شروط الدعاء وموانع الإجابة في ضوء الكتاب والسنة

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في شروط الدعاء وموانع إجابته، أخذتها وأفردتها من كتابي ((الذكر والدعاء والعلاج بالرقى)) (¬1)، وزدت عليها فوائد مهمة يحتاجها المسلم في دعائه، ورتبتها على النحو الآتي: الفصل الأول: مفهوم الدعاء، وأنواعه. الفصل الثاني: فضل الدعاء. الفصل الثالث: شروط الدعاء، وموانع الإجابة. الفصل الرابع: آداب الدعاء، وأحوال وأوقات الإجابة. الفصل الخامس: عناية الأنبياء بالدعاء، واستجابة اللَّه لهم. الفصل السادس: الدعوات المستجابات. ¬

(¬1) من من مجلد 4/ 863 - 1117، توزيع مؤسسة الجريسي.

الفصل السابع: أهم ما يسأل العبد ربه. واللَّه أسأل أن يجعله عملاً صالحاً متقبلاً، نافعاً لي، ولكل من انتهى إليه، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي؛ فإنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللَّه، وسلم، وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبينا، وإمامنا، وقدوتنا، وحبيبنا، محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف حرر في ضحى يوم الجمعة 17/ 6/1416هـ

الفصل الأول: مفهوم الدعاء وأنواعه

الفصل الأول: مفهوم الدعاء وأنواعه المبحث الأول: مفهوم الدعاء الدعاء لغة: الطلب والابتهال: يُقال: دعوتُ اللَّه أدعوه دعاءً: ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير (¬1)، ودعا اللَّه: طلب منه الخير، ورجاه منه، ودعا لفلان: طلب الخير له، ودعا على فلان: طلب له الشر (¬2). والدعاء: سؤال العبد ربه على وجه الابتهال، وقد يطلق على التقديس، والتحميد ونحوهما (¬3). والدعاء نوع من أنواع الذكر؛ فإن الذكر ثلاثة أنواع: النوع الأول: ذكر أسماء اللَّه، وصفاته، ومعانيها، والثناء، على اللَّه بها، وتوحيد اللَّه بها، وتنزيهه عما لا يليق به، وهو نوعان أيضاً: أ- إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، وهذا النوع، هو المذكور في الأحاديث، نحو: ((سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر)). ب- الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته، نحو ¬

(¬1) المصباح المنير، 1/ 194. (¬2) المعجم الوسيط، 1/ 268. (¬3) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، ص 131.

النوع الثاني:

قولك: اللَّه - عز وجل - على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد لراحلته، وهو يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم. النوع الثاني: ذكر الأمر، والنهي، والحلال، والحرام، وأحكامه، فيعمل بالأمر، ويترك النهي، ويُحرِّمُ الحرامَ، ويُحلُّ الحلالَ، وهو نوعان أيضاً: أ- ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا، ونهى عن كذا، وأحب كذا، وسخط كذا، ورضي كذا. ب- ذكره عند أمره، فيبادر إليه، ويعمل به، وعند نهيه، فيهرب منه، ويتركه. النوع الثالث: ذكر الآلاء، والنعماء، والإحسان، وهذا أيضاً من أجَلِّ أنواع الذكر، فهذه خمسة أنواع. وهي تكون ثلاثة أنواع أيضاً: أ- ذكرٌ يتواطأ عليه القلب واللسان، وهو أعلاها. ب- ذكرٌ بالقلب وحده، وهو في الدرجة الثانية. ج- ذكرٌ باللسان المجرَّد، وهو في الدرجة الثالثة (¬1). ومفهوم الذكر: هو التخلص من الغفلة، والنسيان، والغفلة: هي ¬

(¬1) مدارج السالكين لابن القيم 2/ 430 و1/ 23، والوابل الصيب لابن القيم ص 178 - 181.

تركٌ باختيار الإنسان، والنسيان تركٌ بغير اختياره. والذكر على ثلاث درجات: 1 - الذكر الظاهر: ثناء على اللَّه تعالى، كقول: ((سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر)). أو ذكر دعاء: نحو {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬1)، ونحو قوله: ((يا حيّ يا قيّوم، برحمتك أستغيث))، ونحو ذلك. أو ذكر رعاية: مثل قول القائل: اللَّه معي، اللَّه ينظر إليَّ، اللَّه شاهدي، ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع اللَّه، وفيه رعاية لمصلحة القلب، ولحفظ الأدب مع اللَّه، والتحرّز من الغفلة، والاعتصام باللَّه من الشيطان وشر النفس. والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة؛ فإنها تضمنت الثناء على اللَّه، والتعرّض للدعاء والسؤال، والتصريح به. وهي متضمنة لكمال الرعاية، ومصلحة القلب، والتحرّز من الغفلات، والاعتصام من الوساوس والشيطان. 2 - الذكر الخفي: وهو الذكر بمجرد القلب، والتخلص من الغفلة، والنسيان، والحجب الحائلة بين القلب وبين الرب سبحانه، ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية: 23.

المبحث الثاني: أنواع الدعاء

وملازمة الحضور بالقلب مع اللَّه كأنه يراه. 3 - الذكر الحقيقي: وهو ذكر اللَّه تعالى للعبد (¬1): {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (¬2). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول اللَّه تعالى: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرّب إليَّ شبراً تقرّبتُ إليه ذراعاً، وإن تقرّب إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)) (¬3). المبحث الثاني: أنواع الدعاء النوع الأول: دعاء العبادة: وهو طلب الثواب بالأعمال الصالحة: كالنطق بالشهادتين، والعمل بمقتضاهما، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والذبح للَّه، والنذر له، وبعض هذه العبادات تتضمّن الدعاء بلسان المقال مع لسان الحال، كالصلاة. فمن فعل هذه العبادات وغيرها من أنواع العبادات الفعلية، فقد دعا ربه، وطلبه بلسان الحال أن يغفر له، والخلاصة أنه يتعبد للَّه طلباً ¬

(¬1) مدارج السالكين، 2/ 434 - 435. (¬2) سورة البقرة، الآية: 152. (¬3) البخاري واللفظ له، برقم 7405، ومسلم، 4/ 2061، برقم 2675، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

النوع الثاني:

لثوابه وخوفاً من عقابه. وهذا النوع لا يصح لغير اللَّه تعالى، ومن صرف شيئاً منه لغير اللَّه فقد كفر كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وعليه يقع قوله تعالى (¬1): {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} (¬2). وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (¬3). النوع الثاني: دعاء المسألة: وهو دعاء الطلب: طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع، أو كشف ضر، وطلب الحاجات، ودعاء المسألة فيه تفصيل كالآتي: أ- إذا كان دعاء المسألة صدر من عبد لمثله من المخلوقين، وهو قادر حي حاضر، فليس بشرك، كقولك: اسقني ماءً، أو يا فلان أعطني طعاماً، أو نحو ذلك، فهذا لا حرج فيه؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من سأل باللَّه فأعطوه، ومن استعاذ باللَّه فأعيذوه، من دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)) (¬4). ¬

(¬1) انظر: فتح المجيد، ص 180، والقول المفيد على كتاب التوحيد للعلامة ابن عثيمين، 1/ 117، وفتاوى ابن عثيمين، 6/ 52. (¬2) سورة غافر، الآية: 60. (¬3) سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163. (¬4) أبو داود، برقم 1672، والنسائي، 5/ 82، برقم 2567، وأحمد في المسند، 2/ 68، 99، برقم 5365 و5743، وانظر: التعليق المفيد على كتاب التوحيد لسماحة الشيخ العلامة ابن باز، ص 91، وص 245.

ب- أن يدعو الداعي مخلوقا

ب- أن يدعو الداعي مخلوقاً، ويطلب منه ما لا يقدر عليه إلا اللَّه وحده، فهذا مشرك كافر؛ سواء كان المدعو حيّاً أو ميتاً، أو حاضراً أو غائباً، كمن يقول: يا سيدي فلان اشف مريضي، ردَّ غائبي، مدد مدد، أعطني ولداً، وهذا كفر أكبر مُخرج من الملَّة، قال اللَّه تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير} (¬1)، وقال سبحانه: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬2). وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (¬3). وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} (¬4). ¬

(¬1) سورة الأنعام، الآية: 17. (¬2) سورة يونس، الآيتان: 106، 107. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 194. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 197.

وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ* يَدْعُوا لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} (¬1). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (¬2). وقال تبارك وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} (¬3). وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا ¬

(¬1) سورة الحج، الآيات: 11 - 13. (¬2) سورة الحج، الآيتان: 73 - 74. (¬3) سورة العنكبوت، الآيات: 41 - 43.

فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (¬1). وقال - عز وجل -: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ* إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (¬2). وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (¬3). وكل من استغاث بغير اللَّه، أو دعا غير اللَّه دعاء عبادة، أو دعاء مسألة فيما لا يقدر عليه إلا اللَّه، فهو مشرك مرتد، كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (¬4). وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ¬

(¬1) سورة سبأ، الآيتان: 22 - 23. (¬2) سورة فاطر، الآيتان: 13 - 14. (¬3) سورة الأحقاف، الآيتان: 5 - 6. (¬4) سورة المائدة، الآية: 72.

الفرق بين الاستغاثة والدعاء:

لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (¬1). وقال تعالى: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} (¬2). وقال - عز وجل -: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (¬3). وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (¬4). الفرق بين الاستغاثة والدعاء: الاستغاثة: طلب الغوث: وهو إزالة الشدة، كالاستنصار: طلب النصر، والاستعانة: طلب العون. فالفرق بين الاستغاثة والدعاء: أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، والدعاء أعم من الاستغاثة؛ لأنه يكون من المكروب وغيره. فإذا عُطِفَ الدعاء على الاستغاثة، فهو من باب عطف العام على الخاص، فبينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وينفرد الدعاء عنها في مادة، فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة. ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 116، وفي آية 48 {فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}. (¬2) سورة الشعراء، الآية: 213. (¬3) سورة الزمر، الآيتان: 65 - 66. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 88.

ودعاء المسألة متضمِّن لدعاء العبادة، ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، ويراد بالدعاء في القرآن دعاء العبادة تارة، ودعاء المسألة تارة، ويُراد به تارة مجموعهما (¬1). ¬

(¬1) انظر: فتح المجيد، ص 180.

الفصل الثاني: فضل الدعاء

الفصل الثاني: فضل الدعاء جاء في فضل الدعاء آيات وأحاديث كثيرة، منها: 1 - قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (¬1). 2 - وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (¬2). 3 - وقال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (¬3). 4 - وقال تبارك وتعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (¬4). 5 - وقال - عز وجل -: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬5). 6 - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدُّعاءُ هوَ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 186. (¬2) سورة غافر، الآية: 60. (¬3) سورة الأعراف، الآيتان: 55،- 56. (¬4) سورة غافر، الآية: 14. (¬5) سورة غافر، الآية: 65.

العبادةُ))، وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (¬1). 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس شيءٌ أكرَمَ على اللَّه تعالى من الدعاء)) (¬2). 8 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((منْ لم يَسألِ اللَّه يَغْضَبْ عليهِ)) (¬3). وأنشد القائل: لا تَسأَلنَّ بني آدم حاجةً ... وسلِ الذي أبوابه لا تحجبُ اللَّه يغضبُ إن تركت سؤاله ... وبُنيَّ آدم حين يُسأل يغضبُ 9 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يدعو اللَّه بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحم، إلا أعطاه اللَّه بها إحدى ثلاث: إما أن تعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما ¬

(¬1) أبو داود، 2/ 77، برقم 1479، والترمذي 5/ 211 برقم 2969، وابن ماجه 2/ 1258، برقم 3823، والبغوي في شرح السنة، 5/ 184، وانظر: صحيح الجامع الصغير، 3/ 150، برقم 3401، وصححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 138. (¬2) الترمذي 5/ 455، برقم 3370، وابن ماجه 2/ 1258، برقم 3829، وأحمد، 2/ 442، برقم 3748، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، 1/ 490، وانظر: شرح المسند بتحقيق الأرناؤوط، 5/ 188، وحسّن إسناده الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 138. (¬3) الترمذي، 5/ 456، برقم 3373، وابن ماجه، 2/ 1258، برقم 3827، وأحمد، 2/ 442، برقم 9701، وحسن إسناده الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 138.

أن يصرف عنه من السوء مثلها)). قالوا: إذاً نُكثر. قال: ((اللَّه أكثر)) (¬1). 10 - وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ ربَّكُم تبارك وتعالى حييُّ كَرِيمٌ، يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً)) (¬2). والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وللدعاء مع البلاء ثلاثة مقامات: 1 - أن يكون الدعاء أقوى من البلاء، فيدفعه. 2 - أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن يخففه وإن كان ضعيفاً. 3 - أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه (¬3). وعن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدعاء ينفع مما نزل، ¬

(¬1) أحمد في المسند، 3/ 18، برقم 11133، وفي الترمذي عن جابر بن عبد اللَّه، برقم 3381، وعن عبادة بن الصامت، برقم 3573، وحسنهما الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 140، 181. (¬2) أبو داود، 2/ 78، برقم 1488، والترمذي، 5/ 557، برقم 3556، وابن ماجه 2/ 1271، برقم 3865، والبغوي في شرح السنة، 5/ 185، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 179 وصحيح ابن ماجه، برقم 3865. (¬3) الجواب الكافي للإمام ابن القيم، ص22، 23، 24. نشر مكتبة دار التراث، 1408هـ، الطبعة الأولى، وطبع دار الكتاب العربي، ط2، 1407هـ ص25، وطبع دار الكتب العلمية ببيروت، ص4، وهي طبعة قديمة بدون تاريخ.

ومما لم ينزل، فعليكم عباد اللَّه بالدعاء)) (¬1). وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العُمرِ إلا البر)) (¬2). ¬

(¬1) الحاكم، 1/ 493، وأحمد، 5/ 234، برقم 22044، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 3/ 151 برقم 3402. (¬2) الترمذي بلفظه، برقم 2239، والحاكم بنحوه، 1/ 493 من حديث ثوبان وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 76، برقم 154، وفي صحيح سنن الترمذي، 2/ 225، لشاهده من حديث ثوبان عند الحاكم كما تقدم، وعند ابن ماجه، برقم 4022، وأحمد، 5/ 277، برقم 22386.

الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة

الفصل الثالث: شروط الدعاء وموانع الإجابة ((الأدعيةُ، والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاحُ بضاربه، لا بحدِّه فقط، فمتى كان السلاحُ سلاحاً تامّاً، لا آفة به، والساعدُ ساعداً قويّاً، والمانعُ مفقوداً، حصلت به النكاية في العدوِّ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة، تخلَّف التأثير، فإن كان الدعاءُ في نفسه غيرَ صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة، لم يحصل التأثير)) (¬1)، وإليك شروط الدعاء، وموانع الإجابة في المبحثين الآتيين: المبحث الأول: شروط الدعاء الشرط: لغة: العلامة، واصطلاحاً: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته (¬2). من أعظم وأهم شروط قبول الدعاء ما يأتي: الشرط الأول: الإخلاص: وهو تصفية الدعاء، والعمل من كل ما يشوبه، وصرف ذلك كلّه للَّه وحده، لا شرك فيه، ولا رياء، ولا سمعة، ولا طلباً للعرض الزائل، ولا تصنعاً، وإنما يرجو العبد ثواب ¬

(¬1) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي للإمام ابن القيم رحمه اللَّه تعالى، ص36، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 1407هـ. (¬2) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، ص12، وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد، ص4.

اللَّه، ويخشى عقابه، ويطمع في رضاه (¬1). وقد أمر اللَّه تعالى بالإخلاص في كتابه الكريم، فقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (¬2)، وقال - عز وجل -: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (¬3). وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (¬4). وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (¬5). وعن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا غُلامُ إني أُعلِّمك كلمات: احفظ اللَّه يحفظْكَ، احفظِ اللَّه تجدْهُ تُجاهك، إذا سألت فاسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، واعلم أنَّ الأُمة لَوِ اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوكَ إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا ¬

(¬1) انظر: مقومات الداعية الناجح للمؤلف، ص283. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 29. (¬3) سورة غافر، الآية: 14. (¬4) سورة الزمر، الآية: 3. (¬5) سورة البينة، الآية: 5.

الشرط الثاني: المتابعة،

بشيء قد كتبه اللَّه عليك، رُفعتِ الأقلامُ، وجفَّت الصُّحفُ)) (¬1). وسؤال اللَّه تعالى: هو دعاؤه، والرغبة إليه؛ كما قال تعالى: {وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (¬2). الشرط الثاني: المتابعة، وهي شرط في جميع العبادات، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (¬3)، والعمل الصالح هو ما كان موافقاً لشرع اللَّه تعالى، ويُراد به وجه اللَّه سبحانه، فلا بد أن يكون الدعاء والعمل خالصاً للَّه، صواباً على شريعة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬4)؛ ولهذا قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (¬5)، قال: هو أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: ((إن العمل إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً، لم يقبل، وإذا كان صواباً، ولم يكن خالصاً، لم يُقبل، حتى يكون ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، 4/ 667، برقم 2516، وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد، 1/ 293، برقم 2669، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 309. (¬2) سورة النساء، الآية: 32. (¬3) سورة الكهف، الآية: 110. (¬4) انظر: تفسير ابن كثير، 3/ 109. (¬5) سورة الملك، الآيتان: 1 - 2.

خالصاً صواباً، والخالص أن يكون للَّه، والصواب أن يكون على السنة)) (¬1)، ثم قرأ قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (¬2). وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (¬3). وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (¬4). فإسلامُ الوجه: إخلاصُ القصد، والدعاء، والعمل للَّه وحده، والإحسانُ فيه: متابعة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وسنته (¬5). فيجب على المسلم أن يكون متِّبعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أعماله؛ لقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (¬6). وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ¬

(¬1) انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 89. (¬2) سورة الكهف، الآية: 110. (¬3) سورة النساء، الآية: 125. (¬4) سورة لقمان، الآية: 22. (¬5) انظر: مدارج السالكين، 2/ 90. (¬6) سورة الأحزاب، الآية: 21.

الشرط الثالث: الثقة بالله تعالى، واليقين بالإجابة

ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (¬1). وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (¬2). وقال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} (¬3). ولا شك أن العمل الذي لا يكون على شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون باطلاً؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)) (¬4). الشرط الثالث: الثقة باللَّه تعالى، واليقين بالإجابة (¬5): فمن أعظم الشروط لقبول الدعاء الثقة باللَّه تعالى، وأنه على كل شيء قدير؛ لأنه تعالى يقول للشيء كن فيكون، قال سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (¬6)، وقال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬7)، ومما يزيد ثقة ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 31. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 158. (¬3) سورة النور، الآية: 54. (¬4) متفق عليه، صحيح البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718 (¬5) انظر: جامع العلوم والحكم، 2/ 407، ومجموع فتاوى ابن باز جمع الطيار، 1/ 258. (¬6) سورة النحل، الآية: 4. (¬7) سورة يس، الآية: 82.

المسلم بربه تعالى أن يعلم أن جميع خزائن الخيرات والبركات عند اللَّه تعالى، قال سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى: (( ... يا عبادي لو أن أوَّلكم وآخركُم وإنسَكُم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البَحْرَ)) (¬2)، وهذا يدل على كمال قدرته - سبحانه وتعالى -، وكمال ملكه، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد، ولا تنقص بالعطاء، ولو أعطى الأولين والآخرين: من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد (¬3)؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يدُ اللَّه (¬4) ملأى لا يَغِضُها نَفَقةٌ سحّاءُ (¬5) الليلَ والنهارَ، أرأيتُم ما أنفقَ مَذُ خلَقَ السماءَ (¬6) والأرض؛ فإنه لم يغِضْ ما في يده، وكان عرشُهُ على ¬

(¬1) سورة الحجر، الآية: 21. (¬2) مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه -، برقم 2577. (¬3) جامع العلوم والحكم، 2/ 48. (¬4) في رواية مسلم: <يمين اللَّه ملأى>، برقم 993. (¬5) سحَّاءُ: أي دائمة الصبّ، تصبّ العطاء صبّاً، ولا ينقصها العطاء الدائم في الليل والنهار، انظر: الفتح، 13/ 395. (¬6) في رواية للبخاري بالجمع للسموات والأرض برقم 7441.

الشرط الرابع: حضور القلب

الماءِ، وبيده (¬1) الميزان يخفض ويرفع)) (¬2). فالمسلم إذا علم ذلك، فعليه أن يدعو اللَّه وهو موقن بالإجابة؛ لما تقدم؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ادعوا اللَّه وأنتم موقنون بالإجابة ... )) (¬3) الحديث؛ ولهذا بين - صلى الله عليه وسلم - أن اللَّه يستجيب دعاء المسلم الذي قام بالشروط وعمل بالآداب، وابتعد عن الموانع، فقال: ((ما من مسلم يدعو اللَّه بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه اللَّه بها إحدى ثلاث ... )) (¬4) الحديث. الشرط الرابع: حضور القلب والخشوع والرغبة فيما عند اللَّه من الثواب والرهبة مما عنده من العقاب، فقد أثنى اللَّه تعالى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا ¬

(¬1) وفي رواية للبخاري، ومسلم: <وبيده الأخرى>، برقم 7411، وفي مسلم، برقم 993، والترمذي، برقم 3045. (¬2) البخاري بلفظه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، برقم 4684، ومسلم بنحوه، برقم 993، والترمذي بلفظ: <يمين الرحمن ملأى>، برقم 3045. (¬3) الترمذي، 5/ 517، برقم 3479، وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني، في الأحاديث الصحيحة، برقم 594، وفي صحيح الترمذي، برقم 2766، وأخرجه أحمد، 2/ 177، برقم 6655، والحاكم، 1/ 493. (¬4) أحمد في المسند، 3/ 18، برقم 11133، وتقدم تخريجه في فضل الدعاء.

الشرط الخامس: العزم والجزم،

لَنَا خَاشِعِينَ} (¬1). فلا بد للمسلم في دعائه من أن يحضر قلبه، وهذا أعظم شروط قبول الدعاء، كما قال الإمام ابن رجب رحمه اللَّه تعالى (¬2)، وقد جاء في حديث أبي هريرة عند الإمام الترمذي: ((ادعوا اللَّه وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن اللَّه لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ)) (¬3)، وقد أمر اللَّه تعالى بحضور القلب، والخشوع في الذكر والدعاء، فقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (¬4). الشرط الخامس: العزمُ والجَزمُ، والجِدُّ في الدعاء: المسلم إذا سأل ربه فإنه يجزم، ويعزم بالدعاء؛ ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستثناء في الدعاء، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقلْ اللَّهم إن شئت فأعطني فإن اللَّه لا مُسْتَكْرِهَ لهُ)) (¬5)، وفي رواية: ((فإن اللَّه لا مُكْرِهَ له)) (¬6). ¬

(¬1) سورة الأنبياء، الآيتان: 89 - 90. (¬2) جامع العلوم والحكم، 2/ 403. (¬3) الترمذي، برقم 3479، وله شاهد عند أحمد، 2/ 177 من حديث عبد اللَّه بن عمر، برقم 6655، ولكنه من طريق ابن لهيعة، والحديث حسنه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 594، وفي صحيح سنن الترمذي، برقم 2766. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 205. (¬5) البخاري، برقم 6338، ومسلم، برقم 2678. (¬6) والمراد باللفظين جميعاً أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة هو الذي يحصل إكراهه على الشيء، فيُخفف الأمر عليه، حتى لا يشق عليه، واللَّه مُنزّهٌ عن ذلك. فتح الباري، 11/ 140، وشرح النووي، 17/ 10.

المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَقُولَنَّ أحدكم: اللَّهم اغفر لي إن شئت، اللَّهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليُعظِّم الرغبة فإن اللَّه لا يتعاظمُهُ شيءٌ إلا أعطاه)) (¬1). المبحث الثاني: موانع إجابة الدعاء المانع: لغة: الحائل بين الشيئين، واصطلاحاً: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود، ولا عدم لذاته، عكس الشرط (¬2). ومن هذه الموانع ما يأتي: المانع الأول: التوسع في الحرام: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذية (¬3). عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، إن اللَّه طيّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (¬4)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ¬

(¬1) البخاري، برقم 339، ومسلم، واللفظ له، برقم 2679. (¬2) الفوائد الجلية في المباحث الفرضية لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز - رحمه الله -، ص12، وعدة الباحث في أحكام التوارث للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد - رحمه الله - ص7. (¬3) جامع العلوم والحكم، 1/ 277. (¬4) سورة المؤمنون، الآية: 51.

كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (¬1)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُهُ حرامٌ، وملبسُهُ حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك)) (¬2)، وقد قيل كما ذكر ابن رجب ‘ في معنى هذا الحديث: إن اللَّه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً؛ فإن الطيب توصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات (¬3)، والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات، والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذيةً، ولهذا كان الصحابة، والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال، ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة ’ قالت: ((كان لأبي بكر غلامٌ يُخرج له الخراجَ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه (¬4)، فجاء يوماً بشيء، فأكله أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحسِنُ الكِهانةَ، إلا أني خَدعتُهُ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 172. (¬2) مسلم، برقم 1015. (¬3) جامع العلوم والحكم، 1/ 259. (¬4) أي يأتيه بما يكسبه، والخراج ما يقرره السيد على عبده من مال يحضره له من كسبه. الفتح، 7/ 154.

فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده (¬1)، فقاءَ كلَّ شيء في بطنه)) (¬2)، ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية، وأحمد في الزهد: ((فقيل له يرحمك اللَّه، كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به))، فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة (¬3). ففي حديث الباب أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام، قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة: الأول: إطالة السفر. والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ربَّ أشْعَثَ (¬4) مدفوع بالأبواب لو أقسم على اللَّه لأبره)) (¬5). والثالث: يمد يديه إلى السماء ((إن اللَّه حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)) (¬6). ¬

(¬1) فأدخل أبو بكر يده: أي أدخلها في حلقه. (¬2) البخاري، برقم 3842، مع الفتح، 7/ 149. (¬3) أخرجه أبو نعيم في الحلية، 1/ 31، وأحمد في الزهد بمعناه، ص164، وصححه الألباني في صحيح الجامع عن جابر عند أحمد، والدارمي، والحاكم. انظر: صحيح الجامع، 4/ 172. (¬4) الأشعث: الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل. (¬5) مسلم، برقم 2622. (¬6) أبو داود، برقم 1488، والترمذي، وابن ماجه 2/ 1271، وتقدم تخريجه في فضل الدعاء.

المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء:

والرابع: الإلحاح على اللَّه بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، ومع ذلك كله قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فأنى يستجاب لذلك))، وهذا استفهام وقع على وجه التعجب والاستبعاد (¬1). فعلى العبد المسلم التوبة إلى اللَّه تعالى من جميع المعاصي والذنوب، ويردّ المظالم إلى أهلها حتى يسلم من هذا المانع العظيم الذي يحول بينه وبين إجابة دعائه. المانع الثاني: الاستعجال وترك الدعاء: من الموانع التي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل الإنسان المسلم ويترك الدعاء؛ لتأخر الإجابة (¬2)، فقد جعل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - هذا العمل مانعاً من موانع الإجابة، حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دُعائه، ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء (¬3). عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجلْ فيقول: قد دعوتُ فلم يُستجَبْ لي (((¬4). وعنه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا يزالُ يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يستعجل)). قيل: يا رسول اللَّه! ما ¬

(¬1) جامع العلوم والحكم، 1/ 269، 275. (¬2) جامع العلوم والحكم، 2/ 403. (¬3) جامع العلوم والحكم، 2/ 403. (¬4) البخاري، برقم 6340، ومسلم، برقم 2735.

الاستعجال؟ قال: ((يقول قد دعوتُ، وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيبُ لي، فيستحسر (¬1) عند ذلك، ويدعُ الدعاءَ)) (¬2). فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدعاء؛ لأن اللَّه قد يؤخر الإجابة لأسباب: إما لعدم القيام بالشروط، أو الوقوع في الموانع، أو لأسباب أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاؤه أن يراجع نفسه، ويتوب إلى اللَّه تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل، واللَّه تعالى يقول: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (¬3)، فما دام العبد يلحُّ في الدعاء، ويطمعُ في الإجابة من غير قطع، فهو قريب من الإجابة، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له (¬4). وقد تُؤخَّرُ الإجابة لمدة طويلة، كما أخّر سبحانه إجابة يعقوب في ردّ ابنه يوسف إليه، وهو نبي كريم، وكما أخّر إجابة نبيّه أيوب عليه الصلاة والسلام في كشف الضر عنه، وقد يُعطى السائل خيراً ¬

(¬1) ومعنى يستحسر: أي ينقطع عن الدعاء، ومنه قوله تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} أي لا ينقطعون عنها. انظر: شرح النووي، والفتح 11/ 141. (¬2) مسلم، 4/ 2096، برقم 2735. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 56. (¬4) جامع العلوم والحكم، 2/ 404.

المانع الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات:

مما سأل، وقد يُصرف عنه من الشر أفضل مما سأل (¬1). المانع الثالث: ارتكاب المعاصي والمحرمات: قد يكون ارتكاب المحرمات الفعلية مانعاً من الإجابة (¬2)؛ ولهذا قال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طريقها بالمعاصي، وأخذ هذا بعض الشعراء فقال: نحنُ ندعو الإله في كلِّ كربٍ ... ثمَّ ننساه عند كشف الكروبِ كيف نرجو إجابةً لدُعاءٍ ... قد سددْنا طريقها بالذنوب (¬3) ولا شك أن الغفلة والوقوع في الشهوات المحرمة من أسباب الحرمان من الخيرات. وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (¬4). المانع الرابع: ترك الواجبات التي أوجبها اللَّه: كما أن فعل الطاعات يكون سبباً لاستجابة الدعاء، فكذلك ترك الواجبات يكون مانعاً من موانع استجابة الدعاء (¬5)؛ ولهذا جاء عن ¬

(¬1) انظر: مجموع فتاوى العلامة ابن باز، 1/ 261، جمع الطيار. (¬2) جامع العلوم والحكم، 1/ 275. (¬3) جامع العلوم والحكم، 1/ 377، وانظر: الحاكم، 2/ 302 وسلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1805. (¬4) سورة الرعد، الآية: 11. (¬5) جامع العلوم والحكم، 1/ 275.

المانع الخامس: الدعاء بإثم، أو قطيعة رحم.

النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى، فعن حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والذي نفسي بيده لتأْمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ اللَّه أنْ يبعثَ عليكم عِقاباً منه ثمَّ تدعونَهُ فلا يُستجابُ لكم)) (¬1). المانع الخامس: الدعاء بإثم، أو قطيعة رحم. المانع السادس: الحكمة الربانية، فيُعطى أفضل مما سأل: عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يدعو اللَّه بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه اللَّه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها))،. قالوا: إذاً نكثِرَ. قال: ((اللَّه أكثر)) (¬2)، فقد يظن الإنسان أنه لم يجب، وقد أجيب بأكثر مما سأل، أو صرف عنه من المصائب والأمراض أفضل مما سأل، أو أخَّره له إلى يوم القيامة (¬3). ¬

(¬1) الترمذي، 4/ 468، وحسنه برقم 2169، والبغوي في شرح السنة 14/ 345، وأحمد، 5/ 388، برقم 23327، وانظر: صحيح الجامع، برقم 6947، 6/ 97، وفي الباب عن عائشة ’ ترفعه: <يا أيها الناس إن اللَّه تبارك وتعالى يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم>، أحمد، 6/ 159، برقم 25255. وانظر: المجمع، 7/ 266، وقال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2325: >حسن لغيره<. (¬2) أحمد، في المسند، 3/ 18، وتقدم تخريجه. (¬3) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 1/ 258 - 268، جمع الطيار.

الفصل الرابع: آداب الدعاء، وأماكن وأوقات الإجابة

الفصل الرابع: آداب الدعاء، وأماكن وأوقات الإجابة المبحث الأول: آداب الدعاء 1 - يبدأ بحمد اللَّه، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويختم بذلك. أ- عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: ((كلُّ دُعاءٍ محجوب حتَّى يُصلَّى على محمد - صلى الله عليه وسلم - وآل محمد)) (¬1). ب- عن فضالة بن عبيد اللَّه - رضي الله عنه - قال: سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته لم يمجِّد اللَّه تعالى، ولم يصلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((عجَّل هذا))، ثم دعاه فقال له أو لغيره: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد اللَّه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو بعدُ بما شاء)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في الأوسط، 4/ 448 مصورة الجامعة الإسلامية موقوفاً على علي - رضي الله عنه -. قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 160: رجاله ثقات، ووافقه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 5/ 57، والحديث له شواهد كثيرة عن معاذ بن جبل مرفوعاً، وعن عبد اللَّه بن بسر مرفوعاً، وعن أنس - رضي الله عنه -، وعن عمر قال: <إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك - صلى الله عليه وسلم - >، الترمذي، برقم 490، قال العلامة الألباني: <وخلاصة القول: إن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء اللَّه تعالى على أقل الأحوال>. انظر: الأحاديث الصحيحة، 5/ 57، برقم 2035، وصحيح الجامع، 4/ 73، وصحيح الترمذي، 1/ 150. (¬2) أبو داود، 2/ 77، برقم 1481، والترمذي، 5/ 516، برقم 3477، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1314، وصحيح الترمذي، برقم 2767.

جـ- ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا آخر يصلي فمجد الله

جـ- ورأى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رجلاً آخر يصلي فمجَّد اللَّه، وحمده، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها المصلي ادعُ تُجَبْ، [وسَلْ تُعْطَ])) (¬1). د - عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنت أصلي والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على اللَّه، ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((سَلْ تُعطَهْ، سَلْ تُعطَهْ)) (¬2). وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه اللَّه تعالى أن للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الدعاء ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يصلي عليه - صلى الله عليه وسلم - قبل الدعاء، وبعد حمد اللَّه تعالى. المرتبة الثانية: أن يصلي عليه - صلى الله عليه وسلم - في أول الدعاء، وفي أوسطه، وفي آخره. المرتبة الثالثة: أن يصلي عليه - صلى الله عليه وسلم - في أوله، وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما (¬3). ¬

(¬1) النسائي، 3/ 44، برقم 1284، والترمذي، 5/ 516، برقم 3476، وما بين المعقوفين عند النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي، برقم 1217، وفي صحيح الترمذي، برقم 2765. (¬2) الترمذي، 2/ 488، برقم 593، وقال: <حديث حسن صحيح>، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، 1/ 294، برقم 931. (¬3) انظر: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام - صلى الله عليه وسلم -، ص375.

2 - الدعاء في الرخاء والشدة:

2 - الدعاء في الرخاء والشدة: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((منْ سَرَّهُ أنْ يستَجيبَ اللَّه لهُ عِندَ الشَّدائدِ والكُرَبِ فلْيُكثِر الدُّعاءَ في الرَّخاءِ)) (¬1). والمعنى: من أحب أن يستجيب اللَّه له عند الشدائد، وهي الحادثة الشاقة، والكُرَب: وهي الغم الذي يأخذ النفس، فليكثر الدعاء في حالة الصحة والفراغ والعافية؛ لأن من شيمة المؤمن أن يلجأ إلى اللَّه تعالى، ويكون دائم الصلة به، ويلتجئ إليه قبل الاضطرار (¬2)، قال اللَّه تعالى في يونس عليه الصلاة والسلام حينما دعاه فأنجاه، واستجاب له: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (¬3). 3 - لا يدعو على أهله، أو ماله، أو ولده، أو نفسه: عن جابر - رضي الله عنه - في الرجل الذي لعن بعيره، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من هذا اللاعِنُ بعيرَهُ))؟ قال: أنا يا رسول اللَّه! قال: ((انزل عنهُ، فلا تصحبنا بملعونٍ، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقُوا من اللَّه ساعةً يُسألُ فيها عطاء ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، 5/ 462، برقم 3382، والحاكم، 1/ 544، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 140، وانظر: الأحاديث الصحيحة، برقم 593. (¬2) انظر: تحفة الأحوذي، 9/ 324. (¬3) سورة الصافات، الآيتان: 143 - 144.

4 - يخفض صوته في الدعاء بين المخافتة والجهر:

فيستجيبُ لكم (((¬1). 4 - يخفِضُ صوته في الدعاء بين المخافتة والجهر: أ- قال اللَّه تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (¬2). ب- وقال سبحانه: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (¬3). جـ- وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم [لا تدعون] أصمَّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً، وهو معكم)) (¬4)، والمعنى وهو معكم بعلمه واطلاعه؛ لأن المعية معيتان: معية عامة ومعية خاصة، فالعامة: معية العلم والاطلاع، وهو مستوٍ على عرشه، كما يليق بجلاله، ويعلم ما في نفوس عباده، لا تخفى عليه خافية. والمعية الخاصة: معية النصر، والتأييد والتوفيق، والإلهام لعباده المؤمنين. ¬

(¬1) أخرجه مسلم، 4/ 2304، برقم 3009. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 55. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 205. (¬4) البخاري، برقم 4205، ومسلم بلفظه، برقم 2704، إلا ما بين المعقوفين لفظ البخاري.

5 - يتضرع إلى الله في دعائه:

5 - يتضرع إلى اللَّه في دعائه: الضراعة: الذل، والخضوع والابتهال، يقال: ضَرَعَ، يَضْرَعُ ضراعةً: خضع، وذلَّ، واستكان، وتضرع إلى اللَّه: ابتهل (¬1). أ- قال اللَّه تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (¬2). ب- وقال سبحانه: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (¬3). جـ - وقال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} (¬4). 6 - يلحُّ على ربه في دعائه: الإلحاح: الإقبال على الشيء، ولزوم المواظبة عليه، يقال: ألحَّ السحابُ: دام مطره، وألحَّت الناقة: لزمت مكانها، وألحَّ الجمل: لزم مكانه وحَرَن، وألحَّ فلان على الشيء: واظب عليه، وأقبل عليه (¬5)، وعن أنس - رضي الله عنه - يرفعه: ((ألظُّوا بياذا الجلالِ ¬

(¬1) انظر: المصباح المنير، ص361، والقاموس المحيط، ص958، والمعجم الوسيط، ص538، ومفردات ألفاظ غريب القرآن للأصفهاني، ص506. (¬2) سورة الأنعام، الآيتان: 42 - 43. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 63. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 205. (¬5) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 4/ 236، والمصباح المنير، ص550، والقاموس المحيط، ص306.

7 - يتوسل إلى الله تعالى بأنواع التوسل المشروعة:

والإكرام)) (¬1). فالعبد يكثر من الدعاء، ويكرره، ويلحُّ على اللَّه بتكرير ربوبيته وإلهيته، وأسمائه وصفاته، وذلك من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2): ((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا ربِّ يا ربِّ)). الحديث (¬3)، وهذا يدل على الإلحاح في الدعاء؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلم يُستجب لي)) (¬4). 7 - يتوسل إلى اللَّه تعالى بأنواع التوسل المشروعة: والوسيلة: لغة: القربة، والطاعة، وما يتوصل به إلى الشيء، ويتقرب به إليه، يقال: وسَّل فلان إلى اللَّه تعالى توسيلاً: عمل عملاً تقرَّب به إليه، ويقال: وسَلَ فلان إلى اللَّه تعالى بالعمل، يَسِلُ وَسْلاً، وتوسُّلاً، وتوسيلاً: رغب وتقرّب إليه. أي: عمل عملاً تقرّب به إليه (¬5). قال الراغب الأصفهاني: الوسيلة: التوصّل إلى الشيء برغبة، ¬

(¬1) الترمذي، برقم 3773 - 3775، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 172. (¬2) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب، 1/ 269 - 275. (¬3) مسلم، برقم 1015، وتقدم تخريجه. (¬4) البخاري مع الفتح، 11/ 140، برقم 6340، ومسلم، 4/ 2095، برقم 2735. (¬5) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 185، والقاموس المحيط، ص1379، والمصباح المنير، ص660.

النوع الأول:

وهي أخصُّ من الوصيلة؛ لتضمُّنها معنى الرغبة، قال تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} (¬1)، وحقيقة الوسيلة إلى اللَّه تعالى مراعاة سبيله بالعلم، والعبادة، وتحرّي مكارم الشريعة، وهي كالقربة، والواسِلُ: الراغب إلى اللَّه تعالى (¬2). ومعنى قوله تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} أي تقرَّبوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه (¬3). وأنواع التوسل المشروع ثلاثة: النوع الأول: التوسّل في الدعاء باسم من أسماء اللَّه تعالى، أو صفة من صفاته، كأن يقول الداعي في دعائه: اللَّهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير، أن تعافيني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني، وتغفر لي؛ ولهذا قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (¬4)، ومن دعاء سليمان عليه الصلاة والسلام ما قال اللَّه تعالى: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 35. (¬2) مفردات غريب ألفاظ القرآن، ص871. (¬3) تفسير ابن كثير، 2/ 53، وانظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص5 - 160. والتوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني، ص8 - 156. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 180.

تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (¬1). وعن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه أن رسول - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: ((اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت اللَّه، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد))، قال: فقال: ((والذي نفسي بيده، لقد سأل اللَّه باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى)) (¬2)، وفي رواية: ((لقد سألت اللَّه - عز وجل - باسمه الأعظم)). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه كان مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جالساً ورجل يصلي ثم دعا: ((اللَّهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي، يا قيوم))، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد دعا اللَّه باسمه العظيم، الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى)) (¬3). وعن محجن بن الأدرع أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد، فإذا هو ¬

(¬1) سورة النمل، الآية: 19. (¬2) أبو داود، 2/ 79، برقم 1495، والترمذي، 5/ 515، برقم 3475، وأحمد، 5/ 260، برقم 22952، وابن ماجه، 2/ 1267، برقم 3857، والحاكم، 1/ 604، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 163. (¬3) أبو داود بلفظه، 2/ 80، برقم 1495، وابن ماجه، 2/ 1268، برقم 3858، والترمذي، 5/ 550، برقم 3544، وأحمد، 3/ 120، برقم 12611، والنسائي، 3/ 52، برقم، وصححه ابن حبان، برقم 2382، (موارد)، والحاكم، 1/ 503، ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 279.

النوع الثاني:

برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد، وهو يقول: ((اللَّهم إني أسألك يا اللَّه الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم)). فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له)) ثلاث مرات (¬1). وعن سعد قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب اللَّه له)) (¬2). النوع الثاني: التوسل إلى اللَّه تعالى بعملٍ صالح قام به الداعي نفسه، كأن يقول المسلم: اللَّهم بإيماني بك، أو محبتي لك، أو اتباعي لرسولك أن تغفر لي. أو يقول: اللَّهم إني أسألك بمحبتي لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وإيماني به أن تفرج عني، ومن ذلك أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بال، فيه خوفه من اللَّه سبحانه، وتقواه إياه، وإيثاره رضاه على كل شيء، وطاعته له جل شأنه، ثم يتوسَّل به إلى اللَّه في دعائه؛ ليكون أرجى لقبوله وإجابته. ¬

(¬1) أحمد، 4/ 338، برقم 18974، والنسائي، 3/ 52، برقم 1301، وأبو داود، برقم 985، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 280، وصحيح أبي داود، 1/ 185. (¬2) الترمذي، 5/ 529، برقم 3505، وأحمد، 1/ 170، برقم 1462، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 505، قال الأرنؤوط في تخريجه للكلم، ص86: <وهو كما قالا>، وحسنه ابن حجر، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 168.

النوع الثالث:

ويدل على مشروعية ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (¬1). وقوله تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (¬2). ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار؛ فإن كلاً منهم ذكر عملاً صالحاً تقرب به إلى اللَّه ابتغاء وجهه سبحانه، فتوسل بعمله الصالح، فاستجاب اللَّه له (¬3). النوع الثالث: التوسّل إلى اللَّه تعالى بدعاء الرجل الصالح الحي الحاضر: كأن يقع المسلم في ضيق شديد، أو تحلّ به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب اللَّه تبارك وتعالى، فيحب أن يأخذ بسبب قوي إلى اللَّه تعالى، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح، والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة، فيطلب منه أن يدعو له ربه، ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه. ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أصابت الناس سَنَةٌ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب في يوم الجمعة، قام أعرابي فقال: يا رسول اللَّه! هلك المال وجاع العيال فادع اللَّه لنا. فرفع يديه ثم قال: ((اللَّهم أغثنا، اللَّهم أغثنا، اللَّهم أغثنا))، وما نرى في السماء قَزَعةً، فوالذي نفسي بيده، ما وضعها حتى ثار ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 16. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 53. (¬3) أخرجه البخاري 4/ 37، برقم 2215، ومسلم، 4/ 3099، برقم 2743.

السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته - صلى الله عليه وسلم -، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي، أو قال غيره فقال: يا رسول اللَّه، تهدم البناء، وغرق المال، فادع اللَّه لنا، فرفع يديه فقال: ((اللَّهم حوالينا ولا علينا))، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي قناة شهراً، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدَّث بالجود)) (¬1). ومن ذلك سؤال أبي هريرة - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لأمه بالهداية إلى الإسلام، فدعا لها - صلى الله عليه وسلم -، فهداها اللَّه تعالى (¬2). ومن ذلك أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يطلب من العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لهم اللَّه - عز وجل - أن يغيثهم، فيغيثهم سبحانه (¬3). ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه -: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه، إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على اللَّه لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)) (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، 1/ 224، برقم 933، ومسلم، 2/ 612، برقم 897. (¬2) مسلم، 4/ 1939، برقم 2491، ويأتي تخريجه. (¬3) انظر: البخاري مع الفتح، 2/ 494 كتاب الاستسقاء باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث رقم 1008. (¬4) أخرجه مسلم 4/ 1968، برقم 2542.

8 - الاعتراف بالذنب والنعمة حال الدعاء:

8 - الاعتراف بالذنب والنعمة حال الدعاء: عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: سيد الاستغفار أن تقول: ((اللَّهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))، قال: ((ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة)) (¬1). 9 - عدم تكلف السجع في الدعاء: عن ابن عباس قال: حدّث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أبيت فثلاث مرار، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم، فتقصّ عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملّهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم، وهم يشتهونه، فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك - يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب - (¬2). ¬

(¬1) البخاري، 7/ 144، و150، برقم 6306، والترمذي، 5/ 467، برقم 3393، والنسائي، 8/ 279، في الاستعاذة باب الاستعاذة من شر ما صنع، برقم 5522، وأحمد، 4/ 122، برقم 23013. (¬2) البخاري 7/ 197، برقم 6337.

10 - الدعاء ثلاثا:

10 - الدعاء ثلاثاً: عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى إذا سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا أنظر لا أغني شيئاً لو كان لي منعة، قال: فجعلوا يضحكون، ويميل بعضهم على بعض، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ساجد لا يرفع رأسه، حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه ثم قال: ((اللَّهم عليك بقريش)) ثلاث مرات. فشق عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى: ((اللَّهم عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط)). وعد السابع فلم نحفظه، قال: فوالذي نفسي بيده، لقد رأيت الذين عَدّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صرعى في القليب. قليب بدر (¬1). 11 - استقبال القبلة: عن عبد اللَّه بن زيد قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المصلى ¬

(¬1) أخرجه البخاري 1/ 74، في كتاب الوضوء باب إذا ألقي على ظهر المصلي جيفة لم تفسد صلاته، برقم 240، ومسلم، 3/ 1418، كتاب الجهاد والسير باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم 1794.

12 - رفع الأيدي في الدعاء:

يستسقي، فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة، وقلب رداءه (¬1). 12 - رفع الأيدي في الدعاء: قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه (¬2). وقال ابن عمر: رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه، وقال: ((اللَّهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)) (¬3). وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه (¬4). وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن ربكم تبارك وتعالى حييٌّ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً)) (¬5). 13 - الوضوء قبل الدعاء إن تيسر (¬6): عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: لما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد، وهزم ¬

(¬1) أخرجه البخاري بلفظ 7/ 99، برقم 6343 في كتاب الدعوات باب الدعاء مستقبل القبلة. (¬2) البخاري 7/ 198، كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء، قبل رقم 6341. (¬3) البخاري 7/ 198، كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء، قبل رقم 6341. (¬4) البخاري، 7/ 198، كتاب الدعوات باب رفع الأيدي في الدعاء، قبل رقم 6341. (¬5) أبو داود، 2/ 78، برقم 1488، والترمذي، 5/ 557، برقم 3556، وغيرهما وقال ابن حجر: <سنده جيد>، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 179. (¬6) الوضوء قبل الدعاء مستحب. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر اللَّه على كل أحيانه وعلى هذا فالدعاء جائز للجنب، لكنه لا يقرأ شيئاً من القرآن حتى يغتسل.

اللَّه أصحابه. قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرُمِيَ أبو عامر في ركبته، رماه جشميٌّ بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم من رماك؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولَّى، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت فكف، فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل اللَّه صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء فقال: يا ابن أخي! انطلِقْ إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأقرئهُ منِّي السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي. قال: واستعملني أبو عامر على الناس، فمكث يسيراً ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته على سرير مُرْمَلٍ، وعليه فراش قد أثر رمال السرير في ظهره وجنبه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقلت له: قال: قل له: استغفر لي، فدعا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بماءٍ فتوضأ منه، ثم رفع يديه فقال: ((اللَّهم اغفر لعبيد أبي عامر))، ورأيت بياض إبطيه، ثم قال: ((اللَّهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك، أو من الناس))، فقلت: ولي يا رسول اللَّه، فاستغفر، فقال: ((اللَّهم اغفر لعبد اللَّه ابن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مُدْخَلاً كريماً)) (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، 5/ 101، برقم 4323، ومسلم 4/ 1943، برقم 2468، وانظر: الفتح، 8/ 42، فهناك فوائد.

14 - البكاء في الدعاء من خشية الله تعالى:

14 - البكاء في الدعاء من خشية اللَّه تعالى: عن عبد اللَّه بن عمرو - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول اللَّه - عز وجل - في إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} (¬1)، وقول عيسى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬2)، فرفع يديه وقال: ((اللَّهم أمتي أمتي، وبكى))، فقال اللَّه - عز وجل -: ((يا جبريل، اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بما قال. وهو أعلم، فقال اللَّه: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك)) (¬3). 15 - إظهار الافتقار إلى اللَّه تعالى، والشكوى إليه: قال اللَّه تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (¬4). ومن ذلك دعاء زكريا: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (¬5). ودعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ¬

(¬1) سورة إبراهيم، الآية: 36. (¬2) سورة المائدة، الآية: 118. (¬3) مسلم، 1/ 191، كتاب الإيمان باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته وبكائه شفقة عليهم، برقم 202. (¬4) سورة الأنبياء، الآية: 83. (¬5) سورة الأنبياء، الآية: 89.

16 - يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره:

ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (¬1). 16 - يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره: عن أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه (¬2). وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبدأ بنفسه، كدعائه لأنس، وابن عباس، وأمِّ إسماعيل - رضي الله عنهم - (¬3). 17 - لا يعتدي في الدعاء: عن ابن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللَّهم إني أسألك الجنة ونعيمها، وبهجتها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، وكذا وكذا، فقال: يا بني: إني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((سيكون قوم يعتدون في الدعاء))، فإياك أن تكون منهم، إن أُعطيت الجنة أُعطيتها وما فيها، وإن أُعذت من النار أُعذت منها وما فيها من الشر (¬4). ¬

(¬1) سورة إبراهيم، الآية: 37. (¬2) أخرجه الترمذي، 5/ 463، برقم 2934، وقال: <حديث حسن غريب صحيح>، وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تخريجه لجامع الأصول، 4/ 175. (¬3) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 15/ 144، وفتح الباري، 1/ 218، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 9/ 328. (¬4) أبو داود، 2/ 77، برقم 1480، وانظر: صحيح الجامع، 3/ 218، برقم 3565، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 277.

18 - التوبة ورد المظالم:

وعن أبي نعامة أن عبد اللَّه بن مغفل سمع ابنه يقول: اللَّهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني: سل اللَّه الجنة، وتعوَّذ به من النار، فإني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)) (¬1). 18 - التوبة ورد المظالم: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس إن اللَّه طيّب لا يقبل إلا طيّباً، وإن اللَّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (¬2)، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (¬3)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجابُ لذلك)) (¬4). 19 - يدعو لوالديه مع نفسه: قال اللَّه تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (¬5)، وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم ¬

(¬1) أبو داود، 1/ 24، برقم 96، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 21، وإرواء الغليل، 1/ 171، برقم 140، وأخرجه أحمد، 4/ 87، برقم 1483. (¬2) سورة المؤمنون، الآية: 51. (¬3) سورة البقرة، الآية: 172. (¬4) مسلم، 2/ 703، برقم 1015. (¬5) سورة الإسراء، الآية: 24.

20 - يدعو للمؤمنين والمؤمنات مع نفسه:

عليه الصلاة والسلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (¬1). وقال تعالى إخباراً عن نوح عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَ تَبَارًا} (¬2). 20 - يدعو للمؤمنين والمؤمنات مع نفسه: قال اللَّه تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (¬3). 21 - لا يسأل إلا اللَّه وحده: عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت خلف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ اللَّه يحفظك، احفظ اللَّه تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللَّه عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)) (¬4). ¬

(¬1) سورة إبراهيم، الآية: 41. (¬2) سورة نوح، الآية: 28. (¬3) سورة محمد، الآية: 19. (¬4) أخرجه الترمذي، 4/ 667، برقم 2516، وقال: <حسن صحيح>، وأحمد، 1/ 293، برقم 2803، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 309.

المبحث الثاني: أوقات وأحوال وأوضاع الإجابة

المبحث الثاني: أوقات وأحوال وأوضاع الإجابة 1 - ليلة القدر: قال اللَّه تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (¬1). وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت: يا رسول اللَّه! أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر. ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللَّهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)) (¬2). 2 - دبر الصلوات المكتوبات: عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قيل يا رسول اللَّه! أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)) (¬3). 3 - جوف الليل الآخر: وعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أقرب ما ¬

(¬1) سورة القدر، الآيات: 1 - 5. (¬2) الترمذي، 5/ 534، برقم 3513، وصححه، وابن ماجه، 2/ 1265، برقم 3850، وأحمد، 6/ 182، برقم 25384، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 170، وصحيح ابن ماجه، 2/ 328، وانظر: مشكاة المصابيح بتحقيق الشيخ الألباني، 1/ 648. (¬3) الترمذي، 5/ 526، برقم 3499، وحسنه وله شواهد انظرها في جامع الأصول، 4/ 143، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 168.

يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر اللَّه في تلك الساعة فكن)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)) (¬2). وعن عثمان بن أبي العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داعٍ فيُستجاب له، هل من سائل فَيُعطى، هل من مكروب فَيُفَرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب اللَّه تعالى له، إلا زانية تسعى بفرجها، أو عشاراً)) (¬3). وقد مدح اللَّه المستغفرين بالأسحار فقال - سبحانه وتعالى -: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ ¬

(¬1) الترمذي، 5/ 569، برقم 3579، وصححه، وهو كما قال، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، برقم 260، والنسائي، برقم 572، والحاكم، 5/ 316، وصححه. انظر: جامع الأصول، 4/ 144، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 173. (¬2) البخاري، 2/ 59، برقم 1145، ومسلم، 1/ 521، برقم 758، وانظر: روايات مسلم 4/ 521 - 523. (¬3) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، 3/ 154، وصحح إسناده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 126، برقم 1073، وصحيح الجامع الصغير، 3/ 47، برقم 2968. والعشَّار: هو الذي يأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق القوة والجاه ومثلها الضرائب وهي المكوس، انظر: المرجع السابق، 3/ 126.

4 - بين الأذان والإقامة:

اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬1). 4 - بين الأذان والإقامة: عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة فادعوا)) (¬2). 5 - عند النداء للصلوات المكتوبات: عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ثنتان لا تردان، أو قلما تردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً)) (¬3). 6 - عند إقامة الصلاة: وعن سهل - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ساعتان لا تُرَدُّ على داع دعوته: حين تقام الصلاة، وفي الصف في سبيل اللَّه)) (¬4). ¬

(¬1) سورة الذاريات، الآيتان: 17 - 18. وانظر: سورة آل عمران، الآية: 17. (¬2) أخرجه الترمذي، 1/ 415، و5/ 577، برقم 212، و3594، وأبو داود، 1/ 144، برقم 521، وأحمد، 3/ 155، و3/ 225، برقم 12200، و12584، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 185، وإرواء الغليل، برقم 244، 1/ 261، وصحيح الجامع، 3/ 150. (¬3) أبو داود، 3/ 21، برقم 2540، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 483، وفي رواية له ووقت المطر. والدارمي، 1/ 217، وقال الحافظ ابن حجر: <حديث حسن صحيح>، وانظر تخريجه في الدارمي، 1/ 217، وانظر ما بعده. (¬4) ابن حبان في صحيحه (موارد)، برقم 297، وهو عند ابن حبان، برقم 1740، وصححه الشيخ ناصر الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 106 برقم 256، ورقم 262.

7 - عند نزول الغيث وتحت المطر:

7 - عند نزول الغيث وتحت المطر: عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ثنتان لا تردّان، أو قلَّما تردّان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً))، وفي الحديث من طريق موسى عن رزق عن أبي حازم عن سهل بن سعد به: ((ووقت المطر))، ولفظ الحاكم: ((وتحت المطر)) (¬1). 8 - عند زحف الصفوف في سبيل اللَّه: عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ثنتان لا تردّان، أو قلَّما تردّان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم يعضهم بعضاً)) (¬2). 9 - ساعة من كل ليلة: عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن في الليل لساعة، لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللَّه خيراً من أمر الدنيا والآخرة، ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، 3/ 21، برقم 2540، وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1469، 3/ 453 - 454، وأخرجه الحاكم، 2/ 114، وصححه ووافقه الذهبي 2/ 114. (¬2) أبو داود، 3/ 21، برقم 2540، والدارمي، 1/ 217، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 283، وقد تقدم.

10 - ساعة من ساعات يوم الجمعة:

إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)) (¬1). 10 - ساعة من ساعات يوم الجمعة: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل اللَّه تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه))، وأشار بيده يقللها (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل اللَّه فيها خيراً، إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر)) (¬3). وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يوم الجمعة اثنتا عشر ساعة، فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل اللَّه فيها شيئاً إلا آتاه اللَّه - عز وجل -، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)) (¬4). وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال عبد اللَّه بن عمر: أسمعت أباك يحدث عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((هي ما ¬

(¬1) مسلم، 1/ 521، برقم 757. (¬2) البخاري 1/ 253، برقم 935، ومسلم 2/ 583، برقم 852. (¬3) أحمد، 2/ 272، برقم 7151، ويشهد له ما بعده. (¬4) أبو داود، 1/ 275، برقم 1048، والنسائي، 3/ 99 - 100، في الجمعة باب وقت الجمعة، برقم 1389، وإسناده جيد، وصححه الحاكم، 1/ 279، ووافقه الذهبي. وانظر: زاد المعاد بتحقيق الأرناؤوط، 2/ 391، والفتح، 2/ 351.

11 - عند شرب ماء زمزم مع النية الصالحة:

بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة)) (¬1). ورجّح ابن القيم رحمه اللَّه تعالى وغيره من أهل العلم: أن الساعة في يوم الجمعة هي بعد العصر (¬2). قال ابن القيم: ((وعندي أن ساعة الصلاة ساعة تُرجى فيها الإجابة أيضاً، فكلاهما ساعة إجابة، وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر فهي ساعة معينة من اليوم، لا تتقدم ولا تتأخر، وأما ساعة الصلاة، فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت؛ لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى اللَّه تعالى تأثيراً في الإجابة، فساعة اجتماعهم ساعة تُرجى فيها الإجابة، وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها ... )) (¬3). 11 - عند شرب ماء زمزم مع النية الصالحة: عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ماء زمزم لما شُرِبَ له)) (¬4). 12 - في السجود: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أقرب ما يكون العبد ¬

(¬1) مسلم 1/ 584، برقم 853. (¬2) انظر: زاد المعاد، 2/ 388 - 397. (¬3) زاد المعاد بتحقيق الأرناؤوط، 2/ 394. (¬4) ابن ماجه 2/ 1018، برقم 3062، وأحمد، 3/ 357، و372، برقم 14849، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 320، برقم 1123، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم 883، وفي صحيح الجامع، 5/ 116، برقم 5378، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 386.

13 - عند الاستيقاظ من النوم ليلا والدعاء بالمأثور:

من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء)) (¬1). 13 - عند الاستيقاظ من النوم ليلاً والدعاء بالمأثور: عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الحمد للَّه، وسبحان اللَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ثم قال: اللَّهم اغفر لي – أو دعا - استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته)) (¬2). 14 - عند الدعاء بـ ((دعوة ذي النون)): عن سعد قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب اللَّه له)) (¬3). 15 - عند الدعاء في المصيبة بالمأثور: عن أم سلمة ’ أنها قالت: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من مسلم ¬

(¬1) مسلم، 1/ 350، برقم 482. (¬2) البخاري مع الفتح، 3/ 39، برقم 1154، والترمذي، 5/ 480، برقم 3414. (¬3) الترمذي، 5/ 529، برقم 3505، وأحمد، 1/ 170، برقم 1462، والحاكم، 1/ 505، وصححه، ووافقه الذهبي، قال عبد القادر الأرنؤوط في تخريجه للكلم الطيب، ص86: <وهو كما قالا>، وحسنه ابن حجر، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 168.

16 - عند دعاء الناس بعد وفاة الميت:

تصيبه مصيبة فيقول ما أمره اللَّه: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، اللَّهم أجُرْني في مصيبتي، وأَخْلِفْ لي خيراً منها، إلا أخلف اللَّه له خيراً منها)) (¬1). 16 - عند دعاء الناس بعد وفاة الميت: عن أم سلمة ’ قالت: دخل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر))، فضجّ ناس من أهله، فقال: ((لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون))، ثم قال: ((اللَّهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونوّر له فيه)) (¬2). 17 - عند قولك في دعاء الاستفتاح: ((اللَّه أكبر كبيراً، والحمد للَّه كثيراً. وسبحان اللَّه بكرة وأصيلاً)) استفتح به رجل من الصحابة فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((عجبت لها فتحت لها أبواب السماء)) (¬3). 18 - عند قولك في دعاء الاستفتاح: ((الحمد للَّه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)) استفتح رجل به صلاته، فلما قضى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: ((أيكم المتكلم بالكلمات))، ¬

(¬1) مسلم 2/ 632، و633، برقم 918. (¬2) مسلم، 2/ 634، برقم 920. (¬3) مسلم، 2/ 420، برقم 601.

19 - عند قراءة الفاتحة في الصلاة بالتدبر:

فأرم القوم، فقال: ((أيّكم المتكلم؛ فإنه لم يقل بأساً))، فقال رجل: جئت وقد حفزني النفس فقلتها، فقال: ((لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها)) (¬1). 19 - عند قراءة الفاتحة في الصلاة بالتدبر: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج)). ثلاثاً ((غير تمام))، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال اللَّه تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد للَّه رب العالمين، قال اللَّه تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال اللَّه تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجّدني عبدي، (وقال مرة: فوّض إليّ عبدي)، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)) (¬2). 20 - عند رفع الرأس من الركوع وقولك: ((ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)): ¬

(¬1) مسلم 2/ 419، برقم 600. (¬2) مسلم 1/ 296، برقم 395.

21 - عند التأمين في الصلاة إذا وافق قول الملائكة:

عن رفاعة قال: كنا نصلي وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال: ((سمع اللَّه لمن حمده)). قال رجل وراءه: ((ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)) فلما انصرف قال: ((من المتكلم))؟ قال: أنا. قال: ((رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول)) (¬1). 21 - عند التأمين في الصلاة إذا وافق قول الملائكة: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬2). وعنه - رضي الله عنه - أيضاً أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬3). 22 - عند قولك في رفعك من الركوع: ((اللَّهم ربنا ولك الحمد)). عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قال الإمام سمع اللَّه لمن حمده، فقولوا: اللَّهم ربنا ولك الحمد، فإنه من وافق قوله قول ¬

(¬1) البخاري مع الفتح 2/ 284، برقم 799، وموطأ مالك، 1/ 212، والترمذي، 2/ 254، برقم، وأبو داود، 2/ 204، برقم 763، وأحمد، 4/ 340، برقم 12034. (¬2) البخاري، 1/ 190، برقم 790، ومسلم، واللفظ له، 1/ 307، برقم 409. (¬3) البخاري، واللفظ له، 1/ 190، برقم 780، ومسلم، 1/ 307، برقم 410.

23 - بعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير:

الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) (¬1). 23 - بعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير: عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنت أصلي والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على اللَّه، ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم دعوت لنفسي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((سلْ تُعطه، سلْ تُعطه)) (¬2). وعن فضالة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يصلي فمجّد اللَّه وحمده، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ادعُ تُجَبْ، وسَلْ تُعْطَ)) (¬3). 24 - عند قولك قبل السلام في الصلاة: ((اللَّهم إني أسألك يا اللَّه الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم))، قال نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عندما سمع هذا الدعاء من رجل يصلي: ¬

(¬1) البخاري، 1/ 193، برقم 796، ومسلم، 1/ 306، برقم 409. (¬2) أخرجه الترمذي، 2/ 488، برقم 593، وقال حديث حسن صحيح، والنسائي في الكبرى، برقم 8200، وأحمد، 1/ 26، و38، برقم 174، و 665، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2765، وفي صحيح النسائي، برقم 1217. (¬3) أخرجه النسائي، 3/ 44، و45، باب فضل التمجيد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1284، والترمذي، 5/ 516، برقم، قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط: <وصححه ابن خزيمة، وابن حبان (موارد)، برقم 510، والحاكم، 1/ 268، ووافقه الذهبي>. انظر: شرح السنة للإمام البغوي بتحقيق الأرناؤوط، 3/ 187، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 275.

25 - وكذلك عند قولك:

((قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له)) ثلاث مرات (¬1). 25 - وكذلك عند قولك: ((اللَّهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم)). قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما سمع رجلاً يصلي يدعو بهذا الدعاء: ((لقد دعا اللَّه باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى)) (¬2). 26 - وكذلك عند الدعاء بهذا الدعاء: ((اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت اللَّه، لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد)) قال - صلى الله عليه وسلم - لرجل سمعه يدعو بهذا الدعاء: ((لقد سألت اللَّه - عز وجل - باسمه الأعظم)) وفي رواية: ((لقد سألت اللَّه بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه أحمد، 4/ 338، برقم 18974، وأبو داود، برقم 985، والنسائي، 3/ 52، برقم 1301، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 279، وقال الشيخ الألباني: <وأخرجه ابن خزيمة، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي>. انظر: تخريج صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ص203. (¬2) أخرجه أبو داود، 2/ 80، برقم 1495، وابن ماجه، 2/ 1268، برقم 3858، والترمذي، 5/ 550، برقم 3544، وأحمد، 3/ 120، برقم 12611، والنسائي، 3/ 52، برقم 1300، وصححه ابن حبان، برقم 2382، (موارد)، والحاكم، 1/ 503، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 279. (¬3) أبو داود، 2/ 79، برقم 1493، والترمذي، 5/ 515، برقم 3544، وأحمد، 5/ 360، برقم 12205، وابن ماجه، 2/ 1267، برقم 3857، والحاكم، 1/ 504، وصححه، وأقره الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 163.

27 - عند دعاء المسلم عقب الوضوء بالمأثور:

27 - عند دعاء المسلم عقب الوضوء بالمأثور: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)) (¬1). 28 - عند دعاء الحاج يوم عرفة في عرفة: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) (¬2). 29 - الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر: عن عبد اللَّه بن السائب - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: ((إنها ساعة تفتح فيها أبواب ¬

(¬1) أخرجه مسلم، 1/ 210، برقم 234، وأحمد، 4/ 146، برقم 12611، وانظر: تخريجه بتمامه في إرواء الغليل، 1/ 134، برقم 96. (¬2) أخرجه الترمذي، برقم 3585، ومالك في الموطأ، 1/ 422، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 184، وانظر: تخريج مشكاة المصابيح، 2/ 797، برقم 2595، وصحيح الجامع، 3/ 121، برقم 3269، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/ 6، رقم 1503.

30 - في شهر رمضان:

السماء، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح)) (¬1). وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: ((إن أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس، فلا ترتج حتى يُصَلّى الظهر، فأحب أن يصعد لي إلى السماء خير)) (¬2). 30 - في شهر رمضان: وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان رمضانُ فُتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)) (¬4). 31 - عند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن للَّه ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون اللَّه تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، 2/ 342، برقم 478، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 147، انظر: مشكاة المصابيح للألباني، 1/ 237، وأخرجه أيضاً أحمد، 3/ 411، برقم 23552. (¬2) أخرجه أحمد مرفوعاً، 5/ 420، برقم 23565، وأبو داود، برقم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، 2/ 39، برقم 1529، وصحيح الترغيب، 1/ 238، برقم 584، وصحيح سنن أبي داود، 1/ 236. (¬3) البخاري مع الفتح، 6/ 336، برقم 1899، ومسلم 2/ 758، برقم 1079. (¬4) مسلم، 2/ 758، برقم 1079.

32 - عند صياح الديكة:

الدنيا، قال: فيسألهم ربهم - عز وجل - وهو أعلم منهم - ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك ... )) الحديث، وفيه. ((فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة قال: هم الجلساء، لا يشقى بهم جليسهم)) (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقعد قوم يذكرون اللَّه - عز وجل - إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم اللَّه فيمن عنده)) (¬2). 32 - عند صياح الديكة: ((إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا اللَّه من فضله، فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوذوا باللَّه من الشيطان، فإنه رأى شيطاناً)) (¬3). 33 - حالة إقبال القلب على اللَّه واشتداد الإخلاص: ومن الأدلة على ذلك قصة أصحاب الصخرة (¬4). ¬

(¬1) البخاري 7/ 168، كتاب الدعوات باب فضل ذكر اللَّه - عز وجل -، برقم 6408، ومسلم 4/ 2069، كتاب الذكر والدعاء، برقم 2689. (¬2) أخرجه مسلم 4/ 2074، في كتاب الذكر والدعاء باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، برقم 2700. (¬3) أخرجه البخاري بلفظه 4/ 89، برقم 3303، وأخرجه مسلم 4/ 2092، برقم 2729، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وأبو داود، 4/ 327، برقم 5104، والترمذي، 5/ 508، برقم 3459، وأحمد، 2/ 307، برقم 8064. (¬4) وتقدم تخريج الحديث، وانظر: صحيح البخاري 4/ 37، برقم 2215، ومسلم 4/ 2099، برقم 2743.

34 - الدعاء في عشر ذي الحجة:

34 - الدعاء في عشر ذي الحجة: عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى اللَّه من هذه الأيام)) - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول اللَّه! ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل اللَّه، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء)) (¬1). ¬

(¬1) البخاري برقم 969، وأبو داود، واللفظ له برقم 2438، وغيرهما.

المبحث الثالث: أماكن تجاب فيها الدعوات

المبحث الثالث: أماكن تجاب فيها الدعوات 1 - عند رمي الجمرة الصغرى والوسطى أيام التشريق: ((كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات، يكبِّر كلما رمى بحصاة، ثم تقدَّم أمامها، فوقف مستقبل القبلة، رافعاً يديه يدعو، وكان يطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية، فيرميها بسبع حصيات يكبّر كلّما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فيقف مستقبل القبلة، رافعاً يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة، فيرميها بسبع حصيات، يكبِّر عند كل حصاة، ثم ينصرف، ولا يقف عندها)) (¬1). 2 - الدعاء داخل الكعبة أو داخل الحجر: عن أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل البيت دعا في نواحيه كلّها (¬2). وعن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه - قال: <رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت في أول من ولج، فلقيت بلالاً، فسألته هل صلَّى فيه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، صلَّى بين العمودين اليمانيين)) (¬3). وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن الجدر (¬4): أمن ¬

(¬1) أخرجه البخاري، 2/ 194، من حديث عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه -، برقم 1753. (¬2) أخرجه مسلم، 2/ 968، برقم 1320. (¬3) أخرجه مسلم، 2/ 967، برقم 1329، والبخاري مع الفتح، 3/ 463، برقم 1598. (¬4) الجدر: حِجر الكعبة المعروف.

3 - دعاء المعتمر والحاج على الصفا والمروة:

البيت هو؟ قال: ((نعم)) قلت: فلِمَ لم يدخلوه في البيت؟ قال: ((إن قومك قصرت بهم النفقة)) (¬1). ومن دعا داخل الحِجْرِ فقد دعا داخل الكعبة؛ لأن الحِجْرَ من البيت؛ لما سبق من الأحاديث. 3 - دعاء المعتمر والحاج على الصفا والمروة: قال جابر - رضي الله عنه - في حديثه الطويل في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -: ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} (¬2) ((أبدأ بما بدأ اللَّه به))، فبدأ بالصفا، فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحَّد اللَّه، وكبَّرهُ، وقال: ((لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللَّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))، ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات. الحديث. وفيه: ((ففعل على المروة كما فعل على الصفا)) (¬3). 4 - دعاء الحاج عند المشعر الحرام بعد الفجر يوم النحر: قال جابر - رضي الله عنه - عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -: <ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة، فدعاه وكبَّره، وهللَّه، ووحَّده فلم ¬

(¬1) أخرجه مسلم، 2/ 973، برقم 1333، والبخاري مع الفتح، 3/ 439، برقم 1584. (¬2) سورة البقرة، الآية: 158. (¬3) مسلم، 2/ 888، برقم 1218.

5 - دعاء الحاج في عرفة يوم عرفة.

يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس)) الحديث (¬1). 5 - دعاء الحاج في عرفة يوم عرفة. عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) (¬2). ¬

(¬1) مسلم، 2/ 891، برقم 1218. (¬2) الترمذي، برقم 3585، وتقدم تخريجه في أوقات الإجابة.

الفصل الخامس: اهتمام الرسل بالدعاء واستجابة الله لهم

الفصل الخامس: اهتمام الرسل بالدعاء واستجابة اللَّه لهم اهتمّ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم من عباد اللَّه الصالحين بالدعاء، فاستجاب اللَّه دعاءهم، وهذا كثير في القرآن والسنة، وأنا أذكر نماذج من باب الأمثلة، لا من باب الحصر، ومن ذلك ما يأتي: 1 - آدم - صلى الله عليه وسلم -: قال تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬1)، فغفر اللَّه لهما كما قال سبحانه: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬2)، ثم أكرمه اللَّه بالاصطفاء فقال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (¬3)، وخصَّه بالاجتباء، فقال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (¬4). 2 - نوح - صلى الله عليه وسلم -: قال اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ* وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} (¬5)، وقال: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية: 23. (¬2) سورة البقرة، الآية: 37. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 33. (¬4) سورة طه، الآية: 122. (¬5) سورة الصافات، الآيتان: 75 - 76.

3 - إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -

الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} (¬1)، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} (¬2)، وقال تعالى: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاّ فَاجِرًا كَفَّارًا * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاّ تَبَارًا} (¬3). 3 - إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: قال اللَّه تعالى عن دعائه: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} (¬4)، فاستجاب اللَّه له فقال في طلبه الأول: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (¬5). وقال في قوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}، {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (¬6)، وقال في قوله: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ ¬

(¬1) سورة الأنبياء، الآيتان: 76 - 77. (¬2) سورة القمر، الآيات: 9 - 14. (¬3) سورة نوح، الآيات: 26 - 28. (¬4) سورة الشعراء، الآيات: 83 - 85. (¬5) سورة النساء، الآية: 54. (¬6) سورة يوسف، الآية: 101.

4 - أيوب - صلى الله عليه وسلم -:

صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ}، وقال سبحانه: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} (¬1). 4 - أيوب - صلى الله عليه وسلم -: قال اللَّه تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (¬2). 5 - يونس - صلى الله عليه وسلم -: قال اللَّه تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (¬3). 6 - زكريا - صلى الله عليه وسلم -: قال اللَّه تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ* فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} (، وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ ¬

(¬1) سورة السعراء، الآية: 84. (¬2) سورة الأنبياء، الآيتان: 83 - 84. (¬3) سورة الأنبياء، الآيتان: 87 - 88.

7 - يعقوب - صلى الله عليه وسلم -:

فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (¬1). 7 - يعقوب - صلى الله عليه وسلم -: قال اللَّه في قصة يعقوب مع أبنائه: {وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (¬2)، وقال اللَّه تعالى عنه: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (¬3)، وقال يعقوب: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ* قَالُواْ تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ* قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (¬4). ثم استجاب اللَّه دعاءه، وردَّ عليه يوسف وأخاه قال اللَّه: {قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ¬

(¬1) سورة الأنبياء، الآيتان: 89، 90. (¬2) سورة يوسف، الآية: 18. (¬3) سورة يوسف، الآية: 64. (¬4) سورة يوسف، الآيات: 83 - 87.

8 - يوسف - صلى الله عليه وسلم -:

اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ* قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ* وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ* قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ* فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ* قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬1). 8 - يوسف - صلى الله عليه وسلم -: قال اللَّه تعالى عنه وعن النسوة: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ* فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬2). 9 - موسى - صلى الله عليه وسلم -: قال اللَّه عن دعائه: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ ¬

(¬1) سورة يوسف، الآيات: 90 - 98. (¬2) سورة يوسف، الآيات: 32 - 34.

10 - محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه:

فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا* قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (¬1)، وقال اللَّه تعالى عن موسى وهارون: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ* قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (¬2)، وقال تعالى عن موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} (¬3). 10 - محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه: قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬4)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ* بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ ¬

(¬1) سورة طه، الآيات: 25 - 36. (¬2) سورة يونس، الآيتان: 88 - 89. (¬3) سورة القصص، الآيتان: 16 - 17. (¬4) سورة الأنفال، الآيتان: 9 - 10.

أ - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك - رضي الله عنه -

الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ* وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (¬1)، وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (¬2). والأدعية التي دعا بها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وشوهدت إجابتها كالشمس في رابعة النهار كثيرة جدَّاً لا تُحصر، ولكن منها على سبيل المثال: أ - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته (¬3)، [وأطل حياته، واغفر له] (¬4)، قال أنس: فواللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون نحو المائة اليوم (¬5)، [وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة] (¬6)، وطالت حياتي حتى استحييت من ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآيات: 123 - 126. (¬2) سورة آل عمران، الآيتان: 173 - 174. (¬3) البخاري مع الفتح، 4/ 228، و11/ 144، برقم 6334، 6380، ومسلم، 4/ 1928، برقم 2480. (¬4) البخاري في الأدب المفرد، برقم 653، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص214. (¬5) مسلم، 4/ 1929، برقم 2481. (¬6) البخاري مع الفتح، 4/ 228، برقم 1682.

ب - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لأم أبي هريرة

الناس، وأرجو المغفرة)) (¬1). وكان له - رضي الله عنه - بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منها ريح المسك (¬2). ب - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لأم أبي هريرة، فأسلمت فوراً، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما أكره، فأتيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي. قلت: يا رسول اللَّه، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ اللَّه أن يهدي أمَّ أبي هريرة، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم اهد أمَّ أبي هريرة))، فخرجت مستبشراً بدعوة نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف (¬3)، فسمعت أمي خشف قدميَّ (¬4)، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعتُ خضخضة الماء (¬5)، قال: فاغتسلت ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال قلت: يا رسول اللَّه، ¬

(¬1) الأدب المفرد، برقم 630، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص244. (¬2) الترمذي، 5/ 683، برقم 3833، وانظر: صحيح الترمذي، 3/ 234. (¬3) أي مغلق. (¬4) أي صوتهما في الأرض. (¬5) خضخضة الماء: أي صوت تحريكه.

جـ - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن أبي الجعد البارقي

أبشر قد استجاب اللَّه دعوتك، وهدى أمَّ أبي هريرة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، وقال خيراً، قال: قلت يا رسول اللَّه! ادعُ اللَّه أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم حبب عُبيدك هذا وأمَّه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين))، فما خُلِقَ مُؤمِنٌ يسمع بي ولا يراني إلا أحبني (¬1). جـ - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن أبي الجعد البارقي، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه (¬2)، وفي مسند الإمام أحمد أنه قال له: ((اللَّهم بارك له في صفقة يمينه))، فكان يقف في الكوفة، ويربح أربعين ألفاً قبل أن يرجع إلى أهله (¬3). د- دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - على بعض أعدائه فلم تتخلف الإجابة، ومن ذلك أن المشركين آذوا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في مكة، وأمر أبو جهل بعض القوم أن يضع سلا الجزور بين كتفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد، ففعل ذلك عقبة بن أبي معيط، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم: ((اللَّهم عليك بقريش)) ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ¬

(¬1) مسلم، 4/ 1939، برقم 2491. (¬2) البخاري مع الفتح، 6/ 632، برقم 3642. (¬3) مسند أحمد، 4/ 376، برقم 19362.

هـ - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - على سراقة بن مالك - رضي الله عنه -

ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: ((اللَّهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط)). قال ابن مسعود: فوالذي بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق لقد رأيت الذي سمّى صرعى يوم بدر، ثم سُحِبوا إلى القليب، قليب (¬1) بدر)) (¬2)، وفي رواية: <فأقسم باللَّه لقد رأيتهم صرعى على بدر قد غيرتهم الشمس، وكان يوماً حارّاً)) (¬3). هـ - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - على سراقة بن مالك - رضي الله عنه -، لحق سراقة النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يقتله وأبا بكر، لكي يحصل على دية كل واحدٍ منهما؛ لأن قريشاً جعلوا لمن يقتل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر أو أسرهما دية كل واحد منهما، فلحق سراقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندما رآه أبو بكر قال: يا رسول اللَّه! هذا فارسٌ قد لحق بنا، فالتفت إليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((اللَّهم اصرعه))، وساخت يدا فرس سراقة في الأرض حتى بلغت الركبتين، فقال سراقة: يا رسول اللَّه! ادع اللَّه لي، فدعا له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ونجت فرسه، ورجع يخفي عنهما، فكان أول النهار جاهداً على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان آخر النهار مسلحة (¬4) له يخفي عنه (¬5). ¬

(¬1) القليب: البئر التي لم تطوَ. (¬2) مسلم، 3/ 1418، برقم 1794. (¬3) مسلم، 3/ 1420، برقم 1794. (¬4) المسلحة: القوم الذين يحفظون الثغور من العدو، ويرقبون العدو لئلا يطرقهم، فكذلك سراقة كان مدافعاً ومخفياً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، انظر النهاية، 2/ 388، والقاموس المحيط، ص287. (¬5) البخاري مع الفتح، 7/ 238، و240، و249، برقم 3906، و3908، و3911.

و -- دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر،

ودعاؤه - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر نظر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف (¬1) بربه: ((اللَّهم أنجز لي ما وعدتني، اللَّهم آتِ ما وعدتني، اللَّهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض))، فما زال يهتف بربه، مادَّاً يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي اللَّه كذاك (¬2) مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل اللَّه - عز وجل -: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} (¬3)، فأمده اللَّه بالملائكة (¬4)، قال ابن عباس: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط، فاخضرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول ¬

(¬1) يهتف: يستغيث باللَّه ويدعوه. (¬2) كذاك: أي كفاك، وفي بعض النسخ كفاك، والمعنى صحيح. (¬3) سورة الأنفال، الآية: 9. (¬4) مسلم، 3/ 1384، برقم 1763.

ز- دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب،

اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة)) فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين (¬1). ز- دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب، كان المحاربون لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الأحزاب خمسة أصناف، هم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من قبائل العرب، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريظة، والمنافقون، وكان من حضر الخندق من الكفار عشرة آلاف، والمسلمون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة آلاف، وقد حاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً، ولم يكن بينهم قتال إلا ما كان من عمرو بن وُدٍّ العامري مع علي بن أبي طالب، فقتله علي - رضي الله عنه -، وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة (¬2)، ودعا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عليهم فقال: ((اللَّهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللَّهم اهزمهم وزلزلهم)) (¬3)، وأرسل اللَّه على الأحزاب جنداً من الريح، فجعلت تقوِّض خيامهم، ولا تدع لهم قِدراً إلا كفأته، ولا طنباً إلا قلعته، ولا يقرّ لهم قرار، وجند اللَّه من الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف (¬4). قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا ¬

(¬1) مسلم 3/ 1384 - 1385، برقم 1763. (¬2) انظر: زاد المعاد، 3/ 269 - 276. (¬3) البخاري مع الفتح، 7/ 406، برقم 415. (¬4) زاد المعاد، 3/ 274.

ح - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين:

تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا} (¬1). ح - دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - في حديثه عن قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين قال: ((فلما غشوا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة، ثم قبض من ترابٍ من الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال: ((شاهت الوجوه)) (¬2)، فما خلق اللَّه منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم اللَّه - عز وجل -، وقسم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين)) (¬3). ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآيات: 9 - 11. (¬2) شاهت الوجوه: أي قبحت. (¬3) مسلم، 3/ 1402، برقم 1777.

الفصل السادس: الدعوات المستجابات

الفصل السادس: الدعوات المستجابات كل من عمل بالشروط، وابتعد عن الموانع، وعمل بالآداب، وتحرّى أوقات الإجابة، والأماكن الفاضلة، فهو ممن يستجيب اللَّه دعاءه، وقد بيَّنت السنة أنواعاً وأصنافاً ممن طبَّق هذه الشروط، واستجاب اللَّه دعاءهم، ومنهم: 1 - دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب: عن أم الدرداء - رضي الله عنها - أنها قالت لصفوان: أتريد الحج العام؟ قال: فقلت: نعم، قالت: فادعُ اللَّه لنا بخير؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((دعوةُ المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل)) (¬1). وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال المَلَكُ ولكَ بِمِثلٍ)) (¬2). 2 - دعوة المظلوم: عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن، وساق الحديث وقال فيه: ((واتقِ دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين اللَّه حجاب)) (¬3)، ومن هذه الإجابة قصة سعد - رضي الله عنه - مع أبي سعدة عندما ¬

(¬1) مسلم 4/ 2094 برقم 2733. (¬2) مسلم 4/ 2094، برقم 2732. (¬3) البخاري، برقم 1395، و2448.

قال لمن سأله عن سعد: ((أما إذا نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أَمَا واللَّه لأدعونَّ بثلاث: اللَّهم إن كان عبدك هذا كاذباً، قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزُهُن)) (¬1). وخاصمت أروى بنت أويس سعيد بن زيد - رضي الله عنه - عند مروان بن الحكم وادعت عليه أنه أخذ من أرضها، فقال: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعته من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: وما سمعت من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من أخذ شبراً من الأرض بغير حقِّه طُوِّقه إلى سبع أرضين))، ثم قال: اللَّهم إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تتلمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار، فوقعت فيها فكانت قبرها (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوة المظلوم ¬

(¬1) البخاري، 2/ 236، برقم 755، ومسلم، 1/ 334، برقم 453، وهو أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة. (¬2) مسلم، برقم 1610، 2/ 1230.

3 - دعوة الوالد لولده.

مستجابة، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه)) (¬1). وأنشد بعضهم فقال: لا تظلمنَّ إذا ما كُنتَ مُقتدِراً ... فالظلمُ آخرُه يأتيك بالندمِ نامت عيونُك والمظلوم منتبهٌ ... يدعو عليك، وعين اللَّه لم تنمِ 3 - دعوة الوالد لولده. 4 - دعوة الوالد على ولده. 5 - دعوة المسافر: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث دعوات يُستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده)) (¬2) وفي رواية أحمد والترمذي: ((على ولده)) (¬3). فينبغي الحذر من دعوة هؤلاء، فإن دعوتهم مستجابة. 6 - دعوة الصائم: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى ¬

(¬1) أحمد، 2/ 367، برقم 8795، وأبو داود الطيالسي في مسنده، برقم 1266، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/ 407، برقم 767، وفي صحيح الجامع، 3/ 145، برقم 3377. (¬2) الترمذي، 4/ 314، برقم 1905، و5/ 502، برقم 3448، وأبو داود، 2/ 89، برقم 1563، وابن ماجه، 2/ 1270، برقم 3862، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 286، وفي صحيح الترمذي، 3/ 156 وصحيح ابن ماجه، 2/ 331. (¬3) الترمذي، 5/ 502، برقم 3448، وأحمد، 2/ 258، برقم 3448.

7 - دعوة الصائم حين يفطر.

يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها اللَّه فوق الغمام، ويَفتَحُ لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)) (¬1). 7 - دعوة الصائم حين يفطر. 8 - الإمام العادل: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في حديثه الطويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة الجنة ونعيمها، قال في آخره: (( ... ثلاثة لا تُردُّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، وتُفَتَّحُ لها أبواب السماء، ويقول الربُّ - عز وجل -: وعزتي لأنصُرنَّك ولو بعدَ حين)) (¬2). وعن عبد اللَّه بن عمرو - رضي الله عنهم - يرفعه: ((إن للصائم عند فطره لدعوةً ما تُردّ)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((ثلاثة لا يُردُّ دعاؤُهم: الذاكر للَّه ¬

(¬1) الترمذي بلفظه، 5/ 578، برقم 3598 ورواه الترمذي بإسناد آخر بعد شيخه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، ولكن قال: <الصائم حين يفطر>، 4/ 672، برقم 2526، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 311، وابن ماجه، 1/ 557، برقم 1752، وأخرجه أيضاً البغوي، 5/ 196. (¬2) الترمذي، 4/ 672، برقم 2526، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 311. (¬3) ابن ماجه، 1/ 557، برقم 1753، وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار، 4/ 342.

9 - دعوة الولد الصالح:

كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المُقسِط)) (¬1). 9 - دعوة الولد الصالح: لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)) (¬2). 10 - دعوة المستيقظ من النوم إذا دعا بالمأثور: عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وسبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ثم قال: اللَّهم اغفر لي، أو دعا استُجيب [له]، [فإن عزم فتوضأ ثم صلَّى قُبلت صلاته])) (¬3). 11 - دعوة المضطرِّ: قال اللَّه تعالى: {أمَّن يُجيبُ المضطَرَّ إذا دعَاهُ ويكشِفَ ¬

(¬1) البيهقي في الشعب، 2/ 399، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 212 برقم، 1211. (¬2) مسلم، 3/ 1255، برقم 1631. (¬3) البخاري، برقم 1154، والترمذي بلفظه إلا قوله: اللَّهم اغفر لي؛ فإنها عنده <ربِّ اغفر لي>، برقم 3414.

السُّوءَ} (¬1). ومما يدل على أن من أقوى أسباب الإجابة الاضطرار حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل أغلقت الغار عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة للَّه تعالى واسألوا اللَّه بها لعله يفرجها عنكم، فدعوا اللَّه تعالى بصالح أعمالهم، فارتفعت الصخرة، فخرجوا يمشون (¬2). وعن عائشة ’ أن وليدة كانت سوداء (¬3) لحيٍّ من العرب فأعتقوها، فكانت معهم. قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت فوضعته، أو وقع منها، فمرت به حُديّاة (¬4)، وهو ملقى، فحسبته لحماً فخطفته، قالت: فطفقوا يفتشوا، حتى فتشوا قُبُلها، قالت: واللَّه إني لقائمة معهم إذ مرت الحديّاةُ فألقته، قالت: فوقع بينهم. قالت: فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم وأنا منه بريئة، وهوذا، قالت فجاءت إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت، قالت ¬

(¬1) سورة النمل، الآية: 62. (¬2) البخاري، كتاب الأدب، باب إجابة دعاء من بر والديه، برقم 5974، ومسلم، 4/ 2099، برقم 2743. (¬3) وفي رواية للبخاري، في حديث رقم 3835: <أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب>. (¬4) وفي رواية البخاري: <الحُديا>، برقم 3835.

12 - دعوة من بات طاهرا على ذكر الله:

عائشة فكانت لها خباء في المسجد أو حفش (¬1)، قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: لا تجلس عندي مجلساً إلا قالت: ويوم الوشاحِ من تعاجيبِ ربِّنا ... ألا إنه من بلدةِ الكفر أنجاني قالت عائشة: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت: هذا؟ قالت: فحدثنتي بهذا الحديث (¬2)، وهذا سبب إسلامها، فرُبَّ ضارّةٍ نافعة. 12 - دعوة من بات طاهراً على ذكر اللَّه: عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يبيتُ على ذكر اللَّه طاهراً فيتعارَّ من الليل فيسأل اللَّه خيراً من الدنيا والآخرة إلا أعطاه اللَّه إياه)) (¬3). 13 - دعوة من دعا بدعوة ذي النون: قال اللَّه تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (¬4). ¬

(¬1) الحفش: هو البيت الضيق الصغير. (¬2) البخاري، برقم 439، و3835. (¬3) أبو داود، برقم 5042، وأحمد، 4/ 114، برقم 22048، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 951، وصحيح الترغيب والترهيب، 1/ 245. (¬4) سورة الأنبياء، الآيتان: 87 - 88.

14 - دعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور:

عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوة ذِي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجلٌ مسلمٌ في شيء قط إلا استجاب اللَّه له)) (¬1). 14 - دعوة من أصيب بمصيبة إذا دعا بالمأثور: عن أم سلمة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قالت: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، اللَّهم أْجُرني في مصيبتي، وأَخْلِف لي خيراً منها، إلا آجره اللَّه في مصيبته، وأخلف له خيراً منها))، قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فأخلف لي خيراً منه: رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 15 - دعوة من دعا بالاسم الأعظم: عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو وهو يقول: اللَّهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت اللَّه لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، قال فقال: ((والذي نفسي بيده لقد سأل اللَّه باسمه الأعظم الذي إذا دُعي ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، 5/ 529، برقم 3505، وأحمد، في المسند، 1/ 170، برقم 1662، والحاكم 1/ 505، وصححه ووافقه الذهبي، قال عبد القادر الأرناؤوط في تخريج الكلم، ص86: <وهو كما قالا. وحسنه ابن حجر>، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 168. (¬2) مسلم، 2/ 632، برقم 918.

16 - دعوة الولد البار بوالديه:

به أجاب، وإذا سُئل به أعْطى)) (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - أنه كان مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جالساً ورجل يصلي ثم دعا: اللَّهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد دعا اللَّه باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى)) (¬2). 16 - دعوة الولد البار بوالديه: عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول: إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده، وقال بيده نحو السماء فرفعهما (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللَّه ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا ربِّ أنَّى لي هذه؟ فيقول باستغفار ولدك لك)) (¬4). ¬

(¬1) الترمذي، 5/ 515، برقم 3475، وأبو داود، 2/ 79، برقم 1493، وأحمد، 5/ 360، برقم 22952، وابن ماجه، 2/ 1267، برقم 3857، والحاكم، 1/ 504، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 163. (¬2) أبو داود، 2/ 80، برقم 1494، والترمذي، 5/ 550، برقم 3544، وابن ماجه، 2/ 1268، برقم 3858، والنسائي، 3/ 52، برقم 1300، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 279. (¬3) أخرجه الإمام مالك، 1/ 217 وقال المحقق عبد الباقي: <قال ابن عبد البر: هذا لا يدرك بالرأي، وقد جاء بسند جيد>. (¬4) أخرجه أحمد في المسند، 2/ 509، برقم 10610، وصحح إسناده ابن كثير في تفسيره، 4/ 243.

17 - دعوة الحاج.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (¬1). ومن ذلك حديث الثلاثة الذين انحدرت عليهم الصخرة؛ فإن منهم رجلاً كان برَّاً بوالديه، فتوسل بذلك العمل الصالح، فاستجاب اللَّه دعاءه (¬2). ومن ذلك إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أفضل التابعين، وأنه لو أقسم على اللَّه لأبره، والسبب أن له والدة هو بها برٌ. فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على اللَّه لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)) (¬3). 17 - دعوة الحاج. 18 - دعوة المعتمر. 19 - دعوة الغازي في سبيل اللَّه: ¬

(¬1) أخرجه مسلم، 3/ 1255 في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم 1631. (¬2) البخاري، 4/ 37، برقم 2215، ومسلم، 4/ 2099، برقم 2743. (¬3) أخرجه مسلم، 4/ 1968 في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أويس القرني، برقم 2542.

20 - دعوة الذاكر لله كثيرا:

لحديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الغازي في سبيل اللَّه، والحاج، والمعتمر وفد اللَّه: دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)) (¬1). 20 - دعوة الذاكر للَّه كثيراً: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثة لا يُردُّ دُعاؤُهم: الذاكر للَّه كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط)) (¬2). 21 - دعوة من أحبه اللَّه ورضي عنه: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن اللَّه تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره المؤت وأنا أكره مساءَتهُ)) (¬3). وهذا المحبوب المقرّب الذي له عند اللَّه منزلة عظيمة إذا سأل اللَّه شيئاً أعطاه، وإن استعاذ به من شيء أعاذه، وإن دعاه أجابه، ¬

(¬1) ابن ماجه، برقم 2893، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 149، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 182، 4/ 433. (¬2) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، 2/ 399، والطبراني في الدعاء، برقم 1211، وحسنه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 211، برقم 1211. (¬3) البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، برقم 6502.

فيصير مجاب الدعوة لكرامته على ربه - عز وجل -، وقد كان كثير من السلف الصالح معروفاً بإجابة الدعوة (¬1)، وفي الصحيحين أن الرُّبيِّع بنت النضر كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، فطلبوا منهم العفو فأبوا، فقضى بينهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتُكسر ثنية الرُّبيِّع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فرضي القوم، وأخذوا الأرش، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من عباد اللَّه من لو أقسم على اللَّه لأبره)) (¬2)، وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كم من ضعيف متضعَّف (¬3) ذي طمرين لو أقسم على اللَّه لأبره منهم البراء بن مالك)) (¬4)، ولفظه عند الترمذي: ((كم من أشعث أغبر ذي طمرين (¬5) لا يُؤْبَهُ لهُ (¬6) لو أقسم على اللَّه لأبرَّه، منهم البراء بن مالك)) (¬7)، وكان الحرب إذا اشتدت على المسلمين في الجهاد يقولون: يا براء، أقسم على ربك، فيقول: يا رب أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم، فَيُهزم العدو، فلما كان يوم تُستر قال: أقسمت عليك ¬

(¬1) انظر: جامع العلوم والحكم، 2/ 348. (¬2) البخاري، برقم 2703، ومسلم، برقم 1635 وغيرهما. (¬3) الذي يتضعفه الناس ويتجبرون عليه في الدنيا للفقر ورثاثة الحال. (¬4) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 3/ 292. (¬5) ذي طمرين: أي صاحب ثوبين خلقين. (¬6) لا يؤبه له: لا يُبالى به ولا يلتفت إليه. (¬7) الترمذي، 5/ 693، برقم 3854، وقال صحيح حسن، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 239.

يا رب لما منحتنا أكتافهم، وجعلتني أول شهيد، فمنحوا أكتافهم، وقتل البراء شهيداً (¬1). وقد ذكر ابن رجب ‘ في جامع العلوم والحكم أمثلة كثيرة على استجابة اللَّه تعالى لكثير من عباده المؤمنين (¬2)، وشيخ الإسلام ذكر أموراً عظيمة من ذلك في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (¬3)، وأبو بكر بن أبي الدنيا ذكر في كتابه ((كتاب مجابي الدعوة)) أموراً عظيمة (¬4). ¬

(¬1) أخرجه أبو نعيم في الحلية، 1/ 350، وانظر: أسد الغابة، 1/ 172، وابن كثير في البداية والنهاية، 7/ 95. (¬2) انظر: جامع العلوم والحكم، ص348 - 356. (¬3) ص306 - 320. (¬4) ذكر مائة وثلاثين إجابة، ص17 - 18.

الفصل السابع: أهمية الدعاء ومكانته في الحياة

الفصل السابع: أهمية الدعاء ومكانته في الحياة المبحث الأول: افتقار العباد وحاجتهم إلى ربهم جميع الخلق مفتقرون إلى اللَّه تعالى في جلب مصالحهم ودفع مضارهم، في أمور دينهم ودنياهم، قال تعالى: {يا أيها النَّاسُ أنتُمُ الفُقراءُ إلى اللَّه واللهُ هوَ الغنيُّ الحَميدُ} (¬1)، ومما يوضح ذلك ويُبَيِّنُهُ حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - عز وجل - أنه قال: ((يا عبادي، إني حرَّمت الظلم نفسي، وجعلته بينكم محرَّماً، فلا تظالموا، يا عبادي، كلُّكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلُّكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلُّكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ، ¬

(¬1) سورة فاطر، الآية: 15.

المبحث الثاني: أهم ما يسأل العبد ربه

فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد اللَّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)) (¬1). وهذا يقتضي أن جميع الخلق مفتقرون إلى اللَّه تعالى في جلب مصالحهم، ودفع مضارهم في أمور دينهم ودنياهم، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم شيئاً من ذلك كله، وأن من لم يتفضل اللَّه عليه بالهدى والرزق، فإنه يحرمها في الدنيا، ومن لم يتفضل اللَّه عليه بمغفرة ذنوبه أوْبَقَتْه خطاياه في الآخرة (¬2). المبحث الثاني: أهمُّ ما يسأل العبد ربه العبد يسأل ربه كل شيء يحتاجه في أمر دينه ودنياه؛ لأن الخزائن كلها بيده - سبحانه وتعالى -، قال سبحانه: {وإنْ من شيءٍ إلا عندَنا خزائِنُهُ وما نُنَزِّلهُ إلا بقدَرٍ مَّعلومٍ} (¬3)، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اللَّهمَّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ)) (¬4)، أي لا ينفع ¬

(¬1) مسلم، برقم 2577 وغيره. (¬2) جامع العلوم والحكم لابن رجب رحمه اللَّه، 2/ 37. (¬3) سورة الحجر، الآية: 21. (¬4) أخرجه مسلم، 1/ 415، برقم 593.

1 - سؤال الله الهداية

ذا الغنى منك غناه وإنما ينفعه الإيمان والطاعة (¬1). واللَّه تعالى يحب أن يسأله العباد جميع مصالح دينهم ودنياهم، من المطاعم والمشارب، كما يسألونه الهداية، والمغفرة، والعفو والعافية (¬2) في الدنيا والآخرة، قال اللَّه تعالى: {وسئَلُوا اللهَ من فضلِهِ إنَّ اللهَ كانَ بكلِّ شيءٍ عليماً} (¬3)، وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((سلوا اللَّه من فضله فإن اللَّه يحب أن يُسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج)) (¬4)، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ليسأل أحدكم ربَّه حاجتهُ كلَّها، حتى يسأل شِسْعَ نعْلِهِ إذا انقطع)) (¬5). ولكن العبد يهتم اهتماماً عظيماً بالأمور المهمة العظيمة التي فيها السعادة الحقيقية ومن أهم ذلك ما يأتي: 1 - سؤال اللَّه الهداية، لقوله تعالى: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 244. (¬2) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب، 2/ 38 - 40. (¬3) سورة النساء، الآية: 32. (¬4) الترمذي، في الدعوات، باب في انتظار الفرج، برقم 3571، وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 4/ 166. (¬5) أخرجه الترمذي، ولم أجده في نسختي قال عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 4/ 166: <أخرجه الترمذي، برقم 3607، و3608 في الدعوات، باب 149، وحسنه الترمذي، وهو كما قال>.

وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا} (¬1)، والهداية نوعان: هداية مجملة، وهي الهداية للإيمان والإسلام، وهي حاصلة للمؤمن، وهداية مفصلة، وهي هدايته إلى معرفة تفاصيل أجزاء الإيمان والإسلام، وإعانته على فعل ذلك، وهذا يحتاج إليه كل مؤمن ليلاً ونهاراً، ولهذا أمر اللَّه عباده أن يقرأوا في كل ركعة من صلاتهم قوله تعالى: {إيَّاكَ نعبُدُ وإيَّاكَ نستَعينُ} (¬2)، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه الذي يستفتح به صلاته بالليل: (( ... اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)) (¬3)، وأوصى معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن يقول دبر كل صلاة: ((اللَّهمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك)) (¬4)، ومن دعائه - صلى الله عليه وسلم - في استفتاح صلاة الليل: (( ... اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت)) (¬5)، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يسأل اللَّه الهُدى والسداد: ((اللَّهم إني أسألك الهُدى والسداد)) (¬6)، وعلَّم الحسن بن علي - رضي الله عنه - أن يقول في قنوت ¬

(¬1) سورة الكهف، الآية: 17. (¬2) سورة الفاتحة، الآية: 6. (¬3) مسلم 1/ 534، برقم 770. (¬4) أبو داود، 2/ 86، برقم 1522، والنسائي، 3/ 53، برقم 1303، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 284. (¬5) مسلم، 1/ 534، برقم 771. (¬6) مسلم، 4/ 209، برقم 2725.

2 - سؤال الله مغفرة الذنوب،

الوتر: ((اللَّهم اهدني فيمن هديت)) (¬1). 2 - سؤال اللَّه مغفرة الذنوب، لأن من أهم ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه، أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار، ودخول الجنة (¬2). والعبد محتاج إلى الاستغفار من الذنوب، وطلب مغفرة ذنوبه من اللَّه تعالى؛ لأنه يخطئ بالليل والنهار، واللَّه يغفر الذنوب جميعاً؛ ولعظم هذا الأمر قال عليه الصلاة والسلام: ((يا أيها الناس توبوا إلى اللَّه فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة)) (¬3)، ولفظ النسائي: <يا أيها الناس، توبوا إلى اللَّه واستغفروه، فإني أتوب إلى اللَّه، وأستغفره كلّ يومٍ مائة مرّة، أو أكثر من مائة مرّة> (¬4)، وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: إن كنَّا لنعدُّ لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ((ربِّ اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التوابُ الرحيم)) (¬5). ولفظ الترمذي ورواية عند الإمام أحمد: ((رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب ¬

(¬1) أخرجه أصحاب السنن، أبو داود، برقم، 1425، والترمذي، برقم 466، والنسائي، برقم 1745، وابن ماجه، برقم 1178، وصححه الألباني في إرواء الغليل 2/ 172، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 144، وفي صحيح ابن ماجه، 1/ 194. (¬2) جامع العلوم والحكم، 2/ 41، 404. (¬3) مسلم، 4/ 2076، برقم 2702. (¬4) النسائي في عمل اليوم والليلة، ص 326، برقم 444. (¬5) أبو داود، برقم 1516، وابن ماجه، برقم 3814، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 283، وصحيح ابن ماجه، 2/ 321، وأخرجه أحمد بهذا اللفظ أيضاً، 1/ 21.

الغفور)) (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال أستغفر اللَّه العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر اللَّه له وإن كان فرَّ من الزحف)) (¬2). واللَّه - عز وجل - يقول: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (¬3). وقال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (¬4). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال اللَّه تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عَنَانَ السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة)) (¬5). ¬

(¬1) الترمذي، برقم 3444، وأحمد بلفظ الترمذي، إلا أنه قال بالشك: <التواب الرحيم أو التواب الغفور>، 1/ 67. (¬2) أبو داود، 2/ 85، برقم 1517، والترمذي، واللفظ له، 5/ 569، برقم 3577، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 1/ 511، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 182، وانظر: تحقيق الأرناؤوط لجامع الأصول، 4/ 389. (¬3) سورة النساء، الآية: 110. (¬4) سورة طه، الآية: 82. (¬5) الترمذي 4/ 122، برقم 3540، والدارمي، 2/ 230، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، 5/ 548، وانظر: تحفة الأحوذي، 9/ 525، وجامع العلوم والحكم، 2/ 400 - 418.

وكثيراً ما يُقْرَنُ الاستغفار بذكر التوبة، فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح، وقد وعد اللَّه في سورة آل عمران (¬1) بالمغفرة لمن استغفر من ذنوبه، ولم يصرَّ على ما فعله، فتحمل النصوص المطلقة في الاستغفار كلها على هذا المقيد، وأما استغفار اللسان مع إصرار القلب على الذنب، فهو دعاء مجرَّد، إن شاء اللَّه أجابه، وإن شاء ردَّه، وقد يكون الإصرار مانعاً من الإجابة (¬2)، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر اللَّه لكم، ويل لأقماع القول (¬3)، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون)) (¬4). وإن قال أستغفر اللَّه وأتوب إليه فله حالتان: ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 135. (¬2) جامع العلوم والحكم، 2/ 407 - 411. (¬3) جمع: قمع كضلع وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة والأدهان شبه أسماع اللذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يحفظونه ولا يعملون كالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها فكأنه يمر عليها مجازاً كما يمر الشراب في الأقماع اجتيازاً. (¬4) أخرجه أحمد، 2/ 165، 219، برقم 6541، و7041، ورواه البخاري في الأدب المفرد، برقم 380 وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 1/ 112، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص151، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 482.

الحالة الأولى:

الحالة الأولى: أن يقول ذلك وهو مصر بقلبه على المعصية، فهذا كاذب في قوله: وأتوب إليه؛ لأنه غير تائب، فهو يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب. والثانية: أن يكون مقلعاً عن المعصية بقلبه، ويسأله توبة نصوحاً ويعاهد ربه على أن لا يعود إلى المعصية، فإن العزم على ذلك واجب عليه، فقوله: ((وأتوب إليه)) يخبر بما عزم عليه في الحال (¬1). 3 - سؤال اللَّه الجنة والاستعاذة به من النار؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لرجلٍ: ((ما تقول في الصلاة))؟ قال: أتشهد ثم أسأل اللَّه الجنة، وأعوذ به من النار. أما واللَّه ما أحسن دندنتك، ولا دندنة مُعاذ. فقال: ((حولها ندندنُ)) (¬2)، يعني حول سؤال الجنة والنجاة من النار، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((من سأل اللَّه الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللَّهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللَّهم أجره من النار)) (¬3). ¬

(¬1) انظر: جامع العلوم والحكم، 2/ 410 - 412. (¬2) أبو داود، برقم 792، 793، عن جابر وبعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن ماجه عن أبي هريرة برقم 910 وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 150 وصحيح ابن ماجه، 1/ 150. (¬3) الترمذي، 4/ 700، برقم 2572، وابن ماجه، 2/ 1453، برقم 4340، وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 319، وصحيح النسائي، 3/ 1121.

4 - سؤال الله العفو والعافية

وعن ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كنت أبيت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأتَيْتُهُ بِوَضُوئهِ وحاجته فقال لي: ((سَلْ)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: ((أو غير ذلك))؟ قلت: هو ذاك. قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) (¬1)، وهذا يدل على كمال عقل ربيعة - رضي الله عنه -، ورغبة في أعظم المطالب العالية الباقية، وقد دلَّه - صلى الله عليه وسلم - على كثرة السجود؛ لحديث ثوبان أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أخبرني بعمل أعمله يدخلني اللَّه به الجنة، أو قال: بأحب الأعمال إلى اللَّه فقال: ((عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد للَّه سجدة إلا رفعك اللَّه بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة)) (¬2). 4 - سؤال اللَّه العفو والعافية في الدنيا والآخرة؛ لحديث العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول اللَّه علمني شيئاً أسأله اللَّه؟ قال: ((سل اللَّه العافية)) فمكثت أياماً ثم جئت فقلت يا رسول اللَّه علمني شيئاً أسأله اللَّه؟ فقال لي: ((يا عباسُ، يا عمَّ رسول اللَّه: سل اللَّه العافية في الدنيا والآخرة)) (¬3). ولحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال على المنبر: ((سلوا اللَّه العفو والعافية؛ فإن أحداً لم يُعْطَ بعد اليقين خيراً من ¬

(¬1) مسلم، 1/ 353، برقم 489. (¬2) مسلم، 1/ 353، برقم 488. (¬3) الترمذي، 5/ 534، برقم 3761، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 170.

5 - سؤال الله تعالى الثبات على دينه،

العافية)) (¬1). 5 - سؤال اللَّه تعالى الثبات على دينه، وحسن العاقبة في الأمور كلها، لحديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرِّفه حيث شاء)) ثم قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم مُصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك)) (¬2). وحديث أم سلمة - رضي الله عنها - عندما سُئِلت عن أكثر دعائه إذا كان عندها، قالت: كان أكثر دعائه: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)). قالت: قلت: يا رسول اللَّه مالِ أكثر دعائك: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))؟ قال: ((يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع اللَّه، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ)) (¬3). ولحديث بسر بن أرطأة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يدعو: ((اللَّهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ¬

(¬1) الترمذي، برقم 3811، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 180، وصحيح ابن ماجه، برقم 3849. وللحديثين شواهد في مسند الإمام أحمد بترتيب أحمد شاكر 1/ 156 - 157. ومن حديث أنس بن مالك في الترمذي، برقم 3846، وانظر: صحيح الترمذي، 3/ 170، 180، 185. (¬2) مسلم، 4/ 2045، برقم 2654. (¬3) الترمذي، 5/ 238، برقم 3522، وأحمد، 4/ 182، برقم 24604، والحاكم، 1/ 525، و528، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 171.

6 - سؤال الله تعالى دوام النعمة

وعذاب الآخرة)) (¬1). 6 - سؤال اللَّه تعالى دوام النعمة، والاستعاذة به من زوالها، وأعظم النعم نعمة الدين؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اللَّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر)) (¬2). وعن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه - قال: كان من دعاء رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللَّهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك)) (¬3). 7 - الاستعاذة باللَّه من جهد البلاء ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كان يتعوَّذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء)) (¬4). 8 - سؤال الله الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد؛ ¬

(¬1) أحمد، 4/ 181، برقم 17628، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 178، إلى الطبراني في الكبير، وقال: <رجال أحمد، وأحد أسانيد الطبراني ثقات>. (¬2) مسلم، 4/ 2087، برقم 2720. (¬3) مسلم، 4/ 2097، برقم 2739. (¬4) مسلم، 4/ 2080، برقم 2707.

لحديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَاكْنِزُوا هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)) (¬1)، في لفظ: ((وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ نَدْعُو بِهِنَّ فِي صَلاَتِنَا، أَوْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلاَتِنَا، وذكره)) (¬2)، وفي لفظ: ((أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في صلاته، وذكره)) (¬3). هذه نماذج من أهم المطالب التي ينبغي للعبد أن لا يُغْفِلها، وعليه ألا يغفل الدعاء بالمغفرة له ولوالديه، وبالصلاح له ولذريته ولجميع المسلمين. وصلى اللَّه وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) أحمد في المسند، 28/ 338، برقم 17114، وحسنه محققو مسند أحمد بطرقه. (¬2) أحمد في المسند، 28/ 356، برقم 17133، وحسنه محققو مسند أحمد بطرقه. (¬3) النسائي، برقم 1304، وابن حبان في صحيحه (موارد)، برقم 2416، وصححه الألباني لغيره في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 3228، وفي صحيح موارد الظمآن، برقم 2047 - 2416.

§1/1