلا وقفاً، أمَّا وصلاً فلا، فتقول لمن قال جاءني رجلٌ: مَنُو؟ ولمن قال رأيت رجلاً: مَنَا؟ ولمن قال مررت برجلٍ: مَنِي؟ وتقول في تثنية المذكر: (مَنَان) رفعاً، و (مَنَيْن) نصباً وجراً، وتُسَكَّن النون فيهما، فتقول لمن قال جاءني رجلان: مَنَان؟ ولمن قال رأيت رجلين: مَنَيْن؟ ولمن قال مررت برجلين: مَنَيْن؟ مُتوحِّد، وتقول للمؤنَّثَة: مَنَه؟ -أصلها تاء: (مَنَةٌ) هذا الأصل- رفعاً ونصباً وجراً، فإذا قيل: أتَتْ بِنْتٌ فقل: مَنَه؟ رفعاً، وكذا في الجرِّ والنَّصب. وتقول في تثنية المؤنَّث: (مَنْتَان) رفعاً، و (مَنْتَيْن) جرَّاً ونصباً، بسكون النون التي قبل التاء، وسكون نون التثنية وقفاً، وقد ورد قليلاً فتح النون التي قبل التاء: (مَنَتَان) و (مَنَتَيْن)، وأشار إليه بقوله: (وَالْفَتْحُ نَزْرٌ). وتقول في جمع المؤنَّث: (مَنَات) بالألف والتاء الزائدتين كـ: (هِنْدَات)، وإذا قيل: جاء نِسْوَة، قلت: مَنَات؟ وكذا يُفعل في الجرِّ والنَّصب، وتقول في جمع المذكر رفعاً: (مَنُونْ)، و (مَنِينْ) بكسر النون نصباً وجرَّاً بسكون النون فيهما، فإذا قيل: جاء قومٌ، تقول: مَنُون؟ وإذا قيل: مررت بقوم، أو: رأيت قوماً، فقل: مَنِين؟ هذا على اللغة الفصحى في (مَنْ) إذ (مَنْ) فيها لغتان: - إحداهما وهي الفصحى: أنْ يُحكى بها ما للمسئول عنه من أعرابٍ وإفرادٍ وتذكيرٍ وفروعهما على ما تَقدَّم، هذه نفسها.

- والأخرى: أن يُحكى بها إعراب المسئول عنه فقط، فتقول لمن قال: قام رجل، أو رجلان، أو رجال، أو امرأة، أو امرأتان، أو نساء: (مَنُو) في الرَّفع، و (مَنَى) في النَّصب، و (مَنِي) في الخفض. واللغة الأولى هي التي ذكرها النَّاظِم وهي الفصحى. إذاً: يلزم حالةً واحدة، مثلما قلنا في: (أَيٍّ) قلنا: (أَيْ) هذه فيها لغةٌ أخرى ولم يذكرها النَّاظم، إلا إذا عمَّمنا قوله: (احْكِ بِأَيٍّ) وهي ملازمة (أَيٍّ) للإفراد، ثُم يسأل بها عن المذكَّر المفرد، والمذكَّر المؤنَّث والمجموع: أَيٌّ .. أَيٌّ .. أَيٌّ مُطلقاً، وإذا كان في المؤنَّث قلت: أيَّةٌ؟ تقول: جاء امرأة .. جاء امرأتان .. جاء نساءٌ، تقول: أيَّةٌ، في الكل. مثلها: (مَنْ) لكن مع معاملتها معاملة المفرد، تقول: جاء رجالٌ، مَنُو؟ رأيت رجالاً، مَنَا؟ مررت برجالٍ، مَنِي؟ تبقى كما هي على أصلها في المفرد. إذاً: فيها لغتان: - إحداهما وهي الفصحى: أنْ يُحكى بها ما للمسئول عنه من إعراب وإفرادٍ وتذكير وفروعهما، وهي التي ذكرها الناظم فيما سبق. - والأخرى: أنْ يُحكى بها إعراب المسئول عنه فقط، يقال في الجمع: (مَنُو) في الرَّفع، و (مَنَا) في النَّصب، و (مَنِي) في الجرِّ. (مَنْ) تُخالف (أيًّا) في باب الحكاية في خمسة أشياء، يعني: الفرق بين (مَنْ) و (أيًّا): - الأول: أنَّ (مَنْ) تَختصُّ بحكاية العاقل، فلا يُحكى بها غير العاقل، ولذلك إذا قيل: جاء حمارٌ، نقول: أيٌّ؟ ولا تقل: مَنُو؟ إلا إذا كان المراد به المَجاز، جاء حمار تقصد به رجل بليد، نقول: مَنُو؟ صَحَّ. أنَّ (مَنْ) تَختصُّ بحكاية العاقل، و (أيٌّ) هذه عامةٌ في السؤال، يعني: تستعمل في العاقل وغيره. - الثاني: أنَّ (مَنْ) تَختصُّ بالوقف، و (أَي) عامةٌ في الوقف وفي الوصل. - الثالث: أنَّ (مَنْ) يَجب فيها الإشباع فيقال: مَنُو ومَنَا ومَنِي، بخلاف (أَيٍّ) .. (أَيُّ) ليس فيها إشباع: أَيٌّ .. أيًّا .. أَيٍّ. - الرابع: أنَّ (مَنْ) يُحكى بها النَّكرة، ويُحكى بها بعد العَلَم، وهو الذي سيأتي معنا، و (أَيٌّ) تَختصُّ بالنكرة. - خامساً: أنَّ ما قبل تاء التأنيث في (أَيٍّ) واجب الفتح: (أيَّةٌ) هذا واجب الفتح، تقول: (أيَّةٌ) و (أيَّتَان)، وفي: (مَنْ) يجوز الفتح والإسكان. ثُم قال: وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ ... إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ يعني: يُحكى العَلَم بـ: (مَنْ) على جهة الخصوص، وهذا من الفوارق بينهما. (وَالْعَلَمَ) بالنَّصب على أنَّه مفعولٌ به منصوب على الاشتغال، (وَالْعَلَمَ) احْكِ العَلَم، (احْكِيَنَّهُ) فُهِم منه: أنَّ حركاته حركات حكاية، لأنَّه قال: (احْكِيَنَّهُ) دلَّ على أنَّ الحركة في العَلَم المحكي حركة حكاية، فإذا قلت: جاء زيدٌ، مَنْ زيدٌ؟ زيدٌ الرَّفع هنا رفع حكاية، حِينئذٍ مَنْ زيدٌ؟ (زيدٌ) هذا خبر. وأنَّ إعرابه مُقدَّر وقد صَرَّح به في غير هذا الكتاب. إذاً: (وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ) عرفنا أنَّ المراد بالحركة هنا حركة حكاية في العَلَم، وأطلق العَلَم فيشمل الكُنْيَة، ويشمل الاسم، ويشمل اللقب، واحترز به عن بقية المعارف، فلا يُحكى من المعارف إلا العَلَم.

إذاً قوله: (وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ) أخذنا فوائد، (احْكِيَنَّهُ): أنًّ الحركة حركة حكاية، وأنَّها مُقدَّرة، (الْعَلَمَ) أطلق فدخل فيه الاسم والكُنْيَة واللقب، وأخرج به سائر المعارف، لأنَّه قَدَّمه هذا الأصل فيه، دون بقية المعرف، والتخصيص هنا بـ: (الْعَلَمَ) لأنَّ الأعلام لَمَّا كانت كثيرة الاستعمال جاز فيها ما لم يَجز في غيرها، هذا كالاستثناء وإلا الأصل أنَّ (مَنْ) لا يُحكى بها إلا المنكور. (وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ) ظاهره: أنَّ حكاية العَلَم من بعد (مَنْ) لا تَتقيَّد بالوقف، لأنَّه قال هناك: (وَوَقْفاً احْكِ) وهنا أعاد الفعل قال: (الْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ) ولم يُقيِّده بالوقف ولا بالوصل، فدلَّ على العموم، أنَّه لا يُقيَّد بالوقف. ظاهره: أنَّ حكاية العَلَم بعد (مَنْ) لا تتقيَّد بالوقف وهو قضية إطلاقهم. وخرج بقوله: (مِنْ بَعْدِ مَنْ) من بعد (أَيّ) فلا يُحكى العَلَم من بعد (أَيّ) فلا يُقال: جاء زيدٌ، أيٌّ؟ لا يصح، لأنَّ (زيد) عَلَم، و (أَيٌّ) لا يُحكى بها الأعلام بل النكرات. وخرج (أَيٌّ) فلا يُحكى العَلَم بعدها كسائر المعارف. (إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا) .. (إِنْ عَرِيَتْ مِنْ) يعني: لم يسبقها .. تَجرَّدت .. عَرِيَت، (مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ) يعني: مقترن، إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ اقْتَرَنْ بِها، فقوله: (مِنْ عَاطِفٍ) مُتعلِّق بقوله: (اقْتَرَنْ)، وقوله: (بِهَا) مُتعلِّق كذلك بقوله: (اقْتَرَنْ)، وجملة (اقْتَرَنْ) هذه ما إعرابها؟ مِنْ عَاطِفٍ مُقتَرنٍ بِهَا .. لا، (مِنْ عَاطِفٍ) ليس مُتعلِّق بـ: (اقْتَرَنْ)، مُتعلِّق بـ: (عَرِيَتْ)، (مِنْ عَاطِفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (عَرِيَ) عريت من أي شيء؟ (مِنْ عَاطِفٍ) وهو مُتعلِّق بها، اقْتَرَنْ بِها .. مِنْ عَاطِفٍ مُقْتَرِنٍ، فالجملة صفة لـ: (عَاطِف)، و (بِهَا) مُتعلِّقٌ بها. إذاً: إذا سبقها عاطفٌ فلا يحكى بِها العَلَم .. بَطَلَت .. بَطَل عملها، يعني: في الحكاية المعنوية، وإذا خلت عن العاطف حِينئذٍ جاز الحكاية بها. (إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ) أي: صورةً، لأنَّه للاستئناف، وأطلق العاطف وقيل: يَختصُّ بالواو والفاء، وقيل: الواو خاصَّةً. قال الشَّارح هنا: "يجوز أن يحكى العَلَم بـ: (مَنْ) إن لم يَتقدَّم عليها عاطف، فتقول لمن قال: جاءني زيد، مَنْ زيدٌ؟ ولمن قال: رأيت زيداً، من زيداً؟ ولمن قال: مررت بزيدٍ، من زيدٍ؟ بالخفض، فتحكي في العَلَم المذكور بعد (مَنْ) ما للعَلَم المذكر في الكلام السابق من الإعراب، وهذه لغة الحجاز" أهل الحجاز: أنَّهم يحكون المحكي بنفسه بعد (مَنْ) سواء كان مرفوعاً، أو منصوباً، أو مخفوضاً. وأمَّا بنو تميم فلا يحكون، بل يجيئون بالعَلَم المسئول عنه بعد (مَنْ) مرفوعاً مطلقاً: جاء زيد، مَنْ زيدٌ؟ رأيت زيداً، مَنْ زيدٌ؟ مررت بزيدٍ، مَنْ زيدٌ؟ فعندهم مُطلقاً الرَّفع .. رفعاً ونصباً وخفضاً، لأنَّه مبتدأ خبره (مَنْ)، إذاً: يلزم أن يكون مرفوعاً، فإذا كان منصوباً المحكي وجب رفع (زيد) في الحكاية.

أو خبر مبتدؤه (مَنْ)، فإن اقترن بعاطف تَعيَّن الرفع عند الكل، يعني: عند الحجازيين، لو قال: رأيت زيداً، تقول: ومن زيدٌ؟ حِينئذٍ وجب الرَّفع، مررت بزيدٍ، ومن زيدٌ؟ وجب الرَّفع عند الجميع، فإنْ عَرِيَت عن عاطفٍ حِينئذٍ جاز عند الحجازيين أن تقول: مَنْ زيداً، ومَنْ زيدٍ، ومَنْ زيدٌ؟ و (مَنْ) مبتدأ، والعَلَم الذي بعدها خبرٌ عنها، سواءٌ كانت حركته ضَمَّة، أو فتحة، أو كسرة، لو قلت: مَنْ زيدٌ؟ مَنْ زيدٌ؟ في لغة الحجاز (مَنْ) مبتدأ، و (زيدٌ) خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة، مَنْ زيدٌ؟ في لغة الحجاز (مَنْ) مبتدأ، و (زيدٌ) خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بِحركة الحكاية، بدليل: مَنْ زيداً؟ (مَنْ) مبتدأ، و (زيداً) خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة منع من ظهورها اشتغال المحل بِحركة الحكاية، مَنْ زيدٍ؟ (مَنْ) مبتدأ، و (زيدٍ) خبر مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بِحركة الحكاية. إذاً: (مَنْ) مبتدأ، والعَلَم الذي بعدها خبرٌ عنها، سواءٌ كانت حركته ضَمَّة، أو فتحة، أو كسرة، وحركة الإعراب تكون حِينئذٍ مُقدَّرة، أو خبر عن الاسم المذكور بعد (مَنْ)، فإن سبق (مَنْ) عاطفٌ لم يَجُز أنْ يُحكى في العَلَم الذي بعدها ما قبلها من الإعراب، بل يَجب رفعه على أنَّه خبرٌ عن (مَنْ) أو مبتدأ خبره (مَنْ). فتقول لقائل: جاء زيدٌ، أو رأيت زيداً، أو مررت بزيدٍ: ومَنْ زيدٌ؟ في الجميع تَعيَّن الرَّفع، ولا يُحكى من المعارف إلا العَلَم، فلا تقل لقائل: رأيت غلام زيدٍ، من غلامَ زيدٍ؟ هذا لا يَصِح، بل يجب رفعه مطلقاً: رفعاً ونصباً وجراً. ويشترط لحكاية العَلَم بـ: (مَنْ) ألا يكون عدم الاشتراك فيه مُتيَقَّناً، لأنك تستفهم عن شخص فيه اشتراك مع غيره، قال: جاء زيدٌ .. رأيت زيداً، يَحتمل زيد من هذا؟ فتقول: مَنْ زيداً؟ لكن إذا كان ما يقبل الاشتراك تقول: مَنْ زيداً؟! هذا ما يَصِح، إذاً: يُشترط لحكاية العَلَم بـ: (مَنْ) ألا يكون عدم الاشتراك فيه مُتيَقَّناً، فلا يُقال: مَن الفرزدق؟ لمن قال: سمعت شعر الفرزدق، إلا على جهة الإنكار، أمَّا حكاية فلا. لأنَّ هذا العَلَم تُيُقِّنَ انتفاء الاشتراك فيه .. ليس فيه اشتراك، فلا يصح أن يُقال: من الفرزدق؟ قيل لأحد الطلاب: هذا الحديث صَحَّحَه الدارقطني، قال: ومَنْ الدارقطني؟! - ويُشترط أيضاً أن يكون عَلَماً لعاقل. - وألا يُتْبَع في حكايته بتابعٍ من توكيدٍ، أو بدلٍ، أو بيانٍ، أو نعتٍ بغير (ابنٍ) مضافاً إلى عَلَم، يعني: لو كان منعوتاً تقول مثلاً: جاء زيدٌ الفاضل، لا يصح حكايته فلا يُقال: من زيدٌ الفاضل؟ لأنَّه منعوت، جاء زيدٌ أخوك، فلا يُقال: من زيدٌ أخوك؟ وإنما يُشترط في حكاية العَلَم: ألا يكون متبوعاً مُطلقاً إلا بـ: (ابنٍ) مضافٍ إلى علم، لو قال: جاء زيدُ ابن عمروٍ، تقول: ومن زيدُ بن عمروٍ؟ تستفسر عنه، لأنَّه مُحتمل .. لأنَّه كالشيء الواحد.

بخلاف النعت بـ: (ابنٍ) مضافٍ إلى عَلَم، لأنَّه مع المنعوت كشيءٍ واحد، وفي العطف خلاف كما سيأتي، وإنما اشترطوا انتفاء التابع لأنَّهم استغنوا بإطالته عن الحكاية، لأنَّ إطالته بالتابع تُبيِّنه، يعني إذا قيل: جاء زيدٌ الفاضل، يُعرَف هذا في الغالب، جاء زيدٌ أخوك عُلِم هذا، لا يحتاج إلى الحكاية، إنَّما تحكي وتستفهم عن شيءٍ لا يعرف .. قابل للشَّركة، وأمَّا إذا لم يقبل الشَّرِكة .. الاشْتَرك مع غيره فلا يُحكى. وأمَّا المعطوف فهو داخلٌ في كلامه، ولذلك قال الصَّبَّان: " شَمِل كلامه العَلَم المعطوف على غيره، والمعطوف عليه غيره، وفيه خلاف منعه يونس، وجَوَّزه غيره، واستحسنه سيبويه " منع .. جواز .. استحسان، فيقال لمن قال: رأيت زيداً وأباه، رأيت زيداً وأباه عَطَفَ عليه، في الأول قلنا: النَّعت، والبدل، والتوكيد، والنَّعت بغير (ابن) مضاف إلى عَلَم، قلنا: وفي العطف خلاف هو الذي ذكرناه الآن. فلو قال: رأيت زيداً وأباه، هذا فيه نوع اشتراك، فتقول: من زيداً وأباه؟ من قال: رأيت أخا زيدٍ وعمراً، من أخا زيدٍ وعمراً؟ إذاً: العطف والمعطوف عليه هذا فيه خلاف بين النُّحاة. وَالْعَلَمَ احْكِيَنَّهُ مِنْ بَعْدِ مَنْ ... إِنْ عَرِيَتْ مِنْ عَاطِفٍ بِهَا اقْتَرَنْ إن عاطفٍ اقترن بها. ثُم قال رحمه الله: (التَّأْنِيْثُ). (التَّأْنِيْث) هذا تفعيل من: أنَّثَ .. يُؤنِّثُ .. تأنيثاً، التأنيث مقابل للتذكير، وهنا لم يقل: التأنيث والتذكير، كما قال: (المُعْرَبُ وَالمَبْنِي) لأنَّه في السَّابق ذكر المعرب وذكر معه المبني، يعني: عَنون لشيئين .. ترجم لشيئين وذكر كل واحدٍ منهما تحت ترجمة. وهنا قال: (التَّأنِيْث) ولم يقل: التذكير، ويُقال: المعرفة والنكرة، كلٌ منهما يقابل الآخر، لكنَّه إذا عَنوَن بشيئين متقابلين ذكرهما معاً، وأمَّا هنا فقيل: لماذا لم يقل: التأنيث والتذكير؟ نقول: هنا لأنَّه ذكر التأنيث وهو الذي يحتاج إلى علامة وتمييز عن غيره، وأمَّا التذكير فهو الأصل فلا يحتاج، حِينئذٍ لا يُعترَض على النَّاظم. (التَّأنِيْث) قيل: لو قال: التأنيث والتذكير لكان أحسن، لأنَّه نظير قوله سابقاً: (المُعْرَبُ والمَبْنِي) و (النَّكِرَةُ وَالمَعْرِفَةُ)، وفيه نظر! لأنَّه لم يَتكلَّم عن التذكير هنا، فكيف يُترجِم به في الترجمة .. كيف يذكره في الترجمة ولم .. ؟ وهذا عندهم معيب: إذا ترجم ولم يأت بما ترجم به معيب، بخلاف العكس: لو ذكر شيئاً ولم يترجم له قالوا: هذا تبرعٌ من عنده وزيادة، وأمَّا إذا ترجم فلم يذكر هذا لا .. هذا معيبٌ عندهم في التصنيف. إذاً: (التَّأنِيْث) فرع التذكير، لأنَّه يَحتاج إلى علامة، لأنَّه الأصل في الأسماء .. التذكير هو الأصل في الأسماء؛ إذ ما من شيءٍ يُذكَّر أو يُؤنَّث إلا ويطلق عليه: شيء .. لفظ (شيء)، ولفظ (شيء) هذا مُذكَّر، دل على أنَّ الأصل في التأنيث التذكير، يعني: اللفظ المؤنَّث إذا قيل: عائشة .. فاطمة .. قائمة، هذا اللفظ مَصْدَق (عائشة) يَصُدق عليه أنَّه شيء، فدل على أنَّه مذكرٌ في الأصل.

إذاً: ما من مُذكَّر أو مُؤنَّث إلا ويصدق عليه شيءٌ، و (شيءٌ) مُذكَّر في لغاتهم، ومن احتيج إلى علامة تُميِّز المؤنَّث من المُذكَّر، لأنَّ الأشياء الأُوَلْ تكون مفردةً لا تركيب فيها، الأشياء الأُوَل السابقة مفرد مثلاً والمُذكَّر والنَّكرة هذا لا يحتاج إلى معرفة .. لا يحتاج إلى شيءٍ يُعرِّفُه .. إلى علامة. لأنَّ الأشياء الأُوَل تكون مفردةً لا تركيب فيها، والثَّوانِي، يعني: الفروع، تحتاج إلى ما يُميِّزُها من الأُوَل، ويَدلُّ على مَثْنَوِيَّتها، بدليل احتياج التَّعريف إلى علامة .. التعريف لا بد له من علامة، لأنَّه فرع التنكير، واحتياج النفي كذلك إلى علامة، لأنَّه فرعٌ عن الإيجاب. ولذلك قلنا: الأصل في الجملة أنَّها موجبة، قلنا: الجملة تكون مَنفيَّة وتكون موجبة، أيهما أصل؟ الإيجاب، لماذا؟ لأننا نقول: متى نَحكم عليها بكونها مَنفيَّة؟ إذا سبقها (ليس) .. (ما) إلى آخره، فدلَّ على أنَّ ما يحتاج إلى علامة فرعٌ عَمَّا لا يحتاج إلى علامة. إذاً: الأصل في الألفاظ .. في الأسماء التذكير، بدليل: أنَّنا لا نَحكم على اللفظ بأنَّه مؤنَّث إلا بوجود علامة، ولذلك قال النَّاظِم: عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ ... وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ وَيُعْرَفُ التَّقْدِيرُ بِالضَّمِيرِ ... وَنَحْوِهِ كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ (عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ) (عَلاَمَةُ) مبتدأ وهو مضاف، و (التَّأْنِيثِ) مضافٌ إليه، (تَاءٌ) هذا خبر، (أَوْ) عاطفة فقط؟ (أَوْ) للتنويع هنا، لأنَّه ذكر علامتين في الجملة: - (تَاءٌ) تاء التأنيث. - والألف، والألف هذه يدخل تحتها نوعان: الألف المقصورة، والألف الممدودة، المقصورة مثل: (حبلى وسلمى) والممدودة مثل: (صحراء وحمراء). وهي ألفٌ مقصورة وممدودة، ومذهب البصريين: أنَّ الممدودة فرعٌ عن المقصورة. إذاً: (حبلى) هي الأصل، و (صحراء) هذه فرع، حِينئذٍ صارت واحدة، ومذهب البصريين: أنَّ الممدودة فرعٌ عن المقصورة، أبدلت منها همزة، لأنَّهم لَمَّا أرادوا أن يؤنثوا بها ما فيه ألفٌ لم يمكن اجتماعهما لتماثلهما والتقائهما ساكنين، فأُبْدِلت المتطرِّفة للدَّلالة على التأنيث همزة لتقاربهما، وخُصَّت المتطرِّفة لأنَّهما في مَحلِّ التَّغيُّر. يعني: (صحراء) الهمزة الثانية هذه هي ألف التأنيث .. ألف حبلى، صحراء، الراء ثُم الألف .. الألف هذه من الكلمة، ثُم أريد تأنيثها بألفٍ مقصورة، وهي ألف حبلى، فجئت بالألف فاجتمع عندنا ألفان، ولا يمكن النُّطق بهما، ولا يمكن حذفهما، حِينئذٍ قلبت الثانية ألفاً فصار: صحراء، هذا سيأتي في التثنية والجمع هناك. إذاً: ألف همزة (صحراء) ليست أصلية، وهي للتأنيث وأصلها مقصورة قلبت همزةً لتطرُّفها وعدم اجتماعها مع الألف السابقة، إذاً: فأبدلت المتطرفة، يعني: الثانية للدَّلالة على التأنيث همزةً لتقاربهما، يعني: الألف والهمزة، وخُصَّت المتطرِّفة الثانية لا الأولى، لأنَّها في مَحلَّ التَّغيُّر، والتغيُّر إنما يلحق الأواخر لا الأوائل، ويدلُّ لذلك سقوطها في الجمع كصحارى، ولو لم تبدل لم تُحذف، حِينئذٍ نقول: صحراء، الهمزة هذه بدلٌ عن الألف.

حِينئذٍ قوله: (أَوْ أَلِفْ) ألفٌ واحدة وهي الألف المقصورة، سواءٌ كانت أصلية، يعني: لم تُبْدَل كما في ألف: (حبلى وسلمى) أو أُبْدِلت همزةً كما في: (صحراء وحمراء) إذاً: النوعان نوعٌ واحدٌ عند البصريين، ومذهب الكوفيين: أنَّها أصلٌ أيضاً .. كلٌ منهما أصل، لكن المشهور الأول: أن همزة صحراء .. الهمزة هذه همزة تأنيث لكنَّها مُبْدَلة عن ألف: حبلى. عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ ... وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ التاء على قسمين: - متحركة وتَختصُّ بالأسماء، مثل: فاطمة، ومسلمةٌ، تدخل في الأعلام وتدخل في الصفات. متحركة وتختص بالأسماء كـ: قائمة. - وساكنة: وهذه تَختصُّ بالأفعال، تقول: قامت هندٌ .. هندٌ قامت، هذه التاء مُختصَّة بالأفعال وهي ساكنة، وهذا الفرق بينها وبين المختصَّة بالأسماء، تلك مُتحرِّكة وحركتها حركة إعراب: مسلمةٌ .. قائمةٌ .. فاطمة، نقول: هذه حركة إعراب، وأمَّا: قامت، فهي ساكنةٌ. والألف كذلك مفردة، وهي المقصورة كـ: (حبلى)، وألفٌ قبلها ألفٌ فتقلب هي همزةٌ وهي الممدودة كـ: (حمراء) فالألف رُدَّت إلى نوعٍ واحد. وقوله: (تَاءٌ أَوْ أَلِفْ) .. (أَوْ) هنا للتنويع، أتى بـ: (أَوْ) التي لأحد الشيئين، إشارةً إلى أنَّ العلامتين لا يجتمعان في كلمة واحدة: إمَّا علامةٌ هي التاء فتنتفي الألف، وإمَّا علامةٌ هي الألف فتنتفي التاء .. واحد من شيئين. إشارة إلى أنَّ العلامتين لا يجتمعان في كلمةٍ واحدة، فلا يُقال في (ذكرى): ذكراتٌ، لا يُقال باجتماع التاء والألف. وأمَّا: (علقاةٌ وأرطاةٌ) اجتمع فيها ألفٌ وتاء، نقول: الألف هنا ليست للتأنيث .. ليست ألف: (صحراء) وإنما الألف هنا للإلحاق بـ: (جعفر) فإذا كانت للإلحاق فحِينئذٍ لا بأس أن يجتمع الألف مع التاء. وأمَّا: (علقاةٌ وأرطاةٌ) فألفهما مع وجود التاء للإلحاق بـ: (جعفر)، ومع عدمها للتأنيث، وقَدَّم التاء على الألف في قوله: (عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ) لأنَّها أكثر، وأظهر دلالة من الألف، لأنَّها لا تلتبس بغيرها .. التاء لا تلتبس بغيرها بخلاف الألف، الألف كما سيأتي قد تأتي للإلحاق .. قد تأتي للتكثير .. قد تأتي للتأنيث، حِينئذٍ لها احتمالات، فيلتبس هل هذه للإلحاق .. هل هذه للتكثير كما في: (قَبَعْثَرا) قد يظن الضان أنها ألف للتأنيث ليست كذلك، بل هي ألف التكثير. كذلك: (عَلْقَى) إذاً: قَدَّم التاء على الألف لأنها أكثر وأظهر دلالةً من الألف لأنَّها لا تلتبس بغيرها، بخلاف الألف فإنها تلتبس بغيرها فيحتاج إلى تمييزها، وإنما قال: (تَاءٌ) ولم يقل: هاءٌ، لِمَا ذكرناه سابقاً أنَّ مذهب البصريين: أنَّ الهاء بدلٌ عن التاء، فإذا قلت: قائمه، وقفت عليه بالهاء وهي ساكنة، والأصل: قائمةٌ. وإنما قال: (تَاءٌ) ولم يقل: (هاءٌ) ليشمل الساكنة كتاء: قامت هندٌ، ولأنَّ مذهب البصريين: أنَّ التاء هي الأصل، والهاء المُبْدَلة في الوقف فرعها، وعكس الكوفيون: جعلوا الهاء هي الأصل، والتاء هي الفرع. عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ ... وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ

هذا فيما يكون مؤنَّثاً تأنيثاً معنوياً، المؤنَّث المعنوي ما هو؟ ما حكمنا عليه بكونه مُؤنَّثاً، لكن بغير علامٍة، يعني: بغير اتِّصال تاء أو ألف، فكيف حكمنا عليه بكونه مؤنَّثاً مع عدم وجود العلامة؟ (عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ) تاء تأنيث، (أَوْ أَلِفْ) بنوعيها، (وَفِي أَسَامٍ) لم تظهر فيها هذه العلامة لا التاء ولا الألف .. لم تتَّصِل بها، ولكن حكمنا عليها بكونها مؤنَّثاً والتأنيث معنوي، لماذا؟ قالوا: (قَدَّرُوا التَّا) يعني: التاء مُقدَّرة، ولذلك قلنا: كل تأنيث إنما يكون لفظياً فيما سبق .. الممنوع من الصَّرف، التأنيث لا يكون معنوياً، وإنما كله لفظي. وحِينئذٍ: زينب، وسعاد، وكتف، وهند، نقول: هذا مؤنَّثٌ تأنيث لفظي، لماذا؟ لأنَّ التاء مُقدَّرة، وإذا كان كذلك فليس عندنا تأنيث معنوي. (وَفِي أَسَامٍ) هذا جمع: أسماء، و (أسماء) جمع اسمٍ، فهو جمع الجمع، (وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا) أي: العرب أو النُّحاة، (قَدَّرُوا التَّا) فيه، (كَالْكَتِفْ) قَدَّروا التاء فيما لا يعقل، (كَالْكَتِفْ) فيقال: كُتَيْفَة إذا صَغَّروه، من أين جاءت هذه التاء في التَّصغِير؟ قالوا: لأنَّ التاء فيه مُقدَّرة، فلذلك التصغير يَردُّ الأشياء إلى أصولها كالجمع. حِينئذٍ يقال في (يد): يُدَيَّةٌ، وفي (عين): عُيَيْنَةٌ، وفي (أُذن): أُذَينَة، أذن، وعين، وكذلك: كتف، هذه ليست متَّصِلة بها علامة تأنيث .. التاء، لكن لَمَّا صُغِّرَت التَّصغير يرد الأشياء إلى أصولها، فحكمنا عليها بكونها مؤنَّثا تأنيثاً معنوياً. (وَفِي أَسَامٍ قَدَّرُوا التَّا كَالْكَتِفْ) فتقول: كُتَيْفَة .. يُدَيَّة، وكذلك: عُيَينَة، وأُذينَة، كيف نعرف هذا التقدير .. كيف نعرف أنَّ العرب خَصَّت هذا اللفظ بتاءٍ مُقدَّرة؟ قالوا: (وَيُعْرَفُ التَّقْدِيرُ) يعني: تقدير التاء في الاسم بعلامات ظاهرة يُنطَق بها، منها الضمير .. عَوْد الضَّمير، إذا عاد الضمير على لفظٍ بالتأنيث وليس فيه تاء علمنا أنَّه مُؤنَّث، فتقول مثلاً كما قال تعالى: ((النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحج:72] فـ: (النَّارُ) مُؤنَّث، لأنَّ الضَّمير هنا عاد عليها بالتأنيث، كذلك: ((حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)) [محمد:4] لم يَقُل: (أوزاره) قال: (أَوْزَارَهَا) فدلَّ على أنَّ الحرب هنا مؤنَّثٌ تأنيثاً معنوياً. ((وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)) [الأنفال:61] ما قال: (فَاجْنَحْ لَه) قال: (فَاجْنَحْ لَهَا)، ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)) [الشمس:1] .. ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)) [الشمس:7] حِينئذٍ نقول: هذه الضمائر كلها تعود على اللفظ وهو مُجرَّدٌ من التاء، فدل على أنَّ التاء مُقدَّرة.

إذاً: (وَيُعْرَفُ التَّقْدِيرُ) تقدير التاء (بِالضَّمِيرِ) يعني: مرجع الضمير العائد على ذلك الاسم، فإن رجع إليه مُؤنَّثاً دلَّ على أنَّ هذا اللفظ مُؤنَّث، وكيف تعرف هذا؟ ليس من رأسك، لأنك إذا أردت أن تُركِّب رَكَّبْت، لكن ترجع إلى لسان العرب: هل أعادوا الضمير عليه مُذكَّراً أو مُؤنَّثاً؟ فحِينئذٍ تحكم عليه بكونه مذكَّراً إذا أُعيد عليه بالتذكير، أو مؤنَّثاً إذا أُعيد عليه بالتأنيث. إذاً: الأول الضمير .. يعرف بمرجع الضمير. (وَنَحْوِهِ) نحو الضمير، مِثل ماذا؟ مَثَّل له: (كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ) رد ماذا؟ (كَالرَّدِّ) ردِّ التاء، قلنا: التَّصْغِير يرد الأشياء إلى أصولها، (كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ) يعني: صَغِّر الكلمة، فإن رجعت التاء رددتها حِينئذٍ عرفت أنَّها مُقدَّرة، فتقول هِنْد: هُنَيْدة، هنا رَدَدْتَ التاء في التصغير. إذاً: (وَنَحْوِهِ) يعني: ونحو الضمير، ومثَّل له بمثال واحد: (كَالرَّدِّ) يعني: ردِّ التاء .. إرجاعها، لأنَّها هي الأصل بقاؤها، (كَالرَّدِّ فِي التَّصْغِيرِ) فتقول: كَتْف .. كُتَيْفَة، هِنْد .. هُنَيْدَة، إذاً: صَغَّرْته فرجعت التاء. كذلك الإشارة إليه: ((هَذِهِ جَهَنَّمُ)) [يس:63] أشرت إليه بِمؤنَّث فدلَّ على أنَّ (جَهنَّم) مؤنَّث. إذاً: الإشارة إليه، فتقول: هذه هندٌ، وتلك كتفٌ (تلك .. تِـ)، هذا لمؤنَّث: تلك كتف، وهذه هند، وهذه جنهم، وما في معناها. وتأنيث خبره: إذا أنَّثْتَ الخبر علمت أنَّ المبتدأ مُؤنَّث، لأنَّه يلزم منه التَّطابق، إذا ورد في لسان العرب .. في القرآن أو في غيره خبر مُؤنَّث، والمبتدأ مُجرَّد عن التاء فاحكم على المبتدأ بأنَّه مُؤنَّث، لأنَّه لا يُخبر بالتأنيث إلا عن المؤنَّث. كذلك نعته: في النَّعت لأنَّه يُشترط فيه التطابق. كذلك حاله: الحال لا بد أن تكون مطابقة، ووجودها في فعله: ((وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ)) [يوسف:94] (الْعِيرُ) نقول: هذا مُؤنَّث لوجودها في الفعل. كذلك بعضهم زاد: أنْتِ، وضربَكِ، يعني: الكسرة، لكن الكسرة هذه معروفة من البِنْيَة، يعني: لا تصلح هنا، وياء (تفعلين) كذلك من البِنْيَة. والعدد: يعني سقوط التاء من العدد، تقول: ثلاث هنودٍ، وعلمنا أنَّ (ثلاث) هنا يأخذ حكم؟ (ثلاث هنودٍ) النَّظر للآحاد هند فيخالفه، إذا كان مُؤنَّثاً أسْقَطْتَ التاء، هنا أسقطت التاء فتقول: ثلاث هنودٍ، ومنه قوله: وَهِي ثَلاثُ أَذرُعٍ وَإِصْبَعُ .. ثَلاثُ أَذرُعٍ تفهم من هذا: أنَّ الذِّرَاع مُؤنَّث لأنَّه أسْقَط التاء من العدد فقال: ثلاث. إذاً: هذه مِمَّا يُعرف بها التقدير، يعني: عود الضمير، والتصغير، واسم الإشارة، والنعت والخبر وهذه أشهرها في لسان العرب، فإذا وجد واحدٌ من هذه ما هو مؤنَّث حكمنا على اللفظ بأنَّه مُؤنَّثٌ تأنيثاً معنوياً، وفي أصله التاء.

أصل الاسم أن يكون مُذكَّراً، والتأنيث فرعٌ عن التذكير، ولكون التذكير هو الأصل استغنى الاسم المذكَّر عن علامةٍ تدلُّ على التذكير، ولكون التأنيث فرعاً عن التذكير افتقر إلى علامةٍ تدلُّ عليه وهي التاء، والألف المقصورة أو الممدودة، والتاء أكثر في الاستعمال من الألف، ولذلك قُدِّرت في بعض الأسماء كـ: عين، وكتف. قد يُقال: لماذا لا نُقدِّر الألف؟ والألف فرع، والتاء أصل، ولذلك هي الأكثر. ويستدل على تأنيث ما لا علامة فيه ظاهرة من الأسماء المؤنَّثة بعود الضمير إليه مُؤنَّثاً، نحو: الكتف نهشتها، والعين كحلتها، وبما أشبه ذلك وصفه بالمؤنَّث: أكلت كتفاً مشوية، (مشوية) هذا بالتاء دلَّ على أنَّ (كتف) هذا مُؤنَّث، لأنَّه يشترط فيه التطابق. وكردِّ التاء إليه بالتصغير: كُتَيْفَة، يُدَيَّة. ثُم شرع في بيان مَحال هذه التاء، التاء في الغالب أن يفصل بها بين وصف المؤنَّث من المذكَّر: ضارب وضاربة .. قائم وقائمة، أنْ يؤتى بالتاء فارقةً بين المذكَّر والمؤنَّث، وهذا إنما يكون في الوصف .. الكثير الغالب في الوصف، وقلَّتْ للفصل في الجوامد .. قلَّت في الفصل بين اللفظين المذكَّر والمؤنَّث في الجامد، يعني: لا في الصفات، فالأكثر في الصِّفات كـ: قائمة وقائم، ومسلم ومسلمة، أمَّا في الجوامد فهو قليل، كـ: امرئ وامرأة، وحمار وحمارة، (حمار) هذا مُذكَّر، و (حمارة) مُؤنَّث، وهذا قليل، وإنسان وإنسانة، وغلام وغلامة هذا قليل، ولذلك قيل: هذا النوع لا ينقاس .. ليس بقياسي. إذاً: وجود التاء فارقةً في الجوامد لا ينقاس عليه وإنما هو سماعي. وجاءت لتمييز الواحد من الجنس كثيراً، كما سبق أنَّ اسم الجنس الجمعي ما يُفرَّق فيه بينه وبين واحده بالتاء، التي هي تاء التأنيث هذه، حِينئذٍ جاء في تمييز الواحد من الجنس كثيراً كـ: تَمرٍ وتَمرة، وبقرٍ وبقرة، إذاً: وجدت في المفرد وأسقطت من الجمع. وعكسه قليلاً كـ: كمئ للواحد، وكمئة للجمع. وتأتي التاء للمبالغة كـ: راوية، ولتأكيد المبالغة كـ: علَّامة، ولتأكيد التأنيث كـ: نَعْجَة، وناقة، أو لتأكيد الجمع كـ: حجارة وفحولة، أو لتأكيد الوحدة كـ: ظلمة، وغرفة، وتأتي للتعريب يعني: للدَّلالة على أنَّ اللفظ أعجمي نحو: كيالجة في جمع: كيلج، وهو الميزان أو المكيال، وتأتي للنَّسب، يعني: عوضاً عن الياء كما قال بعضهم .. للدَّلالة على النسب نحو: الأشاعثة والأزارقة، في النسب إلى: أشعث، وأزارقة إلى: الأزرق، وهي عِوضٌ عن ياء النَّسب. وتكون عوضاً من فاءٍ كـ: عِدَة، أو عينٍ كـ: إقامة، أو لام كـ: لغة، أو مدة تفعيلٍ كـ: تزكية. إذاً: لا تَختصُّ بكونها فارقةً بين المذكَّر والمؤنَّث، يعني: تأتي في مواضع أُخَرْ ولكنَّها على جهة القِلَّة، والغالب ألا تلحق الوصف الخاصَّ بالمؤنَّث، كـ: حائض، فلا يُقال: حائضة؟ إلا على معنىً سيأتي معنا، أو طالق .. طالقة، حامل وحاملة، هذا لا يَصِح، وطَامِث، ومرضع إلى آخره، "لعدم الحاجة إليها بأمن اللبس" .. عِلَّة لأمن اللبس، قاله الكِسَائي.

وقال سيبويه: " لأنَّها في الأصل وصفٌ مذكَّر، كأنه قيل: شخصٌ حائضٌ وطالقٌ " فهو صفة لشخص، و (سخص) سبق معنا أنَّه يصدق على المذكَّر والمؤنَّث، ولذلك قلنا: ثلاث أشخص، أو شخوص. وقال الخليل: " لأنَّها تؤدي معنى السبب " أي: ذات حيض، وذات طلاق، يعني: سببه أنَّها ذات، ولم يقل: ذات فهي سبب. ثُم قال النَّاظم هنا: وَلاَ تَلِي فَارِقَةً فَعُولاَ ... أَصْلاً وَلاَ الْمِفْعَالَ وَالْمِفْعِيلاَ إذاً: الأصل في التاء أن تكون فارقةً في الأوصاف، وأمَّا الجوامد فهذا على قِلَّة، قلنا: هذا يسمع ولا يُقاس عليه. (وَلاَ تَلِي) التاء .. تاء التأنيث (فَارِقَةً) فارقةً بين المذكَّر والمؤنَّث في أربعة أوزان: (فَعُول) و (مِفْعَال) و (مِفْعِيل) و (مِفْعَل). (فَعُول) كـ: صبور، يقال: رجلٌ صبور، وامرأة صبور .. رجل شكور، وامرأة شكور، لا نحتاج إلى التاء هنا، سماع .. هكذا العرب، إذاً: (فعول) لا تتصل به التاء، سنأتي إلى قوله: (أَصْلاً). (وَلاَ الْمِفْعَالَ) (مِفْعَالَ) مِهْذَار: امرأةٌ مِهْذَار، ورجل مِهْذَار، يعني: كثير الهذيان .. الكلام .. ثرثار. وَالْمِفْعِيل: مِعْطِير: رجلٌ مِعْطِير، يعني: طيب الرائحة، وامرأة مِعْطِير، لا نحتاج إلى تاء الفرق. (كَذَاكَ مِفْعَلٌ) مِغْشَم: الذي يرتكب ما يهواه، نقول: رجلٌ مِغْشَم، وامرأة مِغْشَم. إذاً: استوى هذه الألفاظ الأوزان الأربعة في المُذكَّر والمُؤنَّث، وهذا ما سبق معنا هناك في باب: جمع المذكَّر السالم، قلنا: ما يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، وذكرنا منه (فَعِيل) كما سيأتي. (وَلاَ تَلِي) تاء التأنيث (فَارِقَةً) هذه صفات لا تدخل عليها تاء التأنيث. قال: (فَعُولاً) .. (فَعُولاً) هذا مفعول به لقوله: (تَلِي) فعولاً .. لا تلي التاء فعولاً، (فَارِقَةً) هذا حال من فاعل (تَلِي) يعني: فارقةً بين المُؤنَّث والمذكَّر. قوله: (أَصْلاً)، (فَعُولاً) هذا يستعمل ويراد به الفاعل، ويستعمل ويراد به المفعول، وأيهما أصل الفاعل أو المفعول؟ الفاعل، إذاً: قوله (فَعُولاَ أَصْلاً) يعني: لا تدخل على ما أريد به الفاعل، وأمَّا ما أريد به اسم المفعول فقد تدخل عليه، فيقال: ركوبة .. ناقةٌ ركوبة، وركوبٌ .. جمل ركوب، وناقة ركوبة، هنا تأتي التاء فارقةً، لا بأس أن تدخل التاء على (فعول) إذا أريد به المفعول، وأمَّا الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث فلا نحتاج إلى تاءٍ فارقةٍ بينهما هو (فعول) إذا كان بمعنى فاعل. ولذلك قَيَّده الناظم قال: (أَصْلاً) يعني: إذا كانت بِمعنى: فاعل، (أَصْلاً) هذا حالٌ من (فَعُول). احترز به من (فعول) بِمعنى: مفعول، فإنَّه قد تلحقه التاء نحو: أكولة بمعنى: مأكولة، وركوبة بمعنى: مركوبة، وحلوبة بمعنى: محلوبة، يعني: إذا وصف (فعول) مُؤنَّث تلحقه التاء: ناقة ركوبة، لا تقل: ركوب، صَحَّحَ بعضهم أنَّها قد تسقط منه، لكن الأفصح أن تأتي بالتاء، لماذا مع كونها على وزن (فعول)؟ تقول: لأنَّ المراد هنا بـ (فعول): المفعول، يعني: مركوبة، كذلك: محلوبة .. حلوبة، ناقةٌ حلوبة يعني: محلوبة. (وَلاَ الْمِفْعَالَ) .. (مِفْعَالَ) كما ذكرناه .. المثال السابق.

(وَالْمِفْعِيلاَ) يعني: ولا (الْمِفْعِيلاَ) الألف للإطلاق. (وَلاَ الْمِفْعَالَ) ما إعراب: (وَلاَ الْمِفْعَالَ)؟ الواو حرف عطف، (لاَ) هذه زائدة: لاَ تَلِي فَعُولاَ وَلاَ الْمِفْعَالَ، (الْمِفْعَالَ) معطوف على قوله: (فَعُولاَ)، (وَالْمِفْعِيلاَ) لم يُعِد (لاَ) هنا، معطوف على سابقه .. على (فَعُولاَ) أي: لا تلي التاء هذه الأوزان فارقةً بين المذكر والمؤنث، فيقال: هذا رجلٌ صبور، ومِهْذَار، ومِعْطِير، (مِهْذَار) لكثير الهذيان في منطقه، و (مِعْطِير) طيب الرائحة. وفهم من قوله: (وَلاَ تَلِي فَارِقَةً) أنَّها قد تلي غير فارقةٍ، سبق أنَّ تاء التأنيث لا يشترط أن تكون دائماً فارقة، قد تكون للتوكيد .. قد تكون للمبالغة .. قد تكون عِوَض إلى آخره، إذاً: النَّفي هنا مُسلَّط على التاء بمعنى الفرق، لا يمنع أن تلحق التاء بمعنى من المعاني الأخرى، لأنَّه خصَّه، قال: (لاَ تَلِي فَارِقَةً) إذاً: قد تليه وليست فارقةً. وفهم من قوله: (لاَ تَلِي فَارِقَةً) أنَّها قد تلي غير فارقةٍ، نحو: ملولة، وفروقة، (ملولة) من الملل وهو السآمَة، و (فروقة) من الفَرَق بفتح الراء وهو الخوف، فإن التاء فيهما للمبالغة ولذلك تلحق المذكر والمؤنث: رجلٌ ملولة، يَصِح مع كون (ملول) فعول بمعنى فاعل هنا، والتاء هنا ليست للتأنيث وإنما للمبالغة، كذلك: فروق، يعني الخوف. حِينئذٍ نقول: هذا يصح أن يتَّصف به المذكر والمؤنث، لأنَّ التاء هنا ليست للتأنيث. إذاً قوله: (وَلاَ تَلِي فَارِقَةً فَعُولاَ) المراد بكون التاء منفية في الدخول هنا إذا كانت فارقةً بين المذكر والمؤنث. (كَذَاكَ مِفْعَلٌ): مِفْعَلٌ كَذَاكَ، (مِفْعَلٌ) هذا مبتدأ، و (كَذَاكَ) خبر مُقدَّم، أي: لا تليه التاء فارقةً، فيقال: رجلٌ مِغْشَم، وامرأة مِغْشَم، وهو الذي لا ينتهي عَمَّا يريده ويهواه لشجاعته. . . . . . . . . . . وَمَا تَلِيهِ ... تَا الْفَرْقِ مِنْ ذِي فَشُذُوذٌ فِيهِ يعني: إذا اتَّصلت تاء الفرق بين المذكر والمؤنث بواحدٍ من هذه الأوزان الأربعة: (فعول) و (مفعال) و (مفعيل) و (مفعل)، فاحكم عليه بأنَّه شاذٌّ. حِينئذٍ يُقال: عدو وعدوة، ومِيْقَان ومِيْقَانة، ومسكين ومسكينة، مسكينة (مفعيلة)، نقول: هذا كله يُحفظ ولا يُقاس عليه، لأنَّ هذه الأوزان تستعمل فيما استوى فيه المذكر والمؤنث فلا نحتاج إلى تاء الفرق. وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ إِنْ تَبِعْ ... مَوْصُوفَهُ غَالِبَاً التَّا تَمْتَنِعْ التَّاءُ تَمْتَنِعْ من (فعيلٍ)، إذاً: لا تدخل على ما كان على وزن (فعيل)، ولكن (فعيل) على قسمين: - (فعيل) بمعنى فاعل. - و (فعيل) بمعنى مفعول. فإن كان بمعنى: فاعل، لحقته التاء في التأنيث: رجل كريم وامرأة كريمة، رجل ظريف وامرأة ظريفة أيضاً، حِينئذٍ اتَّصَلَت التاء بـ: (فعيل) لماذا؟ لكونه على زِنَة (فعيل) لكنَّه بمعنى: فاعل، وهنا المراد بالحكم إذا كان بمعنى: مفعول، ولذلك قَيَّده قال: (كَقَتِيلٍ) بمعنى: مقتول.

حِينئذٍ في الغالب إن تبع موصوفه التاءُ لا تدخل عليه، كيف تَبِع موصوفه؟ يعني: إن سُبِق بِموصوفه، فيقال: هندٌ قتيل، ولا يقال: قتيلة، ويقال: رجلٌ قتيل، ويقال: رجلٌ جريح وامرأةٌ جريح، يعني: إذا سبق موصوفه يعني: ما كان محلاً للمعنى ولا يُعنَى به الوصف الاصطناعي، ولذلك نقول: هندٌ قتيل، (هندٌ) مبتدأ، و (قتيل) هذا خبر وليس بصفة، لكنَّه في المعنى هو صفة. إذاً المراد بقوله: (إِنْ تَبِعْ مَوْصُوفَهُ) إنْ كان مَحلّ الصِّفة سابقاً بقطع النَّظر عن كونه منعوتاً أو لا، فيدخل فيه المبتدأ، ويدخل فيه الخبر، ويدخل فيه غيره. إذاً: (وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ) بمعنى: مقتول، فاحترز به من (فَعِيلٍ) بمعنى: فاعل، إِنْ تَبِعْ مَوْصُوفهُ التَّا تَمْتَنِع .. التَّا تَمْتَنِع إِنْ تَبِع مَوْصُوفهُ، فإن لم يتبع موصوفه جاز دخول التاء وخروجها. إذاً: هذا هو الوزن الخامس مِمَّا لا تتصل به تاء الفرق، وهذا فيما إذا كان (فَعِيلٍ) بمعنى: مفعول، احترز به عن (فَعِيلٍ) بمعنى: فاعل، ثُم (فَعِيلٍ) بمعنى: مفعول قد يستعمل تابعاً لموصوفه، وقد يستعمل ليس تابعاً لموصوفه، ما يُعبَّر عنه بأنَّه يجري مجرى الأسماء. إن تبع موصوفة التاءُ تمتنع، فإن لم يتبع موصوفه حِينئذٍ جاز اتِّصال التاء به. قال الشَّارح هنا: "قد سبق أن هذه التاء إنما زيدت في الأسماء ليتميز المؤنث عن المذكر، وأكثر ما يكون ذلك في الصفات" أمَّا الجامد كما ذكرناه هذا قليل: غلام وغلامة، وإنسان وإنسانة، هذا لا ينقاس .. يسمع ولا يقاس عليه، "ويقل ذلك في الأسماء التي ليست بصفات كـ: رجل ورجلة، وإنسان وإنسانة، امرئٌ وامرأةٌ، وأشار بقوله: (وَلاَ تَلِي فَارِقَةً فَعُولاَ) إلى أنَّ من الصفات ما لا تلحقه هذه التاء، وهو ما كان من الصفات على وزن (فعول) وكان بمعنى فاعل، وإليه أشار بقوله: (أَصْلاً)، واحترز بذلك من الذي بمعنى: مفعول" وهذه تلحقه التاء كما ذكرنا "وإنما جعل اسم الفاعل ما كان بمعنى الفاعل أصلاً؛ لأنَّه أكثر من الثاني فهو أصلٌ له، أو لأنَّ بِنْيَة الفاعل أصل، أو لِمَا ذكره الشارح هنا، " .. وذلك نحو: شكور وصبور، بمعنى: شاكر وصابر، فيقال للمذكر والمؤنث: صبور وشكور بلا تاء، هذا رجلٌ شكور وامرأةٌ صبور" يستوي فيه المذكر والمؤنث، حِينئذٍ لا يُجمع بواوٍ ونون. "فإن كان (فعول) بمعنى: مفعول، فقد تلحقه التاء في التأنيث، نحو: ركوبة بمعنى مركوبة" تقول: ناقةٌ ركوبة وحلوبة. "وكذلك لا تحلق التاء وصفاً على (مفعال) كـ: امرأةٍ مِهْذَار، وهي الكثير الهذَرْ وهو الهيذان" ثرثارة يعني "أو على (مفعيل) كـ: امرأة مِعْطِير، من: عَطِرت المرأة إذا استعملت الطيب، أو على (مِفْعَل) كـ: مِغْشَم، وهو الذي لا يثنيه شيءٌ عَمَّا يريده ويهواه من شجاعته. وما لحقته التاء من هذه الصفات الفرق بين المذكر والمؤنث فشاذٌّ لا يقاس عليه، نحو: عدو .. عدوة" (فعول) هذا "و: ميقان" مأخوذٌ من اليقين .. ميقان (مفعال) "وميقانةٌ، ومسكين" (مفعيل) "ومسكينة" وسُمِع: امرأةٌ مسكينة على القياس، سُمِع امرأة مسكين، هذا الأصل فيه ولا يقال: مسكينة، إلا على ما سُمِع. لذلك قال: . . . . . . . . . .

وَمَا تَلِيْهِ ... تَا الْفَرْقِ مِنْ ذِي فَشُذُوذٌ فِيهِ (وَمَا) هذا مبتدأ واقعة على الأوزان المذكورة، (تَلِيهِ) صِلة الموصول، (تَا الْفَرْقِ) تاءُ الفرق: فاعل وهو مضاف، و (الْفَرْقِ) مضاف إليه، (مِنْ ذِي) الأوزان الأربعة .. تليه من ذي، (فَشُذُوذٌ فِيهِ) الفاء واقعة في جواب المبتدأ وهو جائز، (شُذُوذٌ) مبتدأ، (فِيهِ) هذا خبر، والجملة خبر (مَا) .. (مَا) مبتدأ، (فَشُذُوذٌ فِيهِ) هذا خبره .. هذا الجملة في محل رفع خبر المبتدأ. والفاء هنا ليست واقعة في جواب الشرط .. ليس عندنا شرط، وإنما إذا كان المبتدأ صيغة عموم أو فيه معنى العموم جاز وقوع الفاء في الجواب. ثُم قال: " وأمَّا (فَعِيل) - هذا فيه تفصل – إمَّا أن يكون بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول، فإن كان بمعنى فاعل لحقته التاء في التأنيث، نحو: رجل كريم وامرأة كريمة، وقد حذفت منه قليلاً .. قليل الحذف، قال الله تعالى: ((مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ)) [يس:78] (هِيَ .. هِيَ) مؤنَّث، (رَمِيمٌ .. رَمِيمةٌ) حذفت منه التاء على قِلَّة. ومنه في وجهٍ، في قوله تعالى: ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ)) [الأعراف:56] (قَرِيبةٌ) حذفت منه التاء على وجهٍ. وإن كان بِمعنى: مفعول، وإليه أشار بقوله: (كَقَتِيلٍ). إذاً قوله: (وَمِنْ فَعِيلٍ) هذا عام، يشمل (فَعِيلْ) ما كان بِمعنى: فاعل، أو بمعنى: مفعول، أخرج (فَعِيلْ) بمعنى: فاعل، بقوله: (كَقَتِيلٍ) فالمثال حِينئذٍ يكون للاحتراز، و (قَتِيلْ) هنا بمعنى اسم المفعول وهو: مقتول، ثُم (قَتِيلْ) عام يشمل ما تبع موصوفه وما لم يتبع، فأخرج ما لم يتبع موصوفه بقوله: (إِنْ تَبِعْ مَوْصُوفَهُ)، إذاً قوله: (فَعِيلٍ) عام، خصَّصَه بـ: (قَتِيلْ)، و (قَتِيلْ) عام في نفسه، قد يكون تابعاً لموصوفه وقد لا يكون. (إِنْ تَبِعْ مَوْصُوفَهُ) حِينئذٍ نقول: إن تبع موصوفه التاءُ تمتنع، إن لم يتبع أخرجه بقوله .. بمفهوم الشرط، وإليه أشار بقوله: (كَقَتِيلٍ) فإمَّا أن يستعمل استعمال الأسماء أو لا، استعمال الأسماء المراد به: غير جارٍ على موصوف .. لم يسبقه موصوف، غير جارٍ على موصوف ظاهر، ولا منوي لدليل، فإنَّه تلحقه التاء. تقول: رأيت قتيلاً، (قتيلاً) لم يسبقه شيء، حِينئذٍ فإنَّه تلحقه التاء، رأيت قتيلاً وقتيلة، فراراً من اللبس، ولذلك: رأيت قتيلةَ بني فلان، هذا لا يصح إسقاط التاء، لأنَّك لو قلت: قتيل بني فلان وأردت به التأنيث وقع في اللبس، لأنَّه لم يجرِ على موصوفه، بل هو مستعمل استعمال الأسماء. فإن استعمل استعمال الأسماء، أي: لم يتبع موصوفه لحقته التاء، رأيت قتيلاً وقتيلةً، نَحو: هذه ذبيحةٌ ونطيحة وأكيلة، أي: مذبوحة ومنطوحة ومأكولة.

وإن لم يُستعمل استعمال الأسماء، أي: بأن يتبع موصوفه، قال ابن هشام: "لا يراد الموصوف الصناعي بل المعنوي، لأنَّك في نحو: هندٌ قتيل، لا تلحق التاء مع أنَّ (قتيل) خبرٌ لا نعت" يعني: ليس المراد هنا الوصف الصناعي بل المعنوي "حُذِفَت منه التاء غالباً، نحو: مررت بامرأة جريح، وبعين كحيل، أي: مجروحة ومكحولة، وقد تلحقه التاء قليلاً: خصلةٌ ذميمة، أي: مذمومة، وفعلة حميدة، أي: محمودة، وهذا مُحترَزَه بقوله: (غَالِبَاً) ". لأنَّه قال: . . . . . . . . . . إِنْ تَبِعْ ... مَوْصُوفَهُ غَالِبَاً. . . . . . . (غَالِبَاً) أشار به: إلى أنَّه قد تلحقه تاء الفرق حملاً على الذي بمعنى: فاعل، كقول العرب: صفةٌ ذميمة، وخصلةٌ حميدة، وقوله كذلك: (غَالِبَاً) يؤخذ من صنيعه: أنَّ لحوق التاء فعيلاً بمعنى: مفعول خلاف الغالب، بخلاف لحوق التاء للأوزان الأربعة فشاذ. يعني: إذا لحقت التاء (فَعِيلٍ) ليس بشاذ، لأنَّه قال: (غَالِبَاً) من غير الغالب أن تلحقه، ولم يحكم عليه بالشُّذوذ، بخلاف الأربعة الأوزان، قال: (فَشُذُوذٌ فِيهِ) حكم عليه بكونه شاذّاً. إذاً: (وَمِنْ فَعِيلٍ كَقَتِيلٍ إِنْ تَبِعْ) فإن لم يتبع لحقته التاء، إن كان (فَعِيل) لا كمعنى: قتيل، لحقته التاء، وإنما بهذه الشروط الثلاثة يكون (فَعِيل) وبمعنى: مفعول، ولم يتبع موصوفه، إن تَخلَّف واحدٌ منها لحقته التا، (غَالِبَاً) ومن غير الغالب: خصلةٌ حميدة، وخصلةٌ ذميمة. (التَّا تَمْتَنِعْ) .. (التَّا) هذا مبتدأ، قصره للضرورة، و (أل) هنا عهدية، أيُّ تاءٍ؟ تاء التأنيث. إذاً: (وَلاَ تَلِي فَارِقَةً) تَمتنع هي، الجملة خبر عن التاء، وقوله: (مِنْ فَعِيلٍ) مُتعلِّق به، (كَقَتِيلٍ) هذا حال من (فَعِيلٍ). . . . . . . . . . . إِنْ تَبِعْ ... مَوْصُوفَهُ غَالِبَاً. . . . . . . هذا شرطٌ حذف جوابه. إذاً: (وَلاَ تَلِي فَارِقَةً) يعني: لا تتَّصِل هذه التاء بالوصف مع كون الأصل في الأوصاف التي تصدق على المذكر والمؤنث أن تتَّصِل به التاء فارقةً بين النوعين، ولذلك قال الصَّبَّان هناك: "الأصل في لحاق التاء الأسماء إنما هو تمييز المؤنث من المذكر، وأكثر ما يكون ذلك في الصفات المشتركة بين المذكر والمؤنث، فما كان مُختصَّاً - الصفات المختصَّة بالمؤنث – فالغالب ألا تلحقها التاء إن لم يُقْصَد بها معنى الحدوث كـ: حائض، وطالق، ومرضع، لعدم الحاجة بأمن اللبس، فإن قصد معنى الحدوث فالتاء لازمة، كـ: حاضت فهي حائضةٌ". يعني: حاضت .. وجِد الحيض الآن، قال: قد تتَّصل به التاء، وطُلقت فهي طالقةٌ، وقد تلحقها وإن لم يُقْصَد الحدوث، وأمَّا في الأسماء فهو قليل، هذا ما يَتعلَّق بالتاء. ثُم شرع فيما يَتعلَّق بالألف، وعدَّد أوزاناً مشهورة وترك الأوزان النادرة، ونمر عليها سريعاً. وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ ذَاتُ قَصْرِ ... وَذَاتُ مَدٍّ نَحْوُ أُنْثَى الْغُرِّ هذا شروعٌ منه في النوع الثاني مِمَّا يُميَّز به أو يُفرَّق بين المذكر والمؤنث. وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ ذَاتُ قَصْرِ ... وَذَاتُ مَدٍّ. . . . . . . . . . . .

هذا تقسيمٌ لـ: (عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ) عمَّم هناك، وهنا فصَّل فقال: (وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ) مبتدأ، (ذَاتُ) يعني: صاحبة، (قَصْرٍ) لا تُمَد، قَدَّمها لأنَّها الأصل، (وَذَاتُ مَدٍّ) كـ: حمراء، والأول كـ: حبلى وسلمى. (نَحْوُ أُنْثَى الْغُرِّ) أي: نحو ألف اسم أنثى الغُرِّ، أي: الغراء، مثَّل للثانية، (أُنْثَى الْغُرِّ) رجل أغَرّ، أو المذكر يُقال: أغَرّ، والأنثى: غراء، (غُرِّ) هذا مصدر، (نَحْوُ أُنْثَى الْغُرِّ) فيقال: غَرَّاء، يعني: أحال بالمثال، فـ: (غراء) الألف فيه (ذَاتُ مَدٍّ). ثُم لكلٍ من هذين النوعين أوزان مشهورة في لسان العرب، وأوزان نادرة، أوزان مشهورة، يعني: هذا الوزن إن جاء اللفظ عليه فالألف ألف مَدٍّ، أو هذا الوزن مما اشتهر في لسان العرب إن جاء اللفظ عليه فألفه ألف قصرٍ. وَالاِشْتِهَارُ فِي مَبَانِي الأُولَى ... يُبْدِيْهِ وَزْنُ أُرَبَى وَالطُّولَى وَمَرَطَى وَوَزْنُ فَعْلَى جَمْعَا ... أَوْ مَصْدَرَاً أَوْ صِفَةً كَشَبْعَى وَكَحُبَارَى سُمَّهَى سِبَطْرَى ... ذِكْرَى وَحِثِّيثَى مَعَ الْكُفُرَّى كَذَاكَ خُلَّيْطَى مَعَ الشُّقَّارَى ... وَاعْزُ لِغَيْرِ هَذِهِ اسْتِنْدَارَا ذكر اثني عشر وزناً. (وَالاِشْتِهَارُ) يعني: المشتهر، (فِي مَبَانِي) في أوزان (الأُولَى)، يعني: المقصورة، (ذَاتُ قَصْرٍ) هذا لَفْ ونشر مُرتَّب، لأنَّه ذكر (ذَاتُ قَصْرِ) و (ذَاتُ مَدٍّ)، ثُم بدأ بذكر أوزان الأولى. (وَالاِشْتِهَارُ) وهذا مبتدأ، قوله: (يُبْدِيهِ) الجملة خبر، و (فِي مَبَانِي) مُتعلِّق بقوله: (الاِشْتِهَارُ)، و (مَبَانِي) مضاف، و (الأُولَى) مضافٌ إليه، يعني في المعنى: نعت لمحذوفٍ وهو ألف .. في مباني الألف الأولى، يعني: المقصورة، (يُبْدِيهِ) يعني: يظهره، الجملة خبر، أوزان: - الأول: (وَزْنُ أُرَبَى) يعني: ما كان على وزن: (أُرَبَى) .. (فُعَلَى) بِضمِّ الأول وفتح الثاني، نَحو: أٌربى للداهية، وشُعبى لموضعٍ، وأُدَمى كذلك، وجعله في (التسهيل) من المشترك بين المقصورة والممدودة وهو الصواب .. أن يكون مشتركاً بين النوعين. ومنه مع الممدودة اسماً: خُشَشَاء .. فُعَلَا .. أُرَبَى، خُشَشَاءُ للعظم الذي خلف الأذن، وصفة لناقة عُشراء، وامرأة نفساء، وهو في الجمع كثير نحو: كرماء، وفضلاء، وخلفاء، إذاً الصواب في هذا الوزن: أنَّه ليس خاصَّاً بذات القصر بل هو عام .. مشترك بين النوعين. (أُرَبَى) بِضَمِّ الفاء وفتح الثاني. - (وَالطُّولَى) هذا الثاني، بِضَمِّ الأول وسكون الثاني، (فُعْلَى) اسماً لـ: بُهْمَى لنَبْتٍ، أو كـ: حبلى، والطُّوْلَى، أو مصدراً كـ: رُجْعَى وبُشْرى. - الثالث: (مَرَطَى) على وزن: (فَعَلَى) بفتحتين .. فتح العين والفاء، اسماً كـ: بَرَدى لنهرٍ بدمشق، أَوْ مَصْدَرَاً كـ: (مَرَطَى) هذا نوعٌ للمشي وهو السُّرعة، (أَوْ صِفَةً) كـ: حَيَدَا، يُقال: حمارٌ حَيَدا، أي: يحيد عن ظِلّه لنشاطه، قال الجَوْهَري: " ولم يجئ في نعوت المذكر شيءٌ على (فَعَلَى) غيره".

- الرابع قال: (وَوَزْنُ فَعْلَى) بفتح الأول وإسكان الثاني، جمعاً كـ: صرعى، جمع صريع، وجرحى جمع جريح، أَوْ مَصْدَرَاً كـ: دعوى، ونجوى، أَوْ صِفَةً لأنثى (فَعْلَى) كـ: شبعى، وكسلى، إذاً: (وَوَزْنُ فَعْلَى جَمْعَا ... أَوْ مَصْدَرَاً أَوْ صِفَةً كَشَبْعَى) فَصَّل هنا مع كونه يأتي في غيره، (فَعْلَى جَمْعَا أَوْ مَصْدَرَاً أَوْ صِفَةً كَشَبْعَى (شَبْعَى) هذا مثالٌ للصفة. - الخامس: أشار إليه بقوله: (وَكَحُبَارَى) (فُعَالَى) بِضمِّ أوله وفتح ثانيه، (كَحُبَارَى) لطائر، ويقع على الذَّكَر والأنثى، وجمعاً كـ: سُكَارى. ومنها: (فُعَّلَى) (سُمَّهَى) بِضمِّ الأول وتشديد الثاني مفتوحاً، (سُمَّهَى) هذا للباطل. (سِبَطْرَى) على وزن (فِعَلَّى) بكسر الأول وفتح الثاني وتسكين الثالث (سِبَطْرَى) لضربٍ من المشي. والذي يليه: (ذِكْرَى) (فِعْلَى) بكسر الأول وسكون الثاني، (فِعْلَى) مصدراً كـ: (ذِكْرَى) أو جمعاً كـ: ظِرْبَى، جمع: ظَرِبَان، وهي دويبةٌ كالهرة مُنتة الرِّيح، تزعُم العرب أنَّها تفسو في ثوب أحدهم إذا صادها، فلا تذهب رائحتها، قيل: وليس في الجموع ما هو على وزن (فِعْلَى) غيرها. (وَحِثِّيثَى) (فِعِّيلَى) وهو مصدر بِمعنى الحَثِّ، وهِجِّيَرى للعادة، ولم يجئ إلا مصدراً .. (فِعِّيلَى) لا يأتي إلا مصدراً، بكسر الأول والثاني مشدداً. (مَعَ الْكُفُرَّى) (فُعُلَّى) بِضمِّ الأول والثاني، وتشديد الثالث، (كُفُرَّى) لوعاء الطَّلْع، وحُذُرَّى وبُذُرَّى من الحذر والتحذير. و (فُعَّيْلَى) (خُلَّيْطَى) .. كذاك (كَذَاكَ خُلَّيْطَى) للاختلاط، ويُقال: وقعوا في خليطى، أي: اختلط عليهم أمرهم. (مَعَ الشُّقَّارَى) (فُعَّالَى) نحو: (شّقَّارَى) لنبتٍ، وخُضَّارَى لطائرٍ، بِضمِّ الأول وتشديد الثاني. (وَاعْزُ لِغَيْرِ هَذِهِ اسْتِنْدَارَا) إذاً: اثنا عشر وزناً هي المشهورة، وهذه ترجع إلى لسان العرب والقاموس لتعرفها. (وَاعْزُ) أي: انسب (لِغَيْرِ هَذِهِ) الأوزان المذكورة في المقصور (اسْتِنْدَارَا) يعني: نادراً، استفعال من النُّدْرَة، ومِمَّا ندر (فَعْيَل) خيسرى للخسارة، و (فَعْلَوَى) كـ: هَرْنَوى لنَبتٍ، هذا ما يَتعلَّق بـ: مَبَانِي الأُولَى. قال: (يُبْدِيهِ وَزْنُ أُرَبَى وَالطُّولَى) (يُبْدِيهِ) قلنا: الجملة خبر، والضمير يعود على المباني، (وَزْنُ) هذا الفاعل، وهو مضاف، و (أُرَبَى) مضافٌ إليه، وما بعده كُلُّه معطوفٌ عليه. (وَمَرَطَى وَوَزْنُ فَعْلَى جَمْعَا) هذا حال من (فَعْلَى)، (أَوْ مَصْدَرَاً أَوْ صِفَةً) معطوفان عليه. (وَكَحُبَارَى سُمَّهَى سِبَطْرَى) وذلك كـ: (حُبَارَى) يعني: خبر مبتدأ محذوف، (سُمَّهَى سِبَطْرَى ذِكْرَى) معطوفات على (حُبَارَى) بإسقاط العاطف، و (حِثِّيثَى مَعَ الْكُفُرَّى كَذَاكَ خُلَّيْطَى) .. (وَحِثِّيثَى مَعَ الْكُفُرَّى) معطوفٌ على سابقه، و (مَعَ) مُتعلِّق بِمحذوف. (كَذَاكَ خُلَّيْطَى) .. (خُلَّيْطَى) مبتدأ، و (كَذَاكَ) خبر، (مَعَ الشُّقَّارَى) مُتعلِّق؟؟؟ تَعلَّق به الخبر.

(وَاعْزُ) أي: انسب، (لِغَيْرِ) مُتعلِّق بـ: (وَاعْزُ) وهو مضاف، و (هَذِهِ) أي: هذه الأوزان؟؟؟ (اسْتِنْدَارَا). لِمَدِّهَا فَعْلاَءُ أَفْعِلاَءُ ... مُثَلَّثََ الْعَيْنِ وَفَعْلَلاَءُ ثُمَّ فِعَالاَ فُعْلُلاَ فَاعُولاَ ... وَفَاعِلاَءُ فِعْلِيَا مَفْعُولاَ وَمُطْلَقَ الْعَيْنِ فَعَالاَ وَكََذَا ... مُطْلَقَ فَاءٍ فَعَلاَءُ أُخِذَا هذه سبعة عشر وزناً، (لِمَدِّهَا) الألف التأنيث الممدودة، هذا خبر مُقدَّم (لِمَدِّهَا) أوزانٌ مشهورة، (فَعْلاَءُ) بفتحٍ وإسكان الثاني، اسماً كـ: صحراء (فَعْلاَءُ)، أو صفةً لمؤنَّث مذكَّره على (أفْعَل) كـ: حمراء، وعلى غير (أفْعَل) كـ: دِيْمة هطلاء، ولا يُقال: سحابٌ أهطل، بل سحابٌ هَطِل، وقولهم: فرسٌ أو ناقةٌ روغاء، أي: حديدة القياد، ولا يوصف به المذكر منهما، فلا يقال: جَملٌ أروغ، وكـ: امرأة حسناء، ولا يُقال: رجل أحسن. والهطل: تتابع المطر والدمع وسيلانه، يُقال: هطلت السماء تهطل هطلاً وهطلاناً وتهطالاً، هذا ما يَتعلَّق بـ: (فَعْلاَءُ)، إذاً: (فَعْلاَءُ) يكون كـ: صحراء، وهو اسمٌ جامد، أو صفة لمؤنَّث مُذكَّره على وزن (أفْعَل) أفعل .. فعلاء، كما سبق معنا. (أَفْعِلاَءُ مُثَلَّثََ الْعَيْنِ) (مُثَلَّثََ) هذا حالٌ من (أَفْعِلاَءُ) أفْعِلاء .. أربِعَاء .. أربَعَاء .. أربُعَاء، اسمٌ لليوم الرابع يعني: مُثلَّث العين. (وَفَعْلَلاَءُ) نحو: عقرباء لأنثى العقارب، وقيل: لمكان. (ثُمَّ فِعَالاَ) نحو: قصاصا، للقصاص، ولا يُحفظ غيره، ولذلك لماذا عَدَّه هنا في المشهور إذا كان لا يُحفظ إلا قصاصا؟ (فُعْلُلاَ فَاعُولاَ) .. (فُعْلُلاَء) كـ: قرفصاء، ولم يجيء إلا اسماً. و (فَاعُولاَء) كـ: عاشوراء. و (وَفَاعِلاَءُ) كـ: قاصعاء لحجر من حجرة اليربوع. ومنها: (فِعْلِيَاء) نحو: كبرياء وهي العظمة. ومنها: (مَفْعُولاَء) مشيوخاء، جمع شيخٍ. و (فَعَالاَء) .. (مُطْلَقَ الْعَيْنِ) يعني: مضموم ومفتوح ومكسور، نحو: دبُوقاء، للعذِرَة، وبرساء: لغةٌ في البَرْنَسَاء وهم الناس، قال ابن السِّكِّيت: " يُقال: ما أدري أيَّ البرنساء هو، أي: أيُّ الناس هو"، وكثِيراء بالكسر. ومنها: (فَعَلاَء) مطلق الفاء، يعني: الفاء تُضمُّ وتفتح وتكسر، نحو: خُيلاء للتَّكبُّر، وجنَفاء اسم مكان، وسِيَراء لبردٍ فيه خطوطٌ صفرٌ. إذاً: هذه سبع عشرة وزناً، لا يخرج عنها ما كان مَختوم بألف التأنيث الممدودة. (فَعْلاَءُ) و (أَفْعِلاَءُ) بعطفٍ على حذف حرف العطف، (مُثَلَّثََ الْعَيْنِ) هذا حال من (أَفْعِلاَءُ) .. (مُثَلَّثََ الْعَيْنِ) يعني: يكون مضموماً أو مفتوحاً أو مكسوراً، (وَفَعْلَلاَءُ ثُمَّ فِعَالاَ) (ثُمَّ) بمعنى الواو هنا، (فُعْلُلاَ) يعني: وفُعْلُلا. (فَاعُولاَ وَفَاعِلاَءُ فِعْلِيَا مَفْعُولاَ) إسقاط حرف العطف. (وَمُطْلَقَ الْعَيْنِ فَعَالاَ) يعني: وفَعَالَا مطلق العين، حال تَقدَّم على صاحبها. (وَكََذَا مُطْلَقَ فَاءٍ) (كََذَا) خبر مُقدَّم، (فَعَلاَءُ) هذا مبتدأ، (مُطْلَقَ فَاءٍ) حالٌ منه، (أُخِذَا) الألف للإطلاق، والجملة صفة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

120

عناصر الدرس * المقصور والمدود ,,, وحدهما السماعي والقياسي * يجوز قصر لممدود ضرورة والعكس * كيفية تثنية المقصور والمدود وجمعهما تصحيحا * أنواع المقصور وحكم كل مع الأمثلة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (المقْصُورُ وَالمَمْدُودُ). أي: هذا باب ذِكْر أحكام المقصور والممدود، وذِكْر هذا الباب عقب ما قبله الذي هو (بَابُ التَّأْنِيثِ) قالوا: بِمنْزلة ذِكْر العام بعد الخاص، فإنَّه قد تَقدَّم الألف المقصورة والألف الممدودة، اللتان هما علامتا التأنيث، ولذلك اخْتُصِر وصف الممدود والمقصور على الأسماء. قال الجاربردي: "المقصور والممدود ضربان من الاسم المُتمكِّن" سَبق أن الاسم مُتمكِّن وغير مُتمكِّن، المقصور والممدود إنَّما يُوصف بِهما الاسم المُتمكِّن، فالحرف والفعل والاسم غير المُتمكِّن لا يُقال فيها ذلك، يعني: لا يُوصف الاسم الغير المُتمكِّن من كونه مقصوراً أو ممدوداً، كذلك الفعل بأنواعه لا يُقال فيه أنَّه ممدود ولا مقصور، كذلك الحرف لا يُوصف بكونه ممدوداً ولا مقصوراً. وقولهم (هؤلاء) في باب اسم الإشارة ممدود .. بالقصر والمد ونحو ذلك، فهذا تَسَمُّحٌ منهم، يعني: من باب المُسامَحة، أو على مقتضى اللغة، كقول القراء في: جاء وشاء، ممدودان. إذاً: من حيث الاصطلاح يُطلق القصر والمد اصطلاحاً، ويُطلق القصر والمد لغةً، حينئذٍ إذا وُصِف هؤلاء ونحوه بالقصر أو المد حينئذٍ نقول: هذا من حيث اللغة، وأمَّا من حيث الاصطلاح فهو الاسم الذي حرف إعرابه ألفٌ لازمة فلا. إذاً: الممدود والمقصور قد يُطلقان باعتبار اللغة، وقد يُطلقان باعتبار الاصطلاح: شاء، نقول: هذا ممدود، أو ليقل: قصره ضرورةً، كيف نقول: جاء، قصره ضرورة، والقصر لا يوصف به الفعل؟ نقول: هنا المُراد به القصر اللغوي، كذلك: هؤلاء، نقول: قصر ومد لغة أهل الحجاز: المد .. لغة تميم: القصر، نقول: هذا المراد به القصر والمدُّ اللغوي، وأمَّا في الاصطلاح فهو الذي يذكره النُّحاة في هذا المبحث. ذكر في شرح (جمع الجوامع) قوله، قال: " ذُكِر هذا الباب المقصور والممدود عقب التأنيث لاشتماله على الألف المقصورة والممدودة " ثُمَّ تسمية المقصور والممدود اخْتُلف في عِلَّة التَّسمية. قال السيوطي: "والأولى في مناسبة التَّسمية أنَّ المقصور سُمِّي به لأنَّه لا يُمَدُّ إلا بِمقدار ما في ألِفِه من اللِّين" - المد الطبيعي، يعني: حركتان - "ولأنَّ ألفه تُحذف لتنوينٍ أو ساكن بعدها فَيُقصر": الفتى .. فتىً (فتىً) مقصور وهو سماعي كما سيأتي، حينئذٍ أين ألفه؟ حُذِفت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين: جاء الفتى الفاضل، (الفتى) هذا فاعلٌ وألفه حُذِفت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين.

إذاً: تُحذف ألفه للتنوين كما تُحذف للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، والممدود بِخلافه لأنَّه يُمَدُّ لوقوع الألف قبل همزة: صحراء .. حمراء، يُمَدُّ لوقوع الألف قبل همزةٍ، كما تُمَدُّ حروف المد المتصلة به، ولا تُحذف ألفه بحالٍ البتَّة، هذا عِلَّة تسمية الممدود بالممدود، لأنَّه يُمَدُّ .. ألفٌ قبل همزةٍ، والقصر لأنَّه لا يُمَدُّ إلا بِمقدار حركتين، يعني: الألف فيه (فتى) يُمَدُّ مداً طبيعياً لذلك قُصِر، لماذا؟ لأنَّه لا بُدَّ من ملاحظة الممدود والمقصور كُلٌّ منهما مقابل للآخر، والنُّحاة جعلوا هذا بمقابلة آخر. وقيل: سُمِّي المقصور لأنَّه حُبِس عن الإعراب، هذا المشهور عند النُّحاة، لوحظ فيه الإعراب فَقُصِر عن الإعراب، حينئذٍ القصر هو الحبس في لسان العرب وهذا مقصور، ولذلك يُمثِّلون بـ: ((حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)) [الرحمن:72] يعني: محبوسات، فلما حُبِس عن حركات الإعراب سُمِّي مقصورًا، هذا هو المشهور عند النُّحاة. لأنَّه حُبِس عن الإعراب والقصر: الحبس، قال السيوطي: " وليس بِجيِّد، لأنَّه ليس فيه ما يُشْعِر بمناقضة الممدود، ويلزمه صدق هذا الاسم على المضاف للياء" السيوطي لم يرتض هذه العِلَّة، قد يُقال: نعم قد يُوَجَّه كلامه: بأنَّه إذا جُعِل بِمقابلة الممدود، والنُّحاة هناك في باب الإعراب، عندما يذكرون هذه العِلَّة من حيث أنَّه قُصِر عن حركات الإعراب بِحيث لا تظهر عليه لا يجعلونه مُقابلاً للممدود، وقد يُلاحظ هذه العِلَّة إذا لم يُجعل ضِداً للممدود فيقال: لأنَّه حُبِس عن الإعراب. وأمَّا كونه جَعَل المضاف إلى الياء ناقِضاً لهذه العِلَّة، هذا أيضاً فيه نظر، لماذا؟ لأنَّ: الغلام، (غلامي) نقول: هذا مُركَّب إضافي، والكلام في المفردات، الحرف من حيث هو، ولذلك نقول: ما كان آخره أو حرف إعرابه ألفٌ لازمة، هذه الألف اللازمة لا تقبل حركة أصلاً، بخلاف (غلامي) الميم تقبل الحركة، حينئذٍ لا نقض بهذا، ويُجاب بأنَّه قد يُجعل المقصور في مُقابلة الممدود حينئذٍ لا بُدَّ من ملاحظة الضِّدِّية: أنَّ هذا قُصِر .. لم يُمَد، وهذا مُد، لا بأس بهذا. وأمَّا في باب الإعراب هناك إذا قيل: المقصور لِكونه حُبِس عن حركات الإعراب فهو المناسب له، ولذلك أكثر النُّحاة على هذا التعليل. قال النَّاظم: (المقْصُورُ وَالمَمْدُودُ). إذَا اسْمٌ اسْتَوْجَبَ مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ ... فَتْحَاً وَكَانَ ذَا نَظِيرٍ كَالأَسَفْ فَلِنَظِيرِهِ الْمُعَلِّ الآخِرِ ... ثُبُوتُ قَصْرٍ بِقِيَاسٍ ظَاهِرِ كَفِعَلٍ وَفُعَلٍ فِي جَمْعِ مَا ... كَفِعْلَةٍ وَفُعْلَةٍ نَحْوُ الدُّمَى إذَا اسْمٌ اسْتَوْجَبَ مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ ... فَتْحَاً. . . . . . . . . . . . . . . . . . الاسم المقصور المشهور في حدِّة: أنَّه الاسم الذي حرف إعرابه ألفٌ لازمة، وقوله: (اسْمٌ) هذا كما ذكرناه: أنَّ وصف الممدود والمقصور لا يكونان إلا في الأسماء والاسم المُتمكِّن.

(الاسم الذي) إذاً: خرج بالاسم الفعل، فـ: يخشى، لا نقول: إنَّه مقصور، لأنَّ آخره ألفٌ لازمة، كذلك: مَتَى، نقول: هذا لا يصدق عليه، وإن كان اسْماً هذا خرج بِما بعده، كذلك: إلى، هذا حرف وليس باسمٍ، إذاً: (إلى) و (إذا) ونحوهما لا يُقال فيهما بأنَّهما مقصوران، لأنَّه يُشترط في المقصور الذي معنا أن يكون اسْماً، فإذا لم يكن اسماً حينئذٍ لا يُنصب بكونه مقصوراً هذا مُجرَّد اصطلاح، وإلا في اللغة قد يُقال بأنَّ: (يخشى) هذا مقصور و (إلى) كذلك مقصور لا يُمَدُّ إلا حركتين. ولذلك نُجيب أيضاً عَمَّا ذَكَره السيوطي بأنَّه وجد فيه عِلَّة القصر لكنَّه لا يُسمى مقصوراً، وإن كان يُسمى مقصوراً في لسان العرب، يعني: في اللغة. إذاً: الاسم، احترز به عن الحرف فلا يُسمى مقصوراً، وكذلك الفعل لا يُسمى مقصوراً. (الذي حرف إعرابه) إذاً: عرفنا أنَّه اسمٌ متمكِّن ليس مبنيَّاً، لأنَّ المبني لا يُقال فيه حرف إعراب، فخرج المبني نَحو (إذا)، و (مَتَى)، و (هذا)، (ذا) اسم إشارة آخره ألفٌ لازمة وقبلها فتحة، إذاً: لا نقول بأنَّ هذا مقصور، لأنَّه مبني، والقصر والمدُّ لا يوصف بهما الاسم غير المُتمكِّن. قوله: ألفٌ لازمة، هذا احترازٌ مِمَّا كان آخره وهو اسمٌ حرف إعرابه ألفٌ وهو المثنَّى في حالة الرفع، والأسماء الستة في حالة النصب، لأنَّ آخرها ألف لكنَّها غير لازمة، تقول: جاء الزَّيدان، (زيدا) الألف هذه هي حرف الإعراب، وهي علامة التثنية، وهي آخر اسمٍ مُعرب. إذاً: وُجِد فيه الوصف: اسمٌ حرف إعرابه ألفٌ لكنَّها ليست بلازمة، لأنَّها تنقلب ياء في حالة النَّصب والجر، تقول: رأيت الزَّيدين ومررت بالزَّيدين، أين الألف؟ قُلبِت ياءً، إذاً: ليست بلازمة .. تَنَفَكُّ عنه، والذي يكون مقصوراً إنَّما يكون مقصوراً إذا كانت الألف لا تنفك عنه بحالٍ من الأحوال إلا لعلةٍ تصريفية. (ألفٌ لازمة) إذاً: احترز به من المثنَّى في حالة الرَّفع، كذلك الأسماء الستة في حالة النصب: إن أباك وأخاك، فحينئذٍ نقول: أباك وأخاك، اسمٌ معربٌ آخره ألفٌ وهي حرف الإعراب، لكنَّها ليست بألفٍ لازمة، لأنَّها تنقلب عن واوٍ في حالة الرَّفع: هذا أبوك .. أخوك، كذلك تكون ياءً: مَررت بأبيك .. بأخيك، إذاً: ليست هذه الألف التي في حالة النصب في الأسماء الستة ليست ملازمة، وهنا يُشترط في المقصور: أن تكون الألف لازمةً. وأمَّا نحو: فَتَىً، الألف محذوفة، والحذف هنا لا ينافي أن تكون لازمة، لأنَّ الحذف هنا لعلَّةٍ تصريفية، والمحذوف لِعلَّة كالثابت، يدلُّ على هذا: أنَّك إذا أعربت تقول: جاء فَتَىً، (فَتَىً) فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على الألف المحذوفة، فهي محل إعراب قبل الحذف وبعد الحذف، تقول: جاء الفتى، محل الإعراب الألف، جاء فَتَىً، محل الإعراب الألف، هي موجودة في الفتى لكنَّها غير موجودة في: فَتَىً، حينئذٍ نقول: هذا ليس بِمقصور، لا، هي الألف لازمة لكنَّها حُذِفت من أجل التَّخلُّص من التقاء الساكنين.

إذاً: لا يُقال: ألف المقصور الذي يُنَوَّن تُحذف عِند تنوينه بأنَّه لا يدخل في التعريف، لا .. هو داخلٌ في التعريف وألفه لازمة وإنَّما حُذِف للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، ومثله فيما إذا حُذِفت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين إذا لم يكن تنويناً، يعني: يُحذف للتَّنوين وفيما إذا لقاه ساكن: جاء الفتى الفاضل، (الفَتَى) هذا مرفوع ورفعه ضمَّة مُقدَّرة على ألفٍ محذوفة للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، ليس الساكن الثاني هنا تنويناً وإنَّما هو اللام. إذاً: (هو الاسم الذي حرف إعرابه ألفٌ لازمة) هذا المشهور في التعريف عند النُّحاة، ولكن في باب الصَّرف يأتون بتعريف النتيجة تكون مُؤدى إلى ما ذَكَره الشَّارح هنا، وهو: أنَّهم يقسِّمون المقصور إلى قسمين: مقصور قياسي، ومقصور سَماعي، يريدون أنْ يُعرِّفوا المقصور القياسي ليحترزوا به عن السماعي. حينئذٍ إذا قلنا المقصور: هو الاسم الذي حرف إعرابه ألفٌ لازمة، هذا دخل فيه نَحو: الدُّمى، (الدُّمى) هذا مقصورٌ قياسي، و (الفتى) هذا مقصورٌ سماعي، الحد يشمل النوعين أو واحداً منهما؟ يشمل النوعين، وهذا الذي يعني النُّحاة، المراد الفتى بقطع النظر عن كونه قياسياً سماعياً لا يعنينا، وإنَّما نَحكم عليه بكون الإعراب يكون مُقدَّراً على آخره. وكذلك: الدُّمى، بقطع النظر عن كونه سماعياً أو قياسياً إعرابه يكون مُقدَّراً، ولذلك يُحَدُّ في باب النّحو هناك بِما ذكره ابن عقيل هنا: أنَّه الاسم الذي حرف إعرابه ألفٌ لازمة، وأمَّا الصرفيُّون فلهم نظر آخر: يُعَرِّفُونه باعتبار كونه قياسياً لا مطلقاً، ليحترزوا به عن السماعي، وكذلك الشأن في الممدود. إذاً: قوله: إذَا اسْمٌ اسْتَوْجَبَ مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ ... فَتْحَاً. . . . . . . . . . . . . . . . . . هذا لا يخرج عن التعريف الذي ذَكرناه، وإنْ كان في فهمه نوع صعوبة إلا أنَّه أراد أن يُعرِّف المقصور القياسي لا السماعي، لأنَّ السماعي لا ينضبط .. لا يدخل تحت قاعدة، وإن دخل تحت قاعدة الإعراب، لأنَّ المقصور: ما كان آخره ألفٌ لازمة بقطع النَّظر عن كونه سماعياً أو قياسياً، إعرابه مُطلقاً مُقدَّراً، إذ دخل تحت القاعدة من حينئذٍ الإعراب، لكن من حيث الحكم عليه بكونه قياسياً أو سماعياً لا، هذا ننظر فيه إلى ما ذكره النَّاظم من الضابط، وهذا أشبه ما يكون بضابط. إذَا اسْمٌ اسْتَوْجَبَ مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ ... فَتْحَاً وَكَانَ ذَا نَظِيرٍ كَالأَسَفْ فَلِنَظِيرِهِ الْمُعَلِّ الآخِرِ ... ثُبُوتُ قَصْرٍ بِقِيَاسٍ ظَاهِرِ هنا (ثُبُوتُ قَصْرٍ) يعني: ثبت كونه مقصوراً، (بِقِيَاسٍ) هذا الذي أراد حدَّه (بِقِيَاسٍ ظَاهِرِ) واضح بَيِّن. (إذَا اسْمٌ) (إذَا) هذا ظرفٌ تَضَمَّن معنى الشَّرط، (إذَا اسْمٌ اسْتَوْجَبَ): إذَا اسْتَوْجَبَ اسْمٌ، (اسْمٌ) هذا فاعل لفعلٍ محذوف، لأنَّه تلا (إذَا)، و (إذَا) لا يتلوها الاسم المرفوع بتاتاً، إلا إذا جُعِل معمولاً لفعلٍ محذوفٍ، وهنا نقول: فاعل لفعلٍ محذوف دلَّ عليه المذكور، مثل قوله: ((إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ)) [الانفطار:1].

إذاً: (إذَا اسْمٌ) إذَا اسْتَوْجَبَ اسْمٌ، (اسْتَوْجَبَ) أي: استَحقَّ بِمقتضى القواعد الصرفية .. استحقَّ ماذا؟ فَتْحَاً مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ، ما هو (الطَّرَفْ)؟ الأخير، لأنَّنا نقول: الاسم الذي حرف ألف حرفٌ لازمة قبلها فتحة، هذه الفتحة هناك في باب الإعراب، نقول: لا داعي لها، لأنَّه من باب تَحصيل الحاصل، وهذا يُؤَكِّد أنَّ ثَمَّ فرقاً في تعريف النُحاة المقصور هنا عنه هناك. فهناك نقول: زيادة (قبلها فتحة) لا داعي لها، لأنَّ الألف مُلازمٌ لها الفتح قبلها، لا يوجد ألف إلا وقبلها فتحة، لكن هذه الفتحة قد تكون مطلوبةً لقاعدة صرفية، كأن يُقال: (فَعِلَ) المصدر منه على وزن (فَعَلْ)، فحينئذٍ إذا قيل (فَعَلْ) نقول: ما قبل الأخير مفتوح، مفتوح لأي سبب .. سَماعاً أو لقاعدة؟ لقاعدة. حينئذٍ إذا قيل: فَرِح، المصدر منه على وزن (فَرَحٌ) إذاً: ما قبل الطَّرف .. ما قبل الحاء مفتوح. جَوِي، المصدر منه: (جَوَىً) بفتح الواو، إذاً: فُتِح ما قبل الطَّرف في (جَوىً) هل هو لغةً أم قياساً؟ قياساً، لأنَّه اشترك (جوىً) مع (فَرَح) في كونهما مصدرين لـ (فَعِلَ)، و (فَعِلَ) معلومٌ أنَّ المصدر يأتي منه على وزن (فَعَلْ)، إذاً: استحق (جوىً) الفتحة قبل الطَّرف لقاعدة صَرفيَّة. بِخلاف: فَتَى، (فَتَى) هذا اسمٌ جامد لا يدخل تحت مصدرٍ، ولا اسم آلة، ولا ظرف زمان، ولا اسم زمان، ولا اسم مكان، وإنَّما هكذا سُمِع مفتوحاً فنقول: الفتحة التي توجد قبل الألف هذه ليست مُستوجَبَة لقاعدة صَرفيَّة، وإنَّما هي مسموعةٌ سماعاً عن العرب. إذاً: (إذَا اسْتَوْجَبَ) يعني: اسْتَحقَّ الاسم فتحاً، (مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ) من قبل آخره، (وَكَانَ ذَا نَظِيرٍ) يعني: له موازٍ مثله، (كَانَ ذَا نَظِيرٍ) من المعتلِّ (كَالأَسَفْ)، حينئذٍ لَمَّا قال: (ذَا نَظِيرٍ كَالأَسَفْ) علمنا أن قوله: (إِذَا اسْمٌ) المراد به: الاسم الصحيح، لأنَّ الاسم هنا فيما إذا كان ما قبل الطَّرف مفتوحاً قد يكون مُعتلَّ الآخر، يعني: آخره حرفٌ من حروف العِلَّة، والمراد به هنا: ما كان آخره ألف، لأنَّه هو المُعتل .. مُعتل بالألف. إذاً: (إِذَا اسْمٌ) صحيحٌ اقتضى .. اسْتوجَب .. اسْتحقَّ بِمقتضى القواعد الصَرفيَّة فتحاً من قبل الطَّرَف الأخير، (وَكَانَ) هذا الاسم، (ذَا نَظِيرٍ) صاحب نظيرٍ، والمراد بالنظير هنا: أنَّه بوزنه، (كَالأَسَفْ) هذا مثالٌ للصحيح، الجواب .. جواب (إذَا): فَلِنَظِيرِهِ الْمُعَلِّ الآخِرِ ... ثُبُوتُ قَصْرٍ. . . . . . . . . . . .

(فَلِنَظِيرِهِ) نظير الاسم الصحيح الذي اقتضى واسْتوجَب فتحاً قبل الطَّرَف لقاعدة صرْفيَّة، لنظيره الذي يدخل معه تحت تلك القاعدة وهو مُعتل الآخر ثُبُوتُ قَصْرٍ، (فَلِنَظِيرِهِ) إذا اسمٌ صحيحٌ، يعني: آخره، النظر هنا في الأخير، لامه حرفٌ صحيح ليست حرفاً من حروف العلَّة (اسْتَوْجَبَ) اسْتحقَّ أنْ يكون مفتوحاً قبل آخره، لقاعدة صَرْفيَّة، لكونه مصدراً مثلاً: لباب فَعِلَ، و (فَعِلَ) سبق أنَّ القاعدة المصدر يكون على وزن (فَعَلٍ)، إذاً: فتحُ ما قبل اللام نقول لقاعدة صرفية، حينئذٍ إذا فُتِح صحيح الآخر، ما قبل آخره إذا كان له نظير مُعتلَّ الآخر .. نظير يدخل معه تحت القاعدة هذه حكمنا على النظير بأنَّه مقصور، إذا لم يكن له نظير لم يدخل تَحت قاعدةٍ حينئذٍ حكمنا عليه بأنَّه سَماعي. (فَلِنَظِيرِهِ) الفاء واقعة في جواب الشرط، (فَلِنَظِيرِهِ) نظير الصحيح الذي اسْتحقَّ أن يكون مفتوحاً قبل الآخر (كَالأَسَفْ)، (الأَسَفْ) هذا مصدر: أَسِفَ يَأسَف أسَفاً، نظيره المُعلَّ الآخِر، مثل: (جوىً) مثلًا، نحن نقول: باب (فَعِلَ) في المصدر لا يَختصُّ بالصحيح، بل يدخل تحته المصدر إذا كان مُعتلَّ الآخِر أو صحيح الآخر، كُلٌّ منهما يَستحقُّ فتح ما قبل الطَّرَف. حينئذٍ ننظر إلى الصحيح فنحكم على المعتل الآخر بكونه مقصوراً قصراً قياسياً إذا اجتمعا تحت قاعدة، وكانت هذه الفتحة التي قبل الطَّرَف اقتضتها قاعدة صَرفيَّة، فإن لم تقتضيها قاعدة صَرفيَّة حكمنا عليه بكونه سَماعياً. إذاً: نَحكم على الاسم المقصور بأنَّ آخِره ألف .. انتهينا، ما قبل الألف يكون مفتوحاً في كُلِّ مقصورٍ، لكن هل هو قياسي أو سَماعي؟ نَحكم عليه بكونه قياسياً إذا كانت هذه الفتحة اقتضتها قاعدة صرفيَّة وستأتي أمثلة، لكن نُمَثِّل بباب (فَعِلْ) لأنَّه مَحفوظٌ عندكم، فإذا قلنا (فَعِلَ) مثل: (جوي) و (أسف) أسف أسفاً .. فَرِح فرحاً، هل (فَعَلْ) خاص هنا بالصحيح فقط، أم يشمل المعتل؟ يشمل المعتل لا شك. حينئذٍ نقول: ما دام أنَّه فُتِح في باب: أسف أسفاً، وَأَشِر أَشَراً، لقاعدة صَرفيَّة لكونه مصدراً لـ (فَعِل) اللازم، حينئذٍ المعتلُّ منه يكون قياسي، لأنَّ الفتحة التي قبل: (جوى) و (عمى) نقول: هذه الفتحة اقتضاها كونه مصدراً، إذاً: دخل تحت قاعدة صَرفيَّة، فهذه الفتحة لم تأتِ هكذا من جهة السَّماع اللغوي فحسب، وإنَّما لكونها داخلةً تحت قاعدة صَرفيَّة، فنحكم عليه بأنَّه مقصورٌ قياسي لا سَماعي. إذاً: (إِذَا اسْمٌ) صحيحٌ، (اسْتَوْجَبَ) اسْتحقَّ فتحاً من قبل الطَّرف، لماذا؟ لكونه مصدراً .. لكونه يحتاج لفتح ما قبل الأخير فانقلبت الياء ألفاً، (وَكَانَ) هذا الاسم الصحيح (ذَا نَظِيرٍ) صاحب نظيرٍ من المعتلِّ، وكان هذا الاسم الصحيح (ذَا نَظِيرٍ) صاحب نظيرٍ يعني: على وزنه من المعتل، (كَالأَسَفْ) هذا مثالٌ للصحيح. فَلِنَظِيرِهِ الْمُعَلِّ الآخِرِ ... ثُبُوتُ قَصْرٍ. . . . . . . . . . . . . . يثبت له القصر لكونه دخل مع الصحيح تحت قاعدة صرفية، فإذا لم يدخل تحت قاعدة صرفية فهو السماعي.

(فَلِنَظِيرِهِ) الضمير هنا يعود إلى الصحيح، و (نَظِيرِهِ) اللام هنا حرف جر واسم مجرور، وهو خبر مُقدَّم، (ثُبُوتُ قَصْرٍ) هذا مبتدأ مُؤخَّر، فثبوت قصرٍ لنظيره المُعلِّ الآخِر. (فثُبُوتُ قَصْرٍ لقِيَاسٍ ظَاهِرِ لِنَظِيرِهِ الْمُعَلِّ الآخِرِ) (الْمُعَلِّ) هذا نعت (لِنَظِيرِهِ)، قلنا: وكان الصحيح (ذَا نَظِيرٍ) من المُعل، (فَلِنَظِيرِهِ الْمُعَلِّ) إذًا: نَعتٌ (لِنَظِيرِهِ). (الْمُعَلِّ الآخِرِ) قيل: لو قال: المعتل الآخر لكان أحس، و (الْمُعَلِّ الآخِرِ) من إضافة اسم المفعول إلى نائب الفاعل. (ثُبُوتُ قَصْرٍ) هذا مبتدأ، (بِقِيَاسٍ ظَاهِرِ) يعني: قياس ظاهر واضح بَيِّن، احترز به عن السَّماعي، نَحو: جَوِي جَوَىً، وعمِي عمَىً، وهوِي هوَى، فهذه وأشباهها مقصورة قياساً، لأنَّ نظيرها من الصحيح مُستوجبٌ فتح ما قبل آخره، نَحو: أسِف أسفاً، وفرِح فرحاً، وَأَشِر أشراً، لِمَا سبق أنَّ (فَعِلَ) المكسور العين اللازم بابه (فَعَل) بفتح العين. ومعنى كونه نظيره: أنَّه بوزنه، وأنَّ كُلاً منهما مصدرٌ، فإذا اجتمعا: (جوى) و (أسف) بأنَّهما مصدران، إذاً: صارا نظيرين. يعني: أنَّ الاسم المعتل إذا كان له نَظيرٌ من الصحيح مُستوجبٌ فتح ما قبل آخره كان ذلك الاسم المعتل مقصوراً قياساً، فـ (الجوى) مقصورٌ قياساً، لأنَّ له نظيراً من الصحيح يستوجب الفتح وهو الأسف، إذ كل واحدٍ منهما مصدر (فَعِل) فمصدره على (فَعَلٍ). مثَّل النَّاظم بَمثالين هنا: كَفِعَلٍ وَفُعَلٍ فِي جَمْعِ مَا ... كَفِعْلَةٍ وَفُعْلَةٍ نَحْوُ الدُّمَى (فِعَل) بكسر الفاء وفتح العين، (فِي جَمْعِ فِعْلَةٍ)، (وَفُعَلٍ) بِضَمِّ الفاء وفتح العين، إذاً: كُلٌّ منهما مفتوح العين، وهذا لا بُدَّ أن يكون مفتوحاً وإلا ما صار مقصوراً، لأنَّ ما قبل الطَّرَف الذي هو اللام العين، لَزِم أن يكون مفتوحاً، وإلا إذا لم يكن كذلك فليس بِمقصورٍ لا لغةً قيل: سماعاً ولا قياساً. إذاً: (كَفِعَل) بكسر الفاء، (وَفُعَلٍ) بضَمِّ العين، (فِي جَمْعِ مَا كَفِعْلَةٍ وَفُعْلَةٍ) .. (فِعْلَةٍ) ما كان على وزن (فِعْلَة) كما سيأتي في جمع التكسير: يُجمع على (فِعَلَ)، (قِرْبَة) يُجمع على (قِرَبْ). إذاً: (قِرَبْ) فُتِح ما قبل آخِره .. ما قبل الطَّرَف لقاعدة صَرفيَّة، وهو: أنَّ مفرده على وزن (فِعْلَة)، وما كان على وزن (فِعْلَة) يُجمع على (فِعَلْ). إذاً: كُل ما حُرِّك لأجل الجمع على وزن (فِعَل) حكمنا عليه بأنَّه قياسي، وكذلك (فُعْلَةٍ) قُرْبَة، يُجمع على (قُرَب) حينئذٍ نقول: (قُرَب) على وزن (فُعَل) ما قبل الطَّرف .. ما قبل الأخير .. ما قبل اللام مفتوح، نقول: فَتحُه هنا قياسي لكونه على وزن (فُعْلَة) و (فُعْلَة) يُجمع قياساً على وزن (فُعَل). حينئذٍ نظيره من المعتل الآخِر إذا كان على وزن (فِعْلَة) أو على وزن (فُعْلَة) حينئذٍ يُجمع على وزن (فِعَلْ) ثُمَّ يُفتح ما قبل آخره، أو يُجمع على وزن (فُعَلْ) فيفتح ما قبل آخره.

(وَفِعَلٌ) بكسر أوله وفتح ثانية جمعاً لـ (فِعْلَة) بكسر أوله وسكون ثانيه نحو: فِرْية وَفِرَىً، وَمِرْية وَمِرىً، فإن نظيره من الصحيح: قِرْبة وَقِرَب، (فِرْية) تجمعه على (فِرى) آخره ألفٌ لازمة قبلها فتحة، الفتحة هذه لأي شيءٍ جاءت؟ لكون مفرده على وزن (فِرْية .. فِعْلة) فَجُمِع على: فِرىً .. فِعَل، حينئذٍ الفتحة التي قبل الألف جاءت من جهة القياس، فحكمنا عليه بكونه مقصوراً قياساً. (مِرْية) على وزن (فِعْلة) يُجمع على (فِعَلْ)، إذاً: مِرَى .. مِرىً، فهذه الألف الأخيرة اللازمة قبلها فتحة، ما الذي أحدث الفتحة؟ كونه جمعاً على وزن (فِعَل) لأنَّ مُفرده: مِرْيَة، كذلك (فُعَلْ) بِضَمِّ أوله وفتح ثانيه جمعاً لـ (فُعْلَة) بَضَمِّ أوله وسكون ثانية نحو: دُمْيَة وَدُمَى، كما مثَّل النَّاظم هنا. (دُمْيَة) على وزن (فُعْلَة) يُجمع على: دُمَى، إذاً: ما قبل الطرف مفتوحٌ لعلَّةٍ وقاعدة صَرفيَّة، حكمنا عليه بكونه قياسياً، إذاً: هذا هو المقصور القياسي: أنْ يكون الاسم الذي فُتِح ما قبل آخره وهو ألفٌ .. أنْ يكون هذا الفتح اسْتوجَبَته قاعدة صَرفيَّة، كيف نعرف هذا؟ ننظر في نظيره، فـ: عَمَى .. عَمِي، أَسِفَ أسفاً، حينئذٍ لَمَّا نظرنا في (أَسَف) علمنا أنَّ الفتحة التي وُجِدت قبل الطَّرف لكونه مصدراً لباب (فَعِل) مثله ويدخل تَحته نظيره ما كان مَختوماً بحرف عِلَّة. إذاً: مثَّل النَّاظم هنا بمثالين: كَفِعَلٍ وَفُعَلٍ فِي جَمْعِ مَا ... كَفِعْلَةٍ وَفُعْلَةٍ نَحْوُ الدُّمَى (دُّمَى) فإن نظيرها من الصحيح: قِربة وَقِرَب، وهنا فيه توزيع الأول للأول والثاني للثاني: (كَفِعْلَةٍ) هذا يعود إلى الأول (فِعَلْ) (وَفُعْلَة) هذا الثاني للثاني وهو (فُعَلْ). إذاً نقول: يُقاس القصر في كُلِّ مُعتل الآخر فُتِح ما قبل آخره نظير الصَّحيح لزوماً أو غَلبةً، يعني: يُنظر هنا الصحيح ليس هو مقصوداً لذاته، وإنَّما المراد به: تأكيد على أنَّ ما فُتِح قبل الألف إنَّما هو قياس، وإلا الأصل: لا دخل له، لأنَّه كُلَّما وُضِع وزن أو وُضِع جمع فلا يَختصُّ بالصحيح في الأصل .. في الغالب، لا يَختصُّ لا بالصحيح دون المعتل، ولا بالمعتل دون الصحيح، فيدخل تحته الصحيح والمعتل. الذي يُؤَكِّد لك أنَّ هذا المعتل إنَّما فُتِح ما قبل آخره لقاعدة صرفية كونك تنظر في الصحيح مثله، فإذا نظرت في الصحيح استدللت على المعتل الآخر، ثُمَّ تَجمع بينهما تحت القاعد الصرفية، وهذا يكون من باب التأكيد فحسب، يعني: لا نثبت أن (دُمَى) مثلاً مقصور قياساً لوجود مثلاً (قُرَبْ)، فنقول: (قُرَبْ) هذا لا دخل له، هذا ليس مُعتلَّاً وإنَّما هو صحيح الآخر، نقول: هذا يُؤكِّد على هذا، لأنَّ كلاً منهما مفرده على وزن (فِعْلَة)، و (فِعْلَة) مَعلومٌ أنَّه يُجمع على (فُعَلْ)، فدلَّ على أنَّ (قُرَبْ) و (دُمَى) من بابٍ واحدٍ، فهو من باب الكشف والتأكيد لا من باب التأصيل. إذاً: يُقاس القصر في كُلِّ مُعتلٍّ، يعني: معتل الآخِر، فُتِح ما قبل آخره نظيره الصَّحيح لزوماً أو غلبة.

مِنْ ذاك المشهور مِمَّا يُحكم عليه بكونه قياساً: كمفعول غير الثلاثي، غير الثلاثي يأتي على وزن (مُفْعَل) كـ: مصطفى، ومقتدى، ومقتضى، ومستقصى، هذه كلها نقول: الألف هنا قبلها فتحة، هذه الفتحة قطعاً أنَّها قياس، لماذا؟ لأنَّ القاعدة: أنَّ اسم المفعول من غير الثُلاثي يُضَمُّ أوله ويفتح ما قبل آخره. فحينئذٍ فتحُ ما قبل آخر (مصطفَى) .. الفاء مفتوحة، نقول: هذا قياساً، كذلك (مقتدَى) الدال مفتوحة، و (مقتضَى)، و (مستقصَى) الذي يُؤَكِّد هذا نظائرها من الصحيح .. نظائرها من الصحيح مفتوحة ما قبل الآخِر لزوماً، نحو: مُكَرَمٌ .. مُستخرَجٌ، ما قبل آخِره مفتوح، إذاً: نَحمل المعتل الآخِر على الصحيح. الثاني: مصدر (فَعِلَ) الَّلازم كـ: هوِي هوَى، وجوِي جوىً، وعمِي عمىً، إذ نظائرها من الصحيح: فَرِح فرحاً، وَأَشِر أشراً، لأنَّ المصدر فيه على (فَعَلْ) بالفتح غالباً، هذا تمثيلٌ للغالب. الثالث: (المِفْعَل) .. ما كان على وزن (مِفْعَل) بكسر الميم وفتح العين، (مِفْعَل) إذاً: ما قبل آخِره .. ما قبل اللام مفتوح، نَحو: مِرْمَى .. مِهْدَى، وهو وعاء الهدية، إذ نظيرهما من الصحيح: مِخْصَف وَمِغْزَل، هذا نُؤَكِّد به أنَّ (مِهْدَى) الدال مفتوحة للوزن (مِفْعَلْ)، وكذلك (مِرْمَى) نُؤَكِّد أنَّ الميم هنا فُتِحت للوزن من أجل (مِفْعَل). إذاً: كُلُّ ما كان على وزن (مِفْعَل) وهو مُعتلَّ الآخر فنحكم عليه بكونه مقصوراً قياساً، يُؤَكِّد هذا وجود النظير، إن لم يوجد له نظير لا، لأنَّه لا يُمكن أن يكون (مِفْعَل) خاصاً بالمعتل دون الصحيح، فإذا لم يكن له نظير حينئذٍ لم يدخل تحت قاعدةٍ أصلاً، فنحكم عليه بكونه سماعياً، هذا الثالث (مِفْعَل). إذ نظيرهما نَحو: مِخْصَفْ وَمِغْزَل، على (مِفْعَل) وإن جاء على (مِفْعَال) لكنَّه نادر، و (فِعَلٌ وَفُعَلٌ) على ما ذكرناه سابقاً، ومنه: (أَفْعَلْ) صفةٌ لتفضيلٍ كان كـ: الأقصى، أو لغير تفضيل مطلقاً، كـ: الأقصى، هذا تفضيل أو لا؟ تفضيل. أو لغير تفضيل كـ: الأعمى وأعشى، فإنَّ نظيرهما من الصحيح: (الأبعد) و (الأعشى) أبعد .. وأعشى، على وزن (أَفْعَل)، إذاً: ما كان صفةً على وزن (أَفْعَل) لأنك تنظر إلى الوزن، وهذا لو وضعوا قاعدة عامة بأنَّ كُلَّ وزنٍ فُتِح ما قبل آخره .. ما قبل اللام لزوماً أو غلبة لَزِم أن يكون منه مُعتل اللام مفتوح ما قبل الآخِر، يعني: ما قبل الطَّرَف. إذاً: (أَفْعَل) العين هذه مفتوحة واللام هي الطَّرَف، إذاً: ما قبل الطَّرَف صار مفتوحاً، فيستوي فيه الصحيح والمعتل، فإذا كان معتلاً حكمنا عليه بكونه مقصوراً قياساً لكونه على وزن (أَفْعَل) سواءٌ كان للتفضيل أو لغير التفضيل. وكذلك ما كان جَمعاً للفُعْلَة، أنثى الأفْعَلْ، كـ: القُصوَى .. (قُصوَى) الواو مفتوحة (فُعْلَى)، والقُصى، والدنيا، والدُّنَا، فإن نظيرهما من الصحيح: الكبرى والكُبَر، والأُخرى والأُخر، إذاً: ما كان على وزن (فُعْلَى) أو جَمعاً للفُعْلى، حينئذٍ حكمنا عليه بكونه مقصوراً قياساً.

وكذلك ما كان من أسماء الأجناس دالاً على الجمعية بالتَّجرُّد من التاء كائناً على وزن (فَعَلَ) بفتحتين، وعلى الوحدة بمصاحبة التاء كـ: حصاةٍ وحصى، وقطاةٍ وقطى، (قطى) هذا مقصورٌ قياساً. فإن نظيرهما من الصحيح: شجرة وشجر، ومدرة ومدر، إذاً: شجرة وشجر، هذا في الصحيح، لو وُجِد مثله في المعتل حكمنا عليه بكونه مقصوراً قياساً، لكونه دخل تحت القاعدة، إذاً لو أردنا ضابطاً عامَّاً: كل ما فُتِح قبل الطَّرَف لقاعدة صَرفيَّة فاحكم عليه بأنَّه مقصورٌ قياساً، وهذا يستلزم أن يكون له نظير، فإن لم يكن له نظير فاعلم أنَّه لم يدخل تحت قاعدة صَرفيَّة. إذاً: قوله هنا: إذَا اسْمٌ اسْتَوْجَبَ مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ ... فَتْحَاً. . . . . . . . . . . . . . . . . . (إذَا اسْمٌ) صحيحٌ (اسْتَوْجَبَ) بِمقتضى القواعد الصَّرفيَّة، وهي قاعدة صَرفيَّة عربية، (فَتْحَاً) ما إعرابه؟ مفعول لقوله: (اسْتَوْجَبَ) .. استوجب فتحاً من قبل الطرف، (مِنْ قَبْلِ) مُتعلِّق بقوله: (اسْتَوْجَبَ)، هذا أولاً: استوجب فتحاً قبل الطرف، (قَبْلِ الطَّرَفْ) الذي هو اللام مفتوح، وقوله: (اسْتَوْجَبَ) يعني: اسْتحقَّ، وإنَّما يَستحقُّ إذا كان داخلاً تحت قاعدة، فإن لم يكن فلا يَستحق، يعني: (فَتَى) فتحُ التاء غير مُستحقَّة هنا، لأنَّها ليست لقاعدة صرفيَّة، لأنَّ الذي يُوجِب فتح ما قبل الآخر كونه مَصدراً .. كونه اسم آلة .. كونه على وزن (أَفْعَل)، هو الذي يُوجب أنْ يكون ما قبل الآخر مفتوحاً، وإن لم يكن كذلك رجعنا إلى الأصل وهو: السماعي. إذاً: قوله: (اسْتَوْجَبَ) يُوحِي بأنَّ الفتح واجبٌ ومستحقٌّ، وهذا لا يكون إلا إذا كان داخلاً تَحت قاعدة صَرفيَّة، فإن لم يكن مُستوجَباً حكمنا عليه بأنَّه سماعي، هذا أولاً: . . اسْمٌ اسْتَوْجَبَ مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ ... فَتْحَاً .. . . . . . . . . . . . . . . وكان هذا الاسم الصحيح (ذَا نَظِيرٍ) من المعتل .. صاحب نظير .. له نظير مثله .. شبيه .. زميل، يدخلان تحت هذه القاعدة، يعني: ليس لوحده الصحيح وإنَّما له قرين، هذا القرين مُعتل، نَحكم على المعتل بأنَّه مقصور قياساً. (وَكَانَ ذَا) كان الاسم الصحيح الذي فُتِح ما قبل الطرف، (ذَا نَظِيرٍ) (ذَا) هذا خبر (كَانَ) بمعنى صاحب منصوب بالألف، وهو مضاف، و (نَظِير) مضاف إليه، (ذَا نَظِيرٍ) من المعتل (كَالأَسَفْ) هذا مثال للصحيح الذي استوجب الفتح من قبل الطَّرَف، وله نظير وُجِد فيه أمران: أولاً: فُتِح ما قبل آخره: (أسَف) السين، وله نظير كـ: (جَوى)، (فَلِنَظِيرِهِ) الذي هو: (جوى) المعتل الآخِر (ثُبُوتُ قَصْرٍ بِقِيَاسٍ ظَاهِرِ)، (ثُبُوتُ) قلنا: هذا مبتدأ، وقوله: (بِقِيَاسٍ) هذا مُتعلِّق بـ (ثُبُوتُ)، و (ظَاهِرٍ) هذا نعتٌ له.

(كَفِعَلٍ) وذلك (كَفِعَلٍ) جار مجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وذلك (كَفِعَلٍ) جمع (فِعْلَة)، (فِعَلٍ) بفتح العين ما قبل الطَّرَف، يدخل تحته الصحيح والمعتل، جمع (فِعْلَة) سواءٌ كان معتلَّ اللام أو صحيح اللام، حينئذٍ إذا فُتِح ما قبل الطَّرَف حكمنا عليه بكونه مقصوراً قياساً، لأنَّه فُتِح لِمجيئه على وزن (فِعَلْ) وهو جمع (فِعْلَة) وهذا قياس. (وَفُعَلٍ) لِجمع (فُعْلَة) حينئذٍ نقول: كُلُّ ما كان على وزن (فُعَل) نقول: هذا مقصورٌ قياساً، لكون هذه الفتحة التي قبل اللام اقتضاها الوزن .. الجمع، (وَفُعَلٍ فِي جَمْعِ) هذا مُتعلِّق بمحذوف حال .. حال من ماذا؟ (كَفِعَلٍ) حال كونه (فِي جَمْعِ) وهو مضاف، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، مضافٌ إليه. (كَفِعْلَةٍ) مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، (وَفُعْلَةٍ) معطوفٌ عليه، وذلك (نَحْوُ الدُّمَى) فإنَّه جمع: (دُمْيِة) على وزن (فُعْلَةْ) يعني: مثَّل للثاني، (دُمَى) نقول: هذا آخره ألفٌ لازمة قبلها فتحة، ما الذي أحدث هذه الفتحة؟ كونه على وزن (فُعَلْ)، وما هو وزن (فُعَلْ)؟ نقول: هذا قياسٌ في جمع ما كان على وزن (فُعْلَة)، و (دُمَى) مُفرده (دُمْيَة)، إذاً: هذه الفتحة ما جاءت هكذا اعتباطًا، وإنَّما جاءت من أجل الجمع، ولا شك أنَّ الجمع كُلَّه الذي فيه أوزان مُطَّردة أنَّه قياسي، إذاً: جاءت هذه الفتحة قياساً. هنا قال: "إذا جاء اسمٌ آخره ألفٌ لازمةٌ انظر إليه، فإن كان له نظيرٌ من الصحيح يقتضي فتح ما قبله لقاعدة صَرفيَّة، فهو مقصورٌ قياسي وإلا فهو سَماعي كـ: الفتى". قال الشَّارح هنا: "المقصور هو الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة، فخرج بالاسم الفعل، نحو: يرضى، وبِحرف إعرابه المبنى نحو: (إذا) ومثله: (مَتَى) و (هذا) ". "وبلازمة -ألفٌ لازمة- خرج المثنَّى، نحو: الزَّيْدَان، فإنَّ ألفه تنقلب ياءً في الجر والنصب، وزِد عليه الأسماء السَّتة في حالة النصب، والمقصور على قسمين قياسي وسَماعي: والقياسي: هو وظيفة النَّحوي -إذا أردنا البحث فيه-. وسماعي: وضيفة اللُّغوي"، ولذلك بحثه في المعاجم، وما أُلِّف في المقصور والممدود. فالقياسي: كل اسمٍ مُعتلٍّ له نظير من الصحيح، مُلْتَزَمٌ فَتَح ما قبل آخِره لقاعدة صَرفيَّة، أخرج (الفتى) فليس له نظير، فَفَتْحُ ما قبل الطرف ليس لقاعدة صَرفيَّة فهو سماعي، وذلك كمصدر الفعل اللازم، كونه مصدراً يكفي. كمصدر الفعل اللازم الذي على وزن (فَعِلَ)، فإنه يكون (فَعَلاً) بفتح الفاء والعين، نحو: أَسِفَ أَسَفَاً، فإذا كان مُعتلاً وجب قصره نحو: جَوي جوىً، لأن نظيره من الصحيح الآخر مُلْتَزَمٌ فَتْحُ ما قبل آخره. (جوىً) هو مصدر في نفسه على وزن (فَعَل) فالفتحة اقتضاها كونه على وزن (فَعَل) لا لكونه نظير: (أسف) وإنَّما نظير: (أسف) كاشفٌ وَمُؤَكِّدٌ على أنَّه قياسي لا سماعي. لأنَّ نظيره من الصحيح الآخِر مُلْتَزَمٌ فتح ما قبل آخره.

ونحو: (فِعَل) في جَمع (فِعْلَة) بكسر الفاء (وَفُعَلْ) في جمع (فُعْلَة) بِضمِّ الفاء، نَحو: (مِرَىً) جمع (مِرْيِة)، و (مُدَىً) جمع (مُدْيِة)، فإن نظيرهما من الصحيح: (قِرَبْ وَقُرَبْ) جمع (قِرْبَة وَقُرْبَة)، لأن جمع (فِعْلَة) بكسر الفاء يكون على (فِعَلْ) كما يأتي، بِكسر الأول وفتح الثاني، وجمع (فُعْلَة) بِضمِّ الفاء يكون على (فُعَلْ) بِضمِّ الأول وفتح الثاني، و (الدُّمَى) جمع (دُمْيِة) وهي صورة من العاج ونحوه. إذاً القاعدة العامة: أن ننظر إلى هذا الاسم الذي هو مُعتلَّ الآخِر، آخره ألفٌ لازمة قبلها فتحة، هل الفتحة اقتضاها كونه على وزنٍ قياساً أم لا؟ إن كان فهو، وإلا فلا. إذَا اسْمٌ اسْتَوْجَبَ مِنْ قَبْلِ الطَّرَفْ ... فَتْحَاً وَكَانَ ذَا نَظِيرٍ كَالأَسَفْ فَلِنَظِيرِهِ الْمُعَلِّ الآخِرِ ... . . .. . . . . . . . . . . . . . . لو قال: المعتل، لكان أولى، أفاد أنَّ المقصور القياسي اسمٌ مُعتلٌّ له نظير من الصحيح، استوجب ذلك النظير فتح ما قبل آخره. ثُبُوتُ قَصْرٍ بِقِيَاسٍ ظَاهِرِ .. ثُمَّ أشار إلى الممدود القياسي: وَمَا اسْتَحَقَّ قَبْلَ آخِرٍ أَلِفْ ... فَالمَدُّ فِي نَظِيرِهِ حَتْمَاً عُرِفْ هذا كسابقه، يعني: إن كان هذا المد الذي قبل آخره لقاعدة صَرفيَّة فهو ممدودٌ قياساً، وإلا فهو سماعي. (وَمَا اسْتَحَقَّ) (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، مبتدأ، واقع على الصحيح المستحق للألف قبل الآخر .. صحيحٌ استحقَّ مدةً قبل الآخِر، (وَمَا اسْتَحَقَّ) من الصحيح، (قَبْلَ آخِرٍ) قبل الطَّرف، (أَلِفْ) ما إعرابها؟ مفعول به لـ: (اسْتَحَقَّ) استحقَّ ألفاً قبل الطَّرف، (أَلِفْ) .. ألفاً. وَقِفْ عَلَى المَنْصُوبِ مِنْهُ بِالأَلِفْ .. على لغة ربيعة، إذاً: مفعول (اسْتَحَقَّ) وُقِف عليه بالسكون على لغة ربيعة، (وَمَا اسْتَحَقَّ) (وَمَا) يعني: اسمٌ صحيح (اسْتَحَقَّ قَبْلَ آخِرٍ أَلِفاً) لقاعدة صَرفيَّة، (فَالمَدُّ فِي نَظِيرِهِ) من المعتل عُرِف حتماً بأنَّه قياسي لا سَماعي، (فَالمَدُّ) مبتدأ .. الفاء واقعة في الخبَر .. خبر المبتدأ، لِمَا في المبتدأ من العموم، إمَّا لفظاً وإمَّا معنىً، وهنا لفظًا ومعنى. إذاً: (المَدُّ) هذا مبتدأ، (فِي نَظِيرِهِ) مُتَعلِّق بقوله: (عُرِفْ)، (حَتْمَاً) حالٌ من الضمير المستتر في قوله: (عُرِفْ) فالمد عُرِف في نظيره حتماً، (نَظِيرِهِ) الذي هو المعتل. إذاً: (وَمَا اسْتَحَقَّ) من الصحيح (قَبْلَ آخِرٍ أَلِفْ)، وهذا يكون لقاعدة صَرفيَّة كما سيأتي المثال، نظيره الذي استحقَّ ألفاً قبل الأخير وهو ممدود داخلٌ تحت القاعدة الصَّرفيَّة، فإذا كان كذلك صار له نظير، فَكُلٌّ منهما نظيرٌ للآخر. كَمَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّّذِيْ قَدْ بُدِئَا ... بِهَمْزِ وَصْلٍ كَارْعَوَى وَكَارْتَأَى

مَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّّذِيْ قَدْ بُدِئَا، سبق معنا القاعدة: أنَّ كُلَّ ما بُدِئ بِهمز وصلٍ تكسر الثالث وتزيد مدةً قبل الأخير: انطلق انطلاقاً، إذاً: قبل الطَّرَف .. قبل القاف استحقَّ مدةً، هذا صحيح، مثله: ارْعَوى ارْعِواءً، إذًا: الألف هذه جاءت من أين؟ للقاعدة الصَّرفيَّة، إذاً: ليست محفوظة بزيادة العرب هكذا، وإنَّما زِيدت هذه الألف لموافقة القاعدة، فـ: (انطلاقاً) و (استخراجاً)، و (ارعواءً) و (ارتئائاً)، دخلا تحت قاعدة واحدة، فما دام أنَّ هذه الألف إنَّما زِيدت لأجل القاعدة الصَّرفيَّة حكمنا عليه بكونه ممدوداً قياساً لا سماعاً. إن لم يكن لقاعدة كما سيأتي من أمثلة حينئذٍ نقول: هذا ليس بقياسي، وانظر إلى أنَّ الفصل هنا لا تُعَمِّمُه هناك في الكلام على الإعراب، هناك الكلام شيء وهنا شيءٌ آخر. إذاً: كَمَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّّذِيْ قَدْ بُدِئَا ... بِهَمْزِ وَصْلٍ كَارْعَوَى وَكَارْتَأَى (ارْتَأَى .. ارتأئاً) هذا مصدر (ارعوى) و (ارتأى) ارْعِوائاً وارتئاءً، لأنَّ نظيرهما من الصحيح يستحقُّ أن يكون ما قبل آخره ألفاً: احْمَرَّ احمراراً .. اقْتَدَرَ اقْتِدَاراً .. استخرج استخراجاً .. انطلق انطلاقاً، هذا الحكم لو نظرت فيه كل هذه الأمثلة صحيحة الآخر، هل الحكم خاصٌ بها؟ لا، يدخل تحت القاعدة بكسر الثالث وزيادة مدةٍ قبل الأخير الصحيح وغير الصحيح، فإذا عَمَّمْت الحكم على الصحيح وغيره، وهو المعتل حكمت على المعتل بأنَّه ممدود قياساً، وله نظير، النظير هذا مُؤَكِّدٌ على أنَّه من باب القياس، لأنَّه داخلٌ تحت قاعدة. هنا قال الشَّارح: كَمَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّّذِيْ قَدْ بُدِئَا ... بِهَمْزِ وَصْلٍ كَارْعَوَى وَكَارْتَأَى لَمَّا فرغ من المقصور شَرَع في الممدود، وهو: الاسم الذي في آخره همزةٌ تلي ألفاً زائدة، الألف الزائدة هذه جاءت من مصدر في المثال الذي ذكرناه .. جاءت لقاعدة، لم تأتِ هكذا وإنَّما جاءت لقاعدة، نَحو: حمراء وكساء ورداء، فخرج بالاسم الفعل نَحو: يشاء، قلنا: الفعل لا يُسمَّى ممدوداً، وإن كان ممدوداً في اللغة، القُرَّاء يقولون بالمدِّ: (شَاء) و (جاء). وبقوله: (تلي ألفا زائدة) ما كان في آخره همزةٌ تلي ألفاً غير زائدة، كـ: (ماء) (ماء) هذه الهمزة منقلبة عن هاء: (موهٌ) هذا الأصل فيه، و (آء) جمع (آءةٍ) وهو شجر، والممدود أيضاً كالمقصور قياسي وسماعي: فالقياسي: كل مُعتلٍّ له نظيرٌ من الصحيح الآخر، مُلْتَزَمٌ زيادة ألف قبل آخره، وهذا لا يكون إلا لقاعدة، لا نلتزم زيادة ألف أو فتحة أو حركة إلا لقاعدة، فإذا كان كذلك حكمنا عليه بكونه مَمدوداً قياساً، وإن لم يكن كذلك فهو سماعي. وذلك كمصدر ما أوله همزة وصلٍ: ارْعَوى ارْعِواءً، وارتأى ارتئاءً، واستقصى استقصاءً، هذه كلها الألف قبل الهمزة: ارْعِواء، الألف هذه زيدت للمصدر .. ألف المصدر، وارتئاء، ألف المصدر، واستقصاء، ألف المصدر، فإن نظيرها من الصحيح انطلق انطلاقاً، واقتدر اقتداراً، واستخرج استخراجاً.

إذاً: هذه الأمثلة الستة كلها تدخل تحت قاعدة واحدة وهو: أنَّه افْتُتِح بهمزة وصلٍ ماضيه، وحينئذٍ يكون المصدر بكسر ثالثه وزيادة مدةٍ قبل آخره، وكذا مصدر كُل فعلٍ مُعتل يكون على وزن (أَفْعَل) نَحو: أعطى إعطاءً، مثل: أكرم إكراماً .. أعطى إعطاءً، فـ: (إعطاءً) نقول: هذا ممدودٌ قياساً، لأنَّه على وزن (أَفْعَلَ إِفْعَالاً .. أكرم إكراماً). فإن نظيره من الصحيح: أَكْرَمَ إِكْرَاماً. إذاً: وَمَا اسْتَحَقَّ قَبْلَ آخِرٍ أَلِفْ ... فَالمَدُّ فِي نَظِيرِهِ. . . . . . . . من المعتل عُرِف حتماً، كَمَصْدَرِ وذلك (كَمَصْدَرٍِ) .. مثال، يعني: مثل ماذا من القواعد التي يُمَدُّ ما قبل الآخر؟ قال: (كَمَصْدَرِ) الفعل الماضي الذي بُدِئ بهمز وصلٍ، كما سبق في أبنية المصادر: أنَّه تُزاد ألف قبل آخره. كَمَصْدَرِ الْفِعْلِ الَّّذِيْ قَدْ بُدِئَا .. الألف للإطلاق، (بِهَمْزِ وَصْلٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (بُدِئَا)، (كَارْعَوَى) بمعنى: انكفَّ، (وَارْتَأَى) بمعنى: تدَبَّر. إذاً نقول: يُقاس الممدود في مُعتل الآخِر الذي قبل آخره، أو قبل آخر نظيره ألفٌ لزوماً أو غَلَبةً، بأن يكون الاسم مصدراً لـ (أَفْعَل)، أو لفعلٍ أوله همزة وصلٍ، كـ: أعطى إعطاء، وارتأى ارتئاءً، واستقصى استقصاءً، واصطفى اصطفاءً، فإن نظيره: أكرم إكراماً، واكتسب اكتساباً، واستخرج استخراجاً، هذا أولاً. ثانياً: أن يكون واحداً لـ: (أَفْعِلَة) نحو: كساء وأكسية، ورداء وأردية، وقباء وأقبية، إذ نظيرها: حمار وأحمرة، وسلاح وأسلحة. ثالثاً: أن يكون مصدراً لـ (فَعَلَ) بالتخفيف دالاً على صوتٍ كالرُّغاء والثغاء، فإن نظيره: الصراخ، (رغاء) هذا مصدر كما سبق معنا، فإن نظيره: الصُّراخ، أو على داءٍ كـ: المشاء، فإن نظيره: الدوار والزكام، إذاً: كلها داخلة تحت المصادر. (وَفَعَّال) بالفتح والتشديد كـ: عدَّاء وسقَّاء، إذ نظيرهما: قتَّال وشرَّاب وَتَفْعَال، بالفتح كـ: التَّعَدَّاء والتَّرَمَّاء، إذ نظيرهما: التَّكرار والتَّطواف. و (مِفْعَال) صفةٌ كـ: مهزاء، إذ نظيره: مهزار بخلاف غير صفةٍ كاسم الآلة، ثُمَّ ورد الصِّفة على هذا الوزن غالباً. هذا أشبه ما يكون بأمثلة فحسب، وإلا كل القواعد السابقة من أبنية المصادر، وأسماء الآلة، واسم المكان، واسم الزَّمان، كلها قواعد عامة صَرفيَّة يدخل تَحتها الصحيح والمعتل، ما التُزِم فيه المدة قبل آخره حينئذٍ حكمت عليه بأنَّه ممدودٌ قياساً، وما التزم فيه الفتح قبل آخره وكان آخره ألف لازمة حكمت عليه بأنَّه مقصورٌ قياساً. إذاً: المقصور القياسي والمقصور السماعي، المقصور القياسي له نظير .. لا بُد، والممدود القياسي له نظير، ما ليس له نظير حكمت عليه بأنَّه سَماعي، لماذا ليس له نظير؟ معناه: أنَّه لا يدخل تحت قاعدة، يعني: لا تَشمله قاعدة صَرفيَّة، لأنَّ القواعد الصرفيَّة عامة يدخل تحتها الصحيح والمعتل، فإذا وجدنا مُعتلَّاً انفرد بحكمٍ علمنا أنَّه لا يساويه الصحيح، فإذا لم يكن كذلك علمنا أنَّه لا يدخل تحت قاعدة، فهو عادم النظير كما قال هنا: وَالْعَادِمُ النَّظِيرِ ذَا قَصْرٍ وَذَا ... مَدٍّ بِنَقْلٍ كَالْحِجَا وَكَالحِذَا

(حِجَا) نقول: هذا لا يدخل تحت قاعدة، آخره ألفٌ لازمة قبلها فتحة، (وَالحِذَاء) بالمد، قبل آخِره .. قبل طرفه ألفٌ .. مدَّة، هل استوجب هذه المدَّة قاعدة صرفية؟ الجواب: لا، حكمنا عليه بأنَّه سَماعي. (وَالْعَادِمُ النَّظِيرِ) يعني: ما لا نظير له من الصحيح، فهذا إنَّما يُدْرَك قصره وَمَدُّه بالسماع، كما قال النَّاظم هنا: (بِنَقْل) فمن المقصور سَماعاً: (الفتى) واحد الفتيان، و (السنا) الضوء، و (الثرى) التراب، و (الحجا) العقل. ومن الممدود سَماعاً: (الفتى) لحداثة السن، و (السَّناء) للشَّرف، و (الثراء) لكثرة المال، و (الحذاء) للنَّعل، وهذا المقصور والممدود السماعي ألَّف فيه أهل اللغة مصنفات مفردة، يعني: فيه كتبٌ مؤلَّفة. قال أبو حيَّان: "ومن أجمعها: (تحفة المودود) لابن مالك رحمه الله" تعالى صاحب الألفيَّة، له كتاب في الممدود والمقصور. قوله: (وَالْعَادِمُ النَّظِيرِ) (الْعَادِمُ) هذا مبتدأ، وهو مضافٌ إلى مفعوله .. الذي عَدِم النظير، إذاً: اسم فاعل مضافٌ إلى مفعوله (وَالْعَادِمُ النَّظِيرِ) مبتدأ مضافٌ إلى (النَّظِيرِ)، من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول، (ذَا قَصْرٍ) صاحب قصرٍ، هذا حالٌ من الضمير المستتر في الخبر (بِنَقْلٍ)، والعادم النظير (بِنَقْلٍ) يعني: منقول، (ذَا قَصْرٍ) حال كونه ذا قصرٍ. (وَذَا مَدٍّ) هذه حالٌ بعد حال، فهي حالٌ مُقدَّمة والعامل فيها مُتَعَلَّق الجار والمجرور (وَالْعَادِمُ النَّظِيرِ) كائنٌ (بِنَقْلٍ) حال كونه (ذَا قَصْرٍ وَذَا مَدٍّ)، حينئذٍ المحذوف مثل هذا .. الواجب الحذف، هل هو عاملٌ معنوي أم لفظي؟ المشهور: أنَّه معنوي، حينئذٍ تَقدَّمت الحال على عاملها المعنوي. (وَالْعَادِمُ النَّظِيرِ .. بِنَقْلٍ)، يعني: الذي عَدِم نظيراً من الصحيح في النوعين، يعني: مقصورٌ ليس له نظير، وممدودٌ ليس له نظير، حينئذٍ تَحكم عليه بأنَّه منقول (بِنَقْلٍ) حال كونه (ذَا قَصْرٍ وَذَا مَدٍّ). (كَالْحِجَا وَكَالحِذَا) (حِذَا) هذا قصره للضرورة، ليس الحذا هذا .. مثل الحذاء، حذاءٌ بالهمز، قصره للضرورة، فهو نشرٌ على ترتيب اللَّف، فـ (الْحِجَا) مقصورٌ لا غير، و (الحِذَا) ممدودٌ لا غير، والمعنى: أنَّ ما ليس له نظيرٌ اطَّرَد فتح ما قبل آخِره فقصره سَماعي، وما ليس له نظير اطَّرد زيادة ألفٍ قبل آخره فمدُّه سَماعي. قال الشَّارح: "هذا هو القسم الثاني: وهو المقصور السماعي والممدود السماعي، وضابطهما: أنَّ ما ليس له نظيرٌ اطَّرد فتح ما قبل آخره فَقَصْرُه موقوفٌ على السَّماع، وما ليس له نظيرٌ اطَّرد زيادة ألفٍ قبل آخره فمدُّه مقصورٌ على السماع، فمن المقصور السماعي: (الفتى) واحد الفتيان"، فهذا ونحوه وإن كان لها موازنٌ من الصحيح، لها موازنٌ من الصحيح مثل: بطل .. فتى، وحجا على وزن (عِنَبْ)، وهي مقصورة سماعاً، لأنَّ مُوَازنها المذكور ليس نظيرها، يعني: ليس داخلاً معها تحت قاعدة.

ليس المراد أن يكون له وزنٌ مُشترك في اللفظ فحسب، النظير هنا: أن يكون قريناً معه، يعني: زميل، داخل تحت قاعدة، كُلٌّ منهما يشتركان في هذه القاعدة: هذا جوىً، كما ذكرناه و (أسف) كُلٌّ منهما مصدرٌ لـ (فَعِل) اللازم، لا بُدَّ أن يكون هكذا، وأمَّا مُجرَّد أن هذا على وزن (فَعَلْ) وهذا على وزن (فَعَلْ) ثُمَّ نترك الأمر، لا بُدَّ أن يشتركا في كونهما ذي قاعدة صَرفيَّة. إذاً: (الفتى) هذا له نظير وهو (بطل)، و (حِجا) على وزن (عِنَبْ) له نظيرٌ من الصحيح، لكن هذا لا يكفي، لا بُدَّ أن يكون موازنه ونظيره داخلاً معه تحت قاعدة صَرفيَّة. لأنَّ موازنها المذكور ليس نظيرها إن لم يَجتمعا في مصدريةٍ، هكذا قال الصَّبان: "إذ لم يَجتمعا في مصدريَّةٍ، ولا جمعٍ، ولا آليةٍ، ولا نحو ذلك" لم يجمعهما قاعدة صَرفيَّة .. مصدريَّة، ولا قاعدة جمع سواءٌ كان بألفٍ وتاء إلى آخره، ولا آلية: اسم آلة .. اسم زمان، ونحو ذلك، كما اجتمعا: الجوى والأسف ونحوها. إذاً: المقصود هنا: أن يدخلا تحت قاعدة صرفيَّة عامة، ولذلك هذا نُؤَكِّد به على أنَّ قولهم: (النَّظِيرِ) هناك لا يلتبس عليك، ليس المراد (النَّظِيرِ): الحكم به، (النَّظِيرِ) يكشف فقط، نحكم على هذا بأنَّه مقصور أو بأنه ممدود قياساً إذا وُجِد له نظير فَيؤَكِّد فقط، وإلا كُلٌّ منهما قد دخل تحت قاعدة، ومن الممدود السماعي: (الفتاء) وحداثة السن، و (السناء) الشرف، و (الثراء) إلى آخره. وَقَصْرُ ذِي الْمَدِّ اضْطِرَارَاً مُجْمَعُ ... عَلَيْهِ وَالْعَكْسُ بِخُلْفٍ يَقَعُ وَقَصْرُ ذِي الْمَدِّ اضْطِرَارَاً مُجْمَعُ ... عَلَيْهِ. . . . . . . . . . . . . يعني: يَجوز قصر الممدود في الشِّعْر خاصَّةً، ولذلك قال: (اضْطِرَارَاً) هذا مفعول لأجله، (مُجْمَعُ عَلَيْهِ) لأنَّه رجوعٌ إلى الأصل، قالوا الأصل: هو القصر، بدليل: أنَّ الممدود لا تكون ألفه إلا زائدة، وألف المقصور قد تكون أصليَّة، الممدود: صحراء، الألف هذه زائدة، وأمَّا المقصور فقد تكون الألف فيه أصليَّة، إذاً: دلَّ على أنَّه هو الأصل. إذاً: (مُجْمَعُ عَلَيْهِ) لأنَّه رجوعٌ إلى الأصل إذ الأصل: القصر بدليل: أنَّ الممدود لا تكون ألفه إلا زائدة، وألف المقصور قد تكون أصليَّةً، والزيادة خِلاف الأصل. (وَالْعَكْسُ) وهو مدُّ المقصور، (يَقَعُ بِخُلْفٍ) فيه خلاف، جَوَّزه الكوفيون ومَنَعه البصريون. لا خلاف بين البصريين والكوفيين في جواز قصر الممدود للضرورة، واخْتُلِف في جواز مدٍّ المقصور، فذهب البصريون إلى المنع، وذهب الكوفيون إلى الجواز، وهذان قولان: المنع مُطلقاً، والجواز مطلقاً، وَثَمَّ قولٌ ثالث: بالتفصيل بين ما يَخرج إلى عدم النظير فيمتنع، وما لا فيجوز، إذا خرج إلى عدم النظير امتنع، وإلا فهو جائز. استدل الكوفيون بقول الشاعر: يَا لَكَ مِنْ تَمْرٍ وَمِنْ شِيْشَاءِ ... يَنْشَبُ فِي المَسْعَلِ وَاللَّهَاءِ (اللَّهَاءِ) مدَّ المقصور وهذا للضرورة. فَلاَ فَقْرٌ يَدُوْمُ وَلاَ غِنَاءُ .. مدَّ هنا المقصور، ومنع البصريون وقدَّروا في البيت مصدراً لـ: (غانيتُ) لا مصدراً لـ: (غنيتُ)، قال ابن هشام في (التوضيح): "وهو تَعَسُّفٌ".

إذاً: أجمعوا على جواز قصر الممدود اضطراراً .. هذا مجمعٌ عليه، ومثَّلوا له بقول الشاعر: لاَ بُدَّ مِنْ صَنْعَا وَإِنْ طَالَ السَّفَرْ .. وَأَهْلُ الْوَفَا مِنْ حَادِثٍ وَقَدِيمِ .. (أَهْلُ الْوَفَاءِ) قصره .. وهذا جائز، واختلفوا في جواز مدِّ المقصور للضرورة. إذاً: قوله: (وَقَصْرُ ذِي الْمَدِّ) (قَصْرُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذِي الْمَدِّ) (ذِي) يعني: صاحب المدِّ، وهو: الممدود، (اضْطِرَارَاً) هذا مفعولٌ له، (مُجْمَعٌ) هذا خبر، (عَلَيْهِ) يعني: على جوازه مُتعلِّق بقوله: (مُجْمَعٌ). وأمَّا كيفيَّة القصر والذي يُحذف فلم يُنَبِّه عليه النَّاظم، والقياس: حذف الألف قبل الآخر، (وَالْعَكْسُ) وهو مدُّ المقصور اضطراراً، وهذا مبتدأ (يَقَعُ بِخُلْفٍ) كأنَّه أشار إلى الخلاف ولم يَجزم بالمنع. ثُم قال رحمه الله: (كَيْفِيَّةُ تَثْنِيَةِ المَقْصُورِ وَالمَمْدُودِ وَجَمْعِهِمَا تَصْحِيْحَاً). بعد ما بَيَّن لك الممدود وبَيَّن لك المقصور، فجعله كتوطئة وتقدِمة للتَّثنية والجمع، لأنَّ أحوالاً تَتَغيَّر بالتَّثنية والجمع. (كَيْفِيَّةُ) لا حقيقة التَّثنية، لأنَّ حقيقة التَّثنية سبقت هناك، وبماذا يُعرب، وما حقيقة المثنَّى، كذلك الجمع تصحيحاً بنوعية: جمع المؤَنَّث السَّالم، وجمع المذكَّر السَّالم، حقيقتهما وإعرابهما ذهب فيما سبق في باب: المعرب والمبني. وهنا المراد: التَّثنية، ثُمَّ ليست مُطلقة، وإنَّما هي خاصةٌ بالممدود والمقصور، لأنَّ تثنية غيرهما واضحة لا تحتاج: زيد .. زيدان، وزيد .. زيدون، وهند .. هندات، هذا الأصل فيه، حينئذٍ لا نَحتاج إلى كثرة التفاصيل، وإنَّما يُذكر الممدود والمقصور لِمَا ذُكِر. (كَيْفِيَّةُ تَثْنِيَةِ المَقْصُورِ وَالمَمْدُودِ وَجَمْعِهِمَا) يعني: جمع المقصور والممدود، وهو قد ذَكَر جمع المقصور ولم يذكر جمع الممدود إحالةً على ما سبق، قيل: ترك المنقوص والأولى ذِكْرُه، لأنَّه تعتريه بعض الأحوال، حينئذٍ لا بُدَّ من ذكره، ولذلك الشُّراح استدركوا عليه ذلك. (تَصْحِيْحَاً) هذا تَمييز مُحَوَّل عن جمع، (وَجَمْعِهِمَا تَصْحِيْحَاً) تمييزٌ محوَّل عن جمع، أي: وكيْفيَّة تصحيح جمعهما، حُذِف تصحيح وأُقِيم جمع مُقامه، ثُمَّ جيء بالمحذوف المضاف فانتصب على التمييز، أو مصدر في موضع الحال من جمعٍ، أي: مُصَحَّحاً .. وجمعهما مُصَحَّحاً. قال رحمه الله: آخِرَ مَقْصُورٍ تُثَنِّي اجْعَلَهُ يَا ... إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا كَذَا الَّذي الْيَا أَصْلُهُ نَحْوُ الْفَتَى ... وَالْجَامِدُ الَّذِي أُمِيلَ كَمَتَى فِي غَيْرِ ذَا تُقْلَبُ وَاوَاً الأَلِفْ ... وَأَوْلِهَا مَا كَانَ قَبْلُ قَدْ أُلِفْ إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا .. إذاً: ثَمَّ تفصيل (المَقْصُورُ) قد يكون ثلاثةً، وقد يكون أربعةً فصاعداً، قال: إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا .. يعني: زائد .. ارتقى .. صعد، إن كان زائداً على ثلاثةٍ، يعني: رابعةً فصاعداً (اجْعَلَهُ يَا) اقلب الألف .. اجعلها ياء، فقوله: إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَاً ..

حينئذٍ تجاوزت ألفه ثلاثة أحرف، شَمِل ما إذا كانت رابعةً أو خامسةً أو سادسةً، فإذا كانت رابعةً وهو مقصور حينئذٍ إذا ثنَّيته قلبت الألف ياءً، فتقول في (مَلَهَى) وقعت رابعةً، مباشرة إذا ثَنَّيت قلت: (ملهَيان) قلبت الألف ياءً، لأنَّ الألف وقعت رابعةً، كذلك إذا وقعت خامسةً: (مُنتمى) إذا ثنَّيته اقلب الألف ياءً فقل: (منتميان)، كذلك إذا وقعت سادسةً: (مستدعَى .. مستدعَيان) قلبت الألف ياءً. إذاً: في ثلاثة أحوال: إذا وقعت رابعةً أو خامسةً أو سادسةً وجب قلب الألف ياءً، وأشار إلى ذلك بقوله: إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا .. (آخِرَ مَقْصُورٍ) تثنيه (اجْعَلَهُ يَا)، (آخِرَ) هذا منصوبٌ على الاشتغال، (اجْعَلَهُ) اجعل آخر، (اجْعَلَهُ) اشتغل بضميره، تَقدَّم اسمٌ وتأخَّر فعلٌ واشتغل بضميرٍ، لو سقط لتسلَّط على الاسم السابق، (آخِرَ مَقْصُورٍ) إذاً: منصوب على الاشتغال، (آخِرَ) مضاف و (مَقْصُورٍ) مضافٌ إليه. (تُثَنِّي) هذا صفة لـ (مَقْصُور)، (تُثَنِّي) الجملة .. والفاعل أنت، حينئذٍ لا بُدَّ من عائد، إذا وقع الخبر، أو النَّعت، أو الحال جملة لا بُدَّ من ضميرٍ يعود على المنعوت، أو على المبتدأ، أو على صاحب الحال، وهنا محذوف تقديره: تُثنِّيه (آخِرَ مَقْصُورٍ تُثَنِّيهِ) إذاً: حذف العائد لكونه فَضْلةً، لأنَّه مفعولٌ به. (آخِرَ مَقْصُورٍ تُثَنِّيهِ) (تُثَنِّيهِ) صفة لـ (مَقْصُورٍ)، (اجْعَلَهُ يَا) (اجْعَلَهُ) اجعل أنْتَ، الهاء هنا: مفعولٌ أول، و (يَاءً) هذا مفعولٌ ثاني، مُطلقاً؟ لا، قال: إِنْ كَانَ المقصور عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا .. مرتقياً عن ثلاثةٍ، (عَنْ ثَلاَثَةٍ) مُتعلِّق بقوله: (مُرْتَقِيَاً). قوله: (عَنْ ثَلاَثَةٍ) أطلق النَّاظم هنا، فشمل ما إذا كانت ألفه مُنقلبة عن واو أو ياء .. مُطلقاً، يعني: لا يُنْظَر إليها من حيث كونها منقلبة عن واو أو عن ياء، وهل هي مجهولة الأصل أم لا .. هل هي أصليةٌ أم زائدة؟ لا يُبحث فيه، فكل ألفٍ وقعت رابعة أو خامسة أو سادسة وجب قلبها ياءً دون نظرٍ لأي شيءٍ آخر. (كَذَا الَّذي الْيَا أَصْلُهُ) ماذا بقي؟ عرفنا (عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا) بقي الثلاثي، وليس عندنا ثنائي، الثلاثي فيه تفصيل، ننظر في هذه الألف: هل هي منقلبة عن واو أو عن ياء، أو مجهولة الأصل؟ لأنَّه يَحتمل إمَّا أن تكون منقلبة عن واو، وإمَّا أن تكون منقلبة عن ياء، وإمَّا أن تكون مجهولة الأصل، يعني: غير مُبدلة، وهذا يدخل تحته قسمان: إمَّا أن تكون أصليَّة غير منقلبة، وإمَّا أن تكون منقلبة لكن لا ندري هل هي منقلبة عن واو أو عن ياء.

إذاً: ثَمَّ تفصيل في الثلاثي (كَذَا الَّذي) (كَذَا) مثل (ذَا) السابق .. (آخِرَ مَقْصُورٍ تُثَنِّي اجْعَلَهُ يَا) مثله (الَّذي الْيَا أَصْلُهُ) الَّذي المقصور الياء أصله .. أصله الياء، يعني: أن يكون ثلاثياً وألفه منقلبة عن ياء، (نَحْوُ الْفَتَى) (فَتَى) هذا ثلاثي ليس برباعي، إذاً: نستفصل فيه: هل يُقْلَب واواً أم ياءً؟ ننظر فيه: فإذا بالألف منقلبة عن الياء، لأنَّك تقول: فتيان وفتية، فحينئذٍ ألفه هذه منقلبة عن ياء، إذاً: عندنا عِلم بالأصل، فهذه الألف منقلبة عن ياء، إذاً: تُردها إلى الياء في التَّثنية، ولذلك التَّثنية والجمع يردَّان الأشياء إلى أصولها. إذاً: كَذَا الَّذي الْيَا أَصْلُهُ نَحْوُ الْفَتَى ... وَالْجَامِدُ الَّذِي أُمِيلَ كَمَتَى (الْجَامِدُ) المراد به هنا: ما ليس له أصل معلومٌ يُرَدُّ إليه، يعني: لا يُعلم له اشتقاق، ويدخل فيه ما ألفه أصليَّة، وما ألفه مجهولة الأصل، (الْجَامِدُ) في هذا المقام المراد به: ما ألفه أصليَّه. ثانياً: ما لا يُعلم أصله، قال: (وَالْجَامِدُ) إذاً: هذا المراد به: ما ألفه أصليَّة، أو لا ندري عن أي شيءٍ قُلِبت، هذا على نوعين، بعضه يقبل الإمالة وبعضه لا يقبل الإمالة، وهذا سيأتي في: باب الإمالة. قال: (وَالْجَامِدُ الَّذِي أُمِيلَ) احترازاً من الجامد الذي لا يقبل الإمالة، (كَمَتَى) (مَتَى) هذا يقبل الإمالة: (مَتِى)، يعني: تأتي بالألف كأنَّها قريبةً من الياء، حينئذٍ (مَتَى) عَلَماً .. لو سُمِّي رجل، نحن نقول: (مَتَى) آخره ألفٌ لازمة .. قلنا: آخره حرف إعراب، إذاً: (مَتَى) ليست داخلة معنا، لأنَّها من المبنيات، وبحث المقصور في المعربات، كيف نُمَثِّل بـ: (مَتَى)؟! لا بُدَّ أن نَجعلها معربة نُسمِّي بها شخص، حينئذٍ إذا أردت تسمية شخصٍّ بـ: (مَتَى)، وكان عندك اثنان كُلٌّ منهما اسمه: (مَتَى) تقول: جاء متَيان، تقلب الألف ياءً لكونه جامداً ويقبل الإمالة. إذاً: هذه ثلاثة أحوال: الذي يُقلب فيه ألف المقصور ياءً: أولاً: ما كانت رابعةً فصاعداً. ثانياً: ثالثةً منقلبة عن ياءٍ. ثالثاً: جامداً يقبل الإمالة. فِي غَيْرِ ذَا تُقْلَبُ وَاوَاً الأَلِفْ .. ما هو (غَيْرُ ذَا)؟ نوعان: - ثلاثي ألفه منقلبة عن واو، لأنَّه قال: (كَذَا الَّذي الْيَا أَصْلُهُ)، إذاً: الذي أصله الواو نحو: عصا، والجامد الذي لا يقبل الإمالة: اثنان، دخل تحت قوله: (فِي غَيْرِ ذَا) شيئان، تُقْلَبُ الأَلف وَاوَاً فتقول: عصوان، وقفوان، ومنوان، كله نقول هذا يُقلب واو. كذلك لو سُمَّيت رجلاً بـ: إلى، تقول: إلَوان، أو بـ: إذا .. إذَوان. فِي غَيْرِ ذَا تُقْلَبُ وَاوَاً الأَلِفْ ... وَأَوْلِهَا مَا كَانَ قَبْلُ قَدْ أُلِفْ

إذا قلبت الألف واواً أو ياءً كنت قد جهَّزت الكلمة لحرفي التثنية، إمَّا أن يكون بألفٍ ونون، أو بياءٍ ونون، تَقلب الألف إمَّا واواً أو ياءً على القاعدة السابقة، ثُمَّ أَوْلِهَا .. ألحقها (مَا كَانَ قَبْلُ قَدْ أُلِفْ)، يعني: من علامات التَّثنية، إن كان في حالة الرَّفع تقول: الفتيا، جهَّزت .. قلبت الألف ياءً، ثُمَّ تأتي بالألف والنون، أولي الياء الألف والنون، فتقول: جاء الفتيان، ورأيت الفتيين، تأتي بالياء والنون. إذاً: نعود إلى المتن: آخِرَ مَقْصُورٍ تُثَنِّي اجْعَلَهُ يَا ... إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا يعني: ما زاد على الثلاثة، وهنا أطلق (عَنْ ثَلاَثَةٍ) شَمِل ما إذا كانت هذه الألف منقلبة عن واو أو ياء، سواءٌ كانت أصليَّة أم زائدة، لا نلتفت إلى هذا البتَّة، وإنَّما ننظر إلى العدد فحسب، لأنَّ ما زاد على الثلاثة من ذوات الياء يُرَدُّ إلى أصله، وهذا لا إشكال فيه، يعني: إذا قُلِبت الرَّابعة أو الخامسة أو السادسة ياءً وهي منقلبة عن ياء لا إشكال فيه، وإنَّما الإشكال فيما إذا كانت مُنقلبة عن واو ثُمَّ نردَّها إلى الياء، هذا يَحتاج إلى تعليل. وما زاد عليها من ذوات الواو يُرَدُّ الفعل فيه إلى الياء، إذاً: حملاً هنا للمقصور على فعله، تقول: ألهيتُ .. استدعيتُ، استدعى من الدعوة، أصل ألفه: واو، حينئذٍ تقول: استدعيتُ وألهيتُ، تُرَدُّ الألف إلى الياء، حملاً للمثنَّى المقصور على فعله قُلِبت الألف ياءً مطلقاً ولو كان عِلْمُنا بأنَّها منقلبة عن الواو. وأمَّا ما زاد عليها من ذوات الواو يُرَدُّ الفعل فيه إلى الياء، نحو: ألهيتُ، واستدعيتُ، واصطفيتُ، فلذلك جُعِل الاسم الزائد على الثلاثة في التثنية ياءً وإن كان من ذوات الواو. (كَذَا الَّذِي الْيَا أَصْلُهُ)، (كَذَا) هذا خبر مُقدَّم، و (الَّذِي) مبتدأ، و (الْيَا أَصْلُهُ) مبتدأ وخبر، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (أَصْلُهُ) يعني: أصل ألفه، (كَذَا الَّذِي) (الَّذِي) مقصورٌ .. اسم موصول يصدق على المقصور، (الَّذِي الْيَا أَصْلُهُ) (الْيَا) مبتدأ، و (أَصْلُهُ) خبر، والضمير هنا يعود على الألف، وذلك (نَحْوُ الْفَتَى) حينئذٍ تقول: (الْفَتَى) هذه الألف مُنقلبة عن ياء ولو كانت على ثلاثة أحرف، بدليل أنَّك تقول: فتيان، ((وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ)) [يوسف:36] (فَتَيَانِ) .. فتية، ((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ)) [الكهف:13] حينئذٍ نقول: الألف مُنقلبة عن ياءٍ. (وَالْجَامِدُ) ما إعرابه؟ معطوفٌ على (الَّذِي)، والمعطوف على المرفوع مرفوع، (وَالْجَامِدُ) عرفنا المراد بالجامد هنا: ما ليس له أصلٌ معلومٌ يُرَدُّ إليه، فيدخل فيه ما ألفه أصليَّة، وما ألفه مجهولة الأصل، (وَالْجَامِدُ) وهو نوعان: - ما يقبل الإمالة. - وما لا يقبل الإمالة. وهذا يأتي في محله في: باب الإمالة.

(وَالْجَامِدُ الَّذِي أُمِيلَ) يعني: قبل الإمالة، ليس أُمِيل بالفعل، وإنَّما ما يقبل الإمالة، ووجه قلب ألفه ياءً، لماذا؟ مع أنَّه قد يكون منقلبًا عن واو. ووجه قلب ألفه ياءً: أنَّ الإمالة إنحاءُ الألف إلى الياء، يعني: يأتي بالألف إلى قريب من الياء: والضُّحى. ولو كانت الألف منقلبة عن واوٍ. (وَالْجَامِدُ الَّذِي أُمِيلَ كَمَتَى) وبلى، تقول: متيان، وبليان، إذا ثُنِّي وسُمِّي به شخص، (فِي غَيْرِ ذَا) (ذَا) اسم إشارة يعود إلى ثلاثة أشياء: - ما ارتقى عن ثلاثة. - وما كان الياء أصلٌ من الثلاثي. - والجامد الثلاثي الذي أُميل. والأصل أن يقول: في غير ذي أو تلك، لأنَّه جمع. راعى معنى ما ذُكِر ولذا أفرد وقال: (ذَا)، يعني: ما ذُكِر (غَيْرِ ذَا) المذكور، يعني: أُوُّل بالمذكور، أشار إلى المذكور .. ما ذُكِر لك (غَيْرِ ذَا) المذكور، وإلا فالأولى أن يقول: (ذي) أو (هذه) أو (تلك)، بلفظٍ يقتضي الجمع إذ تَقَدَّم ثلاثة أشياء. فِي غَيْرِ ذَا تُقْلَبُ وَاوَاً الأَلِفْ .. (فِي غَيْرِ) جار مجرور مُتعلِّق بقوله: .. (فِي غَيْرِ) ذا تقلب الألف واواً في غير (ذا)، (تُقْلَبُ) هذا فعل إذاً: ابتداءً، تقلب الألف واواً في غير (ذا)، إذاًً: قوله (فِي غَيْرِ) مُتعلِّق بقوله: (تُقْلَبُ)، و (ذَا) المراد به: المذكور السابق: أنَّه تُقْلَب ألفه ياءً، غيره تُقْلَب واواً، لأنَّه ليس عندنا إلا واو أو ألف، إمَّا أن تُقْلَب ياءً، وإمَّا أن تُقْلَب واواً .. إمَّا هذا أو ذاك. فِي غَيْرِ ذَا تُقْلَبُ وَاوَاً الأَلِفْ .. وذلك شيئان: أن تكون ألفه ثالثةً بدلاً من واو كـ: عصا وقفا. والثاني: أن تكون غير مُبْدَلة ولم تُمَل، نَحو: (ألا) الاستفتاحية إذا سُمِّي بها .. ألَوان، إذا سميت رجل: (ألا)، وآخر مثله (ألا) جاء أَلَوَان. (وَأَوْلِهَا) ما أعراب (أَوْلِهَا)؟ (أَوْلِ) فعل أمر، و (هاء) مفعول به أول، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في مَحل نصب مفعول ثاني، (كَانَ) صلة (مَا) .. الذي. وَأَوْلِهَا مَا كَانَ قَبْلُ قَدْ أُلِفْ .. ما كان قد أُلِف قبل، (أُلِفْ) يعني: عُرِف، أين خبر (كَانَ)؟ الذي كان قد أُلِف .. كَانَ هو، (قَدْ أُلِفْ) هذا خبر كان، (قَدْ أُلِفْ) الجملة، يعني كأنَّه قال: ما كان مألوفاً، وما هو الذي كان مألوفاً؟ زيادة الألف والنون رفعاً، والياء والنون نصباً. (وَأَوْلِهَا) الذي (كَانَ قَبْلُ)، (قَبْلُ) هذا مُتعلِّق بقوله: (أُلِفْ)، والجملة خبر (كَانَ) واسمها ضمير مستتر يعود على (مَا)، لأنَّه لا بُدَّ أن تقول: أنَّ (كَانَ) فيها ضمير مستتر يعود على (مَا) لأنَّ صلة الموصول لا بُدَّ من عائدٍ، ما قد كان أُلِف في التَّثنية سابقاً. قال هنا: أيْ أولِ الواو المنقلبة إليها الألف ما أُلِف في غير هذا من علامة التَّثنية المذكورة في باب الإعراب، أو أول الياء كذلك.

قال الشَّارح هنا: "الاسم المتمكن إن كان صحيح الآخر، أو كان منقوصاً لحقته علامة التَّثنية من غير تغيير" يعني: يريد أن يمهد، لأنَّ النَّاظم هنا لم يذكر إلا الممدود والمقصور فحسب، بقي عليه الاسم المُتمكِّن إن كان صحيح الآخر، هذا تلحقه الزيادة بدون تغيير، وكذلك إذا كان منقوصاً لحقته علامة التَّثنية من غير تغيير، فتقول: رجل .. رجلان، وجارية .. جاريتان، وقاضي .. قاضيتان، هذا في الاسم المُتمكِّن، ويدخل فيه ما نُزِّلَ مُنَزَّلة الصحيح، مثل: دلو وضبي، فتقول: دلوان .. وضبيان، ولذلك قال ابن هشام: الاسم على خمسة أنْوَاعٍ: الأول: الصحيح كـ: رَجُل وامْرَأَة. والثاني: الُمنَزَّل مُنَزَّلة الصحيح كـ: ظَبْىٍ ودَلْوٍ. والثالث: المعتلَّ المنقوص كـ: قَاضٍ. هذه الأنواع الثلاثة يجب ألا تُغَيَّر في التَّثنية، فتقول: رجلان، وامرأتان، وضبيان، ودلوان، وقاضيان، لا تُغَيَّر .. تبقى على أصلها، وأمَّا المقصور والممدود فهذا الرابع والخامس، وإن كان مقصوراً فلا بُدَّ من تغييره على ما سيأتي، وإن كان ممدوداً فسيأتي حكمه، فإن كانت ألفه .. ألف المقصور رابعةً فصاعداً، هو جاء بالمعنى، النَّاظم قال: (إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا) يعني: زائداً وصاعداً عن ثلاثة .. عَبَّر بالمعنى. إن كانت ألف المقصور رابعةً فصاعد قُلِبت ياءً، يعني: تجاوزت ألفه ثلاثة أحرف، فتقول في (ملهَى): ملهَيان، هذه رابعة، وفي (مستقصَى): مستقصَيان، هذه سادسة، بقي عليه الخامسة (منتمَى): منتمَيان، وفي (حبلَى): حبليان. إذاًَ: هذا ما كانت على أربعة أحرف فصاعداً، وما عداه فَيُحْكم عليه بكونه شاذَّاً، ولذلك قيل: شَذَّ قوله في تثنية (قهقرى) و (خوزلى): قهقران وخوزلان، بالحذف، (قهقرى) الأصل أن يُقال: قهقريان، لكن قيل: قهقران حُذِفت الألف، نقول: هذا شاذ، لأنَّ القاعدة: أن تُقْلَب الألف إذا كانت رابعة فصاعدة أن تُقلب ياء، يعني: ما تُحْذَف، وهنا (قهقران) حذفها فهو شاذ، ومثله (خوزلان): خوزلا الأصل: خوزليان، قال: خوزلان: حُذِفت الألف، نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه، هذا إن كانت رابعةً فصاعداً. وإن كانت ثالثةً لا بُدَّ من الاستفصال: فإن كانت بدلاً من الياء كـ (فَتَى) و (رحى)، قُلِبت أيضاً ياءً، فتقول: فتيان ورحيان، وَشَذَّ في (حِمى): حِموان، حِمَى .. حميتُ .. أحميه، هذا يائي أو واوي؟ يائي، سُمِع: حِمَوان أو حَمَوان، بالواو، قُلِبت الألف واواً، هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه. إذاً: شذَّ في (حِمى) وهو: ألفٌه منقلبة عن ياء مثل: فتى .. حِموان، بالواو لأنَّ ألفه منقلبة عن ياء بدليل: حميت الحمى وأحميه، وكذا إذا كانت مجهولة الأصل غير مُبدلة، عبَّر بعضهم عن الأصليَّة بالمجهولة، والمراد بالألف الأصليَّة: هي كل ألفٍ في حرفٍ أو شبهه: (إلى) و (على) ونحوها، ومجهولة الأصل نحو (الدَّدا) وهو: اللهو، فإن ألفه لا يُدرى هل هي عن واوٍ أو ياء.

لأنَّ الألف في الثلاثي المعرب لا تكون إلا منقلبة عن أحدهما، إذا قيل: فتى، هذه الألف إذا وقعت ثالثةً وهو اسمٌ معرب لا بُدَّ أن تكون مُنقلبة، لأنَّ الاسم أقل وضعه على ثلاثة أحرف، حينئذٍ الألف إمَّا منقلبة عن واو أو عن ياء. إذاً: وكذا إذا كانت ثالثةً مجهولة الأصل وَأُمِيلت -وأُميلت ليس بالفعل- وإنَّما قَبِلت الإمالة، فتقول في: متى، علماً .. لا بُدَّ من هذا الشَّرط إذا سِمَّيت به: متَيان. إذاً: هذه الأحوال الثلاثة وجب قلب الألف .. ألف المقصور ياءً، والحذف شاذٌّ، وقلب الألف واواً شاذٌّ. إذاً: شذوذان .. حذف الألف شاذ، وقلب الألف واواً شاذٌّ، وإن كانت ثالثةً بدلاً من واو كـ: عصاً، وقفا، ومنا، قُلِبت واواً فتقول: عصوان، وقفوان، ومنوان، وشذَّ قولهم في (رضا): رِضيان، من الرضوان، الأصل أن يُقال: رِضوان، بالواو لكنَّه رضيان، قُلِبت الألف ياءً وهي منقلبة عن واو، لأنَّه: رضا، من الرضوان هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه. وكذا إن كانت ثالثةً مجهولة الأصل ولم تُمَلْ، يعني: لم تقبل الإمالة كـ: إلى، علماً فتقول: إلوان، لو سَمَّيت شخص: (إلى) و (إلى) آخر، فتقول: جاء الإلَوان، و (لدى) و (إذا) علمين، نقول: لَدوان وإذَوان، فالحاصل: أنَّ ألف المقصور تُقْلَب ياءً في ثلاثة مواضع: - الأول: إذا كانت رابعةً فصاعداً بقطع النظر عن أصلها. - الثاني: إذا كانت ثالثةً بدلاً من ياء، إذاً: معلومة الأصل. - ثالثاً: إذا كانت ثالثةً مجهولة الأصل وَأُمِيلت، يعني: قبلت الإمالة، وَتُقْلَب واواً في موضعين: - الأول: إذا كانت ثالثةً بدلاً من الواو مثل: فتى. - الثاني: إذا كانت ثالثةً مجهولة الأصل ولم تُمَلْ. وأشار بقوله: وَأَوْلِهَا مَا كَانَ قَبْلُ قَدْ أُلِفْ .. إلى أنَّه إذا عُمِل هذا العمل المذكور في المقصور، أعني: قلب الواو ياءً أو واواً، هذا توطئة .. مُقدِّمة، أنت تريد أن تُثنِّي لتعربه إعراب المثنَّى، فَتُعْمِل هذا العمل أولاً ثُمَّ تلحقه بألف التَّثنية وياء التَّثنية. لحقتها علامة التَّثنية التي سبق ذكرها -أول الكتاب- وهي: الألف والنُّون المكسورة رفعاً، والياء المفتوح ما قبلها، والنون المكسورة جرَّاً ونصباً. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

121

عناصر الدرس * أنواع المدود وكيفية تثنية كل * جمع المقصور جمع تصحيح * شروط اتباع العين الفاء في جمع تصحيح المؤنث * مالا يجوز فيه اتباع العين الفاء * حكم المخالف للقواعد الصرفية. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: فلا زال الحديث في باب: (كَيْفِيَّةُ تَثْنِيَةِ المَقْصُورِ وَالمَمْدُودِ وَجَمْعِهِمَا تَصْحِيْحَاً). عرفنا أنَّ المقصور إذا ثُنِّي آخره الألف، إمَّا أنَّها تُقْلَب واواً، وإمَّا أنَّها تُقلب ياءً، قلنا: تُقْلَب ياءً في ثلاثة مواضع: أولاً: إذا كانت رابعةً فصاعداً، يعني: إذا وقعت الألف رابعة كـ: ملهى، حينئذٍ نقول: ملهيان، تُقْلَب الألف ياءً، وإذا وقعت خامسةً كـ: منتمى .. منتميان، تُقْلَب كذلك الألف ياءً، وإذا وقعت سادسةً كـ: مستدعى .. مستدعيان، حينئذٍ تُقْلَب الألف ياءً إذا كانت رابعةً فصاعداً. الموضع الثاني: إذا كانت ثالثةً بدلاً من الياء، أشار إليه بقوله: كَذَا الَّذي الْيَا أَصْلُهُ نَحْوُ الْفَتَى .. (فَتَى) الألف هذه منقلبة عن ياء، ولذلك تقول: فتيان وفتية، ومعلوم أن الجمع يَرُدُّ الأشياء إلى أصولها، كذلك التصغير يَردُّ الشيء إلى أصله. الموضع الثاني: إذا كانت ثالثةً بدلاً من ياء. الموضع الثالث: إذا كانت مجهولة الأصل، وقلنا مجهولة الأصل يُعَبَّر به ويُراد به نوعان: أولاً: ما كانت الألف أصلية، يعني: ليست منقلبة عن واوٍ ولا ياء. الثاني: ما كانت منقلبة عن واوٍ أو ياء وَجُهِل أصلها .. لا ندري هل هي منقلبة عن واو أو عن ياء، وهذا ما عبَّر عنه بـ (الْجَامِدُ) وهذا المراد بـ (الْجَامِدُ): ما لا يُعلم له أصل فيعمُّ ما ذكرناه، لكنَّه قيَّده بقوله: (الَّذِي أُمِيلَ كَمَتَى) لو سُمِّي رجل بـ (مَتَى) حينئذٍ نقول: متيان، كذلك إذا سُمِّي رجل بـ: (بلى) حرف إيجاب: بليان، بالياء. في هذه المواضع الثلاثة يجب قلب الألف ياءً إذا ثُنِّي، وأمَّا قلبها واواً ففي موضعين، أشار إليه بقوله: فِي غَيْرِ ذَا تُقْلَبُ وَاوَاً الأَلِفْ .. وهما: الثلاثي الذي ألفه منقلبة عن واو، مثل: عصا تقول: عصوان، قفى .. قفوان، منى .. منوان، هنا الألف ليست كالألف في: الفتى، (الفتى) الألف منقلبة عن ياء، فترجع إلى أصلها في التَّثنية، كذلك: عصا، ومنى، وقفا، نقول: هذه ترجع إلى أصلها، لأنَّها منقلبة عن واو. الموضع الثاني: الجامد الذي لا يقبل الإمالة، مثل إذا سُمِّي رجل بـ: ألا الاستفتاحية تقول: أَلَوَاَنْ، حينئذٍ قُلِبت الألف واواً. إذاً: هذه خمسة مواضع، في ثلاثةٍ تُقْلَب الألف ياءً، وفي موضعين تُقْلَب الألف واواً. ثُمَّ شرع في تثنية الممدود، فقال: وَمَا كَصَحْرَاءَ بِوَاوٍ ثُنِّيَا ... وَنَحَوُ عِلْبَاءٍ كِسَاءٍ وَحَيَا بِوَاوٍ اوْ هَمْزٍ وَغَيْرَ مَا ذُكِرْ ... صَحِّحْ وَمَا شَذَّ عَلَى نَقْلٍ قُصِرْ وَمَا كَصَحْرَاءَ بِوَاوٍ ثُنِّيَا .. ذكر (صَحْرَاءَ)، وذكر (عِلْبَاء)، وذكر (كِسَاء)، وذكر (حَيَا) هذه أربعة أنواع، إشارة إلى أنَّ الألف الممدودة على أربعة أنواع: - ما كانت همزته بدلٌ من ألف التأنيث، وأشار إليه بقوله: (صَحْرَاءَ). - ما كانت ألفه للإلحاق، وأشار إليه بقوله: (عِلْبَاء). - ما كانت ألفه أصلية منقلبة عن واو، وأشار إليه بـ (كِسَاء) أصلها: كساوٌ.

- وما كانت ألفه أصلية لكنَّها منقلبة عن ياء، وأشار إليه بـ (حَيَاء) بالهمز لكن قصره للضرورة. هذه أربعة أنواع للممدود، حينئذٍ هل الحكم واحدٌ فيها؟ الجواب: لا .. ليس الحكم واحداً. وَمَا كَصَحْرَاءَ بِوَاوٍ ثُنِّيَا .. والذي كـ: (صَحْرَاءَ)، (مَا) هنا مبتدأ يصدق على اسم ممدود، الاسم الممدود كـ: (صَحْرَاءَ) مِمَّا همزته بدلٌ من ألف التأنيث، (ثُنِّيَا) الألف للإطلاق، و (ثُنِّي) الجملة في محل رفع خبر (مَا)، (بِوَاوٍ) جار مجرور مُتعلِّق بقوله (ثُنِّيَا)، إذاً: والذي ثبت كـ: (صَحْرَاءَ) ثُنِّي بقلب الهمزة واواً، فتقول في (صَحْرَاءَ): صحروان، وفي (حمراء): حمراوان، تقلب الهمزة ألفاً. إذاً: إذا كانت الهمزة للتأنيث وجب قلبها في التَّثنية واواً، فتقول في نحو (صحراء): صحراوان، وحمراوان، إذاً: هذا النوع الأول من الممدود. النوع الأول: ما يجب تغيير همزته بقلبها واواً، وهو ما همزته بدلٌ من ألف التأنيث، وهذا سبق أنَّه على مذهب البصريين .. أنَّ هذه الهمزة ليست أصلاً .. (ذَاتُ مَدٍّ) قلنا: هذه فرعٌ عن: (ذَاتُ قَصْرِ) على مذهب البصريين، وأمَّا على مذهب الكوفيين فَكُلٌّ منهما أصلٌ. إذاً: ما يجب تغيير همزته بقلبها واواً: وهو ما همزته بدلٌ من ألف التأنيث كـ: حمراء، حينئذٍ يُقال: حمراوان، وَشَذَّ: حمرايان، بقلب الهمزة ياء .. هذا شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه، لأنَّ الهمزة هنا بدل عن ألف التأنيث فوجب قلبها واواً، وأمَّا قلبها ياءً هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه. وشذَّ (حمرايان) بقلب الهمزة ياءً، و (حمراءان) بالتصحيح، يعني: بتثبيت الهمزة، نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه، لماذا يحفظ ولا يقاس عليه؟ لأنَّ الهمزة هنا بدلٌ عن ألف التأنيث فوجب قلبها واواً لا ياءً ولا تصحيحها، لأنَّ المواضع هنا مع التعامل مع هذه الهمزة ثلاثة: إمَّا أن تُقلب الهمزة واواً، وإمَّا أن تُقْلب الهمزة ياءً، وإمَّا أن تُصَحَّح، يعني: تبقى، مثل: قُرَّاء .. قُرَّاءان، تبقى كما هي لا تقبلها ياءً ولا واواً، هذا يسمى عندهم: تصحيح. ولذلك قال: (وَغَيْرَ مَا ذُكِرْ صَحِّحْ) يعني: أبقه على ما هو عليه، فتبقي الهمزة في التَّثنية فتقول: قُرَّاءان .. وُضَّاءان، تبقى الهمزة، هذا يُسمى: تصحيحاً، يعني: تَصِحُّ الهمزة ولا تقلب واواً ولا ياءً، حينئذٍ (حمراوان) هذا المسموع وهو الصحيح القياس، و (حمرايان) هذا شاذ .. بقلب الهمزة ياءً، و (حمراءان) بالتصحيح كذلك شاذ. وشذَّ: قرفصاء .. قرفصان، (قرفصاء) مثل: (حمراء)، الهمزة بدلٌ عن ألف التأنيث، فالأصل فيه أن يقال: قرفصوان، يعني: بقلب الهمزة واواً، ولكنَّه شَذَّ فَسُمِع فيه: قرفصان بحذف الهمزة مع إثبات الألف والنُّون. و (خنفسان) كذلك شاذ، لأنَّ الأصل أن تُقلب الهمزة واواً، وكذلك: (عاشوران) عاشوراء، الهمزة هنا بدل عن ألف التأنيث، فالأصل فيها: أن تُقلب الهمزة واواً فيقال: عاشوران، ويقال: خنفسوان، يعني: بقلب الهمزة واواً. إذاً: وَمَا كَصَحْرَاءَ بِوَاوٍ ثُنِّيَا .. إذا كانت الهمزة بدلاً عن ألف التأنيث وجب قلبها واواً.

النوع الثاني: أشار إليه بقوله: (وَنَحَوُ عِلْبَاءٍ) مِمَّا همزته بدلٌ من حرف الإلحاق، (عِلْبَاء) الأصل: علبايٌ، فقلبت الياء همزةً، وهذه الهمزة مبدلة من حرف الإلحاق، والعلباء: عصبة العنق، حينئذٍ: (وَنَحَوُ عِلْبَاءٍ) قال: بِوَاوٍ أَوْ هَمْزٍ، (نَحَوُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (عِلْبَاءٍ) مضافٌ إليه، حكَم على الثلاثة التي دخل عليها النحو، مثال: (عِلْبَاءٍ) و (كِسَاءٍ) و (وَحَيَا) بجواز الوجهين: بِوَاوٍ أَوْ هَمْزٍ يعني: يجوز في (عِلْبَاءٍ) أن يُقال: علباوان، وعلباءان، يعني: بالتصحيح وبقلب الهمزة واواً. وأشار بقوله: (أَوْ هَمْزٍ) على التصحيح، يعني: إبقاؤها كما هي، فيقال: علباوان، وعلباءان، ويُقال: كساوان، وكساءان، ويقال: حياءان، وحياوان، إذاً: بقلب الهمزة واواً، أو بتصحيح الهمزة. إذاً: (عِلْبَاء) يجوز فيه الوجهان: بقلب الهمزة واواً، أو تُصَحَّح فيه الهمزة. و (كِسَاء) أشار به إلى النوع الثالث: وهو مِمَّا همزته بدلٌ من أصلٍ .. هو واوٌ إذ أصله: كساوٌ، إذا ثنَّيته حينئذٍ يَجوز فيه الوجهان: قلب الهمزة واواً: كساوان، أو كساءان .. تصحيحها. كذلك (حَيَا) أشار به إلى ما همزته بدلٌ من أصلٍ وهو الياء، وحينئذٍ يجوز فيه الوجهان فيقال: حياءان، وحياوان، بالمدِّ ثُمَّ الواو والنون. إذاً: سوَّى النَّاظم هنا في الحكم على: (عِلْبَاء) و (وكِسَاء) و (وَحَيَا)، حكم على الأول: (صَحْرَاءَ) بالجزم، وهنا خيَّر بين أمرين: بِوَاوٍ أَوْ هَمْزٍ هل الحكم واحد مستوٍ في (عِلْبَاء) و (وكِسَاء) و (وَحَيَا)؟ الجواب: لا، فـ (عِلْبَاء) الأرجح فيه الإعلال، يعني: قلب الهمزة واواً هذا أرجح من التصحيح، وأمَّا (كِسَاء) و (وَحَيَا) فالتصحيح أرجح من الإعلال، يعني (علباوان) أرجح وأكثر في لسان العرب من (علباءان) بالتصحيح، و (كساءان) و (حياءان) أقلُّ من (كساوان) و (حياوان). إذاً: الأرجح في الأول وهو (عِلْبَاء) الإعلال، وفي الأخيرين التصحيح: (كساءان) أرجح من (كساوان) مع جواز الوجهين، و (حياءان) أرجح من (حياوان) مع جواز النوع الثاني. (وَغَيْرَ مَا ذُكِرْ صَحِّحْ) ما هو الذي لم يُذْكَر؟ قلنا: الأنواع أربعة: - ما كانت همزته بدلاًً من ألف التأنيث، وأشار إليه بقوله: (صَحْرَاءَ). - ما كانت همزته بدلاً من حرف الإلحاق: (عِلْبَاء) النوع الثاني. - الثالث: ما كانت همزته بدلاً عن أصلٍ، واوٍ كـ (كِسَاء)، (وَحَيَا) عن ياء. - بقي نوع آخر: وهو ما كانت أصلية، يعني: غير مبدلة مثل: قُرَّاء. (وَغَيْرَ مَا ذُكِرْ صَحِّحْ) وصَحِّح في التَّثنية غير ما ذُكِر من (صحراء) وما عُطِف عليه، حينئذٍ يتعيَّن أن يُقَال: قرَّاءان ووضاءان، فيبقى على ما هو عليه، لأنَّ هذه الهمزة أصليَّة ليست للتأنيث، وليست للإلحاق، وليست بدلاً عن واوٍ ولا عن ياء، فيجب فيها التصحيح. فحينئذٍ نقول الأنواع أربعة: - الأول: ما يجب سلامة همزته وهو ما همزته أصليَّه، وهذا يُعَبَّر عنه عندهم بـ: التصحيح، كَـ: (قُرَّاء) وهو النَّاسك، و (وُضَّاء) وضيء الوجه، تقول: قُرَّاءان وَوُضَّاءان، هذا النوع الأول.

- الثاني: ما يجب تغيير همزته بقلبها واواً، وهو ما همزته بدلٌ من ألف التأنيث كـ: (حمراء) هنا يجب، ولذلك لم يُخَيِّر النَّاظم بين ذلك، وَيدلُّ على ذلك أنَّه فصل هذه المسألة عن المسألة التي بعدها، فَجَوَّز الوجهين في نحو (عِلْبَاء) وحكم في قوله: وَمَا كَصَحْرَاءَ بِوَاوٍ ثُنِّيَا .. بقلب الهمزة واواً، ولم يُخَيِّر بينه وبين التصحيح، فدلَّ على أنَّه واجبٌ، هذا النوع الثاني. - النوع الثالث: ما يترجَّح فيه التصحيح على الإعلال .. يجوز فيه الوجهان لكن يترجَّح التصحيح على الإعلال، وهو: ما همزته بدلٌ من أصلٍ، نحو (كِسَاء) و (وَحَيَا)، نقول: هذا يترجَّح فيه التصحيح على الإعلال، لأنَّ الهمزة فيهما أقرب إلى الأصلية لكونها بدلاً عنها .. هي بدلٌ عن أصل، ولذلك يُعَبِّر بعضهم عن هذا النوع أيضاً بكونه أصلياً لكن في هذا المقام لا، لأنَّه يُرجع فيه إلى الأصل، فالتثنية تَردُّ الأشياء إلى أصولها، حينئذٍ في غير هذا المقام: ما كان منقلباً من ألفٍ أو همزةٍ عن أصلٍ قيل أصلي. ولذلك يقال: الألف في (قال) أصلية، هكذا يُعَبِّر النُّحاة، مع كونها منقلبة عن واو، وباع الألف فيه أصلية مع كونها منقلبة عن ياء، لكن هنا لَمَّا كانت التَّثنية تردُّ الأشياء إلى أصولها حينئذٍ نُظِر إلى الأصل المنقلب عنه الألف، لأنَّه يرجع في التَّثنية. إذاً: ما يترجَّح فيه التصحيح على الإعلال، لأنَّ الهمزة فيهما أقرب إلى الأصلية لكونها بدلاً عنها، وهو في (كِسَاء) و (وَحَيَا) أصلهما (كساوٌ) بالواو، ولذلك يُقال: كسوت فلاناً كسوةً (كسوت) بالواو حينئذٍ هو واوي، فوقعت الواو في (كِسَاء) إثر ألفٍ زائدة فَقُلِبت همزة كما سيأتي في باب الإبدال، وأصل (حَيَا): حيايٌ، ولذلك تقول: حيَّيتُ فلاناً، وحيَّا فلانٌ حياةً. إذاً: الهمزة هنا منقلبة عن ياء، فوقعت ياء (حياي) إثر ألفٍ زائدةٍ فَقُلِبت همزة، فَكُلٌّ من الواو والياء إذا وقعت إثر ألفٍ زائدةٍ قُلِبت همزة سواءٌ كانت متطرِّفة أم كانت في وسط الكلمة، وهذا سيأتي في آخر النَّظم، وشذَّ: كسايان، (كسايان) سُمِع بقلب الهمزة ياء، فهو شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه. الرابع: ما يترجَّح فيه الإعلال على التَّصحيح وهو: (عِلْبَاء)، وهو ما همزته بدلٌ من حرف الإعلال كـ: علباء وقوباء، أصلهما: علبايٌ وقوبايٌ، بياءٍ زائدة فيهما للإلحاق: في قرطاسٍ وقرناس، ثُمَّ أُبْدِلت الياء همزة، هنا يترجَّح الإعلال على التصحيح، قالوا: تشبيهاً لهمزته بهمزة (حمراء) من جهة أنَّ كُلاً منهما بدلٌ من حرفٍ زائد، قلنا: حمراء وصحراء، الهمزة هذه بدلٌ عن الألف المقصورة، وهي الأصل: ألف مقصورة اجتمعت ألفان أُبْدِلت الثانية همزةً، إذاً: هي بدل كذلك (عِلْبَاء) الهمزة هنا بدل عن ياءٍ. إذاً: هذه أربعة أنواع، ثُمَّ قال: وَمَا شَذَّ عَلَى نَقْلٍ قُصِرْ .. يعني: وما خرج عمَّا ذُكِر من الأنواع الأربعة والثلاث فهو شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه، مثلما ذكرنا: حمرايان وحمراءان وكسايان، نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه.

(وَنَحَوُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (عِلْبَاءٍ) مضافٌ إليه، و (كِسَاء) معطوف عليه .. على إسقاط حرف العطف، (وَحَيَا) قصره للضرورة يعني: حذف الهمزة للضرورة (بِوَاوٍ) هذا خبر المبتدأ، (نَحَوُ) خبر المبتدأ، هذه جملة جديدة منفكَّة عن قوله: وَمَا كَصَحْرَاءَ بِوَاوٍ ثُنِّيَا .. إذاً: (بِوَاوٍ) هذا مُتعلِّق بمحذوف خبر، (وَنَحَوُ عِلْبَاءٍ) يُثَنَّى بواوٍ أو همزٍ، و (أَوْ) للتَّنويع، لكن ليس المراد: التنويع الذي يجتمعان في كلمةٍ واحدة، وإنَّما هذا قِسمٌ وهذا قسم، فالتنويع هنا باعتبار التَّقسيم. (أَوْ) للتنويع وقد يجتمعان في كلمة واحدة .. هذا المراد، (بِوَاوٍ أَوْ هَمْزٍ) فـ (أَوْ) للتخيير، لأنَّ كلاً منهما جائز، نحو: (عِلْبَاءٍ) ثَنِّهِ بواوٍ أو همزٍ، إن شئت بواوٍ، وإن شئت بهمزٍ .. كُلٌّ منهما جائز، وإنَّما الأرجح أن يكون بالواو، كذلك: (كِسَاء) و (وَحَيَا) إن شئت بواوٍ أو همزٍ، إلا أن الأرجح: التصحيح وهو أن يكون بهمزٍ. (وَغَيْرَ مَا ذُكِرْ) (غَيْرَ) هذا مفعول مُقَدَّم لقوله: (صَحِّحْ)، يعني: صحِّح في التَّثنية (غَيْرَ مَا ذُكِرْ) غير المذكور، فـ (مَا) موصولة، و (ذُكِرْ) صلتها وهي في قوة المشتق، يعني: غير المذكور، والذي شذَّ في تثنية المقصور والممدود قُصِر على نقلٍ، (مَا) مبتدأ، يصدق على تثنية المقصور والممدود، و (شَذَّ) صلتها، و (قُصِرْ) خبر، و (عَلَى نَقْلٍ) مُتعلِّقٌ به، (قُصِرْ عَلَى نَقْلٍ) على المنقول .. على المسموع، حينئذٍ لا يُقاس عليه. وجملة ما شذَّ من المقصور ثلاثة أشياء: - قولهم: مِذروان، والأصل: مِذريان، لأنَّه تثنية: مِذْرَى في التقدير، ولم يُسمع له مفرد، لكن قُدِّر أنَّ مفرده ما ذُكِر، وعلَّة تصحيحه: أنَّه لم يُستعمل إلا مثنَّى. - والثاني: خوزلان وقهقران، (خوزلان) الأصل: خوزليان، بقلب الألف ياءً (خوزلان) حذف الألف والأصل: إِنْ كَانَ عَنْ ثَلاَثَةٍ مُرْتَقِيَا .. أنْ تُقْلَب الألف ياءً، ويقول: خوزَليان، بقلب الألف ياءً، لكن حذفها نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه، لأنَّه تثنية المقصور ليس فيه حذف وإنَّما هو قلبٌ للألف ياءً أو واواً، الحذف هذا سيأتي في الجمع، وأمَّا في التثنية ليس عندنا حذف .. لا يُحذف ألف المقصور، وإنَّما: إمَّا أنَّها تُقْلَب ياءً أو واواً، وهنا حذفها، هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه. إذاً: خوزلان شاذ، قهقرا .. قهقران حذف الألف، والأصل: قهقريان، بقلب الألف ياءً، وقاس عليه الكوفيون. - الثالث: رِضَيان، هنا (رضا) قلنا هذا الأصل فيه أن تُقلب الألف واواً، لأنَّه من الرضوان، وهذا شاذ، قُلِبت الألف ياءً لا واو، لأنَّه مثل: عصا، فَتُقْلَب الألف واواً لا ياءً، وهنا قُلِبت ياءً، وقاس عليه الكسائي فأجاز تثنية (رضا) و (علا) من ذوات الواو المكسور الأول المضموم بالياء، هذه ثلاثة في المقصور. والذي شذَّ من الممدود خمسة أشياء: - (حمراءان) بالتصحيح وأجازه الكوفيون. - و (حمريان) بقلب الهمزة ياءً وهذا قلنا شاذ، لأنَّه يجب قلب الهمزة واواً، فتصحيحها أو قلبها ياءً يُعتبر شاذاً. - ثالثاً: (قاصعان) بحذف الهمزة والألف وقاس عليه الكوفيون.

- رابعاً: (كسايان) والأصل: قلبها واواً أو تصحيحها، (كساوان) وأمَّا (كسايان) هذا شاذ، وقاس عليه الكوفيون. - الخامس: (قُرَاوان) بقلب الألف الأصلية واواً، والأصل: قلبها ياءً. إذاً: أربعة أنواع للممدود، وما كان خارجاً عنها فهو شاذٌ يُحفظ ولا يُقاس عليه. قال الشَّارح: " لَمَّا فرغ من الكلام على كيفية تثنية المقصور شرع في ذكر كيفية تثنية الممدود، والممدود: إمَّا أن تكون همزته بدلاً من ألف التأنيث أو للإلحاق، هذا الثاني، أو بدلاً من أصل، أو أصلاً " أربعة أنواع، "فإن كانت بدلاً من ألف التأنيث فالمشهور قلبها واواً" والنَّاظم هنا اختار وجوب قلبها واواً، المسألة فيها خلاف. فنقول في (صحراء) و (حمراء): صحراوان وحمراوان، بقلب الهمزة واواً، وإن كانت للإلحاق كـ: (عِلْبَاء)، أو بدلاً من أصل نحو: (كِساء) و (وَحَيَا) جاز فيها وجهان: - قلبها واواً فتقول: (علباوان) و (كساوان) و (حياوان). - والثاني: إبقاء الهمزة من غير تغيير، يعني: تصحيحها، فتقول: علباءان .. كساءان .. حياءان، والقلب في الملحقة أولى من إبقاء الهمزة (عِلْبَاء)، وإبقاء الهمزة المبدلة من أصلٍ أولى من قلبها واواً، هذا باعتبار الكثرة .. الأولوية هنا الكثرة، يعني: ما سُمِع مِمَّا الهمزة فيه بدلٌ عن ألف التأنيث .. ما سُمِع فيه قلب الهمزة واواً أكثر من تصحيحها، ولذلك قيل: هو أرجح، وفي: (كِسَاء) و (وَحَيَا) ما سُمِع من تصحيح الهمزة وعدم قلبها واواً هو الأكثر، ولذلك قيل: هو أرجح، هنا الترجيح باعتبار كثرة السَّماع، وهذه حجة الصرفيين في كثير من المسائل، إذا قيل: هذا مُطَّرد .. الغالب كذا .. يأتي على وزن كذا، أن يكون المسموع هو كذلك. وإن كانت الهمزة الممدودة أصلاً وجب إبقاؤها، فتقول في (قُرَّاء) و (وُضَّاء): قُرَّاءان وَوُضَّاءان. وأشار بقوله: (وَمَا شَذَّ عَلَى نَقْلٍ قُصِرْ) إلى أنَّ ما جاء من تثنية المقصور أو الممدود على خلاف ما ذُكِر اقْتُصِر فيه على السَّماع، كقوله في الخوزلى: (خوزلان) والقياس: (الخوزَليان) بقلب الألف ياءً، وقولهم في حمراء: (حمرايان)، والقياس: (حمراوان) مَثَّل لك بمثالين. هذا ما يَتعلَّق بتثنية المقصور والممدود، ثُمَّ انتقل إلى الجمع، لأنَّه ذكر كيفية التثنية وجمعهما جمعاً مُصحَّحاً. قال في المقصور: وَاحْذِفْ مِنَ الْمَقْصُورِ فِي جَمْعٍ عَلَى ... حَدِّ الْمُثَنَّى مَا بِهِ تَكَمَّلاَ وَالْفَتْحَ أَبْقِ مُشْعِرَاً بِمَا حُذِفْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . هذا مَرَّ معنا. (وَاحْذِفْ مِنَ الْمَقْصُورِ) نحن الآن في الجمع .. جمع بواو ونون: احْذِفْ مِنَ الْمَقْصُورِ فِي جَمْعٍ عَلَى ... حَدِّ الْمُثَنَّى. . . . . . . . . . .

بواوٍ ونون (مَا بِهِ تَكَمَّلاَ): ما تَكملَّ به وهو: الألف، عندنا حذف هنا، ثُمَّ أبق الفتح حال كونك مُشعراً بالمحذوف: مصطفى، مرَّ معنا في الجمع هناك قلنا: (مصطفَون) ((وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ)) [آل عمران:139] (الأَعْلَوْنَ) أصلها: أعلاون، ألفٌ بعدها واو، التقى ساكنان، حُذِفت الألف، ولا يجوز حذف الألف إلا إذا دلَّ دليلٌ قبلها عليها (أَعْلَوْنَ) بفتح اللام، ولا يجوز ضمها (أَعْلُوْن) هذا باطل، لماذا؟ لأنَّك لو ضممتها لحذفت دليل الألف، ومعلومٌ أنَّ حذف الحرف الأصلي لا يجوز .. حرام عندهم، هذا كما لو قطعت أصبعاً من رجل .. لا يجوز، هذا مثله، لكن ذاك شرعي وهذا لغوي. إلا بشرط: أن يكون حرف عِلَّة، ثُمَّ لهذا الحرف دليلٌ يبقى بعد حذفه، يعني: إذا حذفت حينئذٍ لا يخلو إمَّا أن يكون المحذوف ألفاً، أو واواً، أو ياءً، لا يجوز حذف الألف إلا إذا بقي فتحة قبلها، ولا يجوز حذف الواو إلا إذا بقي ضمةٌ قبلها تدلُّ عليها، ولا يجوز حذف الياء إلا إذا كان قبلها كسرة تدلُّ عليها، هذا دليلٌ على المحذوف. فإن وُجِد هذان الشرطان: - أن يكون حرف عِلَّة لا صحيحاً. - وأن يكون قبلها دليل .. ما يدلُّ عليها، جاز. (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ) أصلها: أعلَى، حينئذٍ نقول (أعلى): جاءت الواو، التقى ساكنان: (أعلى) الألف والواو، لا يمكن حذف الواو، التقى ساكنان .. قد يقول قائل: لماذا لا نحذف الواو؟ الواو للجمع .. جاءت لمعنى، وهي حرف إعراب، فتعيَّن حذف الألف؛ لأنَّه لا يُمكن تحريكها، وما قبلها مفتوح، حينئذٍ نقول: (أَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ). ولذلك يُقال في جمع المذكَّر السالم: الواو المضموم ما قبلها حقيقةً أو تقديراً .. حقيقةً في مثل: زيدون .. مسلمون، وتقديراً في مثل: مصطفون والأعلون، مصطفون .. مصطفى هذا الأصل، الألف هذه منقلبة عن واو: مَصْطَفَوُن، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها .. لأنَّه من الصفوة الألف هذه منقلبة عن واو، حينئذٍ تقول أصله: مُصْطَفَوُن، تَحركَّت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، قيل: (مصطفى)، ثُمَّ جيء بالواو والنون وحصل فيه ما حصل مع (الأَعْلَوْنَ)، فَحُذِفت الألف وبقي ما قبلها دليلٌ عليها. إذاً: المقصور إذا جمعته بواوٍ ونون ماذا تصنع؟ تحذف (مَا بِهِ تَكَمَّلاَ) تكمِّل بماذا .. الكلمة كَمُلت بماذا؟ بالحرف الأخير: (مصطفى)، كَمُلَت بالألف، و (أعلى)، كَمُلَت بالألف وهكذا، فالحرف الأخير حصل به كمال الكلمة، احذفه، ثُمِّ أبق الفتح مُشعراً بما حُذِف، يعني: لا يجوز تحريك ما قبل الآخر لمناسبة الواو، لماذا نص هنا على الفتح .. إبقائها؟ لأنَّ الأصل فيما جُمِع بواوٍ ونون أن يُحَرَّك ما قبل الواو، لأنَّ الواو لا يكون ما قبلها إلا مضموماً وهنا كذلك، لأنَّ الألف المحذوفة هنا محذوفة لعلَّةٍ تصريفية فهي كالموجودة، لأنَّ المحذوف لِعلَّة تصريفية كالثابت.

حينئذٍ الألف المحذوفة قُدِّرت عليها الضَّمَّة لمناسبة الواو، لماذا لا نقول: قُدِّرت على الفتحة (أعْلَون) التي على اللام؟ نقول: لأنَّ الواو اتَّصَلت بالكلمة مع الألف، فالذي تتلوه الواو الألف المحذوفة لا اللام، الآن لو قيل: (الأَعْلَوْنَ) الواو تالية في النطق للام لكن ليس هو في الحقيقة، الحقيقة إنَّما هي تلت الألف، ولذلك نقول: هذه الفتحة دليلٌ على الألف المحذوفة لأنَّها كالموجودة، وإذا كانت موجودة حينئذٍ هناك فاصل بين اللام والواو. إذاً: إذا كان الاسم الذي يراد جمعه بواوٍ ونون مقصوراً وجب حذف الألف وإبقاء ما قبله مفتوحاً على أصله، ونصَّ على ذلك لئلا يُظَنَّ بأنَّ القاعدة هنا مُطَّردة كما هو الشأن في: زيدون ومسلمون، بأنَّه يجب ضمُّ ما قبل الواو لمناسبة الواو. حينئذٍ نقول: يُضَمُّ ما قبل الواو في جمع المذكَّر السَّالم حقيقةً كما في: زيدون، أو تقديراً كما في المقصور. (وَاحْذِفْ مِنَ الْمَقْصُورِ)، (احْذِفْ) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، (مِنَ الْمَقْصُورِ) مُتعلِّقٌ بـ (احْذِفْ)، (فِي جَمْعٍ) يعني: في حال إرادة جمع اسمٍ من المقصور، (احْذِفْ مِنَ الْمَقْصُورِ فِي جَمْعٍ) يعني: في حال، فالجار والمجرور هنا مُتعلِّق بمحذوف حال من المقصور، يعني: في حال إرادة جمع اسمٍ منه، إذا أردت جمعه فالخطوة فيه أن تحذف. (جَمْعٍ عَلَى حَدِّ الْمُثَنَّى)، (عَلَى حَدِّ) هذا جار ومَجرور مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ (جَمْع)، لأنَّ الجمع أنواع: قد يكون جمعاً بألفٍ وتاء وسيذكره، قد يكون جمع تكسير وهذا يأتي له باب خاص، إذاً: يريد جمعاً على حدِّ المثنَّى، فقوله: (عَلَى حَدِّ الْمُثَنَّى) نقول: هذا جار ومَجرور مُتعلِّق بمحذوف صفة لـ (جَمْعٍ). (عَلَى حَدِّ الْمُثَنَّى) يعني: على طريقة المثنَّى في أنَّه يُعرب بحرفين مثل المثنَّى، المثنَّى يُعرب بِحرفين، يعني: بألفٍ ونون: جاء الزَّيدان، يُعرب بحرفين: بالألف والنُّون، ورأيت الزيدين، يُعرب بياءٍ ونون، ومررت بالزيدين، يُعرب بياءٍ ونون، النُّحاة يقولون: (جَمْعٌ عَلَى حَدِّ الْمُثَنَّى)، يعني: يُعرب مثله بحرفين، يعني: بألف وياء، الزَّيدان: مُعرب هنا بالألف، (بحرفين) ليس مرادهم أنَّ: الزيدين، يُعرب بألف ونون لا، النون هذه بدل عن التنوين، على قول، وأمَّا مرادهم بـ: (حرفين) يعني: ألفٍ وياء، لأنَّه في حالة الرَّفع المثنَّى يُرفع بالألف، والنصب والجر بياء، إذاً: هما حرفان. وفي جمع المذكَّر السالم: بواوٍِ في حالة الرفع، وياءٍ في حالتي النصب والجر، إذاً: يُعرب بحرفين مثله، ذاك في حالة الرفع بالألف، وهذا في حالة الرفع بالواو، والياء فيهما. إذاً: (عَلَى حَدِّ الْمُثَنَّى) يعني: على طريقة المثنَّى في أنَّه أُعْرِب بحرفين، وسلم فيه بناء واحده في المثنى والجمع، وَخُتِم بنون تُحذف للإضافة يعني: زيدان .. مسلمان .. غلامان، إذا أُضيف تُحذف النون للإضافة. كذلك جمع المذكَّر السَّالم إذا أُضِيف تُحذف النون منه: ((وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ)) [الحج:35] جاء غلاما زيدٍ، حذفت النون فيهما، لذلك قيل في هذا الجمع: أنَّه على حدِّ المثنى.

احذف (مَا) اسمٌ موصولٌ بمعنى: الذي، في محل نصب مفعول به لقوله: (احْذِفْ)، لأنَّه هو الذي وقع عليه الحذف، وهنا يصدق على الألف، احذف ألف المقصور الذي (تَكَمَّلاَ بِهِ) الألف هذه للإطلاق، (تَكَمَّلاَ بِهِ) (بِهِ) الضمير يعود على (مَا)، (بِهِ) جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (تَكَمَّلاَ)، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صِلَة الموصول. والذي تكمَّلَ به هو الألف، وَحُذِفت لالتقاء الساكنين، وهي الألف المقصورة واو الجمع أو ياء الجمع، التقى عندنا ساكنان الألف .. ألفٌ المقصور، واو الجمع في حالة الرَّفع، وياء الجمع في حالتي النصب والجر فوجب حذف الألف. (وَالْفَتْحَ أَبْقِ) يعني: أبق الفتح الذي قبل الألف المحذوفة، حذفتها واتَّصَلت الواو أو الياء، حينئذٍ أبق الفتحة ولا تطبق القاعدة السابقة من أنَّه يجب ضَمُّ ما قبل الواو لمناسبة الواو، أو كسر ما قبل الياء لمناسبة الياء، بل تبقي الفتح كما هو دليلاً على المحذوف. وأبق الفتح مُشعراً أنت، أو الفتح، يحتمل أن يكون حالاً من فاعل (أَبْقِ) أبق أنت حال كونك مُشعراً بما حُذِف، أو أبق الفتح حال كون الفتح مُشعراً بما حُذِف، يجوز الوجهان، وأيُّهما أولى؟ أبق الفتح حال كون الفتح مُشعراً بما حُذِف، أو أبق أنت الفتح حال كونك أنت مُشعراً، من الذي حذف؟ أنا .. إذاً: أنا الذي أُشْعِر بالفتح، أُبْقِي الفتحة على ما هي عليه ليعلم السامع أنَّ هذا الفتح لم يتغيَّر، فالأولى جعلُه حالاً من فاعل (أَبْقِ) أبق أنت مُشعراً. (مُشْعِرَاً) حالٌ (بِمَا حُذِفْ)، (بِمَا) هذا جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (مُشْعِرَاً)، و (حُذِفْ) وهو الألف، هذا صلة الموصول لا مَحل لها من الإعراب، (بِمَا حُذِفْ) يعني: بالمحذوف، وإنَّما لم يُبق الكسر في المنقوص (مُشْعِرَاً) لثقله قبل الواو، المنقوص إذا اتصلت به واو الجماعة: قاضي، الحُكم كالحُكم هنا في المقصور، وهو: أنَّه يجب حذف الياء فتقول: قاضون، ولم تُبق الكسرة مُشعراً بِما حُذِف، والأصل أن نقول: والكسر أبق مُشعراً بِما حُذِف، لأنَّه لا يجوز الحذف إلا إذا دلَّ دليلٌ على المحذوف، هل هذا نقضٌ للقاعدة؟ (قاضون) نحن نقول: قاضِي، ثُمَّ تأتي الواو والنون .. نحن نقول: لا يجوز الحذف إلا إذا دَلَّ دليلٌ عليه، وهنا قلنا: تحذف آخر المقصور: (وَالْفَتْحَ أَبْقِ مُشْعِرَاً) بالمحذوف، لأنَّه لا يَجوز إلا أن يبقى دليلٌ دلَّ عليه، لماذا استثنينا المنقوص؟ والمنقوص كذلك يُحْذَف (مَا بِهِ تَكَمَّلاَ)؟ إذا جُمِع جمعاً (عَلَى حَدِّ الْمُثَنَّى) قاضي، تقول: قاضون، (قاضِي) الضاد مكسورة .. ما قبل الياء، فقلت: قاضون، حذفت الواو للتَّخلُّص من التقاء الساكنين: الياء والواو، ثُمَّ لم تبق الكسرة (مُشْعِرَاً بِمَا حُذِفْ) وإنَّما قلبتها ضمَّة فراراً من قلب الواو ياءً، لأنَّك لو أبقيتها لقلنا: سكنت الواو وانكسر ما قبلها فوجب قلب الواو ياءً، فقلت: قاضين، فالتبس بالمنصوب أو المجرور، وهذه مفسدة أعظم. ولذلك عبَّر هكذا النُّحاة قالوا: تعارضت عندنا مفسدتان: مفسدة كبرى ومفسدة صغرى.

المفسدة الصغرى: هي قلب الكسرة ضمَّة، لأنَّه فات دليل الياء، هذه مفسدة .. لا شكَّ أنها مفسدة، ضاعت الياء لا يدل عليه شيء إلا بردِّه إلى الأصل: قاضي، لا بُدَّ أن يعرف أنَّ أصل: قاضي منقوص، حينئذٍ يعرف أنَّ ثَمَّ محذوفاً، أمَّا الذي يسمعه ولا يدري أنَّه منقوص لا يدري .. ضاعت عنده الياء لعدم وجود الدليل .. هذه مفسدة. وقلب الواو ياءً، هذه مفسدة لكنَّها أعظم، حينئذٍ دُفِعت المفسدة الكبرى بارتكاب المفسدة الصغرى فقيل: قاضون. إذاً قوله: (وَالْفَتْحَ أَبْقِ مُشْعِرَاً) الفتح الذي قبل الألف المحذوفة، وإنَّما لم يبقوا الكسرة في المنقوص (مُشْعِرَاً بِمَا حُذِفْ) لثقله .. أنه ثقيل أولاً، ثُمَّ يستدعي قلب الواو ياءً وهذه مفسدة عظيمة، فَدُفِعت هذه المفسدة العظيمة بقلب الكسرة ضمَّةً فقيل: قاضون. إذاً: هذا ما يَتعلَّق بِجمعه بواوٍ ونون، تُحذف ألف المقصور في جمع المقصور على حدِّ المثنَّى، وَتُفْتَح ما قبل آخره. ثُمَّ قال: . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَإِنْ جَمَعْتَهُ بِتَاءٍ وَأَلِفْ فَالأَلِفَ اقْلِبْ قَلْبَهَا فِي التَّثْنِيَهْ ... وَتَاءَ ذِي التَّا أَلْزِمَنَّ تَنْحِيَهْ هذا: (إِنْ جَمَعْتَهُ) يعني: جمعت المقصور، هنا انتقل إلى جمع المقصور جمعاً بألفٍ وتاء، وهو قد ذكر في العنوان: أنَّه سيذكر جمع الممدود والمقصور, وهنا ذكر الناظم المقصور ولم يذكر الممدود، لأنَّه أحال على تثنيته فالحكم فيهما سواء، فما قيل في الممدود هناك في: صَحْرَاءَ، وعِلْبَاء، وكِساء، وَحَيَا، يقال في الجمع، فتُقلب الهمزةُ واواً في نحو (حمراء) فتقول: حمراوون، وجوباً، وتقول: علباوون وعلباءون، وتقول: كساون وكساءون، وتقول: حياوون وحياءون، بالتصحيح .. إذا صحَّت تُكْتب على واو. إذاً: ما قيل في التثنية يقال في الجمع، إذاً: تركُه هنا ليس تقصيراً، وإنَّما إحالةً على ما سبق، ولو نصَّ عليه لكان أولى. ثُمَّ انتقل إلى ما جُمِع بألفٍ وتاء، قال: (وَإِنْ جَمَعْتَهُ) أي: المقصور (بِتَاءٍ وَأَلِفْ) وهو جمع المؤنَّث السَّالم، ماذا تصنع؟ قال: فَالأَلِفَ اقْلِبْ قَلْبَهَا فِي التَّثْنِيَهْ .. فاقلب الألف قلبها في التَّثنية، يعني: أنَّ المقصور إذا جُمِع بالألف والتاء قُلِبت ألفه مِثل قلبها إذا ثُنِّي، فتقول (مصطفى): مصطفيان، هنا تقول: مصطفيات، (مستدعَى) مستدعيان .. مستدعيات، (مَلهى) ملهيان .. ملهيات، (عصوان) عَصوات، (قَنَوَان) قنوات. إذاً: ما قيل في التَّثنية يُقال في الجمع، ويقال: فتيات، ومتيات، جمع متى مُسمَّىً به أُنثى، (متى) الألف هذه تُقْلَب ياءً: وَالْجَامِدُ الَّذِي أُمِيلَ .. فتقول: متيان، هنا تقول: متيات، نفسه .. تقلب الألف ياءً، وتقول في جمع (عصا) و (ألا) و (إذا) مُسمَّىً بِِهنَّ إناثٌ عصوات .. عصا، سميت امرأة: عصا، لأنَّه لا بُدَّ من أن يكون مؤنَّثاً، (عصا) لا يُجمع كذا إلا إذا نُقِل صار عَلَماً لمؤنَّث مثل: زينب، فتقول: عصوان، وَأَلَوان، وإذوات، عصوان وعصوات، وألوان وألوات، وإذوات وإذوان، إذا سميت امرأة: إذا، فتقول: إذوات، إذا كان: إذا وإذا وإذا، كُلُّهن أتين: جاءت الإذوات.

إذاً القاعدة: أنَّ ما جُمِع بألفٍ وتاء من المقصور يُعامل معاملة التَّثنية، فما كانت ألفه رابعةً فصاعداً وجب قلبها ياءً، وما كانت ألفه وهو ثلاثي منقلبة عن ياء وجب قلبها ياءً، وإذا كان جامداً مُسَمَّىً به وَأُمِيل مثل: متى وبلى، قُلِبت الألف ياءً، وإذا كان ثلاثياً ألفه منقلبة عن واو أو مجهول الأصل ولم يُمَل، حينئذٍ وجب قلبها واواً، فَيُعامل معاملة ما ذُكِر. وَإِنْ جَمَعْتَهُ بِتَاءٍ وَأَلِفْ .. فَاقْلِبْ الأَلِفَ، (اقْلِبْ) الفاء واقعة في جواب الشرط، إن جمعته أنت (جَمَعْتَهُ) الضمير يعود على المقصور، والهاء هنا في محل نصب مفعول به، (بِتَاءٍ وَأَلِفْ) مُتعلِّق بـ (جَمَعْتَ)، (فَالأَلِفَ) الواو واقعة في جواب الشَّرط، فَاقْلِبْ الأَلِفَ (الأَلِفَ) مفعول به مقدَّم، (قَلْبَهَا) مفعول مطلق .. مضاف إلى المفعول، قلبك أنت إيَّاها، (فِي التَّثْنِيَهْ) مُتعلِّق بقوله: (قَلْبَهَا) .. (فِي التَّثْنِيَهْ). نقول: ما جُمِع بألفٍ وتاء، .. القاعدة العامة فيه: أنَّه يَسْلَم في هذا الجمع ما سَلِم في التَّثنية، فتقول في جمع (هندٍ): هنداتٌ، كما تقول: هندان .. هذا لا إشكال فيه، إذا جُمِع الصحيح وليس مُعتلَّاً، وليس مقصوراً، حينئذٍ تقول في (هند): هندات، كما تقول: هندان. إلا ما خُتِم بتاء التأنيث ففي المثنى التثنية تبقى، وأمَّا في الجمع بألفٍ وتاء فتحذف، ولذلك تقول: مسلمتان، وتقول: مسلمات، هنا حصل تغيير بين المثنَّى والجمع: مسلمةٌ، مختومٌ بتاء التأنيث، هذه تاء فارقة بين المذكَّر والمؤنَّث. في التثنية تقول: مسلمتان، تبقى كما هي، وإذا جمعته بألفٍ وتاء قلت: مسلمات، حذفت التاء لئلا يجتمع علامتا تأنيث، لأنَّك إذا قلت: مسلمتان، لو حذفتها ستقول: مسلمة احذف وثنِّ: مسلمان، التبس بتثنية المذكَّر، إذاً: وجب إبقاء التاء فتقول: مسلمتان، أمَّا: مسلمتات، التاء للتأنيث، والألف والتاء علامة تأنيث، فاجتمع عندنا علامتا تأنيث. ونقل أبو حيَّان: أنَّه بالإجماع لا يوجد حرفٌ واحد، يعني: كلمة اجتمع فيها علامتا تأنيث البتَّة في لسان العرب، نقله السيوطي في (الأشباه والنظائر). إلا ما خُتِم بتاء التأنيث فإنها تُحذف في الجمع وتسلم في التثنية، تقول في (مسلمة): مسلمات ومسلمتان، ويَتغيَّر فيه ما يَتغيَّر في التثنية نحو: حبليات .. حبليان، حبلى مثل: ملهى، حبليان في التثنية: حبليات في جمعه بألفٍ وتاء. وصحراوات، بقلب الهمزة واواً كالمثنَّى فيهما، وإذا كان ما قبل التَّاء حرف عِلَّة أجريت عليه بعد الحذف ما يستحقه لو كان آخراً في أصل الوضع: مسلمةٌ، هذا لا إشكال أنَّ ما قبل التَّاء حرفٌ صحيح فتقول: مسلمات، تحذف التَّاء وتزيد الألف والتاء، تقول: مسلمات، لكن لو كان ما قبل التاء حرف عِلَّة مثل: غزوة تقول: غزوات، تجريه مُجرى الصحيح .. كأنَّه صحيح، وظبية تقول: ظبيات، تحذف التاء وما قبل التاء كأنَّه آخرٌ في أصل الوضع.

وإذا كان ما قبل التاء حرف عِلَّة أجريت عليه بعد حذف التاء .. تاء التأنيث ما يستحقه لو كان آخراً في أصل الوضع .. كأنَّه آخر، فتقول في نَحو (ظبية) و (غزوة): ظَبْيَات وغَزَوات، بسلامة الياء والواو، وفي نَحو (مصطفاةٌ) و (فتاةٌ): مصطفيات وفتيات. (فتاةٌ) كيف تجمعه بألفٍ وتاء؟ احذف التاء فتقول: فتى، وجب قلب هذه الألف ياء، فتقول: فتيات، تعامل (فتاة) معاملة (فتى)، يعني: تحذف التاء، لأنَّها تسقط فيما جُمِع بألفٍ وتاء، ثُمَّ الذي بقي كأنَّه أخير، يعني: تنسى التاء كأنَّه (فتى) و (فتى) لا شكَّ أنَّك تقلب الألف ياءً فتقول: فتيات، بقلب الألف ياءً. وإذا كان قبلها ألف قُلِبت على حدِّ قلبها في التثنية مثل: قنوات ومعطيات في: معطاة، وإذا كان قبلها همزة تلي ألفاً زائدة صُحِّحَت إن كانت أصلية، نحو: قراءة تقول: قراءات، لأنَّ هذه الألف تُصَحَّح في التثنيَّة، مثل: قُرَّاء وَوُضَّاء هناك. وجاز فيها القلب والتصحيح إن كانت بدلاً من أصلٍ نحو: نبائةٌ .. نبائات ونبائان، نبائات ونبوات يجوز فيها القلب: نبوات ونبائات بالتصحيح، إذاً: يُعامل معاملة المثنَّى مطلقاً. . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَإِنْ جَمَعْتَهُ بِتَاءٍ وَأَلِفْ فَالأَلِفَ اقْلِبْ قَلْبَهَا فِي التَّثْنِيَهْ ... وَتَاءَ ذِي التَّا أَلْزِمَنَّ تَنْحِيَهْ يعني: إذا كان مختوماً بالتاء هذا معلوم بيَّنَّاه، (أَلْزِمَنَّ) يعني: نَحِّه .. ابتعد قليلًا فتسقط التاء، (أَلْزِمَنَّ تَنْحِيَهْ)، (أَلْزِمَنَّ) فعل أمر مُؤَكَّد بنون التوكيد الثقيلة، (تَاءَ) مُقدَّم هذا مفعول أول، (تَنْحِيَهْ) نَحِّها .. أزلها، إذا كان مَختوماً بالتاء نحو: مسلمة، ليس الأمر كالمثنى، هذا أشبه ما يكون بالاستدراك لقوله: فَالأَلِفَ اقْلِبْ قَلْبَهَا فِي التَّثْنِيَهْ .. قد يظنَّ الظَّان أنَّه يُعامل معاملة المثنى مطلقاً، حتى لو كان مختوماً بتاء التأنيث، لأنَّه إذا كان: مسلمةٌ، ثنِّه تقول: مسلمتان، هل مثله ما جُمِع بألفٍ وتاء؟ لا، مخالفٌ له ولذلك نصَّ عليه، فقال: ألزمنَّ تَاءَ ذِي التَّا صاحب التاء .. المختوم بالتاء تَنْحِيَهْ، (تَنْحِيَهْ) هذا المفعول الثاني لـ (أَلْزِمَنَّ)، وقوله: (تَاءَ) هذا مفعولٌ أول. إذاً: وجب إسقاط تاء التأنيث فيما إذا كان مَختوماً بالتاء. وَتَاءَ ذِي التَّا أَلْزِمَنَّ تَنْحِيَهْ .. (تَنْحِيَهْ) يعني: نَحِ تاء التأنيث: وهو ما آخره تاءٌ من المقصور وغيره تُحذَف تاؤه عند جمعه، وليس الحكم خاصاً بالمقصور، بل الحكم عام في المقصور وغيره، تُحذف تاؤه عند جمعه هذا الجمع لئلا يُجمع بين علامتي تأنيثٍ، فحينئذٍ يُجمع كالعاري منها: مسلم .. مسلمات. وأفهم إطلاقه: أنَّه لا فرق فيما ذكره بين ما ألفه كـ: حبلى، مسمىً به، وما ألفه غير زائدة كـ: المصطفى، وهذا مذهب البصريين، عموماً: أنَّ مذهب البصريين هو المرجَّح غالباً في هذه المسائل. إذاً: . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَإِنْ جَمَعْتَهُ بِتَاءٍ وَأَلِفْ فَالأَلِفَ اقْلِبْ قَلْبَهَا فِي التَّثْنِيَهْ ... وَتَاءَ ذِي التَّا أَلْزِمَنَّ تَنْحِيَهْ

قال الشَّارح هنا: إذا جُمِع صحيح الآخر على حدِّ المثنَّى، وهو الجمع بالواو والنون لحقته العلامة من غير تغيير، فتقول في (زيد): زيدون، وإن جُمِع المنقوص وهذا لم يذكره النَّاظم، قيل: وكان ينبغي أن يذكره، لأنَّه أراد أن يُبيِّن أنَّ ثَمَّ فرقاً بين ما يكون آخره صحيحاً وهو ما ذكره هناك: (وَارْفَعْ بِيَاءٍ)، وما كان قابلاً للتَّغيير في الأخير وهو: المقصور والممدود ومثله المنقوص، لأنَّ الحكم واحد، إذا كان يُحذف آخر المقصور ما الفرق بينه وبين المنقوص؟ لا فرق. إذا حذفت آخر الألف كما قال: وَاحْذِفْ مِنَ الْمَقْصُورِ فِي جَمْعٍ عَلَى ... حَدِّ الْمُثَنَّى مَا بِهِ تَكَمَّلاَ الحكم مثله في المنقوص: قاضي، تحذف الياء، وتحذف الكسرة قبلها، لماذا فَرَّق بينهما وهما سِيَّان؟ قيل: كان ينبغي أن يذكره ولم يذكره، لكنَّه ما عَنوَن له، هو نَصَّ على الممدود والمقصور، كان الأولى أن يقول: والمنقوص في التثنية والجمع لكنَّه تركه، على كلٍ: هو ذكر الأصول. وإن جُمِع المنقوص هذا الجمع حُذِفت ياؤه وكسرها، وَضُمَّ ما قبل الواو، (كسرها) يعني: كسر ما قبلها، وَضُمَّ ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء، ما قبل الواو: قاضين .. قاضون، (قاضون) ضُمَّ ما قبل الواو، وكسر ما قبل الياء: قاضين، حذفت ياء المنقوص وكسر ما قبلها. فتقول في (قاضٍ): قاضون رفعاً، وقاضين جراً ونصباً، وإن جُمع الممدود وهذا لم يذكره النَّاظم أيضاً إحالةً على ما عُلِم في التَّثنية فإن الحكم فيهما على السواء، وإن جُمِع الممدود: صحراء، ونحوه في هذا الجمع عُومِل معاملتة في التثنية، فإن كانت الهمزة بدلاً من أصلٍ أو للإلحاق جاز فيه وجهان: إبقاء الهمزة، وإبدالها واواً، فيقال في (كساء) عَلَماً: كساؤون، بالهمز .. تُكْتَب على واو، وكساوون بدون همزة، يجوز فيه الوجهان، وأيُّهما أرجح .. الإعلال أو التصحيح؟ التصحيح أرجح، (علباء) الإعلال أرجح، وأمَّا (كساء) و (حيا) فهذا التصحيح أرجح. وكذلك (علباء) وإن كانت الهمزة أصلياً وجب إبقاؤها فتقول في (قُرَّاء): قُرَّاؤون، وفي (حمراء) عَلَماً لمذكَّر: حمراؤون، أو حمراوون؟ حمراوون .. وجب قلب الهمزة واواً، ولا يصح: حمراؤون، نقول: هذا تصحيحٌ للهمزة ومرجوح. وأمَّا المقصور وهو الذي ذكره المصنف هنا فتُحذف ألفه إذا جُمِع بالواو والنون، وتبقى الفتحة دالَّةً عليها .. على الألف المحذوفة، فتقول في (مصطفى): مصطفون .. ((لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ)) [ص:47] .. مصطفون رفعاً، ومصطفين جراً ونصباً، بفتح الفاء مع الواو والياء، وإن جُمِع بألفٍ وتاء قُلِبت ألفه. وحكم الممدود والمنقوص كذلك لم يُذكر هنا إذا جمع بألفٍ وتاء، لأنَّ حكمهما كحكمهما إذا ثُنِّيا أيضاً .. ما جُمِع بألفٍ وتاء في المنقوص: قاضيات .. قاضيان، هل بينهما فرق؟ ليس بينهما فرق، إذاً: يُعامل المنقوص فيما جُمِع بألفٍ وتاء معاملة المثنَّى، وكذلك الممدود، ولم يذكرهما هنا إحالةً على ذلك، وإنَّما ذكر المقصور وإن كان كذلك لاختلاف حكمه في جمعي التصحيح.

وإن جُمِع بألفٍ وتاء قُلِبت ألفه، يعني: المقصور كما تُقْلَب في التَّثنية فتقول (حبلى): حبليات، وفي (فتى) و (عصا) علمين مؤنث: فتيات وعصوات، وإن كان بعد ألف المقصور تاءٌ وجب حينئذٍ حذفها، كما قال: (وَتَاءَ ذِي التَّا) قصره للضرورة (أَلْزِمَنَّ تَنْحِيَهْ) .. (تَنْحِيَهْ) نَحِّها، فتقول في (فتاةٍ) تُعامله بعد حذف التاء معاملة: (فتى)، فتقول: فتيات بقلب الألف ياءً، وفي (قناة): قنوات، (قناة) احذف التاء، صار: قنا، الألف هذه منقلبة عن واو مثل: عصا، كما تقول: عصوات قل: قنوات مثلها، إذاً: التاء هذه لا تأثير لها في الأخير. ثُم قال رحمه الله: وَالسَّالِمَ الْعَينِ الثُّلاَثِي اسْماً أَنِلْ ... إِتْبَاعَ عَيْنٍ فَاءَهُ بِمَا شُكِلْ إِنْ سَاكِنَ الْعَيْنِ مُؤَنَّثَاً بَدَا ... مُخْتَتَمَاً بِالتَّاءِ أَوْ مُجَرَّدَا وَسَكِّنِ التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ أَوْ ... خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ فَكُلاًّ قَدْ رَوَوْا هذا ما جُمِع بألفٍ وتاء فيه بعض الشروط مِمَّا يجوز إتباعه. (وَالسَّالِمَ الْعَينِ) هذا أولاً .. (الثُّلاَثِي) ثانياً .. (اسْماً) ثالثاً .. (إِنْ سَاكِنَ الْعَيْنِ) رابعاً .. (مُؤَنَّثَاً) خامساً، هذه خمسة شروط، إن وُجِدت في الاسم الذي يُجمع بألفٍ وتاء: . . . . . . . . . . . . . . . . أَنِلْ ... إِتْبَاعَ عَيْنٍ فَاءَهُ بِمَا شُكِلْ يعني: حَرِّك العين بِما حُرِّك به الفاء، سواءٌ كانت مفتوحة، أو مضمومة، أو مكسورة، فتقول (دعدٍ): دعَدَات، (دعْد) الأصل أنَّك إذا جمعته بألفٍ وتاء يسلم، تقول: دعْداتٌ، لكن هنا وجدت فيه الشروط كما سيأتي فتقول: دعَدَات، حَرَّكت العين بِما حُرِّكت به الفاء، لأنَّ (دعد) العين هذه هي عين الكلمة، لأنَّه على وزن (فَعْل). وتقول في (هند): هندات، النون هذه ساكنة حينئذٍ وُجِدت فيها الشروط السابقة كما سيأتي فَتُتْبِع العين الفاء، يعني: تُحرِّك العين بِما حَرَّكت به الفاء فتقول: هِنِدَات، أتبعت العين الفاء. (جُمْل) اسم امرأة تقول: جُمْلات هذا الأصل، لكن لَمَّا وُجِدت فيها الشروط حينئذٍ وجب الإتباع فَتُتْبع العين التي هي الميم الساكنة حركة الفاء .. ضمَّة، فتقول: جُمُلات .. دَعَدَات .. هِنِدَات، بإتباع العين الفاء، متى .. مطلقًا؟ لا، بشروطٍ خمسة، بشروطٍ خمسة يتعيَّن إتباع العين حركة الفاء: - إن كانت الفاء مفتوحة فُتِحت العين. - إن كانت الفاء مضمومة ضُمَّت العين. - إن كانت الفاء مكسورة كُسِرت العين. إذاً قوله: (وَالسَّالِمَ الْعَينِ)، يعني: أنَّ ما جُمِع بالألف والتاء وحاز هذه الشروط المذكورة تتبع عينُه فاءه في الحركة مُطلقاً، والشروط المذكورة خمسة أشار إليها بقوله: (وَالسَّالِمَ الْعَينِ) .. السَّالِمَ الْعَينِ، يعني: الذي سلمت عينه، ما المراد بـ (الْعَينِ) هنا؟ يعني: العين التي تقابل ذلك الحرف في الوزن، قلنا (خَرَجَ) على وزن: فَعَلَ، أين سلمت العين، في الوزن أو في الموزون؟ في الموزون، (فَعَلَ) العين هنا مُتحرِّكة وهي صحيحة ليست مُعتلَّة، أمَّا موزونه (خَرَجَ) هو الذي نقول سلمت فيه العين، وهنا قُوبلت العين بالراء، فالحكم حينئذٍ على الراء نقول: (سالِمَ الْعَينِ).

قال .. قَوَلَ .. فَعَلَ، عينه سلمت أو لا؟ لم تسلم، إذاً: العبرة بالموزون لا بالوزن، أمَّا الوزن هو (عين) دائماً يكون عيناً، والعين حرف صحيح. إذاً: (وَالسَّالِمَ الْعَينِ) يعني: ما يصدق عليه أنَّه عين الكلمة، إن سلمت عينُه، هذا الشرط الأول: أن يكون سالم العين، يعني: سلم من الإعلال ومن التضعيف. الشرط الأول: أن يكون سالم العين، يعني: الذي تريد جمعه بألفٍ وتاء وَتُتْبِع عينه فاءه يجب أن يكون سالم العين، واحترز به عن شيئين: - أحدهما: العين المشدَّدة: جَنَّة .. جِنَّة .. جُنَّة، (جَنَّة): بستان، (جِنَّة): الجنون أو الجن، (جُنَّة): الوقاية، هذا لا يمكن إتباع العين الفاء، (جَنَّة) العين هنا ساكنة، التاء هذه زائدة، جَنَّة النون الأولى ساكنة، لو أتبعت النون الأولى الساكنة الفاء وجب فكُّ الإدغام، لأنَّ شرط الإدغام: أن يكون الأول ساكن والثاني مُتحرِّك، فلو حرَّكت النون الأولى وجب فكَّ الإدغام وهذا فاسد، حينئذٍ يؤدي إلى تغيير صيغة الكلمة فوجب إبقاؤه على أصله. إذاً: احترز به عن المشدَّدة نحو: جَنَّة، وَجِنَّة، وَجُنَّة، فليس فيه إلا التسكين، فتقول: جَنَّات .. جِنَّات .. جُنَّات كما هو، ولا يجوز فيه إتباع عينه لفائه، لأنَّه يلزم منه فكُّ الإدغام وهو باطل. لأنَّ تحريك العين يستلزم الفك المؤدي إلى الثِّقَل. وثانيهما مِمَّا احترز به بقوله: (سَّالِمَ الْعَينِ) ما عينه حرف عِلَّة، (السَّالِمَ الْعَينِ) يعني: لم تسلم عينه، بأن كانت مُشدَّدة هذا أولًا .. لم تسلم عينه بأن كانت حرف عِلَّة، وهذا على نوعين: - نوعٌ قبل حرف العلَّة فيه حركةٌ مجانسة للحرف، يعني: إن كان حرف العلَّة ألف، ما قبله يكون مفتوحاً مثل: تارةً، الألف هنا عين الكلمة، لأنَّ التاء هذه زائدة، الألف عين الكلمة ما قبلها من جنسها. (دُولةً) الواو هنا عين الكلمة وهي حرف عِلَّة، ما قبلها من جنسها وهو ضمَّة. (دِيمة) الياء عين الكلمة وهي حرف علَّة، ما قبلها من جنسها، هنا يبقى على حاله .. لا تُحَرَّك، فتقول: تارات .. دولات .. ديمات، يبقى على حاله ساكن. - النوع الثاني مِمَّا يكون عينه حرف عِلَّة: نوعٌ قبل حرف العِلَّة فيه فتحة، يعني: ليس من جنسه، مثل: جوزه .. بيضة، (جو .. ) الواو عين الكلمة، ما قبلها من جنسها أو فتحة؟ ليس من جنسها، إذاً: مُخالف للنوع الأول، النوع الأول: دِيمة، وَدُولة، وتارة، وجب فيه أن يبقى على حاله فلا يَتغيَّر، أمَّا إن كان مثل: جوزه وبيضة، هذا فيه لغتان، المشهور: أنَّه يبقى على حاله: جَوْزَات .. بَيْضَات، وعن هذيل: إتباع العين الفاء، فيقولون: جَوَزَاتْ وَبَيَضَات، إذاً: إتباع العين للفاء، لكنَّه ليس هو المشهور. إذاً النوع الثاني: ما احترز به المصنف، هذا فيه تفصيل (السَّالِمَ الْعَينِ) احترز به عَمَّا كانت عينه حرف عِلَّة، ثُمَّ هذا على نوعين: ما كان قبله من جنسه .. حركة من جنسه، فهذا يبقى على حاله، ما لم تكن من جنسه هذا فيه لغتان: هذيل تُتْبع العين الفاء، والمشهور في لسان العرب: عدم الإتباع. إذاً: (وَالسَّالِمَ الْعَينِ) هذا الشرط الأول.

- (الثُّلاَثِي) أن يكون ثلاثياً احترازاً من الرباعي، نحو: جعفر وَخِرْنَق وفُسْتُق أعلاماً لإناث، حينئذٍ يبقى على حاله، لو سُمِّيت امرأة بـ: جعفر، تقول: جعفرات، تبقى كما هي ساكنة ولا تقول: جَعَفَرَات، فيه ثِقَل. - الثالث: أشار إليه بقوله: (اسْماً) يعني: لا صفةً .. احترز به عن الصفة، نَحو: ضَخْمة، وجِلْفة، وحُلْوة، هذه كلها على وزن: فِعْلَة، وَفُعْلَة، وَفَعْلة، يعني: ما كان مضموم الفاء أو مفتوح أو مكسور، نقول: هنا يبقى على حاله، وليس فيه إلا التسكين فتقول: ضَخْمَات .. جِلْفَات .. وَحُلْوات، يعني: بإسكان اللام. إذاً: (اسْماً) احترازاً من الصفة فيبقى على حاله ليس فيه إلا التسكين. (إِنْ سَاكِنَ الْعَيْنِ) أن يكون ساكن العين، واحترز به من مُتحرِّكها نحو: شَجَرَة تقول: شَجَرَات على أصلها، وتقول: نَبِقَة .. نبقات كما هو، وَسَمُرَة .. سَمُرَات لا يتغير، ويجوز الإسكان في نحو: نَبْقَات وَسَمْرَات، لكن ليس للجمع، وإنَّما باعتبار مفرده: نَبِقَة .. نَبْقَة، جاز فيه الوجهان. حينئذٍ إذا سَكَّنت الجمع قلت: نَبْقَات، هذا ليس فيه تسكين، وإنَّما جمعٌ لـ: نَبْقَة وليس لـ: نَبِقَة، (نَبِقَات) جمع نَبِقَة، (نَبْقَات) جمع نَبْقَة، وليست (نَبْقَات) جمع (نَبِقَة)، ليس الأمر كذلك، لأنَّه يلزم الأصل فيه أن يكون صحيحاً مثل المفرد. حينئذٍ يلزم في: نَبِقَة وَسَمُرَة، أن يبقى على أصله، فإذا قلت: سَمْرَات، فليس هو جمعاً لِسَمُرة وإنَّما هو جمع سَمْرَة، لأنَّه يجوز في المفرد التخفيف فتُسكن العين، تقول: سَمْرَة، إن قلت: سَمُرَات، فهو جمعٌ لِـ: سَمُرَة، إن قلت: سَمْرَات فهو جمعٌ سَمْرَة، وليس: سمُرَات جمع سَمْرَة، ولا سَمْرَات جمع سَمُرَة، حينئذٍ التغيير الحاصل من الإسكان إنَّما هو باعتبار المفرد، لا أنَّ ذلك حكمٌ تَجدَّد له حالة الجمع. (مُؤَنَّثَاً) هذا الشرط الخامس، وهذا بعضهم قال أنَّه قيدٌ وشرطٌ للجمع لا للإتباع، وهذا هو الظَّاهر، حينئذٍ تكون الشروط أربعة، وإن جرى كثير من الشُّرَّاح على أنه شرطٌ خامس لكن الظاهر أنَّه ليس شرطاً للإتباع، لأنَّك أولاً تَجمع ثُمَّ تنظر في شروط الإتباع، فأثبت أولاً أنَّه جمع مؤنَّث سالم، ثُمَّ بعد ذلك هل يجوز الإتباع أو لا. إذاً: كونه مؤنَّثاً سابق على الجمع لا على الإتباع فهو شرطٌ وقيدٌ في الجمع .. ما جُمِع بألفٍ وتاء .. أن يكون مؤنَّثاً، على كُلٍّ ذكروه شرطاً في هذا: أن يكون مؤنَّثاً، واحترز به من المذكَّر نحو: بكر، هذا لا يُجمع: بَكْر .. بَكْرُون بواوٍ ونون فإنَّه لا يُجمع هذا الجمع فلا يكون فيه الإتباع المذكور، ولا يُشترط للإتباع المذكور أن يكون فيه تاء التأنيث كما قال هنا: مُخْتَتَمَاً بِالتَّاءِ أَوْ مُجَرَّدَا .. مُطلقاً سواءٌ كان (مُخْتَتَمَاً بِالتَّاءِ أَوْ مُجَرَّدَا) من التاء كـ: هند، فمثال المستكمل للشروط المذكورة مُخْتَتَمَاً بِالتَّاءِ مثل: حَفْنَة، إذا جمعته تقول: حَفَنَات، حَفْنَة بإسكان الفاء وهي عين الكلمة، حَفْنَة على وزن (فَعْلَة)، إذا جمعته وجب الإتباع .. تجمعه على وزن: حَفَنَات، بالإتباع.

سِدْرَة .. سِيِدِرَات، أتبع العين حركة الفاء، الفاء هنا مكسوة: سِ، تقول: سِدِرَات، ولا تقول: سِدْرات .. يَجوز كما سيأتي، لكن: سِدِرَات على الإتباع، غُرْفَة .. غُرُفَات بالإتباع. ومثاله مُجَرَّداً من التاء، نَحو: دعد، وهند، وَجُمْل، فتقول: دَعْدٌ .. دَعَدَات، وَهِنْد .. هِنِدَات، بكسر النون إتباعاً للفاء، وَجُمْل .. جُمُلات. إذاً: هذه شروطٌ خمسة لجواز الإتباع. قال: وَالسَّالِمَ الْعَينِ الثُّلاَثِي اسْماً أَنِلْ .. أنل السالم العين، (أَنِلْ) يعني: أعطي، (السَّالِمَ الْعَينِ) هذا مفعولٌ أول لـ (أَنِلْ)، (السَّالِمَ الْعَينِ) و (السَّالِمَ) هذا اسم فاعل مضافٌ إلى فاعله معنىً .. سلمت عينه .. الذي سلمت عينه، (عين) هذا في المعنى فاعل، إذاً: من إضافة اسم الفاعل إلى فاعله معنىً، لأنَّ (السَّالِمَ الْعَينِ) أي: الذي سلمت عينه، يعني: ليست حرف عِلَّة وليست مشدَّدة. (وَالسَّالِمَ الْعَينِ) (السَّالِمَ) مضاف، و (الْعَينِ) مضاف إليه، (الثُّلاَثِي) بالتخفيف ليس بالتشديد هنا للوزن. وَالسَّالِمَ الْعَينِ الثُّلاَثِي اسْماً أَنِلْ .. إذًا: (ثلاَثِيْ) نقول: بإسكان الياء للوزن، و (الثُّلاَثِي) هذا نعتٌ لـ (السَّالِمَ)، احترز به من غير الثلاثي، (اسْماً) هذا حالٌ من الثلاثي، حالة كون (سالِمَ الْعَينِ الثُّلاَثِي اسْماً) لا صفةً، فإن كان صِفةً بقي على أصله، (أَنِلْ) هذا فعل أمر والفاعل أنت، (إِتْبَاعَ عَيْنٍ) (إِتْبَاعَ) هذا مفعول ثاني لـ (أَنِلْ)، لأنَّ (أَنِلْ) هذا يَتعدَّى إلى مفعولين: المفعول الأول (السَّالِمَ)، والمفعول الثاني (إِتْبَاعَ). (إِتْبَاعَ) مضاف و (عَيْنٍ) مضافٌ إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله الأول، يعني: أَتْبَعَ .. يُتْبِعُ .. إتْبَاعَاً، هذا يتعدَّى إلى مفعولين: مفعوله الأول (عَيْن)، ومفعوله الثاني (فَاءَهُ). إِتْبَاعَ عَيْنٍ فَاءَهُ بِمَا شُكِلْ .. (بِمَا شُكِلْ) هذا مُتعلِّق (بِمَا)، الباء هنا بمعنى: في، بمعنى: أتبعه في كذا، إذاً: تَعدَّى بـ: (في)، والباء هنا بمعنى: في، مُتعلِّق بقوله: (إِتْبَاعَ)، (إِتْبَاعَ عَيْنٍ فَاءَهُ) في الذي (شُكِلْ)، (شُكِلْ) هذا صِلَة الموصول لا مَحلَّ لها من الإعراب، وهو يعود على الفاء .. ضمير. إذاً معنى البيت: أعط الاسم الثلاثي السَّالم العين إتباعك عينه لفائه في الحركة التي شُكِلت بِها الفاء، وهنا قال: (شُكِلْ) ذَكَّر ضمير الفاء لتؤُّوله بالحرف، وإلا الأصل أن يقول: (بِمَا شُكِلَتْ) يعني: الفاء لأنَّها حرفٌ، فذكَّرها باعتبار تأولها بالحرف، ولم يبزر الضمير مع جريان الصِّلة على غير ما هي له لأمن اللبس. وكذلك حذف هنا (بِمَا شُكِلْ) أين العائد؟ به .. بِما شُكِلَت به، حذف الضمير المجرور بالباء، وهنا يُشْتَرط في جواز حذفه: أن يدخل على الاسم الموصول مثله في اللفظ والمعنى، وأن يكون العامل واحد، وهنا (بِمَا شُكِلْ) بما شكل به، ليست الباء بِمعنى: في، والذي دخل على الموصول (بِمَا) بِمعنى: في، إذاً: اتَّحدا لفظاً لا معنىً، وهذا الأصل فيه: عدم جواز الحذف، لكن هنا يُقال: بأنَّه نادر، خالف ما قرَّره فيما سبق يُقال فيه: أنَّه نادر.

وفي كلامه حذفُ العائد المجرور مع عدم مُماثلة جارِّه لجارِّ الموصول معنىً ومتعلَّقاً وهو نادر، كأنه قيل: بأنَّه شاذ كما سبق .. ابن عقيل، لكنَّه نادر، على كُلٍّ قد يُقال: بأنَّه ضرورة هنا. إِنْ سَاكِنَ الْعَيْنِ مُؤَنَّثَاً بَدَا .. إن (بَدَا): إن ظهر، هذا فعل الشَّرط، إن (بَدَا) يعني: (سَّالِمَ الْعَينِ الثُّلاَثِي اسْماً) إن بدا وظهر، (سَاكِنَ الْعَيْنِ) هذا حالٌ من الضمير المستتر في (بَدَا) بمعنى: ظهر، (مُؤَنَّثَاً) هذا حالٌ ثانية، وهو قيدٌ في جواز الجمع بألفٍ وتاء، لا قيد في جواز الإتباع، وهذا أحسن. (إِنْ سَاكِنَ الْعَيْنِ) هذه حالٌ أولى، (مُؤَنَّثَاً) هذا حالٌ ثانية، (مُخْتَتَمَاً) هذه حالٌ ثالثة، (بِالتَّاءِ) مُتعلِّق بقوله: (مُخْتَتَمَاً)، (أَوْ مُجَرَّدَا) (أَوْ) للتَّنويع، (مُجَرَّدَا) معطوفٌ على (مُخْتَتَمَاً)، إذاً: بهذه الشُّروط الخمسة يجوز إتباع العين للفاء: إن كانت مضمومة ضُمَّت العين، إن كانت مفتوحة فُتِحَت العين، إن كانت مكسورة كُسِرت العين، هذه لغة واحدة، وبقي لغتان. قال: وَسَكِّنِ التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ أَوْ ... خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ. . . . . . . . . . . . . (التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ) قلنا: الفاء إمَّا أن تكون مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة، قال: (تالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ) ما هو؟ المكسور أو المضموم، قال: سكِّنه، أَوْ خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ .. (هِنْد) قلنا: هِنْد نقول: هِنِدَات، هِنِدَات هذا أشار إليه بقوله السابق في البيتين اللتين انتهينا منها، قال لك في مثل: هِنِدَات سَكِّنه فقل: هِنْدَاتٌ، أَوْ خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ فقل: هِنَدَاتٌ. إذاً: فيه ثلاث لغات: التسكين، والإتباع، والفتح. هذا الكسر، بقي الضَّم: غُرْفَة .. غُرُفَات، هذا الإتباع .. من البيتين الأولين، قال: سَكِّنِ: غُرْفَات .. غُرَفَات، هذا تخفيفٌ بالفتح. بقي: حَفْنَة .. حَفَنَات، لا يجوز فيه الإسكان ولا الفتح، ولذلك قال: (وَسَكِّنِ) هذا أمر، (التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ) يعني: العين الذي تلا (غَيْرَ الْفَتْحِ) بأن تلا ضمَّاً أو كسراً سكِّنه، (أَوْ خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ) جاز فيه لغتان .. وجهان مع الإتباع، فهذه ثلاثة أوجه. (فَكُلاًّ قَدْ رَوَوْا) يعني: هذه الأوجه الثلاثة كُلها مروية عن العرب وليست باجتهادٍ. وَسَكِّنِ التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ أَوْ ... خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ. . . . . . . . . . . . . أي: يَجوز في العين بعد الفاء المضمومة أو المكسرة وجهان مع الإتباع، يَجوز في العين بعد الفاء (التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ) (التَّالِيَ) المقصود به: تالي العين نفسه، في العين بعد الفاء المضمومة أو المكسورة وجهان مع الإتباع وهما: الإسكان والفتح. ففي نَحو: سِدْرَة وَهِنْد، من مكسور الفاء: وَغُرْفَه، وَجُمْلٍ من مضمومها ثلاث لغات: الإتباع والإسكان والفتح، ومعنى البيت: أنَّه يَجوز فيما كانت عينه تاليةً غير الفتح وجهان زائدان على الإتباع وهما: السكون والفتح.

وشَمل (التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ) التالي الضَّم نَحو: غُرْفَة، والتالي الكسر نَحو: هِنْد، فيجوز في كل واحدٍ منهما ثلاثة أوجه: الإتباع كما سبق، والسكون، والفتح، فتقول: غُرُفَات، بالضَّمِّ إتباعاً لحركة الفاء، وَغُرْفَات، بالسكون تخفيفاً، وَغُرَفَات بالفتح تخفيفاً، وفي نحو: هِنْد، هِنِدَات بالكسر إتباعاً، وَهِنْدَات بالسكون تخفيفاً، وَهِنَدَات بالفتح تخفيفاً. وَسَكِّنِ التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ أَوْ ... خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ فَكُلاًّ قَدْ رَوَوْا (كُلاًّ) هذا مفعولٌ لقوله: (رَوَوْا) فقد رووا كُلاًّ، فهذه اللغات منقولة عن العرب، وأفهم كلامه أنَّ نحو: دَعْدٍ لا يجوز تسكينه مُطلقاً (دَعْد) هذا مفرد، نقول في الجمع: دَعَدَات، هل يجوز أن نقول: دَعْدَات؟ لا يجوز لكونه تالياً الفتح. (وَسَكِّنِ التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ) فإن تلا الفتح فلا تُسَكِّنه، فحُكمه بالمفهوم، إذاً أفهم كلامه: أنَّ نحو: دَعْدٍ، لا يجوز تسكينه مُطلقاً، واستثنى من ذلك في (التسهيل) معتلَّ اللام كـ: ظبيات، وشبه الصفة نحو: أهل وأهلات، فيجوز فيهما التسكين اختياراً، على كُلٍّ هذا من المستثنيات. (وَسَكِّنِ التَّالِيَ)، (التَّالِيَ) هذا مفعولٌ به، وغَيْرَ الْفَتْحِ: (غَيْرَ الْفَتْحِ .. غَيْرِ الْفَتْحِ) يَجوز فيه الوجهان، لأنَّ (التَّالِيَ) اسم فاعل، حينئذٍ يَجوز إضافته، ويَجوز أن يعمل، لأنَّه محلىً بـ (أَلْ). وَإِنْ يكُنْ صِلَةَ أَلْ فَفِي الْمُضِي ... وَغَيْرِهِ إِعْمَالُهُ قَدِ ارْتُضِي إذاً: (غَيْرَ) مفعول (للتَّالِيَ)، (غَيْرِ) مضاف ومضاف إليه، (الْفَتْحِ) مضاف إليه، أمَّا (تالِيَ الْفَتْحِ) فلا يجوز فيه إلا الإتباع، (أَوْ خَفِّفْهُ) خفف جمعه (بِالفَتْحِ فَكُلاًّ قَدْ رَوَوْا) مِمَّا ذكرناه لك. قال الشَّارح هنا: "إذا جُمِع الاسم الثلاثي الصحيح العين .. السَّاكنها .. المؤنَّث المختوم بالتاء، أو المجرَّد عنها، بألفٍِ وتاء أُتْبِعت عينه فاءه في الحركة مُطلقاً" يعني: تُفْتَح عينه إن كانت فاؤه مفتوحة، وَتُضَمُّ عينه إن كانت فاؤه مضمومة، وتُكْسَر عينه إن كانت فاؤه مكسورة. فتقول في (دَعْدٍ): دَعَدَات، وفي (جَفْنَة): جَفَنَات بالفتح، وفي (جُمْلٍ) و (بُسْرة): جُمُلَات وَبُسُرَات، بضمِّ الفاء والعين، وفي (هندٍ) و (كِسرة): هِنِدَات وَكِسِرَات، بكسر الفاء والعين، ويجوز في العين بعد الضَّمَّة والكسرة التَّسكين والفتح (في العين) وهو الذي عناه بقوله: (سَكِّنِ التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ) (التَّالِيَ) المراد به: العين. ويجوز في العين بعد الضَّمَّة والكسرة التسكين والفتح، فتقول: جُمْلَات وَجُمَلَات، وَبُسْرات وَبُسَرَات، وَهِنْدات وَهِنَدَات، وَكِسْرَات وَكِسَرَات، ولا يجوز ذلك بعد الفتحة بل يجب الإتباع. واحترز بالثلاثي من غيره كـ: جعفر علم مؤنَّث، وبالاسم عن الصفة كـ: ضَخمة، وبالصحيح العين من مُعتلِّها كـ: جَوزة، جَوزة وقلنا هذا فيه لغة هذيل: جَوَزات.

وبالسَّاكن العين من مُحرَّكها كـ: شجرة .. شَجَرَات، فإنه لا إتباع في هذه كلها، بل يجب إبقاء العين على ما كانت عليه قبل الجمع: جَعْفَرَات. . ضَخْمَات .. جَوْزَات .. شَجَرَات، واحترز بالمؤنَّث من المذكَّر كـ: بدرٍ، فإنَّه لا يُجمع بالألف والتاء. وَمَنَعُوا إِتْبَاعَ نَحْوِ ذِرْوَة ... وَزُبْيَةٍ وَشَذَّ كَسْرُ جِرْوَة هذا استثناء من قوله: وَسَكِّنِ التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ أَوْ ... خَفِّفْهُ بِالفَتْحِ. . . . . . . . . . . . يعني: استُثني من (التَّالِيَ غَيْرَ الْفَتْحِ) نوعان: ما كان على وزن (ذِرْوَة)، ووزن (زُبْيَة). ما كان على (فِعْلَة) بكسر الفاء ولامه واو: ذِرْوَة على وزن (فِعْلَة)، بكسر الفاء ولامه واو، وكذلك: (فُعْلَة) بضمِّ الفاء ولامه ياء: زُبْيِة .. فُعْلَة، إذاً: ما كان على وزن: فِعْلَة، بكسر الفاء هنا منعوا الإتباع، لأنَّ لامه واو، لأنَّك إذا قلت: ذِرْوَة تقول: ذِرِوَات، كسرت الراء ثُمَّ بعدها واو، ومعلومٌ أن الانتقال من كسرٍ إلى واو ثقيل .. واو قبلها كسرة ثقيل: ذِرِوَات، هذا ثقيل. وكذلك: زُبُيَات، لو أتبعت الباء هنا صارت ثِقَل، ياءٌ قبلها ضمَّة هذا ثقيل، فمنعوا الإتباع في مثل هذا، مِمَّا كان على وزن (فِعْلَة) ولامه واو، أو كان على وزن: (فُعْلَة) ولامه ياء، حينئذٍ يمتنع فيه الإتباع. (وَمَنَعُوا إِتْبَاعَ) مفهومه: جواز التسكين والتخفيف بالفتح، لأنَّ هذا يجوز فيه ثلاثة أوجه، منعوا نوعاً واحداً، ونصَّ على الإتباع، مفهومه: أنَّه يجوز فيه التخفيف فيقال: ذِرْوَات وَذِرَوَات، وَزُبْيَات وَزُبَيَات، يجوز فيه الوجهان، وإنَّما منعوا الإتباع طلباً للتخفيف، (وَمَنَعُوا) أي: العرب (مَنَعُوا إِتْبَاعَ نَحْوِ) حينئذٍ يكون من إضافة المصدر إلى مفعوله، (وَمَنَعُوا إِتْبَاعَ) الكسرة فيما لامه واو، وإتباع الضَّمَّة فيما لامه ياءٌ كما في نحو: ذِرْوَة .. ذِرْوَة البعير سنامه، وَذِرْوَة كُلِّ شيءٍ أعلاه. (وَزُبْيَةٍ) وهي حفرةٌ تُحفر للأسد، لماذا منعوا؟ لاستثقال الكسرة قبل الواو، والضَّمَّة قبل الياء، لأنَّك لو أتبعت في (ذِرْوَة) قلت: ذِرِوَات، واو قبلها كسرة هذا فيه ثِقَل، كذلك: زُبُيَات، ياءٌ قبلها ضمة هذا فيه ثقل، ولا خلاف في ذلك .. لا خلاف بين النُّحاة في منع هذا النوع. (وَشَذَّ كَسْرُ جِرْوَة) (جِرِوَات) شاذ، (جِرْوَة) على وزن: (فِعْلَة) لامه واو، والفاء مكسورة (جِرِوَات) واوٌ قبلها كسرة هذا ثقيل، نقول: هذا شاذ، (وَشَذَّ كَسْرُ جِرْوَة) ليس كسر (جِرْوَة) وإنَّما كسر جمع (جِرْوَة) بالإتباع، هذا شاذ .. على حذف المضاف. (وَشَذَّ) أي: سُمِع في (فِعْلَة) بكسر الفاء مِمَّا لامه واوٌ الإتباع شذوذاً، نحو: جِرْوَة مؤنَّث: جَرْو، وهو واحد فِراخ الكلبة، فيما حكاه يونس من قولهم: جِرِوَات بكسر الراء، وهو في غاية الشذوذ لِمَا فيه من الكسرة قبل الواو.

إذاً معنى البيت: أنَّه يَمتنع في هذين الاسْمين وما أشبههما الإتباع فلا يقال في (ذِرْوَة): ذِرِوَات، ولا في (زُبْيَة): زُبُيَات، لِثِقَل الواو بعد الكسرة والياء بعد الضَّمَّة، وَفُهِم من قوله: (وَمَنَعوا إِتْبَاع) أنَّه يجوز الإسكان والفتح في نحو: ذِرْوَة وَزُبْيَة، إذ لم يَتعرَّض لمنع غير الإتباع. (مَنَعُوا إِتْبَاع) (مَنَعُوا) فعل فاعل، و (إِتْبَاعَ) هذا مفعولٌ به وهو مضاف، و (نَحْوِ) مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله، و (ذِرْوَة) مضاف إليه، و (وَزُبْيَةٍ) معطوفٌ عليه، (وَشَذَّ كَسْرُ جِرْوَة) يعني: كسر جمع (جِرْوَة)، (كَسْرُ) فاعل (شَذَّ). قال الشَّارح هنا: " يعني أنَّه إذا كان المؤنَّث المذكور مكسور الفاء وكانت لامه واواً، فإنه يمتنع فيه إتباع العين للفاء، فلا يُقال في (ذِرْوَةٍ): ذِرِوَات بكسر الفاء والعين استثقالاً للكسرة قبل الواو، بل يجب فتح العين أو تسكينها، فتقول: ذِرَوَات أو ذِرْوَات، وشذَّ قولهم: جِرِوَات، بكسر الفاء والعين. وكذلك لا يَجوز الإتباع إذا كانت الفاء مضمومةً واللام ياءً نحو: زُبْيِة، فلا تقل: زُبُيَات بَضَمِّ الفاء والعين استثقالاً للضَّمَّة قبل الياء، بل يَجب الفتح أو التَّسكين فتقول: زُبَيَات أو زُبْيَات ". وَنَادِرٌ أَوْ ذُو اضْطِرَارٍ غَيِرُ مَا ... قَدَّمْتُهُ أَوْ لأُنَاسٍ انْتَمَا (غَيِرُ مَا قَدَّمْتُه) لك من القواعد العامة السَّابقة .. (غَيِرُ مَا قَدَّمْتُهُ َنَادِرٌ)، (أَوْ ذُو اضْطِرَارٍ) (أَوْ لأُنَاسٍ انْتَمَا)، إذا جاء شيءٌ سُمِع في لسان العرب مُخالف للقواعد السابقة فهو نادر .. قليل، والنادر لا حُكم له. (أَوْ ذُو اضْطِرَارٍ) في الشِّعْر، (أَوْ لأُنَاسٍ انْتَما) لغة، يعني: لغة قومٍ وليست هي الشائعة في لسان العرب، (غَيِرُ مَا قَدَّمْتُهُ) (غَيِرُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (مَا قَدَّمْتُهُ) مضافٌ إليه، (قَدَّمْتُهُ) فاعل فاعل ومفعولٌ به، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، (نَادِرٌ) خبر مُقدَّم، (أَوْ ذُو اضْطِرَارٍ) معطوفٌ إليه. (أَوْ لأُنَاسٍ) أو انتمى لأناسٍ (لأُنَاسٍ) مُتعلِّق بقوله: (انْتَمَا)، وهو معطوفٌ على قوله: (نَادِرٌ)، وهنا انْتَمَا .. (نَادِرٌ أَوْ ذُو اضْطِرَارٍ أَوْ انْتَمَا لأُنَاسٍ) عطف (انْتَمَا) على (نَادِرْ)، إمَّا لكون الثاني منتمىٍ أو (نَادِر) بمعنى: يندر، أوِّل هذا أو ذاك. وهنا فيه تَوسُّط المبتدأ بين الأَخبار، (غير ما قدَّمته نادرٌ) يعني: أنَّه إذا جاء جمع هذا المؤنَّث على خلاف ما ذُكِر عُدَّ نادراً، أو ضرورةً، أو لغةً لقومٍ .. واحد من ثلاث، فالأول كقولهم في (جِرْوة): جِرِوَات بكسر الفاء والعين، هذا نادر فلا يُقاس عليه، ومن النادر قول بعضهم: (كَهَلَات) بالفتح جمع: كَهْلَة، وهي التي جاوزت ثلاثين سنة، وقياسه الإسكان: كَهْلَات لا كَهَلَات، لأنَّه صفة ولا يُقاس عليه غيره، (كَهَلَات) بالإتباع نقول: هذا صفة، وهناك مضى أنَّه لا بُدَّ أن يكون اسماً احترازاً من الصفة. فلا يقال: ضَخَمَات، إنما يُقال: ضَخْمَات، هنا: كَهْلَات، سُمِع: كَهَلَات، هذا نادرٌ لأنَّه صفة، والثاني الذي هو: الضرورة كقوله:

وَحُمِّلْتُ زَفْرَاتِ الضُّحَى فَأَطَقْتُهَا ... وَمَالِي بِزَفْرَات العَشِىِّ يَدَانِ سكَّن عين (زَفْرَات) زَفْرَة .. زَفَرَات، هذا الأصل فيها، والقياس الفتح على الإتباع لكن لضرورة الشِّعْر. والثالث الذي هو: انتمى لأناس، كقول هذيل على ما ذكرناه سابقاً: جَوْزَة وَبَيْضَة، من مُعتلِّ العين ونحوهما: جَوَزَات وَبَيَضَات، قلنا هذا جاز لكون ما قبل حرف العِلَّة فتحة، وأمَّا لو كان من جنسها فليس فيه إلا التَّسكين، مثل: تَارَة .. تَارَات، دِيمَة .. دِيمَات، دُوُلَة .. دُوُلات، هذا واجب التَّسكين ولا يجوز فيه التَّحريك، لأنَّ ما قبل حرف العِلَّة من جنسه، وأمَّا إذا كان فتحة مثل: جَوْزَة، جاز فيه الوجهان، لكن لغة قومٍ يعني: هذيل على جهة الخصوص. جَوَزَات وَبَيَضَات، بفتح الفاء والعين، والمشهور في لسان العرب تسكين العين إذا كانت غير صحيحة، ومنه قول شاعرهم: أَخُو بَيَضَاتٍ رَائِحُ مُتَأَوِّبٌ .. وبلغتهم قُرِئ شاذًّ: ثَلاَثُ عَوَرَاتٍ، عَوْرَات .. عَوَرَات، هذا شاذ. بقي مسألة: وهي أنَّه يتمُّ في التثنية والجمع بالألف والتاء من المحذوف اللام ما يَتمُّ في الإضافة، إذا حُذِف من الكلمة حينئذٍ في الإضافة قد يعود المحذوف وقد لا يعود: أَخٌ، أصله: أَخَوٌ، إذا أضفتها قلت: أخوك .. عادت الواو، حينئذٍ إذا ثنَّيته عادت الواو. و (يَدٌ) إذا أضفتها أصلها: يَدْيٌ .. يَدَيٌ فيها وجهان، الياء محذوفة وهي اللام .. حُذِفت اعتباطاً، هل تعود في الإضافة؟ لا تعود، تقول: يدك، كذلك لا تعاد في التَّثنية. إذاً: يَتمُّ في التَّثنية والجمع بالألف والتاء من المحذوف اللام ما يَتمُّ في الإضافة، وذلك نحو: قاضٍ، وَشَجٍ، وَأَبٍ، وَأَخٍ، وَحَمٍ، وَهَنٍ من الأسماء الستة، تقول: قاضيان .. رجعت الياء، وَشَجَيَان، وَأَبَوَان، وَأَخَوَان، وَحَمَوَان، وَهَنَوَان، كما تقول: هذا قاضيك، بالإضافة: وشجيك وأبوك وأخوك وحموك وهنوك، وشذَّ: أبان وأخان، يعني: دون عودة الواو. وما لا يَتمُّ في الإضافة لا يَتمُّ في التَّثنية، يعني: لا يعود في التَّثنية، لأنَّه صار نسياً منسياً، وذلك نحو: اسم أصله: سِموٌ، وابنٌ أصله: بَنَوٌ، وَيَدْيٌ وَدَمٌ وغداً وفمٌ، فتقول: اسمان لا تقول: اسموان، كما تقول: اسمك بالإضافة: اسمان وابنان ويدان ودمان وغدان وفمان، كما تقول: اسمك وابنك ويدك ودمك وغدك وفمك، وشذَّ: فموان وفميان. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

122

عناصر الدرس * جمع التكسير .. وحده * أوزان القلة * قد يستغنى ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة والعكس * محال أوزان القلة , وما تكون جمعاَ له * أبنية الكثرة وما تكون جمعا له. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (جَمْعُ التَّكْسِيرِ). أي: هذا بيان أحكام وأوزان جمع التكسير، وجمع هنا إن كان مصدراً المراد به: اسم المفعول أي: المجموع، لأنَّ الجمع معنى من المعاني، والذي أراده النَّاظم هنا: الألفاظ الأوزان التي يكون عليها الجمع. جمع التكسير من إضافة الموصوف إلى الصفة، الصفة (تكسير)، و (جمع) هذا موصوف، أُضيف (جمع) إلى (التكسير) فصار من إضافة الموصوف إلى صفته، والتكسير تفعيل، كَسَّر الشيء يُكَسِّره تكسيراً، (تفعيل) مصدر، والمراد به أيضاً هنا اسم المفعول، أي: المجموع المُكسَّر. إذاً: كُلٌّ منهما مصدر .. المضاف والمضاف إليه، إلا أنَّه ليس مراداً به المعنى المصدري، هنا أُضيف المصدر إلى المصدر، (جمعٌ) هذا مصدر .. (التكسير) هذا مصدر، حينئذٍ هل المراد به المعنى المصدري؟ الجواب: لا، في النوعين: المضاف والمضاف إليه، فيقال المراد به: المجموع المكَسَّر، لأنَّ المجموع الذي يصدق على اللفظ. و (المكسر) المراد به الذي وقع فيه التغيير، لأنَّ التكسير هو التغيير، ومقابله الجمع الصحيح، وهو جمع السَّالم الذي سلم فيه مفرده، ولذلك الجمع إمَّا أن يسلم فيه مفرده .. واحده، أو صيغة مفرده، وإمَّا أن يحصل لها نوع تغيير، والذي يسلم فيه صيغة مفرده واحده هو ما جُمِع بواوٍ ونون. وأمَّا ما جُمِع بألفٍ وتاء فهذا قد لا يسلم، لذلك تقول: سَجْدَة وَسَجَدَات كما سبق بالأمس، هِنْد .. هِنِدَات ونحو ذلك، حينئذٍ نقول: هذا لم يسلم فيه واحده، الذي يُقابل جمع التكسير هو جمع التصحيح، وإن أُطْلِق على جمع المؤنَّث السالم بأنَّه جمع تصحيح هذا باعتبار الغالب وليس بِمُطَّرد، ولذلك انْتُقِد تسمية جمع المؤنَّث السَّالم يعني: الذي سلم فيه مفرده، قالوا هذا: قد لا يسلم مثل: سَجْدَة وَسَجَدَات، وقد يسلم مثل: ضَخْمة وَضَخْمَات، سَلِم فيه واحده. على كُلٍّ المراد هنا بالتكسير: ما يُقابل جمع التصحيح، لأنَّ هذا الجمع يَحصل له نوع تغيير، وحدُّه عندهم: هو ما تغيَّر عن بناء مفرده، جَمْعٌ تَغَيَّر فـ (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، يصدق على جمع (تَغَيَّر جمعٌ) ما .. دخل جميع أنواع الجمع المتغيِّر وغير المتغيِّر. (ما تغيَّر عن بناء مفرده) يعني: عن زنة واحده: زيد .. زيدون، مسلم .. مسلمون، يبقى بناء الواحد، وأمَّا هنا فحصل له نوع تغيير، لغير إعلالٍ هذا لإدخال ما قد حصل فيه نوع تغيير ولكنَّه لإعلال، والمراد به: المنقوص .. المنقوص كما سبق: إذا جُمِع بواوٍ ونون يحصل له إعلال، وهذا الإعلال يكون بحذف آخره، ثُمَّ يُضَمُّ ما قبل آخره وقد كان مكسوراً: قاضي .. قاضون، هنا حصل له نوع تغيير .. تَغَيَّر عن بناء واحده: قاضي، كان على وزن (فاعل) أين اللام في: قاضون؟ حُذِفت، أين الكسرة التي على الضَّاد (القاضي)؟ تبدَّلت فصارت ضَمَّة.

إذاً: تغيَّر عن بناء واحده، هل هو جمع تكسير؟ الجواب: لا، ليس بجمع تكسير، لأنَّ التغيير هنا لِعلَّة، والتغيير في جمع التكسير لا لِعلَّة، التغيير هناك لم يدل على الجمع، وهنا التغيير هو الذي حصل به الدَّلالة على الجمعية، فإذا قيل: سرير وَسُرُر .. سُرُر (فُعُل) بهذه الصيغة حصل تغيير للمفرد، أصله: سرير، فحصل نقصٌ وتبديلٌ للشكل .. الحركة. حينئذٍ: سُرُر على وزن (فُعُل) هذا جمعٌ لـ: سرير، تغيَّر واحده، هذا التغيير هو الذي دلَّ على الجمعية، ما فُهِمت الجمعية إلا بلفظ (فُعُل) بخلاف: قاضون، الجمعية فُهِمَت من الواو والنون، لا بتغيير حركة الضَّاد إلى الضَّمَّة، ولا بحذف الياء، إنَّما حصل التغيير لشيءٍ آخر لا للدَّلالة على الجمعية، وإنَّما فُهِمت الجمعية بواوٍ ونون أو بياءٍ ونون، أمَّا هنا فحصل التغيير للمفرد، وبهذا التغيير فُهِمت الجمعية، ففرقٌ بين النوعين. إذاً: ما تغيَّر عن بناء مفرده، أخرج جمع التصحيح المذكَّر السَّالم فإنه لم يتغيَّر عن بناء مفرده، ودخل معنا المنقوص إذا جُمِع بواوٍ ونون فإنَّه يتغيَّر آخره، فأخرجه بقوله: لغير إعلالٍ، فخرج ما تغيَّر آخره لإعلالٍ، وهو المنقوص إذا جُمِع بواوٍ ونون. لكن التغيير هنا عندهم قد يكون تغييراً ظاهراً، وقد يكون مقدَّراً، قوله: (ما تغيَّر) قد يكون ظاهراً، يعني: ملفوظاً به، وقد يكون مُقدَّراً، ظاهراً مثل: سرير وَسُرُر، أَسَدْ .. أُسْد .. فُلْك، (فُلْك) هذا في الواحد وفي الجمع، قالوا: هذا فيه تغيير (فُلْكٌ) هذا ليس بجمعٍ بواوٍ ونون، إذاً: هو جمع تكسير، فإذا كان كذلك أين التغيير؟ قالوا: هذا مُقدَّر. إذاً: جمع التكسير لا بُدَّ فيه من التَّغيُّر، يعني: تتغير صيغة واحده، إمَّا حقيقةً وإمَّا تقديراً، التقديري هذا سيأتي أنَّه في سبعة ألفاظ فحسب. وهذا التغيير إنَّما يكون بتغيير الظَّاهر، يكون ستة أقسام على المشهور عند النُّحاة؛ لأنَّه: -إمَّا بزيادة حرف فقط أو حرفين كـ: صِنْوٍ وصنوان، هنا حصل التغيير لكن التغيير حصل بزيادة ألفٍ ونون: صنوان، أصلها: صِنْوٌ، لم يتغيَّر المفرد من حيث الحركات: صادٌ مكسورة، ونون ساكنة، ثُمَّ زيدت الألف والنون، فقيل: صنوان، هنا حصل التغيُّر الظاهر بزيادةٍ. -أو بنقصٍ، يعني: بنقص حرفٍ من المفرد: تُخْمَة، نقول في الجمع: تُخَمْ، نفسه من حيث الحركات ولكن سقط آخره (تُخْمَة) هذا بنقصٍ فقط. -أو تبديل شكلٍ فقط: أَسَدْ وَأُسْدٌ (أَسَدْ) بفتح الهمزة وتحريك السين، تقول: أُسْدٌ، بإسكان السين وَضَمِّ الهمزة. -أو بزيادةٍ وتبديلٍ معاً .. تبديل شكلٍ كـ: رَجُلْ ورجال، رَ بالفتح .. ، رِ .. رِجَال .. رَجُلْ بِضَمِّ الجيم .. رِجَال فتحت الجيم، (رَجُلْ) ليس فيه ألف زدت فيه ألف، إذاً: حصل تبديلٌ للشَّكل مع زيادةٍ. - أو بنقصٍ وتبديل .. تبديل شكلٍ: رَسُول وَرُسُل، (رسول) أين الواو في (رُسُل)؟ حذفت، إذاً: حصل فيه نقصٌ (رَسُول) بفتح الراء (رُسُل) ضُمَّت الراء، إذاً: حصل فيه تبديل شكل.

-أو بِهنَّ معاً .. كلها، كـ: غُلام وَغِلْمَان، إذاً: حصل تغيير (غُلام) الألف التي بعد اللام (غِلْمَان) حُذِفت، لامٌ ثُمَّ ميم، (غِلْمَان) زِيدت ألف بعد الميم .. (غُلَام) ألف ونون زيدت بعد الميم، إذاً: حصل تغيير ونقص وزيادة، (تغيير) يعني: تبديل شكلٍ، ونقص حرف، وزيادة حرفين. إذاً هذه أنواعٌ ستة: إمَّا بزيادة حرف، أو بنقص حرف، أو بتبديل شكلٍ، فالأقسام حينئذٍ تكون ستة. وصورة التغيير هنا في المفرد والجمع المراد بها تغيير صوري، لماذا؟ لأنَّك إذا قلت: رَسُول وَرُسُل، الحركات التي في المفرد ليست هي عين الحركات التي في الجمع، هذا لفظٌ وهذا لفظ، حينئذٍ كيف نقول: تغيَّرت صورة مفرده .. تغير مفرده؟ مفرده (رسول) لم يتغيَّر .. تنطق به: رسول لم يحصل له تغيير، وإنَّما تنظر إلى (رُسُل)، نقول: هنا باعتبار المفرد المقارنة، حينئذٍ التغيير للمفرد ليست حقيقية وإنَّما هو تغيرٌ صوري فحسب، يعني: بالمقابلة بالجمع، وإلا في نفسه تنطق بـ: رسول لم يتغيَّر. (ما تغيَّر فيه بناء مفرده): (فيه) في الجمع (الجمع) هذا صيغة مستقلَّة منفكَّة عن المفرد، (رسول) هذا صيغة، و (رُسُل) هذه صيغة منفكَّة عنها، كيف ننظر إلى هذا باعتبار هذا؟ نقول: باعتبار المقارنة الصورية فحسب، فنَحكم على الثاني بأنَّه تغيَّر عن الأول، وهنا صورة تغييرٍ يعني: ليس التغيير حقيقياً، لأنَّ صيغة الواحد لا تتغيَّر حقيقةً، (سرير) كما هو لم يتغيَّر فهو باقٍ، لأنَّ الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد، وإنَّما هذا من قبيل ضبط الأحكام فقط والنظر في سَبْر ما يصدق عليه أنَّه جمع تكسير وضبطه تحت حدٍّ واحد، وإلا المفرد منفكٌّ عن الجمع، فدلالة المفرد تدلُّ على واحد، ودلالة الجمع تدلُّ على ثلاثةٍ فأكثر. والتغيير المُقدَّر هذا النوع الثاني في نحو: فُلْكٍ ودلاص، بدالٍ وصادٍ مهملتين، يُقال للواحد والجمع من الدروع، و (هجان) يُقال للواحد والجمع من الإبل، (شِمال) للخلقة، أي الطبيعة قيل: ولم يرد غير هذه الأربعة فحسب، هي التي يُحكم عليها بكونها تستعمل في المفرد والجمع، يعني: لفظٌ واحد يُراد به المفرد ويُراد به الجمع. نحن نقول: الجمع له صيغة، والمفرد له صيغة، وهنا لفظٌ واحد (فُلْكٌ) يُعنَى به واحد، و (فُلْكٌ) يُعنَى به عشرة، كيف لفظٌ واحد يعنى به؟ نقول: لا بُدَّ من الفصل فنقول (فُلْك) وهو مفرد مُغاير لـ: (فُلْك) وهو جمع، لا بُد من باب ضبط الحدود فقط والاصطلاحات، فحينئذٍ نُقدِّر أنَّ ثَمَّ تغييراً حصل في الجمع. (فلك)، و (دلاص)، و (هجان)، و (شِمال) للخلقة هذه أربعة، وزاد في (الكافيَّة): عفتان، وهو القوي الجافي، وحكا ابن سيده: ناقةٌ كنازٌ ونوق كناز، (ناقةٌ كناز) يعني: مكتنزة اللحم، وزاد ابن هشام: إمام، تقول: هذا إمام وهؤلاء إمام، بالمفرد .. جمع تكسير، فتكون الألفاظ حينئذٍ سبعة، إذاً: التقدير محصورٌ في سبعة لا زيادة عليها.

ومذهب سيبويه أنَّ السبعة هذه جموع تكسير، فَيُقَدَّر زوال حركات المفرد وَتَبَدُّلها بِحركاتٍ مُشعرةٍ بالجمع، فـ: فُلْك، إذا كان مفرداً كـ: قُفْلٍ، (قُفْل) هذا مفرد، و (فُلْك) إذا كان مُفرداً فالضَّمَّة فيه ضمَّة (قُفْل)، وإذا كان جمعاً حينئذٍ قَدَّرناه كـ: بُدْن، والضَّمَّة فيه ضَمَّة جمعٍ، هذا من باب الضبط. و (عفتان) إذا كان مفرداً كـ: سِرْحَان، (سَرْحَان) هذا الذِّيب وهو مفرد، وإذا كان جمعاً كـ: غلمان، وهكذا في باقيها، فإنَّها في حالة الإفراد نظير (لجام)، وفي حالة الجمع نظير (كِرام)، فـ: (دلاص) مفرد نظير (لجام) وهو مفرد، و (دلاص) جمع نظير (كِرام) وهو جمعٌ، هذا من باب ضبط الحدود فحسب. ودليله .. دليل سيبويه: أنَّهم ثَنَّوها فقالوا: فلكان، ودلاصان، فَعُلِم أنَّهم لم يقصدوا بها ما قصدوا بنحو: جُنُبْ .. (جُنُبْ) في أصل الوضع وُضِع مشتركاً، فيصدق على المفرد وعلى المثنَّى والجمع، تقول: هذا جنبٌ، وهذان جُنُبٌ، وهؤلاء جُنُبٌ، لفظٌ واحد مشترك لم يُسمع تثنيته. وأمَّا ما ذُكِر من الألفاظ: دلاص، ونحوها فهذه سُمِع فيها التَّثنية فدل على أنَّهم لم يريدوا منها ما أرادوا من: جُنُبْ، حينئذٍ لا نقول: بأنَّها اسْتُعْمِلت استعمال (جُنُبْ)، يعني: لفظٌ واحدٌ مشترك بين المفرد والمثنَّى والجمع. فلا نقول: فلك، ودلاص، هذا مثل: جُنُبْ، يصدق على الواحد والاثنين والجمع، نقول: لا، لأنَّهم ثَنَّوها فدلَّ ذلك على أنَّهم لم يقصدوا في وضعها وضع: جُنُبْ، إذاً: هي مخالفة فنحكم عليها بأنَّها جمع تكسير. إذاً: ثَنَّوها فقالوا: فلكان ودلاصان، سُمِع هذا فَعُلِم أنَّهم - يعني: العرب - لم يقصدوا بها ما قصدوا بنحو (جُنُبْ) مِمَّا اشترك فيه الواحد وغيره حين قالوا: هذا جُنُبْ، وهذان جُنُبْ، وهؤلاء جُنُبْ، فالفارق عند سيبويه بين ما يُقدَّر تغييره وما لا يُقَدَّر تغييره وجود التَّثنية، لأنَّ الأصل فيما استعمله العرب مِمَّا يصدق على الواحد والاثنين والجمع: ألا يُقال بأنَّه جمع تكسير، فلا نحتاج أن نلحقه بجمع التكسير ونَتَكلَّف التقدير في الحركات، لكن لَمَّا سُمِعت تثنيته في: فلكان ودلاصان، علمنا أنَّهم لم يريدوا به ما أرادوا بـ: جُنُبٍ ونحوه، حينئذٍ لا بُدَّ من التقدير، ونلحقه بباب التكسير. واختار في (التسهيل) أنَّها اسم جمع، كل ما ذُكِر .. السبعة الألفاظ (فُلك) ونحوها، اختار ابن مالك في (التسهيل) أنَّها اسم جمعٍ مستغنياً عن تقدير التغيير فاللفظ حينئذٍ مُشْتَركٌ بين المفرد واسم الجمع لا بينه وبين الجمع. إذاً: ما تغيَّر إمَّا تغيُّراً ظاهراً وإمَّا تغيُّراً تقديراً، والتغيُّر التقديري هذا مُختلفٌ فيه: هل هو جمع تكسير، أو اسم جمعٍ؟ مذهب سيبويه أنَّه جمع تكسير، وحينئذٍ يكون التغيير مُقدَّراً.

جمع التكسير نوعان: جمع قلَّة، وجمع كثرة، والمشهور عند النُّحاة ومن وافقهم من الأصوليين أنَّ مدلول جمع القِلَّة بطريق الحقيقة: ثلاثةٌ إلى عشرة، يعني: يبدأ من الثلاثة وهذا أقل الجمع، سواءٌ كان جمع قلَّة أو غيره مبدؤه من الثلاثة، لكن المشهور عند النُّحاة أنَّ جمع القلَّة يدلُّ بطريق الحقيقة لا المجاز: ثلاثة إلى عشرة، ومدلول جمع الكثرة بطريق الحقيقة: ما فوق العشرة إلى ما لا نهاية، حينئذٍ أقلُّ جمع الكثرة: أحد عشر، وأكثر جمع القِلَّة: عشرة، وأقل جمع القِلَّة: ثلاثة، وعليه الخلاف في أقل الجمع يُحمل على ماذا .. في أي أنواع الجمع؟ على جموع القِلَّة، سواءٌ كانت هذه الأوزان الأربعة أو جمع التصحيح .. جمع المؤنَّث السَّالم أو الجمع بواوٍ ونون، لأنَّها تدلُّ على القِلَّة. حينئذٍ يكون مدلول الجمع .. أقلُّه مِمَّا وقع فيه نزاع هو: جمع القلَّة، سواءٌ كان جمع تكسير أو غيره. وَيُسْتَعمل كُلٌّ منهما موضع الآخر مجازاً، يعني: جمع القِلَّة يستعمل في ما دلَّ عليه جمع الكثرة، والعكس بالعكس، كُلٌّ منهما يُستعمل محل الآخر، لكن هذا بشرط: إن كان للمفرد الجمعان، يعني: إذا سُمِع للمفرد الواحد جمع قِلَّة وجمع كثرة، حينئذٍ إذا اسْتُعمل جمع قِلَّته في كثرته قلنا: هذا مجاز، وإذا اسْتُعمل جمع كثرته في قِلَّته قلنا: هذا مجاز، وأمَّا إذا لم يُسْمَع إلا جمع قِلَّة له أو جمع كثرة فليس من قبيل المجاز .. ليس فيه تَجَوُّز، وإنَّما هو من باب الحقيقة. إذاً: يُستعمل كُلٌّ منهما موضع الآخر مَجازاً بشرط: إن كان للمفرد الجمعان، أمَّا إذا لم يكن له إلا جمع قِلَّة أو جمع كثرة، حينئذٍ لا نقول: بأنَّه مجاز، لأنَّه حينئذٍ من قبيل المشترك، هذا قول: بأنَّ أقل الجمع في القلَّة ثلاثة، وأقصاه عشرة، وجمع الكثرة أقَلَّه أحد عشر، وأقصاه ما لا نهاية. وهناك قول آخر: أنَّ الفرق بينهما من جهة النهاية لا من جهة المبدأ، وعليه تكون النيابة من جانب القِلَّة عن الكثرة لا العكس، من جانب المبدأ، يعني: جمع القلَّة وجمع الكثرة كُلٌّ منهما يشتركان في المبدأ وهو: ثلاثة، إذاً: أقل جمع القِلَّة ثلاثة، وأقل جمع الكثرة ثلاثة، وأقصى جمع القِلَّة عشرة، وجمع الكثرة ما لا نهاية، إذاً: يبدآن معاً .. جمع القلَّة والكثرة يبدءان بثلاثة ثُمَّ يسيران: أربعة .. خمسة .. ستة .. سبعة .. ثمانية .. تسعة .. عشرة، يقف جمع القِلَّة، ثُمَّ يسير جمع الكثرة. إذاً: اتفقا في المبدأ واختلفا في المنتهى، وهذا هو المرجَّح .. هذا هو الصواب، وعليه إذا قال: عَليَّ لِزَيدٍ دَرَاهم، كم نعطيه؟ ما بيَّن، لو قال: لزيدٍ عليَّ عشر دراهم، انتهينا .. حدَّد، لكن لو قال: دراهم وسكت .. مات مباشرة، من يخبرنا؟ قال: لزيدٍ عليَّ دارهم، وهذه تركة، كم نعطي زيد؟ على القول الأول: نعطي زيداً أحد عشر درهماً، وعلى القول الثاني: ثلاثة، لو كان صاحب الحق له قال: الراجح الأول، وإذا كان لغيره قال: الصحيح الثاني!

والصواب كما ذكرنا: أنَّهما يشتركان في المبدأ، وأمَّا هذا لا دليل عليه، لأنَّ المسألة لغويةٌ بحتة، وأقل الجمع: ثلاثة، العرب فرَّقت بين الواحد والاثنين والجمع، فقالت: دِرهم ودرهمان ودراهم، واحد درهم، درهمان: اثنان، دراهم: أقله ثلاثة، فمن أين يُقال بأنَّه أحد عشر؟! إذاً: على القول الثاني .. أنَّ الفرق بينهما من جهة النهاية لا من جهة المبدأ، تكون النيابة من جانب القِلَّة عن الكثرة لا العكس، على القول الأول: كُلٌّ منهما إذا سُمِع الجمعان القِلَّة والكثرة للمفرد الواحد قلنا هذا مجاز، إذا استعمل جمع القِلَّة مراداً به الكثرة مجاز، أو الكثرة فيما سُمِع فيه جمع القِلَّة قلنا مجاز، هذا لا إشكال فيه. وعلى القول الثاني، حينئذٍ أيُّهما يُستعمل مجازاً في الآخر دون الآخر؟ إذا اسْتُعمل جمع الكثرة في الثلاثة هل هذا مجاز؟ ليس مجازاً، لكن لو اسْتُعمل جمع القلَّة في الأحد عشر أو العشرين نقول هذا مجاز، إذاً: لا يمكن أن يُتجوَّز في استعمال جمع الكثرة مراداً به القِلَّة لأنَّه موافقٌ؛ لأنَّ كُلَّ جمع كثرة جمع قِلَّة ولا عكس فهو أعم، فإذا استعمل في القِلَّة قلنا هذا حقيقةً وليس من المجاز، لكن لو استعمل جمع القِلَّة من الثلاثة إلى العشرة فيما أُريد به العشرون مثلاً نقول هذا من قبيل المجاز. قال النَّاظم هنا: أَفْعِلَةٌ أَفْعُلُ ثُمَّ فِعْلَهْ ... ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّهْ (أَفْعِلَةٌ) وما عُطِف عليه (جُمُوعُ قِلَّهْ) وهي أربعة، (أَفْعِلَة) كـ: (أسلحة)، و (أَفْعُل) كـ: (أَفْلُسْ) و (فِعْلَهْ) كـ: (فتية)، و (أَفْعَال) كـ: (أفراس) هذه جموع قلة على الصواب لا خامس لها من حيث جمع التكسير، وكلها قياسية إلا (فِعْلَهْ) فهو سماعي، (أَفْعِلَة) هذا قياسي كما سيأتي، و (أَفْعُلُ) قياسي، ثُمَّ (فِعْلَهْ) هذا سماعي، و (أَفْعَالٌ) قياسي. إذاً: (فِعْلَهْ) سماعي وغيره قياسي، (سماعي) يعني: لا ينضبط .. ليس له قاعدة، وإنَّما تُحفظ ألفاظ جاءت على هذا الوزن. إذاً: جموع القلة أربعة أوزان لا غير على الصحيح، هل دلالة هذه الألفاظ .. الأوزان الأربعة على القِلَّة يشاركها فيها غيرها، أم أنَّها خاصةٌ بهذه الألفاظ؟ المشهور عند النُّحاة: أنَّ مدلول جمعي التصحيح قِلَّة فـ: مسلمون ومسلمات، يدلُّ على القِلَّة: عندي مسلمون .. عندي زيدون، حينئذٍ هذا يدلُّ على القِلَّة من الثلاث إلى العشرة، ولا يدل على زيادةٍ على ذلك، كذلك (مسلمات) جاء مسلمات، حينئذٍ نقول: هذا يدلُّ على القِلَّة ولا يدلُّ على الكثرة. إذاً: يُشارك هذه الأبنية في الدَّلالة على القِلَّة جمعا التصحيح، فيكون استعمالها في القِلَّة حقيقياً وفي الكثرة مجازاً، إذا اسْتُعمل (مسلمون) مراداً به ما فوق العشرة صار مجازاً، وإذا اسْتُعمل (مسلمات) فيما فوق العشرة صار مجازاً، لأنَّ مدلوله في لسان العرب هو القِلَّة.

واستظهر الرضي أنَّ جمعي التصحيح لمطلق الجمع من غير نظرٍ إلى قِلَّةٍ أو كثرة، يعني: مسلمات، مرادٌ به مطلق الجمع، فيصدق على الثلاث إلى ما لا نهاية كأنَّه شمل جمع القِلَّة والكثرة، وكذلك جمع التصحيح إذا كان بواوٍ ونون، شمل ما كان مبدؤه من الثلاثة إلى ما لا نهاية فيصلحان لها، هذا المشهور عند النُّحاة: أنَّ مدلولي جمعي التصحيح هما جمع قِلَّة، وإذا قُرِن جمع القِلَّة بـ: (أَلْ) التي للاستغراق، أو أضيف إلى ما يدلُّ على الكثرة انصرف بذلك إلى الكثرة، يعني: أنَّه من صِيَغ العموم عند الأصوليين، متى الجمع يكون من صِيَغ العموم؟ إذا حُلِّي بـ: (أل). الفَردُ وَالجمعُ المُعرَّفَانِ ... بِاللاَّمِ كَالْكَافِرِ وَالإِنْسَانِ الجمع إذا عُرِّف بـ: (أل) حينئذٍ أفاد العموم والاستغراق، وكذلك إذا أُضِيف إلى المعرفة حينئذٍ نقول: يفيد العموم. إذاً: جمع التصحيح أو جمع المذكَّر السَّالم يدلُّ على القِلَّة ما لم يقترن به (أل) الاستغراقية أو يُضف، حينئذٍ يفيد العموم، يعني: يدلُّ على ما يدلُّ عليه الكثرة. وإذا قُرِن جمع القِلَّة بـ: (أل) التي للاستغراق، أو أُضِيف إلى ما يدلُّ على الكثرة، يعني: ما تدلُّ الإضافة إليه على الكثرة وهو المعرفة مفردةً أو جمعاً، لأنَّ الإضافة إلى المعرفة تعم ما لم توجد قرينة تخصيص، وهذا مبحثه عند الأصوليين، حينئذٍ انصرف بذلك إلى الكثرة: ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ)) [الأحزاب:35] (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ) يعني: إن كُلَّ مسلمٍ، (وَالْمُسْلِمَاتِ) كُلَّ مسلمةٍ، وهما جمع قِلَّة، من أين جاء العموم؟ من (أل) وهذا المثال فيه نظر من جهة أنَّ (أل) هنا موصولة وليست استغراقيَّة، على كُلٍّ المراد: أنَّ الجمع إذا دخل عليه (أل) أفاد العموم. قال هنا: أَفْعِلَةٌ أَفْعُلُ ثُمَّ فِعْلَهْ ... ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّهْ (أَفْعِلَةٌ) مبتدأ .. (أَفْعِلَةٌ) نوَّنه للضرورة، لأنَّه غير منصرف، (أَفْعِلَة) لأنَّه صار علماً، كذلك مؤنَّث بالتاء، وكذلك على وزن الفعل، و (أَفْعُلُ) بإسقاط حرف العطف، وهو كذلك ممنوعٌ من الصَّرف ولذلك لم يُنَوِّنه .. ليس للضرورة، وإنَّما التنوين في: أَفْعِلَةٌ هنا للضرورة، ومنع الصرف في (أَفْعُلُ) ليس للضرورة، وإنَّما لكونه علماً وهو على زِنَة الفعل. (ثُمَّ فِعْلَهْ)، (ثُمَّ) هذا بِمعنى الواو، (ثُمَّتَ) هذه لغةٌ في (ثُمَّ). ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّةْ .. حَكَم عليها (جُمُوعُ قِلَّةْ)، (جُمُوعُ) هذا خبر وهو مضاف، و (قِلَّةْ) مضافٌ إليه، فُهِم منه أنَّ ما سوى هذه الأربعة من جموع التكسير جمع كثرة، لأنَّ القسمة ثنائية: إمَّا جمع قِلَّة، وإمَّا جمع كثرة، حَكَم على هذه الأربعة بأنَّها جمع قِلَّةٍ، فما عداها جمع كثرة.

قوله: (جُمُوعُ) .. (فُعُول) ليس من جمع القلَّة .. ليس واحداً من (أَفْعِلَ) أو (أَفْعُلْ) أو (فِعْلَة) أو (أَفْعَال) وهي أربعة أوزان، وعلى المشهور عند النُّحاة أنَّ (جُمُوعُ) يبدأ من الأحد عشر إلى ما لا نهاية، فكيف حكم على القِلَّة: أربعة، بما مدلوله ما زاد عن العشرة؟ هنا اعتراض قوله: (جُمُوعُ) .. (فُعُول) هذا جمع كثرة، أقلُّه عند النُّحاة: أحد عشر، والذي صدق عليه هنا المخبر عنه: أربعة. الجواب: أنَّ المراد به: (أَفْعِلَةٌ .. أَفْعُلُ .. فِعْلَهْ .. أَفْعَال) المراد به الموزونات، والموزونات هذه لا حصر لها، أيضاً (جُمُوعُ) ليس له جمع قِلَّة، قلنا: ما لم يُسمع فيه قِلَّة وإنَّما سُمِع فيه كثرة أو بالعكس استعماله حقيقي، يكون من باب العاريَّة، وأمَّا مجازاً أو ما يرد عليه الاعتراض إذا سُمِع له الجمعان. اعْتُرِض بأنَّ الجموع من أبنية جمع الكثرة، وهنا واقعٌ على أربعة ألفاظ، فكان المناسب التعبير ببناء القِلَّة، وأجاب ابن هشام بجوابين: الأول: أن مفرد (جُمُوعُ) لم يُجمع جمع قِلَّة، وهذا جيد، فحينئذٍ استعمال (جُمُوعُ) في القِلَّة حقيقة. الثاني: أنَّ القليل هذه الألفاظ أوزان، وأمَّا موزوناتها فكثيرة في التعبير وفي جمع الكثرة بهذا الاعتبار. قال الشَّارح هنا: جمع التكسير: هو ما دلَّ على أكثر من اثنين بتغييرٍ ظاهر، يعني: ملفوظ، كـ: رَجُلْ .. رِجَال، هذا يدخل تَحته السِّتة الأنواع، أو مُقَدَّرٍ كـ: فُلْكٍ، للمفرد والجمع، (فُلْك) اسْتُعمل مراداً به الواحد، واستعمل مراداً به الجمع، حينئذٍ نقول: لا بُدَّ من تقدير أن الثاني غير الأول، ليس عندنا لفظ وهو جمع يستوي فيه المفرد والجمع فلا بُدَّ من التقدير. والضَّمَّة التي في المفرد كضمَّة: قُفْل، والضَّمَّة التي في الجمع كضمَّة: أُسْد، يعني: ليس المراد: قُفْل وَأُسْدْ، بعينه، لا .. ائت بمفرد على وزن (فُعْل) وقل هذا مثله، وائت بجمعٍ على وزن (فُعْل) وقل هذا مثله، ليست الأمثلة هنا توقيفية، وهو على قسمين: جمع قلَّة، وجمع كثرة، فجمع القِلَّة يدلُّ حقيقةً على ثلاثةٍ فما فوقها إلى العشرة، وجمع الكثرة يدلُّ على ما فوق العشرة إلى غير نهاية، وهذا يحتاج إلى دليل ولا دليل، ويستعمل كُلٌّ منهما في موضع الآخر مجازاً، هذا يُقَيَّد .. على هذا القول مُقيَّد بِما إذا سُمِع له الجمعان: جمع قِلَّة وجمع كثرة، وأمَّا إذا سُمِع جمع قِلَّة فقط فليس مجازاً إذا استعمل في الكثرة، أو سُمِع له جمع كثرة فقط ولم يسمع جمع قِلَّة فليس مجازاً إذا استعمل في القِلَّة، وأمثلة جمع القلَّة كما ذكرناها سابقاً، وما عدى هذه الأربعة من جموع التكسير فجموع كثرة. وَبَعْضُ ذِي بِكَثْرَةٍ وَضْعاً يَفِي ... كَأَرْجُلٍ وَالْعَكْسُ جَاءَ كَالصُّفِي (وَبَعْضُ ذِي) يعني: بعض موزونات ذِي، المشار إليه: الموزونات: أَفْعِلَةٌ أَفْعُلُ ثُمَّ فِعْلَهْ ..

(أَفْعِلَة) وزن، موزونه: أسلحة، و (أَفْعُلُ) وزن، موزونه: أَفْلُس، و (فِعْلَهْ) وزن وموزونه: فتية، و (أَفْعَال) وزن وموزونه أفراس، ما الذي ينوب عن بعض .. (أَفْعِلَة) ينوب عن (أَفْعُلُ)؟ ليس المراد: الأوزان هي التي تنوب عن الآخر، وإنَّما المراد الموزونات. إذاً قوله: (وَبَعْضُ ذِي) أي: وبعض موزونات ذِي، (ذِي) المراد به: الأربعة، بعض جموع القِلَّة من حيث الموزونات يدلُّ على كثرةٍ، (وَضْعاً) يعني: من جهة الوضع، (وَبَعْضُ ذِي) (بَعْضُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذِي) مضافٌ إليه، (بِكَثْرَةٍ وَضْعاً يَفِي) (يَفِي) هذا خبر المبتدأ، وقوله: (بِكَثْرَةٍ) مُتعلِّق بقوله: (يَفِي)، (وَضْعاً) هذا منصوبٌ على التمييز، أو في الوضع يعني: بنزع الخافض .. إذا جعلناه قياساًَ، (وَبَعْضُ ذِي يَفِي) يعني: بعض هذه الأبنية يأتي في كلام العرب للكثرة، هذه التي أشار إليها بقوله: (ذِي) جموع القِلَّة قد يُستعمل وضعاً في جمع الكثرة، كـ: أَرْجُلٍ، في جمع رِجل، فإنهم لم يجمعوه على مثال كثرة، وإنَّما جُمِع جمع قلَّةٍ فحسب، (أَرْجُل) على وزن (أَفْعُل)، هل له جمع كثرة؟ ليس له جمع كثرة، حينئذٍ إذا أردت استعماله فيما زاد عن العشرة تقول: أَرْجُل، وتريد به العشرين أو الثلاثين أو المائة. استعمالك (أَرْجُل) فيما زاد عن العشرة، نقول: هذا من جهة الوضع، لأنَّ العرب وضعوا لفظاً واحداً دالَّاً على القِلَّة حينئذٍ لا بُدَّ من استعماله فيما وُضِع له القِلَّة، وفيما هو أكثر من مدلول القِلَّة، فحينئذٍ يُستعمل في مدلول الجمعين، فَيُكْتَفى بوضع جمع قِلَّةٍ عن وضع لفظٍ يدلُّ على الكثرة. إذاً: (أَرْجُل) هذا جمع قلَّة، فإنّهم لم يجمعوه على مثال كثرةٍ، حينئذٍ: يفي هذا الجمع (أَرْجُل) عن وضع ما يدلُّ على الكثرة، والعكس من هذا: وهو وضع ما يدلُّ على الكثرة فيفي بِما يدلُّ على القِلَّة، وهذا يدل على أن ابن مالك يُرجِّح مذهب الجمهور. (وَالْعَكْسُ) يعني: وضع ما يدلُّ على الكثرة ثُمَّ يستعمل في القِلَّة، كذلك في لسان العرب، (وَالْعَكْسُ) مبتدأ، و (جَاءَ) خبر .. جاء هو، أي: (الْعَكْسُ). والعكس من هذا وهو الاستغناء ببناء الكثرة عن بناء القِلَّة، (جَاءَ) أي: وضعاً .. قَدِّر وضعًا، لأنَّه قال في السابق: (وَضْعاً)، (وَالْعَكْسُ جَاءَ) أي: وضعاً، معناه: أنَّ العرب وضعته لذلك، واستغنت به عمَّا يستحق. الوضع في الموضعين معناه: أنَّ العرب وضعته لذلك، إمَّا للقِلَّة دون الكثرة، أو للكثرة دون القِلَّة، واستغنت به عمَّا يستحق، (كَالصُّفِي) (الصُّفِي) أصله: صُفوي، بواوٍ وياء كُلٌّ منهما ساكن، اجتمعت الواو والياء فوجب قلب الأولى الواو ياءً ثُمَّ أُدْغِمت الياء في الياء فقيل: (صُفِي) أصلها: صفوْيْ، واوٌ ساكنة ثُمَّ ياءٌ ساكنة، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فَقُلِبت الواو ياءً، وَأُدْغِمت في الياء وَكُسِرت الفاء للمناسبة.

قيل: ليس (صُفِي) مِمَّا أغنى فيه جمع الكثرة عن جمع القِلَّة، حكا الجوهري وغيره: صُفَاتٌ وأَصْفَاء، (أصفاء) على وزن (أفعال) إذاً سُمِع له كثرة وَسُمِع له قِلَّة، إذاً: المثال هذا فيه نظر على قول الجوهري، وقيل: أصفاء في غاية النُّدور، فكأنه لم يُوضع، وإذا كان كذلك فمثال النَّاظم صحيح. إذاً: (الصُّفِي) هل له جمع قِلَّة أو لا؟ سُمِع (أصفاء) وهو مسموع حكاه الجوهري، إذا كان كذلك حينئذٍ ليس مِمَّا استغني فيه بجمع الكثرة عن جمع القِلَّة. إذاً: (وَبَعْضُ ذِي) الموزونات الأربعة السابقة (يَفِي بِكَثْرَةٍ) يعني: يدلُّ في الكلام على الكثرة، (وَضْعاً) من جهة الواضع، بأنَّه وضع لفظاً واحداً يدلُّ على القلَّة وعلى الكثرة، (كَأَرْجُلٍ)، (وَالْعَكْسُ) الذي هو الاستغناء ببناء الكثرة عن بناء القِلَّة، (جَاءَ) وضعاً كذلك، (كَالصُّفِي) وذلك كَالصُّفِي، (كَالصُّفِي) مُتعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، (كَالصُّفِي) مأخوذٌ من الصفات وهي الصخرة الملساء. قال الشَّارح هنا: قد يُستغنى ببعض أبنية القِلَّة عن بعض أبنية الكثرة، كـ: رِجْل وَأَرْجُل، وَعُنُقْ وَأَعْنَاق، وفؤاد وأفئدة، وقد يستغنى ببعض أبنية الكثرة عن بعض أبنية القِلَّة كـ: رَجُل وَرِجَال، (رِجَال) هذا جمع كثرة، ليس واحداً من الأربعة، لو قلت: عندي رجال، نحمله على أي شيء: ثلاثة، أو عشرة، أو أحد عشر؟ وُضِع (رِجَال) ولم يوضع له قِلَّة، حينئذٍ يستويان مبدأً، الاختلاف فيما وُضِع لكلٍّ منهما جمعاً .. جمع قِلَّة وجمع كثرة، إذا سُمِع فيه الجمعان تأتي بالفرق، وأمَّا إذا لم يُسْمع إلا جمعٌ واحد حينئذٍ يُستعمل الكثرة في القِلَّة، والقِلَّة في الكثرة. إذاً: رِجَال وَرَجُل، (رِجَال) هذا جمع كثرة يدلُّ على القِلَّة، كذلك: قَلْب .. قُلوب، وَصُرَد وَصُرْدَان، وصفات وصفي، كما يغني أحدهما عن الآخر وضعاً كذلك يغني عنه أيضاً استعمالاً لقرينةٍ مجازاً، نحو: ((ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)) [البقرة:228] والقرينة هي إضافة ثلاثة إليه، سبق هذا: قروء، هنا اسْتُعْمل مراداً به الأقراء وهو الثلاثة، قلنا: عَدَل عن الأقراء إلى جمع الكثرة لكونه شاذًّاً، (أقراء) شاذ جمع: قرءٍ، على وزن (فَعْل) هذا شاذ، حينئذٍ عُدِل عن جمع القِلَّة إلى جمع الكثرة، مع كون الأصل في الثلاثة إلى العشرة أن يضاف إلى جمع تكسيرٍ بلفظ قِلَّة. حينئذٍ هنا أضيف إلى جمع كثرة لِعلَّةٍ، فاسْتُعْمل هنا وضعاً .. لا من حيث الوضع، لأنَّه وضع (أقراء) ووضع (قروء)، (أقراء): من الثلاث إلى العشرة، و (قروء): من الأحد عشر إلى ما لا نهاية، اسْتُعمل (قروء) كثرة في الدَّلالة على ما دلَّ عليه (أقراء) هل هو من قبيل الوضع أو الاستعمال؟ الثاني .. من حيث الاستعمال. ثُمَّ شرع في بيان محل هذه الأوزان الأربعة، يعني: متى نقول أنَّ هذا المفرد يُجمع على وزن (أَفْعِلَةٌ)؟ بضوابط، ليس كل مفردٍ يُجمع على وزن (أَفْعِلَة)، وليس كل مفردٍ يُجمع على وزن (أَفْعُل) أو (فِعْلَهْ) .. (فِعْلَهْ) قلنا: هذا سَماعي، أو (أَفْعَال)، إنما ثَمَّ ضوابط سيذكرها النَّاظم تباعاً.

والنَّاظم هنا اصطلح على أن يذكر الجمع فيقول: هذا الوزن يكون جمعاً لكذا وكذا، يذكر الوزن ثُمَّ يذكر الموزون الذي هو المفرد على عكس ما عليه النُّحاة. اصطلح النَّاظم على أن يذكر الجمع فيقول: هذا الوزن يكون جمعاً لكذا وكذا، عكس ما عليه النُّحاة، على كُلٍّ هذا مُجرَّد اصطلاح. لِفِعْلٍ اسْماً صَحَّ عَيْنَاً أَفْعُلُ ... وَلِلرُّبَاعِيِّ اسْماً ايْضَاً يُجْعَلُ إِنْ كَانَ كَالْعَنَاقِ وَالذِّرَاعِ فِي ... مَدٍّ وَتأْنِيثٍ وَعَدِّ الأَحْرُفِ (أَفْعُلُ لِفِعْلٍ اسْماً صَحَّ عَيْنَاً)، (أَفْعُلُ) مبتدأ، (لِفَعْلٍ) خبر، ما المراد (لِفَعْلٍ)؟ يعني: لمفردٍ على وزن (فَعْلٍ) .. (اسْماً) لا صفةً، (صَحَّ عَيْنَاً) يعني: صحَّت عينه، احترز به عَمَّا إذا اعتلَّت عينه، بهذين الشرطين يُجمع (فَعْلٌ) على وزن (أَفْعُلُ). إذاً: (أَفْعُلُ) هذا مبتدأ، قوله: (لِفَعْلٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف، (اسْماً) هذا حالٌ من (فَعْلٍ)، صح الاسم (عَيْنَاً) تمييز يعني: صحَّت عينه، مُحَوَّل عن الفاعل. لِفَعْلٍ اسْماً صَحَّ عَيْنَاً أَفْعُلُ .. يعني: أنَّ (أَفْعُل) أحد جموع القِلَّة كما سبق، يَطَّرد في نوعين .. يكون مُطَّرِداً يعني: مقيساً قياساً مُطَّرداً في نوعين: الأول: ما أشار إليه بقوله: (لِفَعْلٍ اسْماً صَحَّ عَيْنَاً) ما كان مفرده على وزن (فَعْلٍ) بفتح الفاء وإسكان العين، وهذا بشرطين: أولاً: أن يكون اسْماً. الثاني: أن يكون صحيح العين. فَشَمِل نحو: فَلْس، وَكَفّ، وَدَلْوٍ، وَظَبْيٍ، وَوَجْهٍ، (فَلْس) و (كَفّ) مُضعَّف .. (دَلْوٍ) مُعتل اللام بالواو، و (ظَبْيٍ) مُعتل اللام بالياء، و (وَجْهٍ) مُعتل الفاء، لأنَّه احترز من ماذا؟ قال: (صَحَّ عَيْنَاً) إذاً: لو اعتلَّت فاؤه وهو على وزن (فَعْلٍ اسْماً) جُمِع على وزن (أَفْعُل)، لو اعتلَّت لامه بالواو أو الياء كذلك جُمِع على وزن (أَفْعُل)، لو كان مُضَعَّفاً كذلك جُمِع على وزن (أَفْعُلْ). إذاً: هذه كلها لها محترزات، فتقول في هذه: أَفْلُس، وَأَكُفّ .. أصلها: أَكْفُفْ، وَأَدْلل، وأَظْبٍ، وَأَوْجُه. واحترز بقوله: (اسْماً) من الصفة: ضَخْمٍ، على وزن (فَعْلٍ) وهو صحيح العين، هل يُجمع على (أَفْعُلْ)؟ الجواب: لا، لأنَّ ضَخْمَاً وإن كان فعلاً صحيح العين إلا أنَّه صفةٌ لا اسمٌ، وشرط الجمع: أن يكون اسماً لا صفةً، (صفة) يعني: دالَّةً على معنى .. صفة معنوية، و (الاسم) المراد به: أن يكون جامداً. إذاً: (اسْماً) احترز به من الصِّفة، فقوله: (لِفَعْلٍ اسْماً) لا صفةً، فإن كان صفةً كـ: ضَخْمٍ، لا يُجمع على (أَفْعُلْ)، وأمَّا عَبْد وَأَعْبُد، قد يقول قائل بأنَّ (عبد) هذا صفة فكيف جُمِع على (أَفْعُل)؟ قيل: لِغَلَبة الاسْميَّة .. غَلَبَت عليه الاسْميَّة فَجُمِع على وزن (أَفْعُل) وإلا في الأصل هو صفة كـ: ضَخْمٍ، غَلَبَت عليه الاسْميَّة فَجُمِع هذا الجمع.

واحترز بقوله: (صَحَّ عَيْنَاً) من مُعتلِّ العين، ما كان مُعتلَّ العين ولو كان على وزن (فَعْلٍ اسْماً) لا يُجمع على وزن (أَفْعُلُ) مثل: باب .. أَبْوُب هذا شاذ، وبيت، وثوب .. أَثْوُب هذا شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه، وكذلك: بيت .. أَبْيُت هذا شاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه. وشذَّ قياساً قولهم: أَعْيُن، شذَّ قياساً لا استعمالاً، لأنَّه وارد في القرآن، (عَيْن) على وزن (فَعْلْ) وهو اسمٌ لكنَّه مُعتلَّ العين، وهنا قد اشترط صحة العين، حينئذٍ جُمِع على وزن (أَفْعُل) نقول: هذا شاذٌّ قياساً لا استعمالاً. وشذَّ قياساً وسماعاً قولهم: لِكُلِّ دَهْرٍ قد لَبِسْتُ أَثَوُباً .. (أَثَوُب) على وزن (أَفْعُل)، هل جمعه على وزن (أَفْعُل) صحيح؟ لا، لأنَّه مُعتلَّ العين، وشرط ما يُجمع على وزن (أَفْعُل): أن يكون صحيح العين. إذاً: هذا النوع الأول الذي يُجمع على وزن (أَفْعُلْ): وهو أن يكون على وزن (فَعْلٍ) بفتحٍ فسكون، فإن كان على وزن (فُعْل) أو (فِعَلْ) أو (فَعِل) هذا لا يجمع على (أَفْعُل)، فإن كان (فَعْلاً) حينئذٍ إمَّا أن يكون اسماً أو صفةً. - إن كان صفةً لا يُجمع على وزن (أَفْعُلْ)، وإن كان اسماً حينئذٍ إمَّا أن يكون صحيح العين أو لا، فإن كان مُعتلَّ العين، مباشرةً نقول: لا يُجمع على وزن (أَفْعُلْ) وما سُمِع فهو شاذ إمَّا قياساً، وإمَّا قياساً واستعمالاً معاً. - وما لم يكن مُعتلَّ العين، فإمَّا أن يكون مثالاً كـ: وجه، نقول هذا لا بأس يُجمع على: أوجه، أو يكون مُعتلَّ اللام بالواو أو بالياء، حينئذٍ لا بأس فيقال: أدلل وَأَظْبٌ، يعني: يُعامل مُعاملة المنقوص، يكون آخره ياء ثُم يلتقي ساكنان التنوين والياء فَتُحذف. والنوع الثاني: أشار إليه مِما يُجمع على وزن (أَفْعُل) أشار إليه بقوله: . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَلِلرُّبَاعِيِّ اسْماً ايْضَاً يُجْعَلُ إِنْ كَانَ كَالْعَنَاقِ وَالذِّرَاعِ فِي ... مَدٍّ وَتأْنِيثٍ وَعَدِّ الأَحْرُفِ هذا النوع الثاني مِمَّا يُجمع على وزن (أَفْعُلْ) ما كان رباعياً لأنَّه قال: وَلِلرُّبَاعِيِّ اسْماً ايْضَاً يُجْعَلُ .. وَيُجعل (أَفْعُل) أيضاً للرباعيِّ حال كونه اسْماً، إن كان هذا الرباعي كَـ: (الْعَنَاقِ وَالذِّرَاعِ) فِي المَدِّ والتَّأْنِيث وَعَدد الأَحْرُفِ. (يُجْعَلُ) الضمير هنا يعود على (أَفْعُل) هذا النوع الثاني مِمَّا يُجمع على وزن (أَفْعُل) ويكون قياسياً، و (يُجْعَلُ) هذا الوزن (أَفْعُلُ لِلرُّبَاعِيِّ اسْماً) يعني: لا صفةً، (إِنْ كَانَ) هذا الرباعي (كَالْعَنَاقِ وَالذِّرَاعِ) في المدِّ، انظر! (عَنَاقْ) المد جاء قبل اللام، (وَالذِّرَاعِ) المد جاء قبل اللام، (عَنَاق) .. (فَعَال) بفتح العين، (ذرَاع) بفتح الفاء التي هي الذَّال. إذاً: (فَعَال) أو (فِعَال) أو (فُعَال) لا يُشترط فيه فتح الفاء، بل يستوي فيه مفتوح الفاء، ومكسور الفاء، ومضموم الفاء، إذاً: لا يُشترط، (وَتأْنِيثٍ) .. (عَنَاق) هذا تأنيث معنوي، (وَالذِّرَاعِ) تأنيث معنوي، سبق: ثلاث أَذْرُعٍ، قلنا هذا دليل في؟؟؟ عَلاَمَةُ التَّأْنِيثِ تَاءٌ أَوْ أَلِفْ ..

(وَتأْنِيثٍ) أي: معنوي، (وَعَدِّ الأَحْرُفِ) المراد به: التَّعري عن تاء التأنيث، ليس المراد أنَّه رباعي، لأنَّه أشار إليه بقوله: (الرُّبَاعِي) فُهِم منه أنَّه على أربعة أحرف أصول، ثُمَّ هذه الأحرف قد تَتَّصل بها تاء التَّأنيث أو لا، فالمراد: الذي يُجمع على وزن (أَفْعُل) ما كان مؤنَّثاً بلا تاءٍ. إذاً النوع الثاني: الذي يُجمع على وزن (أَفْعُلْ) وهو ما كان اسْماً رباعياً، بأربعة شروط: - الأول: أن يكون اسماً كما شرط هو: (وَلِلرُّبَاعِيِّ اسْماً). - وأن يكون قبل آخره مدَّة. - وأن يكون مؤنَّثاً. - وأن يكون بلا علامةٍ. فإن كان الرباعي صفةً، وهذا مفهوم قوله: (اسْماً) كـ: شُجاع، لأنَّه مثل (عناق) و (ذراع) قلنا: لا يُشترط فيه أن يكون مفتوح الفاء، أو مكسور الفاء، أو مضموم العين فالحكم عام، كل ما كان على وزن (فَعَال .. فِعَال .. فُعَال) رباعي قبل لامه مدَّة، ثُمَّ المدَّة هذه قد تكون ألف .. قد تكون واو .. قد تكون ياء. إذاً: احترز بقوله (اسْماً) من الرُّباعي إذا كان صفةً نحو: شجاع، وبالمدَّة نحو الرُّباعي إذا كان بدون مدَّة نحو: خِنْصَر، أو مذكَّراً نحو: حمار، أو مؤنَّثاً لكنَّه بعلامة التأنيث نحو: سحابة، حينئذٍ لم يُجمع على وزن (أَفْعُل). إذاً: بهذه القيود الأربعة نقول: يكون هو النوع الثاني لِمَا يَطَّرد فيه وزن (أَفْعُل). وَفُهِم من تمثيله بـ: (الْعَنَاق وَالذِّرَاعِ): أنَّ حركة الأول لا يُشترط أن تكون فتحة ولا غيرها، لتمثيله بالمفتوح والمكسور، حينئذٍ يشمل: عُقَاب، بضمِّ الفاء. إذاً: (وَلِلرُّبَاعِيِّ) هذا مُتعلِّق بقوله (يُجْعَلُ)، والضمير في قوله: (يُجْعَلُ) نائب الفاعل يعود على (أَفْعُل)، يُجعل أفعل للرُّباعي، يعني: للمفرد الرُّباعي، (اسْماً) هذا حالٌ من (الرُّبَاعِي) احترز به عن الصِّفة، فلا يُجمع على وزن (أَفْعُل)، (أيْضَاً) هذا مفعولٌ مطلق، إن كان الاسم الرباعي كـ: العناق، (كَالْعَنَاق) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر (كَانَ)، والضمير المستتر في (كَانَ) يعود على الاسم الرباعي، (وَالذِّرَاعِ) معطوفٌ عليه. (فِي مَدٍّ) خرج ما لا مدَّ فيه وهو رباعي ولو كان اسماً مثل: خِنْصِر، الذي ذكرناه سابقًا، وقوله: (فِي مَدٍّ) يعني: أن يكون الحرف الثالث مدّاً، وهذا مأخوذٌ من (الْعَنَاق) .. عَنَاق: أربعة أحرف الحرف الثالث مدَّة، وأطلق المد هنا فَيُفْهَم منه أن الحكم ليس خاصاً بالألف بل يشمل الواو كـ: عمود، نقول: أعمدة، ويشمل أيضاً الياء فتقول: يمين وأيمن (يمين) على أربعة أحرف ثالثه مدَّة، وهو اسمٌ رباعي ثالثه مدَّة وهي الياء، حينئذٍ يُجمع على وزن (أَفْعُلُ) أَيْمُنْ (فِي مَدٍّ). (وَتأْنِيثٍ) احترز به من المذكَّر، فإن كان لفظياً، أو مؤنَّثاً تأنيثاً لفظياً، أو كان مذكَّراً لا يُجمع على هذا الوزن.

فقوله: (وَعَدِّ الأَحْرُفِ) فُهِم منه شرط التَّعرِّي من العلامة، إذ لولا غرض التنبيه -هو هذا- لم يكن له فائدة، لأنَّ (عَدَّ الأَحْرُف) معروفٌ من قوله: (الرُّبَاعِي)، لما قال: (رُبَاعِي) علمنا أنَّه أربعة أحرف، لَمَّا قال (عَدِّ الأَحْرُفِ) هذا تأكيدٌ على أنَّه مؤنَّث بلا علامة تأنيث. حينئذٍ الخلاصة نقول: ما كان على وزن (أَفْعُل) يَطَّرد قياساً في نوعين، يعني: في مفردين، اشتمل على شروط: المفرد الأول: أن يكون على وزن (فَعْلٍ) بفتحٍ فسكون (اسْماً صَحَّ عَيْنَاً) إذا تَخلَّف الأول أو الثاني لم يَصِح جمعه على وزن (أَفْعُلْ). النوع الثاني: أن يكون هذا المفرد على أربعة أحرف، وفيه مدٌّ قبل آخره، يعني: ثالثه حرف مد، سواءٌ كان واواً، أو ألفاً، أو ياءً، ثُمَّ هو مؤنَّث بلا علامة، فإن تَخلَّف شرطٌ من هذه الشُّروط الأربعة حينئذٍ لا يُجمع على وزن (أَفْعُلْ). قال الشَّارح: " (أَفْعُلُ) جمعٌ لكل اسمٍ ثلاثيٍّ " وهذا واضح، لأنَّه قال: (لِفَعْلٍ)، قلنا: فتح الفاء وسكَّن العين، ثُمَّ هو على ثلاثة أحرف، على (فَعْلٍ) صحيح العين، قلنا: احترز به من معتلِّ العين، نحو: جُوْن، يُقال للأبيض والأسود، وشمل الصحيح في مثل ما ذكرناه: كَلْبٍ وَأَكْلُبْ، وَظَبْيٍ وَأَظْبٍ، وأصله: أَظْبُيٌ قُلِبت الضَّمَّة كسرة لتِصحَّ الياء فصار: أَظْبِيٌ، فَعُومل معاملة: قاضٍ، أدلٍ، وأظبيٍ مثل: قاضي. ومعتلَّ الفاء نحو: وَجْه وَأَوْجُه، ومعتلَّ اللام نحو: دَلْوٍ .. أَدْلٍ، وَظَبْيٍ وَأَظْبٍ، لأنَّه اشترط: (صَحَّ عَيْنَاً) مفهومه: أنَّه لو اعتلَّت فاؤه وكان اسماً على وزن (فَعْلٍ) جُمِع هذا الجمع، لو كانت لامه مُعتلَّة بواوٍ أو ياء، وهو اسمٌ على وزن (فَعْلٍ) كذلك جُمِع بهذا الوزن. وخَرج بالاسم: الصفة، فلا يجوز جمع نحو: صَعْبٍ وَأَصْعُب، وَضَخْمٍ وَأَضْخُم، وَسُمِع: عَبْد وَأَعْبُد، لاستعمال هذه الصفة استعمال الأسماء .. غَلَبَت عليه الاسْميَّة وإلا هو صفة. وخرج بـ: صحيح العين، المعتلُّ العين نحو: ثَوْب وَعَين، شذَّ عين وَأَعْيُن: ((وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ)) [الزخرف:71] جاء في القرآن، نقول: هذا شاذٌّ قياساً لا استعمالاً، يعني المراد: أنَّه خلاف المطَّرد. وإذا كان في نفسك حزازة من قوله: شاذ في القرآن ما في بأس، قل: خالف المُطَّرد، لأنَّ المُطَّرد: أن يكون على وزن (فَعْلٍ) صحيح العين، كثير في لسان العرب أن يكون مجموع (أَفْعُل) ما كان صحيح العين، خالف هذا الكثير أن يكون مُعتلَّ العين، فحينئذٍ إذا جمع على وزن (أَفْعُل) اصطلح النُّحاة على أنَّه يسمى: شاذاً، والشَّاذ هو المنفرد، أليس الشذوذ هو الذي انفرد بشيء؟ حينئذٍ نقول: حتى مصطلح أهل اصطلاح الحديث يُعَبِّرون بالشَّاذ الذي انفرد، حينئذٍ انفرد عن القاعدة .. عن المطَّرد، وهذا اصطلاح لا بأس به، حتى لو قيل في القرآن، لكن الشَّاذ استعمالاً الذي لم ينطق به العربي الفصيح، وإنَّما جاء هكذا من أجل كشف أصلٍ، نقول: هذا لا يجوز أن يقول في القرآن، لأنَّه ليس بفصيح، ولا يمكن أن يُقال في القرآن ما ليس بفصيح، وأمَّا هذا (أعين) هو فصيح لكنَّه ليس مُطَّرداً.

إذاً: الشَّاذ قياساً لا شَكَّ أنَّه فصيح، وإن كان اشترط البلاغيون .. البيانيُّون في كونه لا يُعدُّ الكلام فصيحاً إلا إذا سَلِم من الشذوذ. نقول: هناك المراد به: ما خالف قاعدةً صرفيةً، أو خالف قاعدةً نحوية، كعودة الضمير إلى متأخِّرٍ ونحو ذلك، وهنا المراد بالشذوذ ونحوه عند الصرفيين: ما كثر استعماله على كذا قالوا: مطَّرد، ولذلك جمع التكسير على جهة الخصوص بعضهم لا يرى أنَّ فيه قياساً البتَّة، لأنَّه ما من وزنٍ من هذه الأوزان إلا وخرج عنها كذا وكذا إلى آخره، فيذكرون الوزن وما اطَّرد فيه، ويعنون بالمطَّرد: الكثير، وغير الكثير دخل تحت الوزن وَجُمِع به لكنَّه لم تتوفر فيه الشروط التي ذكروها، سَمَّوا هذا الذي دخل تحت الوزن ولم تتوفر فيه الشروط سَمَّوه: شاذَّاً. على كُلٍّ ورد في القرآن: (الأَعْيُن) سَمَّيته شاذاً أو لا، نقول: هو مُخالف للمُطَّرد فحسب. وثوب وَأَثْوُب، قيل: ثياب، وقيل: أَثْوُب (ثياب) هذا جمع كثرة، و (أَفْعُل) أيضاً، هذا النوع الأول. النوع الثاني: (أَفْعُل) جمعٌ لكل اسمٍ لا صفة .. مؤنَّث لا مُذكَّر .. رباعي لا ثلاثي ولا خماسي، قبل آخره مَدَّةٌ كـ: عَنَاق وَأَعْنُق، ويمين وَأَيْمُن، وَعِقَاب وَأَعْقُب، وبعضهم يقول: عُقَاب، بضمِّ العين، هكذا ضبطها المكُودِي. وشذَّ من المذكَّر: شهاب وَأَشْهُب، وغُرَاب وَأَغْرُب، وَطِحَال وَأَطْحُل، وَعَتَاد وَأَعْتُد، وجَنِيْن وَأَجْنُن، وَأُنْبوب وَأَنْبُب، كل هذا شاذ، يعني: جُمِع هذا الجمع ولم يوجد فيه القيود. وَغَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ ... مِنَ الثُّلاَثِي اسْماً بِأَفْعَالٍ يَرِدْ وَغَالِباً أَغْنَاهُمُ فِعْلاَنُ ... فِي فُعَلٍ كَقَولِهِمْ صِرْدَانُ هذا أَفْعَال المراد به النوع الثانيأَفْعَال. وَغَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ .. يعني: الذي لم يَطَّرد فيه (أَفْعُلُ) السابق .. ما تخلف فيه شرط. مِنَ الثُّلاَثِي اسْماً بِأَفْعَالٍ يَرِدْ .. يرد بأفعالٍ، يعني: على وزن (أَفْعَال). (وَغَيْرُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (مَا) مضافٌ إليه وهي اسمٌ موصول واقعة على (فَعْلٍ) صحيح العين، (مَا) الذي (أَفْعُل) مُطَّردٌ فيه، (أَفْعُلُ) مبتدأ، (مُطَّرِدٌ) خبر، (فِيهِ) مُتعلِّقٌ به والجملة لا محلَّ لها صِلَة الموصول. (مِنَ الثُّلاَثِي) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف حالٌ من الضمير المستتر في (مُطَّرِدْ) أو من غير، (اسْماً) هذا حالٌ من (الثُّلاَثِي)، يرد بأفعالٍ، (يَرِدْ) هذا خبر (غَيْرُ)، غير الذي يطَّرد فيه (أَفْعُلُ) (مِنَ الثُّلاَثِي اسْماً) يرد بأفعالٍ، يعني مراده بالبيت: أنَّ (أَفْعَالاً) يطَّرد في جمع اسمٍ ثلاثي لم يَطَّرد فيه (أَفْعُل)، ما تَخلَّف الشَّرط هناك، قلنا: هذا لا يُجمع على وزن (أَفْعُلُ) لكونه مُعتلَّ العين .. لكونه صفةً .. ما لم تتوفر فيه الشُّروط هناك يُجمع على وزن (أَفْعَال). إذاً: (أَفْعَال) يطَّرد في جمع اسمٍ ثلاثي لم يطَّرد فيه (أَفْعُل)، وهو (فَعْل) الصحيح العين السابق، فاندرج في ذلك .. تحت قوله: (غَيْرُ مَا أَفْعُلُ) اندرج فيه (فعلٌ) مُعتلُّ العين، نحو: باب .. (أفعال) أبواب، ثوب .. أثواب، سيف .. أسياف.

وغير (فَعْلٍ) من أوزان الثلاثي، وهو (فِعْلٌ) تَخلَّف فتح أوله والسكون ثابت كما هو، (فِعْلٌ) .. حِزْبٌ، يُجمع على: أحزاب، على وزن (أَفْعَال)، وهو (فِعْلٌ). نحو: حزبٍ وأحزاب، و (فُعْل) بضمٍّ فسكون .. تَخلَّف الفتح كذلك، نحو: صُلْب وأصلاب، و (فَعَل) بتحريك الثاني، نحو: جَمَل وأجمال، و (فَعِل) بفتحٍ فكسر، نحو: وَعِلْ وأوعال، و (فَعُل) نحو: عَضُد وأعضاد، و (فُعُل) نحو: عُنُق وأعناق، و (فُعَل) قيل هذا شاذ (فُعَل) نحو: رُطَبْ وأرطاب، و (فِعِل) كسرتين نحو: إِبِل وآبال، و (فِعَل) نحو: ضِلَع وأضلاع، هذا كلُّه داخل تحت قوله: غَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ .. كُلُّ ما لم يوجد فيه شرط ما يُجمع على (أَفْعُلُ) قال هنا: (وَغَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ) يرد بأفعالٍ. قال هنا الشَّارح: قد سبق أنَّ (أَفْعُل) جمعٌ لكل اسمٍ ثلاثيٍّ على (فعْلٍ) صحيح العين، وذكر هنا أنَّ ما لا يَطَّرد فيه من الثلاثي (أَفْعُل) هناك يُجمع على (أَفْعَال)، وذلك كـ: ثوب، قلنا هناك: لا يُجمع على: أَثْوُب، وإنَّما يقال: أثواب، هذا القياس فيه، وأمَّا: أَثْوُب، فهذا شاذ: وجمل .. أجمال، وعضد .. أعضاد، وَحِمْل .. أحمال، وعنب .. أعناب، وإبل .. آبال، وقفل .. أقفال. كُلُّ ما لم يطّرد فيه (أَفْعُل) اجمعه على (أَفْعَال)، هناك (فَعَل) اسم صحيح العين، إذا لم يكن على وزن (فَعَل) تغيَّرت حركة الفاء: فُعْل .. فِعْل، مباشرة زنه بـ: (أَفْعَال)، لو قيل: فَعَل .. فَعِل .. فِعَل .. عنب .. فُعْل، ونحو ذلك، نقول: تَخلَّف الشرط الأول وهو فتحٌ وسكون، لأنَّ الوزن هناك شرطٌ .. كونه على وزن (فَعْلٍ) هذا شرط، فإذا تَحرَّك الثاني الذي هو العين بأي حركة ولم تُسَكَّن، أو حُرِّك الأول دون فتحٍ مباشرةً زنه بـ (أَفْعَال). أو كان على وزن (فَعْلٍ) لكنَّه صفة، أو مُعتلَّ العين، حينئذٍ تجمعه على (أَفْعَال): وَغَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ .. يعني: غير الذي (أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ) الذي اطَّرد فيه (أَفْعُلُ)، (أَفْعُلُ) هذا مبتدأ، (مُطَّرِدٌ) هذا خبره، و (فِيهِ) متعلِّقٌ به، و (مَا) هنا واقعة على (فَعْلٍ) صحيح العين، (مِنَ الثُّلاَثِي اسْماً) (مِنَ الثُّلاَثِي) هذا حال من الضمير المستتر في (مُطَّرِدْ)، وهذا أعْرَبَه بعضهم هكذا لكن فيه إشكال، والأولى: أن يُجعل حالاً من (غَيْرُ) أو بيانٌ لـ (غَيْرُ). (اسْماً) هذا حالٌ من (الثُّلاَثِي)، لأنَّه أراد ما لم يَطَّرد فيه (أَفْعُل)، الذي لا يَطَّرد فيه (أَفْعُل) هناك قال: (لِفَعْلٍ) ثلاثي، إذاً: الرباعي والخماسي لا يَطَّرد فيه (أَفْعُل) فيصدق عليه هنا بكونه: غَيْرَ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ ..

فيصدق على الرباعي والخماسي، لكنَّه قال: (مِنَ الثُّلاَثِي) لبيان (غَيْر)، بأنَّ المراد هنا ما لم يَطَّرد فيه (أَفْعُل) فلا يدخل معنى الرباعي، وإنَّما المراد بالثلاثي فحسب، لأنَّ الذي لا يَطَّرد فيه (أَفْعُل) إمَّا أن يكون ثلاثياً لفقد شرطٍ من الشُّروط السابقة، وإمَّا لكونه رباعياً فما زاد، وهنا الذي يُجمع على وزن (أَفْعَال) ما تَخلَّف عنه شرطٌ من شروط (أَفْعُل) مع كونه ثلاثياً، وأمَّا الرباعي فليس بِمرادٍ هنا. إذا: الأولى أن نقول: (مِنَ الثُّلاَثِي) هذا بيانٌ لـ (غَيْر)، لو قلت: ما أَفْعُل فيه مُطَّردٌ حال كونه من الثلاثي .. حالٌ من فاعل مُطرِّد، هذا فيه إشكال. وَغَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ ... مِنَ الثُّلاَثِي اسْماً بِأَفْعَالٍ يَرِدْ يعني: يرد بأفعالٍ، (أَفْعَال) جمعٌ لكل اسمٍ ثلاثي ليس على (فَعْلٍ) مِمَّا هو صحيح العين. وَغَالِباً أَغْنَاهُمُ فِعْلاَنُ ... فِي فُعَلٍ. . . . . . . . . . . . . . . لَمَّا قال: (وَغَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ) قلنا: كل ما تغيَّر (فَعَل) منه (فُعَل)، كـ: صُرَد، حينئذٍ قد يُفهم أن (أَفْعَال) هو المُطَّرد فيه، نقول: نعم، يُجمع على (أَفْعَال) لكن ثَمَّ وزنٌ آخر هو أغلب فيه، ما كان على وزن (فُعَل) لأنَّه دخل في قوله: وَغَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ .. (وَغَالِباً) يعني: في الغالب، لَمَّا دخل في سابقه فُعَل، وكان الغالب في جمعه على غير (أَفْعَال) استثناه النَّاظم، كالاستدراك مِمَّا سبق، لأنَّ (فُعَل) مِمَّا لم يَطَّرد فيه (أَفْعُل) فشمله فأراد أن يستثني، (وَغَالِباً أَغْنَاهُمُ) يعني: أغنى العرب، (فِعْلاَنُ) هذا الوزن (فِي فُعَلٍ) كَقَولِهِمْ في صُرَدٍ: (صِرْدَانُ)، ولم يقولوا: أصراد على وزن (أفعال)، مع كونه تَخلَّف عنه شرط (أَفْعُل)، نقول: هذا استثناء .. استدراك، يعني: أنَّ الغالب في (فُعَل) نحو: صُرَد، أنْ يجيء جمعه على (فِعْلان) بكسر الفاء نحو: صُرَد وصردان، للطائر. (وَغَالِباً) هذا منصوبٌ بنزع الخافض، (أَغْنَاهُمُ) (أَغْنَا) فعل ماضي، و (فِعْلاَنُ) هذا فاعل، و (هُم) الهاء ضمير مُتَّصل مبني على الضَّم في محل نصب مفعول به، (فِي فُعَلٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَغْنَا)، (كَقَولِهِمْ) وذلك كقولهم: (صِرْدَانُ) .. كقولهم في (صُرَدٍ): (صِرْدَانُ)، وفي (جُرَذٍ): جِرْذَان، للفأر، (صِرْدَانُ) اسم طائر .. (صُرَدْ) يُجمع على: (صِرْدَانُ) فعلان، لا على (أَفْعَال). إذاً: هذا استثناءٌ من قوله: وَغَيْرُ مَا أَفْعُلُ فِيهِ مُطَّرِدْ ... مِنَ الثُّلاَثِي اسْماً. . . . . . . . . . . . قلنا: (مِنَ الثُّلاَثِي) احترز به من الغير الذي يكون رباعياً فأكثر، و (اسْماً) قيل: احترز به عن الوصف، كـ: ضَخْمٍ وحسن، فإنه لا يُجمع على هذا الوزن (أَفْعَال) وسيأتي أنَّه يُجمع على (فِعَال) ومن نحو: بطل وبلس فإنهما لا يُجمعان على (أَفْعَال). وقوله: (غَالِباً) .. أشار إليه بقوله: (غَالِباً) إلى ما شذَّ من ذلك نحو: رُطَب وأرطاب، لذلك قلنا: هذا شاذٌّ عند بعضهم.

قال هنا: وأمَّا جمع (فَعْلٍ) الصحيح العين على (أَفْعَال) فشاذٌّ، كـ: فَرْخٍ وَأَفْرَاخ والقياس: أَفْرُخ، وأما (فُعَلٌ) فجاء بعضه على (أَفْعَال) كـ: رُطَب وَأَرْطَاب، والغالب مجيئه على (فِعْلان) كـ: صُرَد وصِرْدان، وَنُغَر وَنِغْرَان. ثُمَّ قال: فِي اسْمٍ مُذَكَّرٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدّ ... ثَالِثٍ افْعِلَةُ عَنْهُمُ اطَّرَدْ وَالْزَمْهُ فِي فَعَالٍ اوْ فِعَالِ ... مُصَاحِبَيْ تَضْعِيفٍ اوْ إِعْلاَلِ (ثَالِثٍ افْـ .. ) (أَفْعِلَةُ) أصلها، لكن حُذِفت الهمزة من أجل الوزن. فِي اسْمٍ مُذَكَّرٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدّ ... ثَالِثٍ أَفْعِلَةُ. . . . . . . . . . . . . . . (أَفْعِلَةٌ) هذا مبتدأ، (فِي اسْمٍ) قيل: هذا مُتعلِّق بقوله: (ارَدْ). (أَفْعِلَةُ) هذا مبتدأ، قوله: (اطَّرَدْ) خبر، (عَنْهُمُ) هذا مُتعلِّق بـ (اطَّرَدْ)، اطَّرَد أفعِلَة في اسمٍ لا صفةٍ .. مذكَّرٍ لا مؤنَّث .. رباعي لا ثلاثي، (بِمَدِّ ثَالِثٍ) ما لا يُمَدُّ ثالثه، يُجمع على وزن (أَفْعِلَة). إذاً: (فِي اسْمٍ) احترز بالاسم من الصفة، نحو: جوادٌ، هذا صفة، وبالمذكَّر من المؤنَّث، نحو: عناق، (رُبَاعِيٍّ) احترز به من الثلاثي، فلا يُجمع على (أَفْعِلَةُ)، و (بِمَدِّ ثَالِثٍ) من العاري عنه، فلا يُجمع شيءٌ من ذلك على (أَفْعِلَةُ) إلا شذوذاً نحو: شحيح وَأَشِحَّة وهو صفة، (شحيح) على وزن (فعيل) مثله صفة، وهو (مُذَكَّرٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدِّ ثَالِثٍ)، وعقاب وَأَعْقِبة، وهو مؤنَّث، وقِدح وَأَقْدِحة، وهو ثلاثي، وجائز وَأَجْوِزه، وليس مدُّه ثالثاً، والجائز قيل: الخشبة الممدودة على السقف. (أَفْعِلَةُ) جمعٌ لكل اسمٍ مُذكَّر رباعي ثالثه مدَّة، نحو: قذالٍ وأقذله، (قذال) اسمٌ لا صفة، وهو مذكَّر، ورباعي .. على أربعة أحرف، ثالثه بعد الذال مدٌّ: (بِمَدٍّ) أطلق المد هنا فشمل الألف والواو والياء، فقيل: قذال أَقْذِلَةٌ (رغيف) مدَّته هذه ياء: أرغفة، عمود .. أعمدة، إذاً: مدَّته واو. وَالْزَمْهُ فِي فَعَالٍ اوْ فِعَالِ .. (وَالْزَمْهُ) أي: الجمع على (أَفْعِلَة)، يعني: لا يتجاوز هذا الجمع (فِي فَعَالٍ أَوْ فِعَال) في هذين الوزنين، متى؟ مُصَاحِبَيْ تَضْعِيفٍ أَوْ إِعْلاَلِ .. للام، ما كان مضاعفاً على وزن (فَعَال) يُجمع على (أَفْعِلَه)، وما كان مُعتلاً على وزن: (فَعَالٍ أَوْ فِعَال) بفتح الفاء أو كسر الفاء يُجمع على (أَفْعِلَةٍ). (بتات) هذا على وزن (فَعَالِ) مضاعف، يعني: عينه ولامه من جنسٍ واحد، ليس المراد المُشَدَّد .. المُضَعَّف، المراد المضعَّف هنا مثل: زلزلة .. وسوسة، يعني: ما كانت عينه ولامه من جنسٍ واحد، حرف واحد نفسه مكرر: (بتات) التاء: هي عين الكلمة وهي لام الكلمة، هذا يُسمَّى: مُضعَّف، ما كان على وزن (فَعَال) وهو مُضعَّف جُمِع على (أَفْعِلَه) يقال: أبتة.

(زِمام) .. (فِعَال) بتات .. (فَعَال) بفتح الفاء وهو مضعَّف، و (زِمام) كذلك مضعَّف لكنَّه بكسر الفاء: (فِعَال) فيقال: أَزِمَّة، وقَباء .. أقبية، (قباوٌ) حصل فيه إعلال، قلت: أقبيةٌ، وفناء .. أفنيةٌ، وإناء آنيةٌ، إذاً: ما كان على وزن (فَعَالٍ) أو (فِعَالِ) حال كونهما: (مُصَاحِبَيْ تَضْعِيفٍ أَوْ إِعْلاَلِ) يُلْزَم فيه الجمع على وزن (أَفْعِلَةٍ). إذاً هذا النوع الثالث: وهو ما كان على وزن (أَفْعِلَة) يكون في كُلِّ اسمٍ مُذَكَّر رباعي ثالثه مدَّة نحو: قَذَال وَأَقْذِلة، وأطلق المدَّ هنا فيشمل ما كان ألفاً، أو واواً، أو ياءً، ثُمَّ قال: (وَالْزَمْهُ) الضمير يعود على (أفْعِلَةُ) المبتدأ، والمراد بالإلزام هنا: ألا يتجاوز فيه إذا أراد الجمع هذين الوزنين: (فَعَال) بفتح الفاء، و (فِعَال) بكسر الفاء. مُصَاحِبَيْ تَضْعِيفٍ اوْ إِعْلاَلِ .. وشذَّ من الأول (عَنان) لأنَّه لا يُجمع على: أَعِنَّة، إنما على: عِنَن قيل أو: عُنَنْ، وحجاج على حِجَج، ومن الثاني: سماء بمعنى: المطر، قيل: سُمِيٍ، وُسُمِع أيضاً: أسمية، على القياس، ثُمَّ قال: فُعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرٍ وَحَمْرَا ... وَفِعْلَةٌ جَمْعَاً بِنَقْلٍ يُدْرَى (فُعْلٌ) المراد به: (فِعْلَة). فُعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرٍ وَحَمْرَا .. (فُعْلٌ) هذا جمع قِلَّة أو كثرة؟ ليس بواحدٍ من الأربعة، ولذلك لو قدَّم: (فِعْلَةٌ جَمْعَاً بِنَقْلٍ يُدْرَى) عليه لكان أولى، ليتَّصل جموع القلَّة بعضها ببعض. (وَفِعْلَةٌ) هذا مبتدأ، قوله: (يُدْرَى) هذا الخبر، (يُدْرَى بِنَقْلٍ) يعني: سَّماعاً، حال كونه جمعاً. هنا نصَّ على أنَّ (فِعْلَة) جمع، وأراد به ردَّ قول ابن السَّرَّاج: أنَّه اسم جمع، لأنَّ الثلاثة الأخرى مُتَّفقٌ على أنَّها جموع تكسير، التي هي: (أَفْعِلَةُ) و (أَفْعُلُ) و (أَفْعَالٌ) هذه كلها جموع وَمُتَّفق عليها، أمَّا (فِعْلَة) هذا فيه نزاع، الجمهور على أنَّه: جمع تكسير .. جمع قِلَّة. وذهب ابن السَّرَّاج: إلى أنَّ اسم جمعٍ لا جمعاً، وهنا قال: (جَمْعَاً) ردَّاً على قوله، ولهذا قد يُقال: لماذا نَصَّ على كونه جمعاً، والحديث في جمع التكسير، وما سبق لم ينُص على أنَّه جمع؟ نقول: هنا نَصَّ عليه ردَّاً على ابن السَّرَّاج، وما سبق متَّفقٌ عليه. (وَفِعْلَةٌ) فِتيةٌ، (جَمْعَاً) حال كونه جمعاً، هذا ليس حال، (يُدْرَى) هو (هو) الضمير هنا نائب فاعل، لأنَّ (يُدْرَى) هذا يتعدَّى إلى مفعولين، و (جَمْعَاً) هذا مفعولٌ ثاني لـ (يُدْرَى)، (بِنَقْلٍ) يعني: بسماعٍ، المراد بالنقل هنا: السماع، وهو: جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يُدْرَى)، (جَمْعَاً) هذا مفعوله الثاني، (فِعْلَةٌ) هذا مبتدأ، و (يُدْرَى) خبر. ومن أمثلة جمع القِلَّة: (فِعْلَة) ولم يَطَّرد في شيءٍ من الأبنية، وإنَّما هو محفوظٌ، وقيل: محفوظٌ في ستة أبنية: - (فَعِيل) نحو: صبي وصبيَّة. - و (فَعَلْ) نحو: فتى وفتية. - و (فَعْلٍ) نحو: شيخ وَشِيِخَة، وَثَوْر وَثِورَة. - و (فُعَال) نحو: غِلام وَغِلْمَة. - و (فَعَال) نحو: غزال وَغِزْلَة. - و (فَعِلْ) نحو: ثَنِي وَثِنْيَة، (ثَنِي) هو الثاني من؟؟؟

ومرجع ذلك كلُّه النقل لا القياس كما أشار إليه بقوله: (بِنَقْلٍ يُدْرَى). إذاً: كُلُّ ما كان على وزن (فِعْلَة) من جموع القِلَّة فهو سماعي، ومحفوظٌ في ستَّة أبواب كما ذكرناه، ثُمَّ قال: فُعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرٍ وَحَمْرَا .. يعني: (فُعْلٌ) من أمثلة وأوزان جمع الكثرة، هذا شروعٌ منه في النوع الثاني: وهو ما كان جمعاً للكثرة، قال: (فُعْلٌ) وهو مُطَّرد في كل وصفٍ، لأنه يقال: (أَحْمَر وَحَمْرَا) معلوم أنَّ: (أَحْمَر) وصف .. ليس باسمٍ، إذاً: خُذْ من المثال الشُّروط، (أَحْمَر) هذا وصفٌ ليس باسمٍ. إذاً: (فُعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَر) وهو وصف، (أَحْمَر وَحَمْرَا) قصره للضَّرورة، إذاً: وصفٌ يكون المذكَّر منه على وزن (أَفْعَل)، والمؤنَّث منه على وزن (فَعْلاء): أحمر .. حمراء، تَجمع: أحمر، على (فُعْلٌ) .. حُمْرٍ، و (حمراء) تجمعه على: حُمْرٍ كذلك، كُلٌّ منهما المذكَّر والمؤنَّث يُجمع على وزن (فُعْلٌ)، فيقال: أحمر .. حُمْرٌ، وحمراء كذلك: حُمْرٌ. وَفُهِم من قوله (لِنَحْوِ): أنَّ ذلك الجمع مُطَّرد أيضاً في (أَفْعَل) الذي ليس له (فَعْلاء)، لأنَّه قال: (أَحْمَرٍ) وعطف عليه (حَمْرَا)، إذاً: كُلٌّ منهما مستقلٌّ عن الآخر، فُهِم منه: أنَّه كذلك يكون في (أَفْعَل) الذي ليس له (فَعْلاء) لمانع في الخلقة: رجلٌ أكمر، لعظيم الكمرة: وامرأةٌ عفلاء، حينئذٍ تقول: رِجَالٌ كُمْرٌ، على وزن (فُعْلٍ) وهذا ليس له مؤنَّث، إنَّما هو على وزن (أَفْعل)، وتقول: نساءٌ عُفْلٌ، وهي عَفْلاء. إذاً: ما كان على وزن (أَحْمَر) وليس له مؤنَّث يُجمع على (فُعْلٍ) كذلك مثل: أكمر، وكذلك (فَعْلاء) مؤنَّث ولم يكن لها مذكَّر مثل: (عَفْلاء)، (عَفْلاء) نقول: يُجمع على: عُفْلٍ. إذاً: (فُعْلٌ) بِضمِّ الفاء وسكون العين جمع كثرة، والمراد به هنا: القياسي لا السماعي، فالقياسي: ما كان جمعاً: (لِنَحْوَِ أَحْمَرٍ وَحَمْرَا)، (أَحْمَرٍ) بالتنوين .. صرفه للوزن، (أَحْمَرٍ وَحَمْرَا) لوصفين متقابلين: أحدهما للمذكَّر، والآخر للمؤنَّث، فتقول فيهما: حُمْرٌ، أو لـ: (أَفْعَل) و (فعلاء) وصفين منفردين، بأنْ يكون للمذكَّر (أَفْعَل) وليس للمؤنَّث (فَعْلا)، أو بالعكس كما ذكرناه سابقاً. أو لـ: (أَفْعَل) و (فعلاء) وصفين منفردين لمانعٍ في الخلقة، نحو: أَكْمَر وآدر ورتقاء وعفلاء، فتقول فيها: كُمْرٌ وَأُدْرٌ وَعُفْلٌ وَرُتْقٌ، هذا كلُّه على وزن (فُعْلٍ)، كل ما كان على وزن (أَفْعَل) بقطع النظر عن كون له (فعلاء) أو لا، أو كان على وزن (فعلاء) ولم يكن على وزن (أَفْعَل)، يعني: لم يكن له مذكَّر على وزن (أَفْعَل) حينئذٍ يُجمع جمع كثرةٍ على وزن (فُعْلٍ) بضمٍّ وسكون. قال الشَّارح هنا: من أمثلة جمع الكثرة (فُعْلٌ) وهو مُطَّردٌ في كُلِّ وصفٍ يكون المذكَّر منه على (أَفْعَل) والمؤنَّث منه على (فعلاء) نحو: أَحَمْر وَحُمْرٍ، وحمراء وَحُمْرٍ" كُلٌّ منهما يُجمع على (فُعْلٍ)، قيل: (فُعْل) يجوز في الشِّعْر ضمُّ عينه (فُعُلْ) بثلاثة شروط: صحة عينه، وصحة لامه، وعدم التضعيف كقول الشاعر: وَأَنْكَرَتْنِي ذَوَاتُ الأَعْيُنِ النُّجُلِ.

(نجلاء) يُجمع على: نُجْل، بسكون الجيم، لكنَّه قال: (النُّجُلِ) جمع: نجلاء، وهي العين الواسعة، وهذا كثير. إذاً: فُعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرٍ وَحَمْرَا ... وَفِعْلَةٌ جَمْعَاً بِنَقْلٍ يُدْرَى ثُمَّ قال: وَفُعُلٌ لاِسْمٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدّ ... قَدْ زِيدَ قَبْلَ لاَم اعْلاَلاً فَقَدْ مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ ... وَفُعَلٌ جَمْعَاً لِفُعْلَةٍ عُرِفْ (وَفُعُلٌ) هذا بِضَمَّتين .. هذا مبتدأ، (لاِسْمٍ) هذا خبر، (رُبَاعِيٍّ) نعتٌ (لاِسْمٍ)، (بِمَدٍّ) يعني: بمصاحبة المد، ما إعراب (مَدٍّ)؟ مُتعلِّق بمحذوف صفة لاسمٍ أو حال .. لا بأس، (بِمَدٍّ قَدْ زِيدَ) أي: مدٍّ زائدٍ، هذا نعت لـ (مَدٍّ)، (قَبْلَ لاَمٍ) مُتعلِّق بـ (زِيدَ) .. (قَدْ زِيدَ) (زِيدَ) هذا فعل مغيَّر الصيغة، (قَبْلَ لاَم فَقَدْ إعْلاَلاً) يعني: صحيح اللام: مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ .. هذا استثناء من قوله: (بِمَدٍّ)، لأنَّ المدَّ عام يشمل ما كان ألفاً، أو واواً، أو ياءً. إذاً: (وَفُعُلٌ) أي: من أمثلة جمع الكثرة (فُعُل) بضمَّتين .. بضمِّ الفاء والعين، وهو مُطَّردٌ في اسمٍ رباعيٍّ بِمَدَّةٍ قبل لامه صحيح اللام، فإن كانت مدَّته واواً أو ياءً لم يُشترط فيه غير الشروط المذكورة التي نصَّ عليها النَّاظم نحو: قضيب وَقُضُبْ، وعمود وَعُمُدْ، وإن كانت ألفاً، لأنَّه قال: (بِمَدٍّ) يشمل الواو والياء والألف، إن كان ألفاً زاد شرطاً: مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ .. فالشَّرط هذا ليس مُطلقاً، وإنمَّا لنوعٍ من قوله: (بِمَدٍّ)، (بِمَدٍّ) هذا عام يشمل المد الواو والياء، فليس فيه شرطٌ زائد على ما ذكره النَّاظم، إن كانت المدَّة ألف يُشترط من أجل أن يُجمع على وزن (فُعُلْ): مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ .. (مَا لَمْ يُضَاعَفْ) يعني: ما لم تكن عينه ولامه من جنسٍ واحد، فإن كان كذلك فلا. إذاً قوله: (وَفُعُلٌ) هذا من أمثلة جمع الكثرة، وهو مطَّردٌ فيما ذكره النَّاظم من هنا: (لاِسْمٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدَّةٍ) قبل لامه فقد إعلالاً، يعني: اللام صحيحة، حينئذٍ ننظر إلى المدَّة، فإن كانت المدَّة التي قبل آخره ياءً أو واواً اكتفينا بهذه الشروط المذكورة، ولم يزدد شرطٌ آخر نحو: قضيب وَقُضُبٍ، وعمود وَعُمُدْ، فإن كانت المدَّة ألفاً زِيد عليه شرطٌ على ما ذكره النَّاظم وهو البيت الثاني: مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ .. اشْتُرِط فيه مع ذلك: ألا يكون مضاعفاً نحو: قَذَال وَقُذُل، وحمار وَحُمُر.

(وَفُعُلٌ لاِسْمٍ) احترز به عن الصِّفة، إذا قال: اسْماً، معناه: أنَّ هذا الجمع لا يكون في الصفات، وإنَّما هو خاصٌّ بالأسماء، إذاً: (لاِسْمٍ) احترز بالاسم عن الصِّفة، فإنها لا تُجمع على (فُعُل) وَشَذَّ في وصفٍ على (فَعَالِ) نحو: صناع وَصُنُع، هذا شاذ: صُنُع جُمِع على (فُعُل) ومفرده: صناع، وهو على وزن (فَعَال) نقول: هذا شاذ، لأنَّ (صناع) هذا وصفٌ لا اسمٌ، و (فِعَال) نحو: ناقةٌ كِنَاز كما ذكرناه، وَنُوقٌ كُنُز .. (كناز) جمع على: كُنُز، نقول: هذا ليس كذلك، وعلى (فعيل) نحو: نذير وَنُذُر، نقول: هذا وصفٌ. ويرد عليه –على الناظم- (فَعُول) لا بِمعنى: مفعول نحو: صبور وغفور، فإنه يُجمع على: صُبُر وَغُفُر، فإنَّه يَطَّرد فيه (فُعُل) نحو: صُبُر وَغُفُر، وسينبه عليه النَّاظم، لكنَّه واردٌ عليه هنا. إذاً: (وَفُعُلٌ) هذا الوزن بضمَّتين .. بضمِّ الفاء والعين (لاِسْمٍ) لا صفةٍ، وما سُمِع من: نذير وَنُذُر، وكناز وَكُنُز، هذا يُحفظ ولا يُقاس عليه، فهو شاذٌّ. (وَفُعُلٌ لاِسْمٍ رُبَاعِيٍّ) احترز به عن غيره وهو: الثلاثي أو الخماسي، الثلاثي مثل: نَار، هذا لا يُجمع على (فُعُل)، وفيل وسور، هذا لا يُجمع على (فُعُل) وإن كان قبل لامه حرف عِلَّة .. مدَّة، ونحو: قنطار وقطمير وعصفور، (عصفور) لامُه حرفٌ صحيح، وقبل لامه حرف علَّة وهو واو، فإنه لا يُجمع على (فُعُل) شيءٌ منها، إذاً: لا نار، ولا فيل، ولا سور، ولا قنطار، ولا قطمير، ولا عصفور شيءٌ من ذلك يُجمع على وزن (فُعُل). إذاً: (لاِسْمٍ) لا صفةٍ، (رُبَاعِيٍّ) لا ثلاثي ولا خماسي، (بِمَدٍّ قَدْ زِيدَ) (بِمَدٍّ) احترز به عن الخالي من المدِّ، فإنَّه لا يُجمع على (فُعُل)، وشذَّ: نَمِرة وَنُمُر، نُمُر على وزن (فُعُل) نقول: (فُعُل) هذا لِمَا وُجِد فيه الشروط المذكورة، وليس منها: نَمِرة، إذاً: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه. (بِمَدٍّ) الباء للمصاحبة وهو مطلق فدخل فيه الألف والواو والياء، (قَدْ زِيدَ) هذا نَعتٌ لـ: (مَدٍّ)، (قَدْ زِيدَ) يعني: مَدٍّ زائد، (قَبْلَ لاَمٍ) لو زيدت لا قبل اللام حينئذٍ نقول: لا يُجمع على (فُعُل)، نحو: دانق .. فاعل، زيدت قبل العين لا قبل اللام، والشرط حينئذٍ: أن تكون الزيادة قبل اللام لا قبل العين، وعيسى وموسى، الزيادة في الأخير .. هي اللام نفسها، فلا يُجمع على (فُعُل)، زِيدَ قَبْلَ لاَمٍ قبل لامٍ زيد. (اعْلاَلاً فَقَدْ) فقد إعلالاً، (اعْلاَلاً) هذا مفعول به مُقدَّم لقوله (فَقَدْ) يعني: صحَّت لامه، احترز بصحة اللام من مُعتلِّ اللام نحو: سقاء وكساء، فإنه لا يُجمع على (فُعُل)، وشَمِل قوله: (بِمَدٍّ) كما ذكرناه: الواو والألف والياء، ثُمَّ قال: (مَا لَمْ يُضَاعَفْ) هذا استثناء من قوله: (بِمَدٍّ)، يعني: الواو والياء لا يُستثنى منها شيء فَيُجْمَع على وزن (فُعُل) مُطلقاً بالشُّروط السابقة، وأمَّا الألف فَيُشْتَرط فيه: مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ ..

إذاً قوله: (بِمَدٍّ) شَمِل الواو والياء والألف في الصحيح والمضاعف، فأمَّا الصحيح فهو كما ذكر، وأمَّا المضاعف فإن كان المدُّ واواً أو ياءً فكذلك، وإن كان ألفاً فقد أشار إليه بقوله: (مَا لَمْ) .. (مَا) هذه مصدريَّة ظرفيَّة، مُدَّة عدم مضاعفته، يعني: كأنَّه قال: وَفُعُلٌ ثابتٌ لاسمٍ رباعيٍّ بِمد مع عدم تضعيف الألف. مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ .. (ذُو الأَلِفْ) هذا نائب فاعل لـ: (يُضَاعَفْ)، (فِي الأَعمِّ) هذا مُتعلِّق بقوله: (يُضَاعَفْ)، فُهِم منه أنَّه قد جاء جمعه على (فُعُل) لأنَّه قال (فِي الأَعمِّ)، يعني: في الأكثر، إذاً: مفهومه أنَّه قد جاء جمعه على (فُعُل) لكنَّه قليل، مثَّلوا له بـ: عنان وَعُنُن. (ذُو الأَلِفْ) احترز بعدم التضعيف في (ذُو الأَلِفْ) من نحو: زمام، فإنَّ قياسه كما سبق (أَفْعِلَة) أَزِمَّة، كذلك: بتاتٌ، يُجمع على: أَبِتَّة، وشذَّ: عنان وَعُنن، وحِجاج وَحُجج، كما أشار إليه بقوله: (فِي الأَعمِّ). إذاً: مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ .. أشار به لِمَ جُمِع على وزن (أَفْعِلَةٍ) في قوله: وَالْزَمْهُ فِي فَعَالٍ اوْ فِعَال ... مُصَاحِبَيْ تَضْعِيفٍ. . . . . . . . . . إذا كان المدُّ ألفاً، وهذا احتراز لِمَا سبق لئلا تتوفر فيه الشروط، وحينئذٍ نقول: مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ .. حينئذٍ يُجمع على وزن (أَفْعِلَةٍ)، وهو الذي نصَّ عليه في الأبيات السابقة. قال الشَّارح هنا: من أمثلة جمع الكثرة (فُعُل) بضمتين، وهذا مُطَّردٌ في كل اسمٍ رباعيٍّ قد زِيد قبل آخره مدَّة بشرط: كونه صحيح الآخر .. اللام، وغير مضاعف إن كانت المدَّة ألفاً فقط، ولا فرق في ذلك بين المذكَّر والمؤنَّث، لذلك قال: (لاِسْمٍ رُبَاعِيٍّ) أطلق فَشَمِل التذكير والتأنيث، نحو: قذال، تقول في جمعه: قُذُلْ، قذال: هذا اسمٌ رباعي قد زِيِد قبل لامه مدَّة وهي ألف ولامه صحيحة غير مُعتلَّة وهي لام، تقول في جمعه: قُذُلْ، (حمار) هذا علم .. اسم وهو رباعي قبل آخره مدَّة، وهي واقعةً ثالثة، ولامه راء وهو صحيح الآخر، إذاً: يُجمع على: حُمُرْ، ولا تَقُل: حُمْر، لأنَّ: (حُمْر) هناك سبق (فُعْل) جمعٌ لـ: أحمر وحمراء، وأمَّا (فُعُل) هذا الذي يُجمع هنا، (حُمُرْ) و (كَرَاع) تقول: كُرُع، ذِرَاع .. ذُرُع، قَضِيب .. قُضُبْ، عمود .. عُمُدْ. وأمَّا المضاعف فإن كانت مَدَّته ألفاً فجمعه على (فُعُلٍ) غير مُطَّرد كراهية التضعيف بل يُستغنى عنه بـ: (أَفْعِلَة). إذاً: الاستثناء هنا: مَا لَمْ يُضَاعَفْ فِي الأَعمِّ ذُو الأَلِفْ .. لأنَّه سبق أنَّه يُجمع على (أَفْعِلَة) والمراد به: بتات وزمام، لأنَّه رباعي قبل آخره مَدَّةٌ وهي ألف، ثُمَّ هو مضاعف، سبق أنَّه يُجمع على: (أَفْعِلَة)، فلذلك استثناه من هذا المقام. فَجَمْعُه على (فُعُلٍ) غير مُطَّرد، نحو: عِنَان وَعُنُن، وَحِجَاج وَحُجُج، فإن كانت مَدَّته غير ألفٍ فَجَمْعُه على (فُعُلٍ) مُطَّردٌ نحو: سرير وَسُرُر، وذلول وَذُلُل، إذاً: هذا ما يتعلَّق بـ (فُعُل) وأنَّه يُجمع هذا الجمع ما كان اسْماً رباعياً بِمدٍّ قد زيد قبل لامٍ فقد إعلالاً.

إذاً: ما الفرق بينه وبين: فِي اسْمٍ مُذَكَّرٍ رُبَاعِيٍّ بِمَدّ ... ثَالِثٍ افْعِلَةُ عَنْهُمُ اطَّرَدْ ما الفرق بينهما؟ قال: (فِي اسْمٍ مُذَكَّرٍ رُبَاعِيٍّ) هذا (لاِسْمٍ رُبَاعِيٍّ) .. (بِمَدّ ثَالِثٍ) هنا كذلك (بِمَدٍّ ثَالِثٍ)، صحيح الآخر هذا من الفوارق، (بِمَدِّ ثَالِثٍ) هذا معناه: قبل الأخير، لا فرق بين قوله: (بِمَدٍّ قَدْ زِيدَ قَبْلَ لاَمٍ)، كأنَّه قال (ثَالِث) هو نفسه، غير مضاعف، ولذلك قال: والْتُزِم (أَفْعِلَةُ) في جمع المضاعف أو المعتلِّ اللام من (فَعَالٍ اوْ فِعَال). وَفُعَلٌ جَمْعَاً لِفُعْلَةٍ عُرِفْ ... وَنَحْوِ كُبْرَى .. (وَفُعَلٌ) هذا مبتدأ، (عُرِفْ لَِفُعْلَةٍ جَمْعَاً) .. (جَمْعَاً) هذا حالٌ من نائب فاعل (عُرِفْ)، و (لِفُعْلَةٍ) هذا مُتعلِّقٌ بـ (عُرِفْ). إذاً: (فُعَلْ) بِضَمٍّ وفتح يكون جمعاً لِمَا كان على وزن (فُعْلَة)، وهذا سبق في المقصور والممدود هناك، (فُعْلَة) (قُرْبَة) يُجمع على: قُرَب، قلنا: له نظير .. (فُعْلَة) (قُرْبَة) يُجمع على (فُعُلْ). إذاً: (وَفُعَلٌ عُرِفْ جَمْعَاً لفُعْلَةٍ) بشرط: أن يكون اسماً، (وَنَحْوِ كُبْرَى) هذان موضعان يكونان جمعاً لـ (فُعَل) أي: من أمثلة جمع الكثرة: (فُعَل)، وهو جمعٌ لاسمٍ على (فُعْلَةٍ) أو على (فُعلى) نحو: كُبرى .. أُنْثَى الـ: (أفْعَل)، فالأولى كـ: قُرْبَة وَقُرَب، وغرفة وَغُرَف، والثاني: كـ: كُبرى وَكُبَر، وَصُغْرَى وَصُغَر. لكن يُشترط في (فُعَل): أن يكون اسماً لا وصفاً، (وَفُعَلٌ عُرِفْ جَمْعَاً لفُعْلَةٍ). (وَنَحْوِ كُبْرَى) على وزن (فعلى) اشترط بالمثال كون (فُعلى) أُنثى الـ: (أفْعَل). (وَلِفِعْلَةٍ فِعَلْ) وفِعَل لفعلة، (فِعَلْ) بكسر الفاء وفتح العين، يعني: يكون الجمع مُطَّرداً على وزن (فِعَلْ) .. (لِفِعْلَةٍ) بكسر الفاء وإسكان العين، فَشَمِل (فِعْلَة) الصحيح نحو: قِرْبَة وَقِرَب، والمعتلَّ العين نحو: قِيْمَة وَقِيَم، والمعتلَّ اللام، لأنَّه أطلق النَّاظم: (لِفِعْلَة) شَمِل الصحيح نحو: قِرْبَة وَقِرَب، ومعتلَّ العين: قيمة وَقِيَم، والمعتلَّ اللام نحو: مرية وَمِرى، والمضاعف نحو: حِجَّة وَحِجَج، فهو عام ولذلك أطلقه النَّاظم. (وَلِفِعْلَةٍ فِعَلْ) بفتح العين وكسر الفاء، (فِعَلْ) هذا مبتدأ، وقوله: (لِفِعْلَةٍ) خبر مُقدَّم، أي: من أمثلة جمع الكثرة (فِعَلْ)، وهو مُطَّردٌ في (فِعْلَةٍ) اسْماً تامَّاً كما قيَّده بذلك في (التسهيل)، أي: مُشتملاً على جميع أصوله نحو: كسرة وَكِسَر، وحجة وَحِجَج، ومرية وَمِرَى، والاحتراز بالاسم عن الصِّفة نحو: صِغْرة وَكِبْرة وَعِجْزَة، وشذَّ: رجلٌ صِمَّة، ورجلٌ صِمَمْ، وامرأةٌ ذِرْبَة، ونساءٌ ذِرَبْ، هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه. وبالتَّام عن نحو: رِقَّة، فإن أصله: وِرِق أو وَرَق، ولكن حذفت فاؤه فإنَّه لا يُجمع على (فِعَل)، وإنَّما لم يُقيِّد (فِعْلَة) هنا بهذين القيدين لِقِلَّة مجيئهما صِفةً، حتى ادَّعى بعضهم أنَّها لم تجيء صفةً، ونحو: رقَّة لم يكن على وزن (فِعْلَة) فلا حاجة للاحتراز عنه.

إذاً: (وَلِفِعْلَةٍ) هنا لم يُقيِّده بكونه اسْماً، لأنَّ مَجيء الصِّفة على وزن (فِعْلَة)، إمَّا أنَّه لا وجود له، وإمَّا أنَّه قليل جداً حتى أنَّه لا يصلح أن يكون قيداً لذلك. وَقَدْ يَجِئُ جَمْعُهُ عَلَى فُعَلْ .. (وَقَدْ) هذا للتَّقليل، (يَجِئُ جَمْعُهُ) أي: جمع (فِعْلَة) الذي الأصل فيه: أن يُجمع على (فِعَل)، (عَلَى فُعَلْ) بالضَّم مثل: لِحيَة يُجمع على: لُحَى، يعني: على وزن (فُعَل) وكذلك: سِجْيَة، على وزن: سُجَى، وحِلْيَة على وزن: حُلَى. قال هنا: ومن أمثلة جمع الكثرة (فِعَلٌ) وهو جمعٌ لاسمٍ على (فِعْلَة)، نحو: كسرة .. كِسَر، وَحِجَّة وحجج، ومرية وَمِرىً، وقد يجيء قِلَّةً جمع (فِعْلَةٍ) على (فُعَل) نحو: لِحْيةٍ ولُحىً، وحلية وَحُلَىً. إذاً قوله: (وَلِفِعْلَةٍ فِعَلْ) الأصل في (فِعْلَة) مُطلقاً سواءٌ كان صحيح العين أو معتلَّ العين يُجمع على وزن (فِعَلْ)، وهو جمع كثرةٍ فيه، وقد يأتي على وزن (فُعَلْ) لكنَّه على قِلَّةٍ. فِي نَحْوِ رَامٍ ذُو اطِّرَادٍ فُعَلَهْ ... وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ (رَامٍ) ماذا تأخذ منه؟ فاعل مُعتلَّ اللام، يُجمع على (فُعَلَهْ)، (رَام) على وزن (فاعل) يُجمع على (فُعَلَهْ) .. (رُمَيَة) ثُمَّ تَحرَّكت الياء وفُتح ما قبلها، فوجب قلبها فقيل: رُمَاة، إذاً: (رُمَاة) أصله: رُمَية، على وزن (فُعَلَهْ). فِي نَحْوِ رَامٍ ذُو اطِّرَادٍ فُعَلَهْ .. (فُعَلَهْ) يعني: من أمثلة جمع الكثرة: (فُعَلَهْ)، وهذا مُطَّردٌ قال: (ذُو اطِّرَادٍ) هذا خبر مُقدَّم، (فِي نَحْوِ رَامٍ) هذا مُتعلِّق بِمحذوف، وجوَّز بعضهم أن يكون مُتعلِّقاً بـ (اطِّرَادٍ) لكنَّه لكونه مضافاً إليه، معمول المضاف إليه لا يَتقدَّم عليه، حينئذٍ يَتعيَّن أن يُقدَّر مُتعلَّقه محذوفاًَ. وهو مُطَّردٌ في كل وصفٍ على فاعلٍ معتلِّ اللام لمذكَّرٍ عاقل، إذاً: (رَامٍ) هذا وصف على وزن (فاعل)، مُعتلَّ اللام لمذكَّر عاقل (رَامٍ .. رماة) أصله: رُمَية على وزن (فُعَلة)، وقاضٍ .. قضاة، أصله على وزن: قُضَيَة، وغازٍ .. غزاة، أصله: غُزَوَة، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، وخرج نحو: مُشترٍ، وهو اسم فاعل لكنَّه ليس من الثلاثي، إذاً خرج: مشترٍ. (وَادٍ) على وزن (رَامٍ) هذا اسمٌ ليس صفةً، إذًا: خرج .. لا يُجمع على وزن (فُعَلَهْ). و (رَاميةٌ) رامية: هذا مؤنَّث والشَّرط أن يكون مذكَّراً. و (ضَارٍ) وصف أسدٍ، و (صاهل) وصف فرسٍ، و (ضارب) ليس معتلَّ الآخر (ضارب) هذا لا يُجمع على (فُعَلَهْ) لكون الشَّرط الذي يُجمع على (فُعَلَهْ) أن يكون مُعتلَّ اللام، وهذا صحيح اللام، إذاً: ضارب، لا يُجمع على (فُعَلَهْ) لأنَّ الشَّرط: أن يكون معتلَّ اللام، فلا يُجمع هذا الجمع مِمَّا ذُكِر. وشذَّ: كَمَى وكَمْأةً أو: كُمأةً، وباز وَبُزَاة، لأنَّه اسمٌ لا وصفٌ، وهادر وهدرة، وهو الرجل الذي لا يُعتدُّ به، ونَدَر: غُوى وغُوَاة، وعريان .. عُرَاة كله نادر. على كُلٍّ: ما كان وصفاً على زنة (فاعل) لمُذكَّر عاقل مُعتلَّ اللام حينئذٍ يكون جمعه على وزن (فُعَلَة)، وما خرج من ذلك فهو شاذٌّ. وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ ..

(شَاعَ) يعني: كَثُر، والمراد به: أنَّه مُطَّرد، وإنَّما عبَّر بالشيوع عن الاطِّراد، لا يلزم من كونه شائعاً أن يكون مُطَّرداً، ومراده: أن يكون مُطَّرداً ولهذا يُنْتَقد هنا، قيل: كان الأحسن أن يقول: كذاك نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ .. أمَّا (وَشَاعَ) قد يكون مسموعاً ولا يكون قياساً. وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ .. نحو ماذا؟ (وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ) فاعل لكنَّه صحيح اللام، نفس الأول لكنَّه صحيح اللام، يُجمع على وزن: (فَعَلَة) يُقال فيه: (كَمَلَهْ)، شمل الصحيح كـ: كامل، والمعتلَّ الفاء .. مُعتلَّ الفاء دخل فيه، لأنَّ الحكم في اللام، نحو: وارث نقول: ورَثَة، والمعتلَّ العين نحو: خائن .. خَوَنَة، والمضاعف نحو: بارٌّ .. بررة، وأمَّا مُعتلُّ اللام فهو كما سبق مضموم الفاء فيقال فيه: (فُعَلَهْ). وَشَاعَ نَحْوُ كَامِلٍ وَكَمَلَهْ .. قال الشَّارح هنا: ومنها (فَعَلَةٌ)، وهو مُطَّردٌ في وصفٍ على فاعلٍ صحيح اللام لمذكَّرٍ عاقل، نحو: كَامِل وكَمَله، وسَاحِر وَسَحَرَة، واستغنى المصنف عن ذكر القيود المذكورة بالتمثيل بِما اشتمل عليها وهو (رَامٍ) و (كَامِل) فخرج نحو: حَذِر، هذا وإن كان اسم فاعل قد يُستعمل كأصله صفة مشبَّهة، لكن قد يُستعمل ويُراد به اسم الفاعل، لكنَّه ليس داخل: حَذِر، خرج به، ووادٍ، وحائض، وسابق وصف فرس، ورامٍ، فلا يُجمع شيءٌ منها على: (فَعَلَة). وشَذَّ: سيِّد وسادة، وخبيثٌ وَخَبَثة، وَبَرٌّ وبَرَرَة، وناعق ونَعَقَة كله شاذ، إذاً: ما لم يكن كذلك وَجُمِع على (فَعَلَه) نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يُقاس عليه. فَعْلَى لِوَصْفٍ كَقَتِيلٍ وَزَمِنْ ... وَهَالِكٍ، وَمَيِّتٌ بِهِ قَمِنْ (فَعْلَى) مثل: سَكْرَى، وهذا قد يكون جمعاً (سَكْرَى) اسم مؤنَّث، (فَعْلَى) يعني: من أمثلة جمع الكثرة ما كان على وزن (فَعْلَى) بفتح الفاء وسكون العين مقصوراً، وهذا جمع (فَعْلَى)، وهو جمعٌ لوصفٍ كما قال النَّاظم: (فَعْلَى لِوَصْفٍ) .. (فَعْلَى) مبتدأ، و (لِوَصْفٍ) هذا خبر، لكنَّه على (فعيل) لأنَّه قال: (لِوَصْفٍ كَقَتِيلٍ) .. (فَعْلَى لِوَصْفٍ) لا اسمٍ، إذاً: خرج الاسم. (لِوَصْفٍ) هذا عام، قال: (كَقَتِيل) يعني المراد به: اسم المفعول إذا كان (فَعِيل) بمعنى: مفعول، دَالٍّ على هلاكٍ أو توجع كـ: قتيل وقتلى، وجريح وجرحى، وأسير وأسرى. الوصف كـ: قتيل، قال: (فَعْلَى لِوَصْفٍ كَقَتِيلٍ)، إذاً: لا بُدَّ أن يكون وصفاً لا اسْماً، ثُمَّ أن يكون (كَقَتِيلٍ) أشار به إلى شيئين: أن يكون (فَعِيل) بمعنى: مفعول، ثُمَّ فيه معنى القتل والتَّوجُّع والهلاك، فالمثال حينئذٍ يكون مقصوداً، كُلُّ ما كان على وزن (فَعِيل) وهو وصفٌ، وفيه معنى القتل والتَّوجُّع والهلاك كـ: أسير وجريح، نقول: هذا يُجمع على وزن (فَعْلَة). وَيُحْمَل عليه ما أشبهه في المعنى، يعني: على (فَعِيل) ليس الحكم خاصَّاً بـ (فعيل)، بل كُلُّ ما دَلَّ على هلاكٍ أو توجُّع وفيه هذا المعنى العام يُحمل عليه، مثل: (فَعِل) كما مَثَّل النَّاظم قال: (وَزَمِنْ) فَعِل (زَمِنْ) مريض، هذا فيه هلاك وفيه توجُّع، فيقال: زَمْنَى، كما يقال: جرحى وقتلى وأسرى.

كذلك: (هَالِكٍ) هذا ليس (كَقَتِيل) من حيث اللفظ، لكن فيه معنى الهلاك، بل لفظه مُشْتَقٌّ من الهلاك، فتقول: هَلْكَى على وزن (فَعْلَى)، ومن (فَيْعِل) أو (فَعِل) على الخلاف: مَيِّت، هذا فيه توجُّع .. مصيبة، وإذا قيل: مَيِّت نقول: موتى. وكذلك: (أَفْعَل) نحو: أحمق وحمقاء، و (فعلان) كـ: سكران وسكرى، هذه كم؟ (فَعِل) و (فَاعِل) و (فَيْعِل) و (أَفْعَل) و (فعلى) خمسة مِمَّا يُلْحق بـ: (فَعِيل) .. (كَقَتِيل) إذاً: (فعلى) يُجمع جمع كثرة ما كان وصفاً على وزن: (فَعِيل) لكنَّه بمعنى: مفعول، ودَالٌّ على الهلاك والتَّوجُّع. يُلْحَق به (فَعِل) كـ: زَمِنْ .. المريض، و (فَاعِل) و (فَيْعِل) و (أَفْعَل) و (فَعْلان) إذا دلَّ على هلاكٍ وتوجُّع. إذاً: العِلَّة التي في (قَتِيل) وهي التَّوجُّع والهلاك، إن وجدت في غيرها وهو واحدٌ من هذه الخمسة أُلْحِق به، فَيُجْمَع على وزن (فَعلى). (كَقَتِيلٍ وَزَمِنْ) معطوف على (قَتِيلٍ)، (وَهَالِكٍ وَمَيِّتٌ بِهِ قَمِنْ)، قيل: (مَيِّتٌ) هذا مبتدأ، و (قَمِنْ) بكسر الميم بِمعنى: حقيق .. خبر عن (مَيِّت) .. إذا رفعنا (مَيِّت)، وعليه فـ: (َزَمِنْ وَهَالِك) بالجرِّ عطفاً على (قَتِيل)، وصحَّح المكُودِي: أن يكون (زَمِنْ) مبتدأ. (وَهَالِكٌ وَمَيِّتٌ) .. (هَالِكٌ) يكون بالرفع، (وَمَيِّتٌ) يكونان معطوفين عليه، و (قَمِنْ) خبر، و (بِهِ) مُتعلِّقٌ به، وعلى هذا يَتعيَّن فتح ميم (قَمَنْ)، لأنَّ (قَمِنْ) إذا كان بالكسر يكون خبراً عن الواحد، وإذا كان خبراً عن اثنين فأكثر يكون بالفتح (قَمَنْ) فحينئذٍ يكون مدلوله أكثر من الواحد. إذاً: إذا جعلنا (زَمِنْ) مبتدأ أخبرنا عنه بـ (قَمَنْ)، وحينئذٍ يَتعيَّن فتح ميمه، فإن: (قَمنَاً) المفتوح الميم يستوي فيه الواحد والمثنَّى والجمع. قال الشَّارح هنا: ومن أمثلة جمع الكثرة (فَعْلَى)، وهو جمعٌ لوصفٍ على (فعيل)، بِمعنى: مفعول دَالٍّ على هلاكٍ أو تَوجُّع أو تشتت، كـ: قتيل وقتلى، وَيُحْمل عليه على وزن: (فَعِيل) ما أشبهه في المعنى " الذي هو (فَعِيل) بِمعنى: مفعول، مثل ماذا؟ قال: (فَعِل) كـ: زَمِنْ وَزَمْنى، ومن (فَاعِل) كـ: هالك وهلكى، و (فَيْعل) كـ: ميت وموتى، و (أَفْعَل) أحمق وحمقى، و (فَعْلان) كـ: سكران وسكرى. لِفُعْلٍ اسْمَاً صَحَّ لاَمَاً فِعَلَهْ ... وَالْوَضْعُ فِي فَعْلٍ وَفِعْلٍ قَلَّلَهْ (لِفُعْلٍ اسْمَاً) .. (فُعْل) يعني: من أمثلة جمع الكثرة (فِعَلَهْ)، ولذلك نعربه مبتدأ .. (فِعَلَهْ) مبتدأ، (لِفُعْلٍ) هذا خبر، إذاً: (فُعْل) هو المفرد الذي يُجمع على وزن (فِعَلَهْ)، (لِفُعْلٍ) هذا خبر مُقدَّم، وصفه بقوله: (اسْمَاً) هذا حال، احترز به عن الصفة، كُلُّ ما نصَّ عليه بأنَّه اسمٌ احترز به عن الصفة، (اسْمَاً) نقول: هذا حال احترز به عن الصفة. (صَحَّ لاَمَاً) .. (لاَمَاً) تمييز، يعني: صحَّت لامه، مُحَوَّل عن الفاعل (فِعَلَهْ)، إذاً: (فِعَلَهْ) جمعٌ (لِفُعْلٍ) اسْماً صحيح اللام، نحو: قُرْطٌ يُجمع على: قِرَطة، وَدُرْجٌ يُجمع على: دِرَجَة، وَكُوز يُجمع على: كِوَزَة، هذا المحفوظ فيه: أن يكون مفرده على وزن (فُعْلٍ).

(اسْمَاً صَحَّ لاَمَاً) احترز بالاسم عن الصِّفة، ونَدَر فيه: عِلْجٍ .. عِلَجة، ليس (لِفُعْلٍ) وإنَّما هو لـ: عِلْجٍ. واحترز بـ: (صَحَّ لاَمَاً) من نحو: عضوٍ ودلوٍ وظبيٍ ونِحْيٍ، وهو وعاء السَّمْن، فلا يُجمع شيءٌ من ذلك على: (فِعَلَهْ)، وإذا جاء (فِعَلَهْ) لا (لِفُعْلٍ اسْمَاً صَحَّ لاَمَاً) حينئذٍ نقول: هذا يُحفظ ولا يُقاس عليه. إذاً: لِفُعْلٍ اسْمَاً صَحَّ لاَمَاً فِعَلَهْ .. (فِعَلَهْ) بكسر الفاء وفتح العين، نقول: هذا مُطَّردٌ في (فُعْلٍ) بِضمِّ الفاء وسكون العين، وَشَمِل الصحيح نحو: دُرْج وَدِرَجَة، والمعتل نحو: كوز وَكِوَزة، والمضاعف نحو: دُبّْ وَدِبَبَة، واحترز بقوله: (اسْمَاً) من الصِّفة نحو: حلوٍ، وبقوله: (صَحَّ لاَمَاً) من معتلِّ اللام نحو: عضوٍ فلا يُجمع شيءٌ من ذلك على (فِعَلَهْ). وَيُحْفَظ في اسمٍ على (فِعْلٍ) .. هنا قال: وَالْوَضْعُ فِي فَعْلٍ وَفِعْلٍ قَلَّلَهْ .. يعني: أنَّ وضْع العرب (قَلَّلَهْ) .. قلَّل (فِعَلَهْ) في جمع (فِعْلٍ وَفَعْلٍ) إذاً: (فِعَلَهْ) المُطَّرد (فُعْلٌ) .. هذا القياس المُطَّرد الكثير، وأمَّا جمع (فِعْل) و (فَعْل) بفتح الفاء وكسرها مع إسكان العين، نقول: قليل أن يُجمع على (فِعَلَهْ)، إذاً: هو يُجمع على (فِعَلَهْ) لكنَّه قليل، والكثير ألا يُجمع على (فِعَلَهْ) ولذلك قال: (وَالْوَضْعُ) هذا مبتدأ، (قَلَّلَهْ) الضمير يعود على (فِعَلَهْ)، (الْوَضْعُ) يعني: الواضع (قَلَّلَ فِعَلَهْ) في جمع (فِعْلٍ وَفَعْلٍ) هذا قليل. (الْوَضْعُ) هذا مبتدأ، (قَلَّلَهْ) الجملة خبر، والضمير يعود على (فِعَلَهْ)، (الْوَضْعُ) يعني: الواضع قلَّل (فِعَلَهْ) في جمع (فِعْلٍ) بكسرٍ فسكون و (فَعْلٍ) بفتحٍ وسكون. وَفُهِم أنَّه مُطَّردٌ في (فُعْلٍ)؛ لأنَّه حكم على الثاني بكونه قليل وأطلق الأول: لِفُعْلٍ اسْمَاً صَحَّ لاَمَاً فِعَلَهْ .. إذاً: ليس بقليل، لأنَّه قيَّد (فِعَلَهْ) في (فِعْلٍ وَفَعْلٍ) بأنَّه قليل، فَدَلَّ على أنَّه مُطَّردٌ في الأول، يعني: أن وضع العرب قلَّل (فِعَلَهْ) في جمع (فِعْلٍ وَفَعْلٍ)، يعني: جعله قليلاً، والإسناد مجاز عقلي لأنَّ المُقلِّل حقيقةً هو صاحب الوضع. فالأول نحو: رَوْح (فَعْل) وَيُجمع على (رِوَحة)، ومن الثاني: قِرْد وقِرَده، قِرْدٌ .. (فِعْلٌ) هذا من الأول، (فِي فِعْلٍ): قِرْد، يُجمع على: قِرَدَة (فِعَلَهْ)، (وفَعْلٍ) رَوْحٍ .. رِوَحْة .. (قَلَّلَهْ). هنا قال: ويُحفظ في اسمٍ على (فِعْلٍ) نحو: قِرْد وقِرَدَه، أو على (فَعْلٍ) نحو: غَرْدٍ وَغِرَدة، وَزَوْجٍ وَزَوْجَة إلى آخره. ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

123

عناصر الدرس * تتمة لأبنية الكثرة وما تكون جمعاَ له. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: وَفُعَّلٌ لِفَاعِلٍ وَفَاعِلَهْ ... وَصْفَيْنِ نَحْوُ عَاذِلٍ وَعَاذِلَهْ وَمِثْلُهُ الْفُعَّالُ فِيمَا ذُكِّرَا ... وَذَانِ فِي الْمُعَلِّ لاَمَاً نَدَرَا ما زال النَّاظم رحمه الله تعالى يُعَدِّد لنا أمثلة جمع الكثرة، يعني: الأوزان التي يكون مدلولها أو موزونها على الكثرة، وعلى ما ذهب إليه هو وغيره: ما يبتدئ من أحد أعشر إلى ما لا نهاية، وقلنا الصواب: أن جمع الكثرة وجمع القِلَّة يتفقان في المبدأ، ويختلفان في المنتهى. (وَفُعَّلٌ) بضمِّ الفاء وتشديد العين، (فُعَّل) كـ: رُكَّع. (وَفُعَّلٌ) هذا مبتدأ (لِفَاعِلٍ) مُتعلِّق بمحذوف خبر، (وَفَاعِلَهْ) هذا معطوفٌ عليه، (وَصْفَيْنِ) هذا حالٌ من (فَاعِلٍ وَفَاعِلَهْ)، إذاً: (فُعَّل) هذا من أمثلة جمع الكثرة، وهو مقيسٌ في وصفٍ صحيح اللام على (فَاعِلٍ) أو (فَاعِلَهْ) فكل ما كان على وزن (فَاعِلٍ) أو على وزن (فَاعِلَهْ) وهو وصفٌ صحيح اللام، حينئذٍ يُجمع على (فُعَّل) كـ: ضارب .. ضُرَّبْ، وَصَائم .. صُوَّم، وضاربة (فَاعِلَهْ) كـ: ضُرَّب، وصائمة كذلك صُوَّم. حينئذٍ: صُوَّم وَضُرَّب، مِمَّا استوى فيه المُذكَّر والمؤنَّث، لأنَّك تقول في (صائم): صُوَّم، وفي (صائمةٍ) بالتاء مؤنَّث تقول: صُوَّم، إذاً: استوى (فُعَّل) هنا في المذكَّر والمؤنَّث: ضارب .. ضُرَّب، وضاربةٌ بالتاء مؤنَّث تقول: فُعَّل .. ضُرَّب، إذاً: استوى فيه المذكَّر والمؤنَّث. قوله: (وَصْفَيْنِ) حال، إذاً: هو قيدٌ لقوله: (فَاعِلٍ وَفَاعِلَهْ) حالٌ، احترز به من الاسمين، لو كان (فَاعِل) اسماً، أو كان (فَاعِلَهْ) اسماً يعني: صار جامداً، أو عُومِل مُعاملة الأسماء حينئذٍ لا يُجمع على (فُعَّل)، احترز به من الاسمين نحو: حاجب العين، (حاجب) فاعل، وجائزة البيت، فلا يُجمعان على (فُعَّل)، وأمَّا (حاجب) بمعنى: مانع، حاجب العين الذي يعلو العين - العين لا تعلو على الحاجب الناس يقولون - فالحاجب هذا لا يُجمع على (فُعَّل) لماذا؟ لأنَّه اسمٌ لا وصفٌ، والذي هنا يُجمع على (فُعَّل) إنَّما يكون وصفاً، وجائزة البيت، كذلك لا يُجمع على (فُعَّل)، وأمَّا (حَاجِب) بمعنى: مانع، و (جائزة) بمعنى: مارَّة، فإنَّهما وصفان فيقال فيهما: حُجَّبٌ وَجُوَّزٌ، وأمَّا الحاجب الذي هو اسمٌ مسمَّاه ما يعلو العين، نقول: هذا لا يُجمع على (فُعَّل) لأنَّه اسمٌ لا وصفٌ. وَفُعَّلٌ لِفَاعِلٍ وَفَاعِلَهْ ... وَصْفَيْنِ. . . . . . . . . . . . . . . احترز به من غير الوصفين، كما ذكرنا في (حاجب) و (جائزة)، وبعضهم مَثَّل بـ: حائط، فلا يقال: حُيَّط أو حُوَّط، لكونه اسماً لا وصفاً، فثَمَّ فرقٌ بين جمع الأسماء وبين جمع الصفات: وَصْفَيْنِ نَحْوُ عَاذِلٍ وَعَاذِلَهْ ..

(عَاذِلٍ) على وزن (فَاعِل) وهو وصفٌ من العذل، وانظر في لامه فإذا بها صحيحة اللام، إذاً: نزيد على قوله: (وَصْفَيْنِ): أن يكونا صحيحيَّ اللام، لا بُدَّ من هذا القيد، ولذلك قال ابن عقيل: " مقيسٌ في وصفٍ صحيح اللام " هذا نأخذه من المثال. إذاً: (عَاذِلٍ) هذا اسم فاعل وهو وصفٌ صحيح اللام، ومثله: (عَاذِلَةٌ). (وَصْفَيْنِ) قلنا: هذا حال (نَحْوُ عَاذِلٍ)، (نَحْوُ) هذا خبر مبتدأ محذوف، وذلك (نَحْوُ عَاذِلٍ)، (نَحْوُ) مضاف، و (عَاذِلٍ) مضافٌ إليه، (وَعَاذِلَةٍ) بالجرِّ عطف على (عَاذِلْ) ووقف عليه بالسكون من أجل الوقف. (وَمِثْلُهُ الْفُعَّالُ)، (مِثْلُهُ) أي مثل: (فُعَّل): (الْفُعَّالُ) .. (الْفُعَّالُ مِثْلُهُ)، (الْفُعَّالُ) مبتدأ مُؤخَّر، (وَمِثْلُهُ) خبر مُقدَّم، والضمير هنا يعود على (فُعَّل)، لكن (فِيمَا ذُكِّرَا): فيما كان مُذكَّراً، (فُعَّال) مَقيسٌ في وصفٍ صحيح اللام على (فَاعِل)، يعني: قوله (فُعَّلٌ لِفَاعِلٍ) وصفاً (نَحْوُ عَاذِلٍ) يُزاد عليه (فُعَّال)، ما كان مُذكَّراً على وزن (فَاعِل) وهو وصفٌ صحيح اللام يُجمع على وزنين: (فُعَّل وفُعَّالَ)، يعني: بزيادة الألف قبل اللام .. هو نفسه (فُعَّل) لكنَّه مُدَّ قبل اللام، فـ (فُعَّل وفُعَّال) هما في الأصل واحد، لكن زيدت المدَّة قبل اللام .. بزيادة الألف بعد العين، (فِيمَا ذُكِّرَا) من الوصفين السابقين، يعني: يُستعمل (فُعَّال) في المذكَّر خاصَّةً، قوله: (فِيمَا) هذا مُتعلِّق بالخبر (مِثْلُهُ)، لأنَّ فيه معنى المماثلة، و (ذُكِّرَا) (مَا) موصول، (ذُكِّرَا) الألف للإطلاق، و (ذُكِّرَا) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، والفاعل ضمير مستتر يعود على (فاعل)، (فِيمَا ذُكِّرَا): على (فَاعِلٍ) وصفاً صحيح اللام (ذُكِّرَا)، والجملة لا مَحلَّ لها صِلَة الموصول. وَمِثْلُهُ الْفُعَّالُ فِيمَا ذُكِّرَا ... وَذَانِ. . . . . . . . . . . . . . . . (ذَانِ) أي: (فُعَّل) و (فُعَّال) .. (فِي الْمُعَلِّ لاَمَاً نَدَرَا)، (نَدَرَا) الألف هذه تثنية، يعني: (الفُعَّلٌ) و (الْفُعَّالُ) (نَدَرَ) مجيئهما (فِي الْمُعَلِّ لاَمَاً) لأنَّه اشترط في الأول نحو: (عَاذِلٍ) صحيح اللام، إذاً: إذا كان مُعتلَّ اللام فنادرٌ أن يأتي فاعل معتلَّ اللام وهو وصفٌ على زنة (فُعَّلْ) و (فَاعِل) وهو قليل. (وَذَانِ) مبتدأ، و (نَدَرَا) خبر، والألف هذه ضمير عائد على (ذَانِ) فاعل و (فِي الْمُعَلِّ) مُتعلِّق بـ (نَدَرَا): وذان نَدَرَا (فِي الْمُعَلِّ) .. (فِي الْمُعَلِّ لاَمَاً) هذا تمييزٌ لـ (الْمُعَلّ) لأنَّ (الْمُعَل) يحتمل أنه مُعل فاء أو عين أو لاماً، هذا مجمل، فقال: (لاَمَاً) دلَّ على أنَّه تَمييز. إذاً: نبَّه على أنَّ هذين الوزنين قد يجيئان جمعين للمعتلِّ اللام، مع كونه احترز أولاً بقوله: (عَاذِلٍ وَعَاذِلَهْ) أن يكون صحيح اللام يعني: احترز بـ (عَاذِلٍ وَعَاذِلَهْ) عن مُعتلِّ اللام، فالمطَّرِد المقيس الأصل أن يكون صحيح اللام، وأمَّا مَجيئه من مُعتلِّ اللام فهذا قليل. وَذَانِ فِي الْمُعَلِّ لاَمَاً نَدَرَا ..

قال الشَّارح: من أمثلة جمع الكثرة (فُعَّلْ) وهو مقيسٌ، يعني: مطَّردٌ في وصفٍ صحيح اللام على (فَاعِلٍ) أو (فَاعِلَهْ، نصَّ على الوصف قال: (وَصْفَيْنِ)، وأشار إلى الشرط الثاني صحيح اللام بقوله: (عَاذِلٍ). على (فَاعِلٍ) أو (فَاعِلَهْ) نحو: ضارب وَضُرَّبْ، وَصَائم وَصُوَّمْ، وضاربة وَضُرَّبْ، وصائمة وَصُوَّمْ. ومنها: (فُعَّالْ) وهو مقيسٌ في وصفٍ صحيح اللام على (فَاعِلٍ) لمذكَّر، إذاً: هو الذي عناه في البيت الأول بقوله: فاعلٍ وصفاً (نَحْوُ عَاذِلٍ)، يُزاد على (فُعَّل): (فُعَّالْ) ففيه جمعان، بخلاف (فَاعِلَة) إنَّما يُجمع على (فُعَّلْ) فحسب ولا يكون فيه (فُعَّال). وقوله (عَاذِلٍ): أشار به إلى صحيح اللام، إذاً: لا يأتي قياساً مُطَّرداً (فُعَّلْ) ولا (فُعَّال) فيما هو معتلُّ اللام، سواءٌ كان من المذكَّر والمؤنَّث أو من المذكَّر فحسب، وأمَّا قوله: (وَذَانِ) يعني: (الْفُعَّال) و (الفُعَّل) (نَدَرَا في الْمُعَلِّ لاَمَاً) يعني: على جهة الندور يعني: لا يقاس عليه. ومنها (فُعَّال) وهو مقيسٌ في وصفٍ صحيح اللام على (فاَعِلٍ) لمذكَّر نحو: صائم وَصُوَّام، وقائم وَقُوَّام، زيدت الألف قبل آخره، وَعَاذِل وَعُذَّال، (عَاذِلٍ) يُقال فيه: عُذَّل وَعُذَّالٌ .. فُعَّل وَفُعَّالٌ. و (نَدَرَا): قَلَّ (فُعَّل) و (فُعَّال) في المعتلِّ اللام المذكَّر، نحو: غَازٍ وَغُزَّى وغُزَّاء، (غُزَّىً): (فُعَّلْ)، و (غُزَّاء: (فُعَّال) وَسَارٍ وَسُرَّىً وسُرَّاء، وَعَافٍ وَعُفَّى، ويقال: غُزَّاء في جمع غَازٍ، وَسُرَّاء في جمع سَارٍ، ونَدَر أيضاً في جمع (فَاعِلَه) .. هذا قليل جداً كقول الشاعر: أَبْصَارُهنَّ إلَى الشُّبَّانِ مَائِلَةٌ ... وقَدْ أَرَاهُنَّ عَني غَيْرَ صُدَّادِ صَادَّة .. صُدَّادِ، إذاً: جمعه على (فُعَّال) لكنَّه قليل، ومثله: سُحَّلْ وَسُحَّال، وفي (نُفُسَاء): نُفَّسْ وَنُفَّاس، ونَدَر (فُعَّل) أيضاً في: أَعْزَل وَعُزَّل. إذاً: قوله (فُعَّلْ) و (فُعَّال) هذان وزنان من جموع الكثرة إلا أنَّ (فُعَّلْ) مُطَّرد في (فَاعِلٍ وَفَاعِلَةٍ وَصْفَيْنِ) صحيحيَّ اللام، (وفُعَّال) كذلك يكون في المذكَّر بشرط: أن يكون وصفاً صحيح اللام، وأمَّا (فُعَّال) من (فَاعِلَة) فلا يأتي، وأمَّا من مُعتلِّ اللام فقد سُمِع فيه (فُعَّال) و (فُعَّل) لكنَّه قليل. ثُمَّ قال: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا ... وَقَلَّ فِيمَا عَيْنُهُ الْيَا مِنْهُمَا (فَعْلٌ) هذا مبتدأ أول، (وَفَعْلَةٌ) معطوفٌ عليه، (فِعَالٌ لَهُمَا) الجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ الأول. (فَعْلٌ) هذا مبتدأ، و (فِعَالٌ) مبتدأٌ ثاني، (لَهُمَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ الثاني وهو (فِعَالٌ)، والجملة الاسمية من المبتدأ والخبر في محل رفع خبر المبتدأ الأول (فَعْلٌ). إذاً: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا .. ما كان على وزن (فَعْلٍ) وهنا أطلق النَّاظم ولم يُقَيِّده بكونه اسماً ولا وصفاً، وحينئذٍ يُحمل على العموم، (فَعْلٌ) اسماً وصفةً، صار مشتركاً بين الاثنين، (فَعْلٌ) بفتح الفاء وإسكان العين، وَفُهِم من إطلاقه أنَّه مُشتركٌ في الاسم والوصف.

(وَفَعْلَةٌ) كذلك أطلقه النَّاظم .. بفتح الفاء وإسكان العين، وتاء تأنيث، وأطلقه النَّاظم ولم يُقيِّده بكونه اسماً ولا وصفاً، فدلَّ على أنَّ ما كان على وزن (فَعْلٍ) وهو مُفرد اسماً ووصفاً، (وَفَعْلَةٍ) وهو مفرد اسماً ووصفاً، يكون الجمع على (فِعَال) جمع كثرة، نحو: كَعْب على وزن (فَعْلٍ) يُجمع على (فِعَال): كِعَاب، وهو اسمٌ: وثوبٌ، يُجمع على: ثياب، قلنا: أَثْوُب هناك شاذ. (وَفَعْلَة) قصعة، اسمٌ يُجمع على (قِصَاع)، أو وصفين (فَعْل) و (فَعْلَة) نحو: صَعْب فَعْلٌ وَصِعَاب على وزن (فِعَال)، وصعبةٌ .. صعابٌ. وَقَلَّ فِيمَا عَيْنُهُ الْيَا مِنْهُمَا .. (وَقَلَّ) هذا فعل ماضي، قَلَّ (فِعَال)، (فِيمَا) يعني: في (فَعْلٍ) و (فَعْلَةٍ) اليائِيِّ العين، لأنَّه قال: (عَيْنُهُ الْيَا)، (عَيْنُهُ) مبتدأ، و (الْيَا) قصره للضرورة: خبر، (مِنْهُمَا) حالٌ من (مَا) الموصولة، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول. إذاً: (وَقَلَّ) فِعَال، (فِيمَا) أي: في مفردٍ على وزن (فَعْلٍ) أو (فَعْلَةٍ) يائيُّ العين، فما كانت عينه ياءً: (فَعْلْ) مثل: ضيف، (ضِيَاف) هذا قليل، (ضَيْفٌ) على وزن (فَعْل)، قَلَّ فيه (فِعَال) لكونه يائيِّ العين، وكذلك: (فَعْلَة) ضَيْعَة .. ضياع، (ضَيْعَة) على وزن (فَعْلَة)، وهو يائيِّ العين، نقول: قَلَّ فيه (فِعَال). إذاً: (فَعْلٌ وَفْعَلَةٌ) كثيرٌ مُطلقاً، إلا فيما كان يائيَّ العين فيكون قليلاً، مثل: ضَيْف وَضِيَاف، وَضَيْعَة وَضِيَاع. قيل أيضاً: (وَقَلَّ فِيمَا) فاؤه (الْيَا مِنْهُمَا)، ومن القليل قولهم في جمع (يَعْرٍ وَيَعْرَة): يِعَارِ، (فِعَال) هذا قليل. إذاً: يُزاد على ما ذكره النَّاظم: (وقَلَّ فِيمَا عَيْنُهُ الْيَا)، كذلك: فِيمَا فاؤه الْيَا: يَعْرٌ .. يَعْرَةٌ فْعَلَةٌ، (يِعَار) على وزن (فِعَال) هذا قليل، إذاً: نستدرك على كلام النَّاظم قوله: (فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ) هذا مقيسٌ قياساً مُطَّرداً على وزن (فِعَال لَهُمَا): للاثنين .. الوزنين: (فَعْل وَفَعْلَة)، ولكن إذا كانت عينه ياءً فهو قليل ونصَّ على ذلك، وَيُزَاد فيما إذا كانت فاؤه ياءً كذلك قليل. وَقَلَّ فِيمَا عَيْنُهُ الْيَا مِنْهُمَا .. إذاً: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا ... وَقَلَّ فِيمَا عَيْنُهُ الْيَا مِنْهُمَا مفهومه: أنَّه إذا لم تكن عينه الياء فهو كثير، لأنَّه قد ينص على الاطِّراد وقد لا ينص، إذا نَصَّ على الاطِّراد لا إشكال، أو كَثُر أو شاع لا إشكال، وقد لا ينصُّ على الاطِّراد وإنَّما يذكر نوعاً من أنواع مفردات (فَعْل وَفَعْلَة) مثلاً هنا ويحكم عليه بالقِلَّة، تفهم منه أنَّ ما قبله يكون كثيراً، لمَّا قال: فَعْلٌ وَفَعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا .. هذا يحتمل أنَّه كثير مُطَّرد ويحتمل القِلَّة، لَمَّا قال: (وَقَلَّ فِيمَا عَيْنُهُ الْيَا) استثنى ما كان يائيَّ العين، تفهم منه: أنَّه ما كان صحيح العين مطلقاً فهو كثير ليس بقليل، وما كان واوي العين فهو كثير، وإنَّما استدرك هنا ونصَّ على يائيَّ العين فهو قليل، ما عداه مُطَّردٌ بكثرةٍ، وَيُزاد عليه: ما كانت فاؤه ياءً كذلك فهو قليل.

وَفَعَلٌ أَيْضَاً لَهُ فِعَالُ ... مَا لَمْ يَكُنْ فِي لاَمِهِ اعْتِلاَلُ أَوْ يَكُ مُضْعَفاً وَمِثْلُ فَعَلِ ... ذُو التَّا وَفُعْلٌ مَعَ فِعْلٍ فَاقْبَلِ وَفَعَلٌ أَيْضَاً لَهُ فِعَالُ .. لا زال الحديث في (فِعَال) سيذكر لـ (فِعَال) ثلاثة عشر وزناً: أولاً: (فَعْلٌ وَفَعْلَة)، (وَفَعَلٌ) بفتح الفاء والعين، (أَيْضَاً): آض .. يئيض .. أيضًا، نرجع رجوعاً فنثبت له (فِعَال)، لأنَّ (آض) بمعنى: رجع .. رجع لأي شيء؟ رجع فأثبت (فِعَال) لبعض مفردات المفرد، وهو ما كان على وزن (فَعَلْ)، و (وَفَعَل) هنا مبتدأٌ أول، (أَيْضَاً) مفعولٌ مطلق، فِعَال له .. (لَهُ فِعَالُ) (لَهُ) خبر مُقدَّم، و (فِعَالٌ) مبتدأٌ ثاني، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول، كأنَّه قال: وَفَعَلٌ فِعَالٌ له. إذاً: (فِعَال) يكون لـ (فَعْل) اسماً ووصفاً، ويكون لـ (فَعْلَةٍ) اسماً ووصفاً، زادنا هنا: أنَّه يكون أيضاً لـ: (فَعَلٍ) بفتح الفاء والعين. أطلقه النَّاظم هنا قال: (فَعَل) ولم يقل: اسماً، حينئذٍ يُحمل على النوعين: الاسم والوصف، وهنا هذا خلل، والصواب: أنَّه يُقيَّد بكونه اسماً (وَفَعَلٌ) اسماً لا وصفاً، لأنَّ الوصف لا يُجمع على (فِعَال)، يعني: أنَّ (فِعَالاً) أيضاً يَطَّرد في (فَعَلٍ) بفتح الفاء والعين نحو: جَمَل، نقول فيه: جِمَال، على وزن (فِعَال)، لكن شرط النَّاظم هنا ثلاثة شروط: الأول: مَا لَمْ يَكُنْ فِي لاَمِهِ اعْتِلاَلُ. يعني: ما لم تكن لامه مُعتلَّة، يعني: لامه صحيحة بشرط: أن يكون (فَعَل) لامه صحيحاً، إذا كان مُعتلَّاً فلا، إذاً: مَا لَمْ يَكُنْ فِي لاَمِهِ اعْتِلاَلُ .. أن يكون صحيح اللام، فلا يَطَّرد في نحو: فتى على وزن (فَعَل)، هل يُجمع على (فِعَال)؟ لا يَطَّرد فيه .. ليس بقياس، حينئذٍ لا بُدَّ أن يكون لامه حرفاً صحيحاً، إن كان معتلَّاً فلا. الثاني: ألا يكون مُضَعَّفاً: (أَوْ يَكُ مُضْعَفاً) نحو: طَلَل، ما هو المُضَعَّف؟ ما كانت عينه ولامه من جنسٍ واحد، هذا في الثلاثي، والرباعي: أن تكون فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثاني من جنس: زَلْزَل .. وَسْوَس، وأمَّا هنا (طَلَل) على وزن (فَعَل) لا يُجمع على (فِعَال)، احترز به عنه بقوله: (أَوْ يَكُ مُضْعَفاً). الثالث: أن يكون اسماً لا صفة، وهذا قيَّدناه بقوله: (وفَعَل) لأنَّه أطلقه النَّاظم فوجب تقييده، إذاً: (فَعَل) يُجمع على (فِعَال) لكن بثلاثة شروط: أن يكون اسماً لا صفةً، نحو: بطل وحسن، لا يُجمع على (فِعَال) بطل: صفة، لا نقول: بِطَال .. فِعَال، يُجمع على: أبطال كما سبق، كذلك: حسن، لا يُقال: حِسَان، في الأصل ليس قياساً .. لا يُجمع على (فِعَال). ثانياً: (مَا لَمْ يَكُنْ) (مَا) هذه مصدريَّة ظرفيَّة، مدَّة عدم كونه مُعتلَّ اللام، أو في: (لاَمِهِ اعْتِلاَلُ)، (اعْتِلاَلُ) هذا اسم (يَكُنْ)، وقوله: (فِي لاَمِهِ) هذا خبر (يَكُنْ) مُقدَّم. مَا لَمْ يَكُنْ اعْتِلاَلٌ فِي لاَمِهِ

مفهومه: أنَّه يُشترط أن يكون صحيح اللام، (أَوْ) بمعنى: الواو، لأنَّه لا وجه للتَّخيير هنا، لأنَّ هذه شروط، (أَوْ يَكُ –فَعَل- مُضْعَفاً) هذا خبر (يَكُ)، و (يَكُ) هنا مجزوم، لأنَّه معطوف على قوله: (يَكُنْ) الأول، والأول لم يِحذف نونه، والثاني حذف منه النون، لأنَّه جائز لا واجب، حُذِفت النون هنا تخفيفاً. (أَوْ يَكُ –فَعَلٌ- مُضْعَفاً) نحو: طَلَل، حينئذٍ لا يُجمع هذا الجمع، اطَّرد أيضاً (فِعَال) في (فَعَل وَفَعَلَه) ما لم يكن لامهما مُعتلَّاً أو مضاعفاً، نحو: جبل وجبال، وجمل وجمال، ورقبة ورقاب، هذا زاد ما بعده، (وَمِثْلُ فَعَلِ ذُو التَّا)، يعني: (فَعَلٌ) مذكَّر، و (فَعَلَةٌ) مؤنَّث، الحكم مثله في الشروط السابقة، حينئذٍ يُجمع على (فِعَال)، يعني: أنَّ (فَعَلَ) يَطَّرد أيضاً في جمعه (فِعَال) نحو: رقبة ورقاب، وثمرة وَثِمار. إذاً قوله: (وَمِثْلُ فَعَلِ ذُو التَّا) ذو التاءِ .. قصره للضرورة، (وَمِثْلُ) هذا خبر مُقدَّم، و (ذُو التَّا) يعني: صاحب التاء، هذا مبتدأ مؤخَّر. إذاً: (فَعَل) بالتاء وهو مؤنَّث (فَعَلٌ) يَطَّرد أيضاً في جمعه (فِعَال) نحو: رقبة ورقاب، (وَمِثْلُ فَعَلِ ذُو التَّا) كـ: رقبة، يُجمع على (فِعَال) رقاب، وَثَمَرة، يُجمع على (فِعَال) أي: ثِمَار، وَيُشترط فيها - يعني: (فَعَل) - ما يُشترط في (فَعَلٍ) من عدم التضعيف وإعلال اللام وكونه اسماً لا صفةً. (وَمِثْلُ فَعَلِ ذُو التَّا) إذاً: اطَّرد أيضاً (فِعَالٌ) في (فَعَلٍ وَفَعْل) جمع بينهما الشَّارح، ما لم يكن لامهما معتلَّاً أو مضاعفاً والأمثلة كما ذكرناه. (وَفُعْلٌ مَعَ فِعْلٍ فَاقْبَلِ)، (فُعْل) بِضَمٍّ فسكون، (وَفِعْل) بكسرٍ فسكون، حكمهما حكم (فَعَل) سواءٌ كان بالتاء وبدون التاء، يعني: يُجمع على (فِعَال) فيقال في (فُعْلٍ) نحو: رُمْحٍ يُجمع على: رِمَاح، و (فِعْل) بكسرٍ وإسكان مثل: ذِئْب، يُجمع على: ذِئَاب. (فَاقْبَلِ) الفاء زائدة هنا، و (اقْبَلِ) هذا فعل أمر مبنيٌ على السكون، وحُرِّك للرَّوي، وَيُشْتَرط لاطِّراد (فِعَالٍ) فيهما: أن يكونا اسمين كما مُثِّل، احترازاً من نحو: جِلْف، (جِلْف) على وزن (فِعْل) جِلْف: صفة، وَحُلْوٍ (فُعْلٍ) هذا صفة كذلك، وَيُشترط في (فُعْلٍ) ألا يكون واوي العين، نحو: حوتٍ، ولا يائيَّ اللام كـ: مُدَى. إذاً قوله: (وَفُعْلٌ مَعَ فِعْلٍ) هنا الشُّراح بعضهم يُقدِّم ويُؤخِّر، لأنَّها ليست مضبوطة هي (فُعْلٍ مَعَ فِعْلٌ) المراد: ضمِّ الأول وإسكان الثاني، وكسر الأول وإسكان الثاني، سواءٌ ضَبَطْتَ الأول بكسر الفاء وإسكان العين، وضَبَطْتَ الثاني بضمِّ الفاء وإسكان العين أو عكست .. الأمر واسع، هنا ضبطها بـ (فُعْلٍ) أولاً ثُمَّ (فِعْلٍ)، لو عكست (فِعْلٍ وفُعْل) لا إشكال فيه، والمَكُودِي على هذا، وأظن الأشْمُوني كذلك أنَّه قَدَّم (فِعْل) على (فُعْلٍ) ولا إشكال.

إذاً: يُشترط لاطِّراد (فِعَالٍ) في (فُعْلٍ مع فِعْلٍ) أن يكونا اسمين كما ذكرنا من المثالين: ذِئْب وَرُمْح، واحترازاً من نحو: جِلْفٍ وَحُلْوٍ، وَيُشترط في (فُعْلٍ) سواءٌ كان أول أو ثاني، يُشترط فيه: ألا يكون واويَّ العين، نحو: حوت، لا يُجمع على (فِعَال)، وكذلك لا يكون يائيِّ اللام نحو: مُدى، أصله: مُدَيا، هذا لا يُجمع على (فِعَالٍ)، (فَاقْبَلِ) يعني: ما ذُكِر. إذاً: وَفَعَلٌ أَيْضَاً لَهُ فِعَالُ ... مَا لَمْ يَكُنْ فِي لاَمِهِ اعْتِلاَلُ يعني: أن (فَعَلاً) لا يُجمع على (فِعَال) إذا كان معتلَّ اللام، نحو: فتى، أو مضعَّفاً نحو: طَلَل، وإنَّما يَطَّرد (فِعَال) في (فَعَلْ) كـ: جبل وجبال، وجمل وجمال، وإنَّما يَطَّرد فيه بالثلاثة الشروط التي ذكرناها سابقاً. (وَمِثْلُ فَعَلِ ذُو التَّا) يعني: ما كان مختوماً بالتاء، (وَفُعْل مَعَ فِعْل)، كم وزن لـ (فِعَال) إذًا الآن؟ (فَعْلٌ) و (فَعْلَةٌ) و (فَعَلٌ) و (فَعَلَةٌ) و (فُعْلٌ) و (فِعْل) كلها تُجمع على: (فِعَال)، واحترز من المُعتلِّ اللام كـ: فتى، من المُضَعَّف كـ: طلل. وَفِيْ فَعِيلٍ وَصْفَ فَاعِلٍ وَرَدْ .. ورد (فِعَال) في (فَعِيلٍ وَصْفَ فَاعِل) .. ورد أيضاً: (فِعَال) باطِّرادٍ، لأنَّه قال: كَذَاكَ فِي أُنْثَاهُ أَيْضاً اطَّرَدْ .. ورد (فِعَال) (فِيْ فَعِيلٍ) هذا مُتعلِّق بقوله (وَرَدْ)، (وَصْفَ فَاعِلٍ) هذا حال من (فَعِيل) بالنصب، (وَفِيْ فَعِيلٍ وَرَدْ) أيضاً (فِعَال) (فِيْ فَعِيلٍ) أي: باطِّرادٍ، أخذاً من قوله: كَذَاكَ فِي أُنْثَاهُ أَيْضاً اطَّرَدْ .. كَذَاكَ .. مثله، فالثاني مُطَّرِد وهو مُشبَّهٌ بالأول، دَلَّ على أنَّ الأول كذلك مُطَّرد. قلنا: لم يَنصَّ النَّاظم في بعض المواضع على الاطِّراد، لا بُدَّ من الحكم بكونه مُطِّرداً أو لا. وَفِيْ فَعِيلٍ وَصْفَ فَاعِلٍ وَرَدْ .. ورد بندور .. ورد بقلَّة .. ورد بكثرة .. بشيوع .. باطِّراد، ما المراد؟ الاطِّراد، ما الذي دلَّنا على هذا؟ قوله: (كَذَاكَ فِي أُنْثَاهُ) أنثى (فَعِيل) (اطَّرَدْ) أيضاً (فِعَال)، فدَلَّ على أنَّه في وصفه المذكَّر (وَصْفَ فَاعِلٍ) أنَّه مُطِّرِد مثله. قوله: (وَصْفَ فَاعِلٍ) احترز به عن (فَعِيل) وصف مفعولٍ، (كَذَاكَ أُنْثَاهُ) نحو: جريح وجريحة، ولا يُقال فيهما: جِرَاح (فِعَال). (وَفِيْ فَعِيلٍ وَصْفَ فَاعِلٍ) قلنا: (وَصْفَ) احترز به عن (فَعِيلٍ) اسماً نحو: قضيب، فلا يُجمع على (فِعَال). (كَذَاكَ فِي أُنْثَاهُ) أي: أُنثى (فَعِيل) يعني: (فَعِيلَة)، إذاً: (فَعِيل وفَعِيلَة) وصفاً لـ: (فَاعِلٍ) يُجمع على (فِعَال)، فنقول في الأول (فَعِيل): جريح، لا يُجمع على: جِرَاح، لكونه بِمعنى مفعول، والذي معنا هنا (وَصْفَ فَاعِلٍ) كذاك: جريحة، لا يُجمع على: جِرَاح، لأنَّه بمعنى اسم المفعول. كَذَاكَ فِي أُنْثَاهُ أَيْضاً اطَّرَدْ .. (كَذَاكَ) أي: مثلما سبق، هذا مُتعلِّق بقوله: (اطَّرَدْ)، (اطَّرَدْ كَذَاكَ فِي أُنْثَاهُ) يعني: أُنثى (فَعِيل) أيضًا، الذي هو (فِعَال).

اطَّرد أيضاً (فِعَالٌ) في كل صفةٍ على (فَعِيل) بمعنى: (فَاعل) مُقترِنَة بالتاء أو مُجرَّدة عنها، كـ: كريم وَكِرَام، كريم .. (فَعِيلٍ وَصْفَ فَاعِلٍ) كرام، وكريمة يُجمع على: كِرَام، (فِعَال)، كذلك: مريض (فَعِيل) يُجمع على: مِرَاض، ومريضة وَمِرَاض. إذاً: ما كان على وزن (فَعِيل) أَو (فَعِيلَة) مُذكَّراً أو مؤنَّثاً .. مختوماً بالتاء أو لا، والمراد به: وصف الفاعل يُجمع على (فِعَال) بشرط صحة لامهما، يُزاد هذا الشرط نحو: ظريف وَظِرَاف، والاحتراز لصحة اللام عن نحو: قوي وقوية، ولا يُقال فيها: قواي (فِعَال) قوي .. قوية، لا يجمع على (فِعَال). إذاًَ: (وَفِيْ فَعِيلٍ وَصْفَ فَاعِلٍ)، (فَعِيلٍ) هذا قد يُراد به اسم المفعول، وقد يُراد به اسم الفاعل .. كما سبق معنا، (فَعِيلٍ) يُطلق في الاستعمالين، الذي يُجمع على (فِعَال) ما كان على (وَصْفَ فَاعِلٍ)، أمَّا ما كان على وصف مفعول فلا .. خرج. كذلك أُنْثَاه: ما كان مختوماً بالتاء منه (فَعِيلة) وكان (وَصْفَ فَاعِلٍ) كذلك يُجمع على (فِعَال)، (وَصْفَ) احترز به عن الاسم سواءٌ كان مختوماً بالتاء أو لا، فلا يُجمع على وزن (فِعَال). وَشَاعَ فِيْ وَصْفٍ عَلَى فَعْلاَنَا ... أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ عَلَى فُعْلاَنَا وَمِثْلُهُ فُعْلاَنَةٌ وَالْزَمْهُ فِي ... نَحْوِ طَوِيلٍ وَطَوِيلَةٍ تَفِي (وَشَاعَ) أي: (فِعَال) .. (شَاعَ): كثر .. لا زال، إذاً: زدنا على ما سبق وزنين: (فَعِيل وَفَعِيلَة) صارت ثمانية، (وَشَاعَ فِيْ) (فِعَال) كله على (فَعِال)، (وَشَاعَ) أي: كَثُر (فِعَال). وأفهم قوله (شَاع): أنَّه لا يَطِّرِد فيما ذكره، يعني: غير مقيس يلزم منه كُلما وُجِدَ وجِد، وإنَّما هو كثير فقط، إذا قيل: كثير، صار غير مُطَّرِد. وأفهم قوله: (شَاعَ) أنَّه لا يَطَّرِد فيهما، وهو ما صَرَّح به في (شرح الكافيَّة)، وكلامه في (التسهيل) يقتضي الاطِّراد، إذاً: يَطَّرد لا يَطَّرد فيه خلاف .. هو ابن مالك اختلف، (وَشَاعَ) (فَعِاَل) (فِيْ وَصْفٍ) لا اسم. (فِيْ وَصْفٍ عَلَى فَعْلاَنَا)، (فِيْ وَصْفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (شَاعَ)، و (عَلَى فَعْلاَنَا) نعتٌ له جار .. ومَجرور مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ (وَصْفٍ)، يعني: على وزن (فَعْلاَنَا) والألف للإطلاق، (عَلَى) وزن (فَعْلاَنَا) بفتح الفاء، فما كان على وزن (فَعْلاَن) وكان وصفاً شاع جمعه على (فِعَال). (أَوْ أُنْثَيَيْهِ) ماذا (أُنْثَيَيْهِ) .. كم أنثى له؟ سبق أنَّ (فعْلاَن) في لسان العرب على ثلاثة أنواع: (فَعْلاَن) فعلى، سكران .. سَكْرَى، و (فَعْلاَنَ .. فَعْلاَنَةٌ) ندمان .. ندمانةٌ، و (فَعْلاَن) لا مُؤنَّث له، هنا قال: (فَعْلاَنَ أَوْ أُنْثَيَيْهِ) .. (فَعْلاَنَةٌ) أو (فَعْلَة)، (أُنْثَيَيْهِ) يعني: أنثى (فَعْلاَن) بفتح الفاء، (أَوْ عَلَى فُعْلاَنَا) الألف للإطلاق بِضَمِّ الفاء، (وَمِثْلُهُ فُعْلاَنَةٌ)، أو على (فُعْلاَنَا) أو (وَصْفٍ عَلَى فَعْلاَنَا) بضمِّ الفاء.

(وَمِثْلُهُ) الضمير يعود على أي شيء؟ على الأخير، (مِثْلُهُ فُعْلاَنَ) أي: أُنْثَاه، مراده: (عَلَى فُعْلاَنَا) مُذكَّراً ومُؤنَّثاً، لأنَّ المُذكَّر يكون على وزن (فُعْلاَن)، والمؤنَّث تصل به التاء فتقول: (فُعْلاَنَة). إذاً: شاع (فِعَال) (فِيْ وَصْفٍ فَعْلاَنْ أَوْ أُنْثَيَيْهِ) (فَعْلاَنَةٌ وَفَعْلَة) أُنثى (فَعْلاَنْ)، فتقول: عطشان وَعِطَاش، وغضبان وَغِضَاب، وَعَطْشى مؤنَّث (فَعْلان) .. عطشان .. عَطْشَى .. عِطَاش مثله، وغضبى .. غِضَاب، وندمانة وَنِدَام على وزن (فِعَال)، كذلك على وزن (فُعْلاَن) نحو: خُمصان وخُمصانة، كُلٌّ منهما يُجمع على: خِمَاص، فَيُقال فيهما (فِعَال). (وَالْزَمْهُ) أي: (فِعَالاً). . . . . . . . . . . . . . . . . فِي ... نَحْوِ طَوِيلٍ وَطَوِيلَةٍ تَفِي (تَفِي) هذا فعل مضارع مجزوم لوقوعه في جواب الأمر، والياء هنا للإشباع. قوله: (نَحْوِ) دائماً ابن مالك إذا قال: (نَحْوِ) أراد به عدم الخصوص بما ذُكِر، إذاً: له باب وله أصلٌ يُقاس عليه، فالمراد بـ (نَحْوِ طَوِيلٍ وَطَوِيلَةٍ): ما كانت عينه واواً ولامه صحيحة، (طَوِيل .. فَعِيل) ما كانت لامه صحيحة وعينه واو، إذاً: الواو هنا هي عين الكلمة، ما كانت عينه واواً ولامه صحيحة (مِنْ فَعيِلٍ) بمعنى: (فَاعِل) (وَفَعِيلةٍ) أُنثاه، فتقول فيهما: طِوَالٌ، كُلٌّ منهما: المُذكَّر والمُؤنَّث: طِوَال. ومعنى اللزوم الذي أشار إليه بقوله: (وَالْزَمْهُ) أنَّه لا يجاوِز (فِي نَحْوِ طَوِيلٍ وَطَوِيلَةٍ) إلا إلى التصحيح، إذا أردت مجاوزة جمع التكسير فتذهب إلى التصحيح، تقول: طويلِين وطويلات، أمَّا إذا أردت التكسير فلا تأتِ به إلا على وزن (فِعَال) فتقول: طويل .. طِوَال، كذلك: طويلة، تأتي به على وزن (فِعَال)، إذا أردت الخروج عن جمع التكسير فليس لك إلا جمع بواو ونون، أو جمع بألفٍ وتاء، فتقول: طويلات .. طويلون .. طويلين، تجمعه بواوٍ ونون. وَفُهِم من تخصيصه بذلك: أنَّ ما عداهما مما يجمع على فعال قد يجمع على غيره، لأنَّه قال: (وَالْزَمْهُ فِي نَحْوِ طَوِيلٍ وَطَوِيلَة) لم يقل ذلك في: (فَعْلاَنَ) أو (أُنْثَيَيْهِ) أو (فُعْلاَنَ) أو (فُعْلاَنَا)، لم يقل: (الْزَمْهُ) فَدَلَّ على أنَّه يُجمع على (فِعَال) ولا مانع أن يُجمع على غير (فِعَال) ولو كان على قلَّةٍ، وأمَّا (طَوِيل وَطَوِيلَة) لا .. (الْزَمْهُ) لا يمكن أن يُجمع جمع تكسير إلا على وزن (فِعَال) فإذا أُرِيد الخروج عن (فِعَال) فتخرج إلى جمع التصحيح بواو ونون أو ألفٍ وتاء. إذاً: (وَشَاعَ) أي: (فِعَال)، (فِيْ وَصْفٍ) لا اسمٍ (عَلَى فَعْلاَنَا) الألف للإطلاق، بفتح الفاء. (أَوْ أُنْثَيَيْهِ) أُنْثَيي (فَعْلانْ) وهما: (فَعْلاَنَة) بالتاء و (فَعْلى)، أو وصفٍ على (فُعْلاَنَا) بضمِّ الفاء والألف للإطلاق، (وَمِثْلُهُ) أي: مثله أُنْثَاه (فُعْلاَنَةٌ)، (مِثْلُهُ) يعني: مثل (فُعْلان) أُنثاه وهو (فُعْلانة)، (مِثْلُهُ) هذا خبر مُقدَّم، و (فُعْلاَنَةٌ) مبتدأ مؤخَّر. ثُمَّ قال: (وَالْزَمْهُ) أي: (فِعَال). . . . . . . . . . . . . . . . . فِي ... نَحْوِ طَوِيلٍ وَطَوِيلَةٍ تَفِي

(طَوِيل) هذا مُعتلَّ العين ولامه صحيحة. قال الشَّارح هنا: أي وَاطَّرد أيضاً مجيء (فِعَال) جمعاً لـ: (وَصْفٍ عَلَى فَعْلاَنْ)، أو على (فَعْلاَنَة)، أو على (فَعْلى) نحو: عَطْشان وَعِطَاش، وَعَطْشى وَعِطَاش، وندمانة وَنِدَام، وكذلك اطَّرد (فِعَال) في وَصْفٍ على (فُعْلاَن) أو على (فُعْلاَنة) خُمْصَان وَخِمَاص، وَخُمْصَانة وَخِمَاص، والتُزِم (فِعَال) في كل وصفٍ على (فَعِيلٍ أو فَعِلَية) مُعتلِّ العين صحيح اللام .. لا بد، نحو: طويل وَطِوَال، وطويلة وَطِوَال. إذاً: كُلَّ الأوزان الموجودة في هذين البيتين لا بُدَّ أن تكون أوصافاً، فإن كانت اسماً حينئذٍ لا تُجمع على (فِعَال) ولذلك: عُثْمان، لا يُجمع على (فِعَال). الخلاصة مِمَّا تَقدَّم: أنَّ (فِعَالاً) مُطَّردٌ في ثمانية أوزان وشائعٌ في خمسة، مُطَّردٌ في ثمانية أوزان (فَعْلٌ) كـ: صَعْبٍ، و (فَعْلَة) كـ: قَصْعَة، و (فَعَلْ) كـ: جَبَلْ، و (فَعَلَة) كـ: رَقَبَة، و (فِعْل) كـ: ذِئْب، و (فُعْل) كـ: رُمْح، و (فَعِيل وَفَعِيلَة) كـ: طويل وطويلة. وشائعٌ – كثير يعني .. غير مُطَّرِد- في خمسة أوزان: (فَعْلاَن) كـ: غضبان، و (فَعْلَة) كـ: غضبة، و (فَعْلانة) كـ: ندمانة، و (فُعْلان) كـ: خُمْصَان، و (فُعْلانة) كـ: خُمْصَانة. هذه كلها جملة ما يُجمع على (فِعَال) ثلاثة عشر وَزناً. وَبِفُعُولٍ فَعِلٌ نَحْوُ كَبِدْ ... يُخَصُّ غَالِباً كَذَاكَ يَطِّرِدْ فِي فَعْلٍ اسْماً مُطْلَقَ الْفَا وَفَعَلْ ... لَهُ وَلِلْفُعَالِ فِعْلاَنٌ حَصَلْ يُخَصُّ غَالِباً (فَعِلٌ) بـ: (فُعُولٍ)، (فَعِلٌ) بفتح الفاء وكسر العين يعني: هذا الوزن اسمٌ ثلاثي يُخَصُّ، (فَعِلٌ) مبتدأ، جملة: (يُخَصُّ) هذا خبر .. يُخصُّ هو (فَعِلٌ)، (غَالِباً) يعني: في الغالب، يحتمل أنَّه منصوب بنزع الخافض في الغالب، ويحتمل أنَّه حال من الضمير في (يُخَصُّ). (وَبِفُعُولٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (يُخَصُّ)، إذاً تركيب الكلام: فَعِلٌ يُخَصُّ غَالِباً بِفُعُولٍ نَحْوُ: كَبِدْ، فتقول: كُبُود، على وزن (فُعُول)، وقوله: (بِفُعُول) الباء داخلة على المقصور، (نَحْوُ كَبِدْ) أي: يَطَّرد أيضاً (فُعُول) في اسمٍ ثلاثي على وزن (فَعِل)، فقوله: (كَبِدْ) هذا اسمٌ لا وصف، فدلَّ على أنَّ مراده بـ: (فَعِل) أنَّه وصفٌ، حينئذٍ تقول: (فَعِل نَحْوُ كَبِدْ) كُبُود، وَنَمِر .. نُمُور، على وزن (فُعُول). إذاً: (بِفُعُولٍ فَعِلٌ) اسمٌ ثلاثي، من أين أخذنا الثلاثي؟ من الوزن (فَعِل) .. فاء .. عين .. لام، إذًا: ثلاثي، كونه اسماً مأخوذ من قوله: (كَبِدْ) لأنَّ (كَبِدْ) اسمٌ، إذاً: يَطَّرد (فُعُول) في اسمٍ ثلاثي على وزن (فَعِل) قوله: (يُخَصُّ غَالِباً) كيف يُخَص غالباً؟ غير الغالب معناه أنَّه خرج، و (يُخَص) معناه: لا يَتَعدَّاه، (يُخَصُّ) يعني: لا يَتعدَّاه، (غَالِباً) يعني: يتعداه، هل بينهما منافاة؟ قيل: نعم، بينهما منافاة، كيف يقول: (يُخَصُّ غَالِباً)؟ إمَّا أن يحذف (غَالِباً)، وإمَّا أن يحذف (يُخَص)، لأنَّه إذا قيل: (يُخَص) معناه: اختصَّ به فلا يَتَعَدَّاه إلى غيره، وإذا قال (غَالِباً). في الغالب حينئذٍ قد يَتعدَّاه إلى غيره.

أجاب الصَّبان عن هذا الاعتراض: بأنه لا منافاة بين الخصوصية والغَلَبة، لأنَّ معنى تخصيص (فَعِل) (بِفُعُول) جعله بحيث لا يتجاوزه إلى غيره من أوزان جموع الكثرة، وعدم المجاوزة يستقيم تقييده بالغلبة، إذ يَصحُّ أن يُقال: زَيْدٌ لا يُفَارق عَمْراً فِي الغَالبْ، وهذا كما تسمع فيه تَكَلُّف، والصواب: أنَّه لا يُجمع بينهما، إذا قيل بالاختصاص معناه: لا يَتعدَّاه إلى غيره، كما قال: (الْزَمْهُ فِي نَحْوِ طَوِيلٍ وَطَوِيلَة) فلا يَتعدَّى إلى غيره، وأمَّا أنَّه لا منافاة بين الاختصاص والغلبة، الظَّاهر: أنَّ بينهما منافاة. وَبِفُعُولٍ فَعِلٌ نَحْوُ كَبِدْ ... يُخَصُّ غَالِباً. . . . . . . . . . . . . . ثُمَّ قال: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . كَذَاكَ يَطِّرِدْ فِي فَعْلٍ اسْماً مُطْلَقَ الْفَا. . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (كَذَاكَ يَطِّرِدْ) الذي هو (فُعُول) أيضاً: (فِي فَعْلٍ اسْماً) لا وصفاً، (مُطْلَقَ الْفَا) (فَعْل .. فِعْل .. فُعْل)، (مُطْلَقَ الْفَا) يعني: مُثلَّث الفاء، يعني: افتحها أو اكسرها أو ضُمَّها، قل: (فَعْل) أَو (فِعْل) أَو (فُعْل) حال كونه (اسْماً) لا وصفاً. إذاً: (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك، (يَطِّرِدُ): أن فُعُول يَطَّرد أيضاً في (فَعْلٍ) بفتح الفاء وضمِّها وكسرها: فَلْس، على وزن (فَعْل) تجمعه: فُلوس، وَجُنْد (فُعْل) على: جنود، وضِرس (فِعْل) على: ضُروس، إذاً: (فِي فَعْلٍ اسْماً يَطِّرِدْ)، (فِي فَعْلٍ) جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (يَطِّرِدْ)، و (اسْماً) هذا حالٌ من (فَعْلٍ). كذلك (مُطْلَقَ الْفَا) حالٌ من (فَعْلٍ)، و (اسْماً) احترز به عن الوصف كـ: صعب، لا يُقال فيه: صعوب، وكذلك: حُلْوٌ، لا يُجمع على (فُعُول)، وكذلك لا يُجمع شيءٌ مِمَّا ذُكِر على هذا. إذاً: (فِي فَعْلٍ اسْماً) كـ: صَعْبٍ وَحُلْوٍ ونحوها، لا يُجمع على (فُعُول)، (مُطْلَقَ الْفَا) قصره للضرورة، إذاً: (فُعُول) مُطَّردٌ فيما كان على وزن (فَعِل)، وفيما كان على وزن (فَعْلٍ) مطلق الفاء وهو اسمٌ. إذاً أربعة أوزان: (فَعِل) و (فَعَل) و (فِعْل) و (فُعْل) هذه أربعة أوزان يطَّرد فيها (فُعُول) لكن بالشرط السابق. (وَفَعَلْ لَهُ) هذا الخامس، (وَفَعَلٌ لَهُ) الضمير يعود على (الفُعُول)، إذاً: (الفُعُول) لـ: (فَعَل) ما كان على وزن (فَعَل) بفتح الفاء والعين كذلك يُجمع على (فُعُول) أي: له (فُعُولٌ) ولم يُقَيِّده باطِّرادٍ فَعُلِم أنَّه مَحفوظ، يعني: يُحفظ ولا يقاس عليه نحو: أَسَد .. (فَعَل) أُسُود، (أُسُود) هذا محفوظ يعني: ليس مُطَّرداً .. ليس قياساً، وشَجَنْ .. شُجُون، وذَكَر .. ذُكُور، هذا جُمِع على (فُعُول) وهو على وزن (فَعَل) لكنَّه محفوظ، ولذلك لم ينص على أنَّه مُطَّردٌ فيه. (وَفَعَلْ) مبتدأ، وقوله: (لَهُ) جار ومَجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر المبتدأ وهو (فَعَلْ). إذاً: هذا الخامس مَمَّا يُجمع على (فُعُول) لكنَّه محفوظ، يعني: مسموع ولا يُقاس عليه.

(وَلِلْفُعَالِ فِعْلاَنٌ حَصَلْ)، (فِعْلاَنٌ) مبتدأ، (لِلْفُعَالِ حَصَلْ)، (حَصَلْ) خبر، (فِعْلاَنٌ) مبتدأ، (لِلْفُعَالِ) مُتعلِّق بقوله (حَصَلْ): فِعْلاَنٌ حَصَلَ لِلْفُعَالِ: غُرَاب، تَجمعه على: غِرْبَان، على وزن (فِعْلاَن) إذًا: (وَلِلْفُعَالِ فِعْلاَنٌ حَصَلْ) كـ: غربان. ثُمَّ قال: وَشَاعَ فِي حُوتٍ وَقَاعٍ مَعَ مَا ... ضَاهَاهُمَا وَقَلَّ فِي غَيْرِهِمَا (وَشَاعَ) أي: (فِعْلانٌ) السابق، لأنه شَرَع في وزنٍ جديد: (وَلِلْفُعَالِ فِعْلاَنٌ حَصَلْ)، (فِعْلاَنٌ) هذا جمعٌ لِمَا كان على وزن (فُعَالِ) كـ: غُرَاب .. غِربان. (وَشَاعَ) أي: هذا الوزن وهو (فِعْلاَن) (فِي حُوتٍ وَقَاعٍ)، (شَاعَ) يعني: كَثُر، إذاً: ليس مُطَّرداً، أي: كَثُر (فِعْلانٌ) (فِي حُوتٍ) .. (فُعْلٍ) مضموم الفاء واويِّ العين، (فُعْلٍ) .. حُوت، مثال هذا، ماذا تفهم منه؟ (حُوت) على وزن (فُعْل)، يعني: الفاء مضمومة والعين ساكنة، ثُمَّ هو واوي العين: حُوت، تقول فيه: حيتان، أصلها: حيوتان، حصل له إعلال، وعود .. عيدان، (وَقَاعٍ) هذا أشار به إلى (فَعَل) مفتوح الفاء والعين مُعتلَّها نحو: قاع وقيعان، وتاج وتيجان، يُجمع على (فِعْلان). ثُمَّ نبَّه على قِلَّة (فِعْلان) المذكور في غير الوزنين المذكورين فقال: (وَقَلَّ فِي غَيْرِهِمَا)، (قَلَّ) حُفِظ ولا يُقاس عليه، (فِي غَيْرِهِمَا) في غير: (حُوتٍ وَقَاعٍ) وما شابههما من كل اسمٍ على وزن (فُعْلٍ) وهو ساكن العين واوي العين، (وَقَاعٍ) كذلك مِمَّا كان على وزن (فَعْلٍ) وهو مُعتلَّ العين. (مَعَ مَا ضَاهَاهُمَا) يعني: من كل اسمٍ على وزن (فُعْلٍ) أو (فَعْلٍ) واوي العين، (وَقَلَّ) يعني: حُفِظ ولا يُقاس عليه وزن (فِعْلاَن) (فِي غَيْرِهِمَا) يعني من ذلك: صِنْوٌ وصنوان، وَظَلِيم وَظِلْمَان، (ظليم) هذا ذَكَر النَّعام، وخروف وخرفان، وصبي وصبيان، ونسوة ونسوان، وعيد وعيدان، هذا كله محفوظٌ يُسمع ولا يُقاس عليه. قال الشَّارح هنا: ومن أمثلة جمع الكثرة (فُعُول) بِضمٍّ الفاء والعين، وهو مُطَّردٌ في اسمٍ ثلاثيٍّ على (فَعِل) نحو: كَبِد وَكُبُود، وَوَعِل وَوُعُول، وهو مُلْتَزَمٌ فيه (غَالِباً) .. (يُخَصُّ غَالِباً) والالتزام والغلبة هذه تحتاج إلى نظر. وَاطَّرد (فُعُولٌ) أيضاً في اسمٍ على (فَعْلٍ) بفتح الفاء وإسكان العين نحو: كَعْب وَكُعُوب، وَفَلْس وَفُلُوس، أو على (فِعْلٍ) بكسر الفاء: حِمْل وَحُمُول، وَضِرْس وَضُرُوس، أو على (فُعْل) بضم الفاء نحو: جُنْد وَجُنُود، وَبُرْد وَبُرُود. قال: (مُطْلَقَ الْفَا): فَعْلٍ اسْماً مُطْلَقَ الْفَا .. وَيُحفظ (فُعُول) في (فَعَلٍ) نحو: أَسَد وَأُسُود، وَيُفْهَم كونه غير مُطَّرد من قوله: (وَفَعَلْ لَهُ) ولم يُقَيِّده باطِّراد، فدل على أنَّه محفوظ، وأشار بقوله: (وَلِلْفُعَالِ فِعْلاَنٌ حَصَلْ) أي: إلى أنَّ من أمثلة جمع الكثرة (فِعْلانا) وهو مُطَّردٌ في اسمٍ على (فُعَال) غُلام وَغِلْمَان، وغراب وَغِرْبَان، وقد سبق أنَّه مُطَّردٌ في (فُعَل) كـ: صُرَد وصردان.

واطَّرد (فِعْلانٌ) أيضاً في جمع ما عينه واوٌ من (فُعْلٍ) أَو (فَعَلْ) نحو: عُوُدٍ وَعِيدان، وَحُوت وَحِيتان، ونون ونينان، وكوز وكيزان، وقاع وقيعان، وتاج وتيجان، وجار وجيران، كله على وزن (فِعْلان) وهو واوي العين وجاء على وزن (فُعْل) أو (فَعْل)، وقلَّ (فِعْلانٌ) في غير ما ذُكِر نحو: أَخٍ وإخوان، وغزالٍ وَغِزْلان. وَفَعْلاً اسْماً وَفَعِيلاً وَفَعَلْ ... غَيْرَ مُعَلِّ الْعَيْنِ فُعْلاَنٌ شَمَلْ (شَمَلْ .. شَمِلْ) فيه لغتان، لكن هنا يَتعيَّن (شَمَلْ) لقوله: (فَعَلْ) للوزن. وَفَعْلاً اسْماً وَفَعِيلاً وَفَعَلْ ... غَيْرَ مُعَلِّ الْعَيْنِ فُعْلاَنٌ شَمَلْ (فُعْلاَنٌ) هذا مبتدأ مضموم الفاء ساكن العين، يعني: ما كان على هذا الوزن (فُعْلاَن)، (شَمَلْ) أي: (فُعْلاَن) (فَعْلاً) حال كونه اسماً صحيح العين، (وَفَعِيلاً) معطوف على (فَعْلاً)، (وَفَعَلْ) كذلك معطوف على (فَعْلاً)، وهو منصوب وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. هذه الثلاثة كلها حال كون الأخير غير مُعلِّ العين، احترز به من المُعتلِّ العين، فلا يُجمع على (فُعْلاَن) هذه الأوزان الثلاثة كلها جمعها على (فُعْلاَن). (وَفَعْلاً اسْماً) (اسْماً) احترز به من الصِّفة نحو: سهل، وكذلك (فَعِيلاً) اسماً احترز به من: ظريف، و (وَفَعَلْ) كذلك اسماً احترز به من نحو: بطل، هذه الثلاثة كلها إذا كانت أسماء لا تُجمع على (فُعْلان) انظر! من أول الباب إلى هذا الموضع وما سيأتي أكثر ما يكون الأوزان في الأوصاف، لأنَّها هي التي تحتاج إلى جمع. (وَفَعْلاً اسْماً) عرفنا (فَعْلاً) مفعول مُقدَّم لقوله: (شَمَلْ)، و (اسْماً) هذا حالٌ منه وليس تقييداً له دون غيره، بل القيد عام هنا في (فَعِيل وَفَعَل) كلها أسماء، قد يُقال بأنَّه قيَّد الأول وَعُطِف عليه الثاني مع مراعاة الوصف، فلذلك (فَعْل) سهل، نقول: هذا وصف وليس باسمٍ فلا يُجمع على (فُعْلاَن)، كذلك: (فَعِيل) ظريف، (ظريف) هذا وصفٌ لا يُجمع على (فُعْلاَن)، وكذلك (فَعَل) بطل، هذا وصفٌ لا يُجمع على (فُعْلاَن). إذاً قوله: (فَعْلاً اسْماً) (اسْماً) هذا قيدٌ لـ: (فَعْل) و (فَعِيل) و (فَعَل)، (غَيْرَ مُعَلِّ الْعَيْنِ) هل هو عائدٌ على الجميع، أو على الأخير؟ (غَيْرَ مُعَلِّ الْعَيْنِ) ابن عقيل قال هنا: "مقيسٌ في اسمٍ صحيح العين" (فُعْلان) يعني: عَمَّم الحكم، وإن كان في الإعراب يجعلونه قيداً للأخير (فَعَل)، والظاهر أنَّه لو كان يعود على الجميع جعلناه مُتعلِّقاً بـ (فَعْلاً) ثُمَّ يعمُّ الحكم ما بعده، وأمَّا جعله على الأخير (فَعَل) ثُمَّ ما قبله يكون عامَّاً في صحيح العين ومُعتلَّ العين، هذا فيه نظر. من أبنية جمع الكثرة (فُعْلانٌ) وهو مقيسٌ في اسمٍ صحيح العين على نحو (فَعْلٍ) نحو: ظَهْر وظُهران، وَبَطْن وبُطنان، أو على (فَعِيل) نحو: قضيب وقُضبان، ورغيف ورُغفان، أو على (فَعَلٍ) نحو: ذَكَر وَذُكْرَان، وَحَمَل وَحُمْلان (حَمَل) على وزن (فَعَل). وَفَعْلاً اسْماً وَفَعِيلاً وَفَعَلْ ... غَيْرَ مُعَلِّ الْعَيْنِ. . . . . . .

قيل: هذا الأخير قيدٌ لـ: (فَعَل)، حينئذٍ يكون اسماً (فَعْلاً) و (فَعِيلاً) عام، (وَفَعَل) هذا مُقيَّد، وإن جعلناه عامَّاً رددناه على الأول. وَلِكَرِيمٍ وَبَخِيلٍ فُعَلاَ ... كَذَا لِمَا ضَاهَاهُمَا قَدْ جُعِلاَ وَنَابَ عَنْهُ أَفْعِلاَءُ فِي الْمُعَلّ ... لاَمَاً وَمُضْعَفٍ وَغَيْرُ ذَاكَ قَلّ (وَنَابَ عَنْهُ افْعِلاَءُ فِي الْمُعَلّ) بإسقاط الهمزة. (وَلِكَرِيمٍ) خبر مُقدَّم (فُعَلاَ) فُعَلاَءُ قصره للضرورة، (فُعَلاَ) بالمدِّ مع ضمِّ الفاء وفتح العين: فعلاء .. كرماء، (لِكَرِيمٍ) هذا خبر مُقدَّم، (وَبَخِيلٍ) معطوفٌ عليه، (كَرِيم وَبَخِيل) في الوصف كُلٌّ منهما (فَعِيل) صفةٌ لمُذكَّر عاقل بمعنى: اسم الفاعل. لِكَرِيمٍ وَبَخِيلٍ فُعَلاَ .. من أمثلة جمع الكثرة (فُعَلاَ) ممدوداً .. مضموم الفاء .. مفتوح العين، وهو يَطَّرد في (فَعِيلٍ) صِفةً لمذكَّرٍ عاقل بمعنى: (فَاعِل) غير مضاعفٍ ولا مُعتلَّ اللام، لأنَّه قال: وَنَابَ عَنْهُ أَفْعِلاَءُ فِي الْمُعَلّ ... لاَمَاً وَمُضْعَفٍ. . . . . . . . . . . . دَلَّ على أنَّه لا بُدَّ أن يكون (كَرِيم) غير مُضعَّف، وهذا مأخوذٌ من اللفظ، وكذلك (بَخِيل) وهو صِفةٌ (فَعِيل) صفةٌ لمذكَّر عاقل بِمعنى: فاعل، غير مُضعَّف ولا مُعتلَّ اللام، إذاً: صفة وهو بمعنى اسم الفاعل، فَشَمِل الذي بمعنى اسم الفاعل ما كان بمعنى فاعل نحو: كريم وبخيل وظريف، وهذا واضح .. نَصَّ عليه النَّاظم، كريم وبخيل وظريف، هذا بمعنى الفاعل. مثله: ما كان بِمعنى (مُفْعِل) مثل: سميع، (سميع) على وزن (فَعِيل) لكنَّه بمعنى: مُسْمِع، إذاً: دخل فيه، وما كان بمعنى (مُفَاعِلْ) نحو: خليط، بمعنى: مُخالط، فكلُّها تُجمع على فُعَلاء. إذاً: فعيل بمعنى فاعل شَمِل كريم وبخيل وظريف وهذا واضح، (كريم) بمعنى: كارم، و (بخيل) بمعنى: باخل، إذا قلنا: بالوزن أنَّه مُطَّرد، دخل فيه ما كان بِمعنى فاعل وهو مثل: سَميع، لكنَّه لا يُفَسَّر بـ فاعل وإنَّما مُسْمِع، و (مُسْمِع) هذا لا شك أنَّه على وزن مُفْعِل. كذلك ما كان بِمعنى مُفاعل نحو: خليط بمعنى: مخالط، فكلها تُجمع على فُعَلاء فيُقال: كرماء وبخلاء وظرفاء وَسُمعاء وَخُلطاء، خليط .. خلطاء، لماذا جمعته .. أنت لا تُفسِّره (خليط) بمعنى: فاعل وإنَّما بمعنى مُفاعل، فرقٌ بينهما؟ نقول: هو داخل، كذلك: سميع .. سُمَعاء فعلاء، أنت لا تُفسِّره بمعنى: فاعل وإنَّما تُفسِّره بمعنى: (مُفْعِل) وهو مُسْمِع، نقو: هو داخلٌ في الحكم. وخرج بالوصف الاسم نحو: قضيب على وزن (فَعِيل)، ونصيب، هذا اسمٌ، ونحن قلنا: كريم وفعيل وصفان إذاً: لا اسمان، فلو كان (فِعِيلٌ) اسْماً لَمَا جُمِع على وزن (فُعَلاء) فنحو: قضيب هذا اسمٌ، ونصيب كذلك اسمٌ، فلا يُقال: قضباء ولا نصباء.

(لمذكَّرٍ): خرج به المؤنَّث، فلا يُجمع نحو: رميم وشريفة، لا يقال: عظامٌ رُمَمَاء، ولا: نسوة أو نساءٌ شرفاء .. لا يقال شرفاء في النساء ولو كانت شريفة بمعنى (فَعِيلة) .. (فَعِيلة) بمعنى (مُفْعِلة) لأنَّه لمؤنَّث، والشرط هنا: أن يُجمع على (فُعَلاء) إذا كان لمذكَّرٍ، إذاً خرج المؤنَّث: رميم .. رميمة، عظامٌ رُمَمَاء لا يصح، كذلك: نِسوةٌ شرفاء لا يصح، ولو كان له مفرد وهو: شريفة نقول: لا يُجمع على (فُعَلاء). وأمَّا: خلفاء في جمع: خليفة، ونساءٌ سفهاء، هذا بطريق الحمل على المُذكَّر يعني: حُمِل على المذكَّر، إذاً: خُلفاء، جمع خليفة مثل: شريفة، لماذا جمعته: خُلفاء .. فُعَلاء؟ قالوا: حملاً على المُذكَّر، وإلا اللفظ مؤنَّث. ونساء سفهاء .. سفيهة مثل: شريفة، ما الفرق بينهما؟ قالوا: حملاً على المذكَّر. وخرج بـ (العاقل): غير العاقل نحو: مكانٌ فسيح، فلا يُقال: فسحاء في جمعه، (فسيح) هذا غير عاقل. وبكونه اسم الفاعل خرج نحو: قتيل وجريح (فَعِيل) .. (كَرِيم وَبَخِيل) هذا بمعنى اسم الفاعل خرج به نحو: قتيل وجريح، فلا يُقال: قُتَلاء وجرحاء. وبكونه غير مُضَاعف، خرج به نحو: شديد ولبيب، فلا يُقال: شُدداء ولا لبباء، هذا غير مسموع. وبكونه غير مُعتلِّ اللام نحو: غني وولي، فلا يُجمع هذا الجمع. إذاً قوله: (كَرِيم) .. (بَخِيل) نقول: يُجمع على (فُعَلاء)، فحينئذٍ ننظر في (كَرِيم وَبَخِيل) فإذا به على وزن (فَعِيل) وهو صفة لا اسمٌ .. لمُذكَّر لا مؤنَّث .. لعاقل لا لغير عاقل .. بمعنى: فاعل لا بمعنى: مفعول .. غير مضاعف ولا مُعتلَّ اللام، كلها مأخوذة من المثال. وَلِكَرِيمٍ وَبَخِيلٍ فُعَلاَ ... كَذَا لِمَا ضَاهَاهُمَا قَدْ جُعِلاَ (كَذَا) أي: مثل ذا في إثبات كونه على وزن (فُعَلاَ) مثل ذا، كَذَا جُعِلاَ .. (قَدْ جُعِلاَ كَذَا)، (كَذَا) و (لِمَا) مُتعلِّقان بقوله: (جُعِلاَ) الألف للإطلاق، (جُعِلاَ) هذا مُغيَّر الصيغة فيه ضمير نائب فاعل يعود على (فُعَلاَ) .. (جُعِلاَ فُعَلاَ كَذَا) مثل ذا (لِمَا ضَاهَاهُمَا) يعني: لما شابه (كَرِيم وَبَخِيل) لأنَّ المضاهاة المراد بها: المشابهة، يعني: أنَّ ما شابه: كريماً وبخيلاً يُجمع على (فُعَلاء). ويحتمل وجهين: وجه المشابهة في اللفظ والمعنى، أو في المعنى دون اللفظ، يحتمل هذا وذاك وهو داخلٌ فيه، فيحتمل وجهين: الأول: ما شابه (كريماً) و (بخيلاً) في اللفظ نحو: ظريف وشريف، لتعميم الحكم في جميع ذلك.

والثاني: أن يكون المراد هنا: ما شابه (كريماً) و (بخيلاً) في المعنى وإن لم يشابه في اللفظ، لماذا؟ لأنَّ (كريماً) و (بخيلاً) فيه دلالةٌ على أنَّ الأول أُريد به المدح، والثاني أُريد به الذَّم، ولذلك يُقال: أنَّ الشروط السابقة مأخوذة من (كريم) فلماذا ذكر (بخيل) وعطف على (كريم) .. هل فيه شرطٌ ليس في الأول؟ نعم من جهة المعنى، فـ: (كريم)، للمدح و (بخيل) للذَّم، حينئذٍ إذا كان المشابه لهما في المعنى حينئذٍ يشمل: صالح، يُجمع على (فُعَلاء) صلحاء، أشبه (كريم) في المعنى .. المدح لا في اللفظ، و (عاقل) زيد عاقل، هذا مدح، حينئذٍ: عُقَلاء .. يجمع على (عُقَلاء)، لِشَبَه ما ذُكِر بـ: (كريم) في الدَّلالة على صفة المدح لا في الوزن، وهو داخلٌ كذلك، يُجمع على (فُعَلاء). إذاً: ما كان على وزن (فَعِيل): كريم وبخيل يُجمع على (فُعَلاء)، كذلك ما شابه هذين اللفظين في اللفظ والمعنى يُجمع على (فُعَلاء) مثل: ظريف وشريف، وهذا لا إشكال فيه واضح .. داخلٌ بالنَّص، ومثله في الحكم ما دلَّ على معنى: كريم وبخيل، مثل: صالح وعاقل، فيُجمع على (فُعَلاء) لأنَّ الأول والثاني أُريد به الوصف. إذاً: وَلِكَرِيمٍ وَبَخِيلٍ فُعَلاَ كَذَا .. (كَذَا) أي: مثل ذا، (لِمَا) جار ومُجرور مُتعلِّق بقوله: (جُعِلاَ). (ضَاهَاهُمَا) .. (ضَاهَا) هذا فعل ماضي، وفيه ضمير مستتر فاعل يعود على (مَا)، و (هُمَا) مفعولٌ به، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، والعائد هو الفاعل .. الضمير المستتر في (ضَاهَا)، (قَدْ جُعِلاَ) (قَدْ) للتحقيق. إذاً خلاصة هذا البحث: من أمثلة جمع الكثرة: (فُعَلاء) بضمِّ الفاء وفتح العين مع المدِّ، ممدوداً .. مضموم الفاء .. مفتوح العين، وهو يَطَّرد في (فَعِيلٍ) صِفةً لمذكَّرٍ عاقلٍ بمعنى (فاعل) غير مضاعفٍ ولا معتلَّ اللام نحو: كريم وكرماء، وظريف وظرفاء، وبخيل وبخلاء. وَفُهِم من تمثيله بالمثالين: أن صِفة المدح والذَّم سيئان في ذلك، وَفُهِم منه أيضاً: التنبيه على أن الوصفين المذكورين بمعنى (فاعل). (وَنَابَ عَنْهُ) الضمير (عَنْهُ) يعود على (فُعَلاَ)، (نَابَ عَنْهُ أَفْعِلاَءُ): نَابَ أفعلاء عنه، (نَابَ) فعل ماضي، و (أَفْعِلاَءُ) فاعل، و (عَنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (نَابَ)، ناب عنه في أي شيء؟ قال: (فِي الْمُعَلِّ لاَمَاً وَمُضْعَفٍ) إذا كان (كريم) و (بخيل) مُعتلَّ اللام حينئذٍ لا يُجمع على (فُعَلاء)، وإنَّما يجمع على (أَفْعِلاء)، فتقول مثلاً: ولي .. أولياء، غني .. أغنياء، (ولي) يُجمع على: أولياء، (ولِيٌّ) .. (فَعِيل)، (غني) كذلك على وزن (فَعِيل). يُجمع على (أَفْعِلاء) فيقال: أولياء وأغنياء، لكونه مُعلَّ اللام، كذلك إذا كان مُضعَّف مثل: شديد، يُجمع على: أَشِدَّاء، وخليل يُجمع على: أخِلَّاء، إذاً: وَنَابَ عَنْهُ أَفْعِلاَءُ فِي الْمُعَلّ ... لاَمَاً وَمُضْعَفٍ. . . . . . . . . . . . لَمَّا كان قوله: (وَلِكَرِيمٍ وَبَخِيلٍ) يُوهم أنَّ (فُعَلاَ) يُجمع عليه (فَعِيلٌ) صحيحاً كان، أو معتلَّاً، أو مضاعفاً، أخرج المعتل والمضاعف بهذا البيت فقال:

(وَنَابَ عَنْهُ) عن (فَعِيل): (أَفْعِلاَءُ) متى؟ (فِي الْمُعَلِّ) هذا جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (نَابَ فِي الْمُعَلّ). (لاَمَاً) هذا تمييز، (فِي الْمُعَلّ) الْمُعَل: فاءً، أو عيناً، أو لاماً؟ قال: (لاَمَاً) دَلَّ على أنَّه تمييز، مثل أن تقول: عندي عشرون .. ماذا؟ كتاباً، فـ: (لاَمَاً) هذا تمييز، (وَمُضْعَفٍ) هذا معطوف على (الْمُعَلِّ لاَمَاً). (وَغَيْرُ ذَاكَ قَلّ) .. (غَيْرُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذَاكَ) مضافٌ إليه، (قَلَّ) خبر، أشار به إلى أنَّ ورود (أَفْعِلاء) في غير المضعَّف والمعتل قليل نحو: صديق وأصدقاء .. (أصدقاء) (أَفْعِلاء)، (صديق) صحيح العين، لماذا جاء على: أصدقاء؟ قليل، إذاً: قد يأتي (أَفْعِلاَءُ) فِي غير (الْمُعَلّ لاَمَاً وَالمُضعَّف) كـ: صديق، يُقال: أصدقاء، فلا يقاس عليه بخلاف الأول. ويحتمل أنَّ قوله: (غَيْرُ ذَاكَ) المُشار إليه: أن يكون ذلك شاملاً لِمَا ذكره، ولإتيان (فَعِيل) المُعتل والمضعَّف على (فُعَلاء) يعني: أنَّ (فُعَلاء) يكون في الصحيح وفي المعتل، ولذلك قيل: سَرِيٌّ .. سُرَوَى، وفي تقيٍّ .. تُقَوى، على وزن (فُعَلا) مع كونه مُعلَّ العين، فيحتمل قوله: (وَغَيْرُ ذَاكَ) .. (ذَاكَ) المشار إليه أنَّه ما يَتعلَّق بهذا البيت الأخير، أنَّ (أَفْعِلاء) يأتي في غير المُعلِّ لاماً والمضعَّف مثل: صديق وأصدقاء، وهو كذلك. ويَحتمل أمر آخر: أنَّ (فُعَلاء) يأتي في المُعلِّ والمضعَّف وهو كذلك، سُمِع فيه (تُقَوى) في (تقي)، فذاك في كلام النَّاظم إشارة للحكم السابق عام، كُلٌّ منهما يأتي في مَحلِّ الآخر. من أمثلة جمع الكثرة: (فُعَلاء)، وهو مقيسٌ في (فَعِيل) بِمعنى (فاعل) صفة لمُذكَّر عاقل غير مضعَّف ولا مُعْتَل، نحو: ظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، وبخيل وبخلاء. وأشار بقوله (كَذَا لِمَا ضَاهَاهُمَا): إلى أنَّ ما شابه (فَعِيلاً) في كونه دالَّاً على معنى هو كالغريزة يُجمع على (فُعَلاء)، لكن المدح والذَّم ليس مطلق الغريرة، (الغريزة) هذا يشمل كثير، يُجمع على (فُعَلاء) نحو: عاقل وعقلاء، وصالح وصلحاء، وشاعر وشعراء. وينوب عن (فُعَلاء) في المضاعف والمعتل (أَفْعِلاء) نحو: شديد – هذا مضاعف - وَأشِدَّاء، وخليل وأخلَّاء، وولِى وأولياء - هذا المعتل - وغني وأغنياء، وقد يَجيء (أَفْعِلاء) جمعاً لغير ما ذُكِر نحو: نصيب وأنصِباء، وَهَيِّن وَأَهْوِناء، وصديق وأصدقاء. فَوَاعِلٌ لِفَوْعَلٍ وَفَاعَلِ ... وَفَاعِلاَءَ مَعَ نَحْوِ كَاهِلِ وَحَائَضٍ وَصَاهِلٍ وَفَاعِلَهْ ... وَشَذَّ فِي الْفَارِسِ مَعْ مَا مَاثَلَهْ هذه سبعة أوزان: (فَوَاعِلٌ) مبتدأ، (لِفَوْعَلٍ) واحد (وَفَاعَلِ) اثنان (وَفَاعِلاَءَ) ثلاثة (كَاهِلٍ) أربعة (حَائَضٍ) خمسة (صَاهِلٍ) ستة (فَاعِلَهْ) سبعة، وزاد في: (الكافيَّة) ثامناً وهو: (فَوْعَلة) صومعة وصوامع. إذاً: (فَوَاعِل) يكون جمعاً لهذه المفردات السبعة أو الثمانية، فما كان على وزن (فَوْعَل) يُجمع على (فَوَاعِل) وكذلك (فَاعَلَ) وما عُطِف عليه.

قال الشَّارح هنا: من أمثلة جمع الكثرة (فَوَاعِل) وهو مُطَّرد في كل اسمٍ على (فَوْعَل)، نحو: جوهر، يُقال فيه: جواهر، إذاً: (فَوْعَل) جواهر. أو على (فَاعَلِ) بفتح العين، انتبه! ليست: (فَاعِل)، مثل: طَابَع .. طَوَابِع، وَخَاتَم خواتم .. (خَاتَم) .. (فَاعَل) .. (طَابَع) .. (فَاعَل) بفتح العين. أو على (فَاعِلاَءَ) نحو: قَاصِعاء .. قَوَاصِع. (مَعَ نَحْوِ كَاهِلِ) هنا أطلق (نَحْوِ)، قوله: (نَحْوِ) ابن مالك دائماً يُشير به إلى شيء زائد على ما ذُكِر، (نَحْوِ كَاهِلٍ) علماً أو غير علم، فأدخل تحته شيئاً آخر و (نَحْوِ كَاهِلِ) علماً أو غير علم نحو: جابر .. جوابر، وكاهل .. كواهل، وإلى هذا التنويع الإشارة بلفظ (نَحْوِ). أو على (فَاعِلٍ) اسماً نحو: كاهل وكواهل، و (فَوَاعِل) أيضا جمعٌ لوصف على (فَاعِلٍ) إن كان لمؤنَّث عاقل: (حَائَض) على وزن (فَاعِل) وهو صِفة لمؤنَّث عاقل، إذاً: يُجمع على: حوائض (فَوَاعِل). (وَصَاهِلٍ) صفةً لمذكَّرٍ لِمَا لا يعقل نحو: صاهل وصواهل، فـ (صَاهِلْ) أشار به إلى (فَاعِل) وهو صفةٌ لمذكَّرٍ لِمَا لا يعقل. (وَفَاعِلَهْ) هذا يُجمع على (فَوَاعِل) نحو: صاحبة وصواحب، وضاربة وضوارب، (ضاربة) سبق أنَّه يُجمع على: ضُرَّب وَضُرَّاب، يُجمع على (فُعَّلْ)، كذلك: (فَوَاعِل) ضوارب، قد يكون للشيء أكثر من جمع. إذاً: ضاربة وضوارب، وناصية ونواصٍ، وصاحبة وصواحب، وفاطمة وفواطم. قوله: (فَاعِلَهْ) أطلق النَّاظم هنا، حينئذٍ يشمل ما إذا كان صفةً أو اسماً، (صفةً) مثل: صاحبة وضاربة، (أو اسماً) نحو: فاطمة، سواءٌ كان الاسم لِمَا يعقل أو لِمَا لا يعقل فهو عام. وَشَذَّ فِي الْفَارِسِ مَعْ مَا مَاثَلَهْ .. (شَذَّ) شَذَّ ماذا؟ (فَوَاعِل) (فِي الْفَارِسِ) .. ما هو (الْفَارِسِ)؟ هذا وصفٌ لمذكَّرٍ عاقل، فإن كان الوصف الذي على (فَاعِل) لمذكَّرٍ عاقل لم يُجمع على (فَوَاعِل)، وما سُمِع منه فهو شاذٌّ مثل: فارس وفوارس، و (مَعْ مَا مَاثَلَهْ) يعني: ما شابهه، والمقصود به: ما كان علماً مشابهاً له: سابق .. سوابق، ناكس .. نواكس، هالك .. هوالك، شاهد .. شواهد، غائب .. غوائب، كلها صفات لمُذكَّرٍ عاقل على وزن (فَاعِل) كلها شاذَّة تُحفظ ولا يُقاس عليها. إذاً: (فَوَاعِلٌ) هذا مبتدأ، فهو مطَّردٌ في هذه الأوزان السبعة التي ذكرها النَّاظم، قلنا: زاد في (الكافيَّة) ثامناً وهو: (فَوْعَلة) صومعة .. صوامع، يُجمع على (فَواعِل). (فَوَاعِلٌ) هنا نوَّنَه النَّاظم، ممنوع من الصَّرف أو لا؟ (فَوَاعِل) جمع بعد ألف تكسيره حرفان مثل: مساجد، لم يُفْتَتح بالميم .. لا يشترط، إذاً: (فَوَاعِلٌ) نوَّنه هنا للضرورة وهو جائز. (فَوَاعِلٌ) مبتدأ، (لِفَوْعَلٍ) هذا خبر، و (فَاعِلِ) معطوفٌ على (فَوْعَل)، (وَفَاعِلاَءَ) معطوفٌ عليه، (مَعَ) حال وهو مضاف و (نَحْوِ كَاهِلِ) مضافٌ إليه، وأشار بقوله: (نَحْوِ) العموم على من كان أولى، (وَحَائَضٍ) هذا معطوف على (كَاهِلٍ)، (وَحَائَضٍ) فَاعِل .. صفةً لمؤنَّث عاقل، (وَصَاهِلٍ) معطوفٌ على (كَاهِل)، و (وَفَاعِلَهْ) كذلك.

(وَشَذَّ) هذا فعل ماضي والضمير يعود على (فَوَاعِلْ)، (فِي الْفَارِسِ) يعني: فيما كان على هذا الوزن وهو وصفٌ على وزن (فَاعِل) لمذكَّر عاقل، لم يُجمع على (فَواعِل) فإن جُمِع فهو شاذ، (مَعْ مَا مَاثَلَهْ) مع الذي (مَاثَلَهُ) الضمير هنا يعود على المضاف .. (مَعْ) إليه، يعني: (مَعْ مَا) (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، مع الذي (مَاثَلَهُ) الضمير يعود على (مَا). أي: شذَّ (فَواعِل) في جمع (فَاعِلٍ) صفةً لمذكَّر عاقل نحو: فارس، والمراد بـ: (مَا مَاثَلَهْ): سابق وسوابق، وناكس ونواكس، وداجن ودواجن، هذا مِمَّا سُمِع. وَبِفَعَائِلَ اجْمَعَنَ فَعَالَه ... وَشِبْهَهُ ذَا تَاءٍ اوْ مُزَالَهْ (فَعَائِل اجْمَعَنَ فَعَالَه) .. اجمعن فَعَالة بفَعَائل، (اجْمَعَنَ) هذا فعل أمر مُؤكَّد بنون التوكيد الخفيفة، (اجْمَعَنَ فَعَالَه) ما كان على وزن (فَعَالَه) كـ: سحابة، اجمعه على (فَعَائِل)، و (فَعَائِل) جمع (فَعَالَه) انظر في (فَعَالَه) رباعي .. مؤنَّث .. بِمدَّةٍ قبل آخره .. مَختوماً بالتاء، لكنَّه أزال هذا القيد (ذَا تَاءٍ اوْ مُزَالَهْ). إذاً: رباعي .. مؤنَّث .. بمدَّةٍ قبل آخره، وهو مختومٌ بالتاء، قد يُؤْخذ شرط، قال: (ذَا تَاءٍ اوْ مُزَالَهْ)، إذاً: ختمه بالتاء ليس بشرطٍ، إذاً: (فَعَالَه) كُلِّ اسمٍ رباعي مؤنَّث بمدَّةٍ قبل آخره، سواءٌ كان مختوماً بالتاء أو لا، لكن يُشترط في غير المختوم: أن يكون مؤنَّثاً، يعني: لو أُزِيلت التاء .. جُرِّد عن التاء فيبقى على تأنيثه، إذ التَّأنيث قد يكون معنوياً وقد يكون لفظياً. من أمثلة جمع الكثرة: (فَعَائِل) ويكون جمعاً لعشرة أوزان مفهومة من كلام النَّاظم، خمسة بالتاء، وخمسةٌ بلا تاء. إذاً: من أمثلة جمع الكثرة: (فَعَائِلْ) يكون جمعاً لعشرة أوزان كلها مفهومةٌ من قول النَّاظم: . . . . . . . . . . . . . . فَعَالَه ... وَشِبْهَهُ ذَا تَاءٍ اوْ مُزَالَهْ هذه دخل تحتها عشرة أوزان وإليكها: - الأول: (فَعَالَه) وهو الذي ذكره النَّاظم: (سحابة) فتقول في جمعه: سحائب، وَيُجمع على: سُحُب أيضًا. وَفُهِم من قوله: (وَشِبْهَهُ) هذا معطوف على (فَعَالَه) أربعة أوزان كلها بالتاء، (شِبْهَهُ) يعني: شبه "فعالة" أربعة أوزان، (فَعَالَه) نطق بها. الأول من الأربعة وتضاف إلى ذاك (فَعَالَه) فتصير خمسة، الأول: (فِعَالَة) بكسر الفاء نحو: رسالة، تجمعه على: رسائل .. (فَعَائِلْ)، إذاً: (فَعَالَه) شبهه (فِعَالَه) بكسر الفاء كـ: رسالة، يُجمع على: رسائل. الثاني: (فُعَالَه) بضمِّ الفاء: ذُؤَابَة، تجمعه على: ذَوَائِبْ (فَعَائِل). الثالث: (فَعِيلَة) بالياء نحو: صحيفة يُجمع على: صحائف، فإنه شبيهٌ بـ (فَعَالَة) في كون ثالثه مدَّة: صحيفة (فَعِيلَة) أشبه (فَعَالَة) في كون ثالثه مدَّة. الرابع: (فُعُولَة) نحو: حُمُولة وحمائل.

هذه أربعة كلها مختومة بالتاء مع (فَعَالَة) صارت خمسة، إذاً: خمسةٌ بالتاء، (فَعَالَة) نصَّ عليها النَّاظم كـ: سحابة، يُجمع على: سحائب، و (فِعَالَة) بكسر الفاء: رِسالة ورسائل، و (فُعَالَة) بضمِّ الفاء: ذُؤَابَة وذوائب، و (فَعِيلة) بالياء نحو: صحيفة وصحائف، و (فُعُولة) بالواو نحو: حُمُولة وحمائل .. هذه خمسة. وَفُهِم من قوله: (ذَا تَاءٍ اوْ مُزَالَهْ) خمسةٌ أُخَر بدون تاء: الأول: (فَعَالٍ) بفتح الفاء نحو: شَمَال وَشَمَائِل، يُقال: شَمَال وَشِمَال، (شَمَال) بالفتح اسم للرِّيح، و (شِمَال) للجارحة، (فَعَال) بفتح الفاء: شَمَال، يُجمع على: شَمَائِل، أسْقَطْتَ التاء. و (فِعَال) بكسرها أيضاً: شِمَال، اسمٌ للجارحة، يُقال فيه: شَمَائِل كذلك. الثالث: (فُعَال) نحو: عُقاب وعقائب. الرابع: (فَعُول) عجوز وعجائز. الخامس: (فَعِيل) نحو: سعيد، مسمَّىً به امرأة، فتقول في جمعه: سعائد. وهذه كلها يُشترط فيها أن تكون مثنَّاة، يعني: إذا سقطت التاء وجب أن يكون مؤنَّثاً من أجل أن يُجمع على (فَعَائِل). إذاً: (فَعَال) و (فِعَال) و (فُعَال) و (فَعُول) و (فَعِيل)، أَسقط التاء من (فَعَالَه) وثلث الفاء، فتقول: (فَعَال .. فِعَال .. فُعَال) هذه ثلاثة .. هذه من الوزن، و (فَعُول) و (فَعِيل) يعني: بتعميم المدَّة إمَّا بالواو وإمَّا بالياء. إذاً: وَبِفَعَائِلَ اجْمَعَنَ فَعَالَه .. (وَشِبْهَهُ) هذا معطوف على (فَعَالَه)، شبه (فَعَالَه) ما ذكرناه: رسالة ونحوها، (ذَا تَاءٍ) هذا حال من المفعول (شِبْهَهُ ذَا تَاءٍ)، أين المفعول؟ (اجْمَعَنَ فَعَالَه) .. (فَعَالَه) مفعول، (اجْمَعَنَ) أنْتَ، النون هذه توكيد وليست بفاعل، (ذَا تَاءٍ) حال كونه صاحب تاءٍ، (أَوْ مُزَالَهْ) (فَعَال .. فَعَالَه) بتاءٍ وبدون تاء، فدخلت تحته العشرة الأوزان التي ذكرناها. (ذَا تَاءٍ أَوْ) للتَّنويع (مُزَالَهْ) يعني: أُزِيلت منه التَّاء، فالضمير يعود على التَّاء، (مُزَالَهْ) من إضافة اسم المفعول إلى مفعوله الثاني، ومفعوله الأول: ضَميرٌ مستتر جوازاً وهو نائب الفاعل، وقوله: (مُزَالَهْ) ذَكَّر التاء، لأنَّ حروف المعجم يجوز فيها الوجهان. قال الشَّارح هنا: من أمثلة جمع الكثرة (فَعَائِلْ)، وهو لكل اسمٍ رباعي بمدَّةٍ قبل آخره، مُؤَنَّثاً بالتاء أو مُجرَّداً منها، نحو: سحابة وسحائب، ورسالة ورسائل، وَكُنَاسة وَكَنَائِس، وصحيفة وصحائف، وَحَلُوبَة وَحَلائِب، أو مُجرَّداً منها نحو: شَمَال وَشَمَائِل، وَعُقَاب وَعَقَائب، وعجوز وعجائز. وَبِالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا ... صَحْرَاءُ وَالْعَذْرَاءُ وَالْقَيْسَ اتْبَعَا (صَحْرَاءُ .. فَعْلاء) ممدود .. صحراء، يُجمع على: صحارِي وصحارَى، (جُمِعَا صَحْرَاءُ) .. (جُمِعَا) الألف للإطلاق، و (صَحْرَاءُ) نائب فاعل، (وَالْعَذْرَاءُ) معطوفٌ عليه، (وَبِالْفَعَالِي) مُتعلِّق بقوله: (جُمِعَا)، (وَالْفَعَالَى) معطوفٌ عليه. إذاً: من أمثلة جمع الكثرة: (فَعَالِي) و (فَعَالَى)، ويشتركان فيما كان على (فَعْلاَء) ممدوداً بفتح الفاء وسكون العين اسماً كـ (صَحْرَاء)، أو وصفًا كـ: (عَذْرَاء).

اسمًا كـ: (صَحْرَاء) فَيُجمع على: صحارِي وَصَحَارَى، أو صِفةً كـ: (عَذْرَاء) .. (عَذْرَاء) لا مذكَّر له، يُقال فيه: عَذَارِي وَعَذَارى. قوله: (وَالْقَيْسَ اتْبَعَا) اتبعاً القيس، (اتْبَعَا) الألف مُنقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، لأنَّه فعل أمر اتَّصلَت به نون التوكيد فَوُقِفَ عليه فوجب قلبها ألفاً، (وَالْقَيْسَ اتْبَعَا) فُهِم منه أنَّ (عَذْرَاء) مقيسٌ على (صَحْرَاء). وَبِالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا ... صَحْرَاءُ وَالْعَذْرَاءُ وَالْقَيْسَ اتْبَعَا نقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

124

عناصر الدرس * تتمة لأبنية الكثرة وما تكون جمعا له * ما يحذف لأجل صيغة التكسير , والمفاضلة عند الحذف. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: وَبِالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا ... صَحْرَاءُ وَالْعَذْرَاءُ وَالْقَيْسَ اتْبَعَا أي: من أمثلة جمع الكثرة (فَعَالِي) بفتح أوله وكسر رابعه، كذلك: (فَعَالَى) بفتح أوله وفتح رابعه: صحارى، وصحاري، وأمَّا (الْفَعَالِي) فقد ذكر النَّاظم هنا أنَّه جمعٌ لـ: صَحْرَاء وكذلك: عَذْرَاء، ويُجمع كذلك على: (فَعَالِي) يعني: يأتي بالجمعين، وقدَّم (فَعَالِي) بالكسر، لأنَّه أصل: (فَعَالَى) بالفتح، ولذلك قال بعضهم أن قوله: (وَالْقَيْسَ اتْبَعَا) مراده: أنَّ (عَذْرَاء) هذا مقيسٌ على (صَحْرَاء) وليس أصلاً فيه .. (الْعَذْرَاء) مقيسٌ على (صَحْرَاء)، يُقال: عَذَارٍ وعذارى، يُجمع بالنوعين، كما يُقال: صَحَارِي، بكسر الراء: وصَحَارَى. وذكر ابن هشام: أنَّ (فَعَالِي) يَطَّرد في سبعة أبواب: (فَعْلاَت) نحو: مَوْمَات، و (فِعْلاتٌ) بكسر الفاء نحو: سِعْلات، و (فِعْلِية) نحو: هِبْرِية، وهو ما يكون في الشعر من نخالة الطين، أو هو ما يتطاير من دقاق القطن .. هكذا قيل. (وَفَعْلُوَه) نحو: عَرْقُوَة، وهي الخشبة التي تُوضَع عرضاً في رأس الدَّلو، وما حُذِف أول زَائِدَيْه من نحو: حَبْنطَى كما سيأتي هذا، وقَلَنْسُوَة. و (فَعْلاء) اسماً كـ: صحراء، أو صفةً لا مُذكَّر لها كـ: عَذْرَاء، وذو الألف المقصورة لتأنيثٍ نحو: حُبْلى، أو إلحاقٍ كـ: ذِفْرَى، وهو الموضع الذي يَعْرَق من خلف أذن البعير، هذه سبعة أبواب يَطَّرد فيها الجمع (بِالْفَعَالِي) بكسر رابعه. وأمَّا (فَعَالَى) بفتح أوله ورابعه، ويشارك (الْفَعَالِي) بالكسر في: صَحْرَاء وما بعده، يعني: في قوله: (صَحْرَاء) وما بعده (عَذْرَاء) وذو الألف المقصورة لتأنيثٍ: حُبْلى، أو إلحاق كـ: ذِفْرة، هذه كُلها يُشَارك فيها (فَعَالَى) (فَعَالِي) .. (فَعَالَى) يُشارك (فَعَالِي) في هذه الأنواع. وليس لـ (فَعَالَى) ما ينفرد به عن (الفَعَالِي) إلا وصفٌ، يعني: على وزن (فَعْلان)، أو على وزن (فَعْلَى): عطشان وعطشى، وغضبان وغضبى، وسكران وسكرى، فهذا مِمَّا ينفرد فيه (الفَعَالَى) عن (الْفَعَالِي). وَبِالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا .. (جُمِعَا) الألف هذا للإطلاق، و (صَحْرَاء) نائب فاعل، و (جُمِعَا) مُغيَّر الصيغة، (وَالْعَذْرَاء) معطوفٌ عليه، وقوله: (وَالْقَيْسَ اتْبَعَاً): اتبعن .. اتبع .. اتبعن، الألف هذه مبدلة عن نون التوكيد الخفيفة، (وَالْقَيْسَ) مفعولٌ به مُقدَّم. (وَالْفَعَالِي وَالْفَعَالَى) يجتمعان ويفترقان، لهما اشتراك ولهما انفراد، فيشتركان في أنواع: الأول: (فَعْلاَء) اسماً كـ: صَحْرَاء، يُقال: صَحَارٍ وصَحَارَى. والثاني: (فَعْلَى) اسماً نحو: علقا، يُقَال: عَلَاقٍ وعَلَاقَى .. علاقِي علاقى، لذلك إذا قلت: علاقِي، كسرت وانقلبت الألف ياء ثُمَّ صار مثل: جوارٍ وغواشٍ، يعني: نُوِّن وحذفت الياء فيقال: علاقٍ وعلاقَى.

والثالث: (فِعْلَى) اسماً نحو: ذِفْرَى، وَذِفَارٍ، وَذَفَارِي (ذِفَارٍ) بالكسر: وَذَفَاري. و (فُعْلى) وصفاً لا لأنثى (أَفْعَل) نحو: حُبْلَى، يُقال: حَبَالٍ وحبالى .. ذَفَارٍ وَذَفَارى. والخامس: (فَعْلَاء) وصفاً لأنثى نحو: عَذْرَاء، يُقَال: عذارٍ وعذارى. وهذه كلها مقيسة، ولذلك قال: (وَالْقَيْسَ اتْبَعَا) فهذه خمسة أبواب كلها مقيسة، إلا (فَعْلاء) وصفاً لأنثى، وهذا مِمَّا اختلفت فيه كلمة ابن مالك هنا في (الْعَذْرَاء) (فَعْلاء) وصفاً لأنثى، نحو: عَذْرَاء، فإن (الْفَعَالِي وَالْفَعَالَى) غير مقيسين كما نَصَّ هو في (التَّسْهِيل) يعني: محفوظ في (الْعَذْرَاء) .. عذاري وعذارى محفوظٌ في (اَلْعَذْرَاء)، فهما محفوظان كما نَصَّ عليه في (التَّسهيل) بخلاف ما اقتضاه كلامه هنا، حيث اقتضى أنَّ: اَلْعَذَارى وَاَلْعَذَاري مقيسان، وفي (التَّسهيل) نَصَّ على أنَّهما محفوظان ليسا قياسين. إذاً: الْفَعَالِي وَالْفَعَالَى جُمِعَا ... صَحْرَاءُ وَالْعَذْرَاءُ. . . . . . . . . . قال الشَّارح: ومن أمثلة جمع الكثرة (فَعَالِي وَفَعَالَى) ويشتركان فيما كان على (فَعْلاء)، إذاً: يشتركان، وقد ينفرد بعضها عن بعضٍ كما ذكرناه في كلام ابن هشام السابق. فيما كان على (فَعْلاء) اسماً كـ: (صَحْرَاء) أو صفةً كـ: (عَذْرَاء) فيقال: صحارٍ .. صحارِي .. صحارَى، (صحارٍ) الأصل: أنه تُحذف الألف هذه .. تُقْلَب الألف ياء ثُمَّ يُنَوَّن ويعامل معاملة: جوارٍ وغواشٍ، ومثله: عذارٍ وعذارى. ثُمَّ قال رحمه الله: وَاجْعَلْ فَعَالِيَّ لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ ... جُدِّدَ كَالْكُرْسِيِّ تَتْبَعِ الْعَرَبْ (فَعَالِيَّ) هذا هو الذي يكون وزناً بتشديد الياء، (اجْعَلْ) هذا فعل أمر، و (فَعَالِيَّ) بالنصب مفعولٌ أول لـ: (اجْعَلْ). قوله: (لِغَيْرِ) هذا جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (اجْعَلْ) على أنَّه مفعوله الثاني. (اجْعَلْ فَعَالِيَّ) بتشديد الياء مقيساً في كل ما كان (كَالْكُرْسِيِّ)، و (الْكُرْسِي) هذا ثلاثي .. ساكن العين .. آخره ياءٌ مُشدَّدة لغير النسب، ولذلك قال: (لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ كَالْكُرْسِيِّ) حينئذٍ احترز بقوله: (غَيْرِ ذِيْ نَسَبْ) ما كان من باب النسب، كـ: بغدادي ودمشقي ومصري وتركي، هذه كلها لا تجمع على (فَعَالِيْ). إذاً: (فَعَالِيَّ) بتشديد الياء مقيس في كل ما كان على وزن (كُرْسِي)، هو ثلاثي، لأنَّ الياء هذه زائدة في الأصل، وقد توضع أصالةً: كاف، وراء، وسين، ثُمَّ هو ساكن العين، وآخره ياءٌ مُشدَّدة لغير النسب. واحترز بقوله: (لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ) مِمَّا آخره ياءٌ مُشدَّدة للدَّلالة على النسب، كما سيأتي في: قُرَشي ونحوه، كنحو: بَصْري وَمِصْرِي، حينئذٍ يُفرَّق بين اليائيين .. كُرْسِي وَمِصْرِي مثلاً .. يُفرق بين اليائيين، يُعرف ما ياؤه للنسب بصلاحية حذف الياء، تُحذف الياء ودلالة الاسم على المنسوب إليه، يبقى الاسم كما هو: قريش .. قُرَشي، احذف الياء: قُرِيش، بقي الاسم كما هو، أمَّا: كرسي، احذف الياء ما تبقى الكلمة على شيء .. الاسم لا يدلُّ على شيء.

حينئذٍ ياء النسب هي شيءٌ زائدٌ على أصل الكلمة قابلٌ للحذف، هذا الأصل فيها، حينئذٍ إذا أُريد أن يُفرَّق بين الياء التي تكون للنسب والياء التي لغير النسب (كَالْكُرْسِي) نقول احذف هذه الياء، إن بقي الاسم دالَّاً على معنىً فحينئذٍ نقول: هذه ياء النسب، وإلا فهي ياءٌ لغير النسب. وَيُعرف ما ياؤه للنسب بصلاحية حذف الياء، ودلالة الاسم على المنسوب إليه، وما ليس لتجديد النسب لا يصلح لذلك، وهذا يشمل نوعين: الأول: ما وُضِع أصالةً، هكذا بالياء مشدَّدة، أول ما وُضِع وضع على وزن (كُرْسِي) مثلاً، حينئذٍ نقول: هذه الياء، وإن لم تكن للنسب إلا أنَّها وُضِعت أصالةً مُشابهةً لياء النسب، ما وُضِع بالياء المُشدَّدة وهذا مثَّل له بـ: كرسي، إذ ليس عندنا كلمة مُؤلَّفة من كاف وراء وسين. والنوع الثاني: ما أصله بياء النسب، يعني: فيه ياء النسب، ولكن اسْتُعْمِل استعمال الأسماء فصار النسب منسيَّاً، هذا وارد كثير عندهم، ولذلك قلنا: عَبْد وَأَعْبُد، الأصل: أنَّه لا يُجمع على (أَفْعُل) لأنه وصفٌ، لكن لَمَّا تُنُوسِيَت الوصفيَّة فعُومِل مُعَاملة الأسماء صَحَّ جمعه على (أَفْعُل) وإلا هو خاصٌّ بالأسماء، غَلَبَت عليه الاسْميَّة. إذاً: الثاني: ما أصله النسب، وكثر استعمال ما هي فيه حتى صار النسب منسيَّاً، مثَّلوا له بـ: مَهْرِي، فإنَّه في الأصل: منسوبٌ إلى: مَهْرَة وهي قبيلة: مَهْرِيٌّ، كما يُقال: قُرَشِي وبصري وبغدادي، ثُمَّ كثر استعماله حتى صار اسْماً للنجيب من الإبل، النجيب من الإبل صار يُسمَّى: مَهْرِي، والأصل فيه: أنَّه منقول، حينئذٍ عُومِل معاملة الأسماء المجرَّدة غير منسوبة إلى شيء، وإن كان في أصل الاستعمال هو بياء النسبة. إذاً: (لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبٍ جُدِّدَ) احترز بياء النسب المجدَّدة عن ياء نسبٍ في أصل الوضع، أو لا نقول: ياء نسب! نقول: ياءٍ مشابهة لياء النسب في أصل الوضع، أو ما كان أصلاً في النسب لكنَّه صار النسب مَنسيَّاً، اسْتُعْمِل استعمال الأسماء المحضة فصار عَلَماً، أو صار اسماً وَتُنُوسي فيه النسب. وَاجْعَلْ فَعَالِيَّ لِغَيْرِ ذِيْ نَسَبْ ... جُدِّدَ. . . . . . . . . . . . . . . . . قلنا: (لِغَيْرِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (اجْعَلْ) وهو مضاف، و (ذِيْ) مضاف إليه وهو بمعنى: صاحب، وهو مضاف، و (نَسَبٍ) مضاف إليه، و (جُدِّدَ) أي: النسب، الجملة في محلِّ جر نعت لـ: (نَسَبْ)، واحترز به من نحو: تُرْكِي وَبَصْرِي وَبَغْدَادي وَمِصْرِي ونحو ذلك. (كَالْكُرْسِيِّ) وَبُخْتِي وَقُمْرِي (تَتْبَعِ الْعَرَبْ)، (تَتْبَعِ) هذا مجزومٌ في جواب الأمر: اجْعَلْ .. تَتْبَعِ، إذا جعلت (فَعَالِيَّ) لِمَا ذُكِر (تَتْبَعِ الْعَرَبْ) كنت تابعاً للعرب، فهو مجزومٌ في جواب الطلب وجزمه سكونٌ مُقدَّر، و (الْعَرَبْ) مفعولٌ به.

من أمثلة جمع الكثرة: (فَعَالِي)، هكذا قال الشارح، وهو جمعٌ لكل اسمٍ ثلاثي آخره ياءٌ مُشَدَّدة غير مُتَجَدِّد للنَّسب: كُرْسِي .. كراسي .. (فَعَالِي)، قَمْري .. قَمَاري، بُخْتِي .. بَخَاتي، بَرْدِى .. بَرَادي، ولا يُقال: بَصْرِي .. بَصَاري، لا يُقَال لأنَّه منسوب، وما كان منسوباً لا يُجمع على (فَعَالِي). إذاً: هذا الوزن خاصٌّ بِما كان على وزن: كُرْسِي، من كل اسمٍ ثلاثي ساكن العين وآخره ياءٌ مُشدَّدة لكنَّها ليست بياء النسب وإن أشبهت ياء النسب. ثم قال: وهذا (فَعَالِي) آخر ما ذكره النَّاظم هنا من أمثلة تكسير الثلاثي المُجرَّد، والمزيد فيه غير الملحق، والشبيه به، وكل ما ذكره: أحدٌ وعشرون بناءً فيما سبق، الآن سيذكر فيما يَتعلِّق بـ: (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل) كل ما كان بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة وسطها ساكن. وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا ... فِي جَمْعِ مَا فَوْقَ الثَّلاَثَةِ ارْتَقَى مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى وَمِنْ خُمَاسِي ... جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ وَالرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ ... يُحْذَفُ دُونَ مَا بِهِ تَمَّ الْعَدَدْ وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ مَا ... لَمْ يَكُ لَيْنَاً إِثْرَهُ اللَّذْ خَتَمَا هذا ما يَتعلَّق بالرُّباعي المُجرَّد، والرُّباعي المزيد، والخماسي الأصول، والخماسي المزيد، كيف نجمعه؟ فحينئذٍ نأتي به على وزن (ِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ). وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا .. انطقاً بِفَعَالِل، هذا مُتعلِّق بقوله: (انْطِقَاً)، والألف هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة، (وَشِبْهِهِ) أي: شبه (فَعَالِل) من كل وزنٍ بعد ألف تكسيره حرفان، أو ثلاثة أحرف وسطها ساكن، الذي عبَّرْنا في السابق بأنَّه: صيغة منتهى الجموع. من أمثلة الكثرة (ِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ)، والمراد بـ (شِبْهِهِ): ما يُماثله في العِدَّة والهيئة .. عدد الحروف والهيئة، وإن خالفه في الوزن نحو: (مَفَاعِل وَفَيَاعِل) قلنا: لا يُشترط أن يكون (مَفَاعِل ومَفَاعِيل) كما سبق، صيغة منتهى الجموع ليس القيد فيه أن يكون على وزن (مَفَاعِلْ وَمَفَاعِيل) بل هذا مثالٌ كَثُر وشاع: (مَفَاعِل) مَسَاجِد .. (مَفَاعِيل) مصابيح، هذا كثير ولكن كل ما كان بعد ألف تكسيره حرفان أو ثلاثة أحرف وَسَطُها ساكن، هذا الضابط فيه. إذاً: (وَشِبْهِهِ) المراد ما يُماثله في العدَّة والهيئة، وإن خالفه في الوزن نحو: (مَفَاعِل وَفَيَاعِل)، أمَّا (فَعَالِل) الذي ذكره النَّاظم فَيُجمع عليه كلُ ما زادت أصوله على ثلاثة، ولذلك قال: فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثَةِ .. فيُجمع عليه كل ما زادت أصوله على ثلاثة أحرف، وأمَّا (شِبْهِهِ) فَيُجْمَع عليه كُلُّ ثُلاثيٍّ مزيد إلا ما أخرجه بقوله: (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) إذاً: النظر هنا في الرُّباعي، والخماسي، والثلاثي المزيد، أمَّا الرُّباعي الأصول لم يذكره النَّاظم لأنَّه لا إشكال فيه: جَعْفَر، يُجمع على: جَعَافِر .. على (فَعَالِل) ليس فيه حذفٌ، لم يذكر كيفية جمعه. وأمَّا الخماسي الأصول والمزيد، والرُّباعي المزيد، فهذا نصَّ عليه.

وأمَّا النوع الثالث: وهو الثلاثي المزيد (فَعَالِل) هذا للخماسي، وشبه (فَعَالِل) هذا للثلاثي المزيد. إذاً: (فَعَالِل) يُجمع عليه كُلُّ ما زادت أصوله على ثلاثة، وشبه (فَعَالِل) يُجمع عليه كُلُّ ثلاثيٍّ مزيد، إلا ما أخرجه بقوله: (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) يعني: الذي سبق من الثلاثي هذا لا إشكال فيه، كذلك الرُّباعي: كَاهِلْ وَحَائِضْ وَصَاهِل وَكَامِل وَكَمَله، كل الجموع السابقة مستثناة، ما عداها حينئذٍ يدخل معنا. إذاً: بِفَعَاللَ وَشبْهِهِ انْطِقا ... فِي جَمْعِ مَا فَوْقَ الثَّلاَثَةِ ارْتَقَى قوله: (انْطِقَا) هذا تَعلَّق به (بِفَعَالِل) وعطف عليه (شِبْهِهِ)، (فِي جَمْعِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْطِقَا)، انطقاً (بِفَعَالِلَ) في جمع ما ارتقى فوق الثَّلاثة، إذاً: ما كان ثلاثياً فقد مضى أكثره، بقي ما زاد على الثلاثي، (فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى) ما زاد (فَوْقَ الثَّلاَثَةِ) حينئذٍ شَمِل: الرُّباعي، كـ: جعفر، سواءٌ كان مُجرَّداً أو مزيداً، وَشَمِل الخماسي، والسداسي، والسُّباعي، لأنَّه قال: (مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثَةِ) وأقصى الأسماء سبعة: استخراج، على سبعة أحرف. إذاً: شَمِل قوله: فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثَةِ .. شَمِل الرُّباعي كـ: جَعْفَر وَصَيْرَف وَإِصْبِع، والخماسي كـ: سَفَرْجَل وَمُنْطَلق، والسداسي كـ: قَبَعْثَرة ومستخرج، والسُّباعي كـ: استخراجٍ، (استخراج) على سبعة أحرف، ولا يوجد ثمانية أحرف. أمَّا الرُّباعي: فإمَّا أن يكون مُجرَّداً أو لا، فإن كان مُجرَّداً جُمِع على (فَعَالِل) دون حذفٍ، لأنَّ (فَعَالِل) خمسة أحرف، وجعفر، أربعة أحرف، إذاً: يمكن أن يأتي الوزن: جعفر، على (فَعَالِل) ولا إشكال فيقال فيه: جَعَافِر. وإن كان بزيادةٍ جُمِع على شبه (فَعَالِل) سواءٌ كانت زيادته للإلحاق نحو: جوهر، يُجمع على: جواهر، أم لغير الإلحاق نحو: إِصْبِع .. أَصَابِع (أَفَاعِل) وَمَسْجِد .. مساجد، ما لم يكن مِمَّا تَقدَّم استثناؤه .. ما سبق يعني: في الأبواب السابقة، هذا الرُّباعي .. الرُّباعي يُجمع على (فَعَالِل) إن كان مُجرَّداً، فَيُقال: جعفر .. جعافر. وإن كان بزيادةٍ جُمِع على شبه (فَعَالِل) سواءٌ كان زيادته للإلحاق: جَوْهَر، (جَوْهَر) هل هو رُبَاعي الأصول؟ (جَوْهَر) على وزن (فَوْعَلْ) إذاً: هو ثلاثي مزيد بحرف، إذاً: ليس رباعي الأصول .. ليس مُجرَّداً، كذلك: إِصْبِع، على أربعة أحرف، على وزن (إِفْعِل) إذاًَ: الهمزة ليست أصلية: مَسْجِد (مَفْعِل) الميم ليست أصليه. إذاً: إذا كان الرُّباعي ليست حروفه أصول يُجمع على شبه (فَعَالِل)، أمَّا: جعفر، هذه الحروف كلها أصلية، حينئذٍ يُجمع على (فَعَالِل)، وما لم يكن كذلك من الرُّباعي يُجمع على شبه (فَعَالِل) فَيُقال في (جَوْهَر): جَوَاهِر، (جَوَاهِر) على وزن (فَوَاعِل) ليس (فَعَالِل) هو شبه (فَعَالِل).

كذلك: إِصْبِع يقال: أَصَابِع (أَفَاعِل) هذا شبه (فَعَالِل) ليس على وزن (فَعَالِل)، مسجد .. مساجد (مَفَاعِل) هذا شبه (فَعَالِل) وليس على وزن (فَعَالِل)، إلا مِمَّا استثناه النَّاظم فهذا قد سبق بيانه كـ: صَاهِل، وكامل، وكمله، كل ما سبق هناك فهو مستثنىً. وأمَّا الخماسي: فهو أيضًا إمَّا مُجرَّد، وإمَّا بزيادة، إمَّا مُجرَّد يعني: خماسيَّ الأصول، أو خماسي مزيد، أشار إلى الخماسي المجرَّد بقوله: (وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ) إذاً: المجرَّد لم يعن المزيد، (انْفِ الآخِرَ) يعني: احذف الآخر من أجل جمعه على وزن (فَعَالِل)، لأنَّ (فَعَالِل) على خمسة أحرف وفيه ألفٌ زائدة، وهي ألف الجمع لا بُدَّ من بقاءها. (فَعَالِل) هذا على خمسة أحرف، والألف لا بُدَّ من إبقاءها، كيف نجمعه وهو على خمسة أحرف؟ إذاً: لا بُدَّ من حذف حرفٍ منه، والأنسب عند الصرفيين: أن يكون الحذف من الأخير، لأنَّ الحذف إنَّما يكون من الطَّرف إلا ما يأتي استثناؤه. (وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ) يعني: مُجرَّدٍ، يعني: خماسيَّ الأصول كل حروفه أصول ليس فيه حرفٌ زائد، (انْفِ) يعني: احذف (الآخِرَ بِالْقِيَاسِ)، حينئذٍ: سَفَرْجل، كيف نجمعه على (فَعَالِلْ)؟ نقول: سَفَارِج .. لا بد من بقاء الألف، سَفَارِج أين اللام؟ قطعناها .. حذفناها، لا بُد من أن يأتي على وزن (فَعَالِل) أن نحذف الحرف الأخير: سَفَرْجَل .. (سَفَارِج) حذفنا اللام .. الطرف، لماذا؟ لنتمكن من جمعه على وزن (فَعَالِل). قوله: (بِالْقِيَاسِ) فُهِم منه أنَّ العرب لا تَجمع ما يُحذف منه حرفٌ أصلي إلا على اسْتِكْرَاهٍ، وهذا مذهب سيبويه. إذاً: (مِنْ خُمَاسِي) هذا مُتعلِّق بقوله: (انْفِ) .. (انْفِ) فعل أمر مبنيٌّ على حذف حرف العِلَّة، و (بِالْقِيَاسِ) مُتعلِّقٌ به، والآخر مفعولٌ مُقدَّم، و (جُرِّدَ) هو الخماسي، والجملة في محل جر صفة لـ (خُمَاسِي)، أي: (انْفِ الآخِرَ) أي: احذفه من الخماسي المجرَّد عند جمعه قياساً، لتتوصل بذلك الحذف .. حذف الأخير إلى بناء (فَعَالِل) إذ لو لم تحذفه لَمَا استطعت أن تتوصل إلى هذا الوزن، فتقول في (سَفَرجل): سَفَارج، (فرزدق): فَرَازد، (فرزدق) خماسي الأصول، كيف تجمعه على (فَعَالِل)؟ تقول: فرازد، حذفت القاف. إذاً: بِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا ... فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثَةِ قوله: (وَشِبْهِهِ) عرفنا المراد شبه (فَعَالِل): كل جمعٍ بعد ألف تكسيره حرفان، (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) هذا استثناء لقوله: (فِي جَمْعِ مَا فَوْقَ الثَّلاَثَةِ) لأنَّ: كاهل، وحائض، وفارس، فيما سبق هذه كلها فوق الثلاث، لكنَّه سبق لها أبنية استقرَّت عليها، هذا مستثنى لا تأتي على وزن (فَعَالِل) وشبه (فَعَالِل).

إذاً: (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى)، (مِنْ غَيْرِ) هذا حالٌ من (مَا) .. (فِي جَمْعِ مَا) حال كونه (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى): من غير الذي مضى، والذي مضى .. كُلُّ ما مضى .. الأبواب السابقة مِمَّا قلنا فيه: أنَّه رباعي معتلَّ اللام، أو صحيح اللام: كامل، ورامٍ، وحائض .. كل هذه الأصل: أنَّها رباعية ولها أبنيةٌ مستقرَّة غير باب (فَعَالِلَ وَشِبْهِهِ)، ما عدا ما سبق حينئذٍ يُجمع على (فَعَالِل) إن كان رباعياً فبلا حذفٍ، سواءٌ كان مزيداً أو مُجرَّداً، وإن كان خماسياً فإمَّا أن يكون مُجرَّداً أو مزيداً حينئذٍ لا بُدَّ من جمع المجرَّد بحذف طرفه وهو الأخير. (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) يرجع لقوله: (وَشِبْهِهِ)، وهو باب: كُبْرَى وَسَكْرَى، وَأَحْمَر وَحَمْرَاء، ورامٍ وكاملٍ ونحوها، مِمَّا استقر تكسيره على غير هذا البناء. . . . . . . . . . . وَمِنْ خُمَاسِي ... جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ وَالرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ ... يُحْذَفُ دُونَ مَا بِهِ تَمَّ الْعَدَدْ (وَالرَّابِعُ) هذا مبتدأ، و (الشَّبِيهُ) نعته، (بِالْمَزِيدِ) مُتعلِّق بـ: (الشَّبِيهِ)، (قَدْ يُحْذَفُ) هو أي: الرابع، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. وَالرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ ... يُحْذَفُ. . . . . . . . . . . . . . . . دُونَ مَا تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ، يعني: دون الخامس، في الأول حكم بأن الذي يُحذف من الخماسي الأصول المُجرَّد الآخر، يعني: الحرف الأخير اللام: سَفَرْجل .. فرزدق، نحذف اللام من: سفرجل والقاف من: فرزدق، هنا استثنى فقال لك: الرَّابع من الخماسي الأصول المُجرَّد، إن كان شبيهاً بالمزيد قد يكون هو المحذوف دون الخامس. قلنا: في الحكم السابق أن يكون المحذوف هو الخامس، لكن هنا استثناء: إمَّا أن يكون الرَّابع الذي قبل الخامس شبيهاً بالمزيد أو لا، إن لم يكن شبيهاً بالمزيد فالحكم السابق: يُحذف الخامس، إن كان شبيهاً بالمزيد فحينئذٍ جاز لك أن تحذف الرَّابع، أو أن تحذف الخامس، يعني: صار الحكم السابق للجواز فيما إذا كان الرَّابع شبيهاً بالمزيد. إذاً: ننظر في الخماسي المجرَّد .. ننظر في رابعه: إن لم يكن شبيهاً بالمزيد تَعيَّن حذف خامسه، وإن كان شبيهاً بالمزيد حينئذٍ لم يَتعيَّن حذف خامسه، بل يجوز لك الوجهان، وإن كان حذف الخامس أرجح. ثُمَّ إن كان رابع الخماسي الأصول شبيهاً بالزائد: إمَّا أن يكون شبيهاً بالزائد لفظاً أو مَخْرجاً، يعني: كيف نحكم عليه بأنَّه شبيهٌ بالزائد؟ نحن نقول: هو أصل (سَفَرْجَل) أصول يعني: ليس فيه زوائد، (سَفَرْجَل) يعني: الحروف كلها أصول، فكيف نحكم عليه بأنَّه زائد؟ هو ليس فيه زائد قطعاً، وإلا ما صار مُجرَّداً، إذا قيل: (خُمَاسِيِّ جُرِّدَ) معناه: جُرِّد من الزيادة فليس فيه حرفٌ زائد البتَّة، لكن فيه حرفٌ من هذه الحروف الأصول ما يُشبه الزائد، ومعلومٌ أن الشيء إذا أشبه الشيء أخذ حكمه كما عرفنا من أول الكتاب إلى الآن.

حينئذٍ نقول: هذا الرابع وهو حرفٌ أصلي ليس بزائد قد يشبه الزَّائد إمَّا لفظاً أو مخرجاً، (لفظاً) عينه نفسه هو، فالنون مثلاً من حروف: سَأَلْتُمُونِيْهَا، وقد يكون حرفاً أصلياً، حينئذٍ إذا جاء الرابع حرفاً وهو نون هو أصلي، لكن نقول: هذه النون تقع زائدةً في غير هذا الباب وهو: الخماسي المجرَّد، حينئذٍ نقول: أشبهت النون النون، النون الأصلية أشبهت النون الزائدة، صار شبيهاً له في اللفظ. كذلك إذا أشبه الحرف ليس حرفاً زائداً من حيث كونه يقع زائداً في بعض المفردات، وإنَّما من حيث الاشتراك في المخرج، يعني: لا يكون النون هو عين النون، وإنَّما يكون حرفاً آخر لكنَّه اشترك مع الحرف الزائد من حروف: سَأَلْتُمُونِيْهَا، في المخرج فمعلومٌ أن المخارج تشترك. إذاً: إن كان رابع الخماسي الأصول شبيهاً بالزائد لفظاً أو مخرجاً جاز حذفه وإبقاء الخامس، جاز حذفه بدلاً من الخامس، وإن كان الأصل: حذف الخامس، فنترك الخامس كما هو على حاله ونحذف هذا الرابع الذي أشبه الزائد. ومثال ما رابعه شبيهٌ بالزائد لفظاً مثل: خَوَرْنَق .. سَفَرْجَل، بفتح الواو، نقول هذا: (خَوَرْنَق) النون هنا أصلية، ووقعت رابعةً من خماسي مُجرَّد، الخاء والواو والراء والنون والقاف كلها حروفٌ أصول، الأصل فيه: أن نحذف القاف .. الأخير: خَوَرْن، تبقى النون كما هي ونحذف القاف، فنقول في جمعه: (فَعَالِل) خوارن، هذا الأصل فيه، يجوز أن نبقي القاف ونحذف النون، لماذا؟ لكون النون هنا حرفاً رابعاً شبيهاً بالزائد، كيف أشبه الزائد؟ نقول: (سَأَلْتُمُونِيْهَا) هذه حروف الزيادة عشرة مجموعة في قوله: (سَأَلْتُمُونِيْهَا)، النون تقع زائدةً، وهنا النون أصلية، إذاً: أشبه اللفْظُ اللفْظَ فأخذ حكمه، والزائد يجوز حذفه، وَحُذِفت هذه النون مع كونها أصلية، لأنَّها أشبهت النون التي تُزاد، إذاً: (خَوَرْنَق) فإنَّ النون من حروف الزيادة. ومثال ما رابعه شبيهٌ بالزائد مخرجاً: فرزدق، الدال (سَأَلْتُمُونِيْهَا) ليست منها، لكنَّ الدَّال هذه قالوا: من مخرج التَّاء: دا .. تا، اشتركت مع التَّاء وهي حرفٌ زائد في المخرج فجاز حذفها، فإن الدَّال من مخرج التَّاء، والتَّاء من حروف الزيادة. إذاً: لم يُشبه الدَّال التاء لفظاً، لو كان عينه .. تاء وتاء قلنا: أشبهه لفظاً كما في النون والنون، ولكن هنا الدَّال والتاء لم يشتبها في اللفظ والنطق، وإنَّما اشتركا في المخرج فحسب، حينئذٍ صار شبيهاً له، فلك حينئذٍ أن تقول فيهما: خَوَارِق، خَوَرْنَق احذف النون تقول: خَوَارق على وزن (فَعَالِل) بحذف الرابع، لماذا حذفته وهو أصل؟ تقول: لأنَّه شبيهٌ بالزائد، وهذا استثناءٌ من القاعدة السابقة: وَمِنْ خُمَاسِيِّ جُرِّدَ الآخِرَ احْذِفْ .. يعني: احذف الآخر إذا كان الخماسي مُجرَّداً، إلا إذا كان الرابع شبيهاً بالزائد فيجوز حذف الرابع دون الخامس، يعني: مع إبقاء الخامس، و (فَرَازِق) .. (فَرَزْدَق)، احذف الدَّال تقول: فَرَازِد، هذا على الأصل إذا حذفت القاف، وإذا حذفت الدَّال تقول: فَرَازِق، يعني: إمَّا أن تقول: فَرَازِد، وإمَّا أن تقول: فَرَازِق، يجوز الوجهان.

إذاً: فلك أن تقول فيهما: خوارق وفرازق، لكن: خَوَارٍ وفرازد أجود، وهذا مذهب سيبويه، يعني: حذف الأخير حتى لو كان الرابع شبيهاً بالزائد .. حذف الأخير أجود من حذف الرابع. وقال المُبَرِّد: "لا يُحذف في مثل هذا إلا الخامس" يعني: ليس عند المُبِرِّد تفصيل بين ما إذا كان الرابع شبيهاً بالزائد أو لا، فَكُله يُحذف منه الطرف الأخير. وقال المُبِرِّد: "لا يُحذف في مثل هذا إلا الخامس، و (خوارق) و (فرازق) غلط، وأجاز الكوفيون والأخفش حذف الثالث، فيقولون: خوانق وفرادق". على كُلٍّ: المشهور ما ذكره النَّاظم، وهو مذهب سيبويه وجمهور البصريين: أنَّه إذا كان الرابع شبيهاً بالزائد جاز أن تحذفه دون الخامس. الرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيْدِ قَدْ ... يُحْذَفُ. . . . . . . . . . . . . . . . (قَدْ) للتقليل، أو نقول للتَّحقيق؟ إذا قلنا الراجح أجود: أن يُحذف الأخير مطلقاً، ولو كان الرابع شبيهاً بالزائد، حينئذٍ الأولى: أن نحمل (قَدْ) هنا للتقليل، لو سَوَّينا بين الحكمين دون ترجيح حَمَلنا (قَدْ) هنا على التحقيق، إذا قلنا: أنت مُخَيَّر بين حذف الرابع الشبيه بالزائد وبين الخامس وهما على مرتبة واحدة، قلنا: (قَدْ) هنا للتحقيق، لأنَّ الحكم لا فرق بينهما، وإذا أردنا الإشارة إلى أنَّ حذف الخامس ولو كان الرابع شبيهاً بالزائد أجود حملنا الحكم هنا على القِلَّة، ودائماً إذا قيل: هذا قليل وهذا أكثر كان القليل أدون من حيث الترجيح. إذاً: (قَدْ) هنا للتقليل، (قَدْ يُحْذَفُ) الرابع الشبيه بالمزيد، (دُونَ) من غير، (مَا تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ) (بِهِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (تَمَّ)، و (تَمَّ الْعَدَدْ) (الْعَدَدْ) هذا فاعل مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، (تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ) وهو الخامس. يعني: أنَّ الحرف الرابع في الخماسي الأصول إنْ كان شبيهاً بالحرف الزائد وإنْ لم يكن زائداً جاز حذفه دون الآخر، وَشَمِل الشَّبيه بالمزيد ما كان من حروف الزيادة كالمثال الذي ذكرناه، وما كان شبيهاً بالحرف الزائد كـ: الدَّال من: فرزدق، فإنَّه شبيهٌ بالتاء لاشتراكهما في المخرج. وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ .. هذا شروعٌ منه في الخماسي والرباعي المزيد، الرباعي المزيد بِحرفٍ صار خماسياً، أو الخماسي المزيد .. الخماسي بزيادة. (وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) (الْعَادِي) يعني: الذي تَعدَّى وجاوز الرُّباعي، (احْذِفْهُ) احذف زائد العادي الرُّباعي، ما إعراب (زَائِدَ)؟ منصوب على الاشتغال، (احْذِفْ زَائِدَ الْعَادِي) (زَائِدَ) مضاف، و (الْعَادِي) مضافٌ إليه، و (الرُّبَاعِي) الذي عَدَا جاوز الرُّباعي، (الرُّبَاعِي) هذا مفعولٌ به لـ: (الْعَادِي)، و (الْعَادِي) هذا اسم فاعل دخلت عليه (أل) حينئذٍ يعمل مُطلقاً. (وَزَائِدَ الْعَادِي) يعني: الذي تَعدَّى أربعة أحرف (احْذِفْهُ)، يعني: أن الحرف الزائد في الاسم الذي زاد على أربعة أحرف يُحذف في الجمع، فَشَمِل الرُّباعي المزيد.

قلنا: هذا البيت عَنَى به الرُّباعي المزيد: دَحْرَج، تقول: مُدَحْرِج، هذا رباعي مزيد أو مُجرَّد؟ أصله: دَحْرَج (فَعْلَل)، زِدْتَ عليه الميم: دَحْرَج يُدَحْرِجُ مُدَحْرِجْ، (مُدَحْرِج) هذا رباعي مزيد، إذا أرَدْتَ جمعه حينئذٍ لا بُدَّ من حذفٍ، لأنَّه على خمسة أحرف، و (فَعَالِل) على خمسة أحرف، لا بُدَّ من الحذف. إذاً: شَمِل الرُّباعي المزيد نحو: مُدَحْرِج، والخماسي المزيد نحو: قَبَعْثرى، خماسي مزيد بحرف واحد يعني: على ستة أحرف، إلا أنَّ الأول يُحذف منه الزَّائد فقط، فتقول في (مُدَحْرِج): دَحَارِج، مُدَحْرِج وَمُدَحْرِج وَمُدَحْرِج، كُلٌّ منهم مُدَحْرِج، تجمعه على: دَحَارِج (فَعَالِل) حذفت الميم، لأنَّه ليس عندنا حرف زائد إلا هو فتَعيَّن حذفه. والثاني: قَبَعْثرَى، هو خُماسي وزيد عليه حرفٌ، كم نحذف؟ هو قال: وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ .. الزائد احذفه، إذاً: صار على خمسة، (وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ الآخِرَ احذف)، كونه خُماسي نحذف الخامس، وكونه زِيد عليه حرف حتى صار ستة أحرف نحذف الزائد، إذاً: من الخماسي المزيد بحرف نحذف منه حرفين، والرُّباعي المزيد بحرف نحذف منه حرفاً واحداً. إذاً: (مُدَحْرِج) هذا رُباعي مزيد بحرف، وهو خماسي مزيد، حينئذٍ نحذف منه حرفاً واحداً فحسب وهو الميم فنقول: دَحَارِج. وأمَّا: (قَبَعْثرَى) فهذا نحذف منه الزائد وهو الألف .. ألف الإلحاق هذه، أو قيل: التكثير، والحرف الذي قبل الزائد؛ لِمَا سبق أنَّ الخماسي الأصول يُحذف آخره، فتقول في جمع (قَبَعْثَرى): قَبَاعِث (فَعَالِل)، حذفت منه الألف: قَبَعْثَرى، ألف حُبْلى هذه .. للتكثير، وحذفت منه أيضاً الخامس وهو الراء، قلت: قَبَاعِث، أين الراء؟ محذوفة لقوله: (مِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ الآخِرَ احذف) حذفت الأخير وهو الخامس، وحذفت الزيادة، ودخل في عبارته ما كان من خمسة أحرف قبل آخره لين، هذا سيأتي. وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ .. إذاً: عرفنا مراده بهذه الجملة: أنَّ ما زاد على أربعة أحرف وهو في الأصل أصول: دَحْرَج يُدَحْرِج مُدَحْرِج، زيد عليه حرف واحد، إذا جمعته على (فَعَالِل) .. (زَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) ما زاد على أربعة حروف احذفه، فتحذف الميم فتقول: دحارج. شَمِل الخماسي المجرَّد إذا زيد عليه حرفٌ واحد صار ستة أحرف، (وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) ما زاد على أربعة أحرف من الخماسي المجرَّد احذفه وهو حرفان، حُذِفت اللام للقاعدة السابقة، وَحُذِف الزَّائد لهذه القاعدة، حينئذٍ يُحذف منه حرفان فَيُقال: قَبْعثرَى .. قَبَاعِث، بحذفها. قال: مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً إِثْرَهُ اللَّذْ خَتَمَا .. هذا استثناء من قوله: وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ ..

ودخل في عبارته ما كان من خمسة أحرف قبل آخره لين، نحو: قرطاس، فأخرجه بقوله: (مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً) يعني: هذا استثناء، إلا إذا كان زائد الخماسي قبل آخره حرف لين، يعني: حرفٌ من حروف العِلَّة قبل الآخر، فإن كان كذلك لم يُحذف، بل يُجمع على (فَعَالِيلَ) مثلاً: عصفور، كم حرف؟ خمسة، حينئذٍ هل نحتاج إلى حذفٍ؟ نحن نجمعه على: عصافير، هل حُذِف منه آخر؟ الراء موجودة، حينئذٍ نقول: إذا كان قبل الآخر حرف لين أُبْقِي الآخر ولا يُحذف، لأن هذا الآخر سينقلب ياء. إذاً: قوله (لَمْ يَكُ لَيْنَاً) احترز به من نحو: عصفور وقرطاس، فإنَّه يُقال: عصافير وقراطيس، وكذلك: قنديل يُقال فيه: قناديل، فيبقى على أصله ولا يُحذف منه، لأنَّ هذا الحرف .. حرف اللين سينقلب ياءً فصار خفيفاً، فلا يُحذف من ذلك شيء، لأنَّ بنية الجمع تصحُّ دون حذفٍ فتقول: قراطيس وقناديل وعصافير. إذاً قوله: (مَا)، (مَا) هذه ظرفيَّة مصدريَّة، (لَمْ يَكُ) يعني: الزائد، (لَيْنَاً) يعني: حرف لين، وسبق المراد بحرف لين، (إِثْرَهُ) يعني: بعده (اللَّذْ خَتَمَا) يعني: الذي .. لغة في: (الذي) .. (اللَّذْ)، (خَتَمَا) الألف للإطلاق، و (اللَّذْ خَتَمَا) ما هو؟ الحرف الخامس .. الحرف الأخير ختم الكلمة، ولذلك حذف المفعول، ختم ماذا؟ ختم الكلمة بعده، يعني: آخر حرف هو. (إِثْرَهُ) هذا خبر (اللَّذْ)، (لَمْ يَكُ لَيْنَاً) لم يَكُ الزائد ليْناً، أي: يُحذف زائد الخماسي إذا لم يكن .. إذا (لَمْ يَكُ) حرف لينٍ قبل الآخر، فإن كان كذلك لم يُحذف بل يُجمع على (فَعَالِل) هذا استثناءٌ من قوله: . . . . . . . . . وَمِنْ خُمَاسِي ... جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ قال الشَّارح هنا: من أمثلة جمع الكثرة (فَعَالِل) وَشِبْهُه، وهو كل جمعٍ ثالثة ألفٌ بعدها حرفان، فَيُجمع بـ: (فَعَالِل) كل اسمٍ رباعي غير مزيدٍ فيه، نحو: جعفر وجعافر، وَزِبْرِج وَزَبَارِج، وَبُرْثُنْ وَبَرَاثِن". إذاً: رباعي مُطلقاً سواءٌ كان مُجرَّداً أو مزيداً فيه، يُجمع على (فَعَالِل)، وليس فيه حذف، لأنَّ الوزن أكثر عدداً من الموزون: جَعْفَر، على أربعة أحرف، وَجَعَافِر على خمسة أحرف، إذاً: ألف التكسير .. ألف الجمع موجودة فلا إشكال فيه. وَيُجمع بشبهه كل اسمٍ رباعي مزيدٍ فيه، نحو: جَوْهر .. جَوَاهر، ليس (فَعَالِل) هذا (فَوَاعِل)، وَصَيْرَف .. صَيَارِف .. (فَيَاعِل) ومسجد .. مساجد (مَفَاعِل)، هذا كُلُّه شبه (فَعَالِل) ليس على وزن (فَعَالِل) إنَّما هو شبيهٌ به. واحترز بقوله: (مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) من الرُّباعي الذي سبق ذكر جمعه كـ: أحمر، (أحمر) هذا رُبَاعي: حمراء، هذا مؤنَّث الرُّباعي، ونحوهما مِمَّا سبق ذكره، فهذا له أوزانٌ مُستقرِّة، وأشار بقوله: . . . . . . . . . وَمِنْ خُمَاسِي ... جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ إلى أنَّ الخماسي المُجرَّد عن الزيادة يُجمع على (فَعَالِل) قياساً، وَيُحذف خامسه، نحو: سَفَارِج في: سَفَرْجَل، وَفَرَازِد في: فَرَزْدَق، وَخَوَارِنْ في: خَوَرْنَق.

وأشار بقوله: (وَالرَّابِعُ الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ) البيت .. إلى أنَّه يجوز حذف رابع الخماسي المُجرَّد عن الزيادة وإبقاء خامسه، إذا كان رابعه مُشْبِهاً للحرف الزائد، بأن كان من حروف الزيادة كـ: نون خورنق، أو كان من مخرج حروف الزيادة كدال: فرزدق، فيجوز أن يُقال: خَوَارق وفرازق، والكثير الأول: وهو حذف الخامس وإبقاء الرابع ولو كان شبيهاً بالمزيد، نحو: خَوَارِنْ وَفَرَازد. فإن كان الرابع غير مُشْبِه للزائد لم يَجُز حذفه، ولذلك قلنا: هذا كالاستثناء مِمَّا سبق، لم يَجُز حذفه بل يَتعيَّن حذف الخامس، فتقول: سَفَرْجَل .. سَفَارِج، ولا يجوز: سَفَارِد، بحذف الجيم هذا لا يجوز، لأنَّ الجيم ليست شبيهةً بالزائد. وأشار بقوله: (وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) .. البيت، إلى أنه إذا كان الخماسي مزيداً فيه حرفٌ، حذف ذلك الحرف، إذا كان الخماسي مزيدًا فيه، يعني: رباعي مزيد بحرف، حُذِف ذلك الحرف، لأنَّه لا يكون خماسي مُجرَّد وفيه حرفٌ مزيد، خماسيٌّ مُجرَّد يعني: كُلُّ حروفه أصول، هذا لا يكون مزيداً البتَّة، وإنمَّا أراد هنا بالخماسي: مزيداً فيه حرفٌ حُذِف ذلك الحرف إن لم يكن حرف مَدٍّ قبل الآخر، فتقول في: (سِبَطْرَى): سَبَاطِر، وفي (فَدَوْكَس): فَدَاكِس، وفي (مُدَحْرِج): دحارج .. عمَّم قوله: خُمَاسِي، والأولى التفصيل، أن يُقال: رباعي مزيد، وهو خماسي أصله رباعي زيد فيه حرفٌ، فَيُحْذَف ذلك الحرف ولا إشكال فيه، لأنَّ الرُّباعي مطلقاً أصول أو مزيد يُجمع على (فَعَالِل) بلا حذفٍ، وأمَّا إذا زيد عليه حرفٌ صار خماسي مثل: مُدَحْرِج، حينئذٍ يُجمع على: دحارج، تحذف الميم .. حرف واحد، وكذلك الخماسي المُجرَّد إذا زيد عليه حينئذٍ صار سداسياً. يُحذف منه حرفان: الخامس للقاعدة الأصل وجوباً، إلا إذا كان الرابع شبيهاً بالمزيد فيجوز حذف الرابع دون الخامس مع حرف الزيادة، مثل: قَبَعْثَرى، فإن كان الحرف الزائد حرف مَدٍّ قبل الآخر لم يُحذف، بل يُجمع الاسم على (فَعَاليل) نحو: قرطاس، هذا على خمسة أحرف، حينئذٍ لا يُحذف الخامس، ما كان على وزن: قرطاس، هذا خماسي لا يُحذف خامسه، لأنَّ ما قبل آخره الذي الأصل فيه: أنَّه يُحذف حرف مد وهو ألفٌ، حينئذٍ يُقال فيه: قراطيس، قنديل .. قناديل، عصفور .. عصافير. إذاً قوله: (وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي) نقول: المراد به نحو: قَبَعْثَرى، مِمَّا أصوله خمسة، فهذا ونحوه إذا جُمِع حُذِف منه حرفان: الزائد، وخماسيَّ الأصول، فتقول فيه: قَبَاعث، وَشَمِل قوله: (لَيْنَاً) استثناء (مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً) إلا إذا كان حرفاً ليناً قبل آخره. مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً اللَّذْ خَتَمَا إِثْرَهُ .. يعني: بعده الذي خَتَم، إذاً مفهومه: أنَّ حرف اللين متى يكون .. في أي موضع؟ قبل الأخير وهو الرَّابع، وَشَمِل قوله: (لَيْنَاً) ما قبله حركةٌ مجانسة، يعني: ألفٌ فتحة، وواوٌ ضمَّة، وياءٌ كسرة: قِنْدِيل، ياءٌ قبلها كسرة: عُصْفُور، واو قبلها ضمَّة، قرطاس.

إذاً: أحرف اللين قبلها حركةٌ مُجانِسة، والأمثلة كما ذكرنا، كذلك دخل فيه ما قبله حركة غير مُجانِسة نحو: غُرْنَيْق، ياء قبلها فتحة غير مُجانِسة ليست كـ: قِنْدِيل، وَفِرْدَوْس، واوٌ قبلها فتحة، والأصل: أن يكون ضَمَّة، فِرْعَوْن، فتقول فيهما: غرانيق .. فراديس، جمع مثله يبقى على أصله. وخرج عن ذلك ما تَحرَّك فيه حرف العِلَّة نحو: هَبَيَّخ، الياء الأولى ساكنة أو مُتحرِّكة؟ ساكنة، والثانية متحرِّكة، هي الواقعة قبل الأخير، (إِثْرَهُ اللَّذْ خَتَمَا) إذاً: هي ليست ساكنة .. لا يُحذف حرف اللين .. يبقى، وخرج عن ذلك ما تَحرَّك فيه حرف اللين .. حرف العِلَّة نحو: هَبَيَّخ، فإن حرف العِلَّة فيه لا يُقلب ياءً، بل يُحذف فتقول: هبائخ، أصلها: هبايخ، جاءت الياء هنا بعد ألفٍ مثل: قايم .. قائم، صايم وصائم، قُلِبت الياء همزةً. وهنا حُذِفت لا نقول: تُقْلَب الألف ياءً، لأنَّها مُتحرِّكة، لَمَّا كانت ياء: هَبَيَّخ مُتحرِّكة، حينئذٍ نقول: هذه تُحذف على الأصل، لأنَّ حرف العِلَّة حينئذٍ ليس حرف لينٍ فَيُحْذف، وخرج أيضاً نحو: مختار ومنقاد، الألف هذه لا نقول: تُقْلَب ياء، لأنَّها هي أصلية .. مُنقلبة عن أصل: مختَيَر، ومنقاد، فإنَّه لا يُقال فيهما: مخاتير ومناقيد، مثل: عصافير وقناديل لا، بقلب الألف ياءً، لأنَّهما ليستا زائدة بل مُنقلبة عن أصلٍ فَيُقَال فيهما: مَخَاتر (مَفَاعِل) ومناقد. إذاً: يُشترط في هذا الحرف الذي يُقلب ياءً: أن يكون حرف لين، بمعنى: أنَّه يكون ساكناً ليس منقلباً عن أصل سواءٌ كان ما قبله من جنسه أو لا، حينئذٍ ما كان مُتحرِّكاً حرف اللين يُحذف مثل: هَبَيَّخ، هذا يُحذف لا نقول: ينقلب أو يبقى، كذلك ما كان مُنقلباً عن أصل مثل: مختار ومنقاد، لا نقول هنا الألف ينقلب ياءً، وإنَّما يُحذف على القاعدة. لذلك قال هنا: فإن كان الحرف الزائد حرف مَدٍّ قبل الآخر لم يُحذف، بل يُجمع الاسم على (فَعَالِيل) نحو: قرطاس وقراطيس، وقنديل وقناديل، وعصفور وعصافير. إذاً القاعدة: ما كان زائداً على ثلاثة أحرف: إمَّا أن يكون رباعياً، وإمَّا أن يكون خماسياً، وإمَّا أن يكون مزيداً فيهما، ما كان رباعياً على أربعة أحرف جُمِع على (فَعَالِل)، هذا متى؟ إذا كان مُجرَّداً، وإن كان غير مُجرَّد بل فيه زيادة مثل: جَوْهَر ومسجد، هذا يُجمع على شبه (فَعَالِل)، ولذلك: جَوَاهِر، ليست على وزن (فَعَالِل) وإنَّما هي على وزن (فَوَاعِل) وكذلك: إصبِع وأصابع، ومسجد ومساجد. إذاً: الرُّباعي قد يُجمع على (فَعَالِل)، وقد يُجمع على شبه (فَعَالِل)، متى يُجمع على (فَعَالِل)؟ إذا كان رباعي الأصول ليس فيه زائد، مثل: جعفر، نقول فيه: جَعَافِر .. (فَعَالِل)، إذا كان فيه حرفٌ زائد مثل: جَوْهَر، أو إِصْبِع، أو مسجد، حينئذٍ يُجمع على شبه (فَعَالِل) هذا الرُّباعي، هل فيه حذف حرف؟ ليس فيه حذف حرفٍ، وإنَّما التفصيل: أنَّه يُجمع على (فَعَالِل) أو على شبه (فَعَالِل)، إن كان مثل: جعفر، كلها أصول جُمِع على (فَعَالِل)، إن لم يكن كذلك على شبه (فَعاَلِل).

ننتقل إلى الخماسي: إمَّا أن يكون مجرَّداً، وإمَّا أن يكون مزيداً، إن كان مجرَّداً وجب حذف اللام آخره، من أجل أن نتمكن أن نأتي به على وزن (فَعَالِل) حذفنا الأخير: سَفَرْجَل، اللام حذفناها، قلنا: سَفَارِج، هذه القاعدة العامة، ثُمَّ ننظر إلى ما قبل الآخر: إن كان شبيهاً بالزائد لفظاً أو مخرجاً أنت مُخيَّر بين أن تحذف الرابع الشبيه بالزائد، وبين أن تحذف الخامس، والثاني أجود: وهو حذف الخامس، بل أنكره المُبِرِّد. فحينئذٍ نقول: إذا كان الرَّابع شبيهاً بالزائد فأنت مُخيَّر، إن لم يكن شبيهًا بالزائد تَعيَّن حذف الخامس وهو: اللام، مثل: سَفَرْجَل، هذا الخامس إذا كان مجرَّداً يُحذف لامه .. تَعيَّن حذف اللام إلا إذا كان الرابع شبيهاً بالزائد لفظاً أو مخرجاً فأنت مُخيَّر بين حذف الرابع أو الخامس، وحذف الخامس أجود، إن لم يكن شبيهاً بالزائد تعيَّن حذف الخامس. ننتقل إلى الرُّباعي المزيد والخماسي المزيد. الرُّباعي المزيد: ما كان على أربعة أحرف ثُمَّ زيد عليه حرفٌ، حينئذٍ صار على خمسة أحرف، إذا أردنا جمعه على (فَعَالِل) تَعيَّن حذف الخامس، وهو: المزيد، لأنَّه صار خامساً بهذا الحرف: دَحْرَج يُدَحْرِج مُدَحْرِج، الحاء والراء والجيم والدَّال موجودة هي في: دَحْرَج، إذاً: متى صار خامساً؟ بزيادة الميم، اقضِ عليها إذا أردت جمعها على (فَعَالِل)، تقول: دحارج، هي الزائدة .. هي التي اعتدت! هذا متى؟ إذا كان رباعي مزيداً بحرف. إن كان خماسي زيد بحرفٍ حينئذٍ عندنا حرفان: الخامس يُحذف على الأصل، ثُمَّ إذا زيد عليه حرفٌ كذلك نقضِ على هذا الحرف ونحذف منه حرفين، من أجل أن نأتي به على صيغةٍ من هذه الصِّيغ: (فَعَالِل) أو شبهه. إذاً: (وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ)، المراد بشبه (فَعَالِل): ما كان على شكله في كون ثالثه ألفاً بعدها حرفان، أو ثلاثة أوسطها ساكن، فما زاد على الثُّلاثي مَمَّا يُجمع على نحو (فَعَالِل) رباعي، وزائدٌ على الأربعة، فأمَّا الرُّباعي فلا إشكال في جمعه على (فَعَالِل) أصلاً، نحو: جعفر وجعافر، أو مزيداً نحو: أحمد، كيف تجمعه؟ أحامد. وأمَّا الزائد على الأربعة فخماسي الأصول نحو: سَفَرْجَل وغيره. إذاً قوله: (وَبِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ انْطِقَا) انطقاً بفعال وشبهه (فِي جَمْعِ مَا ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثَةِ مِنْ غَيْرِ مَا مَضَى) ما زاد على الثلاثي في (غَيْرِ مَا مَضَى) من نحو: رامٍ وكامل، مِمَّا استقرَّ له بناءٌ خاص، حينئذٍ تجمعه على (ِفَعَالِلَ وَشِبْهِهِ). وَمِنْ خُمَاسِي جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ .. دخل الرباعي بنوعيه في قوله: (ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثَةِ)، ولم يَتعرَّض لحذفٍ وعدمه، لأنَّه لا حذف فيه، وشرع في الخماسي مع كونه داخلاً في قوله: (ارْتَقَى فَوْقَ الثَّلاَثَة) بتفصيلٍ فيه. . . . . . . . . . وَمِنْ خُمَاسِي ... جُرِّدَ الآخِرَ انْفِ بِالْقِيَاسِ تحذف الأخير وهو مقيس، ثُمَّ استدرك فقال: (الرَّابِعُ الشَّبِيهُ) (الرَّابِعُ) من الخماسي الذي تحذف لامه .. آخره .. (الشَّبِيهُ بِالْمَزِيدِ قَدْ يُحْذَفُ تقليلاً قَدْ يُحْذَفُ دُونَ الذي تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ) وهو الخامس.

وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ .. انتقل إلى المزيد، وهذا إشارة إلى الخماسي بزيادةٍ، سواءٌ كان رباعياً زيد عليه حرف، أو خماسيَّاً وزيد عليه حرف، فالحكم عام، (وَزَائِدَ الْعَادِي) الذي تَعدَّى وعَدَى وجاوز (الرُّبَاعِي)، سواءٌ كان رباعيَّ الأصول، أو خماسي، (احْذِفْهُ) فتحذف - أطلق الحذف - تحذف حرفاً من الرُّباعي المزيد بحرف كـ: مُدَحْرِج، تحذف الميم: دحارج، وتحذف حرفين مِمَّا زيد على الخماسي، الحرف الأصلي وهو اللام، أو ما قبله إن كان شبيهاً بالزائد، وتحذف الذي زيد. مَا لَمْ يَكُ لَيْنَاً إِثْرَهُ اللَّذْ خَتَمَا .. (مَا لَمْ يَكُ) هذا استثناءٌ من الحرف الزائد، هكذا حمله ابن عقيل، فإن كان الحرف الزائد حرف مَدٍّ قبل الآخر لم يُحذف، يعني: وَزَائِدَ الْعَادِي الرُّبَاعِي احْذِفْهُ .. إلا .. إلا إذا كان هذا الزائد حرف لينٍ قبل الأخير، وهذا يُتَصوَّر في الخماسي: قرطاس، هذا رُباعي زيد قبل آخره مدٌّ، إذاً: الحكم عام، إلا إذا كان الحرف الزائد (لَيْنَاً) قبل آخره، فحينئذٍ يُقْلب هذا الحرف ياءً فلا داعي إلى حذفه، يعني: يبقى وَيُقْلَب ياءً مثل: قرطاس، تجمعه على: قراطيس، قنديل .. قناديل، عصفور .. عصافير قُلِبت الواو ياءً، وأمَّا الياء الثابتة فتبقى كما هي. وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أَزِلْ ... إِذْ بِبِنَا الْجَمِعِ بَقَاهُمَا مُخِلّْ وَالْمِيمُ أَوْلَى مِنْ سِوَاهُ بِالْبَقَا ... وَالهَمْزُ وَالْيَا مِثْلُهُ إِنْ سَبَقَا نهاية ما يصل إليه الجمع: أن يكون على مثال (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل)، أقصى جمعٍ ووزنٍ هو (مَفَاعِل وَمَفَاعيل)، ليس بعدهما وزن، ولذلك قلَّت الكلمات التي على هذا الوزن، وَكُلَّما اسْتُثْقِل اللفظ في لسان العرب صار معدوداً، وكلمَّا قلَّت الحروف صارت أكثر، ولذلك الصَّرفيُّون يُجْمِعون على أنَّ الثلاثي أكثر من الرُّباعي يعني: الكلمات لو نظرت في اللسان والقاموس تجد الثلاثية أكثر من الرباعية .. كثير جداً، والرُّباعي أكثر من الخماسي، لأنَّ الخماسي ثقيل .. كلمة طويلة، والرُّباعي أخف منه، والثلاثي أخف. ثُمَّ إذا نظرنا في الثلاثي: منه ما هو بفتحات، ومنه ما هو بفتحٍ وكسر، ومنه ما هو بفتح فضم، لا شك أن الذي بالفتحات أخف، ولذلك ما كان على وزن (فَعَلَ) أكثر، وكان التَّعدِّي فيه أكثر، لأنَّ الاستعمال له أكثر، فكلما كثر الاستعمال خفَّفوا إمَّا بإسقاط حروف، وإمَّا بوضع أصلٍ على ثلاثة حروف، وإمَّا بالحركات، كلما كثر استعمال اللفظ خُفِّف: إمَّا بحركاته، وإمَّا بوضعه على ثلاثة أحرف، وإمَّا بإسقاط حروفٌ منه: إمَّا إدغام .. إمَّا قلب .. إلى آخره، فكان (فَعَلَ) أكثر، ثُمَّ (فَعِلَ)، ولذلك لَمَّا قلَّ (فَعِلَ) في الاستعمال كان اللزوم فيه أكثر. ثُمَّ يأتي بعده (فَعُل) بفتحٍ فضم، هذا ثقيل ولذلك التزم فيه اللزوم، (فَعُل) أكثر من الرُّباعي ولو كان ثلاثي مضموم العين.

حينئذٍ نقول: نهاية ما يصل إليه الجمع أن يكون على مثال (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل)، فإذا كان في الاسم من الزوائد ما يُخِلُّ بقاؤه بأحد البنائين حُذِف، نحن نريد أن نجمع هذا اللفظ على (مَفَاعِل ومفاعيل)، حينئذٍ إذا وُجِد في الاسم ما يُخِلُّ وجود بقاء الحرف بهذين الوزنين حذف من أجل إصلاح الوزن. فإذا كان في الاسم من الزوائد ما يُخِلُّ بقاؤه .. إذا بقي هذا الزائد بأحد البنائين حُذِف، فإن تَأَتى بحذف بعضٍ وإبقاء بعض، لأنَّ الحذف قد يكون بكل ما وُجِد مثل: مُدَحْرِج، حذفنا الميم انتهينا .. ليس عندنا زائد غيره، لكن لو تأتى الوزن (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل) بحذف بعض الزيادة دون بعضٍ. حينئذٍ من الإنصاف: أنَّنا نحذف ما يُخِلُّ بالوزن، ونُبقي ما لا يُخِلُّ بالوزن، اجتمع عندنا زيادتان .. هنا النتيجة، أيُّ الزيادتين نحذف؟ أراد بهذا البيت أن يُبَيِّن لنا فيما إذا وُجِد عندنا زيادتان وتَعيَّن حذف إحدى الزيادتين، نحذف ماذا .. عندك ميم وعندك سين، هذا زائد وهذا زائد، تحذف الميم أو السين؟ عندك دال وعندك هاء، تحذف أي الحرفين الهاء أم الدّال؟ أراد أن يبين لنا بهذا البيت. إذاً: فإن تَأَّتى بحذف بعضٍ وإبقاء بعض أبقى ما له مَزيَّة، يعني: الذي له مَزيَّة من حيث المعنى ومن حيث الصدارة، فهو الذي يبقى، وما لم يكن كذلك هو الذي يُحذف، إذاً: بعض الزيادات يُنْظَر فيها فَتُقَلَّب، قد يُراد بِهذا الحرف مَعنىً .. جيء به من أجل معنى، ثُمَّ قد يكون في صدر الكلمة، وعند الصرفيين أنَّ الحذف من الأطراف هو القياس، ثُمَّ هذا الحرف الزائد قد يكون في الطَّرف، وقد يكون في الأثناء، وقد يكون في الأول. إذاً: فإن تأتَّى بحذف بعضٍ وإبقاء بعض أبقى ما له مزيَّة .. الذي له مزيَّة، بأن يكون له معنى حينئذٍ هو الذي يبقى، هذه قاعدة عامة، هو يذكر لك مثالاً .. ذكر لك: مستدعي، فيه سين وميم وتاء، الميم لا شك أنَّها لمعنى تدلُّ على مُفاعلة، ثُمَّ هي في الصدر، والحذف في الصدر، يعني: في أول الكلمة هذا قليل جداً، ولذلك ضُعِّف مذهب الكوفيين في كون (اسمٍ) حُذِف منه الواو، أصله: (وسم) قالوا: الحذف في الأواخر: (سموٌ) أكثر فالحمل عليه أولى، إذاً: له نظير، أمَّا الحذف من الأول هذا فيه خلل، لأنَّه أول الكلمة، وهو الذي تعتمد عليه الكلمة، حينئذٍ لا يُحذف. إذاً: ما كان في صدر الكلمة مُقدَّم في الإبقاء مِمَّا كان في آخرها، وما كان في الأثناء مُقدَّم في الإبقاء على ما كان في آخرها، إذاً: إذا تَأَّتى الوزن بحذف بعضٍ وإبقاء بعض أبقى ما له مَزيَّة وحذف غيره، فإن تكافئا ليس لأحدهما مَزيَّة، خُيِّر الحاذف بين أن يحذف هذا أو ذاك، وعلى هذا فقول النَّاظم: وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أَزِلْ ..

(مُسْتَدْعٍ) هذا البيت أراد به بيان ما يُحذف من مزيد الثلاثي، لأنَّ (مُسْتَدْعٍ) دعى، فهو ثلاثي زِيد عليه ثلاثة أحرف، إذاً: أصله ثلاثي لأنَّ مستدعياً كذلك، لأنَّ أصوله ثلاثة: الدَّال والعين والياء، وزيدت عليه ثلاثة أحرف: الميم والسين والتاء، وبقاء الجميع: الميم والسين والتاء مع الدَّال والعين والياء مُخِل بالبناء، لأنَّ (فَعَاَلل) على خمسة أحرف وهذا ستة، لا يأتي .. لا بُدَّ من الحذف، والحذف هنا لا يُمكن أن يُحذف الدَّال ولا العين ولا الياء، لا بُدَّ الحذف من السين أو التاء أو الميم، واحدٌ من هذه الثلاثة. إذاً: فيه ثلاث زوائد: الميم والسين والتاء، وبقاء الجميع مُخِلٌّ ببناء الجمع، فَيُحْذَف ما زاد على أربعة أحرف، لأنَّ: سَفَرْجَل، هناك يُحذف الخامس، إذاً: يبقى على أربعة أحرف، ويبقى ألف (فَعَا) باقية، نريد (مُسْتَدْعٍ) أن يكون على أربعة أحرف حتى نجمعه على (فَعَالِل). إذاً: لا بُدَّ من حذف حرفين: إمَّا الميم والسين .. إمَّا الميم والتاء .. إمَّا السين والتَّاء، فحينئذٍ يُحذف ما زاد على أربعة أحرف وهو السين والتاء، فنقول في جمعه: مَدَاعٍ (فَعَالِل) أصله: مداعي، مثل: جَوَارٍ وغواشٍ. لذلك قال هنا: وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أَزِلْ .. أزل السين والتاء من: (كمستدعٍ) وأبقي الميم. إِذْ بِبِنَا الْجَمِعِ بَقَاهُمَا مُخِلّ .. (بَقَاهُمَا) قصره للوزن، (إِذْ بِبِنَا الْجَمِعِ) (إِذْ) للتعليل، بقاء الجمع بهذه الحروف الثلاثة ومنها: السين والتاء (مُخِلّ) لا يمكن أن يأتي (فَعَالِل) وهو خمسة أحرف وَيُجمع عليه (مُسْتَدْعٍ)، هذا فاسد يُخِل بالوزن، (وَالْمِيمُ أَوْلَى بِالْبَقَا) من السين والتاء، لماذا؟ قالوا: لِمَا له من المزيَّة على السين والتاء من حيث المعنى، لأنَّها تدلُّ على معنى اسم الفاعل، ولذلك إذا أُريد اسم الفاعل حينئذٍ يُنْظَر في فعله: استدعى .. يستدعي فهو مستدعي، جئنا بميمٍ مضمومة تدلُّ على المفاعلة .. على أنَّه اسم فاعل، إذاً: هذا الحرف جيء به للدَّلالة على معنى، بخلاف السين والتاء، وما دلَّ على معنى أولى بالبقاء مِمَّا لم يدل على معنى، هذا أولاً. ثانياً: له الصدارة، والحرف الذي يُبْتَدأ به ولو كان زائداً في أول الكلمة له قوة، والحذف إنَّما يكون في الأثناء وفي الأطراف، وفي الأطراف أكثر، يعني: الطرف الأخير من جهة اللام، وأمَّا من الأول هذا لا نظير له. إذاً: وَالْمِيمُ أَوْلَى بِالْبَقَا مِنْ سِوَاهُ .. من سوى الميم وهو السين والتاء، لِمَا له من المزيَّة على غيره من أحرف الزيادة، وهذا لا خلاف فيه، يعني: ببقاء الميم وحذف السين والتاء، لا خلاف فيه متى؟ إذا كان ثاني الزائدين غير مُلْحَقٍ كـ: نون منطلق .. إذا كان ثاني الزائدين غير مُلْحَق، يعني: لم تكن الزيادة للإلحاق كنون (منطلق) ميم .. نون، زائدان أم أصليان؟

(منطلق) على وزن (مُنْفَعل)، إذاً: الميم زائدة والنون زائدة، النون هذه هل زيدت للإلحاق؟ لا، ليست للإلحاق، فتقول في جمعه: مَطَالق، بحذف النون وإبقاء الميم، أمَّا إذا كان ثاني الزائدين ملحقاً كسين: مُقْعَنْسِسْ .. اقْعَنْسَسَ، السين الثانية زيدت للإلحاق: احْرَنْجَم، حينئذٍ السين الثانية هذه زيدت للإلحاق. فكذلك عند سيبويه تُحذف، فالحكم عام عند سيبويه يُحذف ما عدى الميم سواءٌ كان هذا الحرف الزائد للإلحاق، كما في سين: مُقْعَنْسِس، أم ليس للإلحاق كما في نون: منطلق، فالحكم عام بلا تفصيل، فيقال: مقاعِس (مَفَاعِل) بحذف السين الثانية وإبقاء الميم. وخالف المُبِرِّد فحذف الميم وأبقى الملحق وهو السين، لأنَّه يُضاهي الأصل فَيُقال عنده: قعاسس، بحذف الميم، وإن كان هنا تعارض كُلٌّ منهما لمعنى، فالميم لمعنى والسين لمعنى، لكن المشهور هو ما ذهب إليه سيبويه، وَرُجِّح مذهب سيبويه بأنَّ الميم مُصدَّرة، يعني: في أول الكلمة فلا تُحذف، وهي لمعنىً يَخصُّ الاسم فكانت أولى بالبقاء، والسين وإن كانت لمعنى لكنَّها من جهة اللفظ لا من جهة المعنى. (لمعنى) بمعنى: أنَّها تُلحقها بوزنٍ وهو وزن: احْرَنْجَم، أصله: قَعَس، اقعنسس .. (احْرَنْجَم) إذاً: السين الثانية للإلحاق: اَحْرَنْجَم .. يَحْرَنْجِم .. احْرِنْجَاما، اقْعَنْسَسَ .. يَقْعَنْسِسُ .. اقْعِنْسَاسَا، إذاً: من باب الإلحاق، والإلحاق لا شك أنَّه أمرٌ لفظي ليس معنوياً، والميم لشيءٍ يَتعلَّق بالمعنى، إذاً: له أثر في الاسم .. في المدلول. إذاً: ما كان له أثر في المدلول وأثَّر في المعنى أولى بالبقاء مِمَّا زِيد لأثرٍ يَتعلَّق بلفظ الاسم، وهذا واضح بيِّن ولذلك رُجِّح مذهب سيبويه، مع كون الميم كذلك مُصدَّرة والحذف في الصدور قليل النَّظير. وَالسِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ أَزِلْ .. أزل السين .. (السِّينَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (أَزِلْ)، (وَالتَّا) معطوفٌ عليه قصره للضرورة، (والتاء) هذا الأصل. (مِنْ كَـ مُسْتَدْعٍ) (مِنْ كَـ) دخلت (مِنْ) هنا على الكاف، فدل على أن الكاف اسمية، يعني: من مثل (مُسْتَدْعٍ) والكاف: اسمٌ بمعنى (مِثْل) مبنيٌّ على الفتح في محل جر بـ (مِنْ)، وهو مضاف، و (مُسْتَدْعٍ) مضافٌ إليه، (أَزِلْ) هذا فعل أمر .. أنت. أَزِلْ السِّينَ وَالتَّا مِنْ كَمُسْتَدْعٍ .. (إِذْ) للتعليل (بِبِنَا الْجَمِعِ) .. ببناء الجمع، وهو (فَعَالِل)، (بَقَاهُمَا مُخِلّ) (بِبِنَا الْجَمِعِ) الباء هنا: حرف جر، و (بِنَا الْجَمِعِ) مضاف ومضاف إليه، يعني: بناء الجمع (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل) (بَقَاهُمَا) .. بقائهما قصره للضرورة: بقاؤهما يعني: بقاء السين والتاء (مُخِلٌّ بِبِنَا الْجَمِعِ). إذاً قوله: (بِبِنَا الْجَمِعِ) مُتعلِّق بقوله: (مُخِل)، وحينئذٍ يكون التقدير: إذ بقاؤهما مُخِلٌّ ببناء الجمع، بخلاف بقاء الميم، وهذا فيما إذا تعارض عندنا زيادتان، وكان الخلل ببعض الزيادة دون بعض، فيَتعيَّن حذف إحدى الزيادتين وإبقاء الزيادة الأخرى، أيُّ الزيادتين أولى بالتقدير، أو بالحذف، أو بالإبقاء دون الأخرى؟ نَنْظر إلى المعنى على ما ذكرنا.

(وَالْمِيمُ أَوْلَى) (أَوْلَى) يعني: (بِالْبَقَا)، إذاً قوله: (بِالْبَقَا) مُتعلِّق بقوله: (أَوْلَى). (مِنْ سِوَاهُ) كذلك مُتعلِّق بقوله: (أَوْلَى)، فالميم مبتدأ، و (أَوْلَى) خبره، و (بِالْبَقَا) و (مِنْ سِوَاهُ) مُتعلِّقان بقوله: (أَوْلَى)، (مِنْ سِوَاهُ) يعني: من سوى الميم، (بِالْبَقَا) قصره للضرورة. وَالهَمْزُ وَالْيَا مِثْلُهُ إِنْ سَبَقَا .. (مِثْلُهُ) يعني: مثل الميم في كونهما (أَوْلَى بِالْبَقَا)، (إِنْ سَبَقَا): إن تصدَّرا في الكلمة، لماذا؟ لأنَّ الهمزة تأتي للمضارعة إذا أريد بها المُتكلِّم، وتأتي في أول المضارع ويراد بها: الغائب، وأراد بهذا المثال: ألَنْدَد، المراد به: الخصم، يقال: ألَنْدَد ويَلَنْدَد، إذا أردت جمعه على (مَفَاعِل وَمَفَاعِيل) حينئذٍ صار على خمسة أحرف، لا بُدَّ من حذف حرفٍ، وهنا الزائد: الهمزة والنون، أيُّ الحرفين أولى بالبقاء؟ قال ابن مالك: وَالهَمْزُ أَوْلَى إِنْ سَبَقَا .. وهنا: ألنددٍ، نقول: هذا بقاء الهمزة أولى، وكذلك في: يلندد، في جمعهما تقول: ألادَّ ويلادَّ، فتحذف النون وَتُبْقَى الهمزة .. وَتُبْقَى الياء، لأنَّ الهمزة والياء يستعملان ويراد بهما معنىً في غير هذا اللفظ، وهو: الهمزة للمُتكلِّم، والياء للغائب. (وَالهَمْزُ) مبتدأ، (وَالْيَا) قصره للضرورة، عطفٌ عليه، (مِثْلُهُ) يعني: مثل الميم، (إِنْ سَبَقَا) يعني: وقع في أول الكلام (مِثْلُهُ) أي: مثل الميم في كونهما أولى بالبقاء، (إِنْ سَبَقَا) الألف هذه: فاعل، أي: تَصدَّرا، ولأنَّهما في موضعٍ يقعان فيه دالَّين على معنىً، وهو دلالتهما على المُتكلِّم والغائب في الفعل المضارع. قال الشَّارح هنا: إذا اشتمل الاسم على زيادةٍ لو أُبْقِيت، يعني: هذه الزيادة لاخْتَلَّ بناء الجمع، كيف يَختل؟ لأنَّ (فَعَالِل وَمَفَاعِل) هذا على خمسة أحرف، وتكون الكلمة بالزيادة على خمسة أحرف أو ستة أحرف، وعندنا (فَعَا) الألف هذه زائدة ليست في الكلمة التي سَتُجْمَع، حينئذٍ كيف نأتي بهذه الخمسة أحرف على وزن (فَعَالِل) لا بُدَّ من حذفٍ، وعندنا زيادتان. لو أُبْقِيت لاخْتَلَّ بناء الجمع الذي هو نهاية ما تَرْتَقى إليه الجموع وهو (فَعَالِل وَفَعَالِيل)، حُذِفت الزيادة، فإن أمكن جمعه على إحدى الصيغتين بحذف بعض الزائد وإبقاء البعض فله حالتان، هنا جمع بين مسألتين، حُذِفت الزيادة ثُمَّ يأتي الوزن دون خلل ولا إشكال، وهذا فيما إذا كان على حرفٍ واحد .. الزائد حرفٌ واحد، وأمَّا إذا كان أكثر حينئذٍ يَتعيَّن حذف إحدى الزيادتين وإبقاء الأخرى، وهذا على حالتين: إحداهما: أن يكون للبعض مزيَّةٌ على الآخر، يعني: أحدهما له معنى كالميم والسين، الميم لها مَزيَّة على السين والتاء، إذاً: ليستا في درجةٍ واحدة. النوع الثاني: ألا يكون كذلك .. مُخيَّر، والأولى هي المرادة هنا في هذا البيت، والثانية في البيت الذي يأتي.

ومثال الأولى: (مُسْتَدْعٍ) فتقول في جمعه: مَدَاعٍ (مَفَاعِل)، فتحذف السين والتاء، لأنَّ بقائهما يُخِلُّ ببنية الجمع، وَأُبْقِيت الميم لأنها مُصدَّرة، يعني: لها مزيَّة في المعنى على السين والتاء، لكون زيادتها لمعنىً مختصٍّ بالأسماء، بخلاف السين والتاء فإنهما يزادان في الأسماء والأفعال، (وَالْمِيمُ) مُصدَّرة، ومجرَّدة للدَّلالة على معنى وهو اسم الفاعل. وتقول في أَلنْدَدٍ وَيَلَنْدَدٍ، يعني: في جمعهما: ألادَّ وَيَلادَّ، فتحذف النون وَتُبْقِى الهمزة من: أَلَنْدَدْ، والياء من: يَلَنْدَدْ، ولذلك تقول: (ألادَّ) أبقيت الهمزة وحذفت النون، و (يلادَّ) أبقيت الياء وحذفت النون، لماذا؟ لِتَصَدُّر كُلٍّ من الهمزة والياء، يعني: وقعت صدراً، وحذف الصدر هذا لا نظير له، أو له نظير لكنَّه ليس بالكثير، وَحَملُ الشيء على ما له نظير أولى. ولأنَّهما في موضعٍ، يعني: في مكانٍ يقعان فيه دَالَّين على معنىً، وذلك في الفعل المضارع، يعني: شُبِّهت همزة: ألندد، بهمزة: أقوم، وقعت في الأول ووقعت في الأول، هناك في: أقوم، دلَّت على معنى، إذاً: حُمِل هذا على ذاك .. شابهه فأخذ حكمه، كأنَّها دلَّت على معنى، هي لم تدل على معنىً هنا، وإنَّما وقعت في موضعٍ تقع فيه الهمزة تدل على معنىً وذلك في الفعل المضارع. وكذلك: يلندد، الياء هنا وقعت في موقع: يقوم، و (يقوم) هذه الياء تدلُّ على الغَيْبَة، حينئذٍ ياء: يلندد، لا تدلُ على الغَيْبَة، وإنَّما وقعت في محلٍّ لو كان الفعل فعلاً مضارعاً لدلَّت على معنىً، إذاً: المشابهة في المحل فحسب. بخلاف النون فإنها في موضعٍ لا تدل فيه على معنىً أصلاً، وهذه مزيَّة معنوية هنا، والألندد واليلندد: الخصم، يُقال: رَجُلٌ ألندد ويلندد: أي خَصِمٌ مثل: الألد. ثُمَّ قال: وَالْيَاءَ لاَ الْوَاوَ احْذِفْ انْ جَمَعْتَ مَا ... كَحَيْزَبُونٍ فَهْوَ حُكْمٌ حُتِمَا (وَالْيَاءَ لاَ الْوَاوَ احْذِفْ) احذف الياء، (الْيَاءَ) مفعول مُقدَّم لقوله: (احْذِفْ)، (لاَ الْوَاوَ) عطف، يعني: لا تحذف الواو، (انْ جَمَعْتَ مَا) هذا مفعولٌ به، (كَحَيْزَبُونٍ) وعيطموس، (حَيْزَبُون) هذا فيه زيادتان: الواو والياء. قال: احذف الياء ولا تحذف الواو، (فَهْوَ) الفاء للتعليل، و (هْوَ) مبتدأ، (حُكْمٌ) هذا خبر، (حُتِمَا) أي: الحكم، والألف للإطلاق، والجملة صفة لـ: (حُكْم). إذا كان مثل: حيزبون وعيطموس، نقول هنا: لا نحذف الواو بل نبقيها، ونحذف الياء، والتعليل: أنَّنا لو حذفنا الواو لم نستفد شيئاً في الوزن، لأنَّنا لو حذفنا الياء سنحذف الواو مرةً أخرى، كما سيأتي. قال الشارح هنا: إذا اشتمل الاسم على زيادتين، وكان حذف إحداهما يتأتَّي معه صيغة الجمع، وحذف الأخرى لا يَتأتَّى معه ذلك، حُذِف ما يَتأتَّى معه صيغة الجمع وَأُبْقِى الآخر. وهذا واضح، عندنا زيادتان إحداهما: بحذفها يتأتَّى الجمع، والأخرى لا يتأتَّى الجمع، حينئذٍ ماذا نُبقي، وماذا نحذف؟ نُبْقِي ما لا يَتأتَّى الجمع إلا بها، ونحذف ما يَتأتَّى الجمع بدونها.

فتقول في حَيْزَبُون: حَزَابِين، حذفت الياء وَقُلِبت الواو ياءً: حزابين، فتحذف الياء وَتُبْقِى الواو، فَتُقْلَب الواو ياًء لسكونها وانكسار ما قبلها، لأنَّك ستقول: حزابِوْ، باء مكسورة ثم واوٌ ساكنة، سكنت الواو وانكسر ما قبلها، ثُمَّ قُلِبت الواو ياءً. إذاً: قلبت الواو ياءً، (حَزَابِين) فتحذف الياء وتبقى الواو فَتُقْلَب ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها، وَأُوُثِرت الواو بالبقاء دون الياء، لأنَّ حذف الياء يستلزم بقاء الواو لو حُذِفت الواو. قال ابن عقيل: "لأنها - يعني: الواو - لو حُذِفت لم يُغْنِ حذفها عن حذف الياء". يعني: لا بُدَّ أن تحذف الياء، لو بدأت بحذف الواو ستحذف الياء غصبًا عنك، وأمَّا إذا حذفت الياء لا، تُبْقِي الواو، وأيُّهما أولى: إذا كان الوزن يتأتَّى بحذف الياء وتبقى الواو، أو بحذف الواو ويستلزم حذف الياء .. أيُّهما أولى بالحذف؟ حذف ما لا يستلزم حذف غيره، لأنَّنا إذا حذفنا الياء تبقى الواو، وأمَّا إذا حذفنا الواو يلزم منه حذف الياء؛ لأنَّها لو حُذِفت الواو لم يغنِ حذفها عن حذف الياء، يعني: لم نستغن بحذفها عن حذفٍ .. لا بُدَّ أن نحذف الياء، لأن بقاء الياء مُفَوِّتٌ لصيغة منتهى الجموع، لأنَّك لو حذفت الواو ماذا تقول؟ حزابين، احذف الواو، حيزابٍ .. لا ليس الأمر كذلك. هنا قال: لأنَّ حذف الياء يستلزم بقاء الواو، ولو حُذِفت الواو لم يغنِ حذفها عن حذف الياء، إذ لا يُمكن بها صيغة الجمع، فَتُحْذَف الياء، لأنَّ حذف الواو مُحْوِجٌ إلى حذف الياء فتقول: حَزَابٍ، إذ لا يقع بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف أوسطها ساكن إلا وهو معتل". هنا كم حرف بقي: حَزَابٍ؟ بقي عندنا حرفان، إذ لا يقع بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف أوسطها ساكن إلا وهو معتل، لو قيل: حَزَابِين، لا بُدَّ أن يبقى بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، فَتُحْذَف الياء، لأنَّ حذف الواو مُحْوجٌ إلى حذف الياء، فتقول: حزابٍ (فَعَاليل) حزابِون .. ليس الأمر كذلك، لكن لو قيل: حزابٍ، لا يوجد إشكال إلا إذا أُريد به على وزن (مَفَاعِيل) حينئذٍ لا بُدَّ أن يبقى ثلاثة أحرف بعد الألف، وأمَّا إذا كان على وزن (مَفَاعِل) لا إشكال، حَزَابٍ، وأما إذا أُريد أن يُجمع على (مفاعيل) لا بد أن يبقى ثلاثة أحرف بعد الألف. على كُلٍّ المعلل هنا: لأن بقاء الياء مُفَوِّتٌ لصيغة منتهى الجموع: والحيزبون العجوز. وَالْيَاءَ لاَ الْوَاوَ احْذِفْ انْ جَمَعْتَ مَا ... كَحَيْزَبُونٍ. . . . . . . . . . . . . . يعني: يجب إيثار بقاء الواو في: (حَيْزَبُوُنْ) وشبهه مِمَّا قبل آخره واوٌ، فتقول في جمعها: حزابين، ليبقى ثلاثة أحرف. نعم، إذا كان المراد (مَفَاعِيل) فحذفُ الواو يؤدي إلى حذف الياء، فيبقى عندنا حرفان بعد ألف التكسير، إذا أُريد به على وزن (مَفَاعِيل)، وحينئذٍ إذا كان المراد بها على وزن (مَفَاعِل) فالظاهر أنه لا إشكال، على كُلٍّ: يُنْظَر في المسألة هنا. وَخَيَّرُوا فِي زَائِدَيْ سَرَنْدَى ... وَكُلِّ مَا ضَاهَاهُ كَالْعَلَنْدَى هذا مِمَّا استوى فيه الزِّيادتان، وليس لأحدهما مزيَّةٌ على الأخرى فأنت مُخيَّر.

(وَخَيَّرُوا) يعني: العرب، فعل وفاعل، أو النُّحاة، (فِي زَائِدَيْ سَرَنْدَى) زائدين .. (زَائِدَيْ) هذا مضاف، و (سَرَنْدَى) مضافٌ إليه، والسَّرَنْدَى: الشديد، والأنثى: سرنداتٌ، (وَكُلِّ مَا ضَاهَاهُ) يعني: شابه (سَرَنْدَى)، مثل (كَالْعَلَنْدَى) وهو بالفتح: الغليظ من كل شيء. حينئذٍ أنت مُخيَّر بين حذف إحدى الزيادتين، يعني: أنَّه إذا لم يكن لأحد الزائدين مزيَّةٌ على الآخر كنت بالخيار، فتقول في (سَرَنْدَى) هذه النون زائدة والألف زائدة، بحذف الألف وإبقاء النون تقول: سَرَانِد وَسَرادٍ، بحذف النون وإبقاء الألف، أين الألف؟ قُلِبت ياء ثُمَّ حُذِفت لالتقاء الساكنين. وكذلك: (عَلَنْدَى)، تقول: علاند، (عَلَنْدَى) عندنا زيادتان النون والألف، تقول: علاند، بحذف الألف، و (علادٍ) بحذف النون، فتبقى الألف فَتُقْلَب ياءً، ومثلهما: حبنطى فتقول: حَبَانِطْ وَحَبَاطٍ، لأنهما زيادتان زيدتا معاً للإلحاق بـ: سَفَرَجْل، ولا مزيَّة لإحداهما على الأخرى، وهذا شأن كل زيادتين زيدتا للإلحاق، أو لم تكن للإلحاق فحينئذٍ يستويان، أو للإلحاق والأخرى لغير الإلحاق على مذهب سيبويه. (وَخَيَّرُوا) يعني: العرب، (فِي زَائِدَيْ سَرَنْدَى) (فِي زَائِدَيْ) هذا مُتعلِّق بقوله: (خَيَّرُوا)، ووزن (سَرَنْدَى) (فَعَنْلَى)، (وَكُلِّ) هذا معطوف على (سَرَنْدَى)، والذي (مَا) موصول بمعنى: الذي .. الذي (ضَاهَاهُ) يعني: ضاهى (سَرَنْدَى): شابَهه في تَضَمُّن زيادتين لإلحاق الثلاثي بالخماسي، (كَالْعَلَنْدَى) والحبنطى، حينئذٍ يجوز حذف النون أو الألف وإبقاء الآخر. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

125

عناصر الدرس * التصغير وحده .. وبعض أحكامه * أوزان التصغير * ماتوصل به إلى جمع التكسير توصل به إلى التصغير * التعويض عن الحرف المحذوف في التصغير * المواضع التي يجب فيها فتح ما بعد ياء التصغير * مالا يعتد به فيالتصغير. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: فمسألتنا اليوم في قوله: وَالْيَاءَ لاَ الْوَاوَ احْذِفْ انْ جَمَعْتَ مَا ... كَحَيْزَبُونٍ فَهْوَ حُكْمٌ حُتِمَا قلنا: (الْيَاءَ) هي التي تُحذف، لقوله: (احْذِفْ الْيَاءَ لاَ الْوَاوَ). قلنا: إنما أُوثِر حذف الياء على الواو؛ لأنَّ الواو إذا حُذِفت حينئذٍ لزم حذف الياء، لو حُذِفت الواو أولاً لم تُغْنِ هذه الواو عن حذف الياء، لَزِم أن تحذف الياء، لأنَّك لو حذفت الواو قُلْت: حَيَازِبْن، بتحريك الباء أو تسكينها. (حَيزَبُون) حَيَازِبِن، حينئذٍ جاء بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف: الزاي والباء والنون، وليس عندنا جمع تكسير بعد ألف تكسيره ثلاثة أحرف إلا أوسطها سكان .. أوسطها معتل .. حرف عِلَّة ساكن، وهنا: حَيَازِِبِن، حينئذٍ لَزِم حذف الياء، لأنَّه لو لم تحذف لخرج صيغة منتهى الجموع عن أصله. ولو حُذِفت الواو أولاً لم يُغنِ حذفها عن حذف الياء، لأنَّك لو حذفت الواو وقلت: حَيَازِبْن، بسكون الموحَّدة أو تَحرُّكها لفاتت صيغة الجمع، واحتيج إلى أن تحذف الياء أيضاً وتقول: حَزَابِنْ، وهذا أيضاً فيه خلل. وَالْيَاءَ لاَ الْوَاوَ احْذِفْ انْ جَمَعْتَ مَا ... كَحَيْزَبُونٍ. . . . . . . . . . . . . . . (حَيْزَبُونٍ) تقديم الحاء على الياء، (فَهْوَ حُكْمٌ حُتِمَا) علَّل في (التوضيح) قال: لأنَّ حذف الياء يستلزم بقاء الواو، ولو حُذِفت الواو لم يغنِ حذفها عن حذف الياء". إذاً: إذا حذفنا الياء حفظنا الواو، ولو حذفنا الواو لم يغنِ ذلك الحذف عن حذف الياء، إذ لا يُمكن بِها صيغة الجمع، فَتُحْذف الياء، لأنَّ حذف الواو مُحْوِجٌ إلى حذف الياء. إذاً قوله: (احْذِفْ الْيَاءَ لاَ الْوَاوَ) اختير حذف الياء لا الواو، لأنَّ حذف الواو يستلزم حذف الياء من غير عكس، والأولى: حذف إحدى الزيادتين دون أن تُحذف الزيادتان معاً (كَحَيْزَبُونٍ) وما كان على شاكلته. ثُمَّ قال رحمه الله: (التَّصْغِيرُ). هذا ذكره بعد جمع التكسير، إنما ذكر هذا الباب إثر باب التكسير؛ لأنَّهما كما قال سيبويه: "من وادٍ واحدٍ" لاشتراكهما في مسائل كثيرة، لأنَّ (بَابَ التَّصْغِيرِ) في بعض المسائل محمولٌ على باب التكسير، فإذا اشتركا في مسائل مُتعدِّدة كان المناسب أن يُذْكَر باب التَّصْغِير بعد التكسير، تصْغِير تفعيل مصدر: صَغَّرَ يُصَغِّرُ تَصْغِيراً. وهو في اللغة: التَّقليل. واصطلاحاً: تغييرٌ مخصوص .. يأتي بيانه، لأنَّه فرع أصلٍ، الأصل في الكلمة .. في الاسم: أن تكون مكبَّرة: رَجُلْ .. فَلْس .. زَيْد، ثُمَّ تُصغِّرها صار فرعاً، وهذا التَّصْغِير إنَّما حصل بتغييرٍ مخصوص سيأتي ذكره. إذاً: التَّصْغِير في اللغة: التقليل، واصطلاحاً: تغيير المخصوص سيأتي ذكره في مواطنه. ثُمَّ هل كل كلمة هي قابلة للتصغير؟ الجواب: لا، لا بُدَّ من شروطٍ أربعة نعرف بها أن هذه الكلمة مِمَّا يصحُّ تصغيره.

الشرط الأول فيما يُصَغَّر: أنْ يكون اسْماً، ولذلك سبق معنا أنَّ التَّصْغِير من علامات الأسماء، لأنَّه لا يُصْغَّر إلا الاسم، لأنَّ التَّصْغِير وصفٌ في المعنى: رُجَيْل، معناه: رجلٌ صغير. أنْ يكون اسْماً فلا يُصَغَّر الفعل ولا الحرف، لأنَّ التَّصْغِير وصفٌ في المعنى، والأفعال والحروف لا تُوصف .. ليست مُتضمِّنة للوصف، هي في نفسها نعم الفعل يدلُّ على وصفٍ، لكنَّه لا يوصف. ولا يُصَغَّر من الأسماء العاملة كما سبق، يعني: ليس كل اسمٍ، إنمَّا الذي يُصَغَّر ما لا يعمل، وسبق أنَّ: ضَوَيْرِب، هذا فيه نزاعٌ بين النُّحاة هل يعمل أو لا، كذلك المصدر هل يعمل وهو مصغَّر أو لا؟ ثَمَّ خلافٌ، إذاً: الأسماء العاملة عَمَل الفعل كاسم الفاعل لا تُصَغَّر، لأنَّ شرط إعمالها: عدم تصغيرها. إذاً: الفعل وما أُلْحِق به في العمل لا يُصَغَّر، وكذلك ما ضُمِّن معنى الفعل فعمل عمل الفعل من الأسماء أُلْحِق بالفعل فلا يُصَغَّر، وشَذَّ تصغير فعل التَّعجب: ما أُحَيْسِنَه، قلنا: هذا شَاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه، وسيذكره النَّاظم. إذاً الشرط الأول: أن يكون اسْماً، قلنا: ليس كل اسمٍ، يُسْتَثنى منه الاسم العامل، لأنَّه مُلحقٌ بالفعل، فالفعل وما ضُمِّن معناه وعمل عمله من الأسماء لا يُصَغَّر، وكذلك الحرف. الشَّرط الثاني: أن يكون غير مُتَوَغِّلٍ في شبه الحرف، وعبَّر بعضهم: أن يكون متمكِّناً، فالمبني حينئذٍ لا يُصَغَّر، وأمَّا: الَّتيَّ والَّذيَّ فهذا شاذٌّ كما سيأتي في آخر الباب، بعض الموصولات وبعض أسماء الإشارة صُغِّر، لكنَّه على جهة الشذوذ لمنافاة هذا الشَّرط. إذاً: ما صُغِّر من فعل التَّعجب نافى الشرط الأول، وما صُغِّر من المضمرات .. من أسماء الإشارة والموصولات نقول: هذا انتقض فيه الشرط الثاني. إذاً: أن يكون مُتمكناً .. أن يكون غير متوغِّلٍ في شبه الحرف بأن يكون مُتمكناً، فلا تُصَغَّر المضمرات .. الضمائر لا تصغر، ولا لفظ (مَنْ)، ولا (كيف) ونحوهما، لأنَّها مُتوغِّلة في شبه الحرف، وشَذَّ تصغير بعض أسماء الإشارة والموصولات كما سيأتي. الثالث: أن يكون قابلاً للتَّصغير، فلا يُصَغَّر نحو لفظ: كبير، هذا لا يُصَغَّر، لأن: كبير، إنَّما يدلُّ على شيءٍ كبير معناه، فإذا صَغَّرته حينئذٍ لا يدلُّ على المعنى الذي وُضِع له، كذلك: جسيم، ولا الأسماء المعظَّمة، لا تُصَغَّر .. غير قابلة للتصغير، ومنها: أسماء الملائكة .. أسماء الرَّبْ جل وعلا .. أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، كل هذه لا يجوز تصغيرها، بل ذهب الأحناف إلى أن من صغَّر: قمر، قال: قُمَير كفر، لأنَّ الله تعالى عظمه فأقسم به، وإذا قلت: قُمِير، حقَّرت ما عظَّمه الله عز وجل. الرابع: أن يكون خالياً من صِيَغ التَّصْغِير وشبهها، يعني: لو وُضِع اللفظ في أصل وضعه على صيغة التَّصْغِير لم يُصَغَّر، لأنَّه في اللفظ تصغير المصغَّر هذا ممتنع، هو في اللفظ مُصغَّر، وُضع أصالةً على وزنٍ من أوزان التَّصْغِير، حينئذٍ لا يُصَغَّر، لأنَّ تصغير المصَغَّر من حيث اللفظ والوزن هذا ممتنع.

إذاً: الرابع: أن يكون خالياً من صيغ التَّصْغِير وشبهها فلا يُصغر نحو: الكُمَيْت، من الخيل، كميت (فُعَيْل) لا يُصَغَّر، لأنَّ الوزن وزن تصغير (فُعَيْل) ولا: الكُعَيْت، وهو البلبل لا يُصَغَّر، لأنَّه على وزن (فُعَيْل) غير قابل للتصغير، ولا نحو: مُبَيْطِر وَمُهَيْمِن، مُبَيْطِر .. (مُفَيْعل) .. (فُعَيْعِلْ) وكذلك: مُهَيْمِن (فُعَيْعِل) هذا لا يُصَغَّر. إذاً: أربعة شروط لا بُدَّ من استيفائها ليصحَّ حينئذٍ التَّصْغِير: -أن يكون اسماً. - أن يكون متمكناً، فخرج المبني. - أن يكون قابلاً للتصغير، يعني: اللفظ من حيث المعنى. - أن يكون خالياً من صيغ التَّصْغِير. التَّصْغِير له فوائد وله أغراض، يعني: لماذا تُصَغِّر اللفظ؟ لا بُدَّ من شيءٍ يقتضي منك ذلك أن تأتي به على وزنٍ من هذه الأوزان أو الأمثلة الثلاثة. عند البصريين أغراض التَّصْغِير أربعة: الأول: تصغير ما يُتَوَهَّم كِبَره، نحو: جبل، يُصَغَّر على: جُبَيْل. الثاني: تحقير ما يُتَوهَّم أنَّه عظيم، نحو: سَبُعُ .. سُبَيْع، هو عظيم .. الناس يخافون منه، فإذا أردت التحقير أو أن تقلل من شأنه تقول: سُبَيْع. الثالث: تقليل ما تُتَوهَّم كثرته: درهم تقول: دُرَيْهِمَات. إذاً: يأتي للتقليل، ويأتي للتحقير، ويأتي لتصغير ما يُتَوهَّم أنَّه كبير. الرابع: تقريب ما يُتَوهَّم بعده زمناً أو محلَّاً أو قدراً، زمناً: قُبيل العصر، (قبل) تصغره قُبيل هذا باعتبار الزمن، مكان: فُوَيْق الدار، كذلك القَدْر والرُّتْبَة والمكانة: أُصَيْغِرُ منك، إذاً: هذه أربعة أغراض وفوائد للتصغير. بقي خامسة وهي مختلفٌ فيها بين البصريين والكوفيين وهي: التَّعْظِيمْ، هل يأتي التَّصْغِير للتَّعظيم أو لا؟ نفاه البصريون، قالوا: هذا ينافي، كيف يُصَغَّر العظيم؟! في الجملة التصغير فيه نوع تحقير .. في الجملة مع النظر فيما سبق من الأغراض في الجملة فيه معنى التحقير والتقليل من الشأن، فكيف العظيم يُؤْتَى به على زنةٍ من هذه الأمثلة الثلاث، ثُمَّ نقول المراد به: التعظيم؟! إذاً: ردَّه البصريون لِمَا ذكرناه، لأنَّ التَّصْغِير لا يكون للتعظيم، فهو ينافي التَّصْغِير. وأمَّا الكوفيون فأثبتوه، قالوا: لقول عُمَر لابن مسعود: كُنَيْفٌ مُلِئ علماً (كُنَيْفٌ) هذا تصغير: كِنْف، بكسر الكاف وإسكان النون: كِنْف، صغَّره على: كُنَيْف، وأراد به: التعظيم: كُنَيْفٌ مُلِئ علماً، وقول الشاعر: وكلُّ أُنَاسٍ سوْفَ تَدخُلُ بَينَهُمْ ... دُوَيْهِة ٌ تصْفَرُّ مِنها الأَنَامِلُ (دُوَيْهةٌ) هذا تصغير وأراد به التعظيم، إذاً: هذه الفائدة أنكرها البصريون وأثبتها الكوفيون، ولو وُجِدت لكنَّها تكون ليست كالسابق يعني: فيها نوع قلَّة. (التَّصْغِيرُ) قال النَّاظم: فُعَيْلاً اجْعَلِ الثُّلاَثِيَّ إِذَا ... صَغَّرْتَهُ نَحْوُ قُذَيٍّ فِي قَذَا فَعُيْعِلٌ مَعَ فُعَيْعِيلٍ لِمَا ... فَاقَ كَجَعْلِ دِرْهَمٍ دُرَيْهِمَا

(فُعَيْلاً اجْعَلْ الثُّلاَثِيَّ) اجْعَلْ الثُّلاَثِيَّ فُعَيْلاً لَمَّا قال: (الثُّلاَثِيَّ)، وقال: (لِمَا فَاقَ) عرفنا أنَّ المصغَّر ثلاثي وزائد، (اجْعَلْ الثُّلاَثِيَّ) ثُمَّ قال .. البيت الثاني: (لِمَا فَاقَ) يعني: لِمَا زاد على الثلاثي لِمَا فاق الثلاثي، إذاً: المصغَّر على نوعين: ثلاثي، ومزيد. الثُّلَاثِي: أشار إليه بقوله: (فُعَيْلاً). والمزيد: أشار إليه بقوله: (فَعُيْعِلٌ مَعَ فُعَيْعِلٍ). حينئذٍ القسمة ثلاثية: وزنٌ واحد للثلاثي، ووزنان لِمَا زاد على الثلاثي، فيدخل فيه الرباعي وما زاد، سواءٌ كان رباعي الأصول أو بالزيادة، أو خماسي الأصول أو بالزيادة. (اجْعَلْ الثُّلاَثِيَّ فُعَيْلاً) (فُعَيْلاً اجْعَلْ الثُّلاَثِيَّ) هذا مفعول أول، (اجْعَلنّ) يتَعدَّى إلى اثنين .. فعل أمر مبني على سكونٍ مُقدَّر، والفاعل أنت، و (الثُّلاَثِيَّ) مفعولٌ أول، و (فُعَيْلاً) مفعولٌ ثاني. متى (اجْعَلْ الثُّلاَثِيَّ فُعَيْلاً)؟ (إِذَا صَغَّرْتَهُ) يعني: إذا أردت تصغيره، أمَّا إذا صُغِّر فلا تجعله على (فُعَيْل)، اجْعَلْ الثُّلَاثِيَّ فُعَيْلاً إذَا صَغَرْتَهُ، إذا صغرته اجعله فُعَيْلاً، ليس هذا المراد، لأنَّ تصغير المصغَّر ممتنع، وإنما أراد بقوله: (إِذَا صَغَّرْتَهُ) إذا أردت، وهذا سبق أن مقولةً عند الفقهاء والأصوليين جاء في تركيب العرب والأحاديث: إذا فَعَلتَ فَافْعَلْ، (فعلت) هذا فعل الشَّرط، (افعل) جواب الشَّرط، قد يكون المراد بهذا التركيب إيقاع جواب الشَّرط بعد فِعْل فِعْل الشَّرط، وهذا هو الأصل: (إذا فَعلتَ فَافْعَلْ) إذا وقع منك فعل الشَّرط حينئذٍ حصل الجواب. (إذا فَعلتَ فَافْعَلْ) قد يُراد به: إيقاع الجواب قبل فِعْلِ فِعْل الشَّرط، يعني: تفعل الثاني قبل الأول .. عكس الأول .. هذا مخالف، ومنه: ((فإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ)) [النحل:98] .. إذا قرأت فاستعذ، مثله: إذا فعلت فافعل (إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) متى تقع الاستعاذة؟ قبل القراءة، إذاً: أُريد هنا بالجواب: أن يقع قبل فِعلِ فِعل الشَّرط .. قبل القراءة، وقد قيل: بعده، أظن قول الحسن أو غيره، بعد القراءة يقول (فَاسْتَعِذْ) على الظاهر، لكن الجماهير على أنَّ إيقاع الجواب هنا يكون قبل فِعْلِ فِعْل الشَّرط. وقد يكون المراد: (إذا فَعلتَ فَافْعَلْ) إيقاع جواب الشَّرط مع فِعْلِ فِعْل الشَّرط، كما إذا قال: إذا توضأت فادلك يديك مثلًا، الدَّلك يكون في أثناء الوضوء لا قبله ولا بعده: إذا صليت فسبِّح ثلاثاً وثلاثين، هذا بعد وقوع فِعْلِ فِعْل الشَّرط.

هنا ماذا أراد: (إِذَا صَغَّرْتَهُ)؟ على كلٍّ: إذا أردت تصغيره، حينئذٍ هل هذا تأويل .. مجاز، أو أنَّه حقيقة؟ يختلفون، أكثر من يثبت المجاز على أنَّه مَجاز .. إذا أردت: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا)) [المائدة:6] (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) قلت: الله أكبر، (فَاغْسِلُوا) هذا إذا أردنا الظاهر .. هذا الظَّاهر، هم يقولون: لا، يعني: إذا أردتم القيام، أُوِّل بالإرادة: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ليس المراد بالقيام بالفعل، وإن كان ظاهر إسناد الفعل إلى الشيء: أن يكون قد استوفى مدلول الفعل، (إِذَا قُمْتُمْ) القيام الصحيح الثابت في الذهن (إِلَى الصَّلاةِ) الصلاة الحقيقية، هذا الأصل، استقبل القبلة .. قل: الله أكبر (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، نقول: لا، ليس هذا المراد، نقول: إذا أردتم القيام، حينئذٍ يقع جواب الشرط (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) قبل فِعْل فِعْل الشَّرط. على كُلٍّ: (إِذَا صَغَّرْتَهُ) يعني: أردت تصغيره، وذلك: (نَحْوُ قُذَيٍّ فِي قَذَا) لو جاء بصحيح لكان أجود: فَلْس، تصغِّره وتقول: فُلَيس، وزيد، تصغَّره وتقول: زُيَيد، و (قَذَا) هذا مُعتلَّ اللام تقول: (قُذَيّ) بزيادة ياء التَّصْغِير، ثُمَّ إدغام ياء التَّصْغِير في لام الكلمة. إذاً: ماذا صنع في (قُذَيٍّ فِي قَذَا)؟ هو لم يشرح هذا النَّاظم، وإنَّما بيَّن (فُعَيْلاً اجْعَلِ الثُّلاَثِيَّ) على وزن (فُعَيْل)، لم يبينه من حيث التنصيص وإلا الوزن يكفي: (فُعَيْل) لو قلت: فَلْس، ثلاثي تقول: فُلَيْس، ماذا صنعت؟ ضممت الأول، وفتحت الثاني، وزدت ياءً ساكنة قبل آخره فقلت: فُلَيْس، إذاً: ثلاثة أعمال في تصغير الثلاثي، إذا أردت أن تُصغِّر الثلاثي أمامك ثلاثة أعمال: - الأول: أن تَضمَّ فاء الكلمة. - والثاني: أن تفتح الثاني: فُلَيْس .. فَلْس، هذا الأصل، فتح الأول وإسكان الثاني تقول: فُلَيْ، جئت بياءٍ ثالثة قبل الأخير، حينئذٍ صار على وزن (فُعَيْل). إذاً القاعدة: أنَّ كُلَّ اسمٍ مُتمكن قُصِد تصغيره، فلا بُدَّ من ضمِّ أوله وفتح ثانيه، وزيادة ياءً ساكنة بعده، هذا في الثلاثي، فإن كان ثلاثياً لم يُغيَّر أكثر من ذلك. إن كان رباعياً وما زاد أشار إليه بقوله: فَعُيْعِلٌ مَعَ فُعَيْعِيلٍ لِمَا ... فَاقَ. . . . . . . . . . . . . . . . . (فَعُيْعِلٌ) هذا مبتدأ .. صار علماً وهو مبتدأ، و (مَعَ) هذا ظرف .. منصوب على الظرفية مُتعلِّق بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر، أين الخبر؟ (لِمَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف: كائنٌ (لِمَا) كائنٌ هو لِمَا .. حال كونه (مَعَ فُعَيْعِيلٍ)، فـ (مَعَ فُعَيْعِيلٍ) (مَعَ) مضاف، و (فُعَيْعِيلٍ) مضاف إليه، نقول: مُتعلِّق بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر، و (لِمَا) اللام: حرف جر، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، وهو مُتعلِّق بمحذوف الجار والمجرور خبر المبتدأ (فُعَيْعِل).

و (فَاقَ) فعل ماضي، والضمير يعود على (مَا) فاعل، ومفعوله محذوف (لِمَا فَاقَ الثُّلاَثِيَّ) إذاً: (فَعُيْعِل وفُعَيْعِيل) وزنان (لِمَا فَاقَ الثُّلاَثِيَّ)، (فَعُيْعِل) نقول: هذا للرُّباعي المُجرَّد نحو: جعفر، فتقول فيه: جُعَيْفِر، ماذا صنعت؟ صنعت الأعمال الثلاثة السابقة: جَعْ .. جُعَيْ، الأعمال الثلاثة كلها موجودة: ضَمَمْتَ الأول، وفتحت الثاني، وزِدْتَ ياءً ساكنةً ثالثةً، وزِدْتَ عملاً رابعاً وهو: كسر ما بعد الياء: جُعَيْفِ .. هناك: فَلْس .. فُلَيْس، ليس عندنا بعد الياء إلا حرف الإعراب: فلس .. فُلَيْسٌ، (سٌ) هذا حرف الإعراب .. هو الذي يظهر عليه الإعراب، تقول: هذا فُلَيْسٌ .. انظر إلى فُلَيْسٍ .. خُذْ فُلَيْسَاً، إذاً: (السين) حرف إعرابٍ هو الذي وقع بعد ياء التَّصْغِير، إذاً: لا يقبل حركة زائدة. وأمَّا الرُّباعي: جعفر، الراء: هو حرف الإعراب، زِيْدَت الياء ساكنةً ثالثةً، فبقي حرفٌ فاصل بين الياء وبين حرف الإعراب، العمل الرابع تزيد في (فَعُيْعِل) بكسر هذا الحرف، فتقول: جُعَيْفِ .. فِـ .. الفاء مكسورة، ولذلك قيل: (فَعُيْعِل) إذاً: للرُّباعي المجرَّد هذا الوزن نحو: جعفر، فَتُصَغِّره على (جُعَيْفِر). و (فُعَيْعِل) بزيادة ياءٍ بعد العين، هذه ليست بزائدة وإنَّما هي منقلبة، لكن في الوزن هنا (فَعُيْعِل .. فُعَيْعِيل) ما الذي زِيد على الوزن الأول؟ ياءٌ بين العين الثانية واللام، هو أصله: (فَعُيْعِل) نفسه: (فَعُيْعِل) زِد عليه ياءً قبل اللام تقول: (فَعُيْعِيل). و (فَعُيْعِيل) للرُّباعي المزيد الذي قبل آخره ياءٌ، نحو: قنديل .. قُنَيديل، بقيت الياء كما هي، فـ: قنديل، هذا خماسي بالزيادة، حينئذٍ تُصَغِّره على (فَعُيْعِيل) قُنَيْدِيل. أو: ألف، يعني: أن يكون قبل آخره ياء أو ألف، نحو: شِمْلال .. شُمَيْلِيل، قلبت الألف ياءً، أمَّا الياء السابقة فَصَحَّت كما هي: قنديل .. قُنَيْدِيل، بقيت الياء كما هي، وأمَّا الألف: شِمْلال .. شُمَيْليل، قُلِبت الألف ياءً، لماذا قُلِبت الألف ياءً؟ لأنَّك تقول: (فَعُيْعِيل) العمل الرابع بكسر ما بعد ياء التَّصْغِير، بقيت الكسرة كما هي، فجاءت الألف، ألفٌ قبلها كسرة وجب قلبها ياءً فقيل: (فَعُيْعِيل) هذا في نحو: شِمْلال. أو: واو .. ما قبل آخره واو، نحو: عصفور .. عُصَيْفِوْ: هذا الأصل، واوٌ ساكنة قبلها كسرة، فوجب قلب الواو ياء، هي التي جاءت في (فَعُيْعِيل)، فَعُيْعِيل نقول: الياء هذه مُنقلبة عن ألف، أو واو، أو صحَّت في نحو: قنديل. وقد يُصَغَّر على (فَعُيْعِيل) ما حُذِف منه حرفٌ وَعُوِّض منه الياء كما سيأتي: سُفَيْرِيج، هذه الياء ياء التعويض، لأنَّه حُذِف منه الحرف الخامس: سَفَرْجَل، إذا أردت تصغيره تأتي به على وزن (فَعُيْعِل) سُفَيْرِج، بحذف اللام كما سبق في جمعه على (فَعَالِل)، فتحذف اللام: سفرجل، صار عندك أربعة أحرف: سُفَيْرِج، يجوز أن تعوِّض عن الحرف المحذوف ياء قبل آخره فتقول: سُفَيْرِيج، حينئذٍ أصله: (فَعُيْعِل)، فلما زِدْتَ الياء صار: (فَعُيْعِيل) إذاً: صارت هذه الياء في مقام التعويض.

إذاً: وزن (فَعُيْعِيل) رباعي مزيد، هذه الياء إمَّا أن تكون صَحَّت في الموزون نحو: قنديل .. قُنَيْدِيل، بقيت كما هي، وإمَّا أن يكون أصلها: ألفاً قُلِبَت ياء نحو: شِمْلال .. شُمَيْلِيل، قُلِبت الألف ياء، أو أصلها: واو نحو: عصفور، تقول: عُصَيْفِير، هذه ثلاثة أنواع. بقي نوع رابع لهذه الياء، وهو: أن تكون عِوضَاً عن محذوف، وذلك في الخماسي وما زاد إذا حُذِف منه حرفٌ لِيُتَمَكَّن من تصغيره على (فَعُيْعِل) أو (فُعَيْعِيل) نحو: سُفَيْرِج، (فُعَيْعِل) تزيد الياء فتقول: سُفَيْرِيج (فُعَيْعِيل). إذاً: (فُعَيْعِل) هذا للرُّباعي المُجرَّد نحو: جعفر، و (فَعُيْعِيل) هذا للرُّباعي المزيد الذي قبل آخره ياءٌ، أو ألفٌ، أو واوٌ، أو حرف تعويضٍ عن المحذوف، (لِمَا فَاقَ) يعني: لِما زاد على الثلاثي، (لِمَا فَاقَ) وذلك (كَجَعْلِ دِرْهَمٍ دُرَيْهِمَا) (دُرَيْهِم) هذا مثالٌ للأول، لأنَّه أصل (فَعُيْعِل) هو أصله (فَعُيْعِيل)، حينئذٍ مَثَّل للأول وترك الثاني للعلم به. وذلك: (كَجَعْلِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، قاعدة مُطَّردة دائماً تُعربه هذا الإعراب (كَجَعْلِ)، إلا إذا دخل عليه حرف جر، لذلك كما سبق: (مِنْ كَمُسْتَدْعٍ) دخل عليه حرف جر؟ تقول: لا هنا، الكاف صارت اسماً، وأمَّا هنا (كَجَعْلِ) تجعل الكاف هذه حرفاً، وما بعده مجرور قصداً للعلميَّة، فحينئذٍ صار جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف تقديره: وذلك (كَجَعْلِ). (كَجَعْلِ) مضاف، (دِرْهَمٍ) مضافٌ إليه، من إضافة المصدر إلى مفعوله الأول، لأنَّ (جَعْل) وما تصَّرف منه أيًّا كان، سواءٌ كان مصدراً، أو اسم فاعل، أو فعل ماضي، أو مضارع، أو أمر، نقول: هذا يتعدَّى لاثنين، ولذلك (اجْعَلْ الثُّلاَثِيَّ فُعَيْلاً)، قلنا: (الثُّلاَثِيَّ) مفعول أول لـ: (اجْعَلْ) مع كونه فعل أمر، و (فُعَيْلاً) هذا مفعولٌ ثاني. (كَجَعْلِ) مصدر أضيف إلى (دِرْهَم) وهو مفعوله الأول، كَجَعْلِك (دُرَيْهِمَاً) هذا مفعولٌ ثاني لـ: (جَعْلِ) (كَجَعْلِ) أن تجعل درهماً (دُرَيْهِمَا) .. أن تجعل، إذاً: (جَعْلِ) مصدر، صحَّ أن تأتي بـ: (أَنْ) والفعل في محلها، وهذا شرطٌ كما سبق. (كَجَعْلِ) كأن تجعل، (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر: (جَعْلِ)، إذاً: صحَّ، أن تجعل درهماً (دُرَيْهِمَا)، إذاً: (دِرْهَم) هذا مفعولٌ أول لـ: (جَعْل)، و (دُرَيْهِمَاً) مفعولٌ ثاني، حينئذٍ صارت عندنا الأمثلة والأوزان ثلاثة: (فُعَيْل) و (فَعُيْعِل) و (فُعَيْعِِيل) ولا رابع لها. قال الشَّارح: "إذا صُغِّر الاسم المُتمكِّن" إذًا: قَيِّد، ابن عقيل قيَّد لك المُتمكِّن احترازاً من غير المُتمكِّن، وتزيد عليه الاسم المُتمكِّن إن لم يكن عاملاً عمل الفعل ففيه خلاف، نحو المصدر، واسم الفاعل وما أُلْحِق به، حينئذٍ لا بُدَّ في كل تَصْغِيرٍ من ثلاثة أعمال: إذا صُغِّر الاسم المتمكن الذي لم يعمل عمل الفعل، لأنَّه ملحقٌ بالفعل والفعل لا يُصَغَّر، فإذا صُغِّر حينئذٍ ابتعد شبهه عن الفعل فلم يعمل، فلا بُدَّ حينئذٍ في كل تصغير من ثلاثة أعمال:

ضَمُّ أوله، هو قال: "ضُمَّ أوله، وَفُتِح ثانيه – الحرف الثاني - وزيد بعد ثانيه ياء" تُسمى: ياء التَّصْغِير وهي ساكنة في الأصل، وَيُقْتصر على ذلك إن كان الاسم ثلاثياً فتقول في فَلْسٍ: فُلَيْس، ضَمَمْتَ الأول، وحرَّكت الثاني .. فتحته، وزِدْتَ ياءً ثالثةً ساكنة قلت: فُلَيْس، على وزن (فُعَيْل). وفي (قَذَىً): قُذَيٌّ، قَذَى الثاني مُحرَّك، حينئذٍ تنوي حركة التصغير، والأول: ضُمَّ، وزيد ياء ثالثةً ساكنة، والياء المتأخرة هذه حرف إعرابٍ وهي متحرِّكة، حينئذٍ اجتمع عندنا مثلان فَأُدْغِمت الياء في الياء قيل: قُذَيٌّ. وَمِن ثَمَّ لم يكن نحو: زُمَيِّل وَلُغَيْزى تصغيراً لأنَّ الثاني غير مفتوح، لو قيل: زُمَيْ، الثالث ساكن والثاني متحرِّك، وَلُغَيْزَى، تصغيراً، لأنَّ الثاني غير مفتوح، والياء غير ثالثةٍ، حينئذٍ امتنع أن يُقال فيه بأنَّه تصغير. وإن كان رباعياً فأكثر فُعِل به ذلك، من إعمال الثالثة، وزيد عمل الرابع كُسِر ما بعد الياء، يعني: ياء التَّصْغِير، تزيد الياء وتكسر ما بعده، فتقول في (درهم): دُرَيْهِم، الهاء هذه بعد ياء التَّصْغِير على وزن (فُعَيْعِل)، وفي (عصفور) تقول: عُصَيْفِير، كسرت الفاء بعد ياء التَّصْغِير، ثُمَّ قُلِبَت الواو ياءً لسكونها وكسر ما قبلها، فالنتيجة حينئذٍ .. أمثلة التَّصْغِير ثلاثة: (فُعَيْلٌ) وهذا للثُّلاثي، و (فَعُيْعِل) للرباعي، و (فُعَيْعِيل) لِمَا زاد على الرُّباعي. ثُمَّ قال: وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ ... بِهِ إِلَى أَمْثِلَةِ التَّصْغِيرِ صِلْ والذي وُصِلَ بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ صِلْ بِهِ إلَى أمْثِلَةِ التَّصْغِير، ماذا يعني؟ الذي حصل هناك من عمليات الحذف كله موجودٌ هنا، ولذلك قلنا: سَفَرْجَل، لا يُمكن تصغيره على (فُعَيْعِل)؛ لأنَّها أربعة أحرف إلا بحذف الخامس: سَفَرْجَل، تحذف اللام حينئذٍ تقول: سُفَيْرِج، جاء على وزن (فُعَيْعِل) بحذف خامسه، كما ذكر هناك في الخماسي المجرَّد أنَّه يجب حذف خامسه. (وَمَا بِهِ) إذاً: يُتَوَصَّل في هذا الباب إلى مثالي (فَعُيْعِل) و (فُعَيْعِيل) بِمَا يُتَوصَّل به في باب جمع التكسير إلى مثالي (فَعَالٍ) و (فَعَاليل). والذي .. (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، في محل رفع مبتدأ، ويجوز أن يكون من باب النصب على الاشتغال، الذي (وُصِلَ بِهِ) .. (وُصِلْ بِهِ): زيدٌ مررت به، اشتغل هنا بضمير لكن تَعدَّى بحرف الجر، وهنا (بِهِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (وُصِل)، (وُصِل) فيما زاد على أربعة أحرف، (بِهِ) هذا مُتعلِّقٌ بـ: (وُصِلْ)، (لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ) يعني: لصيغة منتهى الجمع وهو (فَعَالِل) وشبهه، وهو جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (وُصِل)، (صِلْ بِهِ) بذلك الذي هو الحذف لتتمكن من المجيء على هذه الصِّيَغ، (إِلَى أَمْثِلَةِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (صِلْ)، (إِلَى أَمْثِلَةِ التَّصْغِير)، (أَمْثِلَةِ) مضاف، و (التَّصْغِير) مضاف إليه، مُطلقاً الأمثلة؟ (فَعُيْعِل) و (فُعَيْعِيل) إذاً: أطلق النَّاظم، حينئذٍ نختصر منه الثلاثي (فُعَيْل) ليس بداخل هنا.

وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ ... بِهِ إِلَى أَمْثِلَةِ التَّصْغِير صِلْ وللحاذف هنا .. الذي يحذف في باب التَّصْغِير من ترجيحٍ وتخيير ما له هناك، يعني: ما ثبت هناك يثبت هنا، من استواء، ومن ترجيح، ومن إيجاب، فكل ما وجب هناك وجب هنا، وَكُلُّ ما جاز فيه وجهان وترجَّح هناك أحدهما كـ: الميم على السين والتاء كما في: (مُسْتَدْعٍ) فهو مُرَجَّحٌ هنا. فتقول في تصغير (فرزدق): فُرَيْزِد، حذفت القاف الأخير .. بِحذف الخامس، أو: فُرَيْزِق، بحذف الدَّال، لأنَّه رابعٌ شبيهٌ بالمزيد، بِحذف الرابع وتقول في (سِبَطْرَا): سُبَيْطِر، بحذف الألف، وفي (مُدحرج) تحذف الميم تقول: دُحَيْرِج (فُعَيْعِل)، وفي (عُصْفُور) و (قِرْطَاس) و (قِنْدِيل) و (فِرْدَوْس) و (غُرْنَيْق): عُصَيْفِير، وَقُنَيْدِيِل، وَفُرَيْدِيس، وَغُرَيْنِيق، وفي (قَبَعْثَرى): قُبَيْعِث، بحذف الراء والألف، لأنَّ الألف زائدة، والراء هذه من باب: سَفَرْجَل، فوجب فيه أمران: حذف الأصل، وحذف الزيادة، إذاً: كُلُّ ما حُذِف هناك يُحذف هنا. قال الشَّارح: "أي إذا كان الاسم مِمَّا يُصَغَّر على (فُعَيْعِل) أو على (فُعَيْعِيِل) " هذا اختصار لكلام المصنِّف إلى (أَمْثِلَةٍ) حينئذٍ صار كالتَّخصيص له، لأنَّه أطلق. تُوُصِّل إلى تصغيره بما سبق أن يُتَوَصَّل به إلى تكسيره على (فَعَالِل) أو (فَعَالِيل) لأنَّ الباب واحد كما قال سيبويه، من حذف حرفٍ أصلى أو زائد فتقول في (سَفَرْجَل) .. (سَفَرْجَل) إذا أردت تصغيره على (فُعَيْعِل) فُعَيْعِل: أربعة أحرف، فُعَيْعِل الياء هذه زائدة للتَّصغير حرف معنى، فحينئذٍ (سَفَرْجَل) هذا على خمسة أحرف، لا بُدَّ من حذف حرفٍ، وتَعيَّن أن يكون آخراً لِمَا ذكرناه، فتقول: سُفَيْرِجٌ (فُعَيْعِلٌ) كما تقول: سَفَارِجْ في الجمع حذفت اللام، وفي (مُسْتَدْعٍ) تحذف السين والتاء، فتقول: مَدَاعٍ، هذا في الجمع، حينئذٍ تُصَغِّر فتقول: مُدَيْعٍ، بحذف السين والتاء، وَتُبَقِّي الميم كما قال: وَالْمِيمُ أَوْلَى مِنْ سِوَاهُ .. كما تقول في: مَدَاعٍ، فتحذف التَّصْغِير ما حذفتَ في الجمع، وتقول في (علندى): عُلَيْنِد، وإن شئت قلت: عُلَيْدٍ، كما تقول في الجمع: علاند وعلادٍ. إذاً: الباب واحد، فَكُل ما حُذِف هناك لِيُتَوصَّل إلى الجمع بـ (فَعَالِل) .. إلى (فَعَالِل)، حينئذٍ يحذف هنا. وتقول في (حَيْزَبُون): حُزَيْبِيِن (فُعَيْعِيل)، وفي (سرندى): سُرَيْنِد أو سريدٍ؛ لعدم المزيَّة بين الزائدين، ويستثنى من هذا .. من قوله: وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ .. يستثنى ما سيأتي النَّاظم من تخصيصه من ذلك بهاء التأنيث، وألفه الممدودة، وياء النسب وما سيأتي. إذاً: ليس على إطلاقه .. سيُقيِّده النَّاظم، ثُمَّ قال: وَجَائِزٌ تَعْوِيضُ يَا قَبْلَ الطَّرَفْ ... إِنْ كَانَ بَعْضُ الاِسْمِ فِيهِمَا انْحَذَفْ

يعني: إذا حذفت أصل مِمَّا ذُكِر: سَفَرْجَل وحبنطى، حذفت من الأصل الذي جُمِع جَمْعَ تكسير، أو صُغِّر وحذفت منه، جاز أن يُعَوَّض عن ذلك المحذوف بياءٍ قبل لامه، وهو الذي ذكرناه في النوع الرابع من (فُعَيْعِيل)، قلنا: (فُعَيْعِيل) إمَّا أن تكون هذه الياء في الأصل كـ: قنديل، وإمَّا أن تكون منقلبة عن ألف أو واو كما في: شَمْلَال وعصفور، أو تكون الرابعة عِوضاً عن المحذوف، هذا الذي عناه بهذا البيت. (وَجَائِزٌ) لا واجب، يعني: يجوز أن تقول: سَفَرْجَل، تحذف اللام .. تُصغِّره على: سُفَيْرِج، وزن (فُعَيْعِل) بدون تعويض، ويجوز أن تُعَوِّض فتقول: (فُعَيْعِيل) سُفَيْرِيج، أحسنت إليه، فَعَوَّضْتَ عن ذلك المحذوف ياءً قبل اللام، إذاً: جائزٌ لا واجبٌ، يجوز أن تُعوِّض، ويجوز ترك التعويض. (وَجَائِزٌ) أي: أن التعويض قبل لازمٍ، (تَعْوِيضُ يَا قَبْلَ الطَّرَفْ) قبل اللام، ليكون من باب (فُعَيْعِيل)، هو أصله من باب: (فُعَيْعِل) يجوز أن تنقله إلى باب (فُعَيْعِيل) بزيادة ياء عِوضَاً عن ذلك المحذوف. (وَجَائِزٌ تَعْوِيضُ يَا) (جَائِزٌ) هذا خبر مُقدَّم، و (تَعْوِيضُ) مبتدأ مُؤخَّر، وهو مصدر مضافٌ إلى المفعول: تعويضك أنت .. تعويضك ياءً (تَعْوِيضُ يَا) (ياء) إذاً: هي المعوَّض .. هي المفعول، إذاً: من إضافة المصدر إلى المفعول. (تَعْوِيضُ يَا) قصره للضرورة، (قَبْلَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (تَعْوِيضُ) لأنَّه مصدَّر، فيكون مُتعلِّقاً للظروف وحروف الجر، (قَبْلَ) مضاف، و (الطَّرَفْ) مضاف إليه، يعني: قبل الحرف الأخير وهو لام الكلمة، (فُعَيْعِيل) مراده: أنَّ ما صُغِّر على (فُعَيْعِل) بحذفٍ من الأصل للاسم المُصغَّر يجوز أن تنقله إلى باب (فُعَيْعِيل)، بزيادة ياءٍ قبل اللام تعويضاً عن ذلك المحذوف: سُفَيْرِج (فُعَيْعِل) تجعله (فُعَيْعِيل) سُفَيْرِيج، ثُمَّ لماذا جئت بهذه الياء؟ تعويضاً عن ذلك الحرف. (إِنْ كَانَ) هذا قيد، يعني: ليس مطلقاً حذفت أو لم تحذف، لأنَّه قال: وَجَائِزٌ تَعْوِيضُ يَا قَبْلَ الطَّرَفْ ... إِنْ كَانَ بَعْضُ الاِسْمِ. . . . . . . (بَعْضُ) اسم (كَانَ) مضاف، و (الاِسْمِ) مضاف إليه، (انْحَذَف فِيهِمَا) (فِيهِمَا) الضمير هنا يعود على البابين: باب التكسير، وباب التَّصْغِير فالحكم عام، كما تقول: سَفَارِج .. سَفَارِيج، فَعَوِّض ياء قبل الطرف في جمع التكسير، إذا حذفت: سَفَرجل، جمعته على (سَفَارِج) جاز تعويض ياء قبل الطرف، فتقول: سَفَاريج هذا في الجمع .. جمع التكسير، وتقول في (حبنطى): حبانط .. حبانيط، بتعويض ياء قبل الطرف، والأصل: حبانط. (إِنْ كَانَ بَعْضُ الاِسْمِ) هنا أطلق (بَعْضُ الاِسْمِ انْحذَف فِيهِمَا) يعني: في البابين، (بَعْضُ الاِسْمِ) يعني: حُذِف من بعض الاسم، وهذا المحذوف قد يكون أصلاً، وقد يكون زائداً، ولذلك ابن عقيل لفقهه أتى بمثالين: سَفَرْجَل، وهو أصلي: وحبنطى، وهو زائد، فدل على أنَّ قوله: (إِنْ كَانَ بَعْضُ الاِسْمِ) يشمل ما إذا كان المحذوف أصلاً كـ: سَفَرْجَل اللام، أو زائداً: حبنطى، لأنَّ هذه الألف زائدة للإلحاق.

(فِيهِمَا) أي: في الجمع والتَّصْغِير، (انْحَذَفْ) الضمير هنا يعود على (بَعْضُ الاِسْمِ) .. انحذف بعض الاسم، والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر (كَانَ)، (إِنْ كَانَ بَعْضُ الاِسْمِ) منحذفاً فيهما، يعني: في البابين. وسواءٌ في ذلك ما حُذِف منه أصلٌ نحو: سَفَرْجَل، تقول في جمعه: سَفَارِج، وإن عوَّضت قلت: سفاريج، وفي تصغيره: سُفَيْرِج، وإن عوَّضت قلت: سُفَيْرِيج. وما حُذِف منه زائد نحو: حبنطى، فتقول في جمعه: حبانط، وإن شئت عَوَّضْتَ فقلت: حبانيط، وتقول في تصغيره: حُبَيْنِط وَحُبَيْنِيط، بالتعويض، وما حُذِف منه زائد نحو: منطلق، فتقول في جمعه: مطالق .. مطاليق فعاليل، عَوَّضْتَ عن المحذوف، كذلك في التَّصْغِير تقول: مُطَيْلِق، حذفت النون: مُطَيْلِق .. مُطَيْلِيِق، على وزن (فُعَيْعِيل). وهنا يُنَبَّه على أنَّ هذا الذي جعله الصرفيون هنا (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيِل) ليس هو الوزن الذي عند الصرفيين هناك، ولذلك: مُطَيْلِق (مُفَيْعِل) وليس (فُعَيْعِل) عند الصرفيين .. باب التصريف: أن يُجْعَل في مقابل الحرف الأصلي: فاء أو عين أو لام، وما زاد يُذْكَر بلفظه. مُنْطَلق (مُنْفَعل)، حينئذٍ إذا قلت: مُطَيْلِق على وزن (مُفَيْعِل) وليس (فُعَيْعِل)، لكن اصطلح الصَّرفييون في باب التَّصْغِير أن يخصُّوا هذا الباب بأوزان ثلاثة مُخالفة لِمَا يذكرونه في السابق: (أَفْعَل) و (يُفْعِل) و (يَفْعَل) و (مُفْعِل) و (مُفْعَل) و (مَفْعُول) و (فَاعِل) تلك أوزان على الجادة .. على الأصل، وأمَّا هنا تخصيص مُخالف لِمَا سبق، وإلا إذا قلت: مُطَيْلِق على وزن (مُفَيْعِل)، ولكن هنا خصُّوه بوزنٍ خاص انتبه لهذا! يعني: لا تجري عليه القاعدة السابقة. وَجَائِزٌ تَعْوِيضُ يَا قَبْلَ الطَّرَفْ ... إِنْ كَانَ بَعْضُ الاِسْمِ فِيهِمَا انْحَذَفْ قوله: (تَعْوِيضُ يَا قَبْلَ الطَّرَفْ) إن لم تكن موجودة .. نقيِّده، لأنَّ النَّاظم أطلق سواءٌ كانت موجودة أو غير موجودة، إن لم تكن موجودة حينئذٍ عوَّضنا وإلا فلا .. نكتفي بها، نحو ماذا؟ تقول في تكسير (احْرِنْجَام) وتصغيره: حراجيم، الياء هذه كما هي باقية في التكسير، حينئذٍ لا يُمكن أنَّك إذا صغَّرته قلت: حُرَيْجِيم، هل تُعَوِّض عن المحذوف ياء مع وجود الياء قبل الطرف؟ الجواب: لا. إذاً: يستثنى (احْرِنْجَام) وما على شاكلته مِمَّا يوجد ياءٌ قبل الطَّرف بعد تكسيره بعد حذف ما يُحْذَف منه، وبعد تصغيره، فحينئذٍ لا نزيده ياء. إذاً قوله: جَائِزٌ تَعْوِيضُ يَا قَبْلَ الطَّرَفْ .. إن لم تكن الياء موجودة .. قَيِّده، فإن كانت موجودة اكتفينا بِها، لأنَّه لا يُمكن التعويض لاشتغال محلِّه بالياء المنقلبة عن الألف .. هذه الياء منقلبة عن الألف. قال الشَّارح: "أي: يجوز أن يُعَوَّض مِمَّا حُذِف في التَّصْغِير أو التَّكسير ياءٌ قبل الطَّرف، فتقول في (سَفَرْجَل): سُفَيْرِيِج وَسَفَارِيج، وفي (حبنطى) حُبَيْنِيط وحبانيط". وَحَائِدٌ عَنِ الْقِيَاسِ كُلُّ مَا ... خَالَفَ فِي الْبَابَيْنِ حُكْمَاً رُسِمَا

كل ما مضى في باب التكسير، ما خرج عن الأوزان المشهورة المعروفة، حينئذٍ نحكم عليه بأنَّه حائدٌ عن القياس يعني: شاذ، فَيُحْفَظ ولا يقاس عليه، وكذلك هنا في هذا الباب ما كان على وزن: (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل) على الجادَّة فهو على القياس، وما لم يكن كذلك فحينئذٍ نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه، وهذا عام في أبواب النَّحو كُلِّها، في باب أفعل التفضيل، وفي باب (نِعْمَ وَبِئْس)، وفي باب مرجع الضمير، فالحكم عام. (وَحَائِدٌ) حَاَدَ يَحِيد .. مائل، يعني: خارج، مائلٌ .. حائدٌ .. خارجٌ، (عَنِ الْقِيَاسِ) إذا كان خارجاً عن القياس حينئذٍ صار شاذّاً، إمَّا شاذ قياساً، وإمَّا شاذٌّ قياساً واستعمالاً، الشَّاذ قد يكون قياساً فقط، وهذا قد يكون موجود كثير، وقد يُوجد في القرآن ولا إشكال فيه؛ لأنَّه فصيح، وقد يكون شاذّاً قياساً واستعمالاً، يعني: لم تستعمله العرب إلا نادر، فنحكم عليه بأنَّه شاذ، هذا لا يجوز القول به في القرآن، نقول: هذا باطل. وأمَّا الشَّاذ قياساً المراد به: ما خالف قواعد الصَّرف والنحو، حينئذٍ إذا حُكِم عليه بكونه شاذّاً نقول: هذا لا بأس به، قُلْت لكم سابقاً: لا غضاضة في أن يُقال بأنَّ هذا اللفظ شاذ بهذا المصطلح .. لا بأس به، ولكن إذا وجد الإنسان نُفْرَة من نفسه في إطلاق هذا اللفظ لا إشكال، لكن لا يُنْكِر على غيره، تبقى المسألة اصطلاحية فحسب. (وَحَائِدٌ عَنِ الْقِيَاسِ) أمَّا الشَّاذ قياساً واستعمالاً لم يقل به أحدٌ بوجوده في القرآن البتَّة، يعني: لفظة لم تستعمل إلا على قِلَّةٍ، وهي مخالفة كذلك للقياس، وتوجد في القرآن، هذا لا وجود له، لأنَّه يُنافي الحكم بكون القرآن جملةً وتفصيلاً أنَّه فصيح، يعني: جملةً وتفصيلاً: ألفاظ .. مفردات ومركبات، كله فصيح، في ألفاظه .. كلماته، وفي مركَّباته، حينئذٍ لا يوجد فيه من جهة التركيب ولا من جهة المفردات ما يخالف الفصاحة. وأمَّا الشَّاذ بكونه خارج عن القياس هذا لا بأس به، ولذلك نقول: وَيَأْبَى .. أَبَى يَأْبَى، (يَأْبَى) عندهم شاذ هذا، حينئذٍ نقول: هذا موجود في القرآن: ((وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ)) [التوبة:32] حينئذٍ هذا شاذٌّ قياساً لا استعمالاً. (وَحَائِدٌ) أي: خارجٌ، (عَنِ الْقِيَاسِ) فَيُحفظ ولا يقاس عليه: كُلُّ مَا خَالَفَ فِي الْبَابَيْنِ .. (خَالَفَ) ماذا؟ (حُكْمَاً رُسِمَا) حُكْمَاً قُرِّرَا .. ثبت، مِمَّا سبق من القواعد العامة، كل ما خرج عن تلك الأحكام السابقة في ذلك الباب وفي هذا الباب، حكمنا عليه بكونه خارجاً عن القياس، حكمه إذا عرفنا أنَّه خارج عن القياس: أنَّه يُحفظ ولا يقاس عليه. (حُكْمَاً رُسِمَا) هذا مِمَّا جاء مسموعاً فَيُحْفَظ ولا يُقاس عليه، فمما جاء حائداً عن القياس في باب التَّصْغِير قولهم في (مَغْرِب): مُغَيْرِبان، مَغْرِب .. مُغَيْرِب! سمع: مُغَيْرِبان، من أين هذا، لا (فُعَيْعِل)، ولا (فُعَيْعِيِل)، ولا (فُعَيْل)؟ نقول: هذا يُحفظ ولا يقاس عليه، لأنَّهم زادوا ألف ونون: مُغَيْرِبان، من أين جاءت الألف والنون؟ هذا شاذ يُحفظ ولا يقاس عليه.

وكذلك في (العِشَاء): عُشَيَّان، وفي (عَشِيَّة): عُشَيْشِيَة، وفي (إنسان): أُنَيْسِيَان، وفي (بنون): أُبَيْنُون، وفي (ليلة): لُيَيْلَة، وفي (رجل): رُوَيْجِل، رُجَيْل هذا القياس، (رُوَيْجِل) من أين جاءت هذه الواو؟ هذا شاذ يُحفظ ولا يقاس عليه، وفي (صبية): أُصَيْبِيَة، وفي (غِلْمَة): أُغَيْلِمَة. ومِمَّا جاء حائداً في باب التكسير في (رَهْطٍ): أراهط، و (باطل): أباطيل، و (حديث) وأحاديث، و (كِرَاع) وأكارع. إذاً: الشاذ لا يُمكن حصره .. كثير جداً، ومحلُّه المعاجم والمفردات الغريبة، ولكن ينتبه الطالب أنَّه لا يشتغل بالشَّواذ، لا يظن الظَّان أنَّه إذا اهتم بمثل هذه أنه على الجادَّة لا .. إنَّما تحفظ القياس، وما شذَّ .. لأنَّه لا يأتيك لا في قرآن، ولا في سنة، وإن جاء في سنة، فإمَّا من راوٍ، وإمَّا أنَّه بالمعنى، لأنَّه شاذ يعني: غريب جداً فلا يأتي ذلك في القرآن. وَحَائِدٌ عَنِ الْقِيَاسِ كُلُّ مَا ... خَالَفَ. . . . . . . . . . . . . . . . وَأُرِيد بهذا أنَّه لا يكون في القرآن الاستعمالي .. شاذ استعمالاً. (وَحَائِدٌ عَنِ الْقِيَاسِ) (عَنِ الْقِيَاسِ) مُتعلِّق بقوله: (حَائِدٌ)، وهو خبر مُقدَّم، و (كُلُّ) مبتدأ مؤخَّر وهو مضاف، و (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، مضافٌ إليه، و (خَالَفَ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، والجملة لا محلَّ لها من الإعراب صلة الموصول. (فِي الْبَابَيْنِ) يعني: باب التكسير، وباب التَّصْغِير، جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (خَالَفَ)، (حُكْمَاً) مفعول (خَالَفَ)، (رُسِمَا) الألف هذه للإطلاق، و (رُسِمَا) مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على الحكم، والجملة في محل نصب صفة لـ: (حُكْماً) يعني: (حُكْماً) مرسوماً، يعني: مُقَرَّراً ثابتاً، هذا المراد به. قال الشَّارح: أي قد يَجيء كُلٌّ من التَّصْغِير والتَّكسير على غير لفظ واحده، فَيُحْفَظ ولا يُقاس عليه، كقولهم في تصغير (مَغْرِب): مُغَيْرِبان، و (عَشيَّة): عُشَيْشِيَة، وقولهم في جمع (رَهْطٍ): أَرَاهِط، وفي (بَاطِل): أَبَاطِيل". لِتِلْوِ يَا التَّصْغِيرِ مِنْ قَبْلِ عَلَمْ ... تَأْنِيثٍ اوْ مَدَّتِهِ الْفَتْحُ انْحَتَمْ كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ سَبَقْ ... أَوْ مَدَّ سَكْرَانَ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ هذا تخصيص لقوله: (فُعَيْعِل). سبق أنَّ ما بعد ياء التَّصْغِير إنْ لم يكن حرف إعراب احترزنا به عن الثلاثي، بقي الرُّباعي والخماسي. (فُعَيْعِل) يُكسر ما بعد ياء التَّصْغِير، القاعدة: إذا زاد عن الثلاثي نأتي به على وزن (فُعَيْعِل) أو (فُعَيْعِيل) نَظُم الأول، ونفتح الثاني، ونزيد ياء ساكنة ثالثةً، هذا يستوي فيه الثلاثي والرباعي وما زاد، ماذا بقي؟ عمل رابع نزيده فيما إذا كان رباعياً: يُكسر ما بعد الياء، إلا فيما استثناه النَّاظم فلا يُكْسَر وإنَّما يُفْتَح. إذاً: هذا استثناء من القاعدة السابقة: وهو أنَّه إذا كان أربعة أحرف وَأُريد تصغيره كُسِر ما بعد الياء، الحرف الذي قبل حرف الإعراب .. قبل اللام، حينئذٍ نقول: يُستثنى هذا الذي هنا.

أنَّ ما بعد ياء التَّصْغِير إن كان حرف إعرابٍ فلا إشكال، وهذا في الثلاثي. ز ليس بوارد أصلًا، يعني: ما كان بعد ياء التَّصْغِير حرف إعراب مثل: فُلَيْس، سين بعد الياء، هذا لم يُكْسَر بعده حتى نقول: يُستثنى، لم يأت أصلاً، وإنَّما الحديث فيما إذا كان ما بعد ياء التَّصْغِير مكسوراً، وهذا إنَّما يُتَصوَّر في غير الثلاثي، ليس في باب (فُعَيل)، وإنَّما في باب (فُعَيْعِل) أو (فُعَيْعِيل). إذاً: أنَّ ما بعد ياء التَّصْغِير إن كان حرف إعراب فلا إشكال نحو: فُلَيْس، وإن فصل بين ياء التَّصْغِير والطرف الذي هو اللام فاصل .. حرف، حينئذٍ تأتي المسألة معنا أنَّ الأصل فيها .. الجادَّة: أن تُكسر، ولكن قد تفتح في المواضع التي سيذكرها النَّاظم، وهي أربع مسائل. وإن فصل فاصل بين الياء وبين حرف الإعراب حينئذٍ فالجادَّة الكسر، إلا ما اسْتُثنِي من المسائل التي ذكرها النَّاظم وهي أربعة، قال: لِتِلْوِ يَا التَّصْغِيرِ مِنْ قَبْلِ عَلَمْ ... تَأْنِيثٍ اوْ مَدَّتِهِ الْفَتْحُ انْحَتَمْ (الْفَتْحُ انْحَتَمْ لِتِلْوِ يَا التَّصْغِيرِ) (لِتِلْوِ) يعني: لتابع ياء التصغير، وهذا لا يُتَصوَّر أن يكون حرف إعراب، إذاً: خرج الثلاثي: فُلَيْس، ليس بوارد، لأنَّه لا يَتحتَّم أن يكون مفتوحاً، لأنَّه حرف إعراب فقد يكون مرفوعاً، وقد يكون منصوباًَ، وقد يكون مجروراً، بحسب العوامل. فلمَّا قال: (الْفَتْحُ) هذا مبتدأ، (انْحَتَمْ) يعني: واجب، هذا خبر، قوله: (لِتِلْوِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْحَتَمْ) فهو محلٌّ للفتح، (لِتِلْوِ) والمراد بـ: (التلو) هنا: التابع، (تِلْو) مصدر بمعنى اسم الفاعل: تابع (يَا التَّصْغِيرِ)، (تِلْوِ) مضاف، و (يَا التَّصْغِيرِ) قصره للضرورة مضاف إليه، و (يَا) مضاف، و (التَّصْغِيرِ) مضاف إليه، لكن قيَّده بقوله: مِنْ قَبْلِ عَلَمْ تَأْنِيثٍ .. هذه المسألة الأولى: أنَّ الحرف الذي بعد ياء التَّصْغِير يجب فتحه في أربع مسائل: الأولى: ما قبل علامة التأنيث، لذا قال: (مِنْ قَبْلِ عَلَمْ تَأْنِيثٍ)، وهذا يشمل نوعين، (علم التأنيث) يعني: ما يدلُّ على التأنيث .. علامة التأنيث، والعلامة والعلم بمعنى واحد. وهو نوعان: التاء، وألف التأنيث المقصورة، نحو: شجرة .. شُجَيْرَة، لا تقل: شُجَيْرٍ، فصل فاصل بين ياء التَّصْغِير وحرف الإعراب، التاء هي حرف الإعراب، وهي تاء تأنيث، حينئذٍ: شَجَرَةٌ، ما قبلها يكون مفتوحاً قبل التَّصْغِير وَيُحافظ على هذا الفتح بعد التَّصْغِير، فتقول: شُجَيْرَة (فُعَيْعِل) في الأصل، لكن تفتح ما بعد ياء التَّصْغِير مراعاةً للأصل (فُعَيْعَل) هذا الأصل. إذاً (شُجَيْرَة) تبقى على الأصل، وَ (قَصْعَة) .. قُصَيْعَة، و (حُبْلَى) الألف مقصورة وهي علامة تأنيث: حُبَيْلى، تبقى على الأصل، و (سلمى) .. سُلَيْمَى. إذاً قوله: (مِنْ قَبْلِ عَلَمْ تَأْنِيثٍ) المراد بـ: (علم التأنيث): تاؤه وألفه المقصورة، فشمل شيئين.

(أَوْ مَدَّتِهِ) يعني: أو مدَّة عَلَم التأنيث أي: المدَّة التي قبله، وهذا المراد به: الألف الممدودة، وأفهم قوله: (أَوْ مَدَّتِهِ) أنَّ الألف الممدودة في نحو: حمراء، ليست علامة التأنيث، حمراء ما بين الراء والهمزة .. الألف المدَّة هذه ليست علامة تأنيث، وإنَّما علامة التأنيث هي الهمزة .. هي ألف، ولذلك مذهب البصريين: أنَّها فرعٌ، وهي الألف المقصورة زِيدَت، ثُمَّ اجتمع عندنا ألفان فَقُلِبت الثانية همزة. حينئذٍ ألف التأنيث هي الهمزة، لكنَّها ليست أصل الهمزة، وإنَّما الهمزة منقلبةٌ عن الألف، لأنَّه غاير بينهما، فدل على أنَّ النَّاظم اختار هذا القول، لو كانت المدَّة هي العلامة لَمَا أخرجها وفصلها عن علم التأنيث، لكن لَمَّا فصلها عن علم التأنيث دلَّ على أنَّه يرى أنَّ هذه المدَّة ليست للتأنيث. إذاً أفهم قوله: (أَوْ مَدَّتِهِ) أن الألف الممدودة في نحو: حمراء، ليست علامة التأنيث، وهو كذلك عند جمهور البصريين، وإنَّما العلامة عندهم الألف التي انقلبت همزة، فالمدَّة نفسها ليست علامة تأنيث، وإنَّما علامة التأنيث الألف المنقلبة همزة، والألف التي قبلها زائدة بخلاف ألف التأنيث المقصورة فإنها علامة تأنيث، ولذلك لم يكتف بعلامة التأنيث عن الممدودة. إذاً: هذا مذهب النَّاظم، وهو المرجَّح عند سيبويه وجمهور البصريين: أنَّ حمراء وصفراء، عندنا ألفان هنا: ألف التي هي الأولى مدَّة بقيت كما هي، والألف الثانية انقلبت همزة - وسيأتينا في باب (الإبدال) هناك - انقلبت همزة، الهمزة هي علامة التأنيث لا بفرعها .. بكونها همزة، وإنَّما بأصلها وهو ألف التأنيث. (أَوْ مَدَّتِهِ) إذاً: الموضع الثاني الذي يُفْتَح ما بعد ياء التَّصْغِير: ما قبل المدَّة الزائدة قبل ألف التأنيث نحو: صحراء، فتقول: صُحَيْرَاء، لأنَّك لو كسرت الرَّاء لوجب قلب الألف همزة، علامة التأنيث هناك: التاء والألف لا يناسبها ما قبلها إلا الفتحة، هنا لو كسرت. ز يجوز الكسر ولا إشكال، لكن لزم من ذلك قلب الألف ياءً، وإذا قُلِبت الألف ياءً رجعت الهمزة إلى أصلها، لأنَّ الهمزة إنَّما قُلِبت همزة وهي أصلها ألف؛ لعدم اجتماع ألفين، فـ: صحراء، تقول: صُحَيْراء، وحمراء: حُمَيْرَاء. كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ سَبَقْ .. (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك، أي: يجب أيضاً فتح الحرف الذي بعد ياء التَّصْغِير إذا كان قبل مدَّة (أَفْعَالٍ)، (أَوْ مَدَّ سَكْرَانَ): أو قبل مَدِّ سكران، وما التحق به مِمَّا في آخره ألفٌ ونون زائدتان. إذاً: كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ سَبَقْ .. هذا الموضع الثالث: ما قبل ألف (أَفْعَال) كـ: أجمال، (أجمال) على وزن (أَفْعَال)، و (أفراس) على وزن (أَفْعَال)، حينئذٍ تقول: أجمال .. أُجَيْمَال، لو قلت: أُجَيْمِيل، وجب قلب الألف ياء، وذهبت ألف التكسير، حينئذٍ تقول: أَجْمَال، على وزن (أَفْعَال) تفتح ما قبل الألف ولا تكسِر، وتفتح ما بعد ياء التَّصْغِير ولا تكسر، فتقول: أُجَيْمَال .. أُفَيْرَاس، على الأصل.

(أَوْ مَدَّ سَكْرَانَ) يعني: ما سبق مدَّ سكران، ما قبل ألف (فَعْلان) الذي لا يُجمع على (فَعَالِيل) كما سيأتي: (سَكْرَانَ) تقول: سُكَيْرَان، بفتح الراء، والأصل: أنَّك تكسر ما بعد ياء التَّصْغِير (فُعَيْعِل) هذا الأصل، لكن هنا تفتح، لأنَّك لو قلت: سُكَيْرِين، وجب قلب الألف ياء، ولذلك تقول: عُثَيْمان .. سُكَيْرَان. وَلاَ تُغَيِّرْ فِي عُثَيْمَانَ الأَلِفْ ... وَلاَ سُكيرَانَ الَّذِي لاَ يَنصَرِفْ هكذا يقول الحريري (عُثَيْمَانَ) ولا تقل: عُثَيْمِين، هذا لحنٌ، وَسُئِل الشيخ ابن عثيمين عن هذا وقال: هذا من لحن الأجداد، (عثيمين) أصله: عثيمان، وهكذا مشى معهم وإلا هذا خطأ، (عُثَيْمَانَ) يجب إبقاء الألف على أصلها. كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ سَبَقْ ... أَوْ مَدَّ سَكْرَانَ. . . . . . . . . . . . . إذاً: أربعة مواضع يستثنى من قوله: (فُعَيْعِيل .. فُعَيْعِل) بكسر ما بعد ياء التَّصْغِير، وهي: أولاً: ما قبل علامة التأنيث وهي نوعان: التاء، وألف التأنيث المقصورة، فتقول: شَجَرة .. شُجَيْرَة، بفتح ما بعد الياء، وتقول: حبلى .. حُبَيْلَى، بفتح ما بعد الياء. الثاني: ما قبل المدَّ الزائد قبل ألف التأنيث: صحراء .. صُحَيْرَاء. ثالثاً: ما قبل ألف (أَفْعَال) كـ: أجمال، فتقول: أُجَيْمَال. رابعاً: ما قبل ألف (فعلان) الذي لا يُجمع على (فَعَالِيل) كـ: سكران وعثمان، تقول: سُكَيْرَان وَعُثَيْمَان. إذاً قوله: (كَذَاكَ) عرفنا في الجملة المستثنيات، وهذا يُعْتَبر استثناء من كسر ما بعد ياء التَّصْغِير، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك، المشار إليه: وجوب الفتح، (الْفَتْحُ انْحَتَمْ) يعني: الفتح واجبٌ، (كَذَاكَ) أي: مثله في الوجوب فتح الحرف الذي بعد ياء التَّصْغِير إن كان قبل مدَّة (أَفْعَال)، أو مدِّ سكران وما التحق به مِمَّا في آخره ألفٌ ونون زائدتان. وضابطه عند بعضهم: أن يكون مؤنَّثُه على (فَعْلَى)، حينئذٍ يخرج نحو: سيفان، إذاً: (سَكْرَان) نصَّ عليه؛ لأنَّ مُؤَنَّثه على وزن (فَعْلَى)، فخرج به نحو: سيفان، مِمَّا مؤنَّثه على (فَعْلَان)، فيقال في تصغيره: سُيَيْفِين، بقلب الألف ياء، لماذا؟ لكون مؤنَّثه على (فَعْلان) لا على (فَعْلَى). لكن اشترط الصرفيون: بألا يُعلم جمعٌ له على وزن: (فَعَالِيل)، فإن جُمِع على (فَعَاليل) كُسِر على الأصل، يعني: ما قبل ألف (فَعْلان) متى؟ نقول: (فََعْلان) قد يُسْمَع جمعه على (فَعَالِيل) مثل: سرحان، سُمِع: سراحين، حينئذٍ إذا صغَّرته تصغِّره على الأصل تقول: سُرَيْحِين، بكسر ما بعد الياء، هو مثل: سكران .. سرحان، ألف ونون زائدتان، (سَكْرَان) ألف ونون زائدتان، لكن نقول في (سَكْرَان): أنَّه يجب فتح ما بعد الياء، وفي (سرحان): يجب كسر ما بعد الياء على الأصل .. على الجادَّة، حينئذٍ ما الفرق؟

نقول: اشترط النُّحاة هنا والصرفيون: أنَّ ما يجب فتح ما بعد ياء التَّصْغِير فيما كان على وزن (فَعْلان) ألا يُجمع على (فَعَالِيل) مثل: سراحين، إن سُمِع فهو على الأصل، إن لم يُسمع .. ليس عندنا: سكارين، هذا ما سُمِع، حينئذٍ كونه لم يُسمع على وزن (فَعَاليل) سكارين، هذا يجب فتح ما بعد ياء التَّصْغِير: سلطان، سُمِع: سلاطين .. سُلَيْطِين، إذاً على الجادَّة. إذاً: لم يُعْلَم جمع ما هما فيه على (فَعَالِيل) دون شذوذٍ، فتقول في تصغير (أَجْمَال): أُجَيْمَال، وفي تصغير (سكران): سُكَيْرَان، لأنَّهم لم يقولوا في جمعه: سكارين، وكذلك ما كان مثله نحو: غضبان وعطشان، فإن جُمع على (فَعَالِيل) دون شذوذٍ صُغِّر على (فُعَيْليل) على الأصل .. إن سُمِع له (فَعَالِيل) صُغِّر على الأصل، لكن بشرط: ألا يكون شاذاً، لأنَّ الشاذ لا حكم له. نحو: سِرْحَان وَسَراحين، وسلطان وسلاطين، ولذلك تُصَغِّره على: سُرَيْحِين وَسُلَيْطِين، بقلب الألف ياءً، لأنَّك كسرت ما قبل الألف، فإنهما يُجمعان على: سراحين وسلاطين، ولذلك تصغِّرهم على: سُرَيْحِين وَسُلَيْطِين. وإن كان جمعه على (فَعَالِيل) شاذّاً حينئذٍ روعي الفرع لا الأصل: وهو وجوب فتح ما بعد الياء، يعني: لا عبرة بهذا الجمع، يُلْحَق بسكران ونحوه، لأنَّ هذا الجمع سُمِع شذوذاً، وإذا كان شاذّاً الشَّاذ لا حكم له. وإن كان جمعه على (فَعَاليل) شاذاً لم يُلْتَفت إليه، بل يُصَغَّر على (فُعَيْلان) مثل: إنسان، أَنَاسِين، هذا سُمِع لكنَّه شاذ، حينئذٍ نقول: أُنَيْسَان، وإن كان شاذّاً، و (إنسان) فَسُمع جمعهما على: أُنَاسِين، على جهة الشذوذ، فإذا صُغِّر حينئذٍ قيل فيه: أُنَيْسَان، بإثبات الألف على أصلها، فإن ورد ما آخره ألفٌ ونون مزيدتان ولم يُعْرَف هل تقلب العرب ألفه ياءً أو لا؟ حُمِل على باب (سكران) يعني: في نحو: سِرْحَان، قُلِبت الألف في الجمع ياءً فقيل: (فَعَاليل) سراحيل، التَّصْغِير يُسْلَك به مسلك الجمع فَتُقْلَب الألف ياءً فيه، وإذا قُلِبت الألف معناه: كُسِر ما قبل الألف. إذا لم نعرف أنَّ العرب قلبت الألف ياء أو لا؟ حينئذٍ نُلْحِقه بباب (سَكْرَان) لأنَّه الأكثر، فنحافظ على الألف ونفتح ما بعد ياء التَّصْغِير فلا نقلب الألف ياءً. فإن ورد ما آخره ألفٌ ونون مزيدتان ولم يُعرف هل تقلب العرب ألفه ياء أو لا؟ حُمِل على باب (سَكْرَان) لأنَّه الأكثر. كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ .. هنا استدراك! النَّاظم أطلق (أَفْعَال) ولم يُقيِّده بأن يكون جمعاً حينئذٍ يشمل المفرد، (أَفْعَال) هذا جمع، وسبق أنَّه من جموع القِلَّة، حينئذٍ النَّاظم أطلق هنا ولم يُقيِّده بكونه جمعاً فشمل المفرد، والنَّاظم قد نَصَّ على أنَّ (أَفْعَالاً) .. نَصَّ في: (التسهيل) في بعض النُّسَخ .. نصَّ على أن (أَفْعَالاً) يأتي مفرداً ويأتي جمعاً، وَثَمَّ خلاف في (أَفْعَال) هل يأتي مفرداً أو لا؟

كونه مُسمَّىً به بعد النقل لا إشكال فيه، لكن أصله: جمع، لو سميت رجل: أَجْمَال وأفراس، لا إشكال أنَّه مُفرد، لكن هل ورد مُفرداً غير علم؟ هذا محل نزاع، فجماهير الصرفيين والنُّحاة على تخصيص (أَفْعَال) هذا الوزن بالجمع، ولا يوجد له مُفردٌ البتَّة، ولكن ابن مالك نَصَّ في (التسهيل): على أنَّ (أَفْعَال) يكون جمعاً ومُفرداً. فمثال الجمع ما ذُكِر: أفراس وَأَجْمَال، فأمَّا المفرد حينئذٍ كيف نُصَوِّره؟ إذا لم يُسمع له مفرد غير علم حينئذٍ لا يُتَصوَّر المفرد إلا في علم المنقول عن جمعٍ، مثلما سبق: مساجد، لو سُمِّي علم: مساجد إلى آخره، هنا: لو سُمِّي رجل بـ: أَجْمَال، حينئذٍ نُصَغِّره بتصغير أصله، فَيُتَصوَّر أن يكون (أَفْعَال) جمعاً أو مفرداً، لكن مفرداً لا أصالةً وإنَّما باعتبار النقل، فمثال الجمع ما ذُكِر. وأمَّا المفرد فلا يتصوَّر تمثيله على قول الأكثرين، إلا ما سُمِّي به من الجمع .. لا يُتَصَوَّر إلا في علمٍ منقولٍ من الجمع، يعني: سُمِّي به وأصله جمع، لأنَّ (أَفْعَالاً) عندهم لم يثبت في المفردات، وأثبت بعض النُّحاة (أَفْعَالاً) في المفردات .. سُمِع ولكنَّهم أوَّلوه. في المفردات، وَجُعِل منه قولهم: بِرُمَّةِ أَعْشَار .. (أَعْشَار) (أَفْعَال) وهو مفرد، وثوب أَخْلَاق، وَأَسْمَال، هذه على وزن (أَفْعَال) وهي مفرد. عند الأكثرين الذين يمنعون أن يكون (أَفْعَالاً) في المفرد أجابوا عن هذا بأنَّه من وصف المفرد بالجمع: (ثَوْبٌ أخلاق) قالوا: هذا من وصف المفرد بالجمع وهو جائزٌ. فعلى إطلاق النَّاظم هنا وهو مذهبه كما في (التسهيل): أنَّه يثبت المفردات، حينئذٍ يُصَغَّر على (أُفَيْعَال) أُجَيْمَال مفرداً وجمعاً، سواءٌ كان المفرد مِمَّا سُمِّي به، أو مِمَّا أُثْبِت نحو: أعشار، حينئذٍ نقول (أَعْشَار): أُعَيْشار، على كلام النَّاظم، (أخلاق): أُخَيْلَاق .. (أسمال): أُسَيْمَال، يبقى على الأصل من كونه مفرداً يُضَمُّ أوله، ويفتح ثانيه، وَتُزاد ياء التَّصْغِير ساكنةً ثالثةً، إلا أنَّه يفتح ما بعدها ولا يكسر. فقوله: (مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ) جمعاً ومفرداً على رأيه هو في (التسهيل): بأن (أَفْعَال) يكون في الجمع، ويكون في المفرد. ومقتضى قول من نفاه في المفردات حينئذٍ يُصَغَّر على (أُفَيْعِيِل) بالكسر. كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ سَبَقْ ... أَوْ مَدَّ سَكْرَانَ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ ما التحق به .. بـ: (سَكْرَان) قالوا: ضابطه أن يكون مؤنَّثه على (فَعْلى)، ليس كل ما التحق بـ: (سَكْرَانَ) يعني: مِمَّا زيادته ألفٌ ونون يكون مثله، فلا يشمل: سيفان، لأنَّ مؤنَّثه على وزن (فَعْلَان)، حينئذٍ نَخصُّ قوله: (وَمَا الْتَحَقَ بِهِ) يعني: ما التحق به مِمَّا مؤنَّثه على وزن: (فَعْلَى)، وأمَّا إذا كان (فَعْلَانة) نحو: سيفانة، فهذا لا يُفْتَح ما بعد ياء التَّصْغِير بل يبقى على الأصل. لِتِلْوِ يَا التَّصْغِيرِ مِنْ قَبْلِ عَلَمْ ... تَأْنِيثٍ أَوْ مَدَّتِهِ. . . . . . يعني: مدَّة علم التأنيث، يعني: المدَّة التي قبله، (الْفَتْحُ انْحَتَمْ) فهو مفتوح. كَذَاكَ مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ سَبَقْ ..

(كَذَاكَ مَا) (مَا) اسم موصول، بِمعنى: الذي مبتدأ، و (كَذَاكَ) خبره، و (سَبَقْ) هذا صلة (مَا)، (مَدَّةَ) هذا مفعولٌ مُقدَّم لقوله: (سَبَقْ)، يعني: كَذَاكَ الذي سبق مدَّة أَفْعَالٍ، ما هو الذي سبق مدَّة (أَفْعَال)؟ العين، الذي سبق مدَّة أَفْعَال العين، يستثنى .. الأصل: أنَّه يُكْسَر، لكنَّك هنا في هذا المقام تفتحه. إذاً: (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك في وجوب الفتح (مَا سَبَقْ مَدَّةَ أَفْعَال)، يعني: الذي سبق (مَدَّةَ أَفْعَال) وهو العين .. ما سبقه وهو العين تفتحه، فتقول: (أُفَيْعَال) ولا تقول: (أُفَيْعِيل)، لو قلت: (أُفَيْعِيل) قلبت الألف ياءً .. ذهبت المدَّة، وهذا خطأ عندهم. (أَوْ مَدَّ سَكْرَانَ) (مَدَّ) بالنَّصب عطفاً على: (مَدَّةَ أَفْعَال)، (أَوْ مَدَّ سَكْرَانَ) ما هو الذي سبق (مَدَّ سَكْرَانَ)؟ الراء، لأنَّك ستزيد ثالثة بعد الكاف: سُكَيْريـ، الراء هنا تُفتَح، لو كسرت لقَلَبت الألف ياءً .. ذهبت الزيادة، (سُكَيْرِين) هذا ما يصح، (وَمَا) هذا معطوفٌ على (سَكْرَانَ) .. (مَدَّ سَكْرَانَ) ومدَّ ما التحق بـ: (سَكْرَانَ)، (بِهِ) الضمير يعود على (سَكْرَانَ)، و (مَا) إذاًَ: في محل جر عطف على (سَكْرَانَ)، وهو اسم موصول، و (الْتَحَقْ) فعل ماضي، والضمير يعود على (مَا)، و (بِهِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (الْتَحَقْ)، والجملة صلة الموصول لا محلَّ لها من الإعراب، و (بِهِ) الضمير يعود على (سَكْرَانَ) لأنَّه لا بُدَّ من عائدٍ. قال الشَّارح: أي يجب فتح ما ولي ياء التَّصْغِير إن وَلِيَته تاء التأنيث، أو أَلِفُه المقصورة، أو الممدودة، أو ألف (أَفْعَالٍ) جمعاً" استدراك .. ! استدرك على النَّاظم، أو ألف (فَعْلان) الذي مُؤَنَّثه (فَعْلَى)، دائماً الشُّراح إذا كانوا علماء مثل هؤلاء فكل كلمة لا بُد لها من معنى .. مغزى، صحيح .. ! ولذلك الذي يعتاد الدروس بهذه الصيغة كلمة .. كلمة، إذا قرأ هو في بيته كل حرف يقف عنده، يعلم أنه أراد بهذا كذا. انظر! لَمَّا قلنا: (مَا مَدَّةَ أَفْعَالٍ) قلنا النَّاظم أطلق في (التسهيل) فَيُحْمَل هنا على مذهبه في (التسهيل)، ولَمَّا لم يرتض ابن عقيل هذا قال: "أو ألف (أَفْعَالٍ) جمعاً" هذا استدراك .. تنكيت على النَّاظم .. جيد هذا. ولذلك الحواشي يقولون: نكَّت على الشارح، كثيرٌ هذا، (نَكَّتَ) يعني: استدرك عليه، يزيد كلمة لا يَنص عليها .. لا يقول: أنا أخالفه في كذا إلى آخره لا .. يأتي بنفس اللفظة ويزيد عليها قيْد، هذا يسمى: تنكيتاً. أو ألف (أَفْعَالٍ) جمعاً، أو ألف (فَعْلَان) الذي مؤنَّثه (فَعْلَى)، انظر! قيَّد قوله: (وَمَا الْتَحَقَ بِهِ)، فتقول في (تَمْرَة): تُمَيْرَة، بفتح الراء، وفي (حُبْلَى): حُبَيْلَى، وفي (حمراء): حُمَيْرَاء، وفي (أجْمَال): أُجَيْمَال، وفي (سكران): سُكَيْرَان .. عُطَيْشَان .. عُثَيْمَان، إلى آخره.

فإن كان (فَعْلَان) من غير باب (سَكْرَان) لم يُفْتَح ما قبل ألفه، بل يُكسر فَتُقْلَب الألف ياء، فتقول (سِرْحَان): سُرَيْحِين، لأنَّه جُمِع على (فَعَالِيل) فَقُلِبَت الألف في الجمع، وباب التَّصْغِير محمولٌ على الجمع، فما قُلِبت ألفه هناك تُقْلَب هنا، وما امْتَنَع هناك امتنع هنا، ولذلك قيَّدوه بأنَّه سُمِع على (فَعَالِيل)، إذاً: كُسِر ما قبل الألف، وإذا كُسِر قُلِبت الألف ياءً، إذا لم يُسْمَع حينئذٍ حافظنا على هذه الألف ولا يجوز قلبها. كما تقول في الجمع: سَرَاحِين، وإنَّما وجب الفتح في هذه المواضع؛ لأنَّ تاء التأنيث والألف تستحقان أن يكون ما قبلهما مفتوحاً: حُبْلَى، الألف هذه يجب أن يكون ما قبلها مفتوحاً صُغِّرت أم لا، كذلك تاء التأنيث، ولم يقولوا في تصغير (أَفْعَال): (أُفَيْعِيل) لئلا تتغير صيغة الجمع، لأنَّك إذا قلت: أُجَيْمِيل، ذهبت صيغة الجمع (أَفْعَال) هي محفوظة، ولم يقولوا: سُكَيْرِين، لأنَّهم لم يقولوا في جمعه: سكارين .. لم ينظروا في الجمع. وَيُكْسَر ما بعد ياء التَّصْغِير في غير ما ذُكِر إن لم يكن حرف إعراب، فتقول في (درهم): دُرَيْهِم، وفي (عصفور): عُصَيْفِير، فإن كان حرف إعرابٍ حرَّكته بحركة الإعراب: هذا فُلَيْس، ورأيت فُلَيْسَاً، وَمَرَرْت بِفُلَيْس، والأصل: هذا غير وارد، لأن قوله: (لِتِلْوِ يَا التَّصْغِيرِ الْفَتْحُ انْحَتَمْ) هذا يدل على أنَّه ليس بأخير، لأنَّ ما كان على: فَلْس .. فُلَيْس (تِلْوِ يَا التَّصْغِيرِ) هذا حرف إعراب، لا نقول: أنَّ (الْفَتْحُ انْحَتَمْ)، كيف الفتح انحتم وهو محل إعراب؟ هذا فُلَيْسٌ، السين هنا محل إعرابٍ، حينئذٍ لا يَتقيَّد، و (الْفَتْحُ) هنا فتح بِنْية: أُجَيْمَال، كل ما لم يكن حركة الطرف الذي هو حرف الإعراب فهو حركة بِنْيَة، والْفَتْحُ هنا فتح بنية، فلا يُتَصوَّر أن يكون في الثلاثي أبدًا .. غير وارد هذا. وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ حَيْثُ مُدَّا ... وَتَاؤُهُ مُنْفَصِلَيْنِ عُدَّا كَذَا الْمَزِيدُ آخِراً لِلنَّسَبِ ... وَعَجُزُ الْمُضَافِ وَالْمُرَكَّبِ وَهَكَذَا زِيَادَتَا فَعْلاَنَا ... مِنْ بَعْدِ أَرْبَعٍ كَزَعْفَرَانَا وَقَدِّرِ انْفِصَالَ مَا دَلَّ عَلَى ... تَثْنِيَةٍ أَوْ جَمْعِ تَصْحِيحٍ جَلاَ مراده بهذه الأبيات: أنَّ التَّصْغِير يُلاحظ فيه ما قبل هذه الزيادات الثمانية، هذه ثمانية أشياء تُعَدُّ مُنْفصِلَة عن الكلمة، إذا أردنا التَّصْغِير ننظر في الكلمة التي قبل هذه الأشياء الثمانية ثُمَّ نُصَغِّر، وما بعد ذلك الذي يُصَغَّر لا يُعْتَدُّ به .. لا نلتفت إليه، يعني: لا يُعْتَدُّ في التَّصْغِير بهذه الأشياء الثمانية، بل تُعدُّ منفصلة، يعني: تُنَزَّل مُنَزَّلة كلمة مُستقلَّة، حينئذٍ إذا نُزِّلت كلمة مُنَزَّلة كلمة مستقلَّة تركناها وصغرنا ما قبلها. كما يُصَغَّر غير متمَّمٍ بها، الأولى: ألف التأنيث: وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ حَيْثُ مُدَّا ..

يعني: ألف (صَحْرَاء)، ألف التأنيث الممدودة، نحو: حمراء تقول: حُمَيْراء، الألف المدَّة والهمزة تجعلها كأنَّها في كلمة مستقلَّة، يعني: تُقَسِّم الكلمة إلى قسمين: حمراء، الحاء والميم والراء، ثُمَّ الألف المدَّة والهمزة، تُصَغِّر ماذا؟ الكلمة كلها ما يمكن، وإنَّما تنظر إلى الحاء والميم والراء تجعله كأنَّها كلمة انتهت عند الراء، والزيادة هذه لا تلتفت إليها في التَّصْغِير فتقول: حُميْر .. حميراء، ثُمَّ تأتي بالزيادة كما هي في التَّصْغِير، هذا ألف التأنيث. وَأَلِفُ التَّأْنِيْثِ حَيْثُ مُدَّا .. (أَلِفُ التَّأْنِيث) يعني: ألف: حمراء. (وَتَاؤُهُ): هذا الثاني .. تاء التأنيث نحو: حَنْظَلة .. حُنَيْظِلَة، تجعل التاء كأنَّها غير موجودة، كأنَّها مستقلة فلا تلتفت إليها، التاء تاء التأنيث نحو: حنظلة تقول: حنيظلة، (وَتَاؤُهُ) يعني: تاء التأنيث، (مُنْفَصِلَيْنِ عُدَّا) عدَّا منفصلين، الذي هو: الألف (حَيْثُ مُدَّا)، وتاء التأنيث، ولذلك نقول: هي في نِيَّة الانفصال، أو في تقدير الانفصال: مسلمةٌ، التاء هذه في نِيَّة الانفصال، لأنَّك إذا صغَّرتها لم تلتفت إليها .. أسقطها: مسلم .. مُسيْلِمة، تأتي بالتاء. (وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ) هذا مبتدأ، (أَلِفُ) مضاف، و (التَّأْنِيثِ) مضاف إليه، (حَيْثُ مُدَّا) هذا مُتعلِّق بقوله: (عُدَّا)، (عُدَّا) هذا خبر .. فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، (عُدَّا) الألف ما إعرابها؟ نائب فاعل تعود إلى ألف التأنيث وتاء التأنيث. (عُدَّا مُنْفَصِلَيْنِ) عُدَّ كُلٌّ من ألف التأنيث وتاء التأنيث (مُنْفَصِلَيْنِ)، (مُنْفَصِلَيْنِ) مفعول ثاني لـ: (عُدَّا)، ونائب الفاعل الألف هو المفعول الأول، يعني: حُذِف الفاعل وَأُقِيم المفعول الأول مُقامَه، (وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ وَتَاؤُهُ عُدَّا مُنْفَصِلَيْنِ) وقيَّد ألف التأنيث بقوله: (حَيْثُ مُدَّا) احترازاً بالمقصورة. الثالث: أشار إليه بقوله: كَذَا الْمَزِيدُ آخِراً لِلنَّسَبِ .. يعني: ما كان مختوماً بياء النسب، تُنَزِّل ياء النسب مُنَزَّلة كلمة مستقلَّة فلا تراعيها عند التَّصْغِير، فَتُصَغِّر ما قبلها، وتجعل ما قبلها كأنَّه آخر الكلمة، ولا يُشْكِل عليك ياء النسب: قُرَشِي تقول: قُرَيْشـ انتهى هنا، ياء النسب كيف أصغِّره؟ يُشكل (قُرَيْشي) ثُمَّ تعيد ياء النسب في التَّصْغِير. (كَذَا) أي: مثل ذا، في كونه يُعَدُّ منفصلاً (الْمَزِيدُ)، (الْمَزِيدُ) هذا مبتدأ، و (كَذَا) خبر. (آخِراً لِلنَّسَبِ) (آخِراً) هذا ظرف مكان مُتعلِّق بـ: (الْمَزِيد)؛ لأنَّ (الْمَزِيد) هذا اسم مفعول، (مَزِيدُ) الذي زيد فـ: (أَلْ) هذه موصولة، تَعلَّق به (آخِراً) ظرف مكان، (لِلنَّسَبِ) كذلك مُتعلِّق بقوله: (الْمَزِيدُ) لأنَّه اسم مفعول. إذاً: (الْمَزِيدُ آخِراً لِلنَّسَبِ) مثل (ذَا) في كونه يُعَدُّ منفصلاً، إذاً: الثالث: ياء النسب نحو: عبقري .. عُبَيْقِري.

(وَعَجُزُ الْمُضَافِ) إذا أردت أن تُصَغِّر: عبد الله، تجعل (عبد) كلمة هي التي قابلة للتصغير، والمضاف إليه كما هو تحفظه: عبيد الله، إذاً: التَّصْغِير يَنْصبُّ على الجزء الأول، (وَعَجُزُ الْمُضَافِ) (عَجُزُ) هذا معطوف على قوله: (الْمَزِيدُ) على المبتدأ، (عَجُزُ) مضاف، و (الْمُضَافِ) مضافٌ إليه، إذاً: (عَجُزُ الْمُضَافِ) نحو: عبد شمس. (وَالْمُرَكَّبِ) المراد به: تركيب مزجي، (عَجُزُ الْمُضَافِ وَالْمُرَكَّبِ) (مُرَكَّبِ) هذا معطوف على (الْمُضَافِ) ليس معطوفاً على (عَجُز)، لو كان معطوفاً على الـ: (عَجُز) لقال: (وَالْمُرَكَّبُ)، لكن لَمَّا عطفه على (عَجُز) علمنا أنَّ المراد به: (عَجُزُ الْمُرَكَّبِ). ومتى يُتَصَوَّر (عَجُزُ الْمُرَكَّبِ)؟ إمَّا في المركب الإضافي، وإمَّا في المركَّب المزجي، يمتنع أن يكون المراد هنا عجز المركب الإضافي، لأنَّه ذكره وعطف عليه الثاني، فدل على أنَّه أراد: بَعْلَبَكَّ، (بَكَّ) الجملة الثانية تجعلها كأنها مستقلَّة، و (بَعْلَ) هي التي تُصَغِّرها: بُعَيْلَبَكَّ .. تُصغِّر الأول. إذاً: (عَجُزُ الْمُضَافِ وَالْمُرَكَّبِ)، (وَالْمُرَكَّبِ) هذا الخامس، (عَجُزُ الْمُرَكَّبِ) تركيب مزجٍ نحو: بَعْلَبَكَّ. وَهَكَذَا زِيَادَتَا فَعْلاَنَا .. ما هما؟ الألف والنون (فَعْلاَنَا)، (وَهَكَذَا) الهاء: حرف تنبيه، (كَذَا) مثل ذا، جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر (زِيَادَتَا فَعْلاَنَا)، (زِيَادَتَا) هذا مبتدأ مؤخَّر، وهو مضاف، و (فَعْلاَنَا) مضاف إليه، والألف هذه للإطلاق، لكن قيَّده: (مِنْ بَعْدِ أَرْبَعٍ) وذلك كـ: (زَعْفَرَاناَ) الألف للإطلاق، احترازاً من: (سَكْرَان) .. (سَكْرَان) الألف والنون جاءت بعد ثلاثة أحرف، إذاً: لا نستغني عنها (مِنْ بَعْدِ أَرْبَعٍ) .. (مِنْ بَعْدِ) هذا حالٌ من الضمير في الخبر. وَهَكَذَا زِيَادَتَا فَعْلاَنَا .. حال كونها (مِنْ بَعْدِ أَرْبَعٍ)، وذلك (كَزَعْفَرَاناَ) الألف للإطلاق، احترز به من نحو: سكران، وسرحان. إذاً السادس: الألف والنون الزائدتان بعد أربعة أحرفٍ فصاعداً نحو: زعفران، واحترز به من أن يكون بعد ثلاثةٍ نحو: سكران، وعثمان. وَقَدِّرِ انْفِصَالَ مَا دَلَّ عَلَى ... تَثْنِيَةٍ. . . . . . . . . . . . . . . (وَقَدِّرِ) هذا فعل أمر، والفاعل: أنت، فعل أمر مبني على سكون مُقدَّر، (انْفِصَالَ مَا دَلَّ) (انْفِصَالَ) هذا مفعول، وهو مصدَّر مضافٌ إلى الفاعل، (انْفِصَالَ) الذي (دَلَّ عَلَى تَثْنِيَةٍ)، (عَلَى تَثْنِيَةٍ) مُتعلِّق بقوله: (دَلَّ)، و (دَلَّ) هو الضمير يعود على (مَا)، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، يعني: ما دلَّ على تثنيةٍ قَدِّر انفصاله. إذاً السابع مِمَّا يُنَزَّل مُنَزَّلة كلمةٍ مُستقلَّة ولا يُلتفت إليه في التَّصْغِير، وإنَّما يُصَغَّر ما قبله علامة التثنية نحو: مُسلِمَين. أَوْ جَمْعِ تَصْحِيحٍ جَلاَ .. أَوْ جَمْعِ .. أَوْ جَمْعَ يجوز الوجهان .. (أَوْ جَلاَ جَمْعَ تَصْحِيحٍ)، (جَلاَ) فعل ماضي، حينئذٍ يكون من عطف جملةٍ على جملة، ما دلَّ على تثنيةٍ أو جلا جمع تصحيحٍ .. أو ظهر.

(أَوْ جَمْعِ) معطوف على (تَثْنِيَةٍ)، ما دلَّ على جمع تصحيحٍ وهذا أحسن، (جَلاَ) أي: ظهر هذا الأمر. إذاً الثامن: علامة جمع التصحيح، نحو: مُسلِمِيْن، ومسلمات، فجميع هذه لا يُعْتَدُّ بها: ياء النسب، وعلامة التَّثنية، وما بعد (عَجُز الْمُضَافِ)، وعجز المركَّب تركيب مزجي، كل هذه نقول: لا يُعْتَدُّ بها، وَيُقَدَّر تمام بِنْية التَّصْغِير قبلها، فتقول في تصغيرها: حمراء .. حُمَيْرَاء، وَحُنَيْظِلَة، وعَبْقَري .. عُبَيْقَري، وعبد شمس .. عُبَيْد شمس (شمس) تتركها كما هي، وَبُعَيْلَبَك، وَزُعَيْفَران، ومُسيْلِيمِين، ومُسيْلِمَات، وهذا تقييدٌ لقوله: وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ .. هذا تقييد بقوله: (مَا سَبَقْ) هناك، (وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ) صل به إلى أمثلة التَّصْغِير، يعني: يُحْذَف. إذاً: هذه الأشياء الثمانية لا تُحْذَف، بل يجب إبقاؤها على ما هي عليه، وتُقدِّر التَّصْغِير فيما قبلها. قال الشَّارح: "لا يُعْتَدُّ في التَّصْغِير بألف التأنيث الممدودة" لا تلتفت إليها .. صغِّر ما قبلها، ولا بتاء التأنيث، ولا بزيادة ياء النَّسب، ولا بعجز المضاف، ولا بعجز المركب، ولا بالألف والنون المزيدتين بعد أربعة أحرف فصاعداً، ولا بعلامة التَّثنية، ولا بعلامة جمع التصحيح، كل هذه لا تعتد بها .. لا تلتبس عليك، فَصغِّر ما قبلها، ثُمَّ تجعلها كذلك في المصغَّر. نقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

126

عناصر الدرس * تغير المختوم بألف التأنيث المقصورة * متى يجب رد حرف اللين إلى أصله؟ * تصغير ماكان على حرفين * تصغير المرخم * تصغير الؤنث المعنوي الثلاثي وغيره * حكم تصغير الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: وقفنا عند قول النَّاظم - رحمه الله تعالى -: وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى ... زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا وَعِنْدَ تَصْغَيرِ حُبَارَى خَيِّرِ ... بَيْنَ الْحُبَيْرَى فَادْرِ وَالْحُبَيِّرِ سبق أنَّ أوزان التَّصْغِير ثلاثة: (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل). قلنا: الثلاثي له: (فُعَيْل)، والرُّباعي المُجرَّد له: (فُعَيْعِل)، وما زاد: الرباعي المُجرَّد .. الخماسي وغيره له: (فُعَيْعِيل). وقلنا: يُتَوصَّل إلى ما زاد على أربعة أحرف بِما تُوصِّل به لجمع التكسير، يعني: من حذف الخامس، ثُمَّ الزيادات يُنْظَر فيها بالنظر السابق في جمع التكسير. واستثنى النَّاظم ثمان مسائل مما يبقى على الأصل، ثُم ألف التأنيث وما عُطِف عليه في الأبيات السابقة، حينئذٍ يُجْعَل ألف التأنيث، كذلك ياء النسب، وما ذُكِرت من المسائل الثَّمان، يُجْعَل ككلمة مستقلَّة وَيُصَغَّر ما قبلها، وَيُعْتَبر هذا تخصيصاً أو تقييداً لقوله: وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ ... بِهِ إِلَى أَمْثِلَةِ التَّصْغِير صِلْ ثُمَّ نبَّه بالمثال بقوله: (فُعَيْعِل .. فُعَيْعِيل) بأنَّ ما بعد ياء التَّصْغِير يُكْسَر، واستثنى أربع مسائل مِمَّا يُفتح بعد ياء التَّصْغِير، حينئذٍ هذان البيتان مُقيَّدان بِما بعدهما، كقوله: لِتِلْوِ يَا التَّصْغِيرِ مِنْ قَبْلِ عَلَمْ ... تَأْنِيثٍ اوْ مَدَّتِهِ الْفَتْحُ انْحَتَمْ والبيت الذي يليه فهي أربع مسائل. ثُمَّ قال: وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى ... زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا (وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ) مبتدأ، و (ذُو الْقَصْرِ) .. (أَلِفُ) مضاف، و (التَّأْنِيثِ) مضاف إليه، و (ذُو الْقَصْرِ) يعني: صاحب القصر احترازاً من ذو المدِّ، (أَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو) هذا نعت لـ: (أَلِف) وهو مرفوع ورفعه بالواو نيابةً عن الضَّمة، لأنَّه من الأسماء الستَّة، (ذُو) مضاف، و (الْقَصْرِ) مضافٌ إليه. (مَتَى) اسم شرط جازم (زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ)، (زَادَ) الضمير يعود على (أَلِفُ التَّأْنِيثِ)، يعني: متى زاد ألف التأنيث ذو القصر (عَلَى أَرْبَعَةٍ)، يعني: على أربعة أحرف، والتَّنوين هذا سبق أنَّ بعضهم يرى أنَّه تنوين عوض عن كلمة مثل تنوين: (كُل) و (بعض). (زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) يعني: أربعة أحرف (لَنْ يَثْبُتَا)، (لَنْ) حرف نفي ونصب واستقبال، (يَثْبُتَا) فعل مضارع منصوب بـ: (لَنْ)، ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، والألف هذه للإطلاق، والضمير يعود إلى ألف التأنيث، (لَنْ يَثْبُتَا) يعني: لن يثبت ألف التأنيث، حينئذٍ يُحْذف .. إذا لم يثبت حينئذٍ تعيَّن حذفه. قوله: (لَنْ يَثْبُتَا) (لَنْ) هنا .. والفعل؟ جواب الشَّرط، (مَتَى زَادَ لَنْ يَثْبُتَا) إذاً: جملة الجواب، وسبق أن جملة الجواب إذا صُدِّرت بـ: (لَنْ) وجب اقترانها بالفاء، هنا لم تقترن بالفاء حينئذٍ أسقط الفاء للضرورة، وإلا الأصل: فلن يثبتا.

إذاً قوله: (لَنْ يَثْبُتَا) الجملة جواب الشَّرط، وحذف الفاء من الجواب ضرورةً، يعني: للوزن، وأين خبر (أَلِفُ التَّأْنِيثِ)؟ (أَلِفُ التَّأْنِيثِ) مبتدأ، جملة الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ، هذا قول وهذا هو الصحيح، وبعضهم يرى: أن جملة (مَتَى زَادَ) خبر، وبعضهم يرى: أن جملة (لَنْ يَثْبُتَا) هو الخبر. بقي قولٌ رابع: لا خبر له، هذا المبتدأ مِمَّا قيل بأنَّه أُقِيم الجملة .. جملة الشرط والجواب مقام الخبر، يعني: سدَّت مَسدَّ الخبر، مثل: أقائمٌ الزَّيدان؟ (الزَّيدان) هذا فاعل سَدَّ مَسدَّ الخبر، هنا جملتا الشَّرط سَدَّت مَسدَّ الخبر، هذا محتمل .. لا بأس به، لكن الأولى أن نقول: أن المبتدأ يستلزم خبراً. وإذا كان كذلك حينئذٍ الأصل: أن يُوجد له خبر، فإذا أمكن أن يكون جملة الشرط والجواب حينئذٍ تَعيَّن، وما دام أنَّه أمكن أن يُعْرَب الجملة والجواب خبراً حينئذٍ هو الخبر، وأمَّا كونه جملة الجواب فقط أو جملة الشرط فقط هذا لم يحصل به تمام الكلام، لأنَّ الجواب مُرتَّبٌ على الفعل .. فعل الشَّرط، حينئذٍ الفائدة لم تحصل. ولذلك في أول باب الكلام قلنا: يُشْتَرط في تمام الفائدة أن تكون مستقلَّة، فإذا رُكِّبت مع غيرها .. الجملة المسند والمسند إليه يعني: صارت صلة للغير حينئذٍ قلنا: نقصت الفائدة: قام زيدٌ، لوحدها كلام مفيد، لكن لو جعلتها جملة الجواب قلت: إن قام زيدٌ قمت، (قام زيد) دون تركيب كلامٌ مفيد .. جملة مفيدة تامة، وأمَّا: إن قام زيدٌ قمت، الجملتان لَمَّا رُكِّبت ليست بكلام، فكيف يُجعل فعل الشرط لوحده خبراً، وكيف يجعل جملة الجواب لوحده خبراً؟ الصواب: إمَّا أن يُقال - وهذا أولى والمتعيَّن -: أن الجملتين في محل رفع خبر المبتدأ، وإن قيل: بأنَّه اكْتُفِي أو استغنى المبتدأ بجملة الشرط عن الخبر أيضاً لا بأس به. وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى ... زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا يعني: أنَّ (أَلِفُ التَّأْنِيثِ) إذا زادت على أربعة بأن كانت خامسةً فصاعداً، بأن تكون سادسة، حينئذٍ حُذِفت .. وجب حذفها (لَنْ يَثْبُتَا)، إذا كانت خامسةً فصاعداً حُذِفت؛ لأنَّ بقائها يُخرج البناء عن مثال (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل) لأنَّها لم يستقل النُّطق بها فيحكم لها بحكم المنفصل. فتقول في نحو: (قَرْقَرَى) و (لُغَّيْزَى) و (بَرْدَرَاي): قُرَيْقِر، بحذف الألف، أصله: (قَرْقَرَى) وقعت هنا خامسةً: قَرْقَرْ، هذه أربعة ثُمَّ الألف: قَرْقَرَى، حينئذٍ تحذف الألف: قُرَيْقِر، كذلك (لُغَيْزَى) وقعت هنا سادسةً: لُغَّيْ، هذه ثلاثة أحرف، ثُمَّ الياء، ثُمَّ الزاي خمسة، ثُمَّ الألف، هذه وقعت سادسةً. حينئذٍ تقول: لُغَيْغِز، أو لُغَيْغِيز، هكذا عبَّر بعضهم: إمَّا أنَّه على (فُعَيْل) وقيل القياس على (فُعَيْعِيل). وتقول في (بَرْدَرَاي): بُرَيْدِر، إذاً: تحذفها إذا كانت خامسةً، أو سادسةً أو، سابعةً.

وأمَّا إن كانت خامسة: فإن كانت خامسةً وقبلها مدَّة زائدة، هذا استثناها بالبيت الآتي، يعني ما كانت نحو: (حُبَارَى) هنا وقعت خامسة وقبلها مدَّة، حينئذٍ في مثل هذه الحالة أنت مُخيَّر بين حذف المدَّة أو حذف الألف، هذه استثناها النَّاظم فيما يأتي. فإن كانت خامسةً وقبلها مدَّة زائدة جاز حذف المدَّة وإبقاء ألف التأنيث وجاز عكسه، وإلى هذا أشار بالبيت الآتي. إذاً: متى زاد ألف التأنيث على أربعة أحرف، حينئذٍ الأصل فيه: وجوب حذف الألف، بأن كانت خامسة، أو سادسة، أو سابعة. يُسْتَثْنى الخامسة إذا كان قبلها مدَّة، يعني: وُجِدت مدَّة قبلها ثالثةً، حينئذٍ أنت مُخيَّر بين حذف المدَّة، أو حذف الألف. وَأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ مَتَى ... زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَنْ يَثْبُتَا وَعِنْدَ تَصْغَيرِ حُبَارَى خَيِّرِ ... بَيْنَ الْحُبَيْرَى فَادْرِ وَالْحُبَيِّرِ (عِنْدَ تَصْغَيرِ) قيل: (عِنْدَ) بمعنى: في هنا، (خَيِّرِ عِنْدَ تَصْغَيرِ حُبَارَى) (حُبَارَى) وقعت الألف هنا خامسةً مثل: حَبَرْكى، حَبَرْكى وقعت خامسةً. . . . . . . . . . . . . . . . خَيِّرِ ... بَيْنَ الْحُبَيْرَى فَادْرِ وَالْحُبَيِّرِ (حُبَيْرَى) ماذا صنعت .. هل حذفت الألف؟ لم تحذف الألف، وإنَّما صغَّرتها .. لم تحذف ألف التأنيث المقصورة، وإنَّما حذفت المدَّة: حبارى .. (حُبَيْرَى) حذفت الألف. (فَادْرِ وَالْحُبَّيِّرِ) بقلب الألف الأولى ياءً، هنا حذفت الألف المقصورة: حُبَيِّر، حذفت الألف المقصورة وزِدْتَ ياءً ساكنةً ثالثةً، ثُمَّ جاءت بعدها الألف فَقُلِبت الألف ياءً فَأُدْغِمت في ياء التَّصغير، قيل: حُبَيِّر، التشديد هذا من أين جاء؟ هذا عبارة عن ياءين: الياء الأولى ياء التَّصْغِير؛ لأنَّها وقعت ثالثةً، ثُمَّ الألف المدَّة قُلِبت ياءً فَأُدْغِمت الياء في الياء. إذاً: (الْحُبَيِّرِ) بقلب الألف الأولى ياءً وإدغام ياء التَّصْغِير فيها. (خَيِّرِ) .. و (خَيِّرِ عِنْدَ تَصْغَيرِ) (حُبَارَى) (خَيِّرِ) هذا فعل أمر مبني على سكونٍ مُقدَّر، (وَعِنْدَ) ظرفٌ مُتعلِّقٌ بـ: (خَيِّرِ)، وهو مضاف، و (تَصْغَيرِ) مضاف إليه، و (تَصْغَيرِ) مضاف، و (حُبَارَى) مضاف إليه، (بَيْنَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (خَيِّرِ)، وهو مضاف، و (الْحُبَيْرَى) مضافٌ إليه، (فَادْرِ) الفاء عاطفة، و (ادْرِ) هذا فعل أمر مبنيٌّ على حذف حرف العِلَّة الياء، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب اعتراضية، (وَالْحُبَيِّرِ) هذا معطوف على قوله: (الْحُبَيْرَى) (بَيْنَ الْحُبَيْرَى وَالْحُبَيِّرِ) معطوفٌ عليه. إذاً: إن كان ثالث ما فيه ألف التأنيث الخامسة ألفاً جاز فيه وجهان، لأنَّه قال فيما سبق: (وأَلِفُ التَّأْنِيثِ ذُو الْقَصْرِ) لا ذو المدِّ (مَتَى زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) إذا زاد على أربعةٍ، حينئذٍ إذا كانت رباعية تبقى مثل: سَلْمَى .. سليمى، حبلى .. حبيلى، تبقى كما هي، والحكم فيما زادت على أربعة، بأن كانت خامسة .. سادسة .. سابعة، في هذه الأنواع الثلاثة تُحْذف وجوباً، إلا إذا كانت خامسةً وقبلها مدَّة فأنت مُخيَّر بين وجهين: إمَّا أن تُحذف الألف وتبقى المدَّة، وإمَّا بالعكس.

إذاً القاعدة في هذين البيتين: تثبت ألف التأنيث إن كانت رابعةً كـ: حبلى، لأنَّ النَّاظم قال: (زَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ) مفهومه: إن كانت رابعةً ثبتت. تثبت ألف التأنيث إن كان رابعةً كـ: حبلى وسلمى، وتحذف إن كانت سادسةً كـ: لغيزى، أو سابعةً كـ: بَرْدرَاى، وكذا الخامسة إن لم تكن مدَّةٌ قبلها، يعني: لم تَتقدَّم عليها المدَّة كـ: قرقرى، فإن تَقدَّمتها مدةٌ حَذَفت أيًّا من الحرفين شئت: إمَّا المدَّة، وإمَّا الألف. قال الشَّارح: أي إذا كانت ألف التَّأنيث المقصورة خامسةً فصاعداً وجب حذفها في التَّصْغِير، لأنَّ بقاءها يُخرج البناء عن مثال (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل) فتقول في (قرقرى): قُرَيْقِرٌ، وفي (لغيزى): لُغَيْغِيزٌ" يعني: (فُعَيْعِيلٌ) الأشْمُوني أثبت أنَّه من باب: (فُعَيْعِل) وخطَّأه الصَّبَّان. فإن كانت خامسةً وقبلها مدَّةٌ زائدةٌ جاز حذف المدَّة المزيدة وإبقاء ألف التَّأنيث .. البيت الثاني، فتقول: حُبَارَى .. حُبَيْرَى، بحذف المدَّة فقط، وجاز أيضاً حذف ألف التَّأنيث وإبقاء المدَّة فتقول: حُبَيِّرْ، بقلب المدَّة ياء ثُمَّ تُدْغَم ياء التَّصْغِير فيها. وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ ... فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيْدٌ وَحُتِمْ ... لِلجَمْعِ مِنْ ذَا مَا لِتَصْغِيْرٍ عُلِمْ وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ يُجْعَلُ ... وَاوَاً كَذَا مَا الأَصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ (وَارْدُدْ) وجوباً لزوال موجب القلب، لأنَّ قلب الحرف، أو حذف حرف الأصل: أن يكون لموجب .. لسبب .. لقاعدة، حينئذٍ إذا كان لقاعدة، وكان مركَّباً على سبب، حينئذٍ يوجد السبب المسبَّب وهو القلب لوجود سببه، وإذا انتفى انتفى. إذاً: (ارْدُدْ) هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، (ارْدُدْ) وعِلَّة وجوب الرَّد هنا لزوال مُوجب القلب. وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ .. كلها قيود (ارْدُدْ لأَصْلٍ)، يعني: ما كان أصله واو ثُمَّ قُلِب ألفاً، وما كان أصله ياء ثُمَّ قُلِب ألفاً، (ارْدُدْ لأَصْلٍ): رُدَّه (لأَصْلٍ)، (ثانياً) لا ثالثاً، (لَيْناً) لا صحيحاً، (قُلِبْ) هذا نعتٌ ثاني، (ارْدُدْ لأَصْلِ) (لأَصْلٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (ارْدُدْ)، و (ثَانِياً) مفعول لقوله: (ارْدُدْ)، (وَارْدُدْ ثَانِياً) .. (لَيْناً) هذا نعت له .. للمفعول، (قُلِبْ) ما هو (قُلِبْ)؟ ثاني قُلِب ليناً هذا الأصل، فهو صفةٌ لـ: (ثانياً) .. فهو صفة بعد صفة. مثَّل: فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ .. (قِيمَة .. قُوَيْمَة) .. (قِيِمَة) الياء هذه منقلبة عن واو، وهي ثانٍ .. لين، كذلك قُلِب فليس بأصل، حينئذٍ إذا صَغَّرت (قِيمَة): (قُوَيْمَة) رَدَدْتَ الياء إلى أصلها وهي الواو، ولذلك تقول في أوضح من هذا كما سيأتي: (باب) باب الألف هذه مُنقلِبة عن واو بدليل التَّصْغِير، لذلك القاعدة المشهور: أنَّ التَّصْغِير يَرُد الأشياء إلى أصولها، هو هذا الذي أشار إليه، فـ: (باب) تصغيره: بُوَيْب (فُعَيْل)، الواو المنقلبة ألف رجعت في التَّصْغِير: باب .. بُوَيْب، ناب .. نُيَيْب، إذاً: رجع إلى أصله.

(قُوَيْمَة) هذا تصغير: قِيمَة، وقِيمَة: الياء هذه الثاني أصلها واو فانقلبت ياء، (قِيمَة) الأصل: قِوْمَة، سَكَنَت الواو بعد كسرةٍ فوجب قلبها ياءً. إذاً: (فَقِيمَةً صَيِّرْ) فصيِّر قيمةً: قويمةً، الفاء هنا داخلة على (صَيِّرْ)، و (قِيمَةً) هذا مفعول أوَّل لـ: (صَيِّرْ)، و (قُوَيْمَة) مفعولٌ ثاني، (تُصِبْ) هذا فعل مضارع مجزوم لوقوعه في جواب الأمر .. الطلب، (صَيِّرْ تُصِبْ) صَيِّرْ قِيمَةً قُوَيْمَةً تُصِبْ، هذا ما يَتعلَّق ببيت النَّاظم. يعني: أنَّ ثاني الاسم المُصغَّر .. ثاني لا ثالث، أمَّا الثالث فلا يُردُّ إلى أصله. يعني: أن ثاني الاسم المصغَّر يُردُّ إلى أصله إذا كان ليناً لا صحيحاً، منقلباً عن غيره، فشمل ذلك ستَّة أشياء: الأول: ما أصله واو فانقلبت ياءً، كمثال النَّاظم نحو: (قِيمَة) فتقول فيه: (قُوَيْمَة). الثاني: ما أصله واو فانقلبت ألفاً، نحو: باب، فتقول فيه: بُوَيْب. الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واواً .. عكس، الواو والياء كما سيأتي في (الإبدال) كُلٌّ منهما ينقلب إلى الآخر .. بينهما علاقة، الواو تنقلب إلى ياء في مواضع، والعكس. إذاً الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واواً نحو: مُوْقِن، فتقول في تصغيره: مُيَيْقِن، رجعت الواو إلى أصلها، (مُوْقِن) أصلها: مُيْـ، ياءٌ ساكنة قبلها ضَمَّة فوجب قلبها واو، إذاً: الواو هذه في: (مُوْقِن) مُنقلبة عن ياء. ومثلها: مُوسِر، أصله من اليسر (مُوسِر) أين الياء؟ هي الواو، أصلها: مُيْـ، ياءٌ ساكنة قبلها ضمَّة، وهذا مُمتنع، الياء ما يناسبها ما قبلها إلا كسرة وإلا فتحة، أمَّا ضمَّة فلا، ولو بُقِيت الضمَّة حينئذٍ وجب قلب الياء واواً فتقول: موقن .. موسر، إذاً: مُويَيْسِر، هذا في التَّصْغِير، رجعت الواو ياء، ومثلها: ناب .. نُيَيْب. إذاً الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واواً. الرابع: ما أصله ياء فانقلبت ألفاً: ناب، المثال الذي ذكرناه سابقاً يُذْكَر في هذا المحل (ناب) فتقول فيه: نُيَيب. إذاً: هذه الأربعة: الأول: ما أصله واو فانقلبت ياءً. الثاني: أصله واو فانقلبت ألفاً، إذاً: الواو قد تنقلب ياء وقد تنقلب ألفاً. الثالث: ما أصله ياء فانقلبت واواً. الرابع: ما أصله ياء فانقلبت ألفاً. الخامس: ما أصله همزة فانقلبت ياءً نحو: ذِيب، أصله: ذِئْب، فَقُلِبت الهمزة ياء، فتقول في تصغيره: ذُئَيْبٌ، ذئب .. ذيب - إذًا هذه ذيب صحيحة عند الناس - الياء هذه صحيحة منقلبة عن أصل، إذاً: ذُئَيْب، بالهمزة. السادس: ما أصله حرفٌ صحيح غير الهمزة، وهذا محفوظ في كلمتين أو ثلاث نحو: دينار وقيراط، فإن أصلهما: دِنَّار – بالتشديد - وَقِرَّاطْ، والياء فيهما بدلٌ عن أول المثلين: دينار .. دِنَّار، عندنا نونان: الأولى ساكنة والثاني مُتحرِّكة، قُلِبت ياء، النون هي حرف صحيح انقلبت ياءً، فقيل: دينار .. قِيراط، أصله: قِرَّاط، راء مُشدَّدة، الحرف الأول من الرائين قُلِب ياءً فقيل: قيراط .. دينار.

فتقول في التَّصْغِير: دُنَيْنِير، نحن نقول: دينار، نون واحدة من أين جاءت النون الثانية؟ نقول: أصل الياء (دينار) الياء هذه مُنقلبة عن نون، وأصل الكلمة: دِنَّار بنونين، ولذلك جاءت ياء التَّصْغِير ثالثةً: دُنَيْـ، دل على أنَّ النون هي المنقلبة ياء، دُنَيْنِير، بقيت النون الثانية كما هي. كذلك تقول: قُرَيْرِيط، فتقول: قيراط، إذا صَغَّرته قلت: قُرَيْـ، قاف ثُمَّ راء، وفي الأصل الذي تريد تصغيره: قاف ثُمَّ ياء، حينئذٍ رَجَعَت الراء التي انقلبت ياءً. إذاً النوع السادس: ما أصله حرفٌ صحيح غير الهمزة نحو: دينار وقيراط، فإن أصلهما: دِنَّار وَقِرَّاط بالتشديد، والياء فيهما بدلٌ عن أول المثلين: النون الأولى والراء الأولى، حينئذٍ في التَّصْغِير تقول: دُنَيْنِير، وَقُرَيْرِيط. وخرج عن ذلك ما ليس بلين، فإنَّه لا يُرَدُّ إلى أصله، لأنَّ النَّاظم قال: (لَيْناً)، يعني: لا بُدَّ أن يكون حرف لين: واو، أو ياء، أو ألف فقط، ما لم يكن كذلك لا يرجع إلى أصله ولو كان مُنقلباً، إذاً: خرج عن ذلك ما ليس بلينٍ، فإنَّه لا يُرَدُّ إلى أصله، فتقول في (مُتعدٍّ): مُتَيْعِد، (مُتَعَدٍّ) قالوا: التاء الأولى هي واوٌ .. مُنقلبة عن واو، لكن في التَّصْغِير لا تقول: مُوَيْعِد، لا ترد التاء إلى أصلها وهي الواو، وإنَّما تبقى على حالها، لأنَّه يقع لبس. فتقول في (مُتَعدٍّ): مُتيْعِد، بإبقاء التاء مع كونها مُنقلبة عن واوٍ، لأنَّها حرفٌ صحيح، خلافاً للزَّجَّاج، وقيل: والفارسي معه، فإنَّه يردُّه إلى أصله فيقول: مُوَيْعِد، وهذا هو الأصل، لكن إذا وُجِد لبسٌ حينئذٍ لا يُرَدُّ إلى أصله، والأول مذهب سيبويه وهو الأصح، لأنَّه إذا قيل فيه: (مُوَيْعِد) أوهم، إذاً: لا يُرَدُّ للوهم .. للبس، لا يرد لوقوعه في اللبس، أوهم أنَّه مُكَبَّر: مُوْعِد، أو مُوْعَد، أو مَوْعَد، وليس الأمر كذلك، و (متيعد) لا إيهام فيه. إذاً: اشتراط كون الثاني ليْناً، لأنَّ الصحيح إذا رُدَّ إلى أصله يوقع في لبسٍ، وَكُلُّ ما أدى إلى الوقوع في اللبس قاعدة العرب: المنع. (وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً) مفهومه: أنَّ الثالث إذا كان منقلباً عن أصلٍ لم يُرَد إلى أصله، نحو: قائم، فإنَّ الهمزة بدلٌ من الواو، لكنَّك تقول في التَّصْغِير: قُوَيْم، لا ترجع إلى أصلها؛ لأنَّها ثالثة، والشَّرط هنا: أن يكون ثانياً. (وَارْدُدْ لأَصْلِ) إذاً: (ثَانِيَاً) لا ثالثاً، فإن كان ثالثاً لم يرجع إلى أصله، والمثال الذي ذكرناه: قائم، الهمزة بدلٌ عن الواو، أصله: قاوم، فتقول: قويم. (لَيْناً) لا صحيحاً، والصحيح كما ذكرناه: (مُتعدٍّ) هذا لا يُرَد.

(قُلِبْ) هنا عمَّم النَّاظم، وباب التَّصْغِير قلنا: بعض المسائل فيه تُخالف ما يَنُصُّون عليه في باب التصريف، (قُلِبْ) المراد بالقلب هنا: مُطلق الإبدال إذْ فرقٌ بين الإبدال والقلب، لأنَّ القلب في اصطلاح أهل التصريف: لا يُطْلَق على إبدال حرف لينٍ من حرفٍ صحيح ولا عكس، بل على إبدال حرف عِلَّة من حرف علَّةٍ آخر، واو إلى ياء .. ياء إلى واو .. واو أو ياء إلى ألف، هذا يسمى: قلباً ولا يسمى: إبدالاً، لكن النَّاظم هنا عَمَّم، قلنا: ذِيب .. ذِئْب، الهمزة هذا حرفٌ صحيح، أُبْدِلت الهمزة ياء هذا يسمى: إبدالاً، ولا يسمى: قلباً عند التَّصريفيين، لكن النَّاظم هنا أطلق قال: (قُلِبْ) فعمَّ الإبدال عند الصرفيين، وما هو قلبٌ عندهم أيضاً، فيكون أشبه ما يكون هنا بقوله: (قُلِبْ) أُبْدِل، لأنَّ الإبدال أعم، والقلب أخص، القلب هو إبدالٌ لكنَّه حرف عِلَّة عن حرف عِلَّة آخر، وأمَّا الإبدال فهو أعم تُبْدِل حرفاً صحيحاً إلى همزة والعكس إلى آخره، هذا يُسمى: إبدالاً ولا يسمى: قلباً، والنَّاظم أراد مُطلق الإبدال، فالذي يدخل تحته إبدال حرف عِلَّة بصحيح أو عكس، وإبدال حرف عِلَّةٍ عن حرف علَّةٍ آخر. وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ ... فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيْدٌ. . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . (عِيْد) من العَوْد، نقول: عيد الفطر (عُيَيْد) إذا صغَّرته، ولا تردَّه تقول: عُوَيْد، هذا الأصل، لأنَّه يوهم، إذا قلت: عويد، يظن الظَّان أنَّه تصغير: عود، وليس هو المراد هنا، (عِيْد) من العَوْدَة، سُمِّي: عيداً، لذلك لأنَّه يعود مرَّةً بعد أخرى، حينئذٍ: عويد، هذا الأصل فيه. (وَشَذَّ) يعني: خرج عن القياس، (فِي عِيْدٍ عُيَيدٌ) شذَّ عُيَيدٌ في عيدٍ، والأصل فيه أن يُقال: عويد، إذاً: ورد في لسان العرب ما هو منقلبٌ عن أصلٍ وهو الحرف الثاني والأصل فيه في التَّصْغِير أن يُرَدَّ إلى أصله فيكون داخلاً في القاعدة السابقة: وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْناً قُلِبْ .. منه (عِيد) .. (عِود) هذا الأصل، سَكَنَت الواو بعد كسرةٍ فَقُلِبت ياءً فقيل: (عيد) إذا جئت تُصغِّر على القاعدة تقول: عويد، مثل: بويب، لكن لَمَّا كان مُوقعاً في لبسٍ وهو إيهام أنَّ: عويد، هذا ليس تصغير (عِيْد) وإنَّما هو تصغير: عود، فحينئذٍ بقي على أصله. إذاً قوله: (وَارْدُدْ لأَصْلِ) هذه قاعدة عامة، ورد ما هو مُنقلبٌ عن أصلٍ غير مردودٍ لأصله في لسان العرب، بل حتى في الشرع.

(وَشَذَّ) أي: خرج وانفرد عن القاعدة السابقة: (عُيَيدٌ)، (فِي عِيْدٍ) يعني: في تصغير (عِيْدٍ) حيث صغَّروه على لفظه: (عُيَيدْ) ولم يَرُدُّوه إلى أصله وقياسه: عُوَيْدٌ، لأنَّه مِن عاد يعود، فلم يردوا الياء إلى الواو لئلا يلتبس بتصغير: عُودْ، بضمِّ العين، كما قالوا في جمعه: أعياداً، والأصل أن يقولوا: أَعْوَاداً، لكن لو قالوا: أعواداً، ظنَّ أنه جمع: عود، فحينئذٍ دفعاً لهذا الوهم بقي على لفظه .. جُمِع على ما لُفِظ به .. جُمِع وَصُغِّر على لفظ فقيل: أعياداً .. أعياد المسلمين، ولا تقل: أعواد المسلمين، كما قالوا في جمعه: أعياداً، ولم يقولوا: أعواداً، للعلَّة السابقة. (وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيدٌ) إذاً: هذه القاعدة العامة: وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ ... فَقِيمَةً صَيِّرْ قُوَيْمَةً تُصِبْ وَشَذَّ فِي عِيْدٍ عُيَيْدٌ. . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وهذه هي التي تُذْكَر دائماً في أبواب النحو: التَّصْغِير يَردُّ الأشياء إلى أصوله. وَيُسْتَثنى من كلامه: ما كان (لَيْناً) مُبدلاً من همزةٍ تلي همزة – هذا سينص عليه في آخر الإبدال هناك، ولكن هنا ذكره أنسب -. يُسْتَثنى من كلامه: ما كان (لَيْناً) مُبدلاً من همزةٍ تلي همزة كـ: ألف (آدم)، وياء (أَيْمَةٌ)، فإنهما لا يُرَدَّان إلى أصلهما، أمَّا: (آدم) فَتُقْلَب ألفه واواً، تقول: أُوَيْدِم، كما تجمعه على: أوادِم، (آدم) أصله: أَئْدم، الهمزة الثانية قُلِبت ليناً .. ألف، إذا صَغَّرناه الأصل أن ترجع الألف إلى الهمزة، لأنَّ التَّصْغِير يَردُّ الأشياء إلى أصولها فهو ثانٍ، داخل في قوله: وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ .. و (آدم) المدَّة الثانية أصلها: همزة، حينئذٍ إذا صغَّرناه فالأصل: أن ترجع الألف هذه المدَّة إلى همزةٍ، لكن لم يفعلوا ذلك وإنَّما أبدلوه واواً، فقيل: أُوَيْدِم، جعلوا الألف الثانية واواً، كذلك: أَيْمَة، صغَّروه على لفظه قيل: أُويَيْمَة، الأصل: أُوَيْمَة، (أُويَيْمَة) صغَّره على لفظه. إذاً يُستثنى من القاعدة السابقة: ما كان ليناً مُبدلاً من همزةٍ تلي همزة، (لَيْناً) يعني: ألف أُبْدِلت من همزةٍ تلي همزة، همزة وهمزة: أئدم، حينئذٍ الثانية للثِّقَل أُبْدِلت ألفاً، لَمَّا صُغِّر الأصل كانت .. أن الثانية حرفٌ لَيْن يرجع إلى أصله وهو الهمزة، ولكن لم يفعلوا ذلك. . . . . . . . . . . وَخُتِمْ ... لِلْجَمْعِ مِنْ ذَا مَا لِتَصْغِيْرٍ عُلِمْ قال سيبويه: التَّصْغِير والتكسير من وادٍ واحدٍ" فهذه القاعدة كما أنَّها في باب التَّصْغِير كذلك في جمع التكسير، فإذا جمعت ما ثانيه حرف ليْنٍ مُنقلِب رَدَدْتَه في الجمع: باب، تقول: أبواب رَجَعَت: ناب .. أنياب رَجَعَت، إذاً: القاعدة عامة في باب التكسير وفي باب التَّصْغِير، يُرَدُّ الشيء إلى أصله إذا كان حرف ليْن مُنقلِب عن واو أو ياء فالقاعد عامة. (وَحُتِمْ) يعني: لَزِم (لِلْجَمْعِ) أيُّ جمع؟ جمع التكسير، قد يقول لك قائل: كيف تُقيِّده بدون دليل جمع مطلق .. ما المناسبة؟ لأنَّ التَّصْغِير والتكسير الأنسب أنْ يكون التكسير؛ لأنَّه من بابٍ واحد.

(وَحُتِمْ لِلْجَمْعِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حُتِمْ)، (مِنْ) حرف جر، (ذَا) ما هو (ذَا)؟ اسم الإشارة يعود إلى أي شي؟ (وَحُتِمْ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، أين نائب فاعله؟ هكذا التركيب: وَحُتِمْ مَا عُلِمْ لِتَصْغِيْرٍ لِلجَمْعِ مِنْ ذا الحكم السابق، (وَحُتِمْ مَا) هذا نائب فاعل (عُلِمْ لِتَصْغِيْرٍ لِلجَمْعِ من ذا) إذاً: (مِنْ ذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حُتِمْ)، كما أنَّ قوله: (لِلْجَمْعِ) مُتعلِّق بقوله: (حُتِمْ)، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في محل رفع نائب فاعل، و (لِتَصْغِيْرٍ) مُتعلِّق بقوله: (عُلِمْ)، و (عُلِمْ) هي صلة الموصول، التقدير: ما عُلِمَ لِتَصْغِيْرٍ، (مِنْ ذَا) الحكم السابق: وَارْدُدْ لأَصْلِ ثَانِيَاً لَيْنَاً قُلِبْ .. الحكم ثابتٌ للجمع، فكما أنَّك ترد الأصل في التَّصْغِير كذلك تَرُدُّه في التكسير، يعني: أنَّه يجب لجمع التكسير من ردِّ الثاني إلى أصله ما وجب للتَّصغير، فيقال في (ناب) و (باب) و (ميزان): أنياب، وأبواب، موازين .. (ميزان) أصلها: مِوْزان، سَكَنَت الواو وَكُسِر ما قبلها فقيل: ميزان، إذا جمعته: موازين، أين الياء في: ميزان؟ رجعت إلى أصلها وهي: الواو، فتقول: موازين، إلا ما شَذَّ .. قلنا: منه الشاذ: أعياد، ما شَذَّ في التَّصْغِير شذَّ في الجمع إذا كانت العِلَّة للبس. إلا ما شذَّ كـ: أعياد، وهذا الحكم في التكسير الذي يَتغيَّر فيه الأول، وأمَّا ما لا يَتغيَّر فيبقى على ما هو عليه نحو: قيمة وقيم، وَدِيمة وديم، يعني: إذا كان يَتغيَّر أوله حينئذٍ رجع الثاني إلى أصله، وأمَّا إذا كان ثابتاً .. قلنا قوله: (وَارْدُدْ) هذا لا بُد من تقييده ليس مطلقاً لزوال موجب القلب، لأنَّ موجب الفلب .. القلب لا يكون عشوائياً هكذا، إنَّما لا بُدَّ من عِلَّة، حينئذٍ هذه العلَّة .. هذا السبب قد يزول، إذا قيل: قيمة .. قيم .. قويمة، (قِيمة) قاف مكسورة، أصلها: قِو، إذاً: وُجِدت الواو وانكسر ما قبلها ثُمَّ قُلِبت ياءً .. السبب موجود، إذاً صغَّرت: قيمة، قلت: قُو، إذاً: زالت الكسرة التي هي موجب لقلب الواو ياءً .. زال السبب، إذا زال السبب حينئذٍ نقول: الواو لا تُقْلَب ياءً. (قُوَيْمَة) ما الموجب لقلب الواو؟ ما قبلها أن يكون مكسوراً وهنا ضُمَّ، إذاً: تَغيَّر ما قبل الواو حينئذٍ تَغيَّر الحكم، أمَّا: قَيمة وَقِيم، بقي على أصله .. القاف مكسورة، إذاً: السبب موجود، المقتضي لقلب الواو ياءً موجود في الجمع، إذاً: يبقى على ما هو عليه، وأمَّا إذا زال، زال ما ترتب عليه. وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ يُجْعَلُ ... وَاوَاً كَذَا مَا الأَصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ (وَارْدُدْ لأَصْلٍ): عرفنا أنَّ الأصل هو الذي انقلب إلى واوٍ أو ياء، (وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ) الزائدة، إذاً: هذا حكمٌ آخر يَتعلَّق بحرف ليْن .. وهو ثانٍ .. وهو ألف .. وهو مزيد، وأمَّا الأول: (باب) و (قيمة) ونحوها، نقول: الألف هنا أصلية، يعني: الأصل أصل ثُمَّ انقلب، لو كان الثَّاني زائداً مثل: ضارب، (ضارب) الألف هذه ليست مُنقلِبة عن شيء، حينئذٍ ماذا نصنع؟

قال: (وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ)، (الأَلِفُ) مبتدأ، (الثَّانِي) نعت، (الْمَزيدُ) نعتٌ بعد نعت، (يُجْعَلُ) -مضارع. معلوم أو مجهول؟ مُغيَّر الصيغة. أين فاعله، أو ليس له فاعل؟ ليس له فاعل .. له نائب فاعل. أين هو؟ ضمير مستتر يعود على الألف. أين مفعوله الأول؟ هو النائب .. هو الذي أُقيم نائب ثاني. أين مفعوله الثالث؟ الثاني: وَاواً، الثالث: ليس له ثالث. والجملة .. أين خبر المبتدأ؟ (يُجْعَلُ) .. جملة (يُجْعَلُ) نائب الفاعل في محل رفع خبر المبتدأ. كَذَا مَا الأَصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ .. الألف الثانية لها خمسة أحوال: الأول: أن تكون مُبدلة من واوٍ. الثانية: أن تكون مُبدلة من ياءٍ. وهذا الأول والثاني قد تَقدَّم في البيت السابق، لأنَّها إذا كانت مُبدلة من واوٍ نحو: باب، وإذا كانت مُبدلة من ياء نحو: ناب، وهذه سبق حكمها، هكذا ذكره الشُّراح، والأولى: ألا يُقال بدخول هذين النوعين في البيت الثالث هذا، لماذا؟ لأنَّه قال: (وَارْدُدْ لأَصْلٍ) وهذه أصليَّة، ثُمَّ قال: (وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ) دل على أنَّ الحكم هنا غير الحكم السابق، فَحَشر هذين النوعين في هذا البيت .. هكذا قال المَكُودِي لكن فيه نظر! الثالث: أن تكون زائدة، وهذا الذي عناه النَّاظم .. أن تكون زائدة كـ: ضارب. الرابع: أن تكون مجهولة، يعني: ما ندري هل هي منقلبة أو لا؟ كـ: عاج، وصاب. الخامس: أن تكون مبدلة من همزة نحو: آدم. الخامس هذا سيذكره في باب الإبدال كما ذكرناه، والأول والثاني ذكره في البيت السابق (وَارْدُدْ لأَصْلٍ)، بقي الثالث والرابع: أن تكون زائدة نحو: ضارب، وأن تكون مجهولة، ما الحكم فيهما؟ قال: وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ يُجْعَلُ ... وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . . يعني: تقلبها واواً، نحو: ضارب، صَغِّره: ضُوَيْرِب، ماذا صَنَعت؟ قَلَبْت الألف واواً، لأنَّها زائدة يعني: ليست مُنقلِبة عن شيء، لأنَّ أصله: ضَرَب، فاسم الفاعل منه على وزن (فَاعِل)، والألف هذه زائدة قطعاً ليست مُنقلِبة عن واو ولا ياء، فإذا صَغَّرته قلت: ضُوَيْرِب، مَاشٍ .. مُوَيْشٍ، قلبت الألف الزائدة واواً. إذاً: وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيدُ يُجْعَلُ ... وَاواً كَذَا. . . . . . . . . . . . . . أي: مثل (ذَا) في قلب الألف واواً (مَا الأَصْلُ فِيهِ يُجْهَلُ) يعني: ما جُهِل أصله هل هو مُنقلِب أم زائد؟ كألف: صاب، وعاج، فتقول فيهما: صُوَيْب، وَعُوَيْج، وَيُلْحَق به أيضاً نحو: آدم، كما سبق: أُوَيْدِم، وهذا سَيَنُص عليه أيضاً. وحكم التكسير في إبدال الألف الثاني كحكم التَّصْغِير: ضَوَارِب .. أوادم، (ضارب) ضَوَارِب إذاً: قلبت الثانية واواً، لأنَّك تقلبها في التَّصْغِير واواً، إذاً: الحكم عام. وَالأَلِفُ الثَّانِي الْمَزِيْدُ يُجْعَلُ ... وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . .

ضَارب .. ضُوَيْرِب، (كَذَا) مثل (ذَا) الحكم السابق من قلب الألف واواً، (ما) هذا مبتدأ، (الأَصْلُ يُجْهَلُ فِيهِ) (فِيهِ) مُتعلِّق بقوله: (يُجْهَلُ)، و (الأَصْلُ) مبتدأ، و (يُجْهَلُ) الجملة خبر، و (فِيهِ) مُتعلِّقٌ به، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، و (مَا) مبتدأ، و (كَذَا) خبره مُقدَّمٌ عليه. قال الشَّارح: أي إذا كان ثاني الاسم المصَغَّر من حروف اللِّيِن -أو اللَّيْن- وجب رَدُّه إلى أصله، فإن كان أصله الواو قُلِب واواً، فتقول في (قِيمَة): قُوَيْمَة، وفي (باب): بُوَيْب؛ لِزَوال موجب القلب .. انتبه لهذه! وإن كان أصله الياء قُلِب ياءً فتقول في (مُوقِن): مُيَيْقِن، وفي (ناب): نُيَيْب. " وَشَذَّ قولهم في (عِيْد): عُيَيْد، والقياس: عُوَيْد بقلب الياء واواً، لأنها أصله؛ لأنه مِن: عاد يعود، فإذا كان ثاني الاسم المصَغَّر ألفاً مَزيدة أو مجهولة الأصل وجب قلبها واواً؛ لأنَّه الكثير، فتقول في (ضارب): ضُوَيْرِب، وفي (عاجٍ): عُوَيْجٌ، والتَّكسير فيما ذكرناه كالتَّصْغِير، فتقول في (باب): أبواب، وفي (ناب): أنياب، وفي (ضاربة): ضَوَارِب. وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا ... لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا (كَمَاءٍ) أو (كَمَا)، (مَا) الاسمية والحرفية إذا سُمِّي بها، أو (مَا) لغةٌ في (مَاءٍ) الماء المشروب. (وَكَمِّلِ) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، (الْمَنْقُوصَ) ليس المراد به المنقوص القياسي الذي آخره ياءٌ لازمةٌ قبلها كسرة، فَتُقَدَّر فيها الضَّمَّة والكسرة، نقول: ليس المراد به: المنقوص، والمراد به هنا: ما نقص منه حرفٌ، أو ما حُذِف منه أصلٌ: يَدْ .. دمٌ .. أَخْ منقوص، لماذا منقوص؟ لأنَّه حُذِف منه أصلٌ، فهذا أشبه بالنقص اللغوي في باب: (أب) .. أَبٍ وَأَخٍ: بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ .. وَالْنَّقْصُ فِي هَذَا الأَخِيرِ أَحْسَنُ .. فالمراد به: هذا النوع ليس الاصطلاحي. (وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ) أي: الناقص منه شيء، ولو مُبْدَل بآخر بدليل تمثيله بالماء، لأنَّ (ماء): الهمزة هنا منقلبة عن هاء أصله: موهٌ. (وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ) لِتَتَأَتَّى بِنْيِة (فُعَيْل) لأنَّ: يَدْ، كيف تصغِّره؟ لا يمكن هذا: يَدٌ، على حرفين، و (فُعَيْل) على ثلاثة، ياء التَّصْغِير تُزاد لا إشكال فيها، لا بُد أن يكون الاسم المُصغَّر على ثلاثة أحرف، حينئذٍ (يَدْ) كيف يُصَغَّر .. (دَمْ) كيف يُصغَّر .. (أَخْ)؟ لا يُمكن أن يتأتَّى منه صيغة (فُعَيْل) إلا بِردِّ أصله المحذوف؛ ولذلك وجب الرَّد، إذا صُغِّر ما حُذف أحد أصوله وجب ردُّ محذوفه إن كان قد بقي بعد الحذف على حرفين، فـ: يَدٌ، ترجع الياء: يُدَيْ، دَمٌ .. دَمْوٌ .. دَمْيٌ، لا بُدَّ من إرجاع ما حُذِف. (وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ) اشترط النَّاظم: . . . . . . . . . . . . . . . . مَا ... لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا

(مَا لِمْ يَحْوِ) ما لم يشتمل (غَيْر التَّاْ)، (مَا) هذه مَصدريَّة ظرفيَّة، و (لِمْ) حرف نفي وقلب، و (يَحْوِ) فعل مضارع مجزوزٌ بـ (لَمْ) وجزمه حذف حرف العِلَّة، (يَحْوِ) هو أي: المنقوص، (غَيْر التَّاءِ ثَالِثَاًً): (لِمْ يَحْوِ ثَالِثاً) هذا مفعولٌ به، (غَيْرَ التَّاءِ) الأصل فيه أنَّه نعت، إذا كان الشيء نَعتاً لنكرة، أو جار ومجرور، أو ظرف إذا تَقدَّم أُعْرِب حالاً، (ثَالِثاً غَيْر التَّاء) فلَمَّا تَقدَّم (غَيْرَ التَّاءِ) على (ثَالِثاً) حينئذٍ قلنا: حالٌ، صاحبها (ثَالِثاً)، (كَمَا) أي: وذلك مثل: ما. (وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ) شمل (الْمَنْقُوصَ) هنا ما حُذِفت منه فاؤه كـ: عِدةٍ، أو حُذِفت منه عينُه كـ: ثُبَة، أو حُذِفت منه لامُه كـ: سَنَة، لأنَّه قال: (الْمَنْقُوصَ) أطلق النَّاظم هنا، والحذف قد يكون من الفاء كـ: عِدة، أصله: من الوعد، وقد يكون من العين، وقد يكون من اللام، و (يَدْ) كذلك مِمَّا حُذِف لامُه. كذلك شَمِل ما ليس فيه تاء كـ: يَدْ، وما فيه التَّاء كـ: سَنَة، وشَمِل ما كان على حرفين وما كان على أكثر: كـ: هارٍ، بمعنى: هائر، فهذه كلها يُرَدُّ إليها المحذوف عند التَّصْغِير، سواءٌ كان الحذف الفاء، أو كان الحذف العين، أو كان الحذف اللام، سواءٌ كانت مُتَّصلة بِها تاء التأنيث كـ: عِدَة، وَثُبَة، أو لا، وكذلك نحو: يَدٍ، وهارٍ، فهذه كلها يُرَدُّ إليها المحذوف إلا ما كان له ثالث وليس له تاءٌ، ولذلك قال: لَمْ يَحْوِ ثَالِثَاً غَيْرَ التَّاءِ .. إلا إذا كان له ثالث، يعني: حرفٌ ثالث وليس تاءً، فهذه كلها يُرَدُّ إليها المحذوف إلا ما كان له ثالثٌ وليس تاءً، فتقول فيها: عِدة .. أُعَيْدة، (عِدَةٌ) إذا صَغَّرتها قلت: أُعَيْده، كَمَّلَت المنقوص .. رجع بردِّ الفاء، و (ثُبَة) تقول: ثُوَيْبَة، برد العين، و (سَنَة) تقول: سُنَيَّةٌ على قولٍ، و: سُنَيْهَةٌ، على قولٍ، المحذوف هل هو هاءٌ أم تاء؟ و (يُدَيَّة) بردِّ اللام، وتقول في (هارٍ): هُوَير، للاستغناء عن ردِّ الأصل بإقامة بناء التَّصْغِير، وذلك مفهومٌ من قوله: لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً .. أي: ما لم يَحْو ثالثاً غير التاء، فإن حَوَى ثالثاً غير التَّاء لم يُرَد إليه المحذوف. (وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِير) هذا مُتعلِّق بقوله: (كَمِّلِ)، (مَا لَمْ يَحْوِ) مدَّة عدم جمعه (ثَالِثاً) غير التَّاء، فإن جمع ثالثاً التاء حينئذٍ لا يُرَد. (كَمَا) أصله: مَوَهٌ، فتقول فيه: مُوَيْه، (مَاءٌ) هذه الهمزة مُنقلبة عن هاء، حينئذٍ تقول: مُوَيْهٌ. بِردِّ اللام، وكذا تفعل في نحو: (خُذْ) و (كُلْ) و (مُذْ) أعلاماً، و (سَهٍ) و (يَدٍ) و (حِرٍ)، كل هذه محذوفات اللامات أو الفاء، (كُلْ) أصله .. بالهمزة في الأول، إذا صغَّرته قلت: أُكَيْل، مثل: أَكْرَم .. أَكْرِم، تبقى الهمزة كما هي، لكن: كُلْ .. أَكَل .. يأكل (أُأْكل) هذا الأصل لكن حُذِفت منه الهمزة.

فتقول فيها إذا سَمَّيت بها: أُخَيْذ وَأُكَيْل، (خُذْ) تُصغِّره على: أُخَيْذ، رجعت الهمزة، كذلك (أُكَيْل) تصغير: كُلْ، برد الفاء، و (مُنْذُ): مُنَيْذٌ، صَغرَّتها .. رَجَعَت النون، و (سَهٍ) تقول: سُتَيْهٌ بِردِّ العين، و (يُدَيّه) و (حُرَيحٌ) بردِّ اللام، هذا إن كان ثنائياً، وإن كان على ثلاثةٍ والثالث تاء التأنيث لم يُعْتَدَّ بها .. إذا كان على ثلاثة أحرف والثالث تاء التأنيث لم يُعْتَدَّ بها. وَيُكَمَّل أيضاً كما يُكَمَّل الثنَّائي نحو: (عِدَة) و (سَنَة)، عدة وسنة هذا تعويض .. التاء هنا عِوَضٌ عن المحذوف، حينئذٍ: هل نَعتدُّ بها؟ نقول: لا .. لا نَعْتَدُّ بها، لأنَّك قد تقول: سَنَةٌ، هذا على ثلاثة أحرف، إذاً: يأتي على وزن (فُعَيْل)، نقول: لا هذا ثالثه تاءٌ، إذاً: لا يُعْتَدُّ بها، أمَّا لو كان الثالث غير التاء يُعْتَدُّ بها، أمَّا: عِدَةٌ وَثُبَةٌ وَسَنَةٌ، هنا نَردَّ المحذوف ولو كان ثالثه تاءً، لأنَّ هذه التاء غير مُعْتَدٍّ بها. نحو: عِدَةٍ وَسَنَةٍ، فتقول فيهما: وُعَيْدَة وَسُنَيَّة .. على قولٍ: سُنَيَّة، بِردِّ لامه وهو الواو وقلبها ياءً؛ لاجتماعها مع ياء التَّصْغِير، وسبق إحداهما بالسكون، ومن جعل لامها هاءً صغَّرها على: سُنَيْهه، على خلاف. و (سُنَيَّة) بردِّ فاء الأول ولام الثاني، وإن كان للمنقوص ثالثٌ غير الياء لم يُرَد إليه ما حُذِف لعدم الحاجة إليه، لأنَّ بِنيَة (فُعَيْل) تتأتَّى بدونه، فتقول في (هارٍ) و (شاكٍ) و (مَيِّت): هُوَيْر، وَشُوَيْك، وَمُيَيْت، حينئذٍ لا نحتاج إلى ردِّ المحذوف؛ لأنَّ العِلَّة في ردِّ وتكميل المنقوص أنَّه لا يَتأتَّى الوزن منه على (فُعَيْل)، فـ: (يد) لوحدها حرفان، كيف تأتي به على وزن (فُعَيْل)؟ لا بُدَّ من ردِّ المحذوف. إن كان ثَمَّ حرفٌ ثالث وهو التاء لا يُعْتَبر بها، إن كانت ثلاثة أحرف مع نقصٍ حينئذٍ لا نحتاج إلى ردِّ المنقوص، ولذلك قيل: شذَّ (هُوَيِّر) بِردِّ المحذوف. وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا ... لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً. . . . يعني: لو حوى التاء ثالثاً، هل نردَّ المنقوص .. هل نُكَمِّله؟ نَرده، نعم، لأنَّ التاء ثالثة لا عِبْرة بها، فكأنه على حرفين، لأنَّه في نِيَّة الانفصال، وهي عِوض عن المحذوف، إن كانت ثلاثة أحرف غير التَّاء وفيه نقص هل نردُّه؟ لا نحتاج إلى الرَّد، لأنَّ الموجود يمكن أن يتأتَّى منه على وزن: (فُعَيل). إذاً نقول النتيجة: أنَّ المنقوص الذي حُذِف منه حرفٌ إن كان أقل من ثلاثة أحرف وجب ردُّ المحذوف كـ: يَدْ، وَدَمْ، وإن كان على ثلاثة أحرف ننظر: إن كان تاءً وجب ردُّ المنقوص، إن لم يكن تاءً حينئذٍ اكتفينا بالثلاثي، وجئنا بها على وزن (فُعَيْل) ولو كان ثَمَّ محذوف. وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا ... لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً. . . .

إنَّما قال بالتاء ولم يقل: غير الهاء، ليشمل تاء: بنت وأخت، فإنها لا يُعْتَدُّ بها أيضاً، بل يقال: بُنَيَّة وَأُخَيَّة بردِّ المحذوف: أُخْت .. أُخَيَّة، حينئذٍ غير التاء يشمل التاء المفتوحة، لأنَّك إذا وقفت عليها قلت: بنت، ولا تقف عليها بالهاء، بِخلاف: عائشة، تقف عليها بالهاء، فلذلك قال: (غَيْرَ التَّاءِ) ليشمل تاء: بنت وأخت. لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا .. هنا أشار بـ: (مَا) إمَّا أنَّها (مَا) الاسمية، أو (مَا) الحرفية إذا سُمِّي بها، حينئذٍ في الأصل ثنائي .. أصل وضعها على حرفين، فكيف نَرد إليه؟ ما عندنا شيء نردَّه، أو قد يكون على حرفين وَنُقِص منه حرف، هذا لا إشكال فيه مثل: يَدْ وَدَمْ، فلو كان: ماء، لا إشكال أن الهمزة هنا ترجع إلى أصلها: مُوَيْهٌ، أو: ماء لغةٌ في (ماء) بالهمز، وهو الماء المشروب. حينئذٍ القاعدة العامة: أنَّه إذا سُمِّي بما وُضِع ثنائياً، لأنَّ مثال النَّاظم مُحتمل .. يحتمل أنَّه أراد (مَا) لغةً في (الماء) المشروب، ويحتمل أنَّه أراد (مَا) الاسمية أو الحرفية إذا سُمِّي بها، سمَّيت رجل: (مَا) .. موصولة، أو الشرطية نقلتها جعلتها علماً، أو (مَا) النافية، سمَّيت رجل: (مَا) كيف تُصغِّره .. حينئذٍ كيف تأتي بثالث؟ لا يوجد ثالث هنا، لأنَّ أصل وضعها على ثنائي. إذاً نقول: إذا سُمِّي بما وُضِع ثنائياً حينئذٍ ننظر، فإن كان ثانيه صحيحاً نحو: هَلْ وَبَلْ، سمَّيت رجل: هَلْ، وأردت أن تُدَلِّلَه فتصغِّره، كذلك: بَلْ، حينئذٍ لا بُدَّ من زيادة حتى يأتي على وزن (فُعَيْل)، ولكن هذه الزيادة في: هَلْ وَبَلْ، إذا كان صحيحاً لا تتأتَّى قبل التَّصْغِير بل بعد التَّصْغِير. لم يَزِد عليه شيءٌ حتى يُصَغَّر، فيجب أن يُضَعَّف أو يُزَاد عليه ياء. إمَّا أن تُضعِّفه، وإمَّا أن تزيد عليه ياء، فيقال: هَلْ .. هُلَيْلٌ، ضَعَّفت اللام، (بُلَيْلٌ) زِدْتَ ياء التَّصْغِير ثالثةً بعد اللام، ثُمَّ ضعَّفت اللام، أو: هُلَيٌّ، ماذا صنعت؟ ضممت الأول، وفَتَحَت الثاني، وزِدْتَ ياء التَّصْغِير ثالثةً ساكنة، ثُمَّ الياء لِتَتوصل بها إلى وزن (فُعَيْل)، ثُمَّ أدغمت الياء في الياء قلت: هُلَيٌّ .. بُلَيٌّ، بالتضعيف، ياء التَّصْغِير مع الياء الزائدة. إذاً: هذا إذا كان صحيحاً، تُضَعِّف أو تزيد ياء، ولا يكون الزيادة هنا إلا بعد التَّصْغِير، يعني لا تقول: هَلِي أو هَلاَّ ثُمَّ تصَغِّره لا، إنَّما تأتي الزيادة بعد التَّصْغِير، فإن كان مُعتلَّاً وجب التضعيف قبل التَّصْغِير، معتلّاً مثل: لَوْ وَكَيْ، ليس صحيح الآخر، حينئذٍ وجب التضعيف قبل التَّصْغِير فَيُقَال في (لَوْ) و (كَيْ) و (مَا) .. (مَا) الموصولة مثلاً، أعلاماً سمَّيت بها: (لَوٌّ) زِدْتَ حرفاً، و (كَيٌّ) زِدْتَ حرفاً .. أدغمت، ولذلك قلنا: هذا وجهٌ في الإعراب فيما سبق (لَوْ) على (لَوٍّ) جاز تضعيفها، لأنَّه حرف عِلَّة، حتى لو لم تُرِد تصغيرها .. لو جعلتها اسماً جاز فيها.

(فِيٌّ) حرف جر .. يجوز فيها، (لَوٌّ) و (كَيٌّ) بالتشديد، و (مَاءٌ) بالمدِّ، لأنَّك تزيد ألف (ماء) زِد ألف ثُمَّ تقلب الألف الثانية همزةً كونها ثالثة، وذلك لأنَّك زِدْتَ على الألف ألفاً فالتقى ألفان، فَأُبْدِلت الثانية همزة فَتُصَغِّره: لو .. لُوَيٌّ، وأصله: لُوَيْوٌ .. لُوَيْـ (فُعَيْـ)، جعلت الياء بين المضعَّف: لَوٌ، تَضمَّ الأول وتفتح الثاني، ثُمَّ تزيد ياء ثالثة: لُوَيْ، ثُمَّ تأتي بالرابع: لُوَيْوٌ. وتقول: كُيَيٌّ، بثلاث ياءات، و (مُوَيٌّ) كما تقول في الماء المشروب: مُوَيْهٌ .. مُوَيٌّ، يعني: قُلِبت الألف واواً، لأنَّها ثانية كما سبق: ضارب، ثُمَّ زدت ياء التَّصْغِير، ثُمَّ ياءٌ، أُدْغِمت الياء في الياء، إذاً: لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا .. إن كان المراد بها (مَا) الاسمية والحرفية جُعِلت علماً، حينئذٍ القاعدة: ما ذكرناه سابقاً: أنَّه يُضَعَّف قبل التَّصْغِير ثُمَّ يُصَغَّر، وأمَّا إن كان صحيحاً مثل: هَلْ، وَبَلْ، حينئذٍ إمَّا أن يُضَعَّف، وإمَّا أن يُزاد عليه ياء، ولكن هذا لا يكون إلا بعد التَّصْغِير. وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا ... لَمْ يَحْوِ غَيْرَ التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا قال هنا الأشْمُونِي (كَمَا): " أشار بقوله: (كَمَا) إلى أنَّ الثنائي وضعاً يُكَمَّل أيضاً في التَّصْغِير كما يُكَمَّل المنقوص" يعني: محمول على المنقوص، لأنَّه ليس فيه حذفٌ أصلاً، والمنقوص ما حُذِف منه حرف، وهذا لم يُحْذف، وإنَّما سُمِّي رجل مباشرة: هَلْ وَبَلْ، ونحو ذلك. تَوَصُّلاً إلى بناء (فُعَيْل) إلى أن هذا النوع لا يُعْلَم له ثالثٌ يُرَدُّ إليه بخلاف المنقوص، وهذا واضح. وأجاز في (الكافية) و (التسهيل) فيه وجهين: - أن يُكَمَّل بحرف عِلَّةٍ فتقول في (عَنْ) و (هَلْ) مُسَمَّىً به: عُنَيٌّ، وَهُلَيٌّ، حرف عِلَّة يعني: المشهور أنَّها الياء، وقال بعضهم: الواو، فيه خلاف عندهم. - الثاني: أن يُجعل من قبيل المُضعَّف، نقول فيهما: عُنَيْن، وَهُلَيْل، (عَنْ) .. (عُنَيْن) ضعَّفت النون وجعلت بينهما ياء التَّصْغِير، والأول أولى يعني: أن يُكَمَّل بِحرف عِلَّة. وَكَمِّلِ الْمَنْقُوصَ فِي التَّصْغِيرِ مَا .. إذاً: لتتأتَّى بنية (فُعَيْل). لَمْ يَحْوِ غَيْر التَّاءِ ثَالِثَاً كَمَا .. بشرط: مُدَّة عدم جمعه (ثَالِثَاً غَيْرَ التَّاءِ)، فإن كان (ثَالِثَاً غَيْرَ التَّاءِ) ولو كان منقوصاً صُغِّر على ما هو عليه، ولا يجب ردُّ المحذوف. قال الشَّارح: المراد بالمنقوص هنا: ما نقص منه حرفٌ، فإذا صُغِّر هذا النَّوع من الأسماء فلا يخلُ: إمَّا أن يكون ثنائياً مُجَرَّداً عن التاء مثل: يَدْ، أو ثنائياً ملتبساً بها، أو ثلاثياً مُجَرَّداً عنها، فإن كان ثنائياً مُجَرَّداً عن التاء أو مُلْتَبِساً بها رُدَّ إليه في التَّصْغِير ما نقص منه، فَيُقَال في (دَمْ): دُمَيٌّ، وفي (شَفَةٍ): شُفَيْهَة، ثنائي ملتبس بالتاء: (شَفَة .. عِدَة)، وفي (عِدَةٍ): أٌعَيْدَة، وفي (ماءٍ) مُسَمَّىً به: مُوَيٌّ أو مُوَيْهٌ.

وإن كان على ثلاثة أحرف وثالثة غير تاء التأنيث صُغِّر على لفظه، ولم يُرَدَّ إليه شيء، فتقول في (شَاكِ السلاح): شُوَيْك، لأنَّه من: شاوَك. إذاً: (مَا لَمْ يَحْوِ غَيْر التَّاءِ ثَالِثَاً) .. مَا لِمْ يَحْوِ ثَالِثاً غَيْر التَّاء، فإن حوى التاء كذلك كُمِّل وهو ثالث، إن لم يحوِ التاء وهو ثالث حينئذٍ لا يُرَدُّ إليه المنقوص. وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى ... بِالأَصْلِ كَالْعُطَيْفِ يَعْنِي الْمِعْطَفَا هنا ما يُسمى عندهم بـ: التَّرخيم في باب (التَّصْغِير)، وهذا سبق في أول باب الترخيم. (وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ) من التَّصْغِير نوعٌ يسمى: تصغير التَّرخيم، وهو عبارة عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي هي فيه، يعني: تحذف الزوائد، أن تعمد إلى اسمٍ فيه زيادة .. أن تعمد إلى ذي الزيادة الصالحة للبقاء فتحذفها، ثُمَّ تُوقِع التَّصْغِير على أصوله. من هذا التعريف تعلم أنَّ التَّصْغِير لا يتأتَّى فيما هو على زنة: جعفر، لأنَّ (جعفر) كُلَّه أصول، و (سَفَرْجَل) كذلك كله أصول، حينئذٍ لا يتأتَّى فيه لِعدم وجود الزيادة، ومن ثَمَّ لا يتأتَّى في نحو: جَعْفَر وَسَفَرْجَل لتجردهما، ولا في نحو: مُتَدَحْرِج، لامتناع بقاء الزيادة فيهما لإخلالها بالزنة، ولم يكن حينئذٍ له إلا صيغتان فقط وهما: (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) لأنَّك تعمد إلى اسمٍ ذي زيادةٍ يصلح أن تبقى، لأنَّ الزيادة بعضها لا يصلح أن تبقى، لو أبقيناها أخلَّت بالبناء: سَفَرْجَل، لو أردت أن تُصَغِّره لا يتأتَّى لك إلا بحذف حرف. إذاً: هذا الحرف الأخير نقول: هو أصلٌ، ثُمَّ وجوده وبقاؤه يُخِلُّ ببناء الوزن، إذاً: وجب حذفه. بعض الزيادات قد يَصِحُ التَّصْغِير مع بقاءها، حينئذٍ تأتي وَتُجَرِّد هذا الاسم من أجل تصغيره بعد حذف الزيادة الصالحة للبقاء مع الوزن، هذا المراد بالترخيم هنا، ليس المراد: أنَّه لا يَتمُّ إلا بحذف الزيادة، هذا واجب عُلِم مما سبق نحو: سَفَرْجَل وغيره، وأمَّا إذا أمكن الجمع بين هذه الزيادة الصالحة للبقاء مع (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) حينئذٍ نقول: إذا حذفت هذه الزيادة يسمى: ترخيماً. إذاً: لم يكن له إلا صيغتان وهما: (فُعَيْل) كـ: حُمَيْد في (أحمد)، (أحمد) هذا يمكن تَصْغِيره: أُحَيْمِد .. (فُعَيْعِل)، لكن يمكن إذا رخَّمته: احذف الهمزة، صالحة للبقاء، احذفها صار: حُمَيْد، على وزن (فُعَيْل) إذاً: أحمد .. أُحَيْمِد (فُعَيْعِل) هذا دون ترخيم، لأنَّ هذه الزيادة صالحة للبقاء مع (فُعَيْعِل)، لكن إذا أردت الزيادة .. التمحيص فتحذف الهمزة فتجعله من باب (فُعَيْل) فتقول: حُمَيْد.

إذاً: الترخيم هنا: أن تكون ثَمَّ زيادة يصلح أن تبقى مع الوزن (فُعَيْل) أو (فُعَيْعِل)، لكن أنت تحذفها .. تُجرِّد الاسم المصغَّر من هذه الزيادة: أحمد (فُعَيْعِل) أُحَيْمِد، صَحَّ، تأتي بعد ذلك تريد أن يكون على وزن (فُعَيْل) تحذف الهمزة، هي صالحة للبقاء مع (فُعَيْعِل)، فتحذفها حينئذٍ بقي عندك ثلاثة أحرف، وإذا كانت الكلمة على ثلاثة أحرف مثل: فَلْس، جاز تصغيرها، والزيادة هذه صالحة للبقاء مع الوزن، تأتي تُجرِّدها وَيُسَمَّى هذا ترخيماً فتقول: أحمد، على (فُعَيْل). إذاً يُصَغَّر مرتين: مرَّة دون ترخيم، ومرَّة مع الترخيم، وكل ما كان من هذه المادة: أَحْمَد وحَامِدْ ومَحْمُود وحَمْدَان، كلها تأتي بها على وزن (فُعَيْل)، تبقي الأصول فقط وتحذف الزوائد، هذا الأول (فُعَيْل). والثاني: (فُعَيْعِل) كـ: قُرَيْطِس، ولا (فُعَيْعِيل) .. هنا لا يوجد عندنا (فُعَيْعِيل) في باب الترخيم، لماذا؟ لأنَّك لا تُرَخِّم إلا الأصول، وتحذف الزيادة التي هي صالحةٌ للبقاء، إذاً: ليس عندنا زيادة، وعليه لا يَتَأتَّى وزن (فُعَيْعِيل) هنا، لأنَّ الياء الثانية هذه حرفٌ زائد منقلب، إمَّا ياء ثابتة كما في: قِنْدِيل، وإمَّا أنَّها ألف أو واوٌ: عصفور .. عُصَيْفِير، شِمْلَال .. شُمَيْلِيل، إذاً: إمَّا أنَّها ألف أو واو. إذاً: لا يتأتَّى في باب الترخيم هنا .. ترخيم التَّصْغِير الوزن الثالث وهو (فُعَيْعِيل)؛ لأنَّ هذه الياء عبارة عن حرفٍ زائد، ونحن فرضنا المسألة في أنَّك تحذف كل الحروف الزائدة وتبقي الأصول، ثُمَّ تُصَغِّرها على (فُعَيْل) أو (فُعَيْعِل). وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى ... بِالأَصْلِ. . . . . . . . . . . . . . وحذَف الزيادة، لأنَّ الزيادة في باب التَّصْغِير على نوعين: زيادة لا يتأتَّى معها التَّصْغِير، لا بُد من حذفها .. هذه وجب، وهذه نصَّ عليه: وَمَا بِهِ لِمُنْتَهَى الْجَمْعِ وُصِلْ .. حينئذٍ لا يمكن أن تصل إلى التَّصْغِير إلا بالحذف، هل هذا داخلٌ معنا؟ الجواب: لا، هذه الزيادة ليست داخلة معنا، لأنَّه يجب حذفها، بقي زيادة نوع آخر وهي: أنَّها صالحة للبقاء مع الوزن، مثل: أحمد، وهذا مثال واضح، الهمزة صالحة لأن تبقى، نقول: أُحَيْمِد (فُعَيْعِل)، تأتي تحذفها .. زيادة صالحة للبقاء مع التَّصْغِير وتحذفها أيضاً، وتأتي به على وزن (فُعَيْل). إذاً: الذي يُصَغَّر في باب الترخيم الأصول فقط، وأمَّا الزيَّادة فَتُحْذَف. وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى ... بِالأَصْلِ كَالْعُطَيْفِ يَعْنِي الْمِعْطَفَا (الْمِعْطَفَا) الألف للإطلاق، (المِعْطَفْ) بكسر الميم هو الكساء، عُطَيْف .. مِعْطَف .. مُعَيْطِف (فُعَيْعِل)، هكذا تقول مثل: مُدَحْرِج، كيف تُصَغِّره؟ مُدَيْرِج، وإلا نحذف الميم: دُحَيْرِج، (مِعْطَف) أربعة أحرف، تقول: مُعَيْطِف، هو قال: (عُطَيْف) ماذا صنعت؟ حذفت الزوائد، بقي عندك العين والطَّاء والفاء فقط، حينئذٍ تُصَغِّره فتقول: عُطَيْف (يَعْنِي الْمِعْطَفَا).

مع كون الميم هذه صالحة للبقاء: مُدَحْرِج، نقول: الميم هنا ليست صالحة للبقاء لا بُدَّ من تجريده، وأمَّا: مُعَيْطف، هذه باقية .. صالحة للبقاء، وحينئذٍ حذفتها فصغَّرته على: العطيف. وَمَنْ بِتَرْخِيمٍ يُصَغِّرُ اكْتَفَى .. (مَنْ) مبتدأ، (يُصَغِّرُ) هذه صلة (مَا)، (بِتَرْخِيمٍ) مُتعلِّقٌ به: ومن يُصَغِّر بترخيمٍ، إذاً: الترخيم هنا داخلٌ في مفهوم التَّصْغِير، حينئذٍ التَّصْغِير يكون نوعين: - تصغيرٌ بلا ترخيم: وهو أنَّك تحذف الزوائد التي لا يتأتَّى معها الوزن، وتبقي الزوائد الصالحة للبقاء مع الوزن، هذا تصغيرٌ بلا ترخيم. - تصغيرٌ مع ترخيم: أن تحذف كل الزوائد سواءٌ كانت باقية، وهذا من أجل التَّصْغِير نفسه، ثُمَّ تنتقل إلى ترخيم التَّصْغِير وتحذف الزوائد الصالحة للبقاء مع الوزن. (اكْتَفَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على (مَنْ)، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، (بِالأَصْلِ) مُتعلِّق بـ (اكْتَفَى) يعني: بالحروف الأصول فقط، (كَالْعُطَيْفِ): وذلك كَالْعُطَيْفِ، (كَالْعُطَيْفِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف (كَالْعُطَيْفِ)، (يَعْنِي الْمِعْطَفَا) الألف للإطلاق. الترخيم في التَّصْغِير: حذف الزائد من المُصغَّر، فإن كان ثلاثي الأصول صُغِّر على (فُعَيْل) نحو: حُمَيْد في: أحمد وحمدان ومحمود وحمَّاد، (وَعُطَيْف) في المعطف. قال الشَّارح: من التَّصْغِير نوعٌ يُسَمَّى: تصغير التَّرخيم، وهو عبارةٌ عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي هي فيه، فإن كانت أصوله ثلاثةً صُغِّر على (فُعَيْل)، ثُمَّ إن كان المسمَّى به مُذَكَّراً جُرِّد عن التاء، وإن كان مُؤَنَّثاً أُلْحِق تاء التأنيث، فيقال في (المعطف): عُطَيْف، وفي (حَامد): حُمَيْد، وفي (حبلى): حُبَيْلَة، وفي (سوداء): سُوَيْدَة، وفي (سُعاد): سُعَيْدة، وفي (كَلاَب) أو (كَلاَّب) ضُبِط بالوجهين: كُلَيْبة. إذاً: إذا كان على ثلاثة أصول، حينئذٍ إن كان مُسَمَّاه مُذكَّراً لا نحتاج إلى التاء، وإن كان مُسَمَّاه مؤنَّثاً حينئذٍ جئنا بالتاء، كما قلنا في (هند): هُنَيدَة، هذا سبق التنصيص عليه. وإن كانت أصوله أربعةً صُغِّر على (فُعَيْعِل) فتقول في (قِرْطَاس) .. (قُرْطَاس): قُرَيْطِس، وفي (عصفور): عُصَيْفِر، و (شِمْلَال): شُمَيْلِل، عُصَيْفِر (فُعَيْعِل)، (عصفور) حذفت الواو، صارت عندك أربعة أحرف، (فُعَيْعِل) عُصَيْفِر، إذاً: عُصَيْفِر .. عُصَيْفِير، (عُصَيْفِير) هذا دون ترخيم مثل: أحمد .. أُحَيْمِد (فُعَيْعِل)، وإذا رخَّمته (فُعَيْل) صار، (عصفور) يُصَغَّر بترخيم وبدون ترخيم، بدون ترخيم: عُصَيْفِير (فُعَيْعِيل)، وليس عندنا في الترخيم (فُعَيْعِيل)، لأنَّ ما بعد العين يكون زائداً، ولا زيادة عندنا هنا، حينئذٍ تُرَخِّمه فتُصغِّره على: (فُعَيْعِل) عُصَيْفِر. واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ ... مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلاَثِيٍّ كَسِنّْ

(واخْتِمْ) أمر والأمر يقتضي الوجوب، (اخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيث) بتاء التأنيث .. قصره للضرورة، (واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ) معلوم تاء التأنيث، (مَا) مفعولٌ به .. (مَا) اسم موصول في محل نصب مفعول، (اخْتِمْ مَا صَغَّرْتَ) أنت، يعني: الذي صَغَّرته اختمه بتاء التأنيث، (مَا صَغَّرْتَه) العائد محذوف، (صَغَّرْتَ) فعل فاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، أين العائد؟ محذوف وهو الضمير .. المفعول به. واختم ما صَغَّرته بتاء التأنيث، (مِنْ مُؤَنَّثٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (صَغَّرْتَ) .. (صَغَّرْتَ مِنْ مُؤَنَّثٍ) إذاً: التَّصْغِير واقع على المؤنَّث، (مِنْ مُؤَنَّثٍ) يعني: من اسمٍ مُؤنَّث، (عَارٍ) من التاء (ثُلاَثيٍّ) في الحال، (عَارٍ .. ثُلاَثيٍّ) صفتان لمؤنَّث، وذلك (كَسِنّْ) (سِنّْ) إذا صغَّرته قلت: سُنَيْنَة، (سِنٌّ) هذا على ثلاثة أحرف، لأنَّه مُشَدَّد العين وَمُشَدَّد اللام .. مُضَعَّف، حينئذٍ تقول: سِنْ .. سُنَيْ، فُكَّ الإدغام: سُنَيْ، لأنَّ الثاني تَحرَّك، متى أُدْغِم: سِنّ، النون الأولى في الثانية؟ لَمَّا كانت الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة وجب الإدغام، اجتمع مثلان والأول ساكن والثاني مُتحرِّك، في باب التَّصْغِير تقول: (فُعَيْل) الثاني تَحرَّك، إذاً: زال الموجب للإدغام فانفكَّ، فجيء بياء التَّصْغِير ثالثةً قلت: سُنَيْنَة، ثُمَّ جئت بتاءٍ وهي تاء التأنيث للدَّلالة على أنَّه مؤنَّث، وإلا الأصل أن تقول: سُنَيْنٌ (فُعَيْلٌ)، حينئذٍ تأتي بتاء التأنيث وجوباً، لأنَّ (سِنّ) مؤنَّث. واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ ... مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلاَثِيٍّ. . . إذاً: (سِنٌّ) هذا ثلاثي، وهو عارٍ من تاء التأنيث فوجب عند تصغيره ختمه بتاء التأنيث للدَّلالة على أنَّه مؤنَّث. يعني: أنَّ الاسم الثلاثي المؤنَّث العاري من تاء التأنيث يُخْتَم بالتاء في التَّصْغِير، نحو: سِنّ وَسُنَيْنَة، وَشَمِل قوله: (مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلاَثِيٍّ) أربعة أنواع: الأول: ما هو ثلاثيٌّ في الحال نحو: سِنّ، (سِنّ) في اللفظ تنطق به ثلاثي، هذا يسمى: ثلاثيًّا في الحال. الثاني: ما هو ثلاثيٌّ في الأصل نحو: يَدْ، (يَدْ) مؤنَّثة، ولذلك هناك قال سبحانه: ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) [المائدة:64] دل على أنَّ اليدين مؤنَّثتان، فـ: يَدْ، هذا ليس ثُلاثيًّا في الحال، يعني: في النطق، وإنَّما باعتبار الأصل: هو ثلاثي كما سبق أصله: يَدْيٌ، حُذِفت منه اللام، فتقول فيه: يُدَيَّةٌ. الثالث: ما كان نحو: سماء، كما سيأتي. الرابع: ما كانت فيه الزيادة وهو مؤنَّث، فَصُغِّر تصغير ترخيمٍ نحو: شِمْلال، فتقول فيه: شُمَيْلَةٌ، وهو الذي نَصَّ عليه ابن عقيل. إذاً: هذه أربعة أنواع داخلة في قوله: (ثُلاَثِيٍّ)، (ثُلَاثيٍّ في الحال) يعني: في النطق مثل: سِنّ، هذا تنطق به ثلاثي. (ثُلَاثيٌّ) باعتبار الأصل وأمَّا في النطق فهو حرفان مثل: يَدْ، (ثُلَاثي) نحو: سماء، هذا سيأتي.

الرابع: ما كانت به الزيادة وهو مؤنَّث، فَصُغِّر تصغير ترخيمٍ، حينئذٍ وجب إذا كان مؤنَّثاً أن تتصل به التاء كما ذكر هنا: حُبْلى .. حُبَيْلَةٌ، سوداء .. سُوَيْدة، سعاد .. سُعَيْدَة، هذه كلها وجب ختمها بتاء التأنيث، لأنَّ التَّصْغِير هنا تصغير ترخيمٍ، فهو مؤنَّث من حيث المسمَّى. إذاً: واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ ... مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلاَثِيٍّ كَسِنّْ (كَسِنٍّ) (وَدَارٍ) فتقول في تصغيرهما: سُنَيْنَةٌ، وَدُوَيْرَةٌ، هذا في الحال. - أو في الأصل كـ: يَدٍ، فتقول: يُدَيَّة. - أو في المآل وهو نوعان: أحدهما: ما كان رباعياً بمدَّةٍ قبل لامٍ مُعتلَّة، فإنَّه إذا صُغِّر تلحقه التاء نحو: سماء، (سماء) هذا رباعي بمدَّةٍ قبل لامٍ مُعتلَّة، لأنَّ الهمزة هذه: سماءٌ، أصلها: سَمَاوٌ .. سماء: ((سَبْعَ سَمَوَاتٍ)) [البقرة:29] من أين جاءت الواو؟ لأنَّ الهمزة في: سماء، مُنقلَبة عن واو، أصلها: سَمَاوٌ. ولذلك يرد دائماً سؤال عند الطلاب: سَمَاء، هل نقول: سَمَاءٌ أو سَمَاءُ، نمنعه من الصرف؟ فيظن أن هذه الهمزة للتأنيث مثل: صحراء، نقول: لا ليست للتأنيث، بل هي مُبدَلة عن واو، ودليله قوله تعالى: ((وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا)) [فصلت:12] صُرِف هنا، وهذه الهمزة ليست للتأنيث. إذاً: ما كان رباعياً بمدَّة قبل لامٍ مُعتلة، فإنَّه إذا صُغِّر تلحقه التاء نحو: سماء .. سُمَيَّةٌ، وذلك لأنَّ الأصل فيه: سُمَيٌّ، يعني: يجتمع فيه ثلاث ياءات: ياء التَّصْغِير هذه الأولى، والثانية: بدل المدَّة: سماء، المدَّة تُقْلَب ياءً، والثالثة: بدل لام الكلمة المُبدلة منها الهمزة، فَحُذِفت إحدى اليائيين الأخيرتين على القياس في هذا الباب، وهذا سيأتي في النسب، فبقي الاسم ثلاثياً فلحقته التاء كما تلحق الثلاثي المُجرَّد. إذاً: الرباعي إذا حُذِف منه بعد التَّصْغِير مثل: سماء، تلحقه هاء التأنيث أو تاء التأنيث، والآخر ما صُغِّر تصغير الترخيم مما أصوله ثلاثة نحو: حُبْلَى، وهذا كما تَقدَّم في البيت السابق. واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا صَغَرْتَ مِنْ ... مُؤَنَّثٍ عَارٍ ثُلاَثِيٍّ. . . إذاً: متى؟ إذا كان عارياً من تاء التأنيث وجب ختمه إذا كان ثلاثياً، إمَّا في الحال، وإمَّا باعتبار الأصل، وإمَّا باعتبار المآل، ثلاثة أحوال: حال في النطق .. في الأصل مثل: يَدْ .. في المآل يعني: في المستقبل، وهو مثل: سماء، بعد تصغيره يجتمع عندنا ثلاث ياءات فنحذف واحدة فصار على ثلاثة أحرف، أو مثل: شِمْلال الذي هو الترخيم، إن حصل بالترخيم على ثلاثة أحرف حينئذٍ وجب ختمه بالتاء. استثنى من هذا الضَّابط العام نوعين لا تلحقه التاء عند التَّصْغِير، ولو كان مسماه مؤنَّثاً، لأنَّه لو صُغِّر وقع في لبسٍ، مَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّا يُرَى ذَا لَبْسِ، هذا قيد للسابق .. واخْتِمْ بِتَا التَّأْنِيثِ مَا لَمْ يَكُنْ، (مَا) هنا مصدرية ظرفية، مُدَّة عدم كونه يُرى بالتاء ذا لبس، مدَّة عدم كونه، إمَّا إذا رُئي اللبس فيه بعد ختمه بالتاء حينئذٍ يلتبس في المُذكَّر فالأصل فيه المنع.

سبق معنا أنَّ (شَجَرْ) و (شَجَرَة) مِما يُفَرَّق بينه وبين واحده بالتاء: شَجَر، هذا ما نوعه؟ اسم جنس جمعي (شجرة) مفرد، صَغِّر (شَجَر) على القاعدة السابقة تقول: شُجَيْرة، إذاً هذا (شُجَيرة) هل هو تصغير (شَجَر) أو (شجرة)؟ التبس. إذاً: في مثل هذا لا تلحقه التاء، فتقول: شُجَيْرٌ، ولا تقول: شُجَيْرَة؛ لأنَّ القاعدة: أنَّك تُلْحِق الثُّلاثي إذا كان مُؤنَّثاً عارٍ من تاء التأنيث أن تحلقه بتاءٍ بعد التَّصْغِير، فالأصل في (شَجَر) أنَّه داخل في القاعدة السابقة: (مُؤنَّثٍ عَارٍ ثُلاَثِيٍّ)، والأصل: أنَّك تختمه بالتاء فتقول: شُجَيْرَةٌ، لكن لَمَّا صغَّرته وألحقته وختمته بالتاء التبس بالمفرد حينئذٍ وجب تجريده. إذاً: اسم الجنس الجمعي كله الذي يُفَرَّق بينه وبين واحده بالتاء إذا صغَّرته لا تُلْحِقه التاء، فـ: بقرة .. بَقَر، لا تقول: بُقَيْرَة، لأنَّه يلتبس بالمفرد، ولذلك قال: (كَشَجَرٍ وَبَقَرٍ) في لغة من أنَّثهما. (مَا لَمْ يَكُنْ) هذا استثنى من الضَّابط السابق نوعين لا تلحقهما التاء: النوع الأول: أشار إليه بقوله: (مَا لَمْ يَكُنْ) هو .. اسم يكن ضمير مستتر يعود إلى المؤنَّث العاري الثُّلاثي، (مَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّا) قصره للضرورة، (يُرَى) هو المؤنَّث (ذَا لَبْسِ)، (يُرَى) هذا مُغيَّر الصيغة، والمفعول الأول هو نائب الفاعل، و (ذَا) هذا مفعولٌ ثاني لـ: (يُرَى) وهو مضاف، و (لَبْسِ) مضافٌ إليه، (ذَا) هذا منصوبٌ بالألف. إذاً: مُدَّة عدم كونه يُرى ذا لبسٍ إذا خُتِم بالتاء كـ: شَجَرٍ وبقرٍ، مَثَّل هنا باسم الجنس، فـ (التَّا) لا تَلَحق في التَّصْغِير اسم الجنس الذي يَتميَّز من واحده بحذف التاء. (وَخَمْسِ) هذا أسماء العدد، إذا قلت: خُمَيْسَةٌُ، معلوم أنَّ خمسة بالتاء يكون للمُذكَّر أو المُؤنَّث؟ يكون للمُذكَّر، لأنَّه عكس، وإذا كان: خَمْس، يكون للمُؤنَّث، حينئذٍ إذا قلت: خَمْسٌ .. عندي خُمَيْسٌ .. خُمَيْسَةٌ، التبس المُؤنَّث بالمُذكَّر، لأنَّ المتَّصل بالتاء مُذكَّر: خمسةٌ .. عشرةٌ .. ثلاثةٌ، فإذا صَغَّرت ما كان خالياً من التاء وألحقته بالتاء حينئذٍ هذا يوقع في لبسٍ. (وَخَمْسِ) ولا تلحق أيضاً: عَشْراً ولا: ثلاثاً، وما بينهما من أسماء العدد، فتقول في تَصْغِيره: عُشَيْرٌ، وَتُسَيْعٌ، وَخُمَيْسٌ، ولا تلحق ما ذُكِر التاء، لئلا يلتبس بتصغير: عشرة، وتسعة، وخمسة، ومثله: بِضْعٌ، وَعَشْرٌ، فيقال فيهما: بُضَيْع وَعُشَيْر، ولا يقال: بُضَيْعَةٌ وَعُشَيْرَةٌ، لئلا يلتبس بعددٍ مُذكَّر. إذاً: ما كان خالياً من التاء من الثلاثة إلى العشرة إذا صَغَّرته، وإن كان مؤنَّثاً من حيث المسمَّى، لا تلحقه التاء، لأنَّه يلتبس بالمُذكَّر الذي تتصل به التاء. إذاً: (مَا لَمْ يَكُنْ) (مَا) هذه مصدرية ظرفية، و (لَمْ) حرف نفي وجزم وقلب، (يَكُنْ) فعل مضارع مجزوم بـ: (لَمْ) وهو ناسخ، واسمها ضمير مُستتر، (بِالتَّا) مُتعلِّق بـ: (يَكُنْ)، وهذا مبني على ماذا؟ الجمهور على أنَّه لا يُمكن أن يكون متعلِّق بـ: (يَكُنْ) .. ممنوع، والصحيح: أنَّه يَتعلَّق بـ: (يَكُنْ)، لماذا؟

(بِالتَّا) نقول: مُتعلِّق بـ: (يَكُنْ) على الصحيح، هذا بناءً على أنَّ: (كان) وما اشْتُقَّ منها هل تدلُّ على حدثٍ أو لا؟ قلنا: ينبني على هذا الخلاف إذا قلنا: لا تدلُّ على حدثٍ، لا يمكن أنت تُعلِّق بها لا جار ومجرور، ولا ظرف، ولا إلى آخره. وإذا قلنا: لا .. مُتَضَمِّنة للحدث حينئذٍ نقول: الجار والمجرور يَتعلَّق بها، وكذلك الظرف، والصواب أنَّها دالَّةٌ على حدثٍ، وأنَّ قوله: (بِالتَّا) مُتعلِّقٌ بها، من يمنع نقول: لا .. لا بُدَّ أنَّه يجعل له مخرج. مَا لَمْ يَكُنْ بِالتَّا يُرَى ذَا لَبْسِ .. جملة: (يُرَى ذَا لَبْسِ) في محل نصب خبر (يَكُنْ)، (كَشَجَرٍ): وذلك كـ: شجَرٍ، (وَبَقَرٍ) في لغة من أنَّثه، (وَخَمْسِ). (وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ لَبْسٍ) كل قاعدة لها شذوذ، (وَشَذَّ تَرْكٌ) ترك ماذا؟ ترك التَّاء، فالتنوين عِوَض عن المضاف إليه، (تَرْكٌ): ترك التاء، عِوَض عن المضاف إليه، (وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ) هذا حال، (لَبْسٍ) .. (دُونَ) مضاف، و (لَبْسِ) مضاف إليه، في ألفاظٍ مخصوصة لا يقاس عليها، يعني: سُمِعت ألفاظ ثُلاثية صُغِّرت، والواجب أن تلحقها تاء التأنيث ولكن لم تُؤَنَّث، هذه ألفاظ معدودة تُحْفَظ ولا يقاس عليها، ذكر منها: ذَوْد، وَحَرْب، وَقَوْس، وَنَعْل، وَشَوْل، وَنَاب، وَفَرَس، وَدِرْع، وَعِرْس، وَضُحَى، وَعَرَبْ أو عُرْب، وَنَصَفْ، هذه ألفاظ يُقال: نُصَيْف، والأصل: نُصَيْفَةٌ بالتاء، لكن ما وُضِعت التاء، هذا شاذ يُحْفَظ ولا يقاس عليه (شَوْل): شُوَيْلَةٌ، لكنَّهم ما قالوا: شُوَيْلَة، قالوا: شُوَيْل، بدون تاء. إذاً: (وَشَذَّ) هذا فعل ماضي، (تَرْكٌ) يعني: ترك التاء (دُونَ لَبْسٍ)، وأمَّا إذا أوقع في اللبس وَحُذِفت التاء لم يؤنَّث الثُّلاثي إذا صُغِّر، فهذا قياس وليس بشاذ، وأمَّا إذا كان ثلاثياً عارياً من التاء وهو مؤنَّث فالواجب أن تلحقه تاء: هند .. هُنَيْدَةٌ، حُبْلَى .. حُبَيْلَةٌ، هذا الواجب، فإذا لم تتصل به التاء قلنا: هذا شاذٌّ إلا إذا أوقع في لبسٍ فهو قياس الذي هو: حذف التاء. . . . . . . . . . . . . . . . وَنَدَرْ ... لَحَاقُ تَا فِيمَا ثُلاَثِيّاً كَثَرْ (كَثَرْ) بفتح الثَّاء بمعنى: فاق، ليس: كَثُرْ، ما مراده بهذا الشطر؟ غير الثُّلاثي، لأنَّه قيَّد الحكم في السابق بأنَّه بالثُّلاثي، (مُؤنَّثٍ عَارٍ ثُلاَثيٍّ) إذاً القياس: أن يكون التأنيث بالتاء بعد التَّصْغِير للعاري من التاء الثُّلاثي، وأمَّا الرباعي وما زاد فهو نادر، يعني: يُحْفَظ ولا يقاس عليه إذا جعلنا النادر هنا بمعنى الشَّاذ. (وَنَدَرْ) لحاق التاء في تصغير ما زاد على ثلاثةٍ كقولهم في (وراء): وُرَيْئَةٌ، (وراء) هذا على أربعة حُرُوف، صُغِّر على: وُرَيْئَةٌ، ألحقته التاء وهذا شاذٌّ .. قليل وهو بالهمزة، و (أمام): أُمَيْمَةٌ، و (قُدَّام): قُدَيْـ .. دِيْمَةٌ، هذا كله شاذ يُحْفَظ ولا يقاس عليه، يعني: اتصال التاء بعد التَّصْغِير بغير الثُّلاثي، النَّاظم هنا عَبَّر عنه بأنَّه نادر.

(وَنَدَرْ) فعلٌ ماضي، و (لَحَاقُ) هذا فاعل وهو مضاف، و (تَا) مضافٌ إليه، (فِيمَا) مُتعلِّق بـ: (نَدَرْ)، يعني: في الذي كَثَر (ثُلاَثِيّاً) ثُلاَثِيّاً هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (كَثَرْ)، و (كَثَرْ) بمعنى: فاق. قال الشَّارح: إذا صُغِّر الثُّلاثي المؤنَّث الخالي من علامة التأنيث لحقته التاء عند أمن اللبس، وَشَذَّ حذفها حينئذٍ (وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ لَبْسٍ) فتقول في (سِنّ): سُنَيْنَةٌ، وفي (دَارٍ): دُوَيْرَةٌ، وفي (يَدٍ): يُدَيَّةٌ، فإن خيف اللبس لم تلحقه التاء" هذه قاعدة عامة في باب النحو كله. فتقول في (شَجَر) و (بَقَر) و (خَمْس): شُجَيْرٌ، وَبُقَيْرٌ، وَخُمَيْسٌ بلا تاءٍ، إذ لو قلت: شُجَيْرَةٌ وَبُقَيْرَةٌ وَخُمَيْسَةٌ، لالتبس بتصغير: شجرة وبقرة وخمسة، المعدود به مُذَكَّر. ومِما شَذَّ فيه الحذف عند أمن اللبس قولهم في: (ذَوْدٍ) و (حَرْبٍ) و (قَوْسٍ) و (نَعْلٍ): ذُوَيْد دون تاء، والأصل: ذُوَيْدةٌ، و (حُرَيْب) والأصل: حُرَيْبَةٌ، و (قُوَيْس) والأصل: قُوَيْسَةٌ، و (نُعَيْل) والأصل: نُعَيْلَةٌ، وزيد عليه: شَوْل، وَنَاب، وَفَرَس، وَدِرْع، وَعِرْس، وَضُحَى، وَعَرَب أو عُرْبْ .. بالوجهين، وَنَصَفْ بفتحتين، كلها ألفاظ محفوظة تحفظ ولا يُقاس عليها. (وَشَذَّ تَرْكٌ دُونَ لَبْسٍ) وَشَذَّ أيضاً لحاق التاء، انظر! عبَّر ابن عقيل بالشذوذ .. هذا هو الظَّاهر، (وَنَدَرْ لَحَاقُ) نادر؛ لأنَّ التعبير بالندور اخْتُلِف فيه هل هو شاذٌّ أم لا .. هل يقاس عليه أم لا؟ عندهم خلاف في هذا، لكن الظَّاهر أنَّه شاذ .. يُعَبَّر بالشذوذ هنا، (وَنَدَرْ لَحَاقُ تَا) قصره للضرورة، (فِيمَا) في الذي كَثَر ثُلاثياً، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، وشذ أيضاً لحاق التاء فيما زاد على ثلاثة أحرفٍ كقولهم في (قُدَّام): قُدَيْدِيمَة. وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي الَّتِي ... وَذَا مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا تَا وَتِي يُشْتَرط: أن يكون الاسم المُصغَّر مُتمكِّناً، إذاً: الموصولات لا حظَّ لها من التَّصْغِير، لأنَّ التَّصْغِير نوعٌ من أنواع التَّصريف، والصَّرف كله إنَّما يُخَصُّ به الاسم المُتمكِّن، وأمَّا الحرف وشبه الحرف وهو المبني فلا حظَّ له في التَّصريف. ء التَّصْغِير من جملة التَّصريف فحقُّه ألا يدخل غير المُتمكِّن من الأسماء، ولكن هنا قال: (وَصَغَّرُوا) أي: العرب لا النُّحاة، لأنَّ النُّحاة لو صَغَّروا لخالفوا قواعدهم، أو الصرفيين لو صَغَّروا لخالفوا قواعدهم، فلا يتأتَّى منهم أن يُصَغِّروا، ولذلك لم يقيسوا ما لم يُسْمَع على ما سُمِع، ما لم يُسْمَع من الموصولات أو أسماء الإشارة لم يقيسوه، لأنَّه مُخالف لقواعدهم. إذاً: (وَصَغَّرُوا) أي: العرب .. سُمِع، (شُذُوذاً) هذا حال من فاعل (صَغَّرُوا)، (شُذُوذاً) يعني: خروجاً عن قواعدهم العامة، صَغَّروا ماذا؟ (صَغَّرُوا الَّذِي وَالَّتِي) هذان من الموصولات، (وَذَا) اسم إشارة، (مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا) يعني: من أسماء الإشارة، (تَا وَتِي) الفروع منها .. من أسماء الإشارة و (الَّذِي) و (الَّتِي)، و (تَا وَتِي).

(وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي) هذا مفعول به، (الَّتِي) معطوفٌ عليه، (وَذَا) معطوفٌ عليه، (مَعَ) هذا حالٌ من (ذَا)، وهو مضاف، و (الفُرُوعِ) مضافٌ إليه، (مِنْهَا) هذا خبر، (تَا وَتِي) .. (تَا) هذا مبتدأ، (مِنْهَا) يعني: مِمَّا سبق، خبر مُقدَّم، (وَتِي) معطوفٌ على (تَا). هذا البيت أُورِد عليه ثلاثة اعتراضات، اعترضه المُرادِي من ثلاثة أوجه: - أولاً: أنَّه لم يُبَيِّن الكيفية، مع إيقاع الوهم بأنَّهم صَغَّروا على الوجه المعهود سابقاً، لأنَّه قال: (صَغَّرُوا) والتَّصْغِير إنمَّا يكون على (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) و (فُعَيْعِيل)، أوهم بأنَّهم صغَّروا (الَّذِي) على (فُعَيْل) أو (فُعَيْعِل) أو (فُعَيْعِيل). (وَصَغَّرُوا) يعني: العرب، (شُذُوذاً الَّذِي الَّتِي)، (شُذُوذاً) هنا مُتعلِّق لا بصفة التَّصْغِير، وإنَّما بكونه قابل للتصغير أو لا، هكذا حمله المُرادِي، إذاً: (وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي) ظاهره أنَّهم صَغَّروا على (فُعَيْل) أو (فُعَيْعِل) أو (فُعَيْعِيل)، إذاً: لم يُبيِّن الكيفية، بل ظاهره يُوهِم أن تصغيرها كتصغير المُتمكِّن، هذا اعتراض، ويمكن الجواب عليه والله أعلم أن يُقال: (شُذُوذاً) هذا عام، أطلقه النَّاظم، فيدخل فيه الاسم من حيث الإقدام، ومن حيث الكيفية، هذا الكلام أورده المكودي كذلك وقال: " هو مُسَلَّم " لكن الاعتراض الأول يمكن الجواب عليه. - الاعتراض الثاني: أنَّ قوله (مَعَ الفُرُوعِ) ليس على عمومه، لأنَّهم لم يُصَغِّروا جميع الفروع، وهذا يمكن الجواب، لأنَّ ما نقل مما اخْتُلِف فيه لا يكاد أن يخرج عنه فرع إلا موضعين فقط: وهو أنه لا يُصَغَّر (ذِي) اتفاقاً .. (ذِي) فقط للإلباس، ولا (تِي) للاستغناء بتصغير (تَا) خلافاً للنَّاظم .. هنا ذَكَره، يعني: جملة ما ذكرُوه من الفروع قابل للتَّصغير، يعني: ما من لفظٍ إلا ونقل أحد العرب، أو أحد النُّحاة، أو الصرفيين قولاً فيه. حينئذٍ قوله: (مَعَ الفُرُوعِ) يكون من باب إطلاق الكل مُراداً به البعض، يعني: لو خرج منه لفظة أو لفظتان من ثنتي عشر لفظة الأمر فيه سهل، إذاً: (مَعَ الفُرُوعِ) لم يقصد النَّاظم كُلَّ فرعٍ بعينه، وإنَّما أراد به في الجملة، إذاً: أجبنا عن الثاني. - الثالث قوله: (تَا وَتِي) يُوهِم أنَّ (تِي) تُصَغَّر كما تُصَغَّر (تَا)، وهذا قد نَصَّ بعضهم على أنَّه بالإجماع لا يُصَغَّر، هذا محل إشكال، (تَا) هذا لا إشكال أنَّه يُصَغَّر، أمَّا (تِي) هذا محل إشكال. إذاً: الأول والثاني أُجِيب عنه، والثالث محل نظرٍ، ولا (تِي) .. ولذلك قال ابن هشام في (التَّوْضِيح): " ولا يُصَغَّر (ذي) اتفاقاً للإلباس، ولا (تِي) للاستغناء بتصغير (تا) خلافاً للنَّاظم ". وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي الَّتِي ... وَذَا مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا تَا وَتِي

إذاً القاعدة: أنَّ المبني لا يُصَغَّر، ولَمَّا كان في (ذا) و (الَّذي) وفروعهما شبهٌ بالأسماء المُتمكِّنة، أشبهت هذه الألفاظ الأسماء المُتمكِّنة، بكونها تُوصَف وَيُوصَف بها اسْتُبِيح تصغيرها، يعني: أرادوا التماس عِلَّة .. لماذا صُغِّرت؟ قالوا: هذه أشبهت الأسماء المتمكِّنة، في أي شيء؟ قالوا: الأسماء المتمكِّنة يُوصف وَتُوصف، يُوصف بها يعني: تقع نعتاً لغيرها، وهي تُنْعَت أيضاً، ومثلها (الَّذي) و (الَّتي) وما عُطِف عليه، فأشبهت الأسماء المُتمكِّنة فَاستُبِيح - الأصل: المنع - فَاسْتُبِيح تصغيرها، لكن على وجهٍ خُولِف به تصغير المُتمكِّن، يعني: لم يأتوا بها على وزن (فُعَيْل) و (فُعَيْعِل) بضمِّ الأول وفتح الثاني وزيادة ياء التَّصْغِير لا .. خُولِف. لكن على وجهٍ خُولِف به تصغير المُتمكِّن فَتُرِك أولها على ما كان عليه قبل التَّصْغِير، هذه مُخالفة أولى، في باب التَّصْغِير الاسم المُتَمكِّن يُضَمَّ أوله، هنا قيل: (ذَيَّ) الذال مفتوحة، والأصل: أنَّها تُضَم .. خالف .. هذه واحدة. إذاً: تُرِك أولها على ما كان عليه قبل التَّصْغِير، وَعُوِّض من ضمَّه ألف مزيدة في الآخر .. هذا مخالفة، ووافقت المُتمكِّن في زيادة ياء ساكنة ثالثة بعد فتحةٍ، فقيل في (الَّذِي) و (الَّتي): (الَّذَيَّ) و (الَّتَيَّ) وفي تَثْنِيَتِهما: (الَّذَيَان) و (الَّتَيَّان)، وأمَّا الجمع فقال سيبويه في جمع (الَّذي): (الَّذِيُّون) بالواو، رفعاً، وضمَّةٍ قبل الواو، (والَّذِيِّين) هذا جرًا ونصباً بالكسر قبل الياء، وفي جمع (الَّتَي) هذه تُجْمَع على ماذا؟ (الَّتَيَّات). إذاً: على هذا إذا جُمِع (الَّذي) و (الَّتي) إلى آخره، ما بقي شيء من الفروع، لذلك قال: (مَعَ الفُرُوعِ) يعني: في الجملة. (وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي) (الَّذَيَّ) .. (الَّتي) (الَّتَيَّ)، ولذلك قال الشَّاعر: بَعْدَ الَّتَيَّا والَّتَيَّا وَاَلَّتِي ... إِذَا عَلَتْهَا أَنْفُسٌ تَرَدَّتِ وقال كذلك: أَنِّي أَبُو ذَيَّالِكِ الْصَّبِيِّ. (ذَيَّالِكِ) صَغَّره، ولم يذكر سيبويه من الموصولات التي صُغِّرت غير (الَّذَيَّ) و (الَّتَيَّ) وتثنيتهما وجمعهما فقط، (الَّذي) و (الَّتي) للمفرد، وتثنيتهما وجمعهما، هذا في الجملة. وصغَّروا من أسماء الإشارة: (ذَا) و (تَا) فقالوا: (ذَيَّ) و (تَيَّ)، وفي التَّثنية: (ذَيَّانْ) و (تَيَّان)، وفي (أُلَى) بالقصر: (أُلَيَّ)، وفي (أُلاء) بالمدِّ: (أُلَيَّاء) ولم يُصَغِّروا منها غير ذلك، إذاً مراد النَّاظم: أنَّه في الجملة، ولا يُصَغَّر (ذِي) اتفاقاً للإلباس، ولا (تِي) لاستغنائه بتصغير (تا) خلافاً للنَّاظم. إذاً: الأصل: ألا ندخل في بحث كيفية التَّصْغِير، لأنَّها ما دام أنَّها شاذَّة من حيث الإقدام ومن حيث الصِّفة، حينئذٍ لا نحتاج أن نقول: زادوا إلى آخره، وإنَّما تُنْطَق كما هي فيقال: هذه تُحْفَظ ولا يقاس عليها، وَيُحْكَم عليها بكونها مُصَغَّرة من كذا وكذا إلى آخره. وَصَغَّرُوا شُذُوذاً الَّذِي الَّتي ... وَذَا مَعَ الفُرُوعِ مِنْهَا تَا وَتِي

التَّصْغِير من خواصِّ الأسماء المتمكِّنة، فلا تُصَغَّر المبْنِيَّات، الأصل هذا: أنَّه لا يُصَغَّر إلا الاسم المُتمكِّن كما ذكرناه سابقاً، لكن صَغَّروا من غير المُتمكِّن أربعة أشياء، يعني: لم يُصَغَّر من غير المُتمكِّن إلا أربعة أشياء: - أولاً: اسم الإشارة، على التفصيل الذي ذكرناه. - ثانياً: الاسم الموصول، على التفصيل السابق. - ثالثاً: (أَفْعَل) في التَّعجُّب: ما أُحَيْسِنَه، وهذا جَوَّزه الكوفيون، والبصريون على المنع وهو الصواب. - رابعاً: المركَّب المزجي كـ: (بَعْلَبَكَّ) و (سيبويه) في لغة من بناها، أمَّا من أعربها لا إشكال، وتصغيرها تصغير مُتمكِّن: ما أُحَيْسِنَه، وبُعَيْلَبَكَّ، وسيبويه: (سُوَيْبَيْه) هذا الأصل. إذاً: التصغير من خواص الأسماء المُتمكِّنة. قال الشَّارح: فلا تُصَغَّر المبنيات، وَشَذَّ تصغير (الَّذي) وفروعه، و (ذَا) وفروعه، قالوا في (الَّذي): الَّذَيَّ، وفي (الَّتي): الَّتَيَّ، وفي (ذَا) و (تَا): ذَيَّا وَتَيَّا". والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

127

عناصر الدرس * .. النسب .. وحده , وعلامته * مايحذف لأجل النسب * النسب إلى ماآ خره ألف * النسب إلى المنقوص * النسب إلى ماقبل آخره كسرة * النسب إلى ما آخره ياء مشددة مسبوقا بحرف واحد * النسب إلى ماآخره علامة تثنية أوجمع. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيَّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (النَّسَبُ). أي: هذا باب (النَّسَبُ)، ويسمى أيضاً عند بعضهم بـ: (الإضافة)، والنَّسب معناه: الإضافة، إذا نسبت الشيء إلى الشيء معناه: أضفت الشيء إلى الشيء، إذا قلت: هذا دِمَشْقِي، معناه: أنَّك أضفته إلى دمشق؛ لأن بلده دمشق، (مَكِّي) نسبته إلى مَكَّة، إذاً: النَّسبة هي الإضافة والإضافة هي النَّسبة، لكن لا يُفَسَّر الإضافة بالمعنى الاصطلاحي وإنَّما بالمعنى اللغوي: نِسْبَةٌ كما سبق. وقد سمَّاه سيبويه بالتَّسْمِيَتين، يعني سمَّاه: نسباً، وسمَّاه: إضافةً، وكلٌ منهما سائغ، لأنَّ المشهور هو: (بَابُ النَّسَبِ)، هذا المشهور عند النُّحاة، وعند الصرفيين، إلا أن الكوفيون ذهبوا إلى أنَّ التسمية بالإضافة أولى. وحقيقته: إلحاق ياءٍ مُشدَّدة في آخر الاسم لتدلَّ على نسبته إلى المُجرَّد عنها، هذه حقيقة النَّسب، (إلحاق) يعني: زيادة .. زيادة ياءٍ مُشدَّدة في آخر الاسم، إذ الفعل لا يُنْسَب إليه، والحرف لا يُنْسَب إليه، ولذلك سبق أنَّ بعضهم عدَّ من علامات الأسماء كونه منسوباً: قُرَشِيٌّ .. مَكِّيٌّ .. مَدَنِيٌّ .. دِمَشْقِيّ .. مَصْرِيّ .. تُرْكِيّ إلى آخره، هذه كلها أسماء بدليل النَّسب، فلا يُنْسَب إلا إلى الأسماء. إذاً: إلحاق ياءٍ مُشدَّدة لا مُخفَّفة، وياء على جهة الخصوص لا ألف، ولا ياء، ولا واو، في آخر الاسم لا غيره، لأنَّه من خصوص الأسماء، بل من علامات الأسماء، وظيفتها: لتدلَّ على نسبته إلى المُجرَّد عنها، إذا قلت: مَكِّيٌّ، هنا ألحقت آخر الاسم وهو (مَكَّة) ياءً مُشدَّدة، هذه الياء تدلُّ على أن صاحب هذا الاسم: (مَكِّيٌّ) منسوبٌ إلى البلد مكة. إذاً: عندنا منسوبٌ، ومنسوبٌ إليه، المنسوب إليه: مَكَّة، والمنسوب هو: مَكِّيٌّ، حينئذٍ مَكِّيٌّ فيه معنى ليس في الاسم المنسوب إليه، إذاً: وظيفة هذه الياء لتدلَّ على نسبته إلى المُجرَّد عنها، فالمُجرَّد (مَكَّة)، والمتَّصل بها أو الملحق بها (مَكِّيٌّ) حينئذٍ فيه معنىً زائد على مُجرَّد اللفظ المُجرَّد عنها. ولم تلحق الألف، إنما اختيرت الياء دون الألف لماذا؟ قالوا: لئلا يصير الإعراب تقديريَّاً، لأنَّنا لو جعلنا الألف هي التي تدلُّ على النَّسبة، والألف ليست قابلة للحركة، إذاً: أخرجنا كُلَّ ما يُمكن أن تتصل به هذه الياء .. أخرجناه عن الإعراب الظاهر إلى الإعراب التقديري، لأنَّ الألف لا تظهر عليها فتحة، ولا كسرة، ولا ضمَّة، إذاً: انتقل الإعراب إلى التقديري. ولا الواو .. لم نختر الواو، لأنَّ الواو ثقيلة، ثُمَّ هي مُشدَّدة، فواوان مع ضمٍّ إذا ضُمَّت صار فيه ثِقَل، وَشُدِّدَت الياء ولم تكن ياءً مخفَّفة إنما هي ياء شديدة .. مشددة: قُرَشِيٌّ .. مَكِّيٌّ، ياءٌ مُشدَّدة .. مثقَّلة .. عبارة عن يائيين، قالوا: ليجري عليها وجوه الإعراب الثلاثة، إذ لو كانت مُخفَّفة لقدَّرنا الضَّمَّة والكسرة، وظهرت الفتحة، حينئذٍ نُشدِّد فصار الثاني مُتحرِّك .. ظهرت عليه الحركات كلها.

إذاً: شُدِّدت الياء ليجري عليها وجوه الإعراب الثلاثة، ولو أُفْرِدت يعني: لم تكن مشدَّدة وإنَّما ياءٌ ساكنة، لاسْتُثْقِلت الضَّمَّة والكسرة عليها كـ: (القاضي)، ولئلا تلتبس بياء المُتكلِّم، وهذا وجهٌ آخر في كونها مُشدَّدة. الوجه الأول: ليظهر عليها وجوه الإعراب الثلاثة، إذ لو كانت مُخفَّفة لكانت كـ: ياء القاضي، و (القاضي) إنَّما تُقَدَّر عليه الضَّمَّة والكسرة وتظهر الفتحة، لم يستكمل وجوه الإعراب من حيث الظهور. ثانياً: لئلا تلتبس بياء المُتكلَّم، إذ لو كانت ساكنة لوقع لبسٌ، ياء المُتكلِّم ساكنة: غُلامي .. قُرَشِي، نقول هذا فيه لبسٌ. ثالثاً: لو كانت خفيفة لَحُذِفَت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين. وهذا أَوْجَه الوجوه الثلاثة: أنَّها لو كانت خفيفة لَحُذِفت للتَّخَلُّص من التقاء الساكنين، وهذا حينئذٍ نحتاج إلى شيءٍ آخر ليدلَّ على أنَّ هذا اللفظ منسوبٌ إلى المُجرَّد عنها، لأنَّ اللفظ أو الكلمة، أو الحرف الذي جيء به لمعنىً الأصل فيه: أنَّه لا يُحْذَف، وجعلنا هذا قاعدة مُطَّردة في كُلِّ ما كان فيه تردُّدٌ في الحذف بين ما له معنى، وما ليس له معنى، فما كان له معنى أولى بالبقاء، وما ليس له معنى كحرف المبنى حينئذٍ نقول: الأولى أن يُحْذَف. وهذه الياء حرفٌ عليه الإعراب، هذا لا إشكال فيه: هذا قُرَشِيٌّ .. رأيت قُرَشِيَّاً .. مررت بِقُرَشِيٍّ، إذاً: حرفٌ عليه إعرابٌ، وَنُقِل عن الكوفيين أنَّها اسمٌ مضافٌ إليه في محل جر مثل: أخي، يعني: ياء المتكلِّم كما تقول: أخ: مضاف، وياء المتكلِّم: ضمير متَّصل في محل جر مضاف إليه، مثله: قُرَشِي، نُقِل عن الكوفيين، وهذا يحتاج إلى تحرير في نقله عن الكوفيين في كونها اسماً مضافاً إليه في محل جر. واحْتَجُّوا بقول بعض العرب: رأيت التَّمِيمِيَّ تَيْمِ عدي، الشاهد في قوله: تَيْمِ .. (تَيْمِ) هذا بدل من سابقه: رأيت التَّمِيمي، (التَّمِيمي) عندنا كلمتان: الكلمة الأولى لا شك أنَّها منصوبة، لأنَّ: رأيت، هذا يَتعدَّى فيحتاج إلى مفعول، إذاً (التَّمِيمي): هذا مفعولٌ به، (تَيْمِ) بالجر دلَّ على أنَّ الياء في محل جر، ولذلك جاء مجروراً، وبدل المجرور مجرور، وهذا ضعيف، لأنَّه يمكن تأويله، ولا يُحْتَج بقاعدة متأصِّلة إلا فيما لا يمكن تأويله، وما أمكن تأويله هذا فيه ضعف، يعني يُمكن أن يُقال: رأيت التَّمِيميَّ صاحب تَيْمِ عَدِي، حُذِف المضاف وَأُبْقِي المضاف إليه على حاله. واحْتَجُّوا بقول بعض العرب: رأيت التَّمِيميَّ تَيْمِ عَدِيٍّ، بجرِّ (تَيْم) قالوا: أنَّه بدلٌ من ياء النَّسب، لأنَّه هو المجرور .. هو الذي يُتَصَوَّر أن يكون مجروراً .. في محل جر، وَأُجِيب بأن التقدير: صاحب تَيْمِ عَدِي، فَحُذِف المضاف وَأُبْقِي المضاف إليه بحاله، وهذا سبق أنَّه جائز لكنَّه قليل. (النَّسَبُ) قال النَّاظم: يَاءً كَيَا الْكُرْسِيِّ زَادُوا لِلنَّسَبْ ... وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ النَّسب يحدث به .. بسببه وما يكون مُتَرتِّباً على الياء التي تُزَاد ثلاث تغييرات: الأول: لفظي، والثاني: معنوي، والثالث: حُكْمِي. اللفظي ثلاثة أشياء:

أولاً: إلحاق ياءٍ مُشدَّدة آخر المنسوب إليه: (يَاءً كَيَا الْكُرْسِيِّ). الثاني: كسر ما قبلها: كُرْسِي، السين مكسورة. ثالثاً: نقل إعرابه إليها يعني: إلى هذه الياء، لأنَّك تقول: قُرَيْش، الشين هي حرف الإعراب: قُرَيْشٌ .. قُرَيْشَاً .. قُرَيْشٍ، إذا قلت: قُرَشِيٌّ، حينئذٍ الشين صارت مكسورة مطلقاً .. دائماً، أين محلُّ الإعراب؟ انتقل إلى الياء، إذاً: انسحب حرف الإعراب من الشين إلى الياء، إذاً: صارت هي محلاً للإعراب. إذاً: هذه ثلاثة أحكام لفظية تَتعلَّق بالنَّسب: الأول: إلحاق ياءٍ مُشدَّدة آخر المنسوب إليه، وكسر ما قبلها، ونقل إعرابه إليها، هذه عامة في كلِّ اسمٍ منسوبٍ إليه، قد يُزَاد بعض التَّغييرات كما سيأتي لكنَّها ليست مُطَّردة في كل منسوبٍ إليه، بل هي في بعضٍ دون بعض كحذف تاء التأنيث مثلاً، أو الألف المقصورة، هذا يكون مُقيَّداً بما فيه تاء التأنيث، كذلك الألف المقصورة الرابعة أو الخامسة تقول: هذا مُقيَّد بما فيه ألف التأنيث المقصورة، كذلك ما فيه ياء مُشدَّدة هذا مقيَّد، أمَّا الحكم العام المُطَّرد مطلقاً في كُلِّ منسوبٍ إليه هي هذه الثلاثة الأحكام. والثاني معنوي: وهو صيرورته اسماً لِمَا لم يكن له وهو المنسوب، وقد كان قبل ذلك اسماً للمنسوب إليه: مَكَّة، اسمٌ للبلد المعروف، إذاً قلت: مَكِّيٌّ، صار اسماً لك أنت، لفظ: مَكِّي، انتقل ليس انتقالاً كُلِّيَّاً انسلخ من الأول، لا .. صار علماً للبلد، وكذلك صار اسماً لك أنت فأنت مَكِّيٌّ، إذاً: هو اسمٌ، مُسَمَّاه ما يصدق عليه المنسوب. الثالث: وهو تغيير الحكم .. معاملته معاملة الصِّفة المشبَّهة في رفعه المضمر والظاهر باطِّرادٍ، يعني: يعمل عمل الفعل، لكن هنا يعمل عمل الصِّفة المشبَّهة فيرفع ما بعده فقط إمَّا ضميراً وإمَّا اسماً ظاهراً، ولذلك يصح أن يُقال: زيدٌ تَمِيمِيٌّ أبوه، (زَيْدٌ) مبتدأ، و (تَمِيمِيٌّ) خبر، (أبوه) فاعل، ما الذي رفعه؟ (تَمِيميٌّ) الاسم المنسوب، إذاً: عُومِل معاملة الصِّفة المشبَّهة فرفع ولا ينصب، ولذلك أُلْحِق بالصِّفة المشبَّهة دون غيره لكونه يرفع ولا ينصب. (يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ) أشار إلى التَّغيير اللفظي الأول الذي قلنا هو ثلاثة أشياء: إلحاق ياءٍ مشدَّدة .. كسر ما قبلها .. نقل الإعراب إليها. يَاءً كَيَا الْكُرْسِيِّ زَادُوا لِلنَّسَبْ .. (زَادُوا لِلنَّسَبْ يَاءً) (يَاءً) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (زَادُوا)، والواو هنا من؟ العرب، ولا يُحْمَل على النُّحاة، لأنَّ الذين زادوا بالفعل هم العرب، وأمَّا النُّحاة فحكموا بأنَّها للنسب ونحو ذلك، وأمَّا الزِّيادة الحقيقية فهي للعرب. (زَادُوا) أي: العرب، (لِلنَّسَبِ) يعني: لأجله للدَّلالة على النَّسب، وعرفنا المراد بالنَّسب، (زَادُوا لِلنَّسَبِ) (يَاءً) هذا مفعول مُقدَّم، (كَيَا الْكُرْسِيِّ) كياء .. قصره للضرورة، (كَيَاء الْكُرْسيِّ) (يَا) مضاف، و (الْكُرْسِيِّ) مضاف إليه، والجار والمجرور مُتعلِّق بمحذوف صفة لـ: (يَا)، (يَاءً كائنةً كَيَاءِ الْكُرْسي) فـ: (كَيَا) جار ومجرور صفة لقوله: (يَاءً).

يعني: أنَّهم إذا قصدوا نِسبة شيء إلى أبٍ أو قبيلةٍ أو بلدٍ أو نحو ذلك جعلوا حرف إعرابه ياءً مُشدَّدة، (كَيَا الْكُرْسِيِّ) مكسوراً ما قبلها، كقولهم في النَّسب إلى (زيد): زَيْدِي، فحينئذٍ (كَيَا الْكُرْسِيِّ) انظر! في ياء (الْكُرْسِيِّ) ياءٌ مُشدَّدة قبلها كسرة .. محل إعرابٍ. إذاً: ثلاثة أحكام مأخوذة من (يَا الْكُرْسِيِّ)، لكنَّها ليست ياء كرسي ياء نسب بدليل: أنَّها مُشَبَّهٌ بها والمشبَّه هو ياء النَّسب، والمشبَّه مُغَاير للمشبَّه به، إذاً: أراد النَّاظم هنا أن يُبيِّن أنَّ النَّسب إنَّما يكون على هذه الصيغة: ياءٌ مُشدَّدة قبلها كسرة: كُرْسِي، ثُمَّ الإعراب يكون على هذه الياء: (يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ). إذاً: لم يعن النَّاظم بقوله: (يَاءً كَيَا الْكُرْسيِّ) أن ياء الكرسي هي ياء نسب، وإنَّما هي ياءٌ زائدة كما سبق معنا، أفهم قوله: (كَالْكُرْسيِّ) أمرين: أولهما: التَّغيير اللفظي .. المذكور السابق .. الثلاثة الأشياء: من حيث إلحاق الياء المُشدَّدة، وكسر ما قبل الياء، هكذا قال الأشْمُونِي والمكُودِي وغيره، أنَّ النَّاظم هنا أراد بـ: (الْكُرْسِيِّ) الدلالة على التَّغييرات كلها، فدخل فيه أنَّ ما قبله يكون مكسوراً وهذا ظاهر، لكن قد يُقَال بأنَّ النَّاظم لم يُرِد هذا، وإنَّما أراد أنَّ الياء (كَيَا الْكُرْسِيِّ) في شيئين: أنَّها مُشدَّدة، وأنَّها محلُّ إعراب، وأمَّا كون ما قبلها مكسور فهذا قد يُوهِم أنَّ قوله: وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ .. يكون حشواً، لماذا؟ لأنَّه قد ذكره بالمثال، ومعلوم أنَّ ابن مالك رحمه الله يُعْطِي الأحكام بالأمثلة، فإذا أخذنا أن الياء مُشدَّدة (كَيَا الْكُرْسِيِّ) هذا حكم، وأخذنا أنَّها حرف إعرابٍ .. نُقِل إليه الإعراب هذا حكم، بقي: كسر ما قبلها، إن أخذناه من المثال وهذا ظاهر ولا بأس به، حينئذٍ كيف نُصْرِف قوله: وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ .. يعني: ما تليه الياء .. ما قبله يكون مكسوراً، حينئذٍ نقول: دلَّ قوله: (الْكُرْسِيِّ) على حكمين، والحكم الثالث نأخذه من الشطر الثاني، وهذا أولى. والآخر .. الحكم الثاني من قوله (كالْكُرْسيِّ): أن ياء الكرسي ليست للنَّسب، لأنَّ المشبَّه به غير المشبَّه، لأنَّه شَبَّه هذه الياء (يَاءً زَادُوا لِلنَّسَبْ) يعني: ياء النَّسب، (كَيَا الْكُرْسيِّ) إذاً: شبَّه ياء النَّسب بياء الكرسي، ولو كانت ياء الكرسي .. ياء النَّسب لصار تشبيه الشيء بنفسه: زَيْدٌ كَزَيْد، سبق أنَّ هذا لا يجوز، إنَّما يُقال: زيدٌ كَعَمْروٍ .. عَمْروٌ كزيد، ياء النَّسب كياء الكرسي فيما ذُكِر، فدل على أنَّ المشبَّه مُغايرٌ للمشبَّه به، إذا: ياء الكرسي ليست للنسب. وَكُلُّ مَا تَلِيهِ كَسْرُهُ وَجَبْ ..

(كُلُّ) مبتدأ وهو مضاف، و (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي في محل جر مضاف إليه، (مَا تَلِيهِ) عندنا ضميران: ضميرٌ بارز، وضميرٌ مستتر، الضمير المستتر فاعل ويعود على الياء .. ما تلي الياء (مَا تَلِيه)، والضمير الثاني يعود إلى (مَا) لأنَّ (مَا) هذه اسمٌ موصول ولها صلة، والصلة لا بُدَّ أن يكون ثَمَّ عائدٌ يعود عليها، (وَكُلُّ مَا تَلِيهِ) ما تليه الياءُ .. ما تكون الياء تاليةً له وهو ما قبل الياء، يعني: الحرف الأخير قبل اتصال ياء النَّسب. (كَسْرُهُ وَجَبْ) (كَسْرُهُ) هذا مبتدأ ثاني، (وَجَبْ) هذا خبر المبتدأ الثاني، (وَجَبْ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على الكسر، والجملة خبر عن المبتدأ الثاني، (كَسْرُهُ) وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول وهو (كُلُّ). إذاً: كُلُّ حرفٍ آخِر تليه الياء كسره وجب، فـ: (مَا) هنا اسم موصول واقعة على الحرف الأخير، ولذلك قلنا من الأحكام: كسر ما قبلها، يعني: الحرف الأخير قبل ياء النَّسب وجب كسره، (كَسْرُهُ وَجَبْ)، (كَسْرُهُ) أي: كسر الحرف الذي تليه الياء، ما حكمه؟ واجب، والمناسبة واضحة: أنَّ ياء النَّسب بل الياء عموماً لا يناسبه ما قبله إلا الكسر، وأمَّا الفتح فهذا سيأتي أنَّه يقتضي أنَّ الياء الأولى تُقْلَب واواً. قال الشَّارح هنا: إذا أُرِيد إضافة شيءٍ إلى بلدٍ أو قبيلةٍ أو شخصٍ أو نحو ذلك جُعِل آخره ياءً مُشَدَّدة مكسوراً ما قبلها، فيقال في النَّسب إلى دمشق: دِمَشْقِي" دِمَشْقِيٌّ .. دِمَشْق، قاف ثُمَّ جئت بياء مُشدَّدة، وكسرت ما قبل آخره، انتقل الإعراب من القاف إلى الياء قلت: دِمَشْقِيٌّ، وإلى (تميم): تَمِيمِيٌّ، وإلى (أحمد): أَحْمَدِىٌّ، لكن ما نصَّ ابن عقيل هنا على انتقال الإعراب، لأنَّه قد يكون واضحاً أن الإعراب ينتقل إلى الياء المُشدَّدة. وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ وَتَا ... تَأْنِيْثٍ اوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتَا وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ... فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ قلنا: يُزاد من التَّغييرات لأجل النَّسب ثلاث .. قلنا: هذه عامَّة، ثُمَّ تحصل بعض التَّغييرات لبعض الكلمات دون بعضٍ، تُحْذَف لهذه الياء أمورٌ في الآخر، وأمورٌ متَّصلة بالآخر، يعني: يُقَال فيه ما قيل في التَّصغير وفي جمع التَّكسير، فبعض الكلمات إذا أردنا أن نوصل وَنُلْحِق بها ياء النَّسب لا بُدَّ من الحذف، كما ذكرنا كمثال: مكة .. مَكَّةُ، هذه تاء التأنيث لا نقول: مَكَّتِيِّ، ما يصح، نحذف التاء، حينئذٍ التاء هذه آخر: مكة .. مَكَّةُ، وجب حذف التاء لأجل ياء النَّسب، إذاً: نَحذف الأخير، بعض الأشياء تكون مُتَّصلة بالأخير كما سيأتي، ما يُحْذَف وهو آخر الكلمة التي يُراد النَّسبة إليها ستة أشياء:

الأول: أشار إليه بقوله: (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ) احذف مثله، الضمير يعود إلى الياء (مِثْلَهُ)، يعني: مثل الياء المُشدَّدة ياء النَّسب، ما كان مثيلاً لها وجب حذفه مُطلقاً سواءٌ كانت الياء المُشدَّدة ياءين زائدتين، أم كانت الأولى أصلية والثانية زائدة .. مطلقاً، كُلُّّ ياءٍ مُشدَّدة وأرَدْتَ النَّسبة إليه تحذفها .. تسقطها، وتأتي مكانها بياء النَّسب. (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ) احذف مثله، يعني: مثل الياء .. الضمير هنا يعود إلى الياء .. ياء النَّسب، (مِثْلَهُ مِمَّا) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْذِفْ)، (احْذِفْ مِمَّا) يعني: من الذي، (حَوَاهُ) الضمير المستتر يعود إلى (مَا)، والضمير البارز مفعولٌ به يعود إلى المِثْل، يعني: اسمٌ حوى هذه الياء المُشدَّدة مثل: كُرْسِي، لو أردت النَّسبة إليه نقول: احذف مِمَّا حوى هذه الياء وهو: الكرسي، تحذف الياء منه فتقول: كُرْسِي، حذفت الياء المشدَّدة التي هي زائدة في: كرسي، ونسبته إلى: الكرسي .. الشخص قلت: كُرْسِيٌّ، ماذا صَنَعْت؟ أسقطت الياء المُشدَّدة الأولى، ووضعت محلها ياء مُشدَّدة للنسب. (الشافعي) الأصل: العالم محمد بن إدريس منسوب إلى (شافع)، هذا لا إشكال فيه (شافع) قلت: شافعي، كـ: دِمَشْق .. دِمَشْقِي، لكن لو أراد أحد من أتباعه أن ينتسب إلى الشافعي قلت: هذا شَافِعيٌّ، نسبته إلى شافع أو إلى الشافعي؟ إلى الثاني، حينئذٍ اجتمع عندنا أربع ياءات، فوجب إسقاط الياءين الأوليين التي هي من (الشافعي)، نُسْقِط الياء المُشدَّدة ونأتي بياءٍ مُشدَّدة أخرى. إذاً: إذا وُجِد في الاسم الذي نريد أن ننسب إليه ونلحق به ياء النَّسب .. إذا وُجِد فيه ياء مُشدَّدة وجب حذفها مطلقاً بدون استثناء سواءٌ كانت هذين اليائيين زائدتين، أم إحداهما زائدة والأخرى أصليه مطلقاً، فتقول نسبةً إلى (الشافعي) الإمام الجليل .. تقول: هذا شَافِعيُّ .. شَافِعيُّ المذهب، نسبته إلى الشافعي رحمه الله، وحينئذٍ أسقطت الياء الأولى، وجئت بياءٍ أخرى. إذاً: الموضع الأول من المواضع التي يُحْذَف من الآخر وهي ستة: الياء المُشدَّدة الواقعة بعد ثلاثة أحرفٍ فصاعداً، النَّاظم لم يُقَيِّده لكن الشُّراح قيَّدوه، كقولك في النَّسب إلى (الشافعي): شَافِعيُّ، وإلى (المرمي): مَرْمِيٌّ، يُقَدَّر حذف الأولى يعني: الياء المُشدَّدة الأولى، وجعل ياء النَّسب في موضعها، والعلَّة من ذلك قالوا: لئلا يجتمع عندنا أربع ياءات وهذا ثقيل، اجتماع ياءين مع كسرةٍ قبلها ثقيل، فكيف تأتي بأربعة ياءات، وَكُلُّ ياء عبارة عن كسرتين؟! يعني: ثمان كسرات، قالوا: هذا فيه ثِقَل.

فيتحد لفظ المنسوب والمنسوب إليه، هذا لا إشكال، نقول: جاء الشافعيُّ وتعني به: الشافعيَّ المذهب، والشَافِعيُّ الإمام شافعي، إذاً: اتحد اللفظ هذا وذاك، وفرقٌ بينهما من جهة التقدير فحسب، يعني: معنىً، ولكن يَختلف التقدير، ويظهر أثر ذلك .. قد يقول قائل: ما الفائدة نحذف الياء ونأتي بياء أخرى؟ قالوا: يظهر ذلك التقدير في نحو: بَخَاتِيٍّ أو إن شئت قل: بُخَاتِي، في جمع (بَخْتِيٍّ) إذا سُمِي به ثُمَّ نُسِب إليه، فإنَّك تقول: هذا بَخَاتِيٌّ مصروفاً، وكان قبل النَّسب غير مصروف. (بَخَاتِيُّ) هذا ممنوعٌ من الصرف، لَمَّا أردت النَّسبة إليه أسقطت الياء المُشدَّدة فزدته ياء النَّسب صُرِف .. صار مصروفاً، لكن هذا أثره قليل، ولكن التَّعليل هو الذي يمكن أن يُعْتَمد عليه، نقول: لو زدنا ياءً مُشدَّدة على تلك الياء المُشدَّدة لاجتمع عندنا أربع ياءات، وأمَّا الصرف وعدمه فهذا قليل .. كلمات محفوظة، والحكم عام هنا في كُلِّ منسوبٍ تُحْذَف الياء وَيُؤْتَى بياءٍ جديدة. (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ)، (احْذِفْ) هذا فعل أمر، والفاعل أنت، (وَمِثْلَهُ) هذا مفعولٌ به وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني على الضَّم في محل جر مضاف إليه، والضمير هنا يعود على الياء .. ياء النَّسب، (مِثْلَهُ) يعني: مثل ياء النَّسب، (مِمَّا حَوَاهُ) مِمَّا اتصل به. (حَوَا) فيه ضميران: ضميرٌ مستتر، وضميرٌ بارز، الضمير المستتر يعود إلى (مَا) .. (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ) الضمير يعود على (المِثْل)، لأنَّ (المِثْل) هو الذي حوى تلك الياء التي هي مشابهة لياء النَّسب، أو هي في الحقيقة ياء النَّسب، والضمير البارز يعود إلى (مَا)، يعني: يُحْذَف لياء النَّسب كُلُّ ياءٍ تماثلها في كونها مُشدَّدة، لكن قيَّدوها: بعد ثلاثة أحرفٍ فصاعداً، وَيُجْعَل مكانها ياء النَّسب، تحذف هذا وتأتي بهذا، هذا الموضع الأول. الموضع الثاني: أشار إليه بقوله: (وَتَا تَأْنِيثٍ) قصره للضرورة، هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (لاَ تُثْبِتَاً)، (لاَ) ناهية، و (تُثْبِتَاً) هذا فعل مضارع مبني لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفاً وقفاً، (وَتَا) هذا مفعول مُقدَّم، وهو مضاف، و (تَأْنِيثٍ) مضاف إليه، (أَوْ) عاطفة، (مَدَّتَهُ) هذا معطوف على (تَا)، فدل على أنَّ (تَا) هنا مفعول به، لأنَّه قد يقول قائل: لماذا لا نقول بأنَّه مبتدأ؟ نقول: (تُثْبِتِ) هذا يحتاج إلى تقدير، لأنَّه ينصب .. يحتاج إلى مفعول، ثُمَّ قال: (مَدَّتَهُ) بالنصب فدل على أنَّه معطوفٌ على منصوب، إذاً: (تَا) هذا منصوبز إذاً: (تَاءَ تَأْنِيثٍ لاَ تُثْبِتِ) إذاً: الموضع الثاني مِمَّا يكون آخراً وَيُرَاد به النَّسب: حذف تاء التأنيث، فيقال في النَّسب إلى (فاطمة) مثلاً: فَاَطِمِيٌّ، حذفت تاء التأنيث، وإلى (مكَّة): مَكِّيٌّ، وإلى (المدينة): مَدَنِيٌّ، سيأتي (فَعِيلَة) تحذف الياء: صحيفة .. صحفي، لئلا تجتمع علامتا تأنيثٍ في نسبة امرأةٍ إلى (مَكَّة) لأنَّه كان يُقال: مَكْتِيَةٌ .. هذا فاسد، ولئلا يؤدي إلى وقوع تاء التأنيث حشواً، هذه عِلَّةٌ أخرى.

إذاً: المسموع في لسان العرب أنَّك إذا نسبت إلى ما فيه تاء أسقطت التاء .. قطعاً نضع العِلَّة، فتقول: مَكِّيٌّ .. مَدَنِيٌّ، ولا تقول: مَكْتِيٌّ ولا مَدِينَتِيِّ ونحو ذلك وهذا كله فاسد، وإنَّما ترجع إلى لسان العرب، وأمَّا قول المتكلمين في (ذات): ذَاتِيٌّ، وقول العامة في (الخليفة): خَلِيفَتِي فلحنٌ، والصواب أن يُقال: ذَوَوِيٌّ .. ذَاتِيٌّ، نسبة إلى الذَّات: ذَوويٌّ وخلِيفيٌّ، هذا الظَّاهر. (وَتَا تَأْنِيثٍ أَوْ مَدَّتَهُ)، أَوْ مَدَّتَهُ هذا الثالث مِمَّا يُحْذَف وهو مَدَّة التأنيث، فيما سبق إذا أطلق النَّاظم المدَّة صرفناها إلى الممدودة: صحراء، لكن هنا قيَّده، في السابق يُطْلِق المدة، وهنا قيَّده قال: (مَدَّتَهُ) يعني: مدَّة التأنيث، ومتى يكون التأنيث مَدَّاً؟ فيما إذا كانت مقصورة. إذاً: قصده بقوله هنا: (مَدَّتَهُ) المراد به: ألف التأنيث المقصورة، بدليل الإضافة .. خصَّصه بالإضافة، وإن كان المشهور أن يُعَبَّر عن المقصورة بالألف، والممدودة بالمدَّة على أصلها، هذا المشهور وهذا الذي مضى معنا مراراً، ولكن هنا عنى ألف التأنيث المقصورة لذلك أضافها. فقوله: (أَوْ) للعطف، (مَدَّتَهُ) يعني: مدَّة التأنيث، وأمَّا الألف في (حمراء) فليست للتأنيث، وإنَّما: حُبْلَى، وَسَلْمَى، وَقَبَعْثَرى، وَحِثِّيثَى، وَكُفُرَّى، كل هذه المراد بها: ألف التأنيث. إذاً الموضع الثالث: مدَّة التأنيث والمراد بها: ألف التأنيث المقصورة، وألف التأنيث قال: (أَوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتِ) لكنَّه استثنى: وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ... فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ إذاً: فيه تفصيل ليست مطلقاً تُحْذَف، وليست مطلقاً تُثْبَت، حينئذٍ إمَّا أن تكون رابعة أو خامسةً فصاعداً، وأمَّا الثالثة فسيأتي بحثها، فإمَّا أن تكون رابعة أو خامسة، رابعة مثل: حُبْلَى .. وقعت رابعةً، أو خامسةً فصاعداً مثل: قَرْقَرَى، فإن كانت خامسةً فصاعداً حُذِفت وجهاً واحداً .. قولاً واحداً، لا نحتاج إلى قلب ولا غيره، حينئذٍ تحذفها مباشرة. كقولك في (حُبَارَى): حُبَارِيٌّ، (حُبَارى) وقعت ألف التأنيث المقصورة خامسةً، أردت النَّسبة إليها ماذا تصنع؟ احذف هذه الألف فقل: حُبَارِيٌّ، بكسر الراء، ثُمَّ تزيد ياء النَّسب مُشدَّدة، ثُمَّ الإعراب يكون عليها، انظر! انتقل الإعراب من التقديري إلى الظَّاهر، أصله: حُبَارى، الإعراب تقديري .. الألف غير قابلة للحركات، لَمَّا نسبت إليها انتقل الإعراب .. انظر! من فوائد النَّسب: انتقل الإعراب من التقديري إلى الظَّاهر قلت: حُبَرِيٌّ .. رأيت حُبَرِيَّاً .. مررت بِحُبَرِيٍّ، صار الإعراب فيه ظاهراً. إذاً: إذا كانت خامسة فصاعداً وجب حذف الألف كما في (حُبَارى): حُبَارِيٍّ، وفي (قَبَعْثَرى): قَبَعْثَرِيٌّ بكسر الراء وزيادة ياء مُشدَّدة، وانتقل الإعراب إليها فصار ظاهراً، وَقَرْقَرِيٌّ في (قَرْقَرى)، كذلك: حِثِّيثِيٌّ في (حِثِّيِثى)، هذا إذا كانت خامسةً فصاعداً قولاً واحداً .. وجهاً واحداً تُحْذَف.

وإن كانت رابعةً حينئذٍ فيه تفصيل، إن كانت رابعةً في اسمٍ ثانيه مُتحرِّك .. إذا وقعت رابعاً انظر إلى الثاني يعني: ثاني الكلمة، إمَّا أن يكون مُتحرِّكاً أو ساكناً، إن كانت مُتحرِّكة لَحِقَت بأختها الخامسة فصاعداً .. حكمها حكم الخامسة فصاعداً: الحذف، كقولك في (جَمَزَى): جَمَزِيٌّ، (جَمَزَى) الألف وقعت رابعةً، ننظر في الثاني: (جَمَـ) ميم، فإذا به مُتحرِّكاً نُزِّل مُنَزَّلة حرف خامس، حينئذٍ حذفناها، بقي: وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ .. لا تحذف .. إن كانت رابعةً والحرف الثاني ساكن قال: لا تَحذف .. أبقها، (فاقلبها واواً) ولا يَتعيَّن الحذف، (لا تَحذف) يعني: لا تحذف وجوباً .. هذا الذي أعنيه، لا يَتعيَّن حذفها، وإنَّما أنت مُخَيَّر بين اثنين: إمَّا القلب إلى الواو، وإمَّا الحذف، وإن كان ثانيه ساكناً فوجهان: قلبها واواً، وحذفها. (وَإِنْ تَكُنْ) أي: مدَّة التأنيث المقصورة، (تَكُنْ) الضمير يعود إلى (مَدَّتَهُ)، (تَرْبَعُ) أي: تُصَيِّره ذا أربعة، (تَرْبَعُ) هذا فعل مضارع بِمعنى: تُصَيِّره ذا أربعةٍ، (إِنْ تَكُنْ) الألف صَيَّرت الاسم الذي هي فيه ذا أربعةٍ، (ذَا ثَانٍ سَكَنْ) ساكن. فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ .. (قَلْبُهَا وَاواً) يعني: يجوز أن تُقْلَب واواً، أو أن تحذفها: حُبْلَى، رابعة والثاني ساكن، يجوز أن تقول: حُبْلَوِيٌّ، بقلب الألف واو، ويجوز أن تقول: حُبْلِيٌّ، (حُبْلِيٌّ) بالحذف، و (حُبْلَوِيٌّ) بقلب الألف واواً، يعني: إبقائها، وقلبها واواً. (وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ) (تَرْبَعُ) قلنا: فعل مضارع، والضمير يعود إلى اسم (تَكُنْ)، لأنَّ جملة (تَرْبَع) خبر، فلا بُدَّ من رابطٍ بين الاسم؛ لأنَّه في الأصل مبتدأ، فإذا وقع خبر كان وأخواتها جملةً لا بُدَّ من رابطٍ بينها وبين اسمها، لأنَّها في الأصل: مبتدأ وخبر. إذاً: (تَرْبَعُ) الضمير يعود إلى اسم (تَكُنْ)، أي: تُصَيِّره ذا أربعةٍ، (ذَا ثَانٍ) (ذَا) هذا مفعولٌ لـ: (تَرْبَع)، يعني: صاحب (ذَا ثَانٍ) (ذَا) مضاف، و (ثَانٍ) مضاف إليه، (سَكَنْ) أي: الثاني والجملة صفة لـ: (ثَانٍ)، يعني: (ذَا ثَانٍ سَكَنٍ). (فَقَلْبُهَا) الفاء واقعة في جواب الشرط، (قَلْبُهَا) مبتدأ، (وَاواً) هذا مفعول ثاني، (قَلْبُ) هذا يَتعدَّى إلى اثنين، وهو مَصدَّر أُضِيف إلى المفعول الأول الهاء، (قَلْبُهَا) قلب الألف، (وَاوَاً) هذا مفعول ثاني، (وَحَذْفُهَا) هذا مبتدأ، و (حَسَنْ) خبر الثاني، أين المبتدأ الأول؟ (فَقَلْبُهَا) مبتدأ، (وَاوَاً) قلنا: مفعول، اترك (وَاواً)، (وَحَذْفُهَا) مبتدأ، (حَسَنٌ) خبر، أين الخبر؟ (حَذْفُهَا حَسَنْ) هذا مبتدأ وخبر، (قَلْبُهَا) هذا مبتدأ. لو قال قائل: (وَحَذْفُهَا حَسَنْ)، (فَقَلْبُهَا) مبتدأ أول، (وَحَذْفُهَا) مبتدأ ثاني، و (حَسَنْ) خبر الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، هل يصح أو لا؟ يعني: لو قلنا (فَقَلْبُهَا) .. (قَلْبُ) مبتدأ أول، (وَحَذْفُهَا) مبتدأ ثاني، و (حَسَنْ) خبر الثاني، والجملة خبر الأول.

العاطف يمنع، هذا أولاً، طيب! لو لم يكن عاطف؟ أيضاً: لا يجوز، لأنَّك لو جعلته خبراً حينئذٍ يكون المعنى: (قَلْبُهَا حَذْفُهَا حَسَنْ) قلبها وحذفها معاً في وقتٍ واحد، لكن نحن نُقدِّر هنا خبر للمبتدأ الأول، (فَقَلْبُهَا) جائزٌ، أو مستساغٌ، أو لا بأس به، وتجعل (وَحَذْفُهَا حَسَنْ) جملة مُستقلِّة، أمَّا لو جعلت (حَذْفُهَا حَسَنْ وقَلْبُهَا) هذا ما يصلح، لأنَّه يصير المحل واحد: قلب وحذف، لا، إمَّا قلب فلا تحذف، وإمَّا حذفٌ فلا تقلب، وأمَّا قلبٌ حذفٌ في وقتٍ واحد، هذا ما يَصْدُق .. لا يصلح، فالإعراب إذا أعربته (فَقَلْبُهَا) مبتدأ أول، (وَحَذْفُهَا) مبتدأ ثاني، مع أنَّه ما يجوز لوجود الواو، لكن لو أسقطنا الواو، أو أراد إنسان أن يُعرِب هذا نقول، لا. وَإنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ... فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ يعني: أن ألف التأنيث المقصورة إذا كانت رابعةً في اسمٍ ساكنِ الثاني جاز فيها الحذف والقلب واواً نحو: حُبْلَى، تقول فيها على الأول (حَذْفُهَا): حُبْلِيٌّ، وعلى الثاني وهو القلب: حُبْلَوِيٌّ، بقلب الألف واواً، ويجوز مع القلب أن يُفْصَل بينها وبين اللام بألفٍ زائدة تشبيهاً بالممدودة، فتقول: حبلاويٌّ، تُزاد ألف بين اللام والواو. وليس في كلام النَّاظم ترجيح أحد الوجهين على الآخر، وليسا على حدٍّ سواء، بل الحذف هو المختار وإن أخَّره. فَقَلْبُهَا وَاوَاً وَحَذْفُهَا حَسَنْ .. إذاً: هل فيه ترجيح؟ ليس فيه ترجيح، وإنَّما قدَّم الواو وأخَّر الحذف، قد يُقال بأنَّه لَمَّا حذف – هذه من رأسي! - خبر الأول ونصَّ على خبر الثاني، فَمَا نَصَّ على خبره مُقدَّم .. يُمكن؟ (فَقَلْبُهَا وَاوَاً) حذف الخبر، (وَحَذْفُهَا حَسَنْ) الشُّرَّاح يقولون: لم يَنُص النَّاظم على الترجيح، وهذا مأخذ عليه، لأنَّه سوَّى بينهما والحكم ليس على التَّسويه، لكن يُمكن أن يُقال: بأنَّه نَصَّ على الثاني (حَذْفُهَا حَسَنْ)، وحذف خبر الأول دل على أنَّه مختار وأنَّه أرجح، على كُلٍّ: الأرجح الحذف هنا وهو المختار. وَفُهِم من البيت تقييده: وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ .. فُهم من البيت: أنَّها إذا كانت خامسةً فما فوق، أو رابعةً في اسمٍ ثانيه مُتحرِّك وجب حذفها؛ لدخولها في الضابط الأول، لأنَّه قال: (أَوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتِ) هذا عام، قلنا: المدَّة هنا .. مدَّة التأنيث، إمَّا أن تكون خامسة أو رابعة - الثالثة سيأتي البحث فيها - إمَّا أن تكون خامسة أو رابعة، إن كانت خامسة وجب حذفها مُطلقاً، هل يُمكن أن نأخذ التفصيل هنا من البيت الثاني؟ نعم، لأنَّه قال: (وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ) فسوَّى فيها طرفين: قلب الواو، والحذف. مفهومه: أنَّ الخامسة تُحْذَف بلا تفصيل، وتقييد الرابعة بأنَّها إذا كانت (ذَا ثَانٍ سَكَنْ) ففيها الوجهان، مُفهومه: أنَّه إذا لم يسكن الثاني كالخامسة. إذاً: الأحوال ثلاثة: خامسةٌ .. رابعةٌ ثانيها ساكن .. رابعةٌ ثانيها مُتحرِّك، من البيتين. ز من قوله: أَوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتَا وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ..

نقول: الخامسة مُطلقاً بلا تفصيل تُحْذَف، الرابعة (ذَا ثَانٍ) مُتحرِّك كالخامسة، بقي الثالث وهو الذي ذكر فيه الوجهين. وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ ذَا ثَانٍ سَكَنْ ... فَقَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ كم ذكر مِمَّا يُحذف؟ ثلاثة: - (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ) هذا الأول. - (وَتَا تَأْنِيثٍ) هذا الثاني. - (أَوْ مَدَّتَهُ) هذا الثالث. قوله: (لاَ تُثْبِتِ) وما بعده هذا تفصيل لقوله: (مَدَّتَهُ). نعود إلى قوله: (وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ) المراد هنا: أن تُحْذَف الياء المُشدَّدة كما ذكرناه سابقاً، هذا يشمل على التفصيل ثلاثة مواضع: - ما كانت فيه الياء للنَّسب كـ: بَصْرِي، فتقول في النَّسب إليه: بَصْرِيٌّ، وهذا واضح وذكرنا له مثالاً كـ: الشافعي، وهو أظهر. - الثاني: ما كانت فيه الياء لغير النَّسب نحو: كرسي، فتقول في النَّسب إليه: كُرْسِي، وهذا مثَّلنا به. - الثالث: ما كان أصلها واواً نحو: مَرْمِيٌّ، أصله: مَرْمُوِي، فَقُلِبت الواو ياءً فَأُدْغِمت في الياء فتقول في النَّسب إليه: مَرْمِيٌّ، وسيأتي فيه وجهٌ آخر وهو: قلب الياء الأولى إلى أصلها، فتقول: مَرْمَوِيٌّ، وهذا فيه تفصيل سيأتي بحثه. قال الشَّارح: يعني أنَّه إذا كان في آخر الاسم ياءٌ كياء الكرسى في كونها مُشدَّدة .. واقعةً بعد ثلاثة أحرفٍ فصاعداً وجب حذفها، وَجَعْلُ ياء النَّسب موضعها، فَيُقَال في النَّسب إلى (الشافعي): شَافِعِيٌّ، وفي النَّسب إلى (مَرْمِى): مَرْمِىٌّ. مثَّل بِمثالين لأنَّ الثاني فيه خلاف والأول مُتَّفق عليه، و (كرسي) من بابٍ أولى، قلنا الأنواع ثلاثة: ياء النَّسب، وياءٌ كياء كرسي، وياءٌ مُشدَّدة الأولى أصلية والثانية زائدة، مَثَّل بـ: الشافعي، ياءٌ زائدة مُطلقاً الأولى والثانية، لأنَّ المُشدَّدة عبارة عن ياءين، و (مَرْمِيٌّ) الياء الأولى منقلبة عن أصل والثانية زائدة، من بابٍ أولى أنَّ ياء (كرسي) تُحْذَف، فإذا حُذِفت ياء النَّسب: شافعي، من بابٍ أولى ياء: كرسي. إذاً: الأنواع ثلاثة. وكذلك إن كان آخر الاسم تاء التأنيث وجب حذفها للنَّسب، فيقال في النَّسب إلى (مَكَّة): مَكِّىٌّ، ومثل تاء التأنيث في وجوب الحذف للنَّسب ألف التأنيث المقصورة، إذا كانت خامسةً فصاعداً كـ: حُبَارَى، ما قال النَّاظم: خامساً، لكن لَمَّا استثنى قال: (وَإِنْ تَكُنْ تَرْبَعُ) علمنا أنَّ مراده: (أَوْ مَدَّتَهُ) خامسةً، ثُمَّ الرَّابعة على التفصيل الذي ذكرناه. إذا كانت خامسةً فصاعداً كـ: حُبَارى وَحُبَرِي، أو رابعةً مُتَحرِّكاً ثاني ما هي فيه كـ: جَمَزَى .. جَمَزِي، وإن كانت رابعةً ساكناً ثاني ما هي فيه كـ: حُبْلَى، جاز فيه وجهان: أحدهما: الحذف وهو المختار فتقول: حُبْلِىٌّ. والثاني: قلبها واواً فتقول: حُبْلَوِىٌّ، ويجوز زيادة ألفٍ بين اللام والواو: حُبْلَاوِيٌّ. لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ مَا ... لَهَا ولِلأَصْلِيِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ... كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِسَاً عُزِلْ وَالْحَذْفُ فِي الْيَا رَابِعَاً أَحَقُّ مِنْ ... قَلْبٍ وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ يَعِنّْ

(لِشِبْهِهَا) الضمير يعود إلى ألف التأنيث المقصورة، (الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ) قلنا: الألف المقصورة سابقاً في جمع التكسير قد تكون للإلحاق مثل: عَلْقى، وقد تكون للتأنيث مثل: حُبْلَى، وقد تكون أصلية. قال هنا: (لِشِبْهِهَا) هذا خبر مُقدَّم، والضمير يعود إلى ألف التأنيث، (الْمُلْحِقِ) قيل: بكسر الحاء، أي: المُلْحِق كلمته بكلمةٍِ أخرى، وهكذا ضَبَطَه المكُودِي ونَصَّ عليه الصَّبَّان، (الْمُلْحِقِ) بالكسر وهكذا ضبطه مُحْيي الدِّين. (لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ) يعني: الألف الأصلي، والألف التي للإلحاق، (مَا لَهَا) الذي لها للتأنيث، فهو ثابتٌ لألف الإلحاق والألف الأصلية، وما هو الذي ثبت لها: الحذف أو القلب؟ التفصيل. يعني: أن الألف الرابعة إذا كانت للإلحاق نحو: ذِفْرَى وَعَلْقَى، أو مُنقلبةً عن أصلٍ نحو: مَرْمِي، فلها ما لألف التأنيث من نحو: حُبْلَى -إذاً: الضمير هنا يعود إلى المُتَأخِّر- من القلب والحذف، فتقول: ذِفْرِيٌّ وَذِفْرَوِيٌّ، وَمَرْمِيٌّ وَمَرْمَوِيٌّ، فهنا قوله: (لِشِبْهِهَا مَا)، (مَا) هذا مبتدأ، (لِشِبْهِهَا) يعني: الذي ثبت لها .. لتاء التأنيث، (لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ)، (الْمُلْحِقِ) هذا نعت لـ: (لِشِبْهِ)، (وَالأَصْلِيِّ) معطوفٌ عليه، (مَا لَهَا) ما ثبت لها، (لَهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، الذي لألف التأنيث إن كانت رابعةً على التفصيل السابق (لِشِبْهِهَا) يعني: ثابتٌ لشبهها، ما هو الذي ثبت لشبهها؟ التفصيل السابق، وما هو الشبيه بها؟ (الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ). إذاً: الألف الرابعة إذا كانت للإلحاق، أو منقلبة عن أصلٍ فحكمها حكم (حُبْلِي) يعني: من حيث حذفها، ومن حيث القلب: حُبْلِي وَحُبْلَوِي، كذلك: ذِفْرِي وَذِفْرَوِي، وَمَرْمِي وَمَرْمَوِي، إلا أنَّ القلب في الأصل أحسن من الحذف، فـ: مَرْمَوِي أفصح من: مَرْمِي، وإليه أشار بقوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) يعني: يُختار للأصليِّ قَلْبٌ، (قَلْبٌ) هذا مبتدأ، و (يُعْتَمَى) يعني: يُختار، يُقال: اعتماه يَعْتَمِيه إذا اختاره، (يُعْتَمَى) نائب الفاعل يعود إلى القلب، (وَلِلأَصْليِّ) هذا خبر مُقدَّم. إذاً: قَلْبٌ للأصليِّ يُعْتَمى، ولكن جملة (يُعْتَمَى) هذه صفة لـ: (قَلْب) فلا يفصل بينهما، حينئذٍ تُقدِّر هكذا: قَلْبٌ يُخْتَار للأصليِّ، ولا تقول: قُلْبٌ للأصلي يُعْتَمَى، (قَلْبٌ يُعْتَمَى) يعني: يُخْتار (لِلأَصْليِّ)، حينئذٍ نَصَّ النَّاظم على أنَّ ما كان مُنقلباً عن أصلٍ فيكون القلب أرجح من الحذف. وأراد هنا النَّاظم بـ (الأصلي): المُنقلب عن أصلٍ واوٍ أو ياء .. هذا معلوم، لأنَّ الألف لا تكون أصلاً غير منقلبة إلا في حرفٍ وشبه الحرف فقط، وأمَّا في الاسم فلا بُدَّ أن تكون مُنقلبة عن واوٍ أو ياء، أو نحكم لها بالزيادة، وهنا إذا قلنا: ألف أصليَّة حينئذٍ لا بُدَّ أنَّها مُنقلبة عن واوٍ أو ياء.

(وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) خَصَّ النَّاظم هنا الأصلي وسكت عن المُلْحِق .. الألف التي تكون للإلْحَاق، فما هو الأولى؟ قلنا هناك: (قَلْبُهَا وَاواً وَحَذْفُهَا حَسَنْ) أي الوجهين المختار؟ الحذف، قلنا: الأصلي استثناه بأنَّ القلب هو المختار، سكت عن ألف الإلحاق وسَوَّى بينها وبين ألف التأنيث، حينئذٍ ألف التأنيث يُخْتَار فيها الحذف على القلب، كذلك ما سوَّى بِها وهو ألف الإلحاق، إذاً يُخْتَار فيها الحذف على القلب، ولكن ليس الأمر كذلك، بل القلب في الملحق أحسن من الحذف. فقوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) حينئذٍ لا بُدَّ من توجيهه بأنَّه يَشمل النَّوعين، وليس الحكم خاصَّاً بالأصلي، حينئذٍ نقول: ألف التأنيث يجوز فيها الوجهان والحذف أرجح .. أحسن، وأمَّا ألف الإلحاق والأصلية يجوز فيها الوجهان والقلب أرجح، وظاهر عبارة النَّاظم: أنَّه خَصَّ الأصلي بأن القلب يُختار، إذاً: سَوَّى بين ألف الإلحاق وألف التأنيث .. هذا الظَّاهر، فيكون ألف الإلحاق الحذف أرجح من القلب، والصواب هو العكس، ونَحمل كلام النَّاظم هنا على ما ذكره في: (الكافية) وشرحها. تخصيصه الأصلي بترجيح القلب يُوهِم أنَّ ألف الإلحاق ليست كذلك، بل تكون كألف التأنيث في ترجيح الحذف، لأنَّه مقتضى قوله: (مَا لَهَا) الذي ثبت لها .. لألف التأنيث، يثبت للأصلي والملحق، واستثنى الأصلي .. بقي الملحق. ليست كذلك بل تكون كألف التأنيث في ترجيح الحذف، لأنَّه مقتضى قوله: (مَا لَهَا)، وقد صرَّح النَّاظم رحمه الله في (الكافية) وفي شرحها: بأنَّ القلب في ألف الإلحاق الرابعة أجود من الحذف كالأصلية، هو نفسه صَرَّح بهذا .. سوَّى بين ألف الإلحاق والأصلية، وهنا ظاهر عبارته التفريق بينهما، فألحق التي للإلحاق بالتأنيث والحذف فيها أجود، واستثنى الأصلية والصواب: التَّسوية بينهما، لكن ذكر أنَّ الحذف في ألف الإلحاق أشبه من الحذف في الأصليَّة، لأنَّ ألف الإلحاق شبيهةٌ بألف (حُبْلَى) في الزيادة، على كُلٍّ: ينبغي حمل كلامه هنا على أنَّ القلب في الأصلية من أجل أن نجعل الحكم عام .. (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) حينئذٍ نقول: مراده هنا أنَّ القلب في الأصلية أكثر من القلب في التي للإلحاق، وإن كان القلب فيهما جميعاً معاً أجود من الحذف، كما نصَّ هو عليه في: (شرح الكافية)، هذا من باب التأويل، وإن كان ظاهر العبارة يحتاج إلى مُبالغة في التأويل، لأنَّ قوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) هذا تخصيصٌ بعد تعميم، لأنَّه عمَّم (مَا لَهَا) اسمٌ موصول .. عمَّم، كُل ما ثبت لألف التأنيث ثبت لألف الإلحاق والأصلية، هذا الظَّاهر.

ثُمَّ خصَّص قال: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ) قَدَّم الخبر على المبتدأ، (قَلْبٌ يُعْتَمَى) يُخْتَار للأصلي، ظاهره والله أعلم أنَّه قد يكون خالف ما في (الكافية) حينئذٍ سوَّى هنا في هذا المقام .. في هذا المتْن بين ألف التأنيث وألف الإلحاق: في أنَّ الحذف أجود من القلب، وهناك سوَّى بين الأصلية وألف الإلحاق في كون القلب أجود من الحذف، قد يكون هنا رَجَع، لكن ياسين وغيره أوَّلوا العبارة قالوا: قوله (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) ليس مُراده الترجيح من حيث هو، بل مراده أنَّ القلب في الأصلية أكثر من التي للإلحاق، كُلٌّ منهما الرَّاجح فيه: القلب على الحذف فهو المختار، إلا أنَّ القلب في الألف الأصلية أكثر فيها القلب من التي للإلحاق، لكن هذه العبارة فيها، لأنَّ ظاهره ما ذكرناه سابقاً. على كُلٍّ الصواب قوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) أنَّه لا يختصُّ بالأصلية فحسب، بل الحكم عام في الأصلية والتي للإلحاق. لِشِبْهِهَا الْمُلْحِقِ وَالأَصْلِيِّ مَا ... لَهَا ولِلأَصْلِيِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بَيَّن الألف إن كانت خامسةً فصاعداً: وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ .. هذا تنصيصٌ على المفهوم السابق، (الأَلِف) هذا مفعول مُقدَّم، (الْجَائِزَ) نعته، (أَرْبَعَاً) مفعول لـ: (الْجَائِزَ) يعني: الذي جاز أربعاً، يعني: أربعة أحرف، وذَكَّر هنا باعتبار تأنيث الحرف، (أَزِلْ) يعني: احذف .. احذف الألف الجائز أربعاً، فحينئذٍ الألف المقصورة إذا كانت خامسةً مُطلقاً وجب حذفها. أي: إذا كانت ألف المقصور خامسةً فصاعداً حُذِفت مطلقاً، سواءٌ كانت أصليَّة نحو: مصطفى ومستدعى، أو للتأنيث نحو: حُبَارى وَخُلَّيطَى، أو للإلحاق أو التكسير نحو: حَبَرْكَ وَقَبَعْثَرى، فتقول فيها كلها: مُصْطَفِيٌّ، وَمُسْتَدْعِيٌّ، وَحُبَارِيٌّ، وَخُلِّيطِيٌّ، وَحَبَرْكِيٌّ، وَقَبَعْثَرِيٌّ، كلها .. بدون تفصيل تحذف الألف إذا كانت خامسةً فصاعداً، بقطع النَّظر عن كونها للتأنيث أو غيره، وهذا تنصيصٌ على ما سبق، لكن يستفاد منه: أنَّ الحكم في السابق (مَدَّتَهُ) يعني: مدَّة التأنيث، وهنا زاد: (أَوْ مَدَّتَهُ لاَ تُثْبِتِ) يعني: مدَّة التأنيث قلنا: إذا كانت خامسةً، هنا زادنا: إذا كانت خامسةً فصاعداً لغير التأنيث، سواءٌ كانت أصلية، أو كانت للإلحاق، أو للتكسير فيكون فيه تصريحٌ بالمفهوم السَّابق من حيث التأنيث، ومن حيث غير التأنيث دخل معنا الخامسة فصاعداً التي للإلحاق، والتي للتكسير، والأصلية. وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ ... كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِسَاً عُزِلْ هذا النوع الرابع مِمَّا يُحذف للنَّسب وهو: ياء المنقوص المتجاوزة أربعاً: كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِسَاً عُزِلْ ..

يعني: انتقل إلى بيان المنقوص، وبدأ بالخامسة ثُمَّ على جهة النزول، إذا كانت ياء المنقوص خامسةً وجب حذفها، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك الحكم السابق، (يَا الْمَنْقُوصِ)، (يَاءُ) مبتدأ، وهو مضاف، و (الْمَنْقُوصِ) مضاف إليه، (عُزِلْ) الجملة خبر .. (عُزِلْ) فعل ونائب فاعل والضمير يعود إلى (يَا الْمَنْقُوصِ) حال كونه خامساً وجب حذفه مُطلقاً. إذاً: ياء المنقوص إذا كانت متجاوزةً أربعاً وجب حذفها، مثل (مُعْتَدِي) .. مُعْتَدٍ تقول: مُعْتَدِيٍّ .. مُعْتَدِيٌّ .. مُعْتَدِيًّا، بحذف الياء، هو (مُعْتَدٍ) حُذِفت الياء للتَّخلُّص من التقاء الساكنين .. التنوين، ولكن إذا نسبته قلت: مُعْتَدِيٌّ بحذف الياء، كذلك (مُسْتَعلِي) مُسْتَعْلٍ .. مُسْتَعْلِيٌّ. إذاً: إذا كانت ياء المنقوص خامسةً فصاعداً وجب حذفها عند النَّسب إليه، فتقول في (مُعْتَدٍ) و (مُسْتَعْلٍ): مُعْتَديٌّ، ومُستَعْليٌّ، وموجب الحذف هو الثِّقَل، وحينئذٍ لَمَّا نَصَّ على الخامسة علمنا أنَّ السادسة من بابٍ أولى، لأنَّ العِلَّة هي الثِّقَل، فالخامسة ثقيلة بقاؤها مع ياء النَّسب، إذاً: السادسة من بابٍ أولى أن تكون أثقل. إذاً: كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ خَامِسَاً عُزِلْ .. (كَذَاكَ) ما إعرابه؟ (يَا) هذا مبتدأ، (عُزِلْ) هو الخبر، يَاءُ الْمَنْقُوصِ عُزِلْ حال كونه خَامِساً كذاك، أي: مثل ذاك .. الحكم السابق وهو قوله: وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ .. إذاً: مُتعلِّق بقوله: (عُزِلْ)، (كَذَاكَ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (عُزِلْ). وَالْحَذْفُ فِي الْيَا رَابِعَاً أَحَقُّ مِنْ ... قَلْبٍ. . . . . . . . . . . . . (الْحَذْفُ) مبتدأ، (فِي الْيَا) قصره للضرورة، وهو جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (الْحَذْفُ) لأنَّه مصدر، (أَحَقُّ) هذا خبر المبتدأ، و (رَابِعَاً) هذا حالٌ من الياء، (في الْيَا) حال كونه (رَابِعَاً)، أحق من ماذا؟ (مِنْ قَلْبٍ) إذاً: يجوز فيه الوجهان: الحذف والقلب والحذف أحق، إذاً أولى .. صار فيه ترجيح، إذاً: إذا كانت الياء .. ياء المنقوص رابعةً جاز فيها وجهان: الحذف والقلب، فتقول في النَّسب إلى (قاضٍ): قَاضِيٌّ، بالحذف، وهو أجود من: قَاضَوِيٌّ، تُبقي الياء وتقلبها واواً وتفتح ما قبلها، وسيأتي: وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحَاً .. إذاً: (وَالْحَذْفُ فِي الْيَا) من المنقوص حال كون الياء (رَابِعَاً أَحَقُّ مِنْ قَلْبٍ) يعني: من قلب الياء، التنوين هنا عِوَضٌ عن المحذوف، فتقول: قَاضِيٍّ .. قَاضَوِيٌّ، يجوز فيه الوجهان، والحذف أرجح.

(وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ يَعِنّْ): قَلْب ثَالثٍ حتمٌ، (حَتْمٌ) هذا خبر مُقدَّم بمعنى أنَّه يجب (قَلْبُ ثَالِثٍ)، (ثَالِثٍ) أطلقه النَّاظم، قلنا: في الرابع الألف المقصورة .. الثالثة سَكَت عنها، والياء هنا ذكر الخامسة والرابعة وأطلق: (ثَالِثٍ) فعمَّ النوعين، يعني: (وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ) من ثالث (الفتى) .. الألف المقصورة إذا وقعت ثالثةً، لأنَّه لم يُبيِّن حكمها فيما سبق، وكذلك ياء المنقوص إذا وقعت ثالثة كـ: شَجِي، ما حكمها؟ القلب .. تَعيَّن فيها القلب .. وجب قلب الألف في (الفتى) واواً، هذا في المقصور إذا وقعت ثالثةً، ووجب قلب الياء في المنقوص واواً إذا وقعت ثالثةً. إذاً: بَيَّن حكم الألف التي للتأنيث فيما إذا وقعت رابعةً وخامسةً، وقلنا: بقي الثالثة لم يَتعرَّض لها، ما حكمها؟ وجب قلبها واواً، فتقول في (فتى): فَتَوِيٌّ، وجب لكون الألف المقصورة هنا وقعت رابعةً. كذلك في (شَجَى .. شَجِي، هنا وقعت ياء المنقوص ثالثةً، ما حكمها؟ بَيَّن: الخامسة وجب الحذف، الرابعة فيها وجهان، الثالثة يجب القلب، فتقول: شَجَوِيٌّ، ولا تقل: شَجَيٌّ، بالقلب .. قلب الياء واواً. إذاً قوله: (وَحَتْمٌ) هذا تأكيد، يعني: واجب، (قَلْبُ ثَالِثٍ)، (قَلْبُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ثَالِثٍ) أطلق النَّاظم هنا فيشمل ياء المنقوص والألف المقصورة، (وَحَتْمٌ) هذا خبر مُقدَّم و (يَعِنّْ) بمعنى: يعرض، والضمير هنا يعود على: الثالث، والجملة صفة لـ (ثَالِثٍ)، سواءٌ كان ياء المنقوص، أو ألف المقصور فهو حكمٌ عام نحو: عَمٍ وفتى، فتقول فيهما: عَمَوِيٌّ وَفَتَوِيٌّ. وإنَّما قُلِبت الألف في (فتى) واواً .. (فتى) قلنا: أصلها: فتيان .. فتية، الألف منقلبة عن ياء، وهنا قلنا: تُقْلَب واواً، لماذا لم ترجع إلى أصلها؟ إذاً: ما رَجَعت إلى أصلها، وإنَّما قُلِبت واواً، لو رجعت إلى أصلها لقلبت ياءً، هنا قيل: فَتَوِيٌّ، نقول: قُلِبت الألف في (فتى) واواً وأصلها الياء؛ كراهة اجتماع الكسرة والياءات، يعني: فراراً من الثِّقَل، لأنَّك لو قلبتها ياءً، ثُمَّ عندنا ياءان، وعندنا كسرة، صار فيها ثِقَل على اللسان، وسيأتي هناك الحذف إذا اجتمع عندنا ثلاث ياءات، أو أربعة ياءات. (وَحَتْمٌ قَلْبُ ثَالِثٍ يَعِنّْ). قال الشَّارح: يعني: أنَّ ألف الإلحاق المقصورة كألف التَّأنيث فِي وجوب الحذف، إن كانت خامسةً كـ: حَبَرْكَى وَحَبَرْكِى، وجواز الحذف والقلب إن كانت رابعةً كـ: عَلْقَى وَعَلْقِي وَعَلْقَوِي .. جواز الوجهين، ولكن المختار هنا القلب عكس ألف التأنيث، وأما الألف الأصلية فإن كانت ثالثةً قُلِبت واواً. انظر! ابن عقيل هنا: ألف الإلحاق المقصورة كألف التأنيث ثُمَّ قال: "المختار هنا القلب عكس ألف التأنيث" لم يُسَوِ بينهما، مع أنَّ النَّاظم قال: (مَا لَهَا) ثبت لها. وأما الألف الأصلية فإن كانت ثالثةً قُلِبت واواً كـ: عصاً وَعَصَوَي، وَفَتَىً وَفَتَوِي، وإن كانت رابعةً قُلِبت أيضاً واواً كـ: مَلْهَوي، وربما حُذِفت كـ: مَلْهِي، والأول هو المختار، يعني: جاز فيها الوجهان لكن لا على السواء.

وإليه أشار بقوله: (وَلِلأَصْليِّ قَلْبٌ يُعْتَمَى) أي: يُخْتَار، يُقال: اعْتَمَيْتُ الشَّيء أي: اخترته، وإن كانت خامسةً فصاعداً وجب الحذف كـ: مُصْطَفِي في: مُصْطَفى، وإلى ذلك أشار بقوله: وَالأَلِفَ الْجَائِزَ أَرْبَعَاً أَزِلْ .. عام هذا .. وأشار بقوله: (كَذَاكَ يَا الْمَنْقُوصِ) إلى آخره: إلى أنَّه إذا نُسِب إلى منقوصٍ فإنْ كانت ياؤه ثالثةً قُلِبت واواً، وَفُتِح ما قبلها نحو: شَجَوِي في (شَجٍ)، وإن كانت رابعةً حُذِفت نحو: قاضي في (قَاضٍ)، وقد تُقْلَب واواً نحو: قَاضَوِىٌّ، وإن كانت خامسةً فصاعداً وجب حذفها كـ: مُعْتَدِىٍّ في (مُعْتَدٍ)، ومُسْتَعْلِىٍّ في (مُسْتَعْلٍ)، و (الحبركى): ذَكَر القُرَاد، والأنثى: حَبَرْكَاةٌ، و (العَلْقَى): نبتٌ، واحدة: علقاة. وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحَاً وَفَعِلْ ... وَفُعِلٌ عَيْنَهُمَا افْتَحْ وَفِعِلْ (فِعِلْ) بكسرتين. (وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحَاً) يعني: إذا قَلَبْتَ في المنقوص واواً افتح ما قبله، ولذلك: شَجَوِي، تفتح ما قبله يعني: يكون ما قبل الواو مفتوحاً، لأنَّ الواو هذه مُنقلِبة عن ياء، إذاً: ما قبلها يكون مكسوراً، وأيُّهما أسبق: فتح ما قبل الياء أولاًّ ثُم تُقْلَب، أو العكس؟ (وَأَوْلِ) يعني: أتبع، (ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحاً)، (وَأَوْلِ) هذا فعل أمر مبني على حذف حرف العِلَّة، والفاعل أنت، (ذَا) مفعول أول يحتمل أنَّه بمعنى: صاحب، (ذَا الْقَلْبِ) يعني: صاحب القلب، يعني: الحرف المقلوب، حينئذٍ هو مضاف، و (الْقَلْبِ) مضافٌ إليه، ويحتمل أنَّ (ذَا) إشاريَّة .. اسم إشارة، (أَوْلِ ذَا الْقَلْبَ) (الْقَلْبَ) بِمعنى: المقلوب، نعت أو بدل أو عطف بيان، (انْفِتَاحاً) هذا مفعول ثاني لـ (أَوْلِ)، والمراد هنا: أي أنَّ ياء المنقوص إذا قُلِبت واواً فُتِح ما قبلها، ومتى تُقْلَب واواً؟ قد تُقْلَب واواً وجوباً وجوازاً، جوازاً إذا كانت رابعةً، ووجوباً إذا كانت ثالثةً، في الموضعين افتح ما قبل الواو، لأنَّ هذه الواو منقلبة عن ياء وما قبلها مكسور، إذاً: وجب قلب ما قبل الواو فَتحةً. وظاهر كلام النَّاظم: (وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحاً) يُفِيد تَبَعِيَّة الحرف المقلوب للفتح، يعني: أولاً تقلب ثُم تفتح، والصواب العكس: أنَّك تفتح أولاً ثُم تَقلِب، ظاهر عبارة النَّاظم (وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبِ انْفِتَاحاً) .. (أَوْلِ ذَا الْقَلْبِ) يعني: المقلوب أوله .. أتبعه (انْفِتَاحاً) هذا ظاهر العبارة وسيأتي لها توجيه. والتحقيق: أنَّ الفتح سابقٌ للقلب، يعني: قبل أن تقلب تفتح، وذلك أنَّه إذا أُرِيد النَّسب إلى نحو (شَجٍ) فتحت عَينَه، كما تفتح عين (نَمِر) .. سيأتي (فَعِلْ)، فإذا فتحت انقلبت الياء ألفاً: شَجِي .. شَجَيَا، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً: شَجَيَا.

فتحت عينه كما تفتح عين (نَمر)، فإذا فتحت انقلبت الياء ألفاً لِتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها، فيصير: شَجَا كـ (فَتَى)، ثُمَّ تُقْلَب ألفه واواً كما تُقْلَب في: فتى، إذاً: الواو في (شَجَوِي) انقلبت عن ألف لا عن ياء، هي انقلبت عن ياء، لأنَّها ياء المنقوص لكنَّها ليست مباشرة، وإنَّما بواسطة قلب الياء ألفاً، ثُم بعد ذلك تُقْلَب الألف واواً، إذاً: الفتح سابقٌ على القلب. وأمَّا عبارة النَّاظم في ظاهرها تُفِيد تَبَعيَّة الحرف المقلوب للفتح، (وَأَوْلِ) صاحب القلب يعني: المقلوب، (انْفِتَاحاً) إذاً: اقلب أولاً ثُمَّ أتبع (انْفِتَاحاً) .. هذا ظاهر العبارة، ويمكن أن يُجاب: بأن يبقى القلب على معناه المصدري، يعني لا نقول: القلب بِمعنى المقلوب، وإنَّما المراد به المعنى المصدري، نعتاً أو بدلاً أو بياناً من (ذَا) الإشاريَّة، فيُفِيد حينئذٍ سبق الفتح على نفس القلب، لأنَّ المفعول الأول فاعلٌ في المعنى، فيكون كلامه صريحاً في أنَّ القلب ولِيَ الفتح. الاعتراض يَرِد على ماذا؟ إذا أعربنا (ذَا) بمعنى: صاحب، لأنَّ صاحب هنا في قوة التأويل، حينئذٍ كأنك قلت: وَأَوْلِ المقلوب انفتاح، إذاً: حصل القلب، وقع الإشكال، لكن لو قلت: (أَوْلِ ذَا الْقَلْبِ)، ثُم (ذَا الْقَلْب) هذا مفعولٌ أول، وهو في المعنى فاعل، (انْفِتَاحاً) حينئذٍ يقتضي أن يكون الانفتاح سابقاً على القلب، فنجعل القلب بالمعنى المصدري، يعني: لا نُؤَوِّله بالمقلوب، لو نَزَّلنَاه على المعنى الذي يُراد به .. لو جعلنا (ذَا) بمعنى: صاحب، حينئذٍ وقع الحَدَث .. وقع القلب، أوله انفتاحاً بعد قلبه .. هذا المراد، لكن لو جعلناه على المعنى المصدري: القلب من حيث هو .. المعنى قبل أن تقلب حينئذٍ يُؤَوَّل إذا صغَّرته كما ذكرناه سابقاً (أَوْلِ ذَا الْقَلْبَ انْفِتَاحاً) فإذا أردت القلب حينئذٍ أَوْلِ الذي تريد قلبه انفتاحاً .. صار على معناه الأصلي، هنا عَبَّر الصَّبَّان بقوله: "بأن يبقى القلب على معناه المصدري نعتاً أو بدلاً أو بياناً من (ذَا) الإشاريَّة" إذاً: لا نجعل (ذَا) بمعنى: صاحب، "فيُفِيد سبق الفتح على نفس القلب، لأنَّ المفعول الأول فاعلٌ في المعنى، فيكون كلامه صريحاً في أنَّ القلب ولِيَ الفتح". (وَأَوْلِ ذَا الْقَلْبَ انْفِتَاحاً) ثُمَّ قال: . . . . . . . . . . . . . وَفَعِلْ ... وَفُعِلٌ عَيْنَهُمَا افْتَحْ وَفِعِلْ يعني: أنَّ المنسوب إليه إذا كان ثُلَاثِيَّاً وعينُه مكسورة مُطلقاً، سواءٌ كانت الفاء مفتوحة نحو: (فَعِلْ) كـ: نَمِرْ، أو (فُعِل) فاؤه مضمومة كـ: دُئِلْ، أو (فِعِلْ) كـ: إِبِل، إذا نسبت إليه تَقْلِب الكسرة فتحة .. كسرة العين: نَمِرْ .. نَمَرِيٌّ، تفتح العين (دُئِل): دُئَلِيٌّ، (إِبِل): إِبَلَيٌّ، (بِلِز): بِلَزِيٌّ، تقلب حركة العين فتحة، لئلا تتوالى عندك كسرة وياءات. يعني: أنَّ المنسوب إليه إذا كان ثُلَاثِياً مكسور العين، وجب فتح عينه سواءٌ كان مفتوح الفاء كـ: نَمِر، أو مكسورها كـ: إِبِل، أو مضمومها كـ: دُئِل، فتقول فيها: (نَمَرِيٌّ) و (إِبَلِيٌّ) و (دُؤَلِي) كراهة اجتماع الكسرة مع الياء.

إذاً قوله: (وَفَعِلْ) مبتدأ، (وَفُعِلْ) كـ: دُئِل، معطوفٌ عليه (افْتَحْ عَيْنَهُمَا) متى؟ في النَّسب، (عَيْنَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (افْتَحْ)، (وَفِعِلْ) ما إعراب (فِعِلْ)؟ معطوف على الهاء، (عَيْنَهُمَا) وهنا لم يُعِد المضاف؛ لأنَّ النَّاظم لا يرى وجوب ذلك، حينئذٍ يكون التقدير: (وَفِعِلٍ) معطوف بالخفض على قوله: (عَيْنَهُمَا)، يعني: وعين فِعِلٍ .. قُصِد لفظه، (وعين فِعِلٍ) عطفه على الضمير في قوله: (عَيْنَهُمَا)، والنَّاظم لا يشترط في العطف على الضمير المجرور إعادة العامل كما سبق: (وَعَوْدُ خَافِضٍ). إذاً: (وَفِعِلٍ) بالخفض عطفاً على الضمير المضاف إليه، (عَيْنَهُمَا) لأنَّ (عَيْنَ) مفعولٌ به وهو مضاف، و (الهاء) ضمير مُتَّصل مبني على الضَّم في محل جر مضاف إليه، والميم والألف هذه ملحقات، المضاف والمضاف إليه: (عين) و (الهاء)، والميم: حرف عِمَاد، والألف هذا دلالة على التَّثنية. إذاً: المضاف إليه هو الهاء، عطف عليه: (وَفِعِلٍ)، ويجوز أن يكون (فِعِلْ) مبتدأ محذوف الخبر، (وَفِعِلٌ) كذلك يعني: في وجوب فتح العين، لأنَّه قال: (افْتَحْ) أنت (عَيْنَهُمَا) إذاً: الفتح واجب للتَّخلُّص من الكسر ثُمَّ ياء، إذاً: (وَفِعِلٌ) كذلك في وجوب فتح العين. قال الشَّارح: يعنى أنَّك إذا قلبت ياء المنقوص واواً وجب فتح ما قبلها نحو: شَجَوِي وَقَاضَوِي، وأشار بقوله: (وَفَعِلٌ) .. إلى آخره، إلى أنه إذا نُسِب إلى ما قبل آخره كَسْرَةٌ، وكانت الكسرة .. " هو ثلاثي والنَّاظم عَيَّن الثلاثي، لَمَّا قال: (فَعِلٌ) و (فُعِلْ) و (فِعِلْ) ما سَمَّى إلا الثلاثي فقط، دَلَّ على أنَّ النَّاظم يعني به: الثُّلاثي، فُهِم من اقتصاره على الثلاثي: أنَّ ما زاد على الثلاثة مِمَّا قبل آخره كسرة لا يُغَيَّر، لَمَّا اقتصر النَّاظم على الثلاثي مفهومه: أنَّ ما زاد على الثلاثة مِمَّا قبل آخره كسرة لا يُغَيَّر .. يبقى على حاله، فاندرج في ذلك صور: - الأولى: ما كان على خمسة أحرف نحو: جَحْمَرِشٌ، إذاً: قبل الأخير كسرة وهو خماسي. - الصورة الثانية: ما كان على أربعة أحرف مُتَحَرِّكات نحو: جُنَدِلْ، إذاً: ما قبل آخره كسرة لَكنَّه رباعي. - والثالثة: ما كان على أربعة أحرف وثانيه ساكن نحو: تَغْلِب، ما قبل الباء مكسور. فالأولان لا يُغَيَّران: جَحْمَرِشٌ .. جَحْمَرِشِيٌّ، تبقى الكسرة كما هي: جُنَدِلْ .. جُنَدَلِيٌّ، إذاً: تبقى كما هي الكسرة ولا تُغَيَّر. وأمَّا الثالثة ففيه وجهان: الأرجح أو الأعرف أنَّه لا يُغَيَّر، والآخر أنَّه يُفْتَح، وقد سُمَِع الفتح مع الكسرة في: تَغْلَبِي .. تَغْلِبِي، وفي القياس عليه كذلك: يَحْصُبِي وَيَحْصِِبي وَيَحْصَِبي، وَيَثْرِبِي وَيَثْرَبِي، وفي القياس عليه خلاف: أي على الفتح، فذهب المُبَرِّد وابن السَّرَّاج إلى اطِّراده، وهو عند الخليل وسيبويه شاذ مقصور على السَّماع. إذاً: جَحْمَرِشٌ، والثاني وهو: جُنَدِل، والثالث وهو: تَغْلِب، بأن كان الثاني ساكن، نقول: الأول والثاني يبقى كما هو، وأمَّا الثَّالث ففيه وجهان: سُمِع فيه الفتح والكسر، ولكن الفتح عند سيبويه والخليل شاذ.

قال الشَّارح: وأشار بقوله: (وَفَعِلٌ) إلى آخره إلى أنَّه إذا نُسِب إلى ما قبل آخره كسرة، وكانت الكسرة مسبوقة بحرفٍ واحدٍ وجب التَّخفيف بجعل الكسرة فتحة، فتقول في (نَمِْر): نَمَرِي، (دُئِل): دُؤَلِي، (إِبِل): إِبَلِي". وَقِيْلَ فِي الْمَرْميِّ مَرْمَوِيُّ ... وَاخْتِيرَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مَرْمِيُّ هذا سبق من الشطر الأول في السابق: وَقِيْلَ فِي الْمَرْميِّ مَرْمَوِيُّ، هذه المسألة تَقدَّمت في قوله: وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ .. لكن أعادها هنا للتَّنبيه على أنَّ من العرب من يُفَرِّق بين ما ياءاه زائدتان كـ: الشَّافعي، وما إحدى ياءه أصليه كـ: مرمي، فيوافق في الأول على الحذف، فيقول في النَّسب إلى (الشافعي): شافعي، وأمَّا الثاني فلا يُحْذَف ياؤه بل يحذف الزائدة منهما، ويقلب الأصليَّة واواً، فيقول حينئذٍ في النَّسب إلى (مرمي): مرموي، وهي لغةٌ قليلة المختار خلافها. قال أبو حيَّان: "وشذ في (مَرْمِي): مَرْمَوِي" يعني: يعتبره شاذَّاً. وَقِيْلَ فِي الْمَرْميِّ مَرْمَوِيُّ .. (مَرْمَوِيٌّ) نائب فاعل لـ: (قِيلَ)، (فِي الْمَرْميِّ) مُتعلِّقٌ به. وَاخْتِيرَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ مَرْمِيُّ .. وإن كان ذاك موافق إلا أنَّه من حيث الاستعمال في الاختيار (مَرْمِيّ) فهو مُقدَّم وأرجح على (مَرْمَوِيٌّ)، (وَاْختِيرَ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، (مَرْمِيّ) نائب فاعل، (فِي اسْتِعْمَالِهِمْ) مُتعلِّق به. قد سبق أنَّه إذا كان آخر الاسم ياءً مُشدَّدة مسبوقة بأكثر من حرفين وجب حذفها في النَّسب، فيقال في (الشافعي): شَافِعيٌّ، وفي (مَرْمِيّ): مَرْمِيٌّ، وأشار هنا إلى أنَّه إذا كانت إحدى الياءين أصلاً والأخرى زائدة، فمن العرب من يكتفي بحذف الزائدة منهما، ويُبقي الأصلية ويقلبها واواً، فيقول في (المَرْمِيّ): مَرْمَويّ وهي لغةٌ قليلة، والمختار اللغة الأولى وهي: الحذف، سواءٌ كانتا زائدتين أم لا، فتقول في (الشافعي): شَافِعيّ، وفي (مَرْمِي): مَرْمِيّ. وَنَحْوُ حَيٍّ فَتْحُ ثَانِيهِ يَجِبْ ... وَارَدُدْهُ وَاواً إِنْ يَكُنْ عَنْهُ قُلِبْ (وَنَحْوُ حَيٍّ) هذا اللفظ ياءٌ مُشدَّدة قبلها حرفٌ واحد: وَنَحْوُ حَيٍّ فَتْحُ ثَانِيهِ يَجِبْ .. فإن كانت الياء الأولى مُنقلبة عن واو وجب قلبها واواً .. ردَّها إلى أصلها، فتقول (طَيْ): طَوَوِي .. (حَيْ): حَيَوِي، بإثبات الياء الأولى وقلب الثانية، (وَارْدُدْهُ وَاواً)، (ارْدُدْهُ) أي: الثاني، (وَاواً إِنْ يَكُنْ) ثانيه (عَنْهُ) عن الواو (قُلِبْ)، فإن لم يكن مُنقلباً عن الواو بل أصله ياء ثَبَت على ما هو عليه.

أي: إذا نُسِب إلى ما آخره ياءٌ مُشدَّدة، فإمَّا أن تكون مسبوقةً بحرفٍ، أو بحرفين، أو ثلاثةٍ فأكثر .. إمَّا أن تكون هذه الياء المُشدَّدة مسبوقة بحرفٍ واحد نحو: حي، أو حرفين - سيأتي هذا وسيفردها ببيت - أو ثلاثةٍ فأكثر، فإن كانت مسبوقةً بحرفٍ لم يُحْذَف من الاسم شيء عند النَّسب، ولكن يُفْتَح ثانيه وَيُعَامل معاملة المقصور الثلاثي، فإن كان ثانيه ياءٌ في الأصل لم تزد على ذلك، كقولك في (حَيٍّ): حَيَوِيّ، فتحت ثانيه وهو الياء فَقُلِبت الياء الأخيرة ألفاً: حَيَويّ، الياء المُشدَّدة الأخيرة ياء النَّسب: وَحَيّ، الياءان مُشدَّدة، الأولى فُتِحَت فانْفكَّ الإدغام، لأنَّ الياء الأولى ساكنة، إذا حرَّكتها انْفكَّ الإدغام، وقلبت الياء الثانية واواً قلت: حَيَوِيٌّ. فتقول في (حَيٍّ): حَيَوِيّ، فتحت ثانيه فقلبت الياء الأخيرة ألفاً لتَحرُّكِها وانفتاح ما قبلها، ثُمَّ قُلِبت واواً لأجل ياء النَّسب، وإن كان ثانيه في الأصل واواً رَدَدْتَه إلى أصله، إذا كان (حَيّ) قلنا: الياء الأولى أصلية .. ليست منقلبة عن واو، لكن (طَيّ) الياء الأولى من (طَوَيْتُ) .. الياء الأولى مُنقلبة عن واوٍ، حينئذٍ إذا حَرَّكته قلبت الياء واواً .. رجعت إلى أصلها فتقول: طَوَوِيٌّ، وإن كان ثانيه في الأصل واواً رددته إلى أصله فتقول في (طَيٍّ): طَوَوِيّ، لأنَّه من (طَوَيْت)، وإن كانت مسبوقةً بحرفين - وهذا سيأتي حكمها - كذلك إن كانت مسبوقةً بثلاثة فأكثر هذا تَقدَّم في السابق في قوله: وَمِثْلَهُ مِمَّا حَوَاهُ احْذِفْ .. قلنا: إن كانت رابعةً فصاعداً، كذلك الثالث (كرسي) تُحْذَف، وأمَّا إن كانت مسبوقةً بحرفٍ أو حرفين، الحرفين سينص عليه، وأمّا حرفٌ واحد ففيه التفصيل الذي ذكرناه. (وَنَحْوُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (حَيٍّ) مضافٌ إليه، (فَتْحُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (ثَانِيهِ) مضافٌ إليه، (ثَانِيهِ) يعني: ثاني حي، (يَجِبْ) الضمير يعود إلى (فَتْحُ ثَانِيهِ) الواجب هو الفتح، والجملة خبر المبتدأ الثاني (فَتْحُ)، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول، (نَحْوُ) هذا مبتدأ أول، (فَتْحُ) مبتدأ ثاني، (يَجِبْ) خبر المبتدأ الثاني، (فَتْحُ) مضاف، و (ثَانِيهِ) مضاف إليه. (وَارْدُدْهُ)، (ارْدُدْ) فعل أمر والفاعل أنت، والضمير هنا مفعولٌ أول، (وَاواً) مفعولٌ ثاني، (ارْدُدْهُ) الضمير يعود إلى الثاني، (فَتْحُ ثَانِيهِ) (ارْدُدْهُ) يعني: الثاني واواً .. رُدَّه إلى أصله، متى؟ (إِنْ يَكُنْ) ثانيه (عَنْهُ) عن الواو، (قُلِبْ) الضمير يعود إلى الثاني، (إِنْ يَكُنْ) الضمير المستتر هنا اسم (يَكُنْ)، (عَنْهُ) يعني: عن الواو، (قُلِبْ) هو أي: الثاني، والجملة خبر (يَكُنْ)، فُهِم منه: أنَّ الياء الأولى إذا كانت ياءً أصلية .. بالأصالة بقيت على حالها كما في: حَيٍّ، ولم يَنصَّ عليه، لأنَّه مثَّل بـ: حَيّ.

إذاً مُراده بهذا البيت: أنَّه إذا تَقدَّم على الياء حرفٌ واحد ونسبت إليه، لم يُحذف منه شيء، بل يُفْتَح ثانيه وهو الياء الساكنة المدغمة الأخيرة، فإن كان أصله واواً رددتها فقلت في (طَيٍّ): طَوَوِي، وإنَّما قُلِبت الياء الأخيرة واواً (طَوَوِي) لماذا؟ قالوا: العِلَّة هي العِلَّة في (الفتى): فَتَوِي، قلنا: لئلا تكون عندنا ياء وقبلها كسرة، فالعِلَّة هي العِلَّة. قال الشَّارح: وأشار هنا إلى أنَّها إذا كانت مسبوقةً بحرفٍ واحدٍ لم يُحْذَف من الاسم في النَّسب شيء، بل يُفْتَح ثانيه وَيُقْلَب ثالثه واواً، ثُمَّ إن كان ثانيه ليس بدلاً من واوٍ لم يُغَيَّر، وإن كان بدلاً من واوٍ قُلِب واواً .. رجع إلى أصله، فتقول في (حَيٍّ): حَيَوِي، لأنه من: حييتُ، وفي (طَيّ) أصله (طَوَى): طَوَوِيٌّ، لأنه من: طويتُ. وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ ... وَمِثْلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيْحٍ وَجَبْ هذا ما يَتعلَّق بالخامس والسادس مِمَّا يجب حذفه من الأخير وهو: علامة التَّثنية، وعلامة جمع التَّصحيح. (وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ) يعني: علامته، (عَلَم) مضاف، و (التَّثْنِيَةِ) مضافٌ إليه، (احْذِفْ لِلنَّسَبْ) يعني: لأجل النَّسب. وَمِثْلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيْحٍ وَجَبْ .. (مِثْلُ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذَا) المشار إليه الحذف للنسب، (جَمْعِ تَصْحِيحٍ) مُتعلِّق بقوله: (وَجَبْ)، (جَمْعِ) مضاف، و (تَصْحِيحٍ) مضاف إليه، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله: (وَجَبْ)، (وَجَب ذَا) الذي هو: حذف العلامة للنَّسب، إذاً: عاد الضمير إلى العلامة .. إلى المضاف دون المضاف إليه، لأنَّه لو رددته إلى المضاف والمضاف إليه وقَعْتَ في لَبسٍ. حذف علامة التَّثنية من جمع تصحيحٍ، هذا ما يتأتَّى، إنَّما عاد الضمير على المضاف دون المضاف إليه، إذاً: (وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ) أي: علامته، (احْذِفْ) وجوباً، (لِلنَّسَبِ) لأجل النَّسب، (وَمِثْلُ ذَا) الحذف السابق .. العلامة، (وَجَبْ فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ)، (مِثْلُ) مبتدأ، (وَجَبْ) الجملة خبر. إذاً: إذا أرَدْتَ أن تَنْسِب إلى ما فيه ألفٌ ونون: زيدان، تحذف الألف والنون تقول: زَيْدِي .. (زَيْدِين) تقول: زَيْدِيِّ كذلك، فيستوي حينئذٍ النَّسبة إلى المفرد وإلى المثنَّى والجمع، ولذلك الشُّرَّاح أكثرهم .. الشَّارح والمُرادِي والأشْمًونِي حملوا البيت هنا على النَّسبة إلى المثنَّى والجمع، يعني: إذا سمَّيت رجلاً بـ: زيدان، وسمَّيت رجل بـ: زيدون، ونسبت إليه، لكن المكودي أبى وجعل هنا النَّسبة إلى المفرد. وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ .. حينئذٍ تحذف من أجل أن تنسب إلى المفرد، لا أن تنسب إلى المثنَّى نفسه، لماذا؟ لأنَّك إذا جعلت الحكم مُعلَّقاً على المفرد .. على واحد المثنَّى وواحد الجمع، أُخِذ منه المثنَّى والجمع، وإذا عكست قد لا يُؤْخَذ منه المفرد.

عندنا أمران: زيدان، إذا أردت النَّسبة إلى واحده، حينئذٍ تحذف الألف والنون وتنسب إلى (زيد) لا إلى (زيدان) .. تحذف الألف والنون وتنسب إلى (زيد)، وهذا واضح تقول: زَيْدِيّ .. (مسلمون): مُسلِمِيِّ، تنسب إلى المفرد، وإذا سُمِّي بـ: (زيدان) و (زيدون) (مسلمون) و (مسلمات)، الحكم عين الحكم في المفرد: تحذف الألف والنون، والألف والتاء، والواو والنون، والياء والنون، وتنسب إلى المفرد، حينئذٍ نسبت إلى المفرد تبعاً لا أصالةً، وعلى رأي المكودي نسبت إلى الواحد أصالةً لا تبعاً، على كُلٍّ: النتيجة واحدة، وإنَّما المراد ما مقصود النَّاظم بهذا البيت: هل هو مقصوده واحد المثنَّى، أو المثنَّى نفسه إذا نسبت إلى المثنَّى؟ كله مُحتمِل، لأنَّ الحكم مُتَّحِد. إذاً: وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ إلى المفرد أو إلى المثنَّى؟ مُحتمل، على ما ذهب إليه المكودي: للنسب إلى المفرد، فأنت أردت: زيد، زيدان لا تنسب إلى اللفظ، وإنَّما ارجع إلى المفرد لو قلت (زيد): زَيْدِيٌّ، وإذا سُمِّي بـ: زيدان، صار مدلوله مفرد، حينئذٍ كيف تنسب إلى (زيدان)؟ كما تنسب إلى المفرد فتحذف الألف والنون. عندنا (زيدان) عَلَم، إذا أرَدْتَ النِّسبَة إليه ماذا تصنع: هل تنظر إلى المفرد، أو تنظر إلى اللفظ نفسه؟ تنظر إلى اللفظ نفسه على ظاهر العبارة هنا، فتأتي إلى الألف والنون تحذفها، وتأتي بالياء المُشدَّدة تقول: زَيْديٌّ، كذلك: زيدون، تأتي إلى الواو والنون وتحذفها تقول: زَيْدِيٌّ .. استويا. قال المكُودِي: يعني: أنَّك إذا نَسَبْتَ إلى مثنى أو مجموعٍ على حده، حذفت العلامة ونسبت إلى الواحد، فتقول في النَّسب إلى (زَيْدِيِن) و (زَيْدَين): زَيْدِيٌّ .. – اتَّحَدَا -. ثُمَّ قال: وحمل الشَّارح كلام النَّاظم على أنَّ ذلك فيما سُمِّي به من المثنَّى والمجموع" وتبعه المرادي، وكذلك الأشموني، والصَّبَّان كلُّّهم على هذا وفيه نظر، والذي ينبغي أن يُحْمَل عليه ما ذكرت، وَيُفْهَم منه: أنَّ حكم ما سُمِّي به من النوعين على لغة الحكاية حكم المثنَّى والمجموع، حتى ابن هشام جعله فيما سُمِّي به. إذاً: أكثر الشُّرَّاح على أنَّ هذا البيت مُراد النَّاظم به: ما سُمِّي به من المثنَّى، سَمَّيت رجل بـ: زيدان، إذاً: مدلوله مُفرد، وسمَّيت رجل بـ: زيدون، إذاً: مدلوله مفرد. قال الشَّارح: ويُحْذَف من المنسوب إليه ما فيه من علامة تثنيةٍ أو جمع تصحيح، فإذا سَمَّيت رجلاً - حتى ابن عقيل هنا حمله على المسمَّى بالمثنَّى والجمع - وأعربته بالألف رفعاً، وبالياء جراً ونصباً قلت: زَيْدِيٌّ، فتقول فيمن اسمه (زيدون) إذا أعربته بالحروف: زَيْدِىٌّ، وفيمن اسمه (هندات): هِنْدِىٌّ" وهذا فيه لبس. إذاً: الخامس والسادس: علامة التثنية، وعلامة جمع تصحيح المُذكَّر، فتقول في النَّسب إلى (زيدان) و (زيدون) علمين معربين بالحروف: زَيْدِيٌّ، وفي النَّسب إلى (مُسْلِمَين) و (مُسْلِمِين) و (مسلمات): مُسْلِمِيٌّ، وفي النَّسب إلى (تمرات): تَمْرِيٌّ بالإسكان، وأمَّا من أجرى المثنَّى مُجرى (حمدان) يعني مُجرى حمدان ماذا؟ ألزمه الألف وأعربه بالحركات، نُعبِّر عنه بـ: سلمان.

والجمع المُذكَّر مجرى (غِسْلِين)، فإنَّه لا يحذف منه شيء، بل يقول في النسب فيمن اسمه (مسلمان): مُسْلِمَانِيٌّ، كما هو .. هذا فيمن أعربه بالحركات، وفي النسب إلى (زيدون) علماً: زَيْدِينِنيٌّ، بقلب الواو نوناً. ومن أجراه مجرى (هارون)، أو مجرى (عربون)، أو ألزمه الواو وفتح النون قال: زَيْدُونِيٌّ وَمُسْلِمُونِيٌّ، ومن منع صرف الجمع المؤنَّث نَزَّل تاءه مُنَزَّلة تاء (مكَّة) وألفه مُنَزَّلة ألف (جَمَز) وحذفهما، فيقول فيمن اسمه (تَمرات): تَمَرِيٌّ، مثل: جَمَزِيٌّ. وأمَّا نحو: ضخْمَات، ففي ألفه القلب والحذف (ضَخْمَات) الثاني ساكن، لأنَّها كألف (حُبْلَى) فتقول: ضَخْمَاوِيّ وَضَخْمَوِيٌّ، والحذف هو المختار، وليس في ألف (مسلمات) و (سُرادَقات) إلا الحذف، أي: مِمَّا ألفه خامسة فصاعداً، سواءٌ كان جمعاً لاسمٍ أو صفة، وحكم ما أُلْحِق بالمثنَّى والمجموع تصحيحاً حكمهما، فتقول في النَّسب إلى (اثنين): اثْنِيِّ وثَنَوِيٌّ، وإلى (عشرين): عِشْرِيِّ، وإلى (أُلات): أُلِيٌّ، إذاً: هذه كلها تفريعات على هذه المسألة. وَعَلَمَ التَّثْنِيَةِ احْذِفْ لِلنَّسَبْ ... وَمِثْلُ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيْحٍ وَجَبْ بهذا انتهت المسائل التي يجب حذفها من آخر الاسم المنسوب إليه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

128

عناصر الدرس * النسب إلى نحو (طيب) ـ * النسب إلى فعيلة وفعيلة * النسب إلى المدود * النسب إلمركب بأنواعه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيَّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: وَثَالِثٌ مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ حُذِفْ ... وَشَذَّ طَائِيٌّ مَقُولاً بِالأَلِفْ (ثَالِثٌ) مبتدأ على حذف موصوف، أي: ياءٌ ثالثٌ أو حرفٌ ثالثٌ، يجوز الوجهان ولذلك هو مبتدأ، وهو نكرة، والذي سَوَّغ الابتداء به كونه صفةً لموصوفٍ محذوف، حرفٌ ثالثٌ أو ياءٌ ثالثٌ وهذا أجود، ياءٌ ثالثٌ (مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ) ياءٌ ثالثٌ (حُذِفْ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على المبتدأ (ثَالِثٌ)، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. (مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ) هذا تقييد .. جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حُذِفْ)، وثالثٌ حُذِف من نحو طيِّبٍ، (وَشَذَّ طَائِيٌّ) (شَذَّ) في النَّسب يعني، (شَذَّ طَائِيٌّ)، (طَائِيٌّ) هذا فاعل، (وَشَذَّ) فعل ماضي، (مَقُولاً) حال، (بِالأَلِفْ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مَقُولاً). قوله: مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ ثَالِثٌ حُذِفْ .. (مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ) يعني: إذا نُسِب إلى (نَحْوِ طَيِّب) ونظرت في (طَيِّب) فإذا به وقع قبل الحرف المكسور لأجل ياء النَّسب ياءٌ مكسورة مُدْغَمٌ فيها مثلها، حينئذٍ حُذِفت المكسورة، (طَيِّبٍ) عندنا ياءان، وقعت ياء ثانية قبل كسرةٍ قبل ياء النَّسب. الأصل إذا قلت: (طَيِّب) إذا نسبت إليه الباء تكون مكسورة، وبعدها ياءٌ مُشدَّدة .. ياءان، ولو أبقيت: (طَيِّب) على ما هو عليه حينئذٍ وقعت الكسرة بين أربع ياءات، (طَيِّب) لو قيل: طَيِّبِيٌّ، أبقيت الياء مُشدَّدة هي ياءان، ثُم كسرة ثُم جئت بياءين كذلك ياء النَّسبة - هذا تقييد - أربع ياءات، ثُم الحرف الذي قبل ياء النَّسبة مكسورٌ، حينئذٍ نحذف الياء التي أُدْغِمت فيها الياء الأولى، يعني: نحذف إحدى الياءين من (طَيِّب) من باب التَّخفيف كراهية توالي أربع ياءات، ولأنَّ الياء هذه الباء المكسورة التي قبل هذا فاصل غير حصيف لأنَّه مكسور، لو كان مفتوحاً أو مضموماً هذا شيءٌ آخر، لكن لَمَّا كُسِر حينئذٍ حُرِّك من جنس الياء، ولم يكن فاصلاً بين الأربع الياءات. إذاً: إذا وقع الباء قبل الحرف المكسور لأجل ياء النَّسب ياءٌ مكسورة مُدْغَمٌ فيها مثلها، يعني: الياء الأولى ساكنة، والياء الثانية من نحو: (طَيِّبٍ) كذلك مكسورة، حُذِفت المكسورة فتقول حينئذٍ في (طَيِّب): طَيْبِيٍّ .. طَيْبِيٌّ، ماذا صنعت؟ أبقيت الياء الأولى الساكنة وحذفت الثانية المكسورة من باب التخفيف فقيل: طَيْبِيٌّ، وفي (مَيِّت): مَيْتِيٍّ، كراهية اجتماع الياءات والكسرة، أربع ياءات وكسرة نأتي بالتخفيف فنحذف الياء الثانية المكسورة من (طَيِّبٍ). وَثَالِثٌ مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ حُذِفْ ..

(ثَالِثٌ) الحرف الثالث، ما هو؟ الطَّاء، ثُمَّ الياء الساكنة، ثُمَّ الياء المُتحرِّكة بالكسرة، ثُمَّ الباء، (طَيِّب) على أربعة أحرف، قال: (وَثَالِثٌ) يعني: حرفٌ ثالثٌ أو ياءٌ ثالثٌ، يعني: ياءٌ وقع حرفاً ثالثاً، إذاً: (ياءٌ) هذا فيه نظر، (وَثَالِثٌ) يعني: حرفٌ ثالث، قَدَّره المكُودِي: ياءٌ ثالثٌ، هذا يكون فيه نظر، لماذا؟ لأنَّه لو قيل: ياءٌ ثالثٌ (مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ) أين هي؟ نحتاج إلى تقدير، (ياءٌ ثالثٌ): ياءٌ وقع حرفاً ثالثاً (مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ)، والأجود أن نقول: حرفٌ ثالثٌ. (مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ)، (طَيِّبٍ) الطَّاء الحرف الأول، والياء الساكنة الحرف الثاني، ثُمَّ الياء المُتحرِّكة التي أُدْغِمت فيها الياء الساكنة، (حُذِفَ) أي: الثالث، (وَشَذَّ) في النَّسب إلى (طَيِّء): (طَائِيٌّ مَقُولاً بِالأَلِفْ) هذا شاذٌّ، لأنَّ القياس في (طَيء): طَيْئِيٍّ، لكن قلب الأولى ألفاً هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه. القاعدة: أنَّه إذا جاء من نحو: (طَيِّب) قبل الحرف الذي يُكْسَر لأجل ياء النَّسب ياءٌ مُشدَّدة الأولى ساكنة والثانية مكسورة حذفنا الثانية المكسورة التي وقعت ثالثةً في الكلمة، وما سُمِع خِلاف ذلك نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه. (وَثَالِثٌ مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ) فُهِم من المثال: أنَّ الياء إذا كانت مفتوحة لم تُحْذَف نحو: هَبَيَّخَ، هذه الياء لا تُحذف لأنَّها مُتحرِّكة، ولذلك (طَيِّب) إن كانت الياء مُفردة نحو: مُغْيل، أو مُشدَّدة مفتوحة نحو: هَبَيَّخَ، أو فُصِل بينها وبين المكسورة نحو: مُهَيِّن لم تُحذف، كُلُّ ما لم يكن: (مِنْ نَحْوِ طَيِّب) ياء مُشدَّدة الأولى ساكنة والثانية مكسورة لم تُحْذَف الياء، حينئذٍ يقع أن تكون الياء غير مُشدَّدة: مُغْيِل، هذه ليست مُشدَّدة ياء مفرده، كذلك لو كانت الثانية مُتحرِّكة (هَبَيَّخَ) بغير الكسرة .. مُتحرِّكة بالفتحة، كذلك إذا وقع بينهما فاصل حينئذٍ هذه الأحوال الثالثة لا تُحْذَف بل تبقى على أصلها. لم تُحْذَف بل يُقال في النَّسب إلى هذه الكلمات السابقة: مُغَيْلِي وَهَبَيَّخِي وَمَهْيَييِّ، لنقص الثِّقَل بعدم الإدغام، وبالفتح وبالفصل بالمدِّ، إذا وقع فاصل بين الباء المكسورة والياء، الإشكال هنا في أن تقع الباء كما في (طَيِّب) وهي محلُّ الكسرة، قلنا: ياء النَّسب لا بُدَّ أن يُكْسَر ما قبلها، حينئذٍ الحرف الذي يكون قبل ياء النَّسب، إن كان قبله ياءٌ مكسورة وقبلها ياء ساكنة هنا وقع الإشكال، أمَّا إذا فُصِل بين الحرف الذي يكون قبل ياء النَّسب وبين الياء حينئذٍ لا إشكال؛ لوجود الفاصل بين الياء المكسورة وبين الحرف الذي يكون قبل ياء النَّسب، فالفاصل يُعْتَبر غير مُسَوِّغ للحذف، كذلك لو تَحرَّكت الياء الثانية بالفتحة كذلك لا إشكال، أو وقعت الياء مفردة غير مُدْغَمة كذلك لا إشكال. (وَثَالِثٌ مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ) دخل في إطلاق النَّاظم: غُزَيِّل تصغير (غَزَال) .. تقول فيه: غُزَيِّلٌ. وَشَذَّ طَائِيٌّ مَقُولاً بِالأَلِفْ ..

(شَذَّ طَائِيٌّ) يعني: في النَّسب إلى: طَيْ، الأصل أن يُقال: طَيْئِيٌّ، لكن ترك القياس فقال: (طَائِيٌّ) بإبدال الياء ألفاً، نقول: هذا شاذٌّ يُحفظ ولا يقاس عليه، ولذلك قال: (وَشَذَّ طَائِيٌّ) حال كونه (مَقُولاً بِالأَلِفْ) يعني: منطوقاً بالألف دون إبقاء الياء على ما هي عليه. قال الشَّارح هنا: "قد سبق أنَّه يجب كسر ما قبل ياء النَّسب" نقول: هذا من التَّغيير اللفظي، فإذا وقع قبل الحرف الذي يجب كسره في النَّسب ياءٌ مكسورة مُدْغَمٌ فيها ياء - هذه قيود - وقع قبل الحرف بدون فاصل، فإن وُجِد فاصل زالت المسألة. إذا وقع قبل الحرف الذي يجب كسره في النَّسب ياءٌ مكسورة: - إن كانت مفتوحة نحو: هَبَيَّخ، لم يُحْذَف. - إن كان غير مُدْغَم بل هي مفردة لم يُحْذَف. - إن وُجِد فاصل بين الياء وبين الحرف المكسور لم يُحْذَف. حينئذٍ بهذه القيود الثلاثة وجب حذف الياء المكسورة وهي ثانية، الأولى تكون ساكنة للإدغام .. لا إدغام إلا إذا كانت الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة، فحركتها هنا بالكسرة، وجب حذف الياء المكسورة وهي الثانية، فتقول في طَيِّب: طَيْبِيٌّ، ماذا صنعت؟ حذفت الياء الثانية المكسورة وأبقيت الأولى ساكنة على حالها. والعِلَّة هنا التخفيف، لأنَّك لو أبقيتها على ما هي عليه .. هي مُشدَّدة .. عبارة عن ياءين، ثُمَّ كسرة، ثُمَّ ياءٌ مُشدَّدة .. عبارة عن ياءين، حينئذٍ نقول: وأيضاً الياء التي تسبق الحرف المكسور مكسورة كذلك، ازدادت ثِقَل على ثِقَل، وقياس النَّسب في (طَيئ): طَيْئِيٌّ، لكن تركوا (طَيْئيٌّ) يعني: بسكون الياء (طيْ) بسكون الياء كـ: طَيْبِي، فقلبوها ألفاً على غير قياس، لأنَّها ساكنة، ولا تُقْلَب ألفاً إلا المُتحرِّكة .. لا بُدَّ أن تَتَحرَّك. ز نقول: تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، هنا قُلِبت ألفاً، أولاً: شذوذاًَ من حيث مخالفة القاعدة العامة، المُطَّرد في لسان العرب: أنَّ ما كان نحو (طَيِّبْ) بقيت الياء الأولى وَحُذِفت الثانية .. تبقى الياء في نطقها كما هي (طَيْبِ)، وهنا (طَيْئِي): طَائِيٌّ، حصل شذوذ من حيث مُخالفة الأصل، ثُمَّ حصل شذوذٌ آخر من حيث قلب الياء الساكنة ألفاً، ومعلومٌ أنَّ الياء متى تُقْلَب ألفاً؟ لها شروط منها: إذا تَحرَّكت وانفتح ما قبلها. وهنا (طَيْئِيٌّ) هذا الأصل (طَيْ) ياءٌ ساكنة قبلها حركة، لماذا قُلِبت ألفاً؟ على غير القياس، هذا شاذ .. شذوذٌ وراء شذوذ. وقالوا: (طَائِيٌّ) بإبدال الياء ألفاً، فلو كانت الياء المُدْغَم فيها مفتوحةً لم تُحْذَف، يعني: الياء الثانية، شرطنا في (طيِّب): أنَّ تكون مكسورة الياء الثانية المدغم فيها، فإن كانت مفتوحة لم تُحْذَف، نحو: هَبَيَّخِي .. هَبَيَّخ، و (الهَبَيَّخ) الغلام الممتلئ، والأنثى: (هَبَيَّخَةٌ). إذاً: (وَثَالِثٌ) يعني: وحرفٌ ثالثٌ، هذا أولى من تقدير المكودي: ياءٌ ثالثٌ، لأنَّ الياء الثالث هذا يُفْهَم منه: أنَّ ثَمَّ ياء أولى، وياء ثانية .. فيه إيهام، لكن: و (حرفٌ ثالثٌ) أجود. وَثَالِثٌ مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ حُذِفْ ... وَشَذَّ طَائِيٌّ مَقُولاً بِالأَلِفْ ثُم قال:

وَفَعَلِيٌّ فِي فَعِيْلَةَ الْتُزِمْ ... وَفُعَلِيٌّ فِي فُعَيْلَةٍ حُتِمْ سبق أنَّ ثَمَّ أمور تكون آخراً في الكلمة المنسوب إليها تُحْذَف، قلنا: هذه ستَّة أمور فيما سبق: تاء التأنيث، ومدَّته إلى آخره، وَثَمَّ أمور ليست آخراً وإنَّما هي مُتَّصلة بالآخر، وهذه كذلك ستَّة أمور، شرع النَّاظم في ذكر بعضها، والأمور المتَّصِلة بالآخر ستَّة أيضاً: الأول: ما أشار إليه بقوله: وَفَعَلِيٌّ فِي فَعِيْلَةَ الْتُزِمْ ... وَفُعَلِيٌّ فِي فُعَيْلَةٍ حُتِمْ الأول: الياء المكسورة المُدْغَم فيها ياءٌ أخرى .. وَثَالِثٌ مِنْ نَحْوِ طَيِّبٍ حُذِفْ .. هذا الأمر الأول الذي يُحْذَف لِمَا يكون متَّصلاً بالآخر، قلنا: ستَّة أمور تُحْذَف وهي مُتَّصلة بالآخر، وستَّة أمور هي آخر: تاء التأنيث، ومدَّته ونحو ذلك. وَثَمَّ أمور متَّصلة بالآخر: أول موضع نحو (طَيِّبٍ) الياء المكسورة المدغم فيها ياءٌ أخرى، فَيُقال في (طَيِّبْ) و (هَيِّن): طَيْبِي وَهَيْنِي، بحذف الياء الثانية، بخلاف نحو (هَبَيَّخ) لانفتاح الياء، وبخلاف نحو (مُهَين). (وَفَعَلِيٌّ) هذا الموضع الثاني، يعني: ياء فَعِيلَة، ليست آخراً وإنَّما هي مثل الياء المكسورة في: طَيِّب، يعني: مُتَّصلة بالآخر .. ليست آخراً مثل تاء التأنيث ومدَّته هناك، وإنَّما هي مُتَّصلة بالآخر، يعني: قبل الآخر، (طَيِّب) الياء الثانية مُتَّصلة بالآخر (فَعِيْلَة) تحذف الياء (صحيفة) ماذا تقول؟ (صَحَفِي)، (حنيفة): حنفي، (مدينة): مدني، تحذف الياء مع التاء، التاء لِمَا سبق، يعني: هنا التاء وإن لم ينص عليها النَّاظم وإن أشار إليها بالمثال، لكنَّها معلومة مما سبق، حينئذٍ اجتمع عندنا أمران في (حنيفة): أولاً: التاء، وهذا سبق أنَّه إذا كانت الكلمة منسوب إليها مختومة بتاء التأنيث وجب حذفها، لأنَّها آخراً، ثُمَّ وُجِدَت الياء في (فَعِيْلَة) كذلك أتبعناها بحذف التاء، وقيل: صحفي .. حنفي .. مدني. وَفَعَلِيٌّ فِي فَعِيْلَةَ الْتُزِمْ .. (فَعَلِيٌّ) و (فَعِيْلَة) كُلٌّ منهما ممنوعٌ من الصَّرف، لكن نَوَّن هنا (فَعَلِيٌّ) للضرورة، كُلٌّ من (فَعِيْلَةَ) و (فَعَلِي) ممنوع من الصَّرف للعلمية ووزن الفعل والتأنيث، (وَفَعَلِيٌّ) مبتدأ، و (فِي فَعِيْلَةَ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (الْتُزِمَ)، والجملة خبر .. جُملة (الْتُزِمَ) من الفعل المُغيَّر الصيغة ونائب الفاعل، وهو الضمير العائد إلى (فَعَلِي) الجملة خبر .. في محل رفع خبر. أي: التزم في النَّسبة إلى (فَعِيْلَة) حذف التاء، وهذا لِمَا سبق: أنَّه ما كان مختوماً بالتاء وجب حذف التاء والياء، وفتح العين، انظر! كلها من المثال: (فَعِيْلَةَ) تقول: فَعَلِي، (فَعَلِيٌّ) دعك من الياء الأخيرة .. هي ياء النَّسب، (فَعَلْ) حذفت الياء وحذفت التاء، ثُمَّ (فَعِـ) فُتِحت العين، ولذلك تقول: (حَنِي) ثم تقول: (حَنَفي)، إذاً: فتحت النون، تحذف التاء وتحذف الياء، وتقلب الكسرة فتحة تقول: حنفي.

إذاً: التزم في النَّسبة إلى ما كان على وزن (فَعِيْلَة) حذف التاء والياء، وفتح العين، كقولهم في النَّسبة إلى (حنيفة): حنفي، وإلى (صحيفة): صَحَفِي، وأمَّا: صُحُفِي، هذا غلط كما سيأتي، لأنَّ النَّسبة إلى الجمع تكون إلى الواحد، يعني (صُحُف) ما تقول: صُحُفِي .. صَحَفِي، (صُحُف) جمع وَيُرَدُّ إلى الواحد (صحيفة) فتقول: صَحَفِي، مثل: المطار الدُّوَلِي .. غلط، (دَوْلِي) لماذا؟ لأنَّ نسبته إلى (دَوْلَة) هذا الأصل، (دُوَلِي) .. (دُوَل) جمعٌ مُفرده (دَوْلَة) حينئذٍ تقول: (دَوْلِي). فتقول في النَّسبة إلى (صحيفة): صَحَفِي، حذفوا تاء التأنيث أولاً لأنَّه آخراً، يعني الترتيب هنا هكذا: تحذف التاء أولاً، ثُمَّ حذفوا الياء، ثُمَّ قلبوا الكسرة فتحاً، إذاً: هذه الأفعال تُفْعَل فيما كان على وزن (فَعِيْلَةَ) بالشَّرطين الآتيين. وأمَّا قولهم: سَلِيمِي وَعُمَيْرِي وسليقي، فشاذٌّ: وَلكِنْ سَلِيقِيٌّ أَقُولُ فَأُعْرِبُ .. (سَلِيقِيٌّ) هذا شاذ الأصل (سَلَقِي)، يعني: بحذف الياء والتاء، وقلب الكسرة فتحة، (فشاذٌّ) للتنبيه على الأصل المرفوض، لماذا نُصَّ على (سليقي)؟ قالوا: للإشارة إلى أنَّ (سَلَقِي) أصله (سَلِيقِي) بناءً على أنَّ الوزن (فَعِيْلَة). إذاً: هذه القاعدة الأولى: وَفَعَلِيٌّ فِي فَعِيْلَةَ الْتُزِمْ .. (فَعَلِيٌّ الْتُزِمْ فِي فَعِيْلَةَ) على ما ذكرناه من حذف التاء أولاً، ثُمَّ الياء، ثُمَّ قلب الكسرة فتحة: (فَعَلِيْ). وَفُعَلِيٌّ فِي فُعَيْلَةٍ حُتِمْ .. (جُهَيْنَة) و (جُهَنِي) .. (وَفُعَلِيٌّ فِي فُعَيْلَةٍ) (فُعَلِيٌّ) مبتدأ، و (حُتِمْ) هو يعني (فُعَلِي) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على المبتدأ (فُعَلِي)، و (فِي فُعَيْلَةٍ) بالتنوين، صرفه للضرورة وإلا هو ممنوعٌ من الصرف، جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حُتِمَ) أي: وجب، يعني حُتِم في النَّسبة إلى (فُعَيْلَة)، حذف الياء والتاء أيضاً، تحذف الياء والتاء كقولهم في النَّسبة إلى (جُهَيْنَة): جُهَنِي، هل ثَمَّ فرقٌ بين النَّسبة إلى (فُعَيْلَة) و (فَعِيْلَة)؟ انظر! (فُعَيْلَة) جُهَيْنَة، هو في الأصل مُحرَّك الثاني، إذا قلت: (جُهَنِي) الثاني مُحرَّك كما هو، إذاً: نقص عمل واحد عن (فُعَيْلَة)، (فُعَلِي) مُحرَّك الثاني .. العين مفتوحة، فتبقى مفتوحةً كما هي في النَّسبة فتقول (جُهَنِي): جُهَيْنَة، (قُرَيْظة): قُرَظِي، الراء مفتوحة بقيت كما هي. كقولهم في النَّسبة إلى (جُهَيْنَة): جُهَنِي، وإلى (قريظة): قُرَظِي، وإلى (مزينة): مُزَنِي، حذفوا تاء التأنيث ثُمَّ حذفوا الياء. إذاً: وَفُعَلِيٌّ فِي فُعَيْلَةٍ حُتِمْ .. كـ: (جهينة)، وهذا الموضع الثالث الذي يُحْذَف وهو مُتَّصلٌ بالآخر، ياء (فُعَيْلَة) كـ: جُهَيْنَة، وشذَّ قولهم في (رُدَيْنَة): رُدَيْنِي، بإبقاء الياء مثل: سَلِيقِي، (رُدَيْنِي) نقول: هذا شاذ، ويقال في (فَعِيْلَة): (فَعَلِي)، وفي (فُعَيْلَة): (فُعَلِي)، يعني: ما ذكره النَّاظم أطلقه هنا وقيَّده فيما سيأتي، لكن نقول: هذا مُقيَّد بشرطين:

الأول: عدم التَّضعيف، يعني: ألا يكون (فَعِيْلَة) مُضَعَّف، وألا يكون (فُعَيْلَة) مُضَعَّف، فخرج نحو: جليلة، على وزن (فَعِيْلَة)، لا تقل (جَلَلِي) بحذف الياء لا، تقول: (جَلِيلِي) بإبقاء الياء .. لا تُحْذَف الياء تحذف التاء فقط، لأنَّك لو حذفت الياء صار (جَلَلِي) تضعيف، ما معنى التَّضعيف؟ (فَعِيْلَة) .. (جليلة)، العين واللام من جنس واحد، يعني: حرف واحد (جليلة) .. (فَعِيْلَة)، حينئذٍ لا تقل (جَلَلِيٌّ) بحذف الياء بل تبقى الياء. إذاً: شرط صحة حذف الياء من (فَعِيْلَة): ألا يكون العين واللام من جنسٍ واحد كراهية توالي الأمثال، لأنَّ المِثلين فيه ثِقَل على اللسان. إذاً: فخرج نحو (جليلة) و (قليلة): قَلَلِي أو َقُلَلِي، هذا لا يصح بل يجب إبقاء الياء، وتحذف التاء على الأصل، لا نقول: لماذا حُذِفت التاء وَأُبْقِيت الياء؟ لا .. حذف التاء لا يُعْلَم من هذا الموضع، حذف التاء هذا هو آخر .. سبق من قوله هناك حذف التاء، وأمَّا هنا زِيد عليه حذف الياء في (فَعِيْلَة) وقلب الكسرة فتحة، وأمَّا التاء فهي على الأصل، فإذا قيل (جليلة) لماذا حذفت الياء .. لماذا لا نُسَوِّي الحكم كله؟ نقول: (فَعِيْلَة) ونبقي التاء مع الياء، حذف التاء ليس من هذا الموضع وإنَّما مِمَّا سبق. إذاً لا يُقال: (جَلَلِي) ولا (قَلَلِي)، مِمَّا عينه ولامه من جنس حرفٍ واحد، إذاً: عدم التَّضعيف، وكذلك لا يُقَال (طويلة): طَوَلِي، يعني: اشترطوا الشرط الثاني: عدم اعتلال العين واللام صحيحة، يعني: ألا تكون العين حرف عِلَّة، وأن تكون اللام صحيحة، خرج نحو: طويلة، فلا يُقال: طَوْلِي، لأنَّ العين مُعتلَّة .. طَوِي: فَعِيـ، العين حرف عِلَّة وهو الواو. قال الشَّارح:" يُقال في النَّسب إلى (فَعِيْلَة): (فَعَلِيٌّ) بفتح عينه وحذف يائه، إن لم يكن مُعْتَلَّ العين" ابن عقيل هنا لم ينص على حذف التاء، لأنَّ هذا معلومٌ مما سبق، إنَّما الذي زِيد في هذا الموضع فتح العين وحذف الياء. إن لم يكن مُعتلَّ العين ولا مُضَاعَفاً كما يأتي، فتقول في (حنيفة): حَنَفِي، حَنِيفة حذفت التاء أولاً، ثُمَّ الياء، ثُمَّ قلبت الكسرة فتحة وقلت: حنفي، النون في الأصل مكسورة (حَنِيـ)، جعلتها في النَّسبة (حَنَفي) بفتح النون، ويُقال في النَّسب إلى (فُعَيْلَة): (فُعَلِي) بحذف الياء، إن لم يكن مضاعفاً فتقول في (جُهَيْنَة): جُهَنِي، كما تقول في (مزينة): مُزَنِي، و (قريظة): قُرَظِي. إذاً الموضع الثاني: ياء (فَعِيْلَة) كـ: حنيفة وصحيفة. الموضع الثالث: ياء (فُعَيْلَة) كـ: جُهَيْنَة، وشَذَّ قولهم في (رُدَيْنَة): رُدَيْنِي، ولا يجوز ذلك في: قليلة، لأنَّ العين مُضَاعفة.

الرابع -ولم يشر إليه النَّاظم هنا-: واو (فَعُوْلَة) كـ: شَنُوءَة - هذا مُلْحَقٌ به -، تُحْذَف تاء التأنيث، ثُمَّ الواو، ثُمَّ تُقْلَب الضَّمَّة فتحة: شَنُوءَة، تقول: شَنَئِيٌّ، ثُمَّ تُقْلَب الضَّمَّة فتحة، فتقول في (شَنُوءَة): شَنَئِيٌّ، هنا تُحذف واو (شَنُوءَة) حذفتها ثُمَّ تاء التأنيث لِمَا سبق، (شَنُوءَةٌ) احذف التاء: هذا لِمَا سَبَق، ثُمَّ الواو، ثُمَّ (شَنُوءة) النون مضمومة، تفتحه تقول: (شَنَئِيٌّ). ولا يجوز ذلك في (قَؤولة) لاعتلال العين، ولا في نحو (ملولة) لأجل التَّضعيف، فالشَّرطان في واو (فَعُولَة) فلا يُقال في (قئولة) ما قيل في (شنوءة)، يعني: بحذف الواو والتاء، وقلب الضَّمَّة فتحة، لاعتلال العين، ولا في نحو (ملولة) لأجل التَّضعيف، يعني: العين واللام من جنسٍ واحد. وَأَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ عَرِيَا ... مِنَ الْمِثَالَيْنِ بِمَا التَّا أُولِيَا (أَلْحَقُوا) هذا فعل وفاعل، (أَلْحَقُوا) يعني: العرب ليس النُّحاة، (مُعَلَّ) هذا مفعولٌ به وهو مضاف، و (لاَمٍ) مضافٌ إليه، (عَرِيَا) الألف للإطلاق، والفعل هنا ماضي، والتاء هي مرجع الضمير، (عَرِيَا) من التاء، إذاً: حذف المُتَعلَّق، والجملة في محل نصب صفة لـ: (مُعَل). (وَأَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ عارياً) (مِنَ الْمِثَالَيْنِ) هذا حال من فاعل (عَرِيَا) حال كونه عارياً (مِنَ الْمِثَالَيْنِ)، أيُّ المثالين؟ (فَعِيْلَة) و (فُعَيْلْ)، (بِمَا التَّا أُولِيَا)، (بِمَا) هذا مُتعلِّق بقوله: (أَلْحَقُوا) ألحقوا بماذا؟ (بِمَا أُولِيَا التَّا مِنَ الْمِثَالَيْنِ)، (بِمَا أُولِيَا) يعني: أُتْبِع، (أُولِيَا) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل العائد على (مَا) مفعوله الأول، (أُولِيَا) الألف هذه تثنية أو ألف إطلاق؟ (أُولِيَا) الضمير يعود على أي شيء؟ يعود على (مَا) لأنَّ جملة: (أُولِيَا التَّا) .. (التَّا) هذا مفعول ثاني لـ: (أُولِيَا) فلا بُدَّ من مرجع يعود على (مَا). (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي مجرور، وقلنا: هذا مُتعلِّق بقوله: (أَلْحَقُوا) طيب! (بِمَا أُولِيَا التَّا) قصره للضرورة، وهو مفعولٌ به ثانٍ لـ (أُولِيَا)، ونائب الفاعل هو المفعول الأول، أشار بهذا البيت إلى الموضع الخامس والسادس مِمَّا يُحْذَف له ما قبل الأخير، وهو ياء (فَعِيْل) المعتلِّ اللام، ياء (فَعِيْل) و (فَعِيْلَة) نفسه، لكن مُعتلَّ اللام، قال: (بِمَا أُولِيَا التَّا) عري من التاء، (فَعِيْلَة) عَرِّه من التَّاء تقول: (فَعِيْل)، ثُمَّ هذا ما كان لامه صحيحاً أو مُعتلَّاً.

هنا قال: (مُعَلَّ لاَمٍ) احترز به عن الصحيح (أَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ عَرِيَا مِنَ التَّاء بما أُولِيَا التَّاء من المثالين السابقين) .. (أَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ) يعني: العرب أَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ عَرِيَا بما أوليا التاء، يعني: الذي تبع التاء من (فَعِيلَة) و (فُعَيْلَة) العرب ألحقوا في معاملة ما ذُكِر من الحذف ما تَجرَّد عن التاء، حينئذٍ نقول: (فَعِيلَة) و (فَعِيل) و (فُعَيْلَة) و (فُعَيْل) بتاء وبدون تاء .. الأوزان أربعة، حينئذٍ يُعامل هذا النوع بشرط: أن يكون مُعلَّ العين بِمَا عُومِل به السابق. إذاً الخامس: (ياء فَعَيِل) المُعلِّ اللام نحو: غني وعلي، تحذف الياء الأولى، ثُمَّ تُقْلَب الكسرة فتحة، ثُمَّ تُقلَب الياء الثانية ألفاً، ثُمَّ تُقْلَب الألف واواً فتقول: غَنَوي، (غَنِي) كيف تنسب إليه؟ تقول: غَنَويٌّ، كذلك (علي): عَلَوِي، ماذا صنعت؟ تحذف الياء الأولى (غَنِيٌّ) قبل النَّسبة عندنا ياءان: ياءٌ أولى وياءٌ ثانية، الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة، تحذف الياء الأولى (غَنِي)، ثُمَّ تقلب الكسرة فتحة .. كسرة النون: غَنِي .. غَنَى، إذا قلبت الكسرة فتحة ماذا يحدث للياء المتحرِّكة؟ تُقْلَب ألفاً، تقول: تَحرَّكت الياء، وانفتح ما قبلها فوجب قلب الياء الثانية ألفاً، ثُمَّ تُقْلَب الألف واواً، فتقول: غَنَوِيٌّ وَعَلَوِيٌّ. السادس: (ياء فُعَيْل) المُعتلِّ اللام نحو: قُصَيّ، قُصَيٌّ مثل: جُهَيْنَة، هناك لكنَّه بدون تاء، ثُمَّ لامه مُعتلَّة، يعني: حرف من حروف العِلَّة وهو الياء، (ياء فُعَيْل) معتلِّ اللام نحو: قُصَي، تحذف الياء الأولى ثُمَّ تقلب الياء الثانية ألفاً، لماذا لم نقلب الكسرة فتحة؟ هو مفتوح في الأصل: قُصَي (فُعَيْل) لأنَّ ياء (فَعِيْلَة) مكسور نحتاج إلى قلبها إلى فتحة، وياء (فُعَيْل) مفتوحة كما هي فلا نحتاج إلى قلبها فتحة. إذاً: نحذف الياء الأولى من (قُصَي)، ثُمَّ نقلب الياء الثانية ألفاً، ثُمَّ تقلب الألف واواً، فتقول: قُصَوِيٌّ، هذا متى؟ إذا كان (فَعِيل) و (فُعَيْل) مُعلَّ اللام، يعني: مُعتلَّ اللام، فإن كان (فَعِيْل) و (فُعَيْل) صحيحيَّ اللام لم يُحْذَف منهما شيء، ولذلك تقول في (عَقِيْل) و (عُقَيْل): عَقِيلِي وَعُقَيْلِي، بقيت الياء على حالها، (عَقِيْل) على وزن (فَعِيْل) لَكنَّه صحيح اللام، كيف تنسب إليه؟ عَقِيلِيٌّ، و (عُقَيْل) صحيح اللام وهو على وزن (فُعَيْل)، مثل: قُصَي، ننسب إليه فنقول: عُقَيْلِيٌّ، بإثبات الياء ولا يجوز الحذف، متى نحذف؟ إذا كانت اللام مُعتلَّة، هذه ستَّة مواضع يُحْذَف لها ما قبل الأخير، يعني: المتَّصل بالأخير. قال هنا: وَأَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ عَرِيَا ..

(عَرِيَا) الضمير هنا يعود إلى مُعلِّ اللام، (مُعَلَّ لاَمٍ عَرِيَا) هو، (مِنَ الْمِثَالَيْنِ) المراد بـ: (الْمِثَالَيْنِ) هنا: (فَعِيلَة) و (فُعَيْلَة)، (بِمَا التَّا أُولِيَا) بما أولي التاء، يعني: ألحقوا مُعرَّى من التاء بِمَا اتَّصلت به التاء في حذف الياء، وقلب الكسرة فتحة في (فَعِيْل)، وأمَّا حذف التاء ليست عندنا تاء هنا، لكن قيَّده بقوله: (أَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ) يعني: فعلاً على وزن (فَعِيْل) أو (فُعَيْل) (مُعَلَّ لاَم)، (مُعَلَّ) بمعنى: مُعتل، هنا تَجوَّز النَّاظم؛ لأنَّنا فرَّقنا فيما سبق بين المعتل والمعل، وما المراد هنا؟ المعتل، لذلك قوله: (مُعَلّ) لا بُدَّ من تأويله، يعني: أنَّ مُعتلَّ اللام .. ليس المراد: مُعَل، لا بُد أن تكون مُنقلبة، إنَّما المراد: كونه حرف عِلَّة. إذاً: (أَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ) يعني: ما كان مُعتلَّ اللام (مِنَ الْمِثَالَيْنِ) أي: من موازنهما حالٌ من (مُعَلَّ لاَمٍ)، أو من ضميره في (عَرِيَا)، أو مُتعلَّقٌ بـ: (مُعَلّ). مِنَ الْمِثَالَيْنِ بِمَا التَّا أُولِيَا .. منهما في حذف الياء وفتح ما قبلها إن كان مكسوراً، فقالوا في النَّسب إلى (عُدَي) و (قُصَي): عُدَويّ وقُصَوِيّ، كما قالوا في النَّسبة إلى (غُنْيَةٍ) و (أُمَيَّة) يُقال: غَنَوِي وَأُمَوِي، وظاهر كلامه: أنَّ هذا الإلحاق واجبٌ وقد صرَّح به في: (الكافية)، وذكر بعضهم فيه وجهين: الحذف كما مُثِّل، والإثبات نحو: قُصَي وَعُدَي، وهو أَثْقَل لكثرة الدَّال. إذاً المشهور: النَّاظم أوجب الحذف مع القلب .. حذف الياء الأولى، وقلب الياء الثانية واواً، وبعضهم جَوَّز فيه الوجهين. قال الشَّارح هنا: يعني: أنَّ ما كان على (فَعِيْل) أَو (فُعَيْل) بلا تاءٍ، وكان مُعتلَّ اللام، فحكمه حكم ما فيه التاء في وجوب حذف يائه وفتح عينه، فتقول في (عَدِي): عَدَوِى، وفي (قُصَيٍّ): قُصَوِيّ" حينئذٍ: (عَدِي) هذا مثال لـ: (فَعِيْل)، فإذا قلنا (عُدَي) صار مثالاً لـ: (فُعَيْل). وفي (قُصَيٍ): قُصَوِي كما تقول في (أُمَيَّة): أُمَوِي، فإن كان (فَعِيْل) و (فُعَيْل) صحيحيَّ اللام لم يُحذف شيءٌ منهما، فتقول في (عَقِيْل): عَقِيلي، وفي (عُقَيْل): عُقَيْلِى". وَتَمَّمُوا مَا كَانَ كَالطَّوِيلَةْ ... وَهَكَذَا مَا كَانَ كَالْجَلِيلَة (وَتَمَّمُوا) يعني: العرب، بمعنى أنَّهم لم يحذفوا، هذا إشارة إلى الشرطين السابقين (طَوِيلَة) .. (فَعِيْلَة) (تَمَّمُوا) يعني: لم يحذفوا منه الياء لكونه مُعتلَّ العين. وَهَكَذَا مَا كَانَ كَالْجَلِيلَةْ ..

مُضعَّف، إذاً: (تَمَّمُوا) هذا النوع فيكون هذه البيت كالتَّقييد والشَّرط للبيت السابق، لذلك قدمناه هناك، (وَتَمَّمُوا) أي: العرب لم يحذفوا ما كان من (فَعِيْلَةَ) مُعتلَّ العين صحيح اللام (كَالطَّوِيلَة) مما هو صحيح اللام، (وَهَكَذَا) أي: مثل ذا، هذا خبر مُقدَّم، (مَا كَانَ كَالْجَلِيلَةْ) (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، مبتدأ مُؤَخَّر، (وَهَكَذَا) خبر مُقدَّم، و (كَانَ) هو يعني: (من فَعِيلَة) مُضَاعفاً، (كَالْجَلِيلَة) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر (كَانَ)، وكذلك (مَا كَانَ) هو (كَالطَّوِيلَة)، (كَالطَّوِيلَة) جار ومجرور خبر (كَاَنَ). إذاً (وَتَمَّمُوا) أي: لم يحذفوا، يعني: ما كان مُعتلَّ العين (كَالطَّوِيلَة) أو مُضعَّفها من الوزنين يَتمُّ، يعني: لا يُحْذَف ياؤهما لِثِقَل التَّضعيف والإعلال، ومَثَّل هنا بـ: (فَعِيْلَة) بفتح الفاء ولم يُمَثِّل بـ: (فُعَيْلَة) في المثالين: مُعتلَّ العين (طَّوِيلَة)، والمضعَّف (كَالْجَلِيلَة) أتى بمثالين لـ: (فَعِيْلَة) ولم يَذْكُر (فُعَيْلَة). ولم يُمَثِّل بـ: (فُعَيْلَة) بِضمِّها وهما سواءٌ في وجوب التَّتميم .. الحكم واحد، وإنَّما استغني بـ: (فَعِيْلَة) عن (فُعَيْلَة) لأنَّ العِلَّة موجودةٌ فيهما معاً، وَفُهِم من البيتين: أنَّ ما كان على (فَعِيْل) صحيح اللام مُجرَّداً من التَّاء يتمُّ على الأصل، وهذا سابق؛ لأنَّه قال: (وَأَلْحَقُوا مُعَلَّ لاَمٍ) مفهومه: صحيح اللام لا يُحْذَف منه شيء بل يُتَمَّم، وهذا واضح بَيِّن، لكن: وَتَمَّمُوا مَا كَانَ كَالطَّوِيلَهْ ... وَهَكَذَا مَا كَانَ كَالْجَلِيلَهْ كونه نصَّ على (فَعِيْلَة) ولم ينص على (فُعَيْلَة) يوهم أنَّ الشرطين في (فَعِيْلَة) دون (فُعَيْلَة) وهذا وارد، لكن الشُّرَّاح قالوا: هُمَا سواء في النطق .. في الأحكام، حينئذٍ ما اشْتُرِط في هذا اشْتُرِط في ذاك، ولذلك استغنى بـ: (فَعِيْلَة) دون (فُعَيْلَة). وَتَمَّمُوا مَا كَانَ كَالطَّوِيلَهْ ... وَهَكَذَا مَا كَانَ كَالْجَلِيلَهْ قلنا: كذلك الشَّرطان موجودان في واو (فَعُولَة)، كـ: (قؤولة) لا يُحْذَف لأنَّ العين مُعتلَّة. وَتَمَّمُوا مَا كَانَ كَالطَّوِيلَةْ .. فقالوا: طَوِيلِي، أبقوا الياء كما هي، لأنَّهم لو حذفوا الياء وقالوا: طَوَلِي، لزم قلب الواو ألفاً لِتَحَرُّكها وتَحرُّك ما بعدها، وانفتاح ما قبلها، فحينئذٍ يكثر التَّغيير: (طَوِيْلَة) لو حذفنا وجب قلب كسرة الواو فتحة، حينئذٍ نقلب الواو (طوِيلة): طَوَلِي، نقلب الواو ألفاً، لأنَّ الواو تَحرَّكت وانفتح ما قبلها (فَعَلِي): طَوَلِي، ثُمَّ صارت: طالي، كثر فيه التَّغيير: حذف التاء، وحذف الياء، ثُمَّ قلب الكسرة فتحة، ثُمَّ قلب الواو ألفاً، والتَّغيير الكثير في الكلمة يخرجها عن حدِّها.

إذاً قالوا: طَوِيلي، لأنَّهم لو حذفوا الياء وقالوا: طولي، بقلب كسرة الواو فتحة، لزم قلب الواو ألفاً لتَحرُّكها وتَحرُّك ما بعدها، وانفتاح ما قبلها فكثر التَّغيير، فألحق لـ: (فَعِيلَة) في ذلك (فُعَيْلَة) بالضَّمِّ من نحو: لُوَيْزَة وَنُوَيْرَة، فقالوا: لُوَيْزِي وَنُوَيْرِي، ولم يقولوا: لُوُزِي أو لُوَزِي وَنُوَرِي، (لُوَزِي) قيل: هذا لنبتٍ، و (الطويلة): حَيَّة، والاحتراز بصحيح اللام من نحو: طَوِيَّة وَحَيِيَّة، فإنَّه يُقال فيهما: طووي وحيوي، كما سبق. إذاً: (كَالطَّوِيلَة) و (الْجَلِيلَة) الحكم كما هو في (فَعِيْلَة) هو كذلك في (فُعَيْلَة)، وهو كذلك في واو (فَعُولَة) كـ: شنوءة. قال الشَّارح: يعني: أنَّ ما كان على (فَعِيْلَة)، وكان مُعتلَّ العين أو مُضاعفاً، لا تُحذف ياؤه في النَّسب فتقول في (طَوِيْلَة): طَوِيلي، وفي (جليلة): جليلي، كذلك أيضاً ما كان على (فُعَيْلَة) وكان مضاعفاً فتقول في (قُلَيْلَة): قُلَيْلِي، ولم يقولوا: جللي بِحذف الياء كراهة اجتماع المثلين. وَهَمْزُ ذِي مَدٍّ يُنَالُ فِي النَّسَبْ ... مَا كَانَ فِي تَثْنِيَةٍ لَهُ انْتَسَبْ (وَهَمْزُ) هذا مبتدأ، (ذِي مَدٍّ) يعني: الهمز الممدود: صحراء وحمراء، (هَمْزٌ) مبتدأ وهو مضاف، و (ذِي) مضاف إليه، بِمعنى: صاحب، مجرور وجرُّه ياء نيابةً عن الكسرة وهو مضاف، و (مَدٍّ) مضاف إليه، (يُنَالُ) هذا فعل مضارع .. نال .. ينال، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على الهمز .. (هَمْزُ ذِي مَدٍّ)، والجملة خبر المبتدأ، (فِي النَّسَبْ) مُتعلِّق (يُنَالُ): يُعْطَى، مُغيَّر الصيغة هذا .. يَنالُ .. يُنَالُ، فنائب الفاعل ضمير مستتر يعود على المبتدأ، وهو الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر، (فِي النَّسَبِ) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (يُنَالُ). (مَا كَانَ): الذي، هذا مفعول ثاني، (يُنَالُ) هذا يتَعدَّى إلى مفعولين، نائب الفاعل هو المفعول الأول، (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، هذا مفعول ثاني لـ: (يُنَال)، (كَانَ فِي تَثْنِيَةٍ لَهُ انْتَسَبْ) (كَانَ) هو (فِي تَثْنِيَةٍ لَهُ) هذا جار ومجرور في (تَثْنِيَة)، وكذلك (لَهُ) مُتعلِّقان بـ: (انْتَسَبَ)، و (انْتَسَبَ) الجملة خبر (كَانَ) في محل نصب، (مَا كَانَ فِي تَثْنِيَةٍ لَهُ) منتسباً .. منتسباً له، يعني: الحكم هنا كالحكم في التَّثنية، كما أنَّه تُقْلَب في (حمراء): حمراوان .. صحراوان، وفي (كِسَاء) و (عِلْبَاء) و (حياء) الوجهان، وفي (قُرَّاء) و (وُضَّاء) التصحيح، الحكم هنا نفسه، فإذا نسبت إلى (حمراء) تقول: (حَمْرَاوِيٌّ) وجهاً واحداً، وإذا نسبت إلى (كِسَاء): كِسَائِيٌّ .. كِسَاوِيٌّ يعني: الوجهان، ومثله (عَلْبَاء) أو (عِلْبَاء) بالكسر و (حياء)، وأمَّا (قُرَّاء) فليس فيه إلا التصحيح: قُرَّائِيٌّ، ولا يصح: قُرَّاويٌّ، إذاً: الحكم واحد. وَهَمْزُ ذِي مَدٍّ يُنَالُ فِي النَّسَبْ ... مَا كَانَ فِي تَثْنِيَةٍ لَهُ انْتَسَبْ أي: حكم همز الممدود في النَّسب كحكمها في التَّثنية القياسيَّة أمَّا الشَّاذ فلا، فإن كانت التَّثنية شاذَّة نحو: كِسَايَيْن، هذا شاذ، فإنه لا يقاس عليه في النَّسب.

هنا قال: حكم همزة الممدود في النَّسب كحكمها في التَّثنية، فإن كانت زائدة للتَّأنيث قُلِبَت واواً" (حَمْرَاوِيٌّ): نِسبَة في حمراء، و (صحراويٌّ) في صحراء - هذا وارد -، أَوْ زائدة للإلحاق كـ: عِلْبَاء، أو بدلاً من أصلٍ نحو: كِسَاء فوجهان: جاز أن تَسْلَم وهو التصحيح نحو: عِلْبَائي وَكِسَائي، وأن تُقْلَب واواً نحو: عِلْبَاوي وَكِسَاوي، أو أصلاً فالتصحيح لا غير نحو: قُرَّائِيٌّ في: قُرَّاء. إذاً: الحكم في النَّسب هنا هو في باب التَّثنية، ومقتضى كلامه هنا: أنَّ الأصلية تَتَعيَّن سلامتها .. الأصلية يجب أن تسلم: قُرَّائِيٌّ، لأنَّه أحال على باب التَّثنية، وهناك سبق: (وَغَيْرَ مَا ذُكِرْ صَحِّحْ)، إذاً: وجب التصحيح، هنا أحال على ما سبق، إذاً: وجب تصحيح الأصلية. وفي: (التسهيل) ذكر النَّاظم فيها الوجهين وقال: أجودهما التصحيح، يعني: جَوَّز الوجهين، يعني: في باب النَّسب هنا على جهة الخصوص .. ليس في باب التَّثنية، في باب التَّثنية التصحيح في الأصلية واجب (قُرَّاء): قُرَّاءان، في النَّسب هنا أوجب كالتَّثنية، في: (شرح التسهيل) جَوَّز الوجهين في باب النَّسب وقال: أجودهما التَّصحيح، إذاً: ألحقها بـ: كِسَاء ونحوه. إذا لم تكن الهمزة للتَّأنيث ولكن الاسم مؤَنَّث نحو: سمَاء وَحِرَاء وَقُبَاء، إذا أردت البقعة ففيه وجهان، إذا لم تكن الألف للتأنيث، (سماء) سبق معنا مراراً الهمزة هذه ليست للتَّأنيث وإنَّما هي منقلبة عن واو (سماوٌ)، و (حِرَاء) و (قُبَاء) إذا أردت البقعة ففيه وجهان: القلب والإبقاء، وهو الأجود يعني: التصحيح أجود من القلب: سَمَائِيٌّ .. حِرَائِيٌّ .. قُبَائِيٌّ هذا أجود، ويجوز فيه القلب: سَمَاوِيٌّ .. حِرَاوِيٌّ .. قُبَاوِيٌّ، والإبقاء أجود للفرق بينه وبين (صحراء)، وإذا جعلت (حِراء) و (قُبَاء) مُذكَّرين كانا كـ: رِدَاء وَكِسَاء. وَانْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ وَصَدْرِ مَا ... رُكِّبَ مَزْجَاً وَلِثَانٍ تَمَّمَا إِضَافَةً مَبْدُوءَةً بِابْنٍ أَوَ ابْ ... أَوْ مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ فِيمَا سِوَى هَذَا انْسُبَنْ لِلأَوَّلِ ... مَا لَمْ يُخَفْ لَبْسٌ كَعَبْدِ الأَشْهَلِ انتقل إلى النَّسب للمُركَّب - هذا أكثره مصنوع -. ثُمَّ انتقل للنسب للمركَّب، ذكر النَّاظم ثلاثة أقسام: القسم الأول: مركَّب تركيب إسناد، أشار إليه بقوله: (لِصَدْرِ جُمْلَةٍ). الثاني: مركَّب تركيب مَزْجٍ، أشار إليه بقوله: (ومَا رُكِّبَ مَزْجَاً). الثالث: تركيب إضافة، وهذا تحته قسمان: - قِسْمٌ يُنْسَب إلى عَجُزِه. - وَقِسْمٌ ينسب إلى صدره.

(وَانْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ)، (وَانْسُبْ) فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، انسب لأي شيء؟ (انْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ) على الإضافة، (لِصَدْرِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْسُبْ)، (لِصَدْرِ جُمْلَةٍ) على حذف مضاف، يعني: لصدر ما سُمِّي به من جملةٍ، لأنَّه لا يُنْسَب إليه وهو جملة، إنَّما الكلام هنا فيما إذا سُمِّي به، جملة: تَأَبَّطَ شراً، في الأصل جملة، كذلك: بَرَقَ نَحْرُه، الأصل جملة، النَّسب ليس إلى الفعل والفاعل، وإنَّما لكونه علماً، فإذا صار علماً جازت النِّسبة وإلا فلا. إذاً: (وَانْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ) أي: لصدر ما سُمِّي به من جملةٍ، والمراد بالجملة هنا: المُرَكَّب الإسنادي، (تَأَبَّطَ شراً) له صدر وعجز، أين صدره؟ تَأبَّط، (شراً) عجزه، قال: (انْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ) ماذا تصنع؟ تَأَبَّطِيٌّ، (بَرَق نَحْرُه): بَرَقِيٌّ، إذا سَمَّيت رجلاً (قام زَيْدٌ): قَوَمِيٌّ، (زيدٌ قائم): زَيْدِيٌّ، تنسب إلى الصدر. (وَانْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ) يعني: لصدر ما سُمِّي به من جملةٍ وهو المركَّب الإسنادي، (وَصَدْرِ مَا رُكِّبَ مَزْجَاً) وانسب لصدر ما رُكِّب مزجاً، سبق أنَّ المزج هو الخلط .. المراد به: المركَّب المزجي، على حذف مضاف هنا (مَا رُكِّبَ مَزْجَاً) أي: ما رُكِّب تركيب مزجٍ، أو حالة كون ما رُكِّب ممزوجاً يعني: يجوز فيه الوجهان، (مَزْجَاً) إمَّا أنَّه مفعول مطلق على حذف مضاف أي: تركيب مزجٍ، أو أن يكون حالاً من نائب الفاعل في (رُكِّبَ)، و (رُكِّبَ) هذا فعل مُغيَّر الصيغة، والضمير نائب فاعل يعود على (مَا). (وَصَدْرِ مَا) هذا معطوف على قوله: (لِصَدْرِ) الأول، (وَانْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ) وانسب لصدر ما رُكِّب مزجاً (بَعْلَبَك): بَعْلِيٌّ، (بَكَّ) هذا تتركه .. عَجُز، فَتَنْسُب إلى الأول تقول: بَعْلِيٌّ، وفي (حضرموت): حَضْرِيٌّ، تحذف (موت) هذه .. تتركها، النسبة إلى الصدر، وهذا الوجه مَقْيِسٌ اتفاقاً يعني: النِّسبة إلى الصدر: بَعْلِي، هذا مَقِيسٌ اتفاقاً، وأجاز بعضهم النَّسب إلى العجز فتقول: بَكِّيٌّ، عكس الصدر. وقيل: يُنْسَب إليهما معاً مُزَالاً تركيبهما فتقول: بَعْلِيٌّ بَكِّيٌّ، هذا قول لكنَّه شاذ، الأصح الأول الذي ذكره النَّاظم وهو قول الجمهور وهو مقيسٌ اتفاقاً: أن يُنْسَب إلى الصدر: بَعْلِيٌّ. قيل: لا .. تنسب إلى العجز تقول: بَكِّيٌّ. قيل: لا .. تنسب إليهما معاً مُزَالاً تركيبهما يعني: تزيل التركيب .. تفك الكلمة فتقول: بَعْلِيٌّ بَكِّيٌّ، وأجاز بعضهم أن ينسب إلى مجموع المركَّب: بَعْلَبَكِّي، مطلقاً .. المركب كامل، وهذا أقرب من الثاني الذي هو: يُنْسَب إليهما: بَعْلِيٌّ بَكِّيٌّ، لأنَّه فصل التركيب، والأصل بقاؤه على ما هو عليه. على كُلٍّ: (وَصَدْرِ مَا رُكِّبَ مَزْجَاً) يعني: انسب لصدره، وهذا هو المقيس وعليه أكثر النُّحاة، هذا النُّوع الثاني: المركَّب تركيب مزجي. الثالث: وهو المركَّب الإضافي: وَلِثَانٍ تَمَّمَا إِضَافَةً مَبْدُوءَةً بِابْنٍ أَوَ ابْ ..

(أَوَ ابْ) حُذِفت الهمزة، (أَوْ) بالسكون، وهذه الحركة حركة الهمزة في الوزن حذفها بعد إسقاط حركتها على الواو فقيل: (أَوَ ابْ). أَوْ مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ .. هنا يُنْسَب للثاني قال: (وَلِثَانٍ) هذا معطوف على قوله: (لِصَدْرِ)، إذاً: في المركَّب الإضافي الذي سيذكره النَّاظم هنا، النِّسبة قد تكون للثاني قلنا: هذا تحته قسمان المركَّب تركيب إضافي، الإسنادي والمزجي نَصَّ النَّاظم على أنَّ النِّسبة تكون للصدر، وأمَّا المرَكَّب تركيب إضافي فهو نوعان: - ما قد تكون النسبة إلى الثاني. - وما قد تكون النسبة إلى الأول. قال: (وَلِثَانٍ) يعني: وانسب لثانٍ، (تَمَّمَا) الألف للإطلاق والجملة صِفة، (ثانٍ مُتّمِّمٍ إِضَافَةً)، (تَمَّمَا) الألف للإطلاق (إِضَافَةً) هذا مفعول به لقوله: (تَمَّمَا)، (مَبْدُوءَةً بِابْنٍ أَوَ ابْ) يعني: الإضافة إذا كانت مبدوءة بـ: ابنٍ أو أبٍ انسب إلى الثاني (أبو بَكْرٍ): بَكْرِيٌّ .. (ابن عمر): عُمَرِيٌّ، تنسب للثاني إذا كان المركَّب تركيب إضافي مبدوءاً بـ: ابنٍ أو أب. أَوْ مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ .. (أَوْ مَالَهُ)، (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، هذا لك أن تجعله معطوفاً على (أَبْ) الأقرب (أَوَ ابْ)، (أَوْ) للذي، لأنَّ (أَبْ) هذا بـ: ابنٍ أو بأبٍ أو بِمَا له، ولك أن تجعله معطوفاً على (ثَانٍ)، وهو اسمٌ موصول بَمعنى: الذي، (التَّعْرِيفُ) هذا مبتدأ، (وَجَبْ) الجملة خبر، (لَهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (وَجَبَ)، (بِالثَّانِي) مُتعلِّق بـ: (التَّعْرِيف) لأنَّه مصدر: عَرَّفَ .. يُعَرِّفُ .. تَعْرِيفَاً، فهو مصدر يَتعلَّق به. إذاً: أو ما التَّعريف بالثاني وجب له، هل في الجملة هنا شيءٌ جديد على ما قَدَّمه في الشطر الأول؟ لأن (بِابْنٍ أَوَ ابْ) هذا مُتَعرِّف بما سبق .. بما أضيف إليه، يعني: حصل له التعريف (ابْن) ابن عمر .. أبو بكرٍ، معرفة قطعاً لأنَّه من أنواع العلم. (أَوْ مَالَهُ) أو ما التَّعريف بالثاني وجب له، هل هو قِسْمٌ برأسه أو لا؟ قال الأشْمُونِي هنا: هذا من عطف العام على الخاص .. قوله: (أَوْ مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، من عطف العام على الخاص لشموله الأب والابن، وَكُلُّ ما يُتَعَرَّف بالإضافة – عمَّمْ - كُلُّ ما يُتَعَرَّف بالإضافة دخل في هذا الشطر، وعبارته توهم أنَّ (مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي) قِسْمٌ برأسه، فشمل نحو: غلام زيدٍ، فـ: (غلام زيد) هذا مُخْتَلف فيه، هل يمكن أن يُنْسَب إليه أو لا؟ ابن عقيل هنا مَثَّل به قال: "وفي غلام زَيْدٍ" عمَّم الحكم.

(وَلِثَانٍ) ماذا تقول في: غلام زيد؟ زَيْدِيٌّ، حينئذٍ لو عَمَّمنَا كلام النَّاظم قلنا: فيه شيءٌ زائدٌ على مُجرَّد ما ذكره في الشطر الأول، وإن قلنا: غلام زَيْدٍ، لا يصح النِّسبة إليه البَتَّة، حينئذٍ هل فيه شيءٌ جديد على ما ذكره في الشطر الأول؟ الجواب: لا، إذاً: ليس قسماً برأسه، ولذلك قال الأشْمُونِي: "وعبارته تُوهم أنَّ ما له التعريف بالثاني -يعني: الذي له التعريف بالثاني- قِسْمٌ برأسه فشمل: غلام زيدٍ، وليس كذلك، وهم إنَّما يعنون بالمضاف هنا ما كان علماً أو غالباً" المراد هنا في هذا النِّسبة المركَّب التركيب الإضافي، المراد بالمضاف ليس عامَّاً، وإنَّما المراد به: ما كان علماً أو غالباً، يعني: علماً بالكنية أو علماً بالغَلَبة كـ (ابن عباس): عبَّاسي، (ابن عمر): عُمَرِي، (أبو بكر): بكري، (أم كلثوم): كلثومي، ونحو ذلك، هذا المراد بالمضاف هنا ولا يشمل غيره، وأمَّا: غلام زيد، فلا يدخل هنا، أكثر النُّحاة على ذلك، فإذا أخرجنا نحو: غلام زيد، من قوله: مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ .. حينئذٍ صار الشطر الثاني هو عينه من حيث الإفادة الشطر الأول، لأنَّ الإفادة: (إِضَافَةً مَبْدُوءَةً بِابْنٍ أَوَ ابْ) هذه اكتسبت التعريف، لأنَّ (ابْن) يضاف إلى علم: عمر .. عباس .. الزبير إلى آخره، (أَوَ ابْ) يضاف إلى علم كذلك إمَّا مُذكَّراً أو مُؤنَّثاً، إذاً: اكتسب التعريف، إذاً: حصل تعريفٌ للأول بالثاني، وهذا خاصٌّ بهذين النوعين: ما كان علماً بالكنية، أو علماً بالغَلَبَة. وما عدى ذلك مِمَّا يَتعرَّف بالمضاف ليس داخلاً هنا، وإذا أطلقوا المضاف في هذا المحل انصرف إلى هذين النوعين، لا مثل: غلام زيد، فإنَّه ليس لمجموعه معنىً مفرد ينسب إليه، بل يجوز أن يُنْسَب إلى: غلام، وإلى: زيد، ويكون ذلك من قبيل النَّسب إلى المفردات لا إلى المضاف، يعني: إذا أردت (غلام زيد) تفك الإضافة .. التركيب، فتنسب إلى: غلام، وتنسب إلى: زيد، حينئذٍ كأنَّك نظرت إلى غلام لوحده فقلت: غُلَامِي، ونظرت إلى زيد، وحده فقلت: زيدي، حينئذٍ النِّسبة هنا لا إلى المركب وإنَّما إلى المفردات، وبحثُنا في النِّسبة إلى المركَّبات فلم يدخل معنا (غلام زيد). على كُلٍّ قوله: أَوْ مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ .. يعني: ما حصل أو وجب للأول تعريفاً بالثاني، نقول: عمَّم النَّاظم هنا فكان من عطف العام على الخاص، إن كان يرى أنَّ (غلام زيد) يُنْسَب إليه إلى الثاني كقوله في (ابن أو أب) كما مَثَّل ابن عقيل فلا إشكال أنَّ فيه فائدة، وإن لم يكن كذلك حينئذٍ يكون من باب التَّكرار. فِيمَا سِوَى هَذَا انْسُبَنْ لِلأَوَّلِ ... مَا لَمْ يُخَفْ لَبْسٌ كَعَبْدِ الأَشْهَلِ (فِيمَا سِوَى هَذَا) المشار إليه ما هو؟ (انْسُبَنْ لِلأَوَّلِ) صَدْر .. جُمْلَة .. صَدْر مَا رُكِّبَ مَزْجَاً؟ هذا لا إشكال، هو الأول، (وَلِثَانٍ) .. (فِيمَا سِوَى هَذَا) أي: المذكور، والمذكور هنا ثلاثة أشياء على ظاهر النَّظم: ما كان مصدَّراً بـ: ابنٍ. ما كان مصدَّراً بـ: أبٍ. ما حصل له التعريف بالثاني وليس بـ: ابنٍ أو أب.

ثلاثة أشياء، ولذلك كان الأولى أن يقول: فيما سوى هذي .. ذي الإشارة إلى المواضع الثلاثة، وإنَّما ذكر (ذَا) تأويلاً بالمذكور. إذاً: إذا لم يكن واحداً من هذه الثلاثة (انْسُبَنْ لِلأَوَّل مَا لَمْ يُخَفْ لَبْسٌ) كـ: امريء القيس، (امرئ القيس) ليس بـ: ابن أو أب، وليس من الثالث إذا قلنا بأنَّه ليس بقسمٍ مُستقلٍّ عن الأول، حينئذٍ تنسب إلى الأول: امرئٍ .. امْرِئِيٌّ، إلا إذا خيف لبسٌ عندك (عَبْدِ الأَشْهَل)، وعبد قيس، وعبد شمس، حينئذٍ إذا قلت: عَبْدِيٌّ، ماذا تريد .. هل تريد عبد الأشهل .. هل تريد عبد قيس؟ عندك: عبد الله وعبد الرحمن وعبد المنَّان، إذا قلت: جاء عَبْديٌّ .. أنا منسوب إلى: (عبدِي) من المراد به؟ حصل لبسٌ، إذا لم يحصل تمييز للمنسوب إليه حينئذٍ تعدل إلى الثاني، تقول: شَمْسِيٌّ .. أَشْهَلِيٌّ .. قَيْسِيٌّ، تنسب إلى الثاني كالأول. فِيمَا سِوَى هَذَا انْسُبَنْ لِلأَوَّلِ .. منهما التركيب (مَا لَمْ يُخَفْ)، (مَا) هذه مصدرية ظرفية، مدَّة عدم خوف لبسٍ، (مَا لَمْ يُخَفْ) بالنَّسب إلى الأول، (لَبْسٌ) هذا نائب فاعل، فإن خيف لبسٌ حينئذٍ تنسب إلى الثاني كـ: عبد شمسٍ، (عَبْدِ الأَشْهَل) هذا مثالٌ لما خيف فيه اللبس، لأنَّك إذا قلت: عَبْدِيٌّ، لا تدري من هو: عَبْدِيٌّ هذ؟ إذا قلت: أَشْهَلِيٌّ عَيَّنْت. إذاً: وَانْسُبْ لِصَدْرِ جُمْلَةٍ وَصَدْرِ مَا ... رُكِّبَ مَزْجَاً وَلِثَانٍ تَمَّمَا (ثَانٍ) قلنا: هذا معطوفٌ على قوله: (وَانْسُبْ لِصَدْرِ)، يعني: وانسب لثانٍ، (تَمَّمَا إِضَافَةً) ما الذي تَمَّم، يعني: حصلت به الإضافة؟ المضاف إليه، (وَانْسُبْ لِثَانٍ تَمَّمَا) الألف للإطلاق، و (إِضَافَةً) هذا مفعولٌ لـ: (تَمَّمَا) .. (لثانٍ متمِّمٍ إضافةً) الذي تَمَّم الإضافة وحصلت به هو المضاف إليه، إذاً: انسب للمضاف إليه. (مَبْدُوءَةً بِابْنٍ أَوَ ابْ) هذا تقييد، إذا كانت الإضافة مبدوءة بـ: ابنٍ أو أب انسب للثاني، أي: يجب أن يكون النسب إلى الجزء الثاني من المركَّب الإضافي في ثلاثة مواضع، ذكر في هذا البيت موضعين: الأول: أن تكون الإضافة كُنية كـ: أبي بكرٍ، وأمِّ كلثوم، مَثالٌ للمُذكَّر ومثالٌ للمُؤنَّث. والثاني: أن يكون الأول علماً بالغلبة كـ: ابن عباس وابن عمر ونحوهما، فتقول: بَكْرِيٌّ، نسبة إلى الثاني في: أبي بكرٍ، و (كلثومي) بالنسبة إلى الثاني في: أم كلثوم، و (عَبَّاسِي) بالنسبة إلى الثاني في: ابن عباس، و (عُمَرِي) بالنسبة إلى الثاني في: ابن عمر. أَوْ مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ .. عرفنا المراد بهذه الجملة، إمَّا أنَّها مُرادفة للشطر الأول، يعني: ليس فيها مسألة جديدة بل هي عين الأول، هذا إذا أخرجنا: غلام زيد، وإذا أدخلناه كما صنع ابن عقيل حينئذٍ فيه فائدة، يعني: ما حصل التَّعريف للأول بالثاني ولم يكن ابناً ولا أباً مثل: غلام زَيْدٍ، يعني: ما أضيف إلى علم فتقول: غلام زَيْدٍ .. زَيْدِيٌّ، (غلام بَكْرٍ): بَكْرِيٌّ، تنسب للثاني. أَوْ الذي التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ له ..

لأن: ابن عُمَر، حصل لـ: ابن وجوب تعريفٍ بالثاني، و (أبو بكرٍ) هذا حصل له تعريفٌ واجب بالثاني مثله .. الحكم واحد، كأنَّه بَيَّن لك أنَّ الإضافة هنا أوجبت تعريفاً في (ابنٍ) أو (أبٍ)، ما الذي زاد عليه؟ زاد عليه نحو ما ذكرناه على الخلاف المذكور. (فِيمَا سِوَى هَذَا) المذكور أنَّه يُنسب فيه إلى الجزء الثاني من المركَّب الإضافي، (فِيمَا سِوَى هَذَا) (فِيمَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْسُبَنْ)، (سِوَى) هذا مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول لا مَحلَّ له من الإعراب، (سِوَى) مضاف، و (هَذَا) مضاف إليه، ولذلك لو قال: هذي، لكان أحسن لكن أوَّله بالمذكور. أي: أنَّه يُنْسَب فيه إلى الجزء الثاني من المركَّب الإضافي (انْسُبَنْ لِلأَوَّلِ) منهما نحو: عبد القيس وامرئ القيس، وهما قبيلتان تقول: امْرِئِيٌّ وَعَبْدِيٌّ، وإن شئت قلت: مَرَئِيٌّ نسبة إلى: امرئٍ، (مَا لَمْ يُخَفْ لَبْسٌ) يعني: ما لم يُخَف بالنسب إلى الأول (لَبْسٌ) فإن خيف (كَعَبْدِ الأَشْهَل) حينئذٍ تنسب للثاني فتقول: أشهليٌّ، ولا تقل: عَبْدِيٌّ. قال الشَّارح: "إذا نُسِب إلى الاسم المُركَّب" انظر! قال: إلى الاسم، هذا تقييد لقوله: (لِصَدْرِ جُمْلَةٍ) لا بُدَّ أن يكون علماً، فإن كان مُرَكَّباً تركيب جملةٍ – إسنادياً يعني - أو تركيب مزجٍ حذف عَجُزُه وَأُلْحِق صدره ياء النَّسب. حُذِف العجز لا بد .. واضح هذا، إذا قلت: تأبَّطِيٌّ حذفت الثاني، حُذِف العجز يعني: الثاني، تقول: تَأَبَّطِيٌّ .. (برق نحره): بَرَقِيٌّ، حذفت الثاني: نحره، لا إشكال فيه. وألحق صدره ياء النَّسب فتقول في (تَأَبَّط شَرَاً): تَأَبَّطِىٌّ، وفي (بَعْلَبَكَّ) هذا المزجي (وَصَدْرِ مَا رُكِّبَ مَزْجَاً) (بَعْلَبَكَّ): بَعْلِىٌّ، على المشهور وذكرنا الأقوال المتبقية، وإن كان مُرَكَّباً تركيب إضافةٍ، فإن كان صدره ابناً، أو كان معرفاً بعجزه حُذِف صدره -الذي هو (ابن) - وَأُلْحِق عجزه ياء النَّسب، فتقول في (ابن الزُّبِيِر): زُبَيْرِي، وفي (أبي بكرٍ): بَكْرِيٌّ، وفي (غلام زَيْد): زَيْدِيٌّ. ولعله سقط في النسخة: فإن كان صدره ابناً أو أباً أو كان معرَّفاً؛ لأن الأمثلة ثلاثة، فإن كان صدره ابناً أو أباً هذا الشطر الأول، أو كان مُعرَّفاً بعجزه: مَالَهُ التَّعْرِيفُ بِالثَّانِي وَجَبْ .. حُذِف صدره في الثلاثة الأنواع وَأُلْحِق عجزه ياء النَّسب، فتقول في (ابن الزُّبِيِر): زُبَيْرِي، وفي (أبي بكر): بَكْرِيٌّ، وفي (غلام زَيْد): زَيْدِيٌّ، فإن لم يكن كذلك .. واحداً من هذه الثلاثة، فإن لم يُخَف لبْسٌ عند حذف عجزه حُذِفَ العجز ونسب إلى الصدر، فتقول في (امريء القيس): امرئي، وإن خِيف لبسٌ حُذِف صدره وَنُسِب إلى عجزه، فتقول في (عبد الأشهل) و (عبد القيس): أَشْهَلِيّ وَقَيْسِيّ، وفي (عبد مناف): منافِيّ، ولم يقولوا: عبدِيّ، للوقوع في اللبس. نقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

129

عناصر الدرس * النسب إلى محذوف اللام * النسب إلى ثنائي الوضع * النسب إلى محذوف الفاء * النسب إلى الجمع وشروطه * بعض الصيغالتي تغني عن ياء النسب * الاسم المنسوب المخالف للقواعد. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: وقفنا عند قول النَّاظم - رحمه الله تعالى -: وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ ... جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ ... وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا حُذِفْ مِنْهُ ... جَوَازاً. . . . . . . . . . بشرط: . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . هذا شُروعٌ من النَّاظم فيما إذا نُسِب إلى الثلاثي المحذوف منه شيء، إذا نُسِب الثلاثي المحذوف منه شيء فلا يخلو: إمَّا أن يكون المحذوف الفاء، أو العين، أو اللام .. الثلاثي الذي حذف منه حرفٌ إمَّا أن يكون المحذوف: فاءً أو عيناً أو لاماً، إذا حُذِف منه الفاء سينص عليه النَّاظم رحمه الله تعالى، وأمَّا هذا البيت فقد عَنَى ما حُذِف منه اللام، فإن كان المحذوف الفاء أو العين فسيأتي، وإن كان المحذوف اللام فهو الذي نَصَّ عليه. إذاً: الحديث الآن فيما إذا أردنا أن ننسب إلى ثلاثي محذوف اللام مثل: أب وأخ، (أخ) هذا ثلاثي حُذِف منه اللام وهو الواو: أَخَوٌ، هذا الأصل، أب .. ابن .. يد، هذه ثلاثية حُذِفت منها اللامات، حينئذٍ كيف ننسب إليه .. هل نرد ذلك المحذوف أو لا؟ فيه تفصيل، قد يجب وقد يجوز. وإن كان المحذوف اللام، فحينئذٍ ذلك المحذوف إمَّا أن يُجْبَر في تثنيةٍ، أو جمع تصحيحٍ، أو لا يعني: إمَّا أن يرجع عند التَّثنية والجمع أو لا، إذا ثنَّينا رجع .. إذا جمعنا جمع تصحيح رجع، حينئذٍ فيه تفصيل: إمَّا أن يُجْبَر أو لا، فإن جُبِر كما في: أبٍ وأخٍ، فإنَّهما يُجْبَران في التَّثنية وكـ: عظة وسنة، فإنَّهما يُجْبَران في الجمع بالألف والتاء وجب جبره في النَّسب. إذاً: العِبْرة هنا بردِّ اللام في التَّثنية وجمع التصحيح: إن كانت هذه اللام إذا ثنَّيت الكلمة رجعت اللام، حينئذٍ إذا نسبت إليه وجب ردُّ اللام، هذا ما يُسَمَّى بالجبر، (وَاجْبُرْ) يعني: رُدَّ اللام، ثلاثة حروف حُذِف منها اللام، حينئذٍ إذا ثُنِّي رجع، وإذا جمع رجع، حينئذٍ تجبره في النَّسب فتردَّه كما رُدَّ في التَّثنية والجمع. إذاً: العبرة هنا في النَّظر بالتَّثنية والجمع، فإن رُدَّ في التَّثنية والجمع رُدَّ في النَّسب، فإن جُبِر كما في (أبٍ) و (أخٍ) فإنَّهما يُجْبَران في التَّثنية، و (عظة) و (سنة) فإنَّهما يُجْبران في الجمع بالألف والتاء، وجب جبره في النَّسب فتقول: أَبَوِيٌّ، رجعت اللام أصله: أَبٌ .. أَبَوٌ، حُذِفت اللام اعتباطاً، حينئذٍ هذه اللام هل ترجع أو لا؟ ننظر في التَّثنية تقول: أبوان وأخوان، إذاً: رجعت الواو، ما دام أنَّها رجعت في التَّثنية حينئذٍ تردُّها في النَّسب فتقول: أَبَوِيٌّ .. أَخَوِيٌّ، بِردِّها وجوباً لا جوازاً، يعني: لا يصح أن يقال: أَبِيٌّ وَأَخِيٌّ، بدون الرَّدِّ بل يجب الرَّد.

فتقول: (أَبَوِيٌّ) و (أَخَوِيٌّ) و (عِظَوِيٌّ) أو (عِظَهِيٌّ) على الخلاف في المحذوف هل هو واوٌ أم هاء؟ و (سَنَوِيٌّ) أو (سَنَهِيٌّ) على الخلاف في المحذوف هل هو واوٌ أم هاء؟ على الخلاف في المحذوف، لأنَّك تقول: أبوان وأخوان، في التَّثنية، و (عظوات) و (سنوات) أو (عظهات) و (سنهات) على الوجهين، إذا جمعت (عظة) بألفٍ وتاء قلت: عظوات أو عظهات، (عظوات) رجعت الواو .. (عظهات) رجعت الهاء على القول بأنَّ المحذوف هو الهاء. كذلك (سنة) قلنا: باب (سنة) مِمَّا حُذِفت لامه وَعُوِّض عنه التاء .. ثلاثي حُذِفت لامُه وعُوِّض عنه التاء، (سنة) أصله: سَنَوٌ أو سَنَهٌ على خلاف، إذا جمعت تقول: سنوات أو سنهات، إذاً: رجعت اللام في جمعٍ بألفٍ وتاء، حينئذٍ تقول: سَنَوِيٌّ أو سَنَهِيٌّ، (سَنَويٌّ) الواو هذه رجعت، ما حكم رجوعها؟ واجب، لأنَّك تجمعها فتقول: سنوات، فالعبرة حينئذٍ بالجمع. وإن لم يُجْبَر في التَّثنية والجمع يعني: لم ترجع اللام، وإن لم يُجْبَر لم يجب جبره في النَّسب بل يجوز فيه الأمران، إذاً: الجبر جائزٌ وواجب، (وَاجْبُرْ جَوَازاً) احترازاً من الواجب، وسيأتي: (وَحَقُّ مَجْبُورٍ) المراد به: الواجب. إذاً: جبر المنسوب إليه بِردِّ اللام على نوعين: منه ما هو واجب، ومنه ما هو جائز، متى يجب؟ إن رُدَّت في التَّثنية والجمع، متى لا يجب؟ إن لم تُرَد في التَّثنية والجمع، إذاً: العبرة بذلك في النظر في التَّثنية والجمع. وإن لم يُجْبَر لم يجب جبره في النَّسب بل يجوز فيه الأمران نحو: حِرٍ، حذف منه الحاء (حِرِحٌ) هذا الأصل، و (غَدٍ) حُذِف منه الواو (غَدَوٌ) و (شَفَةٌ) و (ثُبَةٌ)، فتقول فيها: حِرِيٌّ، بعدم إرجاع اللام، أصلها (حِرِحٌ)، لو رجعت اللام قلت: حِرِحِيٌّ، بإرجاع اللام، لكن لَمَّا هذه لم ترجع في التَّثنية والجمع، حينئذٍ بقيت على الأصل بجواز الأمرين. فتقول: حِرِيٌّ وَغَدِيٌّ وَشَفِيٌّ وَثُبِيٌّ بالحذف .. تحذف اللام فلا تردّها. وتقول (حِرِحِيٌّ) بِردِّ اللام، و (غَدَوِيٌّ) و (شَفَهِيٌّ) و (ثُبَوِيٌّ) بإرجاع اللام .. بالجَبْر .. بردِّ المحذوف، وهو من (حِرٍ) الحاء، أصله (حِرِحٌ) وهو الفرج، ومن (غَدٍ) الواو، ومن (شَفَةٍ) الهاء، ومن (ثُبَةٍ) الياء، لكن تُقْلَب الياء واواً. إذاً: إن لم تُجْبَر اللام وترجع في التَّثنية والجمع فأنْتَ مُخيَّر بين الأمرين: إمَّا الرَّد، وإمَّا الحذف، فتقول: غَدِيٌّ وَغَدَوِيٌّ .. بالوجهين، لماذا؟ لأنَّك تقول: غدان، تثنية (غَدَا). وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ ... جَوَازاً. . . . . . . . . . . . (وَاجْبُرْ) هذا فعل أمر مبني على السكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، (وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ) (بِرَدِّ الَّلامِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اجْبُرْ)، (بِرَدِّ) هذا مصدر مضاف إلى المفعول. ز (بِرَدِّك الَّلامِ) فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله، (الَّلامِ) مفعولٌ، والفاعل أنت، (بِرَدِّ) مضاف، و (الَّلامِ) مضافٌ إليه، وهنا الإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله.

(وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، مفعولٌ به، (اجْبُرْ مَا حُذِفَ مِنْه) (مِنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حُذِفْ)، و (حُذِفْ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، وضميره يعود إلى (مَا)، و (مِنْهُ) الجار والمجرور مُتعلِّق بقوله: (حُذِفْ)، والجملة من الفعل ونائبه صلة الموصول لا مَحلَّ لها من الإعراب. (جَوَازاً) بالنصب هذا صفة لموصوفٍ محذوف بتقدير مضاف، اجْبُرْ جبراً ذا جوازٍ، (اجْبُرْ) الذي نطق به (اجْبُرْ جَوَازاً) .. اجْبُرْ جبراً ذَا جَوَازاً، فحُذِف الموصوف وهو جبراً، ثُمَّ حُذِف المضاف ذا جوازٍ .. (ذَا) صاحب، وَأُقِيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه، فقيل: جوازاً. وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ .. حينئذٍ قوله: (بِرَدِّ الَّلامِ) هذا على نوعين: إمَّا جائز الجبر، وإمَّا واجب الجبر، وقد أشار إلى الأول الجائز بهذا البيت، وإلى الوجه الثاني بقوله: (وَحَقُّ مَجْبُورٍ) إلى آخره. (إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ) (جَوَازاً انْ) بحذف الهمزة، (جَوَازاً انْ لَمْ) (إِنْ) هذا حرف شرط، و (لَمْ يَكُ) هذا فعل مضارع ناقص مجزومٌ بـ (لَمْ)، وجزمه السكون الظَّاهر على النون المحذوفة تخفيفاً: وَمِنْ مُضَارِعٍ لِكَانَ مُنْجَزِمْ ... تُحْذَفُ نُونٌ وَهُوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ هنا النون حُذِفت تخفيفاً ليست للجازم (لَمْ)، وإنَّما حُذِفت تخفيفاً، حينئذٍ حُذِف معها السكون، فالسكون ظاهر، لو نطقت به: (لَمْ يَكُنْ رَدُّه) هذا الأصل، إذاً: نطقت به، ولكن حُذِفت النون تخفيفاً، حينئذٍ يكون السكون ظاهراً على النون المحذوفة تخفيفاً. (انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ)، (رَدُّهُ) اسم (يَكُ)، فالضمير في (رَدُّهُ) يعود إلى اللام، (رَدُّهُ) يعني: ردُّ اللام، (إن لم يَكُ ردُّ اللام أُلِفَ)، (أُلِفْ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر، أين مرجع الضَّمير؟ (أُلِفْ) ما هو الذي (أُلِفْ)؟ الردَّ (إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ) هذا مباشرة .. ما دام أنَّ الجملة خبر (كان) لا بُد يكون ضمير رابط بين الاسم والخبر، مباشرة لو التبس عليك ُطَبِّق القاعدة .. لو ما فهمت المعنى وأشكل عليك .. (رَدُّهُ) هذا اسم (كَاَنَ)، (أُلِفَ) جملة، إذاً: هو الخبر، لا بُد أن يكون ثَمَّ ضمير رابط بين الجملة التي وقعت خبراً، وبين اسم (كَاَنَ)، فإذا أشكل عليك تقول مباشرة: (أُلِفَ) فيه ضمير يعود على المبتدأ .. اسم (كَاَنَ)، لماذا؟ لأنَّه ما يصح أن يكون (أُلِفْ) جملة خبر (يَكُن)، ثُمَّ لا يكون فيه ضمير رابط بين الاسم والخبر، فمباشرة إذا التبس عليك قل: (أُلِفَ) الضمير يعود إلى الاسم. إذاً قوله: (أُلِفَ) فيه ضمير يعود إلى الرَّد، لأنَّه في الأصل: مبتدأ، و (أُلِفْ) هذه الجملة خبر، حينئذٍ الرابط هو الضمير الواقع نائب فاعل. قوله: (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أُلِفَ)، (أُلِفْ فِي جَمْعَيِ) هذا يُسَمى بـ: التضمين، (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ)، (فِي جَمْعَيِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أُلِفَ).

إذاً: (إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ) مألوفاً يعني: معروفاً ومحفوظاً، (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ) وهما: جمع المُذكَّر السَّالم، والجمع بألفٍ وتاء، يُسَمَّى: جمع تصحيح، (أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ) (أَوْ) للتَّنويع، لأنَّه لا يُشْتَرط أن تعود في التَّثنية، وأن تعود في الجمع معاً لا، قد ترجع في التَّثنية ولا ترجع في الجمع والعكس، ولذلك (أَوْ) هنا للتَّنويع، (فِيْ التَّثْنِيَهْ) هذا معطوف على قوله: (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ). إذاً الحاصل أن قوله: وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ ... جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ مألوفاً: (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ)، فإن كان مألوفاً في جمعي التصحيح والتَّثنية وجب الرَّد، وإن لم يكن مألوفاً جاز الرَّدُّ، ولَمَّا كان قوله: (وَاجْبُرْ) فيه معنى الوجوب، رفعه بقوله: (جَوَازاً). تبقى مسألة: وهو أنَّه أطلق هنا النَّاظم وهو مُقيَّدٌ بـ: ألا تكون العين مُعتلَّة، فإن كانت عينه مُعتلَّة وجب جبره، يعني قوله: (إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفَ) قد لا يُؤْلَف ردُّه فِي جَمعي التصْحِيحِ أو في التَّثنيهْ ثُمَّ يجب ردُّه، هذا استثناء من الجواز .. مِمَّا انصبَّ عليه حكم الجواز، بشرط: وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا حُذِفْ مِنْهُ ... جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . زِدْ عليه شرط ثاني: ولم تكن عينه مُعتلَّة، إذاً: أطلقه النَّاظم وهو مُقيَّدٌ بـ: ألا تكون العين مُعتلَّة، فإن كانت عينه مُعتلَّة وجب جبره، يعني: بردِّ اللام، وإن لم يُجْبَر في التَّثنية وجمعي التصحيح وجب، لماذا؟ لكون عينه مُعتلَّة. احترازاً من نحو: شاةٍ، و (ذِي) بمعنى: صاحب، إذا نسبت إلى (شاة)، وإذا نسبت إلى (ذِي) التي بمعنى: صاحب، فتقول في (شاةٍ): شَاهِيٌّ، كما تقول في (ذِي): ذَوَوِيٌّ كما سيأتي، (ذَوَوِيٌّ) محل وفاق، لأنَّ وزنه (فَعَل)، أمَّا: شَاهِيٌّ، بردِّ اللام وهي الهاء، لأنَّ (شاةٌ) أصلها: شَوَهٌ، وهي الهاء، لأنَّ الأصل: (شَوهةٌ) بإسكان الهاء، (شَوْهةٌ) (فَعْلَةٌ) بدليل: شياه .. تجمعه على: شياه. (شَوهة) حُذِفت الهاء تخفيفاً وهي اللام .. (فَعْلَة)، حُذِفت الهاء تخفيفاً فَفُتِحت الواو كانت ساكنة صارت: شَوَ، ثُمَّ تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، فصارت: شاة، إذاً (شاةٌ) أصلها: شَوْهةٌ (فَعْلَةٌ)، أين اللام؟ الهاء حُذِفت تخفيفاً، وَفُتِح ما قبلها الواو .. كانت ساكنة فتحت صار: شَوَةٌ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً فصارت: شاةً.

إذاً: حُذِفت الهاء تخفيفاً، وَفُتِحت الواو لأجل التَّاء، لأنَّه يقال: لماذا فتحت الواو أصله: شَوْهةٌ؟ نقول: التاء .. تاء التأنيث كما سبق ما قبلها لا يكون إلا مفتوحاً .. قاعدة مثل الألف، تاء التأنيث لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً، حينئذٍ لا بُدَّ من تحريك الواو بالفتح فتقول: شَوَةٌ، ثُمَّ قُلِبت الواو ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، وعلى أصل الأخفش (شَوْهِيٌّ) بسكون الواو: شَوَهِيٌّ (شَاهِيٌّ) هذا الأصل، الآخفش يرى أنه: (شَوْهِيٌّ) بسكون الواو. وفي (ذِي): ذَوَوِيٌّ اتفاقاً، أصله: ذُو (ذُو) على وزن (فَعَل) إذاً أصله: ذَوَوَ، إذا نسبت إليه هو (ذو) حُذِفت اللام اعتباطاً .. الواو الثانية، حينئذٍ تقول: ذَوَوِيٌّ (ذُو) على حرفين وهي اسمٌ، لا يمكن أن يكون على حرفين .. لا بُدَّ من محذوف مثل: أب وأخ على حرفين لا بُدَّ من محذوف، ما هو المحذوف هنا؟ المشهور أنَّه: واو، حينئذٍ أصله على وزن ماذا؟ (ذَوَ) (فَعَـ)، إذاً: الذال مفتوحة هي فاء الكلمة، والواو الثانية ساكنة في النطق لكنَّها في الأصل مفتوحة، لأنَّه لَمَّا حذف اللام سكنت، أصلها: (ذَوَ) (فَعَـ). قلنا: اللام ترجع في النَّسب وردُّها حينئذٍ يكون على وزن (فَعَلَ)، ما تقول: ذَوِّيٌّ، لو سكَّنت الواو الأول قلت: ذَوِّيٌّ، بإرجاع اللام، وإدغام اللام الثانية التي هي عين الكلمة في اللام: ذَوِّيٌّ، لكن اتفاقاً قالوا: ذَوَوِيٌّ، بناءً على أن الأصل هو: (ذُو) على وزن (فَعَل). وإنَّما ضُمَّت (ذُو) الذال لمناسبة الواو، إذاً الحاصل: نقول في (ذِي): ذَوَوِيٌّ اتفاقاً لا خلاف، وإنَّما الخلاف هناك مع الأخفش في: شَوْهِيٌّ، هل تُسَكَّن الواو أم لا؟ المشهور أنَّها تفتح: شَاهِيٌّ، وفي (ذِي): ذَوَوِيٌّ، اتفاقاً بردِّ اللام وفتح العين والفاء، لأنَّ أصلها: الفتح، يعني: الفاء والعين، لأنَّ وزن (ذُو) (فَعَلٌ) بحذف اللام اعتباطاً. إذاً قوله: وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا حُذِفْ مِنْهُ جَوَازاً ذكر شرطاً واحداً، وهو: إن لم يكن ذلك الجبر مألوفاً في جمعي التصحيح أو في التَّثنية، هذا شرط عدمي أو وجودي؟ (إِنْ لَمْ) هذا شرطٌ عدمي. إذاً: تُجْبَر الكلمة بردِّ اللام: . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . إِنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . زِد عليه: ولم تكن العين مُعتلَّة، ولو لم تُجْبَر في التَّثنية والجمع .. لم تُرَد مثل: شاة نقول: شَاهِيٌّ، و (ذُو) ذَوَوِيٌّ، بردِّ اللام. وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ ... جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ. . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (جَمْعَيِ) ثنَّى وأراد به جمع التصحيح المُذكَّر، وجمع التصحيح المؤنَّث، لكن قيل: لا تظهر فائدةٌ لذكر جمع التصحيح المُذكَّر، ما جُمِع بألفٍ وتاء نعم، قد يرجع في التَّثنية ولا يرجع فيما جُمِع بألفٍ وتاء، وقد يرجع فيما جُمِع بألفٍ وتاء ولا يرجع في التَّثنية لا إشكال، لا بُدَّ من ذكر النَّوعين.

أمَّا جمع التصحيح قالوا: لا، لماذا؟ لإغناء ذِكْر التَّثنية عن ذكره، لأنَّ كُلَّ ما يُرَدُّ فيه يُرَدُّ فيها من غير عكسٍ، كـ: لام أبٍ وأخٍ، فإنَّها تُردُّ في التَّثنية دون الجمع، يعني: ردُّ اللام إذا رجع في التَّثنية لزم أن يرجع في جمع التصحيح من غير عكس، فصار الأعم: التَّثنية، لأنَّه ما يأتي ردٌّ في جمع التَّصحيح إلا وَرُدَّ في التَّثنية، وَقَد يُرَدُّ في التَّثنية ولا يُرَد في جمع المذكَّر السَّالم، إذاً: أيُّهما أعم؟ جمع التَّثنية أعمُّ من جمع التصحيح، إذاً: لماذا ذَكَره؟ لا فائدة من ذكره، إلا أن يُقال من باب تتميم الفائدة، بأنَّه يُرَدُّ في كذا وَيُرَدُّ في كذا، على كُلٍّ: اعْتُرِض عليه في هذا، قيل: لا تظهر فائدةٌ لذكر جمع التَّصحيح المُذكَّر لإغناء ذكر التَّثنية عن ذكره، لَمَّا ذكر: (أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ) يكفي، لأنَّه إذا رُدَّ في التَّثنية رُدَّ في جمع التَّصحيح، لأنَّ كُلَّ ما يُرَدُّ فيه يُرَدُّ فيها من غير عكس، كُل ما رُدَّ في جمع التصحيح المُذكَّر رُدَّ في التَّثنية، وقد يُرَدُّ في التَّثنية ما لا يُرَدُّ في جمع التصحيح. إذاً: لو اكتفى بالتَّثنية عن جمع التَّصحيح المُذكَّر لاختصر الكلام، فـ: أب وأخ، هذه تُرَدُّ في التَّثنية: أبوان وأخوان، ولا تُرَدُّ في الجمع، وأمَّا جمعه: أَخُون وأبون، قلنا: هذا شاذ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه. وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ .. (وَحَقُّ) مبتدأ وهو مضاف، و (مَجْبُورٍ) مضافٌ إليه، (بِهَذِي) توفيةٌ بهذي، (تَوْفِيَهْ) هذا خبر، و (بِهَذِي) مُتعلِّقٌ به، (وَحَقُّ مَجْبُورٍ) بردِّ لامه إليه بهذي المواضع الثلاثة، (بِهَذِي) يعني: فيها، الباء هنا بمعنى: في، ما هي المواضع الثلاثة؟ جمع المؤنَّث السَّالم .. بألفٍ وتاء، والمذكَّر، والتَّثنية. التي ذكرها في الشَّطر الأول: (فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ) هذان أمران، (أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ) هذا الأمر الثالث، (وَحَقُّ مَجْبُورٍ) يعني: بردِّ لامه إليه (بِهَذِي) المواضع الثلاثة أي: فيها، (تَوْفِيَةٌ) بِردِّها إليه في النَّسب إليه، يعني: تُوَفِّي الكلمة حقَّها وتكرمها إذا رددتها في النَّسب إلحاقاً بهذه المواضع الثلاثة، لأنَّ باب النَّسب كالتَّصغير والجمع يَرُد الأشياء إلى أصولها في الجملة، حينئذٍ لَمَّا رُدَّت في هذه المواضع الثلاثة من حقِّ الكلمة أن تُوفِّي إليها وتكرمها، أن تُعيد إليها هذا المحذوف في النَّسب. وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ .. يعني: أنَّ ما جُبِر في التَّثنية وجمعي التصحيح جُبِر في النَّسب وجوباً، هذا تصريحٌ بالمفهوم السابق، لأنَّه نَصَّ على ذلك (إنْ لَمْ يَكُ جَوَازاً) جائزاً .. (وَاجْبُرْ جَوَازاً إنْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ) مفهومه: إن أُلِفَ رَدُّه في جمعي التصحيح أو في التَّثنية، فالحكم مُخالف لقوله: (جَوَازَاً) ولا يقابل جوازاً إلا الوجوب، صَرَّح بهذا المنطوق بقوله: (وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي) يعني: في .. الباء هنا بمعنى: في، و (هَذِي) اسم الإشارة هنا يعود إلى المواضع الثلاثة، أي: فيها.

ويَحتمل أن يكون (هَذِي) .. ـذِي: إشارة إلى اللام، أي: حقُّ المجبور بهذي اللام أي: بِردِّها إليه في المواضع المذكورة التَّوْفِية بِردِّها إليه في النَّسب، يَحتمل هذا ويحتمل ذاك. وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ .. إذاً القاعدة العامَّة: أنَّه إذا نُسِب إلى الثلاثي المحذوف اللام جُبِر في النَّسب، (جُبِر) يعني: بردِّ لامه، وهذا الرَّد وهذا الجبر على نوعين: - إمَّا أن يكون واجباً، وإمَّا أن يكون جائزاً. وجوبه في مسألتين – هذا تلخيص -: - أولاً: إن كان مُعتلَّ العين مُطلقاً، سواءٌ رُدَّت اللام في جمع التصحيح بنوعيه، أو في التَّثنية، أو لم تُرَد، مثل: شاة. - الثاني: إذا رُدَّت اللام في المواضع الثلاثة، حينئذٍ وجب ردُّ اللام. ما عدى هذين الموضعين أنت مُخَيَّر بين الرَّد وتركه، وإذا نُسِب إلى: يَدٍ وَدَمٍ. جاز الوجهان عند من يقول: يدان ودمان، ووجب الرَّد عند من يقول يَدَيَان ودميان. (دَمْ وَيَدْ) هل يجب الرَّد أو لا يجب؟ فيه تفصيل: بعضهم إذا ثنَّى يقول: يدان .. دمان، من قال: يدان، جاز عنده الأمران، من يقول: يديان، وجب الرَّد، إذاً: هنا خلافٌ في اللغة، فمن ردَّ المحذوف .. اللام في: يَد وَدَم، عند التَّثنية حينئذٍ وجب عنده ردُّ اللام في النَّسب: يَدِيٌّ .. دَمِيٌّ، ثُمَّ قلبها في غيرها، وأمَّا من قال: يديان ودميان، حينئذٍ وجب الرَّد عنده، وأمَّا من قال: يدان ودمان، جاز الوجهان: دَمَوِيٌّ .. يَدِيٌّ، وغير ذلك. وإذا نُسِب إلى ما حُذِفت لامه وَعُوِّض منها همزة الوصل مثل: ابن، (ابن) هذا يُحْذَف ليس مثل: أخ وأب، (أخ وأب) حُذِفَت اللام ولم يُعَوَّض عنه شيء، أصله: أَخَوٌ وَأَبَوٌ، حُذِفت اللام .. الواو اعتباطاً ولم يُعَوَّض عنها شيء، (أب) ما عُوِّض عنها شيء .. على حرفين، لكن (ابن) أصلها: بَنَوٌ، حُذِفت الواو اعتباطاً تقول: بن أو ابن؟ ابن، الهمزة هذه من أين جاءت؟ الهمزة هذه عِوَض عن الواو، هل الحكم هنا كالحكم السابق؟ نقول: إذا نُسِب إلى ما حُذِفَت لامه وَعُوِّض منها همزة الوصل جاز أن يُجْبَر وتحذف الهمزة .. نجبره ونحذف الهمزة، وألا يُجْبَر وَتُسْتَصْحَب فتقول في (ابن) و (اسمٍ) و (اسْتٍ): بَنَوِيٌّ، ماذا صنعت؟ رددت اللام وحذفت الألف، ولا يُجمع بينهما، لأنَّ الألف عِوَضٌ عن الواو .. اللام المحذوفة، ولا يُجْمَع بين العِوَض والمُعَوَّض عنه. إذاً (بَنَوِيٌّ) بردِّ اللام، و (سِمَوِيٌّ) أو (سُمَوِيٌّ) على وجهين، و (سَتَهِيٌّ) على الأول، و (ابْنِيٌّ) ماذا صنعنا؟ نسبنا إليه دون ردٍّ للام وإبقاء الهمزة .. استصحبنا الهمزة. إذاً لك وجهان في نحو (ابن): إمَّا أن تَردَّ اللام وتنسب إليه مع حذف همزة الوصل فتقول: بَنَوِيٌّ، وإمَّا ألا تَرُدَّ اللام وتستصحب الهمزة فتقول: ابْنِيٌّ .. اسْمِيٌّ .. اسْتِيٌّ، هذا على الثاني.

ومذهب سيبويه وأكثر النَّحويين: أنَّ المجبور تُفْتَح عينه وإن كان أصله السكون، ولذلك قلنا: (شَوْهِيٌّ) و (شَاهِيٌّ) هناك .. فيما ذكرناه سابقاً، إذا رُدَّت اللام فُتِحَت العين مُطلقاً عند سيبويه سواءٌ كانت عينه مفتوحة في الأصل أم ساكنة، أصل (شَاهِيٌّ) عند سيبويه: شَوْهِيٌّ، لكن وجب عنده إذا رُدِّت اللام فتح العين ففتح العين فتحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً فصارت: شَاهِيٌّ. قلنا: الأصل عند سيبويه في النَّسبة إلى (شاة): شَاهِيٌّ، وعند الأخفش: شَوْهيٌّ، ما سبب الخلاف هنا .. لماذا قال الأخفش: شَوْهِيٌّ، وقال سيبويه: شَاهِيٌّ؟ اتَّفقا على ردِّ اللام: شَاهِيٌّ .. شَوْهِيٌّ، النَّسبة بردِّ اللام، لكن عند سيبويه إذا رُدَّت اللام فُتِحَت العين سواءٌ كانت مفتوحة في الأصل أم ساكنة، فالأصل عنده: شَوْهِيٌّ، ففتح العين التي هي الواو، حينئذٍ لَمَّا فتح العين تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً فقال: شَاهِيٌّ، وعند الأخفش: لا .. يبقى السكون على ما هي عليه فقال: شَوْهِيٌّ. إذاً الخلاصة: أنَّ مذهب سيبويه وأكثر النَّحويين أنَّ المجبور إذا رُدَّت اللام إليه تُفْتَح عينه وإن كان أصله السكون، وذهب الأخفش إلى تسكين ما أصله السكون، ولذلك نطق فيما سبق بـ: شَوْهِيٌّ. تسكين ما أصله السكون فتقول في (يَدٍ) و (دَمٍ) و (غَدٍ) و (حِرٍ) على مذهب الجمهور: يَدَوِيٌّ وَدَمَوِيٌّ وَغَدَوِيٌّ وَحِرَحِيٌّ، كلها بفتح العين على مذهب سيبويه، سواءٌ كانت في الأصل مفتوحة أم ساكنة. وعلى مذهب الأخفش: يد .. يَدْييٌّ، بإسكان الدَّال و (دَمْيِيٌّ) و (حِرْحِيٌّ) بالسكون، لأنَّ أصله العين في هذه الكلمات، والصحيح مذهب سيبويه وبه ورد السماع، قالوا في (غَدٍ): غَدَوِيٌّ، (غَدْ) العين ساكنة، لكن لَمَّا نسبوا إليه قالوا: غَدَوِيٌّ، فدل على أنَّهم يُحرِّكون العين. إذاً: وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا حُذِفْ مِنْهُ جَوَازاً مع فتح عينه على مذهب جماهير النُّحاة .. ارجع وقَيِّد: مع فتح عينه، حينئذٍ نحتاج إلى استدراك شيئين على النَّاظم: الأول: أنَّه لم يستثنِ مُعتلَّ العين مِمَّا لم يُؤْلَف ردُّ لامه في التَّثنية والجمع، فحكم عليه بالجواز والعدم، يعني: يجوز الرَّد وعدم الرَّد، والصواب: الوجوب. ثُمَّ قوله: (وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ) سكت عن العين، فَيُفْهَم منه أنَّ العين تكون ساكنة والصواب: أنَّها تُحَرَّك بالفتح. وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ مَا مِنْهُ حُذِفْ ... جَوَازاً انْ لَمْ يَكُ رَدُّهُ أُلِفْ فِي جَمْعَيِ التَّصْحِيحِ أَوْ فِيْ التَّثْنِيَهْ ... وَحَقُّ. . . . . . . . . . . . . . هذا القسم الثاني: وهو واجب الجبر: وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي تَوْفِيَهْ ..

حَقٌّ مجبورٍ بردِّ اللام في هذه المواضع الثلاثة توفيةٌ في النَّسب إليه، كيف نصل .. الجملة هنا؟ يعني: نأخذ حكم المنسوب إليه بأنَّه تُرَد من قوله: (تَوْفِيَهْ)، (وَحَقُّ) مبتدأ وهو مضاف، و (مَجْبُورٍ) مضاف إليه، مجبور بماذا؟ بردِّ لامه إليه، (بِهَذِي) يعني: في هذه المواضع: التَّثنية والجمع، نحن نتحدث عن التَّثنِية والجمع أو عن النَّسب؟ عن النَّسب .. بردِّ اللام في النَّسب، وهو يقول: (وَحَقُّ مَجْبُورٍ بِهَذِي) يعني: ما جُبِر بردِّ اللام في هذه المواضع حقُّه (تَوْفِيَةٌ) متى؟ في النَّسب إليه، إذاً: الحكم نأخذه من قوله: (تَوْفِيَهْ) - وفَى: وهو الإكمال - (تَوْفِيَةٌ) بردِّها إليه في النَّسب إليه. قال الشَّارح: إذا كان المنسوب إليه محذوف اللام فلا يخلو إمَّا أن تكون لامه مُستحقَّةً للرد في جمعي التَّصحيح أو في التَّثنية أو لا، فإن لم تكن مُستحقَّةً للرَّد فيما ذُكِر جاز لك في النَّسب الرَّد وتركه، فتقول في (يَدٍ) و (ابنٍ): يَدَوِيٌّ وَبَنَوِيٌّ، وابْنِيٌّ وَيَدِيٌّ، كقولهم في التَّثنية" لكن المشهور التفريق - الشَّارح هنا أدمج بعض مع بعض - المشهور أنَّه يُمَثَّل بِما لم يُعَوَّض عنه، ثُمَّ تُفْرَد مسألة لِمَا عُوِّض عنه بالهمزة، والنتيجة واحدة. كقولهم في التَّثنية: يدان وابنان، وفي (يَدٍ) عَلَماً لمُذكَّر: يدون، وإن كانت مستحقَّةً للردِّ في جمعي التَّصحيح أو في التَّثنية وجب رَدُّها في النَّسب، فتقول في (أَبٍ) و (أَخٍ) و (أُخْتٍ) - (أخت) سينص عليها-: أَبَوِيٌّ وَأَخَوِيٌّ، كقولهم: أبوان وأخوان وأخوات. وَبِأَخٍ أُخْتَاً وَبِابْنٍ بِنْتَا ... أَلْحِقْ وَيُونُسُ أَبَى حَذْفَ التَّا ألحق بـ (أخٍ): أختاً .. ألحق بـ (ابنٍ): بنتاً، (أخْ) ماذا تقول فيه؟ أَخَوِيٌّ، واجب؛ لأنَّها ترجع في التَّثنية: أخوان، (أخت) مثلها، و (ابن) تقول: بَنَوِيٌّ أو ابْنِيٌّ، بجواز الوجهين، مثلها (بنتاً)، اخْتُلِف في النَّسب ولذلك أورد قول يونس: (وَيُونُسُ) النَّاظم لا يُسَمِّي، الموضع الأول مِمَّا سَمَّى فيه (ذَا عَمْرُوٌ نَقَلْ)، وهذا الموضع الثاني مما سَمَّى في (الألفية) .. سَمَّى (يُونُسْ)، وسَمَّى (عَمْرو) وهو سيبويه، سَمَّى التِّلميذ هناك وهنا سَمَّى شيخه، هذا: يُونُس بن حبيب، شيخ سيبويه .. الأصل الكبير. اخْتُلِف في النَّسب إلى (بنت) و (أخت)، فقال سيبويه: كالنَّسب إلى (أخٍ) و (ابنٍ) بحذف التاء وردِّ المحذوف، يعني (أخت) التاء هذه تُحذف صار (أخ)، وإذا كان كذلك حينئذٍ (أخ) أصله: أَخَوٌ، تحذف التاء وتردَّ اللام، فتقول: أَخَوِيٌّ وَبَنَوِيٌّ، بفتح أوَّلهما وثانيهما لأنَّه أصلهما، وقال يونس: ليس الأمر كذلك، يُنْسَب إليهما إلى لفظهما ولا تُحْذَف التاء، فتقول: أُخْتِيٌّ، وتقول: بِنْتِيٌّ، بالنَّسبة دون حذف التاء، والجمهور على الأول.

قال يونس: لأنَّها وإن أشعرت بالتَّأنيث إلا أنَّها أشبهت تاء: جِبْت وَسُحْت" (جِبْت) التاء هذه أصلية وقبلها ساكن مثلها: أُخْتٌ .. جِبْتٌ، جِبْتٌ تاءٌ قبلها ساكن .. (بنت) تاءٌ قبلها ساكن، إذاً: أشبهت تاء (جِبْت) و (سُحْت) في سكون الحرف الصحيح قبلها، هذا وجه الشَّبه أولاً. ثانياً: والوقوف عليها بالتاء لا بالهاء، تقول: أخت .. بنت، تقف عليها بالتاء ولا تقف عليها بالهاء، كما تقول: عائشة .. قائمة .. مسلمة، إذاً: فرقٌ بين هذه التاء المجرورة .. يُعَبَّر عنها بالمجرورة المفتوحة، وبين التاء المربوطة، هذه وُقِف عليها بالتاء كما هي، وتلك وقف عليها بالهاء، وكتابتها مجرورة فكأنها لم تُشْعِر بالتأنيث. إذاً: لو تأمَّلت! نظرت أنَّ الخلاف هنا سببه: التاء هذه، هل هي للتأنيث فتحذف للقاعدة السابقة، أم أنها ليست للتأنيث؟ إن حكمنا عليها بأنَّها للتَّأنيث حذفنا وإلا فلا، انظر! يُونُس حاول أن يجذبها يقول: " وإن أشعرت بالتأنيث إلا أنَّها كالحرف الصحيح أولى – إلحاقها بالحرف الصحيح أولى - " حينئذٍ بقيت فقيل: أُخْتِيٌّ وَبِنْتِيُّ، وسيبويه يرى أنَّ هذه التاء للتَّأنيث، فحينئذٍ إذا كانت للتَّأنيث فالأصل: أنَّ ما كان مختوماً بتاء التأنيث وجب حذف التاء عند النَّسب. سبب الخلاف: أنَّ التاء هذه هل هي حرفٌ صحيح، وإن أشعر بالتأنيث، أم أنَّه حرفٌ للتَّأنيث؟ سيبويه على الثاني، وشيخه يونس على الأول، ولذلك لو نظرت في العلل التي أوردها يونس أنَّه قال: " وإن أشعرت بالتأنيث إلا أنَّها أشبهت تاء (جِبْتْ) " وتاء (جِبْت) أصلية، أشبهتها في كونها مُتطرِّفة قبلها صحيحٌ ساكن، ومثلها: (سُحْت) بسكون الحرف الصحيح قبلها، كذلك يوقف عليها بالتاء (أخْت) و (بنْت) كما تقول: (جبت) و (سحت)، فوُقِف عليها بالتاء. كذلك كتابتها مجرورة، فكأنَّها لم تُشْعِر بالتأنيث فليست حرف تأنيث عنده فلذلك بقيت على أصلها، فتقول: أُخْتِيٌّ وَبِنْتِيٌّ، وَأُورِد عليه: أنَّهم عاملوا (بنتاً) و (أختاً) مُعاملة المُؤنَّث بالهاء حيث جمعوها على (بنات) و (أخوات). إذاً: هذه التاء للتَّأنيث، بدليل أنَّهم جمعوها بألفٍ وتاء فقيل: (بنات) و (أخوات)، إذاً: الغَلَبة هنا للتأنيث، فإذا كان الأمر كذلك حينئذٍ نقول: وجب حذفها، كما قلنا هناك (فاطمة) تقول: فَاطِمِيٌّ، لأنَّ هذه التاء للتَّأنيث، وعليه ترجع إلى ما سبق تقول: تاء تأنيثٍ سواءٌ كانت مربوطة أو مفتوحة مثل هذه، فَتُعَمِّم الحكم.

وَأُورِد على يونس: أنَّهم عاملوا (بنتاً) و (أختاً) مُعاملة المُؤنَّث بالهاء حيث جمعوها على (بناتٍ) و (أخوات)، دون (بنتات) و (أختات) لو كان كلامه في مَحلِّه بأنَّ التاء هنا أصلية لقالوا: (أختات)، لكن قالوا: (أخوات) وقالوا: (بنات)، ولم يقولوا: (بنتات)، لَمَّا لاحظوا أنَّ هذه التاء للتأنيث لم يجمعوا بينها وبين التاء التي بعد الألف: (بنات)، التاء الثانية هذه بعد الألف للتأنيث، حذفوا الأولى لئلا يجمعوا بين علامتي تأنيث، فحذفهم للتاء من (أخت) دل على أنَّها للتأنيث، إذ لو كانت ليست للتأنيث كما ادَّعى يونس لقيل: (أختات) فَزِيِد ألفٌ وتاء، وحينئذٍ لا يكون فيه جمعٌ بين علامتي تأنيث, ولا قالوا: (بنتات) كما هي، لكن لَمَّا حذفوا التاء حينئذٍ عاملوا هذه التاء المفتوحة معاملة (عائشات) و (فاطمات) و (مسلمات) فحذفوها. وأمَّا اللبس الذي يُورَد، لأنَّه إذا قيل (أخت): أَخَوِيٌّ، هنا يَرِد لبس بين (أخ) و (أخت)، قالوا: اللبس في باب النَّسب لا يَضُرُّ، لأنَّه يُعرف بالقرائن والسياق، حينئذٍ لو أورد بأنَّه يقال: بَنَوِيٌّ، هذا ذكر أو أنثى؟ وكذلك إذا قيل: أَخَوِيٌّ، إذاً: (أَخَوِيٌّ) هذا يَحتمل أنَّه نِسبَة إلى (أخ) أو إلى (أخت)، قالوا: اللبس هنا ليس له تأثير. يعني: لا يرد على مذهب سيبويه اللبس، لأنَّه لا يَضُرُّ في هذا الباب، والفرق بين الجمع والنَّسب: بأنَّ الجمع لا لبس فيه بِخلاف النَّسب، إذ حذف التاء فيه يُلْبِس المنسوب إلى المُؤنَّث بالمنسوب إلى المُذكَّر، إنَّما ينهض هذا الاعتراض إذا قلنا بضرر اللبس في هذا الباب، واللبس هنا لا يضر، حينئذٍ لا فرق بينهما. إذاً الخلاصة: (وَبِأَخٍ أُخْتَاً أَلْحِقْ) ألحق بـ: (أخ)، (بِأَخٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَلْحِقْ)، (أُخْتَاً) مفعول به لقوله: (أَلْحِقْ)، (وَبِابْنٍ) معطوف على (بِأَخٍ)، (بِنْتَاً) معطوف على (أُخْتَاً)، (وَبِابْنٍ) جار ومجرور معطوف على (بِأَخٍ) .. لا تقل: مُتعلِّق بـ: (أَلْحِقْ)، و (بِنْتَاً) هذا معطوف على (أُخْتَاً)، ولا تقل: مفعول لـ: (أَلْحِقْ)؛ لأنَّ (أَلْحِقْ) له مفعول واحد، (ألحق بـ: بِأَخٍ أُخْتَاً، وَبِابْنٍ بِنْتَاً) هذا معطوف، الجار والمجرور على الجار والمجرور، والمنصوب على المنصوب. وَيُونُسُ أَبَى حَذْفَ التَّا .. (وَيُونُسُ) -بن حبيب- هذا مبتدأ، (أَبَى) منع .. هو يونس، (حَذْفَ) مفعول به وهو مضاف، و (التَّا) قصره للضرورة، أصله: التاء .. حذف التَّاء، (حَذْفَ) مضاف، و (التَّا) مضاف إليه، وجملة (أَبَى) في محل رفع خبر المبتدأ. وأمَّا النَّسب إلى: ابنةٍ .. (بنتٌ) هذا قلنا: فيه خلاف بين الجمهور ويونس، وأمَّا (ابنةٌ) فالنَّسب إليها: ابْنِيٌّ وَبَنوِيٌّ، على الوجهين. (ابْنِيٌّ) و (بَنَوِيٌّ) كالنَّسب إلى (ابنٍ) اتفاقاً، إذ التاء فيها ليست عوضاً كتاء (بنت)، يعني: اتفقوا على الفرق بين (بنت) و (ابنة)، (ابنة) ملحقةٌ بـ: (ابن)، يُقال فيها: ابْنِيٌّ وَبَنَوِيٌّ، (ابْنِيٌّ) بدون رَدٍّ مع استصحاب الهمزة، و (بَنَوِِيٌّ) بالرَدِّ مع حذف الهمزة، هذا اتفاقاً بخلاف (بنت) فهو مَحلُّ نزاع.

إذاً: خلاصة ما ذكره النَّاظم: أنَّك إذا نسبت إلى ما حُذِفت لامه رددتها وجوباً في مسألتين. - الأولى: أن تكون العين مُعتلَّة كـ: شاةٍ. - والثانية: أن تكون اللام قد رُدَّت في تثنيةٍ أو جمعٍ، ويجوز ردُّ اللام وتركها فيما عدى ذلك. قال الشَّارح: ومذهب الخليل وسيبويه - رحمهما الله تعالى - إلحاق: أُخْتٍ وَبِنْتٍ في النَّسب بـ: أخٍ وابنٍ" ولذلك قيل (أخت) و (بنت) مِمَّا حُذِفت لامهما، لأنَّ النحويين ذكروهما فيما حُذِفت لامه، فالتاء إذاً فيها عِوَضٌ من اللام المحذوفة، وإنَّما حُذِفت في النَّسب على مذهب سيبويه لِمَا فيها من الإشعار بالتأنيث، إن لم تكن مُتمَحِّظةً للتأنيث. إذاً: حذفها سيبويه، لأنَّها مُشْعِرةٌ بالتأنيث، وهي عِوَضٌ عن المحذوف (أُخْتٌ .. بِنْتٌ) حُذِفَت اللام وعوِّض عنها. قال: فَتُحْذَف منهما تاء التأنيث وَيُرَدُّ إليهما المحذوف، فيقال: أَخَوِيٌّ وَبَنَوِيٌّ، كما يُفْعَل بـ: أَخٍ وابنٍ، وَمَذْهَب يُونُس أنَّه يُنْسَب إليهما على لفظيهما فتقول: أُخْتِيٌّ وَبِنْتِيٌّ. وَضَاعِفِ الثَّانِيَ مِنْ ثُنَائِي ... ثَانِيْهِ ذُو لِينٍ كَلاَ وَلاَئِي (لا) .. (لائِيٌّ) لو سَمَّيت رجلاً بـ: (لا) ثنائي، وهذه مسائل كلها مُولَّدة يذكرون فيها تفاصيل: (كِلا) و (كلتا) إلى آخره، لكنَّها محذوفة ليست معنا. وَضَاعِفِ الثَّانِيَ مِنْ ثُنَائِي .. إذا نُسِب إلى ثُنَائِي وضعاً، يعني: ما سبق إذا كان ثنائي حُذِف منه حرفٌ، وهنا ثُنائي وضعاً، (مَا) الاستفهامية .. لو سَمَّيت رجل: (ما) انسب إليه .. كيف تقول؟ حينئذٍ يُنْظَر فيه، سَمَّيت رجل: (هل) وصار اسم قبيلة فتنسب إليه، كيف تقول؟ حينئذٍ نقول: أصله وضعاً ثُنائي، ثُمَّ هذا الثُّنَائي قد يكون مُعتلَّ اللام، وقد يكون صحيح اللام، قد يكون مُعتلَّ اللام يعني: حرفاً مُعتلَّاً، وقد يكون صحيحاً، فإن كان صحيحاً جاز فيه التَّضعيف وعدمه، التَّضعيف يعني: تُضَعِّف اللام، كما سبق في (هل)، وعدمه. لو سُمِّي بـ: (كم) قلت: كَمِيٌّ أو كَمِّيٌّ، إمَّا أن تُضَعِّف الميم يعني: تجعلها ميم أخرى، وإمَّا أن تُخفِّف الميم فتبقى كما هي فتقول: كَمِيٌّ، إذاً: إذا كان حرفاً صحيحاً لا إشكال فيه: إمَّا أنك تُضَعِّف وتنسب، وإمَّا أنَّك تنسب إليه مباشرة: هَلِيٌّ .. كَمِيٌّ .. إِنِيٌّ .. أَنِيٌّ، كلها تنسب إليها مباشرة، لو سَمَّيت رجل بـ: (إن) ونسبت إليه: إِنِيٌّ أو: إِنِّيٌّ .. ضَعِّفْ (أَنِّيٌّ) .. (أَنِيٌّ)، (كَمْ): (كَمِيٌّ) .. (كَمِّيٌّ). وإن كان ثانيه حرف لين مثل: ما، ولو، وكي، ضُعِّف بمثله إن كان آخره ياءً أو واواً (لو): لَوِّيٌّ، وإن كان ياء كذلك (كَي): كَيِّيٌّ، ضُعِّف بمثله إن كان ياءً أو واواً فتقول في (كي) و (لو): كَيْوِيٌّ وَلَوِّيٌّ، لأن (كي) لَمَّا ضُعِّف صار مثل (حي)، وسبق أنَّ (حي) ما كان مسبوقاً بحرف، ماذا نصنع في: (حي)؟ فتح الثاني، فَيُفَكَّ الإدغام، ثُمَّ الياء إن كانت منقلبة عن واوٍ رجعت، وإلا بقيت على أصلها، صار (كي) مثله، ولذلك قُلِبت الثانية واواً: كَيْوِيْ .. عُومل معاملة: حي.

إذاً: إن كان ياءً أو واواً حينئذٍ ضُعِّف بِمثله، فتقول في (كي) و (لو): كَيْوِيٌّ وَلَوِّيٌّ، لأنَّ (كَيْ) لَمَّا ضُعِّف صار مثل (حي)، و (لو) لَمَّا ضُعِّف صار مثل: دَوٍّ - (دَوٍّ) اسمٌ لفلاةِ - وإن كان ألفاً ضُوعفت وَأُبْدِلت همزة، "لا" مثلاً أو "ما" تقول في رجل اسمه: لا، لا ثُمَّ تُضَعِّف الألف، فتقلب الألف همزة تقول: لائِيٌّ، (ما): مَائِيٌّ، تنسب إليه، تُضَعِّف الألف لكن تقلبها همزة. وأمَّا: كي ولو، تُضَعِّف الياء وتُضَعِّف الواو وتبقى كما هي .. لا تنقلب، وأمَّا الألف تُضعِّفها ألفاً وتجعلها همزةً، تقول: مائيٌّ .. لائِيٌّ، ويجوز قلب الهمزة واواً فتقول: لاويٌّ .. ماويٌّ. وَضَاعِفِ الثَّانِيَ مِنْ ثُنَائِي ... ثَانِيْهِ ذُو لِينٍ كَلاَ وَلاَئِي (ضَاعِف) فعل أمر مبنيٌّ على الكسرة، (وَضَاعِفِ) الكسرة هذه للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، (وَضَاعِفِ الثَّانِيَ)، (ضَاعِف) فعل أمر مبنيٌّ على السكون المُقدَّر، منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التَّخلُّص من التقاء الساكنين، (ضَاعِف) والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، (الثَّانِيَ) مفعول به ولذلك حُرِّك بالفتح .. (ثانِيَ) لخفة الفتحة، (مِنْ ثُنَائِي) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوفٍ حال من الثاني، لأنَّه معرفة، الجار والمجرور إذا وقع بعد معرفة مباشرة تقول: مُتعلِّق بمحذوف حال، إلا إذا طلبه عامل آخر فَيُنْظَر فيه. (وَضَاعِفِ الثَّانِي) حالة كونه .. الثاني (مِنْ ثُنَائِي) (ثُنَائِي) يعني: ثُنائي العدد .. مُؤلَّف من حرفين وضعاً – قَيِّده: وضعاً - وأمَّا ما كان محذوفاً باللام .. وهذا سبق فيما سبق. (ثَانِيْهِ ذُو لِينٍ)، (ثَانِي) هذا مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره منع من ظهورها الثِّقَل؛ لأنَّه ناقص، وهو مضاف، و (الهاء) ضمير مُتَّصل مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه .. (ثَانِيْهِ)، ومرجع الضمير (ثَانِيْهِ)؟ ثَانِي الثُّنَائِي، (ذُو لِينٍ) .. (ذُو لِينٍ) يعني: صاحب لينٍ، (ذُو) خبر (ثَانِي)، وهو مرفوع ورفعه الواو نيابةً عن الضَمَّة لأنَّه من الأسماء السِّتة. (ذُو) مضاف، و (لِينٍ) مضاف إليه مجرور بالإضافة، أو باللام، أو بـ: (ذُو)؟ مجرور بـ: (ذُو) وجرُّه كسرة أو كسرتين؟ كسرة، والثانية بدل عن التنوين، (ذُو لِينٍ) تضع كسرتين: الكسرة الأولى كسرة الإعراب، والثانية بدلٌ عن التنوين، والجملة (ثَانِيْهِ ذُو لِينٍ) في محل جر صفة لأي شيء؟ (مِنْ ثُنَائِي)، (ثُنَائِي) هذا مَجرور، إذاً: في محل جر صفة لـ: (ثُنَائِي). (كَلاَ) اسْماً، (الكاف) حرف جر، و (لا) اسمٌ، دخل عليه حرف الجر مُتعلِّق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، وذلك (كَلاَ وَلاَئِي) مثال للمنسوب والمنسوب إليه، (لاَ) ليست منسوبة إليها، وإنَّما هذا منسوبٌ إليه، (وَلاَئِي) هذا المنسوب، (لاَ) منسوبٌ إليه، إذاً مثَّل للنوعين: قبل النَّسب وبعد النَّسب.

قال الشَّارح: إذا نُسِب إلى ثُنَائِيٍّ لا ثالث له، يعني: وضعاً .. عَبَّر عن وضعاً بقوله: لا ثالث له، فلا يَخلُ الثاني إمَّا أن يكون حرفاً صحيحاً، أو حرفاً مُعْتَلَّاً، فإن كان حرفاً صحيحاً جاز فيه التَّضعيف وعدمه، فتقول في (كَمْ): كَمِّيٌّ، وإن كان حرفاً مُعْتَلَّاً وجب تضعيفه فتقول في (لو): لَوِّيٌّ، وإن كان الحرف الثاني ألفاً ضُوعِفَت وَأُبْدِلت الثانية همزةً، فتقول في رجل اسمه (لا): لائِيٌّ، ويجوز قلب الهمزة واواً فتقول: لاويٌّ. وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ ... فَجَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ الْتُزِمْ هذا النوع الثاني، قلنا: إذا نُسِب إلى ثُلاثيٍّ حُذِف منه حرف: إمَّا أن يكون المحذوف لاماً وقد سبق، وإمَّا أن يكون عيناً وسكت عنه النَّاظم .. سيأتي، وإمَّا أن يكون فاءً، إذاً: إذا نُسِب إلى ثُنَائِيٍّ حُذِفت فاؤه. وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ .. ما عَدِم الفاء. فَجَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ الْتُزِمْ .. إذاً: وجب جبره وهو بِردِّ فائه، (وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ)، (وَإِنْ) هذا شرط، و (يَكُنْ) فعل مضارع ناقص .. فعل الشَّرط مجزومٌ بـ (إِنْ)، وجزمه السكون الظَّاهر على آخره، (كَشِيَةٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر (يَكُنْ) مُقدَّم .. كائناً كَشِيةٍ: هكذا التَّقدير. (مَا) اسمٌ موصولٌ بِمعنى: الذي، في محل رفع اسم (يَكُنْ)، ما عدم الفاء .. الذي عَدِم، (عَدِمْ) فعل ماضي مبني للمعلوم، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، و (الْفَا) مفعول مُقدَّم لقوله: (عَدِمْ)، والتقدير: وإن يكن الذي اسمٌ ثلاثيٌّ عَدِم الفاء كَشِيَةٍ، (فَجَبْرُهُ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، و (جَبْرُهُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (الهاء) ضمير مُتَّصل مبني على الضَّم في محل جر المضاف إليه. (فَجَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ)، (فَتْحُ) هذا معطوف على (جَبْرُهُ)، حينئذٍ المعطوف على المرفوع مرفوع، وهو مضاف، و (عَيْنِهِ) مضافٌ إليه، (الْتُزِمْ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر .. (جَبْر) كم حكم ذكر له؟ ذكر حكمين: (جَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ)، هناك انتقدنا النَّاظم لَمَّا ذكر الجبر ولم يذكر فتح العين، وهنا نَصَّ عليهما معاً. حينئذٍ الحكم حكمان، لكنَّه قال: (الْتُزِمْ)، والأصل أن يقول: (الْتُزِمَا) لأنَّه إذا كان عائد الضمير مُثنَّىً وجبت التَّثنية، هل تقول: الزَّيدان قَامَ؟ لا يصح، هذا مثل: الزَّيدون قام، زَيْدٌ قام، نعم، (قام) فيه ضمير يعود على: زيد، وهو مفرد مُذكَّر، (الزَّيدان قام) لا يصح، لأنَّ الضمير هنا مفرد، ومرجع الضمير مثنَّى ولا بُدَّ من التَّطابق، حينئذٍ وجب أن يقول: الزَّيدان قاما .. بالألف، (الزِّيدون قام) لا يصح، لأنَّ الضمير هنا (قام) مُسندٌ إلى واحد، حينئذٍ كان الضمير مفرداً مذكَّراً، ومرجعه: الزَّيدون، فإذاً: لا بُدَّ من التَّطابق وهذا فاسد، فوجب أن يقول: الزَّيدون قاموا.

هنا قال: (جَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ) حكمان الْتُزِما، هذا الأصل، فإن وقع مثل هذا في مثل هذا الكلام من إمام في اللغة حينئذٍ لا بُدَّ من التأويل، (الْتُزِمْ) هو لا تعيده على (جَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ)، وإنَّما تعيده إلى المذكور، التزم هذا المذكور، وهذا المذكور مثنَّى أو مفرد؟ مفرد فرُدَّ الضمير إليه بهذا الاعتبار، فلا بُدَّ من التأويل، كما سبق في مواضع من أسماء الإشارة. إذاً: (الْتُزِمْ) هذا خبر والأصل: (الْتُزِما)، ولكن عاد الضمير على المذكور، يعني: من الجبر والفتح. (وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ)، (شِيَةٍ) مُعتلَّ اللام محذوف الفاء، ومعنى (شِيه): هي كل لونٍ يُخالف معظم لون الفرس وغيره، وأصلها: وِشَى، على وزن (فِعَلْ) بكسر الواو، وفتح الشين، وألف، نُقِلت كسرة الواو إلى الشين بعد سلب الحركة، ثُمَّ سكنت الواو وَحُذِفت، نريد حذف الواو التي هي فاء الكلمة، حذفنا كسرة الواو إلى الشين، حذفنا الواو فصار ماذا؟ نحن نقول: شِيَة، التاء هذه من أين جاءت؟ (عِدَة)، أصل: (عِدَة) من الوعد، حُذِفت الواو وَعُوِّض عنها التاء، مثلها (وِشَى) حُذِفت الواو التي هي فاء الكلمة، وَعُوِّض عنها التاء، ولذلك التَّمثيل بالصحيح المشهور والمحفوظ جيد، لو قال: (كَعِدَةٍ). (وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ) أصلها: وِشَى، نُقِلت كسرة الواو إلى الشين بعد سلب حركتها، ثُمَّ حُذِفت الواو التي هي فاء الكلمة وَعُوِّض عنها هاء التأنيث، إذا أردنا أن ننسب إلى مثل هذا التَّركيب: شية، يعني: ما حُذِف منه الفاء، وكانت لامه ياءً كـ: شِيَة، ولذلك قلنا: مُعتلَّ اللام و (دية)، يجب جبره وردُّ ما حُذِف منه وهو الواو، ووجب أيضاً مع ذلك فتح عينه، ولذلك تقول في (شِيَةٍ): وِشَوِيٍّ، حذفت العوض .. التاء، ورددت الأصل، وفتحت العين، ما هي العين؟ الشين فتقول: وِشَوِيٌّ. وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ .. يعني: مِمَّا عَدِم الفاء وكان مُعتلَّ اللام .. نأخذه من المثال، (فَجَبْرُهُ الْتُزِمْ) يعني: يجب جبره برِدِّ فائه عند النَّسب: وِشَوِيٌّ، (وَفَتْحُ عَيْنِهِ) كذلك (الْتُزِمْ) إذاً: التزم فيه أمران. يعني: ما حُذِف منه الفاء وكانت لامه ياءً كـ: شية ودية، وجب جبره يعني: رَدُّ ما حُذِف منه وهو الواو (وَفَتْحُ عَيْنِهِ). وَفُهِم منه: أن المحذوف الفاء إذا كان لامه غير ياءٍ لم يُرَد، وهذا مَثَّل له بـ: عِدَة - يعني: التَّمثيل السَّابق خطأ -، (عِدَةٌ) أصله من الوعد حُذِفت الفاء التي هي الواو وَعُوِّض عنها التاء، في الظَّاهر: أنَّها مثل (شِيَة) وهو كذلك، إلا أن الفرق بينهما من حيث إجراء الحكم الذي ذكره النَّاظم هو لام الكلمة، إن كانت لام الكلمة ياءً وجب الرَّد والفتح، وإن كانت لام الكلمة ولو حُذِفت فاؤه حرفاً صحيحاً لم يَجب الرَّد.

فإن كان صحيحها لم يُرَدَّ إليه المحذوف فتقول في (عِدَةٍ) و (صِفةٍ): عِدِيٌّ .. صِفِيٌّ، هنا حذفت الفاء أيضاً إلا أن اللام حرفاً صحيحاً، إذاً فُهِم: أن المحذوف الفاء إذا كان لامه غير ياءٍ لم يُرَدَّ نحو: عِدَة، وَفُهِم منه: أنَّ المحذوف العين لا يُرَدُّ محذوفه، لماذا؟ هو سيأتي فيه تفصيل لكن هذا كلام المكودي. قال: فُهِم من التنصيص هنا على: (مَا الْفَا عَدِمْ)، وهناك قال: (وَاجْبُرْ بِرَدِّ الَّلامِ) وسكت عن محذوف العين، دلَّ على أنَّه لا يُرَد" وهذا المفهوم فيه تخصيص. إذاً: فجبره بردِّ فائه إليه وفتح عينه التزم عند سيبويه، فتقول على مذهبه في (شِيَةٍ) و (دِيَةٍ): وِشَوِيٌّ .. وِدَويٌّ، وِدَويٌّ فتحت الدَّال مع كونها في الأصل مكسورة، لأنَّ الحكم هنا مُرَتَّب على أصلين: ردُّ الفاء مع فتح العين، فتقول: وِشَوِيٌّ .. وِدَوِيٌّ، لأنَّه لا يُرَدُّ العين إلى أصلها من السكون بل يُفْتَح العين مطلقاً، هذا عند سيبويه سواءٌ كان أصلها الفتح أو السكون، وَيُعَامل اللام معاملة المقصور أي: بقلبها ألفاً لِتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها، ثُمَّ واواً كالمقصور. إذاً نقول فيما كان على مثال: شِيَةٍ، وهو محذوف الفاء ولامه مُعتلَّة وجب فيه أمران، والأخفش يردُّ العين إلى أصلها إن كان أصلها السكون كما سبق، فتقول على مذهبه: وِشْيٌ ووِدْيٌ، فإن كان المحذوف صحيح اللام لم يُجْبَر، فتقول في النَّسب إلى (عِدَة): عِدِيٌّ، وإلى (صِفَة): صِفِيٌّ، بقيت على أصلها. قال الشَّارح: "إذا نُسِب إلى اسمٍ محذوف الفاء فلا يَخلُ: إمَّا أن يكون صحيح اللام أو مُعْتَلَّها، فإن كان صحيحها لم يُرَدَّ إليه المحذوف، فتقول في (عِدَةٍ) و (صِفَةٍ): عِدِيٌّ وَصِفِيٌّ، وإن كان مُعْتَلَّها وجب الرَّد، ويجب أيضاً عند سيبويه فتح عينه، فتقول في (شِيَة): وِشَوِي، (دية): وِدَوي" – بكسر الفاء -. بقي من المحذوف قِسْمٌ ثالث لم يُبَيِّن حكمه: وهو محذوف العين، وحكمه: أنَّه إن كانت لامه صحيحة لم يُجْبَر مثل: سَهْ .. مُذْ، مُسَمَّىً بهما، فتقول: سَهِيٌّ .. مُذِيٌّ، بالنَّسبة إليه مباشرة، وأصلهما: سَتَهٌ، و (مُذْ) أصلها: مُنْذ، ولذلك إذا صغَّرتها قلت: مُنَيْذٌ، رجعت اللام، فدل على أنَّها فرع وليست بأصل، (مُذْ) أصلها: مُنْذُ، هذا قول كثيرٍ من النُّحاة بإطلاق. إذاً: إذا كان لامه صحيحاً لم يُجْبَر فتقول: سَهِيٌّ وَمُذِيٌّ، وقيل: بل هو مُقَيَّدٌ بألا يكون من المُضَاعَف نحو: رُبَ، هذا مُخَفَّف (رُبَّ) حُذِفت عينه، لو سُمِّي رجل: رُبَ .. (رُبَمَا يَوَدُّ) هذه لغة في: رُبَّ، (رُبَّ) على ثلاثة أحرف، لو سَمَّيت بها صارت الفاء هي الرَّاء، والعين هي الباء الأولى: رُبَّ، والباء الثانية هي اللام، لو خَفَّفت بحذف العين قلت: رُبَ، لو سَمَّيت رجل: رُبَ، محذوف العين.

قيل: إن كان من المضاعف نحو (رُبَ) المخَفَّفة بحذف الباء الأولى، إذا سُمِّي بها أو نُسِب إليها فإنه يُقَال: رُبِّيٌّ، يعني: بإرجاع الياء، والجمهور فيما سبق قالوا: أنَّه يُنْسَب إليه دون عودة العين، واستثنى بعضهم إن لم يكن من المضعَّف، فإن كان من المضُعَّف حينئذٍ إذا حُذِفت العين وجب ردُّها، فتقول فيمن اسمه (رُبَ) رُبِّيٌّ، يعني: بردِّ المحذوف، نصَّ عليه سيبويه، قال الأشْمُونِي: "ولا يُعْرَف فيه خلاف". وإن كانت لامه مُعتلَّة نحو: مُرِي، هذا اسم فاعل من: أرى .. يُرِي فهو مُرٍ (مُرِي) بإرجاع الياء، (مُرٍ) هذا اسم فاعل، و (يَرى) مُسمَّىً بهما، جُبِر فتقول فيهما: المُرْئِيٌّ، قلب الياء همزة، (مُرٍ) أصله: من رأى، العين هي الهمزة، فإذا قلت (مُرٍ): مُرْئِيٌّ، رجعت الهمزة التي هي عين الكلمة، لأنَّه من (رأى) .. (رأى) على وزن (فَعَلَ) العين هي الهمزة، إذا قلت: مُرٍ، حُذِفت العين - لها تفصيل يأتي معنا في النَّاقص - فإذا نسبت إليه حينئذٍ تقول: مُرئِيٌّ، بإرجاع العين، وكذلك: يُرْئِيُ، إذا سمَّيت رجل: (يرى) فعل مضارع .. (يرى) هذه حذفت .. (يرَى) ليس فيه إلا حرف واحد، كم حرف؟ الراء والألف، وإذا قلت: رِي، ليس فيه إلا حرف واحد. إذاً: الياء هذه حرفٌ زائد لأنَّها حرف مضارعة، والعين محذوفة وهي الهمزة لأنَّه من (رأى)، إذا قلت: يرى، سمَّيت به ونسبت إليه قلت: يَرْئِيٌّ، بإرجاع الهمزة، وفتح العين وسكونها على المذهبين السابقين. إذاً: وَإِنْ يَكُنْ كَشِيَةٍ مَا الْفَا عَدِمْ ... فَجَبْرُهُ وَفَتْحُ عَيْنِهِ الْتُزِمْ فتح العين عند سيبويه، وعند الأخفش لا، والجمهور على ما عليه سيبويه. وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ نَاسِبَاً لِلْجَمْعِ ... إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ يعني: إذا نسبت إلى جمعٍ له واحدٌ قياسي، وهو الذي عناه بقوله: (لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ)، جيء بواحده يعني: إذا أردت أن تنسب إلى جمعٍ، هذا الجمع له مفرد قياسي ليس بشاذ، حينئذٍ تأتي للواحد وتنسب إليه، كما قلنا في: صُحُف، بعض الناس يقول: (صُحُفِي) لا .. خطأ هذا، لأنَّ (صُحُف) هذا جمع وله واحد وهو (صحيفة)، لأنَّه جمع (صحيفة)، حينئذٍ تترك: صُحُف، وتأتي إلى الواحد القياسي وتنسب إليه وتقول: صَحَفِي، على القواعد السابقة، كل ما كان له مفرد فترجع إلى القواعد السابقة فتقول: صحفي، مثل ما يُقال المشهور: (دُوَلِي) مطار دُوَلِي، نقول: هذا خطأ، لأنَّ (دُوَل) جمع ولا تنسب إليه، لأنَّ له مفرد قياسي وهو: دولة .. دَوْلِيٌّ، فإذاً: المطار الدَّوْلي. إذاً: وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ نَاسِبَاً لِلْجَمْعِ .. إذا أردت أن تنسب للجمع تأتي إلى الواحد، لا تقول: فرائضي .. (فرائض) جمع (فريضة) إذاً: فرضي، ولا تنسب إلى الجمع، يعني: أنَّك إذا نسبت إلى جمعٍ له واحدٌ قياسي وهو معنى قوله: إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ .. جئ بواحده وانسب إليه، فتقول في النَّسب إلى (فرائض) و (كتب): فَرَضِي، كتابي بالنسبة إلى المفرد. إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ ..

فُهِم منه: أنَّه إذا شابه نُسِب إلى لفظه، يعني: إن لم يكن الجمع بلفظه مشابهاً للمفرد إن شابهه حينئذٍ نُسِب إليه بلفظه هو، وَشَمِل نوعين: - ما أهمل واحده كـ: عباديد، ليس له واحد. - والآخر: ما سُمِّي به كـ: أنصار، فتقول فيه وفي سابقه: عَبَادِديٌّ وَأَنْصَارِيٌّ، هكذا أجمله بعضهم والصواب: أنَّ فيه تفصيلاً، لأنَّه يشمل أربعة أقسام: قاعدة: إن شابه الجمع واحداً بالوضع نُسِب إلى لفظه، وهذا شمل أربعة أنواع: الأول: ما لا واحد له كـ: عباديد، يعني: العرب نطقت بالجمع وَأُهْمِل واحده، ليس له واحد، حينئذٍ ننسب للفظ نفسه، فتقول فيه: عَبَادِديٌّ، لأنَّ: عباديد، بسبب إهمال واحده شابه: قوم ورهط، مما لا واحد له. إذاً: ما ليس له واحدٌ .. ما أهملت العرب واحده وأتت بالجمع نسبنا إلى اللفظ. الثاني: ما له واحدٌ لكنَّه ليس قياسي بل شاذ .. ما له واحدٌ شاذٌّ كـ: ملامح، فإن واحده: لَمْحةٌ، هل ننسب إليه المفرد الواحد الشَّاذ أم ننسب إلى الجمع؟ هذا محل نزاع بين النُّحاة، إذاً: ما له واحدٌ شاذٌّ كـ: ملامح، فإن واحده: لَمْحَة، وفي هذا القسم خلاف، فقيل كالأول: يُنْسَب إلى لفظه، فحينئذٍ تقول: مَلامِحِيٌّ كـ: عباددي. وقيل: يُنْسَب إلى واحده وإن كان شاذًّ، فقوله: (وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ) عام، سواءٌ كان الواحد قياساً أو شاذًّا، على هذا القول وهو ظاهر كلام ابن مالك رحمه الله تعالى. وقيل: يُنْسَب إلى واحده وإن كان شاذًّ، فيقول في النَّسب إلى (ملامح): لَمْحِيٌّ، نسبة إلى المفرد، وإليه ذهب ابن مالك، قال في (التَّسهيل): " وذو الواحد الشَّاذ كَذِي الواحد القياسي لا كذي المهمل " يعني: نعامله معاملة النظر إلى المفرد، فننسب إليه ولو كان شاذًّا، فنقول: لَمْحيٌّ، حينئذٍ إذا كان هذا ظاهره ولم يخالفه في: (شرح الكافية) ونحوها -يُرْجَع إليه-، فَنُعَمِّم قوله: (وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ) سواءٌ كان له واحد قياسي، أو له واحدٌ شاذ كـ: ملامح، إذاً: إليه ذهب ابن مالك في: (شرح التَّسهيل). الثالث: ما سُمِّي به من الجموع، هنا استوى المفرد، لأنَّ مدلوله مفرد واستوى مع الجمع، ما سُمِّي به من الجموع نحو: كلاب وأنمار ومدائن، فتقول فيه: كِلَابِيٌّ، وَأَنْمَارِي، وَمَدائِنِي، وقد يُرَدُّ الجمع المُسمَّى به إلى الواحد إذا أُمن اللبس، ومثاله: الفراهيد، علمٌ على بطنٍ من أسد، قالوا فيه: (الفراهيدي) بالنَّسب إلى لفظه، و (الْفَرْهَوَدِي) بالنَّسب إلى واحده لأمن اللبس، لأنَّه ليس لنا قبيلةٌ تسمَّى بـ: الفرهود. إذاً: ما سُمِّي به الأصل: أن يُنْسَب إليه هو .. إلى لفظه، فتقول: أنماري .. مدائِنِي، حينئذٍ إذا نُسِب إلى واحده جاز عند بعضهم لكن بشرط: أمن اللبس، يعني: ألا يكون له نظير، فإن كان له نظير امتنع كالمثال الذي ذكرناه. الرَّابع: ما غَلَب فجرى مجرى الاسم العلم، يعني: غلب هذا الجمع فصار كالاسم العلم، مثل: الأنصار، هذا صار كالعلم - من ناصر النبي صلى الله عليه وسلم - كـ: (الأنصار) و (الأنبار) من قبائل بني سعد، فيقال: الأنصاري والأنباري. إذاً قوله: إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ ..

فإن شابه حينئذٍ نُسب إليه للفظه لا لواحده، (وَالْوَاحِدَ اذْكُرْ) اذكر الواحد .. مفعول به، (اذْكُرْ) هذا فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت، (نَاسِبَاً) حال .. اذكر الواحد حال كونك ناسباً للجمع، يعني: إذا أردت أن تنسب للجمع فانظر إلى واحده فانسب إليه، يعني: النَّسب يكون للواحد لا للجمع، وهذا المقصود به: ما كان له واحدٌ قياساً عند الجمهور، وعلى رأي ابن مالك في (التسهيل): ولو كان شاذًّا. قوله: (إِنْ لَمْ يُشَابِهْ) الجمع واحداً مفرداً بالوضع .. (إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً)، (يُشَابِهْ) فعل مضارع مجزوم بـ: (لَمْ)، والفاعل يعود إلى الجمع، قوله: (للجمع) هذا مُتعلِّق بـ: (نَاسِبَاً)، (يُشَابِهْ) أي: الجمع، (وَاحِداً) هذا مفعول (يُشَابِهْ) يعني: مفرداً، (بِالْوَضْعِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (يُشَابِهْ) والباء بمعنى: في هنا، إن لم يشابه الجمع واحداً يعني: مفرداً في الوضع، يعني: لم يشتبها، فإن اشتبها حينئذٍ فيه التفصيل الذي ذكرناه. إِنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِداً بِالْوَضْعِ .. يعني: في الوضع، يُنْسَب إلى الكلمة الدَّالة على جماعةٍ على لفظها إن أشبهت الواحد بكونها اسم جمعٍ، عرفنا إذا كان جمعاً لا إشكال فيه: فرائض جمع (فريضة)، صُحُف جمع (صحيفة)، لكن مثل اسم الجمع: قوم ورهط، ننسب إليه إلى لفظه: قَوْمِيٌّ .. رَهْطِيٌّ، اسم الجمع ننسب إليه مباشرة، لأنَّه ليس له واحدٌ من لفظه. أو اسم جنسٍ: شجرة، نقول: شَجَرِي .. ابن الشجري، أو جمع تكسيرٍ لا واحد له نحو: أَبَابِيِلِي، أو جارياً مجرى العلم كـ: أنصاري ونحوه، وأمَّا نحو: كلاب وأنَّمار، هذا فيه خلاف، ونحن أوردناه في القسم الرابع هناك، الصواب: أنَّه داخلٌ فيما أشبه واحداً في الوضع، وابن هشام رحمه الله في (التوضيح) ما يرى ذلك، وأمَّا نحو: كلاب وأنمار علمين فليسا مِمَّا نحن فيه، لأنَّه واحدٌ فالنَّسب إليه على لفظه. لا .. هو يُرَاعى فيه أنَّه قبل ذلك كان جمعاً، وأمَّا كونه ليس بجمعٍ مطلقاً فيه نظر، لأنَّ (كلاب) هذا منقول .. كان جمعاً ثُمَّ نُقِل، حينئذٍ لا بُدَّ أن يلاحظ فيه معنى الجمعية، وفي غير ذلك يُرَدُّ المُكسَّر إلى مُفرده ثُمَّ يُنْسَب إليه، فتقول في النَّسب إلى (فرائض) و (قبائل) و (حُمْرٍ): فَرَضِي وقَبِلِي وأحمري وحمراوي، (حُمْر) رددته إلى أصله .. حُمْر (فُعْل) هذا يُجمع: أحمر، ومؤنَّثه، أحمر .. حُمْر، حمراء .. حُمْر، تردَّه إلى المفرد، حينئذٍ المفرد إمَّا أن يكون مُذكَّراً، وإمَّا أن يكون مؤنَّثاً، فتقول فيه: أحمري أو: حمراوي، على التفصيل الذي ذكرناه. قال الشَّارح: "إذا نُسِب إلى جمعٍ باقٍ على جمعيته جِيء بواحده وَنُسِب إليه، كقولك في النَّسب إلى (فرائض): فرضي، هذا إن لم يكن جارياً مَجرى العلم، فإن جرى مجراه كـ: أنصاري، نُسِب إليه على لفظه، فتقول في (أنصار): أَنْصَارِي، وكذا إن كان علماً فتقول في (أَنْمَار): أَنْمَارِي". وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعِلْ ... فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنِ اليَا فَقُبِلْ

هنا ما كان النَّسب فيه ليس بالياء .. انتهينا من الياء، ذاك قياسي وهذا على المشهور عند سيبويه وأنصاره سماعي وليس بقياسي، ولا إشكال في ترتيب هذا على ذاك، وهي ثلاثة أوزان: (فَاعِل) و (فَعَّال) و (فَعِلْ) يعني: يُرَاد بها: النَّسب، فتغني عن الياء، ولذلك قال: (أَغْنَى عَنِ اليَا)، وهذه (فَاعِل) و (فَعَّال) و (فَعِلْ) ليست خاصَّة بالنَّسب، ترد للنَّسب وترد لغيره، (فَاعِل) اسم فاعل: ضارب وقاتل، ليس المراد به النَّسب، وإنّما المراد به هنا: إن جاء في معنى: صاحب كذا. (وَمَعَ فَاعِلٍ .. أَغْنَى مَعَ فَاعِلٍ) .. كيف إعرابه؟ وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعِل .. فَعِلٌ فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنِ اليَا حال كونه (مَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّال)، تبدأ الكلام هكذا: (فَعِلْ) مبتدأ، (فِي نَسَبٍ) مُتعلِّق بقوله: (أَغْنَى)، (عَنِ اليَا) مُتعلِّق بقوله: (أَغْنَى) حال كونه (مَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ)، فقوله: (مَع) هذا ظرف مُتعلِّق بمحذوف في محل نصب حال من الضمير المستتر في (أَغْنَى)، و (فَعِلْ) هذا مبتدأ، وجملة (أَغْنَى) خبره. إذاً: (وَمَعَ) هذا منصوب على الظرفية .. ظرف مكان .. (مَعَ) وهو مضاف، و (فَاعِل) مضاف إليه، (مَع) هذا ظرف لا بُدَّ له من عامل، أين عامله؟ إمَّا أن يكون مذكوراً، وإمَّا أن يكون محذوفاً، هنا لا يمكن أن يكون من المذكور مذكور، يعني: لا يمكن أن يُعَلَّق بالمذكور .. يفسد المعنى، لأنَّه ليس عندنا إلا (أَغْنَى)، (أَغْنَى مَعَ فَاعِلٍ) هذا لا يصح. كذلك نُقدِّره بمحذوف، فإذا بدأنا الكلام بقوله: (فَعِلْ) على أنَّه مبتدأ حينئذٍ سَهُل الأمر، فتقول: (فَعِلٌ) هذا مبتدأ، (أَغْنَى عَنِ اليَا) في نسبٍ حال كونه (أَغْنَى) .. (أَغْنَى) الضمير هنا يعود على المبتدأ (فَعِلْ) حال كونه يعني: (فَعِل مَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ) فأفادت المعيَّة هنا .. المصاحبة (فَاعِل وَفَعَّال مَعَ فَعِلْ)، وعليه قد يُقال: بأن (فَعِلْ) هو الأصل، لأنَّه جعله مبتدأ، ثُمَّ شَرَّك معه: (فَاعِل وَفَعَّال) ولا بأس بهذا. إذاً: (مَعَ فَاعِلٍ) بمعنى: صاحب كذا، و (وَفَعَّالٍ) بتشديد العين هذا يأتي في الحِرَف غالباً: بَزَّاز .. عطَّار .. نشَّار، كله على وزن (فَعَّال)، نسبته قلت: نجَّار، أليس هذا نسبة إلى العمل نجار .. نِجَارة .. أين الياء؟ ليست فيه ياء، حينئذٍ نقول هنا: أغنى (فَعَّالْ) عن الياء، كذلك: (فَاعِل) طاعم وكاسي كما سيأتي، و (فَعِل) تَمِرٌ وَلَبِنٌ، هذا كله مُغْنٍ عن النَّسب بالياء، لكنَّه يُعْتَبر سماعي. إذاً: (فَاعِل) بمعنى: صاحب كذا، و (فَعَّال) هذا يُسْتَعمل في الحِرَف غالباً، و (فَعِل) مثل (فَاعِل) بمعنى: صاحب كذا، (فِي نَسَبٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (أَغْنَى)، و (أَغْنَى) فعل ماضي، وفاعله ضمير مستتر يعود على (فَعِل)، أغْنَى (فَعِلٌ) (عَنِ اليَا) قصره للضرورة، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله: (أَغْنَى)، (فَقُبِلْ) الفاء هذه عاطفة، و (قُبِلَ) فعلٌ ماضي يعني: المذكور.

أي: يُسْتَغنى عن ياء النَّسب غالباً بِصَوْغ فاعلٍ مقصوداً به صاحب الشيء، يعني: عندنا نِيَّة هنا هي التي تُحدِّد، يعني: وزن (فَاعِل) هذا كما سبق قد يُرَاد به اسم الفاعل الذي هو دالٌّ على حدثٍ، وقد يُراد به صِفةٌ مُشبَّهة، وقد يُراد به النَّسب، ما الذي يُميِّز هذا من ذاك؟ النِّيَّة مع القرائن والسياق. هنا إذا نَوَيْت بـ (فَاعِل) أنَّه صاحب كذا يعني: نسبته إلى شيءٍ كقوله: وَغَرَرْتَنِي وزَعَمْتَ أنكَ ... لابنٌ فِي الصَّيْفِ تَامِرُ (لابِنٌ) على وزن (فَاعِل)، (تَامِرْ) على وزن (فَاعِل)، المراد بـ: (لاَبِنْ) و (تَامِرْ) أنَّ عنده لبن وتمر، وليس المراد: أنَّه يبيعهما ويحترف فيهما وإلا كان من معنى: (فعَّال)، لأنَّه لو أردنا (تَامِرْ) بمعنى: أنَّه يبيع قلنا: (تَمَّارْ) ولا نأتي به على وزن (فَاعِل)، إذا قيل بأنَّه على وزن (فَاعِل) معناه: عنده هذا الشيء .. عنده لبن وتمر. قال سيبويه: "أي: صاحب لبنٍ وَتَمْرٍ وقالوا: فلانٌ طاعم كاسي أي: ذو طعامٍ وكسوة" يعني: صاحب طعامٍ وكسوة، يعني: عنده طعام وكسوة، "أي: عنده ذلك وليس المراد: أنَّه يأكل ويكسو، وإلا كان اسمي فاعل" المراد: أنَّه متَّصل بهذا الوصف لا يتعدَّى، ويصوغ (فَعَّال) مقصوداً به: الاحتراف، يعني: من أراد النَّسبة يصوغ (فَعَّال) مقصوداً به: الاحتراف كقولهم: بزَّاز أي: بَيَّاع البزْ وهو القماش، وعطَّار ونجَّار وغير ذلك. وقد يُقام أحدهما مُقَام الآخر، فمن قيام (فَاعِل) مُقام (فَعَّال) قولهم: حَائك في حَوَّاك، لأنه من الحرف، وهذا مما قام فيه (فَاعِل) مُقَام (فَعَّال) لأنَّه حوَّاك، ومن العكس قوله: وَلَيْسَ بِذِي صَيْفٍ وَلَيْسَ بِنَبَّالِ .. أي: وليس بذي نَبْلٍ، (نبَّال) ليس المراد: أنَّه يبيع النبل .. يحترف، إنَّما هو صاحب نَبْلٍ، فعبَّر بـ: (نَبَّالٍ) وهي للحرف. والفرق بين اسم الفاعل وَفَاعِل في النَّسب العلاج وقبول تاء التَّأنيث في الأول دون الثاني، يعني: إذا قيل: (فَاعِل) والمراد به: النَّسبة لا يقبل التاء بخلاف اسم الفاعل المراد به: اسم الفاعل، فإنَّه يقبل التَّاء، أيضاً: العلاج الأول يقبل المعالجة والثاني لا يقبل. وبصوغ (فَعِلْ) مقصوداً به: صاحب كذا كقولهم: رجلٌ طعِمٌ وَلَبِسٌّ وَعَمِلٌ، على وزن (فَعِل) بمعنى: ذي طعام وذي لباس وذي عمل، وقد يُسْتَغنى عن ياء النَّسب أيضاً بـ: (مِفْعَال) يعني: ليس ما ذكره النَّاظم، الذي ذكره كثير. "وقد يُسْتَغنى عن ياء النَّسب أيضاً بـ: (مِفْعَال) كقولهم: امرأةٌ مِعْطَار أي: ذات عِطْرٍ، و (مِفْعِيل) كقولهم: ناقةٌ مِحْضِير أي: ذات حُضْرٍ وهو الجري، وهذه الأبنية غير مقيسة وإن كان بعضها كثيراً هذا مذهب سيبويه وعند المبرِّد أنَّها قياسية". إذاً: وَمَعَ فَاعِلٍ وَفَعَّالٍ فَعِلْ ... فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنِ اليَا. . . يعني: ياء النَّسب، (أَل) هنا للعهد الذِّكري الذي سبق .. ذكر الياء، (فَقُبِل) هذا الحكم، لكن ظاهر كلام النَّاظم: أنَّها (قُبِل) على أنَّه قياس.

قال الشَّارح: "يُسْتَغْنى غالباً في النَّسب عن يائه ببناء الاسم على (فَاعِل) بمعنى: صاحب كذا نحو: تَامِر وَلابِنْ أي: صاحب تَمْرٍ وصاحب لَبَنْ، وببنائه على (فَعَّالٍ) في الحرف غالباً كـ: بَقَّال وَبَزَّاز، وقد يكون (فَعَّال) بمعنى: صاحب كذا". يعني: ينوب عن (فَاعِل) والأصل: أنَّه في الحرف، ولذلك يُعَبَّر عنه بأنَّه: غالب، قد يأتي (فَعَّال) بمعنى (فَاعِل) يعني بمعنى: صاحب كذا. وجُعل منه قوله تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)) [فصلت:46] أي: بِذِي ظُلْمٍ، وقد يُسْتَغَنى عن ياء النَّسب أيضاً بـ: (فَعِل) بمعنى: صاحب كذا نحو: رَجُلٌ طَعِمٌ وَلَبِسٌ، أي: صاحب طَعَامٍ ولباس، وَأَنْشد سيبويه رحمه الله تعالى: لَسْتُ بِلَيِلْيٍّ وَلَكِنِّي نَهِرْ ... لا أُدْلِجُ اللَّيْلَ ولكِن أَبتكِرْ (نَهِر) أي: ولكني نَهارِيٌّ أي: عاملٌ بالنَّهار. وَغَيْرُ مَا أَسْلَفْتُهُ مُقَرَّرَا ... عَلَى الَّذِيْ يُنْقَلُ مِنْهُ اقْتُصِرَا كُلُّ ما لم يكن تحت القواعد السابقة والأصل: أنَّ القواعد تَسْتَلْزِمُه فجاء مخالفاً للقواعد فهو شاذٌّ يُحْفَظ ولا يقاس عليه. (وَغَيْرُ) مبتدأ وهو مضاف و (مَا) اسمٌ موصولٌ بمعنى الذي مضافٌ إليه في محل جر، (أَسْلَفْتُهُ) فعل وفاعل ومفعولٌ به والجملة لا محلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (أَسْلَفْتُهُ) الضمير يعود إلى أي شيء؟ كُل ما سبق من القواعد والأصول، (مُقَرَّرَاً) هذا حال من الهاء في (أَسْلَفْتُهُ). عَلَى الَّذِيْ يُنْقَلُ مِنْهُ اقْتُصِرَا .. (وَغَيْرُ مَا أَسْلَفْتُهُ مُقَرَّرَا اقْتُصِرَا) اقْتُصِرَا الألف هذه للإطلاق، وهو فعل ماضي مغيَّر الصيغة، والضمير نائب فاعل، والجملة خبر، والألف للإطلاق، (عَلَى الَّذِيْ اقْتُصِرَا)، (عَلَى الَّذِيْ) جار مجرور متعلِّق بقوله: (أقْتُصِر)، (يُنْقَلُ مِنْهُ)، (يُنْقَلُ) فعل مضارع مغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (الَّذِيْ)، (مِنْهُ) جار مجرور متعلِّق بقوله: (يُنْقَلُ) والجملة صلة الموصول لا محلَّ لها من الإعراب. قال الشَّارح: "ما جاء من المنسوب مخالفاً لما سبق تقريره فهو من شواذِّ النَّسب". لكل قواعد .. ما يذكرونه النُّحاة كل ما خالفه شاذ، هذا يسمى: شاذاً قياساً، لأنَّه قعَّده بالقواعد، فلمَّا قرَّره هنا بالقواعد وربطه بالقواعد علمنا أن المراد به: ما خرج عن قواعدهم فهو شاذٌّ قياساً، فهو من شواذِّ النسب يُحْفَظ ولا يقاس عليه، وبعضه أشذُّ من بعض، ولذلك مثل النِّسبة إلى: رَيْ قالوا: رازي، وإلى: خرسان .. خُرَسِي، وإلى البحرين .. بحراني، وغير ذلك، كقولهم في النَّسب إلى البصرة: بِصْرِي، بِصري بكسر الباء هذا شاذ، وإلى الدَّهر: دُهْرِي، بضم الدال وهذا شاذ، وإلى: مَرْو .. مَرْوَزِي .. الزاي زايدة.

وألحقوا آخر الاسم ياءً كياء النَّسب للفرق بين الواحد وجنسه فقالوا: زِنْج وَزِنْجِي، هذا مما فُرِّق بينه وبين واحده بالياء، كيف نفرق بينه وبين واحده؟ إمَّا بالتاء: شجر وشجرة وتمر وتمرة، هذا الغالب، وقد يُفَرَّق بينهما بالياء: زِنْج، هذا جمع: وَزِنْجِي، هذا مفرد مثل: بقرة، التاء اتصلت بالمفرد: وبقر، هنا خلت، زِنْج خلت من الياء، وَتُرْك وَتُرْكِي، نقول: هذا بالياء. بمنزلة: تَمْرٍ وتمرة. إذاً: ألحقت الياء بآخر الاسم، هي ياء النَّسب للفرق بين الواحد وجنسه وتدخل على الواحد، كذلك أُلْحِقت للمبالغة فقالوا في: أحمر وأشقر .. أحمري وأشقري، هذا مبالغة، كما قالوا: راوية وَنَسَّابَة، وألحقوها كذلك بآخر الاسم زَائِدَةً لازمةً نحو: كرسي وَبَرْنِي (بَرْنِي) نوع من أنواع التمر، يقال: بَرْنِيٌّ، الياء هذه للنَّسب زائدة لازمة، كرسي، الياء هذه في الأصل ياء النَّسب لكنَّها زائدة لازمة. ونقف على هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

130

عناصر الدرس * الوقف .... وحده * والوقف على التنوين * الوقف على هاء الضمير و (إذا) ـ * الوقف على المنقوص. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم رحمه الله تعالى: (الْوَقْفُ). (الْوَقْفُ) من مباحث فنِّ التَّصريف هذا البحث، وهو أشبه ما يكون ببحث يشترك فيه أصحاب القراءات كذلك الصَّرفيُّون. (الْوَقْفُ) في اللغة: الحبس. وأمَّا في الاصطلاح: فهو قطع النُّطق عند آخر الكلمة، آخر الكلمة هو محلُّ الحركة، سواءٌ كانت الحركة حركة إعرابية أو حركة بنائية فالحكم عام، لذلك لا يختصُّ الوقف بباب الإعراب بل هو شاملٌ للمعرب والمبني. القطع ضد الوصل، قطع النطق يعني: اللفظ، عند آخر الكلمة .. آخر حرفٍ، فيأتي بالحرف ولا يأتي بالحركة: قام زَيْدْ، آخر الكلمة الدال، قطع النُّطق عنده فسكَّن آخره. والمراد هنا بـ (الْوَقْفُ): الوقف الاختياري لا الاضطراري ولا الاختباري، حينئذٍ من هذا نأخذ أن (الْوَقْف) على ثلاثة أنحاء: إمَّا أن يكون اختيارياًَ. وإمَّا أن يكون اضطرارياً. وإمَّا أن يكون اختباريَّاً. لأنَّ الوقف إن قُصِد لذاته فاختياري، يعني: قصدت القطع عند آخر الكلمة من أجل الوقف: جاء زَيْدْ .. مررت بِزَيْدْ .. رأيت زَيْدا، هذا يُسَمَّى: وقفاً اختيارياً، لأنَّ الوقف إن قُصِد لذاته فاختياري وإن لم يُقْصَد أصلاً بل قُطِع النفس عنده فاضطراري. وإن قُصِد الوقف لا لذاته .. من أجل أن يقف، وإنَّما من أجل اختبار مخاطب .. لاختبار الشَّخص هل يُحْسن الوقف على: (عَمَّ أو فيما أو لا) .. هل يحسن الوقف أم لا؟ حينئذٍ نقول: هذا اختباري .. إذا أراد أن يختبر غيره .. قِفْ على (عَمَّ) ماذا تقول؟ قِفْ على (فيما) ماذا تقول؟ نقول: هنا الوقف اختباري وليس اختياري. والمراد معنا هنا: الوقف الاختياري الذي قُصِد من أجله الوقف: وهو قطع النُّطق عند آخر الكلمة، وهو في اللغة: الحبس، فإن كان الموقوف منَوَّناً، يعني: ما وُقِف عليه .. الكلمة إن كانت مُنَوَّنه ففيه ثلاث لغات في لسان العرب كلها مسموعة: اللغة الأولى: حذف التنوين مطلقاً وتسكين ما قبله، المراد بالإطلاق: رفعاً ونصباً وخفضاً، وتسكين ما قبله .. ما قبل التَّنوين وهو آخر الكلمة، فتقول: قام زَيْدْ .. رأيت زَيْدْ .. مررت بِزَيْدْ، في المواضع الثلاث: رفعاً ونصباً وخفضاً تقطع التنوين .. تحذفه وتقف على الحرف الذي هو آخر الكلمة بالسكون: رفعاً ونصباً وجرَّاً. إذاً: اللغة الأولى: حذف التنوين مطلقاً رفعاً ونصباً وخفضاً وتسكين ما قبل التَّنوين، والأمثلة كما ذكرناها. اللغة الثانية: إبدال التَّنوين من جنس حركة ما قبله مطلقاً، رفعاً ونصباً وخفضاً، إبدال التَّنوين من جنس حركة ما قبله يعني: حرف علَّة جاء زَيْدٌ .. جاء زَيْدْ .. جاء زَيْدو، تُشْبِع الضَّمَّة واواً: جاء زَيْدو .. رأيت زَيْدا .. مررت بِزَيْدي، تضيف ياء، جاء زَيْدُو، تضيف واو، إشباع الحركة فيتولَّد عنه واو في الضَّمَّة، وألف في الفتحة، وياء في الكسرة: جاء زَيْدو .. رأيت زَيْدَا. . مررت بزيدي، في الوقف.

هذه اللغة الثانية: إبدال التنوين من جنس حركة ما قبله مطلقاً نحو: قام زيدو، ورأيت زيدا، ومررت بزيدي، قيل: هذه لغة الأزد، اللغة السابقة لغة ربيعة، دائماً تأتي معنا في تخريج كلام النَّاظم. اللغة الثالثة: حذف التَّنوين بعد ضمَّةٍ أو كسرة وإبداله ألفاً بعد فتحة، يعني: التفصيل، اللغة الأولى: مطلقاً: السُّكون، اللغة الثانية: حرفٌ من جنس الحركة مطلقاً دون تفصيل، اللغة الثالثة: التفصيل، إن كان رفعاً أو خفضاً حينئذٍ سُكِّن .. تحذف التنوين وتسكِّن آخر الكلمة، تقول: قام زَيْدْ .. مررت بِزَيْدْ، تسكِّن الدَّال في الموضعين رفعاً وخفضاً، وأمَّا في حالة النصب فتبدل التَّنوين ألفاً: رأيت زَيْدَا: وَقِفْ عَلى المَنْصُوبِ مِنْه بِالألِفْ ... كَمِثْل مَا تَكْتُبُه لا يَخْتَلِفْ قِفْ عَلى المَنْصُوبِ مِنْه بِالألِفْ .. هو هذا، مفهومه: أنَّ ما لم يكن منصوباً حينئذٍ يوقف عليه بالتسكين، وهذه هي اللغة المشهورة وهي اللغة الفصحى، وهي التي ذكرها النَّاظم في البيت الأول دون غيرها من اللغات. إذاً: اقتصر النَّاظم على هذه اللغة الأخيرة وهي حذف التنوين بعد ضمَّةٍ أو كسرة وإبداله ألفاً بعد فتحة .. هذا هو المشهور: قام زَيْدْ .. مَرَرت بِزَيْد .. رَأيت زَيْدَا، وهذه اللغة هي المشهورة. تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا ... وَقْفَاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا .. اجعل تنويناً إثر فتحٍ ألفا، (وَقْفَاً) يعني: في حال الوقف اجعله ألفاً، (وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَاً)، (تِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ) وهو الضَّم والكسر (احْذِفَاً) احذفاً ماذا؟ التنوين، فإذا حذفت التنوين وقفت عليه بالسكون على الأصل في لغة العرب. إذاً: ذكر في البيت الأول اللغة المشهورة الفصحى، فيما إذا كان الاسم الموقوف عليه مُنَوَّنا، فإن كان مرفوعاً أو مخفوضاً حذفت التنوين ووقفت عليه بالسكون، وإن كان منصوباً أبدلت التنوين ألفا فقلت: قام زيد .. مررت بزيد .. رأيت زيدا، ويتُنَبَّه هنا للإعراب أن الإعراب في: قام زيد، تقديري وليس بظاهر، وكذلك الإعراب في: مررت بزيد، تقديري وليس بظاهر، وأن الإعراب في: رأيت زيدا، ظاهر. (تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ) بنقل حركة الهمزة إلى (تَنْوِينَاً)، (تَنْوِينَاً) أطلق النَّاظم هنا فيشمل المعرب والمبني، لأنَّ المبني قد يُنَوَّن، حينئذٍ: صَهْ .. صَهٍ، إذا نوَّنته: وَيْهَ وَيْهَاً، إذا نوَّنته، حينئذٍ الحكم داخل ويشمل المبني والمعرب.

إذاً: (تَنْوِينَاً) هذا في معربٍ أو مبني، وهذا مفعول أول لقوله: (اجْعَلْ) .. (اجْعَلْ تَنْوِينَاً) (اجْعَلْ) فعل أمر مبني على السُّكون والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت و (اجْعَلْ) يتعدَّى إلى مفعولين: المفعول الأول: (تَنْوِينَاً) ومفعوله الثاني: (أَلِفَاً) .. (اجْعَلْ تَنْوِينَاً أَلِفَاً) لكن قيَّده بكونه ألفاً، التنوين يجعله ألفاً متى؟ قال: (اثْرَ فَتْحٍ) هذا ظرف متعلِّق بقوله: (اجْعَلْ) اجعل تنويناً (اثْرَ فَتْحٍ) بعد فتحٍ، (أَلِفَا وَقْفَاً) يعني: في حال الوقف، حينئذٍ نؤوِّله بـ (وَاقِفَاً) .. (وَقْفَاً) هذا مصدر وهو سماعي ولا يجوز إيقاع المصدر حالاً إلا على تأويله بالمشتق، إذاً: (وَقْفَاً) إذاً قلنا: هذا حال من فاعل (اجْعَلْ) حال كونك واقفاً، أو يصح أن يكون: (في وَقْفٍ) منصوب بنزع الخافض أو مفعول له، وإعرابه: منصوب بنزع الخافض هذا فيه إشكال، كذلك: مفعول لأجله فيه إشكال، فيبقى معنا: الحال وهو أولى، كثير: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ ... بِكَثْرَةٍ. . . . . . . . . . . . . . نقول: هذا جائز، وإن كان سماعي، لكنَّهم يقولون: سماعي ويسيرون عليه في كتبهم كلها. إذاً: (وَقْفَاً) نقول: حال كونه واقفاً، أي: الذي يَتكلَّم بالتنوين. وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَاً .. (تِلْوَ) هذا مفعول مُقدَّم، وهذا الأصل: أنَّ الفعل المؤكَّد لا يتقدَّم عليه معموله إلا ضرورةً، وقد يكون النَّاظم يرى جواز ذلك، وقد يكون من باب الضرورة، إذاً: (تِلْوَ) مفعول احذف، على حذف الموصوف، أي: احذفاً تنويناً تالياً غير فتحٍ. إذاً: (تِلْوَ) هذا بمعنى: تالي أي تابع، احذف تنويناً تالياً غير فتحٍ، وغير الفتح المراد به: الضَّمَّة والكسرة، احذف التنوين، حينئذٍ تقف عليه بالتسكين، فتقول: جاء زَيْد ومررت بِزَيْد، وأمَّا الفتح فكما ذكره أولاً. يعني: أنَّ التنوين إذا كان إثر فتحةٍ جعلته أي: التنوين ألفاً، وإذا كان إثر غير فتحةٍ حذفته، وشمل غير الفتح: الضَّمَّ والكسر، والمراد بالفتح: فتح الإعراب على قولٍ، أو يعم النَّوعين، يعني: لو قيل: جاء زَيْد، لا شكَّ أنَّك وصلت: جاء، لكن: زَيْدٌ قام، وقفت عليه بالسُّكون، لكن ليس عندنا تنوين، فالفتح نخصُّه بالإعراب، وأمَّا التَّنوين، لأنَّ يدخل المعرب والمبني فنعمِّمه. إذاً: المراد بالفتح: فتح الإعراب، لأنَّه هو الذي يُتَصَّور معه التَّنوين: تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا ... وَقْفَاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا (احْذِفْ) فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة، والألف هذه نون التَّوكيد مبدلة ألفاً. يُسْتَثنى من المُنَوَّن المنصوب: ما كان مؤنَّثاً بالتاء، لأنَّ النَّاظم أطلق قال: اجْعَلْ تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ أَلِفَا .. يعني: إثر فتحةٍ، إذاً: تنوين للمنصوب، يُسْتَثنى من المُنَوَّن المنصوب ما كان مؤنَّثاً بالتاء: رأيت زيدا، تقلب التَّنوين ألفاً، رأيت قَائِمَةً، كيف تقف؟ قائمتا .. قائمة، إذاً: ينطبق عليه حدُّ النَّاظم أو لا؟ اجعل تنويناً إثر فتحةٍ ألفاً، دخل فيه: رأيت قائمةً .. مسلمةً، العبارة شاملة أو لا؟ تشمله قطعاً.

اجْعَلْ تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ أَلِفَا .. كُلُّ تنوينٍ بعد فتحةٍ اجعله ألفاً عام هذا .. أطلق الناظم، (رأيت زيدا) لا إشكال فيه، وأمَّا: رأيت مسلمةً، قِفْ على: مسلمة، إذا عمَّمنا ما ذكره النَّاظم: رأيت مسلمتا، قلبت التنوين ألفاً، والمشهور في اللغة الفصحى: رأيت مسلمة، إذاً: ما أبدلت التنوين هنا بعد فتحٍ ألفاً، إذاً: هذا استثناء من القاعدة التي قعَّدها النَّاظم، ولذلك نقول: يُسْتَثنى من المُنَوَّن المنصوب ما كان مؤنَّثاً بالتاء نحو: قائمة، فإن تنوينه لا يُبْدَل ألفاً بل يُحْذَف، وهذا في لغة من يقف بالهاء وهي شهيرة في الوقوف على التاء المربوطة: رأيت قائمة .. مسلمة .. فاطمة .. عائشة .. شجرة، كل الوقف يكون بالهاء، وسيأتي لغةٌ أخرى: شَجَرَةْ .. صَلاةْ .. زَكَاةْ، بالتاء لكن المشهور أنَّه تُبْدَل التاء هاءً، إذاً: على اللغة الشهيرة نقول: التنوين هنا يُحْذَف، وأمَّا من يقف بالتاء فبعضهم يجريها مجرى المحذوف فيبدل التَّنوين ألفاً، فيقول: رأيت قائمتا، لأنَّ تاء: مسلمة فيها لغتان: إبدال التاء هاءً وقفاً، وهذه اللغة الفصحى الشهيرة، فتقول: جاءت فاطمة، تُبْدل التاء ألفاً، إذا كان مُنَوَّناً: رأيت مسلمة، تبدلها هاءً بناءً على أنَّ اللغة الشهيرة في الوقف على التاء المربوطة: أن تقف بالهاء، وهناك لغة: إبدال الوقوف على التاء تاءً، فتقول: رأيت مُسْلِمَةْ، أَقِم الصَّلاةْ .. آتي الزَّكاةْ، يقف عليها بالتاء. صاحب اللغة الثانية له مجرى أن يجري: مُسْلِمَةْ، إذا وقف عليها بالتاء مجرى: زيداً، فيقول: رأيت مسلمتا .. رأيت قائمتا، بإبدال التَّنوين ألفاً وهذا مسموع، فالحكم حينئذٍ يكون عنده عام لا استثناء، إذاً: الاستثناء هنا للمنصوب وهو مختومٌ بتاءٍ مربوطة: الاستثناء عند من يقف على التَّاء بالهاء، حينئذٍ لا يُبْدِل التَّنوين المنصوب إذا كان بعد تاءٍ مربوطة لا يبدله ألفاً، يقول: رأيت مسلمة ورأيت قائمة. وأمَّا على اللغة الأخرى وهي قليلة كما سيأتي، حينئذٍ له أن يقف على التنوين بالألف، يعني: يبدل التنوين ألف، يقول: رأيت مسلمتا .. رأيت قائمتا، الألف هذا بدلٌ عن التَّنوين، وأمَّا من يقف بالتاء فبعضهم يُجْريها مجرى المحذوف فيجري التَّنوين ألفاً، فيقول: رأيت قائمتا، وأكثر هذه اللغة يُسَكِّنُها لا غير، يعني: أكثر من يقف على التَّاء المربوطة بالتاء يقف عليها بالسكون: رأيت مُسْلِمَةْ، لا يُبْدِل التنوين ألفاً، لكن بعضهم يبدل التَّنوين ألفاً. المقصود: أنَّه على اللغة المشهورة وهي التي نعنيها: أنَّه يُسْتَثْنَى من كلام النَّاظم ما كان مختوماً بتاءٍ مربوطة، وأمَّا اللغات القليلة هذه يُنْظر فيها، قد تفيد الطَّالب في القراءات ونحوها، أمَّا في اللغة الدَّارجة فيقف على ما كان مختوماً بالتاء المربوطة بالهاء ويحذف التنوين.

إذاً: جاءت مسلمة .. رأيت مسلمة .. مررت بمسلمة، الحكم واحد: جاء زيد .. رأيت زيدا .. مررت بزيد، فيه تفصيل، إذاً: إبدال التنوين ألفاً في: رأيت زيداً نقول: هذا ليس على إطلاقه .. يستثنى منه ما ذكرناه، وأكثر من يقف عليها بالتاء يُسَكِّنها مع التنوين المنصوب، يقول: رأيت قَائِمَةْ .. رأيت مُسْلِمَةْ، بالتاء. تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا ... وَقْفَاً. . . . . . . . . . . . . . . . إذاً: استثنينا منه ما كان مؤنَّثاً بالتاء نحو: قائمة، بقي مسألة وهي المقصور، المقصور المُنَوَّن: جاء فَتَىً، إذا وصلته لا إشكال، حينئذٍ يكون التنوين مذكوراً في الوصل رفعاً ونصباً وخفضاً، لكن إذا قلت: رأيت فتى .. جاء فتى .. مررت بفتى، عادت الألف، هذه الألف: هل هي بدلٌ عن التنوين، أم الألف الأصلية، أم ثَمَّ تفصيل؟ نقول: هذه الألف فيها ثلاثة مذاهب للنُّحاة. المقصور المُنَوَّن يوقف عليه بالألف نحو: رأيت فتى، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب: الأول: أنَّها بدلٌ من التَّنوين في الأحوال الثلاثة: رفعاً ونصباً وخفضاً. إذاً: على العكس من: جاء زيد ورأيت زيد ومررت بزيد، وإنَّما وافقه في المنصوب فقط، وعلى المذهب هذا قوله: وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا .. هذا يُسْتَثنى منه المقصور المُنَوَّن، لأنَّك تقول: جاء فتى، الألف هذه بدلٌ عن التنوين، لم يُحْذَف التنوين: مررت بفتى، وقفت عليه بالألف، هذه الألف بدل عن التنوين، إذاً قوله: وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا .. هذا يُسْتَثْنَى منه – على هذا القول- المقصور المُنَوَّن، لأنَّه يُوقف بالألف .. يُبْدَل التنوين ألفاً مطلقاً: رفعاً ونصباً وخفضاً. المذهب الأول: أنَّها بدلٌ من التنوين في الأحوال الثلاثة، واسْتُصْحِب حذف الألف المنقلبة وصلاً ووقفا، وهذا مذهب الفراء والمازني وهو المفهوم من كلام النَّاظم هنا: بأنَّه تنوينٌ بعد فتحة. المذهب الثاني: أنَّها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاثة، وأنَّ التنوين حُذِف، فلما حُذِف عادت الألف، وهو منقولٌ عن الكوفيين، وذهب إليه النَّاظم في: (الكافية). المذهب الثاني: أنَّ هذه الألف هي الألف الأصلية والتنوين حُذِف من الثلاث، حينئذٍ: جاء فتى: الألف هذه هي الأصلية والتنوين حُذِف، رأيت فتى: هذه الألف هي الأصلية والتنوين حُذِف، مررت بفتى: هذه الألف هي الأصلية والتنوين محذوف، إذاً: ليس عندنا تنوين مُبْدل على هذا القول. القول الثالث: اعتباره بالصحيح، وهذا أصح وأرجح يعني: تحمل فتى على زيد، تعتبر المعتل بالصحيح، فما قدَّمته بالصحيح اعتبره هنا وهناك حذفت، لأنَّ الفتى الألف هذه فيها نوع إشكال وإبهام، والتنوين مسلكه واحد، والاسم الذي يدخل عليه التنوين في الأصل مسلكه واحد، فإذا أُبْهِم علينا في معتلٍّ ولم نستطع أن نعرف: ننظر في نظيره .. حمل النظير على النظير، وهو أصلٌ مُطَّرِد كما نَصَّ على ذلك السيوطي في (الأشباه): أنَّ حمل النظير على نظيره هذا هو المُقدَّم عندهم.

فحينئذٍ: فتى، هذا مثل: زيد، لا فرق بينهما في كون كُلٍّ منهما اسماً ثلاثي وهو مُنَوَّن .. قابل للتَّنوين، و (فتى) على الصحيح كما سبق أنَّ تنوينه تنوين تمكين، خلافاً لمن قال بأنَّ تنوينه تنوين تنكير، والصواب: أنَّه تنوين صرف .. تَمكين .. أمْكَنيَّة. إذاً: استوى مع (زيد)، فما قيل في: زيد، قيل في: فتى، فكما أنَّك قلت: جاء زيد، حُذِف التنوين، حينئذٍ السكون حلَّ محله تقول: جاء فتى، حُذِف التنوين فعادت الألف، لأنَّك إذا قلت: جاء فَتَىً، التقى ساكنان .. نَوَّنت، الألف ساكنة والتنوين نونٌ ساكنة، التقى ساكنان فَحُذِفت الألف: فتىً، ولذلك تكتب التنوين على التَّاء، ما تكتبها على الألف، بعض الطلاب يُشْكِل يقول: لماذا كُتِبت على التاء، والألف هذه أليست هي آخر؟ نقول: لا، الألف هذه محذوفة، إنَّما العبرة بالنطق، تكتب الفتحتين على التاء، حينئذٍ: جاء فتًى، آخر الكلمة التاء، والألف هذه تُكْتَب فقط، ولذلك النُّطق بالتنوين يكون تابعاً للملفوظ، فحينئذٍ تكتب الفتحتين على التاء وتكون الألف محذوفة للتَّخلُّص من التقاء الساكنين. إذا حذفت التنوين وهو السبب المقتضي لحذف الألف عادت الألف: جاء فتى، هذه الألف رجعت بعد أنَّ حذفنا التنوين الذي كان سبباً في حذف الألف، مثل: جاء زيد، مررت بِزَيْدٍ .. مررت بِفَتًى: الألف محذوفة، مررت بفتى: رجعت الألف، لأنَّنا حذفنا التنوين، إذاً: هذه الألف هي لام الكلمة وليست هي التنَّوين .. ليست بدلاً عن التَّنوين. (رأيت فتى) .. (رأيت زيدا) هنا التنوين لم يُحْذَف وإنَّما أُبْدِل التنوين ألفاً، قلت: رأيت زَيْدَا، لذلك الدَّال مفتوحة، وإعرابه يكون إعراب ظاهر لا تقدير، نحمل عليه: رأيت فتى، فنقول: رأيت فتى هذه الألف مبدلة عن التنوين وليست هي الألف التي في: جاء فتى ومررت بفتى، حملاً للنَّظير على نظيره، وهذا أولى المذاهب وهو أقربها. إذاً: المذهب الثالث في: فتى منوَّن إذا وقفت عليه بالألف: اعتباره بالصحيح، يعني: مقايسته بالصحيح وحمله على الصحيح كـ: زيد، وَتُفَصِّل فيه ما فصَّلت في: زَيْدٍ، فالألف في النصب بدلٌ من التَّنوين، وفي الرفع والجر بدلٌ من لام الكلمة، المقصود: أنها عادت، لأنَّها حُذِفت للتَّخلص من التقاء الساكنين، وهذا مذهب سيبويه وهو مذهب معظم النَّحويين، وهذا أصح. إذاً: الألف إذا وُقِف عليها في المقصور وهو مُنَوَّن حينئذٍ هذه الألف فيها ثلاثة مذاهب: -ألفٌ أصلية رجعت والتنوين حُذِف مطلقاً: رفعاً ونصباً وخفضاً. المذهب الثاني: أنها بدلٌ عن التنوين مطلقاً: رفعاً ونصباً وخفضاً، وحينئذٍ يستثنى من كلام النَّاظم: (وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا). المذهب الثالث: حمله على الصحيح، وهذا أولى يعني: يعامل معاملة: زيد، مطلقاً.

والمقصور غير المُنَوَّن في الوقف كلفظه في الوصل، وأنَّ ألفه لا تُحْذَف إلا في ضرورةٍ: جاء الفتى .. رأيت الفتى .. مررت بالفتى، الألف هذه أصلية لا تُحْذَف في الوقف. رأيت فتى، الألف الأصلية محذوفة أو موجودة؟ محذوفة، وهذه الألف بدلٌ عن التنوين، وأمَّا: الفتى، هنا حُذِفَ التنوين، لأنَّ التنوين لا يجتمع مع "أل"، جاء الفتى .. رأيت الفتى .. مررت بالفتى، الألف هذه في الأحوال الثلاثة ألفٌ أصلية، ولا يجوز حذفها، حتى في المنصوب، لأنَّه غير مُنَوَّن، فلا نقول: رأيت الفتى، هذه الألف بدل عن التنوين، ليس عندنا تنوين. إذاً: المقصور غير المُنَوَّن في الوقف كلفظه في الوصل، وأنَّ ألفه لا تُحْذَف إلا في ضرورةٍ، كقوله: رَهْطُ بْنِ مَرْجُومٍ ابنِ المُعَلَّ .. ابنِ المُعَلَّ .. ابن المعلَّى، هذه ضرورة فقط، حذف الألف هنا، وإلا الأصل أنَّها لا تُحْذَف. إذاً: تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا ... وَقْفَاً وَتِلْوَ غَيْرِ فَتْحٍ احْذِفَا هذا كُلُّه مطَّرد، إلا أن قوله: اجْعَلْ تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ أَلِفَا وَقْفَاً .. يُسْتَثنى منه ما كان مختوماً بتاء التأنيث إذا كان منصوباً، حينئذٍ لا يُبْدَل التنوين ألفاً، فتقول: رأيت مسلمة، ولا تقول: رأيت مُسْلِمَتا، على اللغة المشهور. قال الشَّارح: "أي إذا وُقِف على الاسم المُنَوَّن" يعني: دخله تنوين، فإن كان التَّنوين واقعاً بعد فَتْحَةٍ أُبْدِل ألفاً، وَيَشْمل ذلك ما فتحته للإعراب: رأيت زيدا، وما فتحته لغير إعرابٍ، كقولك في: إِيهاً ووَيْهَا: إيها وويها. صَهْ .. صهٍ: صهْ تقف عليه بالسكون. (اثْرَ فَتْحٍ)، (فَتْحٍ) حينئذٍ شمل فتحة الإعراب وفتحة البناء، فكلا النوعين يُبْدَل تنوينه ألفاً على المشهور: إِيهاً ووَيْهَا: إيها وويها، أسماء فعل، تقول في الوقف: إيها .. ويها، تقف عليه بالألف، وإن كان التنوين واقعاً بعد ضَمَّةٍ أو كسرة حُذِف التنوين وَسُكِّن ما قبله، كقولك في: جاء زَيْد .. مَرَرت بِزَيْد: جاء زيدٌ ومررت بِزَيْدٍ، جاء زيد (زَيْدٌ) فاعل مرفوع ورفعه ضمَّة مقدَّرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف, ومثله: بِزَيْدٍ .. زيد، هنا (زَيْد) اسمٌ مجرورٌ بالباء وجرُّه كسرة مقدَّرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون الوقف. وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ ... صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً نُصِبْ ... فَأَلِفَاً فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ (وَاحْذِفْ) فعل أمر، فاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ .. (سِوَى) مضاف و (اضْطِرَارِ) مضاف إليه، (وَاحْذِفْ) مفعوله: (صِلَةَ). غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ .. (احْذِفْ) فعل أمر، والحكم هنا واجب، حينئذٍ يُحْمَل (احْذِفْ) على أصله، تقول: (احْذِفْ) أي: وجوباً، (لِوَقْفٍ) اللام للتَّعليل، احْذِفْ لماذا؟ (لِوَقْفٍ)، وإن كان لا نحتاج إلى هذا .. لا نحتاج أن نعلل؛ لأنَّ المقام مقام بحث الوقف، فالتَّنصيص عليه في هذا المحل نقول: هذا لبيان الواقع فحسب، وإلا لو قال:

احْذِفْ. . . . فِي سِوَى اضْطِرَارِ ... صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ عرفنا أنَّه في الوقف، لأنَّ قال: (باب اَلْوَقْفِ) فدل على أنَّ حديثه هنا كُلَّه مقيَّد بالوقف لا في غيره. إذاً: (وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ)، (لِوَقْفٍ) جار ومجرور متعلِّق بقوله: (احْذِفْ)، والحذف هنا واجب، واللام هنا للتَّعليل: وهو إيضاحٌ لعلَّة الحذف، احذف لماذا .. لماذا تحذف؟ (لِوَقْفٍ)، إذاً: هو بيانٌ وإيضاحٌ لعلَّة الحذف، وهو إيضاح لعلَّة كون الحذف للوقف من المقام، يعني نقول: للإيضاح لا للاحتراز، لكون المقام هنا مقام بيان لأحكام الوقف، وأمَّا إذا أجريناه على حاله .. قلنا: لوقفٍ لا لغيره، نقول: هذا معلومٌ من التوقيف .. الوقف. وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ .. (فِي سِوَى اضْطِرَارِ) يعني: في غير الاضطرار .. جار ومجرور متعلِّق بقوله: (احْذِفْ)، و (سِوَى) مضاف و (اضْطِرَارِ) مضافٌ إليه، وأمَّا في الاضطرار فلا يجب الحذف، لأنَّه قيَّده هنا: (احْذِفْ) حذفاً واجباً (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي سِوَى اضْطِرَارِ) أمَّا في الاضطراري فلا يجب الحذف، حينئذٍ في غير الاضطراري مُغَايِرٌ للحكم علَّقه بما سوى الاضطراري وهو في الاختيار، لأنَّ الأمر: إمَّا أن يُدار بين الاختيار وبين الاضطرار، والمراد بالاضطرار هنا: في الشعر خاصَّة، ولا يقع إلا في آخر الكلام لا في أثنائه، كما سيأتي. وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ .. وأمَّا في الاضطرار فلا يجب الحذف بل يجوز الإثبات، تحذف ماذا؟ قال: (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) والمراد بـ: (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) هاء الضمير هنا، والصلة: هو إشباعها - وهذا يبحثه القُرَّاء كثير -، إذا قلت: لهُ .. ضَرَبْتُهُ .. بهِ .. فيهِ، فيهِ: هِ ما بعدها .. الياء هذه هي الصِّلة .. يسمونها صلة، (ضربتها) الألف هذه يسمونها: صِلَة، الحرف الذي يكون من جنس الحركة: ضَرَبْتُهُ، الواو هذه المشبعة من الضَّمَّة هي التي تسمَّى صلَّة، ضربتُها .. ضربتُ به، في الوقف إن كانت هذه الصِّلة بعد غير فتحٍ وقفت عليها بالسكون .. تحذف هذه الصِّلة وتقف عليها بالسكون. ضَرَبْتُهُ، كيف تقف عليه؟ تحذف الصِّلة التي هي الواو المشبعة، تقول: ضَرَبْتُهْ، وقعت بعد ضمَّة فوحينئذٍ يُشْبَع منها، في الوصل تقول: ضَرَبْتُهُ، تحذف الواو، (مررت بِهِ) تحذف الصِّلة، (مررت بِهْ) تُسَكِّن الهاء، هذا في الضَّم .. ما كان بعد ضَمٍّ أو كَسْرٍ، إن كان بعد فتحٍ (مررت بها) .. (ضربتها) تقف عليه بالسكون، لا تحذفها، الألف هذه تُسمَّى: صَلَة، وقد وقعت بعد فتحٍ، فهي أشبه ما تكون بفتحةٍ مُشبَعَة، حينئذٍ في الفتح تقف على الصِّلَة، وأمَّا في غير الفتح .. فيما إذا كانت بعد ضَمٍّ أو كَسْرٍ، فتقف على هاء الضمير مُسَكَّنا، فتقول: لَهْ .. بِهْ .. فِيهْ، تقف عليه بالسكون. صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ ..

يعني: أنَّ هاء الضمير في الوقف إذا كان صِلَة غير الفتح حُذِفت الصِّلة نفسها، وشمل الضَّمَّ والكسر: رَأَيْتُهْ .. مررت بِهْ، فتقف عليهما بالسكون، هذا في الشهير، يعني: اللغة المشهورة، (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) مفهومه: أنَّ صلة الفتح لا تُحْذَف، لأنَّه استثنى (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) يعني: غير المفتوح، فأمَّا المفتوح فلا تحذف، احذف صلة غير الفتح وهي صِلَة الضَّمِّ والكسر، أمَّا صلة الفتح فأبقها على حالها. فُهِم منه: أنَّ الواقع بعد الفتح وهي الألف لا تُحْذَف، وهي ضمير المؤنَّث: رأيتها، والمراد بالفتح هنا: فتح بناء، لأنَّه مُتَّصل بالضمائر. إذاً: وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ ... صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ. . . . . . ما هي (صِلَةُ غَيْرِ الْفَتْحِ)؟ الواو والياء، ضَرَبْتُهُ .. تنطق بواو، مررت بِهِ .. تنطق بياء، تحذف الياء وتحذف الواو وتقف على الهاء بالسكون: ضَرَبْتُهْ .. مررت بِهْ، وأمَّا الألف هذه تبقى على حالها. إذاً: (صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ) الصِّلة المراد بها هنا: الواو والياء، وأمَّا صلة المفتوح وهي ضمير المُؤنَّث فتبقى على حالها فلا تُحْذَف. قوله: (فِي سِوَى اضْطِرَارِ) فُهِم منه: أنَّ الوقف على الواو والياء في الاضطرار جائز، وهذا ذكرناه (فِي سِوَى اضْطِرَارِ) احذف في غير الاضطرار، أمَّا في الاضطرار فلا يجب الحذف، بل يجوز الإثبات، والمراد بالاضطرار: الشِّعْر، كقوله: وَمَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ ... كَأَنَّ لَونَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ تقف عليه بالهاء كما هو، هذا يسمونها: صلة، تبقى في الشِّعْر، وهذه إنَّما تكون في أطراف البيت. وقوله: تَجَاوَزْتُ هِنْداً رَغْبَةً عَنْ قِتَالِهِ ... إِلَى مَلِكٍ أَعْشُو إِلىَ ضَوْءِ نَارِهِ نَارِهِ .. قِتَالِهِ (نَارِهِ .. قِتَالِهِ .. مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ .. سَمَاؤُهُ) وقفت عليه كما هي .. لم تُحْذَف، هذا ضرورة للشِّعْر، أمَّا في الكلام العادي ما تقول: زَيْدٌ ضَرَبتهُ .. غلط، إنَّما تقول: زَيْدٌ ضَرَبتهْ .. عَمْراً مررت بِهْ، مررت بِهِ هذا في الشهير لا. إذاً: وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ ... صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ (فِي) قيل بمعنى: (مِنْ) البيانيَّة هنا، و (الإِضْمَارِ) بمعنى: المضمر، يعني: من المضمر، لأنَّ الصِّلة هنا مُتعلِّقة بالضمير لا غير، ولذلك الفتح والكسر والضَّم إنَّما يكون حركة بنائية هنا وليس حركة إعرابية. إذاً قوله: وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ ... صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَارِ يعني: إذا وُقِف على هاء الضمير، فإن كانت مضمومة أو مكسورة حذفت صِلَتها، ووقفت على الهاء ساكنةً، تقول: لَهْ وَبِهْ، بحذف الواو والياء، وإن كانت مفتوحةً نحو: رأيتها، وُقِف على الألف ولم تُحْذَف، واحترز بقوله: (فِي سِوَى اضْطِرَارِ) من وقوع ذلك في الشِّعر، وإنَّما يكون ذلك آخر الأبيات. وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً نُصِبْ ... فَأَلِفَاً فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ

إذاً: "ناصباً" التي مرَّت معنا، وسبق ثلاثة مذاهب في كتابة النون، قلنا الأصح: قول الفراء .. التفصيل، إذا أُعْمِلت كُتِبت بالنون، وإذا أُلْغِيت كُتِبت بالألف، إذا كُتِبَت بالنون ووقفت عليها كيف تقف؟ (وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً) لو قيل بأنَّها .. بقطع النظر عن الكتابة، (إِذاً) في النطق أنت تنطق بها بالنون، إذا وقفت عليها (إِذاً) التي هي من النواصب. النَّاظم هنا قال: " يُوقَفُ عليها بإبدال النون ألفاً " لأنَّه قال: وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً نُصِبْ .. تَنْوِينَاً اثْرَ فَتْحٍ اجْعَلْ أَلِفَا ... وَقْفَا. . . . . . . . . . . . . (زَيْداً) هذا مُنَوَّن منصوب، لا المُنَوَّن المرفوع ولا المخفوض، إنَّما المُنَوَّن المنصوب إذا وقفت عليه تُبْدِل التنوين ألفاً، إذاً: النون هذه مثل التنوين، إذا وقفت عليها يعني: انقطع بك الكلام وأردت أن تقف على: (إِذاً) قد يقال: لا يُسْتَحْسَن، لكن إذا انقطع بك النفس ووصلت إلى: إذ .. إذاً أُكْرِمَكَ، وقفت على (إِذاً) كيف تقف؟ النَّاظم يقول: (إِذاً) تقف عليها بالألف .. تُبْدِل النون ألفاً، (وَأَشْبَهَتْ إِذاً)، (إِذاً) التي هي من النواصب، (مُنَوَّنَاً) اسماً مُنَوَّنَاً (نُصِبَ) يعني: منصوباً، الجملة هنا نعت لـ: (مُنَوَّنَاً)، (وَأَشْبَهَتْ) هذا فعل ماضي والتاء للتأنيث، و (إِذاً) فاعل .. قُصِد لفظه فهو فاعل، (أَشْبَهَتْ مُنَوَّنَاً نُصِبْ)، (نُصِبَ) هذا مُغيَّر الصيغة، والضمير نائب الفاعل يعود على المُنَوَّن، والجملة في محل نصبٍ نعت .. صفة لـ: (مُنَوَّنَاً). وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً مَنصُوبًا ... فَأَلِفَاً فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبَ تعامله معاملة: رأيت زيدا. يعني: أنَّ (إِذاً) التي هي من النواصب يُوقَف عليها بإبدال النون ألفاً لشبهها بالتنوين بعد الفتح، هي نون وليست بتنوين، حينئذٍ (أَشْبَهَتْ إِذاً) ولذلك عبَّر بأنَّها (أَشْبَهَتْ)، لو كان التَّنوين لدخلت في الحكم السابق، لكنَّها محمولة على سابقها. لشبهها بالتنوين بعد الفتح فتقول: (إذا) إذا وقفت عليها، ولا تقل: (إِذاً) .. إِذا ثُمَّ تقول: إذاً أُكْرِمُك، وَفُهِم من قوله: (وَأَشْبَهَتْ) أنَّ الوقف عليها بالألف على خلاف الأصل، لأنَّها ليست بتنوين وإنَّما هي محمولةٌ على الاسم المُنَوَّن، ولذلك قال: (وَأَشْبَهَتْ) فُهِم منه: أنَّ الوقف عليها بالألف .. إبدال النون ألفاً لشبهها بالتنوين خلاف الأصل، وإنَّما هو للشَّبه. ولذلك ذكر بعضهم وأظنُّه ابن عصفور: الوقف عليها بالنون على الأصل، لأنَّها بمنزلة (أَنْ)، إذا وقفت على: (أن) .. (أَنْ) النَّاصبة ((وَأَنْ تَصُومُوا)) [البقرة:184] انقطع بك النَّفس، كيف تقف؟ (وَأَنْ) ثُمَّ (وَأَنْ تَصُومُوا) تقف عليها بالنون الساكنة، مثلها (إِذاً) .. أُختها .. ناصبة، حينئذٍ إذا وقفت عليها تقف عليها بالنون: (إِذاً) هذا قول ابن عصفور، والجمهور على الأول.

واختاره ابن عصفور وإجماع القُرَّاءِ السَّبعة على خلاف ابن عصفور، يعني: لا يُوقف عليها بالنون، وإنَّما يُوقف عليها بالألف، إذاً: قول جماهير النُّحاة: أنَّ الوقف على النون من: (إِذاً) بالألف .. تُبْدَل النون ألفاً، قد يقول قائل: هي ليست بتنوين؟ نقول: أشبهت هذه النون التنوين فَأُلْحِقَت بها، يَدُلُّ عليه ما ذكره ابن هشام في التَّوضيح: أنَّ إجماع القُرَّاء السَّبعة على خلاف ابن عصفور في الوقف عليها بالنون دون الألف. (وَأَشْبَهَتْ إِذاً مُنَوَّنَاً) مفعول به، (نُصِبَ) يعني: منصوباً. فَأَلِفَاً فِي الوَقْفِ نُونُهَا قُلِبْ .. (نُونُهَا) نون (إِذَاً) هذا مبتدأ، (قُلِبَ) أي: النون، (قُلِبَ) فعل ماضي مغيَّر الصيغة، والضمير المستتر نائب فاعل يعود إلى النون، والجملة في محلِّ رفع خبر المبتدأ. نونها قُلِبَ ألفاً (أَلِفَاً) هذا حال من ضمير (قُلِبْ)، (فِي الوَقْفِ) هذا جار ومجرور متعلِّق بقوله: (قُلِبْ)، وهذا أولى من جعل (ألفاً) مفعول ثاني لـ (قُلِبْ). قال الشَّارح: "إذا وُقِف على هاء الضمير، فإن كانت مضمومةً نحو: رَأَيْتُه، أو مكسورةً نحو: مررت بِهِ، حُذِفَت صلتها" وعرفنا أن المراد بالصِّلة: الواو التي بعد (ضَرَبْتُهُ) لأنه في النطق تنطق بالواو، كذلك الياء بعد: بِهِ، هذه تسمى: صلة. ووُقف على الهاء ساكنةً إلا في الضرورة -في الشعر- وإن كانت مفتوحةً نحو: هِنْدٌ رَأَيْتُهَا، وُقِفَ على الألف ولم تُحْذَف، وَشَبَّهوا (إِذاً) بالمنصوب المُنَوَّن فأبدلوا نونها ألفاً في الوقف. وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ مَا ... لَمْ يُنْصَبَ اوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ وَفِي ... نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي هذا شروعٌ من النَّاظم في (الْمَنْقُوصِ)، الْمَنْقُوصِ كيف نقف عليه؟ إذا أردت أن تقف على المنقوص: قاضي ونحوه، هذا قد يكون مُنَوَّناً وقد لا يكون مُنَوَّناً: جاء قَاضٍ .. رأيت قاضياً .. مررت بِقَاضٍ، جاء القاضي .. رأيت القاضي .. مررت بالقاضي، قد يكون مُنَوَّن وقد يكون غير مُنَوَّن، له حكمان: باعتبار التنوين له حكم. وباعتبار عدم التنوين له حكم. والفرق بينهما: أنَّه مع التنوين محذوف الياء، وإذا لم يكن تنوين فالياء الأصل فيها: الإثبات، جاء القاضي، الأصل فيها: إثبات الياء، وإن جاز حذفها على قلَّةٍ. (وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ)، (حَذْفُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف و (يَا) مضاف إليه، قصره للضر، وهو مضاف و (الْمَنْقُوصِ) مضاف إليه، (ذِي التَّنْوِينِ) صاحب التنوين، احترازاً من غير التنوين، لأنَّه سيذكر له حكماً خاصَّاً: (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ) يعني: بالخلاف .. العكس اللغوي. إذاً: (ذِي التَّنْوِينِ) هذا قيد، احترز به عن غير المُنَوَّن. وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ كيف يقول: (ذِي التَّنْوِينِ) ثم يقول: (حَذْفُ)؟ هو محذوف، قَاضٍ الياء محذوفة، ثُمَّ يقول: حَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ أَوْلَى ..

هي محذوفة، كيف نحذف المحذوف؟ المراد بالحذف هنا: عدم رَدِّها، نُفَسِّر قوله: (وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ) أي: عدم ردِّها، وإلا فهي محذوفة قبل الوقف لالتقاء الساكنين، إذا قلت: جاء قاضٍ، حذف الياء .. هي محذوفة كيف تحذفها؟ جاء قاض. ز احذف الياء، إذا قيل: جاء قاضٍ، قف عليه: جاء قَاضْ، احذف الياء .. كيف تحذفها؟ هي محذوفة أصلاً، حذف المحذوف ممنوع. فحينئذٍ نُفَسِّر قوله: وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ .. أي: عدم ردِّها، يعني: استصحب الحذف في الوقف، وإلا فهي محذوفة قبل الوقف لالتقاء الساكنين. إذاً: حكم (يَا الْمَنْقُوص) قال: حَذْفُ .. وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ مَا ... لَمْ يُنْصَبْ. . . . . . . . . مَا لَمْ يُنْصَبَ، (لَمْ) حرف جزم، (يُنْصَبَ) بالفتح، هذه الحركة ليست حركة إعراب وإنما حركة بِنْيِة، أصلها: (أَوْلَى) همزة مفتوحة، أُرِيد حذف الهمزة للضرورة فَأُسْقِطَت حركتها على ما قبلها، فَسَهُل حذفها فَحُذِفت، أصلها: (أَوْلَى)، تقول هكذا: (لَمْ يُنْصَبَ اوْلَى) ما نطقت بالهمزة، هي: (أَوْلَى) .. ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة:34] حينئذٍ نقول: (أَوْلَى) همزتها همزة قطع، لكنَّها لم اضْطُرَّ إلى حذفها هنا ألقى حركتها على ما قبلها وهو ساكن (يُنْصَبَ) إذاً: الحركة هنا حركة بنية وليس هو فعل مضارع منصوب بـ: (لَمْ)، إنَّما (لَمْ) هذه جازمة، و (يُنْصَبَ) فعلٌ مضارع مجزومٌ بـ (لَمْ) وجزمه سكونٌ مقدَّر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة النقل، هذه حركة بنية، لأنَّ الأصل: (أَوْلَى). إذاً: (مَا لَمْ يُنْصَبْ) استثنى حالة النَّصب، فُهِم منه: أنَّ الياء لا تُحْذَف من المنصوب نحو: رأيت قاضياً، قف عليه، تبقي الياء كما هي فتقول: رأيت قَاضَيا: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيا)) [آل عمران:193] لو وقفت عليه تقول: مُنَادِيا، تبقي الياء على حالها. وَفُهِم من البيت الأول من الباب: أنَّ المنقوص المُنَوَّن المنصوب يُبْدَل فيه التنوين ألفاً، حينئذٍ تقول: قاضياً .. قاضيا، بإثبات الياء وعدم حذفها. إذاً: قوله: (مَا لَمْ يُنْصَبْ) له مفهوم: وهو أنَّه إذا نُصِب له حكمٌ مخالفٌ لما ذكره بقوله: (وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ) إذاً: لا تُحْذَف. وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ. . ... . . . . . أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ. . . . إذاً: يجوز فيها الوجهان: الحذف، وعدم الحذف، لأنَّه عبَّر بـ: (أَوْلَى) والشيء لا يكون أولى إلا مع جواز غيره. إذاً: يجوز في المنقوص ذي التنوين بشرط: أن لا يكون منصوباً يجوز فيه وجهان: حذف الياء، وعدم حذفها فتقول: جاء قَاضْ، ومررت بِقَاضْ، وجاء قاضي، ومررت بقاضي، يجوز فيه الوجهان، إلا أنَّ الحذف أولى وهو مُرَجَّح، ولذلك قرأ ابن كثير: ((وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادِي)) [الرعد:7] بإثبات الياء، مع كونه (هَادٍ) مع كونه نكرة يعني: مُنَوَّن، ولكن وقف عليه بالياء: ((وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالِي)) [الرعد:11] وقف عليه بالياء، والأرجح في غير المُنَوَّن الإثبات كـ: هذا القاضي ومررت بالقاضي، كما سيأتي. إذاً:

(وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ فَاعْلَمَا) فُهِم من قوله: (أَوْلَى) أنَّ جواز الوقف عليهما بالياء مرجوح نحو: هذا قاضي، ومررت بقاضي، مع الجواز، لكن القول بأنَّه مرجوحٌ مطلقاً مع وجود القراءة هذا فيه نظر، يقال: هذا من باب فصيح وأفصح، يعني: هذا جائز وهذا جائز، ما دام أنَّه قرأ به واحدٌ من السَّبعة نقول: هذا ثابتٌ. إذاً: أَوْلَى مِنْ ثُبُوتِ فَاعْلَمَا .. يعني: أنَّ حذف الياء من المنقوص إذا كان غير منصوبٍ أولى من ثبوتها، فشمل المرفوع نحو: هذا قَاضْ، والمجرور نحو: مررت بِقَاضْ، بحذف الياء فيهما. ثُمَّ قال: وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ .. يعني: أنَّ المنقوص غير المُنَوَّن (بِالْعَكْسِ) من المُنَوَّن، فإثبات الياء فيه أولى من حذفها، يعني: القاضي، سيأتي أنَّ قوله: (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِين) يدخل تحته أربعة أنواع، القاضي، المحلَّى بـ (أَلْ) غير مُنَوَّن، فتقول: جاء القاضي، هذا أولى من قولك: جاء القاض، "جاء القاض" يجوز أو لا؟ يجوز؛ لأنَّه قيَّد الحكم هنا بالعكس مما سبق، وما سبق في المُنَوَّن إنَّما هو أولوية. فإذا كان كذلك فالحكم مستصحب فيما هو غير مُنَوَّن، فتقول: جاء القاضي، هذا الأكثر والأفصح والأشهر، وجاء القاض، بحذف الياء، ولذلك: ((وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)) [الرعد:9] (المُتَعَالِي) بإثبات الياء، لكن نحن نقرأ: (وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال)، ((لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ)) [غافر:15] يعني: (يَوْمَ التَّلاقِي) يجوز. ولذلك لا نُعَبِّر أنَّه مرجوح كأنَّه ليس بلغة، لا هذا ثابت وهذا ثابت، إلا أنَّ الأكثر هو الذي يُقال بأنَّه أرجح، والأقل يُقال أنَّه فصيح وهو لغة معتبرة وخاصَّة إذا قُرِئ بها في السَّبع، حينئذٍ نقول: هو لغةٌ معتبرة، ولا نُضَعِّفها، هذا فيه نظر. (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ)، (غَيْرُ) هذا مبتدأ وهو مضاف و (ذِيْ التَّنْوِينِ) مضافٌ إليه، (بِالْعَكْسِ) جار ومجرور متعلِّق بمحذوف خبر (بِالْعَكْس) المراد به: الخلاف (الْعَكْس) هنا .. العكس اللغوي، يعني: أنَّ المنقوص غير المُنَوَّن (بِالْعَكْسِ) من المُنَوَّن فإثبات الياء فيه أولى من حذفها، نحو: هذا القاضي، ومررت بالقاضي، هل يشمل حالة النَّصب أم أنَّها مُسْتَثناة؟ جاء القاضي .. مررت بالقاضي، هل إثبات الياء هنا أولى من الحذف؟ نقول: نعم، لأنَّه قال: (بِالْعَكْسِ) .. بالعكس من ماذا؟ من المُنَوَّن، في المُنَوَّن قيَّده بقوله: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) فحينئذٍ الحذف ممتنع، بل تبقى الياء ثابتة، هل هذا القيد مُعْتَبر في قوله: (بِالْعَكْسِ) .. داخلٌ في المفهوم أم لا؟ إن قلنا مُعْتَبَر حينئذٍ لا إيراد على النَّاظم، وإن قلنا غير معتبر حينئذٍ يرد الإيراد على النَّاظم، والظَّاهر: أنَّه معتبر يعني: داخلٌ في قوله: (بِالْعَكْسِ) لأنَّه (بِالْعَكْسِ) مما سبق وما سبق قيَّده بكونه: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) حينئذٍ يكون ذلك الحكم مقروناً بذلك الشرط، عكسه: لغير المُنَوَّن. وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ ..

وهذا إنَّما يكون في المرفوع والمجرور, وأمَّا المنصوب فليس في الوقف إلا إثبات الياء، هذا الذي ينبني على الاعتراض، إذا قلنا: (بِالْعَكْسِ) دخل فيه القيد لا اعتراض على النَّاظم، إذا قلنا ليس بداخل ففيه اعتراض، لأنَّه قال: وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ .. حينئذٍ يكون إثبات الياء أولى من حذفها مطلقاً، وشمل المنصوب والمنصوب ليس فيه إلا إثبات الياء، إذاً: يَرد اعتراض على النَّاظم، لكن الصَّواب أنَّ قوله: (بِالْعَكْسِ) يعني: بالعكس من الحكم السابق، وهو قد ذكر الحكم السابق مقيَّداً بكونه: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) فإذا نُصِب حينئذٍ اختلف الحكم، فالعكس مستصحب فيه القيد السابق، فلا اعتراض على النَّاظم. قوله: (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ) دخل تحته أربعة أشياء: الأول: المقرون بـ (أَلْ)، يعني: الذي لا يُنَوَّن ما هو؟ الذي نقول إثبات الياء أولى من حذفها ما لم يكن منصوباً؟ المقرون بـ (أَلْ): جاء القاضي .. مررت بالقاضي، المقرون بـ (أَلْ) وهو وإن كان منصوباً فهو كالصحيح في نحو: رأيت القاضي، فيوقف عليه بإثبات الياء وجهاً واحداً يعني: مُرَجَّحاً، وهذا محل اعتراض على النَّاظم. وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فكما ذكر النَّاظم، فالمختار: جاء القاضي .. بإثبات الياء، ومررت بالقاضي بإثبات الياء، ويجوز: جاء القاض .. بالحذف. إذاً: المقرون بـ (أَلْ) فيه تفصيل: إن كان منصوباً فليس فيه إلا إثبات الياء: رأيت القاضي .. إثبات الياء. إن كان مجروراً أو مرفوعاً ففيه وجهان: الحذف، والإثبات، والإثبات أولى، وكلاهما قُرِئ بهما في السَّبع. الثاني: ما سقط تنوينه للنِّداء، نحو: يا قاض، فالخليل يختار فيه الإثبات، ويونس يَخْتَار فيه الحذف، يعني: هل تقف على: قاض، وهو مُنَادى .. هو مبني وليس مُنَوَّناً، سقط تنوي، دخل في قوله: (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ) يا قاض، هذا غير مُنَوَّن، فالخليل يختار فيه الإثبات إذا وقفت عليه: يا قاضي، ويونس يختار فيه الحذف: يا قاض، تقف عليه بدون إرجاع الياء، ورجَّح سيبويه مذهب يونس: أنَّه يوقف عليه بالحذف، لأنَّ النِّداء محل حذفٍ ولذلك دخل فيه التَّرخيم. الثالث: ما سقط تنوينه لمنع الصرف، مثل: جَوَارٍ وَغَوَاشٍ، نحو: رأيت جَوَارِيَ نصباً، فيوقف عليه بإثبات الياء كما تقدَّم في المنصوب. الرابع: ما سقط تنوينه للإضافة، إذا وقفت عليه تقول: هذا قاضي مكَّة، قاضي مكَّة أسقطت التنوين من المضاف وهو: قاضي، لو انقطع بك النفس ووقفت على: قاضي، كيف تقف عليه؟ نقول: ما سقط تنوينه للإضافة نحو: قاضي مكَّة، فإذا وُقِف عليه جاز فيه الوجهان، لأنَّك حذفت التنوين لأجل الإضافة، فلمَّا وقفت عليه زالت الإضافة التي هي موجب لحذف التنوين فجاز فيه الوجهان، فتقول: هذا قاضي .. هذا قاض، ثُمَّ: قاضي مكَّة، أو تُكْمِل ما بعده. ما سقط تنوينه للإضافة نحو: قاضي مكَّة، فإذا وُقِف عليه جاز فيه الوجهان الجائزان في المُنَوَّن، لأنَّه إنَّما زالت الياء بسبب الإضافة .. لوجود التنوين، حينئذٍ لمَّا أُضِيف حُذِف التنوين، حينئذٍ رجعت الياء.

جاز فيه الوجهان الجائزان في المُنَوَّن، لأنَّه لمَّا زالت الإضافة بالوقف عليه عاد إليه ما ذهب بسببها وهو التنوين، فجاز فيه ما جاز في المُنَوَّن. إذاً: دخل تحت قوله (وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِين): المقرون بـ (أَلْ). المُنَادى. ما سقط تنوينه لمنع الصرف نحو: جوارٍ وغواشٍ. والمضاف: هذا قاضي مكَّة، هذه أربعة أنواع. فكلام النَّاظم قيل: مُعْتَرَضٌ من وجهين: أولاً: عبارته شاملةٌ لهذه الأنواع الأربعة وليس حكمها واحداً، بل بعضها يكون الحذف أرجح من الإثبات. ثانياً: لم يستثنِ المنصوب وهو متعيِّن الإثبات، قلنا: هذا يرد عليه مت؟ إذا لم نجعل القيد داخلاً في قوله: (بِالْعَكْس) وهذا الذي مشى عليه الأشموني واعترض على النَّاظم، والصواب: أنَّه لا اعتراض، لأنَّ قوله: (بِالْعَكْسِ) يعني: عكس الحكم السابق وهو لم يطلقه بل قيَّده بقوله: (مَا لَمْ يُنْصَبِ) فنفيُ النَّصب وعدم النَّصب مُسْتَصْحَبٌ في المشبَّه به وفي المشبَّه، فلا اعتراض عليه رحمه الله. وَغَيْرُ ذِيْ التَّنْوِينِ بِالْعَكْسِ .. انتهينا مما يجوز. . . . . . . . . . . . . . وَفِي ... نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي يعني: إن كان المنقوص محذوف العين (فِي نَحْوِ مُرٍ)، (مُرٍ) هذا اسم فاعل من: أرى، فهو على وزن (مُفْعِل) لم يوقف عليه إلا بإثبات الياء: (مُرٍ .. مُرِي)؛ لأنه ماذا بقي منه (مُرٍ .. مُرِي)؟ مُرٍ إذا دخله التنوين حُذِفت الياء، والميم هذه ميم المفاعلة يعني: ميم (مُفْعِل) فهي زائدة، ولم يبقى منه إلا حرف واحد وهو فاء الكلمة: الرَّاء، لأنَّه من: رأى، والياء حُذِفَت للتَّنوين، إذا حذفناها في الوقف، قالو: هذا إجحاف بالكلمة، حينئذٍ نقف عليه وجوباً بردِّ الياء من أجل أن يبقى على حرفين. (فِي نَحْوِ مُرٍ) يعني: مما كان اسم فاعل محذوف العين لم يُوقَف عليه إلا بإثبات الياء نحو: هذا مُرِي ومثله: يفي، كما سيأتي. إذاً: ذكر النَّاظم هنا متى يجب حذف الياء، ومتى يجب إثباتها، ومتى يجوز فيه الوجهان، ونقول تلخيصاً لِمَ سبق: إذا وُقِف على المنصوب وجب إثبات يائه في ثلاث مسائل: الأولى: أن يكون منصوباً مُنَوَّناً، نحو: ((رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيا)) [آل عمران:193] رأيت قاضيا .. رأيت غازيا، هنا الوقوف على الياء .. هذا واجب، أو غير مُنَوَّن نحو: ((كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ)) [القيامة:26] التَّرَاقِيَ .. التَّرَاقِيْ. إذاً: الحالة الأولى: أن يكون منصوباً مُنَوَّناً. الثانية: أن يكون محذوف الفاء، والنَّاظم إنَّما نصَّ على محذوف العين، لكن هذا داخلٌ معه، أن يكون محذوف الفاء كما إذا سمَّيت بمضارع: وفى أو وعى، وفى .. يفي، وعى .. يعي، سمَّيت رجل: يعي، حينئذٍ دخله التَّنوين: يَعٍ .. يَفٍ، دخله التَّنوين .. حذفت الياء، إذا وقف عليه حينئذٍ وجب أن تقف عليه بالياء، فتقول: جاء يفي .. مررت بيفي، تردَّ الياء واجب، لأنَّك لو لم تَرُدَّ الياء لأبقيت الكلمة على حرفٍ واحد وهذا إجحافٌ به، لأنَّه من: وفى يفي، إذا قلت: يفي، أين فاء الكلمة؟

أصله: وفى .. يوفي، الواو وقعت بين عَدُوَّتَيْها مثل: وعد .. يَوْعِد، وقعت الواو بين عَدُوَّتَيْها فوجب حذفها، إذاً: حُذِفت الفاء التي هي واو الكلمة، فقلت: يفي، نَوَّنْتَه، ماذا حصل؟ حذفت الياء، صار: يفٍ، لو وقفت عليه: يَفْ، بالسكون مع حذف الياء ولم تردها، حينئذٍ ماذا يحصل؟ .. وقفت على الكلمة بحرف واحد، وهذا إجحاف بها .. ظلم لها، لا بد من إرجاع اليا. إذاً: الحالة الثانية: أن يكون محذوف الفاء، وهذا ليس له من الأسماء إلا ما ذكره ابن هشام وغيره، أنه لو سُمِّي رجل بـ: واوي .. واويَّ الفاء .. مضارعه أمَّا: وفى نفسه لا يوجد إشكال، وفى .. يفي، وعى .. يعي، فإنَّك تقول: هذا يفي، وهذا يعي بالإثبات، لأنَّ أصلهما: يَوْفِي وَيَوْعِي، فَحُذِفت فاؤهما، فلو حُذِفت لامهما لكان إجحافاً. إذاً: يجب إثبات الياء فيما إذا حُذِفت فاء الكلمة، وطبعاً المسألة مفروضة في المنقوص ليست في غيرها، لأنَّه هو الذي تُحْذَف منه الياء للتَّنوين، فإذا قلت: هذا يَفٍ .. هذا يَعٍ، حينئذٍ إذا وقفت عليه تقول: هذا يفي، بإثبات الياء، وهذا يعي، ولا تقل: هذا يَفْ وهذا يَعْ، لأنَّه إيقافٌ بالسكون، حينئذٍ تكون حذفت منه حرفين. المسألة الثالثة مما يجب إثبات الياء في المنقوص: أن يكون محذوف العين، هذا الذي نصَّ عليه النَّاظم: نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي .. أن يكون محذوف العين (نَحْوِ مُرٍ) اسم فاعل من: أرى، إذا وُقِف عليه لزم ردُّ الياء، فتقول: هذا مُرِي، مُرِي وجب ردُّ الياء، ومررت بِمُرِي، وإنَّما لزم فيه ردُّ الياء لكثرة ما حُذِف منه فإنَّه يعني: أصله: مُرْئِيٌ (مُفْعِلٌ)، مُرْئِيٌ لأنَّه من: أرأى، على وزن (مُفْعِل) فَنُقِلت حركة عينه وهي الهمزة إلى الرَّاء وَحُذِفت الهمزة، وَفُعِل بالياء ما فُعِل بياء: قَاضٍ، ونحوه من حذف حركته - للتَّخلُّص من التقاء الساكنين-، وحذفه لالتقائه من التنوين، ولم يبقى من أصول الكلمة إلا الرَّاء، فلو سكَّنوها في الوقف لكان ذلك إجحافاً بها. إذاً: (مُرٍ) أصله: (مُفْعِلٌ) مُرْيِئٌ، همزة أسقطت حركتها على ما قبلها، صار: مُرِي، دخل التَّنوين حذفت الياء صار: مُرٍ، ليس عندنا إلا الرَّاء، العين حُذِفت وهي الهمزة، لأنَّ أصله: رأى، فالهمزة هي عين الكلمة، حينئذٍ إذا حذفت الياء صار إجحافاً بالكلمة. إذاً: هذه ثلاث مسائل يجب فيها إثبات الياء في الوقف. فإن كان مرفوعاً أو مجروراً جاز إثبات يائه وجاز حذفها، ولكن الأرجح في المُنَوَّن: الحذف وهو الذي قدَّمه النَّاظم هنا نحو: هذا قاض، ومررت بقاض. وقرأ ابن كثير: ((وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادِي)) [الرعد:7] .. ((وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالِي)) [الرعد:11]، والأرجح في غير المُنَوَّن: الإثبات كـ: هذا القاضي، ومررت بالقاضي، وكذلك قُرِئ: ((وَهُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال)) [الرعد:9] .. ((يَوْمَ التَّلاقِ)) [غافر:15] كله جائز، هذا أو ذاك، وأنت مُخَيَّر بين هذا وذاك. إذاً: وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوصِ ذِي التَّنْوِينِ مَا ... لَمْ يُنْصَبَ اوْلَى مِنْ ثُبُوتِ فَاعْلَمَا

(فَاعْلَمَاً) الفاء عاطفة، و (اعْلَمْ) فعل أمر، والألف هذه مبدلة من نون التوكيد الخفيفة، (وَحَذْفُ يَا الْمَنْقُوص) المُنَوَّن (أَوْلَى مِنْ ثُبُوتٍ) للياء، أو (من ثبوتها) بحذف المضاف إليه، قيَّده بقوله: (مَا لَمْ يُنْصَبْ) فإن نُصِب تعيَّن إثبات الياء، وأمَّا غير (ذِي التَّنْوِينِ) فهو بالعكس، فالأولى: إثبات الياء وحذفها غير أولى، وهذا كذلك يُسْتثنى منه المنصوب، لأنَّه داخلٌ في حَيِّزِه. . . . . . . . . . . . . وَفِي ... نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي (لُزُومُ) مبتدأ وهو مضاف و (رَدِّ) هذا مضاف إليه، (لُزُومُ رَدِّ) كلاهما مصدران: (لُزُومُ) مصدر و (رَدِّ) مصدر .. مصدر مضافٌ إلى فاعله (لُزُومُ رَدِّ) (رَدِّ) هذا فاعلٌ في المعنى، (رَدِّ الْيَا) (رَدِّ) مضاف و (الْيَا) قصره للضرورة مضاف إليه، (رَدِّ) مصدر، فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله (رَدِّك الياء). إذاً: عندنا كم مصدر؟ (لُزُومُ رَدِّ)، (لُزُومُ) هذا مصدر أُضِيف إلى (رَدِّ) وهو فاعلٌ في المعنى، (رَدِّ) هذا مصدر، وهو مضافٌ إلى مفعوله في المعنى، و (الْيَا) هذا مفعول، والفاعل هو أنت، (اقْتُفِيَ) يعني: اتُّبِع .. فعل ماضي مغيِّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود إلى (لُزُومُ) .. (اقْتُفِيَ) أي: اتبع، والجملة خبر المبتدأ، (فِي نَحْوِ مُرٍ) هذا متعلِّق بقوله: (اقْتُفِي). إذاً: لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقتُفِيَ في نَحْوِ مُرٍ مما حُذِف فيه العين. قال الشَّارح: "إذا وُقِف على المنقوص المُنَوَّن، فإن كان منصوباً أُبْدِل من تنوينه ألف نحو: رأيت قاضيا، فإن لم يكن منصوباً فالمختار: الوقف عليه بالحذف" قلنا: إن لم يكن منصوباً دخل تحته أربعة أشياء، والأشهر: "أل" .. ما كان مُحَلَّىً بـ (أَلْ). إذا وقف على المنقوص المُنَوَّن فإن كان منصوباً أُبْدِل من تنوينه ألفاً: رأيت قاضياً، فإن لم يكن منصوباً يعني: مرفوعاً أو مجروراً، فالمختار الوقف عليه بالحذف .. حذف الياء: فهذا قاض .. مررت بقاض، إلا أن يكون محذوف العين أو الفاء كما سيأتي، فتقول: هذا قاض، ومررت بقاض، ويجوز الوقف عليه بإثبات الياء كقراءة ابن كثير: ((وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادي)) [الرعد:7] ((وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقِي)) [النحل:96]. فإن كان المنقوص محذوف العين كـ: (مُرٍ) اسم فاعلٍ من: أرى، أصله: أرأى .. يُرْئِي .. مُرْئِي، على وزن (مُفْعِلْ)، فَأُعِلَّ إعلال: قاضي، وَحُذِفت عينه وهي الهمزة بعد نقل حركتها، أو الفاء كـ: يفي علَماً، "يفي" هذا مضارع: وفى، لم يُوْقَف إلا بإثبات الياء، يعني: يجب إثبات الياء، فتقول: هذا مُرِي، وهذا يفي، وإليه أشار بقوله: . . . . . . . . . . . . وَفِي ... نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ الْيَا اقْتُفِي فإن كان المنقوص غير مُنَوَّنٍ، فإن كان منصوباً ثبتت يَاؤُه ساكنة، نحو: رأيت القاضي، ثبتت الياء .. لا تُحْذَف وجهاً واحداً، بخلاف المجرور والمرفوع، وإن كان مَرْفُوعاً أو مَجْروراً جاز إثبات الياء وحذفها، والإثبات أجود نحو: هذا القاضي، ومررت بالقاضي. وَغَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ ... سَكِّنْهُ أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ

أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ أَوْ قِفْ مُضْعِفَاً ... مَا لَيْسَ هَمْزاً أَوْ عَلِيلاً إِنْ قَفَا مُحَرَّكاً وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ نقف على هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

131

عناصر الدرس * أوجه الوقف على غير هاء التأنيث * الوقف بالنقل والخلاف فيه * الوقف على تاء التأنيث * مايوقف عليه بهاء السكت * قد يجري الوصل مجرى الوقف. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: لا زال الحديث في باب (الْوَقْفِ) حيث قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: وَغَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ ... سَكِّنْهُ أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ أَوْ قِفْ مُضْعِفَا ... مَا لَيْسَ هَمْزاً أَوْ عَلِيلاً إِنْ قَفَا مُحَرَّكاً وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ الموقوف عليه إذا كان مُتحرِّكاً فإمَّا أن يكون تاءً أو غيرها، إذا وقفت على كلمة وكانت مُتحرِّكة .. لأنه إذا وقفت على ساكن فلا إشكال .. الساكن يُوقف عليه ساكناً، وأن العرب لا تبتدئ بساكن، كذلك لا تقف على مُتحرِّك، ثُمَّ هذا المُتحرِّك الذي تقف عليه إمَّا أن يكون هاءً أو غيرها، إمَّا أن يكون هاءً يعني: تاء مربوطة مثل: مسلمة وعائشة وفاطمة، أو لا يكون كذلك مثل: مسلم وعربي ونحو ذلك. الموقوف عليه إذا كان مُتحرِّكاً فإمَّا أن يكون تاءً أو غيرها، فإن كان تاء تأنيث وُقِف عليه بالسكون خاصَّة: فاطمة، تقلِب التاء هاءً ثُمَّ تقف عليها بالسكون خاصَّة وهو الأصل، وإنْ كان غير هاء التأنيث جاز فيه خمسة أوجه: - إمَّا أن تقف عليه بالسكون وهذا هو الأصل. - وإمَّا أن تقف عليه بالروم. - وإمَّا أن تقف عليه بالإشمام. - وإمَّا أن تقف عليه بالتضعيف. - وإمَّا أن تقف عليه بالنقل. هذا في المُتحرِّك غير الهاء، يعني: يجوز فيه خمسة أوجه، وليست على إطلاقها بل لبعضها شروط لا بُدَّ من استيفائها، إن وُجِدت هذه الشُّروط صَحَّ الوقف وإلا فلا. إذاً الخلاصة: الموقوف عليه إن كان ساكناً فلا إشكال فيه، الساكن يوقف عليه بالسكون، وإن كان مُتحرِّكاً يعني: عليه حركة آخر شيء، إمَّا أن يكون هاء التأنيث .. تاء التأنيث أو لا، إن كان تاء التأنيث هذا سيذكره النَّاظم، لكن ليس له من هذه الأوجه إلا السكون فقط، يعني: لا رَوْم، ولا إشمام، ولا تضعيف، ولا نقل في تاء التأنيث، وإنَّما له السكون، وفيه تفصيل من حيث قلب التاء هاءً، أو الوقف عليه بالتاء. وإن كان غير هاء التأنيث جاز فيه خمسة أوجه التي ذكرناها وسيذكرها النَّاظم رحمه الله تعالى، وأمَّا هاء التأنيث فلم يُوقف عليها إلا بالإسكان، وليس لها نصيبٌ في غيره، ولذا قَدَّم استثناءها، والوقف على المتحرِّك غير هاء التأنيث فيه خمسة أوجه: وَغَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ ... سَكِّنْهُ. . . . . . . . . . . . . . هذا الأول. (أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ) هذا الثَّاني، (أَوْ أَشْمِم) هذا الثالث، (أَوْ قِفْ مُضَعِفَاً) هذا الرابع، (وَانْقُلاَ حَرَكَاتٍ) هذا الخامس، كلها في بيتين .. ثلاثة، هذا في المُتحرِّك إذا لم يكن تاء تأنيث .. إذا وقفت عليه ولم يكن تاء تأنيث جاز لك خمسة أوجه بالشروط التي ذكرها النَّاظم. وَغَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ ... سَكِّنْهُ. . . . . . . . . . . . . .

(غَيْرَ) هذا منصوبٌ على الاشتغال، (سَكِّنْهُ) غير هاء التأنيث، (غَيْرَ) هذا مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ واجب الحذف فسَّره قوله: (سَكِّنْ)، (غَيْرَ) مضاف، و (هَا) قصره للضرورة مضاف إليه، و (هَا) مضاف، و (التَّأْنِيث) مضافٌ إليه، (مِنْ مُحَرَّكِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (سَكِّنْهُ) احترز به عن السَّاكن، لأنَّ السَّاكن لا يُسَكَّن وإنَّما يُوقف عليه بالسُّكون. (مِنْ مُحَرَّكِ سَكِّنْهُ) يعني: أنَّ (غَيْرَ هَا التَّأْنِيث) من المُحرَّك يجوز تسكينه والأصل فيه التَّسكين، والرَّوْم وما عُطِف عليه هذا فرعٌ، وأمَّا الرَّوْم: فهو إخفاء الصوت بالحركة، التسكين: النطق عليه بعدم الحركة، السكون: هو حذف الحركة، وأمَّا الرَّوْم: فهو إخفاء الصَّوت بالحركة، يعني: يأتي بالحركة لكن يخفيها، وهذه الأحوال الخمسة غير التسكين .. الأربعة، الرَّوْم والإشمام، هذه إنَّما يتقنها من يمارسها، يعني: تحتاج إلى ممارسة. وأمَّا الرَّوْم: فهو إخفاء الصَّوت بالحركة، وهل يجوز في الحركات مطلقاً: في الضَّمَّة والفتحة والكسرة أم أنَّه مُقيَّد؟ النَّاظم قال: (أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ) أي: آتياً في التَّحرُّك بالرَّوْم يعني: في الحركة، حينئذٍ أطلق النَّاظم فَدلَّ على أنَّه يرى أنَّ الرَّوْم يكون في الفتحة كما يكون في الضَّمَّة والكسرة، الضَّمَّة والكسرة محل وفاق، وإنَّما الخلاف في الفتحة هل فيها رَوْمٌ أم لا؟ جمهور النُّحاة على أنَّها نعم، والفرَّاء على أنَّ الرَّوْم لا يكون في الفتحة، وجمهور القُرَّاء معه .. وافقوه، إذاً: فيه خلاف. ويجوز في الحركات الثلاث: الضَّمَّة والفتحة والكسرة خلافاً للفرَّاء في منعه إيَّاه في الفتحة، الفرَّاء منع الرَّوْم في الفتحة .. إخفاء الصَّوت بالحركة، وأكثر القرَّاء على اختيار قوله .. أكثر القرَّاء على اختيار قول الفرَّاء: أنَّه لا رَوْم في الفتحة، وأهل اللغة .. النُّحاة يرون أنَّ الفتحة كغيرها من الضَّمَّة والكسرة. ويحتاج في الفتحة إلى رياضةٍ لِخفَّة الفتحة، يعني: فيه نوع صعوبة .. ليس فيه صعوبة سواءٌ كان الضمَّة أو الفتحة أو الكسرة، والفتحة أشد، وقيل: إنَّ عِلَّة منع الفرَّاء هي هذه .. أنه لصعوبته وعدم إمكانه في الفتحة منعه، ومن أجازه قال: يحتاج إلى رياضة .. ممارسة حتى يُتْقِن هذه الفتحة. وَغَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ .. سَكِّنْهُ (غَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ) هذا يشمل ماذا؟ دخل في غير تاء التأنيث: تاء بنت وأخت، فيجوز فيها غير الإسكان، ودخل ميم الجمع إذا وُصِل بها واوٌ أو ياء نحو: بِكُم، وَبِهم، وفي معنى ميم الجمع: الضمير المُذَكَّر إذا ضُمَّ ما قبله، أو كُسِر، أو كان واواً أو ياءً نحو: يضربه، وبه، وضربوه، وفيه، هذه كلها يصدق عليه أنَّه غير تاء التأنيث، فغير تاء التأنيث .. غير هاء التأنيث دخل فيه: تاء بنتٍ وأختٍ. حينئذٍ قد يقول قائل: تاء التأنيث لا يجوز فيها إلا الإسكان وهذا حق: أخت وبنت، هذه يجوز فيها غير الإسكان، إذاً: هي داخلة في المفهوم أو في المنطوق هنا؟ غَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ سَكِّنْهُ مِنْ مُحَرَّكِ

داخل في المنطوق أو في المفهوم؟ في المفهوم المُخْرَج، والمنطوق المدخل، أخت وبنت، مخرجة أو مدخلة؟ مدخلة، إذاً: من المنطوق .. داخلة في المنطوق. غَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ مِنْ مُحَرَّكِ ... سَكِّنْهُ. . . . . . . . . . . . سكِّن غير هاء التأنيث، دخل فيه: بنت وأخت، لأنَّ التاء هنا وإن كانت مُشْعِرة بالتأنيث إلا أنَّه جاز فيها غير الإسكان من الرَّوْم ونحوه، حينئذٍ هي داخلة في المنطوق لا في المفهوم، لم يحترز عنها، فيجوز فيها .. في: تاء بنت وأخت، غير الإسكان، ودخل ميم الجمع إذا وُصِل بها واوٌ أو ياء: بِكُمْ .. بِهِمْ، (بِكُم) الميم هنا ميم الجمع، وفي معنى ميم الجمع الضمير المُذكَّر إذا ضُمَّ ما قبله، أو كُسِر، أو كان واواً أو ياءً: يَضْرِبُه .. به .. ضربوه .. فيه، هذا يصدق عليه أنَّه غير هاء التأنيث. (مِنْ مُحَرَّكِ سَكِّنْهُ) قلنا: (مِنْ مُحَرَّكِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (سَكِّنْهُ)، الأصل التسكين .. هذا الأصل في الوقف، سواءٌ في ذلك المُنَوَّن وغيره، والمعرب والمبني، هذا هو الأغلب لأنَّه عام: زَيْدٌ قَامْ، وقفت عليه بالتسكين هذا الأصل، (جَاء زَيْدْ) وقفت عليه بالسكون، (فِيِهْ) وقفت عليه بالسكون، هو الأصل، ولو جاز غيره في بعضها، هو الأصل، مطلقاً في المبني وغيره، هذا هو الأغلب والأكثر، لأنَّ سلب الحركة أبلغ في تحصيل غرض الاستراحة، لأنَّ الأصل في الوقف: أخذ الاستراحة، فإذا كان كذلك حينئذٍ سلب الحركة وعدم الحركة أسهل من الرَّوْم والإشمام ونحو ذلك. (أَوْ قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ) إذن: فُهِم من قوله: (وَغَيْرَ هَا التَّأْنِيث) فُهِم من استثنائه هاء التأنيث: أنَّه لا يجوز فيها ما جاز في غيرها، وسينص عليه النَّاظم فيما يأتي، (وَغَيْرَ هَا التَّأْنِيثِ) إذاً: استثنى هاء التأنيث فدَلَّ على أنَّه لا يجوز فيها ما جاز في غيرها من الإشمام والرَّوْم ونحوه. (أَوْ قِفْ) هذا فعل أمر، (أَوْ) للتَّنويع والتقسيم (قِفْ) فعل أمر مبني على السُّكون، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، (رَائِمَ) اسم فاعل، حالٌ من فاعل (قِفْ) حال كونك (رَائِمَ التَّحَرُّكِ) أي: آتياً في التَّحرُّك بالرَّوْم. (أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ) هذا النُّوع الثالث وهو الإشمام، (أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ) (أَوْ) للتَّنويع والتقسيم، و (أَشْمِمِ) فعل أمر مبني على السُّكون المُقدَّر، والفاعل أنت، و (الضَّمَّةَ) مفعولٌ به، هذا أشار به إلى النوع الثالث مِمَّا يُوقف به على غير هاء التأنيث كما جاز التسكين، وجاز الرَّوْم وهو إخفاء الحركة، جاز كذلك الإشمام. والإشمام: هو الإشارة بالشَّفتين إلى الحركة حال سكون الحرف، يعني: يُسَكِّن الحرف ثُمَّ يُشِير إلى الحركة بشفتيه، كأنَّه ينطق بها وهو لا ينطق بها، لأنَّه لا يأتي بصوت، لأنَّه لو جاء بالصَّوت لنطق بالحركة، الإشمام لم يكن كذلك.

إذاً: إشارة بالشفتين إلى الحركة حال سكون الحرف، وقيل: الإشارة بالشفتين إلى الحركة بُعَيد الإسكان من غير تصويت، يُسَكِّن ثُمَّ مباشرةً يأتي بصورة الحركة بشفتيه في الضَّمَّة فقط، لأنَّه قال: (أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ) فهو خاصٌّ بالضَّمِّ دون الكسر والفتحة. من غير تصويتٍ، إذ لو كان تصويتاً يعني: معه صوت، لخرج عن الإشمام، ولذلك قيل: يدركه البصير دون الأعمى، الذي يدركه البصير، هو الذي يعرف أنَّك أشممت، أمَّا الأعمى فما يُدْرِك، لأنَّ الأعمى يدرك بسمعه لا ببصره، وهذا إنَّما يُدْرك بالبصر لا بالسمع، فإن كان مُدْرَكاً بالسَّمع خرج عن كونه إشماماً. إذاً: (أَوْ أَشْمِم) يعني: أشر بالشفتين إلى الحركة حال سكون الحرف، أو بُعَيْد الإسكان - والثاني هذا الذي اختاره الشَّاطِبِي -. فُهِم من قوله: (الضَّمَّةَ) لأنَّه قال: (أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ): أنَّه مخصوصٌ بالضَّمَّة، إذاً: احترز به عن الكسرة فلا إشمام، واحترز به عن الفتحة فلا إشمام، إذاً: ذِكْر الضَّمَّة هنا للتَّخصيص، وَفُهِم من قوله (الضَّمَّةَ): أنَّه مخصوصٌ بها، فلا يجوز في الفتحة ولا الكسرة، وقوله: (الضَّمَّةَ) - أطلق النَّاظم هنا - فحينئذٍ يشمل الضَّمَّة إذا كانت حركة إعرابية أو حركة بنائية فالحكم عام. وقوله: (الضَّمَّةَ) أي: إعرابيةً كانت أو بنائية، وأمَّا غير الضَّمَّة والفتحة والكسرة فلا إشمام فيهما، هذا النَّوع الثالث: (أَوْ أَشْمِمِ الضَّمَّةَ)، (أَوْ) للتَّقسيم والتَّنويع، هذا النَّوع الرَّابع (أَوْ قِفْ مُضَعِفاً) هنا قَيَّد النَّاظم .. ما أطلقه، (قِفْ رَائِمَ التَّحَرُّكِ) أطلق .. (سَكِّنْهُ) أطلق .. (أَوْ أَشْمِم) قَيَّده بالضَّمة ولم يُقَيْده بشرطٍ آخر، أمَّا قوله: (مُضَعِفاً) فقيَّده بثلاثة شروط: مَا لَيْسَ هَمْزاً أَوْ عَلِيلاً إِنْ قَفَا .. مُحَرَّكاً .. هذه ثلاثة شروط، يعني: لا يجوز الوقف بالتضعيف، (بالتضعيف) المراد به تُكرِّر الحرف .. تشديد، مثل شدَّ ومدَّ، فتقف عليه بتكراره .. تكرار الحرف .. تُضعِّفه كأنه من باب: شدَّ ومدَّ. (أَوْ قِفْ) (أَوْ) قلنا: للتَّنويع والتقسيم، (قِفْ) فعل أمر مبني على السُّكون والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، (مُضَعِفاً) حال من فاعل (قِفْ)، يعني: أنَّه يجوز الوقف على المُتحرِّك غير التاء -لأنَّه استثنى- بالتضعيف، أي: بتضعيف الحرف الموقوف عليه، كتضعيف الدَّال من: خَالِدَّ، تُضعِّف الدال إذا وقفت عليه مثل: شدَّ .. مَدَّ .. خالدَّ، وهو لغة سعدية، وشروطه ثلاثة كما ذكر النَّاظم على جهة الإجمال، وخمسة على جهة التفصيل، عَدَّها ابن هشام في (التوضيح) خمسة، ولا نحتاج؛ لأنَّ (أَوْ عَلِيلاً) هذا شرطٌ واحد، بدلاً من أن نقول: معتل بالألف ومعتل بالواو ومعتل بالياء، نعدَّها ثلاثة شروط، نقول: ألا يكون آخره حرف عِلَّة، حينئذٍ الشروط ثلاثة، وهذا أجود .. الاختصار مهما أمكن فهو أولى من أجل حفظه، ولذلك نَصَّ النَّاظم عليها. إذاً: . . . . . . . . أَوْ قِفْ مُضْعِفَاً ... مَا لَيْسَ هَمْزاً. . . . . . . . .

ألا يكون الموقوف عليه همزةً .. الحرف الذي تقف عليه ألا يكون همزة كـ: خطأ ورشا، (خطأ) خطأٌ، لا تقف على (خطأْ) بالتضعيف (خطأٌّ)، لأنَّ الهمزة ثقيلة. فلا يجوز تضعيفه؛ لأنَّ العرب اجتنبت إدغام الهمزة ما لم يكن عيناً، أمَّا اللام فهو مُجْتَنَب، لأنَّه ثقيل .. الهمزة في نفسها حرف ثقيل، و (رشا) كذلك. إذاً: (مَا لَيْسَ هَمْزاً) هذا قيدٌ أوَّل في جواز تضعيف الحرف الذي تقف عليه، بشرط: ألا يكون همزةً لكراهة العرب ذلك، (أَوْ عَلِيلاً) (أَوْ) للتَّنويع يعني: الشرط الثاني: (مَا لَيْسَ عَلِيلاً) عليل .. (فَعِيل) بمعنى: مُفْعَل، يعني: مُعْتَل أو مُعَل، حينئذٍ نقول: (عَلِيلاً) شَمِل ما كان مختوماً بالألف كـ: يخشى، أو بالياء كـ: يرمي، أو بالواو كـ: يدعو، حينئذٍ لا تقف على واحدٍ من هذه الحروف الثلاثة بالتضعيف. ألا يكون الموقوف عليه حرف عِلَّة، لا واواً كـ: يدعو، ولا ياءً كـ: القاضي، ولا ألفاً كـ: يخشى، يعني: مطلقاً في الأسماء وفي الأفعال، لا تقف بالتضعيف على حرف عِلَّةٍ البتَّة: واواً أو ياءً أو ألفاً. (إِنْ قَفَا مُحَرَّكاً) هذا شرط أيضاً، وإنَّما جاء بأداة الشَّرط من باب بالضرورة، (إِنْ قَفَا) إن تبع، (قَفَا) الألف هذه أصلية أو لا؟ أصلية. (إِنْ تَبِع مُحَرَّكاً) مفهومه: إن تَبِع ساكناً فلا تضعيف، (إن تَبِع محرَّكاً) يعني: الحرف الأخير ما قبله يكون متحرِّكاً، (إن تَبِع مُحرَّكاً) يعني: إن كان الحرف الأخير تابعاً لحرفٍ مُتحرِّكٍ، فإنْ كان تابعاً لساكن فلا تضعيف، لماذا؟ يلتقي ساكنان؛ لأنَّك إذا ضَعَّفت .. قلنا مثل: شدَّ ومدَّ، تأتي بدالين: خالدَّ، الدَّال الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة زِدتَ دالاً، حينئذٍ صار الأول ساكن، إذا كان قبله ساكن التقى ساكنان، تضطر إلى حذف هذا الساكن، هذا ممنوع .. الوقف هذا شيء عارض، حينئذٍ إذا أمكنك النقل عنه دون حذف حرفٍ سابق فهو مُتعيِّن، وأمَّا أن تحذف حرفاً ساكناً قبل حرفٍ موقوف عليه من أجل الوقف فلا، وهذا إنَّما يكون إذا كان الحرف الذي قبل الحرف الأخير ساكناً، أمَّا إذا كان مُتحرِّكاً فلا يتأتَّى. إذاً: أن يكون ما قبله مُتحرِّكاً فلا يكون تالياً لسكون كـ: زيد وعمرو وبكر، فتقول في: جعفر وضارب ودرهم: جَعْفَرَّ مثل: شَدَّ وَمَدَّ (ضَارِبَّ) (دِرْهَمَّ) كلها بالتشديد. . . . وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ (مَا لَيْسَ هَمْزاً) (مَا) ما أعرابه؟ (مُضَعِفاً مَا لَيْسَ) مُضْعِف .. (مُفْعِل) اسم فاعل، وهو هنا وقع حالاً، إذاً: يعمل، (مَا لَيْسَ) (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في محل نصب مفعول به، والعامل فيه اسم الفاعل .. الحال (مُضَعِفاً) (مَا لَيْسَ) (لَيْسَ) فعل ماضي ناقص، واسمها ضمير مستتر يعود إلى (مَا)، و (هَمْزاً) خبر (لَيْسَ)، (أَوْ عَلِيلاً) معطوف على (هَمْزاً)، (إِنْ قَفَا مُحَرَّكاً) إن تَبِع مُحرَّكاً، أداة شرط وفعل شرط: (قَفَا) هو فاعل، (مُحَرَّكاً) مفعول به. . . . وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ

(وَحَرَكَاتٍ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (انْقُلاَ)، (انْقُلاَ) ما إعرابه؟ فعل أمر مبني على الفتح لاتِّصاله بنون التوكيد الخفيفة، (انْقُلاً حَرَكَاتٍ) (حَرَكَاتٍ) هذا مفعول به قَدَّمه للضرورة هنا، الأصل: أنَّه لا يجوز تقديم الفعل المؤكَّد، (وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ) أشار إلى الخامس يعني: أنَّه يجوز نقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله، وهذا ما يُسَمَّى دائماً معنا بحركة النَّقل، يعني: أنَّه يجوز نقل حركة الحرف الموقوف عليه إلى ما قبله كقراءة بعضهم: ((وَتَوَاصَوْا بِالصَّبِرْ)) [العصر:3] الراء مكسورة .. وقفت عليها ساكنة، ونقلت الحركة إلى الباء: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبِرْ). وذكر له في هذا البيت شرطين، وسيذكر شرطين آخرين، قال: (لِسَاكِنٍ) يعني: أن يكون ما قبله ساكن، (تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ) تَحْرِيكُهُ لا يمتنع، إذاً: ذكر شرطين في هذا البيت لجواز النقل، (انْقُلاَ لِسَاكِنٍ) (لِسَاكِنٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْقُلاَ)، احترز به من المُتحرِّك، وأمَّا المُتحرِّك فلا يُنْقَل إليه لأنَّه مشغولٌ بحركة، والمشغول لا يُشْغَل. أن يكون ما قبل الآخر ساكناً. والثاني: أن يكون السَّاكن مِمَّا يقبل الحركة. وَشَمِل هذا الألف لِتَعَذُّر حركته، لأنَّ الألف ساكنة، هو قال: (لِسَاكِنٍ) لا بُدَّ أن يكون ساكناً، فدخل الألف والواو والياء والمُضعَّف، وهذه كلها يمتنع فيها، حينئذٍ قوله: (تَحْرِيكُهُ) يعني: تحريك هذا السَّاكن (لَنْ يُحْظَلاَ) لا يُجظل .. لا يُمْنَع، ومِمَّا يُمْنَع: أن يكون ألفاً، لأنَّ الألف لا تقبل الحركة، إذاً: دخل في قوله (لِسَاكِنٍ) الألف، أخرجناها بقوله: (لَنْ يُحْظَلاَ) وهذا شرطٌ ثاني. وَشَمِل الألف لِتَعَذُّر حركته نحو: دار، لو قال: هذه دَارٌ، أراد أن يقف هل يقف بالنقل؟ لا يصح أن يقف بالنَّقل، مع كون الشَّرط الأول موجود وهو أنَّه ساكن، والشَّرط الثاني غير موجود وهو أنَّ هذا الحرف الألف لا يقبل الحركة أصلاً. والواو والياء، يعني: لو كان السَّاكن واواً أو ياءً، لِثَقل الحركة فيهما، الواو والياء دائماً في الجملة يكون الإعراب فيها مُقدَّراً لِثِقَل الحركة فيهما نحو: قنديل وعصفور، لا يوقف عليه بالنقل .. لا تُنْقَل الحركة إلى الياء، لأنَّ الياء ثقيلة، و (عصفور) كذلك لا تُنْقل الضَّمَّة أو الكسرة إلى ما قبلها، والمضعَّف نحو: جَدَّ، لأنَّك لو نقلت لاستلزم الفك .. فكَّ الإدغام في غير ضرورة .. هذا ممتنع، جَدَّ لو وقفت عليه بنقل الحركة إلى الدَّال الأولى حينئذٍ فَكَّ الإدغام، وهذا ممتنع. إذاً: هذا لا يقبل الحركة، فالإدغام واجب في مثل: جَدَّ وَمَدَّ وَشَدَّ، فإذا كان كذلك حينئذٍ ما يُؤَدِّي إلى فكِّه ممنوع، ونقل الحركة عند الوقف من الحرف المتأخِّر إلى ما قبله ولو كان ساكناً نقول هنا: حرفٌ صحيح وهو يقبل الحركة لذاته، لكن لَمَّا كان مُدْغَمَاً في مثله حينئذٍ امتنع تحريكه، لأنَّه يستلزم إلى فكِّ الإدغام نحو: الْجِدُّ، لأنَّ نقله يستلزم فكَّه وهو ممتنعٌ في غير الضرورة. إذاً: الحاصل في قوله: . . . وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ

الحاصل أنَّه: إن لم يكن المنقول إليه ساكناً بأن كان مُتحرِّكاً، أو كان ساكناً ولكن غير قابل للحركة، إمَّا لكون تحريكه مُتَعَذِّراً كالألف، أو متعسِّراً لثِقَل الحركة كالواو والياء، أو مستلزماً لفكِّ إدغامٍ امتنع النقل، متى يمتنع النقل؟ إن كان الحرف الذي قبل الذي يوقف عليه مُتحرِّك. فإن كان ساكناً حينئذٍ لا بُدَّ أن يكون الحرف قابلاً للحركة، فإن كان غير قابل للحركة لتعذُّر كالألف، أو لثقل كالواو والياء، أو مستلزماً لفكِّ إدغامٍ امتنع النقل، إذاً: أربعة أحوال يمتنع فيها النقل: - أن يكون الحرف مُتحرِّكاً .. الذي قبل الأخير. - ثانياً: أن يكون ألفاً. - أن يكون واواً أو ياءً. - أن يكون مدغماً في غيره. هذه الأحوال الأربعة يمتنع فيها النقل. . . . وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ. . . . . (تَحْرِيكُهُ) مبتدأ وهو مضاف، والهاء: ضمير متَّصل مبني على الضَّم في محل جر مضاف إليه، و (لَنْ يُحْظَلاَ) هذا فعل منصوب بـ (لَنْ) والألف هذه للإطلاق، والجملة خبر المبتدأ، (لَنْ يُحْظَلاَ) يعني: لن يُمْنَع. قوله: (انْقُلاَ حَرَكَاتٍ) أطلق النَّاظم هنا: (حَرَكَاتٍ) حينئذٍ يشمل الحركات الإعرابية والبنائية، والذي عليه الجماعة اختصاصه بحركة الإعراب فحسب، يعني: لا نقل في الحركة البنائية، وإنَّما النقل في حركات الإعراب، فلا يُقَال: ((مِنْ قَبُلْ)) [الروم:4] ... (مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) قِفْ على: (قَبْل) (مِنْ قَبُلْ) قالوا: هذا لا يُقَال .. (مِنْ بَعُدْ) هذا لا يُقَال، لأنَّ الحركة هنا بنائية، ولا (مَضَى أَمِسْ)، أمسُ .. وَمَضَى بِفَصْلِ قََضَائِه أَمْسُ .. (أَمْسُ) فاعل على أنَّه مبني، ولا (مضى أَمِسْ) بنقل حركة السين إلى الميم على أنَّه مبني، لأنَّه لو كان مُعرباً الأصل فيه الجواز على ما ذكرنا، وإن كان مبنياً بالكسر فالمنع. إذاً فلا يُقال: (مِنْ قَبُلْ)، ولا (مِنْ بَعُدْ)، ولا (مضى أَمِسْ) لأنَّ حركة ما ذُكِر غير حركة الإعراب، وحرص العرب على معرفة حركة الإعراب ليس كحرصهم على معرفة حركة البناء، لأنَّه ما الفائدة إذا وُقِف بالنقل؟ إذا وقفت بالنقل: ما الفائدة المرجُوَّة؟ واضح أنك إذا نقلت الحركة عرفت هذا مُعْرَب بماذا؟ هل هو بفتحة أو بكسرة أو بضمَّة، إذاً: فيه فائدة. فيستفيد السَّامع أنَّ هذا مُعْرب على أنَّه مرفوع، وهذا منصوب، وهذا مجرور، وأمَّا حركة البناء هل فيه فائدة؟ ما استفدنا شيء، إذاً: حرص العرب على معرفة الحركة الإعرابية أشدُّ من حرصهم على معرفة الحركة البنائية، لأنَّ الإعراب له شأنٌ ليس كشأن البناء. . . . وَحَرَكَاتٍ انْقُلاَ ... لِسَاكِنٍ تَحْرِيكُهُ لَنْ يُحْظَلاَ إذاً: ذكر النَّاظم في هذه الأبيات أنَّ الوقف: إمَّا أن يكون على ساكن أو مُتحرِّك، فالسَّاكن كاسمه ساكن .. يوقف عليه بالسُّكون، وإن كان مُتحرِّكاً فإمَّا أن يكون تاء تأنيث أو لا، إن كان تاء تأنيث فليس فيه إلا التَّسكين فقط، وسيأتي قلبها ونحو ذلك، يعني: ليس لها رَوْم ولا إشمام ولا نقل ولا تضعيف. إن لم يكن هاء تأنيث حينئذٍ جاز فيه خمسة أوجه: التسكين، والرَّوْم، والإشمام، والتَّضْعِيف، ونقل الحركات.

قال الشَّارح: إذا أريد الوقف على الاسم المُحَرَّك الآخِر فلا يخلو آخره من أن يكون هاء التأنيث أو غيرها، فإن كان آخره هاء التأنيث وجب الوقف عليها بالسُّكون كقولك في: هذه فاطمةُ أَقْبَلَت، هذه فاطمة، تقف عليه بالهاء، وإن كان آخره غير هاء التأنيث ففي الوقف عليه خمسة أوجه: التَّسكين، وَالرَّوْم، والإشمام، والتَّضْعِيف، والنقل، فَالرَّوْم: عبارة عن الإشارة إلى الحركة بصوت خفي، يعني: يسمعه القريب منهم فقط. والإشمام: عبارةٌ عن ضَمِّ الشَّفتين بُعَيْد تسكين الحرف الأخير، ولا يكون إلا فيما حركته ضَمَّة، وشرط الوقف بالتَّضعيف: ألا يكون الأخير همزةً كـ: خطأ، ولا مُعْتَلَّاً كـ: فتى، وأن يلي حركة – ثلاث شروط نَصَّ عليها النَّاظم - كـ: الجمل، فتقول في الوقف عليه: (جَمَلِّ) بالتشديد، فإن كان ما قبل الأخير ساكناً امتنع التَّضعيف كـ: الحِمْل، هذا ساكن. والوقف بالنقل: عبارةٌ عن تسكين الحرف الأخير ونقل حركته إلى الحرف الذي قبله، شرطه: أن يكون ما قبل الآخِر ساكناً قابلاً للحركة، (ساكناً) هذا شرط، و (كونه قابلاً للحركة) هذا شرطٌ ثاني، نحو: هذا الضَّرْبُ، وَرَأَيْت الضَّرْبَ، وَمَرَرْتُ بِالضَّرْبِ، فإن كان ما قبل الآخر مُحَرَّكاً لم يُوقف بالنقل كـ: جَعْفَر (هذا الضَّرب) تقف عليه بنقل الحركة: رَأَيْت الضَّرَبْ .. مررت بِالضَّرِبْ. فإن كان ما قبل الآخِر مُحَرَّكاً لم يُوقف بالنقل كـ: جَعْفَر، جَعْفَر هذا غير قابل للنَّقل، لأنَّ ما قبل الرَّاء مشغول بالحركة، والمشغول لا يُشْغَل، وكذا إن كان ساكناً لا يقبل الحركة كالألف في نحو: باب وإنسان، ولا يُمكن نقل الحركة، لأنَّ الألف هذه غير قابلة للنَّقل. بقي شرطٌ ثالث مُخْتَلَفٌ فيه، النقل هل يكون أيضاً بالفتحة، الضَّمَّة والكسرة مُتَّفق عليه: هذا الضَّرُبْ .. مَرَرْتُ بِالضَّرِبْ، هذا متَّفق عليه، أمَّا الفتحة ففيها نزاع، أشار إلى هذا الشَّرط المختلف فيه بقوله: وَنَقْلُ فَتْحٍ مِنْ سِوَى الْمَهْمُوزِ لاَ ... يَرَاهُ بَصْرِيٌّ وَكُوفٍ نَقَلاَ هل يُنْقَل من الحرف الأخير الموقف عليه بالفتحة .. هل تنقل الفتحة إلى ما قبله، ويكون من باب النقل أو لا؟ أجازه الكوفيُّون (وَكُوفٍ نَقَلاَ)، ومنعه البصريُّون، وهذا الخلاف فيما سوى المهموز، أمَّا المهموز فهو مُتفَقٌ عليه، ولذلك قال: (مِنْ سِوَى الْمَهْمُوزِ)، أمَّا المهموز فَمُتَّفقٌ عليه أنَّه يُنْقَل. إذاً: ثَمَّ محل وفاق، وَثَمَّ محل خلاف، الفتح إن كان في المهموز جاز الوقف عليه بالنقل وهو محل وفاق، وإن كان في غير المهموز .. فيما سوى المهموز حينئذٍ فيه قولان.

(وَنَقْلُ) هذا مبتدأ، وهو مضاف و (فَتْحٍ) مضافٌ إليه، (مِنْ سِوَى الْمَهْمُوزِ) ما إعراب (مِنْ سِوَى)؟ (نَقْلُ) مبتدأ وهو مصدر، والنَّقل له محل، (نَقْلُ فَتْحٍ) من أين إلى أين؟ لا بُدَّ من شيء يُقَيِّده .. من العين إلى الفاء .. من الفاء إلى العين؟ لا .. المراد من الحرف الموقوف عليه وهو اللام إلى ما قبله، سواءً كان عيناً أو لا، إذاً (وَنَقْلُ فَتْحٍ) يحتاج إلى تتميم، حينئذٍ (مِنْ سِوَى) هذا بيان، (مِنْ سِوَى الْمَهْمُوزِ) مُتعلِّق بقوله: (نَقْلُ). إذاً: (مِنْ سِوَى) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (نَقْلُ)، و (سِوَى) مضاف، و (الْمَهْمُوزِ) مضافٌ إليه، هذا استثناء، كأنَّه قال: وَنَقْلُ فَتْحٍ لا يراه بَصْرِيٌّ وَكُوفٍ نقلا، إلا في المهموز فاتَّفقوا على جوازه. إذاً (مِنْ سِوَى الْمَهْمُوزِ) فُهِم منه: أنَّ نقل الفتحة من المهموز جائزٌ عند الجميع لِثِقَل الهمزة .. الهمزة حركاتها ثقيلة سواءٌ كانت فتحة أو غيرها. (لاَ يَرَاهُ بَصْرِيٌّ) (لاَ) نافية، و (يَرَاهُ) فعل، و (بَصْرِيٌّ) هذا فاعل، والهاء ضمير متَّصل مبني على النصب مفعول به، والجملة في محلِّ رفع خبر المبتدأ، نَقْلُ فَتْحٍ (لاَ يَرَاهُ بَصْرِيٌّ) الجملة هنا في محلِّ رفع خبر المبتدأ، (وَكُوفٍ نَقَلاَ) (وَكُوفٍ) يعني: كُوفِيٌّ، حذف ياء النَّسب للضرورة هنا، (وَكُوفٍ) هذا مبتدأ مرفوع ورفعه ضمَّة ظاهرة على الياء المحذوفة اضطراراً، (نَقَلاَ) فعل ماضي مبني على الفتح، والألف هنا للإطلاق، والجملة فاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على نَقْلِ الفتح .. نَقَلَ نَقْلَ الفتح. ماذا نقَل الكوفي؟ نَقَلَ الفتح، أو نَقَلَ نَقْل الفتح، أو يجوز الوجهان؟ نَقَلَ عَنِ العرب نَقْلَ الفتح، أو نَقَل هو الفتحة؟ يحتمل الوجهين، يحتمل (وَكُوفٍ نَقَلاَ) يعني: نَقَل الفتح إلى ما قبله، وحينئذٍ هذا يكون اجتهاداً من عندهم، نَقَل الفتحة إلى ما قبلها، ويحتمل (وَكُوفٍ نَقَلاَ) نَقَلَ نَقْلَ الفتح عن العرب. لكن قوله: (لاَ يَرَاهُ بَصْرِيٌّ وَكُوفٍ نَقَلاَ) الفتحة يكون مناسب، لأنَّه نصَّ في الأول على رأي البصري، حينئذٍ يُنْظَر في الثاني على أنَّه رأيٌ للكوفي، والأصل فيه أنَّه مُعْتَمِدٌ على سماع، إذاً: يحتمل الوجهين، والجملة في محلِّ رفع خبر المبتدأ (وَكُوفٍ). يعني: أنَّ البصريين منعوا نَقْلَ الفتحة إذا كان منقول منه غير همزةٍ، أمَّا الهمزة فاتَّفقوا عليها، فلا يُقال في: رَأَيتُ الحِصْنَ .. رأيت الْحِصَنْ، بفتح الصَّاد والوقف على السكون، هذا لا يجوز عندهم (رأيت الحِصَنْ)، لأنَّ المفتوح إن كان مُنَوَّناً لَزِم من النَّقل حذف ألف التَّنوين وَحُمِل عليه غير المُنَوَّن. مشكلتهم قالوا إذا قلت: رَأَيْت زَيْدَاً، وقفت على (زَيْد) حينئذٍ إذا نقلت الفتحة إلى ما قبله، ماذا يحصل؟ ..

على كلٍّ مُرادهم: أنَّك لو نَقَلتَ الفتحة في المُنَوَّن حذفت ألف التنوين وهذا ممتنع، لأنَّه كما سبق القاعدة في الوقف: أنَّ المُنَوَّن إنَّما في النَّصب يوقف عليه بماذا؟ وهنا الفتح إنَّما يكون في النَّصب، إذا كان مُنَوَّنَاً حينئذٍ وقفت عليه بالألف، لو نقلت الحركة إلى ما قبله ذهبت الألف وهذا ممنوع، يتأتَّى هذا في المُنَوَّن، وَغَير المُنَوَّن قالوا: محمولٌ على المُنَوَّن. إذاً: رأيت الحِصَنْ، قالوا هنا (الحِصَنْ) الأصل فيه ليس مُنَوَّنَاً، لأنَّ (أَلْ) هنا مانعة من التنوين، وليس فيه حذفٌ لألف التَّنوين، لكن هذا محمولٌ على ما إذا كان آخره يُوقف عليه بألفٍ بدلاً عن التَّنوين، لأنَّك لو نقلت الحركة إلى ما قبله حذفت هذا الألف وهذا ممنوعٌ، (تَنْوِيِن إِثْرَ فَتْحٍ) كما سبق بيانه، هذا الواجب. إذاً: لأنَّ المفتوح إن كان مُنَوَّنَاً لزم من النَّقل حذف ألف التَّنوين وَحُمِل عليه غير المُنَوَّن، وأجاز ذلك الكوفيُّون. وَنَقْلُ فَتْحٍ مِنْ سِوَى الْمَهْمُوزِ .. قلنا: (الْمَهْمُوز) نَقْلُ الفَتْحة مِنْه هذا مُتَّفق عليه وهو مُجْمَعٌ عليه لِثِقل الهمزة، وأمَّا ما عداه فـ: . . . . . . . . . . . .. . . . لاَ ... يَرَاهُ بَصْرِيٌّ وَكُوفٍ نَقَلاَ قال الشَّارح: "مذهب الكوفيين: أنه يجوز الوقف بالنَّقل سواءٌ كانت الحركة فتحة أو ضَمَّة أو كسرة، وسواءٌ كان الأخير مهموزاً أو غير مهموز، فتقول عندهم: هذا الضَّرَبْ، وَرَأَيْتُ الضَّرَبْ، وَمَرَرْتُ بِالضَّرِبْ، في الوقف على الضَّرْب، وهذا الرِّدُء وَرَأَيْتُ الرِّدَء وَمَرَرْتُ بِالرِّدِء، في الوقف على الرِّدء". ومذهب البصريين: أنَّه لا يجوز النَّقل إذا كانت الحركة فتحة .. استثنوا الفتحة، إلا إذا كان الآخر مهموزاً، فاتَّفقوا على الهمزة، فيجوز عندهم: رَأَيْتُ الرِّدَء، ويمتنع: رَأَيْتُ الضَّرَبْ، ومذهب الكوفيين أولى، لأنهم نقلوه عن العرب. ولذلك جَوَّزنا الوجهين فيما سبق: أنَّه (وَكُوفٍ نَقَلاَ) إمَّا نَقَلَ الفتحة إذا جعلناه مقابلاً لقوله: (لاَ يَرَاهُ بَصْرِيٌّ)، فهي مسألة اجتهادية لكن مبناها على النَّقل، يعني: مسموع عن العرب، أو (نَقَلاَ) يعني: نَقَلَ ذلك عن العرب. وَالنَّقْلُ إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ مُمْتَنِعْ ... وَذَاكَ فِي الْمَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ هذا شرطٌ رابع في النَّقل، يعني يُشْتَرط مع ما سبق: ألا يكون النَّقل موجباً لبناءٍ لا نظير له، فلا يُنْقَل حينئذٍ ضمَّة إلى مسبوقٍ بكسرة، ولا كسرة إلى مسبوقٍ بضمَّة، لأنَّ الانتقال من (فُعِلْ) هذا لا نظير له في الأسماء: دُئِلْ، هذا سيأتي أنَّه قليل. وَالنَّقْلُ إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ مُمْتَنِعْ .. (النَّقْلُ) مبتدأ، و (مُمْتَنِعْ) خبر، (إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ) (يُعْدَمْ) فعل مضارع مُغيَّر الصيغة، و (نَظِيرٌ) هذا نائب فاعل، إِنْ يُعْدَمْ نَظِيرٌ فالنقل ممتنع، حذف جملة الجواب. وَذَاكَ فِي الْمَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ ..

(وَذَاكَ) الذي هو النَّقل إن أدَّى إلى عدم النَّظير ليس ممتنعاً، إذاً: هذا شرطٌ رابع وهو في جواز النَّقل: ألا يؤدي النَّقل إلى بناءٍ لا نظير له، هذا يحتاج أن تعرف ما هي الأبنية المُطَّردة، وما هي الأبنية غير المطَّردة، وما هي الأبنية الشائعة، والقليلة ونحو ذلك. إذاً: ألا يؤدي النَّقل إلى بناءٍ لا نظير له، يعني: أنَّ نقل الحركة للسَّاكن، إذا أدَّى نقلها إلى عدم النظير فلا يجوز النَّقل في نحو: هذا بِشْرٌ، (بِشْرٌ) بالضَّمَّة إذا نقلتها إلى ما قبلها قلت: هذا بِشُرْ (فِعُلْ) هذا لا نظير له في اللسان .. الانتقال من كسرة إلى ضَمَّة هذا لا نظير له. إذاً: النقل ممنوعٌ هنا مع كونه ما قبله ساكن، وهو قابل للحركة: هذا بِشْرٌ، الشين ساكنة وهي قابلة للحركة، حينئذٍ (هذا بِشُرْ) نقول: هذا ممنوع مع كونها أيضاً غير فتحة، هذا ممنوع، لماذا؟ لأنَّ الانتقال من كَسْرٍ إلى ضَمٍّ هذا لا نظير له، سيؤدي إلى وقوعنا في بناءٍ ووزن وهو (فِعُلْ) لأنَّك تقول: هذا بِشُرْ، ما وزنه؟ (فِعُلْ) ليس عندنا (فِعُلْ)، الانتقال من كسرة إلى ضمَّة، نقول: هذا ممنوع لِمَا يؤدي إليه من بناء (فِعُلْ) في الأسماء وهو خاصٌّ بالأفعال، هذا سيأتي في (فُعِلْ). فإن كان الحرف المنقول إليه همزاً جاز وإليه أشار بقوله: وَذَاكَ فِي الْمَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ .. (وَذَاكَ) أي: النَّقل، أشار بـ: ذاك للنَّقل الذي يؤدي إلى عدم النَّظير، يعني: أنَّ ذلك في المهموز غير ممتنع لِثِقَل الهمزة، ولذلك تقول: هذا رَدُءْ (فَعُلْ) كذاك في الأسماء لا وجود له أو قليل، و (مررت بالكَفُؤْ) ونحو ذلك. (وَذَاكَ) أي: النقل (فِي الْمَهْمُوزِ لَيْسَ يَمْتَنِعْ)، (فِي الْمَهْمُوزِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَمْتَنِعْ)، وَذَاكَ لَيْسَ يَمْتَنِعُ فِي الْمَهْمُوزِ، واسم (لَيْسَ) ضمير يعود على (ذَاكَ)، وجملة (يَمْتَنِعْ) هو الذي هو النَّقل، والجملة في محلِّ نصب خبر (لَيْسَ). إذاً: يُشْتَرط في جواز النَّقل: ألا يؤدي إلى الوقوع في عدم النَّظير، يعني: أن يكون ثَمَّ بناءٌ لا نظير له، وهذا تعريفٌ من باب التَّصريف، هل هذا الوزن له نظير؟ سيأتي تفصيله هناك إن شاء الله تعالى. إذا نُقِلت حركة الهمزة - قلنا: هنا جائز - حذفها الحجازيُّون واقفين على حامل حركتها كما يُوقف عليه مُسْتَبَدَّاً بها، يعني: إذا حذفنا حركة الهمزة إلى ما قبلها قلنا: هذا جائز، والهمزة ما حالها؟ الحجازيُّون يحذفونها مباشرة من باب التَّخفيف، فيقولون: هذا الخَبْ .. خَبَأ، هذا الخَبْ، حينئذٍ حُذِفت، بالإسكان والرَّوْم والإشمام هذا الخَبْ، الأصل (خَبْئٌ).

بشرطه، وأمَّا غير الحجازيين فلا يحذفها، بل منهم من يُثْبِتُها ساكنةً نحو: هذا البَطُءْ، ورأيت البَطَءْ، ومررت بالبَطِءْ، ومنهم من يبدلها بِمُجانِس الحركة المنقولة فيقول: هذا البَطُو، ورأيت البَطَا، ومررت بالبَطِي، يعني: يقلب الهمزة حرف عِلَّة مُجانس للحركة التي نُقِلت منها، إن نَقَل ضمَّة: هذا البَطُو، الطَّاء هنا مضمومة، هذه الضَّمَّة ليست ضَمَّة الطَّاء، وإنَّما ضمَّة الهمزة التي نُقِلَت منها، وحذف الهمزة ثُمَّ أبدل بدل الهمزة واواً من جنس الحركة التي قبلها: بَطُو .. بَطَا .. بِطِي، على كُلٍّ: ثَمَّ خلافٌ طويل عندهم في هذه المسألة. وشَرَطَ بعضهم شَرْطاً خامساً لجواز النَّقل: وهو كون الحرف المنقول منه صحيحاً، حرف الإعراب الأخير الذي تقف عليه أن يكون صحيحاً، فلا يُنْقَل من: ظَبْيٍ ودَلْوٍ، (ظَبْيٍ) و (دَلْوٍ) هذا ليس بحرف مُعتل مُطلقاً، وإنَّما يُجْرَى مُجْرَى الصحيح، هذا داخلٌ في الصَّحيح عند أكثر النُّحاة، لا يُعَامل معاملة المعتل. إذاً الخلاصة: أنَّه لا يجوز النَّقل في نحو: هذا جَعْفَرْ، لأنَّ ما قبله مُتَحَرِّك، ولا في نحو: إنسان، غير قابلة للحركة، ولا: يَشُدُّ، فيفك الإدغام .. مضعَّف، و (يقول) و (يبيع) لثِقَل ما قبله وهو الواو والياء، لأنَّ الألف والمُدْغَم لا يقبلان الحركة، والواو المضموم ما قبله والياء المكسور ما قبلها تُسْتَثْقل الحركة عليها، ولا في نحو: سَمِعْت العِلْمَ، هذا على رأي البصريين (سمعت العِلَمْ) هذا فتحة .. لا يراه البصريُّون، لأنَّ الحركة فتحة، وأجاز ذلك الكوفيُّون والأخفش. ولا في نحو: عِلْمٌ، لأنَّه ليس في العربية (فِعُلْ) بكسر أوَّله وضَمِّ ثانيه، لأنَّك إذا قلت: هذا عِلُمْ (عِلُمْ) صار كسرة ثُمَّ فتحة وهذا لا نظير له، وَيَخْتَصَّان الشَّرطان الأخيران بغير المهموز، كما ذكرناه سابقاً. قال الشَّارح: "يعني أنَّه متى أَدَّى النَّقل إلى أن تصير الكلمة على بناءٍ غير موجودٍ في كلامهم امتنع ذلك ". إذا أدَّى النقل إلى الوقوع في بناءٍ ليس في كلام العرب صار النَّقل ممنوعاً، حينئذٍ لا تُنْقَل ضَمَّة إلى مسبوقٍ بكسرة، ولا كسرة إلى مسبوقٍ بضمَّة، لأنَّ العرب لا تنتقل من كسرٍ إلى ضمٍّ ولا بالعكس، فلا يجوز النَّقل في: هذا بِشْرٌ، بالاتفاق. إلا إن كان الآخر همزةً فيجوز، فعلى هذا يمتنع: هَذَا العِلُمْ -كما ذكرناه- في الوقف على (العِلْم)، لأن (فِعُلَاً) مفقودٌ في كلامهم، ويجوز: هذا الرِّدْءُ، لأن الآخر همزة. فِي الْوَقْفِ تَا تَأْنِيثِ الاِسْمِ هَا جُعِلْ ... إِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ صَحَّ وُصِلْ وَقَلَّ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَمَا ... ضَاهَى وَغَيْرُ ذَيْنِ بِالْعَكْسِ انْتَمَى (تَاء تَأْنِيثِ الاِسْمِ جُعِلْ هَاءً فِي الْوَقْفِ) إذاً: (تَاءُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (تَأْنِيثِ) مضاف إليه، (تَأْنِيثِ) مضاف و (الاِسْمِ) مضاف إليه، (جُعِلْ هَاءً) جُعِل هو الذي هو تَاءُ التَأْنِيثِ، (هَاءً) هذا مفعول ثاني، والضمير المستتر نائب الفاعل هو مفعول أول، (فِي الْوَقْفِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (جُعِلْ).

إذاً مُراده بهذا الشَّطْر: أن تاء التأنيث الَّلاحقة للأسماء .. لأنَّه قال: (تَا تَأْنِيثِ الاِسْمِ) قَيَّد، حينئذٍ الَّلاحقة بالأسماء تُجْعَل في الوقف هاءً: مسلمه .. فاطمه، تقف عليها بالهاء، واحترز بتاء التأنيث من تاءٍ لغيره فإنها لا تُغَيَّر، لو كانت التَّاء لا للتأنيث لا تُغَيَّر، وإنْ كانت لا لتأنيث الاسم بل لتأنيث الفعل أو الحرف كذلك لا تُقْلَب هاءً .. لا تغير هاءً، فإذا قلت (قَامَتْ) التاء هنا تقف عليها بالتَّاء، وإذا قلت: رُبَّتْ وَثُمَّت ولات وَلَعَلَّت، وقفت عليها بالتَّاء ولا تقلبها هاءً، لماذا؟ لأنَّ القلب إنَّما يكون في تاء التأنيث المتَّصلة بالاسم احترازاً من الفعل والحرف، ولذلك قال النَّاظم: (تَا تَأْنِيثِ الاِسْمِ) لا تأنيث الفعل كـ: قامت، ولا الحرف كـ: ثُمَّت، (جُعِلْ هَاءً فِي الْوَقْفِ) ما عداه يبقى على أصله فلا يُقْلَب هاءً. إذاً: فِي الْوَقْفِ تَا تَأْنِيثِ الاِسْمِ هَا .. (هَاءً) قصره للضرورة، هذا مفعول ثاني لـ (جُعِلْ)، (جُعِلَ) الجملة خبر، (جُعِلَ) فعل مُغَيَّر الصِّيغة ماضي، والضمير المستتر نائب فاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو (تَا تَأْنِيثِ)، و (تَا) دائماً مر معنا أنه قصره للضرورة، يعني: حذف الهمزة ضرورةً، تَاءُ تَأْنِيثِ الاِسْمِ جُعِلْ هَاءً فِي الْوَقْفِ. إِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ صَحَّ وُصِلْ .. إِنْ لَمْ يَكُنْ تَاءُ تَأْنِيث وُصِلْ بِسَاكِنٍ صَحِيح، (إن لم يكن تَاء تَأْنِيثِ) هذا قيد لِمَا سبق، (إِنْ لَمْ يَكُنْ تَاء تَأْنِيث) الضمير هنا اسم (يَكُنْ) ضمير مستتر يعود على (تَاءِ تَأْنِيثِ الاِسْمِ). (إِنْ لَمْ يَكُنْ وُصِلْ بِسَاكِنٍ صحيحٍ) احترازاً من نحو: أُخْت وبِنْت، .. التاء هنا مُشْعِرة بالتأنيث، لكنَّها اتَّصلت بساكنٍ صحيح: أُخْ .. الخاء (بِنْت) هذه التاء اتَّصلت بساكنٍ صحيح، حينئذٍ الوقف عليها يكون بماذا؟ لا تتغير .. لا تُبْدَل هاءً. (إِنْ لَمْ يَكُنْ) (إِنْ) حرف شرط، (لَمْ) حرف نفيٍ وجزمٍ وقلب، (يَكُنْ) فعل مضارع ناقص مجزومٌ بـ (لَمْ) وجزمه سكون آخره، واسمه ضميرٌ مستتر يعود على (تَا تَأْنِيثِ الاِسْمِ) (إن لم يكن تاء تأنيث الاسم بِسَاكِنٍ وُصِلَ) مُتعلِّق بقوله: (وُصِلْ)، (صَحَّ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (سَاكِن) صَحَّ ساكناً، لأنَّ الجملة هنا نعت لـ (سَاكِن) لا بُدَّ من رابطٍ، ولا بُد أن تجعل الضمير الفاعل مَرَدُّه الموصوف، (بِسَاكِنٍ) صحيحٍ، (وُصِلَ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، إن لم يكن تاء التأنيث وُصِل، (وُصِلَ) الجملة خبر (يَكُنْ)، أين يرجع الضَّمير؟ إلى تاء التأنيث .. مباشرة .. قاعدة استحضرها دائماً في الإعراب: إذا كان الخبر جملة وأشكل عليك الضَّمير إذا ما فهمت المعنى مباشرة على الاسم .. اسم يكن، أو اسم دام، أو المبتدأ .. إلى آخره، لماذا؟ لأنَّك لو لم تجعل الضمير لخلت الجملة عن الرَّابط وهذا ممتنع.

إذاً: (وُصِلْ) هذا خبر (يَكُنْ)، إذاً: خبر (يَكُنْ)، (يَكُنْ) دخلت على جملة اسميَّة .. مبتدأ وخبر، وهنا المبتدأ ضمير يعود على (تَا تَأْنِيث)، وجملة (وُصِلْ) هذه خبر، إذاً: لا بُدَّ أن تكون مشتملة على ضميرٍ يعود على اسم (يَكُنْ)، إذاً: وُصِل تاء تأنيث الاسم بساكنٍ صحيحٍ. احترز به من نحو: بِنْتٍ وَأُخْتٍ، فإن الوقف عليه يكون بالتَّاء لا بالهاء، لأنَّه حكم أولاً: تَاء تَأْنِيثِ الاِسْمِ جُعِلْ هَاءً فِي الْوَقْفِ، هل كل تاء؟ الجواب: لا، استثنى ما إذا كانت هذه التَّاء مُتَّصلة بساكنٍ صحيحٍ. إذاً: إذا اتَّصلت بساكنٍ صحيح وقفنا عليها بالتَّاء لا بالهاء: هذه أُخْت .. هذه بِنْت، فتقف عليها بالسُّكون والتاء كما هي، وَفُهِم منه: أنَّ السَّاكن إذا كان غير صحيح والتاء للتأنيث أنَّه يوقف عليها بالهاء، إن كان ما قبلها حرفٌ ساكن لكنَّه ليس بصحيح مثل: فتاة، هذه فتاة أو فتاه .. هل أخرجها النَّاظم؟ ما قبلها ساكن، هو قال: (إِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ وُصِلْ) (فتاه) وُصِل بساكن، و (قناه) وُصِل بساكن، نقول: السَّاكن قد يكون صحيحاً وقد لا يكون صحيحاً، والذي استثناه النَّاظم: أن يكون ما قبلها، أو وُصِلت تاء التأنيث بساكنٍ صحيح، فإن وُصِلت بساكنٍ ليس بصحيح فالحكم كالسَّابق ويوقف عليها بالهاء. حينئذٍ إذا قيل: هذه فَتَاه، تقف عليها بالهاء، مع كونها وُصِلت بساكنٍ إلا أنَّه مُعتل وليس بصحيح، والذي احترز منه النَّاظم: أن تتَّصل بساكنٍ صحيحٍ. فُهِم منه: أنَّ السَّاكن إذا كان غير صحيحٍ والتاء للتَّأنيث، أنَّه يوقف عليها بالهاء نحو: قَنَاه وفتاه وحصاه. إذاً: ما قبل تاء التأنيث هنا ألفٌ، دخل فيه جمع المؤنَّث السَّالم: هندات، أليست مثل: فتاة، تاء تأنيث وُصِلت بساكن ليس بصحيح، حينئذٍ نقول: هنداه .. مسلماه، الأصل: مسلمات .. هندات، دخل فيه والحكم ثابتٌ له لكنَّه قليل، ولَمَّا كان قليلاً لئلا يُفْهَم فيه الكثرة قال: (وَقَلَّ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ) .. ولَمَّا كان الوقوف بالهاء على تاء ما جُمِع بألفٍ وتاء جائز وهو لغة نصَّ عليه .. قال: وَقَلَّ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَمَا ... ضَاهَى. . . . . . . . . . . . إذاً: دخل في قوله: إِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ صَحَّ وُصِلْ .. دخل جمع المؤنَّث السَّالم نحو: هندات، فأخرجه بقوله: (وَقَلَّ ذَا)، (وَقَلَّ ذَا) المشار إليه ما هو؟ الوقف على تاء التأنيث بالهاء، (قَلَّ ذَا) جعل التاء هاءً (فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ)، وليس عندنا جمع تصحيح يُجْمَع بألفٍ وتاء إلا جمع المؤنَّث السَّالم، (وَمَا ضَاهَى) يعني: وما شابه جمع المؤنَّث السَّالم يعني: الملحق به وهو: أُولات وعرفات، وما أُلْحِق به في التَّقدير كـ: هَيْهَات .. هَيْهَاه، يوقف عليها بالهاء لكنَّه قليل.

إذاً: (وَقَلَّ) فعلٌ ماضي، و (ذَا) اسم إشارة في محل رفع فاعل، والمشار إليه: جعل التاء هاءً، (فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ) مُتعلِّق بقوله: (قَلَّ) قلَّ في جمع تصحيحٍ ذا، أي: الحكم المذكور، وهو قلب التاء هاءً، (وَمَا ضَاهَى) (وَمَا) يعني: والذي ضاهى (ضَاهَى) يعني: شابه .. المضاهي هو المشابه، (وَمَا ضَاهَى) يعني: ما شابه جمع التَّصحيح في الدَّلالة على مُتَعَدِّدٍ حالاً كـ: أُولات، وهذا مُلْحَق به، وفي الأصل كـ: عرفات لَمَّا جُعِل علماً، و (أَذْرِعَات)، أو في التَّقدير كـ: هَيْهَات، حينئذٍ يُوقف على الجميع بالتاء وهو الأرجح. (وَقَلَّ) الوقوف عليه بالهاء فتقول: مسلمات .. أُولات .. عرفات .. أذرعات .. هندات .. فاطمات .. عائشات، (وَقَلَّ) أن تقف عليه بالهاء فتقول: فاطماه .. مسلماه .. أُولاه .. هَيْهَاه .. عرفاه، الوقف بالهاء هذا قليل، والأرجح الوقف بالتاء. (وَمَا ضَاهَى) إذاً: ما ضاهى ليس خاصَّاً بما أُلْحِق به، بل أدرجوا فيه (هَيْهَات). أي: قلَّ جعل التاء هاءً في الوقف في جمع المؤنَّث السَّالم كـ: هنداتٍ، وما ضاهاه كـ: أولات، وَهَيْهَات، والأعرف في ذلك: الوقف بالتاء، الأعرف يعني: الأشهر والأرجح في لسان العرب والأكثر والأفصح الوقف عليه بالتاء، وقد سُمِع إبدالها هاءً، منقول في لسان العرب وعليه بعض القُرَّاء. ومن الوقف بالهاء قول بعضهم: دَفْنُ البَنَاهْ مِنَ الَمكْرُمَاهْ، يعني: دَفْنُ البَنَاتِ مِنَ الَمكْرُمَات – في الجاهلية هذا انتبهوا! - قلَب التاء هاءً، وَسُمِع: كيف الإخوه والأخواه؟ يعني: والأخوات، سُمِع هذا وَسُمِع ذاك، إذاً: وَقَلَّ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَمَا .. (مَا) هذا معطوف على (جَمْع)، (مَا) اسم موصول، و (ضَاهَى) هو يعود على (مَا)، (ضَاهَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر، حينئذٍ الجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، (وَغَيْرُ ذَيْنِ بِالْعَكْسِ انْتَمَى)، (غَيْرُ) مبتدأ، وهو مضاف، و (ذَيْنِ) اسم إشارة مثنَّى، المشار إليه هنا ما هو؟ جمع التَّصحيح وما ضاهاه. (وَغَيْرُ ذَيْنِ انْتَمَى) أي: (غَيْرُ ذَيْنِ بِالْعَكْسِ)، (بِالْعَكْسِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْتَمَى)، و (انْتَمَى) بمعنى: انتسب، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، والضمير هنا (انْتَمَى) يعود إلى (غَيْرِ ذَيْنِ)، (وَغَيْرُ ذَيْنِ) يعني: (جمع التصحيح ومضاهيه انْتَمَى بِالْعَكْسِ) يعني: أنَّ غير جمع المُؤنَّث السَّالم وما ضاهاه بالعكس من جمع المُؤنَّث ومضاهيه، فالوقف بالهاء هو الكثير. غَيْرُ ذَيْنِ بِالْعَكْسِ انْتَمَى .. يعني: غير جمع التَّصحيح .. المُؤنَّث السَّالم .. المختوم بألفٍ وتاء والمضاهي بالعكس، ما هو العكس؟ الكثير الوقف عليه بالهاء، والقليل بالتاء. وَقَلَّ ذَا فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَمَا ... ضَاهَى. . . . . . . . . . . . . .

ما هو القليل؟ الوقف بالهاء دون التاء، عكسه: الكثير .. الوقف بالتاء، والقليل الوقف بالهاء، (عَكْسِ ذَيْنٍ) الذي هو (غَيْرُ ذَيْنِ) الذي هو جمع المُؤنَّث السَّالم والمضاهي، يعني: أنَّ غير جمع المُؤنَّث السَّالم وما ضاهاه بالعكس من جمع المؤنَّث ومضاهيه، فالوقف بالهاء هو الكثير مفرداً كان أو جمعاً، مفرداً نحو: فاطمه وطلحه، مُؤنَّثاً أو مُذكَّراً، أو جمع تكسير نحو: غِلْمَه، تقف عليها بالهاء. والوقف بالتاء قليل .. مسموع لَكنَّه قليل: فَاطِمَت .. صلات .. زكات، يقف عليه بالتاء لَكنَّه قليل. والوقف بالتاء قليل، ومنه قولهم: يَا أَهْلَ سُورَةِ البَقَرَت، البَقَرَةْ مثل: فَاطِمَةْ، تقف عليه بالتاء، بدل من أن تقول: بَقَرَة تقول: بَقَرَت، فقال مُجِيبٌ: ما أحفظ منها ولا آيت، والأصل أن يقول: يا أهل البقرة ما أحفظ منها ولا آية، فوقف بالتاء: بَقَرَت وَآَيَت، هذا مسموعٌ في لسان العرب لَكنَّه قليل. وأكثر من وقف بالتاء .. إذا وقف بالتاء حينئذٍ يُسَكِّنُها .. أكثرهم يُسَكِّنُها، ولو كانت مُنَوَّنَةً منصوبة، وعلى هذه اللغة بها كُتِب في المصحف: (إِنَّ شَجَرَتْ الزَّقُّومِ) (شَجَرَتْ) تجدها بالتاء المفتوحة والأصل نكتبها بالمربوطة، إشارة إلى هذه القراءة، لو وقف عليها: (إِنَّ شَجَرَتْ) تقف عليها بالتاء، وعلى هذه اللغة بها كُتِب في المصحف: (إِنَّ شَجَرَتْ الزَّقُّومِ) و (اِمْرَأَْتْ نُوح) .. (اِمْرَأَتْ لُوط) تجدها مكتوبة بالتاء المفتوحة. وأشباه ذلك، فوقف عليها بالتاء نافع وابن عامر وعاصم وحمزة، يعني: لو وقف عليها (إِنَّ شَجَرَتْ) يقف عليها بالتاء، ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، ووقف الكسائي على: (لات) بالهاء (لاه) ووقف الباقون بالتاء، إذاً: هو مقروءٌ به في السَّبع، دَلَّ على أنَّه فصيح، لا نَقُول شاذ، بعضهم عَبَّر بأنَّه شاذ، نقول: لا، ما دام أنَّه قُرِئ به في السَّبع فهو فصيح ولو كان قليلاً. إذاً: (تَا تَأْنِيثِ الاِسْمِ) قلنا: احترز به عن تاء تأنيث الفعل والحرف، فليس فيها إلا الوقف بالتاء فلا يوقف عليها بالهاء، وأمَّا تاء تأنيث الاسم حينئذٍ نقول: الأصل الوقف عليها بالهاء .. إبدال التَّاء هاءً، فتقول: فاطمه وعائشه، هذا هو الفصيح الأكثر والأرجح بشرط: إِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَاكِنٍ صَحَّ وُصِلْ .. احترازاً من نحو: أُخْت وَبِنْت، فحينئذٍ يُوقف عليها بالتاء، مفهومه: أنَّه لو كانت مُتَّصلة بساكنٍ غير صحيح وُقِف عليها بالهاء فتقول: فتاه .. قناه .. حصاه، تقف عليها بالهاء؛ لكونها اتَّصلت بساكنٍ لَكنَّه غير صحيح، فلو اتَّصلت بساكنٍ صحيح وُقِف عليها بالتاء، دخل في هذه الجملة ما جُمِع بألفٍ وتاء، فـ: مسلمات وهندات، التاء هنا اتَّصلت بساكنٍ لكنَّه غير صحيح، حينئذٍ الأصل: الوقف عليها بالهاء، لكنَّه نبَّه قال: (وَقَلَّ ذَا) هذا كالاستدراك على ما سبق، (قَلَّ ذَا) أي: الوقف على التاء بالهاء. فِي جَمْعِ تَصْحِيحٍ وَمَا ضَاهَى ..

فيجوز الوقف عليه بالهاء ويجوز الوقف عليه بالتاء والتاء أكثر وأفصح وأرجح وأشهر، وأمَّا الوقف عليه بالهاء فهو جائز: هنداه، ونحو ذلك، (وَغَيْرُ ذَيْنِ) الذي هو جمع التَّصحيح والمضاهي له (انْتَمَى بِالْعَكْسِ) يعني: انتسب بالعكس، عكس ما سبق وهو أنَّه الكثير: الوقف عليه بالهاء، والوقف عليه بالتَّاء هذا قليل، مثل: صلاه وزكاه، ونحو ذلك. قال الشَّارح: "إذا وُقِف على ما فيه تاء التأنيث، فإن كان فعلاً وُقِف عليه بالتاء نحو: هِنْدٌ قامت" هذا احترز به بقوله: (تَا تَأْنِيثِ الاِسْمِ) أخرج الفعل، ومثله إن كان حرفاً: رُبَّت وَثُمَّت وَلَعَلَّت، يُوقف عليها بالتاء. وإن كان اسماً فإن كان مفرداً فلا يخلو: إمَّا أن يكون ما قبلها ساكناً صحيحاً أو لا، فإن كان ما قبلها ساكناً صحيحاً وُقِف عليها بالتاء نحو: بنت وأخت، وإن كان غير ذلك وُقِفَ عليه بالهاء: فاطمه وحمزه وفتاه، وإن كان جمعاً أو شبهه وُقِفَ عليه بالتاء نحو: هندات وهيهات، وَقَلَّ الوقف على المفرد بالتاء: فاطمت، وعلى جمع التصحيح وشبهه بالهاء نحو: هنداه وهيهاه (هنداه) مسموع لكنَّه قليل. ثُمَّ قال النَّاظم رحمه الله: وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ عَلَى الفِعْلِ الْمُعَلّْ ... بِحَذْفِ آخِرٍ كَأَعْطِ مَنْ سَأَلْ وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا كَعِ أَوْ ... كَيَعِ مَجْزُومَاً فَرَاعِ مَا رَعَوا (وَقِفْ) فعل أمر، (بِهَا السَّكْتِ) بهاء السكت، هذا من عوارض الوقف زيادة هاء السَّكْتِ آخر الموقوف عليه، يعني: يوقف على الموقوف لكن مع زيادة هاء السَّكْتِ، وأكثر ما تُزَاد بعد الفعل المحذوف الآخر جزماً نحو: لم يُعْطِهْ، أو وقفاً نحو: أَعْطِهْ، وبعد (مَا) الاستفهامية المجرورة كقوله: على ما، إن قلت: عَلَى مَه، وقد تُزَاد في غير هذا، هي في ثلاثة مواضع سيذكرها النَّاظم متوالية قياساً. (وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ) (بِهَاءِ) قصره للضرورة وهو مضاف، و (السَّكْتِ) مضافٌ إليه، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله: قِفْ .. (قِفْ بِهَا السَّكْتِ) أي: للتَّوصُل إلى بقاء الحركة في الوقف، كما اجْتُلِبَت همزة الوصل للتَّوصُل إلى بقاء السُّكون في الابتداء، عندما نقول: نأتي بهمزة الوصل للتَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكن فيبقى السَّاكن كما هو .. لا نُحَرِّكُه، إذا قيل: همزة الوصل اجْتُلِبَت للتَّمكُن من الابتداء بالسَّاكن، ما معنى هذا الكلام؟ أنَّنا حافظنا على السُّكون. هاء السَّكْت كذلك، نريد أن نحافظ على الحركة الأخيرة، مثل إذا قيل: لم يُعْطِهْ .. لم يُعْطْ، (لم يُعْطْ) بالإسكان هذا جائز، لكن إذا قلت: لم يُعْطِه، حينئذٍ حافظت على الحركة الدَّالة على المحذوف، حينئذٍ إذا قلت: لم يُعْطِه أو: أَعْطِه علمت بهاء السَّكْت هنا .. توصَّلت بهاء السَّكْت للمحافظة على الحركة التي لو لم تأتِ بهاء السَّكْت لوقفت عليها بالسكون وحذفتها.

حينئذٍ استفدت الحرف الذي دُلَّ عليه بالحركة المذكورة، لو قلت: أَعْطْ، لا يدري السَّامع ما الذي حذفته، لأنَّ الطَّاء ساكنة، ومعلومٌ أنَّ فعل الأمر إنَّما يُبْنَى على حذف آخره، وهنا إذا قلت آخره .. سَكَّنْتَ الطَّاء لم يدل الطِّاء السَّاكن على ذلك المحذوف، لكن إذا قلت: أَعْطِهْ، عرفت المحذوف أنَّه ياء، (ارْمِه) .. (اخْشَه) علمت بهاء السَّكْت أنَّ المحذوف ياء في قولك: ارْمِه، وأنَّ المحذوف ألف في قولك: اخْشَه، وأنَّ المحذوف واوٌ في قولك: ادْعُه. إذاً: حافظنا على الحركة عند الوقف للدَّلالة على المحذوف بواسطة هاء السَّكْت، إذاً: لها فائدة، كما أنَّ همزة الوصل للتَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكن، وَسُمِّيت هاء السَّكْت لأنَّه يُسْكَت عليها دون آخر الكلمة، هي ليست من الكلمة، هي حرفٌ زائدٌ على الكلمة، فَسُكِت عليها فَسُمِّيت: هاء السَّكْت. وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ عَلَى الفِعْلِ الْمُعَلْ ... بِحَذْفِ آخِرٍ. . . . . . . . قوله: (عَلَى الفِعْلِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (قِفْ)، قف على الفِعْلِ بهاء السَّكْت، أطلق النَّاظم (الفِعْل) هنا فَشَمِل المضارع المجزوم، والأمر من المُعتلِّ اللام، لأنَّه قال: (الفِعْلِ الْمُعَلْ) بحذف الآخر، المعل بحذف الآخر إنَّما يكون مُعَلَّاً إذا كانت لامه حرفاً من حروف العِلَّة، ثُمَّ يُحْذَف آخره في موضعين: أولاً: إذا كان مضارعاً دخل عليه جازم نحو: لم يُعْطِه. ثانياً: إذا كان أمراً، حينئذٍ يُبْنَى على حذف آخره. وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ عَلَى الفِعْلِ الْمُعَلْ .. (الْمُعَلْ) شَمِل المضارع المجزوم، والأمر من المُعتلِّ اللام، (بِحَذْفِ آخِرٍ) (بِحَذْفِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مُعَلْ)، و (الْمُعَلْ) صفة لـ (الفِعْلِ)، (عَلَى الفِعْلِ) مُتعلِّق بقوله: (قِفْ)، (المُعَلِّ) صفة لـ (الفِعْلِ)، (بِحَذْفِ آخِرٍ) جار ومجرور (بِحَذْفِ) مُتعلِّق بقوله: (مُعَلْ)، (بِحَذْفِ) مضاف، و (آخِرٍ) مضافٌ إليه. (بِحَذْفِ آخِرٍ) يعني: بحذف آخرٍ فقط كما في: أَعْطِ، أو مع حذف الفاء كما في: لم يَفِ، ولم يَعِ، أو العين كما في: لم يِرَ، يعني: نَصَّ النَّاظم على حذف الآخر فلا يُفْهَم منه أنَّ الفاء والعين واحدٌ منهما لم يحذف، بل قد يكون مع حذف الآخر حذف الفاء، وقد يكون مع حذف الآخر حذف العين، وليس المراد هنا: الحكم على الفاء ولا على العين، وإنَّما المراد: على حذف آخره، حينئذٍ تَجْتلِب وتقف بِهَاء السَّكْتِ عَلَى الفِعْلِ الْمُعَل بِحَذْفِ آخِره فقط، أو بحذف آخره مع الفاء، أو بحذف آخره مع العين، وأمَّا حذف آخره مع الفاء أو العين هذا ليست بكلمة .. لم ننطق بها.

(كَأَعْطِ مَنْ سَأَلْ) (أَعْطِ) إذا أردت الوقف عليها تقول: أَعْطِه، حافظت على كسرة الطَّاء، فدَلَّت على أنَّ المحذوف هو ياء، وجئت بهاء السَّكْت والشَّرط موجود: وهو أنَّه فعلٌ مُعَلٌّ بحذف آخره لكونه مجزوماً بحذف الآخر، كقولك: (أَعْطِ مَنْ سَأَلْ) (أَعْطِ) فعل أمر مبني على حذف حرف العِلَّة وهو الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت واجب الإضمار، (مَنْ سَأَلْ) الذي سأل، (مَنْ) اسم موصول بِمعنى: الذي، في محل نصب مفعول به، و (سَأَلَ) فعل ماضي مبني على فتحٍ مُقدَّر، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَنْ) والجملة لا محل لها من الإعراب صِلَة الموصول .. الذي سأل، وجملة (أَعْطِ مَنْ سَأَلْ) في محل نصب مقول لقولٍ محذوف وهو كقولك: (أَعْطِ مَنْ سَأَلْ). إذاً خلاصة البيت: أنَّ هاء السَّكْت من خَوَاصِّ الوقف، وأكثر ما تُزَاد بعد شيئين: - الأول: الفعل المعتلَّ المحذوف الآخر جزماً نحو: لم يُعْطِه، أو وقفاً نحو: أَعْطِه. - الثاني: (مَا) الاستفهامية كما سيأتي في محله. وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا كَعِ .. (لَيْسَ حَتْماً) يعني: الوقف بهاء السَّكْت على نوعين: واجب وجائز .. قد يكون واجباً، وقد يكون جائزاً، (وَلَيْسَ حَتْماً) (لَيْسَ) فعل ماضي ناقص، أين اسمه؟ ضميرٌ مستتر يعود على إلحاق الهاء بالفعل، (لَيْسَ) إلحاق الهاء بالفعل (حَتْماً) خبر (لَيْسَ)، (فِي سِوَى) في غير، (فِي سِوَى) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حَتْماً) لأنَّه مصدر، (حَتْماً) مُحتَّماً (فِي سِوَى) (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، (كَعِ) قُصِد لفظه، فهو جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول (مَا) ما كان (كَعِ أَوْ كَيَعِ مَجْزُومَاً)، (كَيَعِ) هذا جار ومجرور معطوف على (كَعِ)، وقوله: (كَعِ أَوْ) (أَوْ) هنا للتَّنويع (مَجْزُومَاً) حالٌ من (كَيَعِ)، ما الفرق بين (عِ) و (يَعِ)؟ (عِهْ) هذا فعل أمر لم يبق إلا على حرفٍ واحد، يعني: حُذِفت الفاء وَحُذِفت اللام، أصله من: وَعَى يَعِي .. يَوْعي، حُذِفت الواو لوقوعها بين عَدُوَّتيها، ثُمَّ قيل: عِي، وَحُذِفت الياء للبناء فقيل: عِهْ، حينئذٍ تقف عليه بالسُّكون. (يعي) .. (لم يَعِ)، حُذِف منه الفاء والياء، إذاً: القول فيه كالقول السَّابق، إذاً: ما الفرق بينهما؟ (عِ) حُذِف منه الفاء واللام، و (يعِ) حُذِف منه الفاء واللام، ما الفرق؟ (عِ) لم يبق معه حرفٌ زائد، و (يع) معه حرفٌ زائد، هذا الفرق .. هذا المراد به: أن يكون (عِ) على حرفٍ واحد، و (يع) على حرفين. (كَيَعِ مَجْزُومَاً) يعني: حالة كونه (مَجْزُومَاً) دخل عليه جازم، وإلا (يع) لا يُقَال دون جازم، هذا من باب التَّأكيد فقط، حالٌ من (يع)، (فَرَاعِ مَا رَعَوا) ما رعوه يعني: العرب، (فَرَاعِ) هذا أمر، الفاء هنا عاطفة، (رَاعِ) أنت الذي، (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي في محل نصب مفعول به، (رَعَوا) فعل ماضي والواو فاعل، والجملة صلة الموصول لا محلَّ لها من الإعراب والعائد محذوف، (رَاعِ مَا رَعَوا) يعني: اسلك ما سلكه العرب.

إذاً: هنا عندنا منطوق وعندنا مفهوم، (وَلَيْسَ حَتْماً) ليس إلحاق هاء السَّكْت بالفعل واجباً في غير (كَعِ) و (يَعِ)، إذاً: هو واجبٌ في (عِ) و (يعِ)، كأنَّه قال لك: يجب في موضعين فقط وهما: (عِهْ) و (لم يَعِه) في هذين الموضعين واجب، وما عداهما ليس حتماً، بالمنطوق نَصَّ على الجواز، وبفهومه نَصَّ على الوجوب، (وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى) .. (لَيْسَ حَتْماً) ليس واجباً، هذا منطوقٌ في نفي الوجوب أو في إثبات الوجوب؟ هذا نفيٌ للوجوب، إذاً: إثباتٌ للجواز. إذاً: بالمنطوق نَصَّ على الجواز، وبالمفهوم على الوجوب، مع كون مسألتي الوجوب منطوقٌ بهما وهو: (يَعِ) و (عِهْ)، يعني: أنَّه إنَّما يجب لحاق هاء السَّكْت في نحو المثالين المذكورين تقويةً لهما. وَفُهِم منه: أنَّ لحاقهما لِمَا بقي من حروفه أكثر من حرفين نحو: أَعْطِ ولم يُعْطِ، جائزٌ لا لازم، فتقول: لم يُعْطْ وَأَعْطْ، بالسكون، و (لم يُعْطِه) و (أَعْطِه) بإلحاق الهاء، وفي نحو: قِهْ ولم يِقِه، بإلحاق الهاء خَاصَّة. قوله: وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا كَعِ أَوْ ... كَيَعِ مَجْزُومَاً. . . . . . . . يعني: أنَّ الوقف بهاء السَّكْت على الفعل المُعلِّ بحذف الآخر، ليس واجباً في غير ما بقي على حرفٍ واحدٍ أو حرفين أحدهما زائد، وهذا أولى من شرح المكُودِي. فك البيت هذا: وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا كَعِ أَوْ كَيَعِ ما مراد الناظم هنا؛ لأنه عليه نقد؟ أنَّ الوقف بهاء السَّكْت على الفعل المُعلِّ بحذف الآخر، ليس واجبا، في ماذا؟ في غير ما بقي على حرفٍ (مَا كَعِ) أو حرفين أحدهما زائد. فالأول نحو: عِهْ، هذا واجب أو جائز؟ واجب على ظاهر كلام النَّظم، أمرٌ من و (عَى) .. (يِعِ)، ونحوه: رِهْ، أَمْرٌ من رأى يَرى، لأنَّه بقي على حرفٍ واحدٍ، فما بقي على حرفٍ واحدٍ وهذا يُتَصَوَّر في فعل الأمر لا في الفعل المضارع، حينئذٍ (رِهْ) نقول: هذا واجب اتِّصال هاء السَّكْت، كذلك (قِهْ) .. (عِهْ) نقول: الوقف هنا بهاء السَّكْت واجب، لكونه على حرفٍ واحد، وهذا لا إشكال فيه .. القول بالوجوب في هذا لا إشكال فيه. والثاني: لم يَعِهْ ولم يَرَهْ، يعني: الفعل المضارع المجزوم إذا حُذِف منه فاؤه ولامه مجزوماً، وبقي معه حرفٌ زائد (يَرَه) الياء زائدة، والرِّاء هي أصلٌ، حينئذٍ على ظاهر كلام النَّاظم يجب الوقف بهاء السَّكْت، فتقول: لم يَرَه .. لم يُعْطِه، بوجوب الوقوف بهاء السَّكْت، هذا ظاهر كلام النَّاظم. والثاني: لم يَعِهْ ولم يَرَهْ، لأنَّ حرف المضارعة زائدٌ، فزيادة هاء السَّكْت في ذلك واجبةٌ لبقائه على أصلٍ واحدٍ، هذا ما قاله النَّاظم هنا. قال ابن هشام في (التَّوْضِيح): "وهذا مردودٌ بإجماع المسلمين" يعني: القول بوجوبه في: لم يَعِه، مردودٌ بإجماع المسلمين، لأنَّه مُخالف، وإنَّما المشهور هو الأول، أمَّا: لم يَعْطِ، فهذا يجوز فيه الوجهان: يجوز إلحاقه بهاء السَّكْت، ويجوز عدم الإلحاق.

قال ابن هشام في (التَّوْضِيح): "وهذا مردودٌ بإجماع المسلمين" يعني: في الثَّاني لا في الأول (قِهْ) .. (عِهْ) مُتَّفق عليه بالوجوب، إنَّما الكلام في المضارع المجزوم إذا لم يبق منه إلا حرفان، ابن مالك يرى وجوب الوقوف عليه بهاء السَّكْت، وابن هشام يقول: الوجوب هذا مردودٌ بإجماع المسلمين. وهذا مردودٌ بإجماع المسلمين على وجوب الوقف على: لَمْ أَكُ " (لَمْ أَكُ بَغِيّاً) مثلاً، (لَمْ أَكُ) إذا وقفت عليها قال: وقف القُرَّاء هنا بالسُّكون (لَمْ أَكْ)، وإذا قلنا على رأي ابن مالك لا يجوز أن يُوقف عليه إلا بهاء السَّكْت (لَمْ أَكُهْ)، حينئذٍ كون القُرَّاء يقفون عليه بالسكون وهو مُضارعٌ مجزوم وعلى حرفين الكاف والهمزة، والهمزة زائدة لأنَّها للمُتكلِّم، وقفوا عليه بالسكون حينئذٍ نقول: القول بأنَّه يجب هذا مردودٌ، لماذا؟ لأنَّ القُرَّاء لا يقفون على شيءٍ إلا وهو جائزٌ لغةً، فإذا كان جائزاً لغةً كيف يُقال بالوجوب بأنَّه لا يوقف عليه بهاء السَّكْت؟ ((وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ)) [غافر:9] (ومَنْ تَقْ) بالوقف عليه بالسُّكون، لذلك قال: هذا مردودٌ بإجماع المسلمين على وجوب الوقف على: ((لَمْ أَكُ)) [مريم:20] (لَمْ أَكْ) بالسُّكون و (من تَقْ) بالوقوف عليه بسكون القاف .. بترك الهاء ويوقف عليها بالسكون، ما دام أنَّ القُرَّاء وقفوا على (مَنْ تَقِ) بسكون القاف دون هاء السَّكْت دَلَّ على أنَّه جائزٌ لغة، لأنَّه لا يُقال بشيءٍ في القراءات المتواترة البَتَّة إلا وهو جائزٌ لغةً، هو شرطٌ في صِحَّة القراءة، حينئذٍ نقول: القول بالوجوب فيه نظر. إذاً قوله: (مَا كَعِ) مُسَلَّمٌ به، وأمَّا قوله: (أَوْ كَيَعِ مَجْزُومَاً) هذا فيه نظر، الوجوب بالوقوف بهاء السَّكْت هنا فيه نظر. ومقتضى تمثيله: أنَّ ذلك إنَّما يجب في المحذوف الفاء، وإنَّما أراد بالتَّمثيل: التنبيه، لأنَّ ابن مالك يعطي الأحكام بالأمثلة، هو مَثَّل بمثالين كُلٌّ منهما محذوف الفاء، قد يُفْهَم منه أنَّ الحكم خاص بمحذوف الفاء، أمَّا محذوف العين فلا. ومقتضى تمثيله أنَّ ذلك إنَّما يجب في المحذوف الفاء، وإنَّما أراد بالتَّمثيل: التنبيه على ما بقي على حرفٍ واحدٍ أو حرفين أحدهما زائد كما سبق، هذا مراده ولم يُرِد أنَّ (عِ) محذوف الفاء، و (يَعِ) محذوف الفاء، حينئذٍ إنْ كان محذوف العين فلا يكون حكمه كذلك لا .. لا مفهوم له فالحكم عام. فمحذوف العين كذلك، كما سبق في التَّمثيل: رِهْ .. لَمْ أَرَه، هذا محذوف العين وهو الهمزة، الراء هذه هي فاء الكلمة، وَحُذِفت الياء التي هي: يَرَى، حُذِفت الألف وهي لام الكلمة، وَحُذِفت العين وهي الهمزة، بقي الرَّاء وهي فاء الكلمة، إذاً: الحكم عام.

فمحذوف العين كذلك كما سبق في التَّمثيل بنحو: لم يَرَه، وفُهِم منه: أنَّ لحاقها لِمَا بقي منه أكثر من ذلك نحو: أَعْطِه وَلَمْ يُعْطِه، جائزٌ لا لازم، لأنَّه مَثَّل بِحرفين في الفعل المضارع، وبِحرفٍ واحدٍ في فعل الأمر: أَعْطِ على حرفين، هو أوجب نحو: عِهْ .. ما بقي على حرفٍ واحد، إذاً: ما بقي على حرفين أو كان من حرفين وهو فعل أمر لا يجب بل يجوز، حينئذٍ: أَعْطْ .. أَعْطِه، يجوز فيه الوجهان. كذلك: لم يُعْطَه .. لم يُعْطْ، بإسكان الطَّاء والوقوف عليها، أو بإلحاق هاء السَّكْت فهو جائز، لأنَّه أكثر من حرفين، إذاً: ما كان أكثر من حرف في الأمر يجوز فيه الوجهان، وما كان على حرفين في المضارع على رأي ابن مالك: يجب فيه الوقوف بهاء السَّكْت، وعلى رأي غيره فهو من الجائز، فما زاد على حرفين من بابٍ أولى وأحرى. وإن كان الأجود الإتيان بالهاء مُحافظةً على دليل اللام المحذوفة، أعني: حركة ما قبل اللام، إذا قيل: يجوز فيه الوجهان، حينئذٍ الوقوف بهاء السَّكْت أجود، لأنَّه يُحَافَظُ على الحركة. وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا كَعِ أَوْ ... كَيَعِ مَجْزُومَاً فَرَاعِ مَا رَعَوا قلنا: بالمنطوق نَصَّ على الجواز، وبالمفهوم نَصَّ على الوجوب، هذا الموضع الأول مِمَّا يَطَّرد فيه هاء السَّكْت، قلنا: هاء السَّكْت مواضع اطِّرادها ثلاثة -وهذه سيذكرها الناظم-: - الفعل المُعتلَّ المحذوف الآخر. - و (ما) الاستفهاميَّة. - والمبني على حركة بناءٍ لازم. وَمَا فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا ... بِاسْمٍ كَقَوْلِكَ اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى (اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى) بحذف الألف، (مَا اقْتَضَى) هذا الأصل. (وَمَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في محلِّ رفع مبتدأ، (مَا فِي الاسْتِفْهَامِ) (مَا) هذه تكون موصولة، وتكون شرطية، وتكون وصفية، وتكون نكرة إلى آخرها، إذاً قوله: (فِي الاسْتِفْهَامِ) هذا نعت .. صفةٌ لها، (وَمَا فِي الاسْتِفْهَامِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ: (مَا)، (إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ أَلِفُهَا) (حُذِفْ أَلِفُهَا) وجوباً، سواءٌ جُرَّت بحرفٍ أو باسمٍ، هو قَدَّم مُقدِّمة، الكلام سيكون في هاء السَّكْت، وإنَّما قَدَّم حكم حذف ألف (مَا) في الاستفهام، (إِنْ جُرَّتْ) حُذِف ألفها وجوباً، أطلق: (جُرَّتْ) بحرف أو باسمٍ؟ أطلق، إذاً: نُعَمِّم الحكم، إذاً: وجوباً، سواءٌ جُرَّت بحرفٍ أو باسمٍ لإطلاق النَّاظم، واحترز بالاستفهاميَّة .. قوله: (مَا فِي الاسْتِفْهَامِ) عن الموصولة والشرطية والمصدرية، نحو: مَرَرْتُ بِمَا مَرَرْتَ بِه، لا نقل: (بِمَ مررت به) بحذف الألف لا، بما مررت به؛ لأنَّ (مَا) هنا موصولة، وإنَّما تُحْذف إذا كانت استفهامية، وَبِمَا تَفرح أفرح، (بِمَا) الباء دخلت على (مَا) هنا وهي شرطية، هل تحذف ألف (مَا)؟ لا تُحْذَف، لأنَّ الحكم مُعلَّق بالاستفهامية، وَعَجِبْت مِمَّا تَضْرِب (مَا) دخلت عليها (مِنْ) وهي حرف جر، إذاً: جُرَّت (مَا) هنا وهي مصدرية، هل تحذف منها الألف؟ الجواب: لا.

إذاً: فلا يُحْذَف ألف شيءٍ من ذلك، سواءٌ جُرَّت بحرف جر أو باسمٍ، لا الموصولة، ولا الشرطية، ولا المصدرية، وَفُهِمَ من قوله: (إِنْ جُرَّتْ) أنَّ المرفوعة والمنصوبة لا تُحْذَف ألفها، لو قال: ما هذا؟ تحذف الألف؟ لا، لأنَّ: ما هذا؟ (مَا) استفهامية مبتدأ، و (هذا) خبر، لا تُحْذَف الألف هنا، لأنَّها في محلِّ رفع، كذلك: ما اشتريت؟ هنا في محلِّ نصب مفعول به. إذاً قوله: (إِنْ جُرَّتْ) مفهومه: أنَّ المرفوعة، يعني: مَحلَّاً، والمنصوبة محلَّاً وهي (مَا) الاستفهامية لا تُحْذَف ألفها، وإنَّما الحذف مخصوصٌ بما إذا جُرَّت، يعني: دخل عليها حرف جر أو أُضِيفت، حينئذٍ حُذِفت ألفها وجوباً. ثُمَّ قال: (وَأَوْلِهَا) أَولِ ماذا؟ قبل ذلك قوله: وَمَا فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا. . . . . . . . . . . . . هو قَدَّم بمقدِّمة بحكم وجوب حذف ألف "ما" في الاستفهام، نقول: أهمل المصنِّف هنا شروط حذف ألفها، وهو: ألا تُرَكَّب مع (ذا) هذا شرطٌ لا بد، فإن رُكِّبَت مع (ذا) لم تُحْذَف الألف ولو جُرَّت، نحو: على ماذا تَلُومُونَنِي؟ (على) حرف جر، و (مَا) استفهامية، لكنَّها رُكِّبَت مع (ذا) إذاً: لا تُحْذَف ألفها. إذاً: يُشْتَرط في حذف ألف (مَا) الاستفهامية إذا جُرَّت: ألا تُرَكَّب مع (ذا)، فإن رُكِّبَت حينئذٍ لا تُحْذَف ألفها، هذا شَرْطٌ لا بُدَّ من ذكره. وَمَا فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا. . . . . . . . . . . . . قيل سبب حذف الألف: إرادة التَّفرقة بينها وبين الموصولة والشرطية، فرق بين هذه الثلاث: موصولة وشرطية والاستفهامية، فحذفنا الألف من أجل التَّفرقة، وكانت أولى بالحذف لاستقلالها بخلاف الشرطية، الشرطية متعلِّقة بما بعدها، وبخلاف الموصولة، فإنَّها مع الصِّلة كأنَّها اسمٌ واحد .. هي مُنْفَكَّة. (وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ) هذا الذي يَتعلَّق معنا هنا، (وَأَوْلِهَا) أتبعها، (الْهَا إِنْ تَقِفْ) على ماذا؟ على (مَا) الاستفهامية (إِنْ جُرَّتْ) إِنْ جُرَّتْ حذفت ألفها، حينئذٍ بقيت على حرفٍ واحد، صارت مثل: عِهْ وَقِهْ، حينئذٍ تقف عليها بهاء السَّكْت، (وَأَوْلِهَا) (أَوْلِ) فعل أمر مبني على حذف حرف العِلَّة وهو الياء (أَوْلِ) والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت، (وَأَوْلِهَا) الهاء ضمير متَّصل مبني على الفتح في محلِّ نصب مفعول أَول، (أَوْلِهَا الْهَا) (أَوْلِهَا) الضمير هنا يعود على (مَا) الاستفهامية إن جُرَّت وَحُذِف ألفها، (وَأَوْلِهَا الْهَاءَ) مفعول ثاني، (إِنْ تَقِفْ) (إِنْ) حرف شرط، و (تَقِفْ) فعل مضارع مجزوم بالسُّكون.

أين جواب الشَّرط؟ (إِنْ تَقِفْ فأَوْلِهَا الْهَا) محذوف لدلالة ما قبله عليه .. كثير يُحذف جواب الشَّرط، (وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ) جوازاً إذا جُرَّت بِحرفٍ، ووجوباً إن جُرَّت باسمٍ، إذاً: فَرْقٌ بين حذف الألف وبين الوقف عليها بهاء السَّكْت، حذف الألف واجب مُطلقاً، إن جُرَّت باسمٍ أو جُرَّت بحرفٍ، وأمَّا الوقف عليها بهاء السَّكْت ففيه تفصيل، قد تجب وقد تجوز، متى تجب؟ جوازاً إن جُرَّت بحرفٍ نحو: عَمَّ .. ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)) [النبأ:1] يسأل البعض: لماذا الألف لم تكتب (عَمَّا)؟ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) كيف تكتب؟ مثل الفعل الماضي (عَمَّ)، يظن البعض أنَّها (عمَّ) فعل ماضي، وهي (عَنْ) دخلت على (مَا) وهي (مَا) الاستفهامية، حُذِفت الألف وجوباً هنا لكونها جُرَّت بحرف جر، لو وقفت على (عَمَّ) انقطع بك النَّفس .. ابتداءً وصلت ما قبلها: المرسلات ثُمَّ عَمَّ، (عَمَّهْ) تقف عليه بالسكون، جوازاً أو وجوباً؟ جوازاً. (وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ) أي: جوازاً إن جُرَّت بحرفٍ نحو: (عَمَّه)، ووجوباً إن جُرَّت باسمٍ نحو: (اقْتِضَاءَ مَهْ) الذي مثَّل به النَّاظم. وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا ... بِاسْمٍ. .. . . . . . . . . . نصَّ على ما ذكرناه، (وَلَيْسَ حَتْماً) واجباً، ما هو (لَيْسَ حَتْماً)؟ ليس إيلاء الهاء (مَا) الاستفهامية إذا حُذِفت ألفها حَتْماً فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا بِاسْمٍ، أمَّا المنخفض باسمٍ فهو واجبٌ، إذا كان الأمر دائر بين نوعين .. قوله: (إِنْ جُرَّتْ) إمَّا بحرف أو باسمٍ، نفى الوجوب عن غير ما انخفض باسمٍ، فصار الجواز مُنْصَبَّاً على ما انخفض بحرفٍ، وانصبَّ الوجوب على نوعٍ واحدٍ وهو ما انخفض باسمٍ. (وَلَيْسَ) أي: إلحاق الهاء والوقف عليه هاء السَّكْت واجباً، (حَتْماً) هذا خبر (لَيْسَ)، (فِي سِوَى) مُتعلِّق بـ (حَتْماً)، و (مَا) هذه موصولة، و (انْخَفَضَا) الألف للإطلاق، (انْخَفَضَ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، (بِاسْمٍ) مُتعلِّق بقوله: (انْخَفَضَا)، والجملة لا مَحلَّ لها صلة الموصول، ليس واجباً في غير المنخفض باسمٍ، فإن انخفض باسمٍ فهو واجب، وما ليس كذلك وهو المخفوض بحرفٍ فليس بواجبٍ. (كَقَوْلِكَ اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى) (اقْتِضَاءَ مَهْ) لو وقفت، (اقْتِضَاءَ مَا) (اقْتِضَاءَ) مضاف، على حسب الجملة .. ما قبلها، هو أَوْرَده بالنَّصب، والأصل فيه على التَّقديم هنا: (اقْتَضَى اقْتِضَاءَ مَا) إذا وقفت عليه تقف عليه بالسُّكون، هنا الكلام فيه تقديم وتأخير، الأصل: (اقْتَضَى اقْتِضَاءَ مَه) يعني: (اقْتِضَاءَ) هذا نُعربه على أنَّه مفعول مطلق لقوله: (اقْتَضَى)، (اقْتَضَى) هذا فعل ماضي.

إذاً: إذا وقفت على (مَهْ) هنا تقف عليه بهاء السَّكْت، واجب أو جائز؟ واجب، ولذلك لو تريد أن تقف عليه بالسكون تتعب، (اقْتَضَى اقْتِضَاءَ مَهْ) وقفت عليه بالسُّكون، فيه تقديم وتأخير، والأصل: (اقْتَضَى اقْتِضَاءَ مَا) وهو سؤالٌ عن صفة الاقتضاء، فحذف الألف من (مَا) لكونه مضافاً إليه، وهو مجرورٌ محلَّاً بـ (اقْتِضَاءَ)، فَلمَّا كان كذلك: إذا وقف عليه حينئذٍ وجب اتِّصال هاء السَّكْت به. وَلَيْسَ حَتْماً فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا ... بِاسْمٍ كَقَوْلِكَ اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى أي: وليس إيلاؤها الهاء واجباً في سوى المجرورة بالاسم وقد مَثَّله، وعِلَّة ذلك: أنَّ الجار الحرفي كالجزء لاتَّصاله بها لفظاً وخطَّاً، بخلاف الاسم، فوجب إلحاق الهاء للمجرورة بالاسم لبقائها على حرفٍ واحد، لأنَّ (اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضَى) هذا يُظن الظَّان أنَّها مُتَّصلة بِما قبلها. بخلاف الاسم، فوجب إلحاق الهاء للمجرورة بالاسم لبقائها على حرفٍ واحدٍ، وأيضاً يُقَال: اتِّصال الهاء بالمجرورة بالحرف وإن لم يكن واجباً أجود في قياس العربية وأكثر، إذا قيل بالجواز ليس المراد أنَّ عدم الوقوف بهاء السَّكْت هو الأكثر والأجود، بل الصَّواب العكس. قال الشَّارح: " إذا دخل على (مَا) الاستفهامية جارٌ وجب حذف ألفها نحو: (عَمَّ تَسْأَل؟) بِم جِئت؟ اقتضاء مَا اقتضى زَيْدٌ، فإذا وقف عليها بعد دخول الجار فإمَّا أن يكون الجارُّ لها حرفاً أو اسماً، فإن كان حرفاً جاز إلحاق هاء السَّكْت نحو: عَمَّه .. فِيمَه، وإن كان اسماً وجب إلحاقها نحو: اقتضاء مَه .. مَجِيء مه". وَوَصْلَ ذِيْ الْهَاءِ أَجِزْ بِكُلِّ مَا ... حُرِّكَ تَحْرِيْكَ بِنَاءٍ لَزِمَا وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا ... أُدِيمَ شَذَّ فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا البيت الأول ليس موجوداً عند بعضهم: وَوَصْلَ ذِيْ الْهَاءِ أَجِزْ بِكُلِّ مَا .. هذا الموضع الثالث الذي تُوصل به هاء السَّكْت وقفاً. - الأول: الفعل المُعلّ بِحذف الآخر. - الثاني: (مَا) الاستفهامية إن جُرَّت بحرفٍ أو باسمٍ، على الخلاف: واجب أو جائز .. كما هو الشَّأن في المُعل. - الموضع الثالث: كُلُّ مَبْنِيٍّ على حركة بناءٍ دائمٍ ولم يُشْبِه المعرب، وذلك كـ: ياء المُتَكَلِّم، و (هي) و (هو) في من فتحهن، (هي) إذا وقفت عليها (هيه) .. (هوه)، ولذلك: ماهيه .. مَالِيَهْ .. سُلْطَانِيَهْ، إذاً: المراد بالموضع الثالث: كُلُّ مَبْنِيٍّ على حركة بناءٍ دائم، حركة البناء قد تكون دائمة، وقد تكون غير دائمة، دائمة مثل: هِي وَهُو، دائم ما يَنْفَكُّ عنها، لكن: يا زَيْدُ، مبني أو لا؟ مبني، دائم أو لا؟ ليس دائماً، (لا رَجُلَ فِي الدَّار) (رَجُلَ) مبني أو لا؟ مبني، دائم أو لا؟ ليس دائماً. إذاً: المقصود هنا .. النوع الثالث: أن يكون المبني دائم البناء، يعني: لا يكون في موضعٍ مبني أو لا، فخرج اسم (لا) والمُنَادى ونحو ذلك.

إذاً: كُلُّ مَبْنِيٍّ على حركة بناءٍ دائمٍ ولم يُشبِه المُعْرَب وذلك كـ: (ياء المُتكلِّم) و (هي) و (هو) في من فتح. (هِيَ) و (هُوَ) قد تُسَكَّن، لكن المراد هنا: في من فتح، (مَاهيه) الضمير (هي) وقف عليه بهاء السَّكْت، (مالِي) .. (مَالِيَهْ) وقف عليه بهاء السَّكْت، (سُلْطَانِيَهْ) وقف عليه بهاء السَّكْت. (وَوَصْلَ ذِيْ الْهَاءِ أَجِزْ) أَجِزْ وَصْلَ ذِي الهَاءِ، (ذِيْ) اسم إشارة، (وَصْلَ) مضاف، و (ذِيْ) اسم إشارة مضاف إليه، (الْهَاءِ) بدل أو عطف أو نعت من (ذِيْ)، (وَوَصْلَ) هذا مفعولٌ مُقدَّم لقوله: (أَجِزْ) .. أَجِزْ وَصْلَ ذِي الهَاءِ، الهاء السابقة .. هاء السَّكْت، بماذا؟ . . . . . . . . . بِكُلِّ مَا ... حُرِّكَ تَحْرِيْكَ بِنَاءٍ لَزِمَا (بِكُلِّ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (وَصْلَ)، (وَصْلَ ذِيْ الْهَاءِ بِكُلِّ) هذا أولى من تعليقه بـ (أَجِزْ)، (بِكُلِّ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (وَصْلَ)، ويجوز أن يَتعلَّق بـ (أَجِزْ)، والأول أولى، (بِكُلِّ مَا) بِكُلِّ الذي .. اسم موصول بِمعنى: الذي، في محل جر مضاف إليه، و (حُرِّكَ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، و (تَحْرِيْكَ) مفعول مطلق مُبَيِّن للنوع، لماذا قلنا مُبَيِّن للنوع؟ لأنَّه مضاف (تَحْرِيْكَ بِنَا) أضيف مثل: ضَرَبْتُه ضَرْبَ الأمير. (حُرِّكَ تَحْرِيْكَ بِنَاءٍ) إذاً: أضيف، (تَحْرِيْكَ) مضاف، و (بِنَاءٍ) مضاف إليه، (لَزِمَا) هذا صفة لـ (بِنَاء) بناءٍ لازمٍ (لَزِمَا) الألف هذه للإطلاق، وهو فعل ماضي مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو يعود على (بِنَاء). إذاً هذه القاعدة العامَّة: أنَّه يجوز وصل هاء السَّكْت بِكُلِّ مَا حُرِّكَ تَحْرِيكَ بِنَاءٍ لازمٍ، وهذا البيت ساقطٌ عند الأشْمُونِي ولذلك لم يشرحه، وما بعده هو الذي اعتمده. وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا ... أُدِيمَ شَذَّ فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا حتَّى المكودي الظاهر أنَّه أسقطه، لأنَّ هذا البيت نصَّاً من (الكافية)، لكن إيراده أجود، لأنَّه سيرد اعتراض على الثَّاني. (وَوَصْلُهَا) هذا البيت يُفَصِّل إجمال البيت الذي سبق، (وَوَصْلُهَا) مبتدأ، (وَصْلُ) مضاف، و (هَا) مضافٌ إليه، (بِغَيْرِ تَحْرِيكِ) (بِغَيْرِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (وَصْل)، و (غَيْر) مضاف، و (تَحْرِيك) مضافٌ إليه، (تَحْرِيك) مضاف، و (بِنَا) قصره للضَّرورة مضاف إليه. (أُدِيمَ شَذَّ) (بِنَاءٍ أُدِيمَ) هذا صفة لـ (بِنَاءٍ)، يعني: بناءٍ مُدَامٍ، (شَذَّ) هذا خبر (وَصْلُ)، وَصْلُهَا شَذَّ. وَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَاءٍ أُدِيمَ قلنا: لا بُدَّ أن يكون المبني لازم البناء، فإن لم يكن لازم البناء واتَّصلت به هاء السَّكْت وقفاً شَذَّ، (وَوَصْلُهَا) البيت السَّابق نصَّ على أنَّ هذه الهاء يجوز وَصْلُها بما حُرِّك تحريك بناءٍ لازم، إذا وُصِلت بِمُتَحَرِّك وهو مبني لكنَّه بناءً ليس لازماً شَذَّ. وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا ..

(بِغَيْرِ تَحْرِيكٍ) يعني: بغير مُتَحَرِّكٍ بحركة بناءٍ لازمٍ (شَذَّ)، (فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا)، (فِي الْمُدَامِ) يعني: في المبني المُدَام البناء، (اسْتُحْسِنَا) إذاً: يجوز فيه الوجهان، والوصل أحسن من عدم الوصل. معنى البيت: أنَّ وصل هاء السَّكْت بغير الحركة التي للبناء المُدَام شاذٌّ، ووصلها بحركة البناء مُسْتَحْسَنٌ، وَفُهِم منه: أنَّه لا يُوصل بحركة الإعراب البتَّة، لأنَّه قيَّده بـ (بِنَا)، ثُمَّ البناء قد يكون لازماً وقد لا يكون، إذا لم يكن لازماً الوصل به شَاذٌّ، وإن كان لازماً فحينئذٍ يُسْتَحْسَن الوصل وليس بواجبٍ. (وَوَصْلُهَا) يعني: هاء السَّكْت، (بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا) بِنَاءٍ، (أُدِيمَ شَذَّ) هذا سيأتي مثاله، (فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا) يعني: أنَّ هاء السَّكْت لا تَتَّصل بِحركة إعرابٍ ولا شبيهةٍ بِها، ولذلك لا تلحق اسم (لا)، ولا المُنَادى المضموم، ولا ما بُنِي لقطعه عن الإضافة كـ: قَبْلُ وَبَعْد، (قَبْلُ) و (بَعْد) لا تلحقه هاء السَّكْت لأنَّه غير مُدَام .. غير لازم، قد لا يُنْوَى حذف المضاف فتنفصل. ولا ما بُنِي لقطعه عن الإضافة كـ: قبل وبعد، ولا العدد المُرَكَّب نحو: خمسة عشر، لأنَّ حركات هذه الأشياء مُشابهةٌ لحركة الإعراب، يعني: غير دائم البناء قد يَنْفَكُّ، خَمْسَةٌ وعشرة تقول. قوله: (فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا) (فِي الْمُدَامِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اسْتُحْسِنَا)، الذي هو (الوَصْل) الضمير يعود على (الوصل)، والألف هذه للإطلاق، و (الْمُدَام) اسم مفعول من: أَدَامَ يُدَامُ فهو مُدَامٌ، أشار به: إلى أنَّ وصل هاء السَّكْت بِحركة المدام البناء أي: الملتزم، جائزٌ مُسْتَحْسَن. إذاً: الموضع الثالث: كل مَبْنِيٍّ على حركة بناءٍ دائمٍ، هذا الموضع الثالث كله جائز .. ليس فيه واجب، بخلاف الموضع الأول: الفعل المُعل بحذف الآخر منه واجب وجائز، و (مَا الاسْتِفْهَامِ) منه واجب وجائز، الموضع الثالث كله جائز .. ليس فيه واجب وإنَّما هو مُسْتَحْسَنٌ. إذاً: (فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا) أشار به إلى أنَّ وصل هاء السَّكْت بِحركة المُدَام البناء أي: ملتزم البناء جائزٌ مُسْتَحْسَنٌ، وذلك كفتحة: هُوَ وَهِيَ وَكَيْفَ وَثَمَّ، فيقال في الوقف: هُوَهْ وَهِيَهْ وَكَيْفَهْ وَثَمَّهْ، بهاء السَّكْت. قوله: وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكٍ .. قال الأشْمُونِي هنا: "يقتضي أنَّ وصلها بحركة الإعراب قد شَذَّ أيضاً، لأن كلامه يشمل نوعين: أولاً: تحريك البناء غير المدام، والآخر تحريك الإعراب، وليس ذلك إلا في الأول" وهذا فيه نظر! (فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا) يقتضي جواز اتِّصالها بحركة الماضي، لأنَّ الماضي بناؤه لازم. قوله: (فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا). قال الأشْمُونِي: "يقتضي جواز اتِّصالها بحركة الماضي، لأنَّها من التَّحريك المُدَام، وفي ذلك ثلاثة أقوال" ثلاثة مذاهب، هل إذا وُقِف على الفعل الماضي تلحقه هاء السَّكْت أم لا؟ فيه ثلاثة مذاهب: - الأول: المنع مطلقاً.

- والثاني الجواز مطلقاً: زَيْدٌ قَامه .. زَيْدٌ قَعَدَه، تقف عليه بهاء السَّكْت، والأول يمنع، والثاني: الجواز مطلقاً (مطلقاً) يعني: سواءٌ ألبس أم لا، لأنَّك إذا قلت: زَيْدٌ قعده، الهاء هنا لا يلتبس أنَّه مفعولٌ به، إذاً: أُمِن اللبس مع: قعده، زَيْدٌ جَلَسَه .. زَيْدٌ ضَرَبَه، الثاني (ضَرَبَه) يحتمل أنَّه مفعولٌ به .. ضَرَبَهُ، ووقفت عليه بالسُّكون، إذاً: (زَيْدٌ ضَرَبَهْ) هذا فيه لبسٌ، إذاً: زَيْدٌ ضَرَبَ، لا تقف عليه بهاء السَّكْت. إذاً المذهب الثاني: الجواز مطلقاً. - والثالث: الجواز إن أُمِن اللبس نحو: قعده، والمنع إن خِيف اللبس نحو: ضَرَبَه، لأنَّ (قَعَدَه) لا يلتبس الضمير هنا هاء السَّكْت بالمفعول، لأنَّ (قَعَدَه) هذا لازم فلا ينصب مفعولاً به، وأمَّا: زَيْدٌ ضَرَبَه، إذا وقفت عليه بهاء السَّكْت حينئذٍ يلتبس .. يظن السَّامع أنَّ هذا مفعولٌ به (زَيْدٌ ضَرَبَهُ) ووقفت عليه بهاء السَّكْت، إذاً: هذا فيه لبسٌ. والأول مذهب سيبويه -الذي هو المنع مطلقاً-، واختاره المصنِّف؛ لأنَّ حركته وإن كانت لازمة فهي شبيهةٌ بحركة الإعراب، لماذا شبيهةٌ بِحركة الإعراب؟ لأن الماضي إنَّما بُنِي على حركة، الأصل فيه أنَّه مَبْنِيٌّ على السُّكون، قلنا فيما سبق: بُنِي على حركة لشبهه بالفعل المضارع .. وقوعه خبراً وصلةً وصفةً ونعتاً وحالاً، لَمَّا أشبه الفعل المضارع حينئذٍ حُرِّك، إذاً: حركته هنا شبيهةٌ بالحركة الإعرابية، وحينئذٍ البناء غير اللازم والشبيه بحركةٍ إعرابية مثل المُنَادى واسم (لا) قلنا: هذا لا تلحقه هاء السَّكْت، فاحترز به عن الماضي، لأنَّ الماضي إنَّما بُنِي على حركةٍ لشبهه بالمضارع المعرب كما سبق بيانه في أول الكتاب. إذاً: وَوَصْلَ ذِيْ الْهَاءِ أَجِزْ بِكُلِّ مَا ... حُرِّكَ تَحْرِيْكَ بِنَاءٍ لَزِمَا إذاً: هذا الموضع الثالث مِمَّا تلحقه هاء السَّكْت: كُلُّ مَبْنِيٍّ على حركة بناءٍ دائمٍ ولم يشبه المعرب، (لم يُشبه المُعرب) هذا احترزنا به عن الماضي، واحترزنا به عمَّا له حالان: قد يكون في حالٍ معرب، وقد يكون في حالٍ مبني، كالمنادى، واسم (لا)، وقبل، وبعد، ونحو ذلك، فهذه لا تلحقها هاء السَّكْت، لأنَّ البناء ليس بلازم، ثُمَّ الحركة هذه مُشْبِهَةً للحركة الإعرابية. وَوَصْلُهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكِ بِنَا ... أُدِيمَ شَذَّ. . . . . . . . . . . . فشمل نوعين: الحركة الإعرابية، والحركة البنائية ليست اللازمة، (فِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا) أشار به إلى أنَّ الوصل .. وصل هاء السَّكْت هنا ليس بواجب وإنَّما هو مُسْتَحْسَن.

قال الشَّارح: يجوز الوقف بهاء السَّكْت على كل مُتَحَرِّكٍ بحركة بناءٍ لازمة لا تشبه حركة إعراب - هذه ثلاثة قيود - كقولك في (كيف): كيفه - بِهاء السَّكْت - ولا يُوقف بها على ما حركته إعرابية: جاء زَيْدٌ لا تقل: جاء زيده، ما يجوز، ولا على ما حركته مُشْبِهَةٌ للحركة الإعرابية كحركة الفعل الماضي، ولا على ما حركته البنائية غير لازمة نحو: قَبْلُ وَبَعْدُ، والمنادى المفرد: يا زَيْدُ .. يا رَجُل، واسم (لا) التي لنفي الجنس نحو: لا رَجُلَ، وَشَذَّ وصلها بما حركته البنائية غير لازمةٍ كقولهم في (مِنْ عَلُ): مِنْ عَلُهْ، هذا قول الشَّاعر: يَا رُبَّ يَوْمٍ لِيَ لاَ أُظَلَّلُهْ ... أَرْمَضُ مِنْ تَحْتُ وأَضْحَى مِنْ عَلُهْ (مِنْ عَلُهْ) (عَلُ) قلنا: (قبل) و (بعد) لا تلحقه هاء السَّكْت، وهنا الشَّاعر قال: (مِنْ عَلُهْ) هذا شاذٌّ، لأنَّ حركة (عَلُهْ) حركة بناءٍ عارضة وليس ببناءٍ لازم، حينئذٍ لا يصح الوقف عليه بهاء السَّكْت، وهي حركة بناءٍ عارضة لقطعها عن الإضافة فهي كـ: (قبل) و (بعد)، واسْتُحسِن إلحاقها بِما حركته دائمة لا لازمة، إذاً: ليس بواجب، (وَفِي الْمُدَامِ اسْتُحْسِنَا). وَرُبَّمَا أُعْطِيَ لَفْظُ الْوَصْلِ مَا ... لِلوَقْفِ نَثْراً وَفَشَا مُنْتَظِمَا الوقف ما سبق أحكامه كلها: التَّسكين وهاء السَّكْت إلى آخره، قد يُجْرَى الوصل مُجْرَى الوقف، يعني: يُوصِل الكلام بِما يجب أن يُوقَف عليه، وحينئذٍ يُقال فيه: أجرى الوصل مُجْرَى الوقف. قد يُعْطَى الوصل حكم الوقف، يعني: يُحْكَم للوصل بحكم الوقف فيعطى حكمه، وذلك كثيرٌ في النَّظم قليلٌ في النَّثر. ومنه في النَّثْر قوله تعالى: ((لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ)) [البقرة:259] يعني: في الوصل (لَمْ يَتَسَنَّ) هنا قلنا: الوقف يكون بهاء السَّكْت، لأنَّه فعل مضارع .. مُسْتَحْسَن هذا .. جائز، فعل مضارع مجزوم، إذا وقفت (لَمْ يَتَسَنَّهْ) إذا وصلت الأصل أنَّك تُسْقِط هاء السَّكْت، لأنَّ هاء السَّكْت حالٌ للوقف لا للوصل، لكن قد يُجْرَى الوصل مُجْرَى الوقف .. كأنَّه وقف عليه ووصله مباشرة، فيقرأ هكذا: (لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ) هاء السَّكْت جاءت في الوصل، وهي إنَّما تأتي في الوقف: (ماهيه) .. (نَارٌ حَامِيَه)، (ماهيه) .. (ماهي) هذا الأصل، إذا وقفت عليه قلت: ماهيه، إذا وصلتها حينئذٍ تُجْرِي الوصل مُجْرَى الوقف .. كأنَّك وقفت عليها. ومثله في الشِّعر: مِثْلُ الحْرِيقِ وَافَقَ القَصَبَّا .. (قَصَبَّا) مثل: شدَّ وَمَدَّ، أصلها: القصبة، شدَّد ووقف عليها، وَضَعَّف الباء وهي موصولة بحرف الإطلاق وهو الألف. إذاً: (وَرُبَّمَا) للتَّقليل، (أُعْطِيَ) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، (لَفْظُ الْوَصْلِ مَا لِلوَقْفِ) يعني: في الوصل تجري عليه الأحكام في الوقف، فحينئذٍ يُعْطَى ما حقه أن يُسَكَّن، أو أنَّه يوقف عليه بالتضعيف ونحو ذلك: أَعْطِهْ يَا زَيْدُ، الأصل: (أَعْطِ) تقف عليه بالسكون، أو (أَعْطِهْ) بهاء السَّكْت، قد تقول: أَعْطِه يَا زَيْدُ، وصلته كأنَّك وقفت عليه، هذا يُسَمَّى إجراءً للوصل مُجْرَى الوقف.

(وَرُبَّمَا أُعْطِيَ) قلنا فعل ماضي مُغَيَّر الصيغة، (لَفْظُ) نائب فاعل، (لَفْظُ) مضاف، و (الْوَصْلِ) مضافٌ إليه، (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في محل نصب مفعول ثاني لـ (أُعْطِيَ) لأنَّه يتعدَّى إلى مفعولين، (لَفْظُ) هذا أُقِيم مُقام المفعول الأول وهو نائب فاعل. (لِلوَقْفِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صلة (مَا) .. (مَا لِلوَقْفِ)، (نَثْراً) في نَثْرٍ .. منصوب بنزع الخافض، (وَفَشَا مُنْتَظِمَا) الألف للإطلاق، (فَشَا) فعل ماضي معطوفٌ على (أعطى)، (وَفَشَا) ما هو الذي فشا؟ إعطاء لفظ الوصل ما للوقف، (وَفَشَا) الضمير عائد على المعنى مِمَّا سبق .. لم يعد على شيء، (أُعْطِي لَفْظُ الْوَصْلِ) ما هو الذي فشا؟ إعطاءُ .. المصدر الذي دَلَّ عليه (أُعْطِي)، إعطاء لفظ الوصل ما للوقف منتظماً، (مُنْتَظِمَاً) هذا حالٌ من ضمير (فَشَا)، هذا الإعطاء منتظماً يعني: في النَّظم، فهو فَاشٍ. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

132

عناصر الدرس * الإمالة ... وحدها وبعض أحكامها * أسباب الإمالة * موانع الإمالة * الإمالة خاصة بالأسماء المتمكنة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم: (الإِمَالَةُ). أي: هذا باب بيان أحكام الإمالة، وهنا أخَّرها عن الوقف، وفي (الكافية) قَدَّمها على الوقف، قيل: تقديم الوقف أولى، لأنَّه أهم ويحتاجه الجميع، بخلاف الإمالة فإنَّها تَخْتصُّ بلغةٍ أو يحتاجها القُرَّاء. (الإِمَالَةُ) مصدر أَمَاَلَ يُمِيلُ إِمَالَةً، وهو من باب الإقامة، يعني: أَقَاَمَ .. يُقِيمُ .. إِقَامَةً، مِمَّا عينه مُعتلَّة وهو على وزن (أَفْعَلَة)، (أَفْعَلَة)، المصدر يأتي على الإفعال، إذا كانت العين مُعتلَّة حُذِفت بعد قلبها ألفاً، ثُمَّ التقى ساكنان الألف التي هي العين، والألف التي هي ألف المصدر، ثُمَّ حُذِفت وَعُوِّض عنها التاء فقيل: إمالة. وتُسَمَّى: الكسر، (الإِمَالَةُ) تسمى الكسر لِمَا فيها من الإمالة إلى الكسرة، وَتُسُمَّى: البَطْح، لِمَا فيها من بَطْح الفتحة إلى الكسرة أي: إمالتها، وأصل (بَطْحُ الشَّيء): إلقاؤه ورميه، ويلزم من ذلك إمالته، وَتُسَمَّى: الإضْجَاع، وهو كسابقه، إذاً هذه أسماء تُسَمَّى: الإمالة .. تُسَمَّى: الكسر، وَتُسَمَّى: البَطْح، وَتُسَمَّى: الإضْجَاع. وحقيقتها: أنْ يُنَحَّى بالفتحة نحو الكسرة، فتميل الألف إن كان بعدها ألف نحو الياء، يعني: تأتي بالألف كأنَّها ياء، وهذا الحد أدمج النَّوعين المشهورين في الإمالة لأنَّها قسمان: - إمَّا إمالة الألف. - وإمَّا إمالة الفتحة، وسيذكر النَّاظم النَّوع الأول ثُمَّ النَّوع الثَّاني. وإذا قيل: إمالة الفتحة حينئذٍ الفتحة تكون قبل الألف، وإذا أمَلْتَ الفتحة ثُمَّ جاء بعدها ألف حينئذٍ تُنَحِّي الألف نحو الياء، ولذلك جمع بينهما في حَدٍّ واحد بأن يُنَحَّى - يعني: يُمَال - بالفتحة نحو الكسرة، يعني: تأتي بِنُطْقٍ للفتحة قريباً من الكسرة، فإن كان بعدها ألف نَحَّيْت الألف إلى جهة الياء .. كأنَّها ياء، وإن لم يكن بعدها ألف حينئذٍ نَحَّيْت الفتحة نحو الكسرة. إذاً: هما قسمان: - ألفٌ يُنَحَّى ويُمَال إلى الياء. - وفتحة تُنَحَّى وَتُمَال إلى الكسرة، والنَّاظم ذكر النَّوعين. وَمَحَلُّها - (الإِمَالَةُ) - الأسماء المُتَمَكِّنة أمّاً غير المتمكنة فلا .. والأفعال، هذا هو الغالب فيها على ما سُمِع، وسيأتي نَصَّاً ذلك في آخر الباب، إذاً: مَحَلُّها (الإِمَالَةُ) إنَّما تكون في الأسماء المتمكنة والأفعال. وأمَّا أسبابها فنوعان: لفظي، ومعنوي. فاللفظي: الياء والكسرة .. إمَّا ياءٌ وإمَّا كسرة كما سيأتي. والمعنوي: الدَّلالة على ياءٍ أو كسرة. يعني: ما دَلَّ .. ألفٌ تدلُّ على الياء، لم يُنْطق بالياء، وإنَّما دَلَّت على الياء، إمَّا لكونها تُمَال .. مآلها إلى الياء، وإمَّا لكونها مُنقلبة عن الياء، وكذلك الكسرة. وجملة أسباب إمالة الألف على ما ذكره النَّاظم ستَّة .. إمالة الألف له ستَّة أسباب، وسيذكرها النظم متوالية: - الأول: انقلابها عن الياء .. كون هذه الألف منقلبة عن الياء، وهذا الذي أشار بقوله:

الأَلِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يِا فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . . . . . . . . . هذا السَّبب الأول: كون الألف منقلبة عن ياء. السَّبب الثاني: مآلها إلى الياء، كونها تُبْدَل إلى الياء، يعني: هي ألفٌ لو ثُنِّيَت حينئذٍ نقول: ملهيان. ثالثاً: كونها بَدَلُ عينٍ ما يُقَال فيه: (فِلْتُ) .. خِفْتُ، العين هنا ألف بدلٌ عن عين، كُلُّ ما كان على وزن (فِلْتُ) خِفْتُ .. بِنْتُ .. بِعْتُ، نقول هنا جاء على وزن (خِفْتُ). رابعاً: ياءٌ قبلها أو بعدها، يعني: من أسباب الإمالة: أن يقع قبل الألف ياء أو بعدها ياء. خامساً: كسرةٌ قبل الألف أو بعدها. سادساً: التَّناسب، وهذا أضعفها كما سيأتي يعني: المجاورة، هي ليست مشتملة على سبب من الأسباب السَّابقة، وإنَّما لكونها جَاوَرَت ما أُمِيل فَأُمِيلت معها، مثل صرف الممنوع من الصَّرف: ((سَلاسِلا وَأَغْلالاً)) [الإنسان:4] (سَلاسِلا) للمناسبة .. لكون (أَغْلالاً) مصروف فَصُرِفَ معه، هذا مثله .. التناسب، وهذه الأسباب كلها راجعةٌ إلى الياء والكسرة كما بَيَّنَّا. وأمَّا الغرض والغاية والفائدة من (الإِمَالَةُ) فهي أحد أمرين: - أولهما: تناسب الأصوات وتقاربها، وبيان ذلك: أنَّ النُّطق بالياء والكسرة مُسْتَفِلٌ مُنْحَدِر، والنُّطق بالفتحة والألف مُسْتَعْلٍ مُتَصَعِّد، وبالإمالة تصير الألف من نمط الياء في الانحدار والتَّسَفُّلْ. - وثانيهما: التَّنبيه على أصلٍ أو غيره - وهذا الذي يعنينا - لأنَّك تَعلم بالإمالة إذا سمعت من يُمِيل، أو وُجِد سبب، أو ساغت الإمالة، تعلم أنَّ هذه الألف والجملة مُنقلبة عن ياء أو مآلها إلى الياء. وحكمها: الجواز، يعني: إذا وُجِدت الأسباب لا يَتَعَيَّن وإنَّما يجوز، فمهما وُجِدَت أسباب الإمالة فإنَّ تركها يُعْتَبَر جائزاً، والأسباب التي سيذكرها النَّاظم والشَّارح أسبابٌ للجواز لا للوجوب، والإمالة لغة تميم ومن جاورهم ومن سائر أهل نَجْد كـ: أسد وقيس، والحجازيُّون لا يُمِيلُون إلا قليلاً في الجملة .. ليست عندهم الإمالة، وإنَّما هي عند تميم ومن جاورهم، والحجازيُّون ثبت في بعض المواضع أنَّهم يَمِيلُون في مواضع خَاصَّة. أشار إلى السَّبب الأول بقوله: الألِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يِا فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . . . . . . . . . (الإِمَالَةُ) أن يُنَحَّى بالألف نحو الياء، يعني: يأتي بالألف قُرَابة الياء: (وَالضُّحَى) الألف ((وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)) [الضحى:1 - 2] يأتي بها كأنَّها قريبةٌ من الياء، وعلى هذا سِرْ. الأَلِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يِا فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . . . . . . . . . (أَمِلْ) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره: أنت، و (الأَلِفَ) مفعولٌ مُقدَّم على قوله: (أَمِلْ)، و (الْمُبْدَلَ) نعته، وقوله: (مِنْ يِا) قصره للضَّرورة جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (الْمُبْدَلَ)، إذاً: ألفٌ مُبْدَلٌ من ياء، عندنا علم بأنَّ هذه الألف ليست أصلية، وإنَّما هي مبدلة من ياء، (فِي طَرَفْ) هذا قيد يعني: كونها مُتطرِّفَة، ما معنى (فِي طَرَفْ)؟ يعني: لا فاءً ولا عيناً، الفاء لا إشكال، عين سيأتي تخصيصه.

إذاً: (أَمِلْ الأَلِفَ) هذا السَّبب الأول: وهو انقلابها عن الياء .. كونها منقلبة عن الياء تميلها للدَّلالة على أنَّ أصلها الياء وهذا أصلٌ مهم، (الألِفَ الْمُبْدَلَة مِنْ يِاءٍ فِي طَرِفٍ) (فِي طَرَفْ) هذا صفة (يِا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صفة للمجرور، (أَمِلْ) أي: سواءٌ في ذلك طرف الاسم أو طرف الفعل، لأنَّه أطلق النَّاظم هنا، وسبق أنَّ محلَّ الإمالة تكون في الأسماء المُتَمَكِّنة والأفعال. إذاً: كل ما سيذكره الأصل فيه أنَّه مُتَّحِد، إن وُجِد هذا السَّبب في الفعل فهو هو، وإن وُجِد في الاسم كذلك فهو هو. إذاً: أَمِلْ الألِفَ الْمُبْدَلَة مِنْ يِاءٍ فِي طَرِفْ الاسم، وفي طرف الفعل، سواءٌ كان ذلك في طرف الاسم نحو: مَرْمَى، (مَرْمَى) هذا معلوم أنَّ الألف هذه منقلبة عن الياء، لأنَّه مِن: رَمَى .. يرمي، إذاً: هذه الألف منقلبة عن ياء، حينئذٍ تُمَال هذه الألف لكونها مُبدَلة عن ياء. إذاً: السَّبب الأول موجود في نحو: مَرْمَى، والفعل نحو: رَمَى، حينئذٍ تُمِيل هذه الألف إلى الياء: رَمى، تأتي بها كأنَّها قريبةٌ من الياء، واحترز بقوله: (فِي طَرَفْ) من الكائنة عيناً وسيأتي حكمها (فِلْتُ) سيأتي حكما. إذاً أمل: الأَلِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يِا فِي طَرَفٍ .. إذا كانت واقعةً في آخر الكلمة وهي مُبدلة من ياء في طرف فعلٍ أو اسمٍ أملها .. أمل هذه الألف إلى الياء. السبب الثاني أشار إليه بقوله: (كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ الْيَا خَلَفاً دُونَ مَزِيدٍ أَوْ شُذُوذٍ) (كَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق في إمالة الألف، (الْوَاقِعُ) يعني: الذي وقع، (الْوَاقِع) مبتدأ، و (مِنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (الْوَاقِع)، والضمير عائد على (أَلْ) الذي وقع (مِنْهُ)، (الْيَا) هذا فاعل (الْوَاقِع)، (خَلَفاً) حال كونه خالفاً، (خَلَفاً) حال، وقَف عليه بالسُّكون على لغة ربيعة، فهو حالٌ من الياء. (دُونَ مَزِيدٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (الْوَاقِعُ) أو (خَلَفْ)، (دُونَ) ظرف مكان مُتعلِّق بقوله: (الْوَاقِعُ) أو (خَلَفْ). . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ الْيَا خَلَفْ دُونَ مَزِيدٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . (دُونَ) مضاف، و (مَزِيدٍ) مضاف إليه، (أَوْ شُذُوذٍ) معطوف على (مَزِيدٍ)، يعني: ألا يكون مزيداً .. زائداً، وألا يكون شاذَّاً. إذاً السبب الثاني: مآلها إلى الياء، كون هذه الألف ليست مُنقلبة عن ياءٍ، السبب الأول: أَمِلْ الألف المبدلة من ياء، إذاً أصلها: ياء، هنا ليست مُبدلة من ياء وإنَّما مآلها إلى الياء مثل: مَلْهَى، الألف هذه: مَلْهَى .. حُبْلَى، الألف هذه ليست مُبدلة عن ياء لكن ثَنِّها: ملهيان، إذاً صار مآلها إلى الياء هذا المراد، إمَّا أن تكون مبدلة عن ياءٍ وهو السَّبب الأول، وإمَّا أن يكون مآلها لو ثُنِّيَت أو جُمِعَت إلى الياء. كذلك من أسباب (الإِمَالَةُ): الألف التي يكون مآلها إلى انقلابها ياءً إذا ثُنِّيَت أَوْ جُمِعَت.

كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ الْيَا خَلَفاً .. عنها في تثنيةٍ أو جمعٍ، أي: تُمَال الألف إذا كانت صائرةً إلى الياء، يعني: مآلها إلى الياء، دون زيادةٍ ولا شذوذ، وذلك نَحو: ألف مَغْزَى وَمَلْهَى، من كُلِّ ذي ألفٍ مُتَطَرِّفَةٍ زائدةٍ على الثلاثة ونحو: حُبْلَى وَسَكْرَى، من كُلِّ ما آخره ألف تأنيث، هذان النَّوعان تُمَال ألفهما، لأنَّها تَؤُول إلى الياء في التَّثنية والجمع، فأشبهت الألف المنقلبة عن الياء .. أشبهت هذه الألف الألف المنقلبة عن الياء. إذاًَ السبب الثاني: كون الألف التي تُمَال مآلها إلى الياء، يعني: تنقلب إلى ياءٍ، فَكُلُّ ألفٍ انقلبت إلى ياء بالشُّروط التي سبق ذكرها نقول: هذه تُمَال حملاً على الألف المُبدَلة عن الياء، لأنَّها أشبهتها. واحترز بقوله (دُونَ مَزِيدٍ): من رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادةٍ كقولهم في تصغير (قَفَا): قُفَيٌّ، (قَفَا) هذه ألف .. هذه صارت ياءً .. انقلبت ياءً؛ لزيادة ياء التَّصغير قبلها فَقُلِبَت هذه الألف ياءً فَأُدْغِمَت فيها ياء التَّصغير، إذاً: هنا لم تنقلب الألف إلا من أجل الزِّيادة، لولا هذه الزِّيادة لَمَا انقلبت هذه الألف ياءً. إذاً احترز بقوله (دُونَ مَزِيدٍ): من رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادةٍ كقولهم في تصغير (قَفَا): قُفَيٌّ، وفي تكسيره: قِفِيٌّ، حينئذٍ الألف هنا أُبْدِلت لكن ليست للتَّثنية، وإنَّما لزيادة ياء التَّصغير، وكذلك للتَّكسير، فلا يُمَال (قَفَا) لذلك. (أَوْ شُذُوذٍ) احترز بقوله: (أَوْ شُذُوذٍ) من قلب الألف ياءً في الإضافة إلى ياء المُتكلِّم، هذا في اللغة الفصحى يُعْتَبَر شاذَّاً، إذا قُلِبَت الألف ياءً لإضافتها إلى ياء المُتكلِّم، هل تُمَال هذه الألف؟ لا .. لا تُمَال، لكون هذا القلب شاذَّاً فلا يُعَوَّل عليه. وهذا في لغة هُذَيل، فإنهم يقولون في (عصا) و (قفا): عَصِيٍّ وَقَفِيٍّ، يعني: (عصا) أضيف إلى ياء المُتكلِّم، ثُمَّ قُلِبت الألف ياءً، وَأُدْغِمت الياء في الياء، قال: عَصِيٍّ وَقَفِيٍّ، ومن قلب الألف ياءً في الوقف عند بعض طَيْ نحو: عَصِيّ وَقَفِيّ، فلا تسوغ الإمالة لأجل ذلك. وهذا السبب الثاني وهو أيضاً من الألف الواقع طرفاً كالأول. إذاً: هذه الألف أيضاً وقعت طرفاً كالأول لكنَّها ليست مُبدَلة عن ياءٍ بل مآلها إلى الياء. إذاً قوله: (كَذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، والمشار إليه هنا (كَذَا) أي: مثل تلك الألف المُتَطَرِّفة في إمالتها، لا في كونها منقلبة عن ياء، وإنَّما في كونها مُتَطَرِّفة تُمَال، (الْوَاقِعُ) الذي وقع، (الْوَاقِعُ مِنْهُ) (الْوَاقِعُ) قلنا: مبتدأ، و (الْيَا) فاعِلُه، (الْوَاقِعُ الْيَاءُ خَلَفاً مِنْهُ) متى؟ في تثنيةٍ أو جمعٍ، كما نقول: مَلْهَيَان وَحُبْلَيَان، (دُونَ مَزِيدٍ أَوْ شُذُوذٍ). (خَلَفاً) قلنا: هذا حالٌ من (الْيَا)، (كَذَا الْوَاقِعُ الْيَاءُ مِنْهُ) (أَلْ) هنا في (الْوَاقِع) تصدق على الألف .. الألف الذي وقع الياء منه خلفاً، يعني: تخلفه الياء، ليست هي خلفاً عن الياء .. مُبدَلة عن الياء، لا، الياء تخلفها عكس الأول.

(كَذَا) أي: مثل (ذَا)، الألف الذي وقع الياء منه خلفاً دُونَ مَزِيدٍ أَوْ شُذُوذٍ، فإن كان لزيادةٍ كزيادة ياء التَّصغير، (أَوْ شُذُوذٍ) كقلب الألف ياءً عند الإضافة لياء المُتكلِّم نقول: هذا لا يُمَال. إذاً قوله: (دُونَ مَزِيدٍ) فما كان القلب لأجل الزِّيادة لا يُمَال الألف، وإن كان القلب شاذَّاً حينئذٍ كذلك لا يُمَال. . . . . . . . . . . . . وَلِمَا ... تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ مَا الْهَا عَدِمَا (وَلِمَا) هذا جار ومجرور، الذي (تَلِيهِ) قلنا: يرجع للألف المنقلبة عن ياء، والألف الصائرة ياء يعني: عام، (وَلِمَا تَلِيهِ هَا التَّأْنِيث) سبق أنَّ الموضعين السَّببين إنَّما يكونان في ألفٍ مُتَطَرِّفة، لو وقعت بعد هاء التَّأنيث؟ هاء التَّأنيث في نيَّة الانفصال .. الحكم هو هو. إذاً: وجود هاء التَّأنيث بعد الألف المنقلبة عن ياء، أو الألف الصَّائرة ياء لا يمنع إمالتها .. لا يخرجها عن كونها مُتَطَرِّفة بل هي مُتَطَرِّفة كما هي، لأنَّ تاء التَّأنيث في نِيَّة الانفصال. (وَلِمَا تَلِيهِ) وللذي (تَلِيهِ) قلنا: الضمير هنا (تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ) (هَا) هذا فاعل، والضمير في (تَلِيهِ) يرجع للألف المنقلبة عن ياء، والألف الصائرة ياء، للنَّوعين السابقين .. السَّببين السَّابقين، (هَا التَّأْنِيثِ مَا الْهَا عَدِمَا) مَا عَدِم الهاء، (الْهَا) قصره للضرورة مفعول مُقدَّم لقوله: (عَدِمَا)، يعني: للذي عَدِم الهاء، إذاً: الحكم مُسْتَوٍ في النَّوعين، سواءٌ عُدِمت الهاء، وهذا الذي أطلقه النَّاظم فيما سبق، أو خُتِم بالتاء. (وَلِمَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف (مَا) موصول، (تَلِيهِ) فعل مضارع، و (هَا التَّأْنِيث) قصره للضرورة، فاعل وهو مضاف، و (التَّأْنِيث) مضاف إليه، والضمير في (تَلِيهِ) مفعول به يعود على الألف بنوعيها السَّابقين، (مَا الْهَا عَدِمَا) (مَا) هذا اسم موصول بِمعنى: الذي مبتدأ، و (الْهَا) مفعول مُقدَّم، قصره للضرورة، ما الذي .. الذي (عَدِمَا) الألف للإطلاق، و (عَدِمَ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول. أشار به: إلى أنَّ للألف التي قبل هاء التأنيث في نحو: مَرْمَاة وفتاة، من الإمالة لكونها منقلبة عن الياء ما للألف المتطرفة، يعني: الحكم سِيَّان، لأنَّ هاء التَّأنيث غير مُعْتَدٍّ بها، فالألف قبلها مُتَطَرِّفَةً تقديراً، إذاً: (فِي طَرَفٍ) حقيقةً أو تقديراً، فيشمل ما إذا خُتِم بالتَّاء. إذاً: وَلِمَا تَلِيهِ هَاءُ التَّأْنِيثِ مَا عَدِمَا الْهَا سَوَّى بينهما في الحكم، وقوله: (مَا الْهَا عَدِمَا) على تقدير مضاف، أي: حكم مَا الْهَا عَدِمَا، ولِمَا تليه هاء التَّأنيث حكم ما عَدِم الهاء، إذاً: (مَا) مبتدأ على تقدير مضاف، حكم ما عَدِم التَّاء من الإمالة ثابتٌ لِمَا يليه هاء التَّأنيث. قال الشَّارح هنا: " (الإِمَالَةُ): عبارةٌ عن أن يُنَحَّى بالفتحة عن الكسرة وبالألف نحو الياء " شَمِل النَّوعين، وبعضهم يجعلها قسماً واحداً، وفي الحقيقة هما قسمان.

وَتُمَال الألف إذا كانت طرفاً بدلاً من ياء، هذا السَّبب الأول، (طرفاً) يعني: لا فاءً ولا عيناً، والعين سيأتي التَّفصيل فيها، بدلاً من ياء .. هذا السبب الأول، أو ليست بدلاً من ياء، وإنَّما هي صائرة إلى الياء دون زيادةٍ أو شذوذ، فالأول إذا كانت طرفاً بدلاً من ياء كـ: ألف رَمَى وَمَرْمَى، (رَمَى) منقلبة عن ياء (رَمَيَ) و (مَرْمَى) كذلك، لأنَّه يُقال: رَمَى .. يَرْمِي بالياء، إذاً: الألف في (رَمَى) وما اشْتُقَّ منه .. وما تُصُرِّف منه دائماً تكون الألف مُنقلبة عن ياء، لأنَّ الياء أصْليَّة .. لام الكلمة. والثاني: وهو ما ليست مُنقلِبة عن الياء، ولكنَّها صائرة إلى الياء كـ: ألف مَلْهَى فإنَّها تَصِير ياءً في التَّثنية نحو: ملهيان .. حبليان ونحو ذلك، واحترز بقوله: (دُونَ مَزِيدٍ أَوْ شُذُوذ) مِمَّا يصير ياءً بسبب زيادة ياء التَّصغير نحو: قُفَىٌّ، أو في لغةٍ شاذَّة (قُفَيٌّ) هنا الألف انقلبت: قَفَا .. يَقْفُو، الألف هذه ليست مُبدلة عن ياءٍ، وانقلبت ياءً لزيادة ياء التَّصغير قبلها. أو في لغةٍ شاذَّة كقول هُذِيل في (قَفَا) إذا أُضِيفَ إلى ياء المُتكلِّم: قَفَيَّ كما سبق هذا، وأشار بقوله: . . . . . . . . . . . وَلِمَا ... تَلِيهِ هَا التَّأنِيثِ مَا الْهَا عَدِمَا إلى أنَّ الألف التي وُجِدَ فيها سبب الإمالة تُمَال، وإن وليتها هاء التَّأنيث كـ: فتاة وقناة ونحو ذلك. إذاً نحو: قفا وعصا قلنا هنا: (قُفَيٌّ) هذا لا يُمَال، لأنَّ الألف هنا مُنقلبة عن واو، فلا نصيب لها في الإمالة، نحو (قفا) و (عصا) تقول: قَفَوان وَعَصَوَان. نحو (قفا) و (عصا) من الاسم الثلاثي لا يُمَال، لأنَّ ألفه مُبدَلةٌ عن واوٍ لا عن ياء، ثُمَّ لا يَؤُول إلى الياء إلا في شذوذٍ أو بزيادةٍ. إذاً: لم يُوجد فيه السَّببان: قفا .. عصا، الألف هذه قد يقول قائل: قد تُبْدل ياءً، نقول: هذا إمَّا شاذ إذا أُضِيفت ياء المُتكلِّم في لغة بعض طَي، أو بزيادة ياء التَّصغير، حينئذٍ لم يُوجد فيها السَّببان .. انتفى السَّببان .. ليست مُنقلبة عن ياء، ولا تصير ياءً قياساً، القياس يعني به: ما ذكره النَّاظم هنا. وأمَّا: دعا وغزا، كذلك (دعا) الألف مُنقلبة عن واواً، و (غزا) الألف مُنقلبة عن واو، هنا تُمَال بخلاف: قفا وعصا، لأنَّ (قفا) و (عصا) الألف في اسمٍ، و (غزا) و (دعا) الألف في فعلٍ وفرقٌ بينهما، ويجوز إمالة الألف في نحو: دعا وغزا، من الفعل، لأنَّك إذا أسندته إلى الضمير ماذا تقول؟ لأنَّها تَؤُول إلى الياء في نحو: دُعِي وَغُزِي، ليس أسندته إلى الضمير وإنما إذا صِيغَ لِمَا لم يُسَمَّ فاعله، حينئذٍ تُقْلَب الألف ياءً، إذاً: دخلت في السَّبب الثاني: وهو ما يَؤُول إلى الياء. ويجوز إمالة الألف في نحو: دعا وغزا، من الفعل الثلاثي، وإن كانت عن واوٍ لأنَّها تَؤُول إلى الياء، إذاً: وُجِد فيها السَّبب الثاني: وهو كون هذه الألف تصير ياءً، متى؟ إذا بُنِي لِمَا لم يُسَمَّ فاعله: دُعِي وَغُزِي، من المبني للمفعول، وهو عند سيبويه مُطَّرِدٌ، وبهذا يظهر الفرق بين الاسم الثلاثي والفعل الثلاثي إذا كانت ألفهما عن واوٍ.

إذاً: فِعْلٌ ثلاثي واسمٌ ثلاثي، كُلٌّ منهما مُنْقَلبٌ، المثال فيما إذا كانت الألف منقلبة عن واو، وأمَّا ياء فهي داخلة في السَّببين السَّابقين. إذا كانت الألف منقلبة عن واوٍ نقول: عصا وقفا، لا حَظَّ لهما من الإمالة، لماذا؟ لكون الألف منقلبة عن واوٍ، فليست منقلبة عن ياء .. انتفى السَّبب الأول، ولا تصير ياءً إلا في شذوذٍ أو زيادة، وما كان كذلك لا تُمَال للزِّيادة ولا للشُّذوذ، إذاً: انتفت عنها الإمالة فلا تجوز. وأمَّا: غزا ودعا، وإن انتفى السَّبب الأول: وهو كونها منقلبة عن ياء، إلا أنَّه وُجِد السَّبب الثاني: وهو أنَّها تَؤُول إلى الياء، وذلك فيما إذا بُنِي لِمَا لم يُسَمَّ فاعله، إذاً: فرقٌ بين الثلاثي الذي فيه ألفٌ مُتَطَرِّفَة منقلبة عن واو بين الاسم والفعل. وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إِنْ ... يَؤُلْ إِلَى فِلْتُ كَمَاضِي خَفْ وَدِنْ هذا السَّبب الثالث: وهو كونها بدل عين .. ٍ ما يقال فيه: (فِلْتُ)، إذا كانت العين مُعتلَّة قُلِبت ألفاً، إذا أسْنَدْتَه إلى الضمير إمَّا أن تقول: (فِلْتُ) أو (فُلْتُ) (فِلْتُ) .. خِفْتُ، (فُلْتُ) .. قُلْتُ، إن كانت النتيجة (فِلْتُ) تُمَال، وإن كانت (فُلْتُ) كـ: قُلْتُ، لا تُمَال .. هذا النتيجة. (هَكَذَا) هذا خبرٌ مُقدَّم، (هَكَذَا) أي: مثل ذاك السَّابق في إمالة الألف، لأنَّنا في القسم الأول وهو في الألف التي تُمَال، وفي ذكر أسبابها السِّتَّة. السَّبب الثالث: أن تكون العين مُنقلِبة ألفاً، ثُمَّ النتيجة: أن يكون الفعل إذا أُسْنِد إلى الفاعل تقول: (فِلْتُ) بكسر الفاء، أمَّا (فُلْتُ) لا .. قُلْتُ لا. (وَهَكَذَا) أي: مثل ذاك السَّابق .. هذا خبر مُقدَّم، (بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ) ما هو بدل عين الفعل؟ الألف .. نحن نتحدث عن الألف، (بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ) يعني: إذا أُبْدِلت عين الفعل لا الاسم .. عين لا فاء، هل يُتَصَوَّر الفاء؟ لا يُتَصَوَّر الفاء، ما تكون الفاء ألفاً أبداً، لا اللام كذلك، لأنَّ اللام سبق أنَّها إذا أُبْدِلَت فحكمها ما سبق. (وَهَكَذَا) أي: مثل ذاك السَّابق في إمالة الألف إذا كانت (بَدَلُ عَيْنِ) (بَدَلُ) بالرَّفع مبتدأ وهو مضاف، و (عَيْنِ) مضاف إليه، (عَيْنِ) مضاف، و (الْفِعْلِ) مضاف إليه. (إِنْ يَؤلْ إِلَى فِلْتُ) ليست مُطلقاً كُلَّما أُبْدِلت العين ألفاً تُمَال، إن كانت النتيجة: أنَّه يَؤُول (إِنْ) - هذا شرط – يَؤل .. آل .. يَؤُول ومنه التأويل، هنا (آل) .. (يَؤُول) بمعنى: رجع، إن يرجع إلى (فِلْتُ)، (إِنْ يَؤلْ) يَؤلْ فعل مضارع فعل الشَّرط مجزومٌ بـ (إِنْ) وجزمه سكون آخره، (يَؤُلْ) ضمير مستتر يعود على الفعل، (إِنْ يَؤلْ) الفعل (عَيْنِ الْفِعْلِ) عاد الضمير على المضاف إليه وهذا جائز، أكثر النُّحاة على المنع: أنَّ الضمير لا يعود على المضاف إليه، وهنا عاد على المضاف إليه، وهذا جائز على الصَّحيح.

(إِنْ يَؤلْ) يعني: الفعل (إِلَى فِلْتُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَؤلْ)، و (فِلْتُ) قُصِد لفظه وإلا هو في الأصل فِعْل، أي: تُمَال الألف أيضاً إذا كانت بدلاً عن عين فعلٍ تُكْسَر فاؤه حين يُسْنَد إلى تاء الضَّمير، وهذا أشار إليه بقوله: (فِلْتُ) فِلْتُ الفاء هذه فاء الكلمة .. فاء الفعل كُسِرت، متى؟ تقول: خَاَفَ يَخَافُ خِفْتُ، متى كسرت الخاء وهي فاء الكلمة؟ لَمَّا أسْنَدتَه إلى الضمير (خِفْتُ)، لَمَّا سكن ما قبله وهو الفاء لأنَّه مبني على السُّكون، حينئذٍ التقى ساكنان: العين، وهي الألف المنقلبة عن العين .. عين الفعل، وسكون البناء، تَخَلَّصنا من الألف. وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إِنْ ... يَؤلْ إِلَى فِلْتُ. . . . . . . . أي: تُمَال الألف أيضاً إذا كانت بدلاً من عين فعلٍ تُكْسَر فاؤه حين يُسْنَد إلى تاء الضَّمير، سواءٌ كانت تلك الألف مُنقلِبة عن واوٍ مكسورة (كَمَاضِي): خَافَ، أصله: خَوِفَ، إذاً (خَاَفَ) هذه الألف مُنقلِبة عن واوٍ مكسورة (خِفْتُ). وكذلك: كِدْ .. كَادَ .. يَكِيد، (كَادَ) هذه الألف مُنقلِبة عن واوٍ مكسورة أصله: كَوِدَ، على وزن (فَعِل)، فهي مُنقلِبة عن واوٍ مكسورة كماضي: خِفْ وَكِدْ، وهو: خَافَ وكَادَ، أم عن ياءٍ سواءٌ كانت هذه الألف مُنقلِبة عن ياءٍِ نحو: ماضي بِعْ وَدِنْ، سواءٌ كانت هذه الياء مكسورة أو مفتوحة الأصل في: دان، أو ياء مكسورة نحو: هاب، حينئذٍ نقول: الحكم واحد. إذاً قوله: (بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ) أطلق النَّاظم هنا، سواءٌ كانت هذه العين واواً مكسورة، أو ياءً مفتوحة أو مكسورة، ودخل ما إذا كانت الواو مضمومة، لَكنَّه أخرجه بقوله: (فِلْتُ) بكسر الفاء، كذلك ما إذا كانت الواو مفتوحة: خَوِفَ، قلنا: الواو تكون مكسورة وأمَّا إذا فتحت فلا، لا يكون الفعل إذا أُسْنِد إليه تاء الفاعل على وزن (فِلْتُ)، وإنَّما تُفْتَح فيه الفاء. إذاً: ماضي بِعْ وَدِنْ، وهو: باع ودان، فإنَّك تقول في الجميع: خِفْتُ وَكِدْتُ وَبِعْتُ وَدِنْتُ، فيصيران في اللفظ على وزن: (فِلْتُ). إذاً قوله: وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إِنْ ... يَؤُلْ إِلَى فِلْتُ. . . . . . . . قوله: (إِنْ يَؤُلْ إِلَى فِلْتُ) هذا تقييد لقوله: (بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ)، لأنَّ النَّاظم هنا أطلق: (عَيْنَ الْفِعْل) فشملت ما إذا كانت واواً مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وياءً ما إذا كانت مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، واختَصَّ الحكم بالواو المكسورة، والواو المفتوحة أو المكسورة، وخرج ما عدى ذلك بقوله: (فِلْتُ)، (طَالَ) تقول: طِلْتُ، (قَالَ): قُلْتُ، على وزن (فُلْتُ)، ومثله: طَالَ، لأنَّه من: طَالَ يَطُول. قوله: (إنْ يَؤلْ) احترز به من نحو: طال وقال، فإنَّه لا يَؤُول إلى (فِلْتُ) بالكسر وإنَّما يَؤُول إلى (فُلْتُ) بالضَمِّ، ولذلك تقول: طُلْتُ وَقُلْتُ، بضمِّ الفاء، ولذلك مَثَّل النَّاظم له بقوله: (كَمَاضِي خَفْ) أو (خِفْ)؟ تقول: خِفْتُ، لماذا مَثَّل بمثالين؟ مأخوذة من الدِّين .. (دِنْ).

إذاً: مثَّل للواو بـ: خَفْ، وللياء بـ: دِنْ، ثُمَّ أضاف (كَمَاضِي خَفْ) إذاً: قُصِد لفظه، و (وَدِنْ) كذلك قُصِد لفظه، فهما اسمان، (خِفْتُ) هذا فعل ماضي، (خَفْ) هذا فعل أمر فرقٌ بينهما، لَمَّا قلت: خِفْ .. خِفْتُ .. خَفْ، الفاء الأصل أنَّها مفتوحة، فما كان على: خَفْ، لا إشكال فيه، إنَّما السؤال عن (خِفْتُ) لماذا قيل: خِفْتُ؟ نقول: هنا خُشِي التباس الباب هل هو من باب (فَعِلَ) أو (فَعَلَ) أو (فَعُلَ)، حينئذٍ أُلْقِيَت كسرة العين إلى الفاء قيل: خِفْتُ، فهذه الكسرة لِلدَّليل على أنَّ بابه (فَعِل) لأنَّه لو قيل: خِفْتُ .. خَاف، الفاء هذه لام الكلمة، أين العين؟ محذوفة، إذا حُذِفت العين حُذِف الباب، لا نُمَيِّز بين (فَعَلَ) و (فَعِلَ) و (فُعَل) إلا بالعين، فإذا حُذِفت التبس الباب، لأنَّ الفاء مفتوحة، واللام على حسب ما يَتَّصل بها. بقي العين، هي التي تُمَيِّز الباب: هل هو من باب (فَعِل) أو (فَعَلَ) أو (فَعُلَ)، فإذا حُذِفت حينئذٍ لا بُدَّ من دليلٍ عليه. وَهَكَذَا بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ إِنْ ... يَؤُلْ. . . . . . . . . . . . . . . قوله: (بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ) فُهِم منه: أنَّ بدل عين الاسم لا تُمَال مُطلقاً، لأنَّه قَيَّده بالفعل، وَفَصَّل بعضهم بين ما هي عن ياءٍ نحو: نَابَ نَوْباً وَعَابَ بمعنى: العيب فيجوز، وبين ما هي عن واوٍ نحو: باب ودار، فلا يجوز، (نَابٍ) و (عَابٍ) ليست بفعل، وإنَّما هي أسماء. قال الشَّارح: " أي كما تُمَال الألف المُتَطَرِّفَةُ كما سبق تُمَال الألف الواقعة بدلاً من عين فِعْلٍ يصير عند إسناده إلى تاء الضمير على وزن (فِلْتُ) بكسر الفاء، سواءٌ كانت العين واواً كـ: خَافَ، أو ياءً كـ: بَاعَ ودان، فيجوز إمالتها كقولك: خِفْتُ وَدِنْتُ وَبِعْتُ ". إذاً الحاصل: أنَّ الألف التي هي عين الفعل تُمَال إن كانت عن ياءٍ مفتوحة في الأصل نحو: دان، أو ياء مكسورة نحو: هاب، مأخوذٌ من الهيبة، أو عن واوٍ مكسورة نحو: خَاف، فإن كانت عن واوٍ مضمومة نحو: طال، أو مفتوحة نحو: قال، لم تُمَلْ، وهذا قلنا: أصلها داخل في قوله: (بَدَلُ عَيْنِ الْفِعْلِ) لأنَّه أطلق، وأخرج ما كانت عينه مضمومة أو مفتوحة بقوله: (إِنْ يَؤُلْ إِلَى فِلْتُ)، لأنَّ العين إذا كانت مفتوحة لا يأتي على وزن (فِلْتُ)، وإنَّما على وزن (فُلْتُ). وَنُقِل عن بعض الحجازيين إمالة نحو: خَافَ وطَابَ، وفاقاً لبني تميم، وعَامَّتُهم يُفَرِّقون بين ذوات نحو (خاف) فلا يُمِيلُون، يعني: ما كان مُنقلباً عن واو، وبين ذوات الياء نحو (طَابَ) فَيُمِيلُون، إذاً: عَامَّة الحجازيين التَّفريق في باب (خَافَ) ونحوه. فإن كان الفعل يصير عند إسناده إلى التاء على وزن (فُلْتُ) بِضَمِّ الفاء امتنعت الإمالة نحو: قال وجال، فلا تُمِلْهَا كقولك: قُلْتُ وجُلْتُ. كَذَاكَ تَالِي الْيَاءِ وَالْفَصْلُ اغْتُفرْ ... بِحَرْفٍ اوْ مَعْ هَا كَجَيْبَهَا أَدِرْ

(كَذَاكَ) هذا إشارة إلى السَّبَب الرَّابع، وما هو السَّبب الرَّابع؟ ياءٌ قبلها أو بعدها، يعني: أن يقع قبل الألف ياء أو يقع بعد الألف ياء .. هذا أو ذاك، (كَذَاكَ) أي: مثل السَّابق في جواز الإمالة .. إمالة الألف (تَالِي الْيَاء) ما كان تالياً للياء .. ألفٌ تَالٍ للياء، (تَالِي الْيَاءِ) يعني: الألف تلت ياءً، فالياء تكون قبلها. وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ بِحَرْفٍ أَوْ مَعْ هَا .. يعني: تُمَال الألف التي تتلو ياءً أي: تتبعها، (مُتَّصلةً بها) هذا الأصل نحو: سَيَال أو بَيَان، (بَيَان) الألف هذه تُمَال لكونها مسبوقة بالياء، إذاً: ألفٌ سبقتها ياء فالألف صارت تابعةً للياء تُمَال، هنا مُتَّصلة أو مُنْفَصِلة؟ مُتَّصلة .. الألف سبقتها ياء وهي مُتَّصلةٌ بهاء. أو منفصلة، لذلك قال: (وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ بِحَرْفٍ) أو حرفين (مَعْ هَا)، لو كان ثَمَّ فَصلٌ بين الياء والألف بحرفٍ مُغْتَفَر، وإذا كان بحرفين اشْتُرِط أنْ يكون أحد الحرفين هاء، وقيل: الثاني .. إما أن يكون أحد الحرفين هاء ولو كان الأول، وقيل: يُشْتَرَط فيه أن يكون الثاني هاءً، نحو (سَيَال) لِضَرْبٍ من شجر العِضَاه، أو منفصلة بحرفٍ نحو: شَيْبَان، شَيْبَان ألفٌ قبلها ياءٌ فصل بينهما حرفٌ وهو الباء كذلك تُمَال: شَيْبَان. أو بحرفين ثانيهما هاءٌ، يعني: فُصِل بين الياء والألف بحرفين لكن ثاني الحرفين ياء: (جَيْبَهَا أَدِرْ) مَثَّل له النَّاظم: أَدِرْ جَيْبَهَا، (جَيْبَهَا) ألفٌ قبلها هاء وقبلها باء، إذاً: فُصِل بين الياء والألف بحرفين: الباء والهاء، ولكن الثَّاني هاء. مفهومه: إن فُصِل بحرفين ليس ثانيهما هاء أو أكثر من حرفين فلا إمالة، لأنَّه قال: (كَذَاكَ تَالِي الْيَاْ) هذا الأصل فيه: أنَّها لا تُمَال إلا إذا كانت الألف تابعةً للياء، يعني: بلا فَصْلٍ، ثُمَّ قال: (وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ) لَمَّا قال: (الْفَصْلُ اغْتُفِرْ) علمنا أنَّ (الْفَصْلَ) عكس الأصل، فالأصل: هو الوصل، (وَالْفَصْلُ) مُغتفرٌ حينئذٍ هو خروجٌ عن القياس، وإذا كان كذلك يُنَصُّ عليه. (وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ بِحَرْفٍ) واحد، أو بحرفين (مَعَ هَاءٍٍ)، فإن كان بحرفين لا مع هاء، أو أكثر من حرفين حينئذٍ نقول: لا إمالة، إذاً: تُمَال الألف التي تتلو ياءً، أي: تتبعها مُتَّصِلَةً بها نحو (بيان) أو (سيال)، أو منفصلة بحرفٍ نحو (شَيْبَان)، أو بحرفين ثانيهما هاء كما مثَّل النَّاظم: (جَيْبَهَا أَدِرْ)، فإن كانت منفصلة بحرفين ليس أحدهما هاء، أو بأكثر من حرفين امتنعت الإمالة، وهذا ظاهر كلام النَّاظم رحمه الله تعالى. كَذَاكَ تَالِي الْيَاْ وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ ... بِحَرْفٍ أَوْ مَعْ هَا. . . . قوله: (كَذَاكَ) هذا خبر مُقدَّم، و (تَالِي) مبتدأ مُؤَخَّر، (تَالِي) مضاف، و (الْيَاْ) مضاف إليه، هذه جملة .. هذا الأصل، (كَذَاكَ تَالِي الْيَاْ) هذا هو السَّبب الرَّابع، ثُمَّ هل هذا على ظاهره؟ لأنَّ ظاهره إذا فُصِل بينهما بأيِّ فاصلٍ زال السَّبب فلا تُمَل.

ثُمَّ قال .. استدرك: (وَالْفَصْلُ اغْتُفِرَ) فهمنا أنَّ قولهِ: (تَالِي) مُراده به الاتِّصال مباشرة مثل: (بَيَان) و (شَيْبَان)، هذا الأصل وهذا ظاهر كلامه، ثُمَّ لَمَّا كان بعض الانفصال لا يُؤَثِّر استثناه بقوله: (وَالْفَصْلُ) هذا مبتدأ، (اغْتُفِرَ) مُغَيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (الْفَصْل)، والجملة خبر. (بِحَرْفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اغْتُفِرَ)، (أَوْ) للتَّنويع، (مَعَ هَا) هذا قيل: معطوفٌ على مُقَدَّر والتَّقدير (بِحَرْفٍ) وحده، (أَوْ مَعَ هَا) هكذا قاله المكُودِي، وقيل: معطوفٌ على حرفٍ، لكن على تقدير: (أوْ حَرفٍ مَعْ هَا). إمَّا أن نقول: (أَوْ) هذا حرف عطف، إمَّا أنَّه معطوفٌ على مُقدَّر، أو بحرفٍ وحده .. حذف (وحده)، (أَوْ مَعْ هَا) لا إشكال فيه .. هذا واضح، أو نقول: لا تقدير في حرف، وإنَّما التَّقدير فيما بعد (أَوْ): بِحَرْفٍ أَوْ مَعْ .. (أَوْ حَرْفٍ مَعْ هَا)، لأنَّ قوله: (أَوْ مَعْ هَا) هذا إطلاق يشمل حرفين وثلاثة وأربعة وعشرة، لكن لا بُدَّ من التَّقدير، فإمَّا أن نقول: بحرفٍ وحده، (أَوْ مَعْ هَا) فالتَّقدير ما قبل (أَوْ) لا ما بعدها، أو نقول: ما بعد (أَوْ) فيه مُقَدَّر (بِحَرْفٍ أَوْ حَرْفٍ مَعَ هَا). فهمنا أنَّ الفاصل لا يخرج عن نوعين: - إمَّا أن يكون حرفاً واحداً كـ: شيبان. - أو بحرفين ثانيهما هاء. قوله: (بحرفين ثانيهما هاء) لا يَدُلُّ عليه قوله: (أَوْ مَعْ هَا)، هل يُفْهَم منه (أَوْ مَعْ هَا) أنَّه حرف أو حرفين أو ثلاث؟ ما يُفْهَم، فلا بُدَّ من التَّقدير، لأنَّه أراد الصورة الثانية: وهي أن يكون مع الهاء حرفٌ آخر. (كَجَيْبَهَا أَدِرْ) يعني: كقولك، (مَعْ هَا) قصره للضرورة، كقولك: (جَيْبَهَا أَدِرْ) أدر جيبها، (جَيْبَ) هذا مفعول به مُقدَّم، و (جَيْبَهَا) فُصِل بين الألف - (هَا) الألف هذه التي بعد (الهاء) - فُصِل بينها وبين الياء: جيـ .. بحرفين الباء والهاء، وكانت الثانية هاء. قوله: (أَوْ مَعْ هَا) أطلقه النَّاظم، وبعضهم قَيَّده بِما إذا لم يُضَمَّ ما قبلها، قيَّده غيره: بألا يكون قبل الهاء ضَمَّة، (جَيْبُهَا) هذا لا يُمَال، فإنَّه لا يجوز فيه الإمالة وإن أطلقه النَّاظم هنا، فشمل ما كان قبل الهاء ضَمَّة، وما عداها، والصَّواب: تقييده بألا يكون قبلها ضَمَّة، يعني: قبل الهاء نحو: هذا جَيْبُها، ليس كقوله: (أَدِرْ جَيْبَهَا) فإنَّه يُمَال مُطلقاً، وأمَّا إذا ضُمَّت فلا. وإنَّما اغتفر الفصل بالهاء لخفائها، فلم تعد حاجزاً، واغْتُفِر الفصل بحرفٍ واحدٍ لِقلَّة الفصل. قال الشَّارح: " كذاك تُمَال الألف الواقعة بعد الياء مُتَّصلة بها نحو: بَيَان، أو منفصلة بحرفٍ نحو: يَسَار، أو بحرفين أحدهما هاءٌ نحو: (أدِرْ جَيْبَهَا) فإن لم يكن أحدهما هاءً امتنعت الإمالة؛ لبعد الألف عن الياء نحو: بَيْنَنا " والله أعلم.

أو بحرفين أحدهما هاء، الشَّارح هنا أطلق .. اختار القول بأنَّ المراد: واحدٌ من حرفين، ولا يُشْتَرط أن يكون الثاني، والنَّاظم أطلق وقَيَّد بالمثال: (أَوْ مَعْ هَا) حرف مع هاء، قد تكون الهاء هي الأول وقد تكون الثَّاني، لكن قوله: (كَجَيْبَهَا) دَلَّ على أنَّه يختار القول الآخر: وهو أن يكون الثاني هاء، فإن كان حرفان أولهما هاء حينئذٍ لا إمالة، لأنَّه قال: (وحرفٍ مع هاء) يعني: أن يكون الثاني هاءً، فإن كان الأول هاءً لا إمالة، لأنَّه إذا فُصِل بين الألف والياء بحرفين لا يُغْتَفَر الفصل إلا إذا كان الثَّاني هاءً، فإن كان الأول هاءً فلا .. رجعت إلى الأصل. وثَمَّ قول آخر واختاره ابن عقيل: وهو أنَّ الشَّرط: أن يكون أحد الحرفين هاءً، الأول أو الثَّاني، لكن ظاهر كلام النَّاظم خلاف هذا. ثُمَّ قال: كَذَاكَ مَا يَلِيهِ كَسْرٌ أَوْ يَلِي ... تَالِيَ كَسْرٍ أَوْ سُكُونٍ قَدْ وَلِي كَسْراً وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدّ ... فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ هذا أشار إلى السَّبَب الخامس: كَسْرةٌ قبلها أو بعدها. (كَذَاكَ مَا يَلِيهِ كَسْرٌ) (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك السَّابق في إمالة الألف، (كَذَاكَ) هذا خبر مُقدَّم، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، في محل رفع مبتدأ، يصدق على الألف، (كَذَاكَ مَا يَلِيهِ) ألفٌ، (يَلِيهِ) الضمير هنا يرجع إلى (مَا) .. الضمير البارز يرجع إلى (مَا)، والجملة (كَسْرٌ) هذا فاعل (يَلِي) (ألفٌ يَلِيهِ كَسْرٌ) حينئذٍ تُمَال الألف إذا وليها كسرٌ .. ألفٌ ثُمَّ بعدها كسر مثل: (عَالِم) اللام مكسورة .. (مَساجِد) الجيم مكسورة، إذاً: ألفٌ تلاها كسرٌ، هذا السَّبب الخامس. (كَذَاكَ) خبر مُقدَّم، (مَا) مبتدأ، (يَلِيهِ كَسْرٌ) فعل وفاعل ومفعولٌ به، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صِلَة الموصول، والضمير البارز في قوله: (يَلِيهِ) يرجع إلى (مَا)، (أَوْ يَلي تَالِيَ كَسْرٍ) .. (أَوْ) للتَّنويع، (يَلي) فعل مضارع، والضمير هنا يعود إلى (مَا)، (أَوْ يَلي) ألفٌ لأنَّ (مَا) تصدق على الألف، (أوْ يَلي الألف تَالِيَ كَسْرٍ) تابع كسرٍ، يعني: تأتي الألف ويسبقها حرفٌ، وهذا الحرف تابعٌ لكسرٍ: كِتَاب، الألف هنا تابعة لتابع كسرٍ فَتُمَال. (كِتَاب) هنا الألف لم تتبع كسرة، وإنَّما تبعت ما تبع كسراً (كِـ) مكسورة (تَـ) التاء مفتوحة، إذاً: الألف وقعت بعد حرفٍ، هذا الحرف ليس مكسوراً، وإنَّما ما قبله يكون مكسوراً .. هذا واضح، لأنَّ الألف ما يُكْسَر ما قبلها، حينئذٍ كأنَّه قال: ألفٌ قبلها كسرة، لكن ما تكون الكسرة مباشرة، لأنَّ الألف ما يسبقها إلا الفتح، حينئذٍ لا بُدَّ من فاصلٍ بين الحرف المكسور والألف نحو: كتاب. (أَوْ يَلي) (يَلي) فعل مضارع، والضمير فاعل يعود إلى الألف، (تَالِيَ كَسْرٍ) تابع كسرٍ (تَالِيَ) هذا مفعول لـ: (يَلي)، (تَالِيَ كَسْرٍ) (تَالِيَ) مضاف، و (كَسْرٍ) مضاف إليه. أَوْ سُكُونٍ قَدْ وَلِي كَسْراً ..

(أَوْ سُكُونٍ) هذا معطوف على قوله: (تَالِيَ كَسْرٍ) (أَوْ) هذه صورة ثالثة، أو يلي تالي سكونٍ، إذاً: (تَالِيَ كَسْرٍ) .. (سُكُونٍ) معطوف على (كَسْرٍ)، (أَوْ سُكُونٍ) أي: أو يلي تالي سكونٍ قد ولي كسراً، يلي الألف سكون قد ولي كسراً مثل: شِمْلاَل، الألف بعد اللام سبقها حرفان أولهما ساكن (شِمْلاَل) الشين مكسورة مثل (كِتَاب)، هناك الفاصل بين الكسرة وبين الألف حرفٌ واحد، هنا حرفان لكن سَوَّغ الفصل بحرفين كون الأول ساكن، (شِمْلاَل) هذه الألف بعد اللام. قلنا: (كِتَاب) ألفٌ قبلها كسرة، لكن فصل بينهما فاصل وهو حرفٌ واحد ولا إشكال، وهو داخل في قوله: (أَوْ يَلي تَالِيَ كَسْرٍ) هنا فصل بينهما ليس حرفاً واحد بل حرفين، والفصل بحرفين هذا كثير، الأصل: أنَّه يمنع الإمالة، لكن سَوَّغ الإمالة كون الحرف الأول ساكن. إذاً: سبق الألف كسرة ثُمَّ فُصِل بينهما بحرفين أولهما ساكن: شِمْلَال، الميم واللام فاصل بين الشين المكسورة وبين الألف، والذي سَوَّغ هذا سكون الأول، (أَوْ سُكُونٍ) أو تالي سكونٍ، يعني: يلي تالي سكونٍ (قَدْ وَلِي كَسْراً) هذا السُّكون قد ولِي كسراً. إذاً: (أَوْ سُكُونٍ) (سُكُونٍ) معطوف على قوله: (كَسْرٍ) أو تالي سكونٍ، هذا السُّكون (قَدْ وَلِي) (قَدْ) للتَّحقيق، و (وَلِي) فعل ماضي والفاعل ضمير يرجع إلى السُّكون، قد ولي هذا السُّكون كسراً، (كَسْراً) هذا مفعولٌ به، يعني: بعد حرفين وليا كسرةً أوَّلهما ساكن، نحو: شِمْلَال. وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدّْ .. (دِرْهَمَاكَ) (دِرْهَمَ) كم حرف؟ ثلاثة، الأصل: أنَّه لا إمالة، لكن كون وجود الهاء ثالثةً (كَلاَ فَصْلٍ). (دِرْهَمَاكَ) هذا النُّوع كالسَّابق: الأول ساكن، يعني: فُصِل بحرفين، لأنَّ الدَّال مكسورة: (دِرْهَمَاكَ)، الرَّاء والميم، والأول ساكن، هنا نَصَّ على أنَّه إذا وُجِد مع هذين الحرفين السَّاكن أولهما هاءٌ (كَلاَ فَصْلٍ) يعني: الهاء لا تُؤَثِّر في مثل هذا المثال: (فَدِرْهَمَاكَ) مثل (شِمْلَالْ)، والهاء هذه قال: (كَلاَ فَصْلٍ) يعني: لِخِفَّتِها وخفائها لا تُؤَثِّر. (وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ) في المثال السَّابق: أَوْ سُكُونٍ قَدْ وَلِي كَسْراً .. فإن فصل بين الألف وهذين الحرفين السَّاكن أولهما هاءٌ فالهاء (كَلاَ فَصْلٍ) يعني: وجودها وعدمها سواء فلا تُؤَثِّر، و (فَصْلُ) مبتدأ، وهو مضاف، و (الْهَا) مضافٌ إليه، (كَلاَ فَصْلٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يُعَدُّ)، و (يُعَدُّ) أي: (فَصْلُ الْهَا كَلَا فَصْلٍ) (فَصْلُ الْهَا) مبتدأ وهو مضاف، و (الْهَا) مضاف إليه .. قصره للضرورة، (يُعَدُّ) هذا فعل مضارع مُغيَّر الصِّيغة، والضمير يعود إلى (فَصْلِ الْهَا)، يُعد ماذا؟ (كَلاَ فَصْلٍ) كأنَّه لم يُفْصَل بينها. إذاً في نحو: (دِرْهَمَاكَ) ولذلك مثَّل به هنا: فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ .. مع كونه فُصِل عن الكسرة والألف بثلاثة أحرف، لكن هذه الهاء كأنَّها ليست فاصلاً، فحينئذٍ أُلْحِق بـ: شِمْلَالْ، فيما إذا سبق الألف حرفان وفصل بينها وبين الكسر إلا أنَّ الأول يُعتبَر ساكناً.

(فَدِرْهَمَاكَ) الفاء للتَّفريع، (دِرْهَمَاكَ) هذا مبتدأ أول، و (مَنْ) شرطيَّة .. مبتدأ ثاني، (يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ) فعل الشَّرط وجوابه، والجملة (يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ) خبر المبتدأ الثاني (مَنْ) المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول (دِرْهَمَاكَ). هنا قوله: (وَفَصْلُ الْهَا) أطلقه، وقَيَّده غيره بألا يَنْضَمَّ ما قبلها احترازاً من نحو: هو يَضْرِبُها، فإنَّه لا يُمَال. إذاً السَّبَب الخامس: أن يسبقها أو يتلوها كسرة، هذا الأصل فيه: أن يكون مباشر له، كذا ما يليه كسرٌ نحو: عَالِمْ، ألفٌ يتبعها كسرة، أو يلي الألف تالي كسرٍ نحو: كِتَاب، هي لم تتبع الكسر وإنَّما تبعت تابع الكسر، أو يُفصَل بينها وبين الكسر بحرفين لكن أوَّلهما ساكن، فإن فُصِل بثلاثة أوَّلهما ساكن وأحد هذه الثَّلاثة الهاء لا عبرة بالهاء .. لا يُعَدُّ فاصلاً. إذاً: في هذين البيتين ذكر خمس صور: - الأولى: أن يقع الكسر بعد الألف، مثل: عَالِمْ .. مَسَاجِدْ، وشرط: أن يليها، لأنَّه قال: (مَا يَلِيهِ) هذا شرطٌ لا بُدَّ أن يكون تالياً لها نحو: عَالِمْ وَمَسَاجِدْ. - الثانية: أن يقع الكسر قبلها، فرقٌ بين أن يتلوها وأن تكون هي تابعةً، إن كان الكسر بعدها فاشترط النَّاظم: أن يكون تالياً لها يعني: بلا فَصْلٍ، متى؟ إذا كان الكسر بعدها، (كَذَاكَ مَا) ألفٌ (يَلِيهِ كَسْرٌ) مباشرة، أو هي تلي الكسرة، ثُمَّ لا يمكن أن تكون مُباشرة متَّصلة بها، لأنَّ الألف ما يُكْسَر ما قبلها، حينئذٍ قد يكون ثَمَّ فاصل أو فاصلين بالشُّروط السَّابقة. الصورة الثانية: أن يقع الكسر قبل هاء وفيه أربع صور – النتيجة خمسة -: - أولها: أن تكون منفصلة بحرفٍ واحد مثل: كِتَاب، كِتَاب هنا الكسر سابق على الألف، والفاصل حرفٌ واحد: كِتَاب وَعِمَاد. - وثانيها: أن تكون منفصلة بحرفين أولهما ساكن نحو: شِمْلَاَلْ. - وثالثها: أن تكون منفصلة بحرفين مُتَحَرِّكَين ثانيهما الهاء نحو: يُرِيد أن يَضْرِبَها، هذا إذا عَمَّمنا كلام النَّاظم وجعلناه مستقلَّاً، يعني قوله: (وَفَصْلُ الْهَا) لأنَّ المثال .. قوله: (دِرْهَمَاكَ) هذا يوافق: شِمْلَاَلْ، أو يُخالف .. أين الكسرة؟ دِرْ .. في الدَّال: (دِرْهَمَاكَ) مثل: كِتَاب، إذاً الدَّال مكسورة، أين الألف؟ بعد الميم، كم فصل بين الدَّال المكسورة والألف؟ ثلاثة أحرف، (دِرْهَمَاكَ) الرَّاء ساكنة مثل: شِمْلَالْ، ألحق بعضهم بهذه الصورة ما إذا كانا مُتَحَرِّكين ثالثها هاءٌ، فعمَّموا كلام النَّاظم، مع كون النَّاظم ظاهر كلامه فيما سبق. على كلٍ الصورة الثالثة: أن تكون منفصلة بحرفين مُتَحَرِّكين ثانيهما الهاء - وهذه زادها المكُودِي - نحو: يريد أن يَضْرِبَها، يَضْرِبَها فُصِل بينهما بِمُتَحَرِّكين ثانيهما هاء. - رابعها: أن تكون منفصلة بحرفٍ ساكنٍ وَمُتَحَرِّكين أحدهما الهاء، وهذه التي نَصَّ عليها النَّاظم، وقد مثَّل لذلك بقوله: فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدّْ .. فالألف في هذه المُثُل كلها يجوز إمالتها.

قال المكُودِي: " وهذه الصُّور كلها مأخوذة من كلام النَّاظم " لكن الثالثة تحتاج إلى تَأَمُّل: أن تكون منفصلة بحرفين مُتَحَرِّكين ثانيهما الهاء، النَّاظم هنا قَيَّد إلا إذا جُعِل قوله: وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدْ .. أنَّه عام، وَمَثَّل (فَدِرْهَمَاكَ) لأحد النَّوعين وسكت عن النوع الثاني، يحتمل هذا .. يحتمل أنَّ قوله: وَفَصْلُ الْهَا كَلَا فَصْلٍ يُعَدْ .. أنَّه عام، يشمل ما إذا كان الفصل بحرفين مُتَحَرِّكين وثالثهما الهاء، أو بحرفين الأول ساكن وثالثهما هاء، ومَثَّل لأحد النَّوعين .. هذا مُحتملٌ، لكن يحتاج إلى تأمل. قال الشَّارح: " كذلك تُمَال الألف إذا وليتها كسرةٌ نحو: عَالِمْ، أو وقعت بعد حرفٍ يلي كسرةً نحو: كِتَاب، أو بعد حرفين وليا كسرةً أولهما ساكن نحو: شِمْلَالْ، أو كلاهما مُتَحَرِّك ولكن أحدهما هاء نحو: يُرِيد أَنْ يَضْرِبَها - وهذا يحتاج كما ذكرنا -، وكذلك يُمَال ما فصل فيه الهاء بين الحرفين اللذين وقعا بعد الكسرة أولهما ساكن نحو: هذان درهماك " والله أعلم، إذاً: خمس صور أدخلوها في كلام النَّاظم. إذاً: معنى البيتين: أي كذا تُمَال الألف إذا وليتها كسرةٌ نحو: عَالِمْ ومساجد، أو وقعت بعد حرفٍ يلي كسرةً نحو: كِتَاب، أو بعد حرفين وليا كسرةً أولهما ساكن نحو: شِمْلَالْ، أو كلاهما مُتَحَرِّك ولكن أحدهما هاء نحو: يُرِيد أَنْ يَضْرِبَها، أو ثلاثة أحرف أولُّها سكن وثانيها نحو: هذان درهماك، وهذا والذي قبله مأخوذان من قوله: وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدْ .. فإنَّه إذا سقط اعتبار الهاء من الفصل ساوى (أن يضربها) كِتَاب، و (درهماك) نحو: شملال، وَفُهِم من كلامه: أنَّ الفصل إذا كان بغير ما ذُكِر لم تَجُز الإمالة. إذاً: النَّاظم هنا ذكر قوله: وَفَصْلُ الْهَا كَلاَ فَصْلٍ يُعَدْ .. حينئذٍ يُعَمِّمُه ليشمل الصورتين فتكون خمس صور، وعلى هذا حمله ابن عقيل وكذلك الأشموني. ثُمَّ لَمَّا فرغ من ذكر الغالب من أسباب الإمالة، وبقي سبب واحد سيذكره وهو: التناسب، هذه خمسة أسباب فيما سبق، شرع في ذكر موانعها، يعني: قد توجد الأسباب السابقة ويوجد مانع. قبل ذلك بقي من أسباب الإمالة: وقوع الياء قبل الألف، هذه تركها عَمْداً النَّاظم هنا وفاقاً لسيبويه، من أسباب الإمالة: وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، ولم يذكر هنا إمالة الألف لياءٍ بعدها، وذكرها في (الكافية) و (التسهيل) وشرطها: إذا وقعت بعد الألف أن تكون متَّصلة نحو: بايعته وسايرته، ولم يذكر سيبويه إمالة الألف الياء بعدها، لذلك هنا تركها في هذا النَّظم. إذاً نقول: شرع في بيان الموانع التي تُزِيل تأثير تلك الأسباب، لأنَّ السبب إذا وُجِد فالأصل أنَّه يُؤَثِّر، وقد يكون السَّبَب موجوداً ولا يُؤَثِّر لوجود مانعٍ .. قد توجد الأسباب السَّابقة ويوجد مانع ولكن هذا المانع منع من تأثير هذا السَّبب، فقال رحمه الله: وَحَرْفُ الاِستِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا ... مِنْ كَسْرٍ اوْ يَا وَكَذاَ تَكُفُّ رَا

(حَرْفُ) مبتدأ وهو مضاف، و (الاِستِعْلاَ) قصره للضرورة مضاف إليه، (يَكُفُّ) هذا فعل مضارع، والفاء ضمير مستتر يعود على (حَرْفُ الاِستِعْلاَ)، (يَكُفُّ مُظْهَرَا) (مُظْهَرَاً) مفعولٌ به، (مِنْ كَسْرٍ) مُتعلِّق بقوله: (مُظْهَرَاً)، (أَوْ يَا) قصره للضرورة معطوف على (كَسْرٍ)، (وَكَذاَ تَكُفُّ رَا) (وَكَذاَ) أي: مثل ذا، (تَكُفُّ رَا) (تَكُفُّ) .. (كَذاَ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (تَكُفُّ)، (وَتَكُفُّ رَا كَذاَ) أي: مثل كَفِّ حرف الاستعلاء، (تَكُفُّ رَاءٌ) قصره للضرورة .. تَكُفُّ رَاءٌ مثل كَفِّ حرف الاستعلاء. إذاً: حروف الاستعلاء سبعة، والرَّاء صارت ثمانية أحرف، يعني: أنَّ موانع الإمالة ثمانية أحرف، منها سبعة تُسَمَّى: أحرف الاستعلاء، وهي ما في أوائل هذه الكلمات: قَدْ صَادَ ضِرَارُ غُلَامٍ خَالِي طَلْحَةَ ظَلِيمَاً، يعني: القاف والصَّاد والضَّاد والغين والخاء والطَّاء والظَّاء، هذه سبعة أحرف تُسَمَّى: حروف الاستعلاء، والثَّامن: الرَّاء غير المكسورة .. الرَّاء إذا كانت مفتوحة أو مضمومة، وأمَّا إذا كانت مكسورة فلا. فهذه الثَّمانية تمنع إمالة الألف، وَتَكُفُّ تأثير سببها إذا كان كسرةً ظاهرة، ولذلك قَيَّد النَّاظم قال: (مُظْهَرَا) قيَّد بالمظهر للاحتراز من السَّبب المُقدَّر والمنوي فإنها لا تمنعه، فتأثير هذه الحروف الثمانية .. حروف الاستعلاء السَّبعة والرَّاء غير المكسورة - نقول: (الراء غير المكسورة) لأنَّه سَيُقيِّده فيما يأتي - هذه تَكُفُّ السَّبب الظَّاهر، وأمَّا المُقدَّر فلا. إذاً قوله: (مُظْهَرَا) قَيَّد بالمظهر للاحتراز من السَّبَب المنوي، فإنَّها لا تمنعه، فلا يمنع حرف الاستعلاء إمالة الألف في نحو: هذا قَاضْ، إذا وقفت على (قَاضْ) فيه ياء، إذاً: قَاضْ، هل الألف هذه تُمَال أم لا؟ نعم لا تمنع، (قَاضْ) الضَّاد وقعت بعد الألف .. لا يمنع؛ لأنَّ حرف الاستعلاء إنَّما يمنع إذا كانت الياء أو الكسرة مظهرة يعني: ملفوظاً بها، وأمَّا إذا كانت منوية .. مُقدَّرة مثل: قاض، نقول: هنا لا تمنع، فَتُمَال الألف في (قاضي)، لأنَّك إذا وقفت على الضَّاد حينئذٍ حذفت الألف، والمحذوف لِعِلَّة كالثَّابت. حينئذٍ قوله: (مُظْهَرَاً) مراده: أنَّ هذه الحروف الثمانية تمنع الكسرة إذا كانت ظاهرة، وأمَّا المُقدَّرة فلا، وتمنع الياء إذا كانت ظاهرة، وأمَّا المقدَّرة فلا، إذاً: تأثير هذه الموانع في الملفوظ به، وأمَّا المنوي والمُقدَّر فلا، إذاً لا تمنع كُلَّ سببٍ، فهذه الثمانية تمنع إمالة الألف وتَكُفُّ تأثير سببها إذا كان كسرةً ظاهرةً، والنَّاظم زاد الياء وسيأتي. إذا كان كسرةً ظاهرة، فلا تمنع هذه الحروف جميع أسباب الإمالة، ليست مطلقة وإنَّما مُقيَّدة فيما إذا كانت الكسرة ظاهرة، وأمَّا المقدَّرة فلا، وعِلَّة ذلك: أنَّ السَّبْعة الأولى تستعلي إلى الحنك، فلم تَمُل الألف معها طلباً للمجانسة، وأمَّا الرَّاء فَشُبِّهَت بالمستعلية لأنَّها حرفٌ مكرر.

إذاً: حرف الاستعلاء – السَّبعة هذه - تَكُفُّ إمالة الألف، وهنا يَكُفُّ على حذف مضاف، (يَكُفُّ مُظْهَرَاً) يعني: يَكُفُّ تأثير مُظْهَرٍ، أي: يَكُفُّ ويمنع تأثير سبب الإمالة الظَّاهر. إذاً: سبب الإمالة قد يكون ظاهراً، وقد يكون مقدَّراً .. منوياً .. محذوفاً، الكسرة أو الياء على ما ذكره النَّاظم، إن كانت ملفوظة منطوقاً بها كَفَّ حرف الاستعلاء والرَّاء غير المكسورة، وأمَّا إذا كانت منوية أو مقدَّرة حينئذٍ لا تأثير لهذا المانع على ذلك السَّبَب، لأنَّ السَّبَب قوي إذا وُجِد لفظاً. وَحَرْفُ الاِستِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا .. أي: يمنع تأثير سبب الإمالة الظَّاهر، (مِنْ كَسْرٍ) إذا كانت الكسرة مُظْهَرة لا مُقدَّرة، قوله: (أَوْ يَا) قصره للضرورة: هذا تصريحٌ من النَّاظم بأنَّ حرف الاستعلاء والرَّاء غير المكسورة تمنع الإمالة إذا كان سببها ياءً ظاهرة، (مُظْهَرَاً مِنْ كَسْرٍ أَوْ يَاءٍ) إذا كان سبب الإمالة الياء ففيه تفصيل، إن كانت هذه الياء ظاهرة منع .. كَفَّ حرف الاستعلاء، إن كانت مُقدَّرة حينئذٍ لم يمنع، وهذا ظاهر كلام النَّاظم، وعليه بعض الشُّرَّاح. وقد صَرَّح بذلك في (التسهيل) و (الكافية) .. أَكَّدَه، ابن مالك إذا صَرَّح في (التسهيل) و (الخلاصة) و (الكافية) وغيرها دَلَّ على أنَّه على قوله، وما قاله في الياء غير معروفٍ في كلامه، بل الظَّاهر جواز إمالة نحو: طُغْيَانْ وَصَيَّادْ وَعُرْيَان وَرَيَّانْ، وقد قال أبو حيَّان: " لم نجد ذلك " يعني: كَفُّ حرف الاستعلاء والرَّاء في الياء، وإنَّما يمنع مع الكسرة فقط، والنَّاظم عَمَّم، حرف الاستعلاء والرَّاء غير المكسورة تَكُفُّ سبب الإمالة إذا كان كسرةً أو ياءً، أبو حيَّان وغيره يرون أنَّ الياء هذه من عند ابن مالك .. من اجتهاده، وليس في كلامه. وَحَرْفُ الاِستِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا ... مِنْ كَسْرٍ اوْ يَا وَكَذاَ تَكُفُّ رَا (رَا) هنا ليست مُطلقة. هل الرَّاء تَكُفُّ مُطلقاً، سواءٌ كانت مفتوحة، أو مكسورة، أو مضمومة؟ نقول: يُقَيَّد بِمَا سيأتي، ولم يُقَيِّده هنا يعني: الراء بغير المكسورة؛ للعلم بذلك من قوله: " فيما يأتي بعد ". وَحَ وَحَرْفُ الاِستِعْلاَ يَكُفُّ مُظْهَرَا ... مِنْ كَسْرٍ اوْ يَا وَكَذاَ تَكُفُّ رَا إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ بِحَرْفَيْنِ فُصِلْ كَذَا إِذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ ... أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ الْكَسْرِ كَالْمِطْوَاعَ مِرْ يعني: المانع السَّابق .. عرفنا في البيت السَّابق أنَّ حرف الاستعلاء يَمنع، وأنَّ الرَّاء المكسورة تمنع، ثُمَّ عندنا تفصيل: المانع من الإمالة قد يكون مُتَأَخِّراً عن الألف .. بعدها، وقد يكون مُتقدِّماً، إذا كان مُتَأَخِّراً هنا قال: إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ بِحَرْفَيْنِ فُصِلْ

يعني: ما بعد الألف من حروف الاستعلاء، أو الرَّاء المكسورة، تَكُفُّ إذا كانت مُتَّصلة، يعني: تَاليةً لها، أو فُصِل بين الألف وبين حرف الاستعلاء بحرفٍ، أو فُصِل بينهما بحرفين، (إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ) ما هو الذي يَكُفُّ؟ حرف الاستعلاء، (بَعْدُ) بعد الألف (مَتَّصِلْ)، (مَتَّصِلْ) خبر (كَانَ)، (إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ) (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، اسم (كَانَ)، أين خبرها؟ (مُتَّصِلاً) متصلاً بماذا؟ بالألف، يعني: بعدها .. ليس بينهما فاصل، أو فُصِل .. بينهما فاصل، ووقع حرف الاستعلاء بعد حرفٍ واحدٍ، يعني: فُصِل بين الألف وحرف الاستعلاء بحرفٍ واحد، أو فُصِل بحرفين. أي: إذا كان المانع المشار إليه وهو حرف الاستعلاء، أو الرَّاء مُتَأَخِّراً عن الألف، فشرطه: أن يكون مُتَّصلاً نحو: فَاقِد، القاف هذه من حروف الاستعلاء، فَاقِد وقعت القاف بعد الألف مُتَّصل، هذا أولاً، و (نَاصِحْ) صاد وقعت بعد الألف مُتَّصل: باطل .. باخل .. ، هذا عِذَارُك، هذا عِذَارُك مُتَّصل أو مُنْفَصِل .. ما الذي فُصِل بينهما؟ (عِذَارُكَ) هذا مُتَّصل، وقعت الرَّاء بعد الألف. أو منفصلاً نحو: مُنافِق، فُصِل بالفاء، الألف والقاف، هنا وقع القاف بعد الألف لَكنَّه لم يَلِه، وإنَّما فُصِل بينهما بفاصل وهو حرف واحد، إذاً: أو منفصلاً بحرفٍ نحو: منافق .. نَافِخ .. نَاشِط .. هذا عَاذِرُك، الذَّال فَصَلَت بين الألف والرَّاء وهي مُتَحَرِّكة، و (رَأَيْتُ عَاذِرَك) مِثَال للرِّاء المضمومة والرَّاء المفتوحة أمَّا المكسورة لا. (أَوْ بِحَرْفَيْن) نحو: مواثيق، ألف .. ثاء .. ياء، ثُم جاءت القاف، إذاً: فُصِل بين الألف وحرف الاستعلاء بحرفين، و (مَنَافِيخ) و (مَوَاعِيظ) ونحو: (هذه دَنَانِيرُك)، و (رَأَيْتُ دَنَانِيرَك) إذاً: هذه كلها فُصِل بينها .. إمَّا أن يكون مُتَصِّلاً، أو فُصِل بينها وبين الألف حرف أو بحرفين، حينئذٍ هذه تمنع فلا إمالة في الأمثلة التي ذكرناها. فُهِم مِمَّا سبق: أنَّ حرف الاستعلاء أو الرَّاء لو فُصِل بأكثر من حرفين لم يمنع الإمالة، لأنَّه قال: (مَتَّصِلْ) هذا أولاً، أو بعد حرفين: أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ بِحَرْفَيْنِ فُصِلْ .. هذا يمنع أو لا يمنع؟ إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ فُصِلَ بِحَرْفَيْن يَمنع – المثال أظن ذكرت العكس – يَمنع لو كان متَّصلاً، أو فُصِل بحرف أو بحرفين، إن فُصِل بأكثر من حرفين لا يمنع .. انتبه للمسألة: إن كان ما يَكُفُّ حرف الاستعلاء أو الرِّاء (بَعْدُ) يعني: بعد الألف، (مُتَّصِلاً) هذا أولاً، مثل ما ذكرنا: ناصح وفاقد، وباطل، (أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ) يعني: فُصِل بين الألف وبين حرف الاستعلاء بحرفٍ فيمنع، (أَوْ فُصِلَ بِحَرْفَيْنِ) فيمنع كذلك: مواثيق ومواعيظ، إذا فُصِل بين الألف وبين حرف الاستعلاء بأكثر من حرف حينئذٍ لا يمنع. كَذَا إِذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ ... أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ الْكَسْرِ كَالْمِطْوَاعَ مِرْ هذا فيما إذا تَقدَّم. إِنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ ... أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ أَوْ فُصِلَ بِحَرْفَيْن

(إِنْ) حرف شرط، و (كَانَ) فعل ماضي فعل الشَّرط، (مَا يَكُفُّ) (مَا) اسم (كَانَ)، و (يَكُفُّ) فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر يعود إلى (مَا)، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (بَعْدُ) هذا حال من اسم (كَانَ)، وجعله المكودي خبر (كَانَ) وليس بظاهر، (مُتَّصِلْ) هذا الظَّاهر أنَّه هو خبر (كَانَ)، وقف عليه على لغة ربيعة. (أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ) هذا معطوف على (بَعَدُ)، (بَعَدُ) هذا مبني، والتَّقدير: إنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدَ الألف مَتَّصِلاً، (أَوْ بَعَدَ حَرْفٍ) معطوف على (بَعَدَ)، أو فُصِل بحرفين. ثُمَّ انتقل إلى النَّوع الثاني فيما إذا كان حرف الاستعلاء يعني: المانع مُتَقَدِّماً على الألف، السَّابق فيما إذا تأخر فلا يضر الفصل، (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) يعني: المانع، (مَا لَمْ يَنْكَسِرْ) مُدَّة عدم انكساره فـ (مَا) هنا مصدرية ظرفية، (أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ الْكَسْرِ) يسكن بعد كسرٍ. أشار بهذا البيت: إلى أنَّ المانع المذكور إذا كان مُتقدِّماً على الألف اشْتُرِط لمنعه .. أن يكون مُؤَثِّرَاً: ألا يكون مكسوراً ولا ساكناً بعد كسرة، (مَا لَمْ يَنْكَسِرْ) فإن انكسر لا يمنع، (أَوْ يَسْكُنْ إِثْرَ الْكَسْرِ) أن يكون ساكناً بعد كسرٍ. إذاً: في هاتين الحالتين لا يمنع، فاشترط لِمَنعه إن كان مُتَقَدِّمَاً: ألا يكون مكسوراً، وهذا أشار إليه بقوله: (مَا لَمْ يَنْكَسِرْ)، (مَا) مصدرية ظرفية، ثُمَّ أدخل النفي على (يَنْكَسِرْ)، يعني: مُدَّة عدمه منكسراً، فإن انكسر فلا يمنع، (أَوْ يَسْكُنْ إِثْرَ الْكَسْرِ) هذا معطوف على مدخول (مَا) المصدرية، حينئذٍ المنفي هنا أمران. (لَمْ يَنْكَسِرْ أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ) (يَسْكُن) هذا فعل مضارع مجزوم معطوف على قوله (يَنْكَسِرْ)، إذاً: المنفي نوعان: انكسار الحرف، أو كونه (إِثْرَ الْكَسْرِ) يكون ساكناً إثر كسرٍ، إذاً: يسكن وينكسر مدخول النَّفي، ثُمَّ كلاهما مُؤَوَّلان بمصدر لوجود (مَا) المصدرية الظرفية. ألا يكون مكسوراً ولا ساكناً بعد كسرة، فلا تجوز الإمالة في نحو: طَالِب وصالح وغالب وقاتل وظالم وراشد، قال: لا تجوز. (كَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق في كونه يَمَنع، (كَذَا يُمَال) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف، كذا يُمَال .. يُمَال كذا، (إِذَا قُدِّمَ) المانع فيمنع: مَا لَمْ يَنْكَسِرْ أَوْ يَسْكُنِ اثْرَ الْكَسْرِ .. قال ابن عقيل: " حروف الاستعلاء سبعةٌ وهي: الخاء والصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء والعين والقاف، وَكُلُّ واحدٍ منها يمنع الإمالة إذا كان سببها: كسرةً ظاهرة، أو ياءً موجودة " أقَرَّ النَّاظم هنا في كون الحكم عام مع الكسرة والياء خلافاً لِمَا ذُكِر عن أبي حَيَّان. ووقع بعد الألف - هذا إذا كان بعد - مُتَّصلاً بها كـ: ساخط فيمنع، و (حاصل) فيمنع، أو مفصولاً بحرفٍ كـ: نافخ وناعق ويَمنع، أو حرفين كـ: مناشيط ومواثيق فيمنع، وحكم حرف الاستعلاء في منع الإمالة يُعْطَى للرَّاء التي هي غير مكسورة وهي المضمومة: هذا عِذَارٌ، والمفتوحة: هذان عِذَارَان، بخلاف المكسورة على ما سيأتي.

وأشار بقوله: (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) إلى أنَّ حرف الاستعلاء المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة ما لم يكن مكسوراً أو ساكناً إثر كسرة: طالب، الطَّاء مفتوحة فيمنع، كونه لا يمنع إذا كان مكسوراً، أو (أَوْ يَسْكُنِ اثْرَ كَسْرٍ) .. إلى أنَّ حرف الاستعلاء المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة ما لم يكن. إذاً: كما هو .. مَا لَمْ يَنْكَسِرْ أَوْ يَسْكُنِ اثْرَ كَسْرٍ .. فإن انكسر لا يمنع، وإن سكن إثر كَسْرٍ لا يمنع، فإن فُتِح مَنَع .. إن ضُمَّ منع، إذاً: طالب، يمنع لأنَّه لم ينكسر، إذاً كلام الأشْمُونِي في محله. اشْتُرِط لمنعه: ألا يكون مكسوراً ولا ساكناً بعد كسرة، فلا تجوز الإمالة في نحو: طال، لكن على ظاهر كلام ابن عقيل: أنَّ حرف الاستعلاء المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة ما لم يكن مكسوراً أو ساكناً إثر كَسْرٍ، فلا يُمَال نحو: صالح وظالم وقاتل، وَيُمَال نحو: طِلَابْ وَغِلَابْ وَإِصْلَاح. (صالح) يُمَال أو لا يُمَال على ظاهر كلام النَّاظم؟ لا يُمَال، لأنَّ حرف الاستعلاء يَكُفُّ سبب الإمالة فلا يُمَال، ما لم يكن مكسوراً أو ساكناً إثر كسرة، فإن كان مكسوراً أُمِيل، وإذا كان مفتوحاً منع .. (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) الكلام في المنع .. منع الإمالة، فيمنع الإمالة فلا يُمَال إذا كان مفتوحاً أو مضموماً، وَيُمَال إذا كان مكسوراً. إلى أنَّ حرف الاستعلاء المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة فلا تُمَال، ما لم يكن مكسوراً فلا يَكُفُّها، أو ساكناً إثر كسرةٍ فلا يُمَال نحو: صالح وظالم وقاتل، وَيُمَال نحو: طِلَاَبْ، لأنَّ الطَّاء هنا مكسورة فلا تكون مانعاً، وكذلك: غِلَابْ وَإِصْلَاح وَمِقْدَام وَمِطْوَاع وَإِرْشَاد. إذاً: كَذَا إِذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ ... أَوْ يَسْكُنْ اثْرَ الْكَسْرِ كَالْمِطْوَاعَ مِرْ (كَالْمِطْوَاعَ مِرْ) (الْمِطْوَاع) أي: كثير الطَّوْع، يعني: مطيع، (مِرْ) مِن: ماره، أي: أتاه بالمِيِرة وهي الطَّعام، أو أعطاه مُطلقاً وهو أشهر. (كَذَا) ظاهره أنَّه يَمنع ولو فُصِل عن الألف، والذي ذكره سيبويه وغيره: أنَّ ذلك إذا كانت الألف تليه نحو: قاعد وصالح. (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) (إِذَا) هذا مُضَمَّنٌ بمعنى الشَّرط مُتعلِّق بـ: يُمَال الذي تَعلَّق به (كَذَا)، (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) يعني: المانع، حينئذٍ (كَذَا إِذَا قُدِّمَ) يَمنع الإمالة فيما إذا كان مفتوحاً أو مضموماً، فإن انكسر أو وقع ساكناً إثر كَسْرٍ حينئذٍ لا يمنع الإمالة. (أَوْ يَسْكُنِ اثْرَ كَسْرٍ) (يَسْكُن) هذا معطوف على (يَنْكَسِر)، (إِثْرَ) يعني: بعد .. ظرف مُتعلِّق بقوله: (يَسْكُن)، وهو مضاف، و (الْكَسْرِ) مضاف إليه، (كَالْمِطْوَاعَ مِرْ) يعني: كقولك (الْمِطْوَاعَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (مِرْ)، و (مِرْ) فعل أمر مأخوذٌ من المِيرة. هنا قال ابن عقيل: " وأشار بقوله (كَذَا إِذَا قُدِّمَ .. ) البيت: إلى أنَّ حرف الاستعلاء المُتقدِّم يَكُفُّ سبب الإمالة ما لم يكن مكسوراً أو ساكناً إثر كسرة، فلا يُمَال نحو: صالح وظالم وقاتل، وَيُمَال نحو: طِلاَب وغلاب وإصلاح وقتال ".

وشرط الاستعلاء المُتقدِّم: أن يكون مُتَّصلاً بِها نحو: صالح وضامن وظالم إلى آخره، أو ينفصل بحرفٍ نحو: غنائم، إلا أن يكون مكسوراً نحو: طِلَاب. وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا كَغَارِماً لاَ أَجْفُو وخلاصة ما سبق: أنَّ هذه الموانع الثمانية لا تَمنع جميع أسباب الإمالة، بل تمنع الإمالة إذا كان سببها كسرةٌ ظاهرة أو ياءٌ موجودة، وكان بعد الألف حرفٌ من أحرف الاستعلاء، وكان حرف الاستعلاء مُتَّصلاً أو مفصولاً بحرفٍ أو حرفين، أو كانت الرَّاء مضمومة أو مفتوحة، وأشار إليه بقوله: وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا كَغَارِمَاً لاَ أَجْفُو يعني: الموانع من الإمالة قد يعرض لها ما يمنعها – (منع المانع) هذا موجود عند الأصوليين - يعني: يوجد المانع ويأتي ما يَمنعه من تأثيره. ثُمَّ إنَّ من الموانع من الإمالة قد يعرض ما يمنعها، ولذلك أشار بقوله: (وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ) هذا مصدر مضاف إلى مفعول مبتدأ، (كَفُّ مُسْتَعْلٍ) (كَفُّ) مصدر .. كَفُكَّ أنْتَ، (مُسْتَعْلٍ) يعني: حرفٍ مُسْتَعْلٍ، (وَرَا) وراً .. بالتنوين ويُحذف للوصل بنية الوقف (وَرَاً)، (يَنْكَفُّ) هذا خبر .. (يَنْكَفُّ) هو، يعود على ماذا؟ ما هو الذي (يَنْكَفْ)؟ (مُسْتَعْلٍ) قلنا: حرف الاستعلاء والرَّاء إذا وُجِدت منعت، قد يوجد ما يمنع تأثير حرف الاستعلاء، حرف الاستعلاء مانع من الإمالة، قد يأتي ما يمنع منع الإمالة لهذا الحرف. إذاً: (كَفُّ) حرف الاستعلاء الأصل فيه: أنَّه يُؤَثِّر إذا وُجِد، لكن يوجد ما يمنعه، (وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ) كَفُّه مُسْتَعْلٍ، (وَرَا) هذا معطوف على (مُسْتَعْلٍ)، (يَنْكَفُّ بِكَسْرِ رَا) كقولك: لاَ أجْفُو غَارِماً (غَارِماً لاَ أَجْفُو)، يعني: أنَّه إذا وقعت الرَّاء المكسورة بعد الألف كَفَّتْ مانع الإمالة سواءٌ كان حرف استعلاء أو راءً غير مكسورة، يعني: الرَّاء المكسورة تمنع تأثير الحروف الثمانية السَّابقة من منع الإمالة. إذا وقعت الرَّاء المكسورة بعد الألف كَفَّت مانع الإمالة، سواءٌ كان حرف استعلاء، أو راء غير مكسورة، فَيُمَال نحو: ((عَلَى أَبْصَارِهِمْ)) [البقرة:7] (أَبْصَارِهِمْ) لو نظرنا إلى حرف الاستعلاء (الصَّاد) وقع قبل الألف إذاً: هو مانع، جاءت الرَّاء بعد الألف مكسورة، منعت تأثير الصَّاد في منع الإمالة فَيُمَال .. رجع إلى الأصل، كأنَّها أبطلت مفعول الصَّاد فلا تأثير لها. و (غَارِم) مِمَّا ذكره النَّاظم: (كَغَارِماً) الغين قبل الألف كفَّت الألف عن الإمالة، لكن جاءت الرَّاء المكسورة فَكَفَّت تأثير الغين، و (ضَارِب) الألف هذه تُمْنَع لوجود الضَّاد، وهي من حروف الاستعلاء، جاءت بعد الألف راء فمنعت تأثير المانع الذي هو حرف الاستعلاء، و (طارق) ونحو: ((دَارُ الْقَرَارِ)) [غافر:39] كذلك، قَرَارِ ألف قبلها راء مفتوحة، الراء المفتوحة تمنع، (قَرَارِ) راء مكسورة، الرَّاء هنا منعت نفسها، ولذلك يقول المكُودِي: "ومن العجب أنَّ الرَّاء المكسورة تَكُفُّ نفسها إذا كانت مفتوحة".

(قَرَارِ) الألف هذه تمنعها الرَّاء السَّابقة، لأنَّها مفتوحة فهي من الموانع، حينئذٍ منعتها من التأثير الرَّاء المكسورة التي بعد الألف، ومن العجب أنَّ الراء المكسورة تَكُّف نفسها إذا كانت مفتوحة. ولا أثر فيه لحرف الاستعلاء ولا للرَّاء غير المكسورة، لأنَّ الرَّاء المكسورة غلبت المانع .. قُدِّمت عليه وكفَّته عن المنع فلم يبق له أثر. وسبب كَفِّ الرَّاء المكسورة لنفسها ولحرف الاستعلاء: أنَّها مُكَرَّرة، فتضاعفت فيها الكسرة فقوي بذلك على سبب الإمالة. وَكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ ... بِكَسْرِ رَا. . . . . . . . . . . . (بِكَسْرِ رَا) المراد به: الرَّاء المكسورة، لأنَّ الرَّاء المكسورة بِمنْزلة حرفين مكسورين، فَقوَّت جَنْبَ الإمالة، وهذا عند جمهور العرب، وبعضهم يجعل الرَّاء المكسورة مَانعةً من الإمالة كالمفتوحة والمضمومة، لكن المشهور هو الأول. بِكَسْرِ رَا كَغَارِماً لاَ أَجْفُو .. كقولك: (غَارِماً) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (أجْفُو) .. (لاَ أَجْفُو) (لاَ) نافية، و (أَجْفُو) فعل مضارع مرفوع بضَمَّة مُقدَّرة. ومن هنا عُلِم أنَّ شرط كون الرَّاء المانعة من الإمالة: أن تكون غير مكسورة، لأنَّه قال: (وَكَذاَ تَكُفُّ رَا) أطلق النَّاظم هنا فَشَمِل المفتوحة والمضمومة والمكسورة، وحينئذٍ الرَّاء المكسورة تَمنع تأثير المانع، اقتضى أن نُقَيِّد قوله: (وَكَذاَ تَكُفُّ رَا) بأنَّ المراد بها: المضمومة أو المفتوحة لا المكسورة. قال الشَّارح: " يعني أنَّه إذا اجتمع حرف الاستعلاء أو الرَّاء التي ليست مكسورة مع المكسورة غلبتها المكسورة، وَأُمِيلَت الألف لأجلها، فَيُمَال نحو: (عَلَى أَبْصَارِهِمْ)، و (دَارُ الْقَرَارِ) ". " وَفُهِم منه جواز إمالة نحو: حِمَارِكَ، لأنَّه إذا كانت الألف تُمَال لأجل الرَّاء المكسورة مع وجود المقتضِي لترك الإمالة وهو حرف الاستعلاء، أو الرَّاء التي ليست مكسورة، فإمالتها مع عدم المقتضي لتركها أولى وأحرى " إذا كانت الرَّاء المكسورة تمنع تأثير المانع، فإذا لم يوجد مانع من باب أولى أنّهَا تُمَال معها الألف. وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ ... وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ (وَلاَ تُمِلْ) (لاَ) ناهية، (تُمِلْ) فعل مضارع مجزوم بـ: (لاَ)، (تُمِلْ لِسَبَبٍ) سواءٌ كان كسرة أو ياء، وسواءٌ تَقدَّم على الألف أو تَأخَّر، أطلق النَّاظم هنا. وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ .. (لِمْ يَتَّصِلْ) هذه الجملة نعت لـ: (سَبَبٍ)، (لِسَبَبٍ) غير مُتَّصلٍ؛ بأن يكون مُنفصلاً من كلمةٍ أخرى .. هذا المراد، ليس المراد أن يُفْصَل بين الألف (كِتَابْ)، هناك فُصِل بينهما، لكن المراد هنا الفاصل قد يكون في كلمة والألف في كلمة، هناك قال: وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ .. بأن يكون منفصلاً من كلمةٍ أخرى، حينئذٍ الإمالة ونحوها تكون في كلمة واحدة، هذا مثل المَدّ المنفصل والمتَّصِل. وَلاَ تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِلْ ..

يعني: سببٍ غير مُتَّصل، بأن يكون منفصلاً من كلمةٍ أخرى، فلا تُمَال ألف: سابور، للياء قبلها في قولك: رَأَيْتُ يَدَيْ سَابُور، (سابور) لا تقل الألف هنا وقعت قبلها ياء (يَدَيْ)، هنا جاء السَّبَب الياء سابق عن ألف وَفُصِل بينهما بِحرفٍ لَكنَّه في كلمة مُنفصلة، وإنَّما يكون سبباً للإمالة إذا كان في نفس الكلمة. إذاً: لا تُمَال ألف (سَابُور) للياء قبلها في كقولك: رأيت يدي سابورٍ، (يَدَي) آخره ياء، ثُمَّ قلت: سا .. وقعت الألف ثالثة باعتبار الياء، نقول: لا .. هنا لا تُمَال، لأنَّ هذه الألف مُنفصلة، ولا ألف (مالٍ) للكسرة قبلها في قولك: لهذا الرجل مالٌ، ما .. كسرة ثُمَّ ميم ثُمَّ ألف، هل تُميل؟ لا، لأنَّ سبب الكسرة منفصل بكلمةٍ أخرى، وَيُشْتَرَط: أن يكون في كلمة واحدة. وكذلك لو قلت: ها إِنْ ذِي عِذْرَه، بالكسر .. (عِذْرَه) و (عُذْرَه) بالكسر، لم تُمِل ألف ها لكسرة إن (إِنْ عِذْرَه) هنا لا تُمَال؛ لأنَّها من كلمةٍ أخرى، والحاصل أنَّ شرط تأثير سبب الإمالة: أن يكون من الكلمة التي فيها الألف. وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ .. هذا عكسه، يعني: الكَفُّ بحرف الاستعلاء قد لا يكون في نفس الكلمة ويمنع الإمالة. (وَالْكَفُّ) هذا مبتدأ، (قَدْ يُوجِبُهُ) الجملة خبر، (قَدْ) للتَّقليل هنا، (يُوجِبُهُ) يوجب الكَفَّ، (مَا يَنْفَصِلْ) (مَا) هذا فاعل (يُوجِب)، والضمير (يُوجِبُهُ) في محل نصب مفعول به، و (يَنْفَصِلْ) الجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ) يعني: الذي ينفصل، ويصدق على الكاف الذي هو حرف الاستعلاء، أو الرَّاء غير المكسورة. وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ .. يعني: من الموانع كما في نحو: يُرِيْدُ أَنْ يَضْرِبَها قَبْل، هل تُمَال الألف هنا: يَضْرِبَها قَبْل .. قبل أختها مثلاً؟ قاف منفصلة، وقبلها ألف في آخر كلمة أخرى. وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ .. يعني: لا يُشْتَرط في الكَافِّ الذي يَكُف: أن يكون مُتَّصلاً بنفس الكلمة، بل قد يكون منفصلاً بخلاف السَّبَب، السَّبَب لا يُؤَثِّر إلا إذا كان في نفس الكلمة .. كسرة أو ياء، أمَّا إذا كان في كلمة مُستقلَّة والألف في كلمة أخرى فلا إمالة، بخلاف الكَفْ. وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ .. من الموانع كما في نحو: يُرِيْدُ أَنْ يَضْرِبَها قَبْل، فلا تُمَال الألف لأنَّ القاف بعدها، وهي مانعةٌ من الإمالة، هنا منعت مع كونها مُنفصلة، وإنَّما أثَّر المانع مُنفصلاً ولم يُؤَثِّر السَّبب منفصلاً؛ لأنَّ الفتحة - يعني: ترك الإمالة - هو الأصل، فَيُصَار إليه لأدنى سبب، ولا يخرج عنه إلا لسببٍ مُحقَّق، يعني: السَّبب في الإمالة لا بُدَّ أن يكون مُحقَّقاً. وإذا وُجِد منفصلاً في كلمةٍ أخرى حينئذٍ ضَعُف وجود السَّبَب، وأمَّا المانع فهو يَرُدُّنا إلى الأصل وهو: تحقيق الفتحة وَعَدَم الإمالة، فأدنى ما يَرُدُّنا إلى الأصل نَتَمَسَّك به، فما دام أنَّ المانع وهو حرف الاستعلاء قد وُجِد بعد ألفٍ في كلمةٍ منفصلة، وحينئذٍ نقول: هذا يُؤَثِّر في عدم الإمالة.

(وَالْكَفُّ قَدْ يُوجِبُهُ) فُهِم منه: أنَّ ذلك ليس عند كلِّ العرب، (قَدْ) للتَّقليل، (قَدْ يُوجِبُهُ) فُهِم منه: أنَّ ذلك ليس عند كلِّ العرب، فإنَّ من العرب من لا يَعْتَدُّ بحرف الاستعلاء إذا ولي الألف من كلمةٍ أخرى فيُميل، يعني كالسَّبب، لا تأثير له إلا إذا كان في كلمةٍ واحدة، وأمَّا ما اختاره النَّاظم فهو أنَّه لو .. فرقٌ بين السَّبب والمانع. قال في (شرح الكافية): " إنَّ سبب الإمالة لا يُؤَثِّر إلا مُتَّصلاً، وإنَّ سبب المنع قد يُؤَثِّر مُنْفَصِلاً، فيقال: أَتَى أَحْمَدْ، بالإمالة، و (أَتَى قَاسِمْ) بترك الإمالة " والذي اختاره هنا التَّفريق بين السَّبب والمانع، فالسَّبب لا يُؤَثِّر إلا متَّصلاً، والمانع قد يُؤَثِّر وهو منفصل ولكنَّه ليس لغة جميع العرب. قال الشَّارح: " إذا انفصل سبب الإمالة لم يُؤَثِّر بخلاف سبب المنع فإنَّه قد يُؤَثِّر مُنْفَصِلاً، فلا يُمَال نحو: أَتَى قَاسِمٌ، بخلاف: أَتَى أَحْمَدْ ". (أَتَى أَحْمَدْ) لماذا يُمَال؟ ليس عندنا مانع ولا .. ، (أَتَى) لوحدها مثل: رَمَى، (رَمَى) .. (أتى) الألف هذه مُنقلِبة عن ياء، إذاً وُجِد السَّبب الأول الذي هو: الألف المبدلة من ياء (الأَلِفَ الْمُبْدَلَ مِنْ يَا فِي طَرَفْ أَمِلْ)، أمَّا: (أَتَى قَاسِمٌ) قَاسِمٌ هنا جاء مانع وهو في الكلمة الثَّانية، وهذا المثال اعترضه الأشْمُونِي. وَقَدْ أَمَالُوا لِتَنَاسُبٍ بِلاَ ... دَاعٍ سِوَاهُ كَعِمَادَاً وَتَلاَ (وَقَدْ أَمَالُوا) (قَدْ) للتَّحقيق، هذا السَّبب السَّادس وهو التَّناسب، قلنا: هنا تناسب مثل ما سبق في الصَّرْف، (وَقَدْ أَمَالُوا) (قَدْ) للتَّحقيق، (أَمَالُوا) يعني: العرب، (لِتَنَاسُبٍ) اللام هنا لِلتَّعليل، جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَمَالُوا)، (بِلاَ دَاعٍ سِوَاهُ) أمالوا بلا داعٍ سواه، (بِلاَ دَاعٍ) يعني: بلا سَبَبٍ من الأسباب الخمسة السَّابقة، (سِوَاهُ) يعني: سوى التَّناسب، لو وُجِد سبب آخر غير التَّناسب أحلنا عليه، لكن هنا لا يوجد أي سبب من الأسباب الخمسة السَّابقة، حينئذٍ عُلِّق الحكم على ما ذُكِر. هذا هو السَّبب السَّادس من أسباب الإمالة وهو التَّناسب، وتسمَّى: الإمالة للإمالة، والإمالة لمجاورة المُمَال، وإنَّما أخَّرَه لضعفه بالنِّسبَة إلى الأسباب المُتقدِّمة، ولإمالة الألف لأجل التَّناسب صورتان: إحداهما: أن تُمَال لِمجاورة ألفٍ مُمَالة، كإمالة الألف الثانية في نحو: رَأَيْتُ عِمَادَا، (عماداً) إذا وقفت عليه تقف بالألف، الألف الأولى لها سبب: وهو كسر ما قبلها مثل (كتاب)، والألف الثانية التي هي بدلٌ عن التَّنوين ليس لها سبب، ومع ذلك يجوز إمالتها لِمجاورتها للألف التي أُمِيلت السَّابقة، إذاً: لم يوجد سبب الإمالة في الألف التي هي بدلٌ عن التَّنوين إلا كونها مُجاورة للألف المُمَالة حينئذٍ أخذت حكمها. أن تُمَال لمجاورة ألفٍ مُمَالة، كإمالة الألف الثانية في نحو: رأيت عمادا، الألف الثانية بعد الدَّال التي محل الوقف، هذه ألفٌ مُبدلة عن نون، فإنَّها لمناسبة الألف الأولى فإنَّها مُمَالةٌ لأجل الكسرة: عِمَا، مثل (كتاب).

والأخرى: أن تُمَال لكونها آخر مُجاور ما أُمِيل آخره كإمالة ألف: تلا، من قوله: ((وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا)) [الشمس:2] تلا .. يتلو؛ فإنَّها إنَّما أُمِيلت لمناسبة ما بعدها مِمَّا ألفه عن ياءٍ، يعني: (جَلَّاهَا) و (يَغْشَاهَا) مثل: ((وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)) [الضحى:1 - 2] سجى .. يسجي، إذاً الألف منقلبة عن ياء، لا إشكال في الإمالة، لكن (الضُّحَى) الأصل ما تُمَال، مأخوذٌ من: (الضَّحوة)، الألف هذه مُنقلِبة عن واو، فالأصل فيها أنَّها لا تُمَال، لكنَّها أُمِيلت لِمجاورة ما بعدها، فالتَّراكيب كلها مُمَالة لختمها بألفٍ. حينئذٍ ما وُجِد فيه السَّبَب فالسَّبب مُقدَّم للتَّعليل، وما لم يوجد فَأُمِيل مثل: (وَالضُّحَى) نقول: هنا أُمِيل للتَّناسب، ولكنَّه فرقٌ بين (عِمَادَا) وبين (والضُّحَى)، (عِمَادَا) في كلمة واحدة، وأمَّا (الضُّحَى) فلمجاورة تركيبٍ آخر أُمِيل فيه الألف وإن لم يوجد فيه السَّبَب. وَقَدْ أَمَالُوا لِتَنَاسُبٍ بِلاَ ... دَاعٍ سِوَاهُ. . . . . . . . . . . . (سِوَاهُ) يعني: سوى التناسب .. الضمير يعود إلى التَّناسب، (كَعِمَادَا) الأصل لا يُقرأ بالتنوين، (كَعِمَادَا وَتَلاَ) إذا قلت: رأيت عمادا، ثُمَّ وقفت عليه فقلبت التَّنوين ألفاً، فحينئذٍ تُمِيل الألفين معاً يعني: الألف التي بعد الميم، والألف المبدلة من التَّنوين، أمَّا الألف التي بعد الميم فلإمالتها سببٌ: وهو كسر العين قبلها، وأمَّا الألف المبدلة عن التَّنوين فلا سبب لإمالتها إلا المناسبة للألف المُمَالة قبلها. (وَتَلاَ) هذا معطوف على (عِمَادَاً)، كقولك: عماداً، وقولك: (تَلاَ)، من قوله: ((وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا)) [الشمس:2] فالألف فيه منقلبة عن واوٍ فلا حَظَّ لها في الإمالة، لكن أُمِيلت لمناسبة رؤوس الآي، وفيها ما لإمالته سببٌ نحو: ((إِذَا جَلَّاهَا)) [الشمس:3]. قال الشَّارح: " فلا تُمَال الألف الخالية من سبب الإمالة لمناسبة ألفٍ قبلها مشتملةٍ على سبب الإمالة، كإمالة الألف الثانية من نحو: عَمَادَا، لمناسبة الألف المُمَالة قبلها، وكإمالة ألف (تَلاَ) كذلك ". وَلاَ تُمِلْ مَا لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا ... دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَهَا وَغَيْرَنَا قلنا: الإمالة إنَّما تكون في الأسماء المُتمكِّنَة والأفعال. قال: وَلاَ تُمِلْ مَا لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا ... دُونَ سَمَاعٍ. . . . . . . . . . . يعني: إذا جاء شيءٌ من الأسماء غير المُتمكِّنَة وقد أُمِيل نقول: هذا سماع، يعني: أسماء الإشارة (ذا) إذا أُمِيل نقول: هذا سماع، لأنَّه اسم غير مُتمكِّن، كذلك الحروف كـ: (حتَّى) و (بلى)، سُمِع أنَّها تُمَال حينئذٍ نقول: هذا مسموعٌ، لأنَّ مَحلَّ الإمالة إنَّما يكون في الأسماء المُتمكِّنة. (وَلاَ تُمِلْ) (لاَ) ناهية، و (تُمِلْ) فعل مضارع مجزومٌ بـ: (لاَ) وجزمه سكون آخره، (مَا) مفعولٌ به، (لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا) (تَمَكُّنَا) مفعول به، و (يَنلْ) الضمير هنا يعود على (مَا)، (وَلاَ تُمِلْ) اسماً أو فعلاً، ونقول: هنا المراد به الاسم، لأنَّ التَّمكُّن إنَّما يُوصف به الاسم دون الفعل.

(وَلاَ تُمِلْ) اسماً (مَا لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَاً) من الأسماء (دُونَ سَمَاعٍ)، أي: الإمالة من خواصِّ الأفعال والأسماء المُتمكِّنَة، فلذلك لا تَطَّرِد إمالة غير المُتمَكِّن نحو (إذا) و (مَا) النافية، إلا (هاء) و (نا) وهي استثناها النَّاظم، لذلك قال: (غَيْرَهَا وَغَيْرَ نَا) (هَا) هذا لفظ ضمير المُؤنَّثة الغائبة: ضربها .. ضربتها إلى آخره، و (نَا) الدَّالة على المُتكلِّم أو المُتكلِّمِين .. المُتكلِّم وحده أو معه غيره، تقول: هذان الاسمان غير مُتَمَكِّنَيْن، ومع ذلك أُمِيلا، نقول: هذا موقوفٌ على السَّماع، وكثُرت الإمالة فيها، نحو: مَرَّ بها ونظر إليها، وَمَرَّ بِنَا ونظر إلينا، فهذان تَطَّرِد إمالتهما لكثرة استعمالهما. قوله: (دُونَ سَمَاعٍ) أشار به إلى ما سُمِعت إمالته من الاسم غير المُتمكِّن، وهو (ذَا) الاشارية، (ومتى)، و (أنَّى) وقد أُمِيل من الحروف (بلى)، و (ياء) في النِّداء، وقيل: (حتَّى) وغير ذلك مِمَّا عَدَّه الشُّرَّاح. (دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَ) بالنَّصب، (دُونَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (تُمِلْ) وَلَا تُمِلْ دُونَ سَمَاعٍ مَا لَمْ يَنلْ تَمَكُّنَا .. الذي لم ينل .. لم يكن له نصيب من التَّمكُّن لا تُمِله دون سماعٍ، فالأمر موقوفٌ على السَّماع، وما عداه فهو قياسي، يعني: الأسماء المُتمكِّنَة قياس ليس موقوف على السَّماع، وأمَّا غير المُتمكِّن حينئذٍ لا بُدَّ من السَّماع. (غَيْرَ) هذا منصوب على الحال أو الاستثناء وهو مضاف، و (هَا) مضافٌ إليه، (وَغَيْرَ) معطوف على (غَيْرَ)، وهو مضاف، و (نَا) مضافٌ إليه. مقتضاه: أنَّ إمالة (ها) و (نا) ليست من القسم المسموع: دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَ هَا ونَا .. فأملها ولو لم يُسْمَع .. هذا ظاهره، على كلٍ: ليس هذا المراد، مع أنَّها منه وإن كَثُرت، فكان الأولى أن يقول: إلا الذي سُمِع نحو: ها ونا، إذاً قوله: دُونَ سَمَاعٍ غَيْرَهَا وَغَيْرَنَا .. هذا يُفْهَم منه أنَّ (ها) و (نا) لم يُسْمَع فيهما الإمالة، وليس الأمر كذلك. قال الشَّارح: " الإمالة من خَواصِّ الأسماء المُتمكِّنة، فلا يُمَال غير المُتمكِّن إلا سماعاً، إلا (ها) و (نا) فإنهما يُمَالان قياساً مُطَّرِدَاً مع أنَّه سُمِع فيهما، نحو: يريد أن يضربها، وَمَرَّ بِنَا ". ولا تمنع الإمالة فيما عرض بناؤه نحو: يا فتى .. يا حبلى، لأنَّ الأصل فيه الإعراب، إذاً: إذا كان البناء عارضاً الإمالة لم تُمْنَع، أيضاً: لا إشكال في جواز إمالة الفعل الماضي وإن كان مبنياً خلاف ما أوهمه كلام النَّاظم هنا. الفعل الماضي يُمَال، كذلك ما عَرَض بناؤه كالمنادى نحو؟؟؟ كذلك يُمَال. لَمَّا فرغ من إمالة الألف وأسبابها انتقل إلى إمالة الفتحة ولها سببان، أشار إلى السبب الأول بقوله: وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . . . . . . . . .

(وَالْفَتْحَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (أَمِلْ)، و (قَبْلَ) هذا مُتعلِّق ظرف .. منصوب على الظرفية .. مُتعلِّق بقوله: (أَمِلْ)، (أَمِلْ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ) راءٍ مكسورة، هذا من إضافة الصِّفة إلى الموصوف، (فِي طَرَفْ) هذا مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ: (رَاء)، يعني: الفتحة إذا وقعت قبل راءٍ مكسورة، (فِي طَرَفٍ أَمِلْ) أملها، إذا وقعت الفتحة قبل راءٍ مكسورة، وهذه الرِّاء المكسورة مُتَطرِّفة، هذا السَّبب الأول. (أَمِلْ) هذا أمر، أطلق النَّاظم فَعُلِم أنَّ الإمالة في ذلك وصلاً ووقفاً، بِخلاف السَّبب الثاني الآتي، وأنَّ الإمالة جائزة في حرف الاستعلاء وفي غيره، لم يُقَيِّده بالكفِّ فهو عام هنا سواءٌ سبقه حرف استعلاء أو لا، أو راء أو لا، كل ما سبق من الأمور السَّابقة. وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . . . . . . . . . فُهِم منه: أنَّ المُمَال في ذلك هو الفتح لا المفتوح، لأنَّ المفتوح هو الحرف، وهنا الإمالة إمالة حركة وليست إمالة حرفٍ، لأنَّه قال: (وَالْفَتْحَ) ولم يقل الألف، لو كان الألف لقلنا المراد هنا: الإمالة للحرف، يعني: يُمَال وَيُنَحَّى إلى ياءٍ، وهنا الفتحة تُنَحَّى وَتُمَال إلى كسرة. ولا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف استعلاء نحو: من البقر، أو في راءٍ نحو: بِشَرر، أو في غيرهما نحو: من الكِبَر. (فِي طَرَفٍ) اشترط كون الراء في الطَّرف هو بالنظر إلى الغالب، يعني: اشتراط النَّاظم هنا لكون الرَّاء في الطَّرف هو بالنَّظر إلى الغالب وليس ذلك بلازم، وقد ذكر سيبويه إمالة فتحة الطَّاء في نحو: رَأَيْتُ خَبْطَ رِيَاحٍ. كَـ"لِلأَيْسَرِ مِلْ تُكْفَ الْكُلَفْ" .. (مِلْ للأَيْسَر) يعني: الجهة الأيسر، الراء هنا مكسورة وقعت طرفاً وقبلها فتحة، أمل الفتحة، وقد وُجِد الشَّرط وأنَّها: (قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ فِي طَرَفٍ) .. وُجِد السَّبب: راءٌ مكسورة في طرفٍ قبلها فتحة، إذاً: تُمَال الفتحة إلى الكسرة كما تُمَال الألف، لأنَّ الغرض الذي لأجله تُمَال الألف: وهو مُشَاكَلة الأصوات، وتقريب بعضها من بعضٍ موجودٌ في الحركة، كما أنَّه موجودٌ في الحرف، فالِعلَّة موجودة. كَـ"لِلأَيْسَرِ مِلْ تُكْفَ الْكُلَفْ" .. هذا تَتِمَّة (تُكْفَ) هذا مُغيَّر الصيغة مجزوم لوقوعه في جواب الطَّلب، (مِلْ تُكْفَ الْكُلَفْ) (كُلَفْ) هذا مفعول ثاني، والضمير المستتر نائب الفاعل في (تُكْفَ) مفعوله الأول، و (تُكْفَ) هذا مجزومٌ بحذف حرف العِلَّة وهو الألف، (لِلأَيْسَرِ مِلْ) (لِلأَيْسَرِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مِلْ)، كقولك: مل للأيسر، والجملة في محل نصب مقول لقولٍ محذوف. إذاً: وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاءٍ فِي طَرَفْ ... أَمِلْ. . . . . . . . . . . . . . . . (قَبْلَ) فُهِم منه: أنَّ الفتحة لا تُمَال لكسرة راءٍ قبلها نحو: رِمَمْ، رِمَمْ مِيمٌ مفتوحة قبلها كسرة، والنَّاظم هنا شرط: (فَتْحَ قَبْلَ كَسْرٍ) فلو كانت الكسرة قبل فتحٍ لا تُمَال نحو: رِمَمْ. كَذَا الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ فِي ... وَقْفٍ إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِفِ

(كَذَا) هذا السَّبب الثاني من سببي إمالة الفتحة، فَتُمَال كُلُّ فتحةٍ تليها هاء التَّأنيث إلا أنَّ إمالتها مخصوصة بالوقف، (كَذَا الَّذِي تَلِيهِ) الضَّمير هنا يعود إلى الفتح، لأنَّه الذي يُمَال لا الحرف (الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ)، يعني: إذا وقفت على تاء تأنيث قبلها فتحة فَأَمِل الفتحة إلى الكسرة. (كَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق .. الفتح، (الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيث) (كَذَا) أي: مثل ذاك الفتح الذي يُمَال إلى الكسر، (الَّذِي) مبتدأ، (تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ فِي وَقْفٍ) نحو: نِعْمَه، نِعْمَه وُجِد الشَّرط ميمٌ مفتوحة .. الفتحة وهي التي تُمَال قبل هاء التأنيث في الوقف، حينئذٍ تُمَال الفتحة إلى الكسرة. (كَذَا الَّذِي) هذا مبتدأ، (تَلِيهِ هَا) (هَا) هذا فاعل (تَلِي)، قصره للضرورة وهو مضاف، و (التَّأْنِيث) مضافٌ إليه، والضمير في (تَلِيهِ) يعود إلى الفتح، لأنَّه الذي يُمَال لا الحرف الذي تليه هاء التأنيث، وإذا كان كذلك فلا وجه لاستثناء النَّاظم الألف بقوله: إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِف .. يعني: تُمَال الفتحة إلا إذا كان ما قبلها ألف، نحن نَتكلَّم في إمالة الفتحة، والألف إنَّما يكون في إمالة الحروف فكيف دخل في قوله ما سبق ثُمَّ أخرجه؟ هذا فيه نظر. كَذَا الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ فِي ... وَقْفٍ. . . . . . . . . . . . . (فِي وَقْفٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (تَلِي)، (إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِف) (مَا) هذه زائدة، كان الذي تليه هاء التأنيث (غَيْرَ أَلِف)، احترز به عَمَّا إذا كان قبل الهاء ألفٌ، فإنَّها لا تُمَال نحو: الصَّلاة والحياة، هذا انتهى، (الصَّلاة) الألف هذه لا تُمَال لكونها قبل تاء التأنيث، ليست مثل (نعمة)، لكن نقول: هذا ليس بداخلٍ معنا هنا. نحن في القسم الثَّاني: وهو إمالة الفتحة إلى الكسرة، لها سببان: الأول: أن تقع قبل راءٍ مكسورة في طرفٍ غالباً مثل: (لِلأَيْسَرِ مِلْ). الثاني: أن تكون الفتحة التي تُمَال إلى الكسرة قبل تاء التأنيث وقفاً. حينئذٍ لا داعي لقوله: (إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِف) فاستثنى نحو: صلاه، إذا وقفت عليها الألف لا تُمَال، ونحن لا نتحدث عن إمالة الألف، وإنَّما نتحدث عن إمالة الفتحة. كَذَا الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيثِ فِي ... وَقْفٍ إِذَا مَا كَانَ. . . . . . . الذي تليه هاء التأنيث (غَيْرَ أَلِف)، (كَانَ) اسمها ضمير مستتر يعود على (الَّذِي تَلِيهِ هَا التَّأْنِيث)، (غَيْرَ) هذا خبر (كَانَ) وهو مضاف، و (أَلِفِ) مضافٌ إليه. فُهِم منه: أنَّ الإمالة جائزة في جميع الحروف ما عدا الألف، هذا إذا قلنا بأنَّه داخلٌ هنا. هذا هو السَّبب الثاني من سببي إمالة الفتحة، فَتُمَال كُلُّ فتحةٍ تليها هاء التأنيث إلا أنَّ إمالتها مخصوصةٌ بالوقف، وَشَمِل قوله: (هَاءَ التَّأْنِيثْ) هاء المبالغة نحو: علامة، وإمالته جائزة، وخرج بهاء التأنيث هاء السَّكْت نحو: ((كِتَابِيَهْ)) [الحاقة:19] الياء مفتوحة، وقفت على هاء السَّكْت، فلا تُمَال الفتحة قبلها على الصَّحيح خلافاً للكِسائي. إذاً: قوله: إِذَا مَا كَانَ غَيْرَ أَلِفِ ..

هذا مُسْتَدْرَك، لكن قيل: إذا كان كذلك فلا وجه لاستثناء الألف بقوله .. إلى آخره، إذ لم يندرج الألف في الفتح، وهو إنَّما فعله لدفع تَوَهُّم أنَّ هاء التأنيث تُسَوِّغ إمالة الألف كما سَوَّغت إمالة الفتحة، يعني: قد يظن الظَّان بأنَّ: نِعْمَه، أُمِيلت الفتحة إلى الكسرة لأجل تاء التَّأنيث، إذاً (صلاه) فلنمل الألف من باب القياس لأنه وُقِف على تاء التأنيث .. قد يوهم ذلك، حينئذٍ يُعْتَذَر على النَّاظم بذلك. وهو إنَّما فعله لدفع تَوَهُّم، إذاً: ليس قيداً فيما ذُكِر .. هذا يُؤَكِّده المعنى، لأنَّ البحث في إمالة الفتحة، لئلا يَتَوَهَّم مُتَوَهِّمٌ بالقياس الفاشل الفاسد منعه النَّاظم، إنَّما فعله لدفع تَوَهُّم أنَّ هاء التأنيث تُسَوِّغ إمالة الألف كما سَوَّغت إمالة الفتحة. ولم يقل هنا النَّاظم: تاء التأنيث، لتخرج التاء التي لم تُقْلب هاءً فإن الفتحة لا تُمَال قبلها، وإنَّما شَبَّهوا (هَاء التَّأْنِيثِ) هنا بألفه لاتِّفاقهما في المخرج والمعنى والزِّيادة والتَّطرُّف والاختصاص بالأسماء، لماذا خَصُّوا الحكم بتاء التأنيث؟ قالوا: حملوا تاء التأنيث على نحو: حُبْلَى، للمشابهة في المخرج والمعنى والزِّيادة والتَّطرُّف والاختصاص بالأسماء. قال الشَّارح هنا: " أي تُمَال الفتحة قبل الراء المكسورة وصلاً ووقفاً نحو: بِشَرَرْ ". راءٍ مكسورة قبلها فتحة، (وللأَيْسَرِ مِلْ) هذا ما ذهب إليه في البيت السَّابق .. السَّبب الأول، والسَّبب الثاني: كذلك يُمَال ما ولِيَه فتحٌ وليه هاء التأنيث من نحو: قَيِّمَه وَنِعْمَه – لكنه وقفاً - وَرَحْمَه وَقَصْعَه، وأمَّا الألف فلا إمالة فيها نحو: فتاه وحصاه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

133

عناصر الدرس * التصريف .. وحده * التصريف خاص بالأسماء المتمكنة والأ فعال المتصرفة الزائدة على ثلاثة حروف * غاية الإسم من حيث التجرد والزيادة * أوزان الإسم الثلاثي والمستعمل والمهمل منها * أوزان الفعل الثلاثي وغاية المجرد والمزيد منه * أوزان الرباعي المجرد والخماسي * ضابط الحرف الأصلي والحرف الزائد * كيفية وزن الكلمة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (التَّصْرِيْفُ). أي: هذا باب التَّصريف، أو باب أحكام التَّصريف، تصريف (تَفْعِيل) صَرَّف الشيء تصريفاً إذا غَيَّره، ولذلك هو في اللغة بمعنى: التَّغيير، ومنه: ((تَصْرِيفُ الرِّياحِ)) أي: تغييرها. وأمَّا في الاصطلاح - فالمبحث مبحث الصَّرفيين - في الاصطلاح فَيُطْلَق التَّصريف على شيئين: الأول: تحويل الكلمة إلى أبنيةٍ يعني: أوزان وصيغ مختلفة لضروبٍ من المعاني كالتَّصغير، هذا التَّصغير معنىً، نقول: تَغيَّر اللفظ بإرادة ذلك المعنى، لأنَّ الغرض هنا معنوي، والتَّكسير والجمع واسم الفاعل واسم المفعول، وهذا القسم جرت عادة المصنِّفين بذكره قبل التَّصريف، وهذا ما جرى عليه النَّاظم هنا، وهو أنَّه ذكر اسم الفاعل، وذكر اسم المفعول، وذكر الأبنية، وذكر التَّصغير والنَّسب وما يَتعلَّق بها، كُلُّ هذه تحويل لأبنية الكلمة، ومع ذلك المراد بها: معنىً من المعاني، التَّصغير والتَّكسير واسم الفاعل واسم المفعول، هذه كلها معاني مختلفة، وهذا يُقَدَّم، والنَّاظم جرى على هذا. والنوع الثَّاني: تغيير الكلمة لغير معنىً طارئٍ عليها، ولكن لغرض لفظي فقط، وهذا ينحصر في الزِّيادة .. هذا باب، والحذف، والإبدال، والقلب، والنَّقل، والإدغام، وهذا القسم هو المقصود هنا بقولهم: (التَّصْرِيف) من هذا الموضع إلى آخر الألفيَّة مقصوده بـ (التَّصريف) هو هذا: النَّقل، والإبدال، والإدغام، والقلب ونحو ذلك، وكل ما يَتعلَّق في هذه المسائل، ابتداءً من البيت الأول إلى آخر النَّظم مراده بـ (التَّصريف) هذا المعنى. إذاً: هنا النَّظر في التَّغيير؛ لأجل غرضٍ لفظي لا لغرضٍ معنوي، ما تَعَّلق بغرض معنوي وَحُوِّلَت الأبنية حينئذٍ ذاك مرادٌ به التَّصغير والتَّكسير واسم الفاعل إلى آخره، وقلنا جرى تغيير للفظ تبعاً لهذه المعاني، وهنا المراد به التَّغيير اللفظي فحسب، ولذلك عَرَّفه ابن هشام في (التَّوضيح) بِما يجمع النَّوعين: تغييرٌ في بِنْيَة الكلمة لغرضٍ معنوي أو لفظي. لكن مراد النَّاظم ليس هذا .. ليس على جهة العموم، وإنَّما تغيير الكلمة لغرضٍ لفظيٍّ فحسب، وأمَّا التَّغيير المعنوي هذا سبق في التَّثنية والجمع وما أُلْحِق به. فالأول الذي هو المعنوي كتغيير المفرد إلى التَّثنية والجمع، وهذا لا شك أنَّه نوعٌ من الصَّرف، وهذا قد نبَّهنَا عليه فيما سبق: أنَّ التَّثنية .. النَّحوي يبحث عن الحرف الإعرابي الذي يكون آخر الكلمة، وأمَّا كونه تُزَاد عليه ألفٌ ونون، وَتُزَاد ياء ونون، ثُمَّ قد يحصل تغيير لآخر الكلمة: حبلى .. حبليان، تُقْلَب الألف ياءً ونحو ذلك، كُلُّ هذا يَتعلَّق بالتَّصريف.

حينئذٍ نقول: جعل المفرد مُثَنىً، وجعل المفرد جمعاً، هذا من مباحث الصرفيين، وإنَّما ذكره النُّحاة عندهم لبيان الإعراب الذي لا يمكن أن يفهمه الطالب إلا بمعرفة المثنَّى، ما هو المُثَنَّى .. ما هي شروطه؟ النَّحوي لا يبحث في هذا، وإنَّما يبحث فيه تبعاً لا استقلالاً .. ليس هذا فَنُّه، وإنَّما فَنُّه أن يبحث في أحوال الكلمة من حيث الإعراب والبناء، يعني: بماذا يُعْرَب المثنَّى، وبماذا يُعْرَب الجمع فقط، ألفٌ ونون وياءٌ ونون، أمَّا كيفيَّة التَّوصُّل إلى المثنَّى، وكيفية التَّوصُّل إلى الجمع فهذا ليس من مبحث النُّحاة. لذلك قلنا النَّحو: هو عِلمٌ بأصولٍ يُعْرَف بها أحوال أواخر الكلم، فقط من حيث الإعراب والبناء، وما عدا ذلك ليس من مباحث النُّحاة استقلالاً .. أصالةً، وإنَّما على جهة التَّبع. ولذلك في كتب الصَّرفيين يذكرون التَّثنية والجمع ونحو ذلك، جمع التَّكسير، وما قد يعتري جمع المُذكَّر السَّالم، والتَّثنية. إذاً: الأول الذي هو تَّغيير لغرض معنوي، كتغيير المفرد إلى التَّثنية: زيد .. زيدان، زيد .. زيدون، هند .. هندات، تَغيَّر المفرد هنا من واحدٍ إلى مُثَنَّىً: زيد .. زيدان، هند .. هندان، حصل تغيير في البِنْيَّة، كذلك: زيد .. زيدون، وهند وهندات، حصل تغيير في المفرد، نقول: هذا تغيير معنوي، لأنَّه أثَّر في الكلمة، بمعنى: أنَّ مدلول (زيد) ليس هو مدلول (الزَّيدان)، ومدلول (هند) ليس هو مدلول (الهندان)، ومدلول (زيد) ليس هو مدلول (الزَّيْدون)، و (الهند) و (الهندات) كذلك، إذاً: تَغيَّر المعنى. وكذلك تغيير المصدر إلى الفعل والوصف: ضَرْب، نأخذ منه: ضَرَبَ وَيَضْرِبْ وَاضْرِبْ، كذلك الوصف: ضارب ومضروب، حينئذٍ هذه كلها تغييرٌ للمصدر أدَّى إلى تغيير المعنى، الغرض من تحويل المصدر إلى الفعل غرضٌ معنوي، والغرض من تحويل المصدر إلى الوصف .. اسم الفاعل واسم المفعول هذا غرضٌ معنوي، يعني: يَتعلَّق بالمعنى. والثَّاني الذي هو التَّغيير اللفظي كتغيير (قَوَلَ) إلى: قال، و (غَزَوَ) إلى: غزى، (قَوَلَ) هذا مَأخوذٌ من القول، إذاً اجتمع في (قَوَلَ) التَّغييران: التَّغيير المعنوي، والتَّغيير اللفظي. أولاً: كون (قَوَلَ) مأخوذاً من القول، هذا تغيير معنوي، لأنَّ (قَوَلَ) فعلٌ ماضي، غُيِّر وَحُوِّل المصدر إلى: قَوَلَ، حينئذٍ هذا تغييرٌ معنوي، حُوِّل المصدر إلى الفعل الماضي، ثُمَّ (قَوَلَ) وسطه حرف عِلَّة، وتحرَّك وانفتح ما قبله، نُغَيِّره إلى: قَالَ، حصل فيه تغيير، هل هذا التَّغيير من (قَوَلَ) إلى (قال) له معنى؟ ليس له معنى .. مُجَرَّد لفظ لم يُؤَثِّر، وإنَّما عُلِم (قَوَلَ) أنَّه دَالٌّ على حدثٍ وزمنٍ انقضى وانقطع من الصِّيغة نفسها على وزن (فَعَلَ)، ثُمَّ كونه مُعتلَّ العين .. مُعتلَّ اللام، وينقلب ويتحرَّك، كُلُّ هذه هي التي سيبحثها النَّاظم وهي الغرض اللفظي.

حينئذٍ (قَوَلَ) حَرَّكَت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبت ألف، هذا تغيير للبِنيَّة .. للوزن، صار (قَالَ) وكان (قَوَلَ)، كذلك: غَزَوَ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً فقيل (غَزَى)، إذاً: هذا تغيير لبِنْيَّة الكلمة حيث حُوِّلت الألف وهي حرف عِلَّة إلى ألفٍ، هذا غرضٌ لفظيٌّ يَتعلَّق بذات اللفظ ولا يتعلَّق بالمعنى، وهذا الذي يعنيه النَّاظم بهذه الفصول الآتية المتوالية: (الإبْدَالُ) وما بعده. إذاً: (التَّصْرِيْفُ) المراد به هنا: ما يَتعلَّق بتحويل الكلمة إلى أبنيةٍ مُختلفة لضروبٍ أو لغرضٍ لفظي، لا لغرضٍ معنوي. قال النَّاظم: حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصَّرْف بَرِي ... وَما سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِي الصَّرف الذي هو: التَّبديل، إنَّما مَحلُّه هو الأسماء المُتمكِّنَة، والأفعال المُتصرِّفة، إذ الكلمة ثلاثة أقسام: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، والاسم نوعان: مُعرب ومبني .. مُتمكِّن وغير مُتمكِّن. والفعل نوعان: مُتصرِّف بنوعيه: التصرُّف التَّام والتَصَرُّف النَّاقص، وغير مُتصرِّف وهو المُعنْوَن له بـ: الجامد. والحرف: هذا يُقابل الاسم والفعل. يخرج من التَّصْرِيف قسم من قسمي الاسم، وقسمٌ من قسمي الفعل، ثُمَّ القسم الثالث من أقسام الكلمة كذلك يخرج ولا حَظَّ له في التَّصرِيف، فيخرج من قسمي الاسم: المبني، (المبني) لا حظَّ له من الصَّرْف، ويخرج من قسمي الفعل: الجامد: عَسَى وَلَيْسَ وَنِعْمَ وَبِئْسَ وما شاكلها، فهذه الأفعال لا حَظَّ لها في الصَّرْف. إذاً: خرج قسمان، فما سُمِع من تصريف بعض الأسماء المبنية غير المُتمكِّنَة هذا شاذ، ولذلك قلنا: (ذَيَّ) و (تَيَّ) و (اللذَيَّ) و (اللتَيَّ) هذه شَاذَّة لكونها مبْنيَّة، ولأنَّ التَّصغير نوعٌ من الصَّرْف، لأنَّه تحويل كلمة إلى أبْنِيةٍ مُختلفة وهذا منها، هنا الغرض منه معنوي وتبعه غرضٌ لفظي، لأنَّه قد يُقال: بأنَّه أُبْدِلت الواو ياءً، وأدغمت الياء في الياء، هذا لفظي .. يَتعلَّق باللفظ، لكن قد يصاحبه شيءٌ من المعنى، وقد لا يصاحبه شيءٌ من المعنى، فيكون مُجرَّد غرض لفظي. حينئذٍ نقول: خرج نوعان من نوعي الاسم، ونوعي الفعل، وكذلك الحرف، والحرف جامد فلا يقبل التَّصرُّف، لأنَّ التَّصرُّف هو تغيير وتبديل بقلب وحذف إلى آخره وزيادة وإدغام ونقل، وهذا الحرف لجموده لا يقبل، فما أشبه الحرف من الأسماء وهي غير المُتمكِّنَة المبْنيَّة لأنَّها جامدة كالمضمرات وأسماء الإشارة، والموصولات ونحو ذلك، وما أشبه الحرف في الجمود من الأفعال الجامدة قلنا: هذا لا نصيب له من الصَّرف، لأنَّ الصَّرْف فيه تحويل وتغيير وزيادة حرف وحذف حرف، ونقل وقلب وإدغام، هذه كلها لا يقبلها الحرف، وإنَّما يقبلها الاسم المُتمكِّن، والفعل المُتصرِّف. لذلك قال النَّاظم بياناً لِمحلِّ التَّصريف، أين يكون هذا القلب ونحوه؟ (حَرْفٌ وَشِبْهُهُ) (حَرْفٌ) هذا مبتدأ، (وَشِبْهُهُ) الواو حرف عطف، (شِبْهُهُ) معطوف على حرف، (شِبْهُ) مضاف والضمير مبني على الضَّم، (وَشِبْهُهُ) معطوفٌ على (حَرْف)، والمعطوف على المرفوع مرفوع، (وَشِبْهُ) مضاف، والضمير مبني على الضَّمّْ في مَحلِّ جر مضاف إليه.

إذاً (شِبْهُهُ) يعني: شبه الحرف، وما الذي أشبه الحرف؟ الأسماء المبنية والأفعال الجامدة، كَنَّى ابن مالك هنا رحمه الله عن الفعل الجامد والاسم المبني بكونه شبيهاً بالحرف، ووجه الشَّبَه في الجمود وعدم التَّصرُّف، فأراد بقوله: (شِبْهُهُ) يعني ما أشبه الحرف في التَّوغُّل في البناء، وأراد به الأسماء المبنية والأفعال الجامدة، لأنَّها غير قابلة للتَّصرف والتَّبدُّل ونحو ذلك. حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصَّرْف بَرِي .. بريء من الصَّرف .. برءِ من الصرف، البراءة .. براءة الذِّمة التَّخلُّص والبعد عن الشيء، فالحرف وشبه الحرف بريء من الصَّرف، (بَرِي) بدون همز، أصله: بريء (فَعِيل) فخَفَّفه بحذف الهمزة، أي: تباعد وتَخلَّى عنه، البراءة المراد بها: التَّباعد والتَّخلي عن الشيء والخلوص منه. إذاً: الحرف بريءٌ من الصَّرف يعني: بعيدٌ عنه، وَمُتَخَلٍّ عنه، وخالصٌ منه، وكذلك ما كان شبيهاً بالحرف فهو بريءٌ من الصَّرف. قوله: (من الصَّرْف) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (بَرِي)، (بَرِي) (فَعِيل) وهو خبرٌ عن المبتدأ وهو حرفٌ وما عُطِف عليه. وجاز لكون (بَرِي) مِمَّا يُخْبَر به عن الواحد والمُتعدِّد، لأنَّه (فَعِيل): ((وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) [التحريم:4] وهذا مثله: بِرِيءٌ .. فِعِيلٌ، حُذِفت الهمزة تخفيفاً. (وَما سِوَاهُمَا) (وَما) اسم موصول بِمعنى: الذي وهو مبتدأ، (سِوَاهُمَا) (سِوَى) ظرف مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب، (سِوَاهُمَا) يعني: سوى هذين من الأسماء والأفعال (حَرِيٌّ بِتَصْرِيفٍ) (حَرِي) يعني: حقيقٌ وجديرٌ بدخول التَّصريف فيه. وأراد بقوله: (سِوَاهُمَا) سوى هذين اللذين هما الحرف وشبه الحرف، (سِوَاهُمَا) الأفعال المتصرفة والأسماء المُتمكِّنَة، لأنَّه قال: (وَما سِوَاهُمَا) سوى الحرف وشبه الحرف، وهما الأفعال المتصرفة والأسماء المُتمكِّنَة. إذاً بقوله: (حَرْفٌ وَشِبْهُهُ) أخرج الأفعال الجامدة والأسماء غير المُتمكِّنَة المبْنِيَّة، بقوله: (وَما سِوَاهُمَا) أدخل الأفعال المُتصرِّفة والأسماء المُتمكِّنَة، (بِتَصْرِيفٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (حَرِي)، قلنا: (ما) مبتدأ، و (حَرِي) يعني: جدير .. حقيقٌ، هذا خبر (مَا) الذي هو (مَا سِوَاهُمَا). وَما سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِي .. حريٌّ بتصريف. إذاً: أفادنا بهذا البيت: أنَّ مَحلَّ الصَّرف والتَّصريف، المكودي يقول: " تَجَوَّز بالتَّعبير هنا بالتَّصريف عن الصَّرف " وهذا بناءً على التَّفريق بين التَّصريف والصَّرف، ولكن عند المتأخرين كلاهما بمعنى واحد، عند المتقدمين الصَّرف المراد به: الفن، وأمَّا التَّصريف: فهو التَّمارين التي تُلْحَق بالباب مثل: باب الحكاية السَّابق، أو الإخبار بالذي وفروعه، قلنا هناك: هذا الباب للتَّمارين فقط.

عند التصريف .. عندهم باب يُسَمُّونه: التَّصريف نفسه هذا .. يكنون عنه بالتَّصريف .. باب التَّمارين يُكْنَى عنه بالتَّصريف يقال: ائت بـ: قرأ، على وزن (عُصْفُور) مثلاً، لم يُسْمَع وإنَّما من باب تمرين الطَّالب، لأنَّه سيأتيه قلب وحذف وإعلال .. يُطَبِّق القواعد فيه، هذا يسمى: باب التَّمارين يُعَبَّر عنه بـ: التَّصريف، لكن الشائع عند المتأخرين أنَّ كُلاً منهما بمعنىً واحد، وإن كان التَّصريف فيه زيادة معنى لكثرة التَّقلُّبات .. التَّغيُّرات التي تكون في فن الصَّرف قيل: تصريف لأنَّه (تَفْعِيل) زيادة على الصَّرف، زيدت فيه التَّاء، حينئذٍ إذا زيد حرف دَلَّ على المبالغة. إذاً: وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِي .. ودخول التَّصريف الأفعال بطريق الأصالة لكثرة تَغَيُّرِها ولظهور الاشتقاق فيها، يعني قوله: (وَمَا سِوَاهُمَا) دخل فيه الأفعال المُتصرِّفة، والأسماء المُتمكِّنَة، هل هما في باب الصَّرف بِمنْزلة واحدة .. أيهما أولى بفن الصَّرف؟ الأفعال؛ لكثرة اشتقاقاتها وتقلُّباتها وتغيُّراتها هي أولى وأحرى، ودخول الصَّرف فيها بالأصالة بِخلاف الأسماء المُتمكِّنَة، لأنَّ الأسماء المُتمكِّنَة إن أُرِيد بها المشتقات فهي أقل من الجوامد، والذي يدخل الأسماء المُتمكِّنَة من الصَّرف هو ما يَتعلَّق بالمشتقات: اسم الفاعل .. اسم المفعول، والصِّفة المشبَّهة، وما سبق من أبواب، في أوزانها، ومعرفة ما يَتعلًّق بها، هذا الذي يكون في باب الأسماء، وهل كل الأسماء تكون مُشتقَّة؟ الجواب: لا، إذاً ما لم يُشْتَقَّ من الأسماء دخول الصَّرف فيه قليل، قد يوجد مثل: ابن، حُذِف: بَنَوٌ و (يَدٌ) لغير عِلَّة إلى آخره، لكنَّه ليس كالمُشْتَقَّات. الحاصل أنَّ قوله: (وَمَا سِوَاهُمَا) سوَّى بين الأفعال المُتصرِّفة والأسماء المُتمكِّنَة بدخول فنِّ الصَّرف فيهما، والصَّواب أن يُقال: بأنَّ دخول التَّصريف في الأفعال المُتصرِّفة أصالةً، وفي الأسماء تبعاً، ليس استقلالاً، إذ الفعل المُتصرِّف لكثرة ما يعتريه من تَغَيُّرات واشتقاقات هو أولى بهذا الفن بخلاف الاسم المُتمكِّن، ودخول التَّصريف في الأفعال بطريق الأصالة لكثرة تغيُّرها، ولظهور الاشتقاق فيها. قال الشَّارح هنا: " التَّصريف: عبارةٌ عن عِلمٍ يُبْحَثُ فيه عن أحكام بِنْيَة الكلمة العربية، وما لحروفها من أصالةٍ وزيادةٍ وصحةٍ وإعلالٍ وشبه ذلك ". قوله: (أحكام بِنْيَة الكلمة العربية) هذا فيه نظر، لأنَّه يشمل الحرف، ويشمل الاسم المُتمكِّن، وهو يريد أن يُحِد .. أن يبيِّن .. أن يُعرِّف، إذاً لا بُدَّ من إخراجه، ولا يكفي أنَّه سيخرجه بما بعده، ولا يَتعلَّق إلا بالأسماء المُتمكِّنَة والأفعال، فأمَّا الحروف وشبهها فلا تَعَلُّق لعلم التَّصريف بها، إذاً: كيف نُدْخِلُها في الحد؟

عِلْمٌ يُبْحَثُ فيه عن أحكام بِنْيَة الكلمة العربية وما لحروفها من أصالةٍ وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك، هذا عام يشمل الكلمة بأقسامها الثلاثة: الاسم المُتمكِّن، وغير المُتمكِّن، والفعل الجامد وغير الجامد والحرف، حينئذٍ الحد لا بُدَّ أن يكون جامعاً مانعاً، وهنا ليس بمانع لأنَّ الحرف دخل، ولا يكفي قوله: (ولا يَتعلَّق إلا بالأسماء المُتمكِّنَة) لأنَّ هذا خارج عن الحد .. لا بُدَّ من إخراجه. ثُمَّ قال النَّاظم: وَلَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى مَا غُيِّرَا (وَلِيْس) فعل ماضي ناقص يحتاج إلى اسمٍ وخبر لأنَّه من أخوات (كان)، (وَلَيْس أَدْنَى) أقَلَّ .. اسم (لَيْس) (أَدْنَى) مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، لأنَّه من باب (فتى)، (لَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلاَثيٍّ) (مِنْ ثُلاَثيٍّ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَدْنَى) لأنَّه أفعل تفضيل. (يُرَى قَابِلَ تَصْرِيفٍ) (يُرَى) فعل مضارع مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود إلى (أَدْنَى) وليس أدنى يرى، لماذا نقول: يعود إلى (أَدْنَى)؟ لأنَّه خبر (لَيْسَ) جملة، وإذا وقع الخبر في (ليس) و (أصبح) و (كان) و (المبتدأ)، المبتدأ و (نواسخ المبتدأ) إذا وقع الخبر جملةً مباشرة لا بُدَّ من رابطٍ يربط هذه الجملة بالمبتدأ أصالةً، أو باسم (كان) أو (ليس) ونحوها، فإذا قلت: (يُرَى) مُباشرة تقول: نائب الفاعل ضمير مستتر يعود على اسم (لَيْسَ أَدْنَى)، لأنَّ الجملة هنا خبر فلا بُدَّ من عائدٍ، لأنَّ الشأن هنا كالشأن في المبتدأ والخبر. وَمُفْرَداً يَأْتِي وَيَأْتِي جُمْلَهْ ... حَاوِيَةً مَعْنَى الَّذِي سِيقَتْ لَهْ ولا بُد أن تكون حاوية، فإن لم تكن حاوية لم يصح أن تكون خبراً. إذاً: (يُرَى) نقول: هذا فعل مضارع مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل الذي هو المفعول الأول ضمير مستتر يعود إلى (أَدْنَى)، (يُرَى قَابِلَ تَصْرِيفٍ) (قَابِلَ) هذا مفعولٌ ثاني لـ: (يُرَى) وهو مضاف، و (تَصْرِيفٍ) مضاف إليه، (سِوَى مَا غُيِّرَا) (سِوَى) أداة استثناء، (مَا غُيِّرَا) سوى الذي غُيِّر، (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، (غُيِّرَا) فعل ماضي مُغَيَّر الصِّيغَة، غُيِّر مُغَيَّر الصِّيغة .. هو نفس مُغيَّر الصِّيغة، والألف هذه للإطلاق. هذا أيضاً مباشرة إذا وقع بعد (مَا) الموصولة .. قلنا: موصولة (غُيِّرَا) فعل، لا بُدَّ الضمير يعود على (مَا) مباشرة، لماذا؟ لأنَّها جملة الصِّلة فلا بُدَّ لها من ضمير .. لابد لها من رابط، (غُيِّرَا) نائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، وهذا صحيح .. قَلَّ أن تُخطئ .. أحياناً .. قليل، الغالب أنك تسلم، (غُيِّرَا) إذا التبس عليك وعندك (مَا) موصولة حينئذٍ لا بُدَّ من عودة ضمير يعود عليه، وإن احتمل أنَّ (مَا) هنا نكرة موصوفة الأمر كذلك، لأنَّ (غُيِّرَا) هذه جملة صفة .. نعت، ولا بُدَّ في جملة النَّعت من اشتماله على ضمير يعود على الموصوف.

فعلى القولين: أنَّ (مَا) موصولة أو نكرة موصوفة، فجملة (غُيِّرَا) إمَّا صلة الموصول مشتملة على ضمير نائب الفاعل يعود إلى (مَا) وهي موصولة، أو قيل بأنَّ (مَا) نكرة موصوفة، وجملة (غُيِّرَا) من الفعل ونائب الفاعل في محلِّ جر، لأنَّ (سِوَى) مضاف و (مَا) مضاف إليه، سواءٌ كانت موصولة أو كانت موصوفة، إن كانت موصولة فجملة (غُيِّرَا) لا مَحلَّ لها من الإعراب، وإن كانت (مَا) موصوفة فجملة (غُيِّرَا) في محلِّ جر صفة لـ (مَا)، (سِوَى مَا غُيِّرَا) سوى اسمٍ غُيِّر أو فِعْلٍ غُيِّر .. مُغَيَّرٍ، والألف هذه للإطلاق. إذاً قوله: وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ. . . . . . . . . . يعني: أنَّ ما كان على حرفٍ واحد -نفى ما كان أقلَّ من ثلاثةٍ- لا (يُرَى قَابِلَ تَصْرِيفٍ) لا يقبل التصريف، (ما كان أدنى من ثلاثة) يعني: ما كان على حرفٍ واحدٍ أو ما كان على حرفين. وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ. . . . . . . . . . ما كان أدنى نت ثلاثة أحرف ليس بقابل للتصريف، وسبق معنا قاعدة الوضع: أنَّ أصل وضع الاسم والفعل أن يكون على ثلاثة أحرف، وأنَّ أصل وضع الحرف أن يكون على حرفٍ أو حرفين، حينئذٍ ما كان على حرفٍ واحدٍ لا يقبل التَّصريف أبداً، لأنَّه لا يكون إلا حرفاً، وما كان على حرفين لا يقبل التَّصريف أبداً .. لا يدخله التَّصريف، حينئذٍ يَرِد على النَّاظم: يَدٍ وَدَمٌ وَبِعْ وَعِدْ وَقِهْ وَعِهْ، هذه أسماء وأفعال على حرفٍ أو حرفين، و (أَعطِ) على حرفين. قال: (سِوَى مَا غُيِّرَا) لإدخال ما حصل له تغيير من الأسماء فنقص عن الثلاثة، وإدخال من الأفعال ما حصل له تغيير ونقص عن الثلاثة، كأن كان على حرفٍ واحدٍ أو على حرفين، يعني: أنَّ ما كان على حرفٍ واحدٍ أو حرفين فإنَّه لا يقبل التَّصريف البَتَّة، إلا أن يكون ثلاثياً في الأصل وقد غُيِّر بالحذف، فإن ذلك لا يخرجه عن قبول التَّصريف مثل: يَدْ وَدَمْ وَنَحو ذلك، ولذلك قلنا في بعض اللغات (دموان) بردِّ الواو، كذلك: يديان ويدان، (يديان) بردِّ الياء على لغةٍ، وبعدم ردِّه على لغةٍ (يدان)، كذلك: قِهْ، فعل أمر على حرفٍ واحد، و (أعطه) فعل أمر على حرفين، نقول: هذا كله حصل له تغيير، وإلا في الأصل فهو ثلاثي. فإن ذلك لا يُخْرِجه عن قبول التَّصريف، وقد فُهِم من ذلك أمران: الأول: أنَّ الاسم المُتمكِّن والفعل لا ينقصان في أصل الوضع عن ثلاثة أحرف، لأنَّه سبق أنَّ الصَّرف إنَّما يدخل الفعل والاسم، ثُمَّ نفى أن يكون أدنى من ثلاثة يدخله الصَّرف، فهِمنا من هذا: أنَّ أصل وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف، لأنَّه يدخله الصَّرف، وأنَّ أصل وضع الفعل أن يكون على ثلاثة أحرف، لأنَّه يدخله الصَّرف، هذا فُهِم من قوله: وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ. . . . . . . . . . ما كان أدنى .. أقل من ثلاثة أحرف لا يقبل التَّصريف .. لا يُرى قابلاً للتصريف، حينئذٍ فهمنا من هذا: أنَّ أصل وضع الاسم أن يكون على ثلاثة أحرف، لأنَّه قال في السَّابق: وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيْفٍ حَرِي ..

وهو الاسم المُتمكِّن، إذاً أصل وضعه: أن يكون على ثلاثة أحرف، وكذلك الفعل. إذاً: الاسم المُتمكِّن والفعل لا ينقصان في أصل الوضع عن ثلاثة أحرف، لأنَّهما يقبلان التَّصريف، وما يقبل التَّصريف لا يكون في أصل الوضع على حرفٍ واحدٍ ولا على حرفين. والأمر الثاني: أن الاسم والفعل قد ينقصان عن الثلاثة بالحذف، لأنَّه قال: (سِوَى مَا غُيِّرَا) دَلَّ على أنَّ الاسم المتمكن الذي يدخله التَّصريف قد يَتغيَّر بالحذف فينقص عن ثلاثة أحرف، وكذلك الفعل المتصرِّف الذي يدخله التَّصريف، وقد أشار إليه بقوله: وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِي .. أنَّه قد يحصل له بعض التَّغيُّر وهو حَذْفٌ فينقص عن ثلاثة أحرف، هذا فهمناه من قوله: سوى ما اسمٌ مُتَمَكِّن وفعلٌ مُتَصَرِّف غيرا، ولذلك لو جعلنا (مَا) صادقة على النَّوعين يصح أن نقول: (غُيِّرَا) الألف هذه نائب فاعل، إذا جعلنا (مَا) موصولة صادقة على اللفظين ما يدخله التَّصريف، وهو الاسم المُتمكِّن والفعل المتصرِّف حينئذٍ نقول: (غُيِّرَا) الألف هذه نائب فاعل .. ألف الاثنين وهذا لا بأس به. إذاً: الاسم والفعل قد ينقصان عن ثلاثة بالحذف، أمَّا الاسم نحو: يَدٌ، هذه حُذِفت منها اللام، وَسَهْ، حُذِفت منها العين، وَعِدَه، حُذِف منه الفاء، إذاً: قد يحصل بحذف الفاء أو بالعين أو باللام، والفعل كذلك نحو: قُلْ وَبِعْ وَسَلْ، (قُلْ) حُذِف العين، أصله: قُول، حُذِفت العين التقى ساكنان فَحُذِفت الواو، بِعْ .. بيع، حُذِفت الياء، وسل .. واسأل، حُذِفت العين. وقد يبقى الفعل بعد الحذف على حرفٍ واحدٍ نحو: عِ كلامي .. عِهْ، إذا وقفت عليه، (عِ) حرف واحد، أصله من: وعى .. يعي، فاؤه ولامه مُعتلاَّن (وعى) العين عين ليست بِحرفٍ مُعتل، (وعى) الواو وقعت فاءاً، والألف هنا: وعى يعي، الألف هذه منقلبة عن ياء فهي لام الكلمة، حينئذٍ نقول: (يعي) وقعت الواو بين عدوَّتيها (يَوْعِي) فَحُذِفت، صار (يعي)، إذا أردت الأمر منه تسقط حرف المضارعة، ثُمَّ تبينه على حذف آخره، حذفت الياء (يعي) الياء الأولى .. ياء المضارعة، ثُمَّ حذفت اللام .. لام الكلمة فصار: عِهْ، وزنه (عِه) نفسه؛ لأنَّه بحذف الفاء واللام، إذاً: قد يبقى على حرفٍ واحد نحو: عِهْ وَقِهْ. وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى مَا غُيِّرَا حينئذٍ نقول: لا يدخل التَّصريف فيما كان على حرفٍ أو حرفين إذ لا يكون كذلك إلا الحرف وما أشبه الحرف كـ: تاء (قُمْتُ)، وناء (قُمْنَا). قد يقول قائل: ما الجديد في هذا البيت على سابقه؟ نحن قلنا هنا: وَلِيْس أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ يُرَى ... قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى مَا غُيِّرَا (أَدْنَى مِنْ ثُلاَثِيٍّ) وهو الحرف، هو نصَّ في السابق: حَرْفٌ وَشِبْهُهُ من الصَّرْف بَرِي .. الدقيقة 23 %% 1. # ما الجديد في هذا البيت؟ أقل ما يكون عليه الاسم أو الفعل، ثُمَّ قد يشتبه أنَّ الفعل قد يكون على حرفٍ واحد، وقد يكون على حرفين، كذلك الاسم قد يكون على حرفٍ واحد أو على حرفين.

قال الشَّارح هنا: " يعني أنَّه لا يقبل التَّصريف من الأسماء والأفعال ما كان على حرفٍ واحدٍ أو على حرفين، إلا إن كان محذوفاً منه، فأقلُّ ما تُبْنَى عليه الأسماء المُتمكِّنَة والأفعال ثلاثة أحرف، ثُمَّ قد يعرض لبعضها نقصٌ كـ: (يَدٍ) و (قُلْ) و (م الله) و (قِ زَيْدٍ) "؟؟؟ على حرفٍ واحد مختلف فيه، قيل: أنَّه محذوفٌ من؟؟؟. وَمُنْتَهَى اسْمٍ خَمْسٌ انْ تَجَرَّدَا ... وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سَبْعاً عَداَ وَمُنْتَهَى اسْمٍ خَمْسٌ انْ تَجَرَّدَا .. بَيَّن لنا أنَّ الاسم يكون مَحلَّاً للصَّرْف، ثُمَّ الآن شرع في بيان أنَّ الاسم المُتمكِّن الذي يدخله الصَّرْف قسمان: مُجرَّد ومزيد، وأقصى ما يكون عليه الاسم خمسٌ: سَفَرْجَل، في البيت السَّابق بَيَّن أقل ما يكون عليه الاسم ثلاثة أحرف كـ: زَيْد، ومنتهى ما يكون عليه الاسم المُجرَّد خمسٌ، وما بينهما أربع. إذاً: الاسم المُجرَّد قد يكون ثلاثياً، وقد يكون رباعياً، وقد يكون خماسياً، وَكُلٌّ من هذه الأنواع الثلاثة يكون مُجرَّداً عن الزِّيادة يعني: حروفه أصول، فالثُّلاثي يكون حروفه أصول، والرُّباعي يوضع على أربعة أحرف وكلها أصول كـ: دَحْرَج، والخماسي يوضع على خمسة أحرف وكلها أصول كـ: سَفَرْجَل، وهذه ليس فيها حرفٌ زائد، وإن حُذِف في جمع التكسير هناك (سَفَرْجَل) .. حُذِفت اللام: سفارج، حُذِف هناك لأجل إقامة الوزن فحسب يعني: محافظةً على البِنْيَة. (وَمُنْتَهَى اسْمٍ خَمْسٌ) (مُنْتَهَى) يعني: نهاية، (اسْمٍ) أي حروف اسمٍ على حذف مضاف، (مُنْتَهَى) مبتدأ وهو مضاف، و (اسْمٍ) مضافٌ إليه، (خَمْسٌ) هذا خبر، وقوله: (اسْمٍ) مضاف إليه على تقدير محذوف يعني: صفة لموصوفٍ محذوف، (وَمُنْتَهَى) حروف (اسْمٍ) يعني: على حذف مضاف .. ليس منعوتاً، (خَمْسٌ) هذا خبر، وقال أيضاً: وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سَبْعاً عَداَ .. (خَمْسٌ) .. (سَبْعاً) ولم يقل: خمسةٌ .. سبعةً .. ذَكَّر، لأنَّ حروف الهجاء تُذَكَّر وتُؤنَّث، فيجوز فيها الوجهان، يجوز أن يقول: خمسةً .. خَمْسَةٌ .. خمسٌ، يجوز فيه الوجهان، لأنَّ حروف الهجاء تُذَكَّر وَتُؤَنَّث، فباعتبار تذكيرها تثبت الهاء، وباعتبار تأنيثها تُحْذَف الهاء، وهنا ذكَّرها أو أنَّثها؟ أنَّثها لأنَّه حذف الهاء. وَمُنْتَهَى اسْمٍ خَمْسٌ انْ تَجَرَّدَا .. (خَمْسٌ إِنْ) بِحذف الهمزة، (إِنْ تَجَرَّدَا) الألف هذه للإطلاق، (إِنْ) حرف شرط، و (تَجَرَّدَا) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مُنْتَهَى اسْمٍ)، أو على الاسم، (وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ) (وَإِنْ) شرطٌ، (يُزَدْ) فعل الشَّرط، (فِيهِ) في الاسم المُجرَّد جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يُزَدْ)، (فَمَا) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، (مَا) نافية، (عَداَ) يعني: جاوز أو زاد سبعاً، (سَبْعاً) هذا مفعول لـ: (عَداَ). وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا عَداَ سَبْعاً ..

فما جاوز سبعاً، إذاً: منتهى الاسم من حيث التَّجرُّد خمسة أحرف، ومنتهاه من حيث الزيادة سبعة أحرف، فليس عندنا اسم بِالزِّيادة ثَمانية أحرف، عندنا اسمٌ ثلاثي الأصول .. رباعي الأصول .. خماسي الأصول، ليس عندنا: سداسي الأصول، عندنا سداسي بالزِّيادة .. سباعي بالزِّيادة، ليس عندنا ثُماني، إذاً: أقل ما يوضع له الاسم ثلاثة أحرف، وهذا لا يكون إلا مُجرَّداً، وأكثر ما يكون عليه بالزِّيادة سبعة أحرف، لأنَّه ثقيل. إذاً: غاية ما يصل إليه المُجرَّد هو خمسة أحرف نحو: سَفَرْجَل، وغاية ما يصل إليه المزيد فيه بالزِّيادة سبعة أحرف. قال الشَّارح هنا: " الاسم قسمان: مَزيدٌ فيه، وَمُجَرَّدٌ عن الزيادة " وهذا هو الأصل .. المُجرَّد عن الزيادة هو الأصل، وهذا على ثلاثة أنواع. فالمزيد فيه هو: ما بعض حروفه ساقطٌ وضعاً، - سنعرف الحكم بالزِّيادة والأصالة فيما سيأتي في آخر الباب - ما بعض حروفه ساقطٌ وضعاً وأكثر ما يبلغ الاسم بالزِّيادة سبعة أحرف: إاحْرنجام .. اشهيباب، هذا مصدر: (اشْهابَّ). والمُجرَّد عن الزيادة: ما بعض حروفه ليس ساقطاً في أصل الوضع، وهو إمَّا ثلاثي الأصول كـ: فَلْسٍ، أو رباعي كـ: جعفر، وإمَّا خماسي وهو غايته كـ: سفرجل، هذه الثَّلاثة: ثلاثي الأصول .. رباعي الأصول .. خماسي الأصول، هذه كلها للمُجرَّد، وأمَّا المزيد فإمَّا أن يكون سداسياً، وإمَّا أن يكون سباعياً، هذا للرُّباعي والخماسي، وأمَّا الثلاثي فقد يكون رباعياً وهو ثلاثي الأصول مثل: أَكْرَمَ وَفَعَّلَ، هذا ثُلاثِيٌّ مزيدٌ بحرفٍ. إمَّا ثلاثي الأصول هذا في الاسم: فَلْسٍ، أو رباعي أو خماسي كـ: سفرجل، وأمَّ الفعل سيأتي معنا. وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثي افْتَحْ وَضُمّ ... وَاكْسِرْ وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيهِ تَعُمّ وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثِي افْتَحْ وَضُمّ ... وَاكْسِرْ. . . . . . . . . . . . . . . بَيَّن لنا بهذا البيت أوزان الاسم، ما هي أوزانه؟ أوزانه تأتي على اثني عشر وزناً، هذا من حيث القسمة العقلية. (وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثِي افْتَحْ) افْتَحْ غَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثي، (غَيْرَ) مفعولٌ مُقدَّم لقوله: (افْتَحْ)، و (وَغَيْرَ) مضاف، و (آخِرِ) مضاف إليه، و (آخِرِ) مضاف، و (الثُّلاَثِي) مضافٌ إليه، (افْتَحْ) هذا فعل أمر، (ضُمَّ وَاكْسِرْ) ضُمَّ غير آخر الثلاثي، وَاكْسِرْ غير آخر الثلاثي، نُقدِّر لـ: (ضُمَّ وَاكْسِرْ) ونجعل ما قبله .. (غَيْرَ) نجعله مفعولاً لقوله: (افْتَحْ)، إلا إذا جَوَّزنا التَّنازع في مثل هذا التَّركيب، وسبق أنَّه لا. (وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثي) ما هو (غَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثي)؟ عندنا ثلاثة أحرف: فاء الكلمة، وعين الكلمة، ولام الكلمة، (غَيْرَ الآخِر) الذي هو لام الكلمة، ما هو؟ الفاء والعين، قال: (افْتَحْ) افتح الفاء وافتح العين، (وَضُمّ) ضُمَّ الفاء وَضُمَّ العين، (وَاكْسِرْ) اكسر الفاء واكسر العين، إذاً: لكل واحدٍ من الفاء والعين ثلاثة أحوال، ثلاثة في ثلاثة= تسعة، إذاً تسعة أوزان تأخذها من هذا التَّركيب.

(غَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثِي افْتَحْ) ما هو؟ الفاء والعين، إذاً: افتح الفاء وَضُمَّ الفاء، واكسر الفاء، ثُمَّ ارجع: افتح العين، وَضُمَّ العين، واكسر العين، هذه تسعة، لأنَّك تفتح الفاء مع فتح العين وَضَمِّ العين وكسر العين. - افتح الفاء مع فتح العين، وَضَمِّ العين، وكسر العين، هذه ثلاثة. - كذلك ضُمَّ الفاء مع فتح العين، وَضَمِّ العين، وكسر العين، هذه ثلاثة .. ستة. - اكسر الفاء مع كسر العين، وفتح العين، وَضَمِّ العين، هذه تسعة. (وَاكْسِرْ) يعني: في كُلِّ واحدٍ منها فهذه تسعة، (وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيهِ) الأول يمتنع أن يكون ساكناً الفاء، لا يكون إلا مُحَرَّكاً والحركات ثلاثة، لَمَّا كان الأول غير قابل للتَّسكين قال: (وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيهِ) الذي هو العين مع فتح الفاء، وَضَمِّ الفاء، وكسر الفاء، فهذه ثلاثة مع التِّسعة اثنا عشر وزناً، جمعها في بيتٍ واحد لله دَرُّه – رحمه الله -. وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثِي افْتَحْ وَضُمّ ... وَاكْسِرْ وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيهِ. . . (زِدْ) فعل أمر، (تَسْكِينَ) هذا مفعول (زِدْ) .. (ثَانِيهِ)، (تَسْكِينَ) مضاف، و (ثَانِي) مضاف إليه، و (ثَانِي) مضاف، والهاء مضافٌ إليه، (وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيهِ) مع الحركات الثلاث في الأول، فهذه ثلاثة إلى تسعة باثني عشر، إلا أنَّ المستعمل منها عشرٌ، واحدٌ مهمل وواحدٌ قليل، سينص عليه في البيت الآتي. (وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيهِ تَعُمّ) (تَعُمّ) فعل مضارع مجزوم لوقوعه في جواب الطلب .. الأمر وهو (زِدْ)، (تَعُمّ) يعني: تستوفي جميع أوزان الثلاثي: (افْتَحْ غَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثي وَضُم وَاكْسِر) إلى هنا نقص .. بقي، قال: (وَزِدْ تَسْكِينَ ثَانِيهِ تَعُمّ) يعني: تستوفي جميع أوزان الثلاثي، إذاً: هذه اثنا عشر وزناً، (الثُّلاَثِي) تقتضي القسمة العقلية أن تكون أبنيته اثني عشر بناءً، لأنَّ أوَّله يقبل الحركات الثلاث ولا يقبل السكون .. سقط السكون، إذ لا يمكن الابتداء بالسَّاكن، وثانيه يقبل الحركات الثلاث، ويقبل السُّكون أيضاً، وبهذا تقول ثلاثة في أربعة: باثني عشر. يعني: الأول تُحَرِّكه بالثلاث الحركات: فتحة .. ضمَّة .. كسر الفاء، ثُمَّ تضع الحركات على العين، وزد عليه السُّكون صارت أربعة، ثلاثة في أربعة باثني عشر، فهذه جملة أوزان الثلاثي من المُجَرَّد كما أشار إليه النَّاظم بقوله: (تَعُمّ). (وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلاَثِي) وهو أوَّله وثانيه، فالأول قابل للحركات الثلاث، والثاني قابل للحركات والسُّكون، والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة اثنا عشر وزناً. قال الشَّارح: " العبرة في وزن الكلمة بِما عدا الحرف الأخير منها " حركة الحرف أمَّا وزن الكلمة لا، لأنَّ اللام تُقابل باللام، الحرف الأخير إن كان صحيحاً لا بُدَّ أن يُعَبَّر عنه في الوزن باللام، وإن كان زائداً بما زيد، هذا الأصل فيه.

إذاً: العبرة في وزن الكلمة بِما عدا الحرف الأخير - هذا من حيث الحركة - يعني: حركة الحرف الأخير لا عبرة لها في الوزن، وإنَّما العبرة بالفاء والعين، وأمَّا عين الحرف لا بُدَّ .. له عبرة، لأنك مُمكن تحذفه وتقول لا عبرة به، نحذفه ولا نأتي به في الوزن، خرج تقول: فعَـ .. لا عبرة بالحرف الأخير، لا، وإنَّما لا عبرة به في الحركة: خَرَجْتُ (فَعَلْتُ) .. لا إشكال فيه. وحينئذ فالاسم الثلاثي إمَّا أن يكون مضموم الأول أو مكسوره أو مفتوحه، وعلى كُلٍّ من هذه التَّقادير إمَّا أن يكون مضموم الثاني أو مكسوره أو مفتوحه أو ساكنه، فَتخرج من هذا اثنا عشر بناءً حاصلةً من ضرب ثلاثة في أربعة وذلك نحو: قُفْلٍ، على وزن (فُعْل) بضَمِّ الأول وإسكان العين، (عُنُق) على وزن (فُعُلْ) بَضَمِّ الأول والثاني، (دُئِلْ) على وزن (فُعِلْ) بِضَمِّ الأول وكسر الثاني، هذا قليل، هو الذي عناه (يَقِلّ) (فُعِل) لأنَّه جاء: ضُرِبَ، وبعضهم أنكره، لكن الصَّواب أنَّه مسموع، وإن كان في ألفاظ قليلة، يعني: بعضهم رأى أنَّه مهمل يعني: لم يأتِ منه حرفٌ واحد .. مثال واحد لم يأت، والصَّواب أنَّه جاء منه: دُئِلْ، و (صُرَدْ) على وزن (فُعَلْ) بِضَمَّ الأول وفتح الثاني، (عِلْم) .. (فِعْل) بكسر الأول وتسكين الثاني، (حِبُكْ) .. (فِعُلْ) هذا مهمل، ابن عقيل لو أسقط هذا أجود، لأنَّ المستعمل منها عشرة، هي اثنا عشر في القسمة العقلية، القسمة العقلية تقتضي أنَّها اثنا عشر وزناً، لكن المستعمل منها عشرة. واحدٌ مهمل وهو (فِعُلْ) الذي مثَّل له بـ: حِبُكْ، حتى (حِبُكْ) هذا لم يثبت: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحِبُكِ) فإنَّها لم تثبت وسيأتي لها توجيه، ولذلك قال النَّاظم في البيت الذي يليه: (وَفِعُلٌ أُهْمِلَ) يعني: لم يأت له مثال، مع كون العقل يقتضي وجود (فِعُلْ)، لكن أُهْمِل لأنَّه مُسْتَثْقَل، خروج من كسرة إلى ضَمَّة، أو من ضمَّة إلى كسرة هذا ثقيل على اللسان، وَكُلُّ ما كان ثقيلاً فالعرب من قاعدتهم: ألا يكون عليه الكلام، الاختصار يعني: التَّسهيل فيما إذا كان ثقيلاً بحذفٍ وترقيق ونحو ذلك. إذاً: حِبُكْ، هذا يُسْقَط من المثال، و (إِبِلْ) على وزن (فِعِلْ) بكسر الفاء والعين، (عِنَب) على وزن (فِعَلْ)، (عِنَب) بكسر العين وفتح النون، (فَلْس) على وزن (فَعْل) بفتح الفاء وتسكين العين، (فَرَسْ) .. (فَعَلْ) بفتح الفاء والعين، (عَضُدْ) .. (فَعُلْ)، (كَبِد) .. (فَعِلْ).

إذاً: حِبُك، هذا يُسْقَط من العَدّ .. لا يُمَثَّل له، لأنَّ (حِبُك) لم يثبت، وأمَّا (دُئِل) فهو ثابت لَكنَّه قليل، ولذلك قال النَّاظم: (وَفِعُلٌ أُهْمِلَ) (فِعُل) بكسر الفاء وَضَمِّ العين هذا مهمل، الإهمال في لسان العرب: التَّرك، ولذلك سبق في أول الكتاب أنَّ اللفظ قسمان: مهمل، ومستعمل، قلنا المهل: اسم مفعول من أُهْمِلَ يُهْمَل فهو مُهْمَل، والإهمال هو التَّرك يعني: متروك مثل: (دَيْز) مقلوب: زَيْد، و (رفعج) مقلوب: جعفر، ما وضعته العرب، إذاً: أُهْمِل .. ما وضعت له هذا التَّركيب، مثله (فِعُلْ) بكسرٍ ثُمَّ ضَمَّة، يعني: الانتقال من كسرٍ إلى ضَمّْ، العرب لم تضع في الأسماء على هذا الوزن .. بكسر الفاء وَضَمِّ العين. (وَفِعُلٌ) هذا مبتدأ، (أُهْمِلَ) هو (فِعُلْ) الجملة خبر عن المبتدأ، (أُهْمِلَ) من هذه الأوزان لاستثقالهم الانتقال من كسرٍ إلى ضَمّْ لأنَّه ثقيل على اللسان، (وَالْعَكْسُ يَقِلّ) ما هو العكس؟ (فُعِلْ) .. (دُئِل) (يَقِلّ) قليل، أفهم النَّاظم بقوله (يَقِلّ): أنَّه مسموع بخلاف (فِعُلْ) أنَّه غير مسموع، وتفهم أنَّ النَّاظم يُرَجِّح أنَّ (حِبُكْ) هذا من تداخل اللغتين، ليس بلغةٍ مُستقلَّة .. ليس بمحفوظ. (وَالْعَكْسُ) يعني: خلاف ما سبق، (الْعَكْس) المراد به: العكس اللغوي لا العكس الاصطلاحي المنطقي، وهو (فُعِل) بِضَمِّ الفاء وكسر العين، (يَقِلّْ) يَقْلُّ في لسان العرب، الجملة خبر (العَكْس)، لماذا يَقِلُّ في الأسماء مع كونه كثير في الأفعال؟ قال: لِقَصْدِهِم تَخْصِيصَ فِعْلٍ بِفُعِلْ .. يعني: جعلوا هذا الوزن خاصَّاً لِمَا لم يُسَمَّ فاعله: ضُرِب، على وزن (فُعِل) حينئذٍ (فُعِل) في الأسماء قليل جداً، بل بعضهم ادَّعى: أنَّه مهمل لم يوضع له حرفٌ واحد، نقول: لكون العرب خَصَّصَت هذا الوزن وهو الانتقال من ضَمٍّ إلى كسر (فُعِلْ) خَصَّصَته بِفِعْلٍ لم يسمَّ فاعله، (لِقَصْدِهِم) العرب. (لِقَصْدِهِم) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَقِلّ)، تعليل .. لماذا قَلَّ؟ (لِقَصْدِهِم) فاللام هنا للتَّعليل، و (قَصْدِهِم) (قَصْد) هذا مصدر .. من إضافة المصدر إلى الفاعل، (قَصْدِهِم) العرب، (تَخْصِيصَ) هذا مفعول به للمصدر، وهو مضاف، (تَخْصِيصَ فِعْلٍ) من إضافة المصدر إلى المفعول، لأنَّ (فِعْلٍ) هو المفعول. (تَخْصِيصَ فِعْلٍ بِفُعِلْ) فيما لم يسمَّ فاعله نحو: ضُرِب وَقُتِل، قوله: (بِفُعِلْ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (تَخْصِيصَ)، والذي جاء منه في لسان العرب على وزن (فُعِلْ) وهو من الأسماء (دُئِلْ) الذي مَثَّل به ابن عقيل اسم (دُوَيْبَة) سُمِّيَت بها قبيلة من كنانة وهي التي ينتسب إليها أبو الأسود الدُّؤلي، (دُئِلْ) اسم قبيلة، و (الرُّئم) اسمٌ للاسم، و (الوُعِلْ) لغةٌ في (الوَعِلْ). إذاً ثبت أنَّ هذا الوزن ليس بمهمل وأنَّه قليل، (مهمل) يعني: لم يُسْمَع منه حرفٌ واحد، وإذا قيل: قليل، معناه أنَّه سُمِع حرفٌ صحيح، وأمَّا: (الحِبُكْ) في قراءة من قرأ: ((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحِبُك)) [الذاريات:7]. أولاً: قيل هذه لم تَثبت.

ثانياً: أُجِيب أنَّه من تداخل اللغتين، وتداخل اللغتين هذه فكرة صرفية، من تداخل اللغتين في جزئي الكلمة فيما إذا كان له عدَّة أوزان مثل باب: فَضِلَ .. يَفْضُل هناك، لأنَّه يُقال: (حُبُكْ) و (حِبِكْ) لغتان مسموعتان، (حُبُكْ) .. (فُعْل) مسموع أو لا؟ مسموع والوزن مقبول، و (حِبِك) مسموع والوزن مقبول، لكن (حِبُك) انتقالٌ من كسرٍ إلى ضَمّْ، قيل: تداخلت اللغتان على القارئ، يعني: أخطأ .. أراد أن يقول: (حِبِك) فقال: (حِ) ثُمَّ انتقل إلى اللغة الأخرى وقال: (حِبُـ) هذا يُسمَّى تداخل اللغتين، وهي أشبه ما تكون بخرافة صرفية. إذاً: (حِبُك) إن صحَّ فهو من تداخل اللغتين، لأنَّه سُمِع (حِبِك) و (حُبُك) هو جمع بين اللغتين، هذه هجين .. ليست بلغة حُرَّة. وقيل: أن يكون بكسر الحاء إتباعاً لكسرة تاء (ذَاتِ)، ((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ)) [الذاريات:7] قال: (الْحِبُكْ) أصلها: (الْحُبُكِ) ولكنَّه أتبع الحاء لكسرة التاء، وهذا ابن مالك يقول: أجود، هو أحسن يعني، العقل يقبل .. ليس مثل ذاك، إتباعاً لكسرة تاء (ذات)، ولم يَعْتَدَّ باللام السَّاكنة لأن السَّاكن حاجز غير؟؟؟، فإذا قيل بأنَّه لم يسمع (حِبُكْ) هذه قراءة لم تثبت، انتهينا منها. إذاً: وَفِعُلٌ أُهْمِلَ وَالْعَكْسُ يَقِلّ ... لِقَصْدِهِم تَخْصِيصَ فِعْلٍ بِفُعِلْ قال الشَّارح: " يعني أن من الأبنية الاثني عشر بناءين أحدهما مهمل والآخر قليل " إذاً: المستعمل بكثرة عشرة، وواحدٌ مهمل (فِعُلْ)، والآخر قليل وهو (فُعِل)، والثاني قليل لأنَّه سُحِب من وزن الأسماء فصار إلى وزن الأفعال، لأنَّه قال: (لِقَصْدِهِم) يعني: العرب (تَخْصِيصَ فِعْلٍ) (فِعْل) إذاً ليس من الأسماء .. خرج من الأسماء إلى الأفعال، (بِفُعِلْ) فيما لم يُسَمَّى فاعله. فالأول وهو المهمل ما كان على وزن (فِعُل) بكسر الأول وَضَمِّ الثاني وهذا بناءً من المصنِّف على عدم إثبات: حِبُكْ، وهو الصحيح. والثاني ما كان على وزن (فُعِل) بِضَمِّ الأول وكسر الثاني كـ: دُئِلْ، وإنَّما قَلَّ ذلك في الأسماء لأنهم قصدوا تخصيص هذا الوزن بفعل ما لم يُسَمَّ فاعله كـ: ضُرِب وَقُتِل. وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ ... فِعْلٍ ثُلاَثِيٍّ وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعٌ إِنْ جُرِّدَا ... وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سِتَّاً عَدَا (وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ) هذا انتقال من النَّاظم إلى بيان أوزان الفعل، والفعل كالاسم مُجَرَّد ومزيد، (مُجَرَّد) يعني: ما كانت حروفه كلها أصول، وهذا نوعان: ثلاثي ورباعي، ولا يوجد في الأفعال خُمَاسِيٌّ مُجرَّد. (وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِي) (الثَّانِي) هذا تنازعت فيه الأفعال الثلاثة: افْتَحْ الثَّانِي .. ضُمَّ الثَّانِي .. اكْسِر الثَّانِي، و (الثَّانِي) مفعولٌ لقوله: (اكْسِر)، ونُقدِّر لقوله: (افْتَحْ وَضُمّ) كُلٌّ منهما له مفعولٌ مُقدَّر، (وَاكْسِرِ الثَّانِي) بدأ بالثاني، لم يتعرض لبيان حركة فاء الفعل، فَفُهِم أنَّها غير مختلفة، لأنَّ مراده بقوله: (وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ) هذا تغيير اختلاف، محله ثاني الفعل.

إذاً: أول الفعل لا تضم ولا تكسر، بل الزمه فتحاً فلا يَتغيَّر، فلمَّا كان الأول غير قابل للتَّغيُّر سكت عنه، وسكوته لا يُفْهَم منه أنَّه مفتوح، لكن نقول: ما دام أنَّه فعل فأنسب الحركات التي يُمكن أن يُلْزَم الفعل ابتداءً في افتتاح الفعل هو الفتح، العقل دَلَّ على أنَّ الفتح هو أنسب ما يكون أولاً، وإلا النَّاظم سكت عن ذلك. إذاً: لم يَتَعرَّض لبيان حركة فاء الفعل فَفُهِم أنَّها غير مختلف وأنَّها فتحة، لأنَّ الفتحة أخفُّ من الضَّم والكسر باعتباره أقرب. (وَاكْسِرِ الثَّانِي) قلنا: (الثَّانِي) مفعولٌ لقوله: (اكْسِرِ)، (مِنْ فِعْلٍ ثُلاَثِي)، (مِنْ فِعْلٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف حال من (الثَّانِي)، لأنَّ (الثَّانِي) هذا معرفة، وإذا جاء بعده جار ومجرور حينئذٍ نُعلِّقه بمحذوف، فيكون حالاً من ذلك المعرفة. إذاً: (مِنْ فِعْلٍ) هذا حال، (ثُلاَثِيٍّ) هذا نعت .. صفة لـ: (فِعْلٍ)، أي: للفعل الثلاثي المُجرَّد ثلاثة أبْنِيَة، لأنَّه قال: (وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِي) مع فتح الأول، حينئذٍ حصل لنا ثلاثة أبْنِيَةٍ للفعل الثلاثي المُجرَّد (فَعَلَ) و (فَعِلَ) و (فَعُلَ)، وقدَّم النَّاظم هنا: (ضُمَّ) على (اكْسِر) مع كون (اكْسِر) مُقدَّم على (فَعُلَ) للنَّظم فحسب، يعني: ليس له مَزيَّة. أي: للفعل الثلاثي المُجرَّد ثلاثة أبْنِيَة، لأنَّه لا يكون إلا مفتوح الأول، وثانيه حينئذٍ يقبل الثلاث الحركات، يكون مفتوحاً في (فَعَلَ)، ويكون مكسوراً نحو (فَعِلَ)، ويكون مضموماً نحو (فَعُلَ)، ولا يكون ساكن العين البَتَّة، ليس كالاسم، الاسم يقبل تسكين العين، والفعل لا يقبل لئلا يلزم التقاء الساكنين عند اتصال الضمير المرفوع، إذا اتَّصل به الضمير المرفوع سُكِّن آخره .. اللام، فلو كانت العين ساكنة لالتقى ساكنان، لو قيل: خَرَجَ، إذا أسندته إلى تاء المُتكلِّم تقول: خَرَجْ، سَكَّنْتَ الجيم، هذا السُّكون لازم في هذا المحل مع الاتصال، هو عارض لعروض تاء المُتكلِّم، لكن إذا اتَّصل فيه صار لازماً، إذاً لا يمكن تغيير السكون. لو كانت الراء ساكنة إمَّا أن يُحَرَّك الراء بحركة، فإذا حُرِّك إمَّا إلى كسرٍ أو ضَمٍّ أو فتحٍ خرج عن وزنه، لأنَّ وزنه (فَعْلَ) فإذا حَرَّكت العين ذهب الوزن، لأنَّه لا يَدُلُّ عليه شيءٌ بعد تحريكه، إن حذفته أسقطت حرفاً، فلو حُرِّك مع وجود التَّحريك ما عُرِف بابه من أي باب، ولو أسقطت الحرف كذلك ما عُرِف فامتنع أن يُسَكَّن ثانيه. حينئذٍ لا بُدَّ أن يكون العين مُحَرَّك إمَّا بفتحٍ أو ضَمٍّ أو كسرٍ، ولا يكون سكوناً، لأنَّه لو اتَّصل بضمير الرفع المتحرِّك: قُمْتُ أَوْ خَرَجْتُ، سُكِّنَت الجيم وهي لام الكلمة، فلو كانت العين ساكنة حينئذٍ التقى ساكنان ماذا نصنع؟ نُحَرِّك الأول، نُحَرِّكه بماذا كسرة .. فتحة .. ضَمَّة؟ مُمتنع.

لو حَرَّكته بأيِّ واحدٍ من هذه، حينئذٍ إذا حرَّكته بالفتح دخل في باب (فَعَلَ) .. بالكسر دخل في باب (فَعَِل) .. بالضَمِّ دخل في باب (فَعُلَ)، ما الذي يدل على أنَّه من باب (فَعْلَ) بإسكان العين؟ لا يدل، لو حذفته .. نفس الحكم، فقالوا: إذاً لا نُسَكِّن العين البَتَّة لئلا يلتقي ساكنان فَنُحَرِّكه فيخرج عن بابه أو نحذفه كذلك من بابٍ أولى. وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ ... فِعْلٍ ثُلاَثِيٍّ وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ (زِدْ) على هذه الأوزان الثلاثة تقول: (فَعَلَ) كـ: خرج، و (فَعِلَ) كـ: فَرِح، و (فَعُلَ) كـ: كَرُم، وَكُلٌّ منها: الأول والثاني يكون مُتعدِّياً ولازماً، إلا أنَّ باب (فَعَلَ) التَّعدي فيه أكثر من اللزوم، التَّعدي كـ: ضَرَبَ، واللزوم كـ: قَعَدَ وَجَلَسَ. وكذلك (فَعِلَ) يكون مُتَعَدِّيَاً ولازماً إلا أنَّ اللزوم فيه أكثر من التَّعدِّي، مُتَعَدِّي نحو: شَرِب، واللازم نحو: فَرِحَ زَيْدٌ، اللازم فيه أكثر، أمَّا (فَعُل) فهذا لا يكون إلا لازماً نحو: كَرُمَ وَشَرُف، وأمَّا: رَحُبَتْكَ الدَّار ونحو ذلك فهذا كُلُه مُؤَوَّل. (وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ) زد على هذه الأوزان الثلاثة، هو أراد أن يُبَيِّن قال: (مِنْ فِعْلٍ ثُلاَثِيٍّ) أراد أن يُبَيِّن الأوزان التي للفعل الماضي المُجرَّد، قال: (زِدْ) يعني: زد هذا البناء الذي على وزن (ضُمِنْ) وهو (فُعِل) كأنَّه قال: لك الثلاثة الأُوَل (افْتَحْ وَضُم وَاكْسِر) إذا أردت بنائها للفاعل، وزد عليها ما كان (نَحْوَ ضُمِنْ) إذا أردت بنائها للمفعول فتقول: (ضُمِنْ) فجعله رابعاً. حينئذٍ الأوزان أربعة، ولذلك قال ابن عقيل: " وللثلاثي المُجرَّد أربعة أوزان " (فَعَلَ) و (فَعِلَ) و (فَعُلَ) و (فُعِلَ) فَعَدَّه وزناً رابعاً. أشار بقوله (زِدْ نَحْوَ ضُمِنْ): إلى أنَّ من أبْنِيَة الثلاثي المُجرَّد الأصلية فعلُ ما لم يسمَّ فاعله (نَحْو ضُمِنْ)، فعلى هذا تكون أبنية الثلاثيِّ المُجرَّد أربعة، وإلى كون صيغة ما لم يسمَّ فاعله أصلاً - يعني: أصل لا فرع -، اختلف النُّحاة هل (فُعِلَ) ضُرِبَ وَقُتِلَ، هل هو أصلٌ برأسه أم أنَّه فرعٌ؟ على كلام النَّاظم: أصل وليس بفرع، وهذا مذهب الكوفيين أنَّه أصلٌ برأسه وليس فرعاً، وذهب البصريون إلى أنَّه فرعٌ عن صيغة الفاعل وهذا هو الرَّاجح: أنَّه فرعٌ ليس بأصلٍ، ومذهب البصريين أنَّ فعل الأمر أصلٌ برأسه، وأنَّ القسمة ثلاثية، وذهب الكوفيون إلى أنَّ الأمر مقتطعٌ من المضارع فالقسمة ثُنائية، وعلى الأول بكون الأمر .. صيغة الأمر قسم برأسه حينئذٍ كان لزاماً على النَّاظم أن يذكره إذا ذكر ما لم يسمَّ فاعله، إمَّا أن يذكره مَعْه، وإمَّا أن يسقط الاثنين. على مذهب البصريين فيما سبق، قلنا: اخْتُلِف في فعل الأمر هل هو قسمٌ برأسه كما هو مذهب البصريين، أم أنَّه فرعٌ عن الفعل المضارع، وينبني عليه أنَّه معرب عند الكوفيين، وأنَّه مبني عند البصريين؟ قلنا الصواب: أنَّه قسمٌ برأسه وأنَّه مبني على الأصل.

لَمَّا عَدَّ النَّاظم: (وزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ) جعله أصلاً، وسبق أنَّ فعل الأمر أصلٌ برأسه وحينئذٍ لزم أن يقول: القسمة والأبنية خمسة لا أربعة، يرد عليه اعتراض إمَّا أن تقول: (افْتَحْ وَضُمْ وَاكْسِر) من فعلٍ ثلاثي الثاني، هذه ثلاثة. (وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ) هذا مُغيَّر الصيغة، وزد نحو (افْعَل) إذا أردت الأمر، فإمَّا أن يذكره، وإمَّا أن يسقط الثاني، لأنَّ العادة جرت عند الصرفيين والنُّحاة أنَّهم إذا ذكروا أبنية الفعل المُجرَّد أن يقولوا: ثلاثة، ولا يتعرضوا لذكر (فُعِل) ضُرِبَ هل هو أصلٌ برأسه أم لا في مثل هذا المحل؟ ولكن لَمَّا زاده النَّاظم فتح على نفسه باب الاعتراض: وهو أنَّه إمَّا أن يسقط هذه الزِّيادة، وإمَّا أن يزيد معه فعل الأمر. ولذلك قال الأشْمُونِي: " وعلى الأول الصحيح أنَّ فعل الأمر أصلٌ برأسه كان من حقِّ المصنف إذ ذكر فعل ما لم يسمَّ فاعله أن يذكر فعل الأمر أو يتركهما معاً " وهذا صحيح. وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ ... فِعْلٍ ثُلاَثِيٍّ وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ (نَحْوَ ضُمِنْ) يعني: مثله، لأنَّه لا يَتعيَّن بنفسه وإنَّما هو مثيلٌ له. وَفُهِم من قوله: (زِدْ) أنَّ بِنْيَة المفعول ليست كبِنْيَة الفاعل وهذا صحيح. فهم من قوله: (زِدْ) على ما سبق أنَّ ثمَّ فرقاً بين بنية المفعول وبنية الفاعل؛ لكونه جعل ذلك زائداً على بناء الفاعل، وفيه تنبيهٌ على الخلاف في (فُعِل) هل هو أصلٌ بنفسه أو فرعٌ عن فعل الفاعل. وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعٌ إِنْ جُرِّدَا .. (وَمُنْتَهَاهُ) منتهى الفعل (أَرْبَعٌ) ولم يقل: أربعةٌ، بناءً على أنَّ حروف الهجاء يجوز فيها التَّذكير والتَّأنيث وهنا قد أنَّث، ومنتهى الفعل أربعٌ يعني: أقصى ما يصل إليه الفعل من الحروف الأصول أربعة .. رباعي، فليس عندنا فعلٌ مُجرَّد إلا ثلاثي ورباعي، أسقط الخماسي فليس عندنا خماسي في الأفعال بأنَّه مُجرَّد بخلاف الأسماء، وإنَّما لم يتجاوزها الفعل إلى الخمس لئلا يساوي الاسمَ وهو نازلٌ عنه بدليل الاحتياج إليه والانشقاق منه، لأنَّه لم يسمع هذه العِلَّة .. ما وضعته العرب، والنُّحاة يقولون: لئلا يساوي الفعل الاسم، الاسم أعلى درجة. فلو وُضِع له خمسة أصول صار مثله وهذا إجحافٌ، لأنَّ الاسم عالٍ، الاسمُ الفعل مُشتقٌّ منه فهو أصلٌ له، كذلك الفعل يفتقر إليه من حيث المعنى .. يكون فاعلاً، إذاً: لا بُدَّ أن يكون الاسم له خصوصية، فجعلوا له ثلاثة أوزان: مُجرَّد ثلاثي .. مُجرَّد رباعي .. مُجرَّد خماسي، إذاً دلَّ على أنَّه أكثر، وكذلك الفعل جُعِل له وزنان وهو الثلاثي المُجرَّد والرُّباعي المجرَّد، وأنقصوه خماسياً مُجرَّد بألا يساوي أصله، لذلك قال: وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعٌ إِنْ جُرِّدَا ..

أي: الفعل (جُرِّدَا) الألف هذه للإطلاق، و (إِنْ) حرف شرط، و (جُرِّدَ) فعل الشَّرط، (وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ) يعني: على الأربع (فَمَا سِتَّاً عَدَا)، يعني: فما جاوز ستَّاً، (مَا) نافية، وقوله: (فِيهِ) الضمير يعود على (يُزَدْ)، (فِيهِ) مُتعلِّق بـ: (يُزَدْ) نائب فاعل، (فَمَا) الفاء واقعة في جواب الشَّرط (إِنْ)، (سِتَّاً عَدَا) (سِتَّاً) هذا مفعولٌ مُقدَّم، وأسقط التَّاء لِمَا ذكرنا، (عَدَا) أي: جاوز يعني لا يجاوز السِّتة أحرف، إذاً: أنقصوه أيضاً حتى في الزِّيادة عن الاسم، هناك: (فَمَا سَبْعاً عَداَ) .. هنا: (فَمَا سِتَّاً عَدَا). إذاً: المُجرَّد .. الفعل قد يكون ثلاثياً وقد يكون رباعياً، والمزيد لا يكون ثلاثياً، لأنَّ أقل وضع الفعل على ثلاثة أحرف، حينئذٍ لا بُدَّ أن يُزَاد عليه حرف قالوا: وثلاثي مزيد بحرف، وثلاثي مزيد بحرفين، وثلاثي مزيد بثلاثة أحرف: أَخْرَجَ .. أَكْرَمَ، مزيدٌ بحرف، (انطلق) مزيدٌ بحرفين، (استخرج) مزيدٌ بثلاثة أحرف، وهذه سبق التَّنبيه عليها في باب أبْنِيَة المصادر هناك قلنا: حواها متن البناء، ولامية الأفعال لابن مالك رحمه الله تعالى. وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سِتَّاً عَدَا .. لأنَّ التَّصرُّف فيه أكثر من الاسم، فلم يحتمل من عدَّة الحروف ما احتمله الاسم، لأنَّ الفعل يدخله التَّصريف أكثر من الاسم، حينئذٍ إذا كان سبعة أحرف أو أكثر هذا فيه ثِقَلٌ عليه، فلم يَحتمل من عِدَّة الحروف ما احتمله الاسم، فالثلاثي يبلغ بالزِّيادة أربعة نحو: أَكْرَم، وخمسة نحو: اقتدر وانطلق، وستَّة نحو: استخرج. والرباعي يبلغ بالزِّيادة خمسة أحرف: تدحرج، وستَّة نحو: احرنجم، وليس مراد النَّاظم هنا الدُّخول في هذه الأنواع كلها. وَإِنْ يُزَدْ فِيهِ فَمَا سِتَّاً عَدَا .. قوله: (وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعٌ) هنا لم يُبَيِّن الوزن، حينئذٍ إذا كان منتهاه أربع فليس له إلا وزنٌ واحد وهو (فَعْلَلَ) .. دحرج، وله حينئذٍ بناءٌ واحد وهو (فَعْلَلَ) ويكون مُتَعَدِّياً نحو: دحرج، ولازماً نحو: عَرْبَد. وَفُهِم من البيت السابق بقوله: (وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ) أنَّ للرباعي بِنْيةٌ أخرى مبنيٌّ للمفعول، لأنَّه قال: (وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ) أشار بهذه الزِّيادة قوله: (زِدْ) على ما سبق أنَّ ثَمَّ فرقاً في الأبنية لِمَا بُنِي للفاعل ولِمَا بُنِي للمفعول. إذاً قوله: وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعٌ إِنْ جُرِّدَا .. إذاً له بناء واحد .. مبني للفاعل، وزد نحو (فُعْلِلَ) فتركه النَّاظم، وكان الأولى أنْ ينبه عليه. فُهِم من البيت السابق: أنَّ للرباعي بنيةً أخرى مبنيةً للمفعول نحو: دُحْرِجَ، لذكرها في الثلاثي إذ لا فرق بين الثلاثي والرباعي من حيث كون كُلِّ واحدٍ منهما مبنيٌّ للفاعل أو مبنيٌّ للمفعول. وأمَّا الأسماء فقد بلغت بالزِّيادة في قول سيبويه: ثلاثمائة بناءٍ وثمانية أبنية، لكن ثَمَّ مشهور وما عداه يُحْكَم عليه بأنَّه قليل، وأمَّا الأفعال فللمزيد فيه من ثلاثيها خمسةٌ وعشرون بناءً مشهوراً، وهذه موجودة هناك في (الشافية) والنَّيْسَاري نظمها النَّاظم جيد، وفي بعضها خلاف، والمزيد من رباعيها ثلاثة أبنية.

قال الشَّارح: " الفعل ينقسم إلى: مُجَرَّد وإلى مزيد فيه، كما انقسم الاسم إلى ذلك، وأكثر ما يكون عليه المُجرَّد أربعة أحرف، وأكثر ما ينتهي في الزِّيادة إلى ستة، وللثلاثي المُجرَّد أربعة أوزان " ابن عقيل جرى على ما نَصَّ عليه ابن مالك رحمه الله. ثلاثةٌ لفعل الفاعل، وواحدٌ لفعل المفعول، فالتي لفعل الفاعل (فَعَلَ) بفتح العين كـ: ضَرَبَ وذهب، (وَفَعِلَ) بكسر العين كـ: شَرِب وَفَرِحَ، كان الأولى يُمَثِّل للمُتعدِّي واللازم يقول كـ: ضَرَبَ وَذَهَبَ، تفهم منه أنَّ (ضَرَبَ) للمتعدي، و (ذَهَب) للازم. (وَفَعِلَ) كـ: شَرِبَ وَفَرِحَ، (وَفَعُلَ) بضمها كـ: شَرُف، والذي لفعل المفعول (فُعِلَ) بَضَمِّ الفاء وكسر العين كـ: ضُمِنَ، ولا تكون الفاء في المبنيِّ للفاعل إلا مفتوحة، ولهذا قال المصنف: وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ .. فجعل الثاني مُثلَّثاً وسكت عن الأول، فَعُلِم أنه يكون على حالةٍ واحدة، وتلك الحالة هي الفتح، عُلِمَ أنَّها تكون على حالة واحدة، هذا في كلام النَّاظم، لكن كونها الفتحة هذا علمناها من خارج. وللرباعي المُجرَّد ثلاثة أوزان: واحدٌ لفعل الفاعل كـ: دَحْرَجَ، وواحدٌ لفعل المفعول كـ: دُحْرِجَ، وواحدٌ لفعل الأمر كـ: دَحْرِجْ، هذا غريب! ابن عقيل استدرك عليه في الثاني ولم يستدرك عليه في قوله: (وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ) كان الأولى أن يقول: وللثلاثي المُجرَّد خمسة أوزان، ما دام أنَّه ذكر ذلك في الرباعي مع كون النَّاظم ما نَصَّ عليه، وإنَّما نَصَّ في الأول فقال: أربعة أوزان، فلمَّا ذكر (فُعِل) في الثلاثي لزمه أن يقول: (افْعَلْ) إذاً: كان ابن عقيل يلزمه أن يقول: وللثلاثي المُجرَّد خمسة أوزان، ثلاثة لفعل الفاعل، وواحد لفعل المفعول، وواحدٌ لفعل الأمر وهو (افْعَلْ). لَكنَّه قال هنا: " وللرباعي المُجرَّد ثلاثة أوزان: واحدٌ لفعل الفاعل كـ: دَحْرَجَ وَعَرْبَد " (دَحْرَجَ) هذا للمتعدِّي، و (عَرْبَدَ) للازم، وواحدٌ لفعل المفعول كـ: دُحْرِجَ، وواحدٌ لفعل الأمر كـ: دَحْرِجْ، لكن عادة الصَّرفيين والنُّحاة أنَّهم لا يذكرون في عَدِّ الأبنية إلا المبني للفاعل، وأمَّا المبني للمفعول لكونه فرعاً هذا يُنَصُّ عليه فيما سبق .. يسمَّى .. نائب الفاعل .. في الباب الذي سبق .. يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ ... فِيما لَهُ. . . . . . . . . . . . . . هناك يذكرون أنَّ (فُعِلْ) هذا فَرعٌ عن (فَعَلَ)، ولذلك يحكمون: ضُمَّ أوله وَكُسِر ما قبل آخره، أحكام تُذْكَر في ذلك الباب ولا يذكرونه هنا لأنَّه ليس بأصل بل هو فرع، إذا كان كذلك سواءٌ كان في الثُّلاثي أو الرُّباعي لا يُذْكَر. وأما المزيد فيه فإن كان ثلاثياً صار بالزِّيادة على أربعة أحرف كـ: ضَارب، أو على خمسة كـ: انطلق، أو على ستةٍ كـ: استخرج، وإن كان رباعياً صار بالزِّيادة على خمسة كـ: تَدَحْرَج، أو على سِتَّة كـ: احرنجم. لاِسْمٍ مُجَرَّدٍ رُبَاعٍ ..

(رُبَاعٍ) حُذِفت ياء النَّسب ضرورة هنا، (لاِسْمٍ) هذا خبر مُقدَّم .. جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، (مُجَرَّدٍ) نعته، (رُبَاعيٍّ) ياء النَّسب حُذِفت للضرورة (رُبَاعٍ)، (فَعْلَلُ) هذا مبتدأ، يعني: الاسم الرباعي المُجرَّد له ستَّة أوزان، النَّاظم -كما ترى- لم يُرتِّب المعلومات، وإنَّما يسوقها مساقاً فيه نوع عدم ترتيب. الاسم الرباعي المُجرَّد له ستة أوزان: الأول أشار إليه بقوله: (فَعْلَلَ)، والثاني: (فِعْلِلٌ وَفِعْلَلٌ وَفُعْلُلٌ) هذه أشار إليها في البيت الأول. (فَعْلَلَ) بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه، (فَعْلَلٌ) كـ: جَعْفَرٍ .. فَعْلَلْ جعفر، ويكون اسماً كـ: جَعْفَر، وصفةً ومثَّلوه بـ: سَهْلَب وَشَجْعَمْ، و (السَّهْلَب) الطويل، و (الشَّجْعَم) الجريء. والثاني: (فِعْلِلٌ) بكسر الفاء وإسكان العين وكسر الثالث، ويكون اسماً نحو: زِبْرِج (فِعْلِل) وصفةً نحو: خَرْمَل. الثالث: (فِعْلَلٌ) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه، ويكون اسماً نحو: دِرْهَم وَهِجْرَع، وصفةً نحو: هِبْلَعْ، قيل (هِبْلَعْ) للأكول. الرابع: (فُعْلُلٌ) بِضَمِّ أوله وثالثه وسكون ثانيه، ويكون اسماً نحو: بُرْثُنْ، وصفةً نحو: جُرْشُعْ، للعظيم من الجِمال. هذه أشار بالبيت الأول: . . . . . . . . . . . . فَعْلَلُ ... وَفِعْلِلٌ وَفِعْلَلٌ وَفُعْلُلُ هذه أربعة أبنية وكلها معطوفة على قوله: (فَعْلَلُ) يعني: مرفوعة لِمَا سبق. (وَمَعْ فِعَلٍّ فُعْلَلٌ) الواو حرف عطف، و (مَعْ) هذا ظرف مُتعلِّق بمحذوف حالٌ من (فُعْلَلٌ)، و (فُعْلَلٌ) هذا معطوفٌ بالواو السَّابقة في أول البيت على (فَعْلَلٌ)، كأنَّه قال: (وَفُعْلَلٌ مع فِعَلٍّ) بكسر الفاء، (فُعْلَلٌ) هذا معطوفٌ على المبتدأ (فَعْلَلٌ)، والعاطف له الواو في أول البيت. (وَمَعْ فِعَلٍّ) هذا مُتعلِّق بمحذوف حال من (فُعْلَلْ)، حينئذٍ قَدَّم الحال على صاحبها، (فُعْلَل) هذا صاحب الحال، إذاً: أشار بهذا الشَّطر إلى وزنين: الخامس والسَّادس. (فِعَلٍّ) بكسر أوَّله وفتح ثانية وسكون ثالثه .. إدغام، ويكون اسماً نحو: هِزَبْرٍ، هذا اسم، و (قِمَطْرٌ) وهو وعاء الكتب، وصفة نحو: سِبَطْرٌ، وهو الطَّويل المُمتدّ. والسادس أشار إليه بقوله: (فُعْلَلٌ) بِضَمِّ الأول وإسكان العين وفتح الثالث، وهذا مُختلف فيه هل هو أصلٌ أم فرعٌ؟ ذكره هنا على أنَّه أصلٌ، بِضَمِّ أوله وفتح ثالثه وسكون ثانيه، ويكون اسماً نحو: جُخْدَبْ، لأنَّه سُمِع: جُخْدَبْ وَجُخْدُبْ، إذا سُمِع فيه الوجهان دَلَّ على أنَّه ليس بأصلٍ، لأنَّ (جُخْدُب) هذا موجود (فُعْلُلْ)، وإذا كان كذلك فما سُمِع فيه الوجهان لا يُجعَل أصلاً، يعني عندنا (جُخْدُبْ) هذا بِضمَّتيْن (فُعْلُل) جُخْدُبْ وهذا سبق الذي هو الرَّابع، إذاً سُمِعَ فيه: جُخْدُبْ، إذا قيل فيه (فُعْلَلْ) .. جُخْدَبْ، نقول: هذا من باب التخفيف فهو فرعٌ وليس بأصلٍ.

مذهب البصريين أنَّ هذا البناء السَّادس ليس ببناءٍ أصلي بل هو فرعٌ عن (فُعْلُلْ) بالضَّمِّ، فُتِح تخفيفاً، لأنَّ جميع ما سُمِع فيه الفتح سُمِع فيه الضَّم، سُمِع: جُخْدَبْ، (جُخْدَبْ) هذا ليس له وزن فيما سبق لكن سُمِع: جُخْدُبْ (فُعْلُلْ)، إذاً: علمنا أنَّ الأصل هو (فُعْلُل)، وأنَّ (فُعْلَل) هذا تخفيفٌ. ومثله: طُحْلُبْ .. طُحْلَبْ، فيه الوجهان، (طُحْلُبْ) .. (فُعْلُلْ) هذا الأصل فيه، إذاً: (فُعْلَلْ) .. (طُحْلَبْ) هذا فرع ليس بأصلٍ، و (بُرْقُعْ) .. (فُعْلُلْ)، و (بُرْقَعْ) .. (فُعْلَلْ) أيُّهما أصل؟ سُمِع فيه الوجهان، سُمِعَ (فُعْلُلْ) وسمع (فُعْلَلْ)، علمنا أنَّه ليس بأصلٍ، وذهب الكوفيون والأخفش إلى أنَّه بناءٌ أصلي، وظاهر كلام النَّاظم هنا موافقة الكوفيين. . . . . . . . . . . . . . وَإِنْ عَلاَ ... فَمَعْ فَعَلَّلٍ حَوَى فَعْلَلِلاَ (وَإِنْ عَلاَ) (إِنْ) شرط، (عَلاَ) ارتفع .. زاد، (عَلاَ) الضمير يعود على الاسم، (وَإِنْ عَلاَ) زاد على الرباعي حينئذٍ صار خُماسياً، وهذا شُروعٌ منه في ذكر أوزان الخماسي وهي أربعة: الأول: (فَمَعْ فَعَلَّلٌ) بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه وفتح رابعه، يكون اسماً نحو: سَفَرْجَلٌ (فَعَلَّلٌ)، وصفة نحو: شَمَرْوَلٌ، للطَّويل. والثاني: ما أشار إليه بقوله: (فَعْلَلِلاَ) بفتح أوله .. الألف هذه للإطلاق، أو أنَّه مفعول به .. بدلٌ عن التنوين، بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وكسر رابعه، قالوا: لم يجيء إلا صفةً .. لم يُسْمَع اسماً فيه: (جَحْمَرِشٌ) (فَعْلَلِلٌ) لو أتى بأسماء كان أجود، جَحْمَرِشٌ، للعظيمة من الأفاعي. (كَذَا فُعَلِّلٌ) (كَذَا) مثل (ذا) السَّابق، كونه من أوزان الخماسي، (فُعَلِّلٌ) مبتدأ، و (كَذَا) هذا خبر مُقدَّم. (فُعَلِّلٌ) هذا الثالث .. بضمِّ أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه وكسر رابعه (قُذَعْمِلٌ) صفة، ويكون اسماً نحو (خُزَعْبلٌ) للباطل. (وَفِعْلَلٌّ) هذا الرابع، بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه وسكون رابعه، يكون اسماً نحو: قِرْطَعْبٌ، وهو الشيء الحقير، ويكون صفةً نحو: جِرْدَحَلٌ، وهو الضخم من الإبل. إذاً: هذه أربعة أبنية للخماسي، (وَإِنْ عَلاَ) يعني: زاد وارتفع، الفاعل ضمير مستتر يعود على الاسم، (لاِسْمٍ) إن علا الاسم عن الرباعي . . . . . . . . . . . . . . . . . ... فَمَعْ فَعَلَّلٍ حَوَى فَعْلَلِلاَ كَذَا فُعَلِّلٌ وَفِعْلَلٌّ وَمَا ... غَايَرَ لِلزَّيْدِ أَوِ النَّقْصِ انْتَمَى ما غاير هذه الأوزان السابقة من الأول .. الأسماء العشرة أو الاثني عشر، والفعل الأربعة، والمزيد يعني: الرباعي، وما ذكره من الأسماء هنا، ما غاير هذه الأوزان من الأسماء المُتمكِّنَة .. ما سبق من الأمثلة (لِلزَّيْدِ أَوِ النَّقْصِ انْتَمَى) (انْتَمَى) يعني: منسوبٌ إلى الزيادة أو النقص، إمَّا زيادة على الأوزان السابقة وإمَّا منقوص، إمَّا حُذِف منه حرف وإمَّا أنَّه زيد عليه حرف، وهذا أشار إلى أشهر ما يُمكن أن يُعَلَّل به: إمَّا الزِّيادة وإمَّا الحذف.

(وَمَا غَايَرَ) يعني: ما سبق من الأسماء المُتمكِّنَة مِمَّا جاءت الأمثلة السابقة (لِلزَّيْدِ انْتَمَى) انتمى لِلزَّيد، (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي مبتدأ، قوله: (انْتَمَى) هو .. يعود على (مَا)، (انْتَمَى) يعني: انتسب، (لِلزَّيْدِ) للزِّيَادة .. جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْتَمَى)، (أَوِ النَّقْصِ) معطوف على قوله: (لِلزَّيْدِ). فجملة الأوزان المتفق عليها عشرون، هكذا نصَّ ابن هشام في (التَّوضيح) " جملة الأوزان المتفق عليها عشرون، وما خرج عنها فهو مُفَرَّعٌ عنها " يعني: إذا جاءك وزنٌ ليس واحداً من هذه العشرين تقول: هذا فرعٌ يا أبا الدرداء، إمَّا بزيادةٍ كـ: منطلق وَمُحْرَنْجِم، أو بنقص أصلٍ كـ: يَدٍ ودمٍ، أو حرفٍ زيد نحو: عُلَبِط، حُذِف أصله: عُلاَبِط. إمَّا بزيادة حرف أو بنقص حرفٍ، ثُمَّ هذا النَّاقص الحرف .. الذي انتُقِص إمَّا أن يكون أصلاً كـ: يد ودم، وإمَّا أن يكون زائداً: عُلَبِط، أصله: عُلاَبِط، حُذِفت الألف. . . . . . . . . . . . . . وَمَا ... غَايَرَ لِلزَّيْدِ أَوِ النَّقْصِ انْتَمَى نحو: يدٍ وجندل واستخراج، وقال في (التَّسهيل): " وما خرج عن هذه المُثل فشاذٌّ – هذا عَمَّمّ - أو مزيدٌ فيه، أو محذوفٌ منه، أو شبه الحرف، أو مُرَكَّب، أو أعجمي " يعني: ليس بمحفوظٍ. وأشار بقوله (وَمَا غَايَرَ): إلى أنَّه إذا جاء شيءٌ على خلاف ما ذُكِر فهو إمَّا ناقص وإما مزيدٌ فيه، فالأول كـ: يَدٍ ودم، والثاني كـ: استخراجٍ واقتدار. وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ وَالَّذِي ... لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ مِثْلُ تَا احْتُذِي هذا شروعٌ من النَّاظم - رحمه الله تعالى - في كيفية معرفة الزَّائد وعدمه. وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ وَالَّذِي ... لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ. . . . . . . . . . . أراد أنْ يُبيِّن لك .. فيما سبق إذا عرفنا أنَّ ثَمَّ حرف أو وزنٌ مُجرَّد ومزيد، كيف نحكم أنَّ هذا مزيد؟ لا بد أن نعرف ما هي حروف الزيادة. قال: (وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ) (الْحَرْفُ) المراد به: مقابل الاسم والفعل .. حرف المبنى .. حرف التَّهجِّي: السين والتاء والميم والهمزة ونحو ذلك، (وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم) يلزم الكلمة في جميع تصاريفها، مهما صَرَّفت الكلمة .. جِئتِ بها فعل ماضي .. مضارع .. أمر .. اسم فاعل .. اسم مفعول .. الحرف معك لا يسقط أبداً إلا لِعِلَّة، حكَمنا على هذا الحرف بكونه أصلاً. وأمَّا إن كان يسقط في بعض التَّصاريف حكَمنا عليه بأنَّه زائد لكن بشرط: أنَّه لا يسقط لِعلَّة، أمَّا إن سقط لِعلَّة فلا، مثل: أَكْرَمَ يُكْرِمُ فَهُوَ مُكْرِم، (أكْرَم) كاف .. راء .. ميم، الميم مُتأخِّرة لام الكلمة، (مُكْرِم) كاف .. راء .. ميم، الهمزة وجدت في (أكرم) ولم توجد في (مُكْرِم) إذاً: الهمزة زائدة، (مُكْرِم) وُجِدت فيه ميم ولم توجد في (أَكْرَم)، إذاً الميم زائدة، (يُكْرِم) الياء زائدة لأنَّها ليست موجودة في (أكرم) ولا (مكرم).

وَعَد يَعِدُ عِدَةً، الواو (وَعَدَ)، (يَعِدُ) سقطت الواو، هل سقوطها هنا دليلٌ على أنَّها ليست أصلاً؟ نقول: لا، هنا سقطت لِعِلَّةٍ تصريفية، وهي ما سبق وقوعها بين عَدوَّتيْهَا، أصلها (يَوْعِد)، إذاً: سقوط الواو هنا ليس لأجل الوزن فحسب، وإنَّما لِعِلَّةٍ تصريفية فهي أصلٌ مع كونها سقطت. لذلك قال: (وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَمْ) حرف التَّهجِّي، (حَرْفُ) مبتدأ، (إِنْ يَلْزَم) هذا شرطٌ وفعل الشَّرط، (يَلْزَمْ) هو أي: الحرف الكلمة في جميع تصاريفها، ولا يسقط بحالٍ من الأحوال إلا لِعِلَّةٍ تصريفيَّة، (فَأَصْلٌ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، (أَصْلٌ) يعني: فهو أصلٌ، (أَصْلٌ) خبر مبتدأ محذوف، لأن (أَصْلٌ) كلمة واحدة ما تقع جواب الشَّرط، لا بُدَّ أن يكون جملة، إمَّا أن يكون فعل، وإمَّا أن يكون جملة اسْميَّة، هنا وقع خبر مبتدئٍ محذوف، أي: فهو أصلٌ. (وَالَّذِي لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ) (وَالَّذِي) مبتدأ، (لاَ يَلْزَمُ) هو أيْ: (الَّذِي)، الجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (لاَ يَلْزَمُ) فعل مضارع منفي، (الزَّائِدُ) هذا خبر (الَّذِي)، أي: هو الزَّائد .. من باب التأكيد، (وَالَّذِي لاَ يَلْزَمُ) بل يُحْذَف في بعض التَّصاريف فهو الزَّائد .. تحكم عليه بأنَّه زائد، لكن بشرط: ألا يسقط لِعِلَّةٍ تصريفيَّة. (مِثْلُ تَا احْتُذِي) (احْتُذِي) اقتفي، لأنَّك تقول: حَذَى حَذْوَه، فتَعْلم بسقوط التاء، (احْتُذِي) إذاً: التاء هذه زائدة، لأنَّها ليست موجودة في حذا: حذا حذوه، (احْتُذِي) اتُّبِع .. اقْتُفِي، حينئذٍ نحكم بأن التاء زائدة لسقوطها .. فهي زائدة في (احْتُذِي)، يُقَال (احتذي به) أي: اقتدي به، ويُقال أيضاً (احتذى) أي: انتعل. وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ وَالَّذِي ... لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ مِثْلُ تَا احْتُذِي على ما شرحنا به كلام النَّاظم لا اعتراض عليه، لأنَّ قوله: (وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ) قال ابن هشام: " هذا الحد غير مانعٍ لدخول واو: كوكب " (كوكب) هذه الواو زائدة ولا تسقط بحالٍ من الأحوال: كَوْكَبَ يُكَوْكِبُ كَوْكَبَةً، لا تسقط بحالٍ من الأحوال، إذاً: هي لازمة أو زائدة؟ هي زائدة، ولَكنَّها على جهة التَّقدير، يعني: نحكم بكونها ساقطة في بعض التَّراكيب تقديراً لنخرج هذا النوع. وكذلك (وَالَّذِي لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ) أورد عليه واو: وَعَدَ .. يَعِدُ، هذه سقطت، حينئذٍ أجبنا بِما ذكرناه، وعبارة الأشْمُونِي مُصَحِّحة لكلام النَّاظم، وأمَّا السَّاقط لِعِلَّةٍ من الأصول كواو: يَعِدُ، فإنَّه مُقدَّر الوجود .. الحرف الأصلي الساقط لِعِلَّة كواو: يَعِد، فإنَّه مُقدَّر الوجود.

كما أنَّ الزَّائد اللاَّزِم كنون (قَرَنْفُلْ)، وواو (كوكب) في تقدير السقوط، حكمنا عليه بكونه زائداً نقول: كَوْكَب على وزن (فَوْعَلْ)، إذاً: قابلناه في الوزن بالواو كما الشَّأن في الوزن، إذاً: حكمنا عليه بكونه زائد، إذاً: هو في نِيَّة السقوط، ولذا يُقال: الزَّائد في حَدِّه ما سقط في أصل الوضع تحقيقاً أو تقديراً، (تحقيقاً) مثل: الهمزة من (أَكْرَمَ) أصله: (كَرُمَ) في أصل الوضع هي ساقطة، وأمَّا تقديراً فعنى بها نون: قَرَنْفُلْ، لأنَّها ما تسقط بحال من الأحوال، لَكنَّها في أصل الوضع هي زائدة وحينئذٍ يلزمها السقوط لَكنَّه مُقدَّر، لأنَّه ما سُمِع سقوطها. كذلك واو: كَوْكَب، في أصل الوضع هي زائدة لَكنَّها على نِيَّة الانفصال، ولذلك أورد ابن هشام هذا البيت: وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ وَالَّذِي ... لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ مِثْلُ تَا احْتُذِي قال: " في التعريفين نظر! -هكذا قال ابن هشام-، أما الأول وهو قوله: (إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ) فلأنَّ الواو من: كَوْكَبٍ، والنون من: قَرَنْفُل، زائدتان مع أنهما لا يسقطان "وجوابه: أنَّهما ساقطان في أصل الوضع تقديراً. وأمَّا الثاني: وهو حدُّ الزَّائد (الَّذِي لاَ يَلْزَمُ الزَّائِد) فأورد عليه ابن هشام فلأن الفاء من: وَعَدَ، والعين من: قال، واللام من: غَزَا، أصلٌ .. كلها أصول مع سقوطها في (يَعِدُ) و (قُلْ) و (لَمْ يَغْزُ)، لكن نقول: هنا سقطت ليست مُطلقاً وإنَّما عنى النَّاظم لا يلزم مُطلقاً، بمعنى: أنَّه سقط مُطلقاً لا لِعِلَّةٍ تصريفيَّة، هذا مراده، حينئذٍ لا اعتراض عليه. قال الشَّارح هنا: " الحرف الذي يلزم تصاريف الكلمة هو الحرف الأصلي، والذي يسقط في بعض تصاريف الكلمة هو الزائد نحو: ضَارِبْ وَمَضْرُوب " (ضَارِبْ) .. (ضَرَبَ) إذاً سقطت الألف إذاً هذه زائدة، (مَضْرُوب) الواو والميم تسقط تقول: ضَرَبَ ضَرْبٌ، هذا المصدر، ليس فيه ميم وليس فيه واو، حكمنا على كون الميم والواو زائدين. ثُمَّ قال رحمه الله: بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُولَ فِي .. (قَابِل) فعل أمر، تَحرَّك هنا للتَّخلُّص من التقاء الساكنين. . . . قَابِلِ الأُصُولَ فِي ... وَزْنٍ وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِي وَضَاعِفِ اللاَّم إِذَاَ أَصْلٌ بِقِي ... كَرَاءِ جَعْفَرٍ وَقَافِ فُسْتُقِ أراد أن يُبيِّن هنا إذا أردت وزن كلمة كيف تزنها؟ تأتي بالفاء والعين واللام، فتجعل الفاء في مقابلة الحرف الأول من الكلمة، وتجعل العين في مقابلة الحرف الثاني من الكلمة، وتجعل اللام في مقابلة الحرف الثالث من الكلمة، فإذا قيل لك: ما وزن (ضَرْبٍ)؟ تقول (فَعْلٌ) والحركات هي الحركات، تُحَرِّك الوزن بِما حُرِّك به الموزون، يعني: تنظر إلى حركة مُسمَّى الفاء (فَعَلَ) في: خَرَجَ، فإذا به مُحَرَّك بالفتح فتقول: (فَعَ) .. خَرَ، الراء مُحرَّكة بالفتحة إذاً: فَعَـ، والجيم كما هي فتقول: خَرَجَ، على وزن (فَعَلَ).

فالوزن يكون مقابلاً لكل حرفٍ من الحروف الثلاثية مع حركاتها، حينئذٍ نقول: هو ثُلاثي الأصول، ووزنه يكون بِمقابلة الفاء والعين واللام، ولذلك قال هنا: (بِضِمْنِ فِعْلٍ) والمكودي يقول: (فَعْلٍ) بفتح الفاء .. يجوز هذا ويجوز ذاك. (بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُولَ) .. أنْتَ، (قَابِلْ) هذا فعل أمر: قَاَبَلَ يُقَابِل قَابِل، أنت (قَابِلْ الأُصُول) في وزنٍ (بِضِمْنِ فِعْلٍ)، فقوله: (بِضِمْنِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (قَابِلِ)، وهذا مراد البيت هنا: لبيان الثلاثي الأصول، لأَّنه ذكر الفاء والعين واللام، فتقول: خَرَجَ (فَعَلَ) .. (ظَرُفَ) على وزن (فَعُلَ)، (شَرِبَ) .. (فَرِحَ) على وزن (فَعِلَ)، (عِلْمْ) على وزن (فِعْلْ)، (عُنُقْ) على وزن (فُعُلْ)، تقابل الأصول بالأصول، الفاء في مقابلة الحرف الأول، والعين واللام. (بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُولَ)، (الأُصُولَ) هذا مفعولٌ لـ: (قَابِل)، (فِي وَزْنٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (قَابِل)، وأمَّا الزائد فهذا تحكيه بلفظه، يعني: الزائد في الموزون تجعله في الوزن فتقول: (أَكْرَمَ) على وزن (أَفْعَلَ)، الفاء في مقابلة الكاف، والعين في مقابلة الراء، واللام في مقابلة الميم، والهمزة لكونها زائدة تُنزِلها كما هي في الوزن، فتقول: أَكْرَمَ، على وزن (أَفْعَلَ)، (بَيْطَرَ) على وزن (فَيْعَلَ)، جعلت الياء في الموزن هي نفسها في الوزن، وكذلك (جَوْهَر) على وزن (فَوْعَل)، (كَوْكَب) على وزن (فَوْعَل)، و (انْقَطَع) على وزن (انْفَعَلَ)، جعلت الهمزة كما هي والنون كما هي، وكذلك (اجْتَمَع) على وزن (افْتَعل)، و (اسْتَخْرَج) على وزن (اسْتَفْعَلَ)، و (انْقِطَاع) على وزن (انْفِعَال)، و (اجْتِمَاع) على وزن (افْتِعَال)، و (اسْتِخْرَاج) على وزن (اسْتِفْعَال). إذاً: قاعدة الوزن إنَّما يكون الحرف الذي هو الفاء اختير في مقابلة الحرف الأصلي الأول، والعين في مقابلة الحرف الأصلي الثاني، واللام في مقابلة الحرف الأصلي الثالث، (وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِي) اكتفي بلفظه .. تنطق به كما هو، ولا تأتي بفاءٍ زائدة في مقابلة الزَّائد، ولا عين ولا لام، يعني: لا تُضَعِّف الفاء، ولا تُضَعِّف العين، ولا تُضَعِّف اللام، وهذا إذا كان الحرف الزائد من حروف: (سَأَلْتُمُوْنِيْهَا). إذاً: بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُولَ فِي ... وَزْنٍ .......... . . . . . . . . . . . . . وأمَّا الزَّائد فقال: (وَزَائِدٌ) هذا مبتدأ، (بِلَفْظِهِ اكْتُفِي) اكتفي بلفظه، (بِلَفْظِهِ) هذا جار ومجرور نائب فاعل تَقدَّم على عامله، وهذا قلنا فيه ما سبق: إمَّا أنَّ النَّاظم يرى أنَّه يُتَوَسَّع في الجار والمجرور، بأن يَتقدَّم إذا كان نائب فاعل وقد قيل به، وإمَّا أن يُقال بأنه ضرورة. (وَزَائِدٌ) هذا مبتدأ، (اكْتُفِي بِلَفْظِهِ) يعني: أن تنطق به كما هو، (اكْتُفِي بِلَفْظِهِ) عن تضعيفه أو تضعيف أصله في الميزان، يعني: أنَّك تكتفي بذلك الحرف الزائد فتنطق به على أصله من غير أن تُعَبِّر عنه بشيء، وهذا كله في الثلاثي الأصول.

ثُمَّ لَمَّا اختير الوزن على وزن (فَعْلٍ) هذه ثلاثي الأصول، سبق أنَّ الفعل قد يكون رباعي، وأنَّ الاسم قد يكون خماسي، إذاً: نحتاج إلى وزن ثاني يكون على أربعة أصول، ووزنٍ ثالث يكون على خمسة أصول، قالوا: لا، أبق الأصل وهو على وزن (فَعَلَ)، فإن كان الموزون على أربعة حروف كلها أصول زِدّ اللام .. ضَعِّف اللاَّم. (وَضَاعِفِ اللاَّم) كَرِّرْها فتقول: (فَعْلَلَ) في وزن: دَحْرَجَ، (دَحْرَجَ) لو وَزَنَّا به (فَعَلَ) الذي يوزن به: خَرَجَ وَذَهَب ونحوه، فهو على ثلاثة أحرف: دَحْرَ، والجيم هذه ليس لها أصل؟ هي أصلية، كيف نصنع؟ قالوا: زِدّ لاماً في الوزن فتقول: (فَعْلَلَ) ضَعَّفت اللام، وهو المراد بقوله: (وَضَاعِفِ اللاَّم) سَفَرْجَلٌ (فَعْلَلِلٌ) جَحْمَرِشٌ، (سَفَرْجَلٌ) هذا على خمسة أحرف (فَعَلَّلٌ) بالإدغام، كما لام صار عندنا؟ ثلاث لامات، اللام التي هي من (فَعْل) ثلاثي، وزدت عليه في مقابلة الرابع، وزدت عليه في مقابلة الخامس، صار عندنا ثلاث لامات، (فَعَلِّلٌ) بإدغام الثانية في الثالثة. إذاً: الأصل في وضع الميزان: أن يكون على ثلاثة أحرف، فإن كان الموزون ثُلاثي الأصول فلا إشكال، وإن كان الموزون رباعي الأصول زِدْتَّ لاماً في مُقابلة الحرف الرابع، وإن كان الموزون خُماسي الأصول فلا إشكال، تزيد لاماً رابعةً في مقابلة الحرف الأصلي الرابع، وتزيد لاماً خامسةً في مقابلة الحرف الأصلي الخامس، ولذلك قال: وَضَاعِفِ اللاَّم إِذَاَ أَصْلٌ بِقِي .. (بِقِي) يعني: بقي عليك، أنْتَ وَزَنْتَ الثلاثي فانتهت الحروف عند اللام فلا إشكال، لكن لو بقي عليك أصل ثاني .. رابع زد اللام .. ضَاعف اللام، فلو بقي عليك أصلٌ خامس ضَاعف اللام، يكون عندك ثلاث لامات. (كَرَاءِ جَعْفَرٍ) لأنَّه قال في الأول: (بِضِمْنِ فِعْلٍ) ثلاثة أحرف: جَعْفَرْ على أربعة أحرف، كيف تصنع؟ قال: (ضَاعِفِ اللاَّم)، وكذلك: (قَافِ فُسْتُقِ) فُسْتُقِ (فُعْلُلْ) إذاً مَثَّل بِمثالين للرباعي: جَعْفَرْ وَفُسْتُقْ، وجيم ولام: سَفَرْجَلْ. إذاً: كلامه في هذين البيتين على الميزان الصَّرْفي، والكلام في الميزان الصَّرْفي طويل، لكن هذا خلاصة ما ذكره النَّاظم. بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُولَ فِي ... وَزْنٍ وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِي (وَضَاعِف) هذا فعل أمر والفاعل أنت، (اللاَّم) مفعول به، (وَضَاعِفِ اللاَّم) أي: من الميزان، عندنا ميزان: وزن وموزون، تُضَعِّف اللاَّمين في الميزان، أمَّا الموزون فهي مضاعفة. (إِذَاَ أَصْلٌ بِقِي) إذا بقي أصلٌ، (أَصْلٌ) هذا فاعل لفعلٍ محذوف، لأنَّه اسمٌ مرفوعٌ وقع بعد (إذا)، ولا يقع بعدها اسمٌ مرفوع إلا إذا كان لفعلٍ مضمر، حينئذٍ نُقَدِّر له: إذا بقي أصلٌ، فـ: (أَصْلٌ) هذا فاعل لفعلٍ محذوف تقديره (بِقِي)، فَسَّره المذكور، (بِقِي) من الموزون بأن يكون رباعياً أو خماسياً، وذلك (كَرَاءِ جَعْفَرٍ) هذا باقي أصل، ما يكفيه السابق (فَعْل) لا بُدَّ من زيادة من باب العدل. (وَقَافِ فُسْتُقِ) (فُسْتُـ) هذا ثلاثي، زيد عليه القاف لا بُدَّ من زيادة حرفٍ، وجيمٍ ولام: سَفَرْجَلْ.

معنى البيت: أنَّك إذا وزنت الكلمة بحروف (فِعْلٍ) بقي أصل -تقول: (فِعْلٍ) لا (فَعْلٍ) لِيَعُمَّ الفعل والاسم- بحروف (فِعْلٍ) وبقي أصلٌ من الكلمة ضَعَّفت اللام، أي: زدت عليها لاماً أُخْرَى تُقَابَل بها الحرف الرابع، وقد فُهِم من ذلك: أنَّ في الزائد على ثلاثة أحرف صورتين: - إحداها: في الرباعي فَتُضَعِّف اللام مرة واحدة نحو: جَعْفَرْ وَفُسْتُقْ، فتقول في وزنهما: (فَعْلَلٌ) .. جَعْفَرٌ، وَفُسْتُقُ .. (فُعْلُلٌ). - والأخرى: في الخماسي لِمَا سبق أنَّه يكون مُجرَّداً .. هذا في الاسم، فتقول في: سَفَرْجَلْ (فَعَلَّلٌ) فَتُضَعِّف اللام مرتين، لتصل الزِّنَةُ إلى خمسة أحرف. إذا أُرْيِد وزن الكلمة قُوبِلَت أصولها بأحرف (فَعْلٍ) بالفاء والعين واللام، هناك تعليلات لماذا اختيرت الفاء، ولماذا قُدِّمت؟ كلها مبينة في (شرح المقصود) ويأتينا إن شاء الله. قُوبلت أصولها بأحرف (فَعْلٍ) بالفاء والعين واللام، فَيُقَابَلُ أولها بالفاء وثانيها بالعين، الأول من الكلمة التي تريد وزنا تقابلها بالفاء، والثاني بالعين، والثالث باللام. مُسَوِّياً بين الميزان والموزون في الحركة والسكون، يعني: تُحَرِّك فاء (فَعَلَ) والعين واللام بِما حَرَّكت به الموزون، فتقول: عِلْم، تكسر العين، حينئذٍ إذا وزنته تقول: (فِعْل) تُسَكِّن اللام .. تُسكِّن العين .. تكسر العين وتكسر الفاء تقول: عِلْمٌ على وزن (فِعْلٌ)، (عُنُقْ) على وزن (فُعُلْ)، تُحَرِّك الوزن بِما حَرَّكْتَ به الموزون، الحركة هي الحركة، تُسَوِّي بينهما في الميزان والموزون في الحركة والسُّكون. فإن بقي بعد هذه الثلاثة أصلٌ عُبِّر عنه باللام، فإن قيل لك: ما وزن (ضَرَبَ)؟ فقل: (فَعَلَ) قابلت الضَّاد بالفاء، وحرَّكت الفاء بالفتحة، وقابلت الراء بالعين، وَحَرَّكت العين بالفتحة، والباء قابلتها باللام وحرَّكتها بالفتح وهذا بناءً على أنَّه مبني. وما وزن (زَيْدٍ) في الأسماء؟ تقول: (فَعْلٌ)، (عَمْروٌ) .. (فَعْلٌ)، فتقول الفاء مُقابلة للزَّاي، والعين مُقابلة للياء، تُحَرِّك الأول بالفتح، والثاني يكون مُسَكَّنَاً. وما وزن: جَعْفَرْ؟ فتقول: (فَعْلَلْ)، وما وزن: فُسْتُقْ؟ (فُعْلُلْ)، (فُسْتُقْ) اسم جَمْعٍ واحده: فُسْتُقَة، اسم شجرة وهو فَارِسِيٌّ مُعَرَّب - لذلك أجوده من جاء من هناك - تقول: (فُعْلُلٌ) وَتُكَرَّر اللام على حسب الأصول، إن كان رباعي زدت لاماً واحدة، وإن كان خماسياً زدت لامين. وإن كان في الكلمة زائدٌ عُبِّر عنه بلفظه، انظر! ابن عقيل هنا استدرك على النَّاظم، النَّاظم قال: بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُولَ فِي ... وَزْنٍ. . . . . . . . . . . . . . . هذا للثلاثي، (وَضَاعِفِ اللاَّم) رباعي وخماسي، (وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِي) كان الأولى تأخيره عن ذلك، وابن عقيل بَيَّن: فإن كان في الكلمة زائد عُبِّر عنه بلفظه، فإذا قيل ما وزن: ضَارِبْ؟ فقل: (فَاعِلْ)، وما وزن: جَوْهَر؟ فقل: (فَوْعَل)، وما وزن: مُسْتَخْرِج؟ فقل: (مُسْتَفْعِل)، هذا إذا لم يكن الزائد ضِعْفَ حرفٍ أصلي، فإن كان ضِعْفَه عُبِّر عنه بِمَا عُبِّر به عن ذلك الأصل، وهذا سيأتي.

إذاً الخلاصة: أنَّ الوزن يقابَل به الكلمة الموزونة، الحرف الأصلي بالحرف الأصلي، والحركة بالحركة، وإذا كان ثَمَّ زائدٌ عُبِّر عنه بلفظه، واستُثني من الزَّائد نوعان لا يُعَبَّر عنهما بلفظهما: - أولهما: المبدِل من تاء الافتعال، فإنَّه يُعَبَّر عنه بالتاء التي هي أصله، فإذا قيل لك: ما وزن اصْطَبَر؟ فتقول (افْتَعَلَ) لأنَّ هذه الطَّاء مُنقلبة عن تاءٍ - وهذا سيأتي في آخر النَّظم - اصْطَبَر (افْتَعَلَ) .. اصطلح (افْتَعَلَ) .. اضْطَرَبَ (افْتَعَلَ)، تأتي بالأصل وهو التاء ... والآخر الثاني المُكرَّر لإلحاقٍ أو غيره فإنَّه يُقابل بِما يُقابل به الأصل، وهو الذي عناه بالبيت الآتي، يعني: إذا ضَعَّفت العين قلت: خَرَّج، حينئذٍ تقول: على وزن (فَعَّل) ضعَّفت العين، لأنَّ المُضعَّف هنا مُكرَّر العين، فإذا جئت في الوزن حينئذٍ ما تأتي بلفظه .. الراء الثانية زائدة، (فَعَّل) عندنا حرفان هنا: فاء وعين ولام، العين ضُعِّفت يعني: كُرِّر من جنس حرف العين، حينئذٍ: قَتَّل، تقول: على وزن (فَعَّل)، ولا تقول على وزن (فَعْتَلَ)، (قَتَّل) التاء الثانية زائدة لا تذكرها في الوزن، وإنَّما تأتي بمثل العين فتقول: فَعَّل، إذاً: هذا يُسْتثنى وهو الثاني، وأشار إليه بقوله: وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ ... فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ إن ضُوعفت الفاء فَعَبِّر عنه بالفاء ولا تُعَبِّر عنه بلفظه، وإن كان زائداً .. بل هو زائد، وإن ضوعفت العين فَعَبِّر عنه بالعين ولا تُعَبِّر عنه بأصله وهو الحرف الزائد، وكذلك اللام. (وَإِنْ يَكُ) (إِنْ) حرف شرط، و (يَكُ) هذا فعل مضارع فعل الشَّرط، (الزَّائِدُ) اسم (يَكُ)، (ضِعْفَ أَصْلِ) (ضِعْفَ) خبر (يَكُ) وهو مضاف، و (أَصْلِ) مضافٌ إليه، (فَاجْعَلْ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، (فَاجْعَلْ) مَا لِلأَصْلِ لَهُ فِي الْوَزْنِ، (فَاجْعَلْ مَا) (مَا) اسم موصول هذا مفعول أول لـ: (اجْعَلْ)، اجعل ما للأصل يعني: ما جعلته للأصل، ما هو الأصل؟ الفاء أو العين أو اللام، (لَهُ) لذلك الزائد الذي ضُوعِف به الأصل، تجعل له أين؟ (فِي الْوَزْنِ). وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ .. ما المراد (ضِعْفَ أَصْلِ)؟ يعني: إذا كَرَّرْت الفاء من جنسه .. من عينه، والعين من عينه، واللام من لامه، كيف تزنه؟ تأتي تُعَبِّر عنه بالفاء، وَتُعَبِّر عنه بالعين إذا ضَعَّفتَ العين، وَتُعَبِّر عنه باللام إن ضَعَّفْتَ اللام. قال هنا: (فَاجْعَلْ لَهُ) في مقابلته (فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ) أصل التركيب: فاجعل أنت الذي ما للأصل، ما هو الأصل؟ الذي هو الفاء قبل التضعيف، والعين قبل التضعيف، واللام قبل التضعيف، ماذا تجعل للفاء؟ الفاء، ماذا تجعل للعين؟ العين (اجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ) مثله، فَضَعِّف الفاء، وَضَعِّف العين، وَضَعِّف اللام. فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ ..

يعني: ثُمَّ إنَّ زائد الكلمة الموزونة إن كان من حروف الزيادة العشرة – هذه سيأتي - قد تَقدَّم أنَّه يُنْطَق بها في الوزن على حالها، وإن كان بتضعيف أصلٍ .. هذا الذي أشار إليه بقوله: (وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ)، فإن كان مُضَعَّف الفاء نحو: مَرْمَرِيس قلت: (فَعْفَعِيل) .. (مَرْ) الميم هنا فاء، وضعَّفتها يعني: كَرَّرْتَها وإن لم تكن مُتَّصلة بها للفاصل بينهما، حينئذٍ تقول: (فَعْفَعِيل) .. مَرْمَرِيس، الميم الثانية هي الفاء مُكرَّرة .. مُضَعَّفة، فتقول: (فَعْفَـ) كَرَّرْت الفاء مرة ثانية في الوزن، لماذا؟ لكون الفاء مُضعَّفة في الموزون، قلت: (فَعْفَعِيل)، (جَلْبَبَ) هذا أوضح، أصله: جَلَبَ، كَرَّرْت الباء .. اللام، ضعَّفتها من جنسها (جَلْبَبَ) أصله (جَلَبَ)، هنا الباء الثانية للإلحاق .. الثانية، تقول في وزنه: (فَعْلَلَ)، عبَّرت عن الباء الأولى باللام، الثانية ضَعِّفها ليست (فَعْلَلَ) هذه هي من باب: دَحْرَجَ، لا، (دَحْرَجَ) في الرباعي الأصول، أمَّا (جَلْبَبَ) ثلاثي الأصول .. انتبه! أصله: جَلَبَ، ما وزن: جَلَبَ؟ (فَعَلَ) طيب! ضَعِّف الباء .. كررها قلت: جَلْبَبَ، كيف تزنه؟ إذاً: اللام هنا صارت مُضَعَّفه. قال ابن مالك: وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ .. وهنا الباء الثانية (ضِعْفَ أَصْلٍ) وهو اللام، حينئذٍ تُضَعِّفها .. تجعل لها ما جعلته للباء الأولى، وقد جعلت للباء الأولى اللام الأولى، فتقول حينئذٍ وزنه: (فَعْلَلَ)، (اغْدَوْدَن) (افْعَوْعَلَِ) اغْدَوْدَن ضعَّفت العين، اغدَ افعَـ .. إذاً: الدَّال الأولى هي عين الكلمة، (اغْدَوْدَن) .. (افْعَوْ) انظر! اجتمع عندنا زائدان: زائدٌ تنزله بلفظه في الوزن وهو الواو، تنطق بها كما هي في الوزن، لأنَّها زائدة من حروف (سَأَلْتُمُوْنِيْهَا)، وهذا سيأتي شرحها. وكذلك هنا زائدٌ وهو تضعيف العين (اغدَو) الدَّال الأولى هي عين الكلمة، (اغدودن) على وزن (افْعَوْعَلَ) هنا اجتمع عندنا زائدان: زائدٌ تزنه بلفظه .. تنطق به كما هو وهو الواو فتقول: (افْعَوْعَل) لا إشكال فيه. الثاني: زائدٌ تكرير أصلٍ، يعني: أصل الذي هو عين الكلمة .. الدَّال الأولى ضُعِّفت .. كُرِّرَت مرة ثانية، حينئذٍ لا تُعَبِّر عن الحرف المُكرَّر بنفس الحرف، وإنَّما تأتي بالعين فتقول: (افْعَوْعَل)، العين الثانية كرَّرتها لكون الدَّال من جنس العين فتقول: (افْعَوْعَل). (وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ) (الزَّائِدُ) في الكلمة الموزونة. ضِعْفَ أَصْلِ ... فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ .. (لَهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اجْعَلْ) على أنَّه مفعولٌ ثاني، و (فِي الْوَزْنِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله (اجْعَلْ)، (مَا) اسمٌ موصول بِمعنى: الذي، في مَحلِّ نصب مفعول أول، (لِلأَصْلِ) يعني: ما جعلته للفاء والعين واللام من حروف (فَعْلٍ)، و (لِلأَصْلِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صلة الموصول لا مَحلَّ لها من الإعراب، تقدير الكلام: فَاجْعَلْ الذي هو كائنٌ لِلأَصْلِ لَهُ .. لذلك الزائد ضعف أصل فِي الْوَزْنِ فتقول: (افْعَوْعَلَ) في: اغْدَوْدَنَ، و (جَلْبَبَ) على وزن (فَعْلَلَ).

فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ .. الذي هو ضعفه فيها، فإن كان ضعف الفاء قُوبِل بالفاء، وإن كان ضعف العين قُوبِل بالعين، وإن كان ضعف اللام قُوبِل باللام. قال الشَّارح: " فتقول في وزن (اغْدَوْدَن): (افْعَوْعَلَ) " اغْدُودَن الشَّعْر إذا طال، اغْدَوْدَن النبات إذا اخْضَرَّ؟؟؟ (اغْدَوْدَن) .. (افْعَوْعَلَ) انظر! الواو نزلت كما هي في الوزن، ثُمَّ قُلْت (افْعَوْعَـ) كَرَّرْتَ العين لكون الدَّال الثانية وهي زائدة من جنس العين وهي الدَّال الأولى، فَتُعَبِّر عن الدَّال الثانية بالعين كما عَبَّرْتَ بها عن الدَّال الأولى، لأنَّ الثانية ضعفها، هذا مَردُّ الضِّعف هنا أن تُكَرِّر الفاء، أو تُكَرِّر العين أو اللام .. نفس الحرف تُكَرِّره. وتقول في وزن (قَتَّل): (فَعَّلَ)، أصله: قَتَلَ، على وزن (فَعَلَ)، ضَعَّفت العين .. كرَّرتها، حينئذٍ أُدْغِمت التاء الأولى في التاء الثانية، كيف تزنه؟ تقول: (فَعَّل) ولا تقول (فَعْتَلَ)، يعني: تنزل التَّاء كما هي، وإن كانت من حروف الزيادة، لأنَّ حروف التَّكْرَار أعم، قد تكون من حروف الزيادة: (سَأَلْتُمُوْنِيْهَا) وقد لا تكون، لذلك: جَلْبَبَ، الباء الثانية هذه للتَّكْرَار، ولذلك تقول وزنه (فَعْلَلَ)، مع كونه ليس من حروف الزيادة: (سَأَلْتُمُوْنِيْهَا) ليس فيها باء، بخلاف الدَّال. إذاً: قد يكون حرف التَّكْرَار من حروف الزيادة وقد لا يكون، وأمَّا الحرف الزائد الذي يُنْطَق بلفظه يُشْتَرط: أن يكون من حروف (سَأَلْتُمُوْنِيْهَا) العشرة، وهذا سيأتي إن شاء الله. وتقول في وزن (قَتَّل): (فَعَّلَ)، ووزن (كَرَّم): (فَعَّل) فَتُعَبِّر عن الثاني بِما عَبَّرت به عن الأول، ولا يجوز أن تُعَبِّر عن هذا الزائد بلفظه، مع كونه زائداً لا تُعَبِّر عنه بلفظه، فلا تقل في وزن (اغْدَوْدَن): (افْعَوْدَلَ) الدال الثانية التي بعد الواو زائدة، لكن لا تُعَبِّر بها بلفظها في الوزن، فلا تقل: (افْعَوْدَلَ)، لأنَّها مُكرَّرة للعين .. مُضَعَّفة العين، ولا في وزن (قَتَّل): (فَعْتَلَ)، ولا في وزن (كَرَّم) (فَعْرَل) كله لا يجوز، وإنَّما تبقى على الأصل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

134

عناصر الدرس * مواضع زيادة الألف * مواضع زيادة الياء والواو * مواضع زيادة الهمزة والميم * مواضع زيادة النون * مواضع زيادة التاء والسين * مواضع زيادة الهاء اللام * لا يحكم بزيادة الحرف إلا بدليل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قد سبق أنَّ النَّاظم رحمه الله تعالى بَيَّن معرفة الحرف الزائد من الأصلي بقوله: وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ وَالَّذِي ... لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ مِثْلَ تَا احْتُذِي قلنا حينئذٍ المراد بالزائد: ما سقط في أصل الوضع تحقيقاً أو تقديراً، (تحقيقاً) يعني: بأن لم يوضع ثُم زِيد عليه، (أو تقديراً) بأن وضع مع أصول الكلمة، ولكنَّه لا يسقط وهو في نِيَّة السقوط، مثل: كوكب قلنا: الواو هذه لازمة لا تسقط بحال من الأحوال، ولذلك نقول: وزنه (فَوْعَل) لكن ليس عندنا (كَكَب) يعني: كافين وباء بدون واو، حينئذٍ عُومِلَت معاملة الأصل، لكنها في أصل الوضع على نِيَّة السقوط. (وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ) يعني: فهو أصلٌ. . . . . . . . . . . . . . وَالَّذِي ... لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ مِثْلَ تَا احْتُذِي ابن هشام في (التوضيح) له تحرير في معرفة الزائد من الأصلي، حيث قال: " وتحليل المقام فيما يعرف به الزوائد أن يقال: إنه لا يحكم على حرفٍ بالزيادة حتى تزيد بقية أحرف الكلمة على أصلين" يعني: لا نحكم على كملة بأن هذا الحرف زائد إلا إذا زادت على أصلين، وهذا معلومٌ، لأن أصل الوضع في الأسماء وفي الأفعال مما يكون على ثلاثة أحرف، حينئذٍ إذا كان معها حرفان لا نحكم على الثالث بأنه زائد إلا إذا كان معها حرفٌ وحرف أصليان. حتى تزيد بقية أحرف الكلمة على أصلين، ثُم الزائد نوعان: تَكرارٌ لأصلٍ وغيره، يعني: إمَّا أن يكرر أصلٌ وهو فاء الكلمة، أو عين الكلمة، أو لام الكلمة، يُعبَّر عنه هذا بـ: مضاعفة الأصل، هذا يُسمَّى تكراراً، أو ليس بتكرار وإنما هو حرفٌ زائدٌ مغاير للفاء، أو مغاير للعين، أو مغاير للام، فالأول الذي هو التكرار لأصلٍ لا يختص بنوعٍ من أنواع الحروف، بل كل حرفٍ من حروف الهجاء يصح تكرارها، يعني: لا يشترط فيه مثل الحرف الزائد. الحرف الزائد لا يصح أن يكون زائداً إلا إذا كان من حروف (سألتمونيها) وهي عشرة، فما لم يكن كذلك حينئذٍ لا يصح زيادته، فالأول لا يختص بأحرفٍ بعينها، وشرطه -الذي هو التكرار- أن يماثل اللام كـ: جَلْبَبَ وجِلْبَاب، سبق (جِلْبَب) أن الباء هنا ليست من حروف: (سألتمونيها) وحينئذٍ هي زائدة، وهي زائدة لا شك. وسبب زيادتها: أنها مضاعفة للام .. لإلحاقها بباب: (فَعْلَلَ)، جلببَ على وزن: فعلَلَ، ولذلك الأصل فيه أنه على وزن: (فَعَلَ) .. (جَلَبَ) أريد إلحاقه بـ: (فَعْلَلَ) ليكون موازياً له في الفعل والمصدر والمضارع والأمر ونحو ذلك، فقيل: جَلْبَبَ يُجَلْبِب جَلْبَبةً وجِلْبَاباً، كما تقول: دَحْرَج يُدَحْرِج دَحْرَجةً ودِحْرَاجاً، فهو ملحقٌ به. إذاً: كُرِّرت وضُوعِفَت اللام، أو العين، إمَّا مع اتصال أو انفصال، يعني: تُضعَّف العين إمَّا مع الاتصال أو مع الانفصال: - اتصال وهو المضعف (فَعَّلَ) كـ: (قَتَّلَ)، هنا ضُعِّفَت العين ولكنها مع اتصال، ولذلك أدْغِم الأول في الثاني، فقيل: (قَتَّلَ) على وزن: (فَعَّلَ).

- أو مع الانفصال، يعني: تُكرَّر العين ويكون بينهما حرفٌ فاصل، ومَثَّل له بـ: عَقَنْقَلَ، عَقَنْقَلَ هنا كُرِّرَت العين التي هي القاف، (عَقَنْقَل) .. (فَعَنْعَل) النون هذه زائدة كما سيأتي، وقعت بين أربعة أحرف متساوية، حينئذٍ ضُوعِفَت هنا العين مع الانفصال فقيل: (عَقَنْقَل). - أو تماثُلِ الفاء والعين نحو: َمرْمَريِس - كما سبق - َمرْمَريِس قلنا: هنا ضُوعِفَت الفاء ففصل بينهما بحرفٍ وهو الراء، - أو العين واللام، نحو: صَمَحْمَح، أين العين؟ الميم الأولى: صَمَحْـ (فَعَلْعَل)، والميم الثانية هي اللام، هنا حصل تماثل بين الفاء واللام. - وأمَّا الذي يُماثل الفاء وحدَها نحو: قَرْقَفٍ وَسُنْدُسٍ. - أو العين المفصولة بأصلٍ نحو: حَدَرْدٍ، هذا يعتبر أصلياً. هذا النوع الأول الذي يكون فيه التكرار، إمَّا أن يكون للفاء، أو العين، أو اللام، ولا يختص بحروفٍ دون غيرها، بل كل حرفٍ يصح أن يكون مُضَعَّفاً للفاء أو العين أو اللام. والنوع الثاني الذي هو لغير تكرار، هذا مُختصٌّ بأحرفٍ عشرة مجموعة في قولهم: (سألتمونيها) جمعها ابن مالك أربع مرات في بيت واحد: هَنَاءٌ وَتَسْلِيمٌ تَلاَ يَوْمَ أُنْسِهِ ... نِهَايَةُ مَسْئُولٍ أَمَانٌ وَتَسْهِيلُ (هَنَاءٌ وَتَسْلِيمٌ) هذا جمعٌ لها، (تَلاَ يَوْمَ أُنْسِهِ) هذا الثاني، (نِهَايَةُ مَسْئُولٍ) هذا الثالث، (أَمَانٌ وَتَسْهِيلُ)، هذه حروف عشرة لا يمكن أن يكون حرفٌ زائد لا لتكرار إلا وهو واحدٌ من هذه الحروف الزائدة، ولا يلزم أنَّه كلما وجد حروفٌ منها أن يُحكم عليه بأنه زائد، (سأل) الهمزة هذه من حروف (سألتمونيها)، والسين من حروف (سألتمونيها)، هل هي زائدة؟ لا، ليست بزائدة .. أصل. إذاً قوله: (سألتمونيها) الحروف، إنْ كان زائدٌ وجد، حينئذٍ لا يخرج عن واحدٍ من هذه الحروف العشرة، وليس كلما وجد حرفٌ من هذه الحروف العشرة حكمنا عليه بكونه زائد، وإنما إن وجد زائد فهو لا يخرج عن هذه الحروف العشرة، ثُم نفسها الحروف قد تكون زائدة وقد تكون أصلية، (أكل) الهمزة أصلية هنا وليست بزائدة، سين (سأل)، (نَمِر) النون هذه أصل وليست بزائدة، الميم في (نَمِر) كذلك. حينئذٍ نقول: كلما وجد زائد فلا يخرج عن هذه الحروف، وليس كلما وجد حرفٌ من هذه الحروف حكمنا عليه بكونه زائد لا، قد يكون أصلاً. فإذا لم يكن الزائد من حروف (أَمَانٌ وَتَسْهِيل) فهو ضِعْف أصلٍ، يعني: إذا جاءت باء، ولذلك نقول (جَلْبَبَ): الباء قطعاً بأنها للتَّكْرَار، لأنها ليست من حروف (سألتمونيها) وهي ليست من أصل الكلمة، لأن أصله (جَلَبَ) .. (فَعَلَ)، حينئذٍ نحكم عليه بكونه تكرار .. قطعاً، لكون الباء ليست من حروف (سألتمونيها). وإن كان من هذه الحروف العشرة قد يكون ضِعْفاً، وقد يكون غير ضِعْفٍِ، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، أمَّا إذا لم يكن من حروف (سألتمونيها) فهو قطعاً نحكم عليه بأنه تكرار .. تَضْعِيف، مثل: جَلْبَبَ، وكذلك: اغْدَوْدَن .. (افْعَوْعَل)، قلنا: العين .. الدال الثانية هذه قطعاً أنها تضعيف، لأنها ليست من حروف (سألتمونيها) .. الدال ليست من حروف (سألتمونيها) وإذاً: هي تكرار .. فنحكم عليها بأنها مُكررة.

إذاً: إذا لم يكن الزائد واحداً من هذه الحروف، لأن ما كان لتكرار فهو زائد، ولذلك الحرف الزائد أعم من الزائد، الزائد قد يكون خاصَّاً بحروف (سألتمونيها) لا لتكرار، وإذا كان لتكرار فهو زائدٌ وزيادة، (زائد) لأنه ليس أصلاً، و (زيادة) أنه أفاد تكرار، ولذلك يُقابَل في الوزن بِمَا ضُوعِف به: إن كان عيناً فعين .. لاماً فلام .. فاءً ففاء. فإذا لم يكن الزائد من حروف (أمَانٌ وَتَسْهِيل) فهو ضعف أصلٍ كـ: الباء في (جَلْبَبَ)، والدال في (اغْدَوْدَن)، وإن كان منها قد يكون ضِعْفاً نحو: (سَأَّلَ) قطعاً تضعيف، لماذا؟ (سَأَّلَ) على وزن (فَعَّلَ) تضعيف قطعاً، لماذا؟ لأنه من جنس العين، وقلنا: هذا حقيقة التَّضْعِيف: أن يُزاد حرفٌ من جنس الفاء أو العين أو اللام، فإن كان كذلك وهو من حروف (سألتمونيها) حكمنا عليه بكونه تضعيفاً. وقد يكون غير ضِعْفٍ بل صورته صورة الضِّعْف، ولكن دَلَّ دليلٌ على أنَّه لم يقصد به تضعيف فيقابَل في الوزن بلفظه، نحو: سَمْنَان، (سَمْنَان) هذا اختلف فيه الصرفيون اختلاف طويل .. أخذ صفحات عندهم، (سَمْنَان) هل وزنه: (فَعْلَان) أو (فَعْلَال)؟ قيل: (فَعْلَان) وهذا المرَجَّح، لماذا؟ لأنك لو لم تحكم عليه بأنه زائد، فحكمت عليه بأنه مُضَعَّف لقلت: وزنه (فَعْلَال)، و (فَعْلَال) هذا نادر في لسان العرب، و (فَعْلَان) كثير. إذاً: حمله على الكثير أولى من حمله على النَّادر، فنقول: (سَمْنَان) النون الثانية هذه هل هي تضعيفٌ للعين أم أنها زائدة؟ نقول: هي زائدة وليست بتضعيف، لأنك لو قلت: تضعيف لقلت: وزنه (فَعْلَال)، حينئذٍ خَرَجْت بهذه اللفظة إلى ما لا نظير له، أو لِمَا قَلَّ نظيره في لسان العرب، حينئذٍ تحكم عليه بأنه زائد. إذاً: هذا محتمل، صورته صورة التضعيف لأنه مُكرَّر للعين، حينئذٍ لَمَّا كانت صورته صورة التضعيف وقع فيه النِّزَاع بين الصرفيين. أو قد يكون غير ضعفٍ بل صورته صورة الضِّعْف، ولكن دَلَّ دليل على أنه لم يقصد به تضعيف، وهذا الدليل كون (فَعْلَال) نادراً في لسان العرب، هذا الدليل، الذي جعلنا نحكم بكون (فَعْلَان) النون الثانية هذه للزِّيَادة لا للتضعيف، لأننا لو قلنا بالتضعيف لقلنا وزنه: (فَعْلَال) وهذا نادر، وحمل اللفظ على ما هو شائع كثير أولى من حمله على ما هو نادر، و (فَعْلَان) كثير في لسان العرب، سواءً كان في الأسماء، أو في الصفات كـ: عُثْمَان .. (فَعْلَان) سَكْرَان وحَسَّاَن، على خلافٍ في (حسان) أيضاً. إذاً: (سَمْنَان) وزنه: (فَعْلَان) لا (فَعْلَال)؛ لأن (فَعْلَال) بناءٌ نادرٌ. وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ وَالَّذِي ... لاَ يَلْزَمُ الزَّائِدُ مِثْلُ تَا احْتُذِي ثُم قال: بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُولَ فِي ... وَزْنٍ وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِي يعني: يُقابل الأصل بالأصل، والزائد بالزائد، وحينئذٍ كما ذكرنا استُثْنَي من الزائد نوعان لا يُعبَّر عنهما بلفظهما: - المبدل من تاء الافتعال، وهذا سيذكر في آخر النَّظم ضبطه.

- والثاني الذي ذكرناه الآن: المُكرَّر للإلحاق، فإنَّه يُقابل بِمَا يقابل به الأصل، نقول (جَلْبَبَ) .. (فَعْلَلَ) قابلته باللام مع كون اللام لا يقابل بها إلا الأصل .. لا يقابل بها الزائد، والباء الثانية هذه زائدة، فكيف قابلتها باللام وهي تُقابَل بالأصل؟ لكونه للتَّكْرَار، كذلك (اغْدَوْدَن) .. (افْعَوْعَل) الدال الثانية زائدة وقابلتها بالعين، والعين إنما تُقابَل بها أصلٌ، فلماذا قابلت الدال وهي زائدة بالعين؟ نقول: لأنه للتَّكرَار. إذاً: ما كان للتَّكرَار ضُوعِف بمثله. وَضَاعِفِ اللاَّم إِذَاَ أَصْلٌ بِقِي ... كَرَاءِ جَعْفَرٍ وَقَافِ فُسْتُقِ هذا فيما يَتعلَّق بالخماسي والرباعي. وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ ... فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ يعني: ما جعلته للفاء والعين واللام من حروف فِعلٍ، وإذا كان في الموزون تحويل أو حذف أتيت بمثله في الميزان، عرفنا أنَّ (وَزَائدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِي) تأتي بالزائد، لكن لو كان في الموزون .. الكلمة التي تريد وزنها فيها تحويل، يعني: انتقال حرف من مكان إلى مكان، يُسمُونه: قلباً مكانياً. (أو حذف) أتيت بِمثله في الميزان فتقول في (ناءٍ): نَاءٍ على وزن (فَلَع)، لأنه مأخوذٌ من (النأي)، والهمزة هنا وقعت .. أين وقعت الهمزة في (ناءٍ)؟ لاماً .. في الظاهر أنها لام، لكن في الحقيقة هي عين الكلمة، حينئذٍ حصل قلب مكاني .. تحويل، فأُخِّرَت العين وقُدِّمَت اللام - لها تفصيل طويل عندهم لا يعنينا الآن -. حينئذٍ نقول: (نَاءٍ) وزنه (فلع) بتأخير العين عن اللام .. بتقديم اللام على العين، لأنه من (نأى)، وفي (الحادي) كما سبق نقول: وزنه (عَالِف)، (حَادِي) قلنا: الياء هذه منقلبة عن واو كما سبق في (حادي عشر)، قلنا: الياء هذه منقلبة عن واو، وإذا كانت منقلبة عن واو الواو هي فاء الكلمة لأنه من (الوِحْدَة) .. (فِعْلَة)، إذاً: الفاء هي واو الكلمة، وإذا قلت: (حاديو) صارت لام الكلمة، حينئذٍ تقول: الوزن (عَالِف)، الحاء هذه عين الكلمة والواو تأَخَّرَت فقلبت ياءً، إذاً: (حَادِي) وزنه (عَالِف). وتقول في (يَهَبْ) على وزن (يَعَلْ) لماذا؟ لأنه من (وَهَبَ)، وقلنا: الواو إذا وقعت فاء الكلمة حينئذٍ إذا كان من باب: (يَفْعِل)، وعند بعضهم (يَفْعَل) يُقَلَب إلى باب (يَفْعِل) تحذف الواو، صار وزن (يَهَبْ) (يَعَلْ). وفي: (بِعْ) وزنه: (فِلْ)، (بِيعْ) حذفت العين، فتقول وزنه: (فِلْ) بحذف العين، وفي (قَاضْ): (فَاعْ) تحذف العين. إذاً الخلاصة: أنَّه إذا حصل تحويل في الموزون حصل كذلك في الوزن، (تحويل) يعني: قلب مكاني، وأمَّا إذا كان ثَمَّ قلب حرف لحرف مثل: قَالَ، قَالَ تقول وزنه: (فَعَلَ) باعتبار الأصل، إذا حصل إعلال بالقلب حينئذٍ نقول: (قَالَ) وزنه (فَعَلَ)، (بَاعَ) وزنه (بَيَعَ) بالنظر إلى الأصل.

(شَدَّ) وزنه (فَعَلَ) ولا تقل: (فَعَّ) أو (فَلَّ) لا، تقول وزنه: (فَعَلَ) باعتبار أصله، أمَّا التحويل المكاني .. القلب المكاني فلا، تقلب في الوزن ما قُلب في الموزون، وإذا كان ثَمَّ حذفٌ لعِلَّة تَصرِيفيَّة كذلك يحذف، وأمَّا القلب الذي هو إعلالٌ بالقلب .. الواو تقلب ألفاً أو الإدغام فيبقى على أصله .. مراعاةً للأصل، ثُم إنَّ ما تَكرَّرَ فيه الفاء والعين من الرباعي. وَاحْكُمْ بِتَأْصِيلِ حُرُوفِ سِمْسِمِ .. (سِمْسِمِ) هنا ماذا حصل؟ تَكرَّرَ فيه الفاء والعين من الرباعي (سِمْسِم) السين والسين، تَكرَّرَ فيه الفاء والعين من الرباعي، وهذا على نوعين: - الأول: ما لا يدل فيه الاشتقاق على زيادة أحد الحروف، يعني: لا يسقط .. المُكرَّر أو أحد المكرَّرين ليس صالحاً للسقوط .. هذا نوع، وأشار إليه بنحو (سِمْسِم). - والنوع الثاني: ما دَلَّ الاشتقاق على زيادة أحد حروفه، قلنا: معرفة الزائد من غيره كما نَصَّ النَّاظم .. هو في الجملة صحيح لا إشكال فيه: أنَّه ما سقط في بعض الاشتقاقات .. في بعض تصاريف الكلمة يسقط الحرف .. حكمنا عليه بكونه زائداً، (سِمْسِمِ) لا يسقط أبداً، هذا النوع الأول. حينئذٍ أحدهما زائد لأنَّه مُضعَّف وليس صالحاً للسقوط، سيأتي أننا نحكم عليه بكون كل الحروف أصولاً. النوع الثاني: كذلك مُضعَّف .. فاؤه وعينه من جنسٍ واحد، ودَلَّ الاشتقاق على سقوط أحد المكرَّرين في بعض الاشتقاقات والتصاريف، الأول أشار إليه بقوله: (سِمْسِمِ) والثاني (كَلِمْلِمِ) .. (لَمْلِمِ)، أمر: (لَمْلَم) ضبطوه بالماضي: (أوْلَمْلِم). وَاحْكُمْ بِتَأْصِيلِ حُرُوفِ سِمْسِمِ .. هذا أشار به للنوع الأول: ما لا يَدلُّ فيه الاشتقاق على زيادة أحد الحروف، (وَاحْكُمْ بِتَأْصِيلِ) أصول (حُرُوفِ سِمْسِمِ وَنَحْوِهِ) من كل رباعيِّ تَكَرَّرَت فيه - في اللفظ - فاؤه وعينه، ولم يكن أحد المُكرَّرَين صالحاً للسقوط، كما قلنا في (كَوْكَب): قد يكون زائداً ونحكم عليه بكونه زائداً، ولا يمكن إسقاطه في بعض التَّصاريف .. ليس عندنا (كَكَبْ) أبداً، لا يُقال إلا: كَوْكَب .. يُوكَوْكِب .. كَوْكبةً .. مُكَوكِب .. مُكَوْكَب .. كلها، التصاريف كلها ما يسقط منها الواو. إذاً الأصل أن نقول: أنه أصل، لكن يكاد يكون اتفاق على أنَّه زائد، ولذلك وزنه (فَوْعَل)، هنا (سِمْسِمِ) فيه مكرر الذي هو الثاني أو الأول، هل نحكم عليها بكونها كلها أصول، أو نقول هو شأنه كشأن (كَوْكَب) بأنَّه زائد في الأصل وإن لم يكن ساقطاً في بعض المواضع؟ هذا مَحل وفاق بينهم فيما سيأتي. يعني: أنَّ نحو (سِمْسِمِ) يُحكم على حروفه كلها بأنَّها أصول، -الثاني الذي فيه خلاف-. بأنَّها أصول وأنه راباعي لأنَّ أصالة أحد المضعَّفين واجبة تكميلاً لأقل الأصول، وليست أصالة أحدهما أولى من أصالة الآخر فحُكم بأصالتهما معاً (سِمْسِمِ) .. (فِعْلِل)، أُرِيد أن يكون على وزن (فِعْلِل) فقيل: (سِمْسِمِ).

حينئذٍ إمَّا أن يكون الأول هو الزائد أو الثاني هذا مُحتمل، حينئذٍ لَمَّا احتمل أن يكون أحد المضعَّفَيْن زائداً مع عدم إمكان إسقاطه في بعض التصاريف بل في التصاريف كلها، قالوا: ليس أحدهما أولى بالحكم بالزيادة من الآخر فحكموا عليه بكونه أصلاً. إذاً: كلُّ ما كان على هذا النوع من وزن (سِمْسِمِ) ولم يسقط فكلها أصول ولو كان مُضعَّفاً، هذا أشبه ما يكون بالاستدراك مِمَّا سبق، لأنَّه قال: وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ ... فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ حينئذٍ نقول: إلا الرباعي - (إلا) يستثنى - إلا الرباعي إذا كُرِّرَت فيه فاؤه وعينه ولم يسقط واحدٌ من هذين المكررين في تصريفٍ من التصاريف البَتَّة حكمنا عليها بكونها كلها أصولاً، لماذا؟ لأن أحد هذين المضعَّفَيْن زائد من أجل تكميل الوزن، وأيهما الذي زيد؟ إن قلنا الأول ولم يكن هو جَنَيْنَا عليه، وإن قلنا الثاني ولم يكن هو جَنَيْنَا عليه، ودفعاً لهذا قالوا: إذاً نحكم عليها بكونها كلها أصولاً. إذاً: إذا كان الرباعي تَكَرَّرَت فاؤه وعينه - انظر! الحكم هنا على السين ليست على الميم -، تَكَرَّرَت فاؤه وعينه ثُم نظرنا الثاني مُكرَّر والأول مثله، أيهما زِيد؟ ليس عندنا ثَبَتْ .. ليس عندنا حجة .. دليل، لو كان عندنا دليل مثل (جَلْبَبَ) قلنا: أصله (جَلَبَ)، إذاً: الباء الأولى أصل والثانية زائدة .. مُكرَّرة قطعاً، فما جَنَيْنَا على الباء الأولى .. حكمنا بأصالتها، أمَّا (سِمْسِمِ) ليس عندنا ثَبَتْ، وإذا لم يكن عندنا دليل بالحكم على الحرف بكونه زائداً فالأصل الأصالة. وهنا لم يمكن تحديد أيُّ الحرفين هو الزائد، فحكمنا عليها بكونها أصولاً، لأنَّ الثاني إنما زيد أو الأول .. زيد تكميلاً لكونه رباعياً، ليأتي على وزن (فِعْلِل) .. (سِمْسِمِ)، وأمَّا إذا كان كذلك قلنا: هذا أصل. إذاً: أن نحو (سِمْسِمِ) يُحكم على حروفه كلها بأنها أصول مع كونه مُضعَّف، وسبق: وَإِنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْلِ ... فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ نقول: هذا استثناء، انتبه! وأنه رباعي لأن أصالة أحد المضعَّفيْن واجبة .. لا بُدَّ أن يكون واجب، لماذا؟ واحد من السِّينَين لا بُدَّ أن يكون أصلاً، لأنه لا ينقص عن ثلاثة أحرف، لا بُدَّ أن يكون واجباً، لأن عندنا ميمان حكمنا عليهما بأنهما أصلان، إذاً: لا بُدَّ واحد من السينين أصل، لأنه لا يقل عن ثلاثة أحرف، إذاً: أيُّ هذا الذي يكون أصلاً؟ من باب المنَّة نحكم على الحرفين بأنهما أصلان، لأن أصالة أحد المضعَّفيْن واجبة تكميلاً لأقل الأصول لأنَّه رباعي، وليست أصالة أحدهما أولى من أصالة الآخر فحُكِم بأصالتهما معاً. إذاً ضابط هذا النوع: أنَّه إذا كانت العين والفاء من الرباعي مُضعَّفتين ولم يسقط الحرف .. أحد هذين المضعَّفيْن لم يسقط في تصريفٍ من التصاريف حكمنا على الحروف بكونها أصولاً. وَاحْكُمْ بِتَأْصِيْلِ حُرُوفِ سِمْسِمِ ... وَنَحْوِهِ. . . . . . . . . . . . مِمَّا جاء على مثله، يعني: أراد به ضابط، ليست الكلمة هنا وحدها بل لا، كل ما كان على هذا المثال.

(وَالْخُلْفُ فِي كَلَمْلَمِ) .. (لَمْلِمِ)، الأكثر على ضبطه بأنَّه فعل أمر (لَمْلِم)، (لَمْلَمَ) هذا فعل ماضي، (لَمْلِمْ) هذا فعل أمر، وأشار إلى الثاني بقوله: (وَالْخُلْفُ) اختلاف .. مبتدأ، (وَاحْكُمْ) هذا فعل أمر، (بِتَأْصِيلِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْكُمْ)، (تَأْصِيلِ) مضاف، و (حُرُوفِ) مضاف إليه على حذف مضاف، يعني: أصول حروف، (سِمْسِمِ) .. (حُرُوفِ) مضاف، و (سِمْسِمِ) مضاف إليه، و (نَحْوِهِ) معطوف على (سِمْسِمِ). (وَالْخُلْفُ) هذا مبتدأ، (فِي كَلَمْلَمِ) الكاف هنا اسْميَّة، (فِي كَلَمْلِمِ) إذاً (فِي) هنا دخلت على الكاف وهي اسْميَّة، يعني: (فِي مِثْل لَمْلِم) فعل أمر، وأشار إلى النوع الثاني وهو ما تَكَرَّرت فيه الفاء والعين من الرباعي، وأحد المُكرَّرين صالحٌ للسقوط، هل هو كـ: (سِمْسِمِ) أو لا؟ هذا فيه خلاف. (وَالْخُلْفُ) في الرباعي المذكور الذي أحد المكررين فيه صالحٌ للسقوط كـ: (لَمْلِم)، يعني: أنَّ فيما كان نحو (لَمْلِم) فعل أمر من (لَمْلَمَ) مما في اشتقاقه دليلٌ على زيادة أحد المضعَّفيْن خلافاً .. وقع خلافٌ بين النُّحاة، فمذهب البصريين أنَّ حروفه كلها أصول، مثل (سِمْسِمِ) .. ألحقوه بـ: (سِمْسِمِ) فوزنه حينئذٍ (فَعْلِل) .. (لَمْلِم) قابلوا الثاني باللام، هذا الذي ينبني عليه: أنه يُقابل باللام. ومذهب الكوفيين: أنَّ الأصل (لَمَّمَ) ثلاث ميمات، فأُبدل من ثاني المضعَّفيْن لامٌ كراهة التَّضْعِيف، لتوالي ثلاثة أمثال، فأبدل من أحدهما حرفٌ يُماثل الفاء، إذاً: عند الكوفيين أنه ليس بأصلٍ، يعني: ليس الحرف الزائد بأصلٍ .. لا يُعامل مُعاملة (سِمْسِمِ) وإنما أصل: (لَمْلَم): (لَمِّمْ)، عندنا كم ميم؟ ثلاث ميمات. كراهة التوالي .. ثلاث ميمات أبدلت الثانية لاماً فقيل: (لَمْلِم)، إذاً: اللام الثانية هذه أصلها ميم .. مُبْدلة عن ميمٍ، إذاً: ليست بأصل، ولذلك هو مأخوذٌ من (لَمَّ)، (لَمَّ) على ثلاثة أحرف، و (لَمِّمْ) هذا على أربعة أحرف، إذاً: سقط الحرف الثالث الذي هو أحد الميمين، فدل على أنَّه ليس بأصلٍ، بل هو زائد. إذاً: (وَالْخُلْفُ فِي كَلَمْلِمِ) (لَمْلِم) عند البصريين أنَّه محمولٌ على (سِمْسِمِ) وإنْ دَلَّ الاشتقاق على سقوط أحد المضعَّفيْن وهو الميم الثانية، وعند الكوفيين لا (لَمْلِم) اللام الثانية مُبدَلَة عن ميمٍ، حينئذٍ لا تأخذها في الأصل كما هو، إذا قيل: (لَمْلِم) حينئذٍ هل حصل عندنا تضعيف على مذهب الكوفيين؟ (لَمْلِم) قلنا: ما تَكرَّرَت عينه وفاؤه، على مذهب البصريين نعم فيه تضعيف، وعلى مذهب الكوفيين ليس عندنا تضعيف، لأن اللام الثانية إنما هي مُبدَلَة عن الميم وليست هي أصل لتضعيف اللام .. اللام الأولى .. فاء الكلمة، لا، وإنما هي مُبدَلَة عن ميمٍ. إذاً: وَاحْكُمْ بِتَأْصِيلِ حُرُوفِ سِمْسِمِ ... وَنَحْوِهِ وَالْخُلْفُ فِي كَلَمْلِمِ قال الشَّارح: " المراد بـ: (سِمْسِمِ) الرباعي الذي تَكرَّرَت فاؤه وعينُه " قلنا: هذا على نوعين: ما تَكرَّرت فاؤه وعينه من الرباعي كـ: (سِمْسِمِ وَنَحْوِهِ) نقول: هذا على نوعين:

- ما لا يدل الاشتقاق وتصريف الكلمة على سقوط أحد المُضعَّفيْن، لأنَّه لَمَّا قال: تَكرَّرت فاؤه وعينه، علمنا أنه من باب المُضعَّف. النوع الأول: ما لا يدلُّ الاشتقاق على سقوط أحد المُضعَّفيْن، أشار إليه بـ: (سِمْسِمِ). - الثاني: دل الاشتقاق على سقوطه، حينئذٍ انضبط عليه حَدُّ الزائد فصار زائداً، هذا هو الأصل. ولم يكن أحد المكرَّرين صالحاً للسقوط، فهذا النوع يحكم على حروفه كلها بأنها أصول، فإذا صلح أحد المكررين للسقوط .. لم يحك فيه خلافاً هنا، وإنما جعل الخلاف في الثاني، فدلَّ على أن الأول متفقٌ عليه، لأنَّه لَمَّا قال: (وَالْخُلْفُ فِي كَلَمْلِمِ) وسكت عن الأول دَلَّ على أنَّه متفقٌ عليه. إذاً: ما كان نحو (سِمْسِمِ) مِمَّا ضُوعفت الفاء والعين من الرباعي ولم يسقط في أحد التصاريف حكمنا عليه بأنَّ حروفه كلها أصول على مذهب البصريين والكوفيين، وأمَّا الثاني فهو محل الخلاف، فإذا صلح أحد المُكرَّرين للسقوط ففي الحكم عليه بالزيادة خلافٌ، وذلك نحو (لَمْلِمِ) أمرٌ من (لَمْلَمَ)، و (كَفْكِفْ) أمرٌ من (كَفْكَفَ) .. (فَعْلَلَ) على مذهب البصريين. فاللام الثانية (لَمْلِمِ) والكاف الثانية من (كَفْكِفْ) صالحان للسقوط، لماذا؟ بدليل صِحَّة (لَمَّ) و (كَفَّ)، (لَمَّ) فعل ماضي .. فيه ميمان، و (كَفَّ) كذلك .. لم توجد الكاف الثانية، و (لَمَّ) لم توجد اللام الثانية، إذاً: سقطت في بعض التصاريف، وهذا ضابط الزيادة، فاختلف الناس في ذلك .. كل الناس؟! النُّحاة أو الصرفيون، هذا من إطلاق العام وأريد به الخاص .. فاختلف الناس في ذلك، وما كان لهم أن يختلفوا. فقيل: إنَّه كالنوع الأول - هذا القول الأول -، كالنوع الأول، حروفه كلها محكومٌ بأصالتها، وهما مادتان، يعني: كلٌّ منهما منفصلٌ عن الثاني، وليس (كَفْكَف) من (كَفَّ)، ولا (لَمْلَم) من (لَمَّ) كلٌّ منهما موضوعٌ له وضع أصلي، ليس أحدهما مأخوذاً من الآخر. إذاً: حجة البصريين - وهذا مذهب البصريين .. القول الأول حكاه ابن عقيل مذهب البصريين - إذاً: حجة البصريين في كون (لَمْلِمِ) اللام الثانية أصل أو أنها مُضَعَّف، أو حملت على الأصليَّة كـ: (سِمْسِمِ) أنَّها ليست مرتبطة بـ: (لَمَّ)، هل (لَمْلِمِ) مأخوذةٌ ومُشتقةٌ من (لَمَّ)؟ البصريين قالوا: لا، إذاً: فكُّوها عنها، إذاً: ليس ثَمَّ اشتقاق يَدلُّ على صحة سقوط الحرف الثاني الذي هو العين، حينئذٍ حملوه على (سِمْسِمِ). لكن إذا قيل بهذا حينئذٍ أصل المسألة اختلف فيه، لأنَّه إذا قيل: كلٌّ منهما مادة مُستقلة، نحن فرضنا المسألة .. النوع الثاني فيما كُرِّرَت فاؤه وعينه وصلح أحد المُكرَّرين للسقوط في الحكم عليه بالزيادة خلاف، إذا جعلنا كلاًّ من (لَمَّ) و (لَمْلَم) أصل، ولا نرد الثاني إليه كيف صحت أصل المسألة؟

نحن صَوَّرنا المسألة الثانية .. النوع الثاني فيما دَلَّ الاشتقاق على إسقاط أحد المضعَّفيْن، وإذا نازع البصريون في كون (لَمَّ) من (لَمْلَم) وحينئذٍ كيف جاءت أصل المسألة؟ نحن فرضناها فيما دَلَّ الدليل على أنَّ أحد المُضعَّفيْن يسقط في بعض التصاريف، فإذا قلنا: هذه مادة وهذه مادة ليس أحدهما مُشتقاً من الآخر، ما الدليل على إسقاط أحد الحرفين؟ إذاً: يصير على هذا عند البصريين لا فرق بينهما .. لا فرق بين النوعين، وإنما يصلح أن يكون التقسيم الثنائي هذا للرباعي إذا كانت عينه وفاؤه مُكرَّرتين مطلقاً .. لم يدلَّ دليل على إسقاط أحد المُضعَّفيْن، هذا محل إشكال. إذاً قيل: هما مادتان، يعني قيل: كالنوع الأول مثل (سِمْسِمِ) حروفه كلها محكومٌ بأصالتها، وهما مادتان، وليس (كَفْكَفَ) من (كَفَّ)، ولا (لَمْلَم) من (لَمَّ) .. (كَفْكِفَ) من (كَفَّ)، ولا (لَمْلِم) من (لَمَّ)، فلا تكون اللام والكاف زائدتين، وهذا مذهب البصريين. وعليه: فالنوع واحد ليس اثنان .. على مذهب البصريين ليس عندنا إلا نوعٌ واحد، وحينئذٍ حكاية الخلاف من النَّاظم هنا هذا مبناه على مذهب الكوفيين وليس على مذهب البصريين، هذا الظاهر والله أعلم. هما مادتان، فلا تكون اللام والكاف زائدتين، وقيل: إنَّ الصَّالح للسقوط زائدٌ واللام زائدة، وكذا الكاف، وحينئذٍ وزنُه: (فَعْكِل) .. على هذا القول وزنُه: (فَعْكِل)، وقيل: هما بدلان من حرفٍ مُضاعف، والأصل: (لَمِّمْ) و (كَفكِفْ)، (لَمِّمْ) ثلاث ميمات، و (كَفِّفْ) ثلاث فاءات، كراهةً لتوالي الأمثال في الميمات أو الفاءات قلبوا الفاء الثانية كافاً لمناسبة الفاء (كَفْكِفْ)، إذاً: الكاف .. التي هي الكاف الثانية مُنقلبة عن فاء، وكذلك (لَمِّمْ) الميم الثانية انقلبت لاماً، إذاً: ليست بتضعيفٍ. ثُم أبدل من أحد المُضعَّفيْن لامٌ في (لَمْلِم) وكاف في (كَفْكِفْ) وهذا مذهب الكوفيين، والأول مذهب البصريين، وما وسَّطَه ابن عقيل مذهب الزَّجَّاج، يعني: اللام زائدة والكاف زائدة؛ لأنها صالحة للسقوط، وإذا اعتبرنا أن كلاًّ منهما مُضعَّف، وأنَّه يسقط تقول: (لَمْلِم) من (لَمَّ)، و (كَفْكِف) من (كَفَّ)، وسقط أحد المُضعَّفَيْن في بعض التصاريف حكمنا عليه بأنَّه زائد، هذا هو الأصل. إذاً خلاصة البحث: أنَّ ما كان على أربعة أحرف وهو مُضعَّف الفاء والعين، حينئذٍ إمَّا أن يسقط في بعض التصاريف أو لا، الأول كلها أصول، والثاني فيه نزاع: مذهب البصريين إلحاقه بالأول كـ: (سِمْسِمِ) وهذا ليس بظاهر، ومذهب الكوفيين أنه ليس مُضعَّفاً وإنَّما هو مُبدلٌ من زائدٍ. ثُم شرع النَّاظم في بيان ما تَطَّرِد زيادته من الحروف العشرة: (سألتمونيها)، سيذكر كل حرف له ضابط، متى نحكم عليه بأنَّه زائد؟ وهذه لها تفاصيل طويل عريضة عندهم واستثناءات وإلى آخره، لكن نذكر ما يذكره النَّاظم هنا. ثُم شرع النَّاظم في بيان ما تَطَّرِد زيادته من الحروف العشرة، وبدأ بالألف فقال: فَأَلِفٌ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَينِ ... صَاحَبَ زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ

(فَأَلِفٌ) الفاء هنا فاء الفصيحة، أو تفريع لِمَا سبق، (أَلِفٌ) هذا مبتدأ، (أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَينِ صَاحَبَ): صَاحَب أكْثَر مِن أصْلين، (زَائِدٌ) خبر المبتدأ، وجملة: (صَاحَب أكْثَر مِن أصْلين) صفة لـ: (أَلِفٌ) ألفٌ مُصاحبٌ أكْثَر مِن أصْلين، إذاً: (أَكْثَرَ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (صَاحَبَ)، و (مِنْ أَصْلَينِ) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (أَكْثَرَ) لأنه أفعل التفضيل، (صَاحَبَ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على الألف، (زَائِدٌ) هذا خبر، (أَلِفٌ) مبتدأ. (بِغَيْرِ مَيْنِ) بغير كذب .. شك، يعني: كأن هذا الحكم مجمعٌ عليه - وهو كذلك -، (زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ) .. (بِغَيْرِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (زَائِدٌ) وهو مضاف، و (مَيْنِ) مضاف إليه، يعني: إذا صحبت الألف ثلاثة أحرفٍ أصول حُكِم بزيادتها .. كل ألفٍ وُجدت مع ثلاثة أحرف أصول حينئذٍ تحكم بأنها زائدة، ولذلك قال: (أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَينِ) و (أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَينِ) ثلاثة فأكثر. فإن صحبت أصلاً واحداً فهي أصلية، وإن صاحبت أصلين فهي أصليَّة، متى نحكم عليها بأنها زائدة؟ إذا صاحبت أكثر من أصلين: فَأَلِفٌ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَينِ ... صَاحَبَ زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ لأن (أَكْثَرَ) فيما صحبت الألف فيه أكثر من أصلين الزيادة، هذا بالاستقراء، يعني: نظروا .. بحثوا في المفردات، هذا استقراء، يعني: الحكم هذا ما جاء هكذا ثُم بَحثوا، لا بَحثوا ثُم قَعَّدُوا، نظروا في أنَّ الألف إذا صاحبت أكثر من أصلين تكون زائدةً، حينئذٍ ما لم يُعلم حملوه على ما عُلِم .. من باب القياس، هذا يُسمَّى: الاستقراء، لَكنَّه استقراء ناقص. لأن (أَكْثَرَ) فيما صحبت الألف فيه أكثر من أصلين الزيادة، حكمنا عليها بكونها زائدة بالنظر، وقد عُلِمَت زيادتها بالاشتقاق، يعني: سقوطها في بعض التصاريف، فحُمِل عليه ما سواه، يعني: نظروا النُّحاة الصرفيون في الألف، فوجدوا أنها إذا صاحبت أكثر من أصلين: ثلاثة فصاعداً .. وجدوا أنها زائدة، وإنما علموا زيادتها بالاشتقاق فحمل عليه غيره، فقالوا قاعدة عامَّة: إذا صحبت الألف أكثر من أصلين فاحكم عليها بأنها زائدة، وفُهِم منه: أنَّ الألف إذا صحبت أصلين فقط ليست بزائدة نحو: باب، (بَابٌ) الباء الأولى زائدة أو أصل؟ أصل، والباء الثانية أصل، فالألف صحبت أصلين فقط هنا، نحكم عليها بأنها زائدة؟ الجواب: لا، إذاً: هي أصلٌ .. نحكم عليها بأنَّها أصل مباشرة لأنها صحبت أصلين وهو كذلك، لأن الألف هذه منقلبة عن واو، كذلك نحو: قَالَ، صحبت أصلين: القاف واللام، نحكم عليها بأنَّها أصلاً وليست بزائدة. بل هي في الأسماء المُتمكِّنة والأفعال بدلٌ من ياء، لكن إذا صحبت أصلين فقط تكون أصلاً لكن لا بذاتها، يعني: منقلبة عن أصلٍ، (لا بذاتها) يعني: ليست منقلبة، وإنما تكون منقلبة عن واو أو ياء، هذا الأصل فيها.

بل هي في الأسماء المُتمكِّنَة والأفعال بدلٌ من ياءٍ كـ: ألف (بَاعَ) و (رَمَى) بَاعَ .. بَيَعَ، الألف هذه منقلبة عن ياء، أصله: بَيَعَ، إذاً: هي أصلٌ وليست بأصل، (أصلٌ) باعتبار كونها مُنقلبة عن أصل، و (ليست أصلاً) باعتبار كونها ليست منقلبة عن أصل، لا تكون زائدة هكذا ليست مُنقلبة. لا توجد الألف في الأسماء مُتمكِّنَة والأفعال ثلاثي وهي أصلٌ بنفسها .. لا تكون، بل هي مُنقلبة عن أصلٍ إمَّا واو أو ياء، فألفُ (باع) هذه مُنقلِبة عن ياء، وألف (رمى) مُنقلِبة عن ياء، (بَاعَ) .. (بَيَعَ) وقعت الألف هنا عيناً .. عين الكلمة، هي مُنقلِبة عن ياء. (رَمَىَ) .. (رَمَيَ) وقعت الألف هنا لاماً .. لام الكلمة (فَعَلَ) حينئذٍ هي منقلبة عن ياء، و (نَابَ) و (فَتَى)، (نَابَ) فعل ماضي (نَيَبَ) مثل (بَيَعَ)، و (نَابٌ) و (فتَىَ) .. (نَابْ) جمعه: أنياب، تصغيره: نُيَيب، إذاً: الألف هذه منقلبة عن ياء في الاسم، وكذلك نحو: فَتَى، تقول: فَتَيَان .. فِتْيَة، إذاً: الألف هذه منقلبة عن ياء. أو من واوٍ كـ: ألف (قاَلَ) و (دَعَا) و (تَابَ) و (عَصَا)، (قَالَ) .. قَوَلَ، و (دَعَا) .. دَعَوَ، و (تَابَ) من التوبة وهو وَاويَّة، و (عَصَا) .. عصوَ .. عَصَوَان تقول. إذاً: إذا صاحبت الألف أصلين حكمت عليها بكونها أصليَّة، ثُم إنْ كانت ثُلاثية في ثلاثي فاحكم عليها بأنَّها منقلبة إمَّا عن واو، وإمَّا عن ياء، سواءً كانت عيناً أو لاماً، ولا تقع فاءً البَتَّة، لأنَّه تقع الياء فاء، وتقع الواو فاءً، لكن لا يُمكن أن يوجد فيها شرط قلب الواو أو الياء ألفاً، لأنَّه يُشترط انفتاح ما قبلها من نفس الكلمة - هذا سيأتي بحثه -. ولا تُزاد الألف أولاً .. لا تقع في أول الكلمة زائدة، وتُزَاد ثانياً كـ: ضَارِب، وتُزَاد ثالثاً كـ: عِمَاد، عِمَاد وقعت ثالثةً، وتُزَاد رابعةً كـ: شِمْلَال، شِمْلَال الألف وقعت رابعة، وخامساً كـ: قرقاء؟؟؟ الألف وقعت خامسة، وسادسةً كـ: قَبَعْثَرَى، قلنا: الألف للتكثير، (قَبَعْثَرَى) ليس بجمعٍ هذا .. هي للتَّكثير وليست للتَّكسير. إذاً: تقع ثانياً، وتقع زائدةً ثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً، ولا تقع أولاً البَتَّة. فَأَلِفٌ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَينِ ... صَاحَبَ زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ وأمَّا المبنيَّات والحروف فلا وجه للحكم بزيادتها فيها، يعني: إذا وقعت الألف في المبنيات والحروف هل نحكم بأنَّها زائدة؟ لا، لأنَّا ما نحكم عليها بأنَّها زائدة إلا بالاشتقاق: وَالْحَرْفُ إِنْ يَلْزَمْ فَأَصْلٌ وَالَّذِي ... لاَ يَلْزَمُ. . . . . . . . . . . . . . . . فليس بأصلٍ .. الزَّائِدُ. حينئذٍ لا نحكم بكون الألف زائدة أو لا إلا بالاشتقاق، في كونها تسقط في بعض التصاريف، والمبني لا يُتصرَّف فيه، والحرف لا يُتصرَّف فيه، إذاً: لا تكون زائدةً .. لا نحكم عليها بالزيادة. وأمَّا المبنيَّات والحروف فلا وجه للحكم بزيادتها فيها، لأن ذلك إنما يعرف بالاشتقاق وهو مفقودٌ هنا، وكذلك الأسماء الأعجمية كـ: إبراهيم وإسحاق، كل ما خرج عن التصريف لا يُحكم عليه بكون هذا الحرف زائد ونحو ذلك.

وتزاد في الفعل ثانيةً نحو: قَاتَل، وثالثةً نحو: تَغَافل، ورابعةً نحو: سَلْقَى، وخامسةً نحو: إجْأَوَى، وسادسةً نحو: اغْرَنْدَى. قال الشَّارح هنا: " إذا صَحِبَت الألف ثلاثة أحرف أصولٍ حُكم بزيادتها، نحو: ضاربٍ " وقعت مع ثلاثة أحرف أصول الضاء والراء والباء، والألف وقعت ثانيةً، و (غَضْبَى) وقعت رابعةً. " فإنْ صحبت أصلين فقط فليست زائدة، بل هي إمَّا أصلٌ كـ: إِلَى " (إِلَى) هذه وقعت في أول الكلام .. لا تكون منقلبة عن أصلٍ أبداً، (إِلَى) بكسر الهمزة .. بزنة: (رِضَى) .. (نِعْمَى) وهو واحد الآلاء. " وإمَّا بدلٌ من أصلٍ وذلك كـ: قَالَ وبَاعَ " (قَالَ) منقلبة عن واو، و (بَاعَ) منقلبة عن ياء. ويستثنى من كلامه نحو: عَاعَ وضَوْضَى، من مُضاعف الرُّباعي، فإنَّ الألف فيه بدلٌّ من أصلٍ وليست زائدة. وَالْيَا كَذَا وَالْوَاوُ إِنْ لَمْ يَقَعَا ... كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا (وَالْيَا كَذَا) كذا الياء، يعني مثل الألف: إن صاحبت أكثر من أصلين حكمت عليها بأنَّها زائدة، (وَالْوَاوُ) كذا: كذلك إنْ صاحبت أكثر من أصلين حكمت عليها بالزيادة. (وَالْيَا) مبتدأ .. قصره للضَّرورة، (كَذَا) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر، (وَالْوَاوُ) مبتدأ حذف خبره (والواو كذلك) يعني: أنَّ الواو والياء كالألف في الحكم عليهما بالزيادة إنْ صحبت أكثر من أصلين، (إِنْ لِمْ يَقَعَا) مُكرَّرَين، (يَقَعَا) الألف هذه تَثْنِيَة .. ألف الاثنين فاعل، (كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ) هنا (يُؤْيُؤْ) وقعت مُكرَّرة، الياء والياء الثانية، الياء الأولى (يُؤْيُؤْ) وقعت مُكرَّرة .. الفاء والعين، (وَعْوَع) وقعت الواو مُكرَّرة. إذا وقعت مُكرَّرة في الثنائي فحينئذٍ لا نحكم عليها بكونها زائدة، هذا استثناء مِمَّا سبق، فهذا النوع يُحكم فيه بأصالة حروفه كلها كما حُكم بأصالة حروف (سِمْسِمِ)، (يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا) هذا من باب: (سِمْسِمِ) فيما سبق. إلا إذا تَكرَّرت في اسمٍ ثُنائيٍ مُكرَّر في نحو: (يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا)، (وَوَعْوَعَا) هذا مصدر: وعوع السبع إذا صَوَّتْ، و (يُؤْيُؤْ) هذا اسم طائر. إذاً: إذا صحبت الياء أو الواو ثلاثة أحرفٍ أصول فإنَّه يُحكم بكونها زائدة، إلا في الثنائي المُكرَّر فإنَّه يكون من باب: (سِمْسِم)، وباب: (سِمْسِم) كما علمنا أنَّه إذا ضوعفت عينه وفاؤه على مذهب البصريين حكمنا عليه بكون حرفين أصليين، فالأول كـ: صَيْرَف على وزن: (فَيْعَل) فالصاد أصلية والراء والفاء. إذاً: صحبت الياء أكثر من أصلين .. ثلاثة أصول حكمنا على الياء بكونها زائدة، و (يَعْمَل) من العمل (يَفْعَل)، إذاً: الياء هذه زائدة، و (جَوْهَر) .. (فَوْعَل)، و (عَجُوز) .. (فَعُول)، حينئذٍ حكمنا على الواو في هذين الموضعين بكونها زائدة؛ لأنَّها صحبت أكثر من أصلين. إذاً الشرط الأول في الحكم على الياء والواو بكونهما زائدتين: أن يصطحبا أكثر من أصلين، والشرط الثاني: ما أشار إليه بقوله: . . . . . . . إِنْ لَمْ يَقَعَا ... كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ. . . . . يعني: ألا تكون الكلمة من باب: (سِمْسِمِ) في الواو والياء، وهو ما أشار إليه بقوله: . . . . . . .

إِنْ لَمْ يَقَعَا ... كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا الشرط الثالث: ألا تتصدر الواو مطلقاً على رأي الجمهور، يعني: لا نحكم على الواو بكونها زائدة إذا وقعت في أول الكلام، فنحكم عليها زائدة إذا لم تكن أولاً .. لم تتصدَّر في الكلام، ولا الياء قبل أربعة أصولٍ في غير مضارعٍ. إذاً الشروط ثلاثة: - أولاً: أن تصحب أكثر من أصلين .. ثلاثة أصول فصاعداً. - الثاني: ألا تكون من باب: (سِمْسِم)، (يُؤْيُؤٍ) في الياء (وَعْوَعَا) في الواو. - الثالث: ألا تتصدر الواو مطلقاً، وهذا مذهب الجمهور، ولا الياء قبل أربعة أصولٍ في غير مضارعٍ. وفهم من قوله (وَالْيَا كَذَا وَالْوَاوُ): أنَّهما إذا صحبا أصلين حكم بأصالتهما كالألف، (كَذَا وَالْوَاوُ) يعني: مثل الألف، إذا صاحبت أكثر من أًصلين: ثلاثة فصاعداً فهي زائدة، إذا صحبت أصلين فهي أصلٌ نحو: بَيْعٌ، صاحبت الباء والعين إذاً الياء هنا أصلية، و (يَوْم) الواو أصلية لأنها صحبت أصلين .. (بيت) و (سوط) نقول: هنا أصلية لأنها صحبت أصلين. وَالْيَا كَذَا وَالْوَاوُ إِنْ لَمْ يَقَعَا ... كَمَا هُمَا. . . . . . . . . (إِنْ) هذا حرف شرط، و (لَمْ) نافية جازمة، (يَقَعَا) يقعان .. فعل مضارع مجزومٌ بـ: (لِمْ) وجزمه حذف النون، والألف هذه فاعل، تعود إلى الياء والواو، فهم منه: أنهما إذا صحبا أكثر من أصلين حكم عليهما نحو: صَيْرف؟؟؟ (إِنْ لِمْ يَقَعَا كَمَا هُمَا) .. (كَمَا هُمَا) هذا في موضع الحال من الألف .. ألف الاثنين، (فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا) حينئذٍ (فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا) نقول: هذا من باب (سِمْسِمِ). قال الشَّارح هنا: " أي: كذلك إذا صحبت الياء أو الواو ثلاثة أحرف أصول، فإنَّه يُحكم بزيادتهما إلا في الثنائي المكرَّر، لأنَّه بالتَّكرَار صار من باب (سِمْسِمِ) فحكمه كما سبق، فالأول كـ: صَيْرَفٍ ويَعْمَلٍ وجَوْهَرٍ وعَجُوز، والثاني كـ: (يُؤْيُؤٍ) .. الثنائي المُكرَّر، (يُؤْيُؤٍ) لطائر ذي مخلب، (وَوَعْوَعَة) مصدر: وَعْوَعَ إذا صَوَّت. وتزاد الياء أولاً نحو: (يَرْمَعَ) اسمٌ للحصباء البيضاء، وثانياً كـ: صَيْرف، مَثَّل له الشَّارح هنا، ومثله: ضَيْغَم، والأولى كذلك: يَلْمَع، زادت أولى، وثالثةً نحو: قضيب، ورابعةً نحو: حِذْرِية، وخامسةً نحو: سُلْحَفِيَة بتخفيف الياء، وقيل وسادسة نحو: مغناطيس، لكن هذا على القول بأنَّه مُعرَّب، أمَّا إذا قيل أنه لا .. وسابعة على خلاف فيها. ولا تزاد الواو أولاً وتزاد ثانياً كـ: جَوْهَر، وثالثاً كـ: جَهْوَر، ورابعة كـ: عصفور، وخامسة نحو: قمحذوة اسمٌ لمُؤخَّر القفا. ثُم قال: وَهكَذَا هَمْزٌ وَمِيْمٌ سَبَقَا ... ثَلاَثَةً تَأْصِيلُهَا تَحَقَّقَا (وَهكَذَا) يعني: مثل ما سبق .. خبر مُقدَّم، (هَمْزٌ) هذا مبتدأ، (وَمِيمٌ) عطفٌ عليه، (سَبَقَا ثَلاَثَةً) أي: يُحكم على الهمزة والميم بكونهما زائدين إذا تَقَدَّمتَا على ثلاثة أحرف أصول .. (إذا سبقا) يعني: سبقت الهمزة .. ابتدأت، ثُم تلاها ثلاثة حروف أصول، حكمنا على الهمزة بكونها زائدة: (أحمد) الحاء والميم والدال أصول، وسبقت هنا الهمزة، إذاً: حكمنا على الهمزة بكونها زائدة.

كذلك: (مُكْرِم) الكاف والراء والميم أصول وسبقت الميم هنا .. الميم الأولى، (مُكْرِم) على وزن (مُفْعِل)، إذاً: حكمنا على هذه الميم بكونها زائدة. (ثَلاَثَةً تَأْصِيلُهَا تَحَقَّقَا) يعني: لا شَكَّ فيه .. يعني: مُحقَّقٌ كونها أصلية، وأمَّا إذا لم يكن كذلك فالأمر فيه احتمال، يعني: أنًّ الهمزة والميم متساويتان في أنَّه إذا تأخَّر عنهما ثلاثة أحرفٍ مقطوعٌ بأصالتها حُكم عليهما بالزيادة، لدلالة الاشتقاق في أكثر الصُّور على زيادتهما، يعني: أكثر ما اسْتُقْرِئ من كلام العرب في المفردات: أنَّ الهمزة الميم إذا سبقت ثلاثة أحرف أصول فهي زائدة، وحُمل عليه ما لم يستقرأ نحو: أفْضَل، الفاء والضاد واللام هذه أصول، وسبقت الهمزة .. أفْعَل تفضيل، حكمنا عليها بكونها زائدة، و (أحمد) و (مكرم) و (منطلق). وحمل عليه ما سواه نحو: أفْكَل، نقول: الهمزة هذه زائدة لأنَّ الفاء والكاف واللام أصول، إذاً: حكمنا عليها بكونها زائدة، و (مِخْلَف) نحكم عليها بكونها زائدة .. نحكم عليه بكونها زائدة ولو لم تسقط، يعني (مُكْرِم) ممكن تقول: كَرُمَ، سقطت الميم .. حكمنا على الميم بكونها زائدة، لكن (أفْكَل) ليس عندنا (فَكَلَ)، فنحكم على هذه الألف بكونها زائدة لأنَّ الألف إذا وقعت أولاً وتلاها ثلاثة أحرف أصول حكمنا عليها بكونها زائدة، هذا المراد بالحمل هنا. يعني: لا يُشترط في (أفْكَل) أننا ننزع الهمزة لا .. مثل: أحمد ومكرم ومنطلق، نقول: هناك لو نزعنا الهمزة: أحمد .. حَمِد نقول: محمود، المادة ليس فيها همزة، حينئذٍ كذلك في: مُكْرِم .. أكرم .. يكرم فهو مكرم، إذاً: الميم سقطت. (أفْكَل) جاءنا (أفْكَل)، هل الألف .. الهمزة هذه زائدة أم أصل؟ نقول: الأكثر في لسان العرب أن تكون الهمزة إذا تبعها ثلاثة أصول أنها زائدة، فنحكم عليها أنها زائدة، ولو لم تسقط في التصاريف، كذلك نحو: مَخْلب. وفهم من قوله (سَبَقَا): أنهما لا تَطَّرِد زيادتهما في غير الأول .. هذا في الجملة، وفُهِم من قوله (تَأْصِيلُهَا تُحِقِّقَا): أنَّ الثلاثة الأحرف الواقعة بعدهما .. بعد الميم والهمزة، إذا لم تَتَحقَّق أصالتها لم يُحكم بزيادتهما إلا بدليل .. لا بُدَّ من دليل. إذاً: القاعدة العامة هذه فيما إذا لم تسقط، إذا سقطت في بعض التصاريف لا إشكال فيه .. واضح أنَّ الهمزة زائدة، وأن الميم زائدة، لكن الإشكال فيما إذا لم تسقط حينئذٍ نحكم عليها بالزيادة، فإذا لم يكن ثَمَّ ما بعدها مقطوعٌ بأصالة الحروف الثلاثة، حينئذٍ لا نحكم بزيادتها إلا بدليل إلا بثبت، يعني: اشتقاقها. لم يحكم بزيادتهما إلا بدليل نحو: أيْدَع، هنا الهمزة هل هي أصلٌ والياء زائدة، أم العكس: الهمزة زائدة والياء أصلٌ؟ هذا مُحتمل، لأنَّه يَحتمل أن تكون الهمزة فيها أصلية، فيكون وزنه (فَيْعَل) .. يحتمل أن تكون الهمزة أصليَّة، (أَيْدَع) الهمزة أصليَّة، فيكون وزنه (فَيْعَل)، إذا كانت الهمزة أصليَّة حكمنا على الياء بكونها زائدة فوزنه (فَيْعَل) نحو: (صَيْرَف)، ويحتمل أن الياء أصلية فيكون وزنه (أَفْعَل).

إذاً: (أَيْدَع) محتمل بين أن يكون وزنه (أَفْعَل) وبين أن يكون وزنه (فَيْعَل)، وأيهما أكثر؟ (أَفْعَل)، إذاً: نحكم على الهمزة بكونها أصل، والكثرة عندهم من الأدلة، مثل (فَعْلَان) و (فَعْلَال) السابق (سَمْنَان)، قلنا: الدليل هو كون (فَعْلَال) باللام قليل نادر، وحمله على الكثير هذا أولى. إذاً: رَجَّحنا أن النون هناك زائدة بالكثرة، وهنا كذلك، فيكون وزنه (أَفْعَل) ولكنَّ الهمزة فيه زائدة، لأن باب (أَفْعَل) أكثر من باب (فَيْعَل)، والحمل على الأكثر هو المطلوب. وَهكَذَا هَمْزٌ وَمِيمٌ سَبَقَا .. (هَمْزٌ) مبتدأ، و (وَمِيمٌ) معطوفٌ عليه، (سَبَقَا) .. (سَبَق) فعل ماضي والألف هذه فاعل .. يعود على الهمز والميم، (سَبَقَا ثَلاَثَةً) مفعول: (سَبَقَا)، (تَأْصِيلُهَا تُحُقِّقَا) .. (تَأْصِيلُهَا) مبتدأ، (تُحُقِّقَا) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، والألف هذه للإطلاق، والضمير يعود على (تَأْصِيلُهَا) لأن الجملة خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر صفة لـ: (ثَلاَثَةً). تُزَاد الميم بثلاثة شروط: وهي أنْ تَتَصدَّر، ويتأخَّر عنها ثلاثة أصول فقط، وألا تلزم في الاشتقاق. وهذه كلها يمكن أخذها من كلام النَّاظم، وذلك نحو: مسجد ومنسِج، وتزاد الهمزة المتصدرة بالشرطين الأولين: كونها مُتَصدِّرة وأنْ يتأخَّر عنها ثلاثة أصول فقط نحو: أفْكَل وأفْضَل، وما لم يكن كذلك فلا، إذاً: (أَكَلَ) الهمزة أصلية أو زائدة؟ أصلية لأنَّه تلاها حرفان فقط .. أصلان. قال الشَّارح هنا: " كذلك يُحكم على الهمزة والميم بالزيادة إذا تَقدَّمتا على ثلاثة أحرف أصول كـ: أحمد ومُكْرِم " فإن سبقا أصلين حُكِم بأصالتهما كـ: إِبِل ومَهْد، (مَهْد) الميم هنا أصليَّة لأنَّها وإن سبقت إلا أنَّه لم يتلوها ثلاثة أصول، كذلك (إِبِل) مثل: أَكَل وأَخَذ. تُزَاد الهمزة في الاسم أولاً .. في أول الكلمة كـ: أحمر، وثانية كـ: شَأمَل، وثالثة كـ: شَمْأَل، ورابعة نحو: حُطائِط، وخامسة كـ: حَمْراء، وسادسة كـ: عَقْرَباء وهي بلد، وسابعة كـ: بَرْنَساء وهو الناس. والميم تُزاد أولى كـ: مَرْحَب، وثانية كـ: دَمْلَص، وثالثة كـ: دُلمُص بِضمِّ اللام، ورابعة كـ: زَرْقَم، وخامسة كـ: ضُبَارم، إذاً: تقع ثانياً وتقع أولاً. كَذَاكَ هَمْزٌ آخِرٌ بَعْدَ أَلِفْ ... أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَينِ لَفْظُهَا رَدِفْ يعني: أنَّ الهمزة تَطَّرِد زيادتها إذا وقعت آخراً بعد ألف، يعني: قبلها ألف، وقبل الألف ثلاثة أحرف فصاعداً. (كَذَاكَ هَمْزٌ) محكوم عليه بأنَّه زائد، (آخِرٌ) إذاً قوله: (هَمزٌ سَبَقا) حُكمٌ على الهمزة الزَّائدة المُتَصدِّرة في أول الكلام، (كَذَاكَ هَمْزٌ آخِرٌ) يعني: مُتأخِّرة .. مُتطرِّفة (بَعْدَ أَلِفْ) وقعت بعد ألف، (أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَينِ لَفْظُهَا رَدِفْ) لَفْظُهَا رَدِفْ أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَينِ، يعني ثلاثة فصاعداً.

إذاً: تَطَّرِد زيادة الهمزة إذا وقعت آخراً بعد ألف، وقبل الألف ثلاثة أحرف فصاعداً، يعني: تُسبق تلك الألف بأكثر من أصلين نحو: حمراء، (حمراء) الهمزة هذه وقعت مُتطرِّفَة وهي زائدة، وقد سبقها ألف (حمراء) وقبلها ثلاثة أحرف أصول: الحاء والميم والراء، ومثلها (عِلْبَاء) و (أرْبِعَاء) و (عاشوراء). وفُهِم من هذا البيت والذي قبله: أنَّ الهمزة لا تَطَّرِد زيادتها وسَطاً ولا آخراً بعد غير الألف، وأمَّا بعد الألف فهي مُطَّرِدة، وفُهِم منه: أنَّه إنْ تَقدَّم على الألف أقل من ثلاثة أحرف حُكم بأصالتها نحو: كساء .. (كِسَاء) همزة قبل ألف .. قبل الألف أصلان، والشرط أن تكون ثلاثة أصول، إذاً (كساء) نحكم على الهمزة بأنَّها أصل، بل هي مبدلة عن واوٍ .. عن أصلٍ، و (رِدَاء) مثلها .. (مَاء) قبل الألف حرفٌ واحدٌ. إذاً: قوله: (أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَينِ) يعني: ثلاثة فصاعداً، فإن كانا حرفين وهما أصلان حكمنا بالأصالة كـ: كساء ورداء، أو حرف واحد كذلك حكمنا بالأصالة نحو: ماء. (كَذَاكَ هَمْزٌ) .. (هَمْزٌ) مبدأ، و (كَذَاكَ) خبر، (آخِرٌ) نعت (هَمْز)، (بَعْدَ أَلِفْ) .. (بَعْدَ) مضاف، و (أَلِفْ) مضاف إليه، و (بَعْدَ) منصوب على الظَّرفيَّة مُتعلِّق بِمحذوف نعت ثاني لـ: (هَمْز). أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَينِ لَفْظُهَا رَدِفْ .. (لَفْظُهَا) مبتدأ، والضمير هنا يعود على الألف .. لفظ الألف (رَدِفْ)، ردف الألف (أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَينِ) يعني: كان رديفاً تابعاً لأكثر من حرفين، يعني: ثلاثة فصاعداً وكلها أصول، فإن ردف حرفين أصلين فهي أصليَّة، أو حرفٍ فهي أصلٌ. قال الشَّارح: " أي: كذلك يُحكم على الهمزة بالزيادة إذا وقعت آخراً بعد ألفٍ تَقدَّمها أكثر من حرفين، نحو: حمراء وعاشوراء وقاصعاء وأربِعاء، فإنْ تَقدَّم الألف حرفان فالهمزة غير زائدة نحو: كِسَاء ورِداء، فالهمزة في الأول بدلٌ عن واو، وفي الثاني بدلٌ من ياء " (بناء) و (رداء) رداء الهمزة هنا بدلٌ عن ياء، و (كِسَاء) بدلٌ عن واوٍ، والمشهور (بناء). " وكذلك إذا تَقدَّم على الألف حرفٌ واحد كـ: (ماء) .. (داء) " تَقدَّم الدال فقط، و (ماء) تَقدَّم الميم فقط. وَالنُّونُ فِي الآخِرِ كَالْهَمْزِ وَفِي ... نَحْوِ غَضَنْفَرٍ أَصَالَةً كُفِي (وَالنُّونُ فِي الآخِرِ كَالْهَمْزِ) يعني: أن تكون بعد ألفٍ وتَقدَّم عليها أكثر من ثلاثة أصول، يعني: أنَّ النون يُحكم بزيادتها أنْ تكون آخراً بعد ألفٍ، قبل هذه الألف أكثر من حرفين .. ثلاثة حروف فصاعداً، وهو الذي عناه بقوله: (كَالْهَمْزِ) .. لأنه قال: (كَالْهَمْزِ) شَبَّهها بالهمز، وقوله: (فِي الآخِرِ) احترازاً مِمَّا إذا وقعت في الأثناء، لأنه فيما سبق قال: كَذَاكَ هَمْزٌ آخِرٌ بَعْدَ أَلِفْ ... أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَينِ لَفْظُهَا رَدِفْ

هذا الشرط بعينه في النون المُتطَرِّفة .. في النون التي وقعت آخراً، يعني: إذا وقعت النون آخراً بعد ألف تَقدَّمها أكثر من حرفين -ثلاثة فأكثر- حكم عليها بالزيادة، كما حكم على الهمزة حين وقعت كذلك، وذلك نحو: زَعْفَران، النون هنا وقعت بعد ألف، وسبق الألف ثلاثة حروف .. زعفران، و (سكران) النون هنا وقعت بعد ألف وسبقها ثلاثة أحرف وهي كلها أصول، و (عثمان) و (غضبان)، بخلاف نحو: (أمان) النون وقعت مُتطَرِّفة آخراً وقبلها ألف، إلا أنَّه تَقدَّما أصلان (أمان) الهمزة والميم، و (سِنَان) النون وقعت مُتطَرِّفة قبلها ألف وتَقدَّمها حرفان (سنان) السين والنون، كذلك (بيان). (وَالنُّونُ فِي الآخِرِ كَالْهَمْزِ) قلنا: (النُّونُ) مبتدأ، و (فِي الآخِرِ) هذا مُتعلِّق بِمحذوف قَدَّرَه المكودي: أعْنِي .. أعْنِي في الآخر، يعني: فصله .. صار جملةً مُستقلة، وقَدَّره غيره بأنَّه مُتعلِّق بما تَعلَّق به قوله: (كَالْهَمْزِ)، يعني: مُتعَلَّق الخبر، لأنَّ (كَالْهَمْزِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف كائنٌ، والنون كائنٌ كالهمز (فِي الآخِرِ) مُتعلِّق بـ: كائن، كما تَعلَّق به (كَالْهَمْزِ). إذاً: الموضع الأول الذي يحكم على النون بزيادتها: أن تقع آخراً بعد ألفٍ قبل الألف أكثر من حرفين، يعني ثلاثة فصاعداً. والموضع الثاني أشار إليه بقوله: (وَفِي نَحْوِ غَضَنْفَرٍ) انظر! (غَضَنْفَرٍ) وقعت النون هنا زائدة، إذاً: وقعت بين أربعة أحرف .. توسَّطَت بين حرفين مُتقدِّميْن وحرفين مُتأخِّرَيْن، وكل ما كان كذلك فاحكم على النون بأنَّها زائدة: أن تقع وسطاً وقبلها حرفان وبعدها حرفان. (وَفِي نَحْوِ غَضَنْفَرٍ كُفِي أَصَالَةً) يعني: النون .. (كُفِي) هو أي: النون، (كُفِي) هذا مُغيَّر الصيغة، والمفعول الأول هو الضمير نائب الفاعل، و (أَصَالَةً) هذا المفعول الثاني لـ: (كُفِي) كُفِي أَصَالَةً، كأنَّه قال: منع الحكم عليه بالأصالة بل هو زائد، إذا كفي الأصالة تَعيَّنَت الزيادة. (وَفِي نَحْوِ غَضَنْفَرٍ) .. (فِي نَحْوِ) جار ومَجرور مُتعلِّق بقوله: (كُفِي)، و (كُفِي أَصَالَةً) يعني: النون في (نَحْوِ غَضَنْفَرٍ) فاحكم عليه بالزِّيادة. قال الشَّارح هنا: "إذا وقعت آخراً بعد ألفٍ تَقدَّمها أكثر من حرفين " فإنْ تَقدَّمها حرفان فاحكم عليها بالأصالة (قِنْطَار) تَقدَّمها حرفٌ واحد، (قِنْدِيل) .. (عُنْقُود) هذه في أنَّها أصل .. نحكم عليها بأنَّها أصل إلا بدليل .. لا بُدَّ من دليل .. من ثَبَتْ، مثل: عَنْبَسَ، هنا وقعت النون .. تَقدَّمها حرف واحد، والنون قالوا هنا: زائدة، لأنَّ (عَنْبَسَ) مأخوذٌ من العبوس، إذاً: سقطت النون. و (حَنْضَلَة) حَضَلَت الإبل، سقط النون، إذاً: نحكم عليها بكونها زائدة، وما عدى ذلك إذا لم يكن دليل حكمنا عليها بالأصالة، إذاً: إذا تقدمها أكثر من حرفين، فإنْ تَقدَّمها حرفٌ واحد فهي أصليَّة إلا بِثَبَت، حُكم عليها بالزيادة كما حُكم على الهمزة حين وقعت كذلك، وذلك نحو: زَعْفَرَان وسَكْران وما إلى ذلك.

فإنْ لم يسبقها ثلاثةٌ فهي أصليَّة نحو: مكان وزمان وأمان وسنان وبيان، ويُحكم أيضاً على النون بالزِّيادة إذا وقعت بعد حرفين وبعدها حرفان كـ: (غَضَنْفَرٍ) و (عَقَنْقَل) و (جَحَنْفَل)، بخلاف: (عَنْبَر) عَنْبَر وقع بعدها حرفان، ولم يقع قبلها حرفان، فنحكم عليها بالأصالة. و (غُرْنَيْق)، غُرْنَيْق مثل (غَضَنْفَر)؟ .. (غَضَنْفَر) النون ساكنة، و (غُرْنَيْق) النَّاظم هنا لم ينُص على سكونها ولكن بالمثال قد يستنبط الشرط الثاني أو الثالث: أن تكون ساكنة، فإن لم تكن ساكنة ولو وقعت قبلها حرفان وبعدها حرفان، فلا نحكم عليها بكونها زائدة؛ لكونها مُتحرِّكة. إذاً: (غَضَنْفَر) سكون النون هو الشَّرط الثاني. الشرط الثالث: أنْ تكون غير مُدْغَمة. إذاً: ذكر ابن عقيل شرطَاً واحداً فحسب. ويحكم أيضاً على النون بالزيادة إذا وقعت بعد حرفين وبعدها حرفان كـ: (غَضَنْفَرٍ) بقي عليه شرطان: أن تكون ساكنة، وأن تكون غير مُدْغَمة. ويشترط أيضاً لزيادة النون مع ما ذُكر -السابق-: أن زيادة ما قبل الألف على حرفين ليست بتضعيف أصلٍ، يعني: على النوع الأول (وَالنُّونُ فِي الآخِرِ كَالْهَمْزِ). يشترط لزيادة النون مع ما ذكر: أن زيادة ما قبل الألف على حرفين ليست بتضعيف أصلٍ، لأننا لو قلنا بتضعيف الأصل حينئذٍ صار مثل (سِمْسِمِ)، و (سِمْسِمِ) هناك حكمنا عليه بكون كلها أصول. حينئذٍ نحو: جِنْجَان، الجيم الثانية هذه مُضعَّفة عن الفاء، إذاً: لا يُحكم بكون هذا الثاني .. الجيم أصلاً، هذا على مذهب الكوفيين، لأنَّ الثاني مُضعَّف عن الأول ويسقط في بعض الاشتقاقات. وكذلك تُزاد النون مُصدَّرة في المضارع، ما ذكرها النَّاظم لكنَّها معلومةٌ مِمَّا سبق: نَضْرِب، النون وقعت مُصدَّرة هنا وهي زائدة، وفي: (الانْفِعَال) انطلق .. ينطلق .. انْطِلَاقاً، وقعت زائدة في الصدر كالانطلاق، (الافْعِنْلال) كالاحْرِنْجام. ولم يذكر النَّاظم هنا التنوين مع كونه نون زائدة، ونون التَّثنية، ونون الجمع، وعلامة الرفع في الأمثلة الخمسة، ونون الوقاية مع كونها زائدة، ونون التوكيد، لأن هذه زيادةٌ مُتميِّزة، ومقصوده هنا: تمييز الزيادة المحتاجة إلى تمييز لاختلاطها بأصول الكلمة حتى صارت جزءً منها. إذاً: لا يَرِد على النَّاظم أنَّه لم يذكر نون الوقاية، ولا التنوين، ولا نون التوكيد، نقول: هذه مُتميِّزة بنفسها، كل طالب ولو كان مبتدئاً يعلم أنَّ نون التوكيد زائدة على أصل الكلمة، إذا كان ذكياً يعلم ذلك ولا يحتاج أن نقول: هذه زائدة. فهنا أراد أنْ يُميِّز لنا النون التي تختلط (غَضَنْفَرٍ) هذه داخلة في حشو الكلمة، إذاً: يحتاج الطالب أن يحكم له ويُبيَّن له أنَّ هذه النون زائدة. والنون تُزَاد أولى كما في: نَضْرِب، وثانية كما في: حَنْظَل، وثالثة كما في: (غَضَنْفَر)، ورابعة كما في: رَعْشَن، وخامسة كما في: عُثْمان، وسادسة كما في: زَعْفَرَان، وسابعة كما في: عَبَوْثَران. وَالنُّونُ فِي الآخِرِ كَالْهَمْزِ وَفِي ... نَحْوِ غَضَنْفَرٍ أَصَالَةً كُفِي يعني: كُفِي أَصَالَةً، فحكم عليه بالزيادة.

إذا وقعت النون أولاً، النَّاظم هنا قال: (وَالنُّونُ فِي الآخِرِ كَالْهَمْزِ) ثُم قال: وفي (غَضَنْفَرٍ)، نحن زدنا النون المُصدَّرة في أول المضارع، لو كانت في نحو (نَهْشَل) وقعت أولاً، القاعدة: أنَّه في الأصل ألا يزاد حرفٌ في أول الكلمة .. هذا الأصل، فلا يُحكم على حرفٍ بأنَّه زائد في أول الكلمة إلا بِثَبَتٍ .. بدليل .. بحجة، ولذلك نقول: إذا كانت النون أولاً، كون النَّاظم قال: (وَالنُّونُ فِي الآخِرِ) ثُم قال: (غَضَنْفَرٍ). إذاً مفهوم كلامه: أنَّ النون إذا وقعت أولاً فهي أصليَّة كما في: نَهْشَل، إلا إذا دَلَّ دليل مثل: نَرْجِس، (نَرْجِس) النون هنا زائدة وليست بأصليَّة، إذاً تُزاد النون في موضعين: - أن تكون آخراً بعد ألفٍ قبل أكثر من حرفين، وهو الذي عناه بقوله: (كَالْهَمْزِ). - والآخر أن تقع وسطاً وقبلها حرفان وبعدها حرفان، وزدنا عليها بعض الشروط. (وَالتَّاءُ) انتقل إلى التاء، والتاء تكون زائدة في أربعة مواضع: وَالتَّاءُ فِي التَّأْنِيْثِ وَالْمُضَارَعَهْ ... وَنَحْوِ الاِسْتِفْعَالِ وَالْمُطَاوَعَهْ يعني: أن التاء تكون زائدة، وتَطَّرِد زيادتها، ونحكم عليها بكونها زائدة (فِي التَّأْنِيْثِ) وهذا واضح مثل: مسلمة وفاطمة وعائشة، كل تاء تأنيث مربوطة أو مفتوحة مع الفعل حكمنا عليها بكونها زائدة (قامت) التاء هذه زائدة. إذاً: (وَالتَّاءُ فِي التَّأْنِيْثِ) .. (وَالتَّاءُ) مبتدأ، أين الخبر؟ يدل عليه السياق، أولاً .. القاعدة أنك تقول: (وَالتَّاءُ) تنظر في الملفوظ، (فِي التَّأْنِيْثِ) هل يصلح أن يكون خبراً .. هو ماذا يريد؟ الحكم على التاء بكونها زائدة، إذاً: تستصحب هذا المعنى: والتاء كائنةٌ في التأنيث، معلوم هذا كائنة في التأنيث، (وَالْمُضَارَعَهْ) معطوف على (التَّأْنِيْثِ)، (وَنَحْوِ الاِسْتِفْعَالِ) معطوف على (التَّأْنِيْثِ)، (وَالْمُطَاوَعَهْ) معطوف على (التَّأْنِيْثِ). أين الخبر؟ إذاً: ليس ملفوظاً به، حينئذٍ تقول: والتاءُ تَطَّرِد زيادتها، أو: التاءُ زائدةٌ في التأنيث، إذاً: (فِي التَّأْنِيْثِ) هذا الموضع الأول نحو: قائمة وقامت، (وَالْمُضَارَعَهْ) تاء المضارعة: هندٌ تقوم، هذا واضح، وهنا نَصَّ على المضارعة ولم ينص على النون فيما سبق، هذا محل إشكال! وفي (وَالْمُضَارَعَهْ) نحو: هندٌ تقوم، وفي (الاِسْتِفْعَالِ) .. (وَنَحْوِ الاِسْتِفْعَالِ) يعني نحو المصادر: الاستفعال، والتفعيل، وما صُرِّفَ منها: الاستفعال والاقتدار (استفعال) التاء هنا تقول على وزن .. (الاستفعال) مثل (الاستخراج) وزنه: (استفعال) ذكرت التاء، لأنَّها من حروف: (سألتمونيها). إذاً: كلُّ ما كان من الاستفعال والتفعيل وما صُرِّف منها كـ: التِّفْعَال، والتَّفْعَال، والاقتدار، فالتاء فيها زائدة. (تاء التأنيث) هذه تاءٌ منفصلة .. الحكم على التاء، لا تستصحب تقول: (استفعال) أين تاء التأنيث؟ لا، تاء التأنيث انتهت .. هي الموضع الأول، ثُم تاءٌ أخرى تقع في أول الفعل المضارع: تقوم هندٌ .. هي، ثُم انتقل إلى تاء زائدة تقع في (الاستفعال) وما كان على شاكلته من (الافتعال) .. (الاقتدار) ونحو ذلك، فالتاء تكون فيه زائدة.

(وَنَحْوِ الاِسْتِفْعَالِ) هذا فُهِم منه: أنَّ السين تُزاد مع التاء (استفعال) يعني: يمكن أن نأخذ أيضاً .. لأنه لم ينص على السين هنا، لأنه ذكر بعض الحروف وترك بعضها، إذاً: السين تُزَاد مع التاء في (الاستفعال) فهما زائدان، لأنَّه ذكر والوزن، وذكر الزائد بلفظه، و (الاِسْتِفْعَالِ) لم يقل: استخراج، لو قال: الاستخراج لوقعنا في وهَمْ: هل السين زائدة أم لا؟ لكن قال: (الاِسْتِفْعَالِ) أتى بالوزن. ومعلوم أنَّه حكم أولاً: (وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ) الزائد يذكر بلفظه، وذكر هنا السين والتاء، فدل على أن التاء في هذا الموضع تكون زائدة، (وَالْمُطَاوَعَهْ) وهو التَّعَلُّم، والتَّفَعُّل، والافتعال، وفروع كلٍ: تَعَلَّمَ .. تَدَحْرَج، هذه التاء تاء المطاوعة، تاء المطاوعة تعتبر زائدة. (وَالتَّاءُ) قلنا: هذا مبتدأ محذوفٌ خبره، تزاد في أربعة مواضع: (فِي التَّأْنِيْثِ) مُتعلِّق بالخبر السابق، (وَالْمُضَارَعَهْ) هذا الموضع الثاني، وكان ينبغي أن يذكر زيادة النون والهمزة والياء في المضارعة نحو: يقوم، إذ لا فرق، وإنَّما نَصَّ على الياء دون الهمزة ولم يذكرها: (أقوم) لأنَّها تُزَاد في أول المضارع، والنون (نقوم) تُزَاد في أول المضارع. وَنَحْوِ الاِسْتِفْعَالِ وَالْمُطَاوَعَهْ .. قال الشَّارح هنا: " تُزَاد التاء إذا كانت للتأنيث كـ: قائمة، وللمضارعة نحو: أنت تفعل .. تفعل أنت، أو مع السين في (الاستفعال) - يعني: تُزَاد التاء مع السين - في الاستفعال وفروعه نحو: اسْتِخْرَاج، ومُستَخْرَج، واستَخْرَج " كل ما دَلَّ .. كل ما تُصرِّفَ من هذه الكلمة. أو مطاوعة (فَعَّلَ) نحو: عَلَّمْته .. تَعَلَّمَ، دَحْرَجْتُه .. تَدَحْرَج (فَعْلَلَ)، كل ما سبق معنا في المطاوعة نقول: ما كان مبدوءً بالتاء فهو زائد. وَالْهَاءُ وَقْفَاً كَلِمَهْ وَلَمْ تَرَهْ ... وَاللاَّمُ فِي الإِشَارَةِ الْمُشْتَهِرَةْ (وَالْهَاءُ) مبتدأ كذلك محذوف الخبر، (وَالْهَاءُ) زائدةٌ، أو تَطَّرِد زيادتها، والمراد بِها: هاء السَّكْت، وسبق بيان مواضعها الثلاث، نحكم عليها بكونها زائدة. (وَالْهَاءُ وَقْفَاً) هذا حال، أي: واقفاً، أو بنزع الخافض: في وقْفٍ، (كَلِمَهْ) .. (لِمَهْ) قلنا: (مَا) الاستفهاميَّة تُجَر بحرف الجر فتُحذف ألفها، ففي الوقف يُوقَف عليه بـ: هاء السَّكْت، الهاء هذه زائدة (كَلِمَهْ)، هنا المكُودِي يقول: " اجتمع في هذه اللفظة (كَلِمَهْ) ثلاثة أحرف " وألْغَزَ فيه .. جاء بلغز: (كَلِمَهْ) الكاف كاف التَّشبِيه، ولام الجر، وهاء السَّكْت، واسمٌ وهو (مَا) الاستفهاميَّة، (كَلِمَهْ) هذه ثلاثة أحرف واسمٌ .. (ثلاثة أحرف) الكاف واللام .. لام الجر، وهاء السَّكْت، و (مَا) الاستفهامية. (وَالْهَاءُ وَقْفَاً) يعني: في وقفٍ .. هاء السَّكْت تُزَاد في الوقف (كَلِمَهْ)، (وَلَمْ تَرَهْ) .. (تَرَهْ) سبق أنَّ الفعل المضارع المجزوم على رأي النَّاظم أنَّه يجب في الوقف أن يُوقَف عليه بهاء السكت، قلنا: الصواب أنَّه يجوز. وَاللاَّمُ فِي الإِشَارَةِ الْمُشْتَهِرَةْ ..

(اللاَّمُ) مبتدأ، و (زائدة) خبرها محذوف، (فِي الإِشَارَةِ) هذا مُتعلِّق بالمحذوف، (الْمُشْتَهِرَةْ) الشهيرة يعني: اسم الإشارة، تقول .. تزيد اللام: ذلك، وتلك، تقول: (تلك) اللام زائدة للإشارة، و (ذلك) اللام زائدة في الإشارة. قال هنا الشارع: " تُزَاد الهاء في الوقف نحو: لِمَه، ولم تره، وقد سبق في باب الوقف بيان ما تُزَاد فيه، وهو (مَا) الاستفهاميَّة المجرورة، والفعل المحذوفُ اللامِ للوقف، نحو: رَهْ، أو المجزوم نحو: لم تره، وكل مبنيٍ على حركةٍ نحو: كيفه، إلا ما قطع عن الإضافة كـ: قبل، وبعد، واسم (لا) التي لنفي الجنس، نحو: لا رجل، والمنادى نحو: يا زيد، والفعل الماضي نحو: ضرب - كما سبق -، واطَّرَد أيضاً زيادة اللام في أسماء الإشارة: ذلك، وتلك، وهنالك ". وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلاَ قَيْدٍ ثَبَتْ ... إِنْ لَمْ تَبَيَّنْ حُجَّةٌ كَحَظِلَتْ يعني: الأصل عدم الزيادة، لو قيل بأنَّ (سألتمونيها) حروف الزيادة، ليس المراد أنَّه كلما وجد حرفٌ ولو كان مُحتملاً للزيادة حكمت عليه بأنَّه زائد، نقول: لا، الأصل في الحرف أنَّه أصل، حينئذٍ لا تحكم على الحرف بكونه زائداً إلا بِثَبَتْ .. بدليل، يعني: سقوطها في بعض الاشتقاقات والتصاريف. أو أنَّ إثباتها قد يوهم بناءً لم يسمع أو قَلَّ نظيره .. لو أثبتنا هذا الحرف لكان وزنه كذا، وهذا الوزن لا نظير له في لسان العرب، إذاً: نحكم على هذا الحرف بكونه زائداً مباشرة، أو أخرجنا إلى ما قَلَّ نظيره، حينئذٍ حمله على الكثير يكون هو المُرَجَّح ونحكم عليه بالزيادة. (وَامْنَعْ) فعل أمر، والفاعل أنت، (زِيَادَةً) هذا مفعولٌ به، (بِلاَ قَيْدٍ) هذا مُتعلِّق به، (بِلاَ قَيْدٍ ثَبَتْ) ثابت يعني، (ثَبَتَ) هو، أي: هذا القيد، (إِنْ لَمْ تَبَيَّنْ) تَتَبيَّن .. حذف إحدى التاءين: ((نَاراً تَلَظَّى)) [الليل:14] تَتَلظَّى، هكذا .. حذفت إحدى التاءين جوازاً. (حُجَّةٌ) هذا فاعل (تَبَيَّنْ) .. (تَبَيَّنْ) هذا فعل مضارع مجزوم بـ: (لَمْ)، (حُجَّةٌ) هذا فاعل، (كَحَظِلَتْ) بحذف النون، قلنا: هذا (الحنظل) النون زائدة، لأنَّه يُقال: حظلت الإبل، (حَظِلَت) إذاً سقطت النون، فدل على أنها زائدة. يعني: أنَّ كل ما خالف المواضع المذكورة في هذا الباب في اطِّرَاد الزِّيادة تَمتَنع زيادته إلا إذا قام على زيادته دليل من اشتقاق أو غيره، فيحكم على نون (حَنْظَل) بالزيادة، وإن لم تكن في مواضع اطِّرَاد زيادة النون لقولهم: حَظِلَت الإبل، فسقوط النون في (حَظِلَ) دليلٌ على زيادتها في (حَنْظَل). قال الشَّارح هنا: " إذا وقع شيءٌ من حروف الزيادة العشرة التي يجمعها قولك: (سألتمونيها) خالياً عَمَّا قُيِّدَت به زيادته فاحكم بأصالته، إلا إن قام على زيادته حجةٌ بيِّنَه واضحة كسقوط همزة: شَمْأل، في قولهم: (شَمِلَت الرِّيح شُمُولاً) إذا هَبَّتْ شَمالاً، وكسقوط نون: حَنْظَل، في قولهم: (حَظِلَت الإبل) إذا آذاها أكل الحنظل، وكسقوط تاء: مَلَكُوت، في الملك " (مَلَكُوت) التاء هذه قيل هذه سماعاً .. ليس بقياسي. إذاً: وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلاَ قَيْدٍ ثَبَتْ ... إِنْ لَمْ تَبَيَّنْ حُجَّةٌ. . . .

والمراد بالحجة: سقوطها في بعض المواضع من تصاريف الكلمة، أو إذا لم تسقط أدَّى ثبوتها في الوزن إلى إثبات وزنٍ لا نظير له. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

135

عناصر الدرس * فصل في زيادة همزةالوصل * حقيقة همزة الوصل وبعض مسائلها * مواضع همزة الوصل وحركاتها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي زِيَادَةِ هَمْزَةِ الْوَصِلِ). أيْ: مَا يَتعلًّق بهمزة الوصل، همزة الوصل لا تكون إلا زائدة لما قال: (فَصْلٌ فِي هَمْزَةِ الْوَصِلِ) عُلِم أنَّها زائدة، لأنَّها ليست حرفاً أصلياً، و (فَصْلٌ) كما سبق مراراً أنَّه (فَعْل) إمَّا أنَّه خبر مبتدأ محذوف أو بالعكس، فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، أو بمعنى اسم المفعول، هذا كلامٌ فاصلٌ، أو: هذا فاصلٌ ما بعده عَمَّا قبله، أو: كلامٌ مفصولٌ ما بعده عَمَّا قبله. وهذا الفصل مُتَمِّمٌ لباب: (التَّصْرِيْفْ) لأنَّه من باب زيادة الهمزة، وقد سبق شيءٌ مِمَّا يَتعلَّق بزيادة الهمزة، وإنَّما أفرده لاختصاصه بأحكامٍ لها مواضع سِتَّة، ثُمَّ حركتُها، ثُمَّ يكثر استعمالها، ويكثر الخطأ فيها، وقد اشتمل هذا الفصل على التَّعريف بِهمزة الوصل وعلى مواضعها من الكَلِم، لأنَّها على قسمين: إمَّا أن تُزَاد زيادةً قياسية، وإمَّا أن تزاد زيادةً سماعية، وهذا القياسي يعني: يُقَاس عليه، وأمَّا السَّماعي فَيُقْتَصَر على ما سُمِع وهو الأسماء العشرة فقط، هذا الذي يُعْتَبَر سماعي: اسم وبن وابن من، كلها سيأتي ذكرها في النَّظْم، وما عداه مِمَّا قيل فيه بأنَّه تُزَاد فيه همزة الوصل فهو قياسي. عرَّف أولاً همزة الوصل بقوله: لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا (لِلْوَصْلِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، و (هَمْزٌ) مبتدأٌ مُؤخَّر، (هَمْزٌ لِلْوَصْلِ) وما حكم تَقدُّم الخبر هنا: واجب أو جائز؟ جائز، لماذا جائز؟ (هَمْزٌ) نكرة وهو مبتدأ، وُصِف، واجب جائز لا يكون، يمكن أن يكون في محلين، أمَّا في محل واحد لا يجوز. (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ) (هَمْزٌ) مبتدأ، وهو نكرة، وسَوَّغ الابتداء به كونه موصوفاً بقوله: (سَابِقٌ)، (سَابِقٌ) هذا نعت مرفوع، (لاَ يَثْبُتُ) (لاَ) حرف نفي، و (يَثْبُتُ) فعل مضارع مرفوع لِتَجَرُّده عن الناصب والجازم، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على (الهمز)، (لاَ يَثْبُتُ) والجملة في مَحلِّ رفع نعت ثانٍ لـ: (هَمْز)، (هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ) غير ثابتٍ .. عديم الثبوت، (إِلاَّ) إيجابٌ للنَّفي، (لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ) إيجابٌ للنفي، يعني: استثناءٌ من المنفي في الثبوت. (إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ) ابتدئ به في أول الكلام فيثبت حينئذٍ، (ابْتُدِي بِهِ)، (بِهِ) نائب فاعل لـ: (ابْتُدِي)، (ابْتُدِي) مُغيَّر الصيغة، وذلك (كَاسْتَثْبِتُوا) (اسْتَثْبِتُوا) قُصِد لفظه، (الكاف) حرف جر، حينئذٍ الجار والمجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: وذلك كَاسْتَثْبِتُوا، ولكن النَّاظم أراد أن يُمَثِّل لهمزة الوصل بأنَّها تثبت في الابتداء. لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ. . .

حينئذٍ المثال: (كَاسْتَثْبِتُوا) هل هو للابتداء أو للسقوط في الدَّرْج؟ همزة الوصل لا تثبت في الدَّرْج، وإنَّما تثبت في الابتداء (كَاسْتَثْبِتُوا) المثال هنا لكونهاك تثبت في الابتداء وتسقط في الدَّرْج .. للثاني أو للأول؟ همزة القطع تثبت ابتداءً ووصلاً .. دَرْجَاً في الكلام، وهمزة الوصل تثبت ابتداءً لا دَرْجَاً فتسقط، إذاً استويا من حيث النطق أولاً، فتقول: انطلِق، هذه همزة بدأت بها، كذلك تقول: أُكْرِمُ زَيْدَاً، إذاً ثبتت في الابتداء، وسقطت في الدَّرج. إذاً: المثال لو كان للابتداء هل حصل تَمييز لهمزة الوصل عن همزة القطع؟ لا؛ لأنَّهما اشتركا في الابتداء، كُلٌّ من همزة الوصل وهمزة القطع يُنْطَق بها في الابتداء مع اختلافٍ في بعض الحركات، وأمَّا في الدَّرْج فحينئذٍ تسقط همزة الوصل لا همزة القطع، حينئذٍ أيُّ النوعين أولى بالتمثيل .. الذي يُميِّز همزة الوصل عن همزة القطع: الدَّرْج في الكلام أو الابتداء؟ الدرج. إذاً: الأولى أن يُقال (كَاسْتَثْبِتُوا) هذا مثالٌ لسقوط همزة الوصل في الدَّرْج، لأنَّ الذي يسقط في دَرْج الكلام هو همزة الوصل لا همزة القطع، إذاً: (كَاسْتَثْبِتُوا) هذا مثالٌ لقوله: (لاَ يَثْبُتُ) يعني: في دَرْج الكلام، (إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ). إذاً: (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ) همزة الوصل لا تكون إلا سابقة في أول الكلمة، لأنَّه لا يُبْتَدأ بساكن كما أنَّه لا يوقف على مُتحرِّكٍ كما هو قاعدة العرب، يعني: أنَّ همزة الوصل هي الهمزة السابقة التي تثبت ابتداءً وتسقط وصلاً، هكذا عَرَّفها النَّاظم .. عرَّفها بأنها: الهمزة السابقة التي تثبت ابتداءً وتسقط وصلاً. ولذلك الهمزة على نوعين: همزة قطع، وهمزة وصل، اشتركا من حيث الابتداء فَكُلٌّ منهما يبتدأ به، يعني يُنْطَق به: انطلق .. اضرب زيداً، حينئذٍ نطقت بالهمزة وهي همزة وصلٍ، لكن الفرق بينهما: أنَّ همزة الوصل تسقط في درج الكلام، يعني: في أثناء الكلام. وعِلَّة السُّقوط هنا، لأنَّها إنما اجْتُلِبَت للتَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكِن، يعني: يبتدأ بأول الكلمة: اضرب، الضَّاد هي أول الكلمة، لا يُمكن أن يُبتدأ بها، حينئذٍ جئنا بهمزة الوصل لنتمكن من الابتداء بهذا السَّاكِن، حينئذٍ إذا قلت: قَاَلَ زَيْدٌ اضْـ، سقطت الهمزة؛ لأنَّ الغاية والغرض الذي من أجله جئنا بالهمزة ذهب فذهبت الهمزة، إذا قلت: اضْرِب، الضَّاد هنا فعل أمر من: يَضْـ، حينئذٍ كما سيأتي الأمر الثلاثي: إذا كان الثاني لمضارع ساكن حينئذٍ تكون قياساً الإتيان بهمزة الوصل. تقول: اضْرِبْ، فالضَّاد ساكنة لا يُمكن الابتداء بها، والهمزة هذه ليست من الفعل، وحينئذٍ لا يُمكن الابتداء بالساكن إلا بالإتيان بالهمزة .. العِلَّة واضحة، حينئذٍ إذا وُصِلت: اضْرِب، الضَّاد هذه بسابقٍ حينئذٍ أمكن أن يُنْطَق به، فإذا أمكن حينئذٍ لم نحتج إلى همزة الوصل فسقطت في درج الكلام. إذاً: العِلَّة التي من أجلها اجْتُلِبَت همزة الوصل غير موجودة في الوصل، ولذلك سقطت: قَاَلَ زَيْدٌ اضْـ، حينئذٍ: اضْرِب، صَحَّ النطق بالضَّاد الساكنة ولو لم يكن قبلها همزة وصل.

يعني: أنَّ همزة الوصل هي الهمزة السابقة التي تثبت في النطق ابتداءً في أوَّل الكلام، لأنَّ هذه وضيفتها الأصل .. أنَّها للتَّمكُّن من الابتداء بساكن، وأمَّا في وصل الكلام فلا حاجة لهمزة الوصل، وتسقط وصلاً لانتفاء الغاية والحكمة والغرض الذي من أجله اجْتُلِبَت همزة الوصل. وإنَّما سُمِّيَت همزة وصلٍ اتِّساعاً .. تَجَوُّزاً، لأنَّه إذا قيل: هذه العِلَّة بأنَّها تسقط وهذا محل وفاق .. أنَّها لا تثبت إلا ضرورةً في الشِّعْر خاصة، وأمَّا في كلام النَّثْر وغير الضرورة فتسقط همزة الوصل. إذاً: إذا لم تكن لوصل الكلام بعضه ببعض لماذا سُمِّيت همزة الوصل؟! التَّسمية هنا منافية، إذا كانت همزة الوصل إنَّما جيء بها للابتداء بالسَّاكِن في أول الكلام، ثُمَّ هي غير موجودة في وصل الكلام، لماذا سَمَّيناها بهمزة الوصل؟ قالوا: اتِّساعاً .. تَجَوُّزاً .. من باب التَّوسُّع - غريب هذا! -. لأنَّ هذه الهمزة تسقط في الوصل. إذاً: باعتبار سقوطها سُمِّيَت همزة الوصل، ويمكن أن يُقَال في هذه العِلَّة: بأنَّه لتمييزها عن همزة القطع، لأنَّ همزة القطع تبقى في الوصل بخلاف همزة الوصل، حينئذٍ هذه الهمزة التي في: اضْرِب، هذه منطوقٌ بها لا شك، حينئذٍ إذا وُصِلَت في الكلام سقطت .. غير موجودة، سَمَّيناها في حالة السقوط لا في حالة الثُّبوت، سَمَّيناها باسمٍ يُطابق فعلها وهو العدم في حالة الوصل دون الثبوت، لماذا؟ لأنَّها في الأول .. في الثُّبوت لا تفارق همزة القطع، إلا من حيث الكتابة أمَّا النطق فلا، ومن حيث الوصل فارقت همزة القطع فَسُمِّيت بذلك .. سُمِّيَت للفرق بينها وبين همزة القطع. وقيل: بأنَّ الكلمة التي قبلها تَتَّصِل بِما دخلت عليه همزة الوصل لسقوطها، وهذا قول الكوفيين، لكن كُلَّ الكلمات مُتَّصلة .. كل الكلمات والكلام بعضه ببعض متصل، همزة الوصل إذا سقطت أصلاً هي ليست من الكلمة، فقيل: سُمِّيت همزة وصلٍ، لأنَّه إذا وصل الكلام سقطت هذه الهمزة فَوصِل ما قبلها بما بعدها، وإذا لم تكن ثَمَّ همزة وصل .. الكلام غير موصول؟! لا، هذه العِلَّة فيها نظر. وقيل: لأنَّ المُتكلِّم يَتَوَصَّل بها إلى النطق بالسَّاكن، وهذا قول البصريين، إذاً: همزة الوصل، الوصل ليس وصل الكلام وإنَّما من التَّوصُّل، يَتَوسَّل بها النَّاطق والمُتكلِّم للابتداء بالسَّاكِن، على هذا القول لا اعتراض فَسُمِّيت: همزة وصلٍ، لأنَّ المُتكلِّم تَوَصَّل بهذه الهمزة للنُّطق بالسَّاكن، هذا جيد وهذا قول البصريين. وَفُهِم من قوله: (هَمْزٌ) أنَّ همزة الوصل أُتِي بها همزةً خلافاً لمن قال هي في الأصل ألف، هل هي ألف ثُمَّ حُرِّكت، أمَّ أنَّها همزةٌ ابتداءً؟ قول النَّاظم هنا: (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ) إذاً: سَمَّاها همزة، إذاً: ليست ألفاً، وهذا هو المشهور من قول النُّحاة، بأنَّ هذه الهمزة همزة ابتداءً وانتهاءً، وليست في الأصل ألفاً ثُمَّ قُلِبت همزة. وَفُهِم من قوله (سَابِقٌ): أنَّها لا تكون إلا أولاً (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ) يعني: لا تكون إلا في أول الكلام، لا تكون في أثنائه ولا تكون في طرفه، بل لا تكون إلا في أول الكلام. وَفُهِم من قوله:

لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ .. أنَّ سقوطها في الوصل واجبٌ ليس بجائز، يعني لا تقل: قَاَلَ زَيْدٌ اضْرِب .. هذا لحنٌ، بل يجب إسقاط همزة الوصل، لأنَّه قال: (لاَ يَثْبُتُ) هذا نفي، حينئذٍ يكون في معنى النَّهي. أنَّ سقوطها في الوصل واجبٌ، ولكن قد تثبت في الوصل ضرورة، كما أنَّ همزة القطع توصل في الشِّعْر من باب الضرورة، كُلٌّ منهما يعامل معاملة الآخر في الشعر على جهة الخصوص، وأمّا في النَّثر فلا، همزة الوصل يجب أن تبقى همزة وصل ولا تُقْطَع في أثناء الكلام، وهمزة القطع كذلك تبقى همزة قطعٍ ولا تُوصَل في أثناء الكلام، ولذلك قال: (لاَ يَثْبُتُ) يعني: يجب أن تُحْذَف هذه الهمزة في دَرْج الكلام .. في وصل الكلام، والسَّبب ما ذكرناه: أنَّها إنَّما جيء بها لِعِلَّة .. لغرض وهو التَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكن، وهنا قد تَمَكَّنا من الابتداء بالسَّاكن، لم ننطق بالسَّاكن: قَاَلَ زَيْدٌ اضْـ، الضَّاد هنا جاء قبله دالٌ وهي مضمومة وكذلك مُنَوَّنة، إذاً: لم نبتدئ بساكن، فذهبت الغاية من الإتيان بهمزة الوصل. وَفُهِم من البيت: أنَّها لا تَخْتَصُّ بِقَبِيلٍ، يعني قوله: لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ. . . . ما قال: في الحرف، ولا في الفعل، ولا في الاسم ما قَيَّده، حينئذٍ لا تَخْتَصُّ بواحدٍ من هذه الثلاث، فلا بُدَّ من الرُّجوع إلى مواضعها التي نَصَّ عليها النُّحاة بأنَّها تكون فيها. إذاً فُهِم من البيت: أنَّها لا تختصُّ بقبيلٍ بل تدخل على الاسم والفعل والحرف، (الحرف) هذا أطلقه المكودي لكن فيه نظر. أُخِذَ ذلك من إطلاقه، وأمَّا المثال (اسْتَثْبِتُوا) هذا فعل، هل يُخَصِّص؟ المثال لا يُخَصِّص، لكن القول هنا: بأنَّه لا يُخَصِّص، هذا إذا أُرِيد التَّعميم فقط وإلا ما جرى عليه النَّاظم لا، إنَّما يُعطي الأحكام بالأمثلة، فإذا جرينا على عادة المصَنِّف نقول: ظاهره أنَّها مُخْتَصَّةٌ بالفعل (اسْتَثْبِتُوا) لكن يُجَاب: بأنَّ الأمر عام هنا، الحرف الأصل فيه أنَّ همزته همزة قطع ليست وصلاً، ثُمَّ الاسم هذه محفوظة، ثُمَّ الفعل هو كما سبق أصلٌ في التَّصريف. فدخول همزة الوصل - وقلنا: هذا الفصل تابعٌ لباب (الْتَّصْرِيِفْ) - إذاً: دخول همزة الوصل في الأفعال دخولاً أولياً، فأكثر ما توجد في الفعل وإن وُجِدت في الاسم كالمصدر قياساً .. المصدر من الخماسي، إلا أنَّ أكثر وجودها وأكثر ما يحتاجها هو الفعل. على كُلٍّ قوله: (كَاسْتَثْبِتُوا) ليس تقييداً بهمزة الوصل، بأنَّها لا تكون إلا في الفعل، يُمكن أن يُسْتَثَنْى هذا الكلام وما كان على شاكلته، بأنَّ النَّاظم لم يُرِد تخصيص الحكم بما ذكره مثالاً، إنَّما ذكر مثال: (اسْتَثْبِتُوا) هذا أمر للجماعة بالاستثبات، وهو تحقيق الشيء. ويمتنع إثباتها في الدَّرج إلا لضرورة، ولذلك سبق معنا أنَّ همزة الوصل قد يُنْطَق بها همزة قطع في أثناء الشِّعر. لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا

قال الشَّارح: " لا يُبْتَدأ بساكنٍ " هذا أمر مُتَّفق عليه في الجملة، وإن كان بعض المسائل نازع فيها بعض الصَّرفيين، وإلا في الجملة لا يُبْتَدأ بساكن، يعني: لا يُفْتَتَح النُّطق بساكنٍ، وأمَّا ابتداء الكلمة بساكنٍ في أثناء الكلام هذا واقع، وما سقطت همزة الوصل في الدَّرْج إلا لإمكان النُّطق بكلمة أولها أن يكون ساكناً. إذاً قوله: " لا يُبتَدأ بساكن " هذا يعني: في أول الكلام .. أن يُنْطَق بالسَّاكن في أول الكلام، كما لا يوقف على مُتَحَرِّك، إلا ما ذكرناه في اللغة السابقة، أنَّ بعضهم في التَّنوين يقول: جَاَءَ زَيْدُ .. رَأَيْتُ زَيْدَا .. مَرَرْتُ بِزَيْدِ، قلنا: لغة أزد أو كذا. فإذا كان أول الكلمة ساكناً .. عمَّ الشَّارح هنا لئلا يُخَصِّص دخول همزة الوصل بقبيلٍ دون آخر، فإذا كان أول الكلمة ساكناً وجب الإتيان بهمزةٍ مُتحرِّكة، وهل هذه الهمزة المُتحرِّكة اجْتُلِبَت ابتداءً مُتحرِّكة أو ساكنة ثُمَّ حُرِّكت؟ هذا محل نزاع، يعني إذا قيل بأن: اضْرِب، الضَّاد هنا لا يُمكن الابتداء بالسَّاكن، جئنا بهمزة الوصل .. همزة الوصل حرف. حينئذٍ همزة الوصل حرفٌ، هل اجتلبناها ساكنة؟ لأنَّها مبنية: وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا .. ثُمَّ التقى ساكنان: همزة الوصل والضَّاد فَحُرِّكت الهمزة .. أو أنَّنا مُباشرة اجْتَلَبناها مُتَحَرِّكة؟ هذا محل نزاع، لكن الظَّاهر أنَّها اجْتُلِبَت ساكنةً، لأنَّ لها سبعة أحوال كما سيأتي، وهذا يدل على أنَّها ليست بثابتة، لو كانت مُجْتَلَبة مُتَحَرِّكة حينئذٍ فيه نوع إشكال، وأمَّا إذا قيل بأنَّها ساكنة ثُمَّ تُحَرَّك للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، ثُمَّ هذا التَّحريك قد يكون بالكسر، وقد يكون بالفتح، وقد يكون بالضَّمّ، وقد يكون بالإشمام .. سبعة أحوال، وقد يجوز وجهان ويَتَرجَّح أحد الوجهين؟ سيأتي. إذاً: وجب الإتيان بْهمزةٍ مُتَحَرِّكةٍ، وظاهر كلام ابن عقيل أنَّها مُجْتَلَبة بحركتها مباشرة، يعني: جاءت جاهزة لا نحتاج إلى أن نُحَرِّكها، وجب الإتيان بهمزةٍ مُتَحَرِّكة تَوَصُّلاً، لذلك سُمِّيت همزة وصلٍ، هذا على مذهب البصريين وهو أجود. تَوَصُّلاً للنُّطق بالساكن، فتُسَمَّى هذه الهمزة: همزة وصلٍ، وشأنها أَنَّها تَثْبُت في الابتداء وتسقط في الدَّرْج نحوُ: (اسْتَثْبِتُوا) .. نحوِ (اسْتَثْبِتُوا) لك هذا وذاك. أمرٌ للجماعة بالاستثبات، وما يثبت فيهما فهو همزة قطع، يعني: ما يثبت في ابتداء الكلام وفي الدَّرج فهو همزة قطعٍ، ولكن نقول: يشتركان في الابتداء وتفارق همزة الوصل همزة القطع بكونها تسقط في دَرْج الكلام دون همزة القطع. ثُمَّ انتقل إلى بيان مواضع همزة الوصل وهي ستَّة: منها ما هو قياسي، ومنها ما هو سماعي، منها ما هو قياسي .. يُقَاس عليه، ومنها ما هو سماعي، وهي ستَّة، وبدأ بالفعل، لأنَّه الأصل في استحقاقها، ولذلك مَثَّل النَّاظم بالفعل دون الاسم. قال النَّاظم في الموضع الأول: وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ احْتَوَى عَلَى ... أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَحْوُ انْجَلَى

(وَهْوَ) بإسكان الهاء لغة وضرورة هنا، (وَهْوَ) أي: الهمز، ولم يقل: (هي) لأنَّه مُذَكَّر من حيث الحرف .. كونه حرفاً فهو مُذَكَّر، (همزٌ .. همزةٌ) ولذلك فيما سبق قال: (سَابِقٌ) وهو نعت لـ: (هَمْزٌ)، ولو كان اعتبره مؤنَّثاً لقال: (سَابِقَةٌ) ولقال: لا تَثْبُت، ولم يقل: (لاَ يَثْبُتُ)، ولقال: (ابْتُدِي بِهِ .. بِهَا) إرجاع الضمير واجب هنا، (تثبت) التأنيث واجب، وأمَّا إرجاع الضمير (بها) هذا جائز .. يجوز التَّذكير ويجوز التأنيث. (وَهْوَ) أي: الهمز، (لِفِعْلٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر وهو مبتدأ .. مرجعه الهمز، (لِفِعْلٍ) هذا عام يشمل الفعل المضارع، والفعل الماضي، وفعل الأمر، لكنَّه خَصَّص فقال: (لِفِعْلٍ مَاضٍ) هذا نعت لـ: (فِعْل) احترز به من غيره، (مَاضٍ احْتَوَى) إذاً: ليس لكل فعلٍ بل هو للفعل الماضي، ثُمَّ ليس لكل فعلٍ ماضي .. تخصيص بعد تخصيص هنا، النُّعوت هذه كلها للاحتراز. قال: (لِفِعْلٍ) هذا عام، قال: (مَاضٍ) احترز به عن غيره، ثُمَّ الماضي هذا قد يكون ثلاثي وقد يكون رباعي وقد يكون خماسي، قال: احْتَوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ .. يعني: خُماسي وسداسي، (نَحْوُ انْجَلَى) هذا خماسي: انطلق .. انجلى، و (استخرج) هذا سداسي، إذاً: الهمزة في الفعل الماضي الخماسي والسداسي همزة وصلٍ، هذه قاعدة عامة، إذاً قوله: . مَاضٍ احْتَوَى عَلَى ... أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ. . . . يعني: ليس لكل فعلٍ ماضي، فإنْ كان من الخماسي أو السداسي فحينئذٍ تدخل عليه همزة الوصل .. همزته همزة وصلٍ، قوله: (احْتَوَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَاضٍ احْتَوَى)، لماذا على (مَاضٍ)؟ أو: على فعلٍ؟ .. على ماضٍ أو فعلٍ؟ ما إعراب (احْتَوَى) نعت لأي شيء؟ لفعل، إذا قلت: نعت لفعل حينئذٍ جعلت الضمير يعود إلى (فِعْل) للقاعدة السابقة، وإذا جعلته نعتاً لماضٍ حينئذٍ جعلت الضمير عائداً على الماضي، وكلا الأمرين جائز، إلا أنَّ بعضهم لا يرى أن يُنْعَت النَّعت مع وجود المنعوت. يعني هنا: (احْتَوَى) الجملة نعت لماضٍ، كثير يجيز هذا، وبعضهم يمنع، لأنَّك لو نَعَتَّ ماضٍ بـ: (احْتَوَى) جعلته نعتاً له (مَاضٍ) هذا نعتٌ للفعل، وفي الحقيقة (احْتَوَى) هذا نعتٌ للفعل، فالأصل أن يكون المنعوت هو الفعل بالنعتين (مَاضٍ) ماضٍ و (احْتَوَى)، حينئذٍ لو جَوَّزت أن يكون (احْتَوَى) نعتاً لـ (مَاضٍ) نَعَتَّ النَّعَت مع وجود المنعوت، وعند بعضهم لا يجوز أن يُنْعَت النَّعت مع وجود المنعوت، وأمَّا إذا لم يوجد المنعوت جاز نعت النَّعت، لكن المشهور عند المعربين: يجوز أن يكون هذا نعتاً للنَّعت، فيكون: (احْتَوَى) نعتاً لـ (مَاضٍ) .. لا إشكال فيه، أو إذا أردت الخروج من الخلاف تقول: (احْتَوَى) الجملة في محل جر نعت لـ: (فِعْل)، والضمير يكون عائداً عليه.

(احْتَوَى) جمع، (عَلَى أَكْثَرَ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْتَوَى)، (مِنْ أَرْبَعَةٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله (أَكْثَرَ)، انظروا! الكلام مترابط، (عَلَى أَكْثَرَ) هذا متعلق بقوله: (احْتَوَى)، و (أَكْثَرَ) منصوب بماذا .. ما العامل فيه؟ ممنوع من الصَّرف لِعِلَّة الوصفية ووزن الفعل، (مِنْ أَرْبَعَةٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله (أَكْثَرَ) .. (أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ) لو قال: (مِنْ أَرْبَعٍ) صح؟ نعم، لماذا؟ لأنَّ التَّمييز هنا أحرف .. محذوف، ولذلك عند بعضهم: أنَّ هذا التنوين تنوين عِوَض عن كلمة، (مِنْ أَرْبَعَةٍ) أحرفٍ .. من أربعةِ أحرفٍ، بحذف التَّنوين. حينئذٍ (أحرف) جمع حرف، والحرف يجوز تذكيره وتأنيثه، فإذا ذكرت الأربعة التاء حينئذٍ ذَكَّرَت، وإذا حذفتها معناه: أنَّثت. إذاً الموضع الأول: هو أن تكون همزة الوصل دَاخلةً على الفعل الماضي الخماسي والسداسي. وَهْوَ لِفِعْلٍ مَاضٍ احْتَوَى عَلَى ... أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَحْوُ انْجَلَى وذلك نحو، (نَحْوُ) خبر مبتدأ محذوف، ويجوز نصبه: (نَحْوَ) أعني .. (نَحْوَ) يجوز .. ما دام أنَّك قَدَّرت جاز أن تنصبه وجاز أن ترفعه. يعني: أنَّ كُلَّ همزةٍ افْتُتِح بها الفعل الماضي الزائد على أربعة أحرف، فهي همزة وصلٍ بشرط: أن يكون زائداً على أربعة أحرف، فإن كان على أربعة أحرف فلا بل هي همزة قطع، وإن كان أقل .. ثلاثي فهي همزة قطع. وشمل الخماسي نحو: انطلق، كما مثَّل النَّاظم (انْجَلَى) والسُّداسي نحو: استخرج، وهو منتهاه، يعني: أكثر ما يكون على ستة أحرف، وأمَّا الرُّباعي: أَكْرَمَ، نقول: أَكْرَمَ هذه الهمزة همزة قطع، و (أَخَذَ) و (أَكَلَ) هذه الهمزة همزة قطع. إذاً: في الثلاثي، كُلُّ ثلاثي ماضٍ همزته همزة قطع، وَكُلُّ رباعي ماضٍ همزته همزة قطع، وَكُلُّ خماسي أو سداسي ماضٍ همزته همزة وصل .. محفوظة، ولا تقُل: لم؟ هكذا لسان العرب. ثُمَّ أشار إلى الموضع الثاني بقوله: (وَالأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ مِنْهُ) هذان حالان، (مِنْهُ) الضمير يعود الفعل الماضي الذي تجاوز أربعة أحرف، إذاً: (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ) انْجَلَى .. انْطَلَقَ .. استخرج، حينئذٍ: انْطَلَقَ انْطَلِقْ انطلاقاً، إذاً: الماضي، والأمر منه ومصدره، كُلها .. الثلاثة الأنواع أكثر من أربعة أحرف حينئذٍ تكون همزتها همزة وصل: انْطَلَقَ، هذا خماسي همزته همزة وصل، (الأَمْرُ مِنْهُ) من الخماسي: انْطَلِقْ، همزته همزة وصل: انطلاقاً، مصدر، همزته همزة وصلٍ. (وَالأَمْرِ مِنْهُ) يعني: من الخماسي والسداسي، (وَالْمَصْدَرِ) كذل منه .. من الخماسي والسداسي. يعني: أنَّ الهمزة في الأمر والمصدر من الفعل الزِّائد على أربعة أحرف همزة وصلٍ نحو: انْطَلَقَ انطلاقاً انْطَلِقْ، واسْتَخْرَج استخراجاً اسْتَخْرِج .. (اسْتَثْبِتُوا) كمَّا مَثَّل النَّاظم في البيت السابق. (وَالأَمْرِ وَالْمَصْدَرِ) (وَالأَمْرِ) هذا معطوف على (فِعْلٍ) وهو لفعلٍ .. وهو لأمرٍ، و (وَالْمَصْدَرِ) هذا معطوفٌ على (الأَمْرِ)، (مِنْهُ) حالٌ من (الْمَصْدَرِ)، والضمير هنا يعود على المحتوي (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ).

(وَكَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) هذا الموضع الرابع مِمَّا تُزَاد فيه همزة الوصل قياساً لا سماعاً، (وَكَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق، (أَمْرُ الثُّلاَثِي) (كَذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، (أَمْرُ الثُّلاَثِي) (أَمْرُ) مبتدأ مُؤَخَّر وهو مضاف، و (الثُّلاَثِي) مضاف إليه. (كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا) كَرَّر الأمثلة هنا لغاية وحكمة، (وَكَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) الذي يَسْكُن ثاني مضارعه لفظاً .. قَيِّده (كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا) (اخْشَ) هذا أمرٌ من: يَخْشَى، إذاً: (وَكَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) مُطلقاً كُلُّ أمر ثلاثي؟ الجواب: لا، وإنَّما الذي يسكن ثاني مضارعه لفظاً، لأنَّ القاعدة: أنَّ فعل الأمر إنَّما يُؤْخَذ من المضارع، هو مُشْتَقٌّ من المصدر، لكن عند الصياغة .. عند الاشتقاق كيف نَشْتَقُّه؟ نأخذ من المضارع، ما بعد حرف المضارعة يسقط، وما بعده إمَّا أن يكون مُحَرَّكاً وإمَّا أن يكون ساكناً، إن أسقطنا حرف المضارعة وكان ما بعده مُتَحَرِّكاً لم نحتج إلى همزة الوصل، لأنَّه مُتَحَرِّك، وَيُبْتَدأ بالمُتحرِّك. إذاً: الغاية التي من أجلها يؤتى بهمزة الوصل غير موجودة، وإذا كان ما بعد حرف المضارعة بعد إسقاطه ساكناً، حينئذٍ احتجنا إلى همزة الوصل: يَخْشَى .. يَمْضِي .. يَنْفُذْ .. يَرْمِيْ .. يَدْعُو، كل هذه أفعال مضارع الثاني منها ساكن، حينئذٍ إذا أردنا الأمر منها وأسقطنا حرف المضارعة صار الحرف الثاني ساكناً، وأمَّا المُتحرِّك لا بُدَّ من إخراجه، وهذا يمكن أن يُؤْخَذ بالأمثلة. إذاً: (وَكَذَا) أي: مثل (ذا) في كون الهمزة همزة وصلٍ (أَمْرُ الثُّلاَثِي)، الذي يسكن ثاني مضارعه لفظاً، (لفظاً) له قيد .. احتراز، (كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذْ) يعني: أنَّ كُلَّ همزةٍ افْتُتِح بها فعل الأمر من الثلاثي فهي همزة وصلٍ، سواءٌ كان مضارعه على وزن (يَفْعَل) بفتح العين، نحو: (اخْشَ) مضارعه: يَخْشَى، بفتح العين وهي الشين، إذاً مَثَّل بـ: (اخْشَ) هذا لِمَا كان مضارعه ساكن الثاني مفتوح العين: يَخْشَى. أو على (يَفْعِلْ) بِما كان مضارعه ساكن الثاني مكسور العين، لأنَّ مضى يمضي العين مكسورة، أو على (يَفْعُل) بسكون الثاني مع ضَمِّ العين، إذاً مطلقاً .. من كل أنواع الفعل المضارع سواءٌ كان مفتوح العين، أو مضموم العين، أو مكسور العين، فإذا كان الثاني ساكناً حينئذٍ اجْتَلَبْنَا همزة الوصل، وإنَّما يكون الخلاف في حركة همزة الوصل فحسب، وأمَّا همزة الوصل فلا بُدَّ منها، لأنَّ الثاني يكون ساكناً. أو على (يَفْعُلْ) نحو (انْفُذْ)، وهذه فائدة التَّمثيل، لأنَّه عَدَّد بقوله: (اخْشَ وَامْضِ وَانْفُذ)، وَفُهِم من تعداد الأمثلة: أنَّ ذلك إنَّما يكون إذا كان ثاني المضارع ساكناً لفظاً نحو: يَخْشَى وَيَرْمِي وَيَنْفُذْ، فلو كان مُتحرِّكاً لم يؤتَ بهمزة الوصل نحو: يَقُول وَيَعِد، تقول: يقول .. قُلْ، يَعِدُ .. عِدْ، لم نحتج إلى همزة الوصل.

سبق أمر الثلاثي الذي يسكن ثاني مضارعه لفظاً، قلنا: (لفظاً) له احتراز، لو كان ثانيه ساكن تقديراً لا لفظاً، هل نجتلب همزة الوصل أو لا؟ الجواب: لا، مثل: يقول، (يقول) أصلها: يَقْوُل، إذاً الثاني ساكن، فإذا قلنا أمر الثلاثي الذي يسكن ثاني مضارعه حينئذٍ شَمِل ما كان تقديراً، لأنَّ الحكم يكون باعتبار الأصل، و (يَقْوُل) ساكن الثاني، لكن ليس لفظاً وإنَّما تقديراً لأنَّ أصله: يَقْوُل، اسْتُثْقِلَت الضَّمًّة على القاف وَنُقِلت إلى الساكن قبلها صار: يقول. إذاً: يقول نقول فيه: قُلْ، يَعِدُ نقول فيه: عِدْ، ولو سُكِّن تقديراً كقولك في الأمر من: يقوم .. قُمْ، وَيُسْتَثْنى: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، سبقت معنا مراراً هذه، (خُذْ) أصلها: يأخذ .. يأكل .. يأمر، الأمر منها: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، نقول: هذا سماعي بِمعنى: أنَّ الاستثناء هنا لورود السَّماع بكون: خُذْ وَمُرْ وَكُلْ، قد وردت بدون همزة الوصل، وإلا الأصل: أنَّها بهمزة الوصل. إذاً: يُسْتَثْنَى: خُذْ وَكُلْ وَمُرْ، فإنها يُسَكَّن ثاني مضارعها لفظاً، والأكثر في الأمر منها حذف الفاء والاستغناء عن همزة الوصل، هذه شاذَّة .. شَذَّت عن القاعدة .. خرجت، ولذلك نَصَّ ابن مالك عليها بأنَّها شاذَّة في (اللامية) وغيرها. إذاً قوله: . . . . . . . . . . . وَكَذَا ... أَمْرُ الثُّلاَثِي كَاخْشَ وَامْضِ وَانْفُذَا (وَانْفُذَا) الألف هذه للإطلاق، (أَمْرُ الثُّلاَثِي كَاخْشَ) يعني: وذلك (كَاخْشَ) اخْشَ .. امْضِ .. انْفُذ، (انْفُذ) بِضَمِّ الهمزة. قال الشَّارح: " لَمَّا كان الفعل أصلاً في التَّصريف اخْتَصَّ بكثرة مَجِيء أوله ساكناً، فاحتاج إلى همزة الوصل " إذاً: أحوج ما يكون من الكلمات إلى همزة الوصل هو الفعل، وهذا قد يُجْعَل لماذا نَصَّ النَّاظم على قوله (كَاسْتَثْبِتُوا)؟ الأشْمُونِي وغيره قالوا هنا: المثال ليس لإعطاء الحكم، لأنَّه أطلق: لِلْوَصْلِ هَمْزٌ سَابِقٌ لاَ يَثْبُتُ ... إِلاَّ إِذَا ابْتُدِي بِهِ كَاسْتَثْبِتُوا قيَّده بأنَّه في الفعل، إذاً: لا يكون في الاسم، ولا يكون في الحرف، نقول: ليس هذا مراده، وإنَّما ذكر الفعل دون غيره: أولاً: يريد أن يذكر مثالاً واحداً. وثانياً: كان أولى ما يذكره هو الفعل للعِلَّة التي ذكرها ابن عقيل هنا: " لَمَّا كان الفعل أصلاً في التَّصريف اخْتصَّ بكثرة مجيء أوله ساكناً، فاحتاج إلى همزة الوصل، فكل فعلٍ ماضٍ احتوى على أكثر من أربعة أحرفٍ يجب الإتيان في أوله بهمزة الوصل " يعني: أوله (في) هنا ظرفية مجازية (في أوله). ثُمَّ المراد كما هو ظاهر: الفعل الماضي، وفعل الأمر الباقيان على فِعْلِيَّتِهما، إذا سُمي بفعل الأمر نقول: همزته همزة وصل كما سبق، (كَذَا أَمْرُ الثُّلاَثِي) وَانْطَلَقَ وَاسْتَخْرَجَ، لو سَمَّيت رجلاً بـ: (انْطَلَقَ) حينئذٍ همزته تكون همزة قطع، تقول: جاء إنْطَلَقَ، على أنَّه همزة قطع، و (جاء إستخرج) .. (فقلت لإضْرِب) حينئذٍ تقطع الهمزة كما هو شأن سائر الأسماء.

إذاً: المراد هنا بكون الفعل الماضي همزته همزة وصل: إذا لم يُنْقَل للعلمية، وإمَّا إذا نُقِل للعلمية سواءٌ كان فعل الأمر الثلاثي، أو الفعل الماضي الخماسي والسداسي، إذاً نُقِل للعلمية حينئذٍ صارت همزته همزة قطع. الباقيان على فِعْلِيَّتِهما، و (أَلْ) كما سيأتي الباقي على حرفيتها، فلو سَمَّيت شخصاً بشيءٍ من ذلك، أو قصدت به لفظه، عندما نقول: قُصِد لفظه صار علماً، حينئذٍ همزته همزة قطع فلا يلتبس عليك، فتنطق به بهمزة قطعٍ، فلا يوصل في دَرْج الكلام وإنَّما تقطعه لأنَّه صار علماً. إذاً: إذا سُمِّي شخصٌ بشيءٍ من فعل الأمر الذي همزته همزة وصل وهو الخماسي أو السداسي أو فعل الأمر أو قُصِد لفظه في الحكم عليه كما يَمُرُّ معنا كثير، حينئذٍ صارت همزته همزة قطع. وجب قطع الهمزة على قياس همزات الأسماء الصِّرْفَة غير العشرة المستثناة. قال الشَّارح: " نحو: اسْتَخْرَجَ " الهمزة همزة وصل لأنَّه ماضٍ سداسي، وانطلق، همزته همزة وصل لأنَّه ماضٍ خماسي، وكذلك الأمر منه .. من الخماسي والسداسي: اسْتَخْرِج وَانْطَلِقْ، والمصدر نحو: استخراج وانطلاق، وكذلك تجب الهمزة في أمر الثلاثي نحو: اخْشَ وَامْضِ وَانْفُذْ من: خشي ومضى ونفذ، ولو قال: من يخشى ويمضي وينفذ، كان أولى لِيَدُل على أنَّه إذا كان ساكن الثاني. ثُمَّ أشار إلى الموضع الخامس وهو سماعي بقوله: وَفِي اسْمٍ اسْتٍ ابْنٍ ابْنُمٍ سُمِعْ ... وَاثْنَيْن وَامْرِىءٍ وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ وَايْمُنُ. . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . هذه سبعة أسماء .. ذكر سبعة أسماء: (اسْم) هذا الأول، (اسْتٍ) الثاني، (ابْنٍ ابْنُمٍ) (ابْنُ) نفسها زِد عليها ميم، (ابْن) الثالث، (ابْنُمٍ) الرابع، (اثْنَيْن) الخامس، (امْرِىءٍ) السادس، (وَايْمُنُ) السابع. اسْمٌ .. اسْتٌ .. ابْنٌ .. ابْنُمٌ .. اثنان .. امْرُئٌ .. أيْمُنُ، هذه سبعة، إذاً: ذكر سبعة أسماء، ونحن نقول: الأسماء العشرة، لأنَّه قال: (وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ) (ابن) .. (ابنة) ثمانية، (اثنان) .. (اثنتان) تسعة، (امْرِئٍ) .. (امرأة) عشرة، إذاً: هذه الأسماء عشرة .. محفوظة. إذاً: ذكر سبعة أسماء وَفُهِم من قوله (وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ): أنَّ مجموعها عشرة أسماء لأنَّ مؤنَّث (امْرِىءٍ): امرأة، ومؤنث (ابْن): ابنة، (وَاثْنَيْن): اثنتان. (وَفِي اسْمٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (سُمِعْ)، إذاً: أشار بقوله (سُمِعْ): أنَّ هذه الألفاظ مسموعة لا قياسية، فَتُحْفَظ ولا يقاس عليها، واسمٌ أصله: سِمْوٌ أو سُمْوٌ، حُذِفت اللام اعتباطاً وَعُوِّض عنها الهمزة في أولها، إذاً: هذه الهمزة -همزة الوصل- عِوَض عن محذوفٍ وهو لام الكلمة، على مذهب البصريين كما مرَّ معنا مراراً. إذاً: (وَفِي اسْمٍ اسْتٍ) يعني: وَاسْتٍ، على حذف حرف العطف، وما يأتي كله على حذف حرف العطف إلا ما ذُكِر، (واسْتٍ) أصله: سَتَهٌ بالهاء، حُذِفت اللام اعتباطاً وعُوِّض عنها همزة الوصل، ولذلك تقول: سُتَيْهَةٌ، ترجع في التَّصغير كما مرَّ معنا، إذاً: سَتَهٌ، بالهاء فَحُذِفت الهاء .. اللام وعُوِّض عنها الهمزة.

و (ابْنٍ) على حذف حرف العطف، (ابْنٍ) أصله: بَنَوٌ، حُذِفت الواو التي هي لام الكلمة اعتباطاً وعُوِّض عنها همزة الوصل صار (ابْن). (ابْنُمٍ) هو نفسه (ابْنُ) زِيِد عليه الميم، (وَاثْنَيْن) أصله: ثَنِي، (وَامْرِىءٍ) لم يُحْذَف منه شيء، ولكن أُلْحِق بهذه الأسماء المحذوف منها حرفٌ لأنَّ الهمزة بصدد التَّغيير فحكموا لها بحكم المحذوف .. نقول: سماعي، وما دام أنَّه سماعي لا يُعَلَّل .. هذه الألفاظ تُحْفَظ ولا تُعَلَّل، لأنَّ أكثر ما ذُكِر من العلل فيها تَكَلُّف. وأمَّا (أَيْمُن) فهو المستعمل في القسم وهو مُشْتَقٌّ من اليُمْنّ على مذهب سيبويه، إذاً: هو مفرد وليس بجمعٍ، فهمزته زائدة، لأنَّه من اليُمْنّ، إذاً: الهمزة هذه زائدة وإذا كان زائدة حينئذٍ حكمنا عليها بكونها همزة وصل، هذا مذهب البصريين. وهمزته قطعٌ عند الكوفيين، إذاً: (وَايْمُنُ) هذا مختلفٌ فيه، فهمزته همزة وصل عند البصريين لأنَّه مفرد .. لأنَّه مُشْتَقٌّ من اليُمْن وهذا مذهب سيبويه، وهو البركة، وهمزته قطعٌ عند الكوفيين، وأنَّه عندهم جمع يَميِن: (أَيْمُن)، إذاً: ليست همزته همزة وصل بل هي همزة قطعٍ. إذاً: وَفِي اسْمٍ اسْتٍ ابْنٍ ابْنُمٍ سُمِعْ .. (سُمِعْ) تعلَّق به قوله: (فِي اسْمٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله (سُمِع)، (اسْتٍ) معطوف على (اسْمٍ) على حذف حرف العطف، كذلك (ابْنٍ) معطوف على (اسْمٍ)، (ابْنُمٍ) معطوف على (اسْمٍ)، (سُمِعْ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير يعود على همزة الوصل، سُمِع همز الوصل في اسمٍ. (وَاثْنَيْن) هذا معطوف على (اسْمٍ)، يعني: في اثنين، (وَامْرِىءٍ) معطوف على (اسْمٍ) كذلك، (وَتَأْنِيثٍ تَبِعْ) تَبِعَ ما يُؤَنَّث من الألفاظ الثلاثة التي ذكرناها، وهي: (ابن) .. (ابنه)، و (اثنين) .. (اثنتان)، (وامرئٍ) .. (امرأة) هذه عشرة. قال ابن هشام: " وينبغي أن يُزَاد (أَلْ) الموصولة " (وايْمُ) .. (أَلْ) الموصولة، وسيأتي أنَّ همزتها همزة وصل، لأنَّه قال: (هَمْزُ أَلْ كَذَا) الصواب أنَّه مطلقاً: مُعَرِّفة .. زائدة .. موصولة، لأنَّه اشتهر عندهم الأسماء العشرة على هذه الأسماء فقط، حينئذٍ لا يذكرون معها (أَلْ) الموصولة مع كونها اسماً، (اسْم اسْت) إلى آخره، هذه أسماء همزتها همزة وصل، وسبق معنا أنَّ (أَلْ) الموصولة اسمٌ وهمزتها همزة وصل، إذاً: ينبغي عدُّها، وهذا استدراك في محله. كذلك (أيْمُ) هذه لغة في: (أَيْمُن)، إذاً: صارت اثني عشر اسماً، ليست عشرة، يُزَاد عليها (أَلْ) الموصولة، همزتها همزة وصل، وَيُزَاد عليها (أيْمُ) لغةٌ في (أَيْمُن)، فإن قالوا هي: (أَيْمُنُ) حُذِفَت اللام، قلنا: و (ابْنُمٌ) هو (ابْنُ) فَزِيدت الميم، يعني قال ابن هشام: لو قيل (أيْمُ) هي نفسها (أَيْمُن) حُذِفت النون .. اللام، إذاً: لا داعي من زيادتها. قيل لهم: أنتم قلتم (ابْن وابْنُمٌ) (ابْنُمٌ) هي (ابْن) زيدت عليها الميم وهذا حُذِف منه، إذاً: ما دام أنَّكم عددتم (ابْن وابْنُمٌ) وهما شيءٌ واحد، إذاً: عُدُّوا كذلك (أَيْمُنُ) و (أيْمُ) بحذف النون، إذاً: يَخْلُصْ من هذا أن نقول: أنَّ الأسماء اثنا عشر اسماً وليست بعشرة.

ثُمَّ أشار إلى الموضع السادس والأخير فقال: (هَمْزُ أَلْ كَذَا) (هَمْزُ) مبتدأ وهو مضاف، و (أَلْ) قصد لفظه مضافٌ إليه، (كَذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف يعني: مثل (ذا) السَّابق في كون همزته همزة وصلٍ، و (أَلْ) أطلقها النَّاظم حينئذٍ تعم المعُرِّفَة والموصولة والزَّائدة، همزتها همزة وصلٍ وليست بهمزة قطع، على خِلافٍ فيه. إذاً أشار بقوله: (هَمْزُ أَلْ كَذَا) أي: مثل (ذا) السَّابق أي: أنَّ الهمزة في (أَلْ) همزة وصلٍ كما كانت فيما ذُكِر، وهذا مذهب سيبويه، مذهب سيبويه: أنَّ همزة (أَلْ) همزة وصلٍ وليست بهمزة قطع. ومذهب الخليل: أنَّها أصلية يعني: همزة قطعٍ، حُذِفت في الوصل لكثرة الاستعمال، إذاً: (هَمْزُ أَلْ كَذَا) على الصحيح وهو مذهب سيبويه، بأنَّ الهمزة هي همزة وصلٍ وضعاً واستعمالاً، وأمَّا على مذهب الخليل فهي همزة قطعٍ وضعاً ووصلٌ استعمالاً، لأنَّها سقطت لكثرة الاستعمال. ثُمَّ بين حكم همزة (أَلْ) إذا دخل عليها همزة استفهام: . . . . . . . . . . وَيُبْدَلُ ... مَدّاً فِي الاِستِفْهَامِ أَوْ يُسَهَّلُ بَيَّن حكم (أَلْ) إذا دخل عليها همزة الاستفهام، وقال (وَيُبْدَلُ) إلى آخره، يعني: أنَّ (أَلْ) إذا دخل عليها همزة الاستفهام جاز فيها -يعني: في الهمزة- وجهان: الإبدال أو التَّسهيل، إبدالها ألفاً من جنس حركة الهمزة التي قبلها، وتسهيلها بين الألف، وقد قُرِئ بهما في قوله: ((آلذَّكَرَيْنِ)) [الأنعام:143]. وَفُهِم منه: أنَّ غير همزة (أَلْ) من همزة الوصل تُحْذَف إذا دخل عليها همزة الاستفهام، لعدم الحاجة إليها نحو: ((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ)) [الصافات:153] (اصْطَفَى) هذا خماسي وهمزته همزة وصل، و (أَلْ) همزتها همزة وصل، هنا دخل الاستفهام على ما ليس مُتَّصلاً بـ (أَلْ)، حينئذٍ حُذِفت قولاً واحداً. هنا: (أَصْطَفَى) أصله: (اصْطَفَى) أين همزة الوصل؟ نقول: حُذِفت قولاً واحداً؛ لدخوله على غير همزة (أَلْ) لأنَّ الأصل: أنَّها تُحْذَف كما سبق، لأنَّها صارت في دَرْج الكلام، لأنَّ همزة الاستفهام مُحَرَّكة، حينئذٍ إذا تَقدَّمت على همزة الوصل صارت همزة الوصل في دَرْج الكلام .. سقطت، إلا همزة (أَلْ) فلك أحد الوجهين: إمَّا إبدالها، وإمَّا تسهيلها، أمَّا غيرها فَتُحْذَف قولاً واحداً. ((أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ)) وإنَّما لم تُحْذَف همزة (أَلْ) إذا دخل عليها همزة الاستفهام وكان القياس حذفها -لِمَا ذكرناه-، لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر لاشتراك الهمزتين في الفتحة. على كُلٍّ؛ هذا هو المسموع: أنَّه إذا دخلت همزة الاستفهام على (أَلْ) فتبقى همزة (أَلْ) .. تبقى ولا تُحْذَف، هذا استثناءٌ من القياس، والأصل في القياس: أنَّ همزة الوصل تسقط في دَرْج الكلام، وإذا ابتدئ بِمتحرِّك وهو همزة استفهامٍ حينئذٍ قلنا الأصل: سقوط همزة الاستفهام، ولكن تبقى على أصلها.

(وَيُبْدَلُ مَدّاً) ما هو (يُبْدَلُ)؟ (هَمْزُ أَلْ)، (يُبْدَلُ) الضمير يعود على المتأخِّر (يُبْدَلُ هَمْزُ أَلْ)، (مَدّاً) مفعول ثاني، وأين الأول؟ نائب الفاعل و (وَيُبْدَلُ مَدّاً) يبدل الأول الذي هو المفعول السابق .. نائب الفاعل يعود على الهمز .. همزة (أَلْ) (مَدّاً) هذا على حذف المضاف أي: يُبْدَل حرف مدٍّ. (فِي الاِستِفْهَامِ) مُتعلِّق بـ (يُبْدَلُ) وَيُبْدَلُ فِي الاِستِفْهَامِ مَدّاً وهو الأرجح ولذلك قدَّمه النَّاظم .. قدَّمه لأنه أرجح على التسهيل، (أَوْ يُسَهَّلُ) بين الهمزة والألف مع القصر ولا يُحْذَف، (يُبْدَلُ مَدّاً) من جنس الحركة: إن كانت واواً واو .. ياءً ياء، (أَوْ يُسَهَّلُ) يعني: همز (أَلْ) (يُسَهَّلُ) هذا معطوفٌ على (يُبْدَلُ)، (يُسَهَّلُ) يعني: بين الهمزة والألف مع القصر ولا يُحْذَف و (أَوْ) هنا للتَّخيير، و (أَوْ) التي للتَّخيير إنَّما تكون بعد طلب: تَزَوَّج هِنْدَاً أَوْ أُخْتَهَا، تَزَوَّج .. قلنا: لا يكون إلا بعد طلب، (أَوْ) التي للتَّخيير لا تكون إلا بعد طلبٍ، بخلاف الإباحة، فرق بين الإباحة والتَّخيير: أنَّه لا يُجْمَع بينهما في التَّخيير دون الإباحة، الإباحة يجوز الجمع: تعلم النَّحو أو العروض، حينئذٍ نقول يجوز الجمع بينهما، وأمَّا: تَزَوَّج هِنْدَاً أَوْ أُخْتَهَا، نقول: هذا للتخيير، لا يُجْمَع بينهما، حينئذٍ نقول: (أَوْ) هنا للتَّخيير، وشرطها: أن تكون مسبوقةً بطلب. هنا لقوله: . . . . . . . . . . . وَيُبْدَلُ ... مَدّاً فِي الاِستِفْهَامِ أَوْ يُسَهَّلُ هو خيَّرك بين الإبدال مدَّاً وبين (التَّسهيل) كأنَّه قال لك: أبدلها مدَّاً في الاستفهام أو سهلها، فهو في قوة الأمر، كأنَّه خبرٌ مُرَادٌ به الطَّلب، وهذا توجيهٌ جَيْد وهو للمكودي، (أَوْ) للتَّخيير كأنَّه قال: أبدلها أو سهلها، خيَّرك بين الأمرين، لأنَّه لا يمكن الجمع هنا؛ إمَّا أن تُبْدِل فيمتنع التَّسهيل، وإمَّا أن تُسَهِّل فيمتنع الإبدال، هذا أو ذاك. إذاً: . . . . . . . . . . . وَيُبْدَلُ ... مَدّاً فِي الاِستِفْهَامِ أَوْ يُسَهَّلُ قال الشَّارح: "لَمْ تُحْفَظ همزة الوصل في الأسماء التي ليست مصادر" أمَّا المصادر فهي قياسية أمَّا الجامدة فلا، كلها محفوظة .. المصادر كما سبق الخماسي والسداسي. لَمْ تُحْفَظ همزة الوصل في الأسماء التي ليست مصادر لفعلٍ زائدٍ على أربعةٍ إلا في عشرة اسْمٌ واسْتٍ وابْنٍ وابْنُمٍ واثنين وامْرُئٍ وامرأة وابنةٍ واثنتين وَايْمُن في القسم. ولم تحفظ في الحروف إلا في (أَلْ) ومثلها (أَمْ) في لغة حمير-هكذا قيل-، وَلَمَّا كانت الهمزة مع (أَلْ) مفتوحة وكانت همزة الاستفهام كذلك مفتوحة لَمْ يَجُزْ حذف همزة الاستفهام لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولا يُحَقَّق لأنَّ همزة الوصل لا يثبت في الدَّرْج إلا لضرورة، إمَّا أن تبدلها وإمَّا أن تسهلها، نخلص من هذا: الإبدال أو التَّسهيل هل حقَّقت همزة الوصل .. هل نطقت بها كما هي؟ لا، لأنَّ الأصل: ألا يُنْطَق بها في دَرْج الكلام، حينئذٍ أُبْدِلت أو سُهِّلَت، بل وجب إبدال همزة الوصل ألفاً نحو: آلأمير قائم، أو تسهيلها ومنه قوله:

أَأَلْحَقَّ إِنْ دَارُ الرَّبَابِ تَبَاعَدَتْ ... أَوِ انْبَتَّ حَبْلٌ أَنَّ قَلْبَكَ طَائِرُ إذاً: همزة الوصل إنَّما تكون مُتَّصلةً بالاسم إذا كان قياساً يكون في المصدر .. مصدر الفعل الخماسي أو السداسي الماضي، وأمَّا ما عداه فهي همزة وصلٍ سماعاً، الأصل: أنَّها همزة قطع، إن سُمِعت فهو موقوفٌ على السَّماع، وما عدا ما ذكره من القياس وهو مصادر الخماسي والسداسي فهو همزة قطع. وفي الحرف لا تكون إلا همزة قطع، فـ (إلى) و (إلا) و (ألا) ونحوها .. كُلَّ هذه الحروف همزتها همزة قطع، إلا همزة (أَلْ) فقط هذه هي التي تستثنى، إذاً: همزة الوصل لا تكون في حرفٍ غير (أَلْ). إذاً: جميع الحروف داخلة، حينئذٍ قولهم: (لِلْوَصْلِ هَمْزٌ) بأنَّ النَّاظم أطلق القبيل هناك .. قول المكودي وغيره، غير وارد، لأنَّ الحرف الأصل فيه: أنَّ همزته همزة قطع، فلا يرد إلا الفعل والاسم، وإذا كان الأكثر في الفعل هو الأصل دخول همزة الوصل عليه كأنَّه اخْتصَّ به. ولا في فعلٍ مضارعٍ مُطلقاً .. لا تكون الهمزة في فعلٍ مضارعٍ مُطلقاً، لأنَّه إذا كان مفتتحاً بهمزة (أَنيت) فهي همزة قطع .. لا يكون مضارعاً مفتتحاً بهمزة إلا وهي همزة (أَنيت) المُتكلِّم .. (أُكْرِم). إذاً: ولا في فعلٍ مضارعٍ مُطلقاً، ولا في ماضٍ ثلاثيٍّ كـ: أمر وأخذ، وهذا سبق الاحتراز عنه، أو رباعي كـ: أكرم وأعطى، ولا في اسمٍ إلا مصدر الخماسي والسداسي، والأسماء العشرة المذكورة، وَيُحْذَف همز الوصل المضموم مع الاستفهام كما سبق: اضْطُرَّ الرَّجُلُ، بالاقتصار على همزة الاستفهام المفتوحة، وحذف همزة الوصل المضمومة بعدها، وأمَّا حركتها، لأنَّ الأصل فيها أنَّها ساكنة فلها سبعة أحوال: الأول: وجوب الفتح، وذلك في المبدوء بـ (أَلْ) .. واجبة الفتح: الرجل .. العالم، هذه الهمزة همزة وصلٍ وهي مفتوحة، وحكمها: أنها واجبة الفتح. الثاني: وجوب الضَّمِّ، وذلك في نحو: اُنْطُلِقَ .. اُسْتُخْرِج، في الفعل مُغيَّر الصيغة إذا كان مبدوءً بهمزة وصلٍ: اُنْطُلِق .. انْطََلَقَ، مُغيَّر الصيغة، إذاً: وجب هنا ضَمُّ الهمزة، كذلك: اُسْتُخْرِج، وجب ضَمُّ الهمزة، إذاً: في الفعل المبني للمفعول إذا كان خماسياً أو سداسياً، لأنَّ همزة الوصل لا تُتَصَوَّر إلا فيهما. وفي أمر الثلاثي المضموم العين في الأصل، يعني: وجوب الضَّمِّ يكون في مواضع:

أولاً: اُنْطُلِقَ وأُسْتُخْرِج، مُغيَّر الصيغة، كذلك في أمر الثلاثي المَضْمُوم العين في الأصل: اُقْتُلْ .. اُكْتُبْ، لكونه مضموم العين في الأصل، فتقول: يَكْتُبُ، كُلُّ فعل مضارع على وزن (يَفْعُل) ففعل الأمر منه يكون بِضَمِّ الهمزة: يَكْتُبُ .. اكتب، ضممت الهمزة وحكمها الوجوب .. وجوب الضَّمِّ، كذلك: اُقْتُلْ، بخلاف: امشوا .. امضوا، (اُقْتُل) العين مضمومة. ز التاء، (اُكْتُبْ) التاء وهي عين الكلمة مضمومة، أمَّا (امْشُوا) هنا الضَّم عارض، وكذلك: امضوا، الضَّم عارض، لأنَّ الأصل: امشيوا، اسْتُثْقِلَت الضَّمَّة على الياء فَنُقِلَت إلى ما قبلها فَحُذِفت الياء، وكذلك: امضيوا، إذاً: الأصل فيه: امْضُوا .. امْشُوا، وإنَّما ضُمَّت هنا لمناسبة الواو، وإنَّما تُضَمُّ همزة الوصل إذا كانت الضَّمَّة أصلية وأمَّا إذا كانت عارضة فلا. إذاً: هذا الموضع الثاني وهو وجوب الضَّمَّ، يكون في موضعين: اُنْطُلِقَ وَاسْتُخْرِج، وَاُقْتْل .. اُكْتُبْ، وأمَّا: امشوا وامضوا، نقول: هنا الضَّمَّة عارضة. الثالث: رجحان الضَّمِّ على الكسر يعني: جواز الوجهين الضَّم والكسر، ولكن يَتَرَجَّح الضَّمْ على الكسر، وذلك فيما عَرَض جَعْلُ ضَمَّة عينه كسرة. إذا عرض ما يجعل ضمَّة العين كسرة حينئذٍ جاز الوجهان، يعني: يجوز أن تُرَاعي الأصل فَتَضُم، ويجوز أن تراعي الحال .. الآن .. المآل فَتَكْسِر، والأصل: يكون ضَمُّ العين، ولكن قُلِبت الضَّمَّة كسرة لمناسبة ياء المخاطبة، وهذا في نحو: اغزِ .. اُغْزِ، يجوز فيه الوجهان، كُلُّ ما كان على هذا النَّمط: اغزي .. اُغْزِي، لأنَّ الزاي في الأصل أنَّها مضمومة: غزا يغزو، ولكن الياء هنا يناسبها كسر ما قبلها. بِضَمِّ الهمزة راجحاً وكسرها مرجوحاً، لأنَّ الأصل: اغزوِي، اسْتُثْقِلَت الكسرة على الواو فَنُقِلَت ثُمَّ حُذِفت الواو للاتقاء الساكنين، فالضَّمُّ نظراً إلى الأصل، والكسر نظراً إلى الحال الراهنة. الرابع: رجحان الفتح على الكسر مع جواز الوجهين، وذلك في: أَيْمُنْ وَأَيْمُ، (أيْمُن) خاصَّة يجوز فيه الوجهان، سواءٌ هو أو المحذوف. الخامس: رجحان الكسر على الضَّمِّ، ليس له إلا موضع واحد وهو: (اسم .. اُسْمْ) لأنَّه من: سِمْوٌ. السادس: جواز الضَّمِّ والكسر والإشمام، ثلاثة أوجه، وهذا مَرَّ معنا في: اختار وانقاد، مَبْنِيَّين للمفعول: اختير .. اختور، سبق معنا في نائب الفعل. السابع: وجوب الكسر، وذلك فيما عدا الأحوال الستة السابقة وهو الأصل .. الأصل وجوب الكسر، لماذا الأصل؟ لأنَّ الأصل في التَّخلُّص من التقاء الساكنين: الكسر، هذا هو الأصل. ومذهب البصريين أنَّ أصل همزة الوصل: الكسر، وإنَّما فُتِحَت في بعض المواضع تخفيفاً، وَضُمَّت في بعضها إتباعاً، إذاً الأصل: الكسر، والفتح للتَّخفيف، والضَّمُّ للإتباع، إذاً: كُلٌّ من الفتح والضَّمِّ عارض وليس بأصلٍ. وذهب الكوفيون إلى أنَّ كسرها في: اضْرِبْ، وَضَمِّها في: اُسْكُنْ، إتباعاً للثَّالث، وهذا ضعيف، وَأُورِد عليهم عدم الفتح في: اعْلَمْ. إذاً: هذا ما يَتَعَلُّقُ بهمزة الوصل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

136

عناصر الدرس * الإبدال وحده والإعلال , وحروف الإبدال * مواضع إبدال الواو والياء همزة * مواضع قلب الهمزة ياءاَ وواواُ * مواضع قلب الألف والواو ياءاَ * مواضع قلب الألف والياء واواَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام على نَبيَّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: قال النَّاظم رحمه الله: (الإِبْدَالُ). أي: هذا باب أحكام الإبدال أو ما يَتعلَّق بـ: (الإِبْدَال)، (الإِبْدَالُ) بابٌ من أبواب الصَّرف ويشتمل على أحكام أربعة: الإبدال، والقلب، والنَّقل، والحذف، وهو أَعَمُّ من الإعلال. (الإِبْدَالُ) اصطلاحاً: جعل حرفٍ مكان حرفٍ آخر مُطلقاً، فخرج بقيد المكان: العِوَض، فإنَّه قد يكون في غير مكان المعُوَّض عنه، وهذا معلومٌ كما هو الشأن في: عِدَة .. عِدَةٌ، التاء هذه بدلٌ أو عِوَضٌ عن الواو، أصلها من الوعد، وكذلك الهمزة في: ابن، هذه عِوَضٌ عن الواو، فَحُذِفت الواو اعتباطاً، أصله: بَنَوٌ، كذلك همزة (اسم) هذه عوض عن اللام، فأصله: سِمْوٌ أو سُمْوٌ، كما مَرَّ معنا مراراً. وحينئذٍ هذا يُسمَّى: عِوَضاً، ولكن لا يُشْتَرط في العوض أن يكون في مَحلِّ المُعوَّض عنه، لأنَّ اللام قد حُذِفت في: سِمْوٌ وهي الواو، وَعُوِّضَ عنها في الأول وهو: اسمٌ، اسمٌ الهمزة هذه عِوَضٌ عن الواو، وفي غير محل المُعَوَّض عنه. وكذلك همزة: ابنٍ، أصله: بَنَو (فَعَلٌ) حُذِفت الواو اعتباطاً لغير عِلَّةٍ تصريفية، وَعُوِّض عنها الهمزة في أولها، إذاً لم يُعَوَّض في مكان المحذوف، هذا يُسَمَّى: عِوَضَاً ولا يُسَمَّى: إبدالاً، ولو سُمِّي: إبدالاً، إنَّما يكون لغةً لا اصطلاحاً. إذاً: خرج بقيد المكان العِوَض، فإنَّه قد يكون في غير مكان المُعَوَّض عنه كتاء: عِدَة، وهمزة: ابن، وقد يكون في مَحلِّه مثل: سنة .. سَنَوٌ، حُذِفت الواو وَعُوِّض عنها التَّاء، وقيل أصلها: سَنَهٌ، ولذلك يُجْمَع على: سنهات أو سنوات، هذا جائز وهذا جائز، إذاً: حُذِفت اللام سواءٌ كانت الواو أو الهاء وَعُوِّض عنها التَّاء في مَحلِّ المحذوف، وهذا يُسَمَّى: عِوَضَاً. وبقيد الإطلاق القلب، فإنَّه مُخْتَصٌّ بحروف العِلَّة، القلب هو إبدال، ولَكنَّه أخصُّ من الإبدال الاصطلاحي، إذْ كُلُّ قلبٍ إبدالٌ ولا عكس .. بينهما العموم والخصوص المطلق، وهذا التَّعريف عام الذي هو: جعل حرفٍ مكان حرفٍ آخر مُطلقاً، إذ مقتضاه: أنَّ الإبدال يجري في جميع الحروف، وهو كذلك يجري في جميع الحروف، إن كان هذا تعريفاً لمطلق الإبدال الشامل لإبدال الإدغام، سيأتي أنَّ الإدغام فيه إبدال، يُبْدَل الحرف كذا ثُمَّ يُدْغَم في مثله، والإدغام يكون في جميع الحروف إلا في الألف، فحينئذٍ الإبدال هنا إذا كان عَامَّاً شاملاً للإدغام، حينئذٍ يدخل في جميع الحروف إلا الألف، لأنَّ الألف لا تُدْغَم، إنَّما غيرها هو الذي يُدْغَم في غيره. إذاً: هذا التَّعريف عام، وعليه يجري في جميع الحروف إلا الألف، إن كان هذا تعريفاً لمطلق الإبدال الشامل لإبدال الإدغام، وكذلك إن كان هذا تعريفاً لغير إبدال الإدغام أيضاً فيه عموم، لو قيل: بأنَّ الإدغام إبدالٌ لَكنَّه ليس بداخلٍ في هذا الباب، وهو كذلك ليس بداخلٍ في هذا الباب وإنَّما عنى النَّاظم إبدالاً خاصاً، وهو الإبدال الشائع عند الصَّرفيين، ولذلك عيَّن قال:

أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتَ مُوْطِيَا .. عدَّ لنا عشرة أو تسعة أحرف، إذاً: لا يجري في جميع الحروف، وعليه نقول: لم يعن النَّاظم هنا بهذا الباب ما يشمل الإدغام، إذ جعل باباً خاصَّاً في آخر المتن يَتعلَّق بالإدغام، وأمَّا له جهة عموم أخرى: وهي كونه شاملاً للإبدال الشائع وغير الشائع، الشائع عند الصرفيين، وغير الشائع الذي يكون محفوظاً في لسان العرب ولم يجر على سَنَنِ قواعد الصَّرفيين. إذاً: هذا يكون عامَّاً من جهة كونه شائعاً أو غير شائع، والإبدال الشائع أي: عند التَّصريفيين، ولذلك قيَّده هنا ابن عقيل: " التي تُبْدَل من غيرها إبدالاً شائعاً " وأمَّا الإبدال الغير الشائع فهو شاذ كـ: اضْطَجَعَ، هذا شاذ، كذلك: أُصيلان، تصغير: أَصيل، على غير القياس، فيُقال: أُصَيْلان، هذا كله إبدالٌ غير شائعٍ، فهو شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه. والنَّاظم هنا أراد بالإبدال: ما يشمل القلب، حينئذٍ الإبدال عامٌ عند النَّاظم فدخل فيه القلب، والقلب أخص بمطلق الإبدال، لماذا؟ لكون القلب يَختصُّ بثلاثة أحرف وهي حروف العِلَّة، وأمَّا الإبدال فهو أعم، يدخل في حروف العِلَّة وفي غيرها، ولذلك نقول: بينهما العموم والخصوص المطلق. إذاً: أراد النَّاظم بالإبدال: ما يشمل القلب إذ كُلٌّ منهما تَغْييرٌ في الموضع نفسه بخلاف العِوَض، البدل لا بُدَّ أن يكون في نفس الموضع، والإعلال لا بُدَّ أن يكون في نفس الموضع، وأمَّا العِوَض فلا يُشْترط، بل قد يكون في الموضع نفسه، وقد يكون في غيره، كما هو الشأن في: اسمٍ وابنٍ. وَيَخْتَصُّ القلب بحروف العِلَّة والهمزة، وزيدت الهمزة - سيأتي أنَّ النَّاظم أدخلها مع حروف العِلَّة - لأنَّها تقارب حروف العِلَّة بكثرة التَّغيير، ولذلك قيل: الهمزة حرفٌ صحيح، وقيل: حرف عِلَّة، وقيل: حرفٌ شبيهٌ بالعِلَّة، ثلاثة أقوال: هل الهمزة حرف عِلَّة أم لا؟ لأنَّها تعامل معاملة الواو والياء والألف، حينئذٍ هل هي حرف عِلَّة أم لا؟ فيها ثلاثة أقوال عند النُّحاة والصرفيين: قيل حرف عِلَّة، وقيل: حرفٌ صحيح، وقيل: شبيهٌ بالعِلَّة، وهو كذلك -أنَّه شبيهٌ بالعِلَّة- لكثرة التَّغيُّرات التي تطرأ عليها. ولذلك نقول نتيجة ما سبق من البحث: الإعلال هو تغيير حرف العِلَّة للتَّخفيف بقلبه، أو إسكانه، أو حذفه، إذاً: تغيير، ثُمَّ هذا مطلق، تغيير كل حرف؟ لا، تغيير حرف العِلَّة على جهة الخصوص، وأمَّا تغيير غير حرف العِلَّة لا يُسَمَّى: إعلالاً، ولا يُسمَّى: قلباً، وإنَّما يُسَمَّى: إبدالاً. للتَّخفيف بقلبه أو إسكانه أو حذفه، فأنواع الإعلال ثلاثة: القلب، والإسكان، والحذف، وبقي رابع وهو ما يُسَمَّى بـ: إعلال النَّقل، حينئذٍ نقول: أنواع الإعلال أربعة: إعلالٌ بالإسكان، وإعلالٌ بالقلب، وإعلالٌ بالحذف، وإعلالٌ بالنَّقل .. نقل الحركة، كما سبق معنا في (يقول) قلنا أصلها: يَقْوُل، القاف ساكنة، نُقِلت حركة الواو وهي الضَّمَّة إلى ما قبلها، هذا يُسَمَّى: إعلالاً بالنقل .. بنقل الحركة، وَمَرَّ معنا كثيراً هذا.

الإعلال بالإسكان: أن يُسْكَن الحرف من أجل أن يدغم في غيره، وهذا سيأتي مثاله، كذلك بالحذف والقلب، وهذه كلها ستأتي معنا في هذا الفصل. وأمَّا الإبدال: فهو جعل مطلق حرفٍ مكان حرفٍ آخر، فخرج بالإطلاق: الإعلال بالقلب لاختصاصه بحروف العِلَّة، كما ذكرناه، فَكُلُّ إعلالٍ يُقَال له: إبدالٌ ولا عكس، إذ يجتمعان في نحو: قال ورمى، (قال) أصله: قَوَلَ، هذا اجتمع فيه الإبدال والإعلال، لماذا؟ لكون مُتَعلَّقه حرف عِلَّة، ثُمَّ حصل إبدالٌ. ز حرفٌ بحرف، الواو صارت ألفاً: قَوَلَ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، هذا إبدالٌ وإعلالٌ، ما نوع الإعلال هنا؟ إعلالٌ بالقلب، قلنا: الإعلال أربعة أنواع: إعلالٌ بالقلب، وإعلالٌ بالإسكان، وإعلالٌ بالحذف، وهذا داخلٌ بالقلب، بقي النقل ذكرناه سابقاً. إذاً: (قال) اجتمع فيه الإبدال والإعلال بالقلب، إبدال: أُبْدِل حرفٌ مكان حرف، والإبدال لا يَختصُّ بحروف العِلَّة، ثُمَّ هذا لكونه حرف عِلَّة، لأنَّ الألف حرف عِلَّة وَأُبْدِل عن الواو .. واو إلى ألف، إذاً: كُلٌّ منهما حرف عِلَّة، لكون التَّغيير هنا حصل في حرفٍ خاص وهو حرف العِلَّة سُمِّي إعلالاً، إذاً: اجتمع مع الإبدال. وينفرد الإبدال في نحو: اصطبر، على وزن (افْتَعَل) اصطبر افْتَعَل، هنا قُلِبت التاء صاد، هل هو من حروف العِلَّة؟ ليس من حروف العِلَّة، إذاً لا يُسَمَّى: إعلالاً، وإنَّما يُسَمَّى: إبدالاً، لماذا؟ لكون مُتَعلَّقه غير حرف العِلَّة. (قال) و (رمى) (قال) .. (قَوَلَ) .. (رمى) (رمَيَ) حصل القلب والإعلال هنا لحرف عِلَّة، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، إذاً: قُلِبت الواو إلى الألف، هذا يسمَّى: إبدال، ثُمَّ لكونه حرف عِلَّة إلى حرف عِلَّة، اجتمع معه الإعلال .. إعلالٌ بالقلب، كذلك: رمى، أصله: رمَيَ، تَحرَّكت اليَّاء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، حينئذٍ نقول: هذا إبدالٌ .. أُبْدِل حرفٌ بحرف، كان ياءً ثُمَّ صار ألفاً، ولكونه حرف عِلَّة نقول: هذا إعلال، إذاً: اجتمعا. أمَّا: اصْطَبَرَ وَادَّكَرَ، نقول: هذا على وزن (افْتَعَلَ) قُلِبت التاء هنا .. (افْتَعَلَ) (اصْتَبَرَ) هذا الأصل، قُلِبت التاء صاداً، الصَّاد ليست من حروف العِلَّة، نقول: هذا إبدالٌ ولا يُسمَّى: إعلالاً، لكون الصاد ليست من حروف العِلَّة ومثلها: ادَّكَرَ، وسيأتي بحث هذا: اصطبر وادَّكَرَ، في فصلٍ خاص. وخرج بالمكان العِوَض، فقد يكون في غير مكان المُعَوَّض منه كتاء: عِدَة، وهمزة: ابن واسم، كما ذكرناه، وقال الأشْمُونِي: " قد يُطْلَق الإبدال على ما يَعُمُّ القلب " وهذا الذي عناه النَّاظم هنا: الإبدال أعَمُّ من القلب، إلا أنَّ الإبدال إزالة، والقلب إحالة، وهذه دعوى كما قال الصَّبَّان تحتاج إلى دليل، والإحالة لا تكون إلا بين الأشياء المتماثلة، ومن ثَمَّ اختص بحروف العِلَّة والهمزة لأنها تقاربها في كثرة التغيير. إذاً: الإبدال أعمُّ من القلب، وهو الذي عناه النَّاظم رحمه الله. (الإبْدَالُ) إذاً: ضَمَّن هذا الباب أربعة أحكام من التَّصريف: الإبدال بالمعنى الخاص، والقلب، والنَّقل، والحذف.

قال النَّاظم رحمه الله: أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتُ مُوْطِيَا ... فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا آخِراً اثْرَ أَلِفٍ زِيدَ وَفِي ... فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتُ مُوْطِيَا .. هذا يدل على أنَّه أراد الإبدال ما هو أَخَصُّ مِمَّا يشمل الإدغام، إذ الإدغام فيه إبدال، والإدغام يدخل في جميع الحروف إلا الألف، وأمَّا الإبدال الخاص فهو أخص من مطلق الإبدال. إذاً: أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتُ مُوْطِيَا .. (أَحْرُفُ) مبتدأ وهو مضاف، و (الاِبْدَالِ) مضافٌ إليه، و (هَدَأْتُ مُوْطِيَا) قُصِد لفظه خبر المبتدأ، أي: أنَّ أحرف الإبدال هذه الحروف التي يجمعها قولك: (هَدَأْتُ مُوْطِيَا)، (هَدَأْتُ .. هَدَأْتَ) يجوز ضبطها بفتح التاء وضَمِّها، (هَدَأْتُ) سَكَنْتُ .. سَكَنْتَ، يجوز فيه الوجهان، (مُوْطِيَا) هذا اسم فاعل من: أَوْطَأْتُ الرَّحل إذا جعلته وَطِيِئاً، لَكنَّه خُفِّف همزته بإبدالها ياءً لانفتاحها وكسر ما قبلها، أصله: وَطِيئاً. (هَدَأْتُ مُوْطِيَا) وذكره الهاء .. هنا ذكرالهاء زيادةً على ما في (التَّسهيل)، إذ جمعها في (التَّسهيل) في قوله: (طَوَيْتُ دَائِمَاً) أسقط الهاء، وهنا زاد الهاء ولم يذكر أحكامها، ذكر كل ما يَتَعلَّق بسائر الحروف إلا الهاء، لَكنَّه زادها هنا وأنقصها في (التَّسهيل) لكونه قد ذكرها في باب (الوقف)، ثُمَّ إنه لم يَتَكلَّم هنا على الهاء مع عَدِّه إياها، ووجه: أنَّ إبدالها من غيرها إنَّما يَطَّرِد في الوقف على نحو: رحمة ونعمة، وذلك مذكورٌ في باب (الوقف). إذاً: (هَدَأْتُ مُوْطِيَاً) الإبدال إنَّما يكون بواحدٍ من هذه الحروف التسعة أو العشرة. قال الشَّارح هنا: " هذا الباب عقده المُصَنِّف لبيان الحروف التي تُبْدَل من غيرها إبدالاً شائعاً " لغير إدغام .. لا بُدَّ من تخصيصه لغير إدغام، لأنَّ الإدغام إبدال لَكنَّه عام، ولذلك يدخل جميع الحروف، كل حروف الهجاء يدخل فيها الإدغام إلا الألف، وأمَّا هنا فهو خاصٌّ بـ: (هَدَأْتُ مُوْطِيَا) إذاً: صار إبدالاً خاصَّاً. وهي تسعة أحرف، جمعها المصَنِّف رحمه الله تعالى في قوله: (هَدَأْتَ مُوْطِيَا) ومعنى (هَدَأْتَ): سكنتَ، و (مُوْطِيَا) الياء ها بدلٌ عن الهمزة، الكلمة نفسها التي جمع فيها الأحرف وقع فيها إبدال .. الهمزة أُبْدِلت ياءً - وهذا عجيب! - (مُوْطِيَاً) اسم فاعل من: أَوْطَأَتُ الرَّحْل إذا جعلته وَطِيئاً، لَكنَّه خُفِّفَ همزته بإبدالها ياءً لانفتاحها وكسر ما قبلها. إذاً: قيَّد الشَّارح هنا كغيره الإبدال بأن يكون شائعاً، وذلك إنَّما يكون إذا كان على قواعد الصَّرف، وأمَّا ما كان خارجاً فحينئذٍ لا يكون شائعاً .. يكون شاذًّ، إذاً: يقابل الشائع الشَّاذ. وأمَّا غير هذه الحروف فإبدالها من غيرها شاذٌّ، أو قليل نادر يحفظ ولا يُقاس عليه، فلم يَتَعرَّض المصنف له، وذلك كقولهم في (اضْطَجَعَ): طَّجَعَ، وفي (أُصَيْلَاَن) تصغير: أصيل، على غير قياس (أُصَيْلَاَن)، أصيل لا يُصَغَّر على (أُصَيْلَاَن)، من أين جاءت الألف والنون هذه؟ نقول: هذا على غير قياس، مثل: مُغَيْرِبَان تصغير: مَغْرِب.

وفي (أُصَيْلَاَن): أُصَيْلَاَل، (أُصَيْلَاَن) هذا تصغير: أَصيل، أُصَيْلَاَل وهذا في الوقف، ومن ذلك قول النَّابغة: وَقَفْتُ فِيْهَا أُصَيْلاَلاً أُسَائِلُهَا ... عَيَّتْ جَوَابَاً وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ على كلامٍ طويل عندهم في هذه المسألة، إذاً: كُلُّ ما خرج عن قواعد الصرفيين في الإبدال، ولم يكن من هذه الحروف التِّسعة: (هَدَأْتُ مُوْطِيَا) فهو شَاذٌّ يحفظ ولا يُقَاس عليه، أو قليل والقليل يُلْحَقُ بالشَّاذ. أَحْرُفُ الاِبْدَالِ هَدَأْتُ مُوْطِيَا .. (هَدَأْتُ) هذا إذا أعربناه على جهة التَّفصيل نقول: فعل وفاعل، و (مُوْطِيَاً) حالٌ من الفاعل .. من التاء، ولك أن تجعلها: قُصِد لفظها فصارت علماً، (هَدَأْتُ مُوْطِيَاً) كلها مثل: زيد، تجعلها خبراً عن المبتدأ. . .. . . . . . . . . . . . . . . . ... فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا آخِراً اثْرَ أَلِفٍ زِيدَ. . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (فَأَبْدِل) الفاء هنا للتَّفريع، شرع في بيان هذه الحروف. فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا .. يعني: الهمزة تُبْدَل من واوٍ وياء، يعني: الواو والياء تُقْلَب همزةً في أربعة مواضع: الموضع الأول: أشار إليه بقوله: فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا آخِراً .. هذا شرط: إذا كانت آخراً، (اثْرَ أَلِفٍ) بعد ألف (زِيدَ) بعد ألفٍ زائدٍ، يعني: إذا وقعت الواو والياء بعد ألفٍ زائدة قُلِبت الواو والياء همزة، وهذا مثاله كثير نقول: كساء، أصلها: كِساوٌ، هو هذا الموضع، و (بناء) أصلها: بِنَايٌ، قُلِبت الياء همزةً، وَقُلِبت الواو همزةً لكونها وقعت مُتَطَرِّفَةً بعد ألفٍ زائدة: كِسَاءٌ، الهمزة هذه منقلبة عن واو، لأنَّها من (الكسوة): كَسَوْتُ زَيْداً ثوباً، إذاً: هو واوي، و (بَنَيْتُ) إذاً: هو يائي، إذاً (كساءٌ) و (بناء) نقول: الهمزة هنا منقلبة عن واوٍ وعن ياء، لكونها وقعت مُتَطَرِّفَةً. (فَأَبْدِلْ) الفاء: للتَّفريع، و (أَبْدِلْ) هذا فعل أمر، والفاعل أنت، و (الْهَمْزَةَ) هذا مفعول، (أَبْدِلِ الْهَمْزَةَ). (مِنْ وَاوٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (أَبْدِلْ)، (وَيَاءٍ) قصره للضرورة، (آخِراً) هذا منصوبٌ على الظرفيَّة، يعني: آخر الكلمة، منصوبٌ على الظرفيَّة والعامل فيه (أَبْدِل). (اثْرَ أَلِفٍ) كذلك ظرف، وكلا الظرفين نَعتٌ لواوٍ وياءٍ، لأنَّه قيد .. شرط، إذاً: اشترط في الواو والياء: أن تكونا واقعتين آخراً، يعني: آخر الكلمة .. إذا وقعت طرفاً، (إِثْرَ) مُتعلِّق بقوله: (أَبْدِلْ)، أيضاً: ظرف، و (آخِراً) ظرف، والظِّرفان مُتعلِّقان بقوله: (أَبْدِلْ) نعتٌ لـ: (وَاوٍ وَيَا)، والتَّقدير: مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ واقعتين آخِراً إثْرَ أَلِفٍ زِيدَ، (زِيدَ) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (أَلِفْ) الألف تكون زائدةً.

يعني: أنَّ الهمزة تُبْدَل من الواو والياء الواقعتين آخراً بعد ألفٍ زائدةٍ نحو: كساء وسماء .. سَمَاوٌ، الهمزة هذه ليست للتَّأنيث وإنَّما هي بدلٌ عن واوٍ، ولذلك يُجْمَع على: سموات، قيل: لكن من أين هذه الواو؟ تقولك هو جمع (سماء) أصله: سَمَاوٌ، لماذا قُلِبت الواو همزةً؟ لوقوعها مُتطرِّفةً بعد ألفٍ زائدة، وهذا الذي عناه النَّاظم هنا: فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ آخِراً .. وقد وقعت آخراً إثر ألفٍ زائدٍ. إذاً: نحو: كساءٍ وسماء ودعاء، ونحو: بناء وظباء وفناء، هذا للياء. وَفُهِم من قوله: (آخِراً) هذا قيد .. وإثر ألفٍ آخراً، مفهومه: إن لم تقع آخراً لم تُقْلَب الواو ولا الياء همزةً، لأنَّ هذا شرط .. قيد، فإن لم يكن كذلك انتفى الشَّرط، وإذا انتفى الشَّرط انتفى المشروط. وَفُهِم من قوله: (آخِراً) أنَّ الواو والياء إن لم يكونا طرفين لم يبدلا همزة، والأمر كذلك، نحو: قَاوَلَ، (قَاوَلَ) على وزن (فَاعَلَ)، وقعت هنا الواو بعد ألفٍ زائدة، لأنَّه على وزن (فَاعَلَ)، هل تُقْلَب الواو همزةً؟ نقول: لا تقلب الواو همزةً، مع كونها وقعت بعد ألفٍ زائدة، لأنَّها لم تقع مُتَطَرِّفةً، يعني: في آخر الكلمة، (بَايَعَ) هل تُقْلًَب الياء هنا همزةً لوقوعها بعد ألفٍ زائدة؟ الجواب: لا، لأنَّ الشّرط الأول وهو (آخِراً) قد انتفى، فلا بُدَّ أن تكون آخرةً. إذاً فُهِم من قوله: (آخِراً) أنَّ الواو والياء إن لم يكونا طرفين لم يبدلا همزةً نحو: قَاوَلَ وبايع، وإداوة وهداية، الأمر كذلك. وَفُهِم من قوله: (أَلِفٍ زِيدَ) أنَّ الألف إذا كانت غير زائدة كذلك لا تُبْدَل، نحو: واوٌ .. كلمة: واو .. اسم واو، وقعت الواو بعد ألفٍ مُتَطَرِّفةً، هل تُبْدَل الواو همزة؟ (واء) لا يُقَال هذا، لماذا؟ لكون الواو أصليَّة لأنها ثلاثة أحرف، إذاً: فُهِم من قوله (أَلِفٍ زِيدَ): أنَّ الواو إذا وقعت مُتَطَرِّفَةً بعد ألفٍ غير زائدة لم تُقْلَب مثل: واو، ومثلها: زايٌ، وقعت الياء هنا مُتَطَرِّفة، آخر الكلمة بعد ألف، ولكن هذه الألف ليست زائدة، إذاً: لا تُقْلَب الياء همزةً نحو: واو وزاي. وَفُهِم منه أيضاً: أنَّ حكم ما لحقته تاء التأنيث حكم المتطرِّفة، هل إذا وقعت الواو آخراً ثُمَّ لحقته تاء تأنيث، هل تُخْرِج تاء التأنيث الواو أو الياء عن كونها متطرفة أو لا؟ الظَّاهر: لا. أن حكم ما لحقته تاء التأنيث حكم المُتطرٍّفة، لأنَّ تاء التأنيث زائدة على الكلمة نحو: عباءة أصله: عَبَاوةٌ، الهمزة هنا منقلبة عن ياءٍ، إذاً: التاء هنا لم تُخْرِج الواو عن كونها مُتَطَرِّفَةً. فقوله حينئذٍ: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... فَأَبْدِلِ الْهَمْزَةَ مِنْ وَاوٍ وَيَا آخِراً اثْرَ أَلِفٍ زِيدَ. . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولو خُتِم بتاء التَّأنيث، فتاء التأنيث لا تُخْرِج الواو أو الياء عن كونها مُتَطَرِّفة، وَفُهِم أيضاً: أنَّ الكلمة إذا بُنِيَت على تاء التَّأنيث لم تُبْدَل، لأنَّها لم تقع طرفاً نحو: دِرْحَايَةٌ، دِرْحَايَةٌ قالوا: هذه الكلمة أول ما وُجِدت بتاء التأنيث، يعني: ليست زائدة، فإذا لم تكن زائدة فحينئذٍ تاء التأنيث تُنَزَّل مُنَزَّلة الأصل من الكلمة، فأخرجت الياء عن كونها مُتَطَرِّفة، وأمَّا إذا كانت في نِيَّة الانفصال حينئذٍ لا تُخْرِج الواو أو الياء عن كونها مُتَطَرِّفة. إذاً: الموضع الأول الذي تُبْدَل فيه الواو أو الياء همزةً: أن تكون هذه الواو أو الياء مُتَطَرِّفَةً إثر ألفٍ زائدةٍ، (زِيدَ) الجملة هنا نعت لـ: (أَلِفٍ) لذلك تقول: ألفٍ زائدة. الموضع الثاني: أشار إليه بقوله: . . . . . . . . . . . . . وَفِي ... فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي (ذَا) مبتدأ اسم إشارة، والمشار إليه: إبدال الواو والياء همزة، (اقْتُفِيَ) يعني: تُبِع. فِي فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً .. (فِي فَاعِلِ) يعني: فيما كان على وزن (فَاعِلِ)، أُعِلَّ عَيْناً في فعله فَحُمِل اسم الفاعل على فعله، قَالَ هذا أُعِلَّت عينه يعني: قُلِبت الواو ألفاً أصله: قَوَلَ .. قَالَ، اسم الفاعل: قَاوِل، على وزن (فَاعِل)، نقول: نقلب الواو همزةً في (قَاوِلْ) حملاً على فعله، لكون العين اعْتُلَّت في الفعل فَقُلِبت الواو ألفاً، كذلك في اسم الفاعل نقلب الواو همزةً، و (بَيَعَ) .. (بَاعَ) نقول: بايع .. بَايِعٌ، على وزن (فَاعِلْ)، نأتي إلى الياء هذه ونقلبها همزةً لكونها أُعِلَّت، يعني: قُلِبت هذه الياء ألفاً في الفعل، فَحُمِل اسم الفاعل على فعله. إذاً .. انظر إلى النَّظم: (ذَا) أي: قلب الواو أو الياء همزةً، (اقْتُفِي) اتبع، (فِي فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً) يعني: في فعله، فَتُقْلَب الواو همزةً فتقول: قَائِل، وَتُقْلَب الياء همزةً فتقول في (بَاعَ): بَائِعْ، من أين جاءت هذه الهمزة؟ حملاً لاسم الفاعل على فعله، لأنَّها أُعِلَّت عينه في الفعل الماضي، فكذلك في اسم الفاعل. (وَفِي فَاعِلِ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اقْتُفِي)، و (اقْتُفِي) هذا خبر (ذَا) مُغيَّر الصيغة، و (فَاعِلِ) مضاف، و (مَا أُعِلَّ عَيْناً) (مَا) اسم موصول بمعنى: الذي، مضاف إليه في مَحلِّ جر، و (أُعِلَّ) مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، و (عَيْناً) تمييز، فحينئذٍ نحمل اسم الفاعل على فعله، هذا الموضع الثاني. قال الشَّارح هنا: " فَتُبْدَل الهمزة من كُلِّ واوٍ أو ياءٍ تَطرَّفَتَا ووقعتا بعد ألفٍ زائدة نحو: دعاء وبناء، والأصل: دُعَاوٌ وَبِنَايٌ " (دُعَاوٌ) يعني: ألفٌ بعدها واو، تَطَرَّفَت الواو بعد ألفٍ زائدة نقلبها همزةً فتقول: دعاء، و (بِنَايٌ) تَطَرَّفَت الياء بعد ألفٍ زائدة نقلبها همزةً فتقول: بِنَاءٌ. فإن كانت الألف التي قبل الياء أو الواو غير زائدة لم تُبْدَل: آية وراية، وكذلك إن لم تَتَطرَّف الياء أو الواو كـ: تَبَايُنْ وتعاون، كما ذكرناه في الأمثلة السابقة، إذاً: إذا انتفت الشروط هذه انتفى قلب الواو أو الياء همزةً.

الموضع الثاني: أشار إليه بقوله: . . . . . . . . . . . . . وَفِي ... فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي (مَا أُعِلَّ عَيْناً) فإن لم تُعَل عينه في الماضي لا تُقْلَب مثل: عَوِرَ، العين هنا لم تُعَل يعني: لم تُقْلَب ألفاً، ولذلك تقول في اسم الفاعل: عاور .. كما هو، لا تقلبه همزة، لماذا؟ لأنَّ الشرط: أن تُعَلَّ عينه في فعله .. في الماضي، يعني: تُقْلَب ألفاً، فإذا لم تُعَل حينئذٍ تَصِحُّ في اسم الفاعل، و (صَائِدْ) من: صَيِّدَة، وعَيِن فهو عاين. قال الشَّارح: " أشار بقوله: . . . . . . . . . . . . . وَفِي ... فَاعِلِ مَا أُعِلَّ عَيْناً ذَا اقْتُفِي إلى أن الهمزة تُبْدَل من الياء والواو قياساً مُتَّبَعَاً " (مُتَّبعاً) هذه زادها المحقق ولا داعي لها، أن الهمزة تُبْدَل من الياء والواو قياساً إذا وقعت كُلٌّ منهما عين اسم فاعلٍ وَأُعِلَّت في فعله، وقعت الواو في عين فاعل فقلت: قَاوِل، وقعت الياء في عين فاعل فتقول: بَايِعْ، وَأُعِلَّت في فعله .. تنظر في الفعل الماضي نحو: قائل وبائع، وأصلهما: قاول وبايعٌ، ولكن أَعَلُّو حملاً على الفعل يعني: لا توجد عِلَّة في اللفظ إلا الحمل على الفعل. فكما قالوا: قال وباع، فقلبوا العين ألفاً قالوا: قائل وبائع، فقلبوا عين اسم الفاعل همزةً، فإن لم تُعَلَّ العين في الفعل صَحَّ في اسم الفاعل نحو: عَوِرَ، فهو: عاور، إذاً: (عاورٌ) لماذا لا تحملها على (قائل) و (بائع)؟ تقول: لانتفاء الشَّرط، وما هو هذا الشَّرط؟ كونها أُعِلَّت في ماضي (قائل) و (بائع)، ولم تُعَلَّ العين في ماضي (عَاوِرْ)، فتبقى على أصلها، ومثلها (عَيِنَ) فهو (عَايِنٌ)، إذاً: (عَايِن) ليست كـ: قائل وبائع، لأنَّ عين الماضي هنا لم تُعَل. وأشار إلى الموضع الثالث مِمَّا تُبْدَل فيه الياء والواو همزة بقوله: وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ ... هَمْزاً يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلاَئِدِ هذا الموضع الثالث، يعني: أنَّه إذا كان في المفرد مَدٌّ ثالثٌ زائدٌ قُلِب في الجمع الذي على مثل (فَعَائِلْ). (وَالْمَدُّ) هذا مبتدأ، (زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ) يعني: في المفرد، (الْمَدّ) هذا جنس .. أطلق النَّاظم هنا، فيشمل الألف .. دخل الألف مع كونه يتحدث عن الواو والياء، ولا بأس بالمناسبة يذكر معه ما ناسبه. إذاً: (الْمَدُّ) أطلق هنا فشمل الألف، نحو: قِلاَدَة، ألف، وقعت ثالثة زائدة، (قِلاَدَة) تقول فيه: قَلَائِدْ، والياء نحو: صحيفة وصحائف، والواو نحو: عجوز وعجائز، أصله: عجاوز، على وزن (فَعَائِلْ)، و (صحائف) أصلها: صحايف بالياء، قُلِبت الياء همزةً، وَقُلِبت الواو همزةً، لماذا؟ لكونها في المفرد وقعت ثالثاً زائداً. (وَالْمَدُّ) شَمِل الأنواع الثلاثة: الألف والياء والواو، (زِيدَ) هذا شرطٌ، الأول: أن يكون مَدَّاً، والثاني: أن يكون زائداً، فإن لم يكن زائد لم يُقْلَبْ نحو: مَثُوبَة ومثاوب، (مَثُوبَة) هنا الواو وقعت عين الكلمة ليست بزائدة، ولذلك تقول في جمعها: مثاوب، ولا تُقْلَب الواو همزةً، و (مَعِيشَة) وقعت الياء عيناً، تقول: معايش، لأنَّ الواو والياء فيهما عين الكلمة.

إذاً: (الْمَدُّ) أمَّا غير المد فلا، فالحكم خاصٌّ بالألف والواو والياء، (زِيدَ) فإن لم يكن زائداً ولو كانت واواً أو ياءً لم تُقْلَب (ثَالِثَاً) مفهومه: أنَّ الثالث إذا لم يكن مَدَّة لم يُقْلَب نحو: ((قَسْوَرَة)) [المدثر:51] الواو هنا مفتوحة ليست مَدَّة، المدَّة لا بد أن تكون ساكنة وهذه ليست بساكنة، (قَسْوَرَة) تقول في الجمع: قساور، بصحة الواو ولا تقلبها همزة .. تبقى على ما هي عليه. (فِي الْوَاحِدِ) في المفرد .. في مفرده، إذاً: إذا وُجِد في المفرد ألفٌ زائدةٌ ثالثة، وجمعته على وزن (فَعَائِلْ) قلبتَ الواو والياء والألف همزةً، لماذا؟ لكونه في المفرد بالشُّروط المذكورة. (وَالْمَدُّ) قلنا: هذا مبتدأ. . . . وَزِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ ... هَمْزاً يُرَى. . . . . . . . . . . . (يُرَى) هذا خبر المبتدأ، (وَالْمَدُّ يُرَى) (يُرَى) فعل مضارع مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على المد .. على المبتدأ، يُرَى المدُّ (زِيدَ ثَالِثَاً) (زِيدَ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، كذلك نائب الفاعل يعود على (الْمَدُّ) زيد المدُّ، (ثَالِثَاً) هذا حالٌ من نائب الفاعل في (يُرَى)، وجملة (زِيدَ) كذلك حال، إذاً: كُلٌّ من (زِيدَ) و (ثَالِثَاً) حالان من نائب الفاعل في (يُرَى)، والتَّقدير: وَالْمَدُّ يُرَى هَمْزاً حال كونه زائداً ثَالِثَاً، وقوله: (فِي الْوَاحِدِ) مُتعلِّق بقوله: (زِيدَ) لأنَّ محلَّ الزيادة في الأصل تكون في المفرد (زِيدَ فِي الْوَاحِدِ). (هَمْزاً) مفعول ثاني لـ: (يُرَى) .. تَقدَّم عليه، وإذا جعلنا (يُرَى) بصرية؟ مفعول ثاني لـ: (يُرَى) إذا كانت علمية، وإذا كانت بصرية، ماذا نعرب (هَمْزاً)؟ حال .. نعربها حالاً، (رأى) إن كانت علمية أعربنا المنصوب بعدها مفعول أول وثاني، وإن كانت بصرية أعربناه حال. إذاً: (هَمْزاً) هذا مفعول ثاني لـ: (يُرَى)، (فِي مِثْلِ) هذا مُتعلِّق بـ: (يُرَى)، (كَالْقَلاَئِدِ) ما إعراب (كَالْقَلاَئِدِ) هنا عندنا إشكال: (فِي مِثْلِ كَالْقَلاَئِدِ)؟ الكاف نجعلها زائدة (فِي مِثْلِ كَالْقَلاَئِدِ) وقعت زائدة بين المضاف والمضاف إليه .. الكاف هنا زائدة، (فِي مِثْلِ) (مِثْلِ) مضاف، و (الْقَلاَئِدِ) مضاف إليه، والكاف هذه زيدت فاصلة بين المضاف والمضاف إليه. إذاً خلاصة هذا الموضع الثالث: أنَّه إذا كان في المفرد، إذاً: النظر هنا في المفرد .. الشرط يكون في المفرد، إذا كان في المفرد مدٌّ: ألف أو واو أو ياء، ثالثٌ زائدٌ، حينئذٍ قُلِب هذا المد سواءٌ كان ألفا أو واواً أو ياءً .. قُلِب في الجمع على (فَعَائِلْ)، حينئذٍ تقول: قلادة .. قَلائد، الهمزة هذه هي الألف التي في: قلادة، وأمَّا الألف التي في: قلائد (فَعَائِلْ) ألف الجمع .. التكسير، ثُمَّ جاءت الألف التي في: قلادة، فَقُلِبت همزةً، (صحيفة): صحايف، هناك الألف ما يمكن النُّطق بها، (صحايف) هذا الأصل، فتقلب الياء همزةً لكون هذه الياء في المفرد مدة ثالثة زائدة، وتقول (عجوز): عجاوز، هذا الأصل، ثُمَّ تقلب الواو همزةً لكونها في المفرد مدَّة أي: واو، ثالثة زائدة.

إذاً: هذا الموضع الثالث الذي تُقْلَب فيه الواو أو الياء، وزاد النَّاظم مع الألف تُقْلَب همزةً. قال الشَّارح: " تُبْدَل الهمزة أيضاً مِمَّا ولي ألف الجمع الذي على مثل (مَفَاعِلْ)، ثُمَّ يكون (فَعَائِلْ)، إن كان مَدَّةً مزيدة في الواحد نحو: قلادة وقلائد، وصحيفة وصحائف، وعجوز وعجائز " (عجوز) يُطْلَق على الذَّكر والأنثى (فَعُول)، (عجوزة) هذا خلاف الأصل. فلو كان غير مَدَّة لم تُبْدَل نحو: قَسْوَرَة وَقَسَاوِرْ، صَحَّت الواو في الجمع، لم تُبْدل همزة لانتفاء شرط كونها مَدَّة في المفرد، وهكذا إن كان مَدَّة غير زائدة نحو (مَفَازَة): مَفَاوِزْ، صحَّت الواو، و (معيشة) ومعايش، إلا فيما سُمِع فَيُحْفَظ ولا يُقاس عليه نحو: مصيبة ومصائب، هذا يُحْفَظ ولا يقاس عليه، كذلك: منارة ومنائر، هذا يُحْفَظ ولا يقاس عليه: منائر، نقول: هذا شاذٌّ. وأشار إلى الموضع الرابع بقوله: كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا ... مَدَّ مَفَاعِلَ كَجَمْعٍ نَيِّفَا (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك، المشار إليه: قلب حرف العِلَّة همزة الذي هو الواو والياء، (ثَانِي لَيِّنَيْنِ) (لَيِّنَيْنِ) يعني: حرف عِلَّة، وأطلق النَّاظم فيشمل حينئذٍ أربع صور .. سيأتي، (اكْتَنَفَا) .. (كَذَاكَ) خبر مُقدَّم، (ثَانِي) هذا مبتدأ مُؤخَّر وهو مضاف، و (لَيِّنَيْنِ) مضاف إليه، (اكْتَنَفَا) فعل ماضي مبني للمعلوم، والألف هذه فاعل، (اكْتَنَفَ) بمعنى: أحاط يعني: تَوسَّط. (مَدَّ مَفَاعِلَ) (مَدَّ) هذا مفعولٌ به لقوله: (اكْتَنَفَا)، إذاً: (اكْتَنَفَا) الألف هنا يعود على (لَيِّنَيْنِ)، (مَدَّ مَفَاعِلَ) (مَدَّ) مفعول به، و (مَدَّ) مضاف، و (مَفَاعِلَ) مضاف إليه، احترز به عن (مَفَاعِيْل) طَوَاوِيس، فتصح الواو والياء، (كَجَمْعٍ نَيِّفَا) سيأتي. إذاً: يعني بهذا البيت الموضع الرابع: وهو مِمَّا تُقْلَب فيه الواو والياء همزة، يعني: أنَّه إذا وقعت ألف التَّكسير بين حرفي عِلَّة، ولذلك قال: (ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا) اكتنفا ماذا؟ (مَدَّ مَفَاعِلَ). (اكْتَنَفَا) الألف هذه تعود إلى لـ: (لَيِّنَيْنِ) مضافٌ إليه، (اكْتَنَفَا) ماذا؟ أحاطا بماذا؟ (مَدَّ مَفَاعِلَ)، إذاً: وقع (مَدَّ مَفَاعِلَ) بين حرفي لين: واو واو، ياء ياء، واو ياء، ياء واو أربعة صور، لأنَّ النَّاظم أطلق هنا، إذاً: إذا اكتنفا .. أحاطا بـ: (مَدَّ مَفَاعِلَ) حينئذٍ يأتي الحكم الذي ذكره. يعني: أنَّه إذا وقعت ألف التكسير بين حرفي عِلَّة وجب إبدال ثانيهما همزة، الثاني الذي هو بعد ألف (مَفَاعِلَ)، تقع ألف (مَفَاعِلْ) بين حرفي عِلَّة، ثُمَّ الثاني هو الذي يقلب همزة، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك السَّابق في قلب الواو والياء همزةً (ثَانِي)، إذاً: الحكم مُنْصَب على الثاني لا على الأول، متى؟ إذا (اكْتَنَفَا مَدَّ مَفَاعِلَ) فوقعت (مَدَّ مَفَاعِلَ) بين حرفي لين، تقلب الثاني الذي بعد الألف، الواو تقلبه همزة، أو الياء تقلبه همزة.

وَفُهِم من قوله: (لَيِّنَيْنِ) الإطلاق، أطلق النَّاظم هنا حيث لم يَشْتَرط الزِّيادة، ولا زيادة ما بعد الألف، كما اشترط في المسألة السابقة، (وَالْمَدُّ زِيدَ) اشترط أن يكون زائداً، وهنا لم يَشْتَرط فأطلق فيعم الصَّحيح. وَشَمِل قوله: (لَيِّنَيْنِ) أربع صور: لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا مَدَّ مَفَاعِلَ .. واوين .. ياءين، الأول واو، والثاني ياء، وبالعكس. وشمل قوله: (لَيِّنَيْنِ) أربع صور: الأولى: أن يكون واوين نحو: أوائل، أصله: أَوَاوِل، جمع (أول)، إذاً: وقعت ألف (مَفَاعِل) بين واوين، نقلب الثانية همزة. كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا ... مَدَّ مَفَاعِلَ. . . . . . . . . . هنا: أواول، الواوان اكتنفا .. أحاطا بـ (مَدَّ مَفَاعِل)، إذاً: نقلب الثانية همزةً، فتقول: أوائل. الثاني: أن يكونا ياءين نحو: (نَيِّفَ) الذي ذكره هنا، (نَيِّفَ) ونيائف، أصله: نيايف، وقعت الألف بين ياءين، فَقُلِبت الياء الثانية همزةً وقيل: نيائف، إذاً: وقعت الألف هنا (مَدَّ مَفَاعِل) بين حرفي عِلَّة وهما ياءان، قُلِبت الثانية همزةً. الصورة الثالثة: أن تكون الأولى واواً والثانية ياءً نحو: صائد وصوائد، أصله: صوايد، وقعت الألف تكسير بين واوٍ وياء، إذاً: حرفي العِلَّة (اكْتَنَفَا مَدَّ مَفَاعِل) فَقُلِبت الثانية همزة فقيل: صوائد. الرابعة: أن تكون الأولى ياءً والثانية واواً نحو: جَيِّد وَجَيَائِدْ، أصله: جَيَاوِِدْ، وقعت الألف بين حرفي عِلَّة، الأولى ياء والثانية واو: جياود، لأنَّه من: جاد يجود، وسيِّد .. سيائد، أصله: سياود. إذاً قوله: (ثَانِي لَيِّنَيْنِ) (لَيِّنَيْنِ) أطلقه النَّاظم فشمل الصُّور الأربع التي ذكرناها، (اكْتَنَفَا) يعني: أحاطا (الألف) هنا فاعل يعود على (لَيِّنَيْنِ)، أحاطا (مَدَّ مَفَاعِل). فُهِم من قوله (مَفَاعِل): أنَّها لا تُقْلَب إلا إذا كانت مُتَّصلة بالطَّرف كالمثال، فلو بَعُدت من الطَّرف لم تُقْلَب نحو: طواويس، لأنَّه (مَفَاعِيل) لا (مَفَاعِلْ)، إذاً: مقصوده: (مَفَاعِلْ) لا (مَفَاعِيل) .. احترز بـ: (مَفَاعِلْ) عن (مَفَاعِيل). (كَجَمْعٍ نَيِّفَا) (جَمْعٍ) بالتَّنوين هنا، يعني: وذلك كجمعٍ (كَجَمْعٍ نَيِّفَا)، (نَيِّفَا) الألف هذه للإطلاق، مِثَالٌ لِمَا حرفا العِلَّة فيه ياءان، وهذا يُؤْخَذ منه أنَّ النَّاظم هنا لم يُخَصِّص الحكم بالمثال، لأنَّه قال: (ثَانِي لَيِّنَيْنِ) أطلق اللينين، ومَثَّل بما وقعت المدَّة بين ياءين، لا ينفي أن تقع المدَّة بين واوين أو مختلفين، حينئذٍ نقول: هذا من باب ذكر المثال فحسب، لا من إعطاء الحكم. إذاً: (نَيِّفَا) مثالٌ لِمَا حرفا العِلَّة فيه ياءان وهو (نَيِّفَ) وزنه (فَيْعِل)، والياء الأولى زائدة، وعينه ياءٌ، لأنَّه من: نَافَ يَنِيْف إذا زاد، (نايف) يعني: زائد هذا الأصل، إذا زاد، فاجتمعت ياءان أُدْغِمَت الأولى في الثانية، فَلَمَّا جُمِع على (مَفَاعِلْ) فَصَلَت ألف الجمع بين الياءين (نَيِّفَ) مدغمة، (فَيْعِل) أُدْغِمت الياء الأولى في العين.

إذاً قوله: (لَيِّنَيْنِ) لم يَشْتَرط الزِّيادة كالمسألة السابقة، حينئذٍ يحتمل أن الأولى تكون زائدة، والثانية أصلية (نَيِّفَ) ياءٌ ثُمَّ بعدها ياء ثُمَّ الفاء على وزن (فَيْعِل)، أُدْغِمَت الياء الأولى في الثانية صار (نَيِّفْ)، لَمَّا جُمِع على (مَفَاعِلْ) وقعت الألف بين الياءين فصلت بينهما .. فَكَّتْ الإدغام، حينئذٍ وقعت الألف بين ياءٍ زائدة سابقة وياءٍ أصلية بعدها التي هي عين الكلمة، فَقُلِبت عين الكلمة. فصلت ألف الجمع بين الياءين وَقُلِبت التي بعد الألف همزة، وإنَّما قُلِب حرف العلَّة في هذه الصُّور الأربع همزةً وإن كانت أصلاً في مثل (نَيِّفْ) لِثِقَل الألف بين حرفي العِلَّة. كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا ... مَدَّ مَفَاعِلَ كَجَمْعٍ نَيِّفَا (نَيِّفَا) الألف هذه للأطلاق، قال الشَّارح: " أي كذلك تُبْدَل الهمزة من ثاني حرفين لَيِّنَيِن تَوَسَّط بينهما مَدَّة (مَفَاعِل)، كما لو سَمَّيت رجلاً بـ: نَيِّفٍ، ثُمَّ كسَّرْتَه (فَيْعِل) فإنَّك تقول: نَيَائِفْ " أصلها: نيايف، الياء الثانية هي عين الكلمة. بإبدال الياء الواقعة بعد ألف الجمع همزة ومثله: أول وأوائل، كما ذكرناه سابقاً، فلو تَوَسَّط بينهما مَدَّة (مَفَاعِيل) امتنع قلب الثاني منهما همزة كـ: طواويس، وقعت الألف بين واوين ولم تُقْلَب، لأنَّ الحكم خاص بـ: (مَفَاعِل) لا (مَفَاعِيل)، ولهذا قَيَّد المصنف رحمة الله ذلك بـ: (مَدَّة مَفَاعِل). إذاً: هذه أربعة مواضع تُبْدَل فيها الياء والواو همزة: - الموضع الأول: إذا وقعت آخراً إثر ألفٍ زائدة. - الموضع الثاني: إذا وقعت بعد ألف فاعل .. اسم فاعل، وقد أُعِلَّت عينه في الماضي. - الموضع الثالث: أن تكون مَدَّةً ثالثةً زائدةً في المفرد ويجمع على (فَعَائِل). - الموضع الرابع: أن تقع مَدَّة (مَفَاعِل) بين لَيِّنَيْن، حينئذٍ إذا وقعت كذلك قُلِبت الثانية الواو أو الياء همزةً. ثُمَّ قال النَّاظم: وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّْ ... لاَماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوَاً وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ ... فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ وَوُفِيَ الأَشَدّ (وفِيَ الأَشَدْ) مُغيَّر الصيغة. (وَافْتَحْ وَرُدَّ) هذا عكس ما سبق، أشبه ما يكون بالاستثناء من النَّوعين المتأخرين، أشار بهذين البيتين إلى عكس ما سبق: وهو إبدال الواو والياء من الهمز، الهمزة تُقْلَب واواً وياءً .. عكس ما سبق. (وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا)، (الْهَمْزَ) (أَلْ) للعهد .. الهمزة السابقة التي أُبْدِلت من الياء أو الواو، (رُدَّ الْهَمْزَ يَاءً) (الْهَمْزَ) مفعول أول لـ: (رُدَّ)، و (يَاءً) قصره للضرورة، مفعول ثاني لـ: (رُدَّ). رُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلَّ لاَماً .. يعني: النَّوعين السابقين: كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ اكْتَنَفَا ..

والسَّابق: (وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً) إن كانت لامه مُعتلَّة حينئذٍ تُفْتح الهمزة ثُمَّ تُقلَب ياءً أو واواً، يعني: بعد أن نقلبها همزة نفتحها لأنَّها (مَفَاعِلْ) في الثاني، و (فَعَائِلْ) في السَّابق، إذاً: الهمزة مكسورة (افْتَحْ الْهَمْزَة) افتحها من أجل أن تتمكن من قلبها إلى واوٍ أو ياءٍ: وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلَّ لاَماً .. (فِيمَا) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (رُدَّ)، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، (أُعِلَّ) مُغيَّر الصيغة والضمير يعود إلى (مَا)، (لاَماً) هذا تَمييز، يعني: أنَّ الهمزة الواقعة بعد ألف الجمع إذا كان مفردُ ما هي فيه مُعلَّ اللام، يجب فتحها وقلبها ياءً إن كانت في المفرد غير واوٍ سالمة، هذا كالاستدراك من النَّوعين الثالث والرابع، عرفنا أنَّ الثالث. الْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ ... يُرَى هَمْزاً. . . . . . . . . . . . تقلبه همزاً، ثُمَّ إذا كانت لامه مُعلَّه في المفرد، حينئذٍ الهمزة مكسورة تقلبها فتحة، ثُمَّ تقلب الهمزة ياءً، هذا في النوعين المتأخرين، وأمَّا إذا لم يكونا مُعلَّي اللام حينئذٍ تبقى على أصلها. يعني: أنَّ الهمزة الواقعة بعد ألف الجمع السابقة في النوعين المتأخرين، إذا كان مفرد ما هي فيه مُعلَّ اللام يجب فتحها وقلبها ياءً إن كانت في المفرد غير واوٍ سالم، إلا إذا كانت في المفرد واو سالمة، وأمَّا إذا كانت غير سالمة في المفرد، وأمَّا إذا سلمت في المفرد فهذه تبقى في الجمع كما هي، ولذلك قال: وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوَاً .. كما هو، لماذا؟ لكونها سَلِمَت في المفرد، وأمَّا إذا لم تسلم في المفرد فالحكم مُتعلِّق بهذا النَّوع، واواً إن كانت في المفرد واواً سالمة، وهو الذي عناه بقوله: (وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ) فـ: (أَلْ) في الهمز للعهد المُتقدِّم، يعني: الذي تَقدَّم ذكره، وحينئذٍ شمل ثلاثة أنواع، قوله: وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ ... لاَماً. . . . . . . . . . . . . شمل ثلاثة أنواع، وما بعده كذلك: أولاً: ما استحقَّ الهمزة لكونه مَدَّاً زائداً في المفرد ولامه ياء، يعني: النَّوع الثاني السَّابق: وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ .. قد يكون لامه ياء هذا نوع، وما استَحَقَّ الهمزة لكونه مَدَّاً زائداً في المفرد ولام الكلمة واو، إذاً: القسم الثاني: (وَالْمَدُّ زِيدَ) إمَّا أن تكون لامه واو أو ياء، جعلهما المكودي نوعين، وما استحقَّ الهمزة لكونه اكتنفه ليِّنَان، هذا الموضع الذي هو الرابع: (كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ) والكلام فيما إذا اعتلَّت لامه، وما أصله همزة. فمثال الأول: هدية وهدايا، هذا مثالٌ لِمَا استحقَّ الهمزة لكونه مَدَّاً زائداً في المفرد، ومثال الثاني: مَطيِّة ومطايا، ومثال الثالث: زاوية وزوايا، ومثال الرابع: خطيئة وخطايا، وهذه كلها مَثَّل بها ابن عقيل فيما يأتي ذكره. إذاً: وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ ... لاَماً. . . . . . . . . . . . .

المراد هنا: أنَّه استثناءٌ مِمَّا سبق في الموضعين الثالث والرابع، إذا توصلنا إلى قلب الياء أو الواو همزةً حينئذٍ تكون الهمزة مكسورة مثل: صحائف وعجائز ونحو ذلك، ثُمَّ تنظر نظر ثاني .. تنظر في اللام إن كانت مُعلَّة في المفرد إمَّا واو، أو ياء، أو همزة كما ذكره، ولو وقعت بين ليِّنين، حينئذٍ إن كان مُعَلَّاً لك عمل آخر بعد قلب الواو أو الياء همزةً، تقلب كسرة الهمزة فتحة، ثُمَّ تقلب الهمزة إمَّا واواً أو ياءً باعتبار الأصل، إلا إذا سلمت الواو في المفرد مثل: هراوة، فتبقى كما هي في الجمع. فأصل (خطايا): خَطَايِئٌ، بياءٍ مكسورة وهي ياء (خطيئة)، وهمزةٌ بعدها هي لامها، (خطايا) تجمعها على: خَطَايِئٌ .. (فَعَايِل)، إذاً: هذه الياء التي بعد الألف هي ياء خطيئة، والهمزة هي لام الكلمة: (خطيئة) هناك، ثُمَّ أُبْدِلت الياء همزةً على حَدِّ الإبدال في: صحائف، فصار: (خطائئٌ) بهمزتين، ثُمَّ أُبْدِلت الثانية ياءً لِمَا سيأتي أنَّ الهمزة المُتطرِّفة تُقْلَب ياءً وإن لم تكن بعد مكسورة، وإذا كانت بعد مكسورة من بابٍ أولى وأحرى. ثُمَّ فُتِحَت الهمزة الأولى تخفيفاً، يعني: الياء المبدلة من الهمزة، لأنَّه على وزن: صحائف، ثُمَّ قُلِبَت الياء ألفاً لِتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار: خطائا، ألفٌ ثُم همزة ثُم ألفٌ، وقعت الهمزة بين ألفين، والهمزة تشبه الألف فاجتمع شِبْه ثلاث ألفات فَأُبْدِلت الهمزة ياءً فصار: خطايا، بعد خمسة أعمال: الأول: أُبْدِلت الثانية ياءً، هكذا: خطايا، أصلها: خطا، ثُمَّ ياءٌ .. ثُمَّ همزة، لأنَّه جمع: خطيئة، فتقول: خطايئٌ، ثُمَّ أُبْدِلت الياء .. هنا الياء وقعت بعد ألف: خطايا، مثل: صحائف، فعلى القاعدة السابقة: تقلب الياء الواقعة بعد ألف (مَفَاعِل) تقلبها همزة، فاجتمع عندنا همزتان: خطائِئٌ، تقلب كسرة الهمزة فتحة فتصير: خطائَئٍ، بفتح الهمزة ثُمَّ بعدها همزة، ثُمَّ قُلِبت الياء ألفاً؛ لأنَّ الهمزة الثانية إذا وقعت مُتطرِّفةً بعد كسرةٍ أو بعد فتحةٍ تُقْلَب ياءً، كأنَّه صار: خطائِيٌ، ثُمَّ تَحرَّكت الهمزة بالفتح، لأنَّك قلبت الكسرة فتحة، تَحرَّكت الهمزة بالفتح والياء إذا تَحَرَّكت وانفتح ما قبلها وجب قلب الياء ألفاً، فاجتمع ألفان بينهما همزة فصار ثقيلاً. والهمزة تشبه الألف فاجتمع شبه ثلاث ألفات، فَأُبْدِلت الهمزة ياءً فصار: خطايا، وأصل: هدايا .. هدايِيٌ، بياءين: الأولى ياء (فَعِيلة) والثانية لام: هدية، ثُمَّ أُبْدِلت الأولى همزة كما في: صحائف، ثُمَّ قُلِبَت كسرة الهمزة فتحة، ثُمَّ قُلِبت الياء ألفاً، ثُمَّ الهمزة ياءً فصار: (هدايا) بعد أربعة أعمال. وأصل (مطايا): مطايِوُ، بكسر الياء وضَمِّ الواو، لأنَّ أصل مفرده وهو: مَطيَّة .. مَطْيِو (فَعِيلَة) من المطا وهو: الظَّهر، أُبْدِلت الواو ياءً، وَأُدْغِمت الياء فيها على حَدِّ: سَيِّد وَمَيِّت، فَقُلِبَت الواو ياءً لِتَطَرُّفِها بعد الكسرة كما في: الغازي والداعي، ثُمَّ قُلِبَت الياء الأولى همزة كما في: صحائف، ثُمَّ أُبْدِلَت الكسرة فتحة، ثُمَّ الياء ألفاً، ثُمَّ الهمزة ياءً، فصار: مطايا، بعد خمسة أعمال.

وإن كانت الهمزة أصلية سلمت نحو: المِرْآة والمرائي، فإن الهمزة موجودة في المفرد، فإن: مِرْآة (مَفْعَلَة) من الرؤيا، فلا تُغَيَّر في الجمع، وشَذَّ: مرايا، كـ: هدايا، سلوكاً بالأصل مسلك العارض. قال ابن عقيل: " قد سبق أنه يجب إبدال المدَّة الزائدة في الواحد همزة إذا وقعت بعد ألف الجمع نحو: صحيفة وصحائف، وأنَّه إذا تَوَسَّط ألف (مَفَاعِل) بين حرفين لَيِّنَين قُلِب الثاني منهما همزة نحو: نَيِّفْ وَنَيِائِفْ ". الآن الكلام في هذين النوعين، وذكر هنا: إذا اعْتلَّ لام أحد هذين النوعين تزيد عليه عمل آخر، يعني: بعد أن تصل إلى النتيجة السابقة .. إذا اعْتَلَّت لام أحد هذين النوعين تنظر نظر آخر: وهو كونه معتل أو لا، إن كان غير مُعتل فالنتيجة السابقة تقف عليها، إن كان مُعتلَّاً زِدْتَ عليه عمل آخر، فإنَّه يُخَفَّف بإبدال كسرة الهمزة فتحة، ثُمَّ إبدالها ياءً، وَكُلُّ واحدة فيها خريطة كما ذكرناه سابقاً، يعني: تحتاج إلى عِدَّة أعمال. فمثال الأول: قضية، المثال الأول ما هو الأول؟ أشار إليه بقوله: وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثَاً فِي الْوَاحِدِ .. هذا النوع الأول، (والْمَدُّ زِيدَ) مثال النوع الأول: قضية وقضايا، (قضايا) ليس أصلاً لأنَّه أصله مثل: صحائف، الأصل: قَضَائِيٌ .. قضية، لأنَّ الثالث من: قضية، حرف لين وهو زائد .. مَدٌّ زيد ثالثاً، فتجمعه على ماذا؟ مثل: صحائف وعجائز، فتقول: قَضَائِيٌ، بهمزة ثُمَّ ياء، ولذلك قال: أصله: قضائي، بإبدال مَدَّة الواحد همزة، ما هي مَدَّة الواحد؟ الياء الأولى من: قضية، مثل: صحيفة، الياء الأولى تُبْدَل همزة. بإبدال مَدَّة الواحد همزة، كما فُعِل في: صحيفة وصحائف، (قضائِيٌ) الهمزة هنا مكسورة، واللام مُعتلَّة، وهذا فيه ثِقَل، أردنا التَّخفيف، حينئذٍ ماذا صنعوا؟ أبدلوا كسرة الهمزة فتحة، حينئذٍ نقول: الياء قضائِيٌ، تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها: قضائي، قلبنا الكسرة فتحة، تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت الياء ألفاً صار: قضائا، همزة وقعت بين ألفين، وهذا فيه ثِقَل، لأنَّ الهمزة تشبه الألف فصار كأنَّه اجتمع عندنا ثلاث ألفات. فَأُبْدِلَت الهمزة ياءً فصار: قضايا، الهمزة التي وقعت بين ألفين أُبْدِلت ياءًَ، هذه الهمزة كانت ياءً، لأنَّها هي الياء الأولى من: قَضِيَّة، قَضِيَّة الياء الأولى هي التي قلبناها همزة، ثُمَّ قلبنا الهمزة ياء .. رددناها إلى الياء، حصل التخفيف بما ذُكِر. ومثال الثاني: زاوية وزوايا، أصله: زوائِيٌ، بإبدال الواو الواقعة بعد ألف الجمع همزة الأصل: زواوي .. زواوٍ، إذا حذفناها يعني: التقى ساكنان، إذاً: زوايا، أصله: زواويٌ، واو وواو وقعت بينهما ألف، هذا (كَذَاكَ ثَانِي لَيِّنَيْنِ) مثال للنَّوع الثاني، وقعت الألف بين واوين: زاوية .. زوايا، كيف وصلت إلى: زوايا؟ أصله: زواويٌ، ثُمَّ قُلِبَت الواو الثانية بعد الألف همزة فصار: زَوَائِيٌ، بإبدال الواو الواقعة بعد ألف الجمع همزة كـ: نَيِّفْ ونيائف.

إذاً: زوائِيٌ، هذا ثقيل، قُلِبَت الواو التي بعد الألف همزةً على الأصل، حينئذٍ قيل: زوائِيٌ، بكسر الهمزة، ثُمَّ اللام معتلَّة، حينئذٍ نقلب كسرة الهمزة فتحة فنقول: تحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلب الياء ألفاً، فحينئذٍ قُلِبَت الياء ألفاً لِتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها فصارت: زوائا، همزة بين ألفين، ثُمَّ قلبوا الهمزة ياءً فصار: زوايا. إذاً: قوله: وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ ... لاَماً. . . . . . . . . . . . . . هذا كالاستدراك على النَّوعين الثالث والرابع فيما تُقْلَب فيه الواو والياء همزة، نصل إلى قلبها همزةً، ثُمَّ إذا كانت اللام معتلَّة رجعنا إلى الهمزة فحرَّكنا الكسرة بالفتحة فقلبنا الياء التي بعدها ألفاً فوقعت الهمزة بين ألفين، ثُمَّ قلبنا الهمزة ياءً، وقد كانت هي منقلبة عن الياء. (وَافْتَحْ الْهَمْزَة .. وَرُدَّ الْهَمْزَة) إذاً من باب التَّنازع، فَنُعْمِل الثاني ونضمر في الأول (وَافْتَحْ الْهَمْزَة) وهي مكسورة (وَرُدَّ الْهَمْزَة يَا) يعني: اقلب الهمزة ياء، هنا إشعار بأنَّها في الأصل: منقلبة عن واوٍ أو ياء، (فِيمَا أُعِلَّ لاَماً) في النوع الثاني والثالث، بالضَّوابط السابقة (أُعِلَّ لاَماً). وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوَاً .. هذا استدراك فيما إذا صحَّت الواو في المفرد، وأشار بقوله: وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوَاً .. إلى أنَّه إنَّما تُبْدَل الهمزة ياءً إذا لم تكن اللام واواً سلمت في المفرد، لأنَّه قلنا: ما كان آخره حرف علَّة في المفرد إذا كان ثالثه مدَّة زائدة إمَّا أن تكون اللام ياءً أو واواً، إن سلمت الواو في المفرد أُبْقِيت كما هي في الجمع مثل: هراوة. إنَّما تُبْدَل الهمزة ياءً إذا لم تكن اللام واواً سلمت في المفرد، فإن كانت اللام واواً سلمت في المفرد لم تُقْلَب الهمزة ياءً بل تُقْلَب واواً ليشاكل الجمع واحده، وذلك حيث وقعت الواو رابعةً بعد ألفٍ: هراوة وهَرَاوى، هنا الهمزة بعد الألف قُلِبَت واواً، لم تقلب ياءً على ما ذكره في السَّابق، وأصلها: هَرَائِو (مَفَاعِلٌ) كـ: صحائف. فالهمزة التي بعد الألف هي المبدلة من الألف الزائدة في: هِرَاوة، هِرَاوةٌ هذا مفرد، جاءت مدَّة ثالثة زائدة، حينئذٍ نقلبها همزة مثل: صحيفة وصحائف، فالهمزة التي بعد الألف: هَرَائِو، هذه هي المبدلة من الألف الزائدة في: هراوة، والواو الأخيرة هي واو: هراوة، يعني: صَحَّت كما هي كـ: صحائف، فَقُلِبت كسرة الهمزة فتحة، ثُمَّ قُلِبَت الواو الأخيرة ألفاً لتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار: هَرَاءً، إلى هنا الحكم واحد، هنا وقعت همزة بين ألفين كما هو الشَّأن في: قضائا .. كما الشَّأن في: زوائا .. إلى هنا العمل واحد. ثُم قلبوا الهمزة واواً، لا تقلبها ياءً كما فعلت في: قضايا وزوايا، لماذا؟ لكونها في الجمع والمفرد، وطلب المناسبة بين المفرد والجمع، لأنَّه صحيحة في المفرد، تُنْطَقَ بها في المفرد، حينئذٍ تقلب الهمزة واواً ولا تقلبها ياءً.

ثُم قلبوا الهمزة واواً ليناسب الجمع المفرد، فالواو في: هَرَاوى، ليست الواو في: هِرَاوة، بل الواو في: هَرَواى هي الألف التي كانت في المفرد، وأمَّا الواو التي في المفرد فهي الأخيرة التي انقلبت ألفاً. إذاً: إذا كان المفرد فيه واوٌ صَحَّت في المفرد ولم تُعَل، حينئذٍ إذا كان الجمع مثل جمع: قضايا وزوايا، إذا وصلت إلى كون الهمزة وقعت بين ألفين، فالأصل أنَّك تقلب الهمزة ياءً كما فعلت في: قضايا، هنا نستثني نقول: انظر إلى المفرد! إذا فيه واوٌ صَحَّت، حينئذٍ تقلب الهمزة واواً ولا تقلبها ياءً. إذاً: هَرائِوٌ كـ: صحائف، إلى هنا لا إشكال فيه، الهمزة وقعت بعد ألفٍ وهذه منقلبة عن واوٍ، ثُمَّ قُلِبَت كسرة الهمزة فتحة كما هو الشأن في: قَضَائِيٌ وَخَطَائِيٌ، ثُمَّ قُلِبَت الواو ألفاً .. الأخيرة؛ لِتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار: هراءا، همزةٌ وقعت بين ألفين، وإلى هنا لا إشكال، ثُمَّ قلبوا الهمزة واواً، والأصل أن تقلبها ياءً: وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ ... لاَماً. . . . . . . . . . . . . . وأمَّا إذا سلمت الواو في المفرد ولم تُعَل، حينئذٍ تبقى في الجمع، فصار: هراوى. وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ وَاوَاً ................................ ... لاَماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ ما هو الذي جعل واواً؟ الهمزة، لا تقلبها ياءً كما قلبت في: قضايا وخطايا وهدايا، وإنَّما تقلبها واواً، لكونها سلمت في المفرد. وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّ ... لاَماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ. . . (وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (جُعِلْ)، و (جُعِلْ) مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (الْهَمْزَ)، (جُعِلْ وَاوَاً) جُعِل الهمز واواً، ولا تجعله ياءً لكونها صَحَّت في المفرد فقلت: هِرَاوة. ثُمَّ قال: . . وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ ... فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ وَوُفِيَ الأَشَدّ هذه مسألة خامسة تَتَعلَّق بالواو، إذاً البيت السَّابق إلى قوله: (وَاوَاً) هذا كالاستدارك في الموضعين الثالث والرابع في قلب الواو والياء همزةً، قوله: وَافْتَحْ وَرُدَّ الْهَمْزَ يَا فِيمَا أُعِلّْ ... لاَماً وَفِي مِثْلِ هِرَاوَةٍ جُعِلْ وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هذا كالاستدارك؛ لأنَّه فيما سبق قال: اقلب الهمز، وانتهى إلى هنا، ثُمَّ استدرك فيما إذا كانت اللام مُعلَّة في المفرد، حينئذٍ ترجع وَتُكْمِل العملية، فتقلب الهمزة ياءً أو واواً، تقلبها ياءً إذا كان في المفرد واو أو ياء مُعلَّاً، وأمَّا إذا سلمت في المفرد الواو حينئذٍ تبقى كما هي، ثُمَّ رجع وبَيَّن المسألة الخامسة فيما تختصُّ بالواو، فقال: . . وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ ... فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ. . . . . .

رُدَّ أول الواوين همزاً، يعني: إذا اجتمع عندنا واوان، وكانتا مُتَصَدِّرتين في أول الكلام .. (فِي بَدْءِ) في بدء الكلام، ماذا تصنع؟ رُدَّ أول الواوين .. ردها ألف .. همزاً، يعني: اقلبها همزةً، إذاً تُقْلَب الواو همزةً فيما إذا اجتمع عندنا واوان مُتصدِّرتين، هذا من مواضع قلب الواو همزة، وانفردت الواو عن الياء، ولذلك نقول: اخْتَصَّت هذه المسألة بالواو، يعني: أنَّ كُلَّ كلمة اجتمع في أولها واوان فإن أولاهما يجب إبدالها همزة بشرط: أن تكون الثانية مَدَّة غير أصلية. قال الشَّارح: " وأشار بقوله: وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ .. إلى أنَّه يجب رَدُّ أول الواوين المصدرتين همزة، ما لم تكن الثانية بدلاً من ألف (فَاعَل) " فإن كانت بدلاً من ألف (فَاعَلَ) صَحَّت نحو: أواصل، أصلها جمع: واصلةٍ، والأصل: وواصل، اجتمع عندنا واوان متصدرتان، والثانية ليست بدلاً عن ألف (فَاعَل)، حينئذٍ وجب قلب الواو الأولى همزةً فقيل: أواصل، إذاً: (أواصل) هذه الهمزة منقلبة عن واو، وعِلَّة قلبها عن الواو: لاجتماع واوين متصدرتين والثانية ليست مَدَّة. (وواصل) بواوين: الأولى فاء الكلمة، والثانية بدلٌ من ألف (فَاعِلَة)، فإن كانت الثانية بدلاً من ألف (فَاعَلَ) لم يجب الإبدال نحو (ووفى) و (ووري)، أصله (وافى) و (وارى)، فلمَّا بُنِي للمفعول احتيج إلى ضَمِّ ما قبل الألف، فَأُبْدِلت الألف واواً. قوله: ما لم تكن الثانية بدلاً من ألف (فَاعَلَ)، فإن كانت فالأمر يختلف، أواصل، أصله جمع: واصلة، والأصل: وواصل، بواوين: الأولى فاء الكلمة التي هي في المفرد (واصلة)، والثانية: بدلٌ من ألف (فَاعِلَة) فلما اجتمعت واوان في بدء الكلمة قُلِبَت الأولى همزة فقالوا: أواصل. وإنَّما استثني ذلك .. الذي هو قوله: (وَوُفِيَ) .. (ووري) بواوين، لم تُقْلَب الأولى همزةً، لماذا؟ استثني ذلك، لأنَّ فعل الفاعل أصلٌ لفعل المفعول، يعني: إذا اجتمعت الواوان متصدرتين في المبني للمفعول لا تُقْلَب الأولى همزة. قال هنا النَّاظم: فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ وُوفِيَ .. (وُفِيَ) هذا مُغيَّر الصيغة، إذاً: متى تُقْلَب الأولى همزةً؟ إذا كان في المبني للفاعل، وأمَّا إذا لم يكن مبيناً للفاعل بل مبنياً للمفعول فتصح الواوان، ولا تقلب الأولى همزةً، وإنَّما استثني ذلك، لأنَّ فعل الفاعل أصلٌ لفعل المفعول، ولم يجتمع في فعل الفاعل واوان، فاجتماعهما في: (وَوُفِيَ) غير مُعْتَدٍّ به، فلم يبق للواو الأولى غير حكم الواو المضمومة المنفردة من جواز إبدالها همزة. على كُلٍّ: التفريق هنا بين الفاعل والمفعول، فَتُقْلَب في المبني للفاعل دون المبني للمفعول، والعِلَّة السَّماع. إذاً قوله: وَهَمْزاً أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ رُدّ ..

رُدَّ أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ هَمْزاً، فإن لم تكن مُتصدِّرة حينئذٍ لا تقلب: نوَوِيٌ .. هوَوِيٌ تصغير: هوى ونوى، حينئذٍ لا نقول بقلب الواو الأولى همزةً، لكونها غير مُتصدِّرة، والكلام فيما إذا تَصدَّرت، وواصل، قلب الواو الأولى همزةً، أمَّا: نوويٌ، فيما إذا نُسِب إلى: نوى، وهوويٌ، فيما إذا نُسِب إلى: هوى، عندنا اجتمع واوان، لكن في أثناء الكلمة لا في تصديرها، ولذلك قال: رُدَّ أول الواوين دون الثانية. (هَمْزاً) هذا مفعول ثاني مُتقدَّم، و (أَوَّلَ الْوَاوَيْنِ) هذا مفعول أول لـ: (رُدّ)، (فِي بَدْءِ) مصدر مضاف إلى المفعول: فِي بَدْءِ غَيْرِ شِبْهِ وَوُفِيَ الأَشَدّ .. (الأَشَدُّ) جمع شِدَّة، وهو نائب فاعل لـ: (وُفِيَ)، (وَوُفِيَ) مُغيَّر الصيغة، و (الأَشَدُّ) نائب فاعل. ثُمَّ قال: وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ ... كِلْمَةٍ انْ يَسْكُنْ كَآثِرْ وَائْتُمِنْ إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ ... وَاوَاً وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا وَمَا يُضَمّْ ... وَاوَاً أَصِرْ مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمّْ فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا وَأَؤُمّْ ... وَنَحْوُهُ وَجْهَينِ فِي ثَانِيهِ أُمّْ (وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ) إذاً: الكلام فيما إذا اجتمع همزتان في كلمةٍ واحدة، قال: (ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مَدَّاً)، (ثَانِيَ) هذا مفعول أول لقوله: (ابْدِلْ)، (وَمَدَّاً) مفعول ثاني مُقدَّم، (مِنْ كِلْمَةٍ) لا من كلمتين، إذاً هذا شرط: أن يكون اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة، والكلمة الواحدة في اصطلاح النُّحاة لا في اصطلاح القُرَّاء. بشرط: (كِلْمَةٍ انْ يَسْكُنْ) بإسقاط الهمزة للوزن، (إِنْ يَسْكُنْ) ما هو؟ ثاني الهمزين .. الضمير هنا (ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ). إذاً: مراده بهذا فيما إذا اجتمع همزتان في كلمةٍ واحدة، وكانت الثانية ساكنة أُبْدِل مَدَّاً، وهذا المد يكون من جنس حركة الهمزة الأولى، لأنَّه أطلق. ز قَيَّد الثانية بكونها ساكنة وأطلق الأولى، فيشمل ثلاثة أحوال: فيما إذا كانت الأولى مفتوحة، أو مضمومة، أو ياءً، أو مكسورة، أبدل الهمزة الثانية الساكنة من جنس الأولى، فإن كانت مفتوحة أبدلها مدَّاً وهو: الألف، وإن كانت مضمومة أبدل الثاني الهمزة واواً، لأنَّها من جنس الواو، وإذا كان مكسورة الأولى أبدل الثانية الساكنة ياءً. وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ ... كِلْمَةٍ انْ يَسْكُنْ كَآثِرْ وَائْتُمِنْ يعني: أنَّه إذا اجتمع همزتان في كلمةٍ، أولاهما مُتحرِّكة والأخرى ساكنة، وجب إبدال الثانية مَدَّاً مُجانساً لحركة ما قبلها، فإن كانت فتحة أُبْدِلت ألفاً نحو: آثر وآمن، أصله: أأثر، الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، اجتمع عندنا همزتان في كلمة واحدة، الثانية ساكنة والأولى مفتوحة، إذاً تقول: آثِرْ، قلبت الثانية مَدَّة، و (أأمن) بهمزتين الثانية ساكنة والأولى مفتوحة. وإن كانت كسرة أُبْدِلت ياءً نحو: إئلاف .. إيلاف، أُبْدِلَت الثانية ياءً. وإن كانت ضَمَّة أُبْدِلت واواً: أُتِمن، الأصل: أئتمن.

وَمَدّاً ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ ... كِلْمَةٍ. . . . . . . . . . . . . (مِنْ كِلْمَةٍ) مُتعلِّق بقوله: (أَبْدِلْ)، أو حالٌ من (الْهَمْزَيْنِ)، يعني: حال كون الهمزين (مِنْ كِلْمَةٍ)، (وَمَدَّاً) هذا مفعول ثاني مُقدَّم، (أَبْدِلْ) فعل أمر، (ثَانِيَ) مضاف، و (الْهَمْزَيْنِ) مضاف إليه، و (ثَانِيَ) منصوب؟؟؟ مفعول أول، (مِنْ كِلْمَةٍ) مُتعلِّق بقوله: (أَبْدِلْ)، (إِنْ يَسْكُنْ) هذا شرط، إن يسكن الثاني فأبدله مَدَّاً (كَآثِرْ وَائْتُمِنْ) .. أُوتمن. إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ .. انتقل إلى بيان الهمزتين المُتحرِّكتين، البيت الأول فيما إذا اجتمع همزتان الثانية ساكنة، وهنا كُلٌّ منهما مُتحرِّكة، انتقل إلى بيان المتُحَرِّكَتِين وهي تسعة أنواع، لأنَّ الأولى: إمَّا مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، والثانية كذلك، ثلاث في ثلاث بتسع. إذاً نقول: أراد بقوله: إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ ... وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . . . بأنَّه إذا اجتمع عندنا همزتان كُلٌّ منهما مُتحرِّكتان، عرفنا إذا كانت الثانية ساكنة بأنَّها تُقْلَب مَدَّةً من جنس حركة ما قبلها، وأمَّا إذا كانت الثانية مُتحرِّكة والأولى مُتحرِّكة، حينئذٍ نقول: الأولى مُتحرِّكة بفتحة أو ضمَّة أو كسرة، والثانية مثلها، ثلاث في ثلاث بتسع. إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ أَوْ فَتْحٍ قُلِبْ ... وَاوَاً وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ هذا أراد أن يُبيِّن أنَّ الهمزة المفتوحة إذا كانت ثانيةً، حينئذٍ: . . . إِثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ ... وَاوَاً وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ. . . . إذا كانت الثانية مفتوحة، بدأ بالمفتوحة .. الكلام في الثانية .. هي التي تُقْلَب، إن كان إثر فتحةٍ أو ضَمٍّ قُلِبَت الثانية واواً، وإن كانت إثر كسرةٍ قُلِبَت ياءً، إذاً: الثانية المفتوحة قد تُقْلَب واواً وقد تُقْلَب ياءً، تُقْلب واواً إذا كانت الهمزة الأولى مفتوحة أو مضمومة، وتقلب ياءً إذا كانت الهمزة الأولى مكسورة. (إِنْ يُفْتَح) أي: الهمز الثاني، (إِثْرَ ضَمٍّ) يعني: بعد ضَمٍّ، مُتعلِّق بقوله: (يُفْتَحِ)، (أَوْ فَتْحٍ) إثر فتحٍ، قُلِب الهمز واواً الذي هو الثاني، (وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ) و (يَنْقَلِبُ) يعني: المفتوحة (يَاءً إِثْرَ كَسْرٍ) بعد كسرٍ، يعني: أنَّ الهمزة المفتوحة إذا كانت ثانيةً بعد همزةٍ أخرى لها حالان: الأولى: تُقْلَب واواً وذلك بعد ضَمَّة نحو: أُوَيْدِم، تصغير: آدم، أو بعد فتحةٍ نحو: أوادم، جمع: آدم، إذاً قُلِبَت الثانية: أويدم، قُلِبَت واواً، وَقُلِبت الثانية في: أوادم، قُلِبَت واواً. تُقْلَب واواً وذلك بعد ضَمَّةٍ نحو: أويدم، تصغير: آدم، أصله: أُأيدم، قلبت الثانية واواً، أو بعد فتحةٍ نحو: أوادم، في جمع: آدم. الثانية: أنَّها تُقْلَب ياءً، وذلك إذا وقعت بعد كسرةٍ نحو: (إيَّمٌ)، هذا سيأتي في كلام الشَّارح.

إذاً الضَّابط هنا نقول على جهة العموم: إن يُفْتَح الهمز الثاني وكان كُلٌّ من الهمزتين مُتحرِّكتين، حينئذٍ إذا فُتِحت الهمزة الثانية بعد ضَمٍّ أو فتحٍ قُلِبَت واواً يعني: الثانية، وتنقلب ياءً بعد كسرٍ. قال الشَّارح: "وإن تَحرَّكت ثانيتهما، فإن كانت حركتها فتحة، وحركة ما قبلها فتحة أو ضَمَّة قُلِبَت واواً، فالأول نحو: أوادم، جمع: آدم، وأصله: أُأَدِمْ، والثاني نحو: أُوَيْدِم، تصغير: آدم، وهذا هو المراد بقوله: إِنْ يُفْتَحِ اثْرَ ضَمٍّ اوْ فَتْحٍ قُلِبْ ... وَاوَاً. . . . . . . . . . . . . . . . . . وإن كانت حركة ما قبلها كسرة قُلِبت ياءً نحو: إِيَمٌّ، وهو مثال (إصبع)، بكسر الهمزة وفتح الثالث من: أَمَّ، وهذا من التمارين، يقول لك: ائتِ أَمَّ، هذا فعل، سَمِّ به .. ائتِ به على وزن (إصبع)، حينئذٍ: أَمَّ، أصله: إِئَمَّمٌ (إِفْعَلٌ)، فَنُقِلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة التي قبلها وهي ساكنة: مَمٌ، الميم الأولى مُتحرِّكة والهمزة ساكنة، نُقِلَت حركة الميم إلى الهمزة فصارت الثانية مفتوحة (إِثْرَ كَسْرٍ). فَنُقِلت حركة الميم الأولى إلى الهمزة التي قبلها وهي ساكنة، وَأُدْغِمَت الميم في الميم فصار: إِئَمٌّ، الأولى مكسورة على الأصل، حركة الهمزة الثانية جاءت من الميم، ثُمَّ أُدْغِمت الميم في الميم فصار (إِئَمٌّ) بالتشديد، ثُمَّ قُلِبَت الهمزة الثانية ياءً فصار: إِيَمٌّ، وهذا المراد بقوله: (وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ). إذاً: إذا كانتا متحركتين؛ فالثانية إن كانت مفتوحة قُلِبَت واواً، إذا كانت بعد فتحٍ أو ضَمٍّ، وقلبت ياءً بعد كسرٍ، (إِنْ يُفْتَحِ) (إِنْ) شرطية، و (يُفْتَح) نائب الفاعل يعود إلى الهمز مُغيَّر الصيغة، (إِثْرَ ضَمٍّ) هذا ظرف مُتعلِّق بقوله: (يُفْتَحْ)، (أَوْ) للتَّنويع، (فَتْحٍ) معطوف على (ضَمٍّ)، يعني: إثر فتحٍ. (قُلِبْ) الهمز الثاني، هذا جواب الشَّرط، (قُلِبَ وَاوَاً) فيه ضمير مستتر نائب فاعل هو المفعول الأول، و (وَاوَاً) هذا مفعول ثاني، (وَيَاءً إِثْرَ كَسْرٍ يَنْقَلِبْ) (يَاءً) هذا حالٌ من فاعل (يَنْقَلِبْ)، وينقلب الهمز مفتوح الثاني .. ينقلب ياءً متى؟ (إِثْرَ كَسْرٍ) هذا مُتعلِّق به. (ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا)، (ذُو) هذا مبتدأ، وهو مضاف، و (الْكَسْرِ) مضافٌ إليه، (كَذَا) أي: مثل (ذا) على التَّفصيل السَّابق، (مُطْلَقاً) هذا حالٌ من الضمير المستتر في الخبر، لأنَّ (كَذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بكائن، كائن فيه ضمير .. حال كونه مُطلقاً، (ذُو الْكَسْرِ) كائنٌ (مُطْلَقاً) كائنٌ: فيه ضمير مستتر يعود على (ذُو الْكَسْرِ) حال كونه (مُطْلَقاً). (ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا) أشار به إلى أنَّ الهمزة الثانية إذا كانت مكسورة تُقْلَب ياءً مُطلقاً، يعني: سواءٌ كانت التي قبلها مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، فإن كانت الثانية مكسورة مع الأحوال الثلاثة قُلِبَت الثانية ياءً مُطلقاً، يعني: لا تُقْلَب واو، بخلاف المفتوحة، المفتوحة قد تُقْلَب واواً إذا وقعت إثر ضَمٍّ أو فتحٍ، وتقلب ياءً إذا وقعت إثر كسرٍ.

وهنا لا، التي تكون مكسورة سواءٌ وقعت إثر كسرٍ أو ضَمٍّ أو فتحٍ تُقْلَب ياءً مُطلقاً، والحاصل حينئذٍ ثلاث صور: - مكسورة بعد فتحةٍ نحو: أَيِمَّةٌ، في جمع: إمام، أصله: أئمَّمةٌ، فَنُقِلت حركة الميم إلى الهمزة الساكنة، وَأُدْغِمَت الميم في الميم فصار: أَئِمْ، يعني: الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، فَأُبْدِلَت الهمزة الثانية ياءً، (أَيِمَّة) أصله: أَئِمَّـ .. بالكسر، يقال فيه الوجهان .. يجوز، لكن هذا مستثنى، إذاً: أَيِمَّة، بقلب الهمزة الثانية وهي همزةٌ مكسورة ياءً. - النوع الثاني: أن تقع مكسورة بعد مكسورة نحو: أيِمٌّ، في بناء مثل: إِصْبِع، من: إِمْ - هذا كله من باب التمارين .. ليس له مثال -. مكسورة بعد مكسورة نحو: إِيِمٌّ، في بناء مثل: إِصْبِع من: إِمَّ، بكسر الهمزة والياء فتقول: أَئِمٌّ، فتفعل به كما فعلت بالذي قبله من نقلٍ وإدغامٍ وقلبٍ. (إِيِمُ) كسر الهمزة وكسر الياء، مثل: إصبع، من: أمَّ، وأصله: إِئِمَّمٌ، نُقِلَت حركة الميم الأولى إلى الهمزة الثانية، وأدغمت الميم في الميم فصار: إِئِمٌّ، بهمزتين الثانية مكسورة، فَخُفِّفَت الهمزة الثانية بإبدالها من جنس حركتها فصار: إِيِمٌّ، يعني: بعد الهمزة ياء. - النوع الثالث: مكسورة بعد ضمَّة، وهذا مَثَّلوا له بـ: أُيِنُّ، من: أَنَّ، يعني: ائتِ به وهو من: أَنّ .. يَئِنُّ، أصله: مضارع (أَأَنَّنتُ) بمعنى: جعلته يَئِنُّ، فدخله النقل والإدغام، ثُمَّ خُفِّفَ بإبدال ثاني همزتيه من جنس حركتها فصار: أُيِنُّ، أصله: أُئُـ، بِضمِّ الثانية، ثُمَّ قُلِبت الثانية ياءً، صار: أُيِنُّ - هذا كله من باب التمارين -. (ذُو الْكَسْرِ مُطْلَقاً كَذَا) إذاً: إذا كانت الثانية مكسورة، حينئذٍ تُقْلَب مطلقاً ياءً سواءٌ كانت الأولى مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، والأمثلة كما ذكرناه. ثُمَّ قال: (وَمَا يُضَمّْ وَاوَاً أَصِرْ) أَصِرْ مَا يُضَمُّ وَاوَاً يعني: صَيِّر ما يُضَمُّ، ما هو (مَا يُضَمُّ)؟ الهمزة الثانية، إذا كانت مضمومة صيِّرها واواً مطلقاً، إلا ما استثناه فيما بعده، أشار به: إلى أنَّه إذا كانت الهمزة الثانية مضمومة قُلِبَت واواً مطلقاً، سواءٌ انفتحت الأولى أو انكسرت أو انضَمَّت، حينئذٍ شمل ثلاثة أنواع: مضمومة بعد فتحة نحو: أَوبٌّ، وهذا ذكره ابن عقيل جمع: أَبٍّ، وهو المرعى، أصله: أُئُبٌّ (أُفْعُلٌ) أُئْبُبٌ، فَنُقِلَت حركة عينه إلى فائه، ثُمَّ أُدِغَم الباء في الباء فصار: أُئُبٌّ، ثُمَّ خُفِّفَت ثانية الهمزتين بإبدالها من جنس حركتها فَقُلِبَت واواً فصارت: أُوُبٌّ، يعني: واو مضمومة، لأنَّ الباء الأولى ساكنة والواو ساكنة فلا بُدَّ من تحريكها بالضَّمَّة، صار: أُوُبٌّ. والثاني: مضمومة بعد مضمومة نحو: أُأُمٌّ، إذا بُنِيَت من: أَمٍّ، مثل: أُبْلُم، لو قال: أَمَّ، ائت بها على وزن: أُبْلُم .. على وزن (أُصْبُع) تقول: أُأُمٌّ. الثالثة: مضمومة بعد كسرة نحو: إِيُمٌّ، إذا بُنِيَت من: أَمَّ مثل: إِصْبُع، بكسر الهمزة وضَمِّ الباء، وتفعل في ذلك كما فعلت فيما قبله من النقل والإدغام والقلب.

إذاً الحاصل: أنَّ الهمزة الثانية من المتُحَرِّكتين تُقْلَب واواً في خمسة مواضع: إذا كانت مضمومة مُطلقاً، هذه ثلاثة مواضع، إذا كانت مضمومة الثانية مع فتح الأول أو ضَمِّه أو كسره قُلِبَت واواً مُطلقاً، وإن كانت مفتوحة بعد فتحة أو ضَمَّة هذه خمسة مواضع. وتقلب ياءً في أربعة مواضع: إذا كانت مكسورة مُطلقاً، يعني: مع فتح الأول أو كسره أو ضَمَّه، هذه ثلاثة مواضع، أو كانت مفتوحة بعد كسرة، هذه أربعة مواضع. إذاً: (وَمَا يُضَمُّ وَاوَاً أَصِرْ) أَصِرْ مَا يُضَمُّ وَاوَاً .. تقلب واواً. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَاوَاً أَصِرْ مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمّْ فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا. . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يعني: الثانية إذا كانت مضمومة تُقْلَب واواً بشرط: ألا تقع طرفاً آخر الكلمة. مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمَّ .. يعني: كانت اللفظ تَمَّ بها، وهذه كناية عن كونها وقعت طرفاً، (مَا لَمْ يَكُنْ) (مَا) مصدرية ظرفية، (لَمْ يَكُنْ) الضمير هنا يعود على قوله: (مَا يُضَمُّ)، (لَفْظَاً) هذا خبر (يَكُنْ)، (أَتَمَّ) هذا فعل ماضي نعت لـ: (لَفْظَاً) فحينئذٍ: (فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا) جاء الهمز ياءً والجملة خبر، (فَذَاكَ) مبتدأ، و (يَاءً) هذا حال من فاعل (جَا)، و (جَا) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعد على الهمز المتأخِّر المضموم، فذاك جاء ياءً مُطلقاً. أشار بقوله: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . مَا لَمْ يَكُنْ لَفْظَاً أَتَمّْ فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا. . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إلى أنَّ الهمزة الثانية المضمومة إنَّما تصير واواً إذا لم تكن طرفاً، فإن كانت طرفاً قُلِبَت ياءً: قَضْوَ، فإن كانت طرفاً صُيِّرت ياءً مُطلقاً سواءٌ انْضَمَّت الأولى أو انكسرت أو انفتحت أو سكنت، فتقول في مثل (جَعْفَرٍ) من: قرأ، ائت بـ: قرأ، على وزن: جعفر، تقول (قَرْأَأٌ) .. (جَعْفَرٌ)، ثُمَّ تقلب الهمزة ياء فتصير: قَرْأَياً، قلبت الثانية يَاءً، فَتحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً فصار: قَرْئاً، الثانية انْقَلَبت ياءً، ثُمَّ الياء انقلبت ألفاً. وتقول في مثال (زِبْرِج) من (قرأ): (قِرْئِيٌ) .. (زِبْرِجٌ)، ثُمَّ تقلب الهمزة ياءً فتصير (قِرْئِيَاً) كالمنقوص، وتقول في مثال: بُرْثُن من (قرأ): (قُرْؤٌ) .. ائتِي بـ (قَرأ) على وزن (بُرْثُن)، ثُمَّ تقلب الضَّمَّة التي على الهمزة الأولى كسرة فيصير: قُرْئِيَاً، مثل: القاضي، بكسر ما قبل الواو، وَأُبْدِل من الواو ياءً لانكسار ما قبلها فاسْتُثْقِلَت الضَّمَّة على الياء فَحُذِفَت وبقي منقوصاً. إذاً: أصر ما يُضَمُّ واواً، (مَا) مفعولٌ أول مُقدَّم لـ: (أَصِرْ)، و (وَاوَاً) مفعولٌ ثاني، و (يُضَمّْ) جملة الصِّلة لا محلَّ لها من الإعراب، والضمير يعود إلى (مَا)، إلا إذا كان طرفاً، حينئذٍ تقلب هذه الهمزة المضمومة ياءً، والأمثلة التي ذكرها النَّاظم، وكلها أمثلة مصنوعة.

(مَا لَمْ يَكُنْ) يعني: مُدَّة عدم كون ما يُضَمُّ (لَفْظَاً أَتَمّْ) يعني: تَمَّ به الكلام، وهذا كناية عن كونه وقع آخراً، (فَذَاكَ) حينئذٍ جاء ياءً مُطلقاً، لا يُقْلَب واواً بل يُقْلَب ياءً. . . . . . . . . . . . . . . . . وَأَؤُمّْ ... وَنَحْوُهُ وَجْهَينِ فِي ثَانِيهِ أُمّْ (أَؤُمّْ) هذا مبتدأ، (وَنَحْوُهُ) معطوفٌ عليه، (وَجْهَينِ فِي ثَانِيهِ أُمَّ (وَجْهَينِ) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (أُمَّ)، (فِي ثَانِيهِ) مُتعلِّق بـ: (أُمَّ). قال الشَّارح: " وأشار بقوله: . . . . . . . . . . . . . . . . وَأَؤُمّْ ... وَنَحْوُهُ وَجْهَينِ فِي ثَانِيهِ أُمّْ إلى أنَّه إذا انْضَمَّت الهمزة الثانية وانفتح ما قبلها " يعني: ما اجتمع فيه همزتان مُتَحَرِّكتان، والأولى همزة المُتكلِّم في الفعل المضارع، جاز فيه وجهان: الإعلال والتَّصحيح. إلى أنَّه إذا انضمت الهمزة الثانية وانفتح ما قبلها: (أَؤُمّْ) وكانت الهمزة الأولى للمُتكلِّم جاز لك في الثانية وجهان: القلب والتحقيق، وذلك نحو: أَؤُمْ، مضارع: أَمَّ، بمعنى: قصد، فإن شئت أبدلت فقلت: أَوُمْ، أبدلت الهمزة واواً، (أَوُمْ) مضمومة إثر فتحٍ تُقْلَب واو .. أبدلتها على القاعدة السابقة، وإن شئت حَقَّقت فقلت: أَؤُمْ، نطقت بالهمزتين. وكذا ما كان نحو: أَؤُمْ، في كون أولى همزتيه للمُتكلِّم وكسرت ثانيتهما، يجوز في الثانية منهما الإبدال والتحقيق نحو (أَيِنُّ) مضارع: أَنَّ، فإن شئت أبدلت فقلت: أَيِنُّ، وإن شئت حَقَّقْتَ فقلت: أَئِنُّ، بالهمزة الثانية تكون مكسورة. إذاً قوله: (وَأَؤُمّْ وَنَحْوُهُ) من كُلِّ مضارعٍ اجتمع فيه همزتان مُتحرِّكتان والأولى للمُتكلِّم، جاز لك فيه وجهان: التحقيق والقلب، التحقيق تنطق بالهمزتين كما هما، والقلب بأن تقلب الثانية إمَّا واواً أو ياءً على الشروط السابقة (فِي ثَانِيهِ أُمّْ). إذاً خلاصة هذه الأبيات: أنَّه إذا اجتمع في الكلمة الواحدة همزتان، فإمَّا أن تكون الثانية ساكنة أو مُتحرِّكة، إن كانت الثانية ساكنة حينئذٍ أبدلتها مَدَّةً من جنس الحركة السابقة، إن كانت الحركة السابقة فتحةً أبدلتها ألفاً، وإن كانت ضَمَّة أبدلتها واواً، وإن كانت كسرة أبدلتها ياءً، هذه إن كانت الثانية ساكنة. وإذا كانت الثانية مُتحرِّكة فحينئذٍ ننظر إلى القواعد التي ذكرها النَّاظم، لأنَّه ينطوي تحتها تسعة أنواع، إن كانت الثانية مفتوحة حينئذٍ لك حالان: قد تُقْلَب واواً، وقد تُقْلَب ياءً، متى تُقْلَب واواً؟ إذا وقعت بعد ضَمٍّ أو فتحٍ .. إذا وقعت بعد ضَمٍّ أو فتحٍ قلبت الثانية المفتوحة واواً، وإذا وقعت بعد كسرةٍ حينئذٍ قلبت الثانية ياءً، فيها تفصيل. وأمَّا إذا كانت الثانية مكسورة حينئذٍ قلبتها ياءً مُطلقاً، سواءٌ وقعت بعد ضَمَّةٍ أو كسرةٍ أو فتحة، وإن كانت مضمومة .. الثانية حينئذٍ قلبتها واواً مُطلقاً، سواءٌ كانت الأولى مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وأكثر الأمثلة التي ذُكِرَت في هذا المقام من باب التمارين.

واستثنى مِمَّا يُضَمُّ ويقلب واواً: إذا لم تكن مُتطرِّفة، فإن كانت مُتطرِّفة قُلِبَت ياءً مُطلقاً، ولذلك قال: (فَذَاكَ يَاءً مُطْلَقَاً جَا)، ثُمَّ ذكر فيما إذا كانت همزتان أولاهما همزة المُتكلِّم، ولماذا استثنى هذا النوع ولم يدخله فيما سبق؟ لأنَّه قَيَّد قال: (مِنْ كِلْمَةٍ) الكلام كله من كلمةٍ، وعند النُّحاة همزة المُتكلِّم ليست دَاخلةً في الكلمة، ولذلك: ((أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] لم يُعامل مثل هذه المعاملة عند النُّحاة، لأنَّه يُعْتَبَر كلمتين، بخلاف القُرَّاء فيجعلونه كلمة واحدة، فَثَمَّ اصطلاحٌ خاص عند القُرَّاء، واصطلاحٌ خاصٌّ عند النُّحاة، (أَأَنذَرْتَهُمْ) هذا كلمة واحدة عند القُرَّاء، وكلمتان عند النُّحاة. ثُمَّ قال رحمه الله: وَيَاءً اقْلِبْ أَلِفَاً كَسْراًً تَلاَ ... أَوْ يَاءَ تَصْغِيرٍ بِوَاوٍ ذَا افْعَلاَ فِي آخِرٍ أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيثِ أَوْ ... زِيَادَتَي فَعْلاَنَ ذَا أَيْضَاً رَأَوْا فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً وَالْفِعَلْ ... مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً نَحْوُ الْحِوَلْ اقلب ألفاً ياءً، إذاً: هذا شروعٌ منه في قلب الألف ياءً، وهذه في موضعين .. تقلب الألف ياءً في موضعين: الأول قال: اقْلِبْ أَلِفَاً يَاءً تَلاَ كَسْراًً .. (اقْلِبْ أَلِفَاً) (اقْلِبْ) فعل أمر والفاعل أنت، و (أَلِفَاً) مفعول أول، و (يَاءً) مفعول ثاني، إذاً: (اقْلِبْ أَلِفَاً يَاءً) متى؟ (تَلاَ كَسْراًً) (تَلاَ) الضمير هنا يعود على الألف .. تلا الألف كسراً، (كَسْرَاً) هذا مفعول (تَلاَ)، والجملة نعت لـ: (أَلِف) ألفاً تالياً كسراً، (أَوْ يَاءَ تَصْغِيرٍ) أو وقعت الألف بعد ياء تصغير، فَتَقْلِب الألف ياءً وَتُدْغِم الياء في الياء مثل: غزال .. غُزَيِّل، أصله: غُزَيْ، ثُمَّ ألف .. ألف: غزال، قُلِبَت الألف ياءً لوقوعها بعد ياء التَّصغير فأدغمت الياء في الياء. إذاً: ذكر لنا أن الألف يجب قلبها ياءً في موضعين: الأول: أن يعرض كسر ما قبلها كـ: مصابيح، في جمع: مصباح، فانقلبت الألف فيه ياءً: مصباح .. مصابيح، من أين جاءت هذه الياء؟ مصابيح هذه الياء هي الألف في: مصباح، وقعت بعد كسرة، لأنَّه على وزن (مَفَاعِيْل)، إذاً: لا بُدَّ أن يكون على كسرٍ، لأنَّ الوزن مُقيَّد بكسر ما بعد الألف، (مَفَاعِيل) ثُمَّ جاءت الألف وقعت بعد كسرة فَقُلِبَت الألف ياءً فصار: مصابيح. إذاً الأول: أن يعرض كسر ما قبلها كـ: مصابيح، في جمع (مصباح)، فانقلبت الألف فيه ياءً لكسر ما قبلها، إذ لا يصحُّ النُّطق بالألف بعد غير الفتحة، كما أنَّ الألف تُقْلَب واواً بعد ضَمَّةٍ، كذلك تُقْلَب ياءً بعد كسرةٍ. الثاني: أن يقع قبلها ياء التصغير نحو: غزال .. غُزَيِّل في تصغير (غزال)، بإبدال الألف ياءً وإدغام ياء التصغير فيها، لأنَّ ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، فلم يمكن النطق بالألف بعدها، قد يقول قائل: لماذا لا نُحَرِّك الياء بالفتحة لمناسبة الألف؟ نقول: لا، ياء التصغير يلزم أن تكون ساكنة، لأنَّه جيء بها لمعنى فتبقى على ما هي عليه.

إذاً: تُقْلَب الألف ياءً ثُمَّ يجتمع عندنا ياءان، فَنُدْغِم الياء الأولى في الياء الثانية: غُزَيِّل، الياء الثانية مُبْدَلةٌ عن ألف (غزال). إذاً: ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة، فلم يمكن النطق بالألف بعدها، فَرُدَّت إلى الياء كما رُدَّت إليها بعد الكسرة، إذاً: ذكر في هذا البيت: أنَّ الألف تُقْلَب ياءً في موضعين: وذلك بعد كسرةٍ وبعد ياء التصغير. وَيَاءً اقْلِبْ أَلِفَاً كَسْراًً تَلاَ ... أَوْ يَاءَ تَصْغِيرٍ. . . . . . . . . . (أَوْ) للتَّنويع والتَّقسيم، (يَاءَ) هذا معطوف على قوله: (تَلاَ كَسْراًً)، أو تلا الألف (يَاءَ تَصْغِيرٍ) يعني: وقع ياء التصغير، هذا الأول. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . بِوَاوٍ ذَا افْعَلاَ فِي آخِرٍ أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيثِ أَوْ ... زِيَادَتَي فَعْلاَنَ. . . . . . . . . . يعني: افعل بالواو ما فعلت بالألف، افعل (بِوَاوٍ ذَا) الإعلال المذكور السابق من قلبها ياء، افعل بالواو، إذاً: الواو تُقْلَب ياءً، متى؟ (فِي آخِرٍ) هذا الموضع الأول، (أَوْ قَبْلَ تَا تأْنِيثٍ) الموضع الثاني .. معطوف على (آخِرٍ)، (أَوْ زِيَادَتَي فَعْلاَنَ) هذه ثلاث مواضع. يعني: أنَّه يُفْعَل بالواو الواقعة آخراً ما فُعِل بالألف من إبدالها ياءً لكسر ما قبلها، أو لمجيئها بعد ياء التَّصغير. إذاً قوله: (بِوَاوٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (افْعَلاَ)، و (افْعَلاً) الألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة، (ذَا) هذا مفعول (افْعَل) افعل ذا، المشار إليه ما هو؟ الإعلال المذكور من قلب الألف ياءً، (بِوَاوٍ) تقلب الواو ياءً، (فِي آخِرٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (افْعَل)، (أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيثِ) (تَاءِ التَّأْنِيثِ) قصره للضرورة، (قَبْلَ) بالنصب معطوف على قوله: (فِي آخِرٍ)، (أَوْ زِيَادَتَي فَعْلاَنَ) معطوف على (آخِرٍ). العطف إذا كان بـ: (أَوْ) يكون كالواو .. يكون عطفه على الأخير. أشار بهذا: إلى أنَّ الواو تُقْلَب أيضاً ياءً إذا تَطَرَّفت بعد كسرةٍ، قال: (بِوَاوٍ فِي آخِرٍ) إذا وقعت مُتَطَرِّفة بعد كسرةٍ، أو بعد ياء التَّصغير، أو وقعت قبل تاء التأنيث، أو قبل زيادتي فعلان مكسوراً ما قبلها. والأمثلة، فالأول: الذي هو وقوعها مُتطرِّفة بعد كسرة نحو: رَضي وقوي، (رضي) معلوم أنَّه من الرضوان، كيف قيل: رضي؟ أصله: رَضِوَ .. (فَعِلَ)، وقعت الواو مُتطرِّفةً بعد كسرةٍ فَقُلِبَت ياءً فقيل: رضي، (قَوي) أصله: قَوِوَ، وقعت الواو آخرا مُتطرِّفةً بعد كسرةٍ فوجب قلبها ياءً، لأنَّهما من الرضوان والقوة، فَقُلِبَت الواو ياءً، لأنَّه لَمَّا كُسِر ما قبل الواو، وكانت بِتَطَرُّفها مُعرَّضةً للسُّكون .. سكون الوقف، عُومِلَت بما يقتضيه السُّكون من وجوب إبدالها ياءً تَوَصُّلاً للخِفَّة.

إذاً الموضع الأول التي تُقْلَب الواو فيه ياءً: إذا وقعت مُتَطَرِّفَةً بعد كسرة، مثل: رضو وقوو، (رضو) وقعت الواو مُتطرِّفةً فَقُلِبَت ياءً فقيل: رضي، إذاً هذه الياء منقلبة عن واو، وكذلك: قوِوَ، وقعت الواو مُتَطَرِّفَةً، يعني: آخراً بعد كسرةٍ فَقُلِبَت الواو ياءً كما تُقْلَب الألف ياءً إذا وقعت بعد كسرةٍ. والثاني: وقوع الواو بعد ياء التَّصغير، إذا وقعت الواو بعد ياء التَّصغير وجب قلب الواو ياءً، وإدغام الياء في الياء نحو: جُرَيٌّ، (جُرَيٌّ) هذا تصغير: جَرْو، وأصله: جُرَيْو (فُعَيْلٌ) وقعت الواو وسبقتها ياء التصغير، حينئذٍ تُقْلَب الواو ياءً فَتُدْغَم الياء في الياء قيل: جُرَيٌّ، فاجتمعت الواو والياء، وسبق إحداهما بالسكون فَقُلِبَت الواو ياءً، وَأُدْغِمَت الياء في الياء. الثالث: وهو وقوعها قبل تاء التأنيث نحو: شَجِيَّةٌ (فَعِيلَةٌ) وهي اسم فاعل للمُؤنَّث، وكذا (شُجَيَّة) مُصَغَّراً، وأصله: شُجَيْوَةٌ، هذا كالسَّابق: أنَّ تاء التأنيث لا تمنع الواو من كونها مُتَطَرِّفَة - وهذا سبق الإشارة إليه - لأنَّ (شُجَيَّة) هذا في التَّصغير مأخوذٌ من: الشجو، إذاً هو واوي، فكيف قيل: شُجَيِّة؟ تقول أصله: شُجَيْوَةٌ، وقعت الواو مُتطرِّفةً بعد ياء التَّصغير، فاجتمعت الواو والياء، وحينئذٍ نقول: سبقت إحداهما السكون فَقُلِبَت الواو ياءً فَأُدْغِمَت الياء في الياء، وهذه التاء لا تمنع كون الواو مُتَطَرِّفَةً. والرابع: الذي هو (زِيَادَتَي فَعْلاَنَ) نحو: غَزِيَان، مثال: ظَرِيان، من الغزو، لو قال لك: ائتِ بالغزو على وزن (فَعِلان) حينئذٍ تقول: غَزِوَان هذا الأصل، فوقعت الواو قبل زيادتي (فعلان) الألف والنون، فوجب قلب الواو ياءً قيل: غزيان، إذا قيل لك: ابن من (الغزو) مثل: ضريان، فتقول: غزوان، حينئذٍ وقعت الواو بعد كسرةٍ قبل ألف ونون، لذلك قَيَّده: ضَرِيَان، على وزن (فَعِلان). إذاً: الموضع هذا راجع لقوله: رضي، لأنَّ الواو وقعت بعد كسرةٍ، الموضع الرابع راجع للموضع الأول، والموضع الثالث راجعٌ للموضع الثاني. إذاً: إذا وقعت الواو إثر كسرةٍ سواءٌ كانت مُتَطَرِّفَة أو قبل زيادة (فَعْلان) تُقْلَب الواو ياءً، وكذلك إذا كُسِرَ ما قبلها سواءٌ كانت مُتَطَرِّفة أو بعدها تاء تأنيث أو زيادة الألف والنون حينئذٍ تُقْلَب الواو ياءً، فالتاء لا تخرجها عن كونها مُتَطَرِّفة، والألف والنون كذلك لا تخرجها عن كونها مُتَطَرِّفَةً، أو كونها بعد كسرة، فَتُقْلَب في هذه المواضع الأربع الواو ياءً. . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . بِوَاوٍ ذَا افْعَلاَ فِي آخِرٍ أَوْ قَبْلَ تَا التَّأْنِيثِ أَوْ ... زِيَادَتَيْ فَعْلاَنَ. . . . . . . . . . حينئذٍ نقول في هذه المواضع الأربعة: تُقْلَب الواو ياءً، كما أنَّ الألف تُقْلَب ياءً في موضعين، فزادت الواو على الياء بالمواضع التي ذكرناها. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ذَا أَيْضَاً رَأَوْا فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً وَالْفِعَلْ ... مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً نَحْوُ الْحِوَلْ

(ذَا) اسم إشارة من الإعلال المذكور، (رَأَوْا ذَا) إذاً: هو مفعول مُقدَّم لقوله: (رَأَوْا)، (أَيْضَاً) هذا منصوبٌ على المفعولية المطلقة، رأوا ماذا؟ (رَأَوْا) الإعلال المذكور (فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً)، (فِي مَصْدَرِ) هذا مُتعلِّق بقوله: (رَأَوْا) على أنَّه مفعولٌ ثاني .. في موضع المفعول الثاني، و (ذَا) مفعول مُقدَّم أول، و (مَصْدَر) مضاف، و (الْمُعْتَلِّ) مضاف إليه، وأطلق (الْمُعْتَلّ) أراد به: المُعلّ، فإن المعتل أعم من المُعلّ، قد يكون مُعلَّاً وقد لا يكون، أمَّا المعل فلا، لا بُدَّ أن يكون منقلباً. (فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ) يعني: المعل، (عَيْنَاً) هذا تمييز، إذاً: (مَصْدَر) مضاف، و (الْمُعْتَلِّ) مضاف إليه، وهو على حذف موصوف، (مَصْدَرِ الفِعْل المُعَلِّ) (عَيْنَاً) هذا تمييز من (الْمُعْتَلْ). وَالْفِعَلْ مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً .. (وَالْفِعَلْ) مبتدأ، (صَحِيْحٌ) هذا خبر المبتدأ، (مِنْهُ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف حال إمَّا من (الْفِعَلْ) على مذهب سيبويه، أو من الضمير المستتر في (صَحِيْحٌ)، يجوز فيه الوجهان، (غَالِبَاً) حالٌ من الضمير في الخبر. يعني: أنَّ ما كان من مصدر الفعل المعتل العين بعدها ألفٌ وجب إعلاله، وما كان منه على (فِعَلْ) بغير ألف فالغالب في عينه التَّصحيح، وَشَمِل المُعْتَلَّ الثلاثي نحو: قام قياماً، قام أصلها: قِوَام، لماذا أُعِلَّت في المصدر؟ لكونها مُعلَّة في الفعل، فَحُمِل المصدر هنا على الفعل: قام قياماً، وكذلك المزيد نحو: انقاد انقياداً، قُلِبَت الألف ياءً. واحترز بالمُعتلِّ العين من الفعل الصحيح العين نحو: لاوذ لِواذاً، فإنَّه لا يُعَلُّ لكون فعله غير مُعتلٍّ. إذاً: (ذَا) الإعلال السابق، (رَأَوْا) أيضاً (فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً) يعني: المعتلُّ فعله عيناً: قام قياماً، أصله: قِوَاماً، اعْتُلَّت عينه في المصدر لكونه أُعِلَّ في الفعل، هذا مثل ما سبق في: قائل وصائل وبائع، أُعِلَّت العين بقلب الواو أو الياء همزةً بالنَّظر إلى فعله، فما أُعِلَّ في الفعل أُعِلَّ هنا وما لا فلا، هذا مثله. أشار به إلى أن الواو تُقْلَب بعد الكسرة ياءً في مصدر كل فِعْلٍ اعْتَلَّت عينه: صام صياماً، وقام قياماً، والأصل: صِوَام .. قِوَام، فَأُعِلَّت الواو في المصدر حملاً له على فعله. إذاً: إذا قيل: صيام وقيام، لماذا قُلِبَت الواو ياءً هنا؟ نقول: حملاً للمصدر على الفعل، لأنَّه في الفعل أُعِلَّ، وأشار بقوله: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . ذَا أَيْضَاً رَأَوْا فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً. . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلى أنَّ الواو تُقْلَب بعد الكسرة ياءً في مصدر كل فعل اعْتَلَّت عينه، صِوَام .. قِوَام، هنا واوٌ بعد كسرةٍ تُقْلَب ياءً، حملاً للمصدر على الفعل، فلو صَحَّت الواو في الفعل لم تَعْتَلَّ في المصدر: لاَوَذَ، ما قُلِبَت هنا الواو ألفاً، إذاً تقول في المصدر: لِوَاذاً، لا تقلب الواو ياءً، لماذا؟ لكونها صَحَّت في الفعل، و (جاور) .. (جواراً) مثل: عَوِرَ عَاوِرٌ .. عَيِنَ عاين، قلنا: صَحَّت في الفعل فتصح في اسم الفاعل، هنا كذلك صَحَّت في الفعل وتصح في المصدر. إذاً: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . ذَا أَيْضَاً رَأَوْا فِي مَصْدَرِ الْمُعْتَلِّ عَيْنَاً. . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (الْمُعْتَل) المراد به: المعل، يعني: الذي قُلِبَت عَيْنُه ألفاً. وَالْفِعَلْ مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً .. (فِعَلْ) يعني: ما كان على وزن (فِعَلْ)، نحو: حِوَل، هذا الغالب منه: أنَّه صحيح يَصحُّ، ولا تُقْلَب الواو ياءً، (وَالْفِعَلْ) هذا مبتدأ، (صَحِيْحٌ) خبره، و (غَالِبَاً) حالٌ، و (مِنْهُ) كذلك حال، (نَحْوُ الْحِوَلْ). يعني: أنَّ ما كان من مصدر الفعل المُعتلِّ العين بعدها ألفٌ وجب إعلاله، وما كان منه على وزن (فِعَلٍ) بغير ألفٍ فالغالب في عينه: التَّصحيح، وشمل المُعتلَّ الثلاثي والمزيد، الثلاثي نحو: قام قياماً، والمزيد: انقاد انقياداً. واحترز بالمعتل العين من الفعل الصحيح العين كما ذكرناه سابقاً، وَفُهِمَ اشتراط الألف بعد العين من قوله: وَالْفِعَلْ مِنْهُ صَحِيْحٌ غَالِبَاً .. لأنَّ سبب التَّصحيح عدم الألف، لماذا صَحَّت الواو في (الْفِعَلْ)؟ لعدم وجود الألف، إذاً: قيام وصيام، لوجود الألف هناك أُعِلَّت، فالسَّبب في التَّصحيح هنا: عدم وجود الألف، فالغالب في نحو: (الْفِعَلْ) التَّصحيح نحو: حال حولاً، وَعَادَ الْمَرِيض عِوَدَاً، ولذلك قال النَّاظم: (نَحْوُ الْحِوَلْ). قال الشَّارح: "إذا وقعت الألف بعد كسرةٍ وجب قلبها ياء كقولك في جمع (مصباح) و (دينار): مصابيح ودنانير، وكذلك إذا وقعت قبلها ياء التَّصغير كقولك في (غزال): غُزَيِّل، وفي (قَذَال): قُذَيِّل. ثُمَّ قَال: وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ أَوْ سَكَنْ ... فَاحْكُمْ بِذَا الإِعْلاَلِ فِيهِ حَيْثُ عَنّْ (وَجَمْعُ ذِي) (وَجَمْعُ) مبتدأ، وهو مضاف، و (ذِي) مضافٌ إليه، (ذِي عَيْنٍ) يعني: صاحب عين، (أُعِلَّ أَوْ سَكَنْ) يعني: في المفرد، (جَمْعُ ذِي عَيْنٍ) لا بُدَّ أن يكون ثَمَّ فرقٌ بين المضاف والمضاف إليه، فـ: (جَمْعُ) معلوم أنَّه أراد به الجمع، (ذِي عَيْنٍ) أراد به المفرد، فالصِّفات حينئذٍ تكون في المفرد، (ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ) هذا نعت لـ: (عَيْن)، يعني: قُلِبَت العين ألفاً. . . . . . . . . . . . أَوْ سَكَنْ ... فَاحْكُمْ بِذَا الإِعْلاَلِ فِيهِ حَيْثُ عَنّْ

يعني: جميع ما سكنت عينه من الثلاثي نحو: ثوب، تقول: ثياب، (ثوب) على وزن (فعل)، و (دار) أصله من: دور، حينئذٍ نقول: أُعِلَّت عَينُه، فهذا النوع: ما كان على وزن: ثوبٍ أو دارٍ، حينئذٍ إمَّا أن يُجْمَع على (فِعَال) أو (فِعَلَةْ) أو (فِعَلْ) ثلاثة أنواع: إن كان على وزن (فِعَال) حينئذٍ وُجِد مقتضي قلب الواو ياءً وهو .. ، ثوب، تقول: ثياب، إذاً: وُجِد الكسر قبل الواو .. هذا المقتضي. إذاً: أنَّ جميع ما سكنت عينه من الثلاثي نحو: ثوب، أو أُعِلَّت نحو: دار، على ثلاثة أقسام: (فِعَال) أو (فِعَلَةْ) أو (فِعَلْ) أشار إلى الأول بقوله: وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ أَوْ سَكَنْ ... فَاحْكُمْ بِذَا الإِعْلاَلِ فِيهِ حَيْثُ عَنّْ أي: متى وقعت الواو عين جمعٍ، وَأُعِلَّت في واحده أو سكنت وجب قلبها ياءً إن انكسر ما قبلها، ووقع بعدها ألف نحو: ديار .. ثياب، أصله (دوار)، وقعت الواو بعد كسرةٍ فقيل: ديار، و (ثوب) يُجْمَع على: ثِوَاب .. على (فِعَال)، حينئذٍ تقول: ثِيَاب أصله: ثِوَاب، فَقُلِبَت الواو ياءً في الجمع لانكسار ما قبلها، ومجيء الألف بعدها، مع كونها في الواحد إمَّا مُعتلَّة كـ: دار، أو شبيهةً بالمعتل في كونها حرف لينٍ ساكناً كـ: ثوب. إذاً: ما كان على وزن (فَعْلٍ) ساكن العين وهو حرف عِلَّة، أو أُعِلَّ بقلب الواو ألفاً، حينئذٍ يُقْلَب في الجمع على (فِعَال) ياءً، لأنَّ الواو وقعت بعد كسرةٍ وقبل ألف، حينئذٍ قُلِبَت الواو ياءً. (وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ) فُهِمَ منه: أنَّ ما كان على (فِعَال) من المفرَد لا يُعَلُّ نحو: صوار وصوان، (ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ) إذا لم يُعَل حينئذٍ لا يُعَلُّ في الجمع، ما لم يُعَلَّ في المفرد لا يُعَلُّ في الجمع، (جَمْعُ ذِي عَيْنٍ) يعني: أنَّ جمع المفرد المعل من جمع الثلاثي المعلِّ العين أو ساكنها، يُحْكَم له في الإعلال بالإعلال المذكور وهو: قلب الواو ياءً، في نحو: دار وديار، وثوب وثياب. (وَجَمْعُ ذِي عَيْنٍ أُعِلَّ) (أُعِلَّ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل يعود على العين، والجملة نعت لـ: (عَيْنٍ) عينٍ معلَّةٍ، (أَوْ سَكَنْ) معطوف على (أُعِلَّ). فُهِمَ منه: أنَّ عين المفرد إذا لم تُعَل ولم تسكن لم يُعَلَّ الجمع: طويل وطويلة، حينئذٍ تبقى كما هي ولا يُعَلُّ في الجمع، (فَاحْكُمْ) الفاء زائدة، و (احْكُمْ) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، والجملة في محلِّ رفع خبر المبتدأ، (وَجَمْعُ) قال: (احْكُمْ)، (بِذَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (احْكُمْ) (بِذَا) اسم إشارة، والمشار إليه الإعلال السابق في مصدر الفعل المعل: وهو قلب الواو ياءً. (بِذَا الإِعْلاَلِ) (الإِعْلاَل) هذا بدل أو عطف بيان أو نعت من (ذَا) اسم إشارة، (فِيهِ حَيْثُ) كُلٌّ منهما مُتعلِّق بقوله: (عَنّْ) يعني: ظهر وعرض.

إذاً: ما جُمِع من المفرد الذي سكنت عينه وهو حرف عِلَّة، أو أُعِلَّت بأن قُلِبَت ألفاًَ إن جُمِع على وزن (فِعَال) قُلِبَت الواو ياءً، فـ: (ثوب) مِثالٌ لِمَا سكنت عينه في المفرد وهو حرف عِلَّة، تجمعه على (فِعَال) فتقول: ثياب، بقلب الواو ياءً، وكذلك: دار، أُعِلَّت عينه في المفرد وحينئذٍ تُقْلَب .. أُعِلَّت عينه في المفرد وهذه الألف منقلبة عن واو، حينئذٍ ترجع في الجمع، لأنَّ الجمع يرد الأشياء إلى أصولها فتقول: دوار، ثُمَّ وقعت الواو بعد كسرةٍ وقبل ألفٍ فَقُلِبتَ الواو ياءً. لذلك قال ابن عقيل: " متى وقعت الواو عين جمعٍ وَأُعِلَّت في واحده" يعني: قُلِبَت ألفاً، أو سكنت .. لم تُقْلَب بل هي ساكنة، وجب قلبها ياء إن انكسر ما قبلها ووقع بعدها ألف، يعني: جُمِعَت على وزن (فِعَالٍ) هذا مراده، نحو: دِيَار وثياب، أصلهما: دوار .. دارٌ، قُلِبَت الألف واواً، في الجمع تقول: دوار، لأنَّ الجمع يرد الأشياء إلى أصولها، حينئذٍ وقعت الواو بعد كسرةٍ وقبل ألفٍ فوجب قلب الواو ياءً. وكذلك: ثِوَاب، جُمِع على (فِعَال) وقعت الواو إثر كسرةٍ قبل ألفٍ، حينئذٍ تُقْلَب الواو ياءً لانكسار ما قبلها ومجيء الألف بعدها، مع كونها في الواحد إمَّا مُعْتَلَّة يعني: مقلوبة، أو شبيهةً بالمعتل لكونها ساكناً، هذا الوزن الأول (فِعَال). (وَصَحَّحُوا فِعَلَةً) يعني: ما كان على وزن (فِعَلَة)، صحَّحوه يعني: نطقوا به صحيحاً غير مُعل، لم تُقْلَب الواو ياءً. (وَفِيْ فِعَلْ وَجْهَانِ) إذاً: ثلاثة أوزان (فِعَال .. فِعَلَةْ .. فِعَلْ)، (فِعَال) وجب القلب .. وجب الإعلال، و (فِعَلَة) صحَّحوا أي: العرب (فِعَلَة) هذا مفعول لقوله: (صَحَّحُوا)، يعني: أنَّ جمع ما أُعِلَّ عينه أو سكن إذا كان على وزن (فِعَلَة)، وجب تصحيحه لعدم وجود الألف والكسرة قبلها، مثاله: عَوْدٌ مثل: ثَوْب، إذا جمعته على (فِعَلَة) قلت: عِوَدَة، صَحَّحت الواو ولم تقلبها ياءً لعدم وجود الألف بعدها، و (كَوْز) تقول: كِوَزَة، بتصحيح الواو، جمعته على (فِعَلَة)، وشذَّ: ثَوْر وثِيَرة، بقلب الواو ياء. إذاً: الكلام في المفرد إذا سكنت عينه وهو حرف عِلَّة، أو أُعِلَّت نحو: ثوب ودار، إن جمع على (فِعَال) وجب الإعلال، وإن جُمِع على (فِعَلَة) وجب التصحيح ولا يصح الإعلال. (وَفِيْ فِعَلْ وَجْهَانِ) وهما: التَّصحيح والإعلال، والإعلال أولى، لَمَّا قال: (الإِعْلاَل) وقال: (وَصَحَّحُوا فِعَلَة)، علمنا أن الوجه الثاني هو التصحيح، وإذا كان على وزن (فِعَلْ) ففيه وجهان: التصحيح والإعلال والثاني أولى، نحو: حِيَلَة وَحِيَلْ، (حِيَل) هذا جمع: حِيْلَة، يُجْمَع على (فِعَل)، هو مأخوذٌ من الحول، هنا حصل الإعلال، حِيَلَ، على وزن (فِعَل) أصله: حِولَ، حينئذٍ قُلِبَت الواو ياءً في الجمع فقيل: حِيَلْ، وأمَّا: حِوَجْ، في جمع: حاجة، فهذه صُحِّحَت هنا فقيل: حِوَج، ولم يُقَلْ: حِيَج.

قال الشَّارح: إذا وقعت الواو عين جمعٍ مكسوراً ما قبلها، واعْتَلَّت في واحده أو سكنت، ولم يقع بعدها الألف وكان على (فِعَلَة) وجب تصحيحها، والأمثلة كما ذكرناه، ومن هنا يعلم أنَّه إنَّما تَعْتَلُّ في الجمع إذا وقع بعدها ألفٌ كما سبق تقريره. لو قال: على وزن (فِعَال) لكان أولى، لأنَّ: ثوب ودار، إمَّا أن يُجْمع على (فِعَال) أو (فِعَلَة) أو (فِعَلْ)، إذا جُمِعَ على (فِعَال) وجب الإعلال لوجود الألف، ولَمَّا قال هنا: (فِعَلَة وَفِعَل) انتفت الألف، إذاً: صارت العِلَّة هناك في الإعلال: هو وجود الألف، فإذا انتفت الألف حينئذٍ إمَّا أن يُصَحَّح وجوباً، وإمَّا أن يُرَجَّح الإعلال. ومن هذا البيت يُفْهَم: أنَّ الجمع الذي يجب إعلاله في البيت الذي قبله يكون فيه الألف بعد الواو، لكونه نُطِقَ في هذا البيت بـ: فِعل .. نطق الناظم بـ: (فِعَلْ وَفِعَلةْ) بغير ألف، فَعُلِم أنَّ ما سواهما وهو الأول بالألف، وما ذكرناه أولى: أن يُقال (فِعَال) مقابل لقوله: (فِعَلَة) أو (فِعَل)، إن كان على وزن (فِعَال) وجب الإعلال، وإن كان على وزن (فِعَلَة) مثل: عِوَدَة، جمع (عَوْدٍ)، وَكِوَزة جمع (كَوْزٍ) فحينئذٍ نقول: وجب التَّصحيح، وما كان على وزن (فِعَل) حينئذٍ جاز الوجهان: التَّصحيح والإعلال، والإعلال أولى. ولذلك قال ابن عقيل مثل ما ذكرناه: "ومن هنا يُعْلَم أنَّه إنَّما تَعْتَلُّ في الجمع إذا وقع بعدها ألف كما سبق تقريره، لأنَّه حكم على (فِعَلَة) بوجوب التَّصحيح، وعلى (فِعَلٍ) بجواز التصحيح والإعلال " وكلاهما بدون ألف، فالتصحيح نحو: حاجة وَحِوَج، حِوَج على وزن (فِعَل) صحَّتْ، والإعلال نحو: قامة وقيم، أُعِلَّت، وديمة وديم، والتصحيح فيها قليل والإعلال غالبٌ. وَصَحَّحُوا فِعَلَةً وَفِيْ فِعَلْ ... وَجْهَانِ. . . . . . . . . . . . . . (وَفِيْ فِعَلْ) هذا خبر مُقدَّم، (صَحَّحُوا فِعَلَةً) صحَّحوا من؟ العرب، و (فِعَلَةً) مفعولٌ به، (وَفِيْ فِعَلْ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر مُقدَّم، (وَجْهَانِ) مبتدأ مُؤَخَّر، (وَالإِعْلاَلُ أَوْلَى) مبتدأ وخبر، وذلك (كَالْحِيَلْ) هذا مثالٌ للإعلال. ثُمَّ قال: وَالْوَاوُ لاَماً بَعْدَ فَتْحٍ يَا انْقَلَبْ ... كَالْمُعْطَيَانِ يُرْضَيَانِ وَوَجَبْ إِبْدَالُ وَاوٍ بَعْدَ ضَمٍّ مِنْ أَلِفْ ... وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ وَالْوَاوُ لاَماً بَعْدَ فَتْحٍ يَا انْقَلَبْ .. الواو انقلب ياءً حال كونه لاماً بعد فتحٍ .. هكذا، (الْوَاوُ) مبتدأ، (انْقَلَبْ) فعل ماضي، والضمير يعود على (الْوَاوُ) الواو انقلب، إذاً: الكلام في قلب الواو ياءً .. لا يزال الحديث فيه، (وَالْوَاوُ انْقَلَبْ) (يَاً) يعني: ياءً هذا مفعول مُقدَّم لـ: (انْقَلَبْ)، (لاَماً) حال كون الواو لاماً بعد فتحٍ، يعني: إذا وقعت الواو مُتَطَرِّفَةً لاماً بعد فتحٍ وجب قلبها ياءً، فَتُقْلَب الواو ياءً إذا وقعت مُتَطَرِّفَة بعد فتحٍ.

إذا وقعت الواو طرفاً رابعةً فصاعداً بعد فتحةٍ قُلِبَت ياءً نحو: أعطيتُ، مَثَّل هنا بـ: (الْمُعْطَيَانِ) أصله: المعطوان، لَمَّا صارت الواو رابعةً قُلِبَت ياءً بالحمل على اسم الفاعل: مُعْطَى .. مُعْطَيَان، ليس فيه عِلَّة قلب الواو ياءً، بخلاف الـ: مُعْطِي، هذا اسم فاعل، وقعت الواو مُتَطَرِّفَةً، (إِثْرَ كَسْرٍ) فَقُلِبَت الواو ياءً: معطي .. مُعْطِوٌ، واوٌ مُتطرِّفة قبلها كسرة، وُجِدَت العِلَّة؟ وُجِدَت العِلَّة. لكن: مُعْطَى، ليس قبلها كسرة، حينئذٍ لماذا قُلِبَت؟ هم قلبوها سماعاً، لكن قالوا: حملاً لاسم المفعول على اسم الفاعل، إذ الموجب: قلب الواو ياءً موجودٌ في اسم الفاعل، ومفقودٌ في اسم المفعول، فحملاً لاسم المفعول على اسم الفاعل قُلِبَت الواو ياءً. إذاً: (الْمُعْطَيَانِ) هذا اسم مفعول، أصله: المُعْطَوَان، ليس عندنا عِلَّة هنا لقلب الواو ياءً، لأنَّ ما قبلها مفتوح وليس بمكسور، ولذلك أيضاً قُلِبَت الواو ياءً قيل: معطيان، لماذا قلبت الواو ياءً؟ حملاً على اسم الفاعل، لأنَّك تقول في اسم الفاعل: المعطِوٌ، وقعت الواو مُتَطرِّفَة إثر كسرة حينئذٍ قُلِبَت. إذاً أصله: المعطوان، لَمَّا صارت الواو رابعةً قُلِبت ياءً بالحمل على اسم الفاعل وهو الـ: مُعْطِي، لأنَّ في اسم الفاعل موجب القلب .. وُجِدَ موجب القلب: واوٌ إثر كسرةٍ معطِي، وأمَّا: مُعْطَى، فليس فيه موجبٌ للكسر. لأنَّ في اسم الفاعل موجب القلب وهو انكسار ما قبل الواو، وليس ذلك في اسم المفعول فَحُمِلَ عليه. وكذلك (يُرْضَيَانِ) أصله: يُرْضَوَان، واوٌ تَحرَّكت وقبلها فتحة، الأصل تُقْلَب ألفاً ما تُقْلَب ياءً، لكن قُلِبَت ياءً هنا حملاً على الفاعل فتقول: يُرْضِي، الياء هذه منقلبة عن واو، وُجِد موجب القلب: وهو كسر ما قبل الواو. أصله: يُرْضَوُان، لأنَّه من الرِّضْوَان، فَقُلِبَت واوه بعد الفتحة ياءً، وهذا خلاف الأصل، تَحرَّكت الواو وَفُتِحَ ما قبلها .. تُقْلَب ألفاً هذا الأصل، لكنَّها هنا قُلِبَت ياءً؛ حملاً للمبني للمفعول على المبني للفاعل، لأنَّ: يُرْضَى، هذا فعل، (يُرْضَيَانِ) ليس كـ: (الْمُعْطَيَانِ) .. (الْمُعْطَيَانِ) هذا اسمٌ، و (يرضى) هذا فِعْلٌ. إذاً: يقع القلب هنا في الأسماء وفي الأفعال، في الأسماء .. في المبني للمفعول، وكذلك في اسم المفعول، وكذلك في الأفعال .. في المبني للمفعول حملاً على المبني للمعلوم، (يُرْضِي) هذا واضح أنَّ الواو انقلبت ياءً لكسر ما قبلها، لكن: (يُرْضَى) .. (يُرْضَيَان) هذا فعل، ابن عقيل يقول: " (يُرْضَيَان) أصله: يُرْضَوَان " هذا فعلٌ، هنا الواو مُتحرِّكة قبلها ضَادٌ مفتوحة، الأصل: ما تقلب ياءً، فَقُلِبَت واوه بعد الفتحة ياءً؛ حملاً لبناء المفعول على بناء الفاعل نحو: يُرْضِيَان. هنا في المثالين: (مُعْطَيَان) و (يُرْضَيَان) ليس فيه عِلَّة قلب الواو ياءً، وإنَّما هو حملٌ لاسم المفعول على اسم الفاعل، و (يُرْضَيَان) حملٌ للفعل المبني للمفعول على المبني للفاعل، وإلا عِلَّة قلب الواو في (يُرْضِي) و (يُعْطِي) هو: كسر ما قبل الواو، هذه غير موجودة هنا، فحملاً لهذا على ذاك.

إذاً: (وَالْوَاوُ لاَماً بَعْدَ فَتْحٍ) (بَعْدَ) هذا مُتعلِّق بقوله: (انقلب)، والواو انقلب هو (الْوَاوُ) بَعْدَ فَتْحٍ حال كونه لاَماً، يعني: آخر الكلمة (كَالْمُعْطَيَانِ) و (يُرْضَيَانِ). قال الشَّارح: " إذا وقعت الواو طرفاً رابعةً فصاعداً بعد فتحةٍ قُلِبَت ياءً نحو: أعطيت، أصله: أعطوت، لأنَّه من: عطا .. يعطو، إذا تناول، فَقُلِبَت الواو في الماضي ياءً حملاً على المضارع ". إذا قيل (حملاً) معناه: ما وُجِدَ عِلَّة القلب، سُمِع هذا أنَّه مقلوب، ولم يجدوا العِلَّة التي من أجلها قُلِبَت، حينئذٍ قالوا: حملاً للماضي على المضارع نحو: يُعْطِى (يعطي) هذا واضح، الياء هنا منقلبة عن واو، وقعت مُتَطَرِّفة إثر كسرةٍ فوجب قلبها ياءً .. وُجِدَ المقتضي. وأمَّا: يُعطْى، هذا لم يوجد فيه المقتضي، كما حُمِلَ اسم المفعول نحو: (مُعْطِيَانِ)، على اسم الفاعل، نحو: مُعْطِيَان، الطاء مكسورة، والياء منقلبة عن واو، هنا وُجِدَت العِلَّة .. هذا قياس ليس فيه إشكال، وأمَّا: مُعْطَى، بفتح الطَّاء نقول: ما وُجِد هنا قلب الواو ياءً. وكذلك (يُرْضَيَان) الأصل: يُرْضَوَان، لأنَّه من: الرِّضْوَان، فَقُلِبَت واوه بعد الفتحة ياءً حملاً لبناء المفعول على بناء الفاعل، و (يُرْضَى) لوجود موجب القلب فيه نحو: يرضيان. وَفُهِم من التَّمثيل: أنَّ ذلك يكون في الأسماء والأفعال. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . وَوَجَبْ إِبْدَالُ وَاوٍ بَعْدَ ضَمٍّ مِنْ أَلِفْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (وَجَبَ) هذا فعل ماضي، و (إِبْدَالُ) هذا فاعل وهو مضاف، و (وَاوٍ) مضافٌ إليه، من إضافة المصدر إلى المفعول، (إِبْدَال) هذا مصدر، و (وَاوٍ) مفعول، (بَعْدَ ضَمٍّ) هذا مُتعلِّق بـ: (إِبْدَال) لأنَّه مصدر، (مِنْ أَلِفْ) كذلك مُتعلِّق بـ: (إِبْدَال). إذاً: يجب أن يُبْدَل من الألف واو .. تُقْلَب الألف واواً إذا وقعت الألف بعد ضَمَّة، سبق أنَّ الألف تُقْلَب ياءً إذا وقعت بعد كسرةٍ، إذا وقعت بعد ضَمٍّ قُلِبَت الألف واواً. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . وَوَجَبْ إِبْدَالُ وَاوٍ بَعْدَ ضَمٍّ مِنْ أَلِفْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أن يُبْدَل من الألف بعد ضَمٍّ واو، معناه: أنَّه يجب أن يُبْدَل من الألف واوٌ إذا وقعت بعد ضَمَّة، يعني: ضَمَّ ما قبلها، كقولك في (بايع): بُويِع، ضُمَّت الباء وبعدها ألف، قُلِبَت الألف واواً لمناسبة ما قبلها (بُويِع)، وفي (ضارب): ضُورِب، فإن كانت في موضعٍ يجب فيه تَحْرِيكها حُرِّكَت نحو: ضارب، تُصَغِّره على: ضُوَيْرِب، حَرَّكْتَ الواو، وإن كانت في موضعٍ يجب فيه سكونها سكنت نحو: ضُوْرِب. إذاً: تُقْلَب الألف واواً إثر ضَمٍّ، ثُمَّ إن وقعت في موضعٍ يجب التَّحريك حُرِّكت مثل: ضُوَيْرِب، لأنَّه (فُعَيْل) سبق أنَّه الثاني يجب تحريكه بالفتح: فُلَيْس .. ضُوَيْرب، ضُوَ .. إذاً: تَحرَّكت الواو بالفتح، كذلك إذا وقعت في موضعٍ يجب التسكين حينئذٍ سكنت نحو: ضُوْرِب. وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ ..

(يَا) ياءٌ .. قصره للضرورة، (وَيَاءٌ كَمُوقِنٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ: (يَا) ولذلك ابتدئ به، الياء مبتدأ وهو نكرة، قصره للضرورة، (بِذَا) إشارة إلى الإعلال المذكور، (اعْتَرِفْ لَهَا) يعني: يجب إبدال الياء واواً كما في (مُوقِن) اسم فاعل من: أيقن، أصله: مُيْقِن، قُلِبَت الياء واواً صار: مُوقِنْ، أصله: مُيْقِن، إذا وقعت الياء ساكنةً بعد ضَمَّةٍ وجب قلب الياء واواً. (بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ) يعني: يجب إبدال الياء واواً كما في: مُوقِنْ، اسم فاعل من: أَيْقَن، أصله: مُيْقِن، (مِيْزَان) .. (مِيُزَان) كما سبق، فَأُبْدِلت الياء فيه واواً لانضمام ما قبلها. وَفُهِم من المثال: كون الياء المبدلة ساكنة، فلو كانت مُتَحَرِّكة لم تُبْدَل نحو: هُيَام، كما سيذكره الشارح. وَفُهِمَ منه أيضاً: كون الياء مفردة، يعني غير مُدْغَمَة: حُيَّض، لا تُقْلَب الياء الأولى وإن كانت ساكنة .. لا تُقْلَب واواً لكونها مدغمة، لأنَّه ذكر: مُوقِنْ، الياء ساكنة مفردة، (مفردة) يعني: غير مدغمة، فلو كانت مدغمة ولو وقعت إثر ضَمَّةٍ لا تُقْلَب واواً: حُيَّض، الياء الأولى ساكنة وقعت بعد ضَمَّة لا تُقْلَب، لكونها ليست مفردة، وإنَّما هي مدغمة. كذلك لو كانت مُتحرِّكة: هُيَام، ياء وقعت بعد ضَمَّة، لا تُقْلَب الواو ياءً لكونها مُتحرِّكة، إذاً يُشْتَرط: أن تكون الياء ساكنة ومفردة، يعني: غير مدغمة. وَفُهِمَ منه أيضاً: كون الياء في المفرد، فلو كان ما فيه الياء الساكنة بعد الضَمَّة جمعاً، وهذا أشار إليه بقوله: وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ .. إذاً: لا بُدَّ أن تكون الياء في مفردٍ لا في جمعٍ، وأن تكون ساكنة، وأن تكون غير مدغمة، يعني: مفردة. إذاً: وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ .. (بِذَا) الإعلال المذكور، (اعْتَرِفْ) هذه الجملة خبر، وقوله: وَيَا كَمُوقِنٍ بِذَا لَهَا اعْتَرِفْ .. معناه: أن الياء إذا سكنت في مفردٍ بعد ضَمَّةٍ وجب إبدالها واواً: موقن وموسر، أصلهما: مُيْقِن .. مُيْسِر، لأنهما من: أيقن وأيسر، فلو تَحرَّكت الياء لم تُعَل نحو: هُيَام، وهذا داءٌ يصيب الإبل. وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ كَمَا ... يُقَالُ هِيْمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا (هِيْمٌ) أهيم، أحمر يُجْمَع على (حُمْر)، (أهْيَم) مثله، هنا يقول: (هِيْمٌ) أصله: هُيْم، لو بقيت الضَّمَّة كما هي لوجب قلب الياء واواً، لكن قال هنا: تُقْلَب الضَّمَّة كسرة من أجل تصحيح الياء .. لِتصحَّ الياء وجب قلب الضَّمَّة كسرة. (وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ) أمَّا المفرد السابق فيبقى على كسره، أمَّا إذا جُمِع فهذا له شأنٌ آخر. (وَيُكْسَرُ) هذا مُغيَّر الصيغة، (الْمَضْمُومُ) هذا نائب فاعل، (فِي جَمْعٍ) مُتعلِّق بـ: (يُكْسَرُ). . . . . . . . . . . . . . . كَمَا ... يُقَالُ هِيْمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا

(أَهْيَمَا) الألف للإطلاق، (أَهْيَم) على وزن (أَفْعَل)، جمعه على (فُعْلٍ) مثل: أحمر (حُمْرٍ) حينئذٍ ضُمَّت الفاء وجاءت بعدها ياء ساكنة، إذاً: هي ياءٌ ساكنةٌ ومفردة، فالأصل: أن تُقْلَب واواً، لكن لكونها في الجمع لا في المفرد .. انتفى الشرط، قُلِبَت الضَّمَّة كسرةً من أجل أن تصح. يعني: أنَّه إذا وقعت الياء الساكنة بعد ضَمَّةٍ في الجمع نحو: هُيْم (فُعْلٍ) في جمع: (أَهْيَم)، قُلِبَت الضَّمَّة التي قبل الياء كسرة لتصحَّ الياء، كما مَثَّل النَّاظم هنا بـ: (هِيْمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا)، وإنَّما لم تُقْلَب الياء واواً لأجل الضَّمَّة كما قُلِبَت في المفرد نحو: موقن، لأنَّ الجمع أثقل من المفرد فكان أحق بمزيد التَّخفيف، لماذا فُرِّق بين الجمع والمفرد؟ نقول: السماع، ولكن الجمع ثقيل، فلو قُلِبَت الياء واواً لزاد ثِقَلاً. قال الشَّارح هنا: " يُجْمَع (فَعْلاء) و (أَفْعَلْ) على (فُعْلٍ) بِضَمِّ الفاء وسكون العين، كما سبق في التكسير كـ: حَمْرَاء وَحُمْرٍ، وَأَحْمَر وَحُمْرٍ، فإذا اعْتلَّت عين هذا النوع من الجمع بالياء قُلِبَت الضَّمَّة كسرة لتصح الياء نحو: هَيْمَاء تقول: هِيمٍ، وبيضاء .. بيضٍ، ولم تقلب الياء واواً كما فعلوا في المفرد كـ: مُوقِنْ، استثقالاً لذلك في الجمع ". وَوَاواً اثْرَ الضَّمِّ رُدَّ الْيَا مَتَى ... أُلْفِيَ لاَمَ فِعْلٍ أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ ... كَذَا إِذَا كَسَبُعَانَ صَيَّرَهْ رُدَّ الياء واواً، يعني: اقلب الياء واواً، (إِثْرَ الضَّمِّ) هذا مُتعلِّق بـ: (رُدَّ)، (رُدَّ الْيَاءَ) واواً (إِثْرَ الضَّمِّ) يعني: أنَّ الياء المُتحرِّكة تُبْدَل بعد الضَّمَّة واواً في ثلاثة مواضع، ولذلك قال: (مَتَى أُلْفِيَ لاَمَ فِعْلٍ) متى وُجِدَ لام فِعْلٍ (رُدَّ الْيَاءَ) واواً، متى؟ أن تكون لام فِعْلٍ. (وَاواً) مفعول ثاني، (إِثْرَ الضَّمِّ) بعد ضَمٍّ، هذا مُتعلِّق بـ: (رُدَّ)، و (الْيَا) مفعول أول، (مَتَى أُلْفِيَ لاَمَ فِعْلٍ). يعني: أنَّ الياء المُتحرِّكة تُبْدَل بعد الضَّمَّة واواً في ثلاثة مواضع: أحدها: أن تكون لام فِعْلٍ نحو: قَضُوَ، أصله: قضى، لأنَّه من: قضى يقضي: ونَهُوَ، لأنَّه من النُّهْيَة وهو العقل، إذا وقعت الياء لام فِعْلٍ وانْضَمَّ ما قبلها في الأصول الثلاثة وجب قلبها واواً. إذاً: (واواً) هذا كما قلنا مفعول ثاني، ما الذي يُقْلَب هنا: الواو ياء، أو الياء واو؟ الياء واو: قَضَى يَقْضِي قَضْوَ، نعم هو كذلك، (رُدَّ الْيَاءَ وَاواً) اقلب الياء واواً، (إِثْرَ الضَّمِّ) يعني: إذا وقعت الياء بعد ضَمٍّ طرفاً (لاَمَ فِعْلٍ)، مثل: قَضَى .. قَضُوَ، أصله: قضى، لأنَّه من: قضى يقضي، و (نَهو) لأنَّه من النُّهْيَة وهو العقل. (أُلْفِيَ لاَمَ فِعْلٍ) متى أُلْفِي، هذا فعل الشَّرط، و (أُلْفِيَ) يعني: الياء (لاَمَ فِعْلٍ)، (لاَمَ) بالنَّصب مفعول ثاني، والضمير المستتر في (أُلْفِي) نائب فاعل وهو مفعوله الأول. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا

كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لو قيل: ابن من (رَمَى) على وزن (مَقْدُرَهْ) .. (مَفْعُلَهْ)، إذا بنيت من (رَمَى) اسماً على وزن (مَقْدُرَهْ)، فإنك تقول: مَرْمُوَةْ، أصلها: مَرْمُيَة، ياءٌ قبلها ضَمَّة .. قبل تاء التأنيث، ومقصوده: أنَّ تاء التأنيث لا تُخْرِج اللام التي وقعت ياءً عن كونها طرفاً. كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ ... كَذَا إِذَا كَسَبُعَانَ صَيَّرَهْ يعني: إذا قيل ائتي بـ: (رَمَى) على وزن (سَبُعَانَ)، تقول: رَمُوَانَ، أصله: رَمُيَان، وقعت الياء هنا لاماً قبلها ضَمَّة، وجاء بعده ألف ونون، لم يخرجها عن كونها طرفاً، إذاً: في هذه الأحوال الثلاث تُقْلَب الياء واواً. (رُدَّ الْيَاءَ واواً إِثرَ الضَّمِّ مَتَى أُلْفِي لاَمَ فِعْلٍ) إذا كان لام فعلٍ ولم يتبعه شيء، أو تلاه تاء تأنيثٍ (أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا) هذا معطوف على (لاَمَ فِعْلٍ) .. (مِنْ قَبْلِ تَاءٍ). كَتَاءِ بَانٍ مِنْ رَمَى كَمَقْدُرَهْ .. (كَتَاءِ) هذا مضاف، و (بَانٍ) مضاف إليه، الباني: هو الذي يصوغ هذا البناء، وإنَّما أضيفت إليه التاء للملابسة بين الكلمة التي فيها التَّاء والباني، يعني: (مَقْدُرَة) التاء هذه أتى بها الباني .. بنا ماذا .. صاغ ماذا .. اشتق ماذا؟ اشتقَّ: رمى، على وزن (مَفْعُلَة) .. (مَقْدُرَهْ) حينئذٍ قال: مَرْمُوَة، والأصل: مَرْمُيَة، وقعت الياء لاماً قبل تاء تأنيثٍ، قُلِبَت الياء واواً. (كَذَا) أي: مثل ذا، (صَيِّرَهُ) (صَيِّر) الضمير عائد على لفظ الرمي المفهوم من: رَمَى، وفيه ضمير مستتر على (بَانٍ)، (صَيَّرَهْ كَذَا) أي: مثل ذا، هذا مُتعلِّق بقوله: (صَيِّرَهُ)، (إِذَا كَسَبُعَانَ) يعني: إذا قيل للباني: ابن من: رمى، على وزن (سَبُعَانَ) فيقول: رَمُوَان، قلبَ الياء واواً، فحينئذٍ يقول: (سَبُعَانَ). وَإِنْ تَكُنْ عَيْنَاً لِفُعْلَى وَصْفَا ... فَذَاكَ بِالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ يُلْفَى (وَإِنْ تَكُنْ) الياء (عَيْنَاً لِفُعْلَى وَصْفَا)، إذا جاء على وزن (فُعْلَى)، وجاءت عينه ياءً، حينئذٍ قال: (بِالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ يُلْفَى) إذاً: البيتين السابقين نقول: وَوَاوَاً اثْرَ الضَّمِّ رُدَّ الْيَا مَتَى ... أُلْفِي لاَمَ فِعْلٍ أَوْ مِنْ قَبْلِ تَا إذاً: هذه إذا وقعت الياء لام فعلٍ، أو من قبل تاء التأنيث، أو (زِيَادَتَي فَعْلاَنَ) وانْضَمَّ ما قبلها في الأصول الثلاثة وجب قلبها واواً. إذاً الموضع الأول: أن تكون لام فعلٍ، (أُلْفِي لاَمَ فِعْلٍ) مثل: قضوَ الرجل، وأصله: قضى، انْضَمَّ ما قبلها إذا جيء به على وزن (فَعُلَ)، حينئذٍ قيل: (فَعُلَ) قَضُيَ، وقعت الياء مُتَطَرِّفَة لام فعلٍ وقبلها ضَمَّة، فوجب قلب الياء واواً. الموضع الثاني: أن تكون لام اسمٍ مَبْنِيٍّ على التأنيث بالتَّاء نحو: مَرْمُوَة، فإنه مثل: مَقْدُرَة، (مِنْ رَمَى).

وَفُهِمَ من المثال: لزوم التَّاء، لأنَّ (مَقْدُرَة) لا يَتَجَرَّدُ من التاء، فلو كانت التاء عارضةً أُبْدِلَت الضَّمَّة كسرة وسلمت الياء، كما يجب ذلك مع التَّجرُّد نحو: تواني، أصل (تواني): (تَفَاعُلْ) بِضَمِّ النون، حينئذٍ هنا لا بُدَّ من إبقائه، لأنّه على وزن (تَفَاعُل)، مصدر (تواني) أصله: توَانِو، على وزن (تَفَاعُل) لأنَّه نظير: تدارك، فأبدلت الضَّمَّة فيه كسرة، ولم يُبْدِلوا الياء واواً، لأنَّه ليس في الأسماء المُتمكِّنَة ما آخره واوٌ قبلها ضَمَّة، فلو لحقته التاء بقي على إعلاله لعروض التاء نحو: تدَانِيَ. إذاً: ما كان على وزن (تَفَاعُل) وكانت لامه ياء، قُلِبَت الضَّمَّة كسرة، مثل: تدارُك وتواني، (توانِي) أصله: تَوانِيُ، لئلا تُقْلَب الياء واواً لِضَمِّ ما قبلها، وجب قلب الضَّمَّة كسرة. والموضع الثالث: أن يبنى من (الرمي) نحو: (سَبُعَان) اسم مكان فتقول: رَمُوَان، لأنَّ الألف والنون لازمتان، لهذا فلم يُحْكم له بحكم المتطرِّف، لأنَّه أَلْزَمُ للكلمة من تاء التأنيث. إذاً: هذه ثلاثة مواضع يجب فيها قلب الياء واواً: فيما إذا وقعت لام فعلٍ، أو لام فعلٍ من قبل تاء التأنيث، وهذا يكون في الاشتقاق، كما ذكرناه: (مَقْدُرَهْ) لم يُسْمَع، لكن من باب التمارين، أو جاء بـ: رمي، على وزن (سَبُعَان)، فَكُلُّ ما اشتق كذلك، فحينئذٍ إذا وقعت الياء لام الكلمة في هذه الأحوال الثلاثة وجب قلب الياء واواً. (وَإِنْ تَكُنْ) الياء (عَيْنَاً)، (تَكُنْ) ضمير مستتر يعود على الياء وهو اسمها، (عَيْنَاً) هذا خبر، (لِفُعْلَى وَصْفَاً) (لِفُعْلَى) هذا مُتعلِّق بـ: (تَكُنْ)، (وَصْفَاً) هذا حالٌ من (فُعْلَى)، (فَذَاكَ بِالْوَجْهَيْنِ) (فَذَاكَ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، و (ذَاكَ) مبتدأ، (بِالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ يُلْفَى) (يُلْفَى) الجملة خبر، و (بِالْوَجْهَيْنِ) مُتعلِّق بقوله: (يُلْفَى)، و (عَنْهُمْ) يعني: عن العرب، كذلك مُتعلِّق بـ: (يُلْفَى). يعني: إذا كانت الياء المضموم ما قبلها عَيناً لوصفٍ على وزن (فُعْلَى)، لا بُدَّ أن يكون على وزن (فُعْلَى)، وأن تكون الياء عيناً، وأن يكون وصفاً، لو اختلف شرطٌ من هذه الشروط الثلاثة، حينئذٍ ذهبت المسألة. أن يكون الياء المضموم ما قبلها عَيناً لوصفٍ على وزن (فُعْلَى)، جاز أن تُبْدَل الضَّمَّة كسرة وتصحَّ الياء، يعني مثل: التواني، قُلِبَت الضَّمَّة كسرة وصَحَّت الياء. وأن تبقى الضَّمَّة وَتُبْدَل الياء واواً لأجل الضَّمَّة، ولذلك مَثَّل هنا بـ: الضِّيقَى، والكيسى، والضُّوْقَى والكوسى، وهما تأنيث: الأضيق والأكيس، (أضيق) تأتي به على وزن (فُعْلَى)، فحينئذٍ إمَّا أن تقلب الضَّمَّة كسرة لتصحَّ الياء، وإمَّا أن تقلب الياء واواً، فإمَّا أن تقول: كيسى أو كوسى، (كيسى) بقلب الضَّمَّة كسرة فصَحَّت الياء، وإمَّا أن تقلب الياء واواً فتبقى الضَّمَّة على ما هي.

وأيُّهما أصل: الكوسى أو الكيسى؟ (فُعْلَى)، إذاً: بِضمِّ الفاء، إذاً: (الكوسى) هو الأصل، بقلب الياء واواً، وكذلك (الضُّوْقَى) هذا الأصل، قُلِبَت الياء واواً، لأنَّه ما قبله مضموم .. الفاء مضمومة، كوسى وضوقى، وأمَّا إذا أردنا أن تصح الياء فنقلب الضَّمَّة كسرة فتقول: الضِّيقى والكيسى. وَفُهِمَ من قوله (وَصْفَاً): أنَّها إذا كانت عيناً (لِفُعْلَى) اسماً لم يجز الوجهان، بل يلزم قلب الياء واواً على الأصل نحو: طوبى، هذا مأخوذٌ من: طَيِّبٍ، (طوبى) بقلب الياء واواً وجهاً واحداً، لأنَّه ليس بوصفٍ، وإنَّما هو اسمٌ. (وَإِنْ تَكُنْ عَيْنَاً) تكن الياء (عَيْنَاً لِفُعْلَى وَصْفَاً) ثلاثة شروط: الياء تقع عيناً، وإذا جعلناها أربعة شروط: أن يكون ياءً وعيناً، و (لِفُعْلَى وَصْفَاً)، حينئذٍ جاز فيه الوجهان: الصِّحة، والقلب. (فَذَاكَ بِالْوَجْهَيْنِ) (فَذَاكَ) المشار إليه: إن وقعت الياءُ (عَيْنَاً لِفُعْلَى وَصْفَاً) لكل ما ذُكِر .. ما استوفى الشروط. (فَذَاكَ يُلْفَى) يوجد (بِالْوَجْهَيْنِ عَنْهُمْ) عن العرب. قال الشَّارح: "إذا وقعت الياء عيناً لصفةٍ على وزن (فُعْلَى) جاز فيه الوجهان: - أحدهما: قلب الضَّمَّة كسرة لِتصحَّ الياء. - والثاني: إبقاء الضَّمَّة فَتُقْلَب الياء واواً نحو: الضِّيقى والكيسى، والضُّوْقَى والكُوْسَى، وهما تأنيث: الأضيق والأكيس". والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

137

عناصر الدرس * فصل ... قلب الياء واواَ من ,,فعلى .. اسماَ ,وبالعكس * فصل .. حكم اجتماع الواو والياء في كلمة * شروط قلب الواو والياء الفاَ وموانع القلب * خلاصة الأبيات * قلب النون ميماَ وشروطه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام عَلَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آله وَصَحْبِه أَجْمَعِين، أمَّا بعد: قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: (فَصْلٌ). مِنْ لامِ فَعْلَى اسْماً أَتَى الْوَاوُ بَدَلْ ... يَاءٍ كَتَقْوَى غَالِبَاً جَا ذَا الْبَدَلْ بِالْعَكْسِ جَاءَ لاَمُ فُعْلَى وَصْفَا ... وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرَاً لاَ يَخْفَى لا زال النَّاظم رحمه الله تعالى يُبَيِّن حروف الإبدال، وما يُبْدل بعضها عن بعض، وفَصَّل هذه المسائل بعدَّة فصول من باب التَّنويع فقط، وإلا كلها داخلةٌ تحت باب: (الاِبْدَالِ). قلنا: (الاِبْدَالِ) من قوله: (أَحْرُفُ الاِبْدَالِ) إلى آخر باب الإدغام، كلها يجمعها (الاِبْدَالِ) بالمعنى العام، لذلك أراد النَّاظم بـ: (الاِبْدَالِ): ما يَعُمُّ القلب. (فَصْلٌ) مِنْ لامِ فَعْلَى اسْماً أَتَى الْوَاوُ بَدَلْ ... يَاءٍ. . . . . . . . . . . . . . (بَدَلَ يَاءٍ) (بَدَلَ) بالنَّصب، وقف عليه ضرورة هنا، (بَدَلَ) مضاف، و (يَاءٍ) مضاف إليه، فصل بين المضاف والمضاف إليه ضرورةً، ووقف على اللام، لا نقول على لغة ربيعة هذا غلط، لأنَّه لا يوقف على المضاف دون المضاف إليه، وإنَّما نقول: (بَدَلَ يَاءٍ) لأنَّه غير مُنَوَّن حتى نقول: وقف على لغة ربيعة، يعني: ترك الألف ووقف على التَّسكين، وإنَّما اضطرَّه هنا الوزن إلى أن يفصل بين المضاف والمضاف إليه، فوقف على الأول بالإسكان، يعني: بدل الفتحة، الأصل: (بَدَلَ ياءٍ) إذاً: (بَدَلَ) مضاف، و (يَاءٍ) مضاف إليه. إذا وقف على (بَدَلْ) حينئذٍ هو ليس مُنَوَّنَاً وإنَّما هو مضاف، حينئذٍ نقول: سَكَّنه للضرورة ولا نقول على لغة ربيعة، (أَتَى الْوَاوُ بَدَلْ يَاءٍ مِنْ لامِ فَعْلَى اسْماً) (أَتَى) فعل ماضي، و (الْوَاوُ) فاعل، وقوله: (مِنْ لاِمِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (بَدَلْ يَاءٍ)، و (لاَمِ) مضاف، و (فَعْلَى) مضافٌ إليه، و (اسْماً) هذا حالٌ من (فَعْلَى). (جَا ذَا الْبَدَلْ غَالِبَاً) إذاً ليس بِمطَّرِد، (غَالِبَاً) هذا حالٌ من (ذَا)، الذي هو فاعل (جَا)، و (جَا) هنا لغة في: جاء يجيء، ولا نقول: ضرورة كذلك، إنَّما هو لغةٌ في: (جَاء)، (جَا) فعل ماضي، و (ذَا) اسم إشارة، و (الْبَدَلْ) بدل أو عطف بيان، أو نعت لسابقه، و (غَالِبَاً) هذا حالٌ من (ذَا)، أو منصوبٌ بنزع الخافض: في الغالب. إذاً: جا ذا البدل غالباً من لام فعلى، يعني: أنَّ الياء تُبْدَل غالباً واواً إذا كانت لاماً لـ: (فَعْلَى اسْماً)، بفتح الفاء، وسبق أنَّ (فَعْلَى) فيما سبق أنَّها تكون عين (فُعْلَى وَصْفَا) وهذا سيأتي في البيت الذي يليه.

(مِنْ لاَمِ فَعْلَى اسْماً) إذاً: الياء تُبْدَل غالباً واواً إذا كانت لاماً لـ: (فَعْلَى اسْماً)، بفتح الفاء وسكون العين، نحو: تقوى وفتوى، هنا أُبْدِلَت الياء واواً، أتى الواو بدل ياءٍ، إذاً: الأصل أنَّها يائِيَّةٌ، إذاً (تَقْوَى) هذه الواو مُبْدَلة عن ياء، و (فتوى) هذه الواو مُبْدَلة عن ياء، و (بَقْوَى) أو (بُقْوَى) الواو هذه بدلٌ عن ياء، كذلك (سَرْوَى) على وزن (فَعْلَى) هذه الواو بدلاً عن ياء، وأصلها: سَرْيَا وَتَقْيَا وَفُتْيَا وَبُقْيَا. وإنَّما قُلِبَت وإن لم يكن لقلبها مُوجِب لفظي فرقاً بين الاسم والصِّفة، ولذلك قال: (فَعْلَى اسْماً) إذاً لا صِفةً، هي في نفسها ليس لها موجب لفظي لقلب الياء واواً، وإنَّما من باب الفرق بين (فَعْلَى اسْمَاً) و (فَعْلَى) صفةً. إذاً: أتى الواو بدل ياءٍ من لام فعلى اسماً .. حال كونه اسماً، فإن كان صِفةً حينئذٍ لا يُبْدَل الياء واواً. إذاً خلاصة البيت: أنَّ الياء تُبْدَل غالباً واواً إذا كانت لاماً لـ: (فَعْلَى اسْماً) نحو: تقوى، كما مَثَّل النَّاظم: (كَتَقْوَى) أصلها: تقيَا، قُلِبَت الياء واواً فصارت: تقوى، هل هناك موجب لفظي .. فُتِحَت الواو أو الياء فانقلبت؟ ليس لها موجب، إلا أنَّه يُفَرَّق بين (فَعْلَى اسْماً) وصفةً، ولذلك قيَّده (فَعْلَى اسْماً) حالٌ من (فَعْلَى). قال الشَّارح: " تُبْدَل الواو من الياء الواقعة لام اسمٍ على وزن (فَعْلَى) نحو: تقوى: وأصله: تقيَا" فالياء هنا لام (فَعْلَى) وهي اسمٌ لا وصفٌ، لأنه من: تقيت، فإن كانت (فَعْلَى) صِفةً لم تُبْدَل الياء واواً، إذاً: فرَّقوا بين (فَعْلَى اسْماً) وصِفةً، فإن وقعت الياء لاماً لـ: (فَعْلَى) وهو اسمٌ، حينئذٍ قُلِبَت الياء واواً، وإن وقعت الياء لاماً لـ: (فَعْلَى) وهو صفةٌ لم تُقْلَب واواً، هل هناك عِلَّة لفظية، أو موجب لفظي في (فَعْلَى اسْماً)؟ الجواب: لا، وإنَّما هو للفرق بين (فَعْلَى اسْماً) و (فَعْلَى) صِفةً، إذاً: فإن كانت (فَعْلَى) صفةً لم تُبْدَل الياء واواً نحو: صديا .. تقيا، لا فرق بينهما في الوزن، (تقيا) هذه الياء قُلِبَت واواً صارت: تقوى، و (صديا) هذه الياء بقيت على أصلها، لماذا؟ لكون: صديا، هذه صفة .. ليس باسمٍ، لأنَّه مُؤنَّث: صديا، و (خزيا) على وزن (فَعْلَى)، كذلك هو صفةٌ وليس باسمٍ، لأنَّه مُؤنَّث: خزيان، ومثل (تقوى): فتوى، بِمعنى الفتيا، و (بقوى) بمعنى: البُقيا، كذلك (سروى) بمعنى: سُريا. واحترز بقوله: (غَالِبَاً) مِمَّا لم تُبْدَل الياء فيه واواً وهي لام اسمٍ على (فَعْلَى)، كقولهم للرائحة الحسنة: رَيَّاً، و (طَفْيَاً) لولد البقرة الوحشية. إذاً قوله (غَالِبَاً): احترز به من غير الغالب، بحيث إنَّه جاءت اللام ياءً من (فَعْلَى اسماً) ولم تُقْلَب، إذاً: القاعدة هنا ليست مُطَّردة، وإنَّما هي قاعدةٌ أغلبية.

وخَصَّوا الاسم بالإعلال، لأنَّه أخفُّ من الصِّفة، لماذا لم يعكسوا .. لو قيل: بأنَّه قُلِبَت ياء (فَعْلَى) اسماً واواً للفرق بينها وبين الصِّفة .. لماذا لم يعكسوا، فيجعلوا القلب في الصِّفة دون الاسم؟ قالوا: الصِّفة ثقيلة، والاسم أخف، حينئذٍ كان الإعلال بالأخف أولى من أن يكون بالصِّفة. إذاً: خصَّوا الاسم بالإعلال لأنَّه أخفُّ من الصِّفة، فكان أحمل للثِّقل، لأنَّ الإعلال ثِقَل، الواو ثقيلة أثقل من الياء، والصِّفة ثقيلة، لأنَّها تدل على معنى، والاسم خفيف، لأنَّه يدل على ذاتٍ فحسب، فحينئذٍ أيُّهما أولى؟ الخفيف يُعْطَى الثقيل، وأمَّا الثقيل فيبقى على حاله وهو الياء، إذاً قوله: (أَتَى الْوَاوُ بَدَلْ يَاءٍ مِنْ لامِ فَعْلَى) (بَدَلْ) هذا (فَعَل) مصدر، ولذلك تَعلَّق به قوله: (مِنْ لامِ) جار ومجرور مُتعلِّق بالمضاف، لماذا تَعلَّق به؟ لأنَّه مصدر، والمصدر من مُتعلَّقات الجار والمجرور. (لامِ) مضاف، و (فَعْلَى) قُصِدَ لفظه وهو مضافٌ إليه، (اسْماً) هذا حالٌ من (فَعْلَى)، يعني: لا وصفاً، فإن كان وصفاً خرج عن القيد، (كَتَقْوَى) وذلك (كَتَقْوَى) (تَقْوَى) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره: وذلك كَتَقْوَى. ثُمَّ استدرك لئلا يُظَن بأنَّ هذه القاعدة مُطَّردة في جميع المفردات قال: (جَا ذَا الْبَدَلُ غَالِبَاً) وليس بِمطَّردٍ. ثُمَّ قال: بِالْعَكْسِ جَاءَ لاَمُ فُعْلَى وَصْفَاً .. (بِالْعَكْسِ) هذا حالٌ مُقدَّم من فاعل (جَا)، النَّاظم يأتي تارةً بـ: (جَاء) إذا أمكنه ذلك، وتارةً يأتي بـ: (جَا)، وكلاهما لغةٌ، (جَاءَ) هذا فعل ماضي، (لاَمُ فُعْلَى وَصْفَاً) (لاَمُ) فاعل (جَاءَ)، وهو مضاف، و (فُعْلَى) قُصِدَ لفظه مضافٌ إليه، (وَصْفاً) هذا حالٌ من (لاَمُ فُعْلَى) .. حالٌ من الفاعل. (بِالْعَكْسِ) هذا حالٌ مُتقدِّم من فاعل (جَا) حال كونه (بِالْعَكْسِ)، والمراد (بِالْعَكْسِ) هنا: العكس اللغوي، يعني: خلافاً، يعني: تُبْدَل الواو الواقعة لاماً لـ: (فُعْلَى وَصْفَاً) ياءً، عكس ما سبق، الذي سبق: تُبْدَل الياء واواً، هنا تُبْدَل الواو ياءً، متى؟ إذا كان (فُعْلَى) لامه واواً .. إذا وقع (فُعْلَى) لامه واواً، (وَصْفَاً) فيما سبق قال: لـ (فُعْلَى وَصْفَاً) إن تكن عيناً بالوجهين .. إذا وقعت الياء عيناً لصفةٍ على وزن (فُعْلَى) فيها الوجهان، هذا فيما إذا وقعت الياء عيناً، وأمَّا هنا فالكلام في اللام، فلا يلتبس هذا بذاك، إذا وقعت الواو لاماً لـ: (فُعْلَى وَصْفَاً) احترازاً من الاسم، قُلِبَت الواو ياءً نحو: دُنْيا وعُلْيَا. وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرَاً لاَ يَخْفَى ..

(قُصْوَى) هذه لغة أهل الحجاز .. نطقوا بـ: (قُصْوَى)، أشار به إلى لغة الحجازيين في (قُصْوَى)، والقياس فيه: قُصِيا، بقلب الواو ياءً، وهذا الشُّذوذ هنا شاذٌّ قياساً قيل: فصيحٌ استعمالاً، هكذا عَبَّر ابن هشام في (الأوضح): شاذٌّ قياساً لكنه فصيحٌ استعمالاً، وهذا سبق التأكيد عليه مراراً بأنَّ الشَّاذ المراد به: ما خالف القواعد، وأمَّا كونه فصيح أو لا قد لا يكون كذلك، قد يكون في القرآن، وحينئذٍ نقول: هو فصيح، إذاً: فصيحٌ استعمالاً ونحكم عليه بكونه شاذًّ، ولا يلزم أن يكون شاذًّا أن يكون قليلاً وليس بفصيح، بل قد يكون فصيحاً ونحكم عليه بالشُّذوذ. وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرَاً لاَ يَخْفَى .. أشار به إلى لغة الحجازيين في (قُصْوَى)، والقياس فيه: قُصْيا، بقلب الواو ياءً، لأنَّه من باب: دنيا وعُلْيَا، وبنو تميم يقولون: قُصْيَا، على القياس. إذاً: تُبْدَل الواو الواقعة لاماً لـ: (فُعْلَى وَصْفَاً) ياءً نحو: دنيا، لأنَّها مأخوذةٌ من: الدُّنو، دنيا على وزن (فُعْلَى) الأصل: دُنْوَا، إذاً: اللام وقعت واواً. معنى البيت: أنَّ (لاَم فُعْلَى وَصْفَاً) بِضمِّ الفاء إذا كانت واواً أُبْدِلَت ياءً نحو: دُنْيَا وعُلْيَا، فأصلهما: دُنْوَا، واوٌ مفتوحة بعدها ألف: وعُلْوَا، لأنَّهما من الدُّنو والعُلوّ، وإنَّما أُبْدِلَت هنا أيضاً فرقاً بين الاسم والصِّفة .. ليس فيه موجبٌ لفظي، وهذا شأن الصَّرف عموماً، الأصل فيه: السَّماع .. أن يُحْفَظ: ما كان على كذا فَيُقْلَب واواً .. تنطق به واوا، أو ياءً، أو تقلب الواو ياءً، والعلل الغالب فيها أنَّها علل عليلة، ولذلك ليست كالنَّحو، النحو يفترق عن الصرف، الصرف أكثره مسائل تحفظ .. قواعد، وما عداه لا يُعَوَّل عليه. إذاً: (لاَمُ فُعْلَى وَصْفَاً) بضمِّ الفاء إذا كانت واواً أُبْدِلَت ياءً: دُنْيَا .. دُنْوَا، عُلْيَا .. عُلْوَا، وهذا نقول: مستعملٌ في لسان العرب، قُلِبَت الواو ياءً، (بِالْعَكْسِ) قلنا: هذا مُتعلِّق بمحذوف حال مُقدَّم من فاعل (جَاءَ)، (جَاءَ) فعل ماضي، و (لاَمُ فُعْلَى) فاعل، و (وَصْفَاً) حالٌ. وَكَوْنُ قُصْوَى نَادِرَاً لاَ يَخْفَى .. (كَوْنُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (قُصْوَى) مضافٌ إليه .. من إضافة الكون إلى اسمه، و (نَادِرَاً) هذا خبر الكون، و (لاَ يَخْفَى) خبر المبتدأ، وأشار به إلى لغة الحجازيين، وهو كأنَّهم نطقوا بـ: (قُصْوَى) والقاعدة أنَّه: قُصيا، وبنو تميم نطقوا به على القياس، وليس ثَمَّ عِلَّةٌ أو موجبٌ لفظي يُعَلَّق عليه الحكم، وإنَّما هو السَّماع فحسب، وعَلَّلوه بالفرق بين الاسم والصِّفة. وشذَّ قول أهل الحجاز: (القُصْوَى)، فإن كانت (فُعْلَى) اسماً سلمت الواو كـ: حُزوى، لأنَّه قَيَّده بقوله: (وَصْفَاً)، إن كان اسماً حينئذٍ بقي على أصله ولم تُعلَّ الواو. ثُمَّ قال النَّاظم: (فَصْلٌ). إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا ... وَاتَّصَلاَ وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيَا فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ مُدْغِمَا ... وَشَذَّ مُعْطىً غَيْرَ مَا قَدْ رُسِمَا هذا الفصل ذكر فيه مسألتين فقط:

المسألة الأولى: إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة، وسبقت إحداهما بالسُّكون - مرت معنا مراراً، فالقاعدة تحفظ والأمثلة كثيرة جداً -، إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة، وسبقت إحداهما بالسُّكون حينئذٍ تقلب الواو ياءً، ثُمَّ تُدْغِم الياء في الياء. المسألة الثانية أيضاً شهيرة: وهي قلب الواو أو الياء ألفاً: قَوَلَ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً، (بَيَعَ) تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً، وسيذكر لها عشرة شروط في الأبيات الآتية. إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا .. (إِنْ) شرطية، و (يَسْكُنْ) فعل مضارع، (السَّابِقُ) هذا فاعله، (إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ) إذاً: قَيَّده، هذا أول قيد: أن يكون السابق ساكناً، (مِنْ وَاوٍ وَيَاءٍ) (مِنْ وَاوٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَسْكُن)، (وَيَاءٍ) معطوف على (وَاوٍ)، إذاً: إن يسكن واحدٌ من هذين إمَّا الواو وإمَّا الياء. (وَاتَّصَلاَ) (اتَّصَلاَ) فعل ماضي، والألف هذه فاعل تعود إلى الواو والياء، (اتَّصَلاَ) معطوف على (يَسْكُنْ) لأنَّه شرط، (وَمِنْ عُرُوضٍ) (عُرُوضٍ) هذا مصدر: عَرَضَ، (وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيَا) (عَرِيَا) أيضاً الألف هنا فاعل، (وَمِنْ عُرُوضٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (عَرِيَا) والألف فاعل. (فَيَاءً) الفاء واقعة في جواب الشَّرط: إِنْ يَسْكُنِ فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ .. يعني: فاقْلِبَنَّ الْوَاوَ ياءً، إذاً: اجتمعت الواو والياء، وسبق إحداهما بالسُّكون، واتَّصلا في كلمةٍ واحدة لا في كلمتين، حينئذٍ وجب قلب الواو ياءً، (مُدْغِمَاً) هذا حال من فاعل (اقْلِبَنَّ)، (اقْلِبْ) فعل أمر مبنيٌّ على الفتح، والنون هذه نون التوكيد الثقيلة، (اقْلِبَنَّ الواوَ ياءً)، ولذلك تَقَدَّم عليه المفعولان، وهذا عند كثيرٍ من النُّحاة أنَّه يُعْتَبَر من باب الضَّرورة، لأنَّ الفعل المؤكَّد لا يَتَقَدَّم عليه عامله. (مُدْغِمَاً) هذا حالٌ من فاعل (اقْلِبْ) مستتر .. اقلب أنت، والنون هذه للتَّوكيد ليست بفاعل، فعل الأمر فاعله يكون مستتراً دائماً .. واجب الاستتار، ولذلك لا يرفع اسماً ظاهراً، (مُدْغِمَاً) الألف هذه بدلٌ عن التَّنوين، لأنَّه حال منصوب، (مُدْغِم) اسم فاعل: أَدْغَمَ يُدْغِمُ مُدْغَمَاً، الإدغام سيأتي حَدُّه في آخر باب. (مُدْغِمَاً) هذا حالٌ من فاعل (اقْلِبَنَّ)، إذاً: تقلب الواو ياءً، ثُمَّ تدغم الياء في الياء، لأنَّ المسألة مفروضة في اجتماع واوٍ وياء، تقلب الواو ياء، إذاً: اجتمع عندنا مثلان فوجب الإدغام.

إذاً بهذه الشروط: (إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ) فإن كان مُتحرِّكاً فلا .. لا تُبْدِل الواو ياءً .. تبقى على أصلها، تصح إذا كانت مُتحرِّكة، فإن كان السَّابق مُتحرِّكاً نحو: طويل (فَعِيل) اجتمع عندنا واو وياء في كلمة واحدة، واتَّصلا .. لم يفرق بينهما فارق .. لم يفصل بينهما فاصل، هل نُدْغِم .. هل نَقْلِب؟ الجواب: لا، لأنَّ الشَّرط: أن يكون الأول منهما ساكن، وهنا الأول منهما مُتحرِّك وهو: طَوِيل، بكسر الواو على وزن (فَعِيل)، (غَيُور) (فَعُول) اجتمعت الواو والياء في كلمة واحدة، واتَّصلا، هل تُقْلَب الواو ياء؟ لا تُقْلَب، لأنَّ الشَّرط: أنَّ الأولى تكون ساكنة، وهنا مُتحرِّكة بالضَّمَّة. إذاً: (إِنْ يَسْكُنِ) هذا شرطٌ فلا بُدَّ من تحقيقه، فإن لم يسكن بأن كان مُتحرِّكاً كـ: طويل أو غيور، حينئذٍ لا نقلب الواو ياءً، بل تصحُّ كما هو الشَّأن فيما ذكرناه من المثالين: طويل وغيور، فوجب التَّصحيح. إِنْ يَسْكُنِ السَّابِقُ مِنْ وَاوٍ وَيَا .. (وَيَا) قصره للضرورة، قلنا: (يَا) الأصل أنَّه بالهمز، فيقصره كثيراً ابن مالك هنا كغيره للضَّرورة، (وَاتَّصَلاَ) هذا شرطٌ ثاني (وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيَا) سيأتي هذا شرحه، (فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ) فاقْلِبَنَّ الْوَاوَ ياءً، هذه تعكسها في القراءة. فَيَاءً الْوَاوَ اقْلِبَنَّ (مُدْغِمَاً) حال كونك مُدْغِمَاً .. مُدْغِمَاً الواو التي قلبتها ياءً في الياء. وَشَذَّ مُعْطىً غَيْرَ مَا قَدْ رُسِمَا .. معنى البيتين: أنَّه إذا اجتمع في كلمةٍ واحدة واوٌ وياء، وسكن أولهما وجب إبدال الواو ياءً وإدغامها في الياء، وذلك بشرطين: الأول: أن يكونا مُتَّصلين، وأشار إليه بقوله: (وَاتَّصَلاَ) الألف هنا فاعل تعود إلى الواو والياء، (اتَّصَلاَ) يعني: في كلمة واحدة، فإن انفصلا في كلمتين ولو كانت الأولى ساكنة، لم تُقْلَب الواو ياء، لو قال: أخو يزيد .. أخو ياسر، هنا اجتمع واو وياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون، هل تُقْلَب الواو ياء؟ الجواب: لا، لانتفاء الشَّرط الثاني: وهو الاتصال. إذاً: أخو ياسر، الواو والياء اجتمعا وسبقت إحداهما بالسُّكون فلا تُقْلَب الواو ياءً، لفقد شرط الاتصال، إذاً: فلو كان أولهما في كلمة وثانيهما في كلمة أخرى لم تُبْدَل، (بني واقد) هنا اجتمع واو وياء وسبقت إحداهما بالسُّكون، لا تقلب الواو ياءً لكونهما في كلمتين، والشَّرط: أن يكونا في كلمة واحدة. إذاً: في مثل: أخو يزيد، أو أخو ياسر، وبني واقد، نقول: وجب التَّصحيح لانتفاء الشَّرط الثاني، كما أنَّه وجب التصحيح في: طويل وغيور، لانتفاء الشَّرط الأول وهو السَّبق بالسُّكون. الشَّرط الثاني: ألا يكون اجتماعهما عارضاً، لأنَّه قال: وَاتَّصَلاَ وَمِنْ عُرُوضٍ عَرِيَا .. يعني: ألا يكون السُّكون عارضاً، وألا يكون الاتصال عارضاً، يعني: ألا يكون صورياً، فإن كان صورياً فلا، لا بُدَّ أن يكون الاتصال حقيقي، ولا بُدَّ أن يكون السُّكون حقيقي. ألا يكون اجتماعهما عارضاً، وَشَمِل صورتين:

- أولاً: عروض السُّكون، مَثَّل له ابن هشام في: (الأوضح) بـ: قَوْي، أصله: (فَعِلَ) قَوْي تخفيفاً قد يُسَكَّن فتقول: قَوْي، حينئذٍ اجتمع عندنا واو وياء وسبقت إحداهما بالسُّكون، لكن السُّكون هنا غير أصلي، هذا سكون من عارض، إذاً: لم يَعْرَ عن عروض السُّكون، هل تُقْلَب الواو ياء؟ لا تُقْلَب، مع كونه في الظَّاهر اجتمع عندنا واو وياء في كلمة واحدة، وسبقت إحداهما بالسُّكون، حينئذٍ نقول: قَوْي، أصله: (فَعِلَ) وَأُسْقِطَت حركة العين التي هي الواو طلباً للخفَّة، (عِلْمَ) كما سبق معنا، حينئذٍ نقول: هذا السُّكون عارض فلا تُقْلَب الواو ياءً. إذاً: عروض السُّكون نحو: قَوْي، بسكون الواو طلباً للخِفَّة. - والأخرى عروض الحرف: أن يكون الحرف عارضاً نحو: الرُّويا، هذا بتخفيف الهمزة، (الرؤيا) نقول: هنا همزة، خُفِّفَت بحذف الهمزة صارت واواً: الرويا، إذاً: اجتمع عندنا واو وياء، وسكنت الواو .. سبقت إحداهما بالسُّكون، هل تُقْلَب الواو ياء؟ الجواب: لا، لا تُقْلَب الواو ياءً، سُمِع (الرُّويَّا) هذا يُعْتَبَر شاذًّا: (إِنْ كُنتُمْ لِلرُّويَا تَعْبُرُونَ). (الرُّوْيَّا) هذا شاذ لكونه أبدل الواو، هي ساكنة، لكن سكونها عارض .. هنا في عروض الحرف، الواو هذه ليست واواً، وإنَّما هي في الأصل: همزة، خُفِّفَت الهمزة فَقُلِبَت واواً. والأخرى: عروض الحرف نحو: الرُّويا، بتخفيف الهمزة وإبدالها واواً، وَرُويا كذلك، أصله: رؤية، نفس السَّابقة لكن بالتَّاء. إذاً: هذان شرطان: - الأول: أن يكونا مُتَّصلين في كلمة واحدة، فإن وقعا في كلمتين ولو كانت أولاهما السَّابقة ساكنة لا تُقْلَب واواً البتَّة، وهذا محل وفاق. - الشرط الثاني: ألا يكون اجتماعهما عارضاً، وهذا يشمل صورتين: أولاً: عروض السُّكون، والثاني: عروض الحرف، لأنَّ الحرف الأول قد لا يكون واواً، وإنَّما في الظَّاهر في اللفظ يكون واواً، وفي الحقيقة ليس بواوٍ. إذاً: لا بُدَّ من استيفاء هذين الشَّرطين، وَشَمِل ما استوفى الشروط صورتين: الأولى: تَقدُّم الياء على الواو، لأنَّه إذا قيل: اجتمعت الواو والياء .. لا بُدَّ من اجتماع الواو والياء، عقلاً ولغةً أنَّهما قد تَتَقدَّم الياء على الواو أو بالعكس، وكلاهما تنطبق عليه القاعدة يعني: الواو تُقْلَب ياءً سواءٌ تَقَدَّمت الواو على الياء أو بالعكس، إذاً شمل: إذا استوفى الشروط .. الشرطيين السابقين، شمل صورتين: تَقدُّم الياء على الواو نحو: سيد، سيد على المرجح أصله: سَيْوِد (فَيْعِل) اجتمع عندنا في كلمة واحدة الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون، فَقُلِبَت الثانية .. الواو، إذاً: تَقَدَّمت الياء هنا على الواو، ميت .. ميوِت (فَيْعِل) اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون فَقُلِبَت الواو ياءً فأُدْغِمَت الياء في الياء صار: مَيِّت، وَيُخَفَّف في لغة: مَيْتٌ، تخفيف إحدى اليائيين: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)) [الزمر:30] هكذا جاء في القرآن. إذاً: مَيِّت، أصله: ميوت، على وزن (فَيْعِل) هنا تَقَدَّمت الياء على الواو، والياء ساكنة فَقُلِبَت الواو التي بعد الياء ياءً، ثُمَّ أُدْغِمَت الياء في الياء.

الصورة الثانية عكسها: تَقَدُّم الواو على الياء، نحو: مَرْمِيٌّ، أصله: مرمُوي، على وزن (مفعول)، اجتمعت واو وياء، الواو هذه واو (مفعول) وهذا سيأتي في آخر البحث، حينئذٍ ما كان على وزن (مفعول) وكانت اللام هنا واو، حينئذٍ اجتمعت الواو والياء، وسبقت الواو وهي ساكنة فوجب قلب الواو ياءً، ثُمَّ وجب أيضاً .. عندنا وجوبان .. حكمان: الأول: وجوب قلب الواو ياء، ثُمَّ يجب إدغام الياء الأولى في الياء الثانية، صار: مَرْمِيٌّ، إذاً: (مَرْمِيٌّ) هذا فيه حرفٌ أصلي .. حرفٌ يعني: منقلب عن حرف، ثُمَّ أُدْغِم في الياء. إذاً: مَرْمِيٌّ، تَقَدَّمت الواو هنا على الياء، وَطَيٌّ، أصله: طَوْيٌ، لأنَّه من: طويت، طَوْيٌ على وزن (فَعَلْ) اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون فوجب قلب الواو ياءً، ثُمَّ وجب إدغام الياء في الياء، كذلك: لَيٌّ، مصدر: لويت، كما أنَّ: طَيٌّ، هذا مصدر: طَوَيْتُ .. طَوَيْتُ طَيَّاً، ولويتُ لَيَّاً، وأصلهما: طَوْيٌ، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون، فوجب قلب الواو ياءً، ثُمَّ وجب إدغام الياء في الياء. (اقْلِبَنَّ الْوَاوَ يَاءً مُدْغِمَاً) (وَشَذَّ مُعْطًى)، (شَذَّ) فعل ماضي، و (مُعْطىً) هذا فاعل، والأصل أنه يَتَعدَّى إلى مفعولين .. (أعطى) يَتَعدَّى إلى مفعولين، وهنا (مُعْطَى) هذا اسم مفعول، حينئذٍ نائب الفاعل ضمير مستتر، و (غَيْرَ) هذا مفعولٌ ثاني لـ: (مُعْطىً) وهو مضاف، و (مَا) مضافٌ إليه، اسم موصول بِمعنى: الذي، و (قَدْ رُسِمَا) قد ثَبَت أو لُفِظَ أَوْ خُطَّ أَوْ قُعِّدَ أَوْ أُصِّلَ، والألف هذه للإطلاق، (قَدْ) هنا للتحقيق، وجملة (قَدْ رُسِمَا) لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (رُسِمَا) الضمير هنا نائب الفاعل يعود على (مَا). إذاً: (شَذَّ مُعْطَى) لأنَّه خالف هذا القياس السابق، والشَّاذ هنا في هذا المقام يشمل ثلاث صور، هكذا مَثَّله ابن هشام في: (الأوضح): ما شَذَّ فيه الإبدال، يعني: ما خرج عن هذه الشروط السابقة: واوٌ وياء سكنت أولاهما .. اجتمعا في كلمةٍ واحدة .. اتَّصلا، وكان السُّكون حقيقي لا عارض، وكانت الواو الحرف الأول أو الثاني، كذلك حقيقي ليس بعارض، شَذَّ منه ثلاثة صور: ما شَذَّ فيه الإبدال لكونه لم يستوف الشروط، يعني: حصل إبدالٌ بقلب الواو ياءً وإدغام الياء في الياء، ولم يستوف الشروط مثل ما ذكرته: الرُّويَّا .. (إِنْ كُنتُمْ لِلرُّويَّا تَعْبُرُونَ) (رُويَّا) قلنا: الواو هذه عارضة، أصلها: رؤيا، ليس عندنا واو وياء، وإنَّما خُفِّفَت الهمزة فصارت واواً: رويا، ثُمَّ جاء طَبَّق القاعدة على هذه الواو: وهو أنَّها سكنت، واجتمعت واو وياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون، فَقُلِبَت الواو ياءً فَأُدْغِمَت الياء في الياء فقيل: الرُّويَّا (إِنْ كُنتُمْ لِلرُّويَّا تَعْبُرُونَ) هكذا قرئ في بعضها.

الثاني: ما شَذَّ فيه التَّصحيح مع استيفاء الشُّروط، يعني: وُجِدَت الشُّروط وصَحَّت الواو، يعني: لم يحصل قلبٌ، كقولهم للسَّنَّور: ضَيْوَن، اسمٌ له، ضَيْوَن كلمة واحدة .. اجتمعت فيها الواو والياء، وسبقت الياء هنا بالسُّكون، والأصل: أن تُقْلَب الواو ياء، ثُمَّ تُدْغَم الياء في الياء، لكن ما حصل هذا، نقول: هذا شاذ، لاستيفاء الشُّروط وانتفاء المشروط، وما هو المشروط؟ قلب الواو ياءً، هذا شاذ يُحْفَظ ولا يقاس عليه. و (أَيْوَم) (أَفْعَل) كذلك مثل ما سبق: ضَيْوَن، هنا (أَيْوَم) اجتمعت الواو والياء وسبقت الياء هنا بالسُّكون، فلم تُقْلَب ولم تُدْغَم، نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يقاس عليه، إذاً: شذوذٌ من حيث القلب والإدغام مع عدم استيفاء الشُّروط، وشذوذٌ بالعكس: استوفيت الشُّروط ولم يحصل القلب. الثالث: ما شَذَّ فيه إبدال الياء واواً، والقاعدة: إبدال الواو ياء، هنا لا .. قُلِبَت الياء واواً، والأصل: أن تُقْلَب الواو ياء، وَتُدْغَم الياء في الياء، هذا شَذَّ بقلب الياء واواً، عكَسَ القاعدة، نقول: هذا شَاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه، ولو استوفيت الشُّروط، لأنَّ الأصل: أن تُقْلَب الواو ياءً، لا أن تُقْلَب الياء واواً، فإن قُلِبَت الياء واواً، نقول: هذا شَاذٌّ ولو استوفيت الشُّروط، يُحْفَظ ولا يقاس عليه، عوى الكلب عَوَّةً، أُبْدِلَت الياء واواً، وأُدْغِمَت الواو فيها: عَوَّةً، الأصل: عَيْوَة، فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسُّكون فَقُلِبَت الياء واواً، ثُمَّ أُدْغِمَت الواو في الواو، نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقَاس عليه. إذاً قوله: (وَشَذَّ) في كلام النَّاظم دخل تحته ثلاث صور. قال الشَّارح: "إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة، وسبقت إحداهما بالسكون، وكان سكونها أصلياً " لا عارضاً، أُبْدِلَت الواو ياءً، وأدغمت الياء في الياء، وذلك نحو: سيد وميت، والأصل: سَيْوِد (فَيْعِلْ)، وبعضهم يرى أنَّه: سَوْيِد (فَعْيِل) لكن المشهور هو الأول أنَّه (فَيْعِل) لا (فَعْيِل) كذلك: مَيْوِت (فَيْعِل)، وبعضهم يرى أنَّه: مَوْيِت (فَعْيِل)، يعني: هل تَقدَّم الواو والياء على العين أم تَأخرَّت؟ الظَّاهر أنَّه تَقدَّمت (فَيْعِل)، لأنَّ (فَيْعِل) موجود .. (بَيْطَر)، وأمَّا (فَعْيِل) هذا قليل، والحمل عليه لا يسوغ. فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فَقُلِبَت الواو ياءً، وَأُدْغِمَت الياء في الياء فصار: سيد وميت، فإن كانت الياء والواو في كلمتين لم يُؤَثِّر ذلك: يُعْطِى واقد، اجتمعت الواو والياء لكن في كلمتين، كُلٌّ منهما مُتَّصِلة في الظَّاهر، وكذا إن عرضت الياء أو الواو للسكون كقولك: رُؤية .. رُوْية، وفي (قَوِي) (فَعِل) سَكِّن الواو: قَوْيَ، حينئذٍ اجتمعت واو وياء، وسكنت أولاهما، لا تُقْلَب هنا، لأنَّ السكون هنا عارض، هذا من باب التخفيف ليس أصلياً. وشذ التصحيح في قولهم: يَوْمٌ .. أيْوُم (أَفْعُل) أيْوُم بِضمِّ الواو، وشَذَّ أيضاً إبدال الياء واواً في قولهم: عَوَى الكلب عَوَّةً، هذا يُعْتَبَر شَاذًّا، يُحْفَظ ولا يقاس عليه.

إذاً القاعدة: أنَّه إذا اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسُّكون، واتَّصلا في كلمةٍ واحدة ولم يكن في كلمتين، وكان السُّكون أصلياً لا عارضاً، وكان الحرفان أصليين لا عارضين، حينئذٍ وجب قلب الواو ياءً لا الياء واواً، ثُمَّ وجب حكمٌ آخر: وهو إدغام الياء في الياء، والمثال ما ذكرناه. ثُمَّ انتقل إلى المسألة الثانية: وهي قلب الياء ألفاً، دائماً يمر معنا: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، فوجب قلب الواو ألفاً .. تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، فوجب قلب الياء ألفاً، ولها عشرة شروط، وهي على نوعين: شروطٌ وجودية، وشروط عدمية. - شروطٌ وجودية، لا بُدَّ من وجودها كالتَّحرُّك. - وشروط عدمية: ألا يكون كذا .. ألا يكون كذا. قال النَّاظم - رحمه الله تعالى -: مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ ... أَلِفاً ابْدِلْ بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ إِنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإِنْ سُكِّنَ كَفّْ ... إِعْلالَ غَيْرِ اللاَّمِ وَهْيَ لاَ يُكَفّْ إِعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ غَيْرِ أَلِفْ ... أَوْ يَاءٍ التَّشْدِيدُ فِيهَا قَدْ أُلِفْ مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ .. (أُصِلْ) هذا مُغيَّر الصيغة، بِضَمِّ الهمزة على وزن (ضُرِبَ)، (أُصِلْ أَلِفاً إبْدِلْ) أو (أَبْدِلْ) .. الهمزة ما نوعها؟ قطع، لماذا؟ مَصدَرُه الإبدال .. إكرام إفعال، إذاًَ: الهمزة همزة قطع، لَكنَّه وصلها هنا للضَّرورة. (أَبْدِلْ مِنْ وَاوٍ أوْ يَاءٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ أَلِفاً) (أَلِفاً) هذا مفعول مُقدَّم لقوله: (أَبْدِلْ) أبدل من واوٍ أو ياءٍ مُحرَّكين تحريكاً أصلياً، (أَلِفاً بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) هذه كلها شروط: الشرط الأول: أن يكونا مُحرَّكين (مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ) .. مُحرَّكين، ثُمَّ هذا التَّحريك أصلي لا عارض، ثُمَّ أن يكون (بَعْدَ فَتْحٍ)، وأن يكون (مُتَّصِلْ) .. ألا يكون الفتح هنا عارضاً، بل يكون مُتَّصلاً بالواو أو الياء، يعني: أن يكون ما قبله مفتوحاً .. (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) تَحرَّكت الواو وَفُتِحَ ما قبلها، إذاً: ما قبلها هو الذي يكون بعد فتحٍ مُتَّصلٍ. (مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ) (مِنْ يَاءٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (أَبْدِلْ)، (أَوْ) للتَّنويع، (وَاوٍ) معطوف على (يَاءٍ)، (بِتَحْرِيكٍ) هذا جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف نعت للياء وما عُطِف عليها، كأنه قال: من واوٍ أو ياءٍ مُتحرِّكين لا ساكنين، (بِتَحْرِيكٍ) هذا نعتٌ للياء وما عُطِفَ عليه، أي: مُتحرِّكين. مفهومه: إن كانا ساكنين فلا تُبْدِل، (بِتَحْرِيكٍ أُصِلَ) (أُصِلَ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مُستتر يعود على التَّحريك السَّابق .. (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ)، يعني: بتحريكٍ مُتَأَصِّل لا عارض: أبدل من ياءٍ أو واوٍ ألفاً، إذاً: هذه من مواضع إبدال الواو أو الياء ألفاً. (بَعْدَ فَتْحٍ) هذا مُتعلِّق بقوله: (أَبْدِلْ) منصوبٌ على الظرفية، و (بَعْدَ) مضاف، و (فَتْحٍ) مضاف إليه، (مُتَّصِلْ) هذا نعت لـ: (فَتْحٍ)، يعني: أنَّه يجب إبدال الواو والياء المفتوح ما قبلها ألفاً، هذا الحكم الأصلي، وذلك بشروط: أولاً: ذكَر في هذا البيت شرطين:

- أن يكون التحريك أصلياً - إذا جعلناهما شرطاً واحداً -، أن يكون التحريك أصلياً فإن كان التَّحريك عارضاً فحينئذٍ لا تُبْدَل الواو ياءً مثل: تَوَم، أصله: تَوْأَمَ، أُرِيد تخفيفه: تَوْ .. إذاً: الواو ساكنة في الأصل، (تَوْأَمَ) أُرِيد تخفيفه بحذف الهمزة، ومعلومٌ أنَّ الهمزة لا تُحْذَف إلا بعد إسقاط حركتها على ما قبلها إذا كانت ساكنة، حينئذٍ أُلْقِيَت حركة الهمزة على الواو، ثُمَّ حُذِفَت الهمزة فقيل: تَوَمٌ. إذاً نقول: هذه الواو مُحرَّكة .. في اللفظ مُحرَّكة، لكن هل حركتها أصلية؟ الجواب: لا، كذلك (جَيَلَ) أصله: جَيْأَلَ، فُعِل به ما فُعِل بسابقه، فحينئذٍ هذه الياء في الأصل ساكنة: جَيْأَلَ، أُرِيد تخفيفه بإسقاط الهمزة، فَأُلْقِيَت حركتها على ما قبلها وهو الياء صار: جَيَل، ثُمَّ حُذِفَت الهمزة. إذاً: تَوَمَ وجَيَل، تَحرَّكت الواو هنا، هل نقول: تَوَمَ، تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً؟ الجواب: لا، لأنَّ شرط تحريك الواو: أن يكون أصلياً وهذا التَّحريك عارض، و (جَيَلَ) كذلك لا يُقَال: تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، لأنَّ شرط تحقيق القلب: أن تكون حركة الياء أصلية لا عارضة. إذاً أصلهما: تَوْأَم وَجَيْأَل، فَنُقِلَت حركة الهمزة إلى الواو والياء فلم يُقْلَبَا، لأنَّ الحركة عارضة فهي غير أصلية، هذا الأول. الثاني: أن تكون الواو والياء مُتَّصلتين بالفتحة، قال: (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) وهذا شَمِل صورتين: الصورة الأولى: أن يكون الفاصل ظاهراً، يعني: ملفوظاً به: واوٌ، الواو الثانية تَحرَّكت، هل نقول: انفتح ما قبلها وهو الواو الأولى فوجب قلب الثانية ألفاً؟ الجواب: لا، لوجود الفاصل، إذاً لم يَتَّصل الواوٌ المُحرَّك بالفتح .. التي تَحرَّكت لا يُشْتَرط أن يكون مُحرَّكاً بالفتح، الذي قبله هو الذي يَتَعيَّن أن يكون مفتوحاً، فلا نقول: تَحرَّكت الواو وَفُتِحَ ما قبلها، والألف هذه ساكنة وحاجز غير حصين، نقول: لا، هذه الألف ملفوظٌ بها، فحينئذٍ يَتَعيَّن أن تبقى الواو على حالها، كذلك: زاي، هل نقول: تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها؟ نقول: لا، لوجود الفاصل الملفوظ به. الثاني: أن يكون الفاصل مُقدَّراً، قالوا: عُلَبِط، أصلها: عُلابِطْ، حصل تخفيفٌ بحذف الألف، إذا قيل: ائتِ بالغزو والرمي، على وزن (عُلَبِطْ) فتقول: رُمَيِيْ بياءين .. (غُزَوِي) والأصل: رُمَيِي وغُزَوِي، وفي الغزو تقول: (غُزَوِي) .. (عُلَبِطْ). فَأُعِلَّت الياء والواو الأخيرتان بحذف حركتهما كإعلال سائر المنقوصات، ولم تُقْلَب الواو ولا الياء الأولى، لماذا؟ لأنَّك تقول: رُمَيِي .. غُزَوِي، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، هل تُقْلَب ألفاً؟ الجواب: لا، لأنَّ ثَمَّ فاصل بين الزاي والواو: (عُلَابِطْ .. غُزَاوِو) هذا الأصل، إذاً: الزاي المفتوحة والواو التي بعدها تَحرَّكت، بينهما فاصلٌ مُقدَّر. للفاصل بين الفتحة والحرف وهو الألف، لأنَّ الأصل: رُمَايِي (عُلابِطْ)، وَغُزَاوِو كـ: (عُلَبِطْ) أصله: (عُلابِطْ) فَحُذِفَت الألف تخفيفاً، وهي مُقدَّرة فمنعت من القلب. إذاً:

مِنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ .. يُشْتَرط: أن يكونا مُحرَّكين تحريكاً أصلياً لا عارضاً، (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) يعني: أن يكون الفتح الذي قبل الواو أو الياء مُتَّصلاً بهما، يعني: ليس بينهما فاصل لا لفظي ولا مُقدَّر، (بَعْدَ فَتْحٍ) هنا عَيَّن الفتح، وقال: (بِتَحْرِيْكٍ) ماذا نأخذ؟ أنَّ الواو إذا تَحرَّكت بمطلق الحركة: كسرة أو فتحة أو ضَمَّة، والياء مثلها، وأمَّا ما قبلها تَعيَّن فيه الفتحة، فإن لم يكن مفتوحاً فلا. إذاً: (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) أي: مفتوحٌ ما قبلهما، سواءٌ كانا لام كلمة أو غيرها. ثُمَّ قال: إِنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإِنْ سُكِّنَ كَفّْ ... إِعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ. . . . . . . وَثَمَّ شرطٌ آخر تختلف فيه اللام وغيرها، أشار إليه بقوله: (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي). إِنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإِنْ سُكِّنَ كَفَّ ... إِعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ. . . . . . . (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) ما هو (التَّالِي)؟ يعني: ما بعد الواو أو الياء، فإن سُكِّن حينئذٍ فيه تفصيل، (وَإِنْ سُكِّنَ كَفَّ) منع (إِعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ)، وأمَّا اللام ففيها تفصيل، أمَّا العين تُمْنَع. (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) يعني: يُشْتَرط (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلٍ) وما بعد الواو أو الياء مُحرَّك، كما تقول: قَوَلَ، الكلام هنا في اللام، قَوَلَ تَحرَّك ما قبلها بالفتح، وكذلك ما بعدها مُحرَّك: بَيَعَ، تَحرَّكت الياء وَفُتِح ما قبلها، وما بعدها كذلك مُحرَّك، فإن كان ساكناً حينئذٍ (كَفَّ غَيْر إِعْلالَ اللاَّمِ)، وأمَّا اللام ففيها تفصيل، (إِعْلالَ غَيْرِ اللاَّمِ) كالعين. (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا شرطٌ، حينئذٍ مفهومه: إِنْ سُكِّنَ فلا تقلب .. إِنْ سُكِّنَ التالي ما بعد الواو أو الياء فلا تقلب، هذا المفهوم، لَكنَّه فَصَّل فيه فقال: (وَإِنْ سُكِّنَ) يعني: التالي، الضمير يعود على (التَّالِي)، (كَفَّ) هذا جواب (إِنْ) الشرطيَّة، (كَفَّ) يعني: منع الإعلال، إذاً إذا سُكِّن ما بعد الواو أو الياء فالأصل: المنع، يعني: لا تُقْلَب الواو ألفاً، ولا تُقْلَب الياء ألفاً. كَفَّ إِعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ .. وأمَّا اللام ففيها تفصيل، يعني: أنَّ إعلال الياء والواو بالإعلال المذكور إذا كانا غير لامين مشروطٌ: بأن يَتَحرَّك تاليهما، الإعلال السابق. مِنْ وَاوٍ اوْ يَاءٍ بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ ... أَلِفاً ابْدِلْ بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ إِنْ حُرِّكَ التَّالِي. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . هذا شرطٌ فيه: لا بُدَّ أن يَتَحرَّك ما بعدهما .. أن يكون مُحرَّكاً بأي حركة. أن إعلال الياء والواو بالإعلال المذكور إذا كانا غير لامين مشروطٌ: بأن يَتَحرَّك تاليهما نحو: قام وباع واختار. فإن سُكِّن التالي منعَ إعلال غير اللام مُطلقاً، لماذا؟ لأنَّ الأصل في اللام أن تكون آخراً، إلا ما سيذكره من الألف الساكنة وغيرها.

منع (إِعْلاَلَ غَيْرِ اللاَّمِ) مُطلقاً، وَشَمِل العين نحو: بيان، بيان هنا ياءٌ مُتحرِّكة، وَفُتِحَ ما قبلها في كلمة واحدة مُتَّصِلة، والحركة أصلية، ولم تُقْلَب الياء ألفاً، لانتفاء الشَّرط، وهو: تحريك ما بعد الياء، لأنَّه ساكن، فإذا سكن ما بعد الياء حينئذٍ صَحَّت الياء، هذا في العين .. واضح .. بيان، وطويل وغيور، وغيرها نحو: خَوَرْنَق، خَوَرْنَق ماذا حصل هنا؟ خَوَرْ .. واوٌ تَحرَّكت وانفتح ما قبلها، وَسُكِّن ما بعدها، هل الواو هنا عين؟ ليست بعين، في (بيان) الياء عين، (وَخَوَرْنَق) الواو هنا ليست عيناً، إذاً مُطلقاً، سواءٌ كانت عيناً أم لا، إذا لم يَتَحرَّك ما بعد الواو أو الياء فامنع .. كُفَّ الإعلال، إلا إذا كان لاماً على التفصيل الذي سيذكره. إِنْ حُرِّكَ التَّالِي وَإِنْ سُكِّنَ كَفّْ ... إِعْلالَ غَيْرِ اللاَّمِ. . . . . . . . . إذاً: (غَيْرِ اللاَّمِ) يشمل ما إذا كان عيناً نحو: بيان، أو ليس بعينٍ نحو: خَوَرْنَق، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها ولم تُقْلَب الواو ألفاً، لعدم تحريك تاليها. (وَهْيَ) أي: اللام .. هنا فصَّل في اللام، أمَّا غير اللام (كَفَّ) لا تُعَلّ، سواءٌ كانت عيناً أم لا، وأمَّا اللام فقال: . . . . . . . . .. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . وَهْيَ لاَ يُكَفّْ إِعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ غَيْرِ أَلِفْ ... أَوْ يَاءٍ التَّشْدِيدُ فِيهَا قَدْ أُلِفْ يعني: بغير ألفٍ ساكنة، وبغير ياءٍ مُشدَّدة، يعني: أن لام الكلمة إذا كانت واواً أو ياءً مُتَحَرِّكتين بعد فتحةٍ وبعدهما ساكن حينئذٍ يأتي التفصيل: غير اللام منع .. كفَّ (مُطلقاً، وأمَّا اللام ففيه تفصيل: إمَّا أن يكون الساكن ألفاً: رميا .. غزوا، وإمَّا أن يكون ياءً مُشدَّدة، وإمَّا ألا يكون ألفاً ولا ياءً، فإن كان غير الألف والياء المُشدَّدة لم يَكُفَّ الإعلال، فالإعلال باقٍ ولو كان ساكناً، أمَّا الألف والياء المُشدَّدة فَتَكُفُّ الإعلال. إذاً: اللام إن تلاها ساكنٌ فيه تفصيل: إمَّا أن يكون ألفاً أو ياءً مُشدَّدة، لأنَّ الياء المُشدَّدة أولها ساكن، أو لا يكون ألفاً ولا ياءً مُشدَّدة، حينئذٍ إن كان غير الألف لم يَكُفَّ الإعلال نحو: رَمَو وغزَو، ماذا حصل؟ أصلها: رميا، اتَّصلَت بها الواو صار: رمَيُوا .. (فَعَلُو) .. ضربوا، رمَيُوا، إذاً اتَّصَلَ هنا اللام وهي مُعلَّة، اتَّصلَت بماذا؟ تلاها ساكن وهو الواو، هل منع إعلال الياء؟ (رَمَوْ) الواو هذه فاعل، أصلها: رَمَيُوا، إذاً: اللام مُعلَّة، نقول: تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً: رماو، التقت الألف الساكنة مع الواو الساكنة فَحُذِفَت الألف، إذاً: هل الواو منعت إعلال اللام؟ الجواب: لا، هنا أُعِلَّت اللام مع كونه لم يوجد الشَّرط: (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي)، و (التَّالِي) هنا لم يُحَرَّك، حينئذٍ (رَمَيُو) تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلب الياء ألفاً فقيل: رَمَاو، التقى ساكنان الألف والواو فَحُذِفَت الألف. إذاً: الساكن هنا الواو ليس بألف ولا ياءٍ مُشدَّدة، ومع ذلك لم تمنع إعلال اللام.

كذلك: غَزَوْ، أصلها: غزَوُا .. (فَعَلوا) تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً، ثُمَّ التقى ساكنان: غزاو، الألف والواو فَحُذِفَت الألف، إذاً: غزوا، إذاً: السَّاكن الواو هنا لم يمنع إعلال اللام، أُعِلَّت اللام مع كون الذي يتلوها ساكن: (يَخْشَوْنَ) أصلها: يَخْشَيُونَ .. يَفْعَلُونَ .. يُؤْمِنُونَ، يَخْشَيُونَ تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً، ثُمَّ التقى ساكنان صار: (يَخْشَوْنَ)، الواو قبلها شين مفتوحة، وهذه الفتحة دليلٌ على الألف المحذوفة: (يَخْشَوْنَ). (يَرْضَوْنَ) .. (يرضيُون) .. (يفعلون) إذاً: تَحرَّكت الياء بالضَّمَّة لمناسبة الواو، ثُمَّ تَحرَّكت الواو وَانفتحَ ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً فحصل ما سبق. إذاً: لم يَكُفَّ السَّاكن هنا -الواو- اللامَ من الإعلال، فَقُلِبَت في ذلك كله الياء أو الواو ألفاً، ثُمَّ حُذِفَت لالتقاء الساكنين. وإن كان السَّاكن ألفاً أو ياءً مُشدَّدة كَفَّا الإعلال، ولذلك قال: (وَهْيَ لاَ يُكَفُّ إِعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ) الساكن لا يَكُّف إعلالها .. غير الألف الساكن .. (يُكَفُّ إِعْلاَلُهَا) لا تُعَل، وغير الياء المُشدَّدة، فتكف إعلالها. إذاً: إذا كان السَّاكن ألفاً أو ياءً مُشدَّدة كفَّا الإعلال: رَمَيَا، حصل إعلال؟ لم يحصل إعلال، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها ولم تُقْلَب .. كُفَّت، لماذا؟ لكون الذي يتلو اللام ساكنٌ، وزِد عليه ألفٌ، ليس مطلق الساكن وإنَّما هو ألف، إذاً: رَمَيَا، كَفَّت الألف هنا من الإعلال .. اللام، (غَزَوَا) مثله، مَعْنَوِيٌّ .. عَلَوِيٌّ، هنا ياءٌ مُشدَّدة: علوي (فعلي) اللام هنا هي الواو، تَحرَّكت وانفتح ما قبلها: عَلَوِي، إذاً: واوٌ مكسورة وقلنا: لا يُشْتَرَط أن تكون مفتوحة .. تَحرَّكت بمُطْلَق الحركة وَفُتِح ما قبلها، أُعِلَّت؟ لم تُعَل. إذاً: مُنِعَت، لماذا؟ للياء المُشدَّدة بعدها، (عَلَوِيُّ) ياءٌ مُتحرِّكة قبلها فتحة فلم تُقْلَب، إذاً: الياء المُشدَّدَة كَفَّت اللام هنا عن الإعلال، ومثلها (مَعْنَويٌّ) واوٌ تَحرَّكت وانفتح ما قبلها فلم تُقْلَب ألفاً، لأنَّ الياء المُشدَّدة كَفَّت اللام عن الإعلال. إذاً: هذا تفصيلٌ في اللام، وأمَّا العين فكل ساكنٍ يَكُفُّ إعلالها، كذلك غير العين إن لم يكن لاماً، فكل ساكنٍ يَكُفُّ إعلالها، أمَّا اللام ففيه تفصيل: إن كان السَّاكن ألفاً أو ياءً مُشدَّدة كَفَّا إعلال اللام فلم تُعَل، ولو تَحرَّكت .. بل هي تَتَحرَّك بالألف، وَفُتِحَ ما قبلها فلا تُقْلَب ألفاً، وأمَّا إذا كان السَّاكن غير ألفٍ ولا ياءٍ مُشدَّدة كالواو أُعِلَّت اللام، وهذه تُحْفَظ .. لا نحتاج إلى تعليل.

وإنَّما كَفَّت الألف والياء المُشدَّدة إعلالها، لأنَّهم لو أعَلُّوا (رميا) و (غزوا) .. لو أعْلَلْتَ .. قلتَ: رَمَيَا، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً، حينئذٍ قلت: رَمَى، اجتمع عندنا ألِفَان، حذفت الألف الأولى صار: رمى، ونحن نريد: رميا .. اثنان، و (رمى) واحد، إذاً التبس بالواحد، (غزَوا) لو تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت الواو ألفاً اجتمع عندنا ألفان فَحُذِفَت إحدى الألفين فصار: غزى، و (غزى) هذا للواحد، هذه عِلَّة طيبة .. لا بأس بها. وإنَّما كَفَّت الألف والياء المُشدَّدة إعلالها، لأنَّهم لو أعلُّوا: رميا وغزوا، لصار: رمى وغزى، فيلتبس بفعل الواحد، وأمَّا: علويٌّ، فلم تُبْدَل لامه ألفاً، لأنَّه في موضعٍ تُبْدَل فيه الألف واواً، في هذا الموضع لو جاءت الألف أُبْدِلَت واواً، إذاً: الواو لا تُبْدَل ألفاً، هذا كما سبق في باب النَّسب. إذاً قوله: (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا شرطٌ، (إِنْ) حرف شرط، و (حُرِّكَ) مُغيَّر الصيغة، و (التَّالِي) نائب فاعل، إذاً مفهومه: إن سُكِّن لا تُعَلُّ الواو ولا الياء، وهذا ليس بعام، وإنَّما استثنى منه اللام، (وَإِنْ سُكِّنَ كَفَّ) (إِنْ) شرطٌ، و (سُكِّنَ) فعل مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (التَّالِي)، (وَإِنْ سُكِّنَ التَّالِي كَفَّ) هذا جواب الشَّرط، (كَفَّ) ما هو الذي كفَّ؟ الساكن. (إِعْلالَ) هذا مفعول لقوله: (كَفَّ)، (إِعْلالَ) مضاف، و (غَيْرِ اللاَّمِ) مضاف إليه، (غَيْرِ) مضاف، و (اللاَّمِ) مضاف إليه. فأمَّا اللام ففيه تفصيل قال: (وَهْيَ) أي: اللام، أعاد الضمير على المضاف إليه على الصحيح وهو جائز، (وَهْيَ) أي: اللام، سَكَّنه هنا لغة، (وَهْيَ لاَ يُكَفُّ) (هْيَ) مبتدأ، و (لاَ) نافية، و (يُكَفُّ) فعل مضارع مُغيَّر الصيغة، (وَهْيَ لاَ يُكَفُّ إِعْلاَلُهَا). إذاً: (إِعْلاَلُهَا) في البيت التالي: نائب فاعل، (بِسَاكِنٍ) مُتعلِّق بماذا؟ (إِعْلاَلُهَا بِسَاكِنٍ) ما يأتي المعنى، (إِعْلاَل) مصدر يصح أن يَتَعلَّق به الجار والمجرور، لكن المعنى: (لاَ يُكَفُّ بِسَاكِنٍ) هذا من جهة المعنى أجود .. هذا المراد، (بِسَاكِنٍ غَيْرِ) هذا نعت لـ: (سَاكِنْ)، وهو مضاف، و (أَلِفْ) مضاف إليه. (أَوْ) للتَّنويع، (يَاءٍ) هذا معطوف على (أَلِفْ)، (التَّشْدِيدُ فِيهَا قَدْ أُلِفْ) يعني: ياءٍ مُشدَّدة، (التَّشْدِيدُ) هذا مبتدأ، (قَدْ أُلِفْ فِيهَا) (فِيهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (أُلِف)، و (قَدْ) للتَّحقيق، و (أُلِفْ) مُغيَّر الصيغة، والضمير يعود على (التَّشْدِيد) المبتدأ، قد أُلِفَ التشديد فيها، والجملة خبر عن المبتدأ، (التَّشْدِيدُ قَدْ أُلِفْ فِيهَا) يعني: ياءٍ مُشدَّدة، ولذلك نقول: الجملة من المبتدأ والخبر في محل جر صفة لـ: (يَاءٍ)، يعني: ياءٍ مُشدَّدةٍ. إذاً: كم شرطاً ذكر؟ (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ) نجعلهما شرطاً واحداً: أن يكون مُتَأَصِّلاً، ابن هشام فصل بينهما وسيأتي إن شاء الله، (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ) يعني: مُحرَّكين تحريكاً متأصِّلاً.

(بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) أن يكون بعد فتحٍ، وهذا الفتح مُتَّصل لا منفصل، لا بلفظٍ ولا بتقدير. (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا شرطٌ رابع، وهذا ليس مطلقاً وإنَّما فيه تفصيل. قال الشَّارح: " إذا وقعت الواو والياء مُتَحرِّكةً - لو قال: متحرِّكين أحسن - إذا وقعت الواو والياء مُتَحرِّكةً بعد فتحة " أليس مُتحرِّكتين أولى؟ لأنَّ الأصل: وقعت الواو مُتحرِّكةً، والياء مُتحرِّكةً، إمَّا أن يفصل بينهما، وإذا كان الوصل مشترك ثُنِّي .. على القاعدة السابقة، الأصل أن يقال: الواو، لأنَّ التَّحريك هنا شرطٌ في الواو أن تكون مُتحرِّكة، وشرطٌ في الياء أن تكون مُتحرِّكة، حينئذٍ يُجْمَع بينهما، ولذلك (بِتَحْرِيكٍ) نقول: مُتحرِّكين .. في النَّظم. مُتَحَرِّكةٌ بعد فتحةٍ قُلِبَت ألفا نحو: قال وباع، أصلهما: قَوَل وَبَيَع، فَقُلِبَت الواو والياء ألفاً لتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها، هذا إن كانت حركتهما أصلية، ولذلك قال: (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ) فإن لم يكن كذلك فلا تُقْلَب الواو ولا الياء ألفاً. فإن كانت عارضةً لم يُعْتَدَّ بها، إن كانت حركة الواو أو الياء عارضةً ليست أصلية، وإنَّما هي مُجْتَلَبة .. حركة نقلٍ، حينئذٍ نقول: هذه الحركة لا يُعْتَد بها، لم يُعْتَدَّ بها كـ: جَيَلٍ وَتَوَمٍ، أصلهما (جَيْأَلٌ) و (تَوْأَمٌ)، نُقِلَت حركة الهمزة إلى الياء والواو فصار: جَيَلاً وَتَوَمَاً، و (جَيَل) قيل: الضَّبُع، و (توأم) واضح. فلو سكن ما بعد الياء أو الواو ولم تكن .. ، الأصل أن يقول: (وسُكِّنَ) أو (وحُرِّكَ التَّالِي) يجعله شرطاً، فلو سكن ما بعد الياء أو الواو ولم تكن لاماً وجب التصحيح نحو: بيان، هنا تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها لا تُقْلَب، وجب أن تصح .. تبقى كما هي، فلا تُقْلَب ألفاً، لكون ما بعدها ساكن. إذاً: (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا شرطٌ، وهنا وقعت الياء عيناً، إذاً: قد تقع الياء عيناً حينئذٍ ما بعدها يكون ساكناً فلا تُقْلَب .. يجب تصحيحها، و (طويل) .. (فَعِيلْ) وقعت الواو هنا عيناً وَحُرِّكَت وما بعدها ساكن، السَّاكن هذا منع من قلب الواو ياءً، لأنَّ شرط قلب الواو ياءً: أن يَتَحرَّك ما بعدها، فحينئذٍ: طويل، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، لكن لا تُقْلَب ألفاً لانتفاء شرطٍ: وهو تحريك ما بعدها، وهنا (طويل) الياء ساكنة على وزن (فَعِيل). فإن كانتا لاماً -الواو والياء- وجب الإعلال، ما لم يكن السَّاكن بعدهما ألفاً أو ياءً مُشدَّدة، يعني: هذا الشَّرط (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) ليس شرطاً للام، وإنَّما للعين أو غيرها، فأمَّا اللام ففيه تفصيل، إطلاق الشَّرط ليس للام بل للعين أو غيرها مثل: خَوَرْنَق، حينئذٍ (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) هذا الشَّرط ليس في اللام، لأنَّ اللام فيها تفصيل، قد يلتحق بما سبق، وقد يكون له حكمٌ خاص.

ولذلك قال ابن عقيل: فإن كانتا لاماً -الواو والياء- وجب الإعلال، ما لم يكن الساكن بعدهما - بعد الواو والياء - ألفاً أو ياءً مُشدَّدة، فإن كان ياءً أو ألفاً حينئذٍ كَفَّت هذه الألف وهي ساكنة .. كَفَّت إعلال اللام، وكذلك الياء وهي ساكنة .. ياء مُشدَّدة، لكن نقول: (إِنْ حُرِّكَ التَّالِي) فإن كان التالي ساكناً، الياء المُشدَّدة أولها ياءٌ ساكنة، إذاً: هو الذي تلا اللام، وليست الياء مطلقاً. كـ: رَمَيَا وعَلَوِي، (رَمَيَا) هنا صَحَّت اللام، لأنَّ الساكن ألف، فَكَفَّت الألف الياء عن الإعلال، و (عَلَوِيّ) كَفَّت الياء المُشدَّدة الواو عن الإعلال، وذلك نحو -يعني: الذي لم يمنع- (يَخْشَوْنَ) أصله: (يَخْشَيُون) .. (يفعلُون) يَخْشَيُون ياءٌ مُتحرِّكة قبلها فتحة، يَخْشَيُ تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، فحينئذٍ تُعَل أو لا؟ تُعَل، لكون السَّاكن غير ألفٍ ولا ياءٍ مُشدَّدة .. لكونه واواً، حينئذٍ نقول: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها إلى آخر ما ذكرناه. فَقُلِبَت الياء ألفاً لِتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها، ثُمَّ حُذِفَت لالتقائها ساكنةً مع الواو الساكنة. إذاً: هذه الشروط التي ذكرها شروطٌ لا بُدَّ من تَحَقُّقِها في الواو والياء. ثُمَّ قد يعرض للواو والياء المذكورتين أسباب تمنعهما عن الإعلال، سَمَّاها المكودي: موانع، وعَدَّها الكثيرون شروطاً عدمية، لأنَّ الشَّرط قد يكون شرطاً وجودياً، وقد يكون شرطاً عدمياً. قال هنا: وَصَحَّ عَيْنُ فَعَلٍ وَفَعِلاَ ... ذَا أَفْعَلٍ كَأَغْيَدٍ وَأَحْوَلاَ (وَصَحَّ) هذا فعلٌ ماضي، و (عَيْنٌ) فاعل وهو مضاف، و (فَعَلٍ) مضافٌ إليه، وأراد به المصدر، (وَفَعِلاَ) أراد به الفعل على وزن (فَعِل) بكسر العين، والألف هذه للإطلاق. (ذَا أَفْعَلٍ) حالٌ من (فَعِلا) مكسور العين، (ذَا أَفْعَلٍ) يعني: صاحب (أَفْعَلٍ) يعني: اسم الفاعل منه على وزن (أَفْعَل)، حينئذٍ تصحُّ العين، لا تُقْلَب الواو ولا الياء ألفاً .. تصح عينه. إذاً نقول: تُقْلَب الواو الياء ألفاً ما لم تكن الواو (عَيْنَ فَعِل) الذي اسم الفاعل منه على وزن (أَفْعَل): (عَوِرَ) طبق عليه الشُّروط السابقة: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، وما بعدها كذلك مُتَحرِّك فالأصل: أن تُقْلَب الواو ياءً .. التي صَحَّت .. ما قُلِبَت، لماذا؟ لكونها على وزن (فَعِلَ)، اسم الفاعل منه على وزن (أَفْعَل) وهو: أعور. إذاً يُشْتَرَط: ألا تكون الواو ولا الياء عين (فَعِل) بكسر العين الذي فاعله .. اسم الفاعل على وزن (أَفْعَل)، ولا (فَعِل) الذي مصدره على (فَعَلٍ)، فتصحُّ حينئذٍ في المصدر، وفي اسم الفاعل، وفي الفعل، هذه الأحوال الثلاثة: (فَعِلَ) و (أَفْعَل) و (فَعَلٌ) المصدر، فَرِحَ فَرَحَاً، المصدر من (فَعِلَ) اللازم أن يكون على وزن (فَعَل) بفتحتين، حينئذٍ في هذه الأنواع الثلاثة إذا جاءت العين واواً أو ياءً صَحَّت، يعني: لا تُقْلَب واواً ولا ياء، هذا شرطٌ وجودي أو عدمي؟ شرطٌ عدمي، ولذلك عَدَّه ابن هشام من الشروط، وجعله المكودي من الموانع، والخلاف لفظي.

يعني: قلب الواو ياءً، وُجِدَت فيه الشروط السابقة الأربعة في (عَوِرَ)، لكن منع منه مانع: وهو كونه على وزن (فَعِلَ)، فكونه على وزن (فَعِلَ) هذا مانع، وإذا قلنا: هو شرط، فرقٌ بين الشَّرط والمانع، لكن النتيجة واحدة، إذا قلنا: شرط، حينئذٍ: ألاَّ يصحُّ أن يُقَال: بأن الواو في (عَوِرَ) قابلاً للقلب، لأنَّ الشرط لم يَتَحقَّق. وإذا جعلناه مانعاً حينئذٍ الشَّرط تَحقَّق، لكن منع منه مانعٌ، كالحيض مع المرأة المُكَلَّفة، شرط التَّكليف موجود، والحيض مانعٌ، هل الحيض يرفع التَّكليف؟ لا يرفع التَّكليف، على كُلٍّ: سَمَّينا هذا أو ذاك لا إشكال فيه. وَصَحَّ عَيْنُ فَعَلٍ وَفَعِلاَ .. الألف للإطلاق معطوف على (فَعَلٍ)، (ذَا) هذا منصوب حال من (فَعِل) مكسور العين، يعني: صاحب (أَفْعَلٍ)، وذلك (كَأَغْيَدٍ) (أَغْيَدْ) هذا اسم فاعل فعله (غَيِدَ) تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها، وما بعدها مُتحرِّك، لا تُقْلَب ألفاً، لكونه على وزن (فَعِل)، والمصدر منه (غَيَدٌ) .. (فَعَلٌ). انظر! (غَيِدَ) و (أَغْيَد) و (غَيَدٌ) في الثلاثة الأحوال الياء صَحَّت، لكونها إمَّا (فَعَلْ) أو (فَعِلْ) أو (أَفْعَلْ) حينئذٍ تصح الياء في هذه الأحوال الثلاثة، وتقول: هَيِف، على وزن (فَعِلَ)، وأهْيَف وهَيَفٌ (فَعَلٌ)، فتقول: أَحْوَلْ .. حَوِلَ .. حَوَلٌ، (حَوِلَ) .. (فَعِلَ) صَحَّت الواو، لم تُقْلَبَ، (أَحْوَل) صَحَّت الواو، ماذا بقي؟ (حَوَلٌ)، أمَّا (أَفْعَل) هذا واضح أنَّ الأصل فيها: (أحْوَل) وُجِدَت فيها الشروط؟ لا، لماذا؟ سكن ما قبلها، وَيُشْتَرَط: أن يكون (بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ) هذا لا إشكال فيه، وإنَّما هو يُضْبَط به (فَعِل)، لأنَّ (فَعِلَ) قد يكون اسم الفاعل منه على وزن (أَفْعَل)، وقد لا يكون. ما كان اسم الفاعل على وزن (أَفْعَل) حينئذٍ صَحَّت العين: الواو أو الياء، وما لم يكن فلا. يعني: أنَّ ما كان من الأفعال على وزن (فَعِل)، وكان مصدره على (فَعَلٍ)، مِمَّا جاء اسم فاعله على (أَفْعَل) يُصَحَّح هو ومصدره، وأمَّا (أَفْعَل) فواضح أنَّه خارجٌ، لم يَتَوَفَّر فيه الشرط، وأمَّا المصدر (فَعَلْ) و (فَعِلْ) الذي هو الفعل الأصلي، هذا وُجِدَت فيه الشروط السابقة ولكن منع منه مانع. وإن كان مستوفياً لشروط الإعلال، هذا إذا لم نجعل هذا شرطاً وإنَّما قلنا: (مانع) وهذه عبارة المكودي، وسبب تصحيحهما: أنَّ (حَوِلَ) وشبهه من أفعال الخِلَق والألوان، وقياس الفعل في ذلك: أن يأتي على (افْعَلَّ) نحو: احْوَلَّ .. احْوِلالاً، فصحَّ عين فعله ومصدره، لأنَّهما في معنى ما لا يُعَلُّ لعدم الشرط. إذاً: صُحِّح (فَعِلَ) لكون الأصل أن يكون على (افْعَلَّ)، و (افْعَلَّ) يُصَحّ .. تَصحُّ فيه العين، وَحُمِلَ هذا على ذاك، على كُلٍّ: هذه عِلَّة فيها نظر، والصواب أن يُقال: أنَّه مسموعٌ هكذا. وَصَحَّ عَيْنُ فَعَلٍ وَفَعِلاَ ... ذَا أَفْعَلٍ كَأَغْيَدٍ وَأَحْوَلاَ

كل فعلٍ كان اسم الفاعل منه على وزن (أَفْعَل)، فإنَّه يلزم عينه التَّصحيح، هذا ما أراده النَّاظم؟ النَّاظم قَيَّد، والشَّارح أطلق، النَّاظم قَيَّد الفعل بـ: (فَعِل)، والشَّارح أطلق: " كل فُعْلٍ، نحو: عَوِرَ فهو أَعْوَر، وَهَيِفَ فهو أهْيَف، وَغَيِدَ فهو أَغْيَدْ، وَحَوِلَ فهو أَحْوَل، وَحُمِلَ المصدر على فعله نحو: هَيَفٍ وَغَيَدٍ وَعَوَرٍ وَحَوَلٍ". إذاً القاعدة: أنَّ العين إذا كانت واواً أو ياءً مستوفية للشروط إلا أنَّ الفعل على وزن (فَعِلَ) والمصدر (فَعَلَ)، بشرط: أن يكون اسم الفاعل من الفعل على وزن (أَفْعَل) حينئذٍ تصحُّ العين في المصدر وفي الفعل، وأمَّا (أَفْعَل) فهذا واضحٌ بيِّن. وَإِنْ يَبِنْ تَفَاعُلٌ مِنِ افْتَعَلْ ... وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمَتْ وَلَمْ تُعَلّْ هذا المانع الثاني، أو الشرط العدمي الثاني. (وَإِنْ يَبِنْ) (إِنْ) حرف شرط، (يَبِنْ) .. (يبين)، (يَبِنْ) فعل مضارع مجزومٌ بـ: (إِنْ) وجزمه سكون آخره، وَحُذِفَت الياء هنا للتَّخلُّص من التقاء الساكنين، أصله: (يبين)، (وَإِنْ يَبِنْ) يعني: يظهر، (تَفَاعُلٌ) هنا فاعل، (يَبِنْ) فعل مضارع، (تَفَاعُلٌ) هذا فاعل، لكن لا بُدَّ من تقديره على حذف مضاف، لأنَّ (تَفَاعُل) هذا وزن ولا يظهر مِمَّا سيذكره، وإنَّما يريد به معنى (تَفَاعُل). (مِنِ افْتَعَلْ)، إذاً: (افْتَعَلْ) لا يَدلُّ في لفظه على (تَفَاعُل)، وإنَّما قد يُفْهَم منه من جهة المعنى: المشاركة، فإذا فُهِمَ من (افْتَعَلْ) المشاركة (وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمتْ)، إذاً: الكلام هنا في (افْتَعَلْ)، إذا وقعت الواو عين (افْتَعَلَ)، فـ: (افْتَعَلَ) حينئذٍ على نوعين: إمَّا أن يُفْهَم منه المشاركة والمفاعلة، وهو معنى: (تَفَاعُلْ) أو لا، إن كان الأول سلمت عينه .. صَحَّت ولم تُعَلْ، وإن كان الثاني أُعِلَّت. إذاً قوله: (تَفَاعُلٌ) هذا فاعل (يَبِنْ)، لكن لا بُدَّ على تقدير مضاف، لأنَّ (تَفَاعُل) هذا وزنٌ وليس الحكم أو الكلام فيه، (وَإِنْ يَبِنْ) معنى (تَفَاعُلٌ مِنِ افْتَعَلَ) .. (مِنَ افْتَعَلَ) يجوز فيه تحريك النُّون هنا بالكسر وهو الأصل، أو بالفتح، (مِنِ افْتَعَلْ) يعني: ما كان على وزن (افْتَعَلْ)، (مِنِ افْتَعَلْ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (يَبِنْ)، (إِنْ يَبِنْ مِنِ افْتَعَلْ) يعني: إن دَلَّ (افْتَعَلْ) على معنى (تَفَاعُل). (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) (الْعَيْنُ) مبتدأ، و (وَاوٌ) خبر، والواو هذه واو الحال، (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) يعني: والحال أن العين واو (مِنِ افْتَعَلْ)، وحينئذٍ هذه حالٌ، والرابط فيها الواو، وصاحب الحال (افْتَعَلَ) لأنَّ الكلام فيه. . . . . . . . . . مِنِ افْتَعَلْ ... وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمَتْ. . . . . . . . . (سَلِمَتْ) هذا جواب الشَّرط، (إِنْ يَبِنْ سَلِمَتْ) يعني: سلمت الواو .. هذا جواب الشَّرط، سلمت الواو أو سلمت العين؟ هو يقول: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمتْ)، يحتمل، لا بأس أن يُقَال: سلمت العين لكن بقيد: أن تكون واواً لا مطلقاً، أو سلمت الواو، والثانية لها تقدير.

إذاً: (سَلِمَتْ) هذا جواب الشَّرط، والضمير هنا يعود على الواو أو العين بشرط كونها واواً، (وَلَمْ تُعَلْ) الواو هذه واو الحال، (سَلِمَتْ وَلَمْ تُعَلْ) إذا قيل: (سَلِمَتْ) معناها أنَّها صَحَّت .. معناها أنَّها لم تُعَل، إذاً قوله: (وَلَمْ تُعَلّ) هذا تتميمٌ، يعني: ليس فيه فائدة جديدة لصِحَّة الاستغناء عنه، فَكُلُّ ما صَحَّ الاستغناء عنه، وكان داخلاً فيما سبق إلا أن يكون تصريحاً بمفهومٍ فلا إشكال فيه .. هذا له فائدة، وأمَّا كونه (سَلِمَتْ) هذا منطوق، (سَلِمَتْ) يعني: صَحَّت، (وَلَمْ تُعَلّ) (لَمْ) حرف نفيٍ وجزم، والواو واو الحال، (تُعَلّ) فعل مضارع مجزوم بـ: (لَمْ)، (لَمْ تُعَلّ) أي: الواو. يعني: أنَّ وزن (افْتَعَلَ) من الواوِيِّ العين، لأنَّه قال: (مِنِ افْتَعَل .. وَالْعَيْنُ وَاوٌ) إذا أظهر معنى (تَفَاعُل) مِمَّا يدلُّ على اشتراكٍ صُحِّحَ، يعني: لم يُعَلّ .. يعني: الواو سلمت .. لم تُقْلَب ألفاً، نحو: اجْتَوَرُوا، على وزن (افتعلوا) هل الشروط موجودة؟ (اجْتَوَ) تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها، وما بعدها كذلك مُتَحرِّك، لم تُقْلَب الواو ياء، لكونه على وزن (افْتَعَل) واوي العين، مرادٌ به: المشاركة. (اجْتَوَرُوا) بِمعنى: تجاوروا، كُلٌّ منهم جاور الآخر، (تشاوروا) .. (اشْتَوَرُوا) .. (افْتَعَلُوا) إذا جئت من المشاورة على وزن (افْتَعَل) قلت: (اشتوروا)، إذاً: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَلم تُقْلَب الواو ياءً لكونها على وزن (افْتَعَلَ) وهو واوي العين، وَأُرِيَد به المفاعلة .. المشاركة. وإنَّما صَحَّ مع تَوَفُّر شروط الإعلال، لأنَّه حُمِلَ على (تَفَاعُل) الذي بمعناه، وليس في (تَفَاعُل) شروط الإعلال، هذه عِلَّة عليلة! عِلَّة الحمل هذه ضعيفة، حملاً على كذا .. حملاً على كذا، ما وجدوا عِلَّة إلا هذه، والأصل أن يُقَال في باب (الصَّرف) السَّماع .. التَّوقيف. إذاً: إنَّما صَحَّ مع تَوَفُّر شروط الإعلال ولم يُعَل؛ لأنَّه لَمَّا جاء على معنى (تَفَاعُل)، نظرنا في (تَفَاعُل) ولم توجد فيه الشروط، لأنَّ (تَفَاعُل) العين لو وقعت واواً، هل يمكن قلبها؟ ما قبلها ساكن .. لا يمكن، إذاً: إذا كان (افْتَعَلَ) بمعنى: (تَفَاعُل) إذاً: صحَّت حملاً عليه، وهذا أيضاً عليل. (وَإِنْ يَبِنْ تَفَاعُلٌ) أي: معنى (تَفَاعُل)، فإن لم يبن معنى (تَفَاعُل) أُعِلَّ على مقتضى القياس، لأنَّه ليس محمولاً على باب (تَفَاعُل)، إذاً بقي على الأصل، أُعِلَّ على مقتضى القياس نحو: اعتاد وارتاب، (اعتاد) أصلها: اعْتَوَدَ .. (افْتَعَلَ)، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً، مع كونه على وزن (افْتَعَلَ) والعين واوٌ، ولم تصح كما في (اشتوروا) لماذا؟ لأنَّه لم يَدلَّ على المشاركة. إذاً قوله: (إِنْ يَبِنْ تَفَاعُلٌ) يعني: معنى (تَفَاعُل)، مفهومه: إن لم يَبِن معنى (تَفَاعُل) أُعِلَّت على القياس، فـ: اعتاد وارتاب، (اعْتَاَد) أصلها: اعْتَوَد، و (ارْتَاد) أصله: ارْتَيَدَ، إذاً: العين ياءً .. تَحرَّكت الياء وفُتِحَ ما قبلها، فوجب قلبها ألفاً .. على الأصل.

قوله: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) هذا شرطٌ، مفهومه: أنَّ العين لو كانت ياءً ولو دَلَّ على مشاركة أُعِلَّت. فُهِمَ من قوله: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) أنَّ ما عينه ياءٌ وجب إعلالها، وإن أبان معنى (تَفَاعُل)، ولذلك مَثَّل ابن عقيل هنا: استافوا، أي: تضاربوا بالسِّيوف، (استافوا) أصلها: اسْتَيَفُوا (افْتَعَلُوا)، إذاً: العين وقعت ياءً وَأُعِلَّت، مع كونه دَلَّ على المفاعلة، هذا لم يَتَحقَّق فيه الشَّرط السابق. إذاً قوله: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ) لو كانت العين ياءً ولو أبان معنى (تَفَاعُل) أُعِلَّت العين، لأن الأحوال كم إذا قيل: (افْتَعَلَ)؟ (افْتَعَلَ) إمَّا أن يكون واوي العين، أو يائي العين، هذان قسمان، ثُمَّ كُلٌّ منهما إمَّا أن يَبِين فيه معنى (تَفَاعُل) أو لا، صارت أربعة أقسام. (افْتَعَلَ) واوي العين أبان (تَفَاعُل) صَحَّت. (افْتَعَلَ) واوي العين لم (يَبِنْ تَفَاعُل) أُعِلَّت. (افْتَعَلَ) يائي العين مُطلقاً أبان (تَفَاعُل) أو لا، أُعِلَّت. وَإِنْ يَبِنْ تَفَاعُلٌ مِنِ افْتَعَلْ ... وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمَتْ. . . . . (سَلِمتْ) هذا جواب الشرط، سلمت الواو أو العين بهذا القيد. قال الشَّارح: "إذا كان افتعل معتل العين، فَحَقُّه أن تُبْدَل عينه ألفاً نحو: اعتاد وارتاد -على الأصل- لِتَحَرُّكِهَا وانفتاح ما قبلها، فإن أبان (افْتَعَلْ) معنى (تَفَاعَل)، وهو الاشتراك في الفاعلية والمفعولية " لأنَّ (تَفَاعَل) تَقَاتَل زَيْدٌ وَعَمْروٌ، هنا اشتراكٌ في الفاعلية والمفعوليَّة، كما ذكرناه سابقاً: تَضَارَب زَيْدٌ وَعَمْروٌ، (زَيْد) هذا فاعل ومفعول، وعَمْرو فاعل ومفعول، كُلٌّ منهما فاعل ومفعول، إمَّا في الاصطلاح والمعنى، وإمَّا في المعنى فقط. لذلك قال هنا: " وهو الاشتراك في الفاعليَّة والمفعوليَّة" لا يعني بها الفاعليَّة والمفعوليَّة اصطلاحاً .. ليس هذا مراده، وإنَّما مراده: ما هو أعم، نعم صحيح تقول مثلاً: تضارب زَيْدٌ، (زَيْدٌ) هذا فاعل اصطلاحاً، لَكنَّه ليس هو فاعل التَّضارب لوحده، لا بُدَّ أن يكون زيدٌ مشاركاً له. إذاً: وهو الاشتراك في الفاعليَّة والمفعوليَّة من جهة المعنى، حُمِلَ عليه بالتصحيح إن كان واوياً. حُمِلَ حُمِلَ عليه، يعني: على (تَفَاعَلَ)، (حُمِلَ عليه) هذه إشارة إلى العِلَّة، لماذا هنا: (افْتَعَلْ وَالْعَيْنُ وَاوٌ سَلِمتْ)؟ لأنَّه حُمِل على (تَفَاعَل)، حُمِل عليه في التصحيح إن كان واوياً نحو: اشْتَوَرُوا، فإن كانت العين ياءً وجب إعلالها، إذاً: فَرَّقوا بين الواوي واليائي، فالواوي وجب تصحيحها، واليائي وجب إعلالها، وإنَّما أُعِلَّت في الواو دون الياء لِثِقَل الواو في المخرج بخلاف الياء، نحو: ابتاعوا .. (ابتاع) أصله: ابْتَوَعُوا، قُلِبَت الواو ألفاً، و (استافوا) .. استيَفُوا: تضاربوا بالسيوف. وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الإِعْلاَلُ اسْتُحِقّْ ... صُحِّحَ أَوَّلٌ وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّْ

قد يجتمع في كلمة واحدة واوٌ وياء، وَكُلٌّ منهما مُسْتَوفٍ للشُّروط، يعني يصح أن نقول: تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، وتَحرَّكت الياء .. والحكم، فإذا اجتمعا حرفا عِلَّةٍ في كلمةٍ واحدة، وَكُلٌّ منهما مستوفٍ للشروط امتنع إعلال الحرفين، لا بُدَّ من إعلال واحدٍ منهما. وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الإِعْلاَلُ اسْتُحِقّْ ... صُحِّحَ أَوَّلٌ. . . . . . . . . . . . يعني: الأول صُحِّحَ .. لم يُقْلَب، وأُعِلَّ الثاني مثل: هَوَى، أصله: هَوَيٌ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها وُجِدَ الشرط (هَوَيٌ) وما بعدها مُتَحرِّك، وكذلك الياء هنا تَحرَّكت وانفتح ما قبلها، إذاً: كُلٌّ منهما وُجِدَ فيه شرط الإعلال، أيُّ الحرفين نقلب ونصحِّحْ؟ (صُحِّحَ أَوَّلٌ) يعني: بقي على حاله، ولو كان مستوفياً للشروط، ونُعِلَّ الثاني المُتطرِّف، لأنَّ التَّغيير يكون في الطَّرف. ولذلك الإعلال والإبدال والحذف أكثر ما يكون في اللام، بخلاف الفاء والعين، لو نظرت: الفاء أقل من حيث الإعلال والإبدال والتَّغيير والحذف، ثُمَّ أكثر منه العين، ثُمَّ الأكثر اللام، أكثر ما يكون من الإعلال والحذف والقلب في اللامات. صُحِّحَ أَوَّلٌ وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّْ .. عَكْسٌ قَدْ يأتي، (وَإِنْ) هذا حرف شرط، (لِحَرْفَيْنِ ذَا الإِعْلاَلُ) .. (وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ اسْتُحِقَّ ذَا الإِعْلاَلُ) (لِحَرْفَيْنِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (اسْتُحِقَّ)، و (ذَا) اسم إشارة نائب فاعل لفعلٍ محذوف، لأنَّه هو الذي يتلو (إِنْ)، أمَّا (لِحَرْفَيْنِ) واضح أنَّه مُتَقدِّم، ولا يكون جملةً اسمية ولا فعلية، (وَإِنْ) لا يتلوها إلا فعلٌ. حينئذٍ: (ذَا) هذا أول ما تلا (إِنْ) من الأسماء مثل: ((وَإِنْ أَحَدٌ)) [التوبة:6] مثله: (وَإِنْ ذَا الإِعْلاَل اسْتُحِقَّ) وَإِنْ اسْتُحِقَّ ذَا الإِعْلاَل، إذاً: (ذَا) هذا نائب فاعل، مثل: ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) [التكوير:1] (الشَّمْسُ) نائب فاعل، والفعل محذوف يُفَسِّره المذكور، ونقول (كُوِّرَ) هذا مُغيَّر الصيغة، لأنَّ (إِذَا) لا يتلوها إلا الفعل. هنا (إِنْ) لا يتلوها إلا الفعل، وجاء بعدها اسمٌ، وأمَّا الحرف هنا .. (لِحَرْفَيْنِ) هنا لا اعتداد به، (وَإِنْ ذَا) هذا نائب فاعل (وَإِنْ اسْتُحِقَّ ذَا الإِعْلاَلُ) (الإِعْلاَلُ) بدل من (ذَا) أو عطف بيان، أو نعت، يجوز فيه الأوجه الثلاثة، والنَّعت محلُّ خلاف. وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الإِعْلاَلُ اسْتُحِقّْ .. (اسْتُحِقَّ) فعل ونائب فاعل، والجملة لا مَحلَّ لها من الإعراب، لأنَّها مُفَسِّرة .. فسَّرت الفعل المحذوف وجوباً. (صُحِّحَ أَوَّلٌ) (صُحِّحَ) هذا جواب الشَّرط، (وَإِنْ اسْتُحِقَّ ذَا الإِعْلاَلُ الِحَرْفَيْنِ صُحِّحَ) هذا جواب الشَّرط، وهو مُغيَّر الصيغة، و (أَوَّلٌ) نائب فاعل، (وَعَكْسٌ قَدْ يَحِق) (عَكْسٌ) مبتدأ، يعني: خلاف ما سبق وهو تصحيح الثاني وإعلال الأول (صُحِّحَ أَوَّلٌ).

مفهومه: أنَّ الثاني تُطَبَّق عليه الشروط، وهو كونه يُعَل، (وَعَكْسٌ) هذا مبتدأ، (قَدْ يَحِقّْ) (قَدْ) للتَّقليل، إذاً: القاعدة المُطَّردة والأغلبية: أن يُصَحَّح الأول والعكس (قَدْ يَحِقّْ) قد يرد، (قَدْ) للتَّحقيق، و (يَحِقّ) هذا فعل مضارع .. يحقُّ، (هو) الذي هو العكس، وما هو العكس؟ (صُحِّحَ) ثانٍ، والأول يُعَلّ. هذا المانع الثالث: أن يجتمع في كلمةٍ واحدة حرفا عِلَّةٍ، كُلٌّ منهما مُسْتَحِقٌّ للإعلال، حينئذٍ يمتنع أن يُعَلَّا معاً، لأنَّه إجحافٌ بالكلمة، لأنَّه تغيير، وحينئذٍ لا بُدَّ من إبقاء واحدٍ وإعلال الثاني، ولا شَكَّ أنَّ الثاني أولى بالإعلال. قال الشَّارح: "إذا كان في كلمةٍ واحدةٍ حرفا عِلَّةٍ، كُلُّ واحدٍ من الحرفين -حرفي العِلَّة- مُتَحَرِّك مفتوحٌ ما قبله" يعني: وُجِدَ فيه شرط الإعلال "لم يجز إعلالهما معاً"، لماذا؟ لئلا يتوالى .. يتتابع في كلمة واحدةٍ إعلالان، وهذا إجحاف .. ظلم، فيجب إعلال أحدهما وتصحيح الآخر، والأحق منهما بالإعلال الثاني لتطَرُّفه، لأنَّه مُتأخِّر وهو الذي يكون مَحلَّاً للتَّغيير نحو: الحيا، أصله: حَيَيٌ، اجتمع عندنا ياءان كُلٌّ منهما مُتحرِّك مفتوحٌ ما قبله: (حَيَـ) تَحرَّكت الياء الأولى وَفُتِحَ ما قبله، (ـَييٌ) تَحرَّكت الياء الثانية وَانفتحَ ما قبلها، إذاً وُجِدَ في كُلٌّ منهما شرط الإعلال، فَقُلِبَت الثانية قيل: حيا. (هوى) .. هويٌ، والأصل: حَيَيٌ وهَوَيٌ، الثانية ياءٌ مُتحرِّكة وانفتح ما قبلها فَقُلِبَت ألفاً صارت: هوى، أمَّا الواو الأولى فتبقى كما هي .. تَصِحُّ، مع وجود شرط الإعلال، ومنع منه مانع: وهو إعلال ما بعده. فَوُجِدَ في كُلٍّ من العين واللام سبب الإعلال فَعُمِل به في اللام وحدها لكونها طرفاً، والأطراف محل التَّغيير، وَشَذَّ إعلال العين وتصحيح اللام نحو: غاية، أصله: غَيَيَ، ماذا اجتمع عندنا؟ ياءان كُلٌّ منهما وُجِدَ فيه شرط الإعلال، هنا أُعِلَّت الأولى، لكن ابن مالك قال: (وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّ) ما حكم عليه بالشُّذوذ، إنَّما هو قليل، والشَّارح هنا حكم عليه بكونه شَاذًّا، فهو استدراكٌ على النَّاظم. إذاً: السَّبب المانع من إعلال الأول فيهما إعلال الثاني، فجعل الثاني مانعاً من الأول، وقد يُعَلُّ الأول ويصح الثاني نحو: راية وغاية وطاية، (طاية) أصله: طَيَيَ بيائين فَأُبْدِلَت الأولى، و (غاية) أصله: غَيَيَ، و (راية) رَيَيَ، إذاً: أُعِلَّت الأولى وَصُحِّحَت الثانية. وَعَيْنُ مَا آخِرَهُ قَدْ زِيْدَ مَا ... يَخُصُّ الاِسْمَ وَاجِبٌ أَنْ يَسْلَمَا (عَيْنُ) هذا المانع الرابع، الأول: كونه على وزن (فَعِلَ) اسم الفاعل (أَفْعَل) هذا مانع. الثاني: كونه على وزن (افْتَعَل) مع بقية الشُّروط. الثالث: وجود حرفٍ معه أُعِلَّ، وَوُجِدَت الشروط في الحرف الأول .. صُحِّحَ الأول واستوفى الشرط، ولكن مُنِعَ من قلبه ألفاً لوجود المانع: وهو قلب الثاني. وهنا أشار إلى المانع الرابع: وَعَيْنُ مَا آخِرَهُ قَدْ زِيْدَ مَا ... يَخُصُّ الاِسْمَ وَاجِبٌ. . . .

(عَيْنُ) مبتدأ، (وَاجِبٌ) خبر، (عَيْنُ مَا) (عَيْنُ) مضاف، و (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي في مَحلِّ جر مضاف إليه، (آخِرَهُ) بالنَّصب، يستعمله النَّاظم هنا منصوباً على الظَّرفيَّة المكانيَّة: (آخِرَهُ) (مَا قَدْ زِيدَ آخِرَهُ) فـ: (آخِرَ) هذا منصوبٌ والعامل فيه (زِيدَ)، و (زِيدَ) فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، (زِيدَ مَا) هذا نائب فاعل لـ: (زِيدَ)، و (قَدْ) للتَّحقيق، وجملة (قَدْ زِيدَ آخِرَهُ) لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول. (وَعَيْنُ مَا قَدْ زِيدَ آخِرَهُ) يعني: في آخره، لأنَّ الظرف على معنى: في (زِيدَ في آخِرَهُ) ما الذي زِيِد؟ (مَا يَخُصُّ الاِسْمَ)، حينئذٍ إذا زيد في آخر الكلمة التي وُجِدَ فيها واوٌ أو ياءٌ تَحقَّق فيها شرط الإعلال، هنا قد اتَّصل بالاسم الذي وُجِدَ فيه الواو بالشَّرط السابق أو الياء بالشَّرط السابق، حينئذٍ هذه الزيادة الخاصَّة بالأسماء منعت الإعلال. لأنَّه إنَّما أُعِلَّ الاسم كما ذكرناه سابقاً .. الإعلال، بل الصَّرف كله دخوله في الأفعال دخولاً أصلياً، ودخوله في الأسماء دخولاً تبعياً .. غير مستقل، لأنَّ التَّغيير في الأصل يكون للفعل، حينئذٍ إذا وُجِدَ في الاسم ما هو من خصائصه، ولو وُجِدَ فيه ما يكون مُعلَّاً كالواو والياء بشرطها، حينئذٍ نقول: اتَّصل بالاسم ما يُبْعِد شبهه بالفعل. وَعَيْنُ مَا آخِرَهُ قَدْ زِيدَ مَا .. (مَا) اسم موصول بِمعنى: الذي، نائب فاعل، و (يَخُصُّ) هذا فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، و (الاِسْمَ) مفعولٌ به، (مَا يَخُصُّ الاِسْمَ) وجملة (يَخُصُّ الاِسْمَ) لا مَحلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، (وَاجِبٌ) هذا خبر، (أَنْ يَسْلَمَا) (أَنْ) حرف مصدر ونصب، (يَسْلَمَا) فعل مضارع منصوبٌ بـ: (أَنْ)، والألف هذه للإطلاق، (يَسْلَمَا) وفيه ضمير مستتر يعود على (وَاجِبٍ). و (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل لـ: (وَاجِب)، لأنَّ (وَاجِب) اسم فاعل فيعمل، إذاً يرفع (وَاجِبٌ سلامتُه)، ولو عُكِس قيل: (عَيْنُ) مبتدأ، (وَاجِبٌ) خبر مُقدَّم، و (أَنْ يَسْلَمَا) مثل: أن تصوموا (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ مُؤخَّر، (واجبٌ) خبره، والجملة من الخبر المُقدَّم والمبتدأ المُؤخَّر خبرٌ عن (عَيْن)، عينٌ سلامته واجبة، أيهما أولى .. وعَيْنُ واجبٌ سلامته؟ الثاني أولى، على كُلٍّ يجوز فيه الوجهان، لكن الظَّاهر: أنَّ (وَاجِب) خبر مُقدَّم، و (يَسْلَمَا) مبتدأ مُؤخَّر، والجملة خبر (عَيْن) هذا أولى. يعني: أنَّه يمنع من قلب الواو والياء ألفاً لتحرُّكهما وانفتاح ما قبلهما كونهما عيناً -لا لام ولا فاء، فيما آخره زيادة تخصُّ الأسماء، لأنَّه بتلك الزِّيادة يبعد شبهه بما هو الأصل في الإعلال وهو الفعل، فَصُحِّحَ لذلك، وشملت الزيادة الخاصة بالأسماء الألف والنُّون نحو: جَوَلان، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، لكن منع منه مانع: وهو اتِّصال هذا اللفظ (جَوَلاَن) بألفٍ ونون، والألف والنُّون من خصائص الأسماء، فأبعد شبه هذا الاسم من الفعل فلم يُعَل، وهذه عِلَّة عليلة، لكن هكذا قالوا!

(هَيَمَان) تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، لكن لم تُقْلَب؛ لوجود مانع وهو الألف والنُّون، لأنَّه من خصائص الأسماء. كذلك من الموانع: ألف التأنيث، نحو: حَيَدَ، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها وما بعدها كذلك مُحرَّك فلم تُقْلَب؛ لكون هذا الاسم اتَّصلت به ألف التأنيث وهي من خصائص الأسماء فأبعدت شبهه عن الفعل، وكذلك (صُوَرَ) -هذا اسم وادٍ- مثل: حَيَدَ. قال الشَّارح: "إذا كان عين الكلمة واواً مُتَحَرِّكة مفتوحاً ما قبلها " (عَيْن) خَصَّ العين هنا النَّاظم. إذا كان عين الكلمة واواً مُتَحَرِّكَة مفتوحاً ما قبلها، أو ياءً مُتَحَرِّكة مفتوحاً ما قبلها، يعني: وُجِدَ فيها شرط الإعلال، وكان في آخرها زيادة تَخُصُّ الاسم لم يجز قلبها ألفاً، إمَّا لانتفاء الشَّرط العدمي، أو لوجود مانع .. هذا أو ذاك، بل يجب تصحيحها وذلك نحو: جولان وهيمان، وشذَّ: ماهان وداران، هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه. إذاً: هذه المسألة التي بدأها النَّاظم بقوله: مِنْ يَاءٍ اوْ وَاوٍ بِتَحْرِيْكٍ أُصِلْ ... أَلِفَاً ابْدِلْ بَعْدَ فَتْحٍ مُتَّصِلْ إلى هذا البيت، كُلَّ هذه الأبيات مُتعلِّقة بمسألة واحدة: وهي إمَّا أن تجعلها شروط أربعة ولها موانع أربعة، وإمَّا أن تجعلها شروط مُفصَّلة مع الموانع، وتُقَسِّم الشروط إلى وجودية وعدمية .. تجعلها عشرة، وهو الذي جرى عليه ابن هشام في (التَّوضيح) حيث قال: "إبدال الألف من أختيها الواو والياء مَشروطٌ بعشرة شروط": الأول: أن يتحركا، يعني: كُلٌّ من الواو أو الياء مُتحرِّكين، فلذلك صَحَّتَا في: البَيْع والقَوْل، (بَيْعٌ) ما قُلِبَت الياء ألفاً، لماذا؟ لأنَّها ساكنة .. صحَّت، و (القول) مصدر، لم تُقْلَب الواو ألفاً، لأنَّها صَحَّت، هذا الأول. الثاني: أن تكُون حركتهما أصلية، قال النَّاظم: (أُصِلْ) إذاً: جعلهما شرطين، (بِتَحْرِيكٍ أُصِلْ) لك أن تجعلهما شرطين أو شرطاً واحداً، ولذلك صَحَّتَا في: جَيَل وتَوَم، كما ذكرناه سابقاً. ثالثاً: أن ينفتح ما قبلهما، ولذلك صَحَّتَا في: عِوَض، عِوَض تَحرَّكت الواو وَكُسِرَ ما قبلها، والشَّرط: أن يكون فتح، فلو كُسِرَت أو ضُمَّت ولم تُفْتَح صَحَّت العين أو الواو: (عِوَض) نقول: الواو هنا تَحرَّكت، وما بعدها كذلك مُحرَّك، لكنَّها لا تُقْلَب ألفاً، لأنَّ ما قبلها لم يُفْتَح .. انتفى شرطٌ، وكذلك: (حِيَل) ياءٌ مُتحرِّكة وما بعدها مُتحرِّك، ولكن ما قبلها كُسِرَ ولم يفتح، (سُوَر) فُتِحَت الواو وتَحرَّكت، وما قبلها مضموم. الرابع: أن تكون الفتحة مُتَّصِلة، أي: في كلمتيهما ولذلك صَحَّتَا في: ضَرَبَ واحدٌ، تَحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها فلا تُقْلَب ألفاً: وَضَرب ياسرٌ. الخامس: أن يَتَحرَّك ما بعدهما إن كانتا عينين، وألا يليهما ألفٌ ولا ياءٌ مُشدَّدة إن كانتا لامين، على التفصيل السابق، ولذلك صَحَّت العين في: بَيَان، لأنَّ ما بعدها ساكن، و (طَويِل) و (خَوَرْنَق) هذا في غير الياء، واللام في: رَمَياَ وغَزَوَا وفَتَيَان وعَصَوَان وعَلَوِي وقتَوِي.

وَأُعِلَّت العين في: قَام وبَاعَ، وبَاب .. (بَوَبٌ)، وناب .. (نَيَبٌ) لِتَحَرُّك ما بعدها، إذ ليس بعدها ألفٌ ولا ياءٌ مُشدَّدة، وكذلك في: يَخْشَوْنَ، كما سبق بيانه. السادس: ألا تكُون إحداهما عيناً لـ: (فَعِلَ) الذي الوصف منه على (أفْعَلَ). ألا تكون إحداهما، يعني: الواو أو لياء عيناً لـ: (فَعِلَ) بكسر العين، الذي الوصف منه على (أفْعَلَ) .. أفعل التفضيل، نحو: أهْيَفْ، المراد به اسم فاعل ليس أفعل التفضيل .. إنما للزينة فقط: أَهْيَف .. هَيَفٌ .. هَيِفَ، والكلام هنا في المصدر، وفي (فَعِلَ)، أمَّا: أهْيَف، فواضح أنَّه لا يُعَلّ، و (عَوِرَ) كذلك. سابعاً: ألا تكُون عيناً لمصدر هذا الفعل كـ: الْهَيَف، جعله مُستقِّلاً، انظروا! الشُّروط يمكن تداخلها. الثامن: ألا تكُون الواو عيناً لـ: (افْتَعَلَ) الدَّال على معنى (التَّفَاعُل)، أي: تشارك الفاعليَّة والمفعوليَّة نحو: اجْتَوَرُوا واشتوروا، فإنَّه في معنى: تجاوَرُوا وتشاوَرُوا. فأما الياء فلا يُشْتَرط فيها ذلك، لأنَّه قال: (وَالْعَيْنُ وَاوٌ)؛ لقربها من الألف، ولهذا أُعِلَّت في: اسْتَافُوا مع أن معناه: تَسَايَفُوا. التَّاسع: ألا تكُون إحداهما مَتْلُوَّةً بحرفٍ يستحق هذا الإعلال، يعني: إذا اجتمع حرفان، فإن كانت كذلك صَحَّت وَأُعِلَّت الثانية نحو: اَلِحْيَا والهَوَى، وقد يرد العكس، ولم يحكم بالشُّذوذ هناك ابن هشام، بخلاف ابن عقيل هنا، والنَّاظم قال: (وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقّْ) (قَدْ) هنا للتَّقليل فليس بشاذ، لكن الأفصح والأكثر أن تُصَحَّح الأولى. العاشر: ألا يكُون عيناً لِمَا آخِرَهُ زيادةٌ تختص بالأسماء، فلذلك صَحَّتَا في نحو: اَلجْوَلاَن والَهَيمَان والصَّوَرَى والحَيْدَى. ثُمَّ قال النَّاظم: مسألة: وَقَبْلَ بَا اقْلِبْ مِيمَاً النُّونَ إِذَا ... كَانَ مُسَكَّناً كَمَنْ بَتَّ انْبِذَا اقلب النُّون ميماً، وباءً .. ما إعراب (بَاءً)؟ (قَبْلَ بَا) قصره للضرورة، (قَبْلَ) هذا منصوبٌ على الظرفية مُتعلِّق بقوله: (اقْلِبْ): اقلب النُّون ميماً قبل باءٍ، (إِذَا كَانَ مُسَكَّناً) ما هو؟ الضمير (إِذَا كَانَ) اسم (كَانَ) ضمير مستتر يعود على (النُّون) (إِذَا كَانَ النُّونَ مُسَكَّناً) سواءٌ كان مُتَّصلاً في كلمة واحدة أو منفصلاً، وهذه يَتَكلَّم عنها أهل التجويد. (كَمَنْ بَتَّ) قلبت النُّون ميماً، (انْبِذَا) هنا نونٌ ساكنة بعدها باءٌ، إذاً: اقلب النُّون ميماً قبل باءٍ، وهنا قلبت النُّون ميماً فقلت: (كَمَنْ بَتَّ) (مَنْ) نون ساكنة ثُمَّ جاءت بعدها باء، اقلب النُّون ميماً تقول: (كَمَنْ بَتَّ انْبِذَا) (انْبِذَا) انبذاً .. الألف هذه بدلٌ عن نون التوكيد الخفيفة. يعني: أنَّ النُّون الساكنة إذا وقعت قبل الباء وجب قلبها ميماً، وذلك فيما كان من كلمتين ومن كلمة، يعني: قد يكونا في كلمة، وقد يكونا في كلمتين، ولذلك مَثَّل بالنوعين، فالمتَّصل نحو: (انْبِذَا)، والثاني .. المتَّصل نحو: (مَنْ بَتَّ).

قال الشَّارح: " لَمَّا كان النطق بالنُّون الساكنة قبل الباء عَسِراً " إذاً: سبب القلب هنا طلب الخِفَّة .. فراراً عن العسر،"لاختلاف مخرجيهما مع منافرةٍ بين النُّون وَغُنَّتِها لِشدَّة الباء، وجب قلب النُّون ميماً، ولا فرق في ذلك بين المتَّصلة والمنفصلة"، يعني: في كلمة واحدة أو في كلمتين، متى ما جاءت النُّون ثُمَّ باءٌ والنُّون ساكنة، قلبت النُّون ميماً طلباً للخِفَّة، ويجمعهما قوله: (مَنْ بَتَّ انْبِذَا) أي: مَنْ قَطَعَكَ فَأَلْقِه عَنْ بَالك وَاطْرَحه، وألف (انْبِذَا) مُبدَلَةٌ من نون التوكيد الخفيفة. إذاً: في هذه الخاتمة .. المسألة الثالثة: وهي قلب النُّون ميماً، وذلك إذا كانت ساكنةً قبل الباء على جهة الخصوص، أمَّا قبل غيرها فلا، والنُّون إذا كانت مُتحرِّكة فلا، وإنَّما هي خاصَّةٌ بالسَّاكنة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

138

عناصر الدرس * فصل ... مواضع نقل حركة العين إلى الساكن الصحيح قبله * مواضع نقل حركة العين إلى الساكن الصحيح قبله * خلاصة الفصل ومسائله * فصل .. قلب الواو أو الياء تاءاَ * قلب (تا) الإفتعال طاءاَ أو دالاَ * فصل حذف الواومن المثال العرواي * حذف أحد المثلين * أوجه إسناد الفعل المضعف الثلاثي إلى ضمير * الإدغام ... وحده وأنواعه * مالا يجوز إدغام المثلين فيه. وما يجوز * ما يجوز فيه الإدغام والفك * متى يجب الفك * خلاصة الباب * الخاتمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسلام عَلَى نَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آله وَصَحْبِه أَجْمَعِين، أمَّا بعد: فلا زال النَّاظم يسرد لنا فصولاً تتعلَّق بالإبدال. قال: (فَصْلٌ). لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ ... ذِي لِيْنٍ آتٍ عَيْنَ فِعْلٍ كَأَبِنْ هذا الفصل المراد به: نقل حركة الحرف المُتحرِّك المُعتل إلى السَّاكن الصحيح قبله، حروف العِلَّة ثلاثة: الألف والواو والياء، والألف ليست قابلة للتَّحرِيك، حينئذٍ بقي الواو والياء، إذا حُرِّكت الواو بحركة، أو حُرِّكَت الياء بحركة، حينئذٍ صار فيها نوع ثقل، ولو كانت الحركة فتحة، حينئذٍ تُنْقَل حركة حرف العِلَّة -الواو أو الياء- إلى ما قبلها، هذا يُسَمَّى: إعلالاً بالنَّقل، يعني: تُنْقَل حركة حرف العِلَّة إلى ما قبله، لكن ليس على إطلاقه، بل بشروطٍ سيذكرها النَّاظم متوالية. إذاً: هذا الفصل ممكن تجعل له عنوناً في نقل حركة الحرف المُتحرِّك المُعْتَل إلى السَّاكن الصحيح قبله، ولذلك قال: لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ ... ذِي لِيْنٍ. . . . . . . . . . . . . (انْقُلْ) فعل أمر وهو مبني بالسُّكون المُقدَّر على آخره، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: أنت، و (التَّحْرِيكَ) مفعولٌ به، وقوله: (لِسَاكِن) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (انْقُلْ) انقل التَّحريك لساكن، و (صَحَّ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على السَّاكن، والجملة في محلِّ جر صفة (لِسَاكِن). إذاً: (لِسَاكِنٍ) صحيحٍ، عَبَّر بالجملة .. النَّظم لم يساعده فأتى بالجملة، (صَحَّ) هذا فعل، لساكنٍ صحيحٍ، هذا أول شرط: أن يكون ساكناً صحيحاً، فإن كان مُعتلَّاً حينئذٍ لا يُنْقَل إليه، لماذا؟ لأنَّه إنَّما يُنْقَل من حرف عِلَّة لأجل طلب التَّخفيف، فلا يُنْقَل إلى حرفٍ مُعتلٍّ مثله، وإنَّما يُنْقَل إلى صحيح، لأنَّ الصَّحيح قوي، وحينئذٍ تَحرَّك بحركةٍ ما ازداد قوَّةً. انْقُلِ لِسَاكِنٍ صَحَّ. انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ ذِي لِينٍ .. (مِنْ ذِي لِينٍ) يعني: من حرفٍ (لِينٍ) المراد به: حرف العِلَّة، وهو الواو أو الياء، (آتٍ) هذا نعت لـ: (ذِي)، و (آتٍ) اسم فاعل وهو صِفِّة لـ: (ذِي)، وفيه ضمير مستتر يعود على (ذِي) (آتٍ) أي: هو و (عَيْنَ) هذا حال من فاعل (آتٍ) .. الضمير المستتر، (عَيْنَ فِعْلٍ) (عَيْنَ) مضاف، و (فِعْلٍ) مضافٍ إليه (كَأَبِنْ). إذاً اشترط النَّاظم هنا: أن يكون التَّحريك (مِنْ ذِي لِينٍ) لا من حرفٍ صحيح، وأن يكون لساكنٍ صحيح، يعني: يُنْقَل إلى السَّاكن قبله الصَّحيح، ثُمَّ: أن يكون هذا اللين (عَيْنَ فِعْلٍ). إذاً الموضع الأول: أن يكون الحرف المعتل عيناً لِفِعْلٍ، الحرف المُعتَل المُحرَّك الذي نريد نقل حركته أن يكون (عَيْنَ فِعْلٍ). (كَأَبِنْ) (أَبِنْ) هذا فعل أمر مثل: أَكْرِم، أصلها: أَبْيِنْ .. أَكْرِم، أَبْيِنْ الباء ساكنة وهو حرفٌ صحيح، والياء مُتحرِّكة بالكسرة، حينئذٍ نقلنا حركة الياء الكسرة إلى ما قبله وهو الباء وهو حرفٌ صحيح.

ثُمَّ التقى ساكنان الياء والنون التي سكنوها سكون بناء، فَحُذِفَت الياء قيل: (أَبِنْ)، إذاً: حصل نقلٌ وحذفٌ، اجتمع في هذا المثال إعلالان: إعلالٌ بالنَّقل، وإعلالٌ بالحذف، (أَبِنْ) أصلها: أَبْيِنْ، على وزن (أَفْعِل) .. (أكْرِم)، اسْتُثْقِلَت الكسرة على الياء وَنُقِلَت إلى ما قبلها، ثُمَّ سكنت الياء .. تَحرَّكت الباء بالكسرة التي هي حركة الياء وسكنت الياء، ثُمَّ النون ساكنة، لأنَّه فعل أمر مبني على السُّكون، فالتقى ساكنان الياء والنون، حينئذٍ ليس لنا حيلة إلا في حذف الياء، مع كون الأصل في التقاء الساكنين: أن يُحَرَّك الأول بالكسرة، لكن هنا يمتنع تحريكه، لأنَّنا نقلنا حركته التي هي حركة بِنْيَة طلباً للتَّخفيف، حينئذٍ لا يُحَرَّك فلم نستفد شيئاً من النَّقل، فالتقى ساكنان الياء والنون، ثُمَّ حُذِفَت الياء فقيل: (أَبِنْ). ومثلها في الفعل المضارع: يقول، أصلها: يَقْوُل، على وزن (يَفْعُل) بِضمِّ العين، هنا وقعت الواو (عَيْنَ يَفْعُلْ) قيل: يَقْوُل، والقاف ساكنة وهي حرف صحيح، إذاً: نقلنا حركة الواو إلى ما قبله وهو السَّاكن الصحيح، فماذا حصل؟ حَرَّكنا القاف بالضَّمَّة وسكنت الواو صار: يَقُوْل. (يَبِيْع) أصلها: يَبْيِع، على وزن (يَفْعِل) .. (يَجْلِس)، تَحرَّكت الياء هنا بالكسرة، حصل إعلالٌ بالنَّقل فَنُقِلَت إلى ما قبلها صار: يَبِيْع، إذاً: الباء هذه في الأصل ساكنة: يَبْيِع، الياء مُتحرِّكة بالكسرة، اسْتُثْقِلَت الكسرة على الياء، ثُمَّ نُقِلَت إلى ما قبلها، والشرط موجود: وهو كون المُحرَّك (ذِي لِينٍ) .. حرف لين، وكون ما قبله صحيحٌ ساكنٌ. إذاً: لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ ... ذِي لِينٍ آتٍ. . . . . . . . . . . . . (آتٍ) هذا حال .. حال كون هذا اللين .. (آتٍ) هذا صفة لـ: (لِين). (ذِي لِينٍ آتٍ) حال كونه هذا اللين (عَيْنَ فِعْلٍ)، فإن لم يكن (عَيْنَ فِعْلٍ) فلا نقل، لأنَّ الحكم مُخَصَّص بعين الفعل المعتل، حينئذٍ إذا كانت اللام فلا نقل هذا الأصل، وإن كانت الفاء فلا نقل قطعاً، لأنَّ الفاء أول الكلمة، حينئذٍ يمتنع أن يكون ثَمَّ نقلٌ (كَأَبِنْ). قال الشَّارح: " إذا كانت عين الفعل ياءً أو واواً مُتَحَرِّكة، وكان ما قبلها ساكناً صحيحاً، وجب نقل حركة العين إلى السَّاكن قبلها " لاستثقال الحركة في حرف العِلَّة، هذه عِلَّة الوجوب، نحو: يَبِيْن ويَقُوم، والأصل: يَبْيِنُ، على وزن (يَفْعِلُ)، و (يَقُوم) .. (يَقْوُم) هذا الأصل فيه، بكسر الياء وَضَمِّ الواو، وَنُقِلَت حركتهما إلى السَّاكن قبلهما، وهو الباء والقاف، وكذلك في: (أَبِنْ). إذاً: إذا كان حرف العِلَّة عين الفعل، وهو مُحرَّك، وقبله ساكن صحيح، وجب نقل حركته إلى ما قبله، فإن كان السَّاكن غير صحيح حينئذٍ يمتنع النَّقل، لكوننا طلبنا الخِفَّة، ودفعاً للاستثقال بنقل حركة الحرف المُعتَلْ، حينئذٍ لا ننقله إلى مثله .. لم نستفد شيئاً.

فإن كان السَّاكن غير صحيح لم تُنْقَل الحركة نحو: بايع وَبَيَّن وَعَوَّق، حينئذٍ إذا لم يكن السَّاكن حرفاً صحيحاً امتنع، هنا: بايع، الياء وقعت عين الفعل بايع (فَاعَل)، هل نقول: تُنْقَل إلى ما قبلها؟ لا، لأنَّ الألف هنا ساكن .. الحرف غير صحيح .. حرف عِلَّة، و (بَيَّن) عندنا ياءان الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة، لا ننقل حركة الياء المُتحرِّكة إلى ما قبلها السَّاكن لكونه حرف عِلَّة، وكذلك (عَوَّق) اجتمع عندنا واوان الأولى ساكنة والثانية مُتحرِّكة، لا ننقل حركة المُتحرِّكة إلى ما قبلها، لكونه حرف عِلَّة. إذاً: يمتنع النَّقل إن كان السَّاكن مُعتلَّاً، ثُمَّ إذا نقلنا الحركة مثل: يقول ويبين، إن خالفت العين الحركة المنقولة أُبْدِلَت من مُجَانِسها نحو: أبان وأعان، (أبان) أصلها: أَبْيَن، نقلنا حركة الياء إلى ما قبلها صار: أبان، قُلِبَت الياء ألفاً، هل العِلَّة موجودة .. ما هي؟ إمَّا جزء العِلَّة وهذا أجود، وإمَّا بالنَّظريين .. باعتبارين. وكذلك: أعان، أصله: أَبْيَن وَأَعْوَن، فدخل النَّقل والقلب فصار: أبان وأعان، ويبقى الحرف المُعتَل إن جانس الحركة المنقولة نحو: يقول ويبيع، يعني: إذا أردنا ضابطاً لهذه نقول: الحركة المنقولة إن كانت من جنس الحرف صَحَّ الحرف لم يُقْلَب مثل: يَقُول .. يَقْوُل، نُقِلَت الضَّمَّة وهذه الضَّمَّة من جنس الواو، إذاً: صَحَّت الواو، كذلك: يَبِيع .. يَبْيِعُ، نُقِلَت الكسرة وهنا الواو والياء من جنس الكسرة .. الكسرة من جنس الياء، حينئذٍ صَحَّت الياء، وإلا فَيُقْلَب مثل: يَخَاف .. يَخْوَفُ، هنا نُقِلَت الحركة، ثُمَّ قُلِبَت الواو ياءً، هل الفتحة من جنس الواو؟ الجواب: لا. إذاً: إذا كانت الحركة المنقولة من جنس الحرف الذي نُقِلَ عنه حرف العِلَّة، حينئذٍ صَحَّت، مثل: يقول ويبيع، وإذا لم تكن من جنسها فحينئذٍ قُلِبَ حرف العِلَّة ألفاً مثل: أبان، أصله: أَبْيَن، الفتحة ليست من جنس الياء قطعاً، حينئذٍ قُلِبَت الياء ألفاً، وكذلك (أعان) أصلها: أَعْوَنَ، نُقِلَت الفتحة إلى ما قبلها .. العين السَّاكنة، والفتحة ليست من جنس الواو، إذاً: تُقْلَب الواو ألفاً، فإن كانت من جنسها: ضَمَّة على واو نُقِلَت .. صَحَّت مثل: يَقُوْل. (يَبْيِعُ) كسرة من جنس الياء صَحَّت إذاً، أمَّا: أبان وأعان ويخافُ، هذه تُقْلَب الواو ألفاً، أو الياء ألفاً. فإن كان الساكن غير صحيحٍ لم تنقل الحركة نحو: بَايع وَبَيَّن وَعَوَّق. مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ وَلاَ ... كَابْيَضَّ أَوْ أَهْوَى بِلاَمٍ عُلِّلاَ إذاً: إن كان ساكناً .. شرط في الأول قال: (صَحَّ) فإن لم يكن ساكناً حينئذٍ لم يُنْقَل .. لم يحصل إعلال بالنقل، قال: مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ .. هذا شرطٌ ثاني: ألا يكون فعل تعجُّب، وهذا يشمل الصِّيغتين: (أَفْعِلْ بِه) و (ما أَفْعَلَهُ)، (ما أَقْوَمَه)، أقْوَ .. هل ننقل الحركة هنا من الواو إلى القاف؟ الجواب: لا .. هذا يمتنع، كذلك: أَقْوِمْ بِه، هنا لا تُنْقَل حركة الواو إلى ما قبلها، فتبقى القاف ساكنة، هذا استثناء.

إذاً: الإعلال بالنَّقل لا يدخل فعليَّ التَّعجُّب بالصِّيغتين المشهورتين، إذاً: مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ .. شمل صيغتي أَفْعَلْ التَّعجب: وهما (مَا أَفْعَلَهُ) و (أَفْعِلْ بِه) فالأول نحو: ما أقْوَمَه، وما ألْيَنَه، والثاني نحو: أَقْوِمْ بِه وَأَلْيِن بِه، ما الذي حصل؟ وقعت العين حرف عِلَّة مُحرَّك، وما قبله صحيحٌ ساكن، لم يحصل الإعلال، لقيام المانع: وهو كونه فعل تَعَجُّبْ. وإنَّما صَحَّ فيهما بالحمل على (أَفْعِلْ) من كذا، لأنَّهما من بابٍ واحد، يعني: حُمِلَ على أَفْعَلْ التَّفضيل. (وَلاَ كَابْيَضَّ) يعني: من المُضعَّف، (ابْيَضَّ) هنا الياء مُحرَّكة وهي عين الكلمة، وما قبلها حرفٌ صحيحٌ ساكن، (ابْيَضَّ) فلو نُقِلَت الحركة للسَّاكن هنا لذهبت همزة الوصل فيقال: بَاضَ، إذاً: لئلا تسقط همزة الوصل ويبقى المُضعَّف على حاله ولا يُفَكّ، حينئذٍ لا يحصل الإعلال هنا بالنَّقل، فيلتبس بـ: (فَاعَلَ) من المضاعف. (أَوْ أَهْوَى بِلاَمٍ عُلِّلاَ) لِمَا أُعِلَّت لامه، إذ لو نُقِلَت الحركة فيه لتوالى عليه إعلالان وهذا ممتنع، لأنَّ (أَهْوَى) أصله: أَهْوَيَ، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً، (أَهْوَى) والواو هنا مُتحرِّكة وما قبلها صحيحٌ ساكن، لو نُقِل لتوالى عليها إعلالان وهذا إجحافٌ بها. إذاً: يُشْتَرط في الإعلال بالنَّقل: أن يكون حرفاً صحيحاً، وألا يكون فِعلي تعجُّب، وألا يكون (كَابْيَضَّ) من المضاعف، وألا يكون مُعلَّ اللام. (مَا لَمْ يَكُنْ) (مَا) هذه ظرفيَّة مصدرية، و (لَمْ) حرف نفي وجزم، و (يَكُنْ) فعل مضارع ناقص، واسمه ما هو .. الضمير يعود على أي شيء؟ مُعتلَّ العين، الذي نريد إعلاله بالنَّقل (لِسَاكِنٍ صَحَّ). قلنا المسألة الأولى: أن يكون الحرف المُعتَل عين الفعل، (مَا لَمْ يَكُنْ) هو أي: الفعل المُعتلَّ العين، (فِعْلَ تَعَجُّبٍ) هذا خبر (يَكُنْ) وهو مضاف، و (تَعَجُّبٍ) مضافٌ إليه، (وَلاَ كَابْيَضَّ) (وَلاَ) الواو عاطفة، و (لاَ) زائدة، (كَابْيَضَّ) معطوفٌ على فعل التَّعجب، جار ومجرور معطوف على ما سبق، يعني: مثل (ابْيَضَّ) إذا جعلتها اسْميَّة أو جعلتها حَرفيَّة. (أَوْ) كذلك عطف، (أَهْوَى) معطوف على فعل التَّعجُّب، (بِلاَمٍ عُلِّلاَ) يعني: مُعَلٌّ باللام، والألف هذه للإطلاق، و (عُلِّلاَ) يعود على (أَهْوَى) الضمير، والجملة صفة لـ: (لاَمٍ) للامٍ مُعَلٍّ، لأنَّ (أَهْوَى) أصله: أَهْوَيَ، تَحرَّكت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفاً. قلنا: (مَا) مصدرية، أي: مُدَّة عدم كونه (فِعْلَ تَعَجُّبٍ) وما عُطِفَ عليه، (مدَّة كونه) أي: الفعل المُعلَّ الذي يدخله إعلالٌ بالنَّقل، مُدَّة عدم كونه: . . . . . فِعْلَ تَعَجُّبٍ وَلاَ ... كَابْيَضَّ أَوْ أَهْوَى. . . . . . قال الشَّارح: "إنَّما تُنْقَل حركة العين إلى السَّاكن الصحيح قبلها: إذا لم يكن الفعل للتَّعَجُّبْ، أَوْ مُضَاعَفَاً، أَوْ مُعْتَلَّ اللام" هكذا.

كُلُّ واحدٍ من هذه الثلاثة لا يدخله إعلالٌ بالنَّقل، وَدَعْك من العلل التي يذكرها الصَّرفيُّون، فعل التَّعجُّب لا يدخله إعلال: أَقْوِم به، وكذلك تقول: ما أَقْوَمَه، وما أَبْيَنَه، وما ألْيَنَه، وَأَلْيِن به، وَأَبْيِن به، تبقى حركة حرف العِلَّة كما هي ولا تُنْقَل إلى ما قبلها، ولو كان صحيحاً ساكناً. أَوْ مُضَاعَفَاً كَـ: ابْيَضَّ واسْوَدَّ وَاحْمَرَّ وَاخْضَرَّ، كُلُّ هذه مُضعَّف فلا يحصل فيها إعلالٌ بالنَّقل، أَوْ مُعْتَلَّ اللام لئلا يقع فيه إعلالٌ آخر، وإن كان هنا إعلالٌ بالقلب، وهذا إعلالٌ بالنَّقل، لئلا يجتمع فيه جنس الإعلال. فإن كان كذلك فلا نقل نحو: مَا أَبْيَن الشَّيء وَأَبْيِن به، وَمَا أَقْوَمَه وَأَقْوِمْ بِه، ونحو: ابْيَضَّ وَاسْوَدَّ، ونحو: أهوى وأحيا، كُلُّ هذه لا يدخلها إعلالٌ بالنَّقل. ثُمَّ قال: ومِثْلُ فِعْلٍ فِي ذَا الاِعْلاَلِ اسمُ ... ضَاهَى مُضَارِعاً وَفِيهِ وَسْمُ (فِي ذَا الاِعْلاَلِ) الألف تحذف، ذال ثُمَّ اللام مكسورة (فِي ذَا لاِعْلاَلِ اسمُ)، (ومِثْلُ فِعْلٍ اسمُ) هذه المسألة الثانية التي يُعَلُّ فيها إعلالٌ بالنَّقل. (مِثْلُ فِعْلٍ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (فِعْلٍ) مضافٌ إليه، (اسْمُ) هذا خبر، ويجوز العكس: أن يكون (اسْمُ) هو المبتدأ، (ومِثْلُ فِعْلٍ) خبر، وهذا لا إشكال فيه، (فِي ذَا الْ) (فِي) حرف جر، و (ذَا) اسم إشارة، والمشار إليه ما بعده وهو (الاِعْلاَلِ)، (فِي ذَا الاِعْلاَلِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (مِثْلُ)، لأن (مِثْلُ) فيها معنى المماثلة. (اسمٌ ضَاهَى مُضَارِعاً) إذا الاسم أشبه المضارع، حينئذٍ صَحَّ أن يدخله الإعلال بالنَّقل، الحديث الآن في الإعلال بالنَّقل. المسألة الأولى: إذا كانت الواو أو الياء المُحرَّكتين (عَيْنَ فِعْلٍ) بالشُّروط السَّابقة: أن يكون الحرف ما قبله ساكن صحيح، ثُمَّ ألا يكون من باب (أَفْعَل) فعليَّ التَّعجُّب، ولا مضاعفاً، ولا مُعلَّ اللام. المسألة الثانية: ما يدخله الإعلال بالنَّقل: أن يكون الاسم مُشابهاً للفعل، ولذلك قال: (اسمٌ ضَاهَى مُضَارِعاً) (ضَاهَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (اسمٌ)، (اسمٌ ضَاهَى) هو (مُضَارِعاً) يعني: فِعْلاً مضارعاً. (وَفِيهِ وَسْمُ) الواو هذه للحال، (وَفِيهِ) خبر مُقدَّم، (فِيهِ) الضمير يعود على الاسم، (وَسْمُ) هذا مبتدأ مُؤخَّر، أي: علامةٌ يمتاز بها عن الفعل .. (وَفِيهِ وَسْمُ) يعني: علامةٌ يمتاز بها عن الفعل. إذاً: الاسم المُشْبِه للفعل المضارع يدخله الإعلال بالنَّقل، لكن المراد بالمشابهة هنا: المشابهة في الزِّيادة فقط، أو في الوزن فقط، لأنَّ الاسم إمَّا أن يُشْبِه الفعل في الزِّيادة وفي الوزن، وإمَّا أن يشبهه في الوزن فقط، أو في الزِّيادة فقط، أو أن يَتَجرَّد عن الشَّبَهين، هذه أربعة أقسام.

إنْ أشبه الاسم الفعل المضارع في الزِّيادة فقط دون الوزن أُعِلَّ، وإن أشبه الاسم الفعل المضارع في الوزن فقط دون الزِّيادة أُعِلَّ، وأمَّا النَّوعان الآخران: ألا يُشْبِه الفعل لا في الزِّيادة ولا في الوزن فلا إعلال .. وجب التَّصحيح، وإن أشبه الاسم الفعل فيهما معاً وجب التَّصحيح. يعني: أنَّ الفعل يُشاركه في وجوب الإعلال بالنَّقل المذكور كُلُّ اسمٍ أشبه المضارع في زيادته لا في وزنه، أو في وزنه لا في زيادته، فشمل صورتين من الصور الأربعة، فإن أشبهه في الوزن والزِّيادة معاً نحو: أبيض وأسود، أو باينه فيهما معاً وجب التَّصحيح. إذا: ومِثْلُ فِعْلٍ فِي ذَا الاِعْلاَلِ اسمُ ... ضَاهَى مُضَارِعاً وَفِيهِ وَسْمُ قال الشَّارح: " يعني أنَّه يثبت للاسم الذي يُشْبِه الفعل المضارع في زيادته فقط، أو في وزنه فقط، من الإعلال بالنَّقل ما يثبت للفعل، فالذي أشبه المضارع في زيادته فقط: تِبِيعٌ، وهو مثال: تِحْلِئٍ، من البيع". يعني: أن تبني من (البيع) مثل: تِحْلِيءٍ، بكسر التَّاء ثُمَّ لامٌ وبعدها همزة فتقول: تَبْيِعٍ، حينئذٍ حصل إعلال بالنَّقل .. نُقِلَت حركة الياء إلى ما قبله فصار: تِبِيع، بكسر التَّاء وكسر الباء، لأنَّه أشبه الفعل المضارع في الزِّيادة وهي التَّاء، وخالفه في الوزن، الفعل المضارع لا يأتي على: تِبِيع، إنَّما: تَبِيع، هذا الأصل، و (تِبِيع) هذا ليس بزنةٍ للمضارع. إذاً: أشبهه في الزِّيادة فقط وهي: التاء، فالذي أشبه المضارع في زيادته فقط: تِبِيع، بكسر التاء والباء وإسكان الياء، وهو مثال: تِحْلِيءٍ، من (البيع) بكسر التَّاء وهمزةٍ بعد اللام، والأصل: تِبْيِعٌ، بكسر التاء وسكون الباء، فَنُقِلَت حركة الياء إلى الباء فصار: تِبِيْع، من (البيع). والذي أشبه المضارع في وزنه فقط: مَقَام، في الوزن: (مَقْوَمْ) هذا الأصل، أشبه (تَشْرَب)، إذاً: شاركه في الوزن فقط، والذي أشبه المضارع في وزنه فقط (مَقَامٌ) والأصل (مَقْوَمٌ) هنا حصل إعلالٌ: وهو أن الواو (مَفْعَلٌ) وقعت عيناً وهي مُحرَّكة، وما قبله صحيحٌ ساكن، فدخله إعلالٌ بالنَّقل، وهو اسمٌ، لماذا دخل الاسم الإعلال بالنَّقل؟ لكونه أشبه الفعل المضارع في وزنه، لأنَّ (مَقْوَم) على وزن (تَشْرَب) فهو في وزانه. وخالفه في الزِّيادة، لأنَّ الميم لا تُزَاد في أول المضارع، مَقَامٌ، الميم هذه زائدة، وهل تُزَاد في أول المضارع ميم؟ الجواب: لا، وإنَّما هي أحد أحرف (أَنَيْتُ)، فَنُقِلت حركة الواو إلى القاف، ثُمَّ قُلِبَت الواو ألفاً لمجانسة الفتحة، فإن أشبهه في الزِّيادة والزِّنة معاً، فإمَّا أن يكون منقولاً من فعلٍ أولا، فإن كان منقولاً منه أُعِلَّ كـ: يزيد، وإلا صَحَّ كـ: أبيض وأسود.

الصواب هنا: عدم التَّفصيل، لأنَّه إذا نُقِل عن المضارع فَأُعِلَّ أولاً قبل النَّقل فهو مُعل، وأمَّا بعده فلا يدخله الإعلال، فإن أشبهه في الزِّيادة والزِّنة معاً، فإمَّا أن يكون منقولاً من فعلٍ أو لا، ما الذي يَتَرتَّب؟ فإن كان منقولاً منه أُعِلَّ كـ: يَزِيد، أصلها: يَزْيِد، حينئذٍ أُعِلَّت الياء بنقل حركته إلى الزاي، أصله: يَزْيِد، لكن هذا قبل النَّقل وليس بعده، ولذلك التَّفصيل هنا ليس في مَحلِّه. بل الصَّواب أن يُقَال: فإن أشبهه في الزِّيادة والزِّنة معاً صَحَّت الواو، يعني: لا تُنْقَل .. لا يدخله إعلالٌ بالنَّقل، فإن كان منقولاً منه أُعِلَّ كـ: يَزِيد، وإلا صَحَّ كـ: أبيض وأسود، لأنَّه لو أُعِلَّ لالتبس بالفعل، إذ ليس فيه علامةٌ يَمْتَاز بها: (أبيض)، هذا فيما إذا أشبهه بالزِّيادة والزِّنة معاً. وَفُهِمَ منه أيضاً: أنَّ الاسم إذا لم يُشابِه الفعل المضارع لا في الوزن ولا في الزِّيادة لم يُعَلْ كـ: مِكْيَال، الياء حرف عِلَّة (مِفْعَال) تَحرَّكت الياء بالفتح وما قبله ساكن، هل يدخله إعلالٌ بالنَّقل؟ الجواب: لا، لكونه لم يُشْبِه الفعل المضارع، وشرط دخول الإعلال بالنَّقل في الاسم: أن يكون مشابهاً للفعل المضارع، إمَّا في الزِّنة فقط، وإمَّا في الزِّيادة، يعني: أن يُزَاد في الاسم حرفٌ من حروف (أَنَيْتُ). فإن زِيد لا من حروف (أَنَيْتُ)، ولم يكن على زنة المضارع مثل: مِكْيَال .. (مِفْعَال) ليس عندنا فعل مضارع على وزن (مِفْعَال)، إذاً: لا في الوزن ولا في الزِّيادة، لأنَّ الميم هذه لا تُزَاد في الفعل إذاً: لا يُعَل، ولا نقول: مِكْيَال .. (مِكِيـ) هذا لا يصح؛ لانتفاء الشَّرط. إذاً: المسألة الثانية فيما يدخله إعلالٌ بالنَّقل: أن يكون الاسم ضاهى الفعل المضارع، إمَّا في الزِّنة فقط يعني: في الوزن، أو في الزِّيادة، والنُّوعان الآخران لا يدخلهما إعلالٌ. (ومِثْلُ) مبتدأ وهو مضاف، و (فِعْلٍ) مضافٌ إليه، (فِي ذَا) (ذَا) اسم إشارة، وما بعده هو المشار إليه، (فِي ذَا الاِعْلاَلِ) (اسمُ) هذا خبر، ويجوز العكس: أن يكون (اسمُ) مبتدأ مُؤخَّر، و (مِثْلُ فِعْلٍ) هذا خبر مُقدَّم. (ضَاهَى) الجملة هنا صفة لـ: (اسمُِ) .. نعت (اسمِ)، (ضَاهَى مُضَارِعاً) مفعولٌ به، (وَفِيهِ وَسْمُ) يعني: والحال أن فيه (وَسْمٌ)، يعني: علامةٌ يمتاز بها عن الفعل، يعني: ليس بِفِعلٍ، وإنَّما هو اسمٌ ضاهى الفعل المضارع، وفيه علامته الخاصَّة به، يعني: لم ينتقل إلى المضارع حتى يُقَال بأنَّه فعلٌ مضارع، ففرقٌ بينهما. ثُمَّ قال: وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَالِ .. (مِفْعَل) هذا نحو: مِخْيَط، دخل فيما سبق: وهو كونه أشبه الفعل المضارع في الوزن دون الزٍّيادة، فدفعاً لهذا أخرجه بقوله: وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَالِ .. كـ: (المِكيَال)، علمنا أنَّ (المِكيَال) لم يُشْبِه الفعل المضارع، لا في الوزن، ولا في الزِّيادة، إذاً (صَحِّ) يعني: لم يحصل له إعلالٌ بالنَّقل، هذا المراد بالتَّصحيح هنا.

(مِفْعَلٌ) مثله .. مثل: مِخْيَط، مِخْيَط ياءٌ مُتحرِّكة قبلها ساكن صحيح، هل يدخله إعلالٌ بالنَّقل؟ الجواب: لا، لأنَّ: مِخْيَط .. (مِفْعَل) ليس على زنة المضارع، وليس فيه زيادة المضارع، لأنَّ الميم هذه لا تُزَاد في المضارع. (مِفْعَلْ) مبتدأ، و (صُحِّحَ) هو الجملة خبر، (كَالْمِفْعَالِ) هذا فيه تعليل، لماذا صُحِّحَ؟ حملاً على (الْمِفْعَالِ)، و (الْمِفْعَالِ) كـ: المكيال، مُصَحَّحٌ لأنَّه لم يشبه الفعل في النوعين، (وَمِفْعَلٌ) مثله. وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَالِ .. وإن كان ظاهره يقتضي الإعلال، لأنَّه أشبه المضارع في الوزن دون الزٍّيادة، لأنَّه في مثل (تِعْلَمْ) .. (مِفْعَل)، (تِعْلَم) هذا فعل مضارع في لغة من يكسر حرف المضارعة التاء، (مِعْلَم) .. (تِعْلَم) في لغة، (مِفْعَلْ) مثله: مِخْيَط، إذاً: شابهه في الوزن لا في الزِّيادة، إذاً: (مِفْعَل) مُشابهٌ للفعل المضارع في الوزن، لأنَّه مثل: (تِعْلَمْ) .. (نِعْلَمْ) بكسر حرف المضارعة في لغة من كسر التاء أو النون، وإنَّما صَحَّ مع كونه وُجِدَ فيه المقتضي للإعلال، لأنَّه محمولٌ على (مِفْعَال) ولذلك قال: (كَالْمِفْعَالِ) بالألف، و (مِفْعَال) ليس فيه شَبَهٌ بالفعل المضارع لا في الوزن، ولا في الزِّيادة. وحينئذٍ القاعد: أنَّ الشيء إذا أشْبَه الشيء أخذ حكمه، هذا تعليل، أو نقول: إنَّما صُحِّحَ لأنَّه في الأصل (مِفْعَال) حُذِفَت منه الألف، يعني: (مِفْعَل) هو عين (مِفْعَال) لكن بحذف الألف، كأنَّ الأصل: مِخْيَاط، فقيل: مِخْيَط بحذف الألف، على كُلٍّ: (مِفْعَل) يُصَحَّح سواءٌ كانت هذه العِلَّة أو تلك، وكلا العِلَّتين عليلتان. وَمِفْعَلٌ صُحِّحَ كَالْمِفْعَالِ .. (كَالْمِفْعَالِ) هذا حالٌ من الضمير في الخبر، (صُحِّحَ) هو نائب الفاعل ضمير، (كَالْمِفْعَالِ) جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف حالٌ، إذاً: (مِفْعَل) هذا يُسْتَثنى، وإن كان هو على زِنَة المضارع. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ أَزِلْ لِذَا الإِعْلاَلِ وَالتَّا الْزَمْ عِوَضْ ... وَحَذْفُهَا بِالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرَضْ هذا سبق معنا في باب: أَكْرَمَ .. أَقْوَمَ إِقَامة، قلنا هناك: المصدر (إقَامَة) أصله: إِقْوَام، حصل إعلالٌ بالنَّقل، ثُمَّ اكتفي بجزء العِلَّة فَقُلِبَت الواو ألفاً، ثُمَّ اجتمع عندنا أَلِفَان: ألف المصدر والألف المنقلبة عن عين الفعل، حينئذٍ حذفنا أحد الألفين، إمَّا الأولى أو الثانية على خلاف، الصواب: أنَّها الأصلية. ثُمَّ عُوِّض عنها التاء في آخرها فقيل: إقامة، ومثله: استقام استقامةً، أصله (اسْتَقْوَمَ) حصل فيه إعلالٌ بالنَّقل، والذي معنا الآن إعلالٌ بالنَّقل: (اسْتَقْوَم) نُقِلَت حركة الواو إلى ما قبله .. القاف، ثُمَّ اكتفاءً بجزء العِلَّة قُلِبَت الواو ألفاً قيل: (استقام) -استقام لا إشكال فيه-، ثُمَّ جاءت الألف في المصدر مع الألف المنقلبة عن عين الكلمة فاجتمع عندنا أَلِفَان، فَحُذِفَت العين وَعُوِّضَ عنها التاء في الأخير.

هنا قال: (وَأَلِفَ الإِفْعَالِ) (إِفْعَالِ) إِقْوَام، (وَاسْتِفْعَالِ) استقوام، (أَزِلْ) يعني: احذف، فَرَجَّح ابن مالك هنا أنَّ المحذوف هو ألف المصدر، وألف الاستفعال ألف المصدر، وهذا على مذهب سيبويه، والمُرَجَّح خلافه، لأنَّه عُوِّضَ عنها كما ذكرنا، والتَّعويض إنَّما يكون عن حرفٍ أصلي لا عن حرفٍ زائد، ولذلك قال: (وَالتَّا الْزَمْ عِوَضْ) عِوَضْ عن ماذا؟ عن المحذوف وهو الألف، لو كانت الألف هي الزَّائدة المصدرية ما عُوِّضَ عنها، ثُمَّ هي جيء بها لمعنىً، والأصل: ما جيء به لمعنىً زائد على الكلمة أن يبقى لا يُحْذَف، وما كان من بنية الكلمة هو الذي يُحْذَف. إذاً: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ أَزِلْ لِذَا الإِعْلاَلِ. . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ما هو (ذَا الإِعْلاَل)؟ السَّابق .. إعلال بالنَّقل، (وَالتَّا الْزَمْ عِوَضْ) الْزَمِ التاء، (عِوَضاً) هذا حال من (التَّا)، وُقِفَ عليه على لغة ربيعة. وَحَذْفُهَا بِالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرَضْ .. يعني: الأصل أن تُزَاد التَّاء في مصدر الإفعال والاستفعال، يقال: أَقَامَ إِقَامَةً، وَأَجَازَ إِجَازَةً، وَأَجَار إِجَارَةً، وَاسْتَقَامَ اسْتَقَامَةً، هذا الأصل فيه، هذه التاء عِوَض عن الألف المحذوفة في المصدر، قد تُحْذَف ولَكنَّها نقلاً يعني: سَمَاعاً، ومنها: ((وَإِقَامِ الصَّلاةِ)) [النور:37] قيل: وأكثر ما تُحْذَف عند الإضافة. يعني: إذا كان المستحق للنَّقل والإعلال المذكورين مصدراً على (الإِفْعَال) أو (اسْتِفْعَال) حُمِلَ على فعله، فَنُقِلَت حركة عينه إلى فائه، ثُمَّ تُقْلَب ألفاً لمجانسة الفتحة فيجتمع ألفان: الألف المنقلبة عن العين .. واو أو ياء، والثانية: الألف التي كانت بعد العين .. ألف المصدر. حينئذٍ على مذهب ابن مالك قال: أزل ألف (الإِفْعَالِ) إذاً: تُحْذَف الثانية التي هي زائدة، لا المنقلبة عن العين، حينئذٍ تَلْزَم التاء عِوَضَاً عن ذلك المحذوف نحو: استقامة وإقامة، وما شاكلها. إذاً: (وَأَلِفَ) هذا مفعول (أَزِلْ) أزل ألف الإفعال .. مصدر (الإِفْعَال): أَفْعَلَ يُفْعِلُ إفْعَالاً .. أَكْرَمَ يُكْرِمُ إِكْرَامَاً، والمراد به هنا: ما كان على وزن (أَفْعَلَ) مُعلَّ العين .. عينه حرف عِلَّة. أَزِلْ أَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ .. كذلك مصدر (لِذَا الإِعْلاَلِ) اللام هنا للتَّعليل، والجار والمجرور مُتعلِّق بقوله: (أَزِلْ) وهذا تصريحٌ من النَّاظم بأنَّ المحذوف هي الألف الزَّائدة وهو مذهب سيبويه، (وَالتَّا الْزَمْ) والْزَمْ التاء: قصره للضرورة مفعول مُقدَّم لقوله: (الْزَمْ) وهو فعل أمر، (عِوَضْاً) عن ذلك المحذوف، (عِوَضاً) هذا حالٌ من التاء وُقِفَ عليه على لغة ربيعة.

ثُمَّ قال: (وَحَذْفُهَا) أي: التاء، مبتدأ وهو مضاف، و (الهاء) مضاف إليه، (بِالنَّقْلِ رُبَّمَا عَرَضْ) (بِالنَّقْلِ) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: (عَرَضْ)، و (رُبَّمَا) للتَّقليل (رُبَّ)، و (مَا) كافَّة، و (عَرَضْ) فعل ماضي أي: حذفها، والفاعل ضمير مستتر .. (حَذْفُهَا) عَرَض حذفها، (بِالنَّقْلِ) يعني: بالمنقول .. شيءٍ مسموع في لسان العرب. إذاً: حذفها ليس قياساً، لأنَّه أمرٌ واجب مُتَحَتِّم، ولذلك قال: (وَالتَّا الْزَمْ) إذاً أمر واجب، حينئذٍ لا يجوز حذفها، إذ لو جاز حذفها لَمَا وجبت. قال الشَّارح هنا: "لَمَّا كان (مِفْعَال) غير مُشْبِهٍ للفعل اسْتَحقَّ التَّصحيح كـ: مِسْوَاك وَمِكْيَال" غير مُشْبِهٍ للفعل لا في الوزن ولا في الزِّيادة، حُمِلَ أيضاً (مِفْعَلٌ) عليه لمشابهته له في المعنى، فَصُحِّحَ كما صُحِّح (مِفْعَال) مِقْوَل .. مِقْوَال .. مِكْيَال (صُحِّح) يعني: لم تُنْقَل حركة الياء أو الواو إلى ما قبلها، قيل: مِقْوَل، على وزن (مِفْعَل) لو أُعِل (مِقْوَل) لَنُقِلَت حركة الواو إلى ما قبلها ثُمَّ تُقْلَب ألفاً، هذا فيه إجحافٌ. وأشار بقوله: وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ أَزِلْ .. إلى أن المصدر إذا كان على وزن (إِفْعَال) أو (اسْتِفْعَالِ) وكان مُعْتَلَّ العين، فإن ألفه تُحْذَف لالتقائها ساكنةً مع الألف المبدلة من عين المصدر وذلك نحو: إقامة واستقامة، وأصله: إِقْوَام وَاسْتِقْوَام، فَنُقِلَت حركة العين إلى الفاء، وَقَلبوا الواو ألفاً لمجانسة الفتحة قبلها، فالتقى أَلِفَان، فَحُذِفَت الثانية منهما، ثُمَّ عُوِّض منها تاء التأنيث فصار: إِقَامَةً وَاسْتِقَامَةً، وقد تُحْذَف هذه التاء، ويكثر ذلك مع الإضافة، كقولهم: أَجَابَ إِجَابَاً، ومنه قوله تعالى: ((وَإِقَامِ الصَّلاةِ)) [النور:37] ويقال: استفاه .. استفاهًا، أصله: اسْتَفَوَه، يُقَال ذلك لمن اشْتدَّ أكله. إذاً: . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ أَزِلْ لِذَا الإِعْلاَلِ. . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إذاً: هذا الإعلال .. الإعلال بالنَّقل يدخل (الإفِعْاَل) مصدر (أَفْعَلَ)، ويدخل (الاسْتِفْعَالِ) مصدر (اسْتَفْعَلَ)، وَكُلٌّ منهما مُعتلَّ العين، ثُمَّ تُحْذَف الألف الثانية على ما اختاره النَّاظم، ويجب تعويضها بالتَّاء، ثُمَّ هذه التَّاء قد تُحْذَف للنَّقل. وَمَا لإِفْعَالٍ مِنَ الْحَذْفِ وَمِنْ ... نَقْلٍ فَمَفْعُولٌ بِهِ أَيْضاً قَمِنْ نَحْوُ مَبِيْعٍ وَمَصُونٍ وَنَدَرْ ... تَصْحِيحُ ذِيْ الْوَاوِ وَفِي ذِيْ الْيَا اشْتَهَرْ

إذا بُنِي مفعول من الفعل المُعتلِّ العين بالياء أو الواو وجب فيه ما وجب في (إِفْعَال وَاسْتِفْعَال) من النَّقل والحذف، إذا قلت: مَقُول .. مَبِيْع، مأخوذٌ من البيع .. اسم مفعول، أصله: مَبْيُوع، دخله الإعلال ما دخل في (الإِفْعَال والاِسْتِفْعَال) ماذا حصل؟ نُقِلَت حركة الياء إلى ما قبلها صار: مَبُ، ثُمَّ سكنت الياء، لو بقيت الياء ساكنة وقبلها ضَمَّة لوجب قلب الياء واواً: مَبُ، ثُمَّ قُلِبَت الضَّمَّة كسرة من أجل صِحَّة الياء فقيل: مَبِيع. إذاً: مَبِيْع، أصله: مَبْيُوع، نُقِلَت حركة الياء إلى الباء، وبقيت الياء ساكنة بعد الضَّمَّة، فَأُبْدِلَت الضَّمَّة كسرة لِتَصِحَّ الياء، ثُمَّ حُذِفَت واو: مَبِيع، أصلها: مَبْيُوع، نُقِلَت الضَّمَّة إلى ما قبلها، ثُمَّ سكنت الياء، ثُمَّ قُلِبَت الضَّمَّة كسرة، ثُمَّ حُذِفَت الواو صار: مَبِيْع. هنا يقول: مَبْيُوع، فَنُقِلَت حركة الياء إلى الباء، وبقيت الياء ساكنةً بعد ضَمَّةٍ، فَأُبْدِلَت الضَّمَّة كسرة لتصِحَّ الياء، ثُمَّ حُذِفَت واو: مَبْيُوع، فقالوا: مَبِيْع، ولذلك قال النَّاظم: نَحْوُ مَبِيْعٍ وَمَصُونٍ .. أصلها: (مَصْوُنْ) نُقِلَت حركة الواو إلى ما قبلها، ثُمَّ التقى ساكنان وَحُذِفَت الواو الأولى، وأصله: (مَصْوُونْ) فَنُقِلَت حركة الواو إلى الصَّاد قبلها، وسكنت الواو، وَحُذِفَت الواو التي بعدها وهي واو: مفعول. إذاً: ما حصل للإفعال من النَّقل والحذف يحصل في مفعول إذا بُنِي من مُعتلِّ العين. إذا بُنِي مفعول من الفعل المُعتلِّ العين بالياء أو الواو وجب فيه ما وجب في (إِفْعَالٍ) و (اسْتِفْعَالٍ) من النَّقل والحذف، يعني: نقل الحركة إلى السَّاكن قبلها والحذف. فتقول في (مَفْعُولٍ) من: باع: مَبِيْع ومَقُوْل، والأصل: مَبْيُوع وَمَقْوُول، فَنُقِلَت حركة العين إلى السَّاكن قبلها، فالتقى ساكنان: العين وواو الفعل، فحذفت واو (مفعول) صار: مَبِيْع ومَقُوْل، وكان حق (مَبِيْع) أن يُقَال فيه: مَبُوع، هذا الأصل، لكن قلبوا الضَّمَّة كسرة لِتَصحَّ الياء، هذا في (مَبِيْع)، يعني: تُقْلَب الياء واواً، لأنَّه إذا صَحَّت الياء وَضُمَّ ما قبلها، يعني: سكنت الياء وَضُمَّ ما قبلها، حينئذٍ وجب قلب الياء واواً، لكن دفعاً لهذا أبدلوا الضَّمَّة كسرة قالوا: مَبِيْع. وكان حقُّ (مَبِيْع) أن يُقَال فيه: مَبُوع، لكن قلبوا الضَّمَّة كسرة لِتصِحَّ الياء. إذاً: وَمَا لإِفْعَالٍ مِنَ الْحَذْفِ وَمِنْ ... نَقْلٍ فَمَفْعُولٌ بِهِ أَيْضاً قَمِنْ (وَمَا) مبتدأ .. اسم موصول بِمعنى: الذي، و (لإِفْعَالٍ) ما إعرابه؟ جار ومجرور مُتعلِّق بمحذوف صلة (مَا) .. (لإِفْعَالٍ)، (مِنَ الْحَذْفِ) تَعلَّق بِما تَعلَّق به (لإِفْعَال)، وما الذي تَعلَّق به (لإِفْعَالٍ)؟ اسْتَقرَّ، والذي استقرَّ (لإِفْعَالٍ مِنَ الْحَذْفِ) .. (مِنَ الْحَذْفِ) مُتعلِّق بـ: (اسْتَقرَّ) مُقدَّر، (وَمِنْ نَقْلٍ) جار ومجرور مُتعلِّق بـ: (اسْتقرَّ)، أو معطوف على (مِنَ الْحَذْفِ)؟ معطوف عليه، (مِنَ الْحَذْفِ وَمِنْ نَقْلٍ) عَدَّد شيئين.

(فَمَفْعُولٌ) مبتدأ، أين خبره؟ (قَمِنْ)، والفاء زائدة هنا، لأنَّ المبتدأ (مَا) ثُمَّ خبر المبتدأ جملة اسْميَّة، (فَمَفْعُولٌ قَمِنْ) .. (مَفْعُولٌ) مبتدأ، و (بِهِ) مُتعلِّق بـ: (قَمِنْ)، و (أَيْضاً) مفعولٌ مطلق والعامل محذوف، و (قَمِنْ) خبر (مَفْعُول) المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في مَحلِّ رفع خبر المبتدأ الأول (مَا)، التي هي (مَا لإِفْعَالٍ). إذاً: (مَا) مبتدأ خبرها (مَفْعُولٌ قَمِنٌ بِهِ)، يعني: حَرِيٌّ وجديرٌ به، (فَمَفْعُولٌ) ما كان مُعتلَّ العين واواً كانت أو ياءً، ولذلك أتى النَّاظم هنا بمثالين: (نَحْوُ مَبِيْعٍ وَمَصُونٍ)، (نَحْوُ) هذا خبر مبتدأ محذوف .. وذلك نحو، (نَحْوُ) مضاف، و (مَبِيْعٍ) مضافٌ إليه، (وَمَصُونٍ) هذا معطوفٌ عليه. (وَنَدَرْ تَصْحِيحُ) الفعل (ذِيْ الْوَاوِ) يعني: النُّطق به على الأصل ذلك قليل، ولذلك سُمِع: ثَوْبٌ مَصْوُون، بواوين، الأولى مضمومة، هذا فيه ثقل، وفرس مَقْوُود، هذا كله شاذ .. نادر، يُحْفَظ ولا يُقاس عليه، (ثَوْبٌ مَصْوُون) على وزن (مَفْعُول)، وكذلك (فرسٌ مَقْوُودٌ). قال الشَّارح: " إذا بُنِي مفعول من الفعل المُعتلِّ العين بالياء أو الواو وجب فيه ما وجب في (إِفْعَالٍ) و (اسْتِفْعَالٍ) من النَّقل والحذف، فتقول في (مَفْعُول) من (باع) و (قال): مَبِيعٌ ومَقُوْل، والأصل: مَبْيُوع وَمَقْوُول، فَنُقِلَت حركة العين إلى السَّاكن قبلها فالتقى ساكنان العين وواو (مَفْعُول)، فَحُذِفَت واو (مَفْعُول) فصار: مَبِيع وَمَقُول ". إذاً: مَبِيع، أصلها: مَبْيُوع، نُقِلَت حركة الياء فالتقى ساكنان: الياء والواو فَحُذِفَت الواو، ثُمَّ نُقِلَت الضَّمَّة كسرة من أجل أن تصِحَّ العين، وكان حقُّ: مَبِيع، أن يُقَال فيه: مَبُوع، لكن قلبوا الضَّمَّة كسرة لِتَصِحَّ الياء، وندر التَّصحيح فيما عينه واوٌ قالوا: ثَوْبٌ مَصْوُون، والقياس: مَصُون، ولغة تميم: تصحيح ما عينه ياء، ولذلك قال: (وَفِي ذِيْ الْيَا اشْتَهَرْ) في صاحب الياء اشتهَر، ما هو (اشْتَهَرْ)؟ التَّصحيح، إذاً: اشتهار التَّصحيح في صاحب الياء كثير وهو لغة تميم، وأمَّا في تصحيح ذوات الواو فهو نادر .. قليل يُحْفَظ ولا يُقاس عليه. ولغة تميم: تصحيح ما عينه ياء فيقولون: مَبْيُوع وَمَخْيُوط، ولهذا قال المصنف: . . . . . . . . . . . . وَنَدَرْ ... تَصْحِيحُ ذِيْ الْوَاوِ وَفِي ذِيْ الْيَا اشْتَهَرْ وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا ... وَأَعْلِلِ انْ لَمْ تَتَحَرَّ الأَجْوَدَا (وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ) (الْمَفْعُولَ) يعني: ما كان على وزن (مَفْعُول)، متى؟ إذا بُنِي من فعلٍ ثُلاثِيٍّ واويِّ اللاَّم، ولذلك قال: (مِنْ نَحْوِ عَدَا) عدا يَعْدُو .. مثل: (عَدَا)، إذا بنيت (مَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا) مُعتلَّ اللام بالواو على جهة الخصوص قلت: عَدَا يَعدو، حينئذٍ جاز لك وجهان: التَّصحيح والإعلال، فتقول: مَعْدُوٌّ وَمَعْدِيٍّ، (مَعْدُوٌّ) بالتَّصحيح، (وَمَعْدِيٍّ) بالإعلال .. بالقلب، كما يأتي.

(وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ) (صَحِّحِ) هذا فعل أمر والفاعل أنت، و (الْمَفْعُول) هذا مفعولٌ به (مِنْ نَحْوِ عَدَا)، (مِنْ نَحْوِ) مُتعلَّق بقوله: (صَحِّح)، (عَدَا) قُصِدَ لفظه وهو مضاف إليه، تقول: عدا يعدو فهو (مَعْدُوٌّ)، إذاً: صَحَّحته، أصله: مَعْدود (مَفْعُول)، اجتمع واوان .. بواوين، فإذا صَحَّحت أدغمت الواو في الواو فقط: (مَفْعُول) .. (مَعْدُود) بواوين، أدغمت الواو في الواو، هذا إذا صَحَّحتها، ليس فيه شيء آخر. وإن أعللت الواو أَبْدَلت الواو ياءً وأبدلت الواو الأولى ياءً على القاعدة المُتقدِّمة، يعني: تُبْدِل كُلاً من الواوين ياءً، أمَّا الواو الأخيرة فواوٌ مُتحرِّكة وقعت طرفاً، حينئذٍ وجب قلبها ياءً، والأولى .. حينئذٍ نقول: اجتمعت واو وياء، وسبق إحداهما بالسُّكون، فوجب قلب الواو ياءً فَأُدْغِمَت الياء في الياء. إذاً: (مَعْدُو) إذا أردت إعلاله الواو الأخيرة تُعِلُّها من جهة كونها مُتطرِّفة .. لوقوعها طرفاً، فَقُلِبتَ ياءً، ثُمَّ اجتمع عندك واوٌ وياء، وسبق إحداهما بالسُّكون، فوجب قلب الواو ياءً وَأُدْغِمَت الياء في الياء فقيل: مَعْدِيٍّ. وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا ... وَأَعْلِلِ. . . . . . . . .. . . . . . . أعلل الواو لِتَطَرُّفِها (إِنْ لَمْ تَتَحَرَّ الأَجْوَدَا) إذاً: أَيُّهما أجود؟ التصحيح أجود من عدم التصحيح الذي هو الإعلال. (وَأَعْلِلِ) فعل أمر، (إِنْ لَمْ) (إِنْ) حرف شرط سقطت الهمزة للوزن، (لَمْ تَتَحَرَّ) تقصد (الأَجْوَدَا) الألف هذه للإطلاق. فُهِمَ منه: أنَّ التَّصحيح أجود، أي: أنَّك إن قصدت (الأَجْوَدَ) لا تُعِل، وإنَّما تبقى على أصلها. قوله: (مِنْ نَحْوِ عَدَا) هذا خَصَّه بواويِّ اللام، إذاً: احترز به عن الياء، فما كان يائي اللام لا يجوز فيه وجهان، بل يجب فيه الإعلال، سبق معنا هذا في: (مَرْمِيٌّ) من (رمى) على وزن (مَفْعُول)، ماذا تقول؟ مَرْمُويِ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسُّكون، فوجب قلب الواو ياءً، ثُمَّ أُدْغِمَت الياء في الياء، قيل: مَرْمِيٌّ. إذاً: تخصيصه هنا بـ: (عَدَا) لأنَّه من: يَعْدُو، كونه واوي اللام لكون الياء سبق في قوله هناك: (إِنْ يَسْبِقْ السَّاكِنْ) .. ونحو ذلك. وَأَعْلِلِ انْ لَمْ تَتَحَرَّ الأَجْوَدَا .. قال الشَّارح: "إذا بُنِي مفعول من فعلٍ مُعتلَّ اللام فلا يخلو، إمَّا أن يكون مُعتلاً بالياء أو الواو، فإن كان مُعتلاً بالياء وجب إعلاله بقلب واو (مَفْعُولٍ) ياءً وإدغامها في لام الكلمة نحو: مَرْمِيٌّ، والأصل: مَرْمُوي، فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فَقُلِبَت الواو ياءً، وَأُدْغِمَت الياء في الياء، وإنَّما لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى هذا هنا لأنَّه قد تَقدَّم ذكره".

"وإن كان مُعتلاً بالواو فالأجود التَّصحيح، مع جواز الإعلال، إن لم يكن الفعل على (فَعِلْ) نحو: مَعْدُوٌّ، من: عدا، ولهذا قال المصنف: (مِنْ نَحْوِ عَدَا)، ومنهم من يُعِل فيقول: مَعْدِيٌّ، فإن كان الواوي على (فَعِلْ)، فالصَّحيح الإعلال نحو: مَرْضِي، من: رَضِيَ، قال الله تعالى: ((ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً)) [الفجر:28] والتَّصحيح قليل نحو: مَرْضُوٌّ". إذاً: يجوز فيه الوجهان مُطلقاً، ولذلك النَّاظم هنا أطلق قال: (مِنْ نَحْوِ عَدَا) سواءٌ كان على وزن (فَعَلَ) أو (فَعِلَ)، والشَّارح خَصَّه بـ: (فَعَلَ)، وأمَّا (فَعِلْ) فقال: " فإن كان الواو على (فَعِل) فالصَّحيح الإعلال والتَّصحيح قليل " ولكن النَّاظم أطلق. إذاً: وَصَحِّحِ الْمَفْعُولَ مِنْ نَحْوِ عَدَا .. إذا بنيت (مِنْ نَحْوِ عَدَا) ثلاثي واوي اللام على وزن (مَفْعُول) فلك فيه وجهان: التَّصحيح وهو الأجود، والإعلال وهو دونه. كَذَاكَ ذَا وَجْهَيْنِ جَا الْفُعُولُ مِنْ ... ذِي الْوَاوِ لاَمَ جَمْعٍ أَوْ فَرْدٍ يَعِنّْ (الْفُعُولُ) بِضَمِّ الفاء والعين، إذا بُنِي (مِنْ ذِي الْوَاوِ) جاز فيه الوجهان: إمَّا التَّصحيح وإمَّا الإعلال، يعني: يجوز هذا ويجوز ذاك، وَسَوَّى بينهما النَّاظم .. في الظَّاهر هنا، وإن رجَّح في (الكافية) التفريق بينهما، الإعلال أجود من التَّصحيح في الجمع، وإن كان مفرداً جاز فيه وجهان: الإعلال والتَّصحيح، والتَّصحيح أجود. (كَذَاكَ ذَا وَجْهَيْنِ) وهما: الإعلال والتَّصحيح، (جَا الْفُعُولُ) إذا بنيت وزن (فُعُولُ) من (مِنْ ذِي الْوَاوِ) ففيه وجهان: الإعلال والتَّصحيح، سواءٌ كان (فُعُولُ) جمعاً أو مفرداً، إذا بُنِي اسمٌ على (فُعُولُ)، فإن كان جمعاً وكانت لامه واواً جاز فيه وجهان: التَّصحيح والإعلال، نحو: عُصِيٍّ وَدُلِيٍّ، في جمع: عَصَا وَدَلْوٌ، وَأُبُوٌّ وَنُجُوٌّ، جمع: أَبٍ وَنَجْوٍ، والإعلال أجود من التَّصحيح في الجمع. إذاً: الجمع يجوز فيه الوجهان، والإعلال أجود، وإن كان مفرداً جاز فيه وجهان: الإعلال والتَّصحيح، والتَّصحيح أجود نحو: علا عُلُوَّاً، وَعَتَا عُتُوَّاً، هذا تصحيح أو إعلال؟ يقول: والتَّصحيح أجود نحو: عَلا عُلُوَّاً، إذاً: (فُعُولُ) .. (عُلُوٌّ) (فُعُولٌ) حينئذٍ هذا تصحيح وليس بإعلال، وَعَتَا عُتُوَّاً، ويقل الإعلال نحو: قَسَا قِسِيَّاً، لو قال: عَلا عِلِيَّاً وَعَتَا عِتِيَّاً، هذا إعلالٌ وأمَّا: عُتَوَّاً وَعُلُوَّاً، نقول: هذا تصحيح له، قَسَا قِسِيَّاً، أي: قَسْوَةً. إذاً: ما كان على وزن (الْفُعُولُ) سواءٌ كان جمعاً أو فرداً النَّاظم أطلق هنا، فسوَّى بينهما ولم يُرَجِّح هنا، فَجَوَّز فيهما الوجهان على السَّواء، لكن الشَّارح هنا فَصَّل، والنَّاظم نفسه في (الكافية) فَصَّل، ولذلك قال: وَرَجِّحِ الإِعْلَالَ فِي الجَمْعِ وَفِي ... مُفْرَدٍ التَّصْحِيْحُ أَوْلَى مَا قُفِي على ما ذكره الشَّارح.

(كَذَاكَ) مُتعلَّق بقوله: (جَا)، (جَا) قصره هنا لغة، و (الْفُعُولُ) فاعل، (كَذَاكَ) أي: مثل ذاك السَّابق، (ذَا وَجْهَيْنِ) (ذَا) ما النَّاصب له .. حال من ماذا .. كيف تركيب الكلام؟ (جَاء الْفُعُولُ كَذَاك ذا وَجْهَيْنِ)، يعني: حال كونه ذا وجهين .. صاحب وجهين، ما المراد بصاحب الوجهين هنا؟ الإعلال والتَّصحيح. (مِنْ ذِي الْوَاوِ) من صاحب الواو يعني: من فِعْلٍ (ذِي الْوَاوِ) حالٌ بعد حال، (فُعُولُ) حال كونه (مِنْ ذِي الْوَاوِ)، (لاَمَ جَمْعٍ) حالٌ ثالثة صاحبها (الْوَاوِ)، (مِنْ ذِي الْوَاوِ) حال كون الواو (لاَمَ جَمْعٍ)، إذاً: بالنَّصب (لاَمَ) على أنَّه حالٌ من الواو مضاف إليه، (أَوْ فَرْدٍ) أو لام فردٍ .. معطوف على (جَمْعٍ)، (يَعِنّْ) يعني: يظهر ويقل. إذاً: ما كان على وزن (الْفُعُول) حينئذٍ جاز فيه الوجهان بشرط: أن يكون لامه واواً، فإن كان ياءً فلا. وَشَاعَ نَحْوُ نُيَّمٍ فِي نُوَّم ... وَنَحْوُ نُيَّامٍ شُذُوذُهُ نُمِي (نُيَّمْ) هذا بالإعلال، (فِي نُوَّمْ) على وزن (فُعَّل) لأنَّ (فُعَّلْ) و (فُعَّال)، (شَاعَ) كَثُر، (نَحْوُ نُيَّمٍ) بالإعلال (فُعَّلْ) لأنَّه من: نام .. ينام (فِي نُوَّمِ)، إذاً: (نُيَّم ونُوَّم) ما كان على وزن (فُعَّل) جاز فيه الوجهان، وأمَّا (نُيَّام) .. (فُعَّال) هذا شاذٌّ. إذا كان (فُعَّل) جمعاً لِمَا عينه واو جاز تصحيحه وإعلاله، إذا جُمِع المفرد على وزن (فُعَّل)، فإن كانت عينه واو جاز فيه الوجهان: التَّصحيح والإعلال، التَّصحيح على الأصل نحو: نَائِمْ ونُوَّمْ، وَقَائِمْ وقُوَّمْ، وصَائِمْ وصُوَّم، يعني: لا تُقْلَب الواو ياءً .. لا يحصل فيه إعلال. وأمَّا: (نُيَّمْ) فهذا بالإعلال، (وَنُوَّمْ) على الأصل: نام .. ينام من (النَّوم)، إذاً: هو واوي .. نوم، إذاً: (نُوَّمْ) لم يحصل فيه إعلالٌ .. بقيت الواو كما هي، وإذا قلت: (نُيَّم) حينئذٍ قُلِبَت الواو ياءً وَأُدْغِمَت الياء في الياء، لأنَّه على وزن (فُعَّل). إذا كان (فُعَّل) جمعاً لِمَا عَينُه واوٌ جاز تصحيحه وإعلاله، إن لم يكن قبل لامه ألف، يعني: إن لم يكن من باب (فُعَّال)، فإن كان (فُعَّال) حينئذٍ تصحيحه شَاذٌّ، (شُذُوذُهُ نُمِي). إن لم يكن قبل لامه ألفٌ كقولك في جمع (صَائِمْ): صُوَّم وصُيَّم، وفي جمع (نَائِمْ): نُوَّم ونُيَّمْ، فإن كان قبل اللام ألفٌ وجب التَّصحيح وشَذَّ الإعلال، والإعلال شاذ: صُوَّام وَنُوَّام، ومن الإعلال قوله: فَمَا أَرَّقَ النُّيَّامَ إِلاَّ كَلَامُهَا .. إذاً: ما كان على وزن (فُعَّلْ) حينئذٍ جاز فيه الوجهان: الإعلال والتَّصحيح، وأمَّا ما كان على وزن (فُعَّال) فهذا واجب التَّصحيح، والإعلال يُعْتَبَر شَاذًّا. (وَشَاعَ) هذا فعل ماضي، و (نَحْوُ) فاعله وهو مضاف، و (نُيَّمٍ) مضافٌ إليه، (فِي نُوَّمِ) مُتعلَّق بـ: (شَاعَ) .. (شَاعَ فِي نُوَّمِ).

(وَنَحْوُ نُيَّامٍ) (نَحْوُ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (نُيَّام) مضافٌ إليه، (شُذُوذُهُ) أي: (نُيَّام)، (نُمِي) يعني: نُسِبَ إلى الشُّذوذ، (شُذُوذُهُ) هذا مبتدأ، و (نُمِي) مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل يعود إلى الشذوذ، (نُمِيَّ إلى الشذوذ) يعني: نُسِبَ إلى الشُّذوذ، والجملة خبر المبتدأ الأول (نَحْوُ) .. نَحْوُ نُيَّامٍ شُذُوذُهُ نُمِي. إذاً: (نُيَّم) (فُعَّلْ) و (فُعَّالْ) نقول: (فُعَّل) هذا جاز فيه الوجهان، وأمَّا (فُعَّال) بالألف هذا تصحيحه واجب. إذاً خلاصة هذا البحث أن نقول: النَّاظم رحمه الله ذكر الإعلال بالنَّقل، وذكر له عِدَّة مسائل: الأول: أن يكون الحرف المُعتل عيناً لفعلٍ، الذي عناه بقوله: لِسَاكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ مِنْ ... ذِي لِينٍ آتٍ عَيْنَ فِعْلٍ كَأَبِنْ بالشُّروط التي ذكرها: مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَ تَعَجُّبٍ .. الخ. المسألة الثانية التي يحصل فيها إعلالٌ بالنَّقل: الاسم الذي أشبه المضارع بشرطه: إمَّا في الوزن فقط، أو في الزِّيادة فقط. المسألة الثالثة: التي هي (أَلِفَ الإِفْعَالِ)، وأمَّا (مِفْعَل) إن جعلناه استثناءً مِمَّا سبق لكونه أشبه الفعل في الوزن، فحينئذٍ يكون استدراكاً، ولو جعلناه مسألة مُستقِلَّة لا إشكال، إذاً: يُسْتَثْنَى (مِفْعَل). وَأَلِفَ الإِفْعَالِ وَاسْتِفْعَالِ .. كذلك يدخله الإعلال بالنَّقل، ثُمَّ يتبعه الحذف وهو حذف العين، ثُمَّ ما كان على وزن (مَفْعُول) مِمَّا يُصَاغ من الفعل المُعتلِّ العين، ثُمَّ ذكر (الْفُعُولُ) وذكر (فُعَّلْ)، هذه كلها مِمَّا يدخله الإعلال بالنَّقل. ثُمَّ قال: (فَصْلٌ). ذُو اللِّينِ فَاتَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلاَ ... وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلاَ الفصل هذا في إبدال التاء من الواو والياء، قد تُبْدَل الواو تاءً أو الياء تاءً، وهذا: إذا وقعت الفاء حرفاً؛ إمَّا واواً وإمَّا ياءً في صيغة الـ: (افْتِعَالٍ)، كُلُّ ما كان من (افْتَعَل) و (الافْتِعَالٍ) وفروع هذا الوزن، إذا وقعت الفاء واواً أو لاماً حينئذٍ وجب قلب الواو أو الياء تاءً. (ذُو اللِّينِ) الذي هو الواو والياء، (فَاتَا) فتى، (ذُو اللِّينِ فَاتَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلاَ)، ما إعراب (ذُو اللِّينِ)؟ (ذُو) مبتدأ وهو مضاف، و (اللِّين) مضاف إليه، (فَاتَا) الفاء مضاف، و (تَا) مضاف إليه، الفاء حالٌ من ماذا؟ (ذُو اللِّينِ أُبْدِل فَاتَا فِي افْتِعَالٍ) إذا قلت: مبتدأ وقلت الخبر تعرف مباشرة الإعراب، (أُبْدِلاَ) هذا فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (ذُو) .. (ذُو اللِّينِ) والألف هذه للإطلاق، (ذُو اللِّينِ أُبْدِلاَ فاءً) هنا قصره للضرورة، حال من الضمير المستتر في (أُبْدِلاَ)، أُبْدِلَ فاءً: حال كونه فاءً، (تَا فِي افْتِعَالٍ) مفعول به، الفاء عرفنا أنها حال من الضمير المستتر في (أُبْدِلا)، و (تَاءً) بالنَّصب، أيضاً قصره للضرورة، مفعول ثاني لـ: (أُبْدِلاَ)؛ لأن (أُبْدِلاَ) يَتَعدَّى إلى اثنين، الضمير المستتر هو المفعول الأول نائب فاعل، والثاني (تَا)، (فِي افْتِعَالٍ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (أُبْدِلاَ).

إذاً: (ذُو اللِّينِ) قد شمل الواو والياء، وأمَّا الألف فلا تكون فاءً البَتَّة، وقصد هنا بـ: (ذي اللِّين) الواو والياء .. ذُو اللِّينِ أُبْدِل فاءً حال كونه فاءً، لا عيناً ولا لاماً، أبدل تاءً، أين؟ في الافتعال وما تَصَرَّف منه. إذاً مراده: أنَّ الافتعال وما تَصَرَّف منه إذا كانت فاؤه حرف لين، أُبْدِلَ تاءً وَأُدْغِم في تاء (الافْتِعَال) .. أُبدل الواو أو الياء تاءً ثم أُدْغِم في تاء (الافْتِعَال)، فمثال الواو: اتَّعَدَ، أصله: اوْتَعَد، على وزن (افْتَعَل)، قُلِبَت الواو تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء: اتَّسَرَ .. ايِتَسَر، لأنَّه من اليُسْر، والأول من الوَعْد، إذاً: عرفنا أنَّه من اليُسْر، و (اليُسْر) هنا الياء وقعت فاءً، إذاً: اتَّسَرَ أصله: ايِتَسَر، قُلِبَت الياء تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء، لماذا؟ لكونه على وزن (افْتَعَل). إذاً: ذُو اللِّينِ فَاتَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلاَ .. (ذُو اللِّينِ) الواو أو الياء أُبْدِل حالة كونه فاءً تاءً في (الاِفْتِعَال) وما تَصَرَّف منه. (وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ) يعني: فإن كانت فاء (الاِفْتِعَال) ياءً مُبدلة من همزة حينئذٍ لا تُقْلَب تاءً، فإذا وقع فاء (الاِفْتَعَال) ياءً حينئذٍ انظر فيها: هل هذه الياء مُبدَلة أم أنَّها أصالةً؟ إن كانت مُبدَلة حينئذٍ لا يصح قلبها تاءً، وإن قُلِبَت فهو شَاذٌّ، وإن لم تكن مُنقلِبة عن همزةٍ حينئذٍ نقلبها تاءً وندغمها في التاء. (وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ) (شَذَّ) فعل ماضي، (نَحْوُ ائْتَكَلاَ) بالهمز .. (ائْتَكَلاَ) هل تقول (اتَّكَلا)؟ الأصل (ائْتَكَلاَ) تُقْلَب الهمزة ياءً فتقول: ايْتَكَل على وزن (افْتَعَل)، هنا لا تقلب الياء تاءً؛ لكون هذه الياء منقلبة عن الهمزة، فلو قلت: اتَّكَلَ، من الأكل نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه. (وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ) في صاحب الهمز، إذا كان فاءً وَقُلِبَت هذه الهمزة ياءً، قلب الياء تاءً وإدغامها في التَّاء نقول: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقَاس عليه، (وَشَذَّ) فعل ماضي، (نَحْوُ ائْتَكَلاَ) (نَحْوُ) هذا يجوز أن يكون فاعل (شَذَّ)، ويجوز أن يكون فاعل (شَذَّ) ضمير يعود على الإبدال، شَذَّ الإبدال (فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلاَ) وذلك (نَحْوُ) صار خبر مبتدأ محذوف. ظاهره: أنَّه سُمِع فيه الإبدال شذوذاً (ائْتَكَلاَ) فتقول في (افْتَعَل) من الإزار: ايْتَزَر، إذا قلبت الياء تاءً ثُمَّ أدغمت قلت: اتَّزَرَ، قالوا: هذا شاذٌّ يُحْفَظ ولا يُقاس عليه: اتَّزَر، لماذا هذا شاذ؟ لكون التاء الأولى مُنقلِبة عن ياء، وهذه الياء ليست أصلية .. ليست أصلاً حرف عِلَّة، وإنَّما هي منقلبة عن همزة. إذاً: ايْتَزَر، لا يجوز إبدال الياء تاءً، وإدغامها في التاء، لأنَّ هذه الياء بدلٌ من همزة وليست أصلية. وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلاَ ..

قال الشَّارح: "إذا بني (افْتِعَالٌ) وفروعه من كلمةٍ فاؤها حرف لين، وجب إبدال حرف اللين تاءً نحو: اتِّصَال " أصله: اوْتِصَال، إذاً: الفاء وقعت واواً (افْتِعَالٌ)، قلنا (الافْتِعَال) و (افْتَعَل) الفعل الماضي ومصدره (افْتَعَل) .. (الافْتِعَال) في المصدر وفي الفعل الماضي، فتقول: اتِّصال، أصلها: اوْتَصَال، قُلِبَت الواو تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء فقلت: اتَّصال. و (اتَّصل) .. (اوْتَصَل) على وزن (افْتَعَل) قُلِبَت الواو تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء، و (مُتَّصِل) .. (مِوْتَصِل) قُلِبَت الواو تاءً ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء وقيل: مُتَّصِل، والأصل فيه: اوْتِصَال .. اوْتَصَل .. مُوتَصِل. فإن كان حرف اللين بدلاً من همزة لم يَجُزْ إبداله تاءً، فتقول في (افْتَعَل) من الأكل: ائْتَكَل، ثُمَّ تُبْدِل الهمزة ياءً، إذاً: جاء بالأصل ابن مالك هنا، ولو قيل (نَحْوُ ائْتَكَلاَ) حينئذٍ هذه الياء مُنقلِبة عن همزة فلا يجوز قلبها، أمَّا (ائْتَكَل) الظَّاهر أنَّه ليس فيه شاهد، (نَحْوُ ائْتَكَلاَ) (ائْتَكَلاَ) إذا قُلِبَت الهمزة ياءً هذه الياء لا يجوز قلبها تاءً فإدغامها في التَّاء، فتقول في (افْتَعَل) من الأكل: ائْتَكَل، ثُمَّ تُبْدَل الهمزة ياءً، ولا يجوز (اتَّكَل) فتقول: ايْتَكَل، ولا يجوز إبدال الياء تاءً، وشَذَّ قولهم: (اتَّزَرَ) بإبدال الياء تاءً، يعني شَذَّ: خرج عن القاعدة. إذاً: تُقْلَب الواو والياء تاءً فيما إذا وقعت الواو أو الياء فاء (الافْتِعَال) وكانت أصلية .. ليست مُنقلِبة عن همزة، ثُمَّ قال: طَا تَا افْتِعَالٍ رُدَّ إِثْرَ مُطْبِقِ ... فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالاً بَقِي من يُعْرِب؟ (طَا)؟؟؟ (رُدَّ) فعل ماضي أو أمر؟ يحتمل الوجهين، إذا قلنا: فعل ماضي (رُدَّ)، (طَا) ما إعرابها؟ مفعول به، و (تَا افْتِعَال) .. ؟؟؟ ولو جعلتها أمراً؟ (رُدَّ) على أنَّه فعل أمر (طَا) ماذا يكون؟ مفعول أول أو ثاني؟ (رُدَّ تَا افْتِعَالٍ طَاءً) يكون القراءة بالعكس، (رُدَّ) فعل أمر، (تَا افْتِعَالٍ) مفعول أول، (طَاءً) مفعول ثاني، (رُدَّ) على أنَّه فعل ماضي مُغيَّر الصيغة، (رُدَّ) هو .. ما هو؟ (تَا افْتِعَال). إذاً: (تَا افْتِعَالٍ) صار مبتدأ، إذا جعلت (رُدَّ) فعل ماضي هكذا تعرب: (تَا افْتِعَالٍ رُدَّ طَاءً) (طَاءً) حال من نائب الفاعل، و (تَا افْتِعَالٍ) مبتدأ، إذاً: يجوز فيه الوجهان، (إِثْرَ مُطْبِقِ) (إِثْرَ) ظرف مكان منصوب على الظرفيَّة مُتعلَّق بقوله: (رُدَّ) وهو مضاف، و (مُطْبِقِ) مضاف إليه على حذف مضاف، (إِثْرَ حرفٍ مُطْبِقِ). لا زال الحديث في (الافْتِعَالٍ) وما تَصرَّف منه، إذا وقعت الفاء واواً أو ياءً قُلِبَت الفاء تاءً، فَأُدْغِمَت التاء في التاء، وإذا وقعت الفاء حرفاً من حروف الإطباق الأربعة: الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظاء، حينئذٍ تقلب التاء طاءً، إذاً: ليس الحكم هنا مُتعلَّق بالفاء، وإنَّما مُتعلَّق بتاء (الافْتِعَال)، ولذلك (تَا افْتِعَالٍ رُدَّ طَاءً) .. (رُدَّ تَا افْتِعَالٍ طَاءً) إذاً: الحكم مُتعلَّق بتاء (الافْتِعَال).

المسألة السابقة .. البيت السابق مُتعلَّق بفاء (الافْتِعَال)، إذا وقعت ياءً أو واواً قُلِبَت تاءً، ثُمَّ أُدْغِمَت التاء في التاء، وهنا مُتعلَّق بتاء (الافْتِعَال)، إذا وقعت الفاء واحداً من حروف الإطباق الأربعة التي هي: الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء، وجب قلب التاء طاءً. فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالاً بَقِي .. (بَقِي) ما هو الذي بقي؟ (تَا افْتِعَال) .. الضمير يعود على (تَا افْتِعَال)، (بَقِيَ دَالاً) مفعول به لـ: (بَقِيَ) .. (بَقِي تَاء الافْتِعَال دَالاً)، هذا حال وليس بمفعول به، و (فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ) الأول مُتعلَّق بـ: (بَقِي)، والثاني والثالث معطوفان عليه. وعَبَّر هنا بـ: (بَقِي) عن البدل، قال المكُودِي: وفيه بعدٌ، (بَقِي) يعني: أُبْدِلَ دالاً (فِي ادَّانَ)، فعَبَّر عن البدل هنا بالبقاء (بَقِيَ) لكن هذا فيه إشكال. يعني: أنَّه تُبْدَل أيضاً تاء (الاِفتِعَال) وما تَصَرَّف منه دالاً بعد الدَّال والزَّاي والذَّال، ومَثَّل لها النَّاظم بالأمثلة: - (ادَّانَ) أصلها: ادْتَان، وقعت الفاء دالاً، فوجب قلب التاء دالاً، فَأُدْغِمَت الدَّال في الدَّال. - (ازْدَدْ) أصلها: ازْتَد .. (افْتَعَل) وقعت الفاء زاياً، فوجب قلب التاء دالاً فقيل: (ازْدَدْ). - (ادَّكِرْ) (افْتَعِل) أصلها: اذْتَكِر، هو مَثَّل بالدَّال في الأول (فِي ادَّانَ)، (وَادَّكِرْ) هذا مَثَّل به في: اذْتَكِرْ، فيجوز فيه وجهٌ وهو قلب الذَّال دااًل، ثُمَّ إدغامها في الدَّال. إذاً: طَا تَا افْتِعَالٍ رُدَّ إِثْرَ مُطْبِقِ ... فِي ادَّانَ وَازْدَدْ وَادَّكِرْ دَالاً بَقِي قال الشَّارح: إذا وقعت تاء الافتعال بعد حرف من حروف الإطباق وهي: الصَّاد والضَّاد والطَّاء والظَّاء، وجب إبداله طاءً كقولك: اصْطَبَرَ، أصله: اصْتَبَر (اصْطَبَرَ) هنا قُلِبَت التاء طاءً، ولا تُدْغَم الصَّاد في الطَّاء، لأنَّ الصَّفير لا يُدْغَم إلا في مثله، واضْطَجَعَ، أصلها: اضْتَجَعَ، وكذلك: (الضَّاد) لا تُدْغَم في الطَّاء، لأنَّها حرف مستطيل، (واظْطَعَنوا) أصلها: اظتعنوا، (واظطلموا) أصلها: اظتلموا، قُلِبَت التَّاء طاءً. وهنا فيه ثلاثة أوجه: الإظهار، والإدغام مع إبدال الأول من جنس الثاني أو عكسه، (واطَّلَمُوا) (واظَّلَمُوا) (واظطلموا) فيه وجهان، إذا وقعت الفاء ظاءً قُلِبَت التاء طاءً، ثُمَّ لك ثلاثة أوجه: إمَّا أن تقلب الظَّاء طاء فتدغمها في الطَّاء،، أو بالعكس، أو تظهر، فيه ثلاثة أوجه بخلاف الأول. والأصل: (اصْتَبَرَ) و (اضْتَجَعَ) و (اظْتَعَنُوا) و (اظْتَلَمُوا)، فاستثقلوا اجتماع التاء مع الحرف المطبِق؛ لِمَا بينهما من مقاربة المخرج ومباينة الوصف، لأنَّ التَّاء من حروف الهمس، والمطبق من حروف الاستعلاء، فَأُبْدِلَ من التَّاء حرف استعلاء من مخرجها وهو الطَّاء.

وإن وقعت تاء (الافْتِعَال) بعد الدَّال والزَّاي والذَّال قُلِبَت دالاً نحو: (ادَّانَ) بالإدغام، أصله: ادتان .. (افْتَعَل) قُلِبَت التاء دالاً ثُمَّ أُدْغِمَت الدَّال في الدَّال، (وَازْدَدْ) هنا لا تُدْغَم لِمَا قيل في: اصْطَبَرَ، (وَادَّكِرْ) والأصل: ادتان وازتد واذتكر، (ادَّكر) .. (اذَّكر) .. (اذتكر) هذا الثالث فيه ثلاثة أوجه: - (اذْتَكِر) هذه تُبْدَل المعجمة مهملة وَتُدْغَمَ فيها، وبعضهم يعكس، ولذلك قرئ في الشَّاذ: (فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ) (مُدَّكِر) هذه القراءة المشهورة، (مُذَّكِرْ) بقلب الدَّال ذالاً ثُمَّ أُدْغِمَت الذَّال في الذَّال .. هذا شاذ. إذاً: فيه ثلاثة أوجه: (اذْتَكِر) بقلب التاء ذالاً، ثُمَّ إدغام الذَّال في الذَّال، أو بقلب الأول دالاً، ثُمَّ إدغام الدال في الدَّال، أو بالإظهار (اذْتَكِر)، ولذلك النَّاظم هنا مشى على الثالث: (وادَّكِرْ) والأصل: ادتان وازتد واذتكر، فاسْتُثْقِلَت التاء بعد هذه الحروف فَأُبْدِلَت دالاً، وَأُدْغِمَت الدَّال في الدَّال. (فَا أَمْرٍ) هذا فَصلٌ جديد يَتَعلَّق بحذف الفاء من الأمر أو المضارع. (فَصْلٌ). فَا أَمْرٍ اوْ مُضَارِعٍ مِنْ كَوَعَدْ ... احْذِفْ وَفِي كَعِدَةٍ ذَاكَ اطَّرَدَ (فَاءَ أَمْرٍ) على أنَّه مفعول لقوله: (احْذِفْ). (احْذِفْ فَاء أَمْرٍ) قصره للضرورة، (أَوْ مُضَارِعٍ) أو فاء مضارعٍ، وله شرطان، (مِنْ كَوَعَدْ) يعني: مِمَّا كانت عينه فاءً احذف الفاء، (وَعَدْ) فتقول في المضارع: يَعِدُ، لوقوع الواو هنا بين عَدُوَّتَيْهَا، فتقول أصله: يَوْعِدْ، حُذِفَت الواو فيما إذا وقعت الواو بين ياءٍ، وما بعدها مكسور. وَحُمِل ما عداه عليه يعني: أَعِدُ .. نَعِدُ .. تَعِدُ، هذه كلها بحذف الواو ليست فيه العِلَّة، الأصل: يَعِدُ، وَحُمِلَ عليها سائر أنواع الفعل المضارع، كذلك في الأمر تقول: عِدْ، تحذِف الواو حملاً على المضارع، كذلك في المصدر: عِدَةٌ، أين الواو؟ حُذِفَت. إذاً: ما كان مِثَال (عِدَة) ونحوه مِمَّا وقعت فيه الواو فاءً حينئذٍ تُحْذَف في فاء الأمر، وفي فاء المضارع، وفي فاء المصدر، وَيُعَوَّض عنها في المصدر تاءً في آخره. (فَا أَمْرٍ أَوْ مُضَارِعٍ) (مُضَارِعٍ) هذا مشروطٌ: بأن يكون حرف المضارعة مفتوحاً، يعني: ليس مَبْنِيَّاً للمجهول: يُوعَد، لم تُحْذَف الواو هنا لكون حرف المضارعة ليس مفتوحاً، فلو كان مضموماً صَحَّت الفاء .. لم تُحْذَف: يُوعَدُ. إذاً قوله: (أَوْ مُضَارِعٍ) مشروطٌ: بأن يكون حرف المضارعة مفتوحاً، فلو ضُمَّ حينئذٍ لم تُحْذَف الواو نحو: يُوعَدُ، هذا الشَّرط مأخوذٌ من قوله: (كَوَعَدْ). كذلك يُشْترط: أن يكون ما بعد الواو مكسوراً، فلو كان ما بعدها غير مكسور لم تُحْذَف نحو: يَوْجَل، يَوْجَل صَحَّت الواو هنا، لا تقل: يَجِلْ، وبعضهم قلبها: ياجل، لكن المشهور: يَوْجَل، هنا وقعت الواو بين ياءٍ، ولكن لم يُكْسر ما بعدها، والشَّرط في حذفها: أن تقع الواو بين ياءٍ مفتوحة وما بعدها أن يكون مكسوراً، وأمَّا: يُوْجَل، وُجِدَ الجزء الأول من الشرط، وانتفى الثاني وهو: كسر ما بعدها. إذاً قوله: (أَوْ مُضَارِعٍ) مشروطٌ بشرطين:

الأول: أن يكون حرف المضارعة مفتوحاً. والثاني: أن يكون ما بعده مكسوراً، وسيأتي باب (وَهَبَ). فَا أَمْرٍ اوْ مُضَارِعٍ مِنْ كَوَعَدْ ... احْذِفْ. . . . . . . . . . . . . . (فَا أَمْرٍ) (احْذِفْ فَا أَمْرٍ) إذاً: مفعول مُقدَّم، و (فَا) مضاف، و (أَمْرٍ) مضاف إليه، (أَوْ مُضَارِعٍ) معطوف على (أَمْرٍ). (مِنْ كَوَعَدْ) هذا حالٌ من (أَمْرٍ) وما عُطِفَ عليه، حال كونه .. الفاء من الأمر والمضارع (مِنْ كَوَعَدْ)، انظر: دخلت (مِنْ) على الكاف، فصارت الكاف هنا اسْميَّة، (مِنْ مثل وَعَدْ) تَعيِّن هنا أن تكون الكاف اسْميَّة؛ لدخول حرف الجر عليها. إذاً: (مِنْ مثل وَعَدْ احْذِفْ) فيجب حذف فاء الكلمة إذا كانت واواً في الأمثلة التي ذكرها النَّاظم هنا، وهي فيما إذا كانت فَاء أَمْرٍ، أوْ مُضَارِع، أو مصدرٍ، فالمواضع التي يجب حذف فاء الكلمة إذا كانت واواً ثلاثة مواضع: - الأول: فعل الأمر نحو: عِدْ، وهذا ليست فيه العِلَّة .. غير موجودة، لأنَّه يُشْتَرَط: أن يكون ما قبلها ياء مفتوحة، وهنا: عِدْ، ليس فيها ياء مفتوحة، قالوا: حملاً على المضارع، -وما أكثر العِلَّة أن تكون عند الصرفيين: حملاً على كذا من باب طرد الباب فقط - لوجود مقتضى الحذف فيه، يعني: في المضارع، أمَّا الأمر فليس فيه مقتضى الحذف، حينئذٍ نقول: السَّماع هكذا. - الثاني: الفعل المضارع إذا كان مكسور العين، يعني: من باب (يَفْعِلُ) نحو: يَعِدُ، فأصله: يَوْعِدُ، وقعت الواو بين عَدُوَّتَيْهَا .. بين ياءٍ وكسرة لازمة فقيل: يَعِدُ، إذاً: وُجِدَ المقتضي في الفعل المضارع إذا كان على وزن (يَفْعِلُ)، وَحُمِلَ عليه: أَعِدُ وَنَعِدُ وَتَعِدُ، أيضاً طرداً للباب، لأنَّه غير موجودة فيها العِلَّة، (أَعِدُ) أين وقوع الواو هنا بين عَدُوَّتيها؟ لم يوجد، لأنَّه من شرط العدو الأول: أن يكون ياءً مفتوحة، وهنا (أَعِدُ) وُجِدَت فتحة لكن دون ياءٍ، إذاً الأصل: عدم الحذف لكن قالوا: حملاً على (يَعِدُ)، وَحُمِلَ عليه: أَعِدُ وَنَعِدُ وَتَعِدُ. - الثالث: المصدر من نحو: وَعَدَ، وهو محمولٌ على الفعل في الحذف، حينئذٍ يجب في المصدر التَّعويض إذا حُذِفَ، وهذا مِمَّا يدل على أنَّ الحمل ضعيف، لأنَّ المصدر فرعٌ .. محمولٌ على الفعل، لم يُعَوَّض في الفعل وإنَّما عُوِّض في المصدر، عُوِّضَ في الفرع دون الأصل، هذا ضعف. إذاً: عِدَة، مأخوذٌ من الوعد وهو مصدره، حينئذٍ نقول: عِدَةٌ، هذه التاء عِوَضٌ عن الفاء، وسبق أنَّ العِوَض لا يُشْتَرَط: أن يكون في مكان المُعَوَّض عنه، ويجب في المصدر تعويض الهاء من المحذوف المبني على (فِعْلَةٍ) ولذلك قال: وَفِي كَعِدَةٍ ذَاكَ اطَّرَدَ .. (ذَاكَ) هذا مبتدأ، و (اطَّرَدَ) خبره، والضمير هنا (اطَّرَدَ) يعود إلى (ذَاكَ)، (ذَاكَ) أي: حذف الفاء، اطَّرَدَ فِي كَعِدَةٍ، كما أنَّه مُطَّرد في فاء أمرٍ أو مضارع، فهو مُطَّرِد فيما سبق، وَمُطَّرِدٌ فيما ذكره من المصدر، (وَفِي كَعِدَةٍ) مصدراً، فلو كان اسماً لم يُحْذَف منه شيء نحو: وِجْهَه، قالوا: هذا اسمٌ وليس بمصدر، حينئذٍ صَحَّت الفاء ولم تُحْذَف.

وكذلك لا يُحْذَف منه إذا أريد به الهيئة نحو: الوِعْدَة، على وزن (فِعْلَة). وَفَعْلَةٌ لِمَرَّةٍ كَجَلْسَهْ ... وَفِعْلَةٌ لِهيئَةٍ. . . . . إذاً: (وِعْدَة) إذا أُرِيْد به الهيئة صَحَّت الواو، لأنَّها مُتحرِّكة. إذاً: (احْذِفْ فَاءَ أَمْرٍ اوْ مُضَارِعٍ) بالشَّرطين السَّابقين المذكورين. (مِنْ كَوَعَدْ) .. (وَفِي كَعِدَةٍ ذَاكَ اطَّرَدَ) و (ذَاكَ اطَّرَدَ) الذي هو حذف الفاء (فِي كَعِدَةٍ)، كذلك الكاف هنا اسْميَّة، لأنَّ الحرف هنا (فِي) دخل على الكاف. قوله: (مِنْ كَوَعَدْ) فُهِمَ منه: أنَّ الواو تُحْذَف في الأمر والمضارع إذا كان بعدها فتحة نائبةٌ عن الكسرة، يعني: اشتراط أن يكون ما بعد الواو مكسوراً حقيقةً، أو أن يكون تقديراً أو تنزيلاً نحو: وَهَبَ يَهَبُ، (وَهَبَ) على وزن (فَعَلَ) والأصل: التَّخالف .. أن يكون على وزن (يَفْعِلُ) أو (يَفْعُل)، الأصل في (وَهَبَ) أن يأتي على وزن (يَهِبُ)، لكن لكونه حرف حلقٍ فُتِحَت العين فصار: يَهَبُ. حينئذٍ لُوحِظَت هذه الكسرة التي الأصل فيها: أن يأتي عليها (يَهِبُ) حُذِفَت الواو فقيل: يَوْهِبُ .. يَوْهَبُ، حُذِفَت الواو، (يَهَبُ) على وزن (يَعَلُ) بحذف الفاء، لِمَ حُذِفَت الفاء هنا؟ نحن نقول: وَهَبَ .. يَهِبُ، وشرط حذف الواو: أن تقع بين عَدُوَّتيها، العدو الأول موجود (ياء)، والعدو الثاني غير موجود تحقيقاً، لكنَّ هذا الباب الأصل فيه أن يأتي على وزن (يَفْعِلُ)، لَكنَّه جاء على وزن (يَفْعَلُ). إذاً: كُلُّ ما سُمِعَ من (يَهَبُ) و (يَضَعُ) ونحوه مِمَّا هو على وزن (يَفْعَلُ) وعينه حرف حلق، حينئذٍ العدو الثاني: وهو كسر ما بعد الواو، موجودٌ تنزيلاً أو تقديراً، لأنَّ أصل الباب: أن يأتي على وزن (يَفْعِلُ)، ولَكنَّه لاستثقال حرف الحلق عيناً مكسورةً حينئذٍ فُتِحَ، لأنَّه كما سبق معنا التَّعليل: لماذا انتقل من باب (يَفْعِلُ) لـ: (يَفْعَلُ)؟ قالوا: حرف الحلق ثقيل، وكذلك الكسرة ثقيلة، حينئذٍ اجتماع الثقيل مع الثقيل يزيد الفعل ثقلاً، فنقلوا الكسرة فتحة، إذاً: نقلُ الكسرة فتحة هذا عارض وليس بأصلٍ، فرُوعي في حذف الواو فقيل: (يَهَبُ) و (يَضَعُ)، وهذا دليل على أنَّه من باب (يَفْعِلُ) .. استدلَّ الصَّرفيُّون على أنَّ (يَهَبُ) أصله (يَفْعِلُ) بحذف الواو، لأنَّ الواو لا تُحْذَف إلا إذا وقعت بين عَدُوَّتيها، وهنا الياء مُقدَّرة. إذاً: (مِنْ كَوَعَدْ) فُهِمَ منه: أنَّ الواو تُحْذَف في الأمر والمضارع إذا كان ما بعدها فتحة نائبة عن الكسرة، كما في (يَهَبُ) و (يَضَعُ)، فإن قياسه (يَهِبُ) بالكسر، لكن فُتِحَت العين لكون الهاء من حروف الحلق. ثُمَّ قال: وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ اسْتَمَرَّ فِي ... مُضَارِعٍ وَبِنْيَتَيْ مُتَّصِفِ

المراد بـ (بِنْيَتَيْ): صيغتي الفاعل والمفعول، وهذا مَرَّ معنا مراراً، قلنا (أُكْرِمُ) إذا كان الماضي على وزن (أَفْعَلَ) وأردت المضارع منه على وزن (أُفْعِلُ)، يعني: مبدوءً بهمزة المُتكلِّم، حينئذٍ اجتمع عندنا همزتان: همزة المُتكلِّم التي هي حرف المضارعة، والهمزة الزَّائدة في (أَفْعَلَ) الفعل الماضي مثل: أَكْرَمَ، حينئذٍ تقول: أُأَكْرِمُ، اجتمع عندنا همزتان: همزة (أَكْرَمَ) الفعل الماضي، وهمزة المُتكلِّم التي هي حرف المضارعة، ماذا تصنع؟ قال: (وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ) إذاً: الفعل الماضي الذي على وزن (أَفْعَلَ) إذا زِيد عليه حرف المضارعة حُذِفَت الهمزة في المُتكلِّم للثِّقَل، وفي غيره طَرداً للباب، لأنَّك تقول: أُكْرِمُ .. نُكْرِمُ .. يُكْرِمُ .. تُكْرِمُ .. مُكْرِمْ .. مُكْرَمْ، حُذِفَت مُطلقاً، لماذا حذفت مطلقاً .. هي العِلَّة في ماذا؟ في (أُأَكْرِمُ) هي التي وقع فيها الثِّقَل، قالوا: حملاً للباب .. طرداً للباب على (أُأَكْرِمُ). ولذلك قال: (وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ) الفعل الماضي مبدوء بهمزةٍ نحو: أَكْرَمَ، (اسْتَمَرَّ) يعني: اطَّرَدَ، (حَذْفُ) مبتدأ وهو مضاف، و (هَمْزِ) مضاف إليه، (هَمْزِ) مضاف، و (أَفْعَلَ) مضافٌ إليه، و (اسْتَمَرَّ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو، يعود على (حَذْف)، استمرَّ حذف .. الحذف السابق، والجملة خبر المبتدأ .. (اسْتَمَرَّ) هو، والجملة خبر المبتدأ (حَذْفُ). (فِي مُضَارِعٍ) مُتعلَّق بقوله: (اسْتَمَرَّ)، (وَبِنْيَتَيْ) معطوف على (مُضَارِعٍ)، (مُتَّصِفِ) يعني: صيغتي الفاعل والمفعول، فإنَّ اسم الفاعل واسم المفعول يوصف بهما، فهما بِنْيَتَا مُتَّصف، (بِنْيَتَا) يعن: صيغتا (مُتَّصِفٍ) مِمَّا تقع بهما الصِّفة، واسم المفعول يوصف به، وكذلك اسم الفاعل. إذاً: إذا كان الفعل الماضي معتل الفاء كـ: وَعَدَ، وجب حذف الفاء في الأمر والمضارع والمصدر إذا كان بالتاء، وذلك نحو: عِدْ وَيَعِدْ وَعِدَةْ، فإن لم يكن المصدر بالتاء لم يَجُزْ حذف الفاء كـ: وَعَدَ، وكذلك يجب حذف الهمزة الثانية في الماضي مع المضارع، واسم الفاعل، واسم المفعول، أمَّا اسم الفاعل واسم المفعول فهذا حملاً على أصله وهو المضارع .. هذا الأصل. والأصل: ألا تُحْذَف الهمزة في ذلك، كما لا تُحْذَفَ سائر الزَّوائد من الفعل نحو: تَدَحْرَجَ .. يَتَدَحْرَجُ .. مُتَدَحْرِجٌ .. مُتَدَحْرَجْ، هذا الأصل .. أنَّها تبقى، ولكن هنا استثقلوا اجتماع همزتين في أول الكلمة: الأولى مضمومة، والثانية مفتوحة (أُأَكْرِمُ) استثقل، الحرفان إذا كانا من جنسٍ واحدٍ، وخاصَّة إذا كانا همزتين حينئذٍ صار ثقيلاً. ولكن استثقلوا اجتماع همزتين في المبدوء بهمزة المُتكلِّم في نحو: أُأَكْرِمُ، فَحُذِفَت الهمزة وَحُمِلَ عليه: نُكْرِمُ وَتُكْرِمُ وَيُكْرِمُ، واسم الفاعل واسم المفعول، كما حُمِلَ على: يَعِدُ، سائر أفعال المضارع، (يَعِدُ) هذا الأصل، (وَنَعِدُ) و (تَعِدُ) هذا محمولٌ عليه.

وهنا كذلك: (أُكْرِمُ) حُذِفَت الهمزة التي هي (أَفْعَل)، وهذا هو الصَّواب: أنَّ الهمزة التي هي همزة (أَفْعَلْ) هي المحذوفة، أمَّا همزة المُتكلِّم فلا تُحْذَفُ. نحو قولك في (أَكْرَمَ): يُكْرِمُ، والأصل: يُؤَكْرِمُ، ونحو: مُكْرِمْ وَمُكْرَمْ، والأصل: مُؤَكْرِمٌ وَمُؤَكْرَمٌ بالهمز، فَحُذِفَت الهمزة في اسم الفاعل واسم المفعول حملاً على المضارع، والمضارع فيما عدى الهمزة محمولاً على المبدوء بالهمزة، والمبدوء بالهمزة إنَّما حُذِفَت الهمزة من (أَفْعَلْ) دفعاً للاستثقال. ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلاَ ... وَقِرْنَ فِي اقْرِرْنَ وَقَرْنَ نُقِلاَ (قِرْنَ) .. (قَرْنَ) فيه وجهان، (ظِلْتُ) هذا مبتدأ، (وَظَلْتُ) معطوفٌ عليه، (فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلاَ) (اسْتُعْمِلاَ) الألف للإطلاق، أو فاعل، أو نائب فاعل .. واحد من الثلاث؟ (اسْتُعْمِلاَ) نائب فاعل، لأنَّه يعود على: (ظِلْتُ وَظَلْتُ)، (فِي ظَلِلْتُ) هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (اسْتُعْمِلاَ)، وجملة (اسْتُعْمِلاَ) خبر المبتدأ. يعني: إذا كان الفعل ثلاثياً مكسور العين - هذا الضَّابط - وعينه ولامه من جنسٍ واحد. فِعل ثلاثي مكسور العين على وزن (فَعِلَ)، وعينه ولامه من جنسٍ واحد، (ظَلَّ) أصله: ظَلِلَ، إذاً: على وزن (فَعِلَ)، والعين واللام من جنس واحد، فإنَّه يُسْتَعْمَل في حالة إسناده إلى الضَّمير المتُحرِّك على ثلاثة أوجه، ولذلك مَثَّل له بـ: (ظِلْتُ) مسند إلى التاء، (وَظَلْتُ وظَلِلْتُ) كم وجه؟ ثلاثة على وزن (فَعِلَ)، وعينه ولامه من جنسٍ واحد، وحينئذٍ جاز لك ثلاثة أوجه: فكُّ (ظَلِلْتُ) وهذا الأصل، لأنَّ أصله (ظَلَّ)، حينئذٍ استعمل تامَّاً كما هو لم يُحْذَف منه شيء، ولم يحصل له إعلالٌ. إذاً: (ظَلِلْتُ) هذا تام، (فِي ظَلِلْتُ)، ولذلك قَدَّمه وجعله أصلاً، وجعل (ظِلْتُ وَظَلْتُ) مستعملين في (ظَلِلْتُ) لماذا؟ لأنَّهما فرعان، والأصل هو الفَكُّ، ويجوز (ظِلْتُ) بالنَّقل والحذف، ماذا حصل؟ الأصل: (ظَلِلْتُ) نُقِلَت حركة اللام إلى ما قبلها وبعد إسقاطها، ثُمَّ حُذِفَت اللام. (ظِلْتُ) نقول: هذه الكسرة دليلٌ على حركة العين، أنَّه من باب (فَعِلَ)، وإلا فالأصل عدم الجواز، لماذا؟ لأنَّه لو لم ينقُل حركة العين إلى الفاء لجهلنا الباب، هل هو من باب (فَعِلَ) أو (فَعَلَ)؟ حينئذٍ لَمَّا قال: (ظِلْتُ) أصله (ظَلِلْتُ)، نُقِلَت حركة اللام إلى ما قبلها بعد إسقاط حركة الظَّاد، ثُمَّ حُذِفَت اللام، (ظَلْتُ) حُذِفَت اللام فقط ولم يحصل إعلالٌ بالنَّقل، فجاز فيه وجهان. ظاهر النَّظم: أنَّ هذا الحكم مخصوصٌ بهذا اللفظ فقط (ظَلَّ) فيجوز فيه ثلاثة أوجه: - إمَّا أن يُسْتَعْمَل تامَّاً. - وإمَّا محذوف العين بعد نقل حركتها. - وإمَّا مع ترك النَّقل، يعني: حذف العين مع ترك النَّقل، وزاد سيبويه (مَسَسْتُ)، وفي القياس عليهما خلافٌ بين النُّحاة. إذاً: ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلاَ .. عرفنا أن المراد به: الثلاثي مكسور العين، إذا كانت عينه ولامه من جنسٍ واحد، حينئذٍ إذا أُسْنِدَ إلى الضمير المُتحرِّك يُسَكَّن آخره، فيجوز استعماله بأحد ثلاثة أوجه:

تامَّاً وهذا هو الأصل وهو الفصيح، أو محذوف العين بعد نقل الحركة إلى ما قبله: (ظِلْتُ)، أو بحذف العين مع الحركة: (ظَلْتُ). (وَقِرْنَ) .. (قَرَّ) ماذا حصل؟ (قَرَّ) فعل ماضي مضاعف، إذا اتَّصل بنون الإناث حينئذٍ جاز فيه وجهان: تخفيفه بحذف عينه بعد نقل الحركة إلى الفاء، والفك. إذاً: (ظِلْتُ) يجوز في (قِرْنَ)، (وَظَلِلْتُ) يجوز كذلك في (قِرْنَ). وَقِرْنَ فِي اقْرِرْنَ وَقَرْنَ نُقِلاَ .. (وَقِرْنَ) هذا مع عدم الحذف، (وَقِرْنَ) مع النَّقل، (اقْرِرْنَ) هذا الأصل فيه، (اقْرِرْنَ) بكسر الراء الأولى وإسكان الثانية. (وَقِرْنَ) هذا مبتدأ، أين خبره؟ (وَقَرْنَ نُقِلاَ) الألف للإطلاق، (وَقَرْنَ) مبتدأ، و (نُقِلاَ) خبر، والجملة من المبتدأ والخبر في مَحلِّ رفع خبر المبتدأ الأول (قِرْنَ)، (اقْرِرْنَ) هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله ماذا .. هل يصح أن يُقَال (قِرْنَ فِي اقْرِرْنَ) مبتدأ وخبر .. (زَيْدٌ) (عَمْروٌ) .. يصح؟ (قِرْنَ) مبتدأ، والجار والمجرور خبر، لَكنَّه مُتعلِّق بمحذوف خاص .. مقولٌ أو ثابتٌ أو جائزٌ .. نُقدِّره بخاص، (قِرْنَ) مقولٌ (فِي اقْرِرْنَ)، (وَقَرْنَ نُقِلاَ) مبتدأ وخبر، هذا الظَّاهر. قال الشَّارح: "إذا أُسْنِد الفعل الماضي المُضعَّف المكسور العين إلى تاء الضمير أو نونه، جاز فيه ثلاثة أوجه: إتمامه نحو: (ظَلِلْتُ) أَفْعُل كذا إذا عملته بالنهار. والثاني: حذف لامه ونقل حركة العين إلى الفاء نحو: (ظِلْتُ) حُذِفَت اللام وَنُقِلَت حركة العين إلى ما قبله. الثالث: حذف لامه وإبقاء فائه على حركتها: (ظَلْتُ). وأشار بقوله (وَقِرْنَ): إلى أن الفعل المضارع المضاعف إن كان على وزن (يَفْعِلْنَ) إذا اتَّصَل بنون الإناث، جاز تخفيفه بحذف عينه بعد نقل حركتها إلى الفاء، وكذا الأمر منه، ابن مالك ما مَثَّل بالمضارع، إنَّما مَثَّل بالأمر. وذلك نحو قولك في (يَقْرِرْنَ): يَقِرّْ، فُكَّ الإدغام (يَقْرِرْنَ) إذاً: صار من باب (يَفْعِلْنَ)، تقول: (يَقِرْن) بحذف العين، الأصل: (يَقْرِرْ) الراء الأولى المكسورة هي العين، (يَقِـ) نُقِلَت حركة الراء –الكسرة- إلى القاف، ثُمَّ حُذِفَت العين، إذاً: حصل إعلالٌ بالنَّقل والحذف. ولذلك قال: "جاز تخفيفه بحذف عينه بعد نقل حركته إلى الفاء" (يَقْرِ) الراء مكسورة والقاف ساكنة (يقْـ، ثُمَّ نُقِلَت حركة الراء –الكسرة- إلى القاف، ثُمَّ حُذِفَت العين - هذا من باب التَّخفيف - وفي الأمر تقول: (اقْرِرْنَ) على الأصل بِفكِّ الإدغام .. تقول: (قِرْنَ) لأنَّك لَمَّا نقلت حركة العين إلى القاف استغنيت عن همزة الوصل، الأصل: (اقْرِرْن) نقول: الهمزة هنا جيء بها للتَّمكُّن من الابتداء من السَّاكن، لأنَّه مأخوذٌ من الفعل المضارع (يَقْرِرْنَ)، لَمَّا نُقِلَت حركة العين –الكسرة- إلى القاف، إذاً: تَحرَّك الأول، وإذا تَحرَّك الأول لم نعد بحاجة إلى همزة الوصل صار: (قِرْنَ) على وزن (فِلْنَ) حُذِفَت العين. إذاً: (قِرْنَ) .. (قِرْ) هذا فعل الأمر، وزنه (فِلْ) لأنَّ العين محذوفة .. حُذِفَت العين بعد إسقاط حركتها على القاف، هذا من باب التَّخفيف.

وأشار بقوله: (وَقَرْنَ نُقِلاَ) إلى قراءة نافع وعاصم: (وَقَرْنَ)، إذاً: (قَرْنَ) بفتح القاف معناه: أن العين حُذِفَت مع حركتها من باب (ظَلْتُ)، (قِرْنَ) فرقٌ بين (قِرْنَ) و (قَرْن)، إذا قلت (قِرْنَ) معناه: حُذَِفَت العين بعد إسقاط حركتها .. بكسر القاف، وإذا قلت: (قَرْنَ) حينئذٍ حُذِفَت العين مع حركتها. بفتح القاف وأصله: (اقْرَرْنَ) من قولهم: قَرَّ بالمكان يَقَرُّ، بِمعنى: يَقِرُّ، حكاه ابن القَطَّاع، ثُمَّ خُفِّفَ بالحذف بَعَد نقل الحركة وهو نادرٌ، لأنَّ هذا التَّخفيف إنَّما هو للمكسور العين، ولكن لا، قيل: أنَّه مِمَّا سبق. إذاً: ظِلْتُ وَظَلْتُ فِي ظَلِلْتُ اسْتُعْمِلاَ .. معناه: أنَّه اسْتُعْمِل هذا التَّخفيف في فعل الأمر كذلك فقيل: (قِرْنَ) بكسر القاف وهي قراءة غير نافع وعاصم في قوله تعالى: ((وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) [الأحزاب:33]. وقوله: (وَقَرْنَ نُقِلاَ) إشارةً إلى قراءة نافع وعاصم، (وَقِرْنَ) بالكسر أصله من: قَرَّ بالمكان يَقَرُّ، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، فلمَّا اتَّصَلت نون الإناث بالفعل خُفِّفَ بحذف عينه بعد نقل حركتها إلى الفاء، وكذلك الأمر منه. وأمَّا: (قَرْنَ) -هذا مَحلُّ الإشكال هنا-، وأمَّا (قَرْنَ) بالفتح فهو من (قَرِرْتُ) بالكسر من باب (فَعِلْتُ): قَرِرْتُ بالمكان أَقِرُّ، بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع، فَفُعِل به ما تَقدَّم في الكسر من الحذف والنَّقل فهما لغتان فصيحتان. إذاً: (قَرْنَ) أصله من باب: قَرَّ يَقِرُّ، بالكسر فيهما، وهما لغتان فصيحتان، ما دام أنَّه وردت بها القراءة فتثبت. إذاً حاصل ما ذكره النَّاظم هنا: أنَّ التَّخفيف واقعٌ في هذا وذاك، فيما كانت عينه ولامه من جنسٍ واحد وهو ثلاثي مكسور العين إذا أُسْنِدَ إلى تاء الضَّمير أو نونه، حينئذٍ جاز لك ثلاثة أوجه: - جاز فيه التَّخفيف، إمَّا بالفكِّ وهذا هو الأصل .. فك الإدغام. - وإمَّا بنقل حركة العين إلى ما قبلها ثُمَّ تُحْذَفْ. - وإمَّا حذفها بحركتها. ثُمَّ قال رحمه الله تعالى: (الإِدْغَامُ). يُقال: (الإِدْغَامُ) بسكون الدَّال مصدر: أَدْغَمَ، (والإِدِّغَامُ) بالتَّشديد، وقيل الأول عبارة الكوفيين، والثانية عبارة البصريين، وهو في اللغة: الإدخال، أَدْغَمْتَ الشَّيء في الشَّيء: أدخلت الشَّيء في الشَّيء. واصطلاحاً: إدخال حرفٍ في حرف، وهو على ثلاثة أنواع: واجب وجائز، وواجب الإدغام، وواجب الإظهار، وجائز الوجهين. إمَّا أن يكون الإدغام واجب، وإمَّا أن يكون الإظهار واجب، يعني: عدم الإدغام، وإمَّا أن يكون جائز الوجهين، والأحكام ثلاثة: أشار إلى الأول بقوله: أَوَّلَ مِثْلَيْنِ مُحَرَّكَيْنِ فِي ... كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . . . . . (كِلْمَةٍ أَدْغِمْ) هذا الأصل، حُذِفَت الهمزة من باب التَّخفيف. يعني: أنَّه إذا اجتمع في كلمةٍ واحدة مثلان مُتحرِّكان وجب إدغام الأول في الثاني بعد سَلْب حركة الأول حركته، لأنَّه لا بُدَّ من أن يكون المثلان أولهما ساكن والثاني مُتحرِّك، فإذا كانا مُتحرِّكين وجب إسقاط حركة الأول، ثُمَّ إدغامه في الثاني.

إذاً: إذا اجتمع في كلمةٍ واحدة مثلان مُتحرِّكان، وجب إدغام الأول في الثاني، ويلزم من ذلك تسكين الأول؛ لامتناع إدغام المُحرَّك إلا بعد تسكينه وشمل نوعين، لأنَّ ما قبل المثل الأول إمَّا أن يكون ساكن أو مُتحرِّك، إن كان ساكناً حينئذٍ مباشرة نقلت حركة المثل الأول إلى ما قبله فسكن فأدغمت، إن كان ما قبله مُتحرِّكاً حينئذٍ كيف تنقل حركة إلى حركة؟ فيَتَعيَّن أن تُسقط حركة الأول ثُمَّ بعد ذلك تنقل، التَخليَة قبل التَّحليَة. وشمل نوعين: أن يكون قبل المثل الأول مُتحرِّك نحو: رَدَّ وَظَنَّ، أصلهما: رَدَدَ وَظَنَنَ، فَسُكِّنَ المثل الأول وَأُدْغِمَ في الثاني. الصورة الثانية: أن يكون المثل الأول ساكناً نحو: يَرُدُّ وَيَظُنُّ وَمَرَدُّ، وأصلها: يَرْدُدْ (يَفْعُلْ) وَيَظْنُنْ وَمَرْدُدْ، فَنُقِلَت حركة المثل الأول إلى السَّاكن قبله، وبقي ساكناً فَأُدْغِمَ في المثل الثاني. إذاً: إذا كان ما قبل حرف المثل الأول مُتحرِّكاً وجب أولاً: إسقاط حركة ما قبل المثل الأول، فحينئذٍ صَحَّ لك أن تنقل حركته إلى ما قبله، أو إن شئت حذفته مباشرة. إذاً: أَوَّلَ مِثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي ... كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . . . . . (ادْغِمْ) فعل أمر والفاعل أنت، (أَوَّلَ) مفعولٌ به وهو مضاف، و (مِثْلَينِ) مضافٌ إليه، (مُحَرَّكَيْنِ) نعت لـ: (مِثْلَينِ)، (فِي كِلْمَةٍ) جار ومجرور مُتعلَّق بمحذوف صفة لـ: (مُحَرَّكَيْنِ) يعني: أن يكونا في كلمةٍ واحدة، فإن كانا في كلمتين لم يجب، بل يجوز كما هو مشهورٌ عند أبواب القراءة. فُهِمَ منه: أنَّ أول المثلين إذا كانا في صدر الكلمة نحو: (دَدَنْ) لا يُدغَم إذ لا يصح الابتداء بالسَّاكن، لأنَّه قال: أَوَّلَ مثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي ... كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . . . . . لزم منه أن يكون أول المثلين ساكن، فحينئذٍ إذا قلت: (دَدَنْ) أدغم الأول في الثاني، ستحذف حركته وَتُدْغِمَ، كيف تبتديء به؟ صار محل إشكال، إذاً: لا يُدْغَم إذا كان أول الكلمة، وإنَّما يُدْغَم إذا كان ثانياً وما بعده مثل: شَدَّ وَمَدَّ وَحَبَّ وَمَلَّ، (مَلَّ) أصله: (مَلِلَ)، و (حَبَّ) أصله: (حَبُبَ)، و (شَدَّ) أصله: (شَدَدَ) إذاً: أُدْغِمَ الثاني فيما بعده. أَوَّلَ مِثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي ... كِلْمَةٍ ادْغِمْ لاَ كَمِثْلِ صُفَفِ وَذُلُلٍ وَكِلَلٍ وَلَبَبِ ... وَلاَ كَجُسَّسٍ وَلاَ كَاخْصُصَ بِي وَلاَ كَهَيْلَلَ. . . . . . .. . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يعني: يجب الإدغام، إلا إن كان واحداً من هذه فيجب الإظهار، كأنَّه شروعٌ في النَّوع الثاني: وهو ما وجب فيه الإظهار. وهذه سبعة مواضع اجتمع فيها مثلان في كلمةٍ ولا يجوز فيها الإدغام: الأول: أشار إليه بقوله: (صُفَفِ) ما كان على وزن (فُعَلِ) يمتنع .. هكذا سماعاً دون أن نُعَلِّلْ، ما كان على وزن (صُفَفِ) هذا جمع (صِفَةٍ). والثاني: ما كان على وزن (ذُلُلْ) .. (فُعُلْ) يمتنع. والثالث: ما كان على وزن (كِلَلْ) .. (فِعَلْ). والرابع: ما كان على وزن (لَبَبْ) كـ: طَلَلْ.

والخامس: ما كان مُضعَّف الثاني (جُسَّسْ) هذا جمع: (جَاسٍّ) لماذا؟ لأنَّك لو قلت: (كَجُسَّسٍ) لو أدغمت الثاني المُدْغَم المُحرَّك فيما بعده لَفُكَّ الإدغام، لأنَّك ستلقي حركة الثاني –السين- على ما قبله وهو المُدْغَم في المُدْغَم فيه، عندنا حرفان: مُدْغَم وَمُدْغَمٌ فيه، المُدْغَم الأول: ساكن، والثاني: مُتحرِّك، لو أدغمتَ الثاني فيما بعده للزم إسقاط الحركة على ما قبله فَفُكَّ الإدغام، وهذا ممتنع. (وَلاَ كَاخْصُصَ بِي) هنا يمتنع الإدغام، لماذا؟ لأنَّ الأول (اخْصُص) الصَّاد الأولى، حينئذٍ لو ألقيت حركتها، قلنا: يُشْتَرط أن يكون الثاني مُتحرِّك، لكن شرطه: أن تكون الحركة لازمة، فإن كانت عارضة امتنع الإدغام. إذاً: (اخْصُصَ بِيْ) الصَّاد الثانية مُحرَّكة بحركة الهمزة، أصلها: (اخْصُصَ أَبِي) خُفِّفَ بحذف الهمزة بعد إسقاط حركتها على ما قبلها، إذاً: الصَّاد الثانية مُحرَّكة لكن بحركة عارضة لا بحركة أصلية. (وَلاَ كَهَيْلَل) (هَيْلَلَ) يعني: أكثر من قول: لا إله إلا الله، وما كان فيه ثاني المثلين زائد الإلحاق، (هَيْلَلَ) على وزن (فَيْعَلَ)، واللام الثانية المراد بها: الإلحاق بوزن (دَحْرَجَ) هَيْلَل: هَيْلَلَةً وَهَيْلَالاً، حينئذٍ نقول: هنا مُلْحَقٌ بالثاني. إذاً: يُشْتَرَط في المثل الثاني الذي يُدْغَمُ فيه الأول: ألا يكون زائداً للإلحاق، هذه سبعة مواضع يمتنع فيها الإدغام. . . . . وَشَذَّ فِي أَلِلْ ... وَنَحْوِهِ فَكٌّ. . . . . . . . (أَلِلْ) اللاَّمان هنا الأصل فيهما: الإدغام، وُجِدَ فيه شرط الإدغام، لأنَّه ليس واحداً من المواضع السَّبعة، فالأصل فيه: وُجُوب الإدغام، لَكنَّه شَذَّ بالفَكَّ، (وَنَحْوِهِ) مِمَّا سُمِعَ من هذه الكلمات فهي تُحْفَظُ ولا يُقاس عليها. (وَشَذَّ فَكٌّ فِي أَلِلْ وَنَحْوِهِ بِنَقْلٍ) سماعي، لوجود شروط الإدغام مع عدم الإدغام (فَقُبِلْ) قُبِل هذا النَّقل .. قُبِلَ هذا المسموع عن العرب. قال الشَّارح: "إذا تَحرَّك المثلان في كلمةٍ، أُدْغِمَ أولهما في ثانيهما إن لم يَتَصدَّرا" يعني: إن لم يقعا في أول، ولذلك قال: (أَوَّلَ مِثْلَينِ) فُهِمَ منه: أنَّ أول المثلين إذا كانا في صدر الكلمة نحو: (دَدَنْ) لا يُدْغَم، لأنَّه يلزم منه تسكينه وهذا ممتنع. إذاً: شرط الأول: ألا يكونا مُتَصدِّرين، ولم يكن ما هما فيه اسماً على وزن (فُعَلْ) كـ: (صُفَفِ)، أو على وزن (فُعُلْ) كـ: (ذُلُلْ)، أو على وزن (فِعَلْ) كـ: (كِلَلْ)، أو (فَعَلْ) وهذا مفرد نحو: (لَبَبْ)، ولم يَتَّصِل أول المثلين بِمُدْغَم نحو: (جُسَّسْ)، ولم تكن حركة الثاني منهما عارضة (اخْصُصَ أَبِي)، ولا ما هما فيه مُلحقاً بغيره وهو: (هَيْلَلَ) .. (هَيْلَلَ) مُلْحَق بـ: (دَحْرَجَ)، فإن تَصدَّرا فلا إدغام مثل: (دَدَنْ)، وكذا إن وُجِدَ واحدٌ مِمَّا سبق ذكره:

فالأول كـ: صُفَفْ ودُرَرْ، والثاني كـ: ذُلُلْ وجُدُدْ، والثالث: كِلَلْ وَلِمَمْ، والرابع: طَلَلْ وَلَبَبْ، والخامس: جُسَّس، جمع (جَاسٍّ) اسم فاعل من جسَّ الشيء إذا لمسه، والسادس كـ: اخْصُصْ أبِيْ، وأصله: اخْصُصْ أَبِيْ، بتحقيق الهمزة، فَنُقِلَت حركة الهمزة إلى الصَّاد قبلها، ثُمَّ حُذِفَت، فصارت حركة الصَّاد هنا الثانية عارضة لا لازمة، والشَّرط: أن تكون لازمة. والسابع نحو: هَيْلَلَ، أي: أكثر من قول: لا إله إلا الله، ونحوُه: قَرْدَدٌ وَمَهْدَدٌ، الدَّال الثانية في (قَرْدَدْ) للإلحاق بـ: (جَعْفَر)، (وَمَهْدَدٌ) الدَّال الثانية للإلحاق بـ: (جَعْفَر). إذاً: ما كان الثاني فيه للإلحاق لا يُدْغَم، وإنَّما امتنع الإدغام في هذه المواضع السبعة لِمَا فيها من مانعٍ قام بها، أمَّا الثلاثة الأُوَل فإنها مُخالفةٌ لوزن الأفعال وهو: (فُعَلْ) .. (صُفَفْ) و (ذُلَلْ) و (كِلَلْ) هذه الأوزان مُخالِفة لأوزان الأفعال، والإدغام أصلٌ في الأفعال، كأنَّه قام بها ما هو من خصائصها فأبعدها عن شبه الفعل فلم تُدْغَم، هذا مرادهم، والإدغام أصلٌ في الأفعال فَأُظْهِرَت لبعدها عنها. وأمَّا الرابع وهو (لَبَبْ) فلِخفَّة الفتحة، وفي إظهاره تنبيهٌ على ضعف الإدغام في الأسماء، لأنَّ نظيره من الأفعال واجب الإدغام نحو: (رَدَّ) أصله: (رَدَدْ) (وَلَبَبْ) مثله أُدْغِمَ في الفعل ولم يُدْغَم في الاسم، دَلَّ على أنَّه ضعيفٌ في الأسماء، وأصلٌ في الأفعال، (رَدَّ) هذا بالإدغام، مثله (لَبَبْ) ما قيل: (لَبَّ)، لكن نقول: (لَبَّ) - ليس لَبَّ تلبيةً هناك شيء ثاني - (لَبَّ) بالإدغام هنا نقول: فُكَّ، دليلٌ على أنَّه ضعيف مع كونه مثيلاً له في الفعل قد أُدْغِمَا. وأمَّا الخامس: (جُسِّسَ) فإنَّه وإن واجتمع فيه مثلان مُتحرِّكان المثل الأول مُدْغَمٌ فيه ساكنٌ قبله، فلو أُدْغِمَ المُحرَّك الأول لالتقى ساكنان. وأمَّا السَّادس وهو: اخْصُصْ أَبِي، فلأن الحركة الثانية عارضة. وأمَّا السَّابع وهو (هَيْلَلَ) فلأنَّ ثاني المثلين زائدٌ للإلحاق، فلو أُدْغِمَ لخالف الملحق به في الوزن المطلوب منه موافقته، لأنَّه ما زيد اللام الثانية في (هَيْلَلَ)، ولا الدَّال الثانية في (قَرْدَدَ)، إلا من أجل أن يكون موافقاً له في الوزن والنتيجة، حينئذٍ يكون مثله في المصدر والمضارع. قال الشَّارح: "فإن لم يكن شيء من ذلك وجب الإدغام نحو: رَدَّ وَضَنَّ، أي: بَخِلَ، وَلَبَّ والأصل: رَدَدَ وَضَنِنَ وَلَبُبَ، وأشار بقوله: . . . . وَشَذَّ فِي أَلِلْ ... وَنَحْوِهِ فَكٌّ بِنَقْلٍ فَقُبِلْ إلى أنَّه قد جاء الفَكُّ في ألفاظٍ قياسها وجوب الإدغام لتَوَفُّر شروطها، فَجُعَِل شَاذًّا يُحْفَظُ ولا يُقَاس عليه نحو: أَلِلَ السِّقَاء، إذا تَغَيَّرت رائحته، والأصل: (أَلَّ) لكن ما أُدْغِمَ مع وجود شرط الإدغام، وَلَحِحَت عينه إذا التصقت بالرَّمَص" (لَحِحَت) الأصل: (لَحَّتْ) لكن ما أُدْغِمَ. إذاً: أَوَّلَ مِثْلَينِ مُحَرَّكَيْنِ فِي ... كِلْمَةٍ ادْغِمْ. . . . . . . . .

هذا واجب الإدغام، وأمَّا قوله: (لاَ كَمِثْلِ) إلى قوله: (كَهَيْلَلَ)، هذا واجب الإظهار، فأشار إلى القسمين بهذين النَّوعين. قوله: (لاَ كَمِثْلِ) (لاَ) حرف عطف، والمعطوف عليه محذوف، والتَّقدير: أول مثلين مُحرَّكين أدغم في أوزانٍ مخصوصةٍ محفوظةٍ لاَ كَمِثْلِ. إذاً: (لاَ) عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، (كَمِثْلِ) الكاف زائدة، كقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11] فالكاف تُعْتَبَر زائدة، (مِثْلِ) مضاف، و (صُفَفِ) مضافٌ إليه. وَذُلُلٍ وَكِلَلٍ وَلُبَبِ .. هذه كلها معطوفات عليها، (ولاَ كَجُسَّسٍ) (لاَ) زائدة، (كَجُسَّسٍ) جار ومجرور معطوف على قوله: (كَمِثْلِ)، (وَلاَ كَاخْصُصَ أَبِي) (لاَ) زائدة، (كَاخْصُصْ) معطوف على ما قبله، (وَلاَ كَهَيْلَلَ) إذاً: الكافات هذه كلها معطوفات على ما قبلها. (وَشَذَّ فَكٌّ) هذا فاعل، (شَذَّ فَكٌّ فِي أَلِلْ) (فِي أَلِلْ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (شَذَّ) (وَنَحْوِهِ) معطوفٌ عليه، (بِنَقْلٍ فَقُبِلْ)، (بِنَقْلٍ) هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (فَكٌّ) لأنَّه مصدر يعني: بسماعٍ، (فَقُبِلَ) الفاء عاطفة، (قُبِلَ) الذي هو النَّقل. ثُمَّ قَال: وَحَيِيَ افْكُكْ وَادَّغِمْ دَونَ حَذَرْ ... كَذَاكَ نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ هذا فيه إشارة إلى ما يجوز فيه الإدغام والفك، يعني: ما يجوز فيه الوجهان وهو: (حَيِيَ) على وزن (فَعِلَ) ما كان المثلان فيه ياءين لازماً تحريكهما نحو (حَيِيَ) و (عَيِيَ) هنا فيه ياءان لازماً تحريكهما، نقول: ما كان على وزن (فَعِلَ)، وكانت عينه ولامه ياءٌ لازمٌ تحريكهما جاز فيه الوجهان: (حَيَّ) بالإدغام، (حَيِيَ) فيه وجهان: الفَكُّ والإدغام. (وَحَيِيَ افْكُكْ وَادَّغِمْ) إذاً: الفَكُّ مُقدَّمٌ على الإدغام، لأنَّه قَدَّمه فقال: (حَيِيَ) على وزن (فَعِلَ) وهو مفعولٌ به لقوله (افْكُكْ) (افْكُكْ) فعل أمر والفاعل أنت، (وَحَيِيَ) مفعولٌ مُقدَّم له، (وَادَّغِمْ) فعل أمر والمفعول محذوف (ادَّغِمْ) .. (حَيِيَ) أيضاً مثله، حُذِفَ لدلالة ما قبله عليه، (دَونَ حَذَرْ) دون فَعَلْ. كَذَاكَ نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ .. (تَتَجَلَّى) هذا موضع ثاني مِمَّا يجوز فيه الوجهان: وهو ما كان فعل مضارع مبدوءٌ بتاءين، الفعل الماضي إذا كان مبدوءً بالتاء وزيدت عليه تاء المضارعة اجتمع عندنا مثلان، يجوز الإدغام ويجوز الفك، فمن فَكَّ حينئذٍ كان على القياس، ومن أدغم حينئذٍ كان على خلاف القياس، بل بعضهم لم يُجَوِّز الإدغام أصلاً، لأنَّك لو أدغمت سَكَّنت التاء الأولى حينئذٍ احتجت إلى همزة الوصل، وهمزة الوصل لا تدخل على المضارع البَتَّة، فإذا قلت: (تَتَجَلَّى) حينئذٍ تقول: (اتَّجَلَّى) فاحتجت إلى همزة الوصل، همزة الوصل لا تدخل على أول الفعل المضارع، وإنَّما هي خاصَّةٌ بما ذكرناه سابقاً، وهذا هو الظَّاهر. وَحَيِيَ افْكُكْ وَادَّغِمْ دَونَ حَذَرْ ... كَذَاكَ. . . . . . . . . . . .

(كَذَاكَ) خبر مُقدَّم، (نَحْوُ) مبتدأ مُؤخَّر وهو مضاف، و (تَتَجَلَّى) مضافٌ إليه، (وَاسْتَتَرْ) هذا أشار به إلى ما كان على وزن (افْتَعَلَ) إذا وقعت التاء ثُمَّ العين تاءً، هل يُقَال: (اسْتَرَّ) و (اسْتَتَر) بالفَكِّ؟ نقول: نعم يجوز الوجهان، وهنا لا إشكال فيه كما وُجِّه الإشكال في الفعل السابق. أشار في هذا البيت إلى ما يجوز فيه الإدغام والفك، وقد ذكر ثلاثة مواضع، وَفُهِمَ منه: أنَّ ما ذكره قبل ذلك واجب الإدغام. -ليس فُهِمَ منه بل هو نص قال: (ادَّغِمْ) -. والمراد بـ: (حَيِيَ) ما كان المثلان فيه ياءين لازماً تحريكهما نحو: حَيِىَ وَعَيِيَ، فمن أدغم نظر إلى أنَّهما مثلان متحرِّكان بحركةٍ لازمة، هذا من أدغم، ومن فكَّ نظر إلى أنَّ الحركة الثانية كالعارضة (حَيِيَ) لوجودها في الماضي دون المضارع، لأنَّ مضارعه (يَحْيَى) والفكُّ أجود هنا ولذلك النَّاظم قدَّمه على غيره، قال: (وَحَيِيَ افْكُكْ وَادَّغِمْ) جوَّز الوجهين في (حَيِيَ). فيجوز الإدغام نحو (حَيَّ وَعَيَّ) فلو كانت حركة أحد المثلين عارضةً بسبب العوامل لم يجز الإدغام اتفاقاً نحو: لَنْ يُحْيِيَ، لأنَّ الياء الثانية حُرِّكَت للنَّاصب (لَنْ) عارضة، دخلت فحرَّكت الياء صار: (لن يُحْيِيَ) تحرَّكت الياء الثانية للنَّاصب إذاً: هي عارضة، حركات الإعراب كلها عارضة. وأشار بقوله: كَذَاكَ نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ .. إلى أن الفعل المبتدأ بتاءين مثل: (تَتَجَلَّى) يجوز فيه الفكُّ والإدغام، فمن فَكَّ وهو القياس نظر إلى أن المثلين مُصَدَّرَان، وسبق الاشتراط: أنَّه لا إدغام مع التَّصدير (دَدَنْ) لا إدغام، لأنَّك لو أدغمت لاحتجت إلى همزة الوصل، لأنَّك سَتُسَكِّن الأول. إذاً: فمن فَكَّ وهو القياس نظر إلى أنَّ المثلين مصدَّران، ومن أدغم أراد التَّخفيف، حينئذٍ يسكن أوله فيقول: (اتَّجَلَّى) هذا فيه إشكال، وهو أنَّه فعل مضارع افتتح بهمزة الوصل، وابن هشام يقول: "لم يخلق الله عز وجل همزة الوصل للمضارع" ولذلك حكم عليه بأنَّه شاذ. فَيُدْغَم أحد المثلين في الآخر فَتَسْكُن إحدى التاءين فَيُؤْتَى بهمزة الوصل تَوَصُّلاً للنُّطق بالسَّاكن، وفيه نظر لأن همزة الوصل لا تدخل على أول المضارع، فإن سُمِعَ فحينئذٍ يُحْفَظ ولا يقاس عليه، وكذلك قياس تاء (اسْتَتَرْ) الفَكُّ لسكون ما قبل المثلين، يعني: وهو كل فِعْلٍ على وزن (افْتَعَلَ) اجتمع فيه تاءان، هذا أيضاً قياسه الفكُّ، ليبقى ما قبله ساكناً ويجوز إدغامه بعد نقل حركته إلى السَّاكن قبله فتذهب همزة الوصل فيصير (سَتَّر)، (اسْتَتَر) احتجنا إلى همزة الوصل همزة الوصل للتَّمكُّن من الابتداء بالسَّاكن، فلمَّا أدغمنا حينئذٍ تحرَّك السَّابق، لأنَّك تقول: (اسْتَ) لا تُدْغِم التاء الأولى إلا بعد إسقاط حركتها على ما قبلها، تحرَّكت السين إذاً: ذهبت همزة الوصل فقيل (سَتَّرَ). قال الشَّارح: "وكذلك قياس تاء (اسْتَتَرْ) الفَكُّ لسكون ما قبل المثلين، ويجوز الإدغام فيه بعد نقل حركة أول المثلين إلى الساكن نحو: سَتَّرَ يَسَّتِّرُ سِتَّارا" يعني: في المصدر وفي الفعل الماضي والفعل المضارع.

وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ الفعل المضارع إذا بُدِءَ بتاءين جاز حذف إحدى التاءين واخْتُلِفَ في أي التاءين المحذوفة والصواب: أنَّه تاء الماضي، حينئذٍ: ((نَاراً تَلَظَّى)) [الليل:14] أصلها: (تَتَلَظَّى) حُذِفَت إحدى التاءين، لأنَّ الماضي: (تَلَظَّى) دخلت عليه التاء صار: (تَتَلَظَّى) ((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس:6] (تَتَصَدَّى) هذا مثله. (وَمَا) مبتدأ (بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي) (بِتَاءَيْنِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (ابْتُدِي) وجملة (ابْتُدِي) لا محلَّ لها من الإعراب صلة الموصول، وهو مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (مَا)، (قَدْ يُقْتَصَرْ) (قَدْ) للتَّقليل، (يُقْتَصَرْ) الجملة خبر المبتدأ. (يُقْتَصَرْ) مُغيَّر الصِّيغة و (فِيهِ) نائب فاعل (عَلَى تَا)، (يُقْتَصَرْ فِيهِ) يعني: ما ابتدئ بتاءين من الفعل المضارع (يُقْتَصَرْ فِيهِ) في ذلك الفعل (عَلَى تَاءٍ) واحدة، قصره للضرَّورة، وهو جار ومجرور مُتعلَّق بقوله (يُقْتَصَرْ)، (كَتَبَيَّن) الأصل (تَتَبَيَّن) فيه ثِقَل، حينئذٍ اكتفينا بإحدى التاءين، (كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ) يعني قولك: (تَبَيَّنُ) هذا فعل مضارع و (الْعِبَرْ) فاعله. (وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي) والأصل: أنَّه يجوز فيها ثلاثة أوجه .. هذا الأصل في التاءين .. على ما ذكره النَّاظم فيما سبق، لأنَّه قال: (تَتَجَلَّى) فيه الإظهار وفيه الإدغام وفيه حذف إحدى التاءين، بهذا البيت مع ما سبق حينئذٍ (تَتَجَلَّى .. تَجَلَّى) بحذف إحدى التاءين، وهو الذي عناه بهذا البيت. (اتَّجَلَّى) بالإدغام، ماذا بقي؟ الإظهار: (تَتَجَلَّى) تبقى كما هي، إذاً: ثلاثة أوجه فيما افْتُتِحَ بتاءين. وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ هذا أيضاً من باب (تَتَجَلَّى)، وهو الفعل المضارع الذي اجتمع في أوله تاءان أُولاهما للمضارعة، والثانية تاء (تَفَعَّل أو تَفَاعَلَ)، إذاً: هذا من باب (تَتَجَلَّى) وهو الفعل المضارع الذي اجتمع في أوله تاءان أولاهما للمضارعة، والثانية تاء (تَفَعَّل أو تَفَاعَلَ). وقد سبق أنَّه يجوز فيه الإدغام واجتلاب همزة الوصل، وذكر هنا: أنَّه يجوز فيه حذف إحدى التاءين والاستغناء عنها بالأخرى، ولم يُعيِّن المحذوفة .. أيُّ التاءين؟ وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا. . . . . . . لم يبيِّن أي التاءين؟ قيل: الأولى، والصواب: أنَّها الثانية. ولم يعيِّن المحذوفة، والمشهور أنَّها الثانية، لأنَّ الأولى تدلُّ على معنى المضارعة. قال الشَّارح: "يقال في (تَتَعَلَّم وَتَتَنَزَّل وَتَتَبَيَّن) ونحوها: (تَعَلَّمُ .. تَنَزَّلُ. تَبَيَّنُ) بحذف إحدى التاءين وإبقاء الأخرى، وهو كثير جداً ومنه قوله تعالى: ((تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)) [القدر:4] .. ((فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى)) [عبس:6] .. ((نَاراً تَلَظَّى)) [الليل:14] ". وَفُكَّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ ... لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ

نَحْوُ حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ وَفِي ... جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ قُفِي (وَفُكَّ) أمر، ومفعوله محذوف أي: فُكَّ المدغم فيه، متى؟ . . حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ ... لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ الثاني: من الحرفين يكون متحرِّكاً، حينئذٍ إذا اتَّصل بضمير رفعٍ متَّصل وجب إسكان آخر الفعل، حينئذٍ لزم أن يُسَكَّن ثاني الحرفين يعني: المُدْغَم فيه، وإذا سكن الثاني حينئذٍ فقد شرط الإدغام فوجب فَكُّ الإدغام. (ظَنَّ) تقول: (ظَنَنْتُ، (ردَّ .. رَدَدْتُ) إذاً: فككت الإدغام لكون الثاني قد سُكِّنَ والأصل فيه: أن يكون متحرِّكاً. (وَفُكََّ) فعل أمر والفاعل أنت، (حَيْثُ) ظرف مكان، (مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ) (مُدْغَمٌ) مبتدأ و (فِيْه) نائب فاعل، (مُدْغَمٌ) مُغيَّر الصِّيغة، (مُدْغَمٌ) هذا اسم مفعول يطلب نائب فاعل، إذاً: (فِيْهِ) هذا نائب فاعل، (سَكَنْ) أي: المدغم فيه (سَكَنَ) لماذا؟ لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ .. (لِكَوْنِهِ) هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (فُكَّ) .. تعليل، لأنه لماذا (فُكَّ)؟ (لِكَوْنِهِ) لكون هذا المدغم فيه (بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ) لكونه اقترن بمضمر الرَّفع، (بِمُضْمَرِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (اقْتَرَنْ)، و (مُضْمَر) مضاف، و (الرَّفْعِ) مضاف إليه، و (اقْتَرَنْ) خبر الكون، و (لِكَوْنِهِ) (كَوْن) مصدر مضاف إلى الاسم، أين خبره؟ (اقْتَرَنَ) لكونه بمضمر الرفع مقترناً، هذا الأصل. (نَحْوُ حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ) أصله: (حَلَّ) بإدغام الأول في الثاني، إذا قلت: (حَلَلْتُ) سُكِّن آخره وهو اللام لكونه اتَّصل بضمير الرفع المُتحرِّك كما هو شأن المبني، حينئذٍ فُكَّ الإدغام، وهذا معلوم واضح. فقوله: (حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ) قُصِدَ لفظه، و (نَحْوُ) مضاف، و (حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ) مضافٌ إليه قُصِدَ لفظه، و (نَحْوُ) هذا خبر مبتدأ محذوف، فـ: (حَلَلْتُ) أصله قبل اتِّصال الضمير (حَلَّ) بالإدغام. . . . . . . . . . . . . . وَفِي ... جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ قُفِي إذاً: إذا اتَّصَل بضمير رفعٍ مُتحرِّك فُكَّ الإدغامُ، وأمَّا إذا سكن آخره للجزم، أو كان فعلَ أمرٍ، فأنت مُخَيَّرٌ بين الفَكِّ وبين الإدغام: لَمْ يَرُدَّ .. لَمْ يَرْدُدْ، لَمْ يَحُلَّ .. لَمْ يَحْلُلْ، كذلك: أُرْدُدْ .. رُدَّ، (رُدَّ) هذا فعل أمر .. بالإدغام، (ارْدُدْ) بالفَكِّ، فأنت مُخيَّرٌ بين الاثنين. وَفِي جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ ..

(فِي جَزْمٍ) هذا خبر مُقدَّم، (وَشِبْهِ الْجَزْمِ) معطوفٌ على (جَزْمِ)، والمراد بـ: (شِبْهِ الْجَزْمِ) هنا: ما سكن آخره في فعل الأمر، وإنَّما جعل فعل الأمر شبيهاً بالجزم، لأننا نقول القاعدة: أنَّ فعل الأمر مَبْنِيٌّ على ما يُجْزَم به مضارعه، فألحقه به، يعني: من باب التَّوسُّع في اللفظ، وإلا المبني لا يُعَبَّر عنه بالجزم، لأنَّه فعل أمر وهو مبني فلا يُقَال فيه: مجزوم، لَكنَّه قال: (شِبْهِ الْجَزْمِ) لأنَّه يكون بالسكون، ويكون بحذف حرف العِلَّة، وبحذف النون، كما أنَّ الجزم في الفعل المضارع يكون بالسُّكون، ويكون بحذف حرف العِلَّة، وبحذف النون. (تَخْيِيرٌ قُفِي) (تَخْيِيرٌ) مبتدأ، و (قُفِي) يعني: تُبِعَ، هذا خبره، و (قُفِي) مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (تَخْيِير)، وإنمَّا خَيَّر النَّاظم في الوجهين، لأنَّ المتُكلِّم به يجوز له أن يَتَكلَّم باللغتين معاً، يعني: إذا قيل (تَخْيِيرٌ قُفِي) معناه: من فَكَّ له أن يُدْغِمْ، ومن أدغم له أن يفك؟ لا .. المراد: المُتكلِّم الذي ليس في لغته الإدغام، فله أن يَفُك، ولا يجوز له أن يُدْغِمْ، والعكس بالعكس، فالتَّخيير هنا واقع للمُتكلِّم الذي يختار، لا أنَّ العربيّ الذي لغته الفك مُخيَّرٌ، لأنَّه لا ينطق به إلا مُفَكَّكَاً، هذا الأصل، وكذلك الذي لغته الإدغام لا ينطق به إلا مُدْغَمَاً. إذاً: وَفُكََّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ ... لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ نَحْوُ حَلَلْتُ مَا حَلَلْتَهُ. . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . .. . . . هذا موضع. والموضع الثاني، هذا واجب هناك فَكُّ الإدغام. . . . . . . . . . . . . وَفِي ... جَزْمٍ وَشِبْهِ الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ. . . في هذين الموضعين أنت مُخيَّر. قال الشَّارح: "إذا اتَّصَل بالفعل المُدْغَمِ عينُه في لامه ضميرُ رفع سكن آخرُه" مثل: ظَنَّ وَرَدَّ، إذا اتَّصَل به ضمير رفعٍ سكن آخره، (ضمير رفع) ضمير المُتكلَّم، أو المخاطب، أو المخاطبة، أو نون الإناث. فيجب حينئذٍ الفَكُّ، إذ لا يُتَصَوَّر الإدغام في ساكن، لأنَّ الثاني سُكِّن، نحو: حَلَلْتُ وَحَلَلْنَا، والهندات حَلَلْنَ، فإذا دخل عليه جازم جاز الفك نحو: لَمْ يَحْلُلْ. ومنه قوله تعالى: ((وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي)) [طه:81] .. ((وَمَنْ يَرْتَدِدْ)) [البقرة:217] والفك لغة أهل الحجاز، وبلغتهم جاء القرآن غالباً، وجاز الإدغام نحو: لَمْ يَحُلَّ، حينئذٍ إذا أدغمتَ جاز لك ثلاثة أوجه في اللام .. في فعل الأمر، وفي المضارع: إمَّا الكسر، وإمَّا الفتح، وإمَّا الإتباع. إمَّا الكسر على الأصل: وهو التَّخلُّص من التقاء الساكنين. وإمَّا الفتح طلباً للتَّخفيف، يعني: التَّخلُّص من التقاء الساكنين لكن بالفتح، لأنَّ الكسر لا يدخل الفعل فتحذف الفتحة. وإمَّا الإتباع يعني: لحركة العين. هنا (يَحْلُلْ) اللام مضموم العين، فيجوز فيها ثلاثة أوجه، فحينئذٍ تقول: لَمْ يَحُلَّ .. لَمْ يَحُلِّ .. لَمْ يَحُلُّ.

ومنه قوله تعالى: ((وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ)) [الحشر:4] هنا بالإدغام، وهي لغة تميم، والمراد بـ: (شِبْهِ الْجَزْمِ) سكون الآخر في الأمر نحو: (اُحْلُلْ)، وإن شئت قلت: (حُلَّ) أيضاً فيه ثلاثة أوجه: حُلَّ .. حُلِّ .. حُلُّ، وأمَّا إذا كانت العين مفتوحة أو مكسورة لم يجز إلا وجهين، لأنَّه يمتنع الضَّمَّ، لأنَّ العين مفتوحة وحينئذٍ جاز لك الفتح من جهتين: إمَّا لكون العين مفتوحة، فحينئذٍ من باب الإتباع. أو الانتقال من الكسر إلى الفتح طلباً لمناسبة الفعل. لأنَّ حُكْم الأمر كحكم المضارع المجزوم. ثُمَّ قال: وَفَكُّ أَفْعِلْ فِي التَّعَجُّبِ الْتُزِمْ ... وَالْتُزِمَ الإِدْغَامُ أَيْضاً فِي هَلُمّ يعني: أنَّ (أَفْعِلْ فِي التَّعَجُّبِ) يلزم فكه .. واجب، وليس حكمه حكم فعل الأمر من جواز الوجهين، لأنَّ (أَفْعِلْ) ظاهره أنَّه صورة الأمر، كذلك (هَلُمَّ) معناه: الأمر، وحينئذٍ التزم الإدغام فيهما. وَفَكُّ أَفْعِلْ فِي التَّعَجُّبِ الْتُزِمْ .. يعني: لا يجوز فيه الوجهان، وإنَّما يجب فيه الفك. (فَكُّ) هذا مبتدأ وهو مضاف، و (أَفْعِلْ) مضافٌ إليه، (فِي التَّعَجُّبِ) حالٌ من (أَفْعِلْ)، (الْتُزِمَ) مُغيَّر الصِّيغة وهو خبر، ونائب الفاعل يعود على (فَكُّ) .. الْتُزِمَ الفَكُّ. وَالْتُزِمَ الإِدْغَامُ أَيْضاً فِي هَلُمّ .. (هَلُمَّ) لثقلها بالتَّركيب، ومن ثَمَّ يُلْتَزَم في آخرها الفتح، لأنَّه طلباً للتَّخفيف، وأصله: (هَلْمُمْ) فَنُقِلَت الضَّمَّة إلى اللام، وَأُدْغِمَت الميم في الميم ومعناه: أقبل. وهي عند أهل الحجاز اسم فعلٍ، وَيُخَاطَبُ بها عندهم الواحد والمثنَّى والمجموع بصيغةٍ واحدة، وإنَّما ذكرها النَّاظم هنا باعتبار لغة تميم، فإنَّها عندهم فعل أمرٍ لا يَتَصَرَّف، يعني: جامد، وحينئذٍ يُعَامَل المخاطب بالتَّثنية والجمع بإلحاق الحروف بها .. الضمائر، ولذلك يقولون في التَّثنية: (هَلُما)، وفي المُؤنَّثة: (هَلُمي)، وفي الجمع: (هَلُمُّوا)، وللنساء: (هَلْمُمْنَ) حينئذٍ عاملوها معاملة الفعل مُطلقاً. وَفَكُّ أَفْعِلْ فِي التَّعَجُّبِ الْتُزِمْ ... وَالْتُزِمَ الإِدْغَامُ أَيْضاً فِي هَلُمّ (الْتُزِمَ الإِدْغَامُ) (الْتُزِمَ) مُغيَّر الصِّيغة، و (الإِدْغَامُ) نائب فاعل، و (أَيْضاً) هذا مفعول مطلق، (فِي هَلُمَّ) (هَلُمّ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (الْتُزِمَ). إذاً: هذا الإدغام على ثلاثة أنواع: واجب الإدغام، وواجب الإظهار، وجائز الوجهين، ابن هشام ذكر مجموعة شروط نأتي عليها بسرعةٍ. يجب إدغام أول المثلين المتحركين بأحد عشر شرطاً، -جملتها ما سبق .. النَّاظم ذكرها مُوَزَّعَة-: الأول: أن يكونا في كلمةٍ واحدة كـ: شَدَّ ومَلَّ وحَبَّ، أصلهن: شَدَدَ، على وزن (فَعَلْ) بالفتح، (ومَلِلَ) بالكسر، (وحَبُبَ) بالضَّمِّ، يعني: مثال لـ: (فَعَلَ) و (فَعِلَ) و (فَعُلَ)، فإن كانا في كلمتين مثل: جَعَلَ لَكَ، حينئذٍ جاز الإدغام ولا يجب. الثاني: ألاَ يَتَصَدَّرَ أولهما كما في (دَدَن). الثالث: ألا يَتَّصِلَ أولهما بِمُدْغَمٍ كـ: (جُسَّسٍ) جمع (جاسٍّ).

الرابع: ألا يكونا في وزنٍ مُلحقٍ بغيره، سواءٌ كان الملحق أحد المثلين كـ: قَرْدَد ومَهْدَد، أو غيرهما كـ: هَيْلَل، أو كليهما نحو: اقْعَنْسَس، اقْعَنْسَس السين والسين للإلحاق، فإنها ملحقةٌ بـ: جَعْفَرَ وَدَحْرَجَ وَاحْرَنْجَمَ. الخامس والسادس والسابع والثامن: ألا يكون في اسم على (فَعَلْ) بفتحتين كـ: طَلَل وَمَدَدْ، أو (فُعُلْ) بِضَمَّتَيْن كـ: ذُلُل وجُدُد جمع جَدِيد، أو (فِعَلْ) بكسر أوله وفتح ثانيه نحو: لِمَمْ وكِلَل، أو (فُعَل) بِضَمِّ أوله وفتح ثانيه نحو: دُرَرْ وجُدَد، جمع جُدَّة، وهي الطريقة في الجبل. وفي هذه الأنواع السبعة الأخيرة يمتنع الإدغام، التي ذكرها النَّاظم سبعة مواضع يجب فيها الإظهار ولا يجوز الإدغام. والثلاثة الباقية: ألا تكون حركة ثانيهما عارضة نحو: أخْصُصْ أبي، واكْفُفِ الشَّرَّ، نقول: الفاء الثانية حُرِّكَت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين فهي حركة عارضة، فلا تدغَم فيها الفاء الأولى. وألا يكون المثلان ياءين لازماً تحريك ثانيهما نحو: حَيِىَ وَعَيِيَ، ولا تاءين في (افْتَعَلَ) كـ: اسْتَتَر واقْتَتَلَ، وفي هذه الصور الثلاث يجوز الإدغام والفك، قال تعالى: ((وَيَحْيَا مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ)) [الأنفال:42] وجاء: (مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) بالقراءتين، يعني: أدغم وفُكَّ. فتقول: اسْتَتَرَ واقْتَتَلَ، وإذا أردت الإدغام نقلت حركة الأولى إلى الفاء، وأسقطت الهمزة للاستغناء عنها، (اسْتَتَـ) أسقطت حركة التاء الأولى إلى السين الساكنة، ثُمَّ استغنيت عن الهمزة فصار (سَتَّر). وأسقطت الهمزة للاستغناء عنها بحركة ما بعدها ثُمَّ أدغمتَ، فتقول في الماضي: سَتَّرَ وقَتَّلَ، وفي المضارع: يَسَتِّرُ ويَقَتِّلُ، بفتح أولهما، وفي المصدر: سِتَّارَاً وَقِتَّالاً. إذاً: أحد عشر شرطاً لِصحَّة الإدغام بالشروط التي سبقت، وكلها مبثوثة في كلام النَّاظم، وَرَتَّبَها ابن هشام رحمه الله تعالى في (التَّوضيح). ولَمَّا أتى النَّاظم على ما أراد جمعه من علم النَّحو بمعناه العام السَّابق: مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ .. وما وعد به في خطبته بقوله: مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ .. أخبر بذلك، فقال: وَمَا بِجَمْعِهِ عُنِيْتُ قَدْ كَمَلْ ... نَظْمَاً عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ اشْتَمَلْ أَحْصَى مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلاَصَهْ ... كَمَا اقْتَضَى غِنَىً بِلاَ خَصَاصَهْ (وَمَا بِجَمْعِهِ عُنِيْتُ) (مَا) مبتدأ اسم موصول بِمعنى: الذي، و (عُنِيْتُ) هكذا مُغيَّر الصِّيغة، وهو لازمٌ، يعني: من الأفعال التي سُمِعَت مُغيَّرة الصيغة مَبْنِيَّةً للمجهول، ولم يُسْمَع لها مبني للمعلوم، يعني: لا يقال (عَنَيْتُ)، وإنَّما يقال: (عُنِيْتُ) فهو مُغيَّر الصِّيغة. و (بِجَمْعِهِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (عُنِيْتُ)، والجملة لا مَحلَّ لها صلة الموصول، (قَدْ كَمَلْ) (قَدْ) للتَّحقيق (كَمَلَ) وانتهى، هذا خبر (مَا). نَظْمَاً عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ اشْتَمَلْ ..

(نَظْمَاً) حالٌ من الهاء في بـ: (بِجَمْعِهِ) (بِجَمْعِهِ نَظْمَاً) يعني: ليس نثراً، وإنَّما هو نظم، فهو حالٌ من الضمير .. من المضاف إليه، (نَظْمَاً) أي: منظوماً .. مصدر بمعنى اسم المفعول، (عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ) يعني: مُعْظَم (الْمُهِمَّاتِ) جمع مُهمَّة وهو الغرض، (اشْتَمَلْ) .. (عَلَى جُلِّ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (اشْتَمَلَ) نَظْمَاً اشْتَمَلْ عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ، (اشْتَمَلْ) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (نَظْمِ)، والجملة صفة في مَحلِّ نصب لـ: (نَظْمَاً)، (عَلَى جُلِّ الْمُهِمَّاتِ) مُتعلَّق به. يعني: أنَّ ما عُنِي به من جمع مهمات النَّحو (قَدْ كَمُلَ)، (كَمَلَ) .. (كَمُلَ) .. (كَمِلَ) هذا مُثَلَّث الميم، وعلى معظم مقاصده وأغراضه (اشْتَمَلْ)، فَتَمَّ مُوفِيَاً لِمَا قصد من إيراده، وجاء على وفق قصده ومراده. (أَحْصَى) هذا النَّظم، (أَحْصَى) هذه كذلك صفة لـ: (نَظْمَاً)، (أَحْصَى) بمعنى: جمع. (مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلاَصَهْ) خلاصة (الْكَافِيَةِ)، ومعلوم أنَّ (الْكَافِيَةِ) هي أسبق، وهذا واضحٌ يردُّ على من قال: بأنَّ النَّاظم في المُقدِّمة في قوله: (مَقَاصِدُ النَّحْوِ) هذا اسم كتابٍ نظمه. مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ .. يعني: هذا الكتاب الذي اسمه (مَقَاصِدُ النَّحْوِ) محوية ومجموعة في هذا النَّظم، نقول: هنا ردَّه، قال: أَحْصَى مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلاَصَهْ .. (أَحْصَى) فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر يعود على (النَّظْم)، والجملة في محلِّ نصب نعت ثاني لـ: (نَظْمَاً)، (مِنَ الْكَافِيَةِ) جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (أَحْصَى)، و (الْخُلاَصَهْ) مفعولٌ به. (كَمَا اقْتَضَى) (كَمَا) الكاف هنا حرف تشبيه، و (مَا) هنا مصدريَّة، (كَمَا اقْتَضَى) النَّظم (غِنَىً بِلاَ خَصَاصَةْ)، يعني: هذا النَّظم جمع خلاصة (الكافية) أي: مُعْظَمَهَا وَجُلَّهَا، و (الْخُلاَصَهْ) بمعنى: الصافي غير المشوب بما يُكَدِّرُه، وأصله: في السَّمْن يُخَلَّص مِمَّا يُغيِّره لبناً خالصاً يعني: من الشَّوائب التي تُكَدِّر عليه. (كَمَا اقْتَضَى) هذا النَّظم (غِنَىً)، (غِنَىً) مفعولٌ لـ: (اقْتَضَى)، (بِلاَ خَصَاصَةْ) يعني: بغير، (لاَ) هنا بِمعنى: غير، والجار والمجرور مُتعلَّق بقوله: (غِنَىً)، (لاَ) مضاف، و (خَصَاصَهْ) مضافٌ إليه. أي: كما أخذ من مسائل العربية الغنى غير المشوب بالخصاصة، (غِنَى) يعني: الغني يأخذ من العربية ويستغني بها، وهذا الغِنى لا يكون مشوباً بِضدِّ الغنى وهو الفقر، يعني: الـ (خَصَاصَهْ) هنا بمعنى: ضِدَّ الغنى، من قولهم: اقتضيت الدَّين إذا أخذته مُسْتَوْفِيَاً، إذاً: (بِلاَ خَصَاصَهْ) بلا شائبةٍ تكون سبباً في الحَطِّ من الغني بالعربية.

ثُمَّ خَتَمَ بِمَا بَدَأَ بِهِ نَظْمَه، قال: (فَأَحْمَدُ اللهَ) (فَأَحْمَدُ) هذه الفاء هذه للتَّفريع أو عاطفة، و (أَحْمَدُ) فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر، ولفظ الجلالة مفعولٌ به، (مُصَلِّياً عَلَى مُحَمَّدٍ) (مُصَلِّياً) حالٌ من فاعل (أَحْمَدُ)، وسبق معنا الحمد والصلاة، (عَلَى مُحَمَّدٍ) و (مُصَلِّياً) حالٌ مَنويَّة .. حالٌ مُقدَّرة، وُكُلُّ شَيْءٍ بحسبه، يعني: أحمد الله أولاً ثُمَّ أُتْبِعُه بالصَّلاة. حينئذٍ الأصل في الحال: أن تكون مُقارنة، ومقارنة كل شيءٍ بحسبه، فتبقى على ظاهرها .. هذا الأصل، فإن قلنا فيه إشكال نقول: حالٌ مَنْوِيَّة .. حالٌ مُقدَّرة، يعني: بعد الحمد تأتي الصلاة، (عَلَى مُحَمَّدٍ) - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ - هذا جار ومجرور مُتعلَّق بقوله: (مُصَلِّياً) لأنَّه اسم فاعل، (خَيْرِ) أفضل، بدل أو نعت من (مُحَمَّدٍ)، و (خَيْرِ) مضاف، و (نَبِيٍّ) مضافٌ إليه، و (أُرْسِلاَ) الألف هذه للإطلاق، وهو فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة، ونائب الفاعل ضمير يعود على نَبِيٍّ، والجملة صفة لـ: (نَبِيٍّ) نَبِيٍّ مُرْسَلٍ. إذاً: حَمِدَ الله تعالى على أنَّه أنهى هذا النَّظم مع الصَّلاة على نبينا مُحَمَّد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ - ووصفه بهذه الصِّفات المعلومة، والتي سبق وأن أشار إليها في أول النَّظم. (وَآلِهِ) يعني: على مُحَمَّدٍ وآله، يعني: مصلياً على آله، عرفنا المراد بـ: (آل) أنَّه يجوز إضافته للضَّمير، وقد أضافه هنا إلى الضَّمير، ثُمَّ وصفهم بقوله: (الْغُرِّ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ) (غُرِّ) جمع أغر، وهو نعتٌ لـ: (آلِهِ)، و (الْبَرَرَهْ) جمع بَار، يعني: وَصْفٌ بَعْدَ وَصْفٍ، (وَصَحْبِهَ) يعني: مصليَّاً على مُحَمَّدٍ وَمُصَليَّاً على آله، وهذا بالنَّص ثابت: {اللهم صَلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّد}. (وَصَحْبِهَ) هذا معطوف على (مُحَمَّدْ) الأول، أو على (آلِهِ)، والصَّلاة على الصَّحب كما سبق أنَّها لم يثبت فيها نص إلا أنَّه من باب القياس، ولذلك لا يُسْتَعْمَل مُفْرَدَاً مطلقاً، وإنَّما يكون تابعاً لغيره، (المُنْتَخَبِيْنَ) المختارين جمع: مُنْتَخِبْ، (الخِيَرَهْ) جمع خَيِّرْ (خِيَرَهْ) وهو كذلك بمعنى المختار. إذاً: كما بدأ هذا النَّظم بالحمد لله -عز وجلَّ-، والصَّلاة والسَّلام على النبي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ -، ختم بما بدأ به. ونحن كذلك نَخْتِمْ بِمَا بَدَأْنَا به وهو: أن نَحْمَد الله عَزَّ وَجَل على أن مَنَّ علينا بختم هذا الكتاب الطَّيِّب المبارك، الذي جمع فيه النَّاظم دُرَرَ أصول علم النَّحو وكذلك ما ألحقه بالصَّرف.

وَأوصِيكم: بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ أولاً وآخراً، وألا تكون هذه الدَّورة آخر عهدكم بهذا الكتاب، وأن يبقى معكم إلى أن يشاء الله عَزَّ وَجَل دراسةً ومذاكرةً وحفظاً وَتَعَلُّمَاً وَتَعْلِيْمَاً، وألا تكون هذه الدَّورة مع ما فيها من ضَغْطٍ مُنَفِّرَة للطالب على أن يُحَصِّل العلم الصحيح من مَظَانِّه، وأن يستعين الله عز وجل في أن يَسْتَغِلَّ ما بقي من الأوقات في مراجعة ما سبق شرحه ومذاكرته، أو تعليقه على ما ذكرناه من (شرح ابن عقيل). والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!

§1/1